آثار الأعمال

اشارة

اسم الكتاب: آثار الاعمال

المؤلف: حسيني شيرازي، صادق

الموضوع: اخلاق

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: ياس الزهراء

مكان الطبع: قم

تاريخ الطبع: 1426 ه

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

قال الله تعالي في كتابه الكريم: ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيّئة فمن نفسك ().

مقدّمة

إنّ ما يصدر عن الإنسان إمّا أن يكون حسنة وخيراً ينتفع به، أو سيئة وشرّاً يضرّه.

هذه الآية الكريمة تخبر الإنسان أنّ ما يصيبه من حسنة ونفع وربح وخير وكلّ شيء في صالحه فإنّما هو من الله تعالي، لأنّ الله لا يريد لأحد شراً أو سوءاً. وأمّا السيّئات والمصائب التي تصيب الإنسان فهي من الإنسان نفسه. وكلّ ابتلاء يصيب الإنسان فسببه الإنسان نفسه.

وهذه الآية تخاطبنا جميعاً، فإنّ الإنسان بطبعه حسن الظن بنفسه؛ روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال: يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه(). أي إنّ أحدنا ينتبه حتي للشعرة الصغيرة في عين أخيه - أي يري عيوب الناس جيداً - لكنّه لا يري عيوب نفسه مهما كانت كبيرة.

تريد الآية أن تقول لنا: إنّ أحدكم قد يعمل شيئاً سيّئاً ولا يظهر أثره السيئ إلاّ بعد مرور عشر سنين أو عشرين سنة قلّ أو كثر، وربما تظهر الثمرة السيّئة لبعض الأعمال عند الموت! فلا ينبغي للإنسان الذي تصيبه السيّئة أن يعجب ويقول: لماذا أصبت بهذا البلاء السيّئ؟ فلعلّ جذوره تعود إلي ما قبل خمسين سنة وهو لا يدري؛ فإنّ الله تعالي جعل لكلّ شيء قدراً وحدّاً ومقياساً، ومقياس الله لا يختلف ولا يتخلّف.

العبد الصالح الذي سأل الملك الجبار

روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال: كان في زمن موسي صلوات الله عليه ملِك جبّار قضي حاجة مؤمن بشفاعة عبد صالح أي إنّه كان يعيش في زمن واحد - أي في زمن موسي وفي عهد ذلك الملك الطاغي - عبد صالح منشغل عن الناس بالعبادة يريد التقرّب بها إلي الله سبحانه، فيما الملك مشغول بشهواته ولذّاته وظلمه وطغيانه. فاتفق أن مات الملك وذاك

العبد الصالح كلاهما في يوم واحد. ولاشكّ أنّ ذلك لم يقع مصادفة لأن لكلّ شيء سبباً عند الله تعالي وإن كنّا نجهله، وهذه الحقيقة تثبتها هذه القصة نفسها؛ يقول نص الحديث: فتوفّي في يومٍ أي في يوم واحد الملك الجبّار والعبد الصالح، فقام علي الملِك الناس أي اهتمّوا بموت الملك وقاموا بتشييعه ودفنه وتركوا أعمالهم وأغلقوا دكاكينهم ومحلاّتهم احتراماً له وحداداً عليه، وكما ورد في نص الحديث وأغلقوا أبواب السوق لموته ثلاثة أيام.

أمّا ذلك العابد فقد بقي مطروحاً كلّ هذه المدّة في بيته دون أن يعلم أو يكترث به أحد، حتي تفسّخ بدنه وعلته الرائحة الكريهة وبدأت الديدان تأكل من لحمه. تقول الرواية: وبقي ذلك العبد الصالح في بيته، وتناولت دوابّ الأرض من وجهه، فرآه موسي بعد ثلاث، فقال: يا ربّ، هو - أي الملك - عدوّك، وهذا - العبد الصالح - وليّك! فما هي العلّة؟ ولماذا جعلت موته في هذا الوقت بالذات فيُغفل عنه؟ ولماذا كان موت ذلك الطاغي وهو عدوّك في عزّ واحترام، وموت هذا العبد الصالح وهو وليّك في ذلّ وهوان؟!

فأوحي الله إليه: يا موسي إنّ وليّي سأل هذا الجبّار حاجة فقضاها له فكافأته عن المؤمن.

أي أن هذا الملك كانت له عندي يد وأردت أن أجازيه عليها، وهي أنّه يوم سأله هذا العابد - وهو وليّي - لم يردّه بل قضي حاجته، فأصبحت له يد عندي لأنّه أحسن إلي عبدي ووليّي، فكافأته بهذا التشييع والتجليل - في الدنيا - ليأتيني ولا يد له عندي وهو عدوّي فأدخله النار. وأمّا عبدي ووليّي فقد سلّطت دوابّ الأرض علي محاسن وجهه لسؤاله ذلك الجبّار().

إذا أردت أن تتصور سيّئة العابد بصورة أفضل فافرض أنّ لك خادماً

أو ولداً يشتغل عندك ويأكل من طعامك، ويسكن بيتك، ويحترمه الناس بسببك، ثم احتاج مالاً زهيداً فذهب إلي عدوّك دون أن يسألك، واستغلّها العدو فرصة لكي يمنّ بواسطته عليك فلم يردّ طلبه، أرأيت كم يكون تصرّفه سيّئاً ومشيناً ومسخطاً لك؟!

فكذلك الحال عندما ذهب ذلك العبد الصالح للملك الجبّار في زمانه. فإنّ العبد الذي يعرف مولاه ويعظّمه لا يفعل مثل ذلك! ولذلك عاقبه الله بأن سلّط الديدان علي لحم وجهه تأكله لأنّه أراق ماء ذلك الوجه الذي منّ الله به عليه أمام عدوّه وعدوّ مولاه، وبذلك صفّي حسابه مع الوليّ والملك أيضاً لأنّه الرب الحكيم المقتدر، وهو القائل: وما أصابك من سيّئة فمن نفسك.

ولا أحد منّا يعلم كم كانت المدّة بين سؤال ذلك العبد للملك وبين موتهما، وربما استغرقت مئة سنة، سيّما وإنّ الناس كانوا يعمّرون قديماً، ولكن العمل السيّئ أعطي ثماره السيّئة وإن طالت المدة.

ونحن قد تصيبنا في الحياة سيّئات ولا نعرف جذورها لأنّنا غافلون. فربما ظلمنا إنساناً أو غصبناه حقّه وإن لم نكن منتبهين، فإنّ الآثار التكوينية للأعمال لا تغيّرها النوايا ولا الجهل بها، فهي تترك آثارها، سواء عَلِم الإنسان بها أم لم يعلم!

فلو أخذتَ حبة شعير وتصوّرت أنّها حبة قمح وبذرتها في التربة، فهل ستنبت حسب تصوّرك أم بحسب واقع الحبة؟ لاشكّ أنّ النبت سيكون حسب واقع الحبة. فمن يزرع قمحاً يحصد قمحاً ومن يزرع شوكاً لا يحصد إلاّ الشوك، وإن تصوّر أنّه كان غير ذلك!

الاعتبار من قصة شريك النخعي

شريك بن عبد الله بن سنان النخعي أحد علماء البلاط في العصر العباسي، كان يتصوّر نفسه عالِماً في قبال الإمام الصادق سلام الله عليه وكان يتظاهر بالعبادة والزهد والابتعاد عن الحكّام. وكان العباسيون يصرّون عليه أن يقترب

منهم ولكنه كان يرفض. وفي إحدي الأيام طلبه المهدي العباسي قائلاً: علَيَّ بشريك النخعي. ولما جاءوا به قال له. أعرضُ عليك ثلاثة أمور فإمّا أن تقبل بأحدها وإلاّ فمصيرك السجن! (وكانت هذه الأمور الثلاثة تصبّ كلّها في أمر واحد وهو أن يظهر النخعي مرتبطاً بالنظام الحاكم) إن لم ترتبط بنا فسيقول الناس: "لاشكّ أنّ الحاكم غير جيد، وإلاّ لم يقاطعه النخعي وهو عالِم معروف!" لذا عليك أن تختار واحداً من ثلاثة أشياء: إما أن تقبل القضاء أي تكون قاضياً لنا، أو تكون محدّثنا ومعلّم أولادنا، أو تأكل عندنا وتكون ضيفاً علينا.

فكّر شريك قليلاً ثم قال: إذا كان ولابدّ فأختار الثالث، وإنما اختار الثالث لإنّه رأي أنّه أسهل من الأمرين الآخرين ولا يلزم منه أن يبقي كلّ حياته قاضياً للظالم أو محدّثاً له ومعلّماً لأولاده، فإنّ الأمر ينتهي بأكلة واحدة لا تترك انطباعاً كبيراً لدي الجمهور عن علاقة النخعي بالنظام.

ولكن المهدي العباسي كان أذكي من النخعي فأمر طبّاخه بأن يعدّ أطيب الأطعمة وألذّها، ولمّا قدم النخعي عليه ألهاه في الحديث لعدّة ساعات لكي يشتدّ جوعه، ثم دعاه إلي المائدة، فأكل منها حتي التخمة.

وتكمن المشكلة في أنّ النخعي لم يكن عابداً وزاهداً حقيقياً، بل كان متظاهراً بهما، وإلاّ لأكل قليلاً من الطعام ثم اعتذر بالشبع، ولكنّه وجدها فرصة لا تعوّض، فلم يقتصر علي الضروري في تناول الأكل المحرّم الذي لا يعلم مصدره ولم يدر ما الذي فيه!

يقول المسعودي: إنّ الطباخ قال للربيع (صاحب الخليفة) بعدما خرج النخعي: لقد عملتُ له أكلة لا أراه ينجو منها بعد ذلك! وهكذا كانت بالفعل، والله وحده يعلم ماذا كان قد وضع الطباخ في تلك الوجبة مما حرّم الله من الخبائث فضلاً

عن كونها مغصوبة ومن يد الظالم!

بعد بضعة أيام بعث المهدي يطلب النخعي مرة أخري، ولكنّ الأخير لبّي مسرعاً في هذه المرّة، ثم بعث خلفه ثانياً وثالثاً ورابعاً - ومن يهن يسهل الهوان عليه - حتي بلغ به الحال أن أصبح قاضياً للمهدي ومحدّثاً، أي من علماء البلاط، ومؤدّباً لأولاده.

بل بلغ الحال بهذا الرجل الذي كان يبتعد عن المهدي العباسي وحكومته، أن يتقاضي منه مرتّباً شهرياً. وفي إحدي المرات التي كان يحمل فيها صك المرتّب للصرّاف اعتذر منه الصراف بكثرة المشترين وقلة النقود وأوكله إلي الغد. لكن النخعي اعترض قائلاً: لقد أتيتك بنفسي وأنا مَن تعلم، أفتردّني وتوكلني إلي وقت آخر؟ وتشاجرا وارتفعت أصواتهما وقال له الصراف: هل بعتني بُرّاً لتستعجلني بالثمن؟ فقال في جوابه: بل بعتك ما هو أغلي! تعجّب الصراف وقال: وما بعتني؟ قال: بعتك ديني!()

ورآه يوماً سفيان الثوري فقال له: يا شريك أبعد الإسلام والفقه والصلاح كلّما يُسأل عنك يقال عند المهدي أو الهادي العباسي؟!

وقضي شريك بقية حياته في خدمة السلاطين حتي نيّف علي المئة فطرده الرشيد العباسي في قصّة ليس هذا محلّ ذكرها. ولكن المهمّ هو النتيجة والاعتبار منها، وهي أنّ الأكلة المحرّمة الواحدة عملت عملها وأثمرت هذه الثمرة السيّئة!

الخلاصة

إذن، كلّما أصبتَ بسيّئة فابحث عن السبب لأنّ الله عادل لا يظلم أحداً وما ربّك بظلاّم للعبيد () بل هو مبعث الإحسان والكرم. ما أصابك من حسنة فمن الله أمّا السوء الذي يصيب الإنسان فمن نفسه، وكلّما عدّل الإنسان سيرته في الحياة قلّت إصابته بالسيّئات.

أما الذي لا يكترث فإنّ النتيجة السيّئة ستلحقه - والعياذ بالله - طالت المدّة أو قصرت. وعلي الإنسان أن يكون حذراً ولا يغترّ. يقول أمير المؤمنين علي سلام

الله عليه: يابن آدم إذا رأيت ربّك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره(). أتدري لماذا؟ لأنّ هذا معناه أنّ الله أخّر له السوء في الآخرة. وهناك المصيبة أعظم! لأنّ الدنيا تنتهي وتنصرم والإنسان ينجو منها علي كلّ حال، أمّا السوء في الآخرة فليس فيه منجي.

نسأل الله تعالي أن يكفّر عنّا سيّئاتنا ويتوفّانا مع الأبرار.

وصلّي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

پي نوشتها

() النساء: 79.

() الإمامة والتبصرة للقمي: 176.

() قصص الأنبياء: 157 ح 166 فصل 2.

() راجع مروج الذهب للمسعودي: 3 / 310 – الرواية مفصّلة -.

() فصّلت: 46.

() نهج البلاغة: 4 / 7.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.