الحرية في الإسلام

اشارة

اسم الكتاب: الحرية في الاسلام

المؤلف: حسيني شيرازي، صادق

الموضوع: حقوق

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: ياس الزهراء

مكان الطبع: قم

تاريخ الطبع: 1426 ه

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

هناك تهم توجّه للإسلام ويردّدها بعض من لا يعرفون الإسلام حقّ معرفته. فهم يقولون: إنّ الإسلام كلّه محرّمات وقيود ونواهٍ. ونحن نقول لهم: بالعكس تماماً فإنّ الحرية الموجودة في الإسلام لا يوجد لها نظير في كلّ مكان!

الإسلام يهدي ويرسم الطريق فقط من دون قسر وإكراه، بل كلّ أنواع الإكراه مرفوضة فيه. والحريات التي يمنحها الإسلام في مختلف المجالات لا نظير لها في تاريخ العالَم حتي في هذا اليوم المسمّي بعصر الحريات.

وهذه بعض إفاضات سماحة آية الله العظمي السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظلّه في بعض محاضراته العامّة، ارتأينا طبعها في كرّاس مستقلّ؛ نظراً لما تمتاز به من أهمّية في أيّامنا هذه التي اشتدّ فيها الهجوم وإثارة الشبهات في وجه إسلامنا العزيز، ومن الله نستمدّ التوفيق.

مؤسسة الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله الثقافية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

قال الله تعالي في كتابه الكريم: ?لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ، فمَن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها والله سميع عليم?().

معني الطاغوت

الطاغوت من الطغيان وهو التجاوز عن الحدّ؛ قال الله تعالي: ?إنّا لمّا طغي الماء حملناكم في الجارية?().

ويستعمل الطغيان في الفكر أيضاً، ويراد به عادةً المناهج المنحرفة عن سبيل الله تعالي، ومن هنا تُطلق كلمة الطاغوت علي مَن كان في قمة الفكر المنحرف.

العروة الوثقي

يقول الله سبحانه وتعالي: ?فمَن يكفر بالطاغوت? بأيّ أشكال الطاغوت ?ويؤمن بالله فقد اسمتسك بالعروة الوثقي? أي الشديدة الإحكام، ثم وصفها بأنّها: ?لا انفصام لها? أي أنّها ليست ضعيفة فتنقطع بل لا انقطاع لها أبداً، لأنّها عروة حقيقية وصادقة وليست بكاذبة ومزيّفة. فإنّه لا انقطاع ولا انفصام في الحق والصدق، خلافاً للكذب، فحبله كما قيل قصير سرعان ما يقطع بصاحبه.

مثال: فلو أنّك أردت شراء دار وسألت عنها صاحبها، فأخبرك أنّها صالحة وليس فيها عيوب أو مشاكل، وكان صادقاً في إخباره، فإنّك سوف تبادر إلي شرائها دون أن تعترض عليه أو ينقطع تصديقك به. أمّا إذا كان كاذباً، فإنّك قد تصدّقه حين الشراء، ولكن هذه الحالة ستزول عندما تكتشف أنّ الأمر لم يكن كذلك. أي سيحدث انفصام وانقطاع في تصديقك به.

أمّا دين الله تعالي فلا انفصام فيه. فعندما يخبر الله تعالي الإنسان ويعده أنّه سيسعده إذا ما اتّبع سبيله، فإنّ المسلم الحقيقي لاشكّ سينعم بالسعادة ما حيي، خلافاً لبقية المبادئ التي تعِد الناس ولا تفي ثم يظهر كذبها عاجلاً أم آجلاً.

حرية اختيار الدين في الإسلام

من أصول الإسلام المسلّمة والمؤكّدة مسألة حرية اختيار الدين؛ قال تعالي: ?لا إكراه في الدين?. بل ليكن معلوماً قبل كلّ شيء أنّ الإسلام وحده هو دين الحرّية. فحتّي المدارس والمبادئ الأخري التي ظهرت منذ قرون وما زالت ترفع شعار الحرّية لا واقع للحرية فيها سوي الاسم. أمّا الإسلام فهو دين الحريات مبدأً وشعاراً، وقولاً وعملاً. وهذا موضوع طويل يتطلّب من الباحث أن يطالع الفقه الإسلامي بتعمّق من أوّله إلي آخره لكي يعرف كيف أنّ الإسلام التزم بمبدأ ?لا إكراه في الدين? في مختلف مجالات الحياة.

رسول الله القدوة في تطبيق المبدأ

لقد شنّ أهل مكّة حرباً ظالمة علي رسول الله صلي الله عليه وآله قلّ نظيرها في التاريخ. فلقد عُرف صلي الله عليه وآله بينهم بالصدق والأمانة حتي لقّبوه بالصادق الأمين، ولكنهم مع ذلك حاربوه إلاّ قليلاً منهم عسكرياً واجتماعياً واقتصادياً ونفسياً، حتي بلغ الأمر بهم أنّهم كانوا لا يردّون تحيّته إذا حيّاهم().

فكان الشخص منهم وهو مشرك يخشي إذا ردّ تحيّة النبي صلي الله عليه وآله أن يراه الرائي من المشركين فلا يتبايعون معه بعد ذلك ولا يزوّجونه ولا يتزوّجون منه.

وطردوا رسول الله صلي الله عليه وآله ومَن معه إلي أطراف مكّة، وحاصروهم في شعب أبي طالب وفرضوا العزلة عليهم، فكان لا يحقّ لهم دخول مكّة، وإذا دخلها أحدهم فدمه يهدر. واستمرّت الحالة هذه مدّة ثلاث سنين.

وبعدما هاجر النبيّ صلي الله عليه وآله إلي المدينة شنّ عليه مشركو مكّة عشرات الحروب ساندهم فيها اليهود والمنافقون. ودامت الحالة عشرين سنة بمختلف أساليب الحروب حتي أذن الله له بالفتح().. وجاء صلي الله عليه وآله مكّة فاتحاً.. وأصبحت مكّة في قبضته وتحت سلطته.

ورغم كلّ ما فعله المشركون من أهل مكّة مع رسول الله صلي

الله عليه وآله إلاّ أنّ التاريخ لم يحدّثنا أنّه صلي الله عليه وآله أجبر ولو شخصاً واحداً علي الإسلام، ولو أنّه صلي الله عليه وآله أراد أن يجبر أهل مكّة علي الإسلام لأسلموا كلّهم تحت وطأة السيف، لكنّه صلي الله عليه وآله لم يفعل ذلك ولم يجبر أحداً علي الإسلام. أمّا دعوي إسلام أبي سفيان فكان بتحريض وتخويف من العباس بن عبد المطلب (عمّ النبي) وليس من النبي صلي الله عليه وآله نفسه، فالعباس هو الذي طلب من أبي سفيان أن يُسلم حفاظاً علي دمه لئلا يقتله النبي صلي الله عليه وآله، وكلام العباس ليس حجّة ولا تشريعاً، بل كان من عند نفسه. ولو أنّ أبا سفيان لم يسلم لما أجبره رسول الله صلي الله عليه وآله علي الإسلام. فكثيرون من أمثال أبي سفيان كانوا موجودين في مكّة ولم يقتل النبيّ صلي الله عليه وآله أحداً منهم بسبب عدم إسلامه، ولا أجبر أحداً علي الإسلام، بل تركهم علي دينهم مع أنّه باطل وخرافي لكيلا يسلبهم حرية الفكر والدين.

هكذا روي التاريخ عن سلوك نبينا صلي الله عليه وآله: يحاربه قومه مع ما يعرفونه من صدقه وأمانته ونبله وكرم أخلاقه، بمختلف أنواع الحروب القاسية ويطردونه من موطنه ومسقط رأسه، ثم يتركهم أحراراً وما يختارون من دين وطريقة حياة؟! لقد كان رسول الله صلي الله عليه وآله يهديهم وينصحهم ويوضّح لهم طريق الرشد ويميّزه عن طريق الغيّ ثم يترك الاختيار لهم ?فمَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر?()، ?قد تبيّن الرشد من الغيّ فمَن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي?()، ?وهديناه النجدين?()، ?إنّا هديناه السبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً?(). هذا هو أسلوب الإسلام، لاضغط ولا إكراه فيه.

وهكذا

الحال في سيرة رسول الله صلي الله عليه وآله مع اليهود والنصاري. فلقد ردّ صلي الله عليه وآله عشرات الحروب والاعتداءات التي شنّها أهل الكتاب دون أن يجبر أحداً منهم علي الإسلام. لم يسجّل التاريخ ولو حالة واحدة يكون فيها رسول الله صلي الله عليه وآله قد أجبر ذمياً علي اعتناق الإسلام، والتاريخ حافل بسيرة النبي المصطفي صلي الله عليه وآله، وسجّل وحفظ الدقائق عن حياته. فالعلاّمة المجلسي رحمه الله وحده خصّص في موسوعته (بحار الأنوار) عشرة مجلّدات الواحد منها في أربعمئة صفحة أي ما مجموعه أربعة آلاف صفحة أو أكثر كلّها عن رسول الله صلي الله عليه وآله وحروبه وأخلاقه وسيرته مع المسلمين ومع المشركين وأهل الكتاب.. لا تجدون فيها موقفاً واحداً أجبر فيه رسول الله صلي الله عليه وآله نصرانياً أو يهودياً علي اعتناق الإسلام، بل تجدون أنّه صلي الله عليه وآله كان له صديق نصراني أو جار يهودي دون أن يجبره علي اعتناق الإسلام مع أنّه كان الحاكم الأعلي في الجزيرة العربية وكان بيده السيف والمال والقوّة الكافية.

أمثلة من سيرة أمير المؤمنين

ولو انتقلنا من رسول الله صلي الله عليه وآله إلي أهل بيته سلام الله عليهم لرأينا الحالة نفسها. فها هو الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه قد كان مبتليً بأشخاص ذوي نفسيات وضيعة تردّ عليه وتقطع كلامه وتجادله بالباطل بل حتي تتطاول عليه، وهو مع ذلك لا يأمر بقتلهم وسجنهم ونحو ذلك، وهو الحاكم الأعلي الذي بايعته الأمّة قاطبة ناهيك عن كونه مُنَصّباً من قِبل رسول الله صلي الله عليه وآله وبأمر من العليّ القدير، بل كان يجيبهم ويترك لهم حريّة العقيدة ما لم يتآمروا ويلجأوا إلي استعمال القوّة والسيف.

عاش في عصر الإمام شخص

يُسمّي ابن الكوا، وكان مشاغباً وذا مشاكل ومتاعب، يردّ علي أمير المؤمنين سلام الله عليه ويناقشه دائماً، حتي والإمام علي المنبر، ومع ذلك تركه الإمام وشأنه يعيش في المجتمع دون أن يفرض عليه شيئاً.()

وهناك جرثومة أخري ومنافق آخر يُدعي عمرو بن حريث، من طراز معاوية وأبيه، ومهما يُقال فيه من عيوب النفس ودناءة الخلق فقليل بحقّه، كان ممّن يحضر المسجد ويستمع إلي خطب أمير المؤمنين سلام الله عليه ثم يقطع حديثه متهكّماً. وإذا أخبر أمير المؤمنين سلام الله عليه عن أمور غير ظاهرة أي غيبيّة ترك ابن حريث أعماله وجري خلف ما أخبر به أمير المؤمنين سلام الله عليه يزعم أنّه يريد أن يكشف للناس كذب أبي تراب!! وظلّت هذه الحسرة في نفس ابن حريث تنغّص عليه حياته حتي ذهب إلي قبره همّاً ونكداً دون أن يفلح في كشف ولو كذبة حسب ما يزعم لأبي تراب؛ وكأنه قد غفل حاله حال المنافقين أنه لا يتردّد علي لسان أبي تراب سوي الصدق والواقع. عاش هذا المنافق في ظلّ عليّ سلام الله عليه وبعده، والإمام علي سلام الله عليه لم يصنع معه أيّ شيء، ولم يقل له يوماً تخلّ عمّا أنت عليه وإلاّ ضربت عنقك! لأنّه إمام الإسلام؛ دين حرية الفكر والعقيدة.

أجل، إنّ من عرف الحقّ ولم يترك الباطل فإنّ مصيره يوم القيامة إلي جهنّم وبئس المصير. أمّا في الدنيا ف ?لا إكراه في الدين? ليتمّ الامتحان ويُعرف الطالح من الصالح، ويُميّز الخبيث من الطيّب. فإنّ ابن حريث هذا امتدّ به العمر حتي كان من الشهود ضدّ ميثم التمّار رضوان الله عليه حينما أراد الطغاة الطغام من بني أمية قتله، فقال في حقّه ليدلي بشهادته ضده لكونه

من أصحاب عليّ الحق ومواليه: «هذا الكذّاب مولي الكذّاب» يعني الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه مولي الصادقين وإمام المتّقين.()

أرأيت نفسية هذا المنافق؟! إنّ رجلاً مثل هذا عاش مع أمير المؤمنين سلام الله عليه ثلاثين سنة وكان سلام الله عليه رئيساً وحاكماً بيده القوّة، ومع ذلك لم ينل منه!

فهل يوجد في تاريخ العالَم رئيس كعليّ؟! وهل رأيتم سماحة كسماحة الإسلام؟ وهل رأيتم حرية كقوله تعالي: ?لا إكراه في الدين?؟!

عن ابن عباس قال:

مرّ أمير المؤمنين سلام الله عليه بالحسن البصري وهو يتوضأ فقال: يا حسن أسبغ الوضوء. فقال: يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناساً يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله، يصلّون الخمس ويسبغون الوضوء.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: «قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدوّنا؟» فقال: والله لأصدقنّك يا أمير المؤمنين، لقد خرجت في أوّل يوم فاغتسلتُ وتحنطتُ وصببتُ عليَّ سلاحي، وأنا لا أشك في أنّ التخلّف عن أمّ المؤمنين عائشة هو الكفر، فلمّا انتهيت إلي موضع من الخريبة ناداني منادٍ: يا حسن إلي أين؟ ارجع فإنّ القاتل والمقتول في النار! فرجعت ذعراً وجلست في بيتي فلمّا كان في اليوم الثاني لم أشكّ أن التخلّف عن أمّ المؤمنين عائشة هو الكفر، فتحنّطتُ وصببتُ عليَّ سلاحي وخرجت إلي القتال حتي انتهيت إلي موضع من الخريبة فناداني منادٍ من خلفي: يا حسن إلي أين؟ مرّة بعد أخري، فإنّ القاتل والمقتول في النار!

قال علي عليه السلام: «صدقك أفتدري مَن ذلك المنادي؟» قال: لا.

قال عليه السلام: «ذلك أخوك إبليس، وصدقك إنّ القاتل والمقتول منهم في النار».

فقال الحسن البصري: الآن عرفتُ ياأمير المؤمنين أنّ القوم هلكي»

().

حقّاً هل يجرؤ أحد من الرعية أن يكلّم رئيساً بهذا الكلام والإمام مع ذلك يلاطفه ويحاوره حتي في عصرنا هذا؛ حيث يمضي علي صدر الإسلام أربعة عشر قرناً، وتطوّر العالَم حتي صار يسمّي عصرنا بعصر الحرّيات؟!

لقد قتل وشرّد «لينين» رئيس جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وأمين سرّ الحزب الشيوعي السوفيتي وحده في عصر الحرية والتقدّم خمسة ملايين إنسان من أجل تطبيق مادّة قانونية واحدة من قانون المزارع الجماعية في الاتّحاد السوفياتي السابق!!

وفي العراق الذي حكمه أمير المؤمنين بحرّية بلا نظير كان أحد الرؤساء يوماً ما يخطب فانبري أحد المواطنين ليردّ عليه ويناقشه، فقام الجلاوزة باعتقاله وسجنه وتعذيبه وقتله، لأنّه قال كلمة ينتقد فيها رئيساً في القرن العشرين!!

وحدثت قصّة شبيهة لهذه القصّة في بلد آخر كما طالعتنا الصحف حينها – وحلّ به المصير نفسه!! كلّ ذلك ونحن في ما يُسمّي بعصر الحريات. فهل هذه هي الحرية حقّاً أم الحرية الموجودة في ظلّ الإسلام؟!

لقد أُقصي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام خمساً وعشرين سنة ثم توجّهت إليه الأمّة وتزاحمت علي بابه للبيعة حتي لقد وطئ الحسنان(). ومع ذلك ذكر المؤرخون سنّة وشيعة أنّ الإمام بعدما بويع، ارتقي المنبر في مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله وكان المسجد مكتظّاً بالناس الذين حضروا لاستماع أوّل خطبة لابن عمّ رسول الله ووصيّه وخليفته الحقيقي الذي أُبعد عن قيادة المسلمين خمساً وعشرين سنة، بعد أن آل إليه الحكم الظاهري، ثم أمر جماعة من أصحابه علي رأسهم ابنه الإمام الحسن سلام الله عليه أن يذهبوا إلي الكوفة وينظروا هل فيها مَن لا يرضي بخلافته. فقال الناس بأجمعهم: رضينا بأمير المؤمنين ونطيع أمره ولانتخلّف عن دعوته، والله لو لم يستنصرنا لنصرناه، سمعاً وطاعةً(). بل

حتي طلحة والزبير لم يتخلّفا عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام عندما انعقدت له، ولكنهما نكثا بعد ذلك، ولم يعترض أيّ أحد في هذا الأمر ولو حصل لما عاقبه الإمام بالقتل أو السجن أو الضرب ولا قال له شيئاً من شأنه أن يهينه أوينال منه، فهل رأيتم أو سمعتم مثل هذا في عصر الديمقراطية الحديثة؟! والتي تعني من جملة ما تعنيه حكم الأكثرية، فلو حصل شخص ما علي واحد وخمسين في المئة من الأصوات فهذا يخوّله لأن يصبح رئيساً للبلاد وهذا يعدّ من أكبر أخطاء الديمقراطية، وبحثه موكول إلي محلّه أمّا الإمام علي سلام الله عليه فقد بايعته الأكثرية المطلقة من الناس ومع ذلك يصعد المنبر ليبحث إن كان هناك معارض له أم لا، وليبحث عن سبب معارضته له! فهل تجدون لهذا نظيراً في التاريخ؟!

لقد كتب محبّو «صلاح الدين الأيوبي» أنّه قتل قرابة مليون إنسان في عصر كان سلاحه السيف ليس لشيء إلاّ لأنّهم يختلفون معه في الرأي.

فأين هذا من سيرة النبي صلي الله عليه وآله الذي حاربه قومه عشرين سنة وأخرجوه من داره، ولكنّه عندما عاد إليهم ظافراً بنصر الله وعزّته وقدرته لم يجبر أحداً منهم علي اتّباع دينه، بل قال: «مَن أغلق بابه فهو آمن، ومَن ألقي سلاحه فهو آمن، ومَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» (). ولم يقل مَن أسلم وشهد الشهادتين فهو آمن، مع أنّ مهمّته صلي الله عليه وآله هي تبليغ الشهادتين؛ لأنّ حرية الرأي في نظام الله وقانون الإسلام لا تقلّ تقديساً من الشهادتين. فالإسلام يسعي لجعل الناس أحراراً. قال تعالي: ?يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم?().

أنت حرّ ما لم تضرّ

يقول الإسلام: اعمل ما تشاء، فلك حرية العمل شريطة أن

لا تضرّ غيرك؛ فإنّه «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» () والإسلام يضرب بشدّة علي يد الظالم ومَن يريد إلحاق الضرر بالآخرين، وبعد ذلك فأنت حرّ في كلّ أمورك، في ذهابك ومجيئك وسفرك وعلاقاتك، فلا ضغط ولا جبر ولا إكراه ولا كبت للحرية في الإسلام، ولكن ثمة توجيهات وإرشادات تبيّن لك السلوك الأحسن، تقول: هذا صحيح وهذا مستحبّ وهذا مفضّل وهذا مكروه.

فلنقرأ عن الإسلام، ولنقرأ عن غيره أيضاً ثم نقارن بينهما. ففي القرون الوسطي كان العالِم في الغرب يُقتل لمجرّد إبداء رأيه في قضية ما وإن كانت علمية محضة لا علاقة لها بالدين وتشريعاته!

فقتلوا القائل بكروية الأرض، وكذلك الرجل الذي ترجم الكتاب المسمّي عندهم بالمقدّس؛ فقد كان هذا الكتاب حكراً علي رجال الكنيسة فقط ولا يعرف لغته غيرهم.

هكذا كانت حالة أوربا في القرون الوسطي أي بعد مرور أربعمئة سنة علي الإسلام. فهل يصحّ مقارنتها مع عهد الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه؟ كلاّ بالطبع؛ إذ كيف يصحّ مقارنة الصفر بالكثير بل لابدّ أن يكون مقابل الكثير عدد لتصحّ المقارنة. ومن هنا قيل: مَن فضّل علياً علي معاوية فقد كفر، لأنّ معاوية لا فضل عنده ليكون علي أفضل منه. بل لا يقاس بآل محمد من هذه الأمّة ولا من غيرها أحد()، فلقد كانوا صلوات الله عليهم أجمعين يمثّلون القرآن.

التزم بتوجيهات الإسلام ولا تكن عبد غيرك

هناك تهمة وجّهها بعض المستشرقين إلي الإسلام ويردّدها بعض الشباب الذين لا يعرفون الإسلام حق معرفته. فهم يقولون: إنّ الإسلام كلّه محرّمات وقيود ونواهٍ. ونحن نقول لهم: بالعكس تماماً فإنّ الحرية الموجودة في الإسلام لا يوجد لها نظير في أيّ مكان!

خذوا أكثر بلدان العالَم ادعاءً للحرية كفرنسا والولايات المتّحدة مثلاً، تري القيود الكثيرة للسفر منها وإليها، وفي

جوانب كثيرة أخري. فهذه القيود موجودة في كلّ دول العالَم وإن كانت في بلداننا أشدّ. أمّا الإسلام فلا يوجد فيه مثل هذا، فلا يقول لك الإسلام: أين تسكن؟ وأين تذهب؟ وكيف تذهب؟ ومتي تذهب؟ بل يقول لك: إنّ الله خلقك وهو الذي أعطاك الفكر والعقل فلا تكن عبد غيرك، ولا يجب أن تخبر الدولة عن خروجك ودخولك، وإقامتك ورحيلك، وما تستورد وما تصدّر غير المحرّمات لكن الإسلام يضع لك التوجيهات ويقول لك إن التزمت بها تفلح وإلاّ تخسر!

الإسلام يهدي ويرسم الطريق، وبعده لا إكراه في الدين، وكلّ أنواع الإكراه مرفوضة فيه. والحريات الموجودة في الإسلام لا نظير لها في التاريخ. وكانت تلك نماذج وهناك آلاف النماذج في سيرة النبي وأهل بيته سلام الله عليهم.

فمَن يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها. ومَن يتمسّك بالطاغوت ويذهب وراء المبادئ الهدّامة والطواغيت البشرية والفكرية فإنّما يتمسّك بعروة منفصمة، حيث سيكتشف بعد مرور عدّة أيام أو أعوام أنّه كان مخطئاً.

إذن الحرية التي يمنحها الإسلام في مختلف المجالات ليس لها نظير ولا شيء يقرب منها في تاريخ العالَم حتي في هذا اليوم المسمّي بعصر الحريات.

وصلّي الله علي محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

پي نوشتها

() البقرة: 256.

() الحاقة: 11.

() لاشكّ أنّ النبيّ صلي الله عليه وآله لم يكن يحيّيهم بتحية الإسلام وهي: السلام عليكم، بل كان يحييهم بأنواع التحيات الأخري؛ فهنا مسألة وهي أنّه يجوز للمسلم = = أن يحيّي الكفّار بمختلف التحيات باستثناء تحيّة الإسلام، ولا يجوز له أن يقولها إلا لمسلم، بل أن يقول له: أنعِم صباحاً أو أنعِم مساءً، أهلاً وسهلاً، تحية طيّبة وما أشبه، لأنّ كلمة «السلام عليكم» مختصّة بالإسلام والمسلمين دون غيرهم، ووردت فيها أحاديث عن

النبي صلي الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين عليهم الصلاة والسلام، تؤكّد أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله كان يحيّي المشركين بمختلف التحيات إلاّ كلمة «السلام عليكم»، فلقد وُضعت للمسلمين خاصة. فإذا حيّي مسلم مسلماً قال له: «السلام عليكم» والحديث المعروف الذي لابدّ وأنّ كثيراً منكم سمعه وهو «تحية الإسلام السلام» يعني أنّ هذه التحيّة خاصّة بالإسلام. (عنه حفظه الله).

() كلّ تلك الوقائع مسطورة في كتب التاريخ والسير. انظر علي سبيل المثال: الصحيح من السيرة للعاملي: 3 / 32.

() الكهف: 29.

() البقرة: 256.

() البلد: 10.

() الإنسان: 3.

() أفرد الشيخ الطبرسي عنواناً مستقلاًّ في مسائله في كتاب الاحتجاج: 1 / 384 389 فراجع.

() انظر اختيار معرفة الرجال للطوسي: 1 / 296 رقم 140 ترجمة ميثم، ففيه ما يكفي لتعريف حال ابن حريث.

() الاحتجاج للطبرسي: 1 / 250.

() نهج البلاغة: 48، الخطبة الشقشقية. الحسنان - بسكون السين - الإبهامان من القدمين.

() راجع: الأمالي للطوسي: 325 – 331 ح 23.

() تفسير القمّي: 2 / 295 تفسير سورة الحجرات.

() الأعراف: 157.

() مستدرك الوسائل: 12 / 308 باب 13 ح 4.

() روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: نحن أهل بيت لا نقاس بالناس (بحار الأنوار: 38 / 8 ح 13 باب 56).

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.