فاطمة الزهراء سلام الله عليها

اشارة

عنوان و نام پديدآور : فاطمه الزهراء علیها السلام/ تالیف في مكتب الإمام الخامنئي سورية.

مشخصات نشر : سوريه: في مكتب الإمام الخامنئي سورية 1385.

مشخصات ظاهری : 40 ص. : مصور (رنگی)؛ 12 × 17 س م.

وضعیت فهرست نویسی : فیپا

يادداشت : عربی

موضوع : فاطمه زهرا س) ، 8؟ قبل از هجرت - 11ق. -- سرگذشتنامه

رده بندی کنگره : BP36 /آ9آ5043 3.ج 1390

رده بندی دیویی : [ج]297/973

اشاره

في يوم الجمعة ، وفي العشرين من شهر جمادي الثاني ، خمس سنوات بعد بعثة النبيّ .

تحت سماء الحجاز ، وفي أحضان جبال مكّة الصخرية..

أمام عيون الكعبة ، في بيت الوحي ، في ساحة يرشّها النور المتدفّق من فم النبي الإلهي ، بتلاوة القرآن..

في بيتٍ هو مختلف الملائكة حيث تزوره دائماً..

هناك.. حيث تتلاحم الأرض بالسماء ، على وقع صلاة النبي ليلاً ونهاراً ، وصوت تلاوته الملكوتي في أعماق الليل..

في بيتٍ هو أمل المستضعفين.. ومنقذ المحرومين.. وملجأ الأسرى..

في بيت محمدٍ وخديجة ، فتحت وليدة الوحي عينيها على الدنيا..

أضحى بيت رسول الله بولادة فاطمة أكثر حناناً وعطفاً في ضجيج الأوجاع والتحدّيات العنيفة التي كان يواجهها النبي الكريم في تلك المرحلة الحاسمة في مكة..

كانت فاطمة كنسيم مُهدى ، يمسح برفق على وجنات الوالدين المتعبة ، ليلاً ونهاراً..

يُسكِّن أوجاع الأيام الشاقّة التي تمرّ بها الرسالة..

كم هو مثير ، أن تكون لمثل هذه البنت من الكرامة ، بحيث تبعث الهدوء والسكينة في قلب سيد الكائنات ، الرسول الأعظم حيث يقول في حقها : هي بَضعةٌ منّي ، وهي قلبي وروح التي بين جنبي .

وليس هذا عجيباً في حق فاطمة ، وذلك لأنها من أولئك العظام الذين قال الله تعالى في كتابه الكريم فيهم : إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ

عَنكُ_مُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِي__راً .

إن فاطمة يتلخّص فيها وجود النبي الأعظم لأن فيها جميع الكمالات الإنسانية وملكات الفضائل النفسانية ، وهي الحوراء الإنسية التي حوت العفّة والعصمة والعلم ، وأوتيت البلاغة والحكمة وفصل الخطاب..

فهي نور الحق و مكنون النبوّة ، وعَبَق الرسالة..

إنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين..

وإذا كان ينبغي أن يخصَّص للمرأة يومٌ ، فلا يوم أسمى وأكثر فخراً من اليوم السعيد لولادة فاطمة الزهراء .

وتزامناً مع ذكرى ميلادها العظيم في كل عام نعيش ذكرى مولد ابنها البارّ ، قائد الثورة الإسلامية في إيران ومؤسِّس جمهوريتها ، وذلك الإمام المجاهد الذي اقتدى بنهج أمّه الزهراء ونضالها حتى أعاد للإسلام عزّه ومجده..

وبهذه المناسبتين النيرتين فقد ارتأت شؤون الثقافة والتعليم في مكتب الإمام الخامنئي في سورية أن تضع بين أيدي القرّاء الكرام؛ من المؤمنين والمؤمنات ، دراسة موجزة وإطلالة مشرقة على حياة الزهراء ومناقبها وفضائلها ، فاخترنا كتاب مولد فاطمة الذي طبع سابقاً وقد لقي استقبالاً من قبل النخبة من الناس فقررنا إعادة طبعه بحلّة جديدة ولذا بعد إدخال بعض التصحيحات وإضافة بعض المعلومات ارتأينا أن ندوّنه في كتابين؛ الأول فاطمة الزهراء وليدة الوحي والرسالة إعداد لجنة التحقيق والتأليف والكتاب الثاني مولد فاطمة تأليف الشيخ الصدوق فيصير بذلك كلاهما في مجلد واحد.

سائلين المولى سبحانه أن ينفع به المسلمين عامة ، والله من وراء القصد..

شؤون الثقافة والتعليم

في مكتب الإمام الخامنئي سورية

20/ جمادى الثانية/ 1426ه_ .ق

المصادف لذكرى ولادة فاطمة الزهراء سلام الله عليها

وحفيدها الإمام الخميني قدس سره

الكتاب الأول : فاطمة الزهراءوليدة الوحي والرسالة

وليدة الأسرة المباركة

ولدت السيدة فاطمة في بيتٍ غنيٌ عن التعريف حتى نذكر حياة كل من والديها النبي الأكرم والسيدة خديجة ، لذا سنكتفي بما قاله سبط ابن الجوزي تكريم

وإجلال الرسول لخديجة : في تذكرته : كان رسول الله يودها ويحترمها ويشاورها في أموره كلها ، وكانت وزير صدق ، وهي أول امرأة آمنت به ، ولم تتزوج في حياتها أحداً... وفي حق خديجة قال النبي : وخير نساء أمّتي خديجة بنت خويلد .

ونقل سبط ابن الجوزي أيضاً في فضيلة خديجة أيضاً :

عن الصحيحين أن عائشة قالت : ما غِرت من أحد من نساء رسول الله ما غرت من خديجة ، وما رأيتها قط ، ولكن كان رسول الله يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة فيقطع أعضاءها ويبعث بها إلى صدائق خديجة. فأقول : كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟

فيقول : إنها كانت ، وكان لي منها الأولاد.

وفي رواية أخرى عن عائشة قالت : فأدركتني الغيرة يوماً فقلت : وهل كانت إلا عجوزاً قد أخلف الله لك خيراً منها.

قالت : فغضب حتى اهتزّ مقدم شعره وقال : والله ما أخلف لي خيراً منها ، لقد آمنت بي إذ كفر الناس ، وصدّقتني إذ كذّبني الناس ، وأنفقتني مالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله أولادها إذ حرمني أولاد الناس.

قالت : فقلت في نفسي والله لا أذكرها بسوء أبداً .

في تلك الأجواء من البهجة والسعادة والاحترام المتبادل وُلِدَت الزهراء ؛ فأبوها أشرف الخلائق ، وسيد الرسل ، وخاتم الأنبياء ، وحبيب الله ، وهو الذي كان يتمتّع بالخُلُق السّامي حتى أثنى عليه القرآن الكريم فقال سبحانه وتعالى : وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ وأمّها كانت سيدة قومها ذات الشرف السامي والنسب الرفيع ، والجمال الزاهر ، والمال الوفير ، والعقل الموزون ، والشخصية المميّزة ، فهي سيدة قومها...

نعم السيدة الزهراء كانت وليدة من

هكذا أمٍّ وأبٍ فهي من دوحة النبوّة ، ومن ذلك الشرف والعز والعظمة.

السيدة فاطمة حوراء إنسية :

عن الإمام الرضاع قال : قال النبي لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل وأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته ، فتحوّل ذلك نطفة في صلبي فلمّا هبطت واقعت خديجة ، فحملت بفاطمة ، ففاطمة حوراء إنسية ، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة .

وفي الروض الفائق لشعيب المصري :

روى بعض الرواة الأجلاّء أن خديجة الكبرى تمنّت يوماً من الأيام على سيد الأنام النبي أن تنظر إلى بعض فاكهة الجنة ، فأتى جبرئيل إلى نبي الرحمة بتفّاحتين من الجنة وقال : يا محمد يقول لك من جعل لكلّ شيء قدراً كُلْ واحدةً وأطعِم الأخرى لخديجة الكبرى ، واغشها ، فإني خالق منكما فاطمة الزهراء ، ففعل المختار ما أشار به الأمين وأمر.. إلى أن قال : فكان المختار كلّما اشتاق إلى الجنة ونعيمها قبّل فاطمة وشمّ طيب نسيمها ، فيقول حين يستنشق نسمتها القدسيّة : إن فاطمة حوراء إنسية .

نقول : هذه الرواية وعشرات في مضمونها وردت في أمّهات المصادر وكتب التاريخ تؤكد أن نطفة الزهراء انعقدت من فاكهة الجنة ، وإن الجليل سبحانه وتعالى شاء أن تكون الزهراء حوراء أنسية كما أشار إلى ذلك النبي ، لذا وجدنا من الأهمية بمكان أن نشير إلى جملة من المؤرخين وإلى بعض المصادر التي ذهبت إلى ذكر هذا المعنى ، المتّحد في ذاك المضمون وبألفاظ متقارب منهم :

الخطيب البغدادي في تاريخه الجزء الخامس ص87.

الخطيب الخوارزمي في فضل الحسين ص63.

الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال الجزء الأول ص38.

الحافظ العسقلاني في لسان الميزان الجزء الخامس ص160.

العلامة محب الدين الطبري في ذخائر

العقبى ص43.

إذاً : لقد روى هؤلاء الأعلام خبر فاكهة الجنة وانعقاد نطفة الزهراء منها ، وبطرق عديدة ، ورواتها كلّ من : عائشة ، وابن عباس ، وسعيد بن مالك ، وعمر بن الخطاب.

متى ولدت أم الأئمة فاطمة؟

تفيد الأخبار من طرقنا الخاصة أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنوات ، وفي بعض الأخبار أنها ولدت بعد المعراج مباشرة وسنة المعراج الأول للنبي كانت في السنة الثالثة من البعثة وقيل في السنة الثانية.

وحسب عدة من النصوص أن النبي عرج به إلى السماء أكثر من مرة لذا تتأكد تلك الروايات القائلة بولادة فاطمة في السنة الخامسة بعد البعثة وهي السنة التي عرج بها النبي إلى السماء وأكل من فاكهة الجنة .

أما يوم ولادتها فإنه كان يوم الجمعة في العشرين من جمادى الآخرة ، وإذاً فهي قد أقامت مع أبيها بمكة ثماني سنين ، ثم هاجرت مع الفواطم إلى المدينة المنورة ، وعلى هذا التحديد ثلّة كبيرة من علماء الأمة وكبار المؤرخين منهم :

الشيخ الكليني في كتابه الكافي.

ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب رض .

الشيخ المفيد كما في إقبال الأعمال وحدائق الرياض.

الشيخ الكفعمي في المصباح وهكذا الشيخ الطوسي.

الطبري في دلائل الإمامة؛ كما هو المروي عن الإمام الصادق.

الشيخ المجلسي في بحار الأنوار الجزء 43.

وعليه تأكّد لنا أن ولادة الزهراء كانت بعد المعراج مباشرة ، وهذا يعني أنها ولدت بعد البعثة المباركة بخمس سنين ، وغير هذا القول ضعيف لا يقوم على دليل لأن قبل المبعث لم يكن معراج ولا إسراء.

فاطمة.. فداها أبوها

روى الصدوق؟ في أماليه ، بسنده عن محمد بن قيس قال : كان النبي إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة ، فدخل عليها فأطال عندها المكث ، وقد خرج مرَّة في سفر فصنعت فاطمة مسكتين من ورق ، وقلادة وقرطين ، وستراً لباب البيت لقدوم أبيها وزوجها؟.

فلمّا قدم رسول الله دخل عليها فوقف أصحابه على الباب ، لا يدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه

عندها ، فخرج عليهم رسول الله وقد عرف الغضب في وجهه حتى جلس عند المنبر ، فظنّت فاطمة أنه إنّما فعل ذلك رسول الله لما رأى من المسكتين والقلادة والقرطين والستر ، فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها ، ونزعت الستر ، فبعثت به إلى رسول الله وقالت للرسول :

قل له تقرأ عليك ابنتك السلام ، وتقول اجعل هذا في سبيل الله ، فلمّا أتاه قال : فعلت ! فداها أبوها - ثلاث مرات - ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد ، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما أسقى فيها كافراً شربة ما.

ثم قام فدخل عليها .

محبة فاطمة وشفاعتها

عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قلت لأبي جعفر الباقر : جعلت فداك يا بن رسول الله حدّثني بحديث فضل جدتك فاطمة ، إذا أنا حدّثت به الشيعة فرحوا بذلك.

فقال أبو جعفر : حدّثني أبي عن جدّي عن رسول الله قال :

إذا كان يوم القيامة تُنصب للأنبياء والرسل منابر من نور ، فيكون منبري أعلى من منابرهم يوم القيامة.

ثم يقول : اخطب ، فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها.

ثم ينصب للأوصياء منابر من نور ، وينصب لوصيّي علي بن أبي طالب في أوساطهم منبر ، فيكون منبره أعلى من منابرهم.

ثم يقول : يا علي اخطب ، فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها.

ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور ، فيكون لابني وسبطي وريحانتي أيام حياتي منبر من نور ، ثم يقال لهما اخطبا ، فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلها.

ثم ينادي المنادي وهو جبريل : أين فاطمة

بنت محمد؟ فتقوم ، إلى أن قال : فيقول الله تبارك وتعالى : يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟

فيقول : محمد وعلي والحسن والحسين : لله الواحد القهار.

فيقول الله تعالى : يا أهل الجمع إني قد جعلتُ الكرم لمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين.

يا أهل الجمع : طأطؤا الرؤوس ، وغضّوا الأبصار ، فإن هذه فاطمة تسير إلى الجنة ، فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنّة ، مدبّجة الجنبين ، خطامها من اللؤلؤ الرطب ، عليها رحل من المرجان فتناخ بين يديها ، فتركبها ، فيبعث الله مائة ألف ملك ليسيروا عن يمينها ، ويبعث إليها مائة ألف ملك ليسيروا عن يسارها ، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم ، حتى يصيروا على باب الجنة ، فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت ، فيقول الله يا بنت حبيبي ما التفاتك ، وقد أمرتُ بك إلى جنّتي؟

فتقول : يا رب أحببت أن يُعرف قدري في مثل هذا اليوم.

فيقول الله : يا بنت حبيبي ! ارجعي فانظري من كان في قلبه حبٌ لكِ أو لأحد من ذريتك ، خُذي بيده فأدخليه الجنة.

قال أبو جعفر الباقر : والله يا جابر ، إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبّيها ، كما يلتقط الطير الحبّ الجيد من الحبّ الرديء ، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا ، فإذا التفتوا يقول الله تعالى : يا أحبّائي ما التفاتكم ، وقد شفّعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟

فيقولون : يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم.

فيقول الله يا أحبّائي :

ارجعوا وانظروا من أحبّكم لحب فاطمة.

انظروا من أطعمكم لحب فاطمة.

انظروا من

سقاكم شربة ماء لحب فاطمة.

انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة.

فخذوا بيده وأدخلوه الجنة .

منزلة فاطمة عند رسول الله

روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله في مرضه الذي قبض فيه ، لفاطمة :

بأبي أنتِ وأمي ! أرسلي إلى بعلك فادعيه لي.

فقالت فاطمة للحسن أو للحسين : انطلق إلى أبيك فقل : يدعوك جدّي.

فانطلق إليه الحسين فدعاه ، فأقبل علي بن أبي طالب حتى دخل على رسول الله وفاطمة عنده وهي تقول :

وا كرباه لكربك يا أبتاه !

فقال رسول الله : لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة ، ولكن قولي كما قال أبوك على إبراهيم : تدمع العينان ، وقد يوجع القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب ، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون.

وروي أن النبي دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين وقال لمن في بيته : أخرجوا عني.

وقال لأم سلمة : كوني على الباب فلا يقربه أحد.

ثم قال لعلي : اُدنُ منّي ، فدنا فأخذ بيد فاطمة فوضعها على صدره طويلاً وأخذ بيد علي بيده الأخرى ، فلما أراد رسول الله الكلام غلبته عبرته ، فلم يقدر على الكلام ، فبكت فاطمة بكاءً شديداً وبكى علي والحسن والحسين؟ لبكاء رسول الله.

فقالت فاطمة : يا رسول الله قد قطَّعت قلبي ، وأحرقت كبدي لبكائك يا سيد النبيين من الأولين والآخرين ، ويا أمين ربه ورسوله ، ويا حبيبه ونبيه.

مَنْ لِوُلدي بعدك؟

ولذُلٍّ ينزل بي بعدك؟

مَنْ لعليّ أخيك وناصر الدين؟

مَنْ لوحي الله وأمره؟

ثم بكت وأكبّت على وجهه فقبّلته ، واكبّ عليه علي والحسن والحسين فرفع رأسه إليهم ، ويد فاطمة في يده فوضعها في يد علي وقال

له : يا أبا ا لحسن وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك فاحفظ الله واحفظني فيها ، وإنك لفاعل هذا.

يا علي هذه والله سيدة نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين ، هذه والله مريم الكبرى .

أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لهم ولكم فأعطاني ما سألته.

يا علي أنفذ ما أمرتك به فاطمة ، فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل.

واعلم يا علي إني راضٍ عمّن رضيت عنه ابنتي فاطمة ، وكذلك ربّي وملائكته.

يا علي : ويل لِمَنْ ظلمها ، ويل لِمَنْ انبزها حقها ، وويل لمن هتك حرمتها.

ثم ضمَّ فاطمة إليه وقبّل رأسها وقال : فداك أبوك يا فاطمة .

عصمة فاطمة الزهراء

عن أم سلمة قالت : في بيتي نزلت إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُ_مُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِي__راً فجاءت فاطمة ببرمة فيها ثريد فقال لها : ادعي زوجك وحسناً وحسيناً فدعتهم ، فبينما هم يأكلون إذ نزلت هذه الآية فغشاهم بكساء خيبري كان عليه فقال :

اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا قالها ثلاث مرات .

وعن عائشة بنت أبي بكر قالت : خرج رسول الله غداة غدٍ وعليه مرط مرحل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ، ثم جاء الحسين فأدخلهُ ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُ_مُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِي__راً .

نقول : لقد نزلت في حق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها آيات عديدة ، استدل بها المفسرون والمؤرخون من أصحاب الفقه وأرباب المذاهب ، على عصمة هؤلاء الخمسة الأطهار ، ونحن توخينا الاختصار وتركنا البحث للقارئ النبيه ، إذ هناك العشرات من المصادر

ينبغي مراجعتها.

من فضائل فاطمة ومناقبها

رُوي عن جابر بن عبد الله قال : إن رسول الله أقام أياماً ولم يُطعم طعاماً حتى شقّ ذلك عليه ، فطاف في ديار أزواجه فلم يصب عند إحداهن شيئاً فأتى فاطمة فقال : يا بنية هل عندك شيء آكله ، فإني جائع؟

قالت : لا والله بنفسي أنت وأخي.

فلمّا خرج عنها بعثت جارية لها رغيفين وبضعة لحم فأخذته ووضعته تحت جفنة وغطّت عليها وقالت : والله لأوثرن بها رسول الله على نفسي وغيري وكانوا محتاجين إلى شبعة طعام ، فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله فرجع إليها فقالت : قد أتانا الله بشيء فخبأته لك فقال : هلمّي علي يا بنية فكشفت الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً ، فلما نظرت إليه : بهتتْ وعرفت أنه من عند الله فحمدت الله وصلّت على نبيه أبيها وقدّمته إليه فلمّا رآه حمد الله وقال : من أين لك هذا؟

قالت : هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ .

فبعث رسول الله إلى علي فدعاه وأحضره وأكل رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين وجميع أزواج النبي حتى شبعوا.

قالت فاطمة : وبقيت الجفنة كما هي فأوسعت منها على جميع جيراني جعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً .

نقول : ليهنئك الله يا ابنة محمد حيث أجراك الله سبحانه مجرى مريم بنت عمران إذْ كُلّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً. قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنّىَ لَكِ هَ_َذَا؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ .

بل أنت يا أم الهداة أعلى وأزكى وأطهر ، فكم لك من آيات باهرات وكرامات ساطعات؟ !

وهل يغيب عن الأذهان ما قال فيكِ النبي الأكرم؟ ! فمما

قاله؛ كما هو عن ابن عباس قال : إن رسول الله كان جالساً ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين فقال : اللهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس علي فأحبب من أحبهم ، وأبغض من أبغضهم ، ووال من والاهم ، وعاد من عاداهم ، وأعن من أعانهم ، واجعلهم مطهّرين من كل رجس ، معصومين من كل ذنب ، وأيدهم بروح القدس منك.

ثم قال يا علي أنت إمام أمتي وخليفتي عليها بعدي ، وأنت قائد المؤمنين إلى الجنة وكأني ، أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور عن يمينها سبعون ألف ملك ، وعن يسارها سبعون ألف ملك ، وبين يديها سبعون ألف ملك ، وخلفها سبعون ألف ملك ، تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة.

فقيل يا رسول الله هي سيدة نساء عالمها؟

فقال : ذاك لمريم بنت عمران ، فأما ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وإنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقرّبين وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون يا فاطمة : إن الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين .

وفي المناقب روى أبو علي الصولي في أخبار فاطمة وأبو السعادات في فضائل العشرة بالإسناد عن أبي ذر الغفاري قال : بعثني النبي أدعو علياً فأتيت بيته وناديته فلم يجبني فأخبرت النبي فقال : عد إليه فإنه في البيت ودخلت عليه فرأيت الرحى تطحن ولا أحد عندها.

فقلت لعلي : إن النبي يدعوك فخرج متّشحاً حتى أتى النبي فأخبرت النبي بما رأيت فقال : يا أبا ذر لا تعجب فإن لله ملائكة سيّاحون في الأرض موكّلون بمعونة آل محمد

.

وعن الحسن البصري وابن إسحاق عن عمار وميمونة أن كليهما قالا : وجدت فاطمة نائمة والرحى تدور فأخبرت رسول الله بذلك فقال : إن الله علم ضعف أمته فأوحى إلى الرحى أن تدور فدارت .

من تراث الزهراء

لقد كانت الزهراء ربيبة العلم والتقى وكان حظّها منهما وفيراً ، ويدلّنا على شيء من ذلك بعض ما أثر عنها من الأحاديث التي روتها عن رسول الله بالمباشرة في الأحكام والآداب والأخلاق وفضائل أهل البيت ، وقد جُمع في ما سُمّي ب_ مسند فاطمة الزهراء لعدّة مؤلفين ، أولهم السيوطي المتوفّى عام 911ه_ ، والثاني للسيد حسين شيخ الإسلامي التويسركاني ، وقد جمع فيه 620 حديثاً مما نُقل عن الزهراء عن رسول الله أو ممّا يرتبط بها صلوات الله عليها مع رسول الله وغيرها من الكتب.

وليس بغريب أن تكون السيدة فاطمة قد جمعت قسماً مما سمعته منه ومن زوجها في التشريع والأخلاق والآداب وما سيحدث في مستقبل الزمان من الأحداث والتقلبات ، وقد ورث الأئمة من أبنائها في جملة ما ورثوه عنها هذا التراث الخالد الذي اشتهر بمصحف فاطمة وهو الآن عند ولدها الإمام المهدي المصلح العالمي المنتظر.

وهذا الكتاب هو عبارة عن وعاء يشتمل على ما كان وما يكون من وقائع تاريخية والأحاديث التي سمعتها الزهراء من أبيها رسول الله.

وقد أخبر بهذا الكتاب الإمام الصادق حيث يقول : إنّ عندي مصحف فاطمة ما أزعم أن فيه قرآناً ، وفيه ما يحتاجه الناس إلينا ولا نحتاجه إلى أحدٍ .

نماذج مختارة من مسند فاطمة

اهتمامها بالعلم

عن ابن مسعود قال : جاء رجل إلى فاطمة فقال : يابنة رسول الله هل ترك رسول الله عندك شيئاً تطرفينيه؟ فقالت : يا جارية هات تلك الحريرة ، فطلبتها فلم تجدها.

فقالت : ويحك أُطلبيها فإنّها تعدل عندي حسناً وحسيناً ، فطلبتها فإذا هي قد قممتها في قمامتها ، فإذا فيها ، قال محمد النبي : ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه ، ومن كان

يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت ، إن الله يحبُّ الخيّر الحليم المتعفّف ، ويبغض الفاحش الضنين السئّال المحلف ، إنَ الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنّة ، وإنَّ الفحش من البذاء ، والبذاء في النار .

التعريف بأهل البيت

؟ عن أبي الطفيل ، عن أبي ذر رحمه الله ، قال : سمعت فاطمة تقول : سألت أبي عن قول الله تبارك وتعالى : وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيمَاهُمْ .

قال : هم الأئمة بعدي : عليٌّ وسبطاي وتسعة من صلب الحسين ، هم رجال الأعراف ، لا يدخل الجنّة إلا من يعرفهم ويعرفونه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وينكرونه ، لا يُعرف الله إلا بسبيل معرفتهم.

؟ عن سهل بن سعد الأنصاري قال : سألت فاطمة بنت رسول الله عن الأئمة فقالت : كان رسول الله يقول لعليّ : يا عليُّ أنت الإمام والخليفة بعدي ، وأنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضيت فابنك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى الحسن فابنك الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى الحسين فابنه عليُّ بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى عليُّ فابنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى موسى فابنه عليٌّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى عليٌّ فابنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى محمد فابنه عليٌّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى عليٌّ فابنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم

، فإذا مضى الحسن فالقائم المهديٌّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، يفتح الله تعالى به مشارق الأرض ومغاربها ، فهم أئمة الحق وألسنة الصدق ، منصور من نصرهم ، مخذول من خذلهم .

أهمية الصلاة

عن سيدة النساء فاطمة ابنة سيد الأنبياء صلوات الله عليهم أنها سألت أباها محمدا فقالت : يا أبتاه ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟

قال : يا فاطمة من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة؛ ستّ منها في دار الدنيا ، وثلاث عند موته ، وثلاث في قبره ، وثلاث في القيامة إذا خرج من قبره.

أما اللواتي تصيبه في دار الدنيا : فالأولى يرفع الله البركة من عمره ، ويرفع الله البركة من رزقه ، ويمحو الله عز وجل سيماء الصالحين من وجهه ، وكلّ عمل يعمله لا يؤجر عليه ، ولا يرتفع دعاؤه إلى السماء ، والسادسة ليس له حظّ في دعاء الصالحين.

وأما اللواتي تصيبه عند موته : فأوَّلهنَّ أن يموت ذليلاً ، والثانية يموت جائعاً ، والثالثة يموت عطشاً ، فلو سقي من أنهار الدنيا لم يرو عطشه.

وأما اللواتي تصيبه في قبره : فأوَّلهنَّ يوكِّل الله به ملكاً يزعجه في قبره ، والثانية يضيّق عليه قبره ، والثالثة تكون الظلمة في قبره.

وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره : فأولهنَّ أن يوكل الله به ملكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه ، والثانية يحاسب حساباً شديداً ، والثالثة لا ينظر الله إليه ولا يزكّيه وله عذاب أليم .

الأخلاق والآداب

عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن فاطمة ابنة النبي ؟ قالت :

سمعت النبي يقول : إنَّ في الجمعة لساعةً لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله عز وجل فيها خيراً إلا أعطاه ، فقالت : فقلت : يا رسول الله أيُّ ساعة هي؟

قال : إذا تدلّى نصف عين الشمس للغروب ، قال : وكانت

فاطمة تقول لغلامها : أصعد على السطح ، فإن رأيت نصف عين الشمس قد تدلّى للغروب فأعلمني حتى أدعو .

عن الزهراء قالت : دخل عليَّ رسول الله وقد افترشت فراشي للنوم ، فقال : يا فاطمة لا تنامي إلا وقد عملت بأربعة : ختمت القرآن ، وجعلت الأنبياء شفعاءك ، وأرضيت المؤمنين عن نفسك ، وحججت واعتمرت ، قال هذا وأخذ في الصلاة ، فصبرت حتى أتم صلاته ، قلت : يا رسول الله إنك أمرت بأربعة لا أقدر عليها في هذا الحال ! فتبسّم وقال : إذا قرأت قل هو الله أحد ثلاث مرات فكأنّك ختمت القرآن ، وإذا صلّيت عليَّ وعلى الأنبياء قبلي كُنّا شفعاءك يوم القيامة ، وإذا استغفرت للمؤمنين رضوا كلُّهم عنك ، وإذا قلت : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فقد حججت واعتمرت .

إسرار النبي لها صلوات عليهما

عن عائشة قالت : أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله فقال : مرحباً بابنتي ، ثمَّ أجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم إنه أسرَّ إليها حديثاً ، فبكت ، فقلت لها : استخصَّك رسول الله حديثه ثمَّ تبكين؟ ثم إنَّه أسرَّ إليها حديثاً فضحكت ، فقلت : ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن ، فسألتها عمّا قال : فقالت : ما كنت لأفشي سرَّ رسول الله ، حتى إذا قبض النبي سألتها ، فقالت : إنه أسرَّ إليَّ فقال : إن جبرئيل كان يعارضني بالقرآن في كل عام مرَّةً ، وإنه عارضني به العام مرتين ، ولا أراه إلا قد حضر أجلي ، وإنك أول أهل بيتي لحوقاً بي ، ونعم السلف أنا لك ، فبكيت

لذلك ، ثمَّ قال : ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة ، أو نساء المؤمنين ، قالت : فضحكت لذلك .

نماذج من أدعيتها

تقديم

كانت إذا جنّ الليل تقوم في محرابها صافّةً قدميها منقطعةً إلى ربّها مصلّيةً مناجيةً متهجدةً تدعو الله سبحانه بلسان الخائف الذليل المنقطع ، وتقول في دعائها :

اللهم إني أسألك قوةً في عبادتك ، وتبصّراً في كتابك ، وفهماً في حكمك ، اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد ، ولا تجعل القرآن بنا ماحلاً ، والصراط زائلاً ومحمداً عنا مولّياً.

ومن دعائها أيضاً

1- اللهم اجعل أول يومي هذا فلاحاً ، وأوسطه صلاحاً ، وأخره نجاحاً ، اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، واجعلنا ممن أناب إليك فقبلته ، وتوكّل عليك فكفيته ، وتضرّع إليك فرحمته.

2- اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، والعمل بما تحبّ وترضى إني أسألك من قوتك لضعفنا ، ومن غناك لفقرنا وفاقتنا ، ومن حلمك وعلمك لجهلنا ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وأعنّا على شكرك وذكرك وطاعتك وعبادتك يا أرحم الراحمين.

3- دعاء النور المعروف باسمها

بسم الله النور ، بسم الله نور النور ، بسم الله الذي هو مدبّر الأمور ، بسم الله الذي خلق النور من النور ، الحمد لله الذي خلق النور من النور ، وأنزل النور على الطور ، في كتاب مسطور ، في رق منشور ، بقدر مقدور ، على نبيّ محبور ، الحمد لله الذي هو بالعزّ مذكور ، وبالفخر مشهور ، وعلى السرّا ء والضرّاء مشكور ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين .

خطبة السيدة الزهراء في مسجد النبي

ومن أهمّ تراث السيدة الزهراء خطبتها الأولى التي ألقتها في مسجد أبيها رسول الله n بين المهاجرين والأنصار فقد روى أصحاب الحديث لما منعت فاطمة فدكاً لاثت خِمارها ، وخرجت في حشد من نسائها ولُمّة من قومها تجرّ أدراعها ملابسها ما تخرم من مِشية رسول الله شيئاً ، حتى دخلت على أبي بكر في مسجد أبيها وهو في حشد من المهاجرين والأنصار.

ثم أسبلت بينها وبينهم سَجْفاً سِترّاً ثم أنّت أنّةً أجهش القوم بالبكاء ! فلما سكنت فورتهم قالت :

الحمد لله على ما أنعم ، وله الشُّكر على ما ألهم ، والثناء بما قدّم مِن عمومِ نِعَم

ابتدأها ، وسُبوغِ آلاء أسْداها ، وتَمامِ مِنَن أوْلاها ، جَمَّ عن الاِحصاء عددُها ، ونأى عن الجزاءِ أمَدُها ، وتفاوَتَ عَنِ الاِدْراك أَبَدُها ، وَنَدَبَهُمْ لاستزادَتِها بالشُكرِ لاتّصالها ، وَاسْتحْمَدَ إلى الخلائِقِ بإجزالها ، وثنى بالندب إلى أمثالها ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، كلمةً جَعَلَ الاِخلاصَ تأويلَها ، وَضَمَّنَ القلوبَ مَوْصولَها ، وأنارَ في التفكُّرِ معقولَها .

الممتنعُ من الأبصار رؤيَتُه ، ومن الألسُنِ صفَتُه ، ومن الأوْهامِ كيفيّتُهُ ، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قَبْلها ، وأنشأها بلا احتذاءِ أمْثِلَة امتَثَلها ، كَوَّنها بقدرته ، وذَرَأَها بمشِيَّتهِ ، من غير حاجة منه إلى تكوينها ، ولا فائدة له في تصويرِها ، إلاّ تثبيتاً لحكمته ، وتنبيهاً على طاعته ، وإظهاراً لقدرته وتعبُّداً لبريّته وإعزازاً لدعوته ، ثمّ جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، ذِيادة لعباده عن نقمته ، وحياشة لهم إلى جنّته .

وأشهد أنّ أبي محمّداً عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله ، وسمّاه قبل أن اجتباه ، واصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبِستر الأهاويل مصونة ، وبنهاية العدم مقرونة ، علماً من الله تعالى بمآيل الأمور ، وإحاطةً بحوادث الدهور ، ومعرفةً بمواقع الاُمور ، ابتعثه الله إتماماً لأمره ، وعزيمةً على إمضاء حكمه ، وإنفاذاً لمقادير حتمه ، فرأى الأمم فِرَقاً في أديانها ، عُكَّفاً على نيرانها ، عابدةً لأوثانها ، منكرةً لله مع عِرفانِها .

فأَنارَ اللهُ بأبي محمّد ظُلَمَها ، وكَشَفَ عن القلوب بُهَمَه ، وجَلى عن الأبصارِ غُمَمَها ، وقام في النّاس بالهداية ، فأنقذهم من الغواية ، وبَصّرَهُم من العَماية ، وهَداهُم

إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الطريق المستقيم .

ثمّ قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ، ورغبة وإيثار ، فمحمّد من تعب هذه الدار في راحة ، قد حُفَّ بالملائكة الأبرار ، ورضوانِ الربّ الغفّار ، ومجاورة الملك الجبّار ، صلّى الله على أبي نبيّه ، وأمينه ، وخيرته من الخلق وصفيّه ، والسّلام عليه ورحمة الله وبركاته».

ثمّ التفتت إلى أهل المجلس وقالت : «أنتم عِبادَ الله نصب أمرِه ونهيِه ، وحَمَلَة دينهِ وَوَحْيهِ ، واُمناء الله على أنفسكم ، وبُلَغاؤه إلى الاُمم ، زعيمُ حق له فيكم ، وعهدٌ قدّمه إليكم ، وبقيّةٌ استخلفها عليكم ، كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بيّنةً بصائره ، منكشفةً سرائره ، منجلية ظواهره ، مغتَبِطَةً به أشياعُه ، قائداً إلى الرضوان اتّباعه ، مؤدّ إلى النّجاة استماعُه ، بِه تُنال حججُ اللهِ المُنَوَّرَة ، وعزائِمُهُ المُفَسَّرَةُ ، ومحارِمُه المحذّرة ، وبيّناتُه الجالية ، وبراهينُه الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورُخَصُه الموهوبة ، وشرائعهُ المكتوبة .

فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك ، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر ، والزكاة تزكيةً للنفس ، ونماءً في الرزق ، والصيام تثبيتاً للإخلاص ، والحج تشييداً للدين ، والعدل : تنسيقاً للقلوب ، وطاعتنا نظاماً للملّة ، وإمامتنا أماناً للفرقة ، والجهاد عزّاً للإسلام ، والصبّر معونة على التسيجاب الأجر ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة ، وبرّ الوالدين وقاية من السخط ، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد ، والقصاص حقناً للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة ، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس ، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس ، واجتناب

القذف حجاباً عن اللعنة ، وترك السرقة إيجاباً للعفّة ، وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية.

فاتّقوا الله حقّ تقاته ، ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون ، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فإنّه إنّما يخشى اللهَ من عباده العلماء .

ثم قالت : أيّها الناس اعلموا أنّي فاطمة وأبي محمد ، أقول عوداً وبدواً ، ولا أقول ما أقول غلطاً ، ولا أفعل ما أفعل شططاً لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ فإن تَعْزوهُ وتعرفوه تَجِدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابنِ عَمّي دون رجالِكم ، وَلَنِعْمَ المعزّي إليه ، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة مائلاً عن مَدْرَجَةِ المشركين ، ضارباً ثَبَجَهُم آخِذاً بأكظامِهِم داعياً إلى سبيلِ ربِّهِ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة ، يَجِفُ الأصنامَ وَينكُثُ الهام ، حتّى انهزم الجمع وولّوا الدبر ، حتّى تَفَرّى اللّيلُ عن صُبْحِه ، وأسْفَرَ الحَقُّ عن مَحْضِه ، ونَطَقَ زعيمُ الدّين ، وخَرَسَت شَقاشِقُ الشَياطين ، وطاح وشيظُ النِفاقِ ، وانْحَلَّتْ عُقَدُ الكفرِ والشِقاق ، وفُهْتُم بكلمة الإخلاص في نَفَر من البيض الخِماصِ وكنتم على شَفا حُفرة من النار ، مِذقَةَ الشارِب ونهزَة الطامع ، وقَبْسَةَ العَجْلان ، ومَوْطِئَ الأقدام تشَرْبَونَ الطَرَق ، وتَقتْاتونَ القِدّ أذِلّة خاسئين ، تخافون أن يتخطّفكم النّاسُ مِن حَوْلِكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد ، بعد اللتيا والّتي ، وبعد أن مُنِي بِبُهْمِ الرجال وذؤبانِ العَرَب ، ومَرَدَةِ أهلِ الكتاب ، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أَطفأها الله ، أو نَجَمَ قَرْنُ الشيطان ، أو فَغَرَتْ فاغِرةٌ من المشركين قَذَفَ أخاهُ في لَهواتِها ، فلا يَنكَفِئ حَتّى يَطأَ جَناحَها بأَخْمصِه ، ويُخْمِدَ لَهَبَها بِسَيْفِه ، مَكدوداً

في ذاتِ الله ، مجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله ، سيّداً في أولياء الله ، مشمِّراً ناصحاً ، مُجِدّاً كادِحاً ، لا تأخُذهُ في الله لومةُ لائم ، وأنتم في رفاهيّة من العيش ، وادِعون فاكِهون آمِنون ، تَتَربَّصوَن بِنا الدوائرَ وتَتَوكَّفونَ الأخبْارَ وتَنْكِصونَ عِنْدَ النِزالِ ، وتَفِرّونَ مِنَ القِتال .

فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ظهر فيكم حسكة النِفاق ، وسمُلَ جِلبابُ الدين ، ونَطَقَ كاظِمُ الغاوين ، وَنَبَغَ خامِلُ الأَقَلّينَ ، وهَدَرَ فَنيقُ المُبطِلين ، فَخَطَرَ في عَرَصاتِكم ، وَأطْلَعَ الشَيْطانُ رأسَه مِن مَغرِزِه هاتِفاً بِكُم فَأَلْفاكُم لِدَعْوَتهِ مُستَجيبين ، ولِلغِرَّةِ فيه ملاحِظينَ ، ثمّ اسْتَنْهَضَكُم فَوَجَدَكُم خِفافاً ، وأحْشَمَكُم فَألفاكم غِضاباً ، فَوَسَمْتُم غَيْرَ إبِلِكُم ، وَوَرَدْتُم غَيْرَ مَشْرَبِكُم ، هذا والعهدُ قَريبٌ ، والكَلْمُ رَحيبٌ ، والجُرْحُ لمّا يَنْدَمِلْ ، والرّسولُ لَمّ_ا يُقْبَرْ ، إبتداراً زَعَمْتُم خَوْفَ الفِتْنَةِ ألا في الفِتْنَةِ سَقَطوا وإنّ جَهَنّم لَ_مُحيطَةٌ بالكافرين .

فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وأنى تؤفكون ، وكتاب الله بين أطهركم ، أموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة ، وأعلامه باهرة ، وزواجره لايحة ، وأوامره واضحة ، وقد خلفتموه وراء طهوركم ، أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الاَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ .

ثم لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكُن نفرتها ، ويَسلُس قِيادُها ، ثمّ أخذتُم تُورونَ وَقْدَتَها ، وتُهَيِّجونَ جَمْرَتَها ، وتَستَجيبونَ لِهِتافِ الشيطانِ الغَوِيّ ، وإطفاءِ أنوارِ الدّينِ الجَليّ ، وإهمالِ سُنَنِ النَبيّ الصَفِيّ صلى الله عليه وآله ، تَشْرَبونَ حَسْواً في ارتِغاء وَتَمْشوُن لأهِلهِ وَوُلْدِهِ في الخَمَرَةِ والضَرّاء ونصبر منكم على مِثْلِ

حَزِّ المُدى وَوَخْزِ السِنان في الحَشا ، وأنتم الآنَ تَزْعَمون : أن لا إرْثَ لَنا ، أفَحُكْمَ الجاهِلِيَّةِ تَبْغونَ ؟ ومَن أحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكماً لِقَوْم يوقِنون ! أفلا تعلمون ؟ ! بلى قَد تَجلّى لكم كالشمسِ الضاحِيَةِ : أن_ّي ابنَتُهُ ، أيُّها المسلمون أاُغْلَبُ على إرْثي ؟.

.. أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول : وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ، وقال فيما اقتَصَّ مِن خَبَرِ يَحيى بنِ زَكَرِيّا إذ قال : فَهَبْ لي مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُني وَيَرِثُ مِن آلِ يَعْقوبَ وقال : وأُولو الأرحامِ بَعْضُهُم أولى بِبَعْض في كتابِ اللهِ وقال : يُوصيكُمُ اللهُ في أوْلادِكُم لِلذّكَرِ مثلُ حظِّ الاُنثَيَين وقال : إن ترَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ للوالِدَيْنِ والأقرَبينَ بالمَعروفِ حَقّاً على المتّقين .

فَدونَكَها مخْطومَةً مرحولةً تَلقْاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ ، فَنِعْم الحَكَمُ اللهُ ، والزَعيمُ مُحَمَّدٌ ، والمَوْعِدُ القِيامَةُ ، وَعِنْدَ السّاعِة يَخْسَرُ المُبْطِلونَ ، ولا ينفَعُكُم إذ تَنْدمونَ ، ولِكُلِّ نَبأ مُسْتَقرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمونَ مَن يَأتيهِ عذابٌ يُخزيه وَيَحِلُّ عليه عَذابٌ مُقيمٌ» .

ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت :

يا معشر النقيبة وأعْضادَ المِلَّةِ وحَضَنَةَ الاِسلام ، ما هذِهِ الغَميزَةُ في حَقّي والسِنَةُ عَن ظُلامَتي ؟ أما كانَ رسَولُ اللهِصلى الله عليه وآله أبي يقول : « المرءُ يُحْفَظُ في وُلْدِهِ » ؟ سَرْعانَ مَا أحْدَثْتُم ، وَعَجْلانَ ذا إهالَة ولَكُم طَاقَةٌ بما اُحاوِلُ ، وَقُوَّةٌ على ما أطْلُبُ واُزاوِلُ ، أتقولونَ ماتَ محمّد ؟ فَخَطْبٌ جَليلٌ اسْتَوسَعَ وَهْنُه وَاسْتَنْهَرَ فَتْقُهُ وَانْفَتَقَ رَتْقُهُ وَاظْلَمَّتِ الأرْضُ لِغَيْبَتِهِ ، وكُسِفَتِ الشَمسُ وَالقْمَرُ ، وانْتَثَرَتِ النجومُ لِمُصيبَتِهِ ، وأَكْدَتِ الآمالُ ، وَخَشَعَتِ الجِبالُ ، واُضيعَ الحَريمُ ، واُزيلَتِ الحُرْمَةُ عِنْدَ ممَاتِهِ ، فَتِلكَ

وَاللهِ النازِلةُ الكُبْرى ، والمُصيبَةُ العُظمى ، لامِثْلُها نازِلَةٌ ، ولا بائِقَةٌ عاجِلَة ، أعْلَنَ بها كتابُ اللهِ جَلَّ ثَناؤُه في أفْنِيَتِكُمْ ، وَلِقَبْلِهِ ما حَلَّ بِأنبياءِ اللهِ وَرُسُلِهِ حُكْمٌ فَصْلٌ ، وقَضاءٌ حَتْمٌ : وما مُحمَّدٌ إلاّ رَسولٌ قد خَلَتْ مِن قَبلِهِ الرُسُلُ أفإنْ ماتَ أو قُتِلَ انقَلَبْتُم على أعْقابِكُم وَمَنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ فلنَ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيْجزي اللهُ الشاكرينَ .

إيهاً بني قيلة أاُهْضَمُ تُراث أبي؟ وأنتم بِمرَأىً منّي ومَسْمَع ، ومُنْتَدىً ومَجْمَع ، تُلْبِسُكُمُ الدَعْوَةُ ، وتشملكم الحيَرَةُ ، وأنتم ذوو العدد والعُدّة ، والأداة والقوّة ، وعندكم السلاح والجُنَّة ، توافيكم الدَعْوَةُ فلا تجيبون ، وتأتيكُمُ الصَرْخَةُ فلا تغيثونَ ، وأنتم مَوْصوفونَ بالْكِفاح ، مَعروفونَ بِالخَيْرِ والصّلاح ، والنُخْبَةُ الّتي انْتُخِبَتْ ، والخيرةُ التي اختيرت لنا أهْلَ البَيْتِ ، قاتَلْتُمُ العَرَبَ ، وتَحَمَّلْتُم الكَدَّ وَالتَعَبَ ، وناطَحْتُم الاُممَ وكافَحْتُم البُهَمَ ، لا نَبْرَحُ أو تَبْرَحون ، نأمُرُكُم فَتَأْتَمِرونَ حتّى إذا دارَتْ بِنا رَحى الإسلام ، ودَرَّ حَلَبُ الأَيامِ ، وَخَضَعَتْ ثَغْرَةُ الشِرك ، وَسَكَنَتْ فَوْرَةُ الإفك ، وَخَمَدَتْ نيرانُ الكُفْرِ ، وَهَدَأَتْ دَعْوَةُ الهَرَجِ ، وَاسْتَوْسَقَ نِظامُ الدّين ، فأنّى حزتم بعد البيان ؟ وأسررْتم بعد الاِعْلانِ؟ ونَكَصْتُم بَعْدَ الاِْقدام؟ وأشْرَكتم بعد الإيمانِ؟.

بؤساً لقوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ، وهموا بإخراج الرسول ، وهم بدأوكم أوّل مرّة ، أتخشونهم فالله أحقُّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ، ألا وقد أرى أن قد أخذتم إلى الخفض وأبعَدْتُم مَن هو أحقُّ بالبَسطِ والقَبض ، وخَلَوْتُم بالدَعَة ونَجَوْتُم بالضّيق من السعة ، فَمَجَجْتُم ما وَعَيْتُم ، ودَسَعْتُم الذي تَسَوَّغْتُم فإن تكفروا أنتم ومَن في الأرض جَميعاً فإنّ الله لغنيٌ حَميدٌ

ألا وقد قلت

ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة الّتي خامَرَتْكُم والغَدْرَةِ التي استشْعَرَتْها قلوبُكُم ، ولكنّها فَيْضَةُ النَفْسِ ونَفْثَةُ الغَيْظ ، وخَوَرُ القَناة وَبثَّةُ الصَدْر وتَقْدِمَةُ الحُجَّةِ ، فَدونكموها فاحتَقِبوها دَبَرَةَ الظَهر ، نَقِبَةَ الخُفِّ باقيةَ العارِ ، موسومَةً بِغَضَبِ الجَبّار وشنارِ الأَبَدِ ، موصولةً بنارِ الله الموقَدة ، الّتي تطّلع على الأفئدة ، فبعَيْنِ اللهِ ما تَفْعَلونَ وَسَيَعْلَمْ الّذِينَ ظَلَمُوَاْ أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ وأنا ابنةُ نَذير لكم بَين يَدَي عذاب شديد فاعملوا إنّا عامِلونَ ، وانتظِروا إنّا منتَظِرونَ».

ثُمَّ التفتت فاطمة إلى الناس وقالت :

«معاشِرَ المسلمين المسرِعَةَ إلى قيلِ الباطلِ ، المُغْضِيَةَ على الفعلِ القبيحِ الخاسِر ، أفلا تتدبّرونَ القُرْآن أم على قلوب أقفالها؟ كلاّ بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم. فاُخذ بسَمْعِكُم وأبصارِكُم ولبئس ما تَأَوَّلْتُم ، وساء ما به أَشَرْتُم ، وشرّ ما منهُ اغتَصَبْتُم ، لَتَجِدُنَّ واللهِ مَحْمِلَه ثَقيلا ، وَغِبَّهُ وَبيلا ، إذا كُشِفَ لكُمُ الغِطاءُ وبانَ ما وراءَه الضَرّاءُ ، وبَدا لَكُم مِن ربّكم ما لم تكونوا تحتَسبِون وخَسِرَ هُنالِكَ المُبطِلونَ

ثم عطفت على قبر النبيّ وقالت :

قد كان بعدك أنباءٌ وهنبثة

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها

وكلُّ أهل له قُربىً ومنزِلَةٌ

أبدت رجالٌ لنا نجوى صدورهم

تَجَهَّمَتْنا رجالٌ واستُخِفّ بنا

وكنت بدراً ونوراً يستضاء به

وكان جبريلُ بالآياتِ يُؤْنِسُنا

فَلَيْتَ قبلَكَ كانَ المَوْتُ صادَفنا

لو كنت شاهِدَها لم تكثُرِ الخُطَبُ

وأختلّ قومك فاشهدهم ولا تغبُ

عِندَ الإله على الأدنين مُقترِبُ

لما مضيت وحالت دونك الترب

لمّا فُقِدْتَ وَكُلُّ الأرْضِ مُغْتَصَبُ

عليك ينزل من ذي العزّة الكتب

فَقَدْ فُقِدْتَ وَكُلُّ الخَيْرِ مُحْتَجبُ

لمّا مَضَيْتَ وحالتْ دونك الكتب

أنهت الزهراء خطابها وقد أوضحت فيه الحقّ بأجلى صورة ، وذكرت فضائل الخليفة الحقيقي في الإسلام وكمالاته

المطلوبة.

دفاع اُم سلمة عن حقّ الزهراء

بعد خطبة الزهراء في المسجد ، قالت اُمّ سلمة رض حين ما سمعت ما جرى لفاطمة : أَلِمثلِ فاطمة بنت رسول الله صصص يقال هذا القول ؟ هي والله الحوراء بين الإنس ، والنَفس للنفس ، رُبّيت في حجور الأتقياء ، وتناولتها أيدي الملائكة ، ونمت في حجور الطاهرات ، ونشأت خيرة نشأة ، وربيت خير مربى ، أتزعمون أنّ رسول الله حرّم عليها ميراثه ولم يُعلمها ؟ وقد قال الله تعالى : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ أفأنذرها وخالفت مطلبه ؟ وهي خيرة النسوان واُم سادة الشبان ، وعديلة مريم ، تمّت بأبيها رسالات ربّه ، فوالله لقد كان يشفق عليها من الحرّ والقرّ ، ويوسدها يمينه ويلحفها بشماله ، رويداً ورسول الله بمرأى منكم ، وعلى الله تردون واهاً لكم ، فسوف تعلمون.

قيل : فحرمت من عطاءها تلك السنة .

الكتاب الثاني : مولد فاطمة الأربعون حديثاً

تقديم

برواية الشيخ أبي جعفر الصدوق القمي. نزيل الري ، المتوفى في 381ه_.ق

مستخرج من كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة للأربلي م 693ه_ وكتاب المناقب في آل أبي طالب للشيخ محمد بن علي الحلبي الساروي المعروف بابن شهرآشوب م588ه_.

استخراج الأحاديث : العلامة الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي

إعداد وتنظيم : لجنة التحقيق والتأليف

المؤلِّف والمؤلَّف

نكتفي هنا في التعريف بالمؤلِّف بما جاء في أول أصل رتبة _ من الأصول الأربعة في علم الرجال : فهرست أسماء مصنفي الشيعة المعروف برجال النجاشي ، للشيخ أحمد بن علي النجاشي م.45 فقال :

محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي نزيل الري ، شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان. ورد بغداد سنة 355ه_ وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن. وله كتب كثيرة ثم عدّ كتبه وعدّ منها

: كتاب مولد فاطمة .

وعدّوة من كتبه مفقودة منها هذا الكتاب مولد فاطمة وإنما يحتوي كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة للإربلي م693ه_ على أكبر عدد من أخباره ، وبعض أخباره جاء في مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب م 588 ه_ ، وقد اخترنا أربعين حديثاً مما جاء في هذين الكتابين في حقّ فاطمة الزهراء برواية الشيخ الصدوق ، إحياءً لكتابه مولد فاطمة.

والله ولي التوفيق..

لجنة التحقيق والتأليف

كتاب مولد فاطمةوفضائلها وتزويجها وظلامتها ووفاتها ومحشرها

قال الشيخ علي بن عيسى للإربليم693ه_ في المجلد الثاني من كتابه القيّم كشف الغمة في معرفة الأئمة ، الذي فرغ من تأليفه سنة 687ه_ أي قبل وفاته بست سنين كما في 3 : 343. قال - بعد أن ذكر الكتاب - :

وأنا أذكر على عادتي ما يسوغ ذكره ، وإن كان مما نقله الجمهور نبّهت عليه ، جرياً على طريقتي فيه ، وبالله التوفيق.

مولد فاطمة الأربعون حديثاً

الحديث الأول

روى الصدوق حديثاً مرفوعاً إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : سمعت رسول الله يقول :

إن الله عز وجل خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين من نور ، فعصر ذلك النور عصرة فخرج منه شيعتنا ، فسبّحنا فسبّحوا ، وقدّسنا فقدّسوا ، وهلّلنا فهلّلوا ، ومجّدنا فمجّدوا ، ووحّدنا فوحّدوا ، ثم خلق السموات والأرضين ، وخلق الملائكة ، فمكثت الملائكة مئة عام لا تعرف تسبيحاً ولا تقديساً ، فسبّحنا فسبّحت شيعتنا فسبّحت الملائكة ، وقدّسنا فقدّست شيعتنا فقدست الملائكة ، وهلّلنا فهلّلت شيعتنا فهلّلت الملائكة ، ومجّدنا فمجّدت شيعتنا فمجدت الملائكة ، ووحّدنا فوحّدت شيعتنا فوحّدت الملائكة ، فنحن الموحدون حيث لا موحد غيرنا.

وحقيقة الله عز وجل كما اختصنا واختص شيعتنا أن

ينزلنا وشيعتنا في أعلى عليين. إن الله اصطفانا واصفطى شيعتنا من قبل أن نكون أجساماً ، فدعانا فأجبناه فغفر لشيعتنا من قبل أن نستغفر الله تعالى.

الحديث الثاني

روى الصدوق عن علي قال : سمعت رسول الله يقول : إن الله تبارك وتعالى خلقني وعلياً وفاطمة والحسن والحسين من نور واحد.

الحديث الثالث

عن حذيفة ابن اليمان قال : دخلت عائشة على النبي وهو يقبّل فاطمة صلوات الله عليها فقالت له : يا رسول الله ، أتقبلها وهي ذات بعل؟ !

فقال لها : أما والله لو علمت ودي لها إذاً لازددت لها حباً : أنه لما عُرج بي إلى السماء ، فصرت إلى السماء الرابعة؛ أذن جبرئيل وأقام ميكائيل ، ثم قال لي : أُدنُ ، فقلت : أدنوا وأنت بحضرتي؟ ! فقال لي : نعم ، إن الله فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين ، وفضلك أنت خاصة ، فدنوت فصليت بأهل السماء الرابعة.

فلما صليت وصرت إلى السماء السادسة ، إذا أنا بملك من نور على سرير من نور ، عن يمينه صف من الملائكة ، وعن يساره صف من الملائكة ، فسلمت فرد علي السلام وهو متكئ ! فأوحى الله عز وجل إليه : أيها الملك؛ سلم عليك حبيبي وخيرتي من خلقي فرددت السلام عليه وأنت متكئ؟ ! وعزتي وجلالي لتقومن ولتسلمن عليه ، ولا تقعدن إلى يوم القيامة ! فوثب الملك يعانقني وهو يقول : ما أكرمك على رب العالمين يا محمد ! .

فلما صرت إلى الحجب نوديت : آمَنَ الرّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رّبّهِ .

فألهمت فقلت : وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، ثم أخذ جبرئيل بيدي فأدخلني الجنة وأنا مسرور ، فإذا أنا بشجرة من نور مكللة بالنور وفي أصلها ملكان يطويان الحلي والحلل إلى يوم القيامة.

ثم تقدمت أمامي فإذا أنا بقصر من لؤلؤة بيضاء لا

صدع فيها ولا وصل ، فقلت : حبيبي جبرئيل ، لمن هذا القصر؟ قال : لابنك الحسن.

ثم تقدمت أمامي فإذا أنا بتفاح لم أر تفاحاً هو أعظم منه ، فأخذت تفاحة ففلقتها فإذا أنا بحوراء كأن أجفانها مقاديم أجنحة النسور ، فقلت : لمن أنتِ؟ فبكت ثم قالت : أنا لابنك المقتول ظلماً الحسين بن علي.

ثم تقدمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد الزلال ، وأحلى من العسل فأكلت رطبة منها وأنا أشتهيها فتحولت الرطبة نطفة في صلبي ، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديحة فحملت بفاطمة. ففاطمة حوراء إنسية فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها.

الحديث الرابع

عن ابن عباس قال : دخلت عائشة على النبي وهو يقبل فاطمة صلوات الله عليها فقالت له :

يا رسول الله ، أتقبلها وهي ذات بعل؟ !

فقال لها : أما والله لو علمت ودي لازددت لها حباً : إنه لما عرج بي إلى السماء فصرت إلى السماء الرابعة ، أذن جبرئيل وأقام ميكائيل ثم قال لي : أُدنُ.

فقلت : أدنوا وأنت بحضرتي؟

فقال لي : نعم ، إن الله فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضّلك أنت خاصة ، فدنوت فصليت بأهل السماء الرابعة ، ثم التفت عن يميني فإذا أنا بإبراهيم في روضة من رياض الجنة وقد اكتنفها جماعة من الملائكة.

ثم إني صرت إلى السماء الخامسة ومنها إلى السادسة فنوديت : يا محمد ، نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك علي.

فلما صرت إلى الحجب أخذ جبرئيل بيدي فأدخلني الجنة ، فإذا أنا بشجرة من نور في أصلها ملكان يطويان الحلل والحلي. فقلت : حبيبي

جبرئيل ، لمن هذه الشجرة؟ فقال : هذه لأخيك علي بن أبي طالب ، وهذان الملكان يطويان له الحلي والحلل إلى يوم القيامة.

ثم تقدمت أمامي فإذا برطب الين من الزبد وأطيب رائحة من المسك وأحلى من العسل ، فأخذت رطبة فأكلتها ، فتحولت الرطبة نطفة في صلبي ، فلما أن هبطت على الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة؛ ففاطمة حوراء إنسية ، فإذا اشتقت إلى الجنة شممت رائحة فاطمة .

الحديث الخامس

روي عن أسماء بنت عميس قال : قد كنت شهدت فاطمة وقد ولدت بعض أولادها فلم أر لها دماً ، فقال لي رسول الله : إن فاطمة خلقت حورية في صورة إنسية .

الحديث السادس

روي عن أبي عبد الله أنه قال : لفاطمة تسع أسماء عند الله عز وجل :

فاطمة ، والصديقة ، والمباركة ، والطاهرة ، والزكية ، والرضية ، والمرضية ، والمحدثة ، والزهراء. قال : وسميت فاطمة لأنها فطمت من الشر ، ولولا علي لما كان لها كفؤ في الأرض .

الحديث السابع

عن أبي جعفر : لما ولدت فاطمة أوحى الله تبارك وتعالى إلى ملك فأنطلق به لسان محمد فسماها فاطمة ثم قال : إني فطمت بالعلم ، وفطمتك من الطمث.

ثم قال أبو جعفر : والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث في الميثاق.

الحديث الثامن

في رواية أخرى عن أبي هريرة قال : إنما سميت فاطمة لأن الله عز وجل فطم من أحبّها من النار .

الحديث التاسع

عن جعفر بن محمد عن آبائه : قال رسول الله لفاطمة : يا فاطمة أتدرين لماذا سميت فاطمة؟ !

فقال علي : يا رسول الله لم سميت؟ قال : لأنها فطمت هي وشيعتها من النار .

الحديث العاشر

عن أبي جعفر قال : لفاطمة وقفة على باب جهنم فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر ، فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار ، فتقرأ فاطمة بين عينيه محباً ، فتقول : إلهي وسيدي ، سميتني فاطمة ، وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار ، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد ! .

فيقول الله عز وجل : صدقت يا فاطمة ، إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار ، ووعدي الحق ، وأنا لا أخلف الميعاد. وإنما أمرت بعبدي هذا في النار لتشفعي فيه فأشفعك ، فيتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقعك مني ومكانك عندي ، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً أو محباً فخذي بيده وأدخليه الجنة .

الحديث الحادي عشر

عن علي : سئل النبي : ما البتول؟ فإنا سمعناك - يا رسول الله - تقول : إن مريم بتول وفاطمة بتول. فقال : البتول التي لم تر حمرة قط. أي : لم تحض ، فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء

الحديث الثاني عشر

روي في تسميتها الزهراء سئل أبو جعفر : لم سميت الزهراء زهراء؟

قال : لأن الله تعالى خلقها من نور عظمته ، فلما أشرقت أضاءت السموات والأرض بنورها ، وغشيت أبصار الملائكة ، وخرت الملائكة لله ساجدين وقالوا : إلهنا وسيدنا؛ ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم : هذا نور من نوري ، أسكنته في سمائي ، وخلقته من عظمتي ، أخرجه من صلب نبي من أنبيائي. أفضله على جميع الأنبياء. وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري ويهدون إلى حقي ، واجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي .

الحديث الثالث عشر

روي عن علي قال : قال رسول الله لفاطمة : يا بنية ، إن الله أشرف على الدنيا فاختارني على رجال العالمين ، ثم اطلع ثانية فاختار زوجك بعدي على رجال العالمين ، ثم اطلع ثالثة فاختارك على نساء العالمين ، ثم اطلع الرابعة فاختار ابنيك على شباب العالمين.

الحديث الرابع عشر

روي عن ابن عباس قال : سألت النبي عن الكلمات التي تلقى آدم من ربه فتاب عليه؟

قال : سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي فتاب عليه.

الحديث الخامس عشر

روي أن النبي قال : اشتاقت الجنة إلى أربع من النساء : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون ، وهي زوجة النبي في الجنة ، وخديجة بنت خويلد زوجة النبي في الدنيا والآخرة ، وفاطمة بنت محمد .

الحديث السادس عشر

روي عن علي قال : كنا عند رسول الله فقال : أخبروني : أي شيء خير للنساء؟ فعيينا بذلك كلنا حتى تفرقنا ، فرجعت إلى فاطمة فأخبرتها الذي قال لنا رسول الله أنه ليس أحد منا علم ولا عرفه.

فقالت : ولكني أعرفه؛ خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال.

فرجعت إلى رسول الله فقلت : يا رسول الله سألت أي شيء خير للنساء. خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال.

فقال : لم تعلم وأنت عندي فمن أخبرك؟

قلت : فاطمة. فأعجب ذلك رسول الله وقال : إن فاطمة بضعة مني .

الحديث السابع عشر

روي عن مجاهد قال : قال النبي وهو أخذ بيد فاطمة فقال : من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد ، وهي بضعة مني ، وهي قلبي وروحي التي بين جنبي ، فمن آذاها فقد أذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله.

الحديث الثامن عشر

روي عن جعفر بن محمد قال : قال رسول الله : إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاه.

الحديث التاسع عشر

روي أنه قيل له : يا بن رسول الله ، بلغنا أنك قلت : قال رسول الله : إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها؟ قال : فما تنكرون من هذا؟ فوالله إن الله ليغضب لغضب عبده المؤمن ويرضى لرضاه.

الحديث العشرون

عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله إن فاطمة شعرة مني ، فمن آذى شعرة منها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله لعنه ملأ السموات والأرض.

الحديث الحادي والعشرون

روي عن جعفر بن محمد عن أبيه ، وعن علي بن الحسين ، وعن فاطمة الصغرى ، عن الحسين بن علي ، عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب قال : رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعة ، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح ، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها : يا أماه؛ لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت : يا بني الجار ثم الدار .

الحديث الثاني والعشرون

عن الحسن أيضاً قال : كانت فاطمة إذا دعت تدعو للمؤمنين والمؤمنات ، ولا تدعو لنفسها ، فقيل لها ، فقالت : الجار ثم الدار .

الحديث الثالث والعشرون

روي عن سليمان قال : لما قرأ محمد بن أبي بكر : وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُولٍ وَلاَ نَبِيّ قال : ولا محدث ، فقلت له : وهل تحدث الملائكة إلا الأنبياء؟ فقال : إن مريم لم تكن نبيَّةً وكانت محدَّثَة ، وأم موسى بن عمران كانت محدَّثة ولم تكن نبية ، وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، ولم تكن نبيه ، وفاطمة بنت رسول الله كانت محدَّثة ولم تكن نبية .

الحديث الرابع والعشرون

روي عن أبي سعيد الخدري قال : أصبح علي ذات يوم فقال : يا فاطمة ، عندك شيء تغذينيه؟

قالت : لا والذي أكرم أبي بالنبوة ، وأكرمك بالوصية ، ما أصبح اليوم عندي شيء أغذيكه ، وما كان عندي شيء منذ يومين إلا شيء كنت أوثرك به على نفسي وعلى ابني هذين حسن وحسين ! .

فقال علي : يا فاطمة إلا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً؟

فقالت : يا أبا الحسن ، إني لأستحيَّ من إلهي أن تكلف نفسك ما لا تقدر عليه فخرج علي من عند فاطمة واثقاً بالله حسن الظن به عز وجل ، فاستقرض ديناراً فأخذه ليشتري لعياله ما يصلحهم ، فعرض له المقداد بن الأسود في يوم شديد الحر قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته ، فلما رآه علي أنكر شأنه فقال له : يا مقداد؛ ما أزعجك هذه الساعة من رحلك؟

فقال : يا أبا الحسن خل سبيلي ولا تسألني عما وارى.

قال : يا أخي ، لا يسعني أن تجاوزني حتى أعلم علمك.

فقال : يا أبا الحسن ، رغبت إلى الله عز وجل وإليك أن تخلي سبيلي ولا تكشفني عن حالي.

فقال

: يا أخي ، إنه لا يسعك أن تكتمني حالك.

فقال : يا أبا الحسن؛ أما إذا أبيت ، فوالذي أكرم محمداً بالنبوة وأكرمك بالوجه ما أزعجني من رحلي إلا الجهد ، وقد تركت عيالي جياعاً ، فلما سمعت بكاءهم لم تحملني الأرض ، فخرجت مهموماً راكباً رأسي. هذه حالي وقصتي.

فانهملت عينا علي بالبكاء حتى بلّت دموعه لحيته فقال : أحلف بالذي حلفت به ما أزعجني إلا الذي أزعجك ، وقد اقترضت ديناراً فهاكه فقد آثرتك على نفسي. فدفع الدينار إليه ورجع حتى دخل المسجد فصلى الظهر والعصر والمغرب.

فلما قضى رسول الله المغرب مرّ بعلي وهو في الصف الأول ، فغمزه برجله ، فقام علي فلحقه من باب المسجد ، فسلم عليه ، فرد رسول الله وقال : يا أبا الحسن ، هل عندك شيء تعشينا ، فنميل معك؟ فمكث مطرقاً لا يحير جواباً حياءً من رسول الله وقد عرف ما كان من أمر الدينار من أين أخذه وأين وجهه بوحي من الله إلى نبيه ، وأمره أن يتعشى عند علي تلك الليلة.

فلما نظر إلى سكوته قال : يا أبا ا لحسن ما لك لا تقول لا فأنصرف ، أو نعم فأمضي معك؟

فقال : حياءً أو تكرماً فاذهب بنا.

فأخذ رسول الله بيد علي فانطلقا حتى دخلا على فاطمة وهي في مصلاها ، قد قضت صلاتها وخلفها جفنة تفور دخاناً بخاراً.

فلما سمعت كلام رسول الله خرجت من مصلاها فسلمت عليه ، وكانت أعزّ الناس عليه ، فرد السلام ومسح بيديه على رأسها وقال لها : يا بنتاه؛ كيف أمسيت رحمك الله؟ قالت : بخير. قال : عشينا رحمك الله وقد فعل.

فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول

الله وعلي؟ ، فلما نظر علي إلى الطعام وشم ريحه رمى فاطمة ببصره رمياً شحيحاً ، فقالت له : سبحان الله؛ ما أشح نظرك وأشده ، هل أذنبت فيما بيني وبينك ذنباً استوجبت به منك السخط؟

فقال : وإي ذنب أعظم من ذنب أصبتيه؟ أليس عهدي بك اليوم الماضي وأنت تحلفين بالله مجتهدة : ما طعمت طعاماً منذ يومين؟ !

قال : فنظرت إلى السماء وقالت : إلهي يعلم ما في سمائه وأرضه أني لم أقل إلا حقاً.

فقال لها : يا فاطمة ، أنى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه ولم أشم مثل رائحته قط ولم آكل أطيب منه؟ !

قال : فوضع رسول الله كفه الطيبة المباركة بين كتفي علي فغمزها ثم قال : يا علي ، هذا بدل عن دينارك ، فهذا جزاء دينارك من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.

ثم استعبر النبي باكياً ثم قال : الحمد لله الذي أبى لكما أن تخرجا من الدنيا حتى يجريك يا علي مجرى زكريا ، ويجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران .

الحديث الخامس والعشرون

عن موسى بن جعفر عن آبائه قال : إن رسول الله دخل على ابنته فاطمة وإن في عنقها قلادة ، فأعرض عنها فقطعتها ورمت بها إليه.

فقال لها رسول الله : أنت مني يا فاطمة. ثم جاء سائل فناوله القلادة. ثم قال : اشتد غضب الله على من أهراق دمي وآذاني في عترتي .

الحديث السادس والعشرون

روي أن عائشة ذكرت فاطمة فقالت : ما رأيت أحداً أصدق منها إلا أباها.

الحديث السابع والعشرون

عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : كانت فاطمة بنت رسول الله أشبه الناس شبهاً ووجهاً برسول الله .

الحديث الثامن والعشرون

روي عن علي عن فاطمة قالت : قال لي رسول الله : يا فاطمة ، من صلى عليك غفر الله له وألحقه بي حيث كنت من الجنة.

الحديث التاسع والعشرون

روي عن أبي عبد الله قال : لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على وجه الأرض آدم فمن دونه .

الحديث الثلاثون

روي عن جابر بن عبد الله قال : لما زوج رسول الله فاطمة من علي قال : كان الله تعالى مزوجه من فوق عرشه ، وكان جبرئيل الخاطب ، وميكائيل وإسرافيل في سبعين ألفاً من الملائكة شهوداً. وأوحى الله إلى شجرة طوبى : أن انثري ما فيك من الدر والياقوت واللؤلؤ ، وأوحى الله إلى الحور العين : أن التقطنه. فهن يتهادين بينهن إلى يوم القيامة ، فرحاً بتزويج فاطماً علياً.

الحديث الحادي والثلاثون

عن شرحبيل بن سعيد الأنصاري قال : دخل رسول الله على فاطمة في صبيحة عرسها بقدح فيه لبن ، فقال لها : اشربي فداك أبوك ! ثم قال لعلي : اشرب فداك ابن عمك ! .

الحديث الثاني والثلاثون

وعنه قال : لما كان صبيحة العرس أصابت فاطمة رعدة ، فقال لها رسول الله : زوجتك سيداً في الدنيا ، وإنه في الآخرة لمن الصالحين.

الحديث الثالث والثلاثون

روى ابن بابويه مرفوعاً إلى أبي سعيد الخدري قال :

لما نزلت : فَآتِ ذَا الْقُرْبَىَ حَقّهُ قال رسول الله : يا فاطمة لك فدك. وفي رواية أخرى عن أبي سعيد ، مثله.

الحديث الرابع والثلاثون

عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال : أقطع رسول الله فاطمة فدكاً.

الحديث الخامس والثلاثون

روي أنها بقيت بعد أبيها أربعين صباحاً ولما حضرتها الوفاة قالت لأسماء : إن جبرئيل أتى النبي لما حضرته الوفاة ، بكافور من الجنة ، فقسمها ثلاثاً : ثلث لنفسه ، وثلث لعلي ، وثلث لي ، وكان أربعين درهماً. فقالت : يا أسماء ، ايتني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا فضعيه عند رأسي فجاءت به فوضعته ، ثم تسجّت تغط بثوبها وقالت : انتظريني هنيهة ثم ادعيني ، فإن إجبتك وإلا فاعلمي أني قد قدمت على أبي.

فانتظرتها هنيهة ثم نادتها فلم تجبها ، فنادت : يا بنت المصطفى ، يا بنت أكرم من حملته النساء ، يا بنت خير من وطئ الحصى ، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى. قال فلم تجبها : فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت روحها الدنيا ، فوقعت عليها تقبلها وهي تقول : يا فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله فاقرأيه عن أسماء بنت عميس السلام.

فبينا هي كذلك إذ دخل الحسن والحسين فقالا : يا أسماء ، ما ينيم أُمنا في هذه الساعة قالت : يا بني رسول الله ، ليست أمكما نائمة بل قد فارقت الدنيا ! .

فوقع عليها الحسن يقبلها ويقول : يا أماه ، كلميني قبل أن تفارق روحي بدني ، وأقبل الحسين يقبل رجلها ويقول : يا أماه ، أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن ينصدع ينشق قلبي فأموت ! .

فقالت لهما أسماء يا بني رسول الله ، انطلقا إلى أبيكما علي فأخبراه بموت أمكما ، فخرجا حتى إذا كانا

قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء ، فابتدرهم جميع الصحابة ! فقالوا : يا بني رسول الله لا أبكى الله أعينكما ما يبكيكما؟ لعلكما نظرتما إلى موقف جدكما فبكيتما شوقاً إليه؟

فقالا : أوليس قد ماتت أمنا فاطمة؟ ! .

قال : فوقع علي على وجهه ! يقول : يا بنت محمد بمن العزاء؟ كنت بك أتعزى ففيم العزاء من بعدك؟ ثم قال :

لكل اجتماع من خليلين فرقة

وإن افتقادي فاطماً بعد أحمد

وكل الذي دون الفراق قليل

دليل على أن لا يدوم خليل

ثم قال علي : يا أسماء ، غسليها وحنطيها وكفنيها ! .

قال : فغسلوها وكفنوها وحنطوها؟

وصلوا عليها ليلاً ، ودفنوها بالبقيع. وماتت بعد العصر.

قال ابن بابويه : جاء هذا الخبر هكذا بالبقيع والصحيح عندي أنها دفنت في بيتها ، فلما زاد بنو أمية في المسجد صارت في المسجد.

الحديث السادس والثلاثون

وروى ابن بابويه مرفوعاً إلى الحسن بن علي : أن علياً غسل فاطمة.

الحديث السابع والثلاثون

عن علي : أنه صلى على فاطمة فكبر عليها خمساً ودفنها ليلاً.

الحديث الثامن والثلاثون

روى أبو عبد الله قال : قال رسول الله : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من قبل العرش. يا معشر الخلائق ، غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت رسول الله فتكون أول من يكسى.

الحديث التاسع والثلاثون

عن النبي : لفاطمة في الجنة بيت من قصب لا أذى فيه ولا نصب ، بين مريم وآسية.

الحديث الأربعون

عن محمد بن الحنفية قال : سمعت أمير المؤمنين يقول : دخلت يوماً منزلي فإذا رسول الله جالس ، والحسن عن يمينه والحسين عن يساره ، وفاطمة بين يديه ، وهو يقول : يا حسن ويا حسين ، إنتما كفتا الميزان ، وفاطمة لسانه ، ولا تعدل الكفتان إلا باللسان ، ولا يقوم اللسان إلا على الكفتين. أنتما الإمامان ، ولأمكما الشفاعة.

ثم التفت إلي فقال : يا أبا الحسن ، أنت توفى المؤمنين أجورهم ، وتقسم الجنة بينهم وبين شيعتك.

فهرس المصادر

القرآن الكريم.

1- أصول الكافي/ الكليني.

2- الإقبال ، للسيد ابن طووس.

3- أمالي الشيخ الصدوق.

4- علل الشرائع / الشيخ الصدوق.

5- الخرائج / المسعودي.

6- رجال النجاشي.

7- المناقب في آل أبي طالب / ابن شهر آشوب.

8- كشف الغمة في معرفة الأئمة / اللإربلي.

9- تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي.

10- بحار الأنوار / العلامة المجلسي.

11- تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي.

12- فضائل الحسين / الخطيب الخوارزمي.

13- ميزان الاعتدال / الحافظ الذهبي.

14- نظم درر السمطين / العلامة الزرندي

15- لسان الميزان / الحافظ العسقلاني.

16- ذخائر العقبى / العلامة محب الدين الطبري.

17- ينابيع المودة / العلامة القندوزي الشافعي.

18- المصباح / الشيخ الكفعمي.

19- معرفة الرجال / الشيخ الطوسي.

20- فاطمة سيدة نساء العالمين/ المجمع العالمي لأهل البيت.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.