إحياء عاشوراء

اشارة

من محاضرات

المرجع الديني آية الله العظمي

السيد صادق الحسيني الشيرازي

رحمة الله عليه

إعداد:

موسسة الرسول الاكرم الثقافية

الطبعة الأولي للناشر

1428ه / 2007م

مواقع جديرة بالمراجعة:

www.s-alshirazi.com

www.alshirazi.com

www.alshirazi.net

www.annabaa.org

www.14masom.com

منشورات:

دار العلقمي للطباعة والنشر

العراق / كربلاء المقدسة / ص ب 1094

مطبعة النجف الأشرف / حي عدن

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ

الْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ

الرّحْمَنِ الرّحِيمِ

مَاَلِكِ يَوْمِ الدّينِ

إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ

اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم

وَلاَ الضّآلّينَ

صدق الله العلي العظيم

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله: «إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً» ().

إنّ لفقد الأحبة والمقرّبين لوعة ومرارة في نفس كلّ شخص، فمن يفقد عزيزاً عليه يتجرّع ألماً وغصّة في الأيّام الأولي من فقده، وقد تصيبه حالة من الكآبة وعدم التوازن، يعزف فيها عن الطعام والشراب والنوم، لكن مع مرور الأسابيع والشهور يندمل الجرح وتهدأ النفوس وتزول الأحزان شيئاً فشيئاً وتعود الأشياء إلي طبيعتها السابقة. فأعظم المصائب وأشدّ البلايا وقعاً علي الإنسان تفتر حدّتها وتخفّ وطأتها بفضل عامل الزمن ونعمة النسيان.

لكنّ مصيبة واحدة لم تبرد لوعتها ولم ينطفئ لهيبها برغم تقادم السنين ومضيّ الأعوام والقرون، ألا وهي مصيبة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه.

فكل عام قُبيل شهر محرّم بأيّام تلبّس الحيطان بالسواد، وتتلبّد القلوب بغيوم الحزن، وتتّقد حرارة مصيبة عاشوراء في الصدور من جديد.

ويتبيّن من الرواية السابقة أنّ هذه اللوعة والحرارة هما من علامات الإيمان، لأنّه لم يرد في الرواية «في قلوب البشر» أو «قلوب الناس»، من هنا فإنّ الحُبّ الحسيني الذي يسكن قلوب المؤمنين يعتمد علي درجة الإيمان صعوداً ونزولاً، وهو حبّ يغمر قلب كلّ مؤمن ومحبّ لأهل البيت عليهم السلام.

لقد خصّ الله سبحانه وتعالي الإمام الحسين بخصائص لم يشاركه فيها حتّي من هم خير

منه وهم جدّه وأبوه وأمّه وأخوه سلام الله عليهم، لأنّ التضحيات التي طلبها الله تعالي من الإمام الحسين عليه السلام كانت أعظم حتّي من تضحياتهم سلام الله عليهم أجمعين.

إنّ الدور الاستثنائي الذي قام به الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء استحقّ عليه ثواباً استثنائيّاً من الله تعالي.

وهذا الاستثناء كما نطالع في هذا الكتاب قد تجلّي علي نحوين:

النحو الأوّل: الاستثناء في الجانب التشريعي، ومثاله: الجزع فإنّه مكروه، حسبما ورد في الروايات، إلاّ علي الإمام الحسين عليه السلام.

النحو الثاني: الاستثناء التكوينيّ، ومثاله الاستشفاء بتربته؛ فإنّ أكل التراب محرّم شرعاً ومضرّ من الناحية الصحيّة، لكنّ الأمر يختلف مع تربة سيد الشهداء عليه السلام فهو حلال حُكماً، وشفاء لمن يستعمله بمقدار.

وهذا الكتاب عبارة عن محاضرة لسماحة السيد المرجع رحمة الله عليه أخرجناها بثوبها الجديد بعد تنقيحات وإضافات. ومن الله التوفيق.

مؤسسة الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله

قم المقدسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلَّي الله علي محمّد وآله الطاهرين، واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين.

إطلالة عاشوراء

مرّة أخري يطلّ علينا شهر محرّم الحرام وذكري عاشوراء.

لقد تمّ إحياء هذه المناسبة منذ استشهاد سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام إلي يومنا هذا ألفاً وعدّة مئات من المرّات، وفي كلّ مرّة يستلهم محبّو الإمام عليه السلام قيماً ومفاهيم جديدة من خلال مدرسة عاشوراء الخالدة.

لقد بقي نور هذه الملحمة العظيمة مضيئاً عبر العصور، فتري المؤمنين يتزوّدون من فيضها الغنيّ لدنياهم وأخراهم.

إنّ ذكري عاشوراء مرّت بمسيرة طويلة من التحوّلات، والتضحيات التي قدّمها الأسلاف والوالهون بسيّد الشهداء عليه السلامحتّي وصلت إلينا هذه المدرسة العاشورائية المناهضة للظلم، العريقة بأهدافها المقدّسة.

ونحن بدورنا إذا أردنا أن نكون من المنتمين حقّاً لهذه المدرسة، يجب علينا أن نبذل الغالي والنفيس

من أجلها، وأن نسعي جاهدين لتسليم هذه الأمانة الحسينية إلي الأجيال اللاحقة، مصونة لا تشوبها شائبة، وفي الوقت نفسه فاعلة ومحفوظة من أيّ زيغ أو حرف. ولا يتحقّق هذا إلاّ إذا خلصت النوايا، وذابت المصالح الشخصية، وحلّ محلّها تحقيق مرضاة الله عزّ وجلّ.

تخليد عاشوراء

ومن أولي مهام محبّي أهل البيت (عليهم السلام) إعلاء شأن عاشوراء وثقافة عاشوراء، وبرامج عاشوراء، ومجالس عاشوراء، ومواكب عاشوراء وإحياء كلّ ما يتعلّق به ويخلّد ذكراه. ولايخفي أنّها مسألة محفوفة بالمشاقّ والصعاب، لكنّها مشاقّ عاقبتها الثواب الجزيل والأجر الجميل.

إنّ لمواكب العزاء الحسينية وتلك الشعائر منزلة رفيعة ومقاماً سامياً جعلت العلماء يفخرون بالمشاركة فيها أيّما افتخار.

علي سبيل المثال، تقام سنوياً في يوم ¬عاشوراء مراسيم

عزاء متميزة في مدينة كربلاء المقدّسة، تعرف ب (عزاء

طويريج)()، كان السيّد بحر العلوم() وهو من العلماء الأعلام مواظباً علي المشاركة فيها، حتي نُقل عنه قوله: لقد شاهدت الإمام المهديّ عجّل الله تعالي فرجه الشريف بين صفوف المعزّين.

وكان يشارك في هذا العزاء الآلاف من الناس، مهرولين حفاة، ضاربين بأيديهم علي رؤوسهم وصدورهم ووجوههم، ولقد رأيت مرّات عدّة مراجع كباراً وهم يؤدّون هذه المراسيم مع الجموع المهرولة، كما كان يشارك فيها بعض الوزراء والوكلاء والأعيان …

هؤلاء لم يكونوا يفعلون ذلك حتي في مجالس عزاء آبائهم، ولم يكونوا ليجزعوا هذا الجزع لو فقدوا أموالهم وثرواتهم. فهنيئاً لهم ثمّ هنيئاً. إنّ مقيمي المآتم الحسينية إنّما يعزّون النبيّ صلي الله عليه وآله. يقول الإمام الصادق عليه السلام في هذا المجال: «يعزّ علي رسول الله صلي الله عليه وآله مصرعهم أي الحسين وأهل بيته ولو كان أي رسول الله في الدنيا يومئذ حيّاً لكان صلوات الله عليه وآله هو المعزّي بهم» ().

فلئن وُفّقنا لإقامة مجالس العزاء

الحسينية، وأسدينا خدمة لسيّد الشهداء عليه السلام، وتحمّلنا العناء والمشقّة في هذا السبيل، وكان لنا شرف المشاركة في هذه المآتم، فلا يسعنا إلاّ أن نقول: الحمد لله الذي وفّقنا لهذا. الحمد لله الذي أكرمنا لنستظلّ بمظلّة الإمام الحسين سلام الله عليه. إن هو إلا توفيق من عند الله لنتشرّف بخدمة الإمام سلام الله عليه.

في الواقع، إنّ جلّ ما نملك من مُثُل وقيم هو من بركات تضحيات سيّد الشهداء عليه السلام. فذكري عاشوراء هي التي غرست في أعماقنا العبودية لله عزّ وجلّ، ومبادئ الإنسانية، والإيثار وخدمة الآخرين، والعطف علي الضعفاء، والدفاع عن المظلومين، ولأجل هذا كلّه يجب أن نحافظ علي جذوة ملحمة عاشوراء متّقدة علي الدوام، وأن نبذل مهجنا دونها، لنضمن الرفعة والشموخ لنا وللأجيال من بعدنا.

إننا ننفق في حياتنا اليومية كثيراً من الأموال وفي مختلف الشؤون، وكذلك نصرف الكثير من الجهد والوقت مع الأولاد والأهل، وفي البيت والعمل والتجارة وما إلي ذلك، ولكن لنعلم أنّ ما ننفقه ونبذله في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه يضاعف وينمو عند الله سبحانه، ولنعلم أيضاً بأنّ أيّ خطوة نخطوها في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم سنثاب عليها بأفضل الثواب.

مسألة أخري يجب الالتفات إليها وهي: علينا أن نغتنم هذه النعم التي وهبها الله تبارك وتعالي لعباده مقابل تقديم الخدمة في المواكب الحسينية، قبل أن نندم علي التفريط بها، ولا مجال حينذاك للعودة إلي الدنيا للتعويض عمّا فات.

ولنعلم بأنّنا إذا كنّا قد وُفّقنا لإحياء المجالس الحسينية، فالفضل في ذلك كلّه يعود لآبائنا وأجدادنا وأسلافنا، فلنتذكّرهم دائماً، ولنعلم بأنّنا نحن أيضاً سنترك تأثيراً علي أجيالنا وذلك بحسب هممنا وعزائمنا في خدمة سيّد الشهداء سلام الله عليه.

إنّ شبابنا هم أمانة الله

وأهل البيت عليهم السلام عندنا وقد حافظ أسلافنا علي الأمانة علي أحسن وجه وسلّمونا الدين ومضوا، لذلك علينا أن نسعي بدورنا لأن نصون الأمانة علي أتمّ صورة، لنسلّمها إلي الأجيال من بعدنا، فلنحاول أن لا يُحرم أيّ شابّ في محلّتنا أو عشيرتنا أو أحد أصدقائنا من المشاركة في الحسينيات ومجالس العزاء، وإذا كنّا نعرف شباباً كهؤلاء فلنشجّعهم علي المشاركة في هذه المجالس، ولندفع الشباب نحو المواكب الحسينية والتي هي حبل النجاة من الضلال والجهل بكلّ وسيلة متاحة، ولنكرّر محاولاتنا معهم مرّة وثانية وثالثة … وهكذا، ولا نيأس من عدم استجابة بعضهم،إلي أن ينضمّوا إلي الصفوف الحسينية.

فلو سألكم مولانا أبو عبد الله سلام الله عليه: كان فلان شابّاً صالحاً، فلماذا لم تشركوه في هذه المجالس؟ وأجبتم: يا مولاي حاولنا معه ولم يستجب، فإنّه سلام الله عليه سيقول لكم: هلاّ حاولتم مرّة ثانية.

لنحاول دفع الشباب باتجاه المواكب والشعائر الحسينية، فهذه المسألة تحظي بأهمية كبيرة، خاصّة في عالم اليوم حيث تحاول وسائل الأعلام المضلّلة وبشكل واسع إغراء الشباب وجذبهم نحوها.

وعلينا أن نعلم بأنّ كلّ حسينية هي بيت من بيوت الإمام سيّد الشهداء عليه السلام، فلنحاول تجنيب هذه الحسينيات من أن تتحوّل إلي مسرح لطرح الخلافات والنزاعات، بل علي العكس، لنجعل منها أماكن للاجتماعات والوحدة والوئام.

هناك نقطة أخري وهي: أن بعض محبّي أهل البيت عليهم السلام هم من الذين يقطنون في مختلف بلدان العالم غير الإسلامية، وهم بأمسّ الحاجة إلي الحسينيات والمساجد والمدارس والكتب لأبنائهم، فإذا كنتم لا تستطيعون بناء الحسينيات والمساجد، فعلي الأقلّ شجّعوا الآخرين علي هذا العمل النبيل، أو المساهمة في الأعمال الثقافية المتعلقة بمواكب الإمام الحسين عليه السلام فقد يتّصل بكم أحد الأقارب أو الأصدقاء هاتفياً

أو يبعث لكم برسالة، أو قد تتّصلون أنتم بهم، فهذه فرص مناسبة لتشجيع الآخرين علي تقديم الخدمات في سبيل الإمام الحسين عليه السلام، حتي لو بدأ المرء من نقطة الصفر، فإنّ الإمام عليه السلام هو الكفيل بأن يأخذ بيده ليصل بعمله إلي النتيجة المطلوبة.

لقد رأيت بنفسي حسينية تأسّست في إحدي الدول، كانت الأموال التي جمعتْ لها في بادئ الأمر هي من أموال القروض، وخلال 20 عاماً أصبحت أهمّ حسينية في ذلك البلد. لذلك، ابدأوا العمل في هذا الطريق بأقلامكم وألسنتكم وتشجيعكم، وإذا كانت لديكم استطاعة مالية، مهما كانت متواضعة، فلا تتردّدوا، فإنّ أعمالاً كهذه هي التي جعلت أشخاصاً يحظون بمنزلة ومكافآت من الإمام الحسين سلام الله عليه لم ينلها غيرهم.

نقطة أخري هي أنّه يمكنكم أن تضيئوا مصباح الحسين عليه السلام في بيوتكم، وذلك من خلال إقامة مجالس العزاء الحسينية العامة، فمن تمكّن من فعل ذلك فهنيئاً له، ومن لم يتمكّن فليُقم مجالس عزاء خاصّة في بيته، وإذا تعذّر ذلك أيضاً فيمكنه إقامة مجلس عزاء لأسرته فقط مع مشاركة جار أو قريب له. ولهذا العمل بركات دنيوية جليّة تسبق بركاته الأخروية.

مع أنّ للحضور في ¬الحسينيات والمجالس ¬العامة أهمّيته، لكن من الأفضل أن ينقل المرء هذه البركات إلي داخل بيته أيضاً، وإذا لم يستطع تحمّل أعباء هذه المجالس، فليكتف بأقلّها،وسترون بأمّ أعينكم كيف أنّ الله سيبارك بها وستتمكّنون حتي من الإطعام.

فداحة المصيبة

في الحقيقة، لا يمكننا أن نتصوّر ما كابده سيّد الشهداء عليه السلام في يوم عاشوراء. قد تراود الإنسان أحياناً بعض الخطرات، لكنّه مع ذلك، لا يتصوّر ما جري في ذلك اليوم فعلاً.

لاشكّ أنّ الإمام المعصوم عليه السلام أرقي وأعقل خلق الله، وله روح عالية تعلو علي

أرواح جميع المخلوقات، لكن في الوقت نفسه له قلب يطفح بعاطفة تسمو علي عواطف جميع البشر، وإن كانت معقودة بأكمل العقول.

لقد ذرف الرسول الكريم صلي الله عليه وآله الدمع حزناً علي فقد ولده إبراهيم عليه السلام الذي لم يتجاوز العام ونصف العام.

وكان صلي الله عليه وآله يجهش بالبكاء لدرجة كانت كتفاه تهتزّان حتي قال له بعض أصحابه: يا رسول الله، تأمرنا بالصبر وتبكي لهذه المصيبة؟ فقال:

«تدمع العين ويحزن القَلْبُ ولا نقول ما يُسخط الربّ وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون» ().

فالرسول الأعظم صلي الله عليه وآله يبكي كلّ هذا البكاء لفراق ولده ذي الثمانية عشر شهراً، بينما فَقَد الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء أعزّ الناس وأقربهم إليه كأبي الفضل العباس وعلي الأكبر والقاسم عليهم السلام … ولو كان هؤلاء أفراداً عاديين لهان الأمر، ولكنّهم ترعرعوا في حجر الإمامة الطاهر، وكانوا بعد الإمام المعصوم عليه السلام قدوة في الوفاء والنخوة والأصالة، ولا مثيل لهم علي وجه الأرض مطلقاً، وإنّنا لنعجز عن أداء حقّهم في وصف مكانتهم.

أجل، في أقلّ من نصف يوم، تجرّع الإمام الحسين عليه السلام كلّ هذه المصائب وتحمّل ما لا يطيقه بشر.

وحينما أراد جيش عمر بن سعد في اليوم الحادي عشر من محرّم اقتياد السبايا إلي الكوفة، كان الإمام السجّاد سلام الله عليه من شدّة ما ألمّ به من مرض لا يقوي علي ركوب الناقة، لذلك قاموا بشدّ رجليه من أسفل بطن الناقة. وعندما اقتيد السبايا من وسط ساحة المعركة، رمت النسوة والصبية بأنفسهم علي جثث الشهداء، أمّا الإمام السجّاد سلام الله عليه فلم يستطع فعل ذلك، ويقول في هذا الشأن:

فكادت نفسي تخرج فَتَبَيَّنَتْ ذلك عَمَّتي زينب … ().

لذلك عندما رأت السيدة زينب عليها

السلام الإمام السجّاد سلام الله عليه يوشك أن يلفظ أنفاسه، تركت جثث الشهداء وتوجّهت إليه، وذكرت له بعض الأمور والتي طبعاً هو أعلم بها حتي هدأ قليلاً. وقد أخبرت العقيلة زينب عليها السلام ابن أخيها عليه السلام بأنّ هذا الحال لن يدوم، فسوف يأتي زمان يقيم أناس مجالس عزاء للإمام الحسين عليه السلام ويحيون ذكراه. فأسكنت لوعة قلبه الشريف بقولها:

ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض … ينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء لايُدرس أثره … ().

وكلّ ذلك كان بعين الله التي لا تنام حتي تحلّ الساعة التي يأذن الله سبحانه فيها بحكمته العالية انتهاء أمر الصبر لتصل النوبة للعدل الإلهي والانتقام من الظالمين.

أسأل الله ببركة سيّد الشهداء عليه السلام هذا الإمام الهمام الذي هو منشأ البركات في الدنيا والآخرة أن يوفّقنا أكثر فأكثر علي طريق خدمته والتزوّد من أهدافه الرفيعة والعون علي إقامة المجالس الحسينية المباركة.

ثواب إحياء الشعائر الحسينية

إنّ الذين قدّموا الخدمات الجليلة للإمام الحسين سلام الله عليه، وتحمّلوا في سبيله العناء والعذاب، سيُسَجَّل لهم ما قدّموه بأحرف من نور في سفر التاريخ، وفي المقابل سُتكتب أسماء الذين وجّهوا ولو أدني إهانة لمواكب العزاء والمآتم الحسينية بأحرف من نار وهوان، أولئك الذين وقفوا في وجه مراسيم العزاء علي سيّد الشهداء عليه السلام وكذا بدرجة أقلّ أولئك الذين أعاقوا أو ثبّطوا ذويهم أو الآخرين عن إقامة هذه الشعائر أو المشاركة فيها، كالزوج الذي منع زوجته من المشاركة، أو الزوجة التي ثبّطت من عزيمة زوجها، أو الأخ الذي منع أخاه، أو الجار الذي منع جاره، وبعبارة واحدة: كلّ من وضع عقبة في طريق إقامة الشعائر الحسينية، كلّ ذلك سيسجّل عليهم

صغيراً كان أو كبيراً.

إنّ الخاسر الحقيقي هو من انتهك حرمة عزاء سيّد الشهداء عليه السلام وأهل البيت الأطهار سلام الله عليهم بأيّ طريقة كانت، ولن يهنؤوا في حياتهم حتي في شربهم الماء، ففي الخبر أن الله تعالي أوّل شيء يحاسِب عليه المرء هي قضية سيّد الشهداء سلام الله عليه، فيحاسب كلّ من كان مع سيّد الشهداء عليه السلام وكلّ من كان ضدّه بل وكلّ من خطا خطوة في طريق سيّد الشهداء سلام الله عليه، وكلّ من خطا خطوة في طريق أعدائه، فيحشر أتباع سيّد الشهداء عليه السلام معه وأعداؤه مع قتلته.

كان هناك عالمان جليلان، رهن أحدهما عمره في خدمة مجالس عزاء سيّد الشهداء عليه السلام ولم يتوانَ عن بذل أيّ خدمة بماله أو بلسانه … في هذا السبيل، أمّا الآخر فلم يكن يعر أهميّة تُذكر لهذه القضية. والآن، وبعد مضي سنوات علي وفاتهما، كان من الثواب الذي ناله الأوّل هو أنّ الله قد وفّق أبناءه وأحفاده، فجعل منهم المؤلّف والعالم والمدرّس والمرجع الديني، منتشرين في أصقاع الأرض يُحيون ذكري أبيهم، في حين لم يبق من الثاني أيّ أثر يخلّده، وهذا بالتأكيد نتيجة لتعظيم الأوّل مسألة التفاني والإخلاص لسيّد الشهداء سلام الله عليه، وعدم اكتراث الثاني لهذه المسألة، ومن هنا يتبيّن بأنّ أيّ خدمة تقدّم لمواكب العزاء الحسينية لن تذهب سُدي أبداً.

ولا بأس بأن نذكر مثالاً آخر من بين آلاف الأمثلة التي يتّضح من خلالها الثواب الذي يُعطي لخدّام المسيرة الحسينية، وقد يحمل كلّ واحد منكم أيضاً في ذاكرته أمثلة أخري عن بركات وألطاف البيت النبوي، لمَسَها في نفسه أو في بعض أقربائه.

يُروي أنّه كان هناك شخصان أحدهما بائع بسيط بدخل متواضع، والآخر من أغنياء المدينة

وأعيانها. كان البائع البسيط يكدّ ويشقي من الصباح حتي المساء لتأمين رزقه، وعندما كان يعود إلي بيته يجلس فيقسّم حاصله اليومي إلي ثلاثة أثلاث، يخصّص ثلثاً منها ويدّخره باسم الإمام الحسين سلام الله عليه، وبمرور الليالي والأيّام وبعد البركة التي أفاضها الله تعالي علي رزقه وما ادّخره، اشتري قطعة أرض خارج مدينته وبعد سنوات قليلة شاء الله تعالي أن تتوسّع المدينة، فأدخل التوسّع قطعته تلك إلي داخل المدينة، فبني فوقها حسينيّة لإقامة العزاء علي سيّد الشهداء سلام الله عليه بالإضافة إلي إقامة الفرائض والمراسيم الدينيّة الأخري. وقد ذكر ابن ذلك الكاسب: بأنّ أهل البلد عرضوا عليه شراء تلك الحسينية مقابل مبلغ 5 مليارات تومان لغرض تحويلها إلي مبني عام، لكنه رفض وقال: «هذا المكان وقف للإمام الحسين سلام الله عليه ولم يعُد ملكاً لنا».

إنّ خدمات ذلك الكاسب في الدنيا محفوظة له، من خلال المراسيم التي تقام في تلك الحسينية والتي أحيت ذكره، هذا بالإضافة إلي الثواب الأخروي الذي ينتظره، بينما لم أسمع عن ذلك الثريّ أنّه أوقف ولو شبراً واحداً من أملاكه للإمام الحسين سلام الله عليه، حتي آل الأمر إلي أن اقتسم ورثته من بعده كلّ أمواله، ولم يبق له أيّ شيء يحيي اسمه من بعده.

ومن هذا المنطلق، تعتبر قضية الإمام الحسين سلام الله عليه قضية تكوينية، بمعني أنّه من قدّم خدمة خالصة للإمام عليه السلام سيثاب عليها في الدنيا قبل الآخرة.

ومن المناسب هنا أن نتطرّق لرواية تبيّن مدي عظمة الأجر لزائر الإمام الحسين سلام الله عليه ومحيي مجالسه ومعظّم شعائره:

سابقاً كان قبر الإمام الحسين عليه السلام في عرض الصحراء حيث لا أثر أو علامة تميّزه، ولم يكن باستطاعة أحد الاهتداء إليه وزيارته من

غير دليل مرشد. ومن ناحية ثانية، كان الجواسيس منتشرين في تلك الناحية ومأمورين بالقبض علي كلّ زائر يتّجه صوب القبر المشرّف، لتسليمه إلي السلطات آنذاك. وقد أدخل هذا الأمر الرعب في قلوب الوالهين لزيارة الإمام سلام الله عليه، ولم يكن أحد ليجرؤ علي الزيارة. في هذا الصدد، يقول عبد الله بن بُكير(): قلت له (أي للإمام الصادق سلام الله عليه): إنّي أنزل الأرجان وقلبي ينازعني إلي قبر أبيك، فإذا خرجتُ فقلبي وجِلٌ مشفق حتي أرجع خوفاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح؟ فقال له الإمام عليه السلام: يا بن بكير أما تحبّ أن يراك الله فينا خائفا؟ أما تعلم أنّه من خاف لخوفنا أظلّه الله في ظلّ عرشه وكان محدّثه الحسين (سلام الله عليه) تحت العرش وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة يفزع الناس ولا يفزع فإن فزع وقرته الملائكة وسكّنت قلبه بالبشارة» ().

ففي ذلك اليوم العصيب الذي ينشغل كلٌّ بنفسه ومصيره، هناك مكان آمن يرفل بالطمأنينة والسكينة ألا وهو ظلّ العرش حيث يقف الإمام الحسين عليه السلام. فأولئك الذين تحمّلوا المشاقّ والهوان في سبيله سلام الله عليه سيحظون بالأمن وبشرف التحدّث معه، أمّا الذين لم يسيروا في ذلك الطريق ولم يتحمّلوا الصعاب فيه فسيحرمون هذه النعمة العظيمة.

حريّ بنا أن نقيّم أعمالنا ونري ما لمجالس العزاء والحزن علي مصاب أهل البيت سلام الله عليهم من ثواب من خلال ما ورد في ذلك عن أهل البيت عليهم السلام، فقد روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال:

«نَفَسُ المَهمُوم لِظُلْمِنا تَسْبيحٌ، وَهَمّهُ لَنا عِبادَة» ().

إنّكم تحملون في داخلكم همّاً عظيماً بسبب مصاب الإمام الحسين سلام الله عليه، إذن أنفاسكم كلّها تسبيح تسجّلها الملائكة لكم في صحيفة أعمالكم،

ففي كلّ نَفَس يكتب لكم قول (سبحان الله). كما أنّ حزنكم عبادة لكم، إضافة للثواب الذي تحصلون عليه لقاء خدمتكم في هذا الطريق.

لذا، فمن يتحمّل مشاقَّ وأعباءً أكثر، ويضع راحته وسهره في خدمة الإمام الحسين سلام الله عليه، بطبيعة الحال له أجرٌ أعظم.

يُنقل أنّ أحد الأفراد من أهل العلم، كانت له رؤيا () لاثنين من الفقهاء الأفاضل، أحدهما الشيخ الأنصاري رحمه الله الذي تنهل الحوزات العلمية الدينية من علمه منذ 150 عاماً، والآخر الشيخ الدربندي رحمه الله. هذان العالمان كانا زميلي دراسة في مرحلة الشباب، وكانا من تلامذة المرحوم شريف العلماء رحمه الله، وأصبح كلاهما فيما بعد مرجعين للتقليد، وفي ذلك الوقت كان الشيخ الأنصاري رحمة الله عليه هو المرجع العام للشيعة، والدربندي رحمة الله عليه له مرجعية محدودة. ذات يوم عزم أحد طلاّب الشيخ الأنصاري وكان طالباً مجدّاً يحمل صفات العلم والورع علي السفر إلي إيران، فقام الشيخ الأنصاري بوداعه حتي مشارف المدينة مشياً علي الأقدام.

وكان قد عزم ذلك الطالب علي السفر أوّلاً إلي مدينة كربلاء المقدسة ثمّ الكاظمية وسامراء المقدستين ليواصل بعدهما سفره إلي إيران، لكنّه وفي اليوم التالي توقّف ولم يكمل ما عزم عليه في المسير إلي كربلاء المقدسة، ورجع من وسط الطريق. وعندما رأي الشيخ الأنصاري تلميذه في النجف الأشرف سأله: «لماذا عدت؟!» أجابه: ليلة أمس غلبني النوم وأنا في منتصف الطريق في جوف الصحراء، فرأيت ملكاً في منامي يقول لي: إلي أين أنت ذاهب في هذه الصحراء، إنّك راحل عن هذه الدنيا بعد أقلّ من ثلاثة أيّام. وهذا القصر لك وأشار الملك إلي قصر¬ ولم أكن أعلم علي وجه اليقين إن كانت هذه رؤيا صادقة أم لا، فقفلت راجعاً إلي

النجف، لأكون عند أمير المؤمنين سلام الله عليه وليس في الصحراء فيما لو تحقّقت الرؤيا، وإذا بان خطؤها أواصل رحلتي من جديد. وبالفعل تحقّقت الرؤيا وتوفّي الرجل فعلاً بعد الرؤيا بأقلّ من ثلاثة أيّام كما وُعد بذلك.

يروي هذا الشخص نفسه للشيخ الأنصاري بأنّه قد رأي في ذلك المنام أيضاً قصراً شامخاً فسأل: لمن هذا القصر؟ فقيل له: «إنّه للشيخ الأنصاري»، وفي ناحية مجاورة من ذلك القصر رأي قصراً آخر أفخم من القصر الأوّل، فسأل: وهذا لمن؟ قيل له: «هذا قصر الشيخ الدربندي» (). وكان المتحدّث يعرف الشيخين جيداً، ويعلم أنّ مرجعية الشيخ الدربندي لا تضاهي مرجعية الأنصاري، لذلك أثارت فخامة قصر الشيخ الدربندي في تلك الرؤيا السؤال في نفسه ليسأل الملك عن سبب ذلك، لأنّه من المتوقع أن يكون قصر الأنصاري أكثر فخامة وعظمة، فأجابه المَلَك قائلاً: «هذا ليس جزاء أعمال الدربندي العامّة، بل هو هدية له من قِبل الإمام الحسين سلام الله عليه لقاء اهتمامه بمجالسه».

وكما أنّ لخدمة المواكب الحسينية وتعظيم شعائرها ثواباً وأجراً جزيلاً، كذلك فإنّ التصدّي لهذه المواكب ومحاربتها ستكون لهما عاقبة سيّئة. ومن يضع العراقيل في طريق المواكب الحسينية، سيلقي جزاءه في دار الدنيا قبل الآخرة؛ لأنه بذلك يكون كمن يحارب الإمام الحسين سلام الله عليه. إنّ الثواب الحقيقي للأعمال عموماً يُكشف عنه في يوم الحساب، لكنّ المسيء للإمام الحسين عليه السلام سيدفع ثمن ذلك في الدنيا قبل الدار الآخرة.

استلهام الدروس من عاشوراء

إنّ المشاركة والخدمة في المجالس الحسينية فيها ثواب عظيم، ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحدّ، فلم يكن يوم عاشوراء مناسبة للندب والتعزية حسب، بل كان وما يزال وقفة للتأسّي بدروسه والاقتداء بأبطاله، فيجب علينا أن نقتدي بسيّد الشهداء عليه السلام

وأن نتأسّي به في جميع شؤوننا.

إنّ من بين ما تميّزت به قضية الإمام الحسين سلام الله عليه ميزتين هامّتين هما: العَبرة والعِبرة، وتكاد تكون هاتان الميزتان متلازمتين. فالذي يحظي بمنزلة أرفع وحرمة أكبر عند سيّد الشهداء عليه السلام هو الأقدر علي الجود في العَبرة وأخذ العِبرة من قضية الإمام عليه السلام. وعلي قدر السعي والجدّ في هاتين المسألتين سوف يحظي الفرد بالثواب والجائزة.

وكلّما جاد الإنسان في البكاء والأسي علي مصاب الإمام الحسين عليه السلام أظهر للعالم استنكاره لما جري علي الإمام سلام الله عليه، بمعني أنّ العبرة علي الإمام مظهر لنصرته في أيّ وقت كان.

بعبارة أخري: إنّ توقّع الإمام الحسين سلام الله عليه من الأفراد يتناسب مع منزلتهم ومقامهم. ولم يهمل المعصومون سلام الله عليهم في رواياتهم هذا الجانب، أي منازل الأفراد، حيث يقول الإمام الصادق سلام الله عليه لأحد أصحابه:

«إنّ الحسن من كلّ أحد حسن وإنّه منك أحسن لمكانك منّا، وإنّ القبيح من كلّ أحد قبيح وإنّه منك أقبح … ?().

إنقاذ الناس من عتمة الجهل

وفيما يتعلّق بالميزة الثانية وهي أخذ العِبرة فقبل كلّ شيء يجب أن نعلم لماذا اختار الإمام عليه السلام وأبناؤه وأصحابه عليهم السلام طريق الشهادة، وبهذه الطريقة المفجعة؟ ولعلّ زيارة الأربعين تجيب عن تساؤلنا، حيث جاء فيها:

«وبَذَلَ مُهجَتَهُ فيكَ لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَةِ» ().

إنّ أئمّتنا سلام الله عليهم كلّهم قد بذلوا مهجهم في سبيل الله ومن أجل هداية الناس، وكما روي عنهم سلام الله عليهم «ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم … » () فلماذا خُصّ سيد الشهداء عليه السلام بهذا التعبير؟

إنّ الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه باستشهاده قد فتح مدرسة العِبرة للجميع، ليقارعوا الظلم ويتحمّلوا الشدائد والمصاعب حتي يذوقوا طعم

السعادة.

إنّ شهادة الإمام سلام الله عليه هي اختبار للناس وإتمام للحجة، وفي ذات الوقت مشعل هداية ونجاة من الجهل والتيه والظُلمة. فسيّد الشهداء عليه السلام هيّأ أسباب الهداية ومهّد طريقها للناس، عندما قدّم دمه الزكي من أجل النجاة من الضلالة والجهالة ليرتقي الناس إلي السعادة والفلاح.

ومهمّتنا نحن وأمثالنا أن نتمثّل هذه البطولات والتضحيات وأن نجعل من شهادة الإمام سلام الله عليه حجة بالغة، وتوظيفها علي أكمل وجه لهداية أنفسنا والآخرين.

بإمكاننا أن نستلهم هذه المعاني من خلال مراجعة سريعة لصفحات التاريخ، حيث روي: أنّ أحد أصحاب الإمام الحسين سلام الله عليه اعترضه وهو في طريقه إلي مكة أو المدينة وقال له: إلي أين يا بن رسول الله؟ إنّ بني أمية سيقتلونك. فأجاب الإمام عليه السلام: فبما يُمتحن هذا الخلق().

فدورنا أن نقتبس من نور مشعله عليه السلام قدر استطاعتنا لنستضيء به في طريق الهداية ونخلّص أنفسنا من الظلمات.

فمن أهمّ الدروس في سِفْرِ واقعة استشهاد الإمام أبي عبدالله عليه السلام هو انعتاق النفس من قيود الجهل وحلكة الضلال، وسلوك طريق الهداية، وهو بلا شكّ هدف عظيم وسامٍ إلي الدرجة التي حملت سيّد الشهداء سلام الله عليه علي أن يضحّي بنفسه من أجل بلوغه. وعلاوة علي البركات المستفادة من الإمام الحسين عليه السلام، تقع علينا مسؤوليتان كبيرتان:

المسؤولية الأولي: أن نعمل بما نعلم ونؤمن به، وأن نسعي إلي الاقتراب أكثر فأكثر من أهداف وقيم سيّد الشهداء سلام الله عليه.

لقد أراد الإمام عليه السلام أن ينجي العباد كلّ العباد من الجهل والضلال والتيه، فكلمة «عبادك»، لا تخصّ الشيعة وحدهم، بل جميع العباد. لذلك إذا أردنا أن نتقرّب منه عليه السلام أكثر علينا أن نبذل كلّ ما نملك في خدمة هذه القضية.

إنّ

الإمام الحسين سلام الله عليه استشهد من أجل: أصول الدين، والأحكام الشرعية، والأخلاق الإسلامية. فمن أراد أن يكون علي ولائه لسيّد الشهداء عليه السلام وأهدافه السامية، عليه أن يسعي في الحفاظ علي هذه الأهداف الثلاثة التي استشهد من أجلها الإمام عليه السلام وأن يضعها علي رأس أولوياته، لتقرّ به عين الإمام الحسين عليه السلام والإمام المهديّ عجل الله تعالي فرجه الشريف. ولنعلم بأنّه علي قدر هممنا في المضي علي هذا الدرب، تكون عنايتهما ولطفهما تجاهنا.

المسؤولية الثانية: هي أن نحثّ الآخرين علي أن ينهلوا من هذا المعين الصافي وتعريفهم بشخصية الإمام الحسين سلام الله عليه وأهدافه ومبادئه(). ويجدر بنا بعد أن نتمثّل التعاليم القيّمة لسيّد الشهداء عليه السلام أن نعلّمها لغيرنا، أي أن نطبّقها وندعو الآخرين إلي تطبيقها.

إنّ بعض الناس ليست لهم اهتمامات بحضور مجالس الوعظ والخطابة أو المجالس الدينية لأسباب عدّة أو لنقل إنّ حضورهم قليل ومحدود، من هذا المنطلق يتوجّب علي الذين يتردّدون باستمرار علي مثل تلك المجالس ويستمعون إلي محاضرات الخطباء والوعّاظ ويستفيدون ممّا يطرح فيها من أحكام ومعارف، علي هؤلاء أن يسعوا إلي إرشاد الآخرين ووعظهم وأن يرفدوهم بالعلوم والمعارف ولو بجزء يسير التي تعلّموها من خلال مواظبتهم علي حضور مجالس الإمام الحسين سلام الله عليه.

إنّ كلمة «عبادك» في عبارة «ليستنقذ عبادك» تعلّمنا أن نسعي إلي هداية جميع البشر وليس المؤمنين فحسب، وأن نأخذ بأيديهم نحو القمم العليا في الإسلام والإيمان، إلي الصراط المستقيم الذي هو صراط أهل البيت عليهم السلام.

إنّ في أعماق كلّ إنسان بما في ذلك الظالم والمتعصّب والعاصي والجاهل بمختلف أنماطه مساحةً للهداية وقبول الحقّ، والاستعداد للتحوّل والارتقاء، لذا فإنّ علي أتباع الإمام الحسين ابن علي سلام الله عليهما

أن يأخذوا بيد هؤلاء ويعينوهم علي الخروج من كهف الجهل وظلمته إلي نور الهداية.

لا يستهين أحدٌ منّا بقدراته أو يقلّل من قابلياته في هذا المجال، فلكلّ منّا مواهب خلاّقة وإمكانات هائلة مطمورة في ذاته، إذا ما أحسن الاستفادة منها وتوظيفها لَوَقَف علي حقيقة قدراته ولمس روائع إبداعاته، ويتجلّي لنا هذا عندما نتأمّل في البيت المنسوب إلي الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه:

أتزعم أنّك جرمٌ صغير وفيك انطوي العالم الأكبر()

فكم من الأمور التي يمكن إنجازها حتي بالقول وحده.

أحد الأشخاص الذين أعرفهم كان يحثّ الناس ويدعوهم إلي تقديم الإعانات المالية لتنفيذ مختلف أعمال الخير، وقد استطاع عن هذا الطريق بناء 80 مسجداً، وهذه مسألة مهمّة يجدر بأهل العلم أن يأخذوها في الحسبان، وهي أنّ لبعض الوسائل كالخطابة والكتابة أثراً كبيراً في جذب الناس واستنفار طاقاتهم وإمكاناتهم قد لا تتوافر في الوسائل الأخري، لذا ينبغي أن يوجّه أهل العلم منابرهم وأقلامهم لتحقيق هذا الهدف.

وصيّة أخري إلي الخطباء والذين يرتقون المنابر، وهي أن يختاروا أشخاصاً ممّن يجدون فيهم الأهلية والصلاح لمرافقتهم في هذه المهامّ الجهادية، لأنّ هذه الصحبة ستكون مفيدة من جهة أنّهم سيتعلّمون من سلوك الخطيب وتصرّفاته قبل أن يتعلّموا من خطبه وأقواله، ومعلوم أنّ السلوك أقوي في التأثير من الخطاب وأبلغ في التلقّي من المقال وهذا أيضاً ينطبق علينا تجاه من نعتبرهم مثلنا الأعلي، فنحن نستلهم المعرفة من سيرتهم عليهم السلام قبل أن نأخذ الدروس من أقوالهم.

وعلي هذا الأساس، فإنّ هؤلاء الأفراد الذين يصحبونكم سيستفيدون من صحبتكم أكثر. بعبارة أخري: سيقفون علي تصرّفاتكم بتفاصيلها ودقائقها، وهذا يتيح لهم التعرّف علي حقيقة أحوالكم وماهيّتكم ومن ثمّ يختصر عليهم طريق التصديق بأقوالكم وآرائكم. إنّ مسؤولية هداية الناس وإنقاذهم من

ظلمات الجهل والضلالة والتيه، ليست حكراً علي أحد، بل هي مسؤولية عامة، وهي تعتبر أحد الدروس المستلهمة من سيرة سيد الشهداء سلام الله عليه.

إنّ تحقيق هذا الهدف يتمّ عبر عدّة أساليب ووسائل، وعلي كل منّا أن يسلك الطريق المناسب للوصول إلي هذا الهدف، وان لاّ يدّخر جهداً في سبيل ذلك.

معاملة العدو بالحسني

إن للمدرسة الحسينية عطاءً لا ينفد، ومكاسب لا تبلي، وهي تجسّد عظمة سيّد الشهداء عليه السلام. فالحسين عليه السلام إمامنا ومثلنا الأعلي، فلنرَ ماذا فعل حتي نسلك طريقه ونتبع أثره؟ وهاهنا نستعرض بعض المكاسب التي جادت بها المدرسة الحسينية علي الإنسانية، علّنا ننتفع بها في حياتنا:

أحد المآثر التي قام بها الإمام الحسين سلام الله عليه هي تقديمه الماء لأصحاب الحرّ الرياحي، فمن هم يا تري أصحاب الحرّ. إنّهم جماعة كلّفهم ابن زياد بمهمّة اقتياد الإمام الحسين عليه السلام إليه، وكان سلام الله عليه قد قال: «حتي لو استسلمتُ لهم، فلن يتورّعوا عن قتلي».

نعم، إنّهم جاءوا لمحاربة الحسين عليه السلام وقتله في حال عدم استسلامه، لكنّ الحرّ رجع إلي نفسه وتاب في يوم عاشوراء بعد الذي بدر منه في البداية، فتاب الله عليه.

والآن لنرَ ماذا فعل أصحاب الحرّ؟ فريق منهم رمي الإمام عليه السلام بوابل من سهامه، وفريق آخر حاربه بالرمح والسيف، وأولئك الذين لم يكن معهم سلاح أمطروه بقطع الخشب والحجارة، كما ساهم بعضهم في قتل علي الأكبر عليه السلام ابن الإمام سلام الله عليه، ومنهم من رمي أبا الفضل العباس عليه السلام بالسهام. وكان الإمام عليه السلام يعرفهم ويعرف نواياهم، لكن مع ذلك سقاهم الماء، وهنا يمكن أن نسأل: «يا أبا عبد الله لماذا سقيتهم الماء؟». الجواب هو أنّ الله تعالي يريد من الإنسان

أن يخدم أخاه الإنسان صالحاً كان أم طالحاً، وهنا أيضاً لا ينبغي أن يقال: لو لم يسقهم لما دخل بعضهم النار معللاً الأمر بأنهم كانوا سيموتون من العطش، وبالتالي لم يكونوا ليشاركوا في محاربته سلام الله عليه، لأنّ الله يريد من الإنسان أن يخدم نظيره الإنسان بغضّ النظر عن كونه كافراً أو مسلماً، عادلاً أو فاسقاً، ولكن بشرط أن لا تكون تلك المساعدة علامة علي تأييد مسلكهم الخاطئ.

لنحاول تعلّم هذه الدروس من الإمام عليه السلام وأن نستعمل ألسنتنا ومواقفنا في فعل الخير دائماً ومع الجميع دون استثناء، فإذا كان باستطاعتنا التفريج عن كربة مكروب لا نتردد في ذلك، وإذا كان بإمكان المرء أن يساعد بماله أو لسانه أو التوسّط للمساعدة لصالح من يعرفه أو حتي من لا يعرفه، فليفعل.

لاشكّ في أنّ قتلة الإمام الحسين عليه السلام كانوا شرّ خلق الله، لكن مع ذلك نري الإمام سلام الله عليه نفسه في ذلك اليوم يترجّل عن فرسه ليسقي من ماء قربته أحد أفراد العدوّ الذي زالت قواه من شدّة العطش ولم يقوَ علي النهوض، يقول بعض الرواة بأنّ ذلك الشخص كان أحد الذين شاركوا في قتل الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، والإمام عليه السلام نفسه كان يعلم بهذا، ومع ذلك سقاه الماء.

كان بإمكان الإمام الحسين سلام الله عليه عند لقائه الحرّ وجيشه المنهك العطشان أن يبيدهم عن بكرة أبيهم بإشارة واحدة كما قلنا خصوصاً أنّه كان أكثر منهم استعداداً وتأهّباً وجاهزيّة للقتال، وكان محتاطاً لكل شيء، وفي المقابل كان أفراد جيش العدو خائرين وعطاشي، ولم يكونوا يقوون علي القتال، ولو قُدّر لهم أن يشتبكوا لما نجا منهم أحد البتّة، لقد كان أولئك في قبضة الإمام سلام

الله عليه وما كان عليه إلاّ أن يشدّ قبضته حتي يعصرهم في سويعات قليلة فيقضي عليهم أو يأسرهم في معركة سهلة، لكن ليست هذه من شيم الإمام سلام الله عليه ونبل أخلاقه، فقد عاملهم بالحسني وقدّم لهم ولخيولهم الماء ليرتووا.

لقد وقف الحرّ في طريق الإمام الحسين سلام الله عليه ولم يسمح له بالتقدّم معلّلاً ذلك بأنّه مأمور بالتصدّي لجيش أبي عبد الله عليه السلام ومنعه من التقدّم، وعلي الرغم من أنّ الحرّ لم يتعرّض للإمام سلام الله عليه بسوء لأصالة معدنه ونقاء ذاته، إلا أنّه علي أيّ حال كان يُحسَب علي الأعداء، وكان بمقدور الإمام عليه السلام منع الماء عنه وعن جيشه ليهلكوا جميعاً من العطش، لأنّه كان في حالة دفاع عن النفس، لكنّه عليه السلام أبي أن يلجأ لمثل هذه الأساليب ومعاملتهم بنفس منطقهم، وأن يبيح لنفسه إهلاكهم بالعطش. فسيرة أئمّتنا سلام الله عليهم سيرة الهداية وإنقاذ الناس.

لقد ضرب الإمام سلام الله عليه مثلاً رائعاً في اللطف والعطف حتي مع أعدائه، وكان يأمل عليه السلام أن يهدي به الله ولو فرداً واحداً من جيش العدو وينقذه من شفير الهاوية وعذاب الآخرة.

تنطوي هذه الأحداث والوقائع المروّعة والمعبّرة في آن معاً علي دروس جمّة وعميقة الغور وهي تعتبر بحقّ مصنع الإنسان، وإنّ الوقوف عند تفاصيلها مدعاة للوعي والتنوير.

علينا أن نعمل جاهدين لكي نعرّف العالم علي هذه السيرة المفعمة بمعاني الإنسانية، وأن نثبت لهم بأنّ الإسلام يختزن في كل لبنة من لبنات صرحه الشامخ مبادئ الرحمة والمروءة والواقعية والإنسانية بكلّ ما في هذه الكلمات من معانٍ ومفهوم وفي أرقي مستوياتها، ومتي ما استطعنا إيصال تلك التعاليم المضيئة إلي أسماع العالم فإنّنا قد أنزلنا هدف الإمام الحسين سلام

الله عليه «ليستنقذ عبادك» إلي أرض الواقع والتطبيق.

والجدير بالملاحظة أنّ الجهل بهذه التعاليم النورانية لا يقتصر علي غير المسلمين في العالم، بل إنّ الكثير من المسلمين لا يزالون يجهلون الجزء الأكبر من حقائقها. وهذه التعاليم تتطلّب الشرح والتفسير وتنطوي علي دقائق وأسرار كثيرة ينبغي لنا أن نعرضها علي الناس كما هي.

في رواية صحيحة عن الإمام علي بن موسي الرضا سلام الله عليه أنّه قال لأبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي وهو من الثقات: «رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقال أبو الصلت: وكيف ذلك؟ فقال الإمام عليه السلام: يتعلّم علومنا ويعلّمها للناس، فإنّ الناس لو عَلموا محاسن كلامنا لاتّبعونا» ().

إنّ درجات العلماء ومراتبهم عند الله سبحانه وتعالي وأهل البيت سلام الله عليهم يوم القيامة تعتمد علي مقدار علمهم وجدّهم واجتهادهم في هداية عباد الله وإرشادهم.

حينما نقول مثلاً: إنّ فلاناً جادّ في عمله، نعني أنّه يسعي في كسب رزقه في كلّ الأحوال والظروف صيفاً وشتاءً، ولا يؤثّر عليه شيء آخر، وكذلك هو الحال مع من يريد أن يتشرّف بزيارة بيت الله الحرام فلن يتواني عن طرق جميع الأبواب وتهيئة مستلزمات هذا الأمر العظيم حتي يوفّق في تحقيقه. وهكذا بالنسبة للعالم المجدّ الذي يسعي في هداية خلق الله فهو لا يترك صغيرة أو كبيرة إلا ولجأ إليها لكي يفوز بهدفه وهو عبودية الناس لله وهدايتهم وما من شك أنّ الله يسدّد خطاه في مسعاه.

إذا عقد أهل العلم العزم علي هداية الناس وأظهروا الجدّية في إيصال رسالة أهل البيت سلام الله عليهم، عند ذاك نستطيع القول أنّهم قد ارتقوا إلي مستوي المسؤولية وأدّوا ما عليهم، والحقّ أنّ الإمام الحسين سيّد الشهداء عليه السلام لم يجر تعريفه للناس كما

يجب وكما هو حقّه باعتباره إمام الحقّ في الدنيا والآخرة وإمام الإنس والجنّ، ولا شكّ أنّها مهمّتنا جميعاً وبالأخصّ أهل العلم أن نقدّم سيرة الإمام عليه السلام إلي العالم وأن نجسّد مقولة الإمام المعصوم الخالدة المتمثّلة في عبارة «ليستنقذ عبادك» علي الواقع.

نأمل أن نستوعب جميعاً دروس المدرسة الحسينية في الهداية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والثقة بالله تعالي وإظهار المحبّة مع الصديق والعدوّ … وغير ذلك من الدروس القيّمة، وأن نعلّمها للناس، ونجعلها مهمّتنا جميعاً بلا استثناء، إن شاء الله.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

بعد التدبّر بمقولة الإمام عليه السلام الخالدة: «أريد أن آمر بالمعروف … » ()، يتّضح أنّ من جملة الدوافع الحقيقية لقيامه عليه السلام هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي فيه دلالة علي أهميّة هاتين المسؤوليتين.

حينما يسعي الإنسان في الأمر بالمعروف، يلزم أولاً أن يهيّئ المستلزمات العقلية والشرعية التي يتطلّبها هذا الأمر، وأن يعمل علي تعبئة جهوده واستنفار طاقاته لهذا الغرض. صحيح أنّ هذه المسألة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) واجب كفائيّ، أي بقيام أحد المكلّفين بها يسقط تكليفها عن الباقين، ولكن المشكلة تكمن في إحراز الفرد قيامَ أحدٍ بالأمر، ليسقط تكليفه عن الباقين، ممّا تحتّم علينا وكلّ من موقعه التصدّي لهذا الأمر، وذلك لأنّ الجهل بأحكام الإسلام في الواجبات والمحرّمات ضارب بأطنابه في أوساط المسلمين.

وكما أنّ القرآن الكريم يتحدّث صراحة عن شكوي النبي صلي الله عليه وآله من هجر المشركين لكتاب الله حيث تقول الآية:

?وقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إنَّ قَوْمي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ

مَهْجُوراً?().

كذلك كان الأمر من كثير من المسلمين بعد إعراضهم عن كتاب الله تعالي وتركهم امتثال جميع أوامره ونواهيه، خصوصاً بعد رحيل النبي صلي الله عليه وآله إلي الرفيق الأعلي.

فالعمل بالقرآن الكريم وعدم

هجره لا يقتصر علي إقامة الصلاة وأداء الصوم ومناسك الحجّ وشعائره، بل إنّ لعدم هجر القرآن وأداء حقّه علي الوجه الأكمل والتزام حدوده معني أوسع وأشمل ممّا نتصوّر. هناك طيف عريض من الناس ليس لهم إلمام بالأحكام المعروفة الواردة في كتب الفقهاء. من هنا تأتي ضرورة مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طبعاً بشروطها وتعليم الناس أحكام الإسلام، وإذا كان الإمام الحسين سلام الله عليه قد ضحّي بنفسه الزكية من أجل تثبيت دعائم الإسلام وتطبيق أحكامه، فإنّ أقل واجب يقع علي عاتقنا هو أن لاّ نبخل بتعليم الناس أحكام الإسلام، فلو جري إطلاعهم علي مسائل الشريعة لتحصّنوا ولو بمقدار ممّا يعرض لهم في حياتهم. فالسبيل الأمثل لتحقيق هذا الأمر هو تلبية نداء النصرة الذي أطلقه الإمام سيّد الشهداء سلام الله عليه وانتشال الناس من أوحال الحيرة وظلمات الجهالة إلي نور الهداية.

أنقل لكم حادثة سمعتها قبل أكثر من ثلاثين أو أربعين عاماً من أحد رجال الدين، قال إنه عزم علي السفر إلي الهند في رحلة تبليغية، وقد ذهب إلي قرية هناك كان يعرفها بالاسم، ولكن لم يكن لديه اطّلاع واضح عنها ولا عن أهلها، وسُرَّ أهل القرية كثيراً لمقدم رجل الدين وإلقائه الخطب فيهم، وفي أحد الأيام أقامت إحدي حسينيات تلك القرية مراسيم عزاء سيّد الشهداء سلام الله عليه، وقد أُلبست بالسواد، وفي أثناء دخول وقت الصلاة انتبه رجل الدين إلي عدم رفع الأذان في الحسينية وعندما سئل عن السبب، صُدِم لما عرف أنّ أهل القرية لا يعرفون الأذان ولا حتي الصلاة، بل إنّ الإسلام لمّا يدخل قلوبهم بعد، فهم لايزالون علي كفرهم السابق، عند ذاك ارتقي المنبر وخطب في الناس قائلاً:

أيّها الناس، قد جاءكم الإمام

الحسين سلام الله عليه بعدما عرفتموه بقيامه الذي أنار ظُلَم القلوب، وإنّ لهذا الإمام جدّاً عظيماً ووالداً كريماً وأمّاً طاهرة وأخاً مجتبي عليهم السلام يكنّ لهم الإمام حبّاً واحتراماً فائقين، فإن لم يكن هؤلاء عليهم السلام قد جاءوا إلي قريتكم بعد، فها هو الإمام الحسين عليه السلام وهو خامسهم قد شرّف دياركم بقدومه، فحريّ بكم أن تستقدموا بقية الأسرة الطاهرة الكريمة لتتشرّفوا بهم وتنهلوا عنهم ما حملوا عن ذلك الجدّ العظيم رسول الله محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله من ختم رسالات السماء … إلي آخر ما أبان لهم في خطبته المضيئة عن الإسلام والنبيّ وأئمة الهدي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وأضاف قائلاً: لقد أطلعتهم علي أصول الدين وفروعه من الألف إلي الياء، ممّا كان له أثر كبير عليهم، حيث اعتنق جميعهم أو معظمهم الإسلام.

في الحقيقة، إنّ قلوب هؤلاء كانت بمثابة صفحات بيضاء لم يُكتب فيها شيء، وحين أضاء نور الإسلام قلوبهم أسلموا له، ولا عجب في هذا، فما تزال الدنيا برغم ظلماتها وضبابها تحتوي علي صفحات بيضاء ناصعة مهيّئة لأن تمتلئ بأحرف من نور سيّد الشهداء عليه السلام إذا ما أشرق عليها. وإذا ما حملنا المسؤولية المتمثّلة في هداية الناس وأطلعنا العالم علي النهج الحقّ لسيّد الشهداء سلام الله عليه، فستهوي أفئدتهم إليه لا محالة وسينضوون تحت لوائه.

ومن الضروري أيضاً تعرية النهج التعسّفي لبني العباس وبني أمية وإطلاع الناس علي الحقيقة المخزية للظلمة أمثال معاوية ويزيد وهارون والمأمون والمتوكل الذين كانوا يقتلون الناس لموالاتهم أهل بيت الرسالة ومعدن العلم آل محمد صلي الله عليه وآله، وعلي الشبهة والظنّة. كذلك وفي الوقت نفسه ينبغي أن ننقل الصورة المشرقة لسيرة الإمام الحسين سلام الله

عليه ونهجه مع عدوّه الذي كان في قبضته والذي كان بإمكانه القضاء عليه بإشارة واحدة لكنّه أبي إلاّ أن يُحسن معاملته وأن يسقيه وخيله من الماء. فإذا أحسنّا القيام بواجبنا في تقديم الصورة الناصعة لأهل البيت عليهم السلام إلي بقية الأمم واطّلع الناس عليها، فإنّهم سيعتقدون بهم وبنهجهم، وسيزدادون بعداً عن الظلمة والمستبدّين ومن إليهم.

الثقة بالله

علي كل فرد منّا أن يمضي في طريق الأهداف التي بذل الإمام الحسين عليه السلام مهجته في سبيل تحقيقها، وأن ننتخي جميعاً لتلبية النداء الذي أطلقه. لقد قال سلام الله عليه في يوم عاشوراء:

«اللهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب» ().

وللفظة «ثقة» هنا مفهوم عميق، ولربّما نستطيع أن نبيّن معني قول الإمام عليه السلام هذا في ضوء المعني العميق الذي تكتنزه لفظة (ثقة) علي النحو التالي: «اللهمّ أنت سندي واطمئناني وإيماني واعتمادي».. و «للكرب» أيضاً معني دقيق وقد اختير من بين المفردات التي تعني الانكماش والاضطراب والحزن. وفي تقديم الضمير هنا دلالة خاصة تتمثّل في الحصر والتخصيص، فيكون المعني الإجمالي للعبارة: إلهي أنت وحدك مدعاة سكوني واطمئناني عند عظيم الكربة وفرط الغمّ، وأنت من يهدّئ خاطري ويسكّن روعتي.

و الحقّ أنّ فصحاء العرب لم يشهدوا من قبل مثل هذا البيان والترتيب الباهر للألفاظ لتفيد هذه المعاني الراقية والغايات السامية.

إنّها مسألة في غاية الأهمية أن يثق الإنسان بالله ويعتمده، وهي في ذات الوقت صعبة المنال لكنّها ليست بالمستحيلة فهي ممكنة بالجدّ والاجتهاد. فلو وثق الإنسان بربّه، سيبلغ لا محالة مرحلة التكامل ويحلّق في رحبة الآفاق الروحية.

في أغلب الأحيان عندما نعمل عملاً صالحاً تتوق أنفسنا إلي أن يطّلع عليه الآخرون، حتي لو تعاملنا بدهاء لكي نخفي ما جُبلت عليه أنفسنا وحاولنا أن نغطّي علي

عُجْبها وزهوها، وتظاهرنا بعدم اهتمامنا بهذا الأمر، ستبقي في أعماقنا بقايا رغبة تدفعنا إلي إطلاع الآخرين علي إنجازاتنا ونقول في أنفسنا ليت فلان حاضراً ليشهد ما أصنع. فإذا ما وضع الإنسان ثقته بالله وكان موئل اعتماده، كبرت روحه، واتّسع أفقه، وعند ذاك سيطرح عنه هذه الصغائر النفسيّة.

لقد أطلق الإمام الحسين سلام الله عليه، نداءه هذا في لحظات عصيبة افتدي فيها بكلّ ما يملك في الظاهر من هذه الدنيا من إخوة ومال وبنين، وكلّ شيء، وكان هو نفسه مثخناً بالجراح وملقي علي الرمال الحارقة في أرض كربلاء التي عفّرت جسده الطاهر وهو ينزف دماً زكياً، في تلك البرهة التي سقط إخوته وأبناؤه وجميع أصحابه الأوفياء مضرّجين بالدماء، ولم يتبقَ إلاّ أهل بيته وعياله الذين كانوا يتابعون المشهد المأساويّ بصبر وألم، في هذا الخضمّ الهائج من البلايا وأمواج المصائب العاتية يتوجّه الإمام سلام الله عليه إلي الله ليؤكّد ثقته به: «اللهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب»، إنّها حقّاً تُبرز أنّه صلوات الله عليه كان ممسوساً في ذات الله تعالي حين يطلق هذا القول وسط غبار المعركة المتصاعد واشتداد أوارها، وهو ما دعا أحد الرواة الشهود علي واقعة كربلاء لأن يصف رباطة جأشه وقوّة عزمه سلام الله عليه بما يلي:

« … فو الله ما رأيت مكثوراً قطّ قد قُتل ولده وأهل بيته وصحبه أربط جأشاً منه … » ().

ثمّة أناس لم يستوعبوا جيّداً معني التوكّل، حيث يتصوّرون أنّ التوكّل يعني تركهم للأفعال الواجبة واليومية المتداولة()، ويعتقد هؤلاء بتعارض فكرة التوكّل مع الأخذ بالأسباب الدنيوية الطبيعية وأنّ أمور المتوكّلين الدنيوية والمعاشية تتأتّي عن طرق غيبية غير متداولة، وليس عليهم أن يبذلوا الجهد لتهيئة أسباب معيشتهم وتحسين أساليب حياتهم. لكن

التعاليم الإسلامية تفنّد هذا التصور. إنّ عبارة «اللهمّ أنت ثقتي في كل كرب» لا تعني بأيّ حال من الأحوال أن يقفز الإنسان علي قوانين الدنيا ويترك الجدّ والاجتهاد، جاء في القرآن الكريم:

وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعي ()، فالتوكّل يعني أنّه في الوقت الذي يبذل الإنسان جهده ويأخذ بأسباب الدنيا المتاحة، عليه أن يضع ثقته في التقدير الإلهي ويعتمد علي الله سبحانه وتعالي اعتماداً مطلقاً، ويرضي بما قسم له.

من المعلوم أنّ سيّد الشهداء عليه السلام قد أعدّ ليوم عاشوراء كل الأسباب والمستلزمات الضرورية والتوكّل علي الله، ويُروي في هذا الشأن أنّ قافلته كانت تحتوي بالإضافة إلي الأبقار والأغنام، 250 من الإبل، كما ورد في بعض النصوص التاريخية أنّ سيّد الشهداء سلام الله عليه قد حطّ رحاله علي أرض كربلاء بمعيّة ألف وخمسمائة شخص()، ومعلوم أنّ تهيئة الطعام والماء لهذا العدد من الأشخاص بالإضافة إلي 250 من الإبل ومعها الأبقار والأغنام ليس بالأمر السهل.

قبل أن يلتقي الإمام الحسين سلام الله عليه بالحرّ الرياحي وصل إلي مكان فيه ماء فأمر أصحابه أن يستقوا من الماء، وفي المقابل كان الحرّ يقف مع جنده الذين بلغوا زهاء الألف وقد غرز العطش مخالبه فيهم وفي خيولهم، حول هذه الواقعة، يروي لنا التاريخ أنه: «قال الحسين عليه السلام لفتيانه:

اسقوا القوم وارووهم ورشّفوا الخيل ترشيفاً» ().

علاوة علي شدّة حرارة الجوّ، كان يجب إرواء الخيل والإبل التي تشرب عشرة أضعاف كمية الماء التي يشربها الإنسان، من هنا يتّضح لنا بأنّ الإمام سلام الله عليه كان يحمل معه كمية كبيرة من المياه استطاع أن يسقي بها 1500 من المقاتلين وسائر أفراد القافلة و250 من الإبل، بالإضافة إلي سقاية ألف مقاتل من جيش الحرّ مع

خيولهم، ما يعني أنّ الإمام سلام الله عليه قد أعدّ لمحاربة العدو كل مستلزمات القتال من عدّة وعدد، واحتاط للأمر بما يتناسب مع حجمه وأهميّته.

يتبيّن ممّا قيل، أنّ عبارة «اللهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب» لاتعني بأيّ حال من الأحوال أن يترك الإنسان العمل والمثابرة ويركن إلي الكسل، بل أن يعدّ لكل شيء في هذه الدنيا عدّته ويهيّأ أسبابه، وأن يسعي في حلّ المسائل بالطرق المشروعة، دون أن يستغني عن التوكّل علي الله وأن ينيب إليه في جميع أموره وأن يلجأ إليه وحده دون غيره.

نستخلص مما تقدّم أنّ لكلّ من التوكّل والعمل مكانته وأهميّته الخاصّة به، وهما ينسجمان مع بعضهما ويكمّل بعضهما الآخر.

ذكر الحسين عليه السلام ذخر ليوم الحساب

روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه:

«إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي (عليهما السلام)، فأما يوم القيامة فإنما هو بعث إلي الجنة وبعث إلي النار» ().

كلنا سنرحل عن هذه الدنيا وسنحاسَب علي أعمالنا في ثلاث محطّات أعاننا الله عليها حيث نُقل في بعض الروايات أنّه عند الموت، يؤتي بروح الإنسان لتُسأل، وحسب الرواية فإنّ الجسد لا يرفع من مكانه ما لم يتمّ الانتهاء من الحساب. وهناك حساب ثانٍ قبيل يوم القيامة، وثالث في يوم القيامة. وتصرّح الرواية المذكورة بأنّ حساب البرزخ للمؤمن والكافر فرادي وجماعات هو من اختصاص الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه فقط.

إذاً كلّنا سنواجه الإمام سلام الله عليه وسنكون مسؤولين أمامه، وقد خصّه الله جلّ وعلا بخصوصية لم يخصّ جدّه أو أباه أو أمّه أو أخاه بها مع أنّهم جميعاً يفوقونه في المنزلة هذه الخصوصية هي في حسابه للخلق قبل يوم القيامة.

إذاً علينا أن نتزوّد ليوم الحساب مادامت الفرصة

سانحة، حيث يقول الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: «فإنّكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم» ().

وفي رواية أخري له:

«فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وإنّ غداً حساب ولا عمل» ().

لا يستطيع الإنسان يومئذ إضافة حسنة واحدة في صحيفة أعماله ولا محو سيّئة واحدة منها. لهذا، وبسبب انقطاع الإنسان عن العمل في الدار الآخرة من ذكرٍ ينفعه أو حسنة تضاف له تراه يتحسّر علي كلّ لحظة من لحظات حياته، لم يستزد من عملٍ صالح أو يقلع من ذنبٍ، وما إلي ذلك.

عاشوراء والأحكام الاستثنائية

لقد خصّ الله سبحانه وتعالي الإمام الحسين عليه السلام بامتيازات دون غيره، فمثلاً: ورد في روايات عدّة ما يشير إلي: كراهة الصلاة بلباس أسود، لأنّ السواد يقلّل من ثوابها، كما يكره الطواف بلباس أسود، ويكره أيضاً الجزع علي الميّت وهو غير الحزن والبكاء، فالجزع يعني العويل علي الميّت، أو الضرب علي الرأس واللطم علي الوجه، لكنّ الجزع ولبس السواد علي الإمام الحسين سلام الله عليه ليس غير مكروه فحسب، بل كما قال بعض العلماء هو مستحب أيضاً. فالامتيازات التي خصّ الله تعالي بها الإمام الحسين عليه السلام لم يشرك معه غيره من المعصومين سلام الله عليهم بها، وبعض الأمور التي تكره في مواضع أخري قد تكون غير مكروهة إذا كانت في سبيل الإمام الحسين سلام الله عليه بل تُعدّ فضلاً وثواباً.

روي الشيخ رحمة الله عليه في المصباح، عن عبد الله بن سنان قال: دخلت علي سيدي أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام في يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون، ظاهر الحزن، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط. فقلت: يا ابن رسول الله ممّ بكاؤك، لا أبكي الله عينيك؟ فقال

لي:

أوَ في غفلة أنت؟ أما علمت أنّ الحسين بن علي أصيب في مثل هذا اليوم؟

قلت: يا سيدي فما قولك في صومه؟ فقال لي:

صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كملاً وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة علي شربة من ماء فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل¬ رسول ¬الله وانكشفت الملحمة عنهم وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً في مواليهم يعزّ علي رسول الله صلي الله عليه و اله مصرعهم ولو كان في الدنيا يومئذ حيّاً لكان صلوات الله عليه وآله هو المعزَّي بهم.

قال: وبكي أبو عبد الله سلام الله عليه حتي أخضلت لحيته بدموعه ثم قال:

«إن الله عزّ وجلّ لما خلق النور خلقه يوم الجمعة في تقديره في أوّل يوم من شهر رمضان، وخلق الظلمة في يوم الأربعاء يوم عاشوراء في مثل ذلك اليوم يعني العاشر من شهر المحرم في تقديره وجعل لكلّ منهما شِرْعَةً ومِنْهاجاً … ».()

فالله تعالي قد أكرم الإمام الحسين سلام الله عليه بقائمة طويلة من الامتيازات. وعلي هذا الأساس، فأولئك الذين يتحمّلون قسطاً أكبر من الشدائد والصعاب في سبيله()، الذي هو سبيل الله تعالي، سيغبطهم غيرهم ويتحسّر عليهم.

إنّ مثل الآخرة كمثل أسواق الدنيا، من يعمل ويكدّ أكثر، يكون ربحه في نهاية الموسم أكبر، ومن كان عمله أقلّ كان ربحه بطبيعة الحال أقلّ من غيره، مع فارق واحد وهو أنّ كلّ ما يجمعه الإنسان في سوق الدنيا قلّ أو كثر هو متاع قليل، بينما الخدمة لسيّد الشهداء سلام الله عليه هي الثروة الأكثر التي يستطيع الإنسان أن يأخذها معه لآخرته. يقول الإمام الحسين سلام الله عليه مخاطباً أصحابه: «الدُّنْيا حُلْوُها وَمُرُّها حُلم»

().

أحياناً يري الإنسان أحلاماً سعيدة، لكن ما أن ينتبه من نومه حتي يتحسّر علي كونها مجرّد أحلام، وبالعكس حينما يري كابوساً، يفرح حين يري أنّه كان حلماً لا حقيقة، وبالنسبة لنا عندما ننتقل إلي الآخرة سنري بأنّ الدنيا لم تكن إلاّ مثل حلم وانتهي، لكنّ الخدمات التي نقدّمها في طريق محبّة الإمام الحسين سلام الله عليه، تبقي، وكلّما كانت هذه الخدمات أكثر وأكبر كانت فرحتنا أعظم.

جزاء قتلة سيّد الشهداء عليه السلام

نقل صاحب كتاب كامل الزيارات (وهو من المصادر المعتبرة والقيّمة لدي الشيعة) خبراً مفاده أنّ كلّ من شارك في قتل الإمام سيّدالشهداء سلام الله عليه ابتلي بأحد الأمراض الثلاثة: الجنون والجذام والبرص().

ويفيد الخبر أيضاً: أنّ هذه الأمراض قد انتقلت إلي بعض ذريّاتهم من بعدهم، علي الرغم من أنّهم لم يكونوا في عصر ارتكاب الجريمة، إلا أنّ ذلك من عواقب فعل آبائهم في قتل الإمام الحسين سلام الله عليه. وهذه مسألة تكوينية.

كما نقرأ في (كامل الزيارات) أيضاً: أنّ قتلة الإمام الحسين عليه السلام قد قُتلوا جميعاً، ولم يمت أيّ منهم ميتة طبيعية. وفي هذا السياق يقول الإمام الباقر سلام الله عليه:

«والله لقد قُتل قتلة الحسين ولم يُطلب بدمه بعدُ» ().

والله تعالي لم يرض بعد، لأنّ للإمام الحسين عليه السلام مكانة في الملأ الأعلي، عظيمةٌ جداً. نسأل الله تعالي أن يوفّقا جميعاً لخدمة شعائر الإمام الحسين صلي الله عليه و اله.

وصلّي الله علي محمد وآله الطاهرين.

پي نوشتها

() مستدرك الوسائل: ج10 ص318 رقم 12084.

() «طويريج» ناحية من توابع كربلاء، تنطلق منها في يوم عاشوراء كلّ عام وفود المعزّين نحو الحرم الحسيني حفاة لاطمي الصدور والرؤوس ومردّدين هتافات: حسين، حسين، أبد والله ما ننسي حسينا.

() السيد محمد مهدي بن مرتضي بحر العلوم (1155- 1212ه) من مشاهير العلماء الذين عُرفوا بالزهد والورع، وهو أحد تلامذة الشيخ وحيد البهبهاني رحمة الله عليه، انتقل إلي جوار ربّه وهو في الخامسة والسبعين من عمره، ودفن بجوار مرقد الشيخ الطوسي رحمة الله عليه في النجف الأشرف.

(الكني والألقاب، ج2، ص 67)

() بحار الأنوار: ج 45، الباب 37، ص63، الحديث 3.

() الكافي: ج3، ص262، ح45، باب النوادر.

() بحار الأنوار: ج 45، الباب 39، ص 179، ح

30.

() العوالم، الإمام الحسين سلام الله عليه للبحراني، ص362.

() أحد أقرب أصحاب الإمام الصادق سلام الله عليه الذي نقل عنه روايات كثيرة.

() كامل الزيارات، ص 125، الباب 45 ثواب من زار الإمام الحسين عليه السلام

() بحار الأنوار: ج44، ص278، ح4، الباب34؛ الأمالي للمفيد: ص338 ح3، المجلس40؛ الأمالي للطوسي: ص115، ح178، المجلس4.

() الرؤيا ليست دليلاً ولكن عُبِّر عنها أحياناً في الروايات بالمبشّرات، الكافي: ج 1 الروضة، ص 90، ح 59، صحيحة معمر بن خلاد.

() في ذلك الوقت كان الشيخان لا يزالان علي قيد الحياة، كان الشيخ الأنصاري في النجف الأشرف، والشيخ الدربندي في كربلاء المقدسة. وبالإضافة إلي كون هذا الأخير مرجعاً دينياً، كان خطيباً يعتلي المنابر الحسينية وكان له منبر خاص في كلّ عام، حيث نُقل لي بعض من قصصه تلك بواسطتين عمّن حضر مجلسه، وكانت مجالسه تقام في الصحن الشريف في ظهيرة يوم عاشوراء من كلّ عام بعد انتهاء المجالس الأخري حيث كانت تعجّ بجماهير غفيرة، وأحياناً كان يتحدّث قبل ساعة من موعده، ويقول أحياناً: «لا أريد أن أقيم مجلس ندب ونواح فقد سمعتم منها ما يكفي طيلة الليل وحتي الظهيرة، لكنّني أريد أن أوجّه بضع كلمات باسمكم إلي الإمام الحسين سلام الله عليه … » وكان مجلساً مميّزاً حقّاً. كما دوّن المرحوم الدربندي كتاباً مسهباً عن الإمام الحسين سلام الله عليه يحمل عنوان «إكسير العبادات».

() بحار الأنوار: ج 47، الباب 33، ص 349، ح 50.

() تهذيب الأحكام: ح 6، ص 113، ح 17.

() كفاية الأثر: ص 227.

() اللهوف: ص 67.

() من الطبيعي أن لا يوجد تسلسل زمني بين هاتين المسؤوليتين و هما من المسائل الملزمة في الأحكام بمعني أنّه لا يشترط الانتهاء من المسؤولية الأولي

للشروع في تنفيذ المسؤولية الثانية، بل يُمكن تنفيذهما معاً، كما أنّ تنفيذ أيّ منهما لا يغنينا عن تنفيذ الثانية.

() مجمع البحرين: ج 1، ص 122، مادة: انسان.

() عيون أخبار الرضا سلام الله عليه: ج 1، ص 307.

() بحار الأنوار: ج 44، ص 329.

() سورة الفرقان، الآية 30.

() الإرشاد: ج2، ص 96.

() بحار الأنوار: ج 45، ص 50.

() ومجرد الاعتماد علي الله.

() سورة النجم، الآية: 39.

() الإرشاد: ج 2، ص 78؛ بحار الأنوار: ج 44، ص 376

() بحار الأنوار: ج 44، ص 376.

() بحار الأنوار، ج 53، باب الرجعة، ص 43، ح 13.

() نهج البلاغة، ص 62، الخطبة 20.

() الكافي، ج 8، ص 58.

() بحار الأنوار: ج45 ص36 سائر ما جري عليه سلام الله عليه، ح3 باب 37.

() أي سبيل الإمام الحسين عليه السلام.

() بحار الأنوار: ج 45، الباب 37، ص 90، ح 29.

() راجع: كامل الزيارات، ص62، الباب 17، ح8.

() كامل الزيارات، ص63، الباب 88، ح2.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.