السياسة من واقع الإسلام

اشارة

اسم الكتاب: السياسة من واقع الاسلام

المؤلف: حسيني شيرازي، صادق

الموضوع: سياست

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: ياس الزهراء

مكان الطبع: قم

تاريخ الطبع: 1431 ه ق

الطبعة: اول

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

هناك بعض من يتصور أن السياسة لا علاقة لها بالدين إطلاقا، حيث إن الدين أمر روحاني يشتمل علي الفضائل والمعنويات، أما السياسة فهي عادة غارقة بالماديات والمكر والخديعة، والظلم والاستبداد..

ولكن عندما تقرأ هذا الكتاب القيم تري أن السياسة بمعناها الصحيح جزء لايتجزأ من الدين الإسلامي الذي اختاره الله عزوجل دستوراً للبشرية جمعاء منذ أن بعث النبي محمد وإلي يوم القيامة.

فإن السياسة التي تعني (إدارة البلاد والعباد) في قاموس الإسلام لا تعني إلا الأسلوب الطاهر الذي لا تري فيه شيئا من المكر والخديعة والظلم والاستبداد، بل يتضمن أكبر الحريات للإنسان بما هو إنسان، ويأخذ بيده إلي كمال الدارين وسعادة الدنيا والآخرة.

فالسياسة الإسلامية تنظم أفضل برنامج للحكومة في تعاملها مع شعبها ومع سائر الدول المجاورة وغيرها، كما تضمن للأقليات الدينية كامل حرياتها المشروعة. بل تشمل رحمتها حتي الحيوانات..

ثم إن سياسة الإسلام تبتني علي السلم واللاعنف، واحترام الرأي الآخر وفتح المجال للمعارضة، وتمنح الحريات الكثيرة في مختلف ميادين الحياة الفردية والاجتماعية..

وهذا ما تلمسه بوضوح في الكتاب الذي بين يديك (السياسة من واقع الإسلام) وقد اعتمد فيه سماحة المرجع الديني آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي? علي أهم مصادر التشريع الإسلامي: الكتاب والسنة النبوية الشريفة وسيرة أهل البيت الأطهار عليهم السلام، وذكر أمثلة حية واقعية عن السياسة الحكيمة التي أمر بها القرآن العظيم وطبقه رسول الإسلام محمد صلي الله عليه و اله وخلفاؤه الطاهرين عليهم السلام.

نسأل الله سبحانه أن يوفق المسلمين حكومات وشعوباً لتطبيق السياسة الإسلامية، لكي ينالوا سعادة الدنيا والآخرة،إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي

للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص.ب: 5955 / 13 شوران

البريد الإلكتروني: almojtaba@shiacenter.com

almojtaba@gawab.com

1 المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده.

والصلاة علي من لا نبي بعده.

وعلي خلفائه المعصومين عليهم السلام الذين جعلهم الله حكام أرضه بعد نبيه صلي الله عليه و اله.

والسلام علي الفقهاء الأمناء، نواب خاتم الأوصياء ?.

الذين جعلتهم (القيادة المعصومة):

القضاة..

والحكام..

والحجة..

أما بعد: فالسياسة بحث واسع مترامي الأطراف، وبحر عميق عريض لايبلغ غوره وسواحله إلا القليل القليل..

فهي كيفية إدارة شؤون الناس في السلم والحرب، والأخذ والعطاء، والشدة والرخاء، والاجتماع والافتراق، وغير ذلك.

وإذا علمنا أن الناس كما يختلفون في أشكالهم، وألوانهم، ولغاتهم.. كذلك:

يختلفون في أذواقهم، وعقولهم، وعواطفهم.

ويختلفون في إدراكهم، وفهمهم، وتحليلهم.

ويختلفون في خلفياتهم، ونظراتهم، ومعطياتهم.

فبين شباب لا ثقة لهم بفكر الشيوخ.

وبين شيوخ لا ثقة لهم بتجلد الشباب.

ومن هنا تلعب الأهواء، والميول، والاتجاهات.. في هذا المجال أدوارها الفعالة بين حسد، وغبطة، وتنازع علي الصعود، وغير ذلك الكثير.. والكثير.. والكثير..

فإذا علمنا ذلك كله نستطيع أن نفتح علي أذهاننا نافذة صغيرة أشبه شيء بالكوة إلي ما في عالم السياسة من المجال الواسع، الرحب، العريض.. الكبير.

هذا كله في السياسة المادية البحتة التي يمارسها ساسة الدنيا اليوم غالباً، في الغرب والشرق والوسط.

أما سياسة الإسلام المبتنية علي إدارة الناس في كافة شؤونهم المادية والمعنوية، بالإضافة إلي الالتزام الكامل:

بالعدل والإحسان.

والإنسانية والعواطف الخيرة.

والفضيلة والأخلاق الكريمة.

واستقامة الفكر والعقيدة.

في كل الأدوار، وفي كل المستويات.

هذا المزيج من المادة والروح في كل الأبعاد، لكل منهما.

هذا هو من رابع المستحيلات في منطق السياسة المادية.

لكن الإسلام هو الذي جعل من هذا المستحيل ممكناً.

لا ممكناً فحسب.. بل طبقه رسول الله وطبقه أمير المؤمنين عليه السلام.

هذا الأفق الواسع الذي يسمي ب: «سياسة الإسلام»

يحتاج البحث الوافي عنه إلي عدة مجلدات ضخام تحتوي علي ما يلي:

أولاً: تاريخ رسول الله

في كل الأبعاد، وتاريخ العترة الطاهرة عليهم السلام من أهل بيته الذين جعلهم الرسول بأمر الله تعالي:

«ساسة العباد، وأركان البلاد» ().

وثانياً: تحليل هذا التاريخ العظيم الحافل، ودراسة ظروفه، وخلفياته، ومعطياته، وأبعاده..

وثالثاً: تطبيق واقعنا المعاصر علي هذا التاريخ، في المنعطفات والفوارق بين ذلك اليوم.. وهذا اليوم.

ورابعاً: ترجيح المتزاحمات بين هذه.. وتلك.

وخامساً: استخلاص تجربة عملية عميقة مدروسة من القرآن والحديث والسيرة والتاريخ.

وهذا ما نرجو أن يوفق الله تعالي لإنجازه ثلة من فقهائنا العظام الذين يتميزون بالدقة والتعمق الموضوعي الشامل، وبعدم التحيز عن الحق لهذا وذاك، وهذان ما يؤهلهم لهذا الأمر العظيم والخطير في نفس الوقت.

لكي يعكسوا صورة واضحة حية أصيلة عن سياسة الإسلام وفلسفتها، وآفاقها وواقعها، يترآي من أطرافها الجمال والعظمة والإنسانية، وذلك: لتكون ربطاً لقلوب المؤمنين، وتثبيتاً لأفكارهم في كل مجالات الإسلام، ولكي تكون أيضاً: مُرغباً عميقاً لغير المسلمين في الإسلام..

كما كان ذاك وهذا في بدء الإسلام ومفتتحه، والذي أرعب كل كفار العالم بالفناء الدفعي عن التاريخ نهائياً، والقضاء عليهم فكرياً وعملياً بعمق ثابت حتي قال بعض قساوسة الكفار لبعض علماء المسلمين ما مضمونه:

إن لمعاوية ابن أبي سفيان حقاً كبيراً علي الكفار في التاريخ بحيث يجب عليهم أن ينصبوا له تمثالاً من الذهب في ساحات البلاد الأوروبية، وذلك لأنه أشغل علي بن أبي طالب بالحروب الداخلية، فلم يترك مجالاً لعلي عليه السلام حتي يتفرغ لتعميم الإسلام علي العالم، وإلا لما بقي اليوم كافراً واحداً علي وجه الأرض().

ومثل هذا الأمر يتكفله مثل هؤلاء الفقهاء العظام.

أما كتابنا هذا، فهو أشبه ما يكون بإطلالة علي هذا الفضاء الرحب الواسع، وفهرس موجز في هذا المجال.

والله المسؤول أن يوفق المسلمين لفهم سياسة الإسلام بعمق وموضوعية وشمول، وتطبيقها علي العالم كله، لينعم

المسلمون وغير المسلمين جميعاً بفضل الإسلام وسياسته الحكيمة الرشيدة تحقيقاً لقوله تعالي:

?ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض…?().

وقوله عز من قائل في أهل الكتاب:

?ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم…?().

وما ذلك علي الله بعزيز، وهو ولي التوفيق، ونعم الوكيل.

صادق مهدي الحسيني الشيرازي

2 تمهيد

2 تمهيد

إن السياسة التي تفسر ب:

«تنظيم أمور دنيا الناس علي أحسن وأرفه وجه».

الذي هو مضمون قوله تعالي في وصف الرسول الأعظم:

?ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم?().

السياسة بهذا التفسير هي من صميم الإسلام، ومن أسس الدين، التي يجب علي كل فرد من المسلمين السعي لتطبيقها علي العالم كله، والجهاد بمختلف الوسائل والسبل المشروعة من أجل تثبيتها، تحقيقاً لقوله تعالي:

?شرع لكم من الدين ما وصي به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين?().

ونظرة باحثة دقيقة علي التاريخ الإسلامي المشرق الطويل عبر القرون المتمادية خصوصاً تاريخ رسول الله وتاريخ وصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأولاده الأئمة الطاهرين عليهم السلام تعطينا فكرة وافية عن مكان السياسة الصحيحة في الإسلام.

ومطالعة القرآن الحكيم وكتب التفسير والحديث توقفنا علي الرصيد الفكري السياسي الضخم الذي تركه الإسلام للمسلمين، وللعالم أجمع.

نصوص الشريعة

وفي الشريعة الإسلامية نصوص كثيرة.. وكثيرة جداً، تدل علي أن السياسة جزء لا يتجزأ من الإسلام، بل الأصح في التعبير أن نقول: الإسلام والسياسة لفظان لمفهوم واحد، فالسياسة هي الإسلام، والإسلام هو السياسة بمعناها الصحيح العام.

وهنا نذكر بعضاً من تلك النصوص غير ما ذكرناه في أول الكتاب، أو ما يأتي في مطاوي الفصول المختلفة أيضاً:

جاء في الحديث الشريف في وصف الأئمة عليهم السلام بأنهم:

«ساسة العباد» ().

وجاء في حديث شريف آخر:

«الإمام عالم لا يجهل… مضطلع بالإمامة، عارف بالسياسة» ().

وفي الحديث الشريف أيضاً:

«ثم فوض إلي النبي أمر الدين والأمة ليسوس عباده» ().

وفي حديث آخر:

«كان بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم» ().

وفي كتاب أمير المؤمنين علي عليه السلام إلي مالك الأشتر النخعي (رضوان الله عليه):

«فاصطف لولاية أعمالك أهل الورع والعلم والسياسة» ().

وقال عليه السلام في نفس الكتاب في

محل آخر: «فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك… واجمعهم علماً وسياسة» ().

وقال عليه السلام أيضاً كما في الغرر: «خير السياسات العدل» ().

وقال عليه السلام في كتاب له إلي معاوية ابن أبي سفيان: «ومتي كنتم يا معاوية ساسة الرعية وولاة أمر الأمة؟» ().

وهذا يدل علي أن ساسة الرعية ليس بمعاوية ولا أسلافه وأضرابه، بل هو النبي والإمام عليه السلام ونوابهما.

وقد ورد عن رسول الله يوم الغدير في خطبته العظيمة:

«يا أيها الناس، والله ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به، وما من شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه» ().

وروي في الكافي بسنده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة» ().

وروي أيضاً عن سماعة عن أبي الحسن موسي عليه السلام في حديث، قال: فقلت: أصلحك الله أتي رسول الله الناس بما يكتفون به في عهده؟

قال عليه السلام: «نعم، وما يحتاجون إليه إلي يوم القيامة».

فقلت: فضاع من ذلك شيء؟

فقال عليه السلام: «لا هو عند أهله» ().

وروي أيضاً عن الصادق عليه السلام قال: «إن الله أنزل في القرآن تبيان كل شيء، حتي والله ما ترك شيئاً يحتاج إليه العباد إلا بينه للناس، حتي لايستطيع عبد يقول: لو كان هذا نزل في القرآن إلا وقد أنزل الله فيه» ().

ومن الواضح: أن المراد بذلك نزوله في عمومات القرآن، لا في خصوصاته.

وروي أيضاً عن الرضا عليه السلام قال:

«وما ترك أي الرسول شيئاً تحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن الله لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عزوجل» ().

وأخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (بحار الأنوار) عن (بصائر الدرجات)،

بسنده عن أبي جعفر الإمام الباقر عليه السلام أنه قال:

«إن الله لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمة إلي يوم القيامة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله، وجعل لكل شيء حداً وجعل عليه دليلاً يدل عليه» ().

وهناك مئات النصوص بهذه المضامين تدل علي أن السياسة من الإسلام، بل من صميمه وواقعه، بالعمومات أو الخصوصات، زخرت بها كتب الحديث في موارد مختلفة.

تباين السياستين

غير أن السياسة الإسلامية تباين السياسة العالمية اليوم وتختلف عنها في أصولها وفروعها، فالسياسة الإسلامية هي غير السياسة المعاصرة التي تمارسها معظم الدول تماماً.

وذلك: لأن الإسلام يتبع في سياسته مزيجاً من: الإدارة والعدل، والحب الشامل، وحفظ كرامة الإنسان، وحقن الدماء.. فهو يسعي في أن لا تراق قطرة دم بغير حق، أو تهان كرامة شخص واحد جوراً، أو يظلم إنسان واحد.. بل وحتي حيوان واحد.

أما السياسة بمفهومها المعاصر فهي القدرة علي إدارة دفة الحكم وتسيير الناس والأخذ بالزمام مهما كلفت هذه الأمور من: إهدار كرامات.. وإراقة دماء.. وكبت حريات.. وابتزاز أموال.. وظلم وإجحاف.. ونحو ذلك، فمادام الحكم له والسلطة خاضعة لأمره ونهيه فهي الغاية المطلوبة وإنها لتبرر الواسطة، وإن كانت الواسطة إراقة دماء الألوف.. بل وحتي الملايين جوراً وظلماً.. هذا هو منطق السياسة التي تمارس في أغلب بلاد العالم اليوم.

ولكي يظهر لنا مفهوم السياسة في الإسلام ومفهوم السياسة المعاصرة في أغلب البلاد في العالم، ولكي ينجلي لنا البون الشاسع بين السياستين، نضع أمامنا أمثلة وممارسات واقعية لكل واحد من السياستين.

من السياسة الإسلامية

فالسياسة الإسلامية كما أسلفنا بنيت علي أسس العدل الكامل.. والكرامة الإنسانية.. والعفو بجنب الصمود والقوة:

الرئيس لا يقتل قاتله

فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حينما كان علي عرش الرئاسة الكبري للدولة الإسلامية العظمي التي كانت قد ضربت بخيوطها الممتدة علي أعظم رقعة من المعمورة، والتي كانت ترعب كل الدول في العالم آنذاك، تراه يعرف قاتله، ويذكر له أنه هو القاتل له، لكنه لا يمد إليه يداً بعنف أبداً، لفلسفة العدل، وهي مادام أنه لم يمارس جناية فلا يستحق القتل.

انظر النص التالي:

كان علي عليه السلام يقول لعبد الرحمن بن ملجم: أنت قاتلي وكان يكرر عليه هذا البيت:

أريد حياته ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

فيقول له ابن ملجم: يا أمير المؤمنين إذا عرفت ذلك مني فاقتلني.

فيقول له: إنه لا يحل ذلك أن أقتل رجلاً قبل أن يفعل بي شيئاً.

فسمعت الشيعة ذلك، فوثب مالك الأشتر، والحارث بن الأعور، وغيرهما من الشيعة، فجردوا سيوفهم وقالوا: يا أمير المؤمنين من هذا… الذي تخاطبه بمثل هذا الخطاب مراراً وأنت إمامنا وولينا، وابن عم نبينا، فمرنا بقتله؟.

فقال لهم: اغمدوا سيوفكم، وبارك الله فيكم، ولا تشقوا عصا هذه الأمة… أترون أني أقتل رجلاً لم يصنع بي شيئاً ()؟

يا لها من فلسفة؟

إنها فلسفة العدل والإنسانية..

إنها فلسفة الحكم والسياسة الإسلامية عند رئيس الدولة الإسلامية الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام.

«أترون أني أقتل رجلاً لم يصنع بي شيئاً».

فإن منطق الإسلام ليس فيه قانون: (الغاية تبرر الوسيلة) مطلقاً، بل فيه قانون بالعكس تماماً:

«لا يطاع الله من حيث يعصي».

يعني: السياسة الإسلامية التي هي طاعة لله تعالي، لا يجوز تحصيلها من طرق معصية الله، وإراقة الدماء البريئة، وهدر الكرامات..

وأما مسألة علم الإمام عليه السلام فهذا بحث طويل، وله

مجال آخر، وإجماله: هو أن علم الإمام الغيبي الإلهي الماورائي لا يؤثر في سلوكه وعمله الخارجي عادة وإلا لم يتم الامتحان الذي لأجله خلق الله تعالي الخلق، ولم تتم الحجة التي لأجلها جعل الله تعالي الإمام.

فالسلوك الخارجي للإمام عليه السلام في نفسه ومع المجتمع يكون عادياً كسائر الناس، كما أن طبائعه البشرية إنما هي كسائر الناس عادة.

?قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي?().

?وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق?().

?ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون?().

تماماً مثل سلوك الله تعالي مع البشر، وهو القادر علي كل شيء، والعالم بكل شيء.

فلو أراد الله سبحانه أن يدفع الظلم عن المظلوم، ويأخذ بيد الظالم حتي لا يظلم فكيف يتم امتحان الناس؟

وكذلك تكون تصرفات النبي والإمام (عليهما الصلاة والسلام) الذين بقدرة الله تعالي وتعليم الله لهما علما الغيب.

الرئيس الأعلي يدع المهدد له

وقد ذكر في الأحاديث الشريفة: أن علياً أمير المؤمنين عليه السلام هدده بعض الخوارج بالقتل فتركه وشأنه.

فقد أورد (المستدرك) عن (دعائم الإسلام):

أن أمير المؤمنين عليه السلام أتي برجل سمع وهو يتواعده بالقتل، فقال عليه السلام:

«دعوه، فإن قتلني فالحكم فيه لولي الدم» ().

أي عفو عظيم هذا؟

أية سياسة إنسانية هذه؟

الرئيس الأعلي للبلاد الإسلامية وبيده كل حول وطول يهدده بالقتل شخص عادي لم يستحق أن يسجل اسمه في التاريخ.

ثم لا يفعل به شيئاً؟

يؤتي به، وهو بين أمره ونهيه ثم يقول: دعوه!

وكم فرق بين مثل أمير المؤمنين عليه السلام وبين قادة الدنيا الآخرين؟

فإني أتذكر أن (عبد الكريم قاسم)() في العراق تلقي تهديداً بالقتل في بغداد، فاعتقل في ساعته من الشارع الواحد مائتي شخص، ثم توالت الاعتقالات علي إثر ذلك حتي نقل أنها بلغت في تلك القصة خمسة آلاف شخص، ثم أعدم

جماعة منهم، وأودع السجن آخرين، وتولي تعذيب فئة ثالثة منهم، وبالتالي أطلق سراح عدد منهم..

فكم من فرق بين هاتين السياستين: سياسة الإسلام، وسياسة الشيطان؟

النبي لا يقتل سلفاً رؤوس العناد

وقد تحدثت الأخبار والأحاديث الشريفة: أن رسول الله كان أحياناً يخبر عن شخص بأنه سيحدث فتنة بين المسلمين أو سيبدع ديناً باطلاً، ثم لايعمد إلي قتله، ولا يجيز للمسلمين أن يقتلوه.

وهذا يدخل في سياسة العفو العظيمة لرسول الله وبعد مداه، مما أتاح له تأسيس الحكومة الإسلامية في وسط عظيم من عواطف الناس.

فلو كان النبي يقتل هذا ويقتل ذاك، ولهذا السبب وذاك، لما قام الإسلام، ولا استحكمت أصوله.

انظر إلي النصوص التالية:

1: روي المفيد رحمة الله عليه في (الإرشاد) قال:

«ولما قسم رسول الله غنائم حنين، أقبل رجل طوال أدم، أجنأ، بين عينيه أثر السجود، فسلم ولم يخص النبي ثم قال: قد رأيناك وما صنعت في هذه الغنائم.

قال: وكيف رأيت؟

قال: لم أرك عدلت.

فغضب رسول الله وقال: ويلك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟

فقال المسلمون: ألا نقتله؟

فقال: دعوه فإنه سيكون له أتباع يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يقتلهم الله علي يد أحب الخلق إليه من بعدي.

فقتله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فيمن قتل يوم النهروان() من الخوارج» ().

2: وفي إعلام الوري قال:

روي الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري قال:

بينا نحن عند رسول الله وهو يقسم إذا أتاه ذو الخويصرة رجل من بني تميم فقال: يا رسول الله اعدل.

فقال رسول الله: ويلك من يعدل إن أنا لم أعدل، وقد خبت أو خسرت إن أنا لم اعدل.

فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه.

فقال رسول الله: دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته

مع صلاته وصيامه مع صيامه، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلي نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلي رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلي نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلي قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدي عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، يخرجون علي خير فرقة من الناس.

قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، وأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به حتي نظرت إليه علي نعت رسول الله الذي نعت().

وهكذا كان النبي لا يقدم علي قتل كل مفسد أو ضال أو مبتدع قبل أن يتهيأ في الناس جو تحمل قتله، بظهور فساده وضلاله وبدعته.. لكي لا يسبب قتله فساداً أكبر من وجوده.

وهذه هي الحكمة الإلهية في أن تخرج ضمائر الناس، فيتاح للجميع الامتحان.

ولذلك أمثلة عديدة في سيرة رسول الله وسيرة علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (صلوات الله عليهما وعلي آلهما) يجدها المتتبع لهما، وسنذكر بعضاً منها في طي المباحث الآتية إن شاء الله تعالي.

عفوه عمن فر من الزحف

الفرار من الزحف من المعاصي الكبيرة، وقد وعد الله تعالي عليها النار، قال سبحانه: ?ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلي فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير?().

ومن يرتكب هذه المعصية الكبيرة يستحق التعزير شرعاً، لأنه لكل معصية، ولكن مع ذلك عفا رسول الله عن المسلمين الذين فروا من الزحف يوم أحد وتركوا رسول الله وحيداً في نفر قليل من أصحابه المخلصين. وهذا أصل عظيم من أصول

السماحة والعفو في الإسلام، يستبقي به المسلمون في الإسلام ويجلب به الآخرون إلي الإسلام.

وقد أنزل الله تعالي في القرآن الحكيم العفو عنهم في آيتين من سورة آل عمران: ?ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتي إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل علي المؤمنين? ().

?إن الذين تولوا منكم يوم التقي الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم? ().

وقد ورد في الأحاديث الشريفة إن الفارين من الزحف عادوا إلي رسول الله واعتذروا منه لهذه الجريمة النكراء التي عرضَّت رسول الله لشج جبهته الكريمة وشق شفته، كما في عديد من الأخبار والأحاديث، ولقتل حمزة سيد الشهداء عم رسول الله وحنظلة غسيل الملائكة والعشرات من المؤمنين المجاهدين.

وهذه هي سياسة العفو العظيمة في الإسلام.

وثمن لروعة النساء

وإليك مثلاً آخر لسياسة العدل العظيمة في الإسلام:

بعث رسول الله خالد بن الوليد مع جماعة من المسلمين في مهمة الدعوة إلي الإسلام إلي بني جذيمة وهم من بني المصطلق كان قد سبق أن أسلموا ولم يأمرهم بقتال()، فأوقع بهم خالد، وقتل منهم جماعة لترة كانت بينه وبينهم، فبلغ الخبر رسول الله فبكي النبي وقام وصعد المنبر ورفع يديه إلي السماء وقال ثلاثا:

(اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد).

(اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد).

(اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد).

ثم دعا النبي علي بن أبي طالب عليه السلام فدفع إليه سفطاً (صندوقاً) من الذهب وأمره أن يذهب إلي بني جذيمة ويدفع إليهم ديات الرقاب وما ذهب من

أموالهم.

فجاء علي عليه السلام إليهم وقسم المال كما يلي:

1: دفع أولاً دية المقتولين ظلماً إلي ورثتهم، عن كل واحد منهم ألف دينار من الذهب ().

2: ودفع إليهم ثانياً ثمن كل جنين غرة (يعني عبداً أو أمة).

3: ودفع إليهم ثالثاً ثمن ما فقدوه من المبالغ والعقل().

4: ودفع إليهم رابعاً ثمن ما ربما فقدوه مما لم يعلموا بفقده، مما يمكن أن أخذه خالد أو من كان معه أو مما تلف أثناء القتال.

5: ودفع إليهم خامساً ثمناً لروعة نسائهم وفزع صبيانهم.

6: ودفع إليهم سادساً مقابل كل مال فقدوه مثله من المال.

7: ودفع إليهم سابعاً بقيمة المال ليرضوا عن رسول الله.

8: ودفع إليهم ثامناً ما يفرح به عيالهم وخدمهم بقدر ما حزنوا.

ثم رجع علي عليه السلام إلي النبي وأخبره بما فعل من توزيع الذهب عليهم بثمانية أقسام، فقال: يا رسول الله عمدت فأعطيت لكل دم دية، ولكل جنين غرة، ولكل مال مالا، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لميلغة كلابهم وحبلة رعاتهم، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لروعة نسائهم وفزع صبيانهم، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لما يعلمون وما

لا يعلمون، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم ليرضوا عنك يا رسول الله، فتهلل وجه النبي وضحك حتي بدت نواجذه وقال:

يا علي أعطيتهم ليرضوا عني رضي الله عنك، ثم قال: يا علي إنما أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أن لا نبي بعدي().

هذه هي فلسفة العدل والإحسان الذَين يأمر بهما القرآن الحكيم:

?إن الله يأمر بالعدل والإحسان?().

وتلك هي الكرامة الإنسانية المترابطة بين قول الله تعالي في القرآن حيث يقول: ?ولقد كرمنا بني آدم?() وبين ما يفرضه حكم الله وتشريع السماء حداً لذلك.

دية للقتلي، ودية أخري للجنين، وثمن لما فقد، وثمن آخر لما ربما كان فقد مما لا

يعلمونه، وثمن لروعة النساء وفزع الصبيان، وثمن ليرضوا عن رسول الله.

وماذا فعل النبي من تقصير حتي يرضيهم؟

لا شيء أبداً، حاشاه، ثم حاشاه…

كلما كان من تقصير فهو من خالد بن الوليد.

لكنه نبي الرحمة.

?وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين?().

فباعتبار أن خالداً مرسل من عند النبي يري نبي الرحمة نفسه مسؤولاً عن ذلك.

(وهنا) يطرح سؤال: وهو إذا كان خالد بن الوليد قد قتل بني جذيمة عملاً لأحنَّة كانت في الجاهلية بينه وبينهم فلماذا لم يقتص منه رسول الله لهم، ويقتله بهم قصاصاً مع أن الدية تلو القصاص في قتل العمد؟

والجواب عن ذلك بوجوه عديدة ذكرها بعض فقهاء الإسلام، نذكر عدداً منها:

1: إنه يشترط في القصاص أن يكون بطلب من ولي الدم، وحيث إن بني جذيمة وهم أولياء الدم لم يطلبوا القصاص انتقل الحكم إلي الدية.

2: إن رسول الله بما أنه هو الولي للجميع بالولاية المطلقة حتي لأولياء الدم وذلك بحكم القرآن الحكيم: ?النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم?()، فكان للنبي أن يعفو عن القصاص إلي الدية.

3: إن تزاحم المهم والأهم اقتضي ذلك بتقديم ترك القصاص علي ما ربما كان يترتب عليه القصاص في تلك الظروف الخاصة بالرسالة وبالرسول حيث كان المسلمون علي أبواب الفتح الإسلامي والنصر الواسع ودخول الناس في دين الله أفواجاً بعد فتح مكة مباشرة، فمثل هذا القصاص في تلك الظروف ربما كان يؤدي إلي رعب المسلمين وحدوث البلبلة فيهم مما كان أضر علي حاضر الإسلام ومستقبله.

وكم لذلك من نظائر في تاريخ الرسول وأمير المؤمنين عليه السلام مما سنذكر طرفاً منه في المباحث الآتية إن شاء الله تعالي، والله العالم.

دية الحمل بترويع الحامل

أخرج الوسائل والمستدرك عن الشيوخ الكليني والطوسي والمفيد (قدس سرهم) في الكافي() والتهذيب والإرشاد، عن أبي عبد الله

الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:

«كانت امرأة تؤتي() فبلغ ذلك عمر فبعث إليها، فروّعها وأمر أن يجاء بها إليه، ففزعت المرأة فأخذها الطلق فذهبت إلي بعض الدور فولدت غلاماً فاستهل الغلام ثم مات. فدخل عليه() من روعة المرأة وموت الغلام ما شاء الله.

فقال له بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين ما عليك من هذا شيء.

وقال بعضهم: وما هذا؟

قال: سلوا أبا الحسن عليه السلام.

فقال لهم أبو الحسن عليه السلام: لئن كنتم اجتهدتم ما أصبتم، ولئن كنتم برأيكم قلتم لقد أخطأتم().

ثم قال عليه السلام: عليك دية الصبي بما أرعبتها.

فقال عمر لعلي عليه السلام: أنت نصحتني من بينهم» ().

الدية للموت عطشاً

وأخرج المستدرك عن (الدعائم) عن علي عليه السلام:

«إنه قضي في رجل استسقي قوماً فلم يسقوه وتركوه حتي مات عطشاً بينهم وهم يجدون الماء، فضمنهم ديته» ().

والطبيب ضامن إن أخطأ

وقد روي الوسائل والمستدرك أحاديث عديدة علي أن الطبيب أو البيطار إن أخطأ في تشخيص الداء، أو وصف الدواء، فمات المريض أو الحيوان كان ضامناً لدية المريض والحيوان.

أخرج صاحب الوسائل عن الشيخين الكليني والطوسي (قدس سرهما) بأسانيدهما عن الإمام الصادق عليه السلام:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من تطيب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه، وإلا فهو له ضامن» ().

وأخرج أيضاً عن الشيخ الطوسي رحمة الله عليه بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: «إن علياً ضمن ختاناً قطع حشفة غلام» ().

وأخرج المستدرك عن كتاب الجعفريات بسنده عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال: «إن علياً ضمن ختانة ختنت جارية فنزف الدم فماتت، فقال لها علي عليه السلام: ويلاً لأمك أفلا أبقيت، فضمنها علي عليه السلام دية الجارية» ().

فهل يوجد في تاريخ العالم نظير لذلك، إلا في الإسلام؟

وهل يتحمل قادة الدول مثل ما يتحمل القادة في الإسلام؟

فدونك التاريخ، قلبه ظهراً لبطن، لكي تتأكد من الجواب:

لا..

ولا..

والأمثلة والنظراء لذلك كثيرة.. وكثيرة في تاريخ الإسلام، وليس هذا البحث المقتضب مسرحاً لتفاصيل بيان الإنسانية التي تتجلي بوضوح في مختلف مجالات السياسة الإسلامية.

ومن السياسة المعاصرة

بعدما لاحظت هذه النقاط في تاريخ الإسلام.. انظر نقاطاً من تاريخ الممارسة للسياسة المعاصرة غير الإسلامية لتري الفرق الشاسع بين السياستين، وذلك بالإشارة الإجمالية دون التفصيل إلي ذلك:

1: البريطانيون قتلوا في الهند في قصة حرب الأفيون حوالي عشرين مليون إنسان().

2: البريطانيون قتلوا في الهند أيضاً أيام المطالبة بالحرية والخروج عن نير الاستعمار ثمانمائة ألف إنسان في صورة مجاعة اصطناعية().

3: من الجنايات العظيمة التي ارتكبها لينين() وحده من بين الشيوعية الأرقام التالية:

أ: لينين قائدة المسيرة الشيوعية السياسية أراد تطبيق نظام المزارع الجماعية، فلم يخضع له الفلاحون والعمال،

فأحدث إرهاباً عاماً في البلاد ومجاعة مصطنعة غريبة عام (1921 1922م) والتي راح ضحيتها أكثر من خمسة عشر مليون إنسان().

ب: عاود لينين الكرة علي العمال والفلاحين في إرغام الشعب علي النظام الشيوعي عام (1928 1930م) فكافح الشعب وكانت النتيجة ما يلي:

«عملت منظمة (الجيبو) الإرهابية الشيوعية اللينينية في الناس ضرباً وقتلا ونفيا، وامتلأت السجون حتي بلغت الضحايا باعتراف التقارير الرسمية للحزب الشيوعي مائة ألف قتيل» ().

ج: وبعد مضي سنتين، وفي عام (1932 1933م) بالضبط شن لينين نفس الغارة علي الشعب المسكين لتطبيق القانون الزراعي مهما كلف الأمر، وكانت النهاية كما يلي:

«ضحايا تقدر بخمسة ملايين إنسان باعتراف الدوائر الرسمية الشيوعية» ().

وعند ذلك وضع لينين أسس (الكلوخوزات) أي: نظام المزارع الجماعية الاشتراكية ().

وبعد هذه القسوة كلها يقف لينين ليعلن الدكتاتورية ويقيمها بكل وقاحة فيقول: «من لا يعترف بضرورة الدكتاتورية لكل طبقة ثورية لتأمين نجاحها لا يعرف شيئاً من تاريخ الثورة أو لا يريد أن يعرف شيئاً في هذا الحقل» ().

4: في الحرب العالمية الثانية راح ضحية الحكم والسيطرة فيها قرابة سبعين مليون إنسان بين قتيل وجريح ومعدوم ومعاق.

5: الاستعمار الفرنسي قتل في الجزائر في حرب التحرير أكثر من مليون من البشر.

6: في الحرب الفيتنامية قتل الأمريكيون من قيادة واحدة ل (جياب) قرابة نصف مليون إنسان.

وعلي هذا فقس ما سواها.

الفرق الشاسع

أرأيت الفرق الشاسع بين (السياسة الإسلامية) وبين (السياسة غير الإسلامية)؟

كيف إن الإسلام في سياسته العملية لا يفوته ذعر امرأة، وهلع صبي، وعقال بعير، وميلغة كلب..

ولا يقتل الرئيس الأعلي قاتله قبل أن يظهر من القاتل ما يوجب القصاص.

هذا في الإسلام، وفي سياسته الإنسانية.

ورأيت كيف أن السياسة غير الإسلامية تستهين بالإنسان، والكرامة، والملايين، الملايين من البشر.

وفي هذا الكتاب

وفي هذا الكتاب نضع مقتطفات موجزة عن السياسة الحكيمة لرسول الله ولأمير المؤمنين عليه السلام، التي هي خير مرآة لسياسة الإسلام، ولمعا سريعة عن الخطوط السياسية في الإسلام، في عامة المجالات الحيوية والإنسانية:

في المجال الاقتصادي.

والمجال الصحي.

والمجال الثقافي.

والحريات العادلة.

ومكافحة الجرائم.

والضمان الاجتماعي الفريد.

والعمران والزراعة.

والعلاقات الدولية.

وتكثير النفوس.

والسلام والحرب.

وفي مجال السياسة الخارجية.

والحدود والجمارك.

وعن الجنسية والجواز والإقامة.

والحكومة العليا.

ليظهر لنا جلياً:

إن السياسة هي من واقع الإسلام.

وإن السياسة غير الإسلامية تأخرت عن السياسة الإسلامية تأخر الراجل الأقطع عن الصواريخ والأقمار.. والله ولي الهداية والتوفيق.

?ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث

ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم?

(سورة الأعراف: 157)

3 السياسة الحكيمة لرسول الله

3 السياسة الحكيمة لرسول الله

كان رسول الله محمد سيداً لساسة العالم، وأكبر سياسي محنك، فهو تلميذ الله تعالي، وأستاذ جبرئيل، وسيد الأنبياء عليهم السلام ومعلم البشرية أجمعين.

وسياسته هي التي حيرت العقول، وأشخصت أبصار العالمين..

وبهذه السياسة الحكيمة استطاع رسول الله أن يجمع حول الإسلام أكبر عدد ممكن من البشر، في مدة قصيرة أدهشت التاريخ وأنست الأولين والآخرين، وأركعت حكماء العالم لها إجلالا وتقديراً.. مما لا يوجد في تاريخ العالم الطويل مثيل ولا نظير لها.

وهنا نسجل بعض النتف منها كنماذج ومقتطفات، لعل الله تعالي يوفق المسلمين في هذا العصر لانتهاجها، فيستعيدوا بلادهم المغتصبة، وحقوقهم المهدورة، وكرامتهم المهتوكة..

وليسيّروا العالم إلي الأمام، كما فعل رسول الله في بدء الإسلام، وليشجعوا الأديان وغيرهم علي اعتناق الإسلام بلهف ورغبة وشوق.

سياسة الاستقامة والصمود

أعلن النبي عن هذا الصمود العظيم في بدء دعوته عندما بعث المشركون عمه أبا طالب عليه السلام إليه يستميلونه ويطلبون منه التراجع عن ذلك..

فقال: «يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري علي أن أترك هذا الأمر ما فعلت» ().

ثم تابع هذا الصمود الجبار بعمله في مختلف المجالات:

فأرادوا قتله عدة مرات، فصمد، قال تعالي: ?وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك?().

وقالوا: تركه ربه وقلاه، فصمد حتي أنزل الله تعالي فيه: ?والضحي والليل إذا سجي ما ودعك ربك وما قلي?().

واستهزؤوا به، فصمد حتي أنزل الله تعالي عليه: ?إنا كفيناك المستهزئين?().

ونسبوه إلي الجنون، فصمد حتي أنزل الله تعالي فيه: ?بسم الله الرحمن الرحيم ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون?().

ونسبوه إلي الشعر، فصمد حتي أنزل الله تعالي فيه: ?وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين?().

ونسبوه إلي الكذب، فصمد فأنزل الله عليه: ?يس والقرآن الحكيم

إنك لمن المرسلين?().

ونسبوه إلي الكهانة، فصمد فأنزل الله سبحانه فيه قرآناً: ?فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن? ().

ومكروا به، فصمد وأنزل الله عليه: ?ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين?().

وقالوا أساطير الأولين، فصمد وأنزل عز من قائل في ذلك: ?قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض?().

وكذبه المنافقون، فصمد فأنزل الله تعالي: ?إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار?().

وحادوه وشاكسوه، فصمد حتي أنزل الله تعالي: ?إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين?().

وشجوا جبهته الكريمة، فصمد حتي أنزل الله سبحانه: ?والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم?().

ورموه بالحراب، فصمد حتي أنزل الله عز من قائل: ?إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة?().

كله صمود..

وصمود.. وصمود.

سياسة الشجاعة

وضرب الرسول الأعظم المثل الأعلي في سياسته الشجاعة التي لاتعرف الجبن والتقاعس.

فهذا أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو الشجاع الذي لم، ولا، ولن يشق له غبار، الذي قال: «والله لو تظاهرت العرب علي قتالي لما وليت عنها» ().

يقول: «كنا إذا اشتد البأس وحمي الوطيس، اتقينا برسول الله ولذنا به» ().

وفي رواية أخري عنه عليه السلام: «كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله فلم يكن أحد منا أقرب إلي العدو منه» ().

وعنه عليه السلام أيضاً: «لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي وهو أقربنا إلي العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأساً» ().

والنبي في معركة حنين فر عنه معظم أصحابه، وجعل المشركون يقتربون من رسول الله يريدون الوصول إليه وقتله، وكان يدافع عنه أمير المؤمنين علي عليه السلام في ذلك الموقف الرهيب..

في مثل هذا المأزق الذي انهزم فيه الشجعان خاض النبي الساحة بشجاعة فائقة وهو يقول:

«أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبد المطلب» ().

وقد أنزل الله تعالي في ذلك آيات

عديدة من القرآن الكريم، منها قوله سبحانه: ?إذ تصعدون ولا تلوون علي أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غماً بغم لكيلا تحزنوا علي ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون?().

والنبي هو الذي قال في شجاعته عمران بن حصين كلمته المعروفة:

«ما لقي رسول الله كتيبة إلا كان أول من يضرب» ().

وقد كان هو المقدم في كل فزع ونائبة ورعب.

فكان ذلك يبعث الشجاعة في المسلمين، فإن إقدام القائد الشجاع يجعل القاعدة شجاعة ذات إقدام وصمود.

روي الشيخ الطبرسي في (مكارم الأخلاق) عن أنس بن مالك أنه قال: «كان في المدينة فزع فركب النبي فرساً لأبي طلحة فقال: ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحراً» ().

وفي رواية أخري عن أنس قال:

«كان رسول الله أشجع الناس، وأحسن الناس، وأجود الناس، قال: قد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق الناس قبل الصوت.

قال: فتلقاهم رسول الله وقد سبقهم وهو يقول: لم تراعوا، وهو علي فرس لأبي طلحة وفي عنقه السيف..

قال: فجعل يقول للناس: لم تراعوا وجدناه بحراً أو إنه لبحر» ().

(البحر) له معان، والمناسب منها لما نحن فيه هو: الفرس الواسع الجريء الذي فسر به في كتب اللغة().

وبذلك فسر هذا الحديث الشريف في صحاح اللغة().

والذي يستفاد من ذلك: إن رسول الله كان دائم الحذر، ودائم الانتباه لكل ما يحدث أو يجري حوله بحيث يكون هو أول من يصل مكان الحادث، ويأتي المسلمون فيصلون بعد رسول الله إلي ذلك المكان، وهذه هي السياسة الشجاعة التي قلما يذكر التاريخ له نظراء في القادة والساسة.

وليس علي قادة المسلمين من أتباع الرسول إلا أن يتخذوا مثل ذلك شعارهم الذي يعرفون به حتي يكون المسلمون باطمئنان في وصولهم إلي الغاية في مسيرتهم السياسية الطويلة والشائكة.

فالأمم ترمق

إلي قادتها، وتتبلور في حياتها السياسية بأسلوب قادتها، فالقادة الشجعان تربي الأمة الشجاعة، والعكس بالعكس.

سياسة العفو العظيم

ما أعظم عفو رسول الله عن الأعداء؟

فقد مثل النبي عفو الإسلام خير تمثيل.

وأفهم الجميع أن الإسلام جاء يريد الخير للجميع، لأوليائه وأعدائه جميعاً، وليس ديناً يحقد علي أحد، وليست بعض ممارساته الصارمة نابعة عن القسوة، أو الحنق، وإنما هي نابعة عن روح تعميم العدالة علي الجميع، وإليك أمثلة علي ذلك.

مع غورث بن الحارث

كان النبي نائماً في وقت الضحي نوم القيلولة في بعض غزواته في ظل شجرة، وحده بعيداً عن أصحابه، وكانوا هم أيضاً قائلون..

فجاءه (غورث بن الحارث) ووقف علي النبي مصلتاً سيفه رافعاً يده علي النبي وصاح به:

من يمنعك مني يا أبا القاسم؟

فقال النبي: الله.

فسقط السيف من يده، فبدر النبي إلي السيف وأخذه ورفعه علي غورث قائلاً له:

يا غورث من يمنعك مني الآن؟

فقال: عفوك، وكن خير آخذ.

فتركه النبي وعفا عنه.

فجاء إلي قومه وقال لهم: «والله جئتكم من عند خير الناس» ().

فهل يذكر التاريخ عن العظماء مثل هذه القصة.

عدو في طريق الحرب، مصلتاً سيفه، يريد قتل النبي بشراسة ووقاحة، وتسلب قدرته من دون اختياره، فيملك النبي السيف.. ثم يعفو عنه؟

إنه عفو الإسلام الذي تجسد في رسول الله.

اللهم اهد قومي

اشتد أذي المشركين للرسول يوم أحد إذ قتل عمه حمزة، ومثّل بجسده الشريف، وقطع كبده وأصابع يديه ورجليه، وجدع أنفه، وصلموا أذنيه.. وفُعل به ما فعل، وقتل العشرات من المسلمين..

فتقدم بعض الصحابة إلي النبي واقترح عليه أن يدعو علي المشركين ليعذبهم الله بعذاب من عنده، كما كان يعذب المشركين الأولين بدعوة أنبيائهم عليهم..

لكنه النبي وسياسة العفو العظيمة، فامتنع من ذلك وقال: «إني لم أبعث لعاناً، ولكن بعثت داعياً ورحمة».

«اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» ().

عفوه عن الأعرابي

جاء أعرابي إلي النبي والبرد علي كتفيه فجذب الأعرابي أطراف الرداء جذابة شديدة حتي أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه وهو يقول بخشونة بالغة:

يا محمد، احمل لي علي بعيري هذين من مال الله الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك..

فسكت النبي هنيئة ثم قال: المال مال الله وأنا عبده..

وقال: ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟

قال: لا؟

قال: ولم؟

قال: لأنك تعفو، وتصفح، ولا تكافئ بالسيئة السيئة.

فضحك النبي ثم أمر أن يحمل له علي بعير شعير وعلي الآخر تمر().

وبمثل هذا العفو جمع النبي الناس حول الإسلام واستقطب مختلف الفئات وأصحاب العديد من الأديان والمبادئ.

فأنتم الطلقاء

ومن عظيم عفوه معاملته مع أهل مكة.

أهل الشرك والكفر..

أهل الجحود والعصبية..

أهل الفساد والظلم..

أهل القسوة والغلظة..

الذين قتلوا أصحابه، وأنصاره، وأقرباءه في عشرات الحروب.

والذين أخرجوه من مسقط رأسه الشريف وبلد الله وبلد آبائه، ومحل عبادته نصف قرن.

والذين عذبوا المهاجرين بأنواع التعذيب، وقتلوا العديد منهم.

والذين تآمروا علي قتله عدة مرات وكلها باءت بالفشل.

والذين مارسوا مع النبي وأنصاره كل أنواع المظالم والفضاضة..

هؤلاء.. جاءهم النبي فاتحاً منتصراً عليهم..

أتري ماذا كان يفعل إنسان آخر لو كان في موقع النبي؟

إنه بلا شك كان يقيم مجزرة رهيبة..

فالموجودون هم الظالمون بأنفسهم لا أبناؤهم.

أبو سفيان.. وهند، وأضرابهما من الرجال والنساء.

ولكن في فتح مكة عندما حمل الراية سعد بن عبادة وجعل يرفل في طرقات مكة ويهز الراية وينادي:

«اليوم يوم الملحمة» «اليوم تسبي الحرمة» ().

يقصد بذلك: إننا سنكثر من القتل في أهل مكة حتي تتراكم جثث ولحوم القتلي بعضها علي بعض، وإلي جنب بعض، وسنسبي نساء مكة سبي الكفار المحاربين.

وكان أهل مكة يتوقعون مثل هذا الصنيع من مثل هذا الجيش المطرود أفراده من مكة سنوات طوال، والمعذب من قبل أهل

مكة هؤلاء، والمهدور حرماتهم وأموالهم وكراماتهم من قبل هؤلاء أنفسهم.

ولو كان أهل مكة هم بمكان الجيش الإسلامي، وكانوا هم المنتصرين علي المسلمين لصنعوا بهم أسوء من هذا الصنيع..

وبالفعل كان قد سبق أهل مكة إلي (الملحمة) (وسبي الحرمة) قصاصاً منهم قبل الجناية، فكيف بأهل مكة لو كان لهم حق القصاص في ذلك.

أكيداً كان أهل مكة يبيدون المسلمين لو كانوا بمكان المسلمين، وكانت القضية معاكسة..

لكن رسول الله رسول الرحمة، رسول العفو، رسول الإنسانية، رسول الإسلام.. أبي ذلك أشد الإباء.

بل بالعكس سجل نقطة مشرفة في تاريخ الإسلام والإنسانية، فأمر الصحابي المنادي بالقفول..

وأمر أمير المؤمنين علياً عليه السلام بحمل الراية وأن يدخل مكة برفق وهدوء وأن ينادي في أهل مكة بلين ولطف بعكس ذلك النداء.

ونادي علي عليه السلام في طرقات مكة: وهو يكرر النداء:

«اليوم يوم المرحمة» «اليوم تصان الحرمة».

ثم جمع النبي أهل مكة، فنادي فيهم: ما تقولون إني فاعل بكم؟

قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم.

فقال: أقول لكم كما قال أخي يوسف عليه السلام ?لا تثريب عليكم?().

ثم قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

ثم قال:

«أيها الناس: من قال لا إله إلا الله فهو آمن»..

«ومن دخل الكعبة فهو آمن»..

«ومن أغلق بابه وكف يده فهو آمن»..

«ومن ألقي سلاحه فهو آمن»..

«ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن»..

«ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن» ().

عفوه عن أبي سفيان

لما دخل النبي مكة المكرمة وجاءه أبو سفيان وكل أصابعه العشر تقطر من دماء أهل بيت النبي وأصحابه..

وملئ قلبه الحقد والحنق علي رسول الله والإسلام.

وملئ عينيه الشر والدمار.

ولم يكن أي إنسان في موقف النبي إلا ويواجه مثل (أبي سفيان) شيخ المؤامرات والفساد بأقسي مواجهة وينكل به أشد تنكيل..

لكن صنيع رسول الله كان بالعكس..

فعفا عنه، وصفح وقال في رفق ولطف له:

«أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله»؟

فقال: بأبي أنت وأمي ما أكرمك، وأوصلك، وأحلمك().

وعن اليهودية

روي الشيخ الكليني رحمة الله عليه في الكافي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: «إن رسول الله أتي باليهودية التي سمت الشاة للنبي فقال لها: ما حملك علي ما صنعت؟

فقالت: قلت إن كان نبياً لم يضره، وإن كان ملكاً أرحت الناس منه.

قال عليه السلام: فعفا رسول الله عنها» ().

أتري أي ملك، أو رئيس يعفو عن شخص أقدم علي مثل هذا الجرم؟

هل تجد لهذه القصة في غير الأنبياء والأولياء عليهم السلام مثيلاً؟

كلا..

ثم كلا..

إنها النبوة.

إنها الارتباط الوثيق بالخالق.

إنه العفو الذي بلغ منتهاه.

وبالتالي: إنه الإسلام جامع كل الفضائل والخصال الحميدة في أقصي أقصاها..

وأي رئيس إسلامي يكون علي خط رسول الله فسوف يكون هكذا.

وأمثلة العفو من رسول الله كثيرة.. وكثيرة جداً، وإحصاؤها يستدعي مجلداً خاصاً.

سياسة إكرام الوفود

وكان النبي مضرب المثل في إكرامه للوفود التي تدخل عليه من القبائل والعشائر، وحتي من اليهود والنصاري والمشركين والمنافقين، فيكرمهم ويحترمهم..

ذكر في التاريخ: أنه كان يرحب بالوفود بشخصه، ويوسع لرؤسائهم في المجالس، ويجلس إليهم، ويؤنسهم في الحديث، ويتلقاهم بالبشر وطلاقة الوجه، ويكلمهم باللين والرفق واللطف، ويسألهم عن أهاليهم وبلادهم، ويدعو لهم، ويغير الأسماء غير الجميلة منهم إلي أسماء حسنة، ويحلم عن جاهلهم، ويعفو عن مسيئهم.

ويطلق الأسري منهم عندما يدخل وفد ويطلب ذلك من النبي ويرجعهم إلي أهاليهم.

وكان إذا قدم الوفد أحسن ثيابه وأمر أصحابه بذلك احتراماً لهم.

وكان يمنحهم الجوائز، والأرزاق، والملابس، ونحوها.

وبكلمة مختصرة: كان الوحيد في التاريخ الذي يفعل هذه الأفاعيل في مثل تلك الظروف القاسية الصعبة.

وهذه الممارسات الكريمة كانت تحمل الكثيرة منهم علي اعتناق الإسلام، وترك مذاهبهم الباطلة وعبادة الأوثان والأديان المنحرفة.

وقد سجل التاريخ الكثير من ذلك، ونحن نقتطف بعضاً منها كنماذج في اختصار وإيجاز():

1: وفد مزينة

جاءوا إلي المدينة، ودخلوا علي رسول

الله وعددهم أربعمائة رجل، فمنحهم النبي الجوائز، وأكرمهم بهذه الجملة، قال لهم: «أنتم مهاجرون حيث كنتم، فارجعوا إلي أموالكم».

فرجعوا إلي بلادهم، وجعلوا يدعون بقية قومهم إلي الإسلام.

2: وفد جهينة

أتوا النبي وسلموا عليه، فآواهم، ومنحهم جوائز وسألهم من أنتم؟

قالوا: بنو غيلان.

فقال: بل أنتم بنو رشدان.

وكان اسم واديهم (غوي) فسماه النبي (رشدا).

وخط لهم مسجدهم.

فرجعوا إلي بيوتهم وهم يدعون إلي الإسلام.

3: وفد أشجع

جاءوا إلي النبي فأكرمهم ووادعهم، وأضافهم، فأسلموا علي إثر ذلك، وكانوا بضع مئات، فرجعوا وهم مئات من الداعية الصامدة.

4: وفد ثعلبة

أنزلهم النبي بالضيافة، وأعطاهم الجوائز، فرجعوا منه فرحين راضين داعين إلي الله تعالي.

5: وفد تميم

جاءوا إلي النبي في وساطة لفك أسراهم الذين أسرهم جيش المسلمين في الحروب الإسلامية مع الكفار، فدخلوا المدينة وأتوا خلف دار النبي وهو في بيته: فصاحوا وهم أكثر من ثمانين رجلاً من رؤساء تميم: يا محمد أخرج إلينا، فنزل قوله تعالي: ?إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون?().

فأكرمهم رسول الله واحترمهم، ورد عليهم أسراهم، ومنحهم الجوائز بعد ما أضافهم.

فرجعوا دعاة إلي الله والإسلام.

6: وفد فزارة

أتوا رسول الله وهم بضعة عشرة رجلاً، فرحب بهم النبي وأضافهم، وأكرمهم.

وكانوا في جدب، فسألوا النبي الدعاء لهم، وشكوا إليه قلة المياه، فدعا لهم رسول الله واستجاب الله دعاءه، فأتتهم السماء بماء منهمر، فسقوا أيّ سقي.

7: وفد محارب

كانوا عشرة نفر جاءوا النبي وأسلموا، وأكرمهم النبي ومنحهم الجوائز، فتكفلوا له إسلام من ورائهم من أقربائهم.

8: وفد كلاب

ثلاثة عشر رجلاً، جاءوا مسلمين، وسلّموا علي رسول الله بسلام الإسلام: (السلام عليكم)، فأكرمهم النبي ورحب بهم، وأعطاهم الجوائز.

9: وفد عقيل بن كعب

سبعة نفر، وقد أسلموا، وأغدق النبي عليهم العطاء والهبات، فرجعوا راضين مرضيين دعاة إلي الإسلام لقومهم ولغير قومهم.

10: وفد

بني البكاء

جاءوا النبي فأمر لهم بمنزل، وضيافة، ومنحهم الجوائز، ودعا لهم بالخير والبركة.

فرجعوا من عنده موفورين، مرضيين، يدعون الناس إلي عالي خلق الرسول وفضائله.

11: وفد سليم

جاء أحدهم أولاً إلي رسول الله واسمه قيس بن نسيبة، فسمع كلام النبي ورأي خلقه الكريم، وانجذب إلي فضائله ولطفه، فأسلم ورجع إلي قومه داعية إلي الله، فقام فيهم خطيباً وقال:

«قد سمعت ترجمة الروم، وهيمنة فارس، وأشعار العرب، وكهانة الكاهن، وكلام البلغاء، فما يشبه كلام محمد شيئاً من كلامهم».

وركز في الدعوة، وبالغ في تشجيع قومه إلي الإسلام، وجعل يحملهم علي الإسلام واحداً بعد آخر، زرافات ووحداناً.

حتي جاء عام الفتح ومعه سبعمائة، بين من أسلموا علي يدي النبي وبين من جددوا إسلامهم عنده.

ومن جميل ما حفظه التاريخ لبني سليم:

إن (راشدا) من بني سليم كان سادناً وحافظاً لصنم من أصنام بني سليم وكان النبي قد أمرهم علي عادته بكسر الأصنام، فرأي راشد ثعلباً ذكراً ويقال له الثعلبان يبول علي رأس الصنم، فأنشد هذا البيت:

أرب يبول الثعلبان برأسه

لقد ذل من بالت عليه الثعالب

ثم شد (راشد) إلي الصنم فكسره.

وجاء إلي الرسول..

فقال له النبي: ما اسمك؟

قال: غاوي بن عبد العزي.

فقال له النبي: بل أنت راشد بن عبد ربه.

فأسلم الرجل لما لقي من خلق رسول الله وسمع من لذيذ كلامه وقرآنه، ورجع يدعو الآخرين إلي الإسلام.

12: وفد عامر بن صعصعة

أتوا النبي وسلموا عليه، فقال لهم النبي: من أنتم؟

قالوا: بنو عامر بن صعصعة.

فرحب بهم النبي وأمرهم بكسر الأصنام، وعبادة الله الواحد الأحد، وعلّمهم بعض فرائض الاسلام، وأكرمهم، وأعزهم.

فرجعوا إلي قومهم مسلمين داعين إلي الإسلام.

13: وفد عبد القيس

كتب النبي إلي أهل البحرين أن يقدم عليه عشرون رجلاً منهم.

فقدموا، فأعزهم النبي وأكرمهم، وأضافهم فترة، فقال: ¬ «نعم القوم قوم

عبد القيس بن ربيعة، اللهم اغفر لعبد القيس».

وقال لرئيسهم عبد الله: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة».

وعلّمهم من القرآن، وأحكام الإسلام، والآداب وفضائل الأخلاق، ومنحهم الجوائز، وودّعهم.

فرجعوا دعاة إلي الله والإسلام.

14: وفد تغلب

وردوا علي رسول الله فيهم مسلمون وفيهم نصاري، فأكرمهم النبي جميعاً، وتلقاهم بالبشر وطلاقة الوجه، وكانت النصاري قد علقوا عليهم صلبان الذهب.

فصالح رسول الله النصاري علي الجزية.

وأجاز المسلمين بجوائز ومنح.

فرجعوا جميعاً يذكرون أخلاق الرسول وفضائله لأقوامهم.

15: وفد بني حنيفة

وفدوا علي النبي وهم غير مسلمين، ورأوا أخلاق رسول الله وإكرامه لهم، وتواضعه وهديه، ومنحهم النبي المنح والهدايا والجوائز، وعلّمهم بعض أحكام الإسلام، وشرائع الدين، والفضائل والآداب، فرجعوا مسلمين ودعاة إلي الإسلام.

16: وفد طيء

جاءوا إلي المدينة ودخلوا علي رسول الله ورأوا حسن لقائه بهم، وأثر كلامه وفعاله فيهم، فأسلموا جميعاً وأكرمهم الرسول وأمر بإضافتهم، ومنحهم الجوائز، فرجعوا موفورين.

17: وفد نجيب

وردوا علي النبي مسلمين لما سمعوا عنه وبلغهم من صدقه وأمانته ومعجزاته، فأكرمهم النبي وقال: «مرحباً بكم».

وأمر بلالاً أن يحسن ضيافتهم وجوائزهم.

18: وفد سعد هذيم

جاءوا المدينة مشركين، ورأوا أخلاق النبي الفاضلة، ومداراته الحسنة لهم، وإكرامه لهم، وإعزازه، فأسلموا جميعاً، وبايعوا النبي علي الطاعة في كل أمر ونهي، في السلم والحرب، والمال والأهل والأولاد.

ثم جعل عليهم أميراً يوجههم إلي طاعة الله ويحكم فيهم بحكم الله تعالي.

وجعلهم رسله إلي قومهم يدعونهم إلي الإسلام.

فعملوا، وما مضي شيء حتي أسلم قومهم علي أيدي هذا الوفد.

19: وفد بلي

جاءوا المدينة وهم كفار، ودخلوا علي ابن قومهم (رويفع بن ثابت البلوي) الذي سبق أن كان قد أسلم، فأمر النبي بإضافتهم، وإكرامهم.

ثم جاءوا إلي رسول الله فأسلموا لما رأوا من عظيم خلقه وجميل عشيرته، وتفقهوا في الدين وتعلّموا بعض أحكام الإسلام ومعالم الحلال

والحرام.

ثم منحهم النبي الجوائز والهبات، فرجعوا إلي قومهم موفورين داعين إلي الله تعالي، ودخل بسببهم في الإسلام الكثير من قومهم.

20: وفد بهراء من اليمن

دخلوا علي رسول الله فجذبتهم أخلاقه الكريمة وطيب مخالطته، فأسلموا كلهم، وتعلموا بعض الفرائض، ولما قفلوا راجعين إلي قومهم، منحهم النبي الجوائز ووهب لهم الهبات، وجعلهم رسله إلي قومهم، ففعلوا، وأسلم كثير منهم علي أيديهم.

21: وفد الأزد

أتوا المدينة، ودخلوا علي رسول الله ثم أسلموا كلهم، وكان فيما قال النبي لهم:

«مرحباً بكم أحسن الناس وجوهاً، وأصدقه لقاءً، وأطيبه كلاماً، وأعظمه أمانة».

وجعل شعارهم مبروراً، ومنحهم الهدايا والجوائز، فرجعوا موفورين داعين قومهم إلي الإسلام.

22: وفد همدان

دخلوا عليه فشجعهم بهذه الكلمات:

«نعم الحي همدان، ما أسرعها إلي النصر، وأصبرها علي الجهد».

وأكرمهم وأمر بضيافتهم، ومنحهم الجوائز.

فأسلموا جميعاً، ورجعوا إلي بلادهم دعاة إلي الإسلام وإلي رسول الإسلام.

23: وفد غامد

دخلوا المدينة وهم كفار، وكانت الوفود بها عديدة، فنزلوا ب (بقيع الغرقد) مقبرة أهل المدينة، ثم لبسوا جميل ثيابهم وتطهروا وانطلقوا إلي النبي، فلما لقوا منه الإكرام والإعزاز، وحسن الاستقبال منهم ولين العريكة، أسلموا وتعلموا شيئاً من القرآن.

فلما أرادوا الرجوع أجازهم النبي الجوائز، ومنح لهم الهدايا، فعادوا إلي قومهم يدعونهم إلي الإسلام.

24: وفد النخع

الذي منهم مالك الأشتر النخعي، جاءوا من اليمن ودخلوا علي رسول الله فدعا لهم النبي بهذه الجملة:

«اللهم بارك بالنخع».

فرأوا النبي وجميل معاملته، فأسلموا، وأسلموا عن قومهم باعتبارهم وكلاء ونواباً عنهم، فأجازهم النبي وأعطاهم الهدايا، فرجعوا إلي قومهم.

وبعد مدة، وفد من قومهم مائتا رجل علي رسول الله مقرين بالإسلام، خاضعين لأحكامه.

فزاد النبي في إكرامهم واحترامهم ودعا لهم بالخير.

25: وفد الرهاويين

وهم حي من مذحج، دخلوا علي رسول الله ونظروا إلي النبي وجميل محياه، وجميل منطقه، وجميل عمله، وجميل معاملته معهم،

فأسلموا كلّهم، وتعلموا بعض سور القرآن، وأهدوا لرسول الله هدايا، وأهدي لهم النبي هدايا، ورجعوا إلي قومهم دعاة إلي الإسلام.

26: وفد حضرموت

دخلوا المدينة ووردوا علي رسول الله وهم ملوك حضرموت، ورئيسهم (وائل بن حجر الحضرمي) قال للنبي: جئت راغباً في الإسلام والهجرة.

فأمر رسول الله أن ينادي في المسلمين: «الصلاة جامعة».

احتفاءً بالوفد، وإكراماً لهم، ودعا النبي له ولهم، واجتمع المسلمون في المسجد، وتلقوا الوفد بالبشر والتحية والاحترام الكثير.

ثم أمر النبي بضيافتهم، وإعطائهم الجوائز، والإغداق عليهم، بعد أن أطاب لهم الكلام، وأطاب لهم المجلس، وأطاب لهم الصنيع، فأسلموا كلهم وودعوا النبي ورجعوا إلي أقوامهم يدعونهم إلي الإسلام.

27: وفد كندة

جاءوا إلي رسول الله واحتفي بهم النبي وأمر المسلمين بالاحتفاء بهم، وإكرامهم.

فأضافهم المسلمون وزادوا في احترامهم.

ثم منحوهم العطايا والهبات.

فأسلموا ورجعوا إلي بلادهم دعاة إلي الله.

28: وفد أسلم

جاءوا النبي وقد أسلموا، قائلين: «آمنا بالله ورسوله».

فقال لهم النبي: «أسلم سالمها الله».

وكتب لهم كتاباً في بيان الصدقة وبعض الفرائض، ومنحهم الجوائز وأغدق عليهم العطاء، فرجعوا إلي قومهم دعاة إلي رسول الله وأسلم بسببهم كثير من قومهم.

29: وفد جيشان

جاءوا النبي فأكرمهم وعظمهم، وأمر المسلمين باستقبالهم وإضافتهم، ففعلوا، وأسلموا علي يدي النبي وصلّوا معه، ثم رجعوا إلي حيهم دعاة إلي الله.

هذه كانت نماذج من الوفود التي وفدت علي رسول الله وبعض صنيع النبي بهم، وسياسته الجامعة معهم، وجلبهم إلي الإسلام وإلي الله، وتأليف قلوبهم. وهناك المئات.. والمئات من الوفود التي كانت تفد علي رسول الله فيعاملهم بمثل هذه المعاملات الحسنة.

وبهذه السياسة الحكيمة، والسياسة الاستيعابية، وسياسة جمع المتفرقات، وسياسة الإغضاء عن السيئات، وسياسة إظهار الحسنات.. استطاع رسول الله أن يربي من أولئك الناس الذي سماهم الله تعالي وسماهم التاريخ ب(الجاهلية) إيغالاً منهم في الجهل المركب..

جهل

في كل الوجوه، ومن جميع الجهات والجوانب.

جهل في التربية، وجهل في المعرفة، وجهل في المعلومات، وجهل في القراءة والكتابة، وجهل في المعاشرة، وجهل في السقي والرعي، وجهل في السلم والحرب.. وبالتالي جهل في كل شيء.. وفي كل شيء..

استطاع النبي وبهذه السياسة الرشيدة أن يخلق منهم أمة عظيمة بهرت التاريخ، وحيرت العقلاء.

حتي إن الله تعالي الذي وصفهم قبل الإسلام ب(الجاهلية)() عاد فوصفهم بعد الإسلام ب (خير أمة) حيث يقول في القرآن الحكيم: ?كنتم خير أمة أخرجت للناس?().

وهكذا يجب علي المسلمين أن تكون معاملتهم ومعاشرتهم في هذا العصر الذي فتح الكفر أفواهه من كل جانب لابتلاع الإسلام والمسلمين، وهضمهم، وإبادتهم..

فتكون سياسة المسلمين سياسة الاحتواء والجمع والإغضاء والتشجيع، حتي يعود المسلمون قوة قاهرة لا يمكن قهرها، بإذن الله تعالي.

سياسة الوفاء

سياسة الرسول التي هي بمعناها الصحيح: إدارة البلاد والعباد كما يحب الله تعالي ويرضاه كانت مبتنية أيضاً علي الوفاء بالوعد، والالتزام بالقول، والوفاء الخلقي.

وقد ذكر المؤرخون الكثير من القصص الرائعة في ذلك، نذكر عدداً منها كنماذج:

انتظار ثلاث ليال

في مكة المكرمة، وقبل البعثة تواعد النبي مع شخص أن ينتظره حتي يجيء ذلك الشخص، فراح الرجل، ونسي وعده، وترك النبي يترقبه ثلاث ليال في المكان نفسه.

وبعد ثلاث جاء الفتي ليجد النبي لا يزال في انتظاره بمكانه().

صديقة خديجة عليها السلام

ذكروا: أنه كانت لخديجة أم المؤمنين عليها السلام امرأة صديقة لها حين تركها أقرباؤها ونساؤها وقريش كلهم، فكانت تتعاهد خديجة وتأتيها، وتؤنسها من الوحدة.

فلما توفيت خديجة عليها السلام كان النبي يرسل بالهدايا إلي تلك المرأة وفاءً لها، وكان يقول:

«إنها كانت تحب خديجة، إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان» ().

وفد النجاشي

وذكروا: أنه جاء وفد من قبل النجاشي إلي رسول الله فأضافهم، وأكرمهم، واحترمهم..

وقام النبي يحضر لهم بعض الحاجات بنفسه الكريمة.

فقال له بعض الأصحاب: نحن نكفيك ذلك.

فقال: إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين، وإني أحب أن أكافئهم().

مع أبويه من الرضاعة

وذكروا: أنه وفد إليه أبواه من الرضاعة، وأخوه من الرضاعة، فضم النبي أخاه من الرضاعة إليه وأكرمه واحترمه، وفرش ثوبه لأبويه، ووصلهم بالهدايا، ومنح لهم المنح، وكذلك فعل بأخته من الرضاعة (الشيماء) ().

عود مع الأنصار

ولما فتح الله تعالي لرسوله الكريم مكة المكرمة لم يبق فيها ويترك الأنصار يعودون إلي المدينة لوحدهم، فيكون قد شاركهم مادام في العسرة فإذا تم الفتح تركهم..

بل أمّر علي مكة بعض أصحابه، وقفل راجعاً إلي المدينة بصحبة الأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة، وآووه ونصروه.

بالرغم من أن مكة كانت مسقط رأسه الشريف، وبلده الذي قضي فيه أكثر من خمسين عاماً، وبلد آبائه، وفيها الكعبة، وأضرحة آبائه وأجداده وآثارهم، وآثار الأنبياء السابقين من آدم، ونوح، وإبراهيم، وإسماعيل (عليهم الصلاة والسلام) وغيرهم.

كل ذلك وفاءً للأنصار.

وقال: «اليوم بر ووفاء».

ثم توجه إلي الأنصار قائلا:

«المحيا محياكم، والممات مماتكم» ().

وهذا هو الفريد من نوعه في تاريخ العظماء والقادة والثوار، فإنهم إذا أخرجوا من ديارهم نتيجة الثورة فإذا قضوا علي الزمرة الظالمة عادوا إلي ديارهم، إلا الرسول فلم يعد إلي مكة المكرمة ليبقي فيها.

بل رجع إلي المدينة المنورة مع الأنصار، وبقي فيها حتي توفاه الله تعالي والتحق بالرفيق الأعلي، ولم يسكن في مكة المكرمة، ولم يبت فيها ليلة واحدة.

سياسة الرحمة الشاملة

وقد ضرب النبي الرقم الأول في التاريخ كله في الرحمة بما لا مثيل لها في تاريخ أي عظيم وقائد.

وفيما يلي نذكر أمثلة كنماذج من ألوف أمثالها المذكورة في كتب التاريخ:

مع الأعرابي

وفد أعرابي علي رسول الله يطلب منه شيئاً، فأعطاه النبي وقال له: أحسنت إليك؟

قال الأعرابي: لا، ولا أجملت.

وذلك في مجلس النبي وبمحضر من أصحابه المهاجرين والأنصار، فغضب المسلمون، وشق عليهم تحمل هذه القسوة من الأعرابي، فقام إليه بعض الصحابة ليوبخه ويؤنبه.

فأشار النبي إليهم: أن كفوا.

ثم قام ودخل منزله وأرسل إليه وزاده، ثم قال له: أأحسنت إليك؟

قال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فودع الأعرابي وخرج.

ثم توجه النبي إلي أصحابه قائلاً: «مثلي ومثل هذا، مثل رجل له ناقة شردت عليه، فأتبعها الناس، فلم يزدها إلا نفوراً، فناداهم صاحبها: خلوا بيني وبين ناقتي فإني أرفق بها منكم وأعلم. فتوجه إليها ووقف بين يديها، فأخذ لها من قمام الأرض، فردها حتي جاءت واستناخت، وشد رجلها واستوي عليها. وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار» ().

يا لها من رحمة عظيمة، لا تجد نظيرها في غير تاريخ الرسالة أو الولاية.

رحمة بقومه

لما كذَّب المشركون رسول الله وآذوه، وبصقوا في وجهه الكريم، وداسوا عنقه، وقاطعوه، وقتلوا أصحابه، وعذبوهم، وشردوهم، وتتبعوهم تحت كل حجر ومدر..

وفعلوا ما فعلوا به طوال السنين الصعاب..

حينذاك نزل عليه جبرئيل عليه السلام من عند الله تعالي قائلاً:

«إن الله تعالي قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد أمر ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم».

فناداه ملك الجبال وسلّم عليه وقال: «مرني بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين».

فقال النبي: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولايشرك به شيئاً» ().

تخفيف الصلاة

كان إذا صلي لوحده أطال في صلاته وأكثر في أذكار الركوع والسجود، وقراءة القرآن، والتسبيح والتحميد، والتهليل والتكبير..

وإذا صلي جماعة خفف فيها.

حتي ورد في الحديث الشريف: «أنه كان أخف صلاة إذا صلي جماعة، وأطول صلاة إذا صلي لوحده» ().

وذكروا: أنه كان يخفف من صلاته رحمة بالأطفال الذين يأتون المسجد مع أمهاتهم().

قصر الموعظة

وذكروا: أنه كان يقصر من مواعظه خشية السآمة علي أصحابه، فلا يكثر عليهم المواعظ، وإذا وعظ لم يطل فيها، بل يقلل، وفي القليل يقصر().

نعم كان قد يطول أحياناً حسب المقام الداعي إلي التطويل.

لولا أن أشق

وكان يلاحظ أن لا يشق علي المسلمين بفعل أو بقول، وقد ورد عنه في موارد عديدة:

«لولا أن أشق علي أمتي…» ().

«لولا قومك حديثو عهد بالإسلام…» ().

ونحو ذلك.

وإسعاف المرأة

أخرج الشيخ الصدوق رحمة الله عليه عن الإمام أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: أن رسول الله رأي في بعض طريقه جارية قاعدة تبكي.

فقال لها النبي: ما شأنك؟

فقالت: يا رسول الله إن أهلي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم بها حاجة، فضاعت، فلا أجرأ أن أرجع إليهم.

فأعطاها رسول الله أربعة دراهم، وقال: ارجعي إلي أهلك.

ومضي رسول الله ثم رجع وإذا بالجارية قاعدة علي الطريق تبكي.

فقال لها رسول الله: ما لك لا تأتين أهلك؟

قالت: يا رسول الله إني أبطأت عليهم وأخاف أن يضربوني.

فقال رسول الله: مري بين يدي ودليني علي أهلك.

فجاء رسول الله حتي وقف علي باب دارهم ثم قال: السلام عليكم يا أهل الدار.

… قالوا: عليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

فقال رسول الله: إن هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤذوها.

فقالوا: هي حرة لممشاك().

أتري أي زعيم يتصدي بنفسه لمثل هذه الحاجات الصغيرة لرعاياه، إلا رسول الله أو من كان علي وتيرته.

الرحمة بالحيوانات

وعمت رحمته كل شيء حتي الحيوانات، فكان يوصي بها.

وقد أثر عنه الكثير في ذلك، ومنه ما يلي:

«إن الله كتب الإحسان علي كل شيء».

«فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة».

«وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة» ().

«وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» ().

سياسة العطاء للصديق والعدو

كان رسول الله مضرب المثل في العطاء والكرم والجود، حتي قيل عنه:

إنه يعطي عطاء من لا يخاف الفقر.

فكان يعطي للمهاجرين.

ويعطي للأنصار.

ويعطي لأهل المدينة.

ويعطي لأهل القري والأرياف.

ويعطي للمسلمين.

ويعطي للمنافقين.

ويعطي للكفار أيضاً، تأليفاً لقلوبهم وردعاً لهم عن المؤامرات ضد الإسلام والمسلمين.

وقد حفظ التاريخ للنبي عطايا فريدة في بابها لأعدائه وأعداء الإسلام أمثال أبي سفيان وأولاده، ومن لف لفهم.

فقد ورد في الخبر: أنه أجزل العطاء من غنائم حنين حتي لأعداء الإسلام، أبي سفيان، وابنه معاوية، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، والحرث بن هشام، وسهيل بن عمرو، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، وهمام أخي سهيل، ومالك بن عوف، وعلقمة بن علاءة، فكان يعطي الواحد منهم مائة من الإبل ورعاتها، وأكثر من ذلك وأقل().

وجاء في (إعلام الوري)() وفي (السيرة النبوية)() لابن هشام:

«ثم رجع رسول الله إلي الجعرانة بمن معه من الناس، وقسم بها ما أصاب من الغنائم يوم حنين في المؤلفة قلوبهم من قريش ومن سائر العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيئاً قليلاً ولا كثيراً.

قيل: إنه جعل للأنصار شيئاً يسيراً وأعطي الجمهور للمنافقين.

قال محمد بن إسحاق: وأعطي أبا سفيان بن حرب مائة بعير.

ومعاوية ابنه مائة بعير.

وحكيم بن حزام من بني أسد بن عبد العزي مائة بعير.

وأعطي نصير بن حارث بن كلدة مائة بعير.

وأعطي العلاء بن حارثة الثقفي حليف بني زهرة مائة بعير.

وأعطي الحارث بن هشام من بني مخزوم مائة.

وجبير بن مطعم من بني نوفل بن عبد مناف مائة.

ومالك بن عوف النصري

مائة.

وأعطي علقمة بن علاءة مائة.

والأقرع بن حابس مائة.

وعيينة بن حصن مائة.

وأعطي سهيل بن عمرو مائة بعير.

وأعطي حويطب بن عبد العزي بن أبي قيس مائة بعير.

وأعطي صفوان بن أمية مائة بعير.

وأعطي رسول الله دون المائة رجالاً من قريش، منهم:

مخرمة بن نوفل الزهري.

وعمير بن وهب الجمحي.

وهشام بن عمرو أخا بني عامر بن لؤي.

وأعطي سعيد بن يربوع بن عنكشة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل، وأعطي السهمي خمسين من الإبل().

ثم ذكروا:

إن النبي أعطي آخرين من المؤلفة قلوبهم ورؤوس الشرك عند إسلامهم تأليفاً لهم ولأقوامهم، ولسائر قريش من أهل مكة، وهكذا أعطي آخرين من القبائل العربية، ذكر ابن هشام في سيرته منهم من يلي:

طليق بن سفيان بن أمية.

وخالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية.

وشيبة بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد الدار.

وأبو السنابل بن بعكك بن الحارث بن عميلة.

وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف.

وزهير بن أبي أمية بن المغيرة.

وخالد بن هشام بن المغيرة.

وهشام بن الوليد بن المغيرة.

وسفيان بن عبد الأسد.

والسائب بن أبي السائب بن عائذ.

ومطيع بن الأسود بن حارثة.

وأبو جهم بن حذيفة بن غانم.

وأحيحة بن أمية بن خلف.

وعمير بن وهب بن خلف.

وعدي بن قيس بن حذافة.

وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث.

ونوفل بن معاوية بن عروة بن صخر.

وعلقمة بن علاءة بن عوف.

ولبيد بن ربيعة بن كلاب.

وخالد بن هوذة بن ربيعة.

وعباس بن مرداس بن أبي عامر().

وهذا نموذج واحد من سياسة العطاء التي كان يمارسها رسول الله في أيام تأسيس الحكومة الإسلامية الأولي علي وجه الأرض.

ولعل هذا فريد من نوعه في تاريخ البشر عامة من أوله إلي آخره.

فإن البعير الواحد ذلك اليوم كان يعد ثروة للإنسان، تماماً مثل من يملك اليوم سيارة فخمة أو نحوها، بل وأكثر

من ذلك..

فالبعير الواحد كان بمثابة سيارة، كما كان يؤكل لحمه، ويشرب لبنه، ويلبس وبره.

مثل ما لو أعطي شخص هذا اليوم لكل واحد من رؤساء المعارضة بعد خضوعهم وبعد قدرته عليهم مائة سيارة أو خمسين، ونحو ذلك.

فهل يجد التاريخ لهذا نظيراً؟

هذه السياسة الإسلامية في تأليف الأعداء، وأقوام الأعداء، وأتباع الأعداء.. يجب أن يتبعها كل من يسير علي خط رسول الله ويريد تركيز الإسلام علي وجه الأرض، بالحب والكلمة الطيبة، كما كان يفعل رسول الله لا بالعنف والسيف كما يفعله الاستعمار اليوم.

درعه مرهونة

ومن جزيل عطائه ما حفظ التاريخ عنه، أنه عند ما مات كانت درعه مرهونة علي نفقة أهله.

فقد روي في (قرب الأسناد) عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه أبي جعفر الإمام الباقر عليه السلام أنه قال:

«إن رسول الله لم يورث درهماً ولا ديناراً، ولا عبداً ولا وليدة، ولا شاة ولا بعيراً، ولقد قبض وإن درعه مرهونة عند يهودي من يهود المدينة بعشرين صاعاً شعيراً استلفها نفقه لأهله» ().

وروي الشيخ الطبرسي في (مكارم الأخلاق) عن ابن عباس أنه قال: «إن رسول الله توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود علي ثلاثين صاعاً من شعير أخذها رزقاً لعياله» ().

كل صاع ثلاث كيلوات تقريباً.

وسواء كانت السلفة عشرين صاعاً، أو ثلاثين صاعاً، أي ما يعادل تقريباً لستين أو تسعين كيلواً من الشعير يستلفها رسول الله في آخر حياته ويرهن عليها درعه، هذا من أعاجيب التاريخ:

رسول الله الذي يعطي المائة من الإبل، والمائة والمائة لأعدائه..

رسول الله الذي خضعت له الدنيا!

رسول الله الذي جرت المليارات من الأموال علي يديه.

يموت ودرعه مرهونة علي شعير لطعام عائلته.

إنه كان يعطي كل ما يحصل له من أنعام، وذهب، وفضة، وطعام.. وغير ذلك،

حتي لا يجد ما ينفقه علي عياله..

ثم لا يجد ما يشتري به النفقة البسيطة لعياله.

كيلوات من الشعير لا يجدها ولا يجد ما يشتريها به.

ثم لا يجد ما يرهنه علي سلفة كيلوات شعير، من لباس، وأثاث، وبضاعة حتي يضطر إلي رهن درعه.

أليس هذا من أعجب الأعاجيب في التاريخ.

فليقتد برسول الله القادة من المسلمين.

فإنه أسوة حسنة لهم بنص القرآن الحكيم.

?لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً?().

مات وهو مديون

«الدين همّ بالليل وذل بالنهار» ().

هذا واحد من تصريحات رسول الله.

لكن هذا هو الدَين الذي يستدينه الإنسان لشهواته.

وهناك دَين آخر هو عز بالليل، وفخر بالنهار.

وهو الدَين للإسلام والمسلمين.

ورسول الله بالرغم مما كان يجبي إليه من الغنائم والهدايا بالملايين والملايين، مع ذلك كان مديوناً غالباً، وكثيراً ما كان يستدين لهذا وذاك.

وقد مات حيث مات وكان مديوناً.

قال الصادق عليه السلام: «مات رسول الله وعليه دين» ().

حتي إن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) جعل أناساً ينادون في أيام الحج في الشوارع والطرقات ويعلنون للناس بحثاً عن ديون رسول الله ليؤديها…

إذ كان النبي قد أوصي إلي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فيما أوصاه وعهد إليه أن يقضي ديونه، فإنه قال:

«علي مني وأنا منه ولا يقضي عني ديني إلا أنا أو علي» ().

وقال:

«علي بن أبي طالب ينجز عداتي ويقضي دَيني» ().

قال قتادة:

«بلغنا أن علياً عليه السلام نادي ثلاثة أعوام بالموسم: من كان له علي رسول الله دَين فليأتنا نقضي عنه» ().

وقال بعضهم: ودين النبي إنما كان عداته وهي ثمانون ألف درهم فأداها ().

أقول: هذا الاجتهاد تأباه التصريحات الكثيرة التي عطفت العدات بالواو علي الديون، أو بالعكس «ديوني وعداتي» أو «عداتي وديوني».

أضف إلي ذلك:

تغيير التعبير في حديث واحد، ب(ينجز) و(يقضي) الذي استفيض نقله.

مع إنه كان مديوناً لصوع من الشعير التي رهن درعه عليها.

وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي جزيل عطائه وجوده الغريب والفريد.

فليتأس بالنبي قادة المسلمين، وينتهجوا منهاجه ويسيروا علي سيرته.

وعلي عليه السلام قتل وهو مديون

وتأسي برسول الله وصيه وخليفته الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام:

فقد حفظ التاريخ عنه أنه عليه السلام لما استشهد..

كانت ممتلكاته: سبعمائة درهم.

وكانت ديونه ثمانمائة ألف درهم.

انظر إلي بعض نصوص التاريخ في ذلك:

أخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه عن ابن شهر آشوب في (المناقب) قال:

إن أبا بكر مات وله من المال نيف وأربعون ألف درهم.

وعمر مات وخلف نيفاً وثمانين ألف درهم.

وعثمان مات وخلف من المال ما لا يحصي كثرة.

وعلي عليه السلام مات وما ترك إلا سبعمائة درهم فضلت عن عطائه أعدها لخادم().

وأخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه عن السيد ابن طاووس في كتاب (كشف المحجة) بسنده عن أبي جعفر الإمام محمد الباقر عليه السلام قال:

«قبض علي عليه السلام، وعليه دين ثمانمائة ألف درهم».

فباع الحسن عليه السلام ضيعة له بخمسمائة ألف درهم فقضاها عنه.

وباع له ضيعة أخري بثلاثمائة ألف درهم فقضاها عنه.

وذلك أنه لم يكن يذر من الخمس شيئاً.

وكانت تنوبه نوائب().

هذا هو المثال الصحيح لإمام المسلمين.

ولم كانت هذه الديون؟

وفيم كانت تصرف؟

إنها لحاجات المسلمين، ومساكينهم، وأيتامهم، وأراملهم، وضعفائهم..

وإلا فعلي بن أبي طالب عليه السلام الذي لم يكن يملك للبسه سوي قطعتين فقط في الشتاء والصيف، قطعة يتزر بها، وقطعة أخري يرتدي بها.

والذي لم يكن أكله سوي خبز الشعير والملح، أو اللبن.

ماذا يحوجه أن يقترض لشخصه ونفسه.

هذا الذي تفتخر به أمة الإسلام من إمام، وقائد، وزعيم.

والحسن عليه السلام والحسين عليه السلام مديونان

واقتدي الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام بجدهما وأبيهما: رسول الله وأمير المؤمنين عليه السلام، حيث صرفا كل ما بأيديهما من الأموال في أمور الإسلام وحاجات المسلمين، ولم يفارقا الدنيا إلا عن ديون.

اقرأ النصوص التالية:

أخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه عن الكافي أنه روي بسنده عن الصادق عليه السلام قال: «مات الحسن

عليه السلام وعليه دَين، وقتل الحسين عليه السلام وعليه دين» ().

وروي السيد ابن طاووس رحمة الله عليه عن أبي جعفر الإمام الباقر عليه السلام قال:

«إن الحسين عليه السلام قتل وعليه دين، وإن علي بن الحسين باع ضيعة له بثلاثمائة ألف ليقضي دين الحسين عليه السلام وعدات كانت عليه» ().

وفي حديث آخر: «همّ علي بن الحسين عليه السلام بدين أبيه حتي قضاه الله» ().

وفي حديث آخر أيضاً عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام:

«قد مات رسول الله وعليه دين، وقد مات علي عليه السلام وعليه دين، ومات الحسن عليه السلام وعليه دين، وقتل الحسين عليه السلام وعليه دين» ().

التلاحم مع الأمة للتربية

وكان النبي يتولي تربية أفراد الأمة بنفسه غالباً، ومهما سنحت الفرص، فيندمج معهم في الحديث، ويخوض حيثما خاضوا، ويصحح ما أخطأوا إمعاناً في جلب قلوبهم إلي الله ورسوله، وتعميقاً في هدايتهم إلي سبيل الله والرشاد.

وقد ورد ذلك في القرآن الحكيم في العديد من الآيات، مثل قوله سبحانه: ?لقد من الله علي المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين?().

وقال تعالي: ?هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين?().

وقال عز من قائل نقلاً عن دعاء إبراهيم الخليل عليه السلام: ?ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك أنت العزيز الحكيم?().

وقال تعالي: ?كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون?().

وكان في حديثه مع المسلمين يندمج معهم كاملاً اندماج المعلّم العطوف المربي الذي يحب أن يصعد بنفسيتهم وثقافتهم وتربيتهم.

اقرأ المقاطع

التالية من التاريخ والواردة في الحديث الشريف.

يكرر ثلاثاً

أ روي عن ابن عباس أنه قال: (كان رسول الله إذا حدث الحديث أو سأل عن الأمر، كرره ثلاثاً ليفهم ويفهم عنه)().

ولعل معني الخبر: لكي يفهم المخاطبين، ولكي عند ما ينقل عنه الحديث لاينقل خطأ أو سهواً أمر آخر.

ويظهر من هذا الخبر أن التكرار كانت عادته الغالبة علي كلماته الشريفة.

أي معلم أو مرب أو مرشد يفعل مثل ذلك؟

إنه رسول الله وكل من تعلّم في مدرسته.

يخوض فيما يحدثون

ب وروي عن زيد بن ثابت أنه قال:

(إن النبي كنا إذا جلسنا إليه إن أخذنا بحديث في ذكر الآخرة أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا، فكل هذا أحدثكم عن رسول الله)().

الدنيا، والطعام، والشراب، هي التي لا يفكر فيها رسول الله إطلاقاً وأبداً، ولكنه لكي يستبقي علي عواطف المسلمين، ولكي لا ينفروا منه كان يدخل في الحديث معهم في الدنيا، والطعام، والشراب.

يكرم بوسادته

ج وروي عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه أنه قال:

(دخلت علي رسول الله وهو متكئ علي وسادة، فألقاها إليّ، ثم قال: يا سلمان ما من مسلم دخل علي أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكراماً له إلا غفر الله له)().

ووسادته التي اتكأ هو عليها يلقيها إلي سلمان (رضوان الله عليه) تعميقاً في التلاحم بين القائد والقاعدة وتعليماً للمسلمين لكي يمارسوا هذا التلاحم في كل الأبعاد وكافة المجالات.

رمي ثوبه إليه

د وروي عن جرير بن عبد الله قال:

(إن النبي دخل بعض بيوته فامتلأ البيت()، ودخل جرير فقعد خارج البيت فأبصره النبي فأخذ ثوبه فلفه فرمي به إليه وقال: اجلس علي هذا، فأخذه جرير فوضعه علي وجهه فقبّله)().

فإنه يرمي بثوبه إلي واحد من المسلمين لكي يجلس عليه ولايجلس علي التراب تعميماً لوحدة أسلوب المعيشة بين القاعدة وبين قائدها.

يجلس علي التراب

ه وعن ابن عباس قال:

(كان رسول الله يجلس علي الأرض، ويأكل علي الأرض، ويعتقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك علي خبز الشعير)().

وهذا تنفيذ عملي لوحدة الحياة والمعيشة في المستوي الواحد بين الرسول وبين المرسل إليهم، إذ كان عدد من المسلمين لا يجدون آنذاك غير التراب يجلسون عليه، أو يأكلون عليه.

لا يعرف في مجلسه

و وعن أبي ذر أنه قال: (كان رسول الله يجلس بين ظهراني أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتي يسأل)().

لست بملك

ز وعن ابن مسعود أنه قال:

(أتي النبي رجل يكلمه فأرعد، فقال: هوّن عليك، فلست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القد)().

القد: هو القديد، وهو اللحم المجفف في الشمس.

يعني: أنا واحد مثلكم في معاشرتي الشخصية، فأمي امرأة غير مترفعة عن الناس في مأكلها، فهي كانت تأكل القد كما يأكل الجميع القد.

ويركب الحمار

ح وروي عن أنس بن مالك قال:

(كان رسول الله يعود المريض، ويتبع الجنازة، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار، وكان يوم خيبر ويوم قريظة والنضير علي حمار مخطوم بحبل من ليف، تحته إكاف من ليف)().

يبدأ بالسلام

ط وكان رسول الله إذا مر علي جماعة بدأهم بالسلام، حتي قال بعض أصحابه: إنه كلما أراد أن يبدأ النبي بالسلام إذا التقي به فإذا بالنبي يسبقه ويسلّم عليه().

ويعفو عن الأعرابي

ي وروي عن أنس: أن النبي أدركه أعرابي فأخذ بردائه، فجبذه جبذة شديدة حتي نظرت إلي صفحة عنق رسول الله وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال له: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك.

فالتفت إليه رسول الله فضحك وأمر له بعطاء().

مجلسه حلقة

يا روي عن أنس بن مالك خادم رسول الله قال:

(كنا إذا أتينا النبي جلسنا حلقة) ().

هذا الخلق الرفيع الذي لا يدع المجلس صدراً وذيلاً، ولا تهان كرامة أحد في المجلس لا عند الناس، ولا عند نفسه، فكل جالس في مثل هذا المجلس الدائري هو المبتدأ به، وهو الأخير، وهو الوسط.. هو الذي اتخذه الرسول لسياسة جلساته مع المسلمين..

وقد تعلم العالم هذا الخلق عن النبي الأكرم بعد ما سار التمدن فيه أكثر من عشرة قرون.

ولذلك تجد مجالس البرلمان، ومجالس الوزراء، ومجالس الساسة في كثير من بلدان العالم اليوم دائرية.

والحديث عن خلق النبي في معاشرته مع الأفراد طويل.. وطويل.. لاتأتي عليه هذه الصفحات.

ولكنا نكتفي بهذه النماذج لكي يتبعه القادة الإسلاميون في عصورنا فيعكسوا هذه الصورة الجميلة عن الإسلام وعن الرسول فيجلبوا الناس إلي سعادة الدنيا والآخرة في ظل الإسلام الجميل.. الجميل..

وإنك لعلي خلق عظيم

وفي آخر هذا الفصل نذكر خبراً مروياً عن ربيب رسول الله ومن فتح عينيه عند الولادة في وجه رسول الله ولم يفتحهما في وجه أحد قبله.

ومن غمض النبي عينيه في آخر لحظات حياته الكريمة في حجره ولم يغمضهما في حجر غيره، الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فهو الأعرف برسول الله فقد روي عنه عليه السلام أنه قال:

«ما صافح رسول الله أحداً قط فنزع يده من يده حتي يكون هو الذي ينزع يده.

وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث فانصرف حتي يكون الرجل هو الذي ينصرف.

وما نازعه أحد الحديث فيسكت حتي يكون هو الذي يسكت.

وما رئي مقدماً رجله بين يدي جليس له قط.

ولا خيّر له بين أمرين إلا أخذ بأشدهما.

وما انتصر لنفسه من مظلمة حتي ينتهك محارم الله فيكون حينئذ غضبه لله تبارك وتعالي.

وما

أكل متكئاً قط حتي فارق الدنيا.

وما سئل شيئاً قط فقال: لا.

وما رد سائل حاجة قط إلا بها أو بميسور من القول.

وكان أخف الناس صلاة في تمام.

وكان أقصر الناس خطبة وأقلهم هذراً.

وكان يعرف بالريح الطيب إذا أقبل.

وكان إذا أكل مع القوم كان أول من يبدأ وآخر من يرفع يده.

وكان إذا أكل أكل مما يليه فإذا كان الرطب والتمر جالت يده.

وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس.

وكان يمص الماء مصاً ولا يعبه عباً.

وكان يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وإعطائه.

فكان لا يأخذ إلا بيمينه ولا يعطي إلا بيمينه.

وكان شماله لما سوي ذلك من بدنه.

وكان يحب التيمن في كل أموره، في لبسه وتنعله وترجله.

وكان إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا تكلم تكلم وتراً، وإذا استأذن استأذن ثلاثاً.

وكان كلامه فصلاً يتبينه كل من سمعه.

وإذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه.

وإذا رأيته قلت: أفلج الثنيتين وليس بأفلج.

وكان نظره اللحظ بعينه.

وكان لا يكلم أحداً بشيء يكرهه.

وكان إذا مشي كأنما ينحط من صبب.

وكان يقول: إن خياركم أحسنكم أخلاقاً.

وكان لا يذم ذواقاً ولا يمدحه، ولا يتنازع أصحابه الحديث عنده.

وكان المحدث عنه يقول: لم أر بعيني مثله قبله ولا بعده» ().

أقول: هذا الحديث الشريف بحاجة ماسة إلي شرح طويل، أما ضيق مجالنا في هذا الكتاب يحملنا علي ترك شرحه إلي فرصة أخري..

ولكن هذا لا يمنعنا عن الإشارة في هذا المجال إلي أن من الضروري الأكيد لأي قائد سياسي إسلامي أن يتحلي بأكبر وأكثر ما يمكن من الخلق الرفيع والمعاملة العطوفة المحببة مع الناس لكي يجلبهم إلي حظيرة الإسلام، أو يبقيهم في الإسلام، فإن أفضل وأسهل وأسرع وأعمق العوامل لزرع المحبة في القلوب هي الأخلاق الفاضلة والمعاملة الإنسانية العطوفة مع الناس.

فإن ذلك من أعظم السياسة في إدارة الناس.

سياسته في المجالات الأخري

كل

تاريخ رسول الله سياسة وحكمة، في مختلف أبعادها ووجوهها..

فسياسته في جمع العساكر وسوق الجيش إلي الحرب..

وسياسته في كيفية الجمع بين القوة في الحرب وسرعة الانتصار وبين عدم الخروج عن إطار الإسلام والإنسانية.

وسياسته في معاملة الجرحي، والمعاقين، وأسرهم، وذويهم، ويتامي المقتولين، وأراملهم.

وسياسته في القضاء وفصل الخصومات بين أصحابه وكيفية التوفيق بين الفصل العادل، والقضاء الصحيح، وبين إبقاء الناس علي حبهم لله والرسول وفي إطار الإسلام.

وسياسته في جمع المال من الأغنياء، وأصحاب التجارات والمزارع، والمواشي، وغيرها، في الأخذ منهم، وإبقائهم علي حبهم للإسلام ولله تعالي والرسول.

وسياسته في توزيع الأموال بنسب مختلفة علي المسلمين والمنافقين، بل والمشركين من المؤلفة قلوبهم، في شتي المناسبات.

وسياسته في مجالسته مع المسلمين، ومع المنافقين، والحديث معهم، وحفظه علي الوقار والتواضع، والجمع بين ذلك كله.

وسياسته في دعوته لأقربائه، وللعشائر والقبائل، ولليهود والنصاري، للدخول في الإسلام، وكيفية الجمع بين الفقراء والأغنياء، والمستكبرين والمستضعفين، والآباء والأولاد، والرجال والنساء، استدراجاً لهم إلي الإيمان.

وسياسته في إظهار المعجزات، وكيف؟ ومتي؟ ولمن؟ بحيث يبقي علي المسلمين، ويدخل الكفار في الإسلام، وفي نفس الوقت لايكون كل فعل منه معجزة يعجز عنها الناس حتي يمكن اتخاذه أسوة ولا تبطل حكمة الله تعالي في بعث الرسل.

وسياسته في الجمع بين اللين والقوة، حتي لا يكون ليناً في ضعف، ولا متواضعاً في ذل، ولا قوة في خشونة، ولا شدة في عنف وغلظة.

وسياسته في الجمع بين صراحة الحق، وحياء الإسلام، فلا صراحة تطرد الناس، ولا حياء يحمل الطامعين علي استغلاله للعب بالإسلام.

وسياسته في الهجرة، وكيفيتها، وزمانها وطريقها، وأسلوبها، التي جمعت كل خير في ذاك اليوم ولمستقبل الإسلام حتي اليوم.

وسياسته في دعوته رؤساء الدنيا، والملوك إلي الإسلام، وأسلوبه، واختيار المبعوثين فيها، ووصاياه لهم.

وسياسته مع زوجاته، وتقسيم أوقاته،

بينهن والجمع بين مهامه العظيمة، ومسؤولية الرسالة، وبين إرضاء زوجاته علي اختلافهن في العمر، والقومية، واللسان، والشكل، والعادات.

وسياسته في تأسيس المساجد فوراً في أرجاء شبه الجزيرة العربية كلما سنحت له فرصة ليكون مجمعاً للمسلمين ومركزاً لانطلاق الدعوة، والحرب والقضاء، وجمع المال، وتوزيعه، وغير ذلك من مزاولة سياسة البلاد والعباد.

وسياسته في إبقاء جناحين متقابلين حوله باسم (المهاجرين) و(الأنصار) وتأييد كل منهما في مناسبة وأخري، وتشجيع كل منهما بالآخر، قولاً وعملاً.

وهكذا دواليك كل ما في سيرته الوضاءة، وتاريخه العظيم، فهي سياسة عظيمة وحكيمة حيرت عقلاء العالم في كل مكان وزمان.

كيف لا وهذه السياسات كلها بأمر الله تعالي خالق كل شيء والعالم بالأسرار، وهو القائل عز من قائل عن نبيه الأعظم:

?وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي علمه شديد القوي?().

فسياسة الرسول هي حكم الله تعالي، وحكم الله عزوجل هو أفضل وأجمع وأحكم سياسة لأنه الخالق العالم بكل شيء والقادر علي كل شيء.

هذا غيض من فيض، ورشف من بحر، وقليل من كثير، في سيرة الرسول وسياسته فيها وتعميقه إياها طيلة تاريخه الحافل بالمكرمات.

نسجل هذا لكي لا يتصدي لتعريف الإسلام من يجهل الإسلام.

وينقطع الطريق علي الذين يشوهون بأقلامهم الإسلام.

وتبرأ ساحة الإسلام الناصعة من كل ما يمارس باسم الإسلام في أكثر البلاد الإسلامية في هذا العصر مما الإسلام منه براء.

فالإسلام يؤخذ من سيرة الرسول وأهل بيته عليهم السلام.

ويعرف من خلال تاريخ النبي وأهل بيته عليهم السلام.

ويفسر بممارسات محمد بن عبد الله وأهل بيته عليهم السلام وكفي!

من هذا العرض الوجيز يستطيع القارئ أن يعرف كيف أن الإسلام والسياسة الصحيحة رضيعاً لبن.

وكيف أن أحدهما يفسر بالآخر.

فالسياسة الصحيحة هي الإسلام.

والإسلام هو السياسة الصحيحة.

فلا سياسة صحيحة إلا في الإسلام.

ولا إسلام إلا مع السياسة

الصحيحة.

وغير هذا الكلام باطل، ينقضه القرآن الحكيم، والسنة المطهرة، وسيرة النبي وتاريخ أهل بيته الأئمة الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام).

«يا علي: أنت محك هذه الأمة» ().

رسول الله

4 السياسة الرشيدة لأمير المؤمنين عليه السلام

4 السياسة الرشيدة لأمير المؤمنين عليه السلام

كان علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) هو المثل الآخر الصحيح الذي عكس سياسة الإسلام بكل دقة وروعة واستيعاب، بعد رسول الله.

ويدل علي ذلك المئات من آيات القرآن الحكيم التي نزلت، أو أولت، أو فسرت بعلي بن أبي طالب عليه السلام في تفضيله وأولويته.

وكذلك آلاف الأحاديث النبوية الشريفة التي ملأت كتب التفسير، والحديث، والتاريخ، ومنها ما يلي:

قال النبي:

«علي مع الحق والحق مع علي» ().

«علي مع القرآن والقرآن مع علي» ().

«يا عمار بن ياسر: إن رأيت علياً قد سلك وادياً، وسلك الناس وادياً آخر، فاسلك مع علي» ().

«أنا مدينة العلم وعلي بابها» ().

«أنا دار الحكمة وعلي بابها» ().

«علي مني بمنزلة رأسي من بدني» ().

إلي ما هنالك من أمثالها الكثير.. والكثير.. والكثير…

لذلك: كانت سياسة أمير المؤمنين عليه السلام العملية خير درس للقادة وللمسلمين في تطبيق حياتهم العملية السياسية عليها، كما كان ذلك بالنسبة لرسول الله فهو النبي وعلي عليه السلام الوصي()، وهو الصنو وعلي الصنو الآخر()، وهو العضد وعلي الذراع() كما وصف عليه السلام هو بذلك.

وفي هذا المجال المختصر، وبعد ما ذكرنا نماذج من سياسة الرسول في مختلف أدوار حياته الحافلة، نذكر نماذج أخري من سياسة أمير المؤمنين عليه السلام في شتي أحوال تاريخه العظيم ليكون شفعاً لتلك، ومنهاجاً حياً فضيلاً للجميع.

ودليل صدق علي حكمة الإسلام وعدله وإنسانيته في الحكومة والسيطرة والسيادة، لينتبه المغفلون.. وليلقم الظالمون حجراً فيسكتون.

وليكون كوة نفتح بها الطريق للباحثين ليكتبوا عن مختلف أدوار حكومة أمير المؤمنين علي عليه السلام بمختلف الأقلام، وفي شتي المستويات

لكي يُسد هذا الفراغ الهائل في المجتمع الإسلامي الذي يحن بكل شوق إلي معرفة هذه السيرة الوضاءة من خلال تحليلات ثابتة وصحيحة ورصينة..

خصوصاً في الآونة الأخيرة التي بدأ المسلمون في كل العالم يشعرون بعمق خطوط الاستعمار في البلاد الإسلامية، ويبحثون عن استقلال فكري في الحكم مبني علي أسس الإسلام الصحيحة وتطبيقها علي واقع الأمة الإسلامية المعاصرة.

وسيرة رسول الله وتاريخ أمير المؤمنين عليه السلام خير درس وأسوة لوضع لبنات الحكم الإسلامي المعاصر علي أسسهما.

وهذا الأمر بحاجة إلي آلاف الكتب المختلفة في هذا المجال.

ومن أسهل وأعمق الطرق إلي ذلك: التلاحم والتواصل الفكري المعمق بين الحوزة العلمية، والجامعة، لوضع صيغة صالحة وغنية بالصحة وإمكان التطبيق العملي في العصر الحاضر، للحكومة الإسلامية الإلهية الحقة، والله الموفق.

سياسة الحياة الشخصية

(القائد) كل شيء منه درس للشعب، ومنهاج للأجيال، ولذلك كان القائد متحملاً لما يمارسه الشعب نتيجة تعلمه منه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

والحياة الشخصية للقائد أدق مدرسة للأجيال المتمسكة بذلك القائد، ولهذا كان من سياسة أمير المؤمنين عليه السلام بناء حياته الشخصية علي الإيمان والزهد. وإليك نماذج من ذلك:

لا… للدنيا وما فيها

ما كان أهون عند علي بن أبي طالب عليه السلام من الدنيا وما فيها.

فالمال، والحكم، والسلطة، والفرش، واللباس، والقصور، والأكل، والشرب.. كلها عند علي عليه السلام لا شيء، إلا بمقدار الحاجة الضرورية. ولعل أعمق مثال للدنيا في منظار أمير المؤمنين عليه السلام ما أفصح عنه في كلمته الخالدة:

«والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق() خنزير في يد مجذوم» ().

يا لها من كلمة عظيمة.

عراق خنزير، في يد مجذوم.

الخنزير لا يرغب فيه، فكيف بعراقه.

والمجذوم لا يرغب فيما بيده ولو كانت الدنيا برمتها، لأن الدنيا برمتها لا تساوي عدوي الجذام الأكيد.

فكيف بعراق من خنزير وفي يد مجذوم.

من يرغب في مثل ذلك..

الإمام علي عليه السلام يعتبر الدنيا أهون من ذلك.

لم يضع لبنة علي لبنة

اخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (بحار الأنوار) عن (الكافي) رواية عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال:

«ولقد ولي علي عليه السلام خمس سنين فما وضع آجرة علي آجرة، ولا لبنة علي لبنة، ولا أقطع قطيعة، ولا أورث بيضاء، ولا حمراء» ().

ما وضع آجرة علي آجرة، يعني: ما بني بيتاً من آجر مطبوخ.

ولا لبنة علي لبنة، يعني: ما بني بيتاً من اللبن غير المطبوخة.

ولا أقطع قطيعة، يعني: لم يخص أرضاً وقطعة بنفسه.

ولا أورث بيضاء ولا حمراء، يعني: ما ترك إرثاً لورثته، لا فضة ولا ذهباً.

إلا إهاب كبش

أخرج بحار الأنوار، عن المناقب، عن (مسند أحمد بن حنبل)، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول:

«ما كان لنا إلا إهاب() كبش أبيت مع فاطمة بالليل، ونعلف عليها الناضح بالنهار» ().

يقتدي به المؤمنون

وأخرج أيضاً:

إنه رئي علي علي عليه السلام إزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم، ورئي عليه إزار مرقوع، فقيل له في ذلك، فقال عليه السلام:

«يقتدي به المؤمنون

ويخشع له القلب

وتذل به النفس

ويقصد به المبالغ

أشبه بشعار الصالحين

وأجدر أن يقتدي به المسلم» ().

تربية للنفس وتربية للمجتمع وقدوة وأسوة

وتوحيد المظهر والمخبر «أشبه بشعار الصالحين».

كلها تتجسد في إزار غليظ يلبسه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

هذا هو العمق المعنوي، والبعد الروحي، ونكران الذات، والتفاني في الله، كلها مجتمعة في شخصية القائد الإسلامي.

خرق كمه

وأخرج أيضاً عنه:

«إن علي بن أبي طالب عليه السلام نظر إلي فقير انخرق كم ثوبه، فخرق كم قميصه وألقاه إليه» ().

لم يغير ثيابه

أربع سنوات أو أكثر قضاها أمير المؤمنين عليه السلام بين الكوفة والبصرة، وهو الرئيس الأعلي للبلاد الإسلامية الواسعة الأطراف.

خلال هذه المدة الطويلة لم يشتر من مال المسلمين ثياباً لنفسه، ولم يأخذ من أموال البصرة والكوفة شيئاً لذلك.

بل ظل علي ثياب المدينة كل هذه المدة الطويلة، إلا إذا اشتري من عطائه الخاص كأضعف مستضعف من مسلم آخر في طول البلاد الإسلامية وعرضها.

فاقرأ النصوص التالية:

أخرج في البحار، عن المناقب، عن الأصبغ بن نباتة قال: توجه علي عليه السلام إلي أهل البصرة وقال: «يا أهل البصرة ما تنقمون مني، إن هذا لمن غزل أهلي وأشار إلي قميصه» ().

وقال: قال عليه السلام: «دخلت بلادكم بأشمالي هذه، ورحلتي وراحلتي ها هي، فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فإنني من الخائنين» ().

وأخرج في البحار، عن (كشف الغمة)():

قال هارون بن عنترة حدثني أبي قال: دخلت علي علي بن أبي طالب عليه السلام بالخورنق() وهو يرعد تحت سمل() قطيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله تعالي جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال ما يعم وأنت تصنع بنفسك ما تصنع.

فقال عليه السلام: «والله ما أرزأكم من أموالكم شيئاً وإن هذا لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي من المدينة ما عندي غيرها» ().

هل في هذه البلاد، وفيها مثل هذه السياسة الشخصية للقائد الأعلي، يصل الحيف بأحد؟

هل يعري أحد في ظل مثل هذا النظام؟

هل يجوع أحد هكذا؟

إنه الإسلام العظيم.

طعام أمير المؤمنين عليه السلام

في الوقت الذي عمت الخيرات بلاد المسلمين وبفضل الإسلام، فكان المسلمون وغير المسلمين يرفلون في نعيم من الطيبات.

وكانت الكوفة عاصمة أمير المؤمنين عليه السلام لا تجد بها إلا المنعم من الناس.

في مثل هذا الظرف تجد سيد الكوفة، وسيد البلاد الإسلامية، وزعيم الإسلام: أمير المؤمنين عليه

السلام لا يأكل حتي ما يأكله أدني الناس.

فانظر إلي النصوص التالية:

أخرج المجلسي رحمة الله عليه عن (فضائل أحمد): قال علي عليه السلام: «ما أصبح بالكوفة أحد إلا ناعماً، إن أدناهم منزلة ليأكل البر، ويجلس في الظل، ويشرب من ماء الفرات» ().

وقال الإمام الباقر عليه السلام في حديث: «كان علي بن أبي طالب ليطعم الناس خبز البر واللحم، وينصرف إلي منزله ويأكل خبز الشعير، والزيت والخل» ().

وعن سويد بن غفلة قال:

«دخلت علي علي بن أبي طالب عليه السلام العصر، فوجدته جالساً بين يديه صحفة فيها لبن حاذر أجد ريحه من شدة حموضته، وفي يده رغيف أري قشار الشعير في وجهه، وهو يكسره بيده أحياناً، فإذا غلبه كسره بركبته وطرحه فيه.

فقال عليه السلام: ادن فأصب من طعامنا هذا.

إلي أن قال: فقلت لجاريته وهي قائمة بقريب منه: ويحك يا فضة ألا تتقين الله في هذا الشيخ؟

ألا تنخلون له طعاماً.

إلي قوله: قال علي عليه السلام لي: ما قلت لها؟

قال: فأخبرته.

فقال عليه السلام: بأبي وأمي من لم ينخل له طعام، ولم يشبع من خبز البر ثلاثة أيام حتي قبضه الله» ().

يعني بذلك رسول الله.

لا يأكل اللحم في السنة إلا مرة

كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لا يأكل اللحم في السنة إلا مرة واحدة، في يوم عيد الأضحي وذلك لأن هذا اليوم هو اليوم الذي يأكل فيه كل المسلمين اللحم، من وفور لحم الأضاحي..

فلكي يواسي إمام الأمة أضعف الأمة، يأكل اللحم في ذلك اليوم فحسب.

هذا في أيام خلافته الظاهرية التي كانت مسؤولية الأمة برمتها عليه.

وقد نقل العلامة المجلسي (قدس سره) في (البحار)، عن القطب الراوندي في (الخرائج) قوله عليه السلام:

«واعلم أن إمامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه()..

يسد فورة جوعه بقرصيه()..

لا يطعم الفلذة() في

حوله إلا في سنة أضحيته» ().

الإمام علي أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لا يهمه أهل المدينة فحسب الذين يجدون غالباً اللحم يأكلونه، ولا ينظر إلي أهل الكوفة فقط التي تتوفر فيها اللحوم من كل الأنواع، من الغنم، والبقر، والإبل، والدجاج، والطيور، والأسماك.

وإنما يهمه أيضاً أقاصي بلاد الإسلام، وأهل الأرياف البعيدة، والفقراء الذين يسكنون الأخبية، فكلهم لا يجد اللحم كل يوم ليقتات به.

وما دام علي عليه السلام إمامهم جميعاً.

فكما عليهم أن يقتدوا به في أفعاله، يحتم علي نفسه أن يقتر علي نفسه في مطعمه وملبسه بل ومسكنه كأضعف رعيته.

عظيم جداً هذا الإنسان.

وعظيمة جداً هذه السيرة.

وعظيم جداً جداً… الإسلام الذي يربي هكذا قائد.

صوت القلي في بيته

من أغرب وأعجب ما حفظه التاريخ عن السيرة الشخصية لأمير المؤمنين عليه السلام أنه سمع ذات مرة صوت القلي في بيته فأنكر ذلك، لأنه لم يكن قلي لحم في بيت علي عليه السلام أيام خلافته.

أخرج الشيخ الجليل المفيد (رضوان الله عليه) بسنده عن ابن دأب في حديث مطول: «وسمع يعني: أمير المؤمنين عليه السلام مقلي في بيته فنهض وهو يقول: في ذمة علي ابن أبي طالب مقلي الكراكر؟().

قال: ففزع عياله وقالوا: يا أمير المؤمنين إنها امرأتك فلانة نحرت جزور في حيها فأخذ لها نصيب فأهدي أهلها إليها.

قال عليه السلام: فكلوا هنيئاً مريئاً.

وإنما خاف عليه السلام أن يكون ذلك هدية من بعض الرعية، وقبول الهدية لوالي المسلمين خيانة للمسلمين» ().

يعرف من هذا الحديث: إن وجود اللحم في بيت أمير المؤمنين عليه السلام أيام خلافته كان شيئاً يدعو إلي العجب والغرابة.

ورقابة أمير المؤمنين علي عليه السلام للتصرفات الشخصية في بيته كانت دقيقة وحذرة، بحيث يعتبر عليه السلام قلي كراكر مرة واحدة في تاريخه أمراً يكون علي

عليه السلام هو المسؤول عنها إذ يقول: «في ذمة علي بن أبي طالب مقلي الكراكر».

ثم يفزع عياله لذلك: لما يعرفون من علي عليه السلام من الحزم والصرامة في الحق، ولكي يخبروه عليه السلام بأنهم لم يخالفوا إرادته ولا أخفوا في بيته عنه ما لا يرضاه.

ومع هذا كله: فلا يمانع صلة الرحم بين زوجته وأقربائها، بل يشجع ذلك ويدعو لهم.. ويخصهم بدعائه، لأن علياً لا يأكل من ذلك في وقت ليس كل المسلمين يجدون مثله..

هل رأي التاريخ بعد النبي عظيماً كهذا؟

فليعرفوه لنا!

لا.. لاحتكار أموال الأمة

كان علي أمير المؤمنين عليه السلام لا يحتكر أموال المسلمين، اقتداءً برسول الله، بل يعمد إلي توزيعها فور وصولها إليه.

وهكذا يجب أن يكون القائد الإسلامي.

انظر النص التالي:

روي ابن شهر آشوب رحمة الله عليه في كتاب (مناقب آل أبي طالب) عن سالم الجحدري قال:

«شهدت علي بن أبي طالب عليه السلام أتي بمال عند المساء، فقال: اقتسموا هذا المال. فقالوا: قد أمسينا يا أمير المؤمنين فأخره إلي غد.

فقال لهم: تقبلون لي أن أعيش إلي غد؟

قالوا: ماذا بأيدينا؟

فقال: لا تؤخروه حتي تقسموه.

فأتي بشمع فقسموا ذلك المال من تحت ليلتهم» ().

أي قائد في عالم اليوم يفعل مثل ذلك؟

لا أحد تجد هكذا.

إذن نعلم بحق كيف استطاع أمير المؤمنين علي عليه السلام بسيرته الوضاءة أن يحكم التاريخ حتي اليوم وغدي بكل عظمة وإجلال نبراساً يقتدي به.

وربما ينبري سؤال: لماذا التقسيم في المساء ولا يستفيد المسلمون منه إلا في الغد؟

قد يجاب لأسباب:

الأول: زوال المسؤولية عن القائد المؤمن الذي يري المسؤولية أعظم ما يثقل كاهله.

الثاني: اطمئنان بعض المحتاجين من المؤمنين إلي هذا المال فيقرروا مصير غدهم المالي به.

الثالث: التعجيل في الخير مطلقاً الذي وردت به الآيات والروايات.

مثل قوله تعالي: ?وسارعوا إلي مغفرة

من ربكم?().

وقوله سبحانه: ?ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين?().

وقوله عز من قائل: ?إنهم كانوا يسارعون في الخيرات?().

وقوله تعالي: ?أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون?().

وقد ورد في الحديث الشريف: «فتعجل الخير ما استطعت» ().

لا يأخذ لنفسه

وجاء في سيرة أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه كان يقسم الأموال، ولا يأخذ لنفسه منها شيئاً في حين أنه كان بحاجة إليها.

أخرج ابن شهر آشوب رحمة الله عليه في (المناقب): أنه عليه السلام كان يأتي عليه وقت لا يكون عنده قيمة ثلاثة دراهم يشتري بها إزاراً، وما يحتاج إليه، ثم يقسم كل ما في بيت المال علي الناس ثم يصلي فيه ويقول: «الحمد لله الذي أخرجني منه كما دخلته» ().

البساطة في الحياة

البساطة في الحياة الشخصية مما عرف بها أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) فكان لايعبأ بالتجملات إطلاقاً، ولا يصرف ثواني من وقته في سبيلها.

وهكذا ينبغي أن يكون القائد الإسلامي لكي يصرف أوقاته كلها في أمور المسلمين والمستضعفين.

أورد المجلسي رحمة الله عليه في (البحار) عن (المناقب)، عن أبي الجيش البلخي قال: «إن علي بن أبي طالب عليه السلام اجتاز بسوق الكوفة فتعلق به كرسي فتخرق قميصه، فأخذه بيده، ثم جاء إلي الخياطين فقال: خيطوا لي ذا بارك الله فيكم» ().

وعن الأشعث العبدي قال:

«رأيت علياً عليه السلام اغتسل في الفرات يوم جمعة، ثم ابتاع قميصاً كرابيس بثلاثة دراهم، فصلي بالناس الجمعة وما خيط جربانه بعد» ().

وعن الزمخشري قال:

«إن علياً عليه السلام اشتري قميصاً فقطع ما فضل عن أصابعه ثم قال للرجل: حصه، أي خط كفافه» ().

«وجاء علي عليه السلام إلي الحلاق، فأراد أن يأخذ من شاربه، وكان عليه السلام مشتغلاً بذكر الله تعالي تتحرك شفتاه، فقال له الحلاق: يا أمير المؤمنين كف عن الذكر لحظة حتي يعتدل الشارب، فقال علي عليه السلام: الأمر أسهل من ذلك ولم يترك الذكر لحظة..».

نعم في الحديث الشريف: «إن الله جميل يحب الجمال» ().

لكن الجمال ليس للمادة فقط، بل للروح والمعنويات جمال

أيضاً، وجمالهما أجمل من جمال الماديات.

والإمام أمير المؤمنين عليه السلام يعرف تماماً نسبة الجمال بعضه إلي بعض ويختار الجمال الأهم علي الجمال المهم..

فذكر الله لحظة جمال أهم.

وتجميل الشارب جمال مهم.

نسبة الإرث إلي الدين

معظم الناس عندما يموتون تكون تركتهم أكثر من ديونهم، فتقضي الديون، وما يفضل يكون إرثاً للورثة يوزع عليهم.

أما أمير المؤمنين عليه السلام فكان بالعكس تماماً، إنه قُتل وديونه أضعاف تركته.

ديونه كانت أكثر من مائة ضعف بالنسبة لتركته.

كانت تركته سبعمائة درهم فضلت عن عطائه أراد أن يبتاع بها لأهله خادماً.

وكانت ديونه ثمانمائة ألف درهم().

وقد مر بيان ذلك عند ذكر سياسة النبي.

يبيع سيفه للإزار

أخرج ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) عن مجمع عن أبي رجاء، قال: أخرج علي عليه السلام سيفاً إلي السوق فقال: من يشتري مني هذا، فوالذي نفس علي بيده لو كان عندي ثمن إزار ما بعته.

فقلت له: أنا أبيعك إزاراً، وأنسئك ثمنه إلي عطائك.

فدفعت إليه إزارا إلي عطائه.

فلما قبض عطاءه دفع إلي ثمن الإزار().

ويقسم هداياه علي المسلمين

وكان من عادة أمير المؤمنين علي عليه السلام التي عرفت فأثرت عنه أنه لم يكن ليحتكر الهدايا الشخصية التي تهدي إليه، لنفسه فقط، بل كان يوزعها علي المسلمين أحياناً، أو يشركهم مع نفسه فيها.

لنقرأ جميعاً النصوص التالية:

أخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه في البحار عن (المناقب):

قال حكيم بن أوس: أتي إلي أمير المؤمنين عليه السلام بأحمال فاكهة فأمر ببيعها، وأن يطرح ثمنها في بيت المال().

وقال أيضاً: كان علي عليه السلام يبعث إلينا بزقاق العسل فيقسم فينا، ثم يأمر أن يلعقوه().

وعن عاصم بن ميثم قال: إنه أهدي إلي علي عليه السلام سلال خبيص له خاصة، فدعا بسفرة، فنثره عليها ثم جلسوا حلقتين يأكلون().

وعن أبي حريز قال: إن المجوس أهدوا إلي علي عليه السلام يوم النيروز جامات من فضة فيها سكر، فقسم عليه السلام السكر بين أصحابه وحسبها من جزيتهم().

قال: وبعث دهقان إلي علي عليه السلام بثوب منسوج بالذهب، فابتاعه منه عمرو بن حريث بأربعة آلاف درهم إلي العطاء().

عظيم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وعظيم… وعظيم جداً.

يُهدي إليه ثوب منسوج بخيوط الذهب، يساوي أربعة آلاف درهم، فيبيعه ليجعل ثمنه في بيت المال.

ثم يشتري ثوباً غليظاً بثلاثة دراهم ويلبسه ويشكر الله.

أين يوجد له مثيل؟

إنها مدرسة الإسلام، وتربية رسول الله وسياسة السماء.

يستقي ويحتطب

وكان أمير المؤمنين علي عليه السلام كأقل الفقراء مالاً، يستقي الماء من البئر بنفسه، ويحتطب بيديه الكريمتين، ليكون أسوة حسنة لعامة المسلمين عبر التاريخ الطويل، وقدوة عملاقة لزعماء المسلمين.. وكذلك كان يقوم بسائر شؤونه الشخصية بنفسه.

فقد نقل الشيخ الكليني (رضوان الله عليه) وغيره، في (الكافي) وغيره، بسندهم عن زيد بن الحسن عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«كان علي عليه السلام أشبه الناس طعمة وسيرة

برسول الله.

كان يأكل الخبز والزيت ويطعم الناس الخبز واللحم.

وكان عليه السلام يستقي ويحتطب» ().

وكان يرقع مدرعته بنفسه.

وكان يخيط ثوبه بنفسه.

وكان يخصف نعله بنفسه().

وبكلمة مختصرة: كان عليه السلام لا يلقي كَلّه علي أحد، وكان يزاول شؤونه الشخصية بنفسه، فلا يترفع عن الناس في شيء، بل يعيش دون معيشة أغلب الناس، وهو الذي رفعه الله تعالي علي سائر الأولياء والأئمة والأنبياء عليهم السلام ما عدا رسول الإسلام (صلي الله عليهما وآلهما) الذي قال عنه: «أنا عبد من عبيد محمد» ().

وهكذا كانت السيرة الخالدة العملاقة لأمير المؤمنين عليه السلام تنتج النتائج التالية:

1: جعلت علياً عليه السلام في رأس قائمة العظماء بعد رسول الله.

2: حطمت طواغيت البشرية في الماضي، والحاضر، والمستقبل.

3: علمت طريق الإنسانية والعظمة للقادة، وللشعوب.

وهكذا تربي السياسة الإسلامية مثل علي بن أبي طالب عليه السلام.

وقد ذكر هو عليه السلام فلسفة هذا الزهد فقال:

«إن الله جعلني إماماً لخلقه، ففرض عليّ التقدير في نفسي، ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس، كي يقتدي الفقير بفقري، ولا يطغي الغني غناه» ().

لا.. للهدية

الهدية التي تهدي لأصحاب الحكم كثيراً ما يراد بها استمالة قلب الحاكم لكي يبطل بها الحق، أو يحق الباطل.

ولذا كان التأكيد شديداً في الأحاديث الشريفة علي تحاشي الحكام والقضاة ومن بيدهم الحول والطول، والحل والعقد، من قبول الهدايا. قطعاً لهذه الجذور التي تدع المجتمع غير آمن من الظلم والحيف والإجحاف.

أخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (البحار) عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في قول الله عزوجل: ?أكالون للسحت?():

قال عليه السلام: «هو الرجل يقضي لأخيه الحاجة ثم يقبل هديته» ().

وأخرج أيضاً عن جابر بن عبد الله قال:

«هدية الأمراء غلول» ().

وأخرج الشيخ الأنصاري رحمة الله عليه في (المكاسب) عن أمير المؤمنين عليه

السلام قال: «وإن أخذ يعني الوالي هدية كان غلولا» ().

وما ورد:

«إن هدايا العمال غلول» ().

وفي حديث آخر:

«هدايا العمل سحت» ().

والإمام أمير المؤمنين عليه السلام كان سيداً في كل الفضائل، لذلك كان لايقبل الهدايا الشخصية لنفسه، كي لا يطمع فيه أحد، ولا يأمل أحد في إمكان استمالته عليه السلام..

وهو عليه السلام يذكر واقعة واحدة أهدي فيها إليه شخص هدية فردها عليه السلام، وهو يصيغ الموقف في هذه الصيغة الفولاذية التالية:

قال عليه السلام في بعض خطبه بعد ما ذكر قصة عقيل ورده عليه السلام له: «وأعجب من ذلك() طارق طرقنا بملفوفةٍ() في وعائها، ومعجونة شنئتها () كأنما عجنت بريق حية أو قيئها.

فقلت: أصلة، أم زكاة، أم صدقة()؟ فذلك محرم علينا أهل البيت.

فقال: لا ذا، ولا ذاك، ولكنها هدية.

فقلت: هبلتك الهبول().

أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟

أمختبط أنت()؟

أم ذو جنة()؟

أم تهجر؟ ().

والله.. لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها علي أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة() ما فعلته.

وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها» ().

هكذا يعامل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام نفسه حتي لا يخافه مظلوم، ولا يطمع فيه ظالم.

وما دام الحق هو هكذا.

و «علي مع الحق، والحق مع علي يدور معه حيثما دار» ().

فلا غرو إذاً في مثل هذه الأساليب الشجاعة في تاريخ أمير المؤمنين عليه السلام.

فعلي الحكام، والقضاة، والرؤساء أن يطبقوا سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في حياتهم الشخصية أولاً، لكي يأمن المجتمع من الظلم والحيف، ثم يطبقوا سيرته عليه السلام في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية وما إليها.

سياسة معاملة الأقرباء

لم يكن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كحكام الدنيا يجعلون الأولوية في الرغبات لأقربائهم، فإذا

فضل منها شيء جعلوها في سائر الناس.

بل كان عليه السلام فيما يتعلق بعامة المسلمين لا يفرق أقرباءه عن غيرهم، وإنما كان ليساوي بينهم وبين غيرهم في مختلف المجالات.

وهذه هي السياسة الإسلامية الرشيدة التي طبقها أمير المؤمنين عليه السلام علي نفسه وعلي أقربائه قبل أن يطبقها علي سائر الناس، ويطالبهم بالعمل عليها.

فمن أراد سياسة الإسلام فليتعلم من علي بن أبي طالب تلميذ رسول الله وربيب القرآن، وحجة الله علي الخلق أجمعين.

وفيما يلي نذكر نماذج من كيفية معاملته مع أقربائه في الأمور العامة.

مع أخيه عقيل

روي الشيخان الجليلان الكليني رحمة الله عليه في الكتاب الشريف (الكافي) والمفيد رحمة الله عليه في (الاختصاص) بأسانيدهما الصحيحة عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«لما ولي علي عليه السلام صعد المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال:

إني والله لا أرزؤكم من فيئكم درهماً ما قام لي عذق بيثرب فليصدقكم أنفسكم، أفتروني مانعاً نفسي ومعطيكم.

قال: فقام إليه عقيل فقال له:

والله.. لتجعلني وأسود بالمدينة سواء!!

فقال عليه السلام: اجلس، أما كان هاهنا أحد يتكلم غيرك؟ وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوي» ().

ليس لأخ أمير المؤمنين، أخ سيد الأوصياء، أخ الرئيس الأعلي للمسلمين فضل علي غيره في العطاء والمال.

إنما الفضل عند الله بسابقة في الإسلام، وبتقوي من الله.

ومع عقيل أيضاً

أخرج ابن شهر آشوب في (المناقب) عن (جمل أنساب الأشراف) قال:

«قدم عقيل علي علي عليه السلام فقال للحسن عليه السلام: اكس عمك، فكساه قميصاً من قميصه، ورداءً من أرديته.

فلما حضر العشاء فإذا هو خبز وملح.

فقال عقيل: ليس إلا ما أري؟

فقال عليه السلام: أوليس هذا من نعمة الله فله الحمد كثيراً؟

فقال عقيل: أعطني ما أقضي به ديني، وعجل سراحي حتي أرحل عنك.

قال عليه السلام: فكم دينك يا أبا يزيد؟

قال: مائة ألف درهم.

قال عليه السلام: والله ما هي عندي ولا أملكها، ولكن اصبر حتي يخرج عطائي فأواسيكه، ولولا أنه لابد للعيال من شيء لأعطيتك كله.

فقال عقيل: بيت المال في يدك وأنت تسوفني إلي عطائك؟ وكم عطاؤك، وما عسي يكون، ولو أعطيتنيه كله؟

فقال عليه السلام: ما أنا وأنت فيه إلا بمنزلة رجل من المسلمين.

وكانا يتكلمان فوق قصر الإمارة مشرفين علي صناديق أهل السوق

فقال له علي عليه السلام: أن أبيت يا أبا يزيد ما أقول فانزل إلي بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله وخذ ما

فيه.

فقال: وما في هذه الصناديق؟

قال: فيها أموال التجار.

قال: أتأمرني أن أكسر صناديق قوم قد توكلوا علي الله وجعلوا فيها أموالهم؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فأعطيك أموالهم وقد توكلوا علي الله وأقفلوا عليها.

ثم قال له علي عليه السلام في صيغة استثارة إيمانه وخلقه:

وإن شئت أخذت سيفك وأخذت سيفي وخرجنا جميعاً إلي الحيرة فإن بها تجاراً مياسير، فدخلنا علي بعضهم وأخذنا ماله.

فقال عقيل: أو سارق جئت؟

قال: تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعاً» ().

هذه هي خلاصة السياسة الإسلامية مع الأقرباء في منطق أمير المؤمنين عليه السلام.

إنه عليه السلام يعتبر إعطاء شيء زائد لأخي خليفة الله في الأرض سرقة من المسلمين جميعاً.

وكذلك مع أخيه عقيل

وجاء في الخطبة (224) من (نهج البلاغة) ما يلي:

«والله لقد رأيت عقيلاً وقد أملق() حتي استماحني من بركم صاعا() ورأيت صبيانه شعث الشعور() غبر الألوان() من فقرهم، كأنما سودت وجوههم بالعظلم().

عاودني مؤكداً، وكرر عليّ القول مردداً.

فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني، وأتبع قياده() مفارقاً طريقتي.

فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها.

فضج ضجيج ذي دنف() من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها().

فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل.()

أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني إلي نار سجرها جبارها لغضبه؟

أتئن من الأذي، ولا أئن من لظي؟» ().

في هذه الجمل غرائب.. وغرائب يذكرها الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) فيما لو أردنا أن نقيسها بما يمارسه الحكام، والقضاة، والموظفون..

وللملاحظة نذكر ما يلي:

«استماحني من بركم» فالطعام للأمة، وليس لأمير المؤمنين، وإن كان رئيساً أعلي وإماماً من الله تعالي علي الناس أجمعين.

«أبيعه ديني» في منطق أمير المؤمنين عليه السلام إعطاء صاع واحد أي: ثلاثة كيلوات من حنطة المسلمين إلي أخيه عقيل

الفقير.. الفقير.. الذي أغبر لون أولاده من الجوع، هذا بيع الدين..

«فأحميت له حديدة» عقيل كان آنذاك مكفوفاً لا يبصر، فأحمي له الإمام حديدة، وقرب الحديدة من جسمه، ولم يلصقها به، فقط لكي يتصور عقيل أن الحرارة مصير المخالف للحق، فيعذر أخاه أمير المؤمنين عليه السلام في منعه صاعاً من البر زيادة علي عطائه وحقه.

«ثكلتك الثواكل» إن هذا الأمر البسيط عند كثير من الناس عظيم عند علي بن أبي طالب عليه السلام حتي ليستحق أن يقول لأخيه في مثل ذلك: «ثكلتك الثواكل».

ذلك: لأن الحق عظيم، وان كان صغيراً وقليلا.

«ولا أئن من لظي» في فلسفة أمير المؤمنين عليه السلام يعتبر خيانة صاع واحد من أموال المسلمين مستوجباً لنار جهنم..

فليفتح الرؤساء، والحكام، والوزراء، والموظفون أبصارهم، لكي يحسنوا معرفة موقفهم، ومسؤوليتهم..

ومع أخته

أخرج الشيخ الجليل المفيد رحمة الله عليه في (الاختصاص) حديثاً مطولاً جاء فيه: «ثم ترك يعني أمير المؤمنين عليه السلام التفضيل لنفسه وولده علي أحد من أهل الإسلام.

دخلت عليه أخته أم هاني بنت أبي طالب فدفع إليها عشرين درهماً.

فسألت أم هاني مولاتها العجمية فقالت: كم دفع إليك أمير المؤمنين؟

فقالت: عشرين درهماً.

فانصرفت مسخطة.

فقال لها علي عليه السلام: انصرفي رحمك الله ما وجدنا في كتاب الله فضلاً لإسماعيل علي إسحاق().

أخت أمير المؤمنين، بنت أبي طالب، بنت عم النبي هاشمية قرشية عربية أصيلة يجب أن لا تفضل في العطاء علي مولاة أعجمية.

هذه سياسة الإسلام العادلة التي مثلها أمير المؤمنين عليه السلام لكي يكون الميزان الصحيح عبر كل الأجيال والعصور، يوزن به القادة في كل زمان ومكان.

ومع ابنته

روي المؤرخون: «إنه بعث إلي أمير المؤمنين عليه السلام من البصرة من غوص البحر بتحفة لا يدري ما قيمته، فقالت له ابنته أم كلثوم: يا أمير المؤمنين أتجمل به ويكون في عنقي؟

فقال علي عليه السلام لخازن بيت المال أبي رافع: يا أبا رافع أدخله إلي بيت المال.

ثم قال لابنته: ليس إلي ذلك سبيل حتي لا تبقي امرأة من المسلمين إلا ولها مثل مالك» ().

بنت أمير المؤمنين عليه السلام ينبغي لها أن لا تلبس ما لا تلبسه جميع النساء المسلمات.

وهل لهذه النادرة نظير في قاموس السياسة والسياسيين؟

وهل نساء القادة يكون مستوي معيشتهن وملابسهن كأضعف نساء الشعوب؟

تلك هي سياسة الإسلام التي ندعو العالم إليها، لينعم الجميع في ظل الكرامة الإنسانية التي جعلها الله للإنسان، وخلق الإنسان لها.

ومع زوجته

وأخرج (المناقب) عن أم عثمان أم ولد أمير المؤمنين عليه السلام.

قالت: «جئت علياً عليه السلام وبين يديه قرنفل مكتوب في الرحبة، فقلت: يا أمير المؤمنين هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة.

فقال عليه السلام: هاك ذا، ونفذ بيده إليّ درهماً.

ثم قال عليه السلام: فإنما هذا للمسلمين أولاً، فاصبري حتي يأتينا حظنا منه فنهب لابنتك قلادة» ().

ومع صهره

عبد الله بن جعفر الطيار، ابن أخيه، وصهره علي ابنة عقيلة الهاشميين زينب الكبري عليها السلام.

وكان رجلاً صالحاً مؤمناً، من سادات بني هاشم، كريماً يطعم الناس، وله سفرة مفتوحة صيفاً وشتاءً، وليلاً ونهاراً.

ضاقت عليه الدنيا ذات مرة، فجاء إلي عمه أمير المؤمنين عليه السلام وقال: يا أمير المؤمنين لو أمرت لي بمعونة أو نفقة فوالله مالي نفقة إلا أن أبيع دابتي.

فقال عليه السلام له: لا والله ما أجد لك شيئاً إلا أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك().

هذه هي سيرة أمير المؤمنين عليه السلام مع أقربائه!

تطبيق دقيق لسياسة الإسلام في كل المستويات.

سياسة علي عليه السلام مع موظفيه

رقابة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للموظفين كانت في رأس سياسته الإدارية لهم.

إن علي بن أبي طالب عليه السلام لا يريد الموظفين لكي يسبحوا باسمه شأن كثير من الحكام والساسة وإنما يريدهم يسبحون باسم الله تعالي، يريدهم علي طريق الله دقيقاً وكاملاً ودائماً، لذلك: فكما تم نصبهم علي يده، كذلك يري نفسه مسؤولاً عن تصرفاتهم.

فكان ينصحهم، ثم يوجههم، ثم يعاتبهم علي تصرفات غير لائقة، ثم إن لم يفد ذلك كله كان يعمد إلي عزلهم، وعقوبتهم إن استحقوا العقوبة.

فالحصانة الدبلوماسية، والحصانة الإدارية، وحصانة الوظيفة، ونحو هذه المصطلحات لا مفهوم لها عند علي بن أبي طالب عليه السلام إذا خرج الدبلوماسي عن الحق، وجار الإداري، وعمد الموظف إلي ما لا يليق به من إجحاف، أو ظلم، أو عدم اهتمام بالأمة..

فالأصل في اختيار الموظف وإبقاء الموظف هو واحد في منطق أمير المؤمنين عليه السلام لايختلف أحدهما عن الآخر:

(الله: والأمة) هذا هو الأصل الأصيل في اختيار الموظف، وهذا هو الأصل الأصيل في الإبقاء علي الموظف.

وقد حفظ التاريخ في هذا المجال: أن بعض المقربين إلي أمير المؤمنين عليه السلام

فعل ما استوجب به العقوبة، ففر عن علي عليه السلام، فأخذوه إلي أمير المؤمنين عليه السلام فقال للإمام:

«والله إن المقام معك لذل، وإن تركك لكفر» ().

يريد بذلك: أنك لا تفرق بين أصدقائك وغيرهم ولا تسامحهم بما لاتسامح به غيرهم.

عزل الوالي فوراً

ذكر في التاريخ: إن امرأة من بني همدان اسمها (سودة بنت عمارة) شكت إليه والياً فعزله الإمام عليه السلام والتفصيل كما يلي:

أخرج الإربلي في (كشف الغمة) عن كتاب (ابن طلحة) عن سودة بنت عمارة الهمدانية في حديث دخولها علي معاوية قالت: «والله لقد جئته تعني أمير المؤمنين عليه السلام في رجل كان قد ولاّه صدقاتنا فجار علينا.

فصادفته قائماً يصلي، فلما رآني انفتل من صلاته ثم أقبل علي بلطف ورفق ورحمة وتعطف وقال:

ألك حاجة؟

قلت: نعم، فأخبرته الخبر.

فبكي عليه السلام ثم قال: رافعاً طرفه إلي السماء: «اللهم أنت الشاهد عليّ وعليهم، وأني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك».

ثم أخرج عليه السلام قطعة جلد فكتب فيها:

«بسم الله الرحمن الرحيم ?قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين?().

فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتي يقدم عليك من يقبضه. والسلام».

قالت: ثم دفع الرقعة إلي، فوالله ما ختمها بطين، ولا خذمها، فجئت بالرقعة إلي صاحبه، فانصرف عنا معزولاً» ().

وللبحث الفقهي والحكم الشرعي في هذه المسألة مجال آخر واسع غير مثل هذا الكتاب الذي وضع لبيان النقاط في اختصار، والإلمام السريع بسيرة أمير المؤمنين علي عليه السلام السياسية، لكي نستلهم منها ومن سيرة النبي دروس السياسة الصحيحة في تاريخنا المعاصر.

التعليم العملي للوالي

أخرج الإربلي أيضاً عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال:

«وكان عليه السلام قد ولي علي عكبرا () رجلاً من ثقيف، قال: قال لي علي عليه السلام: إذا صليت الظهر غداً فعد إليّ، فعدت إليه في الوقت المعين…

فوجدته جالساً وعنده قرح وكوز ماء، فدعا بوعاء مشدود مختوم.

فقلت في نفسي: قد أمنني حتي

يخرج إليّ جوهراً.

فكسر الختم وحله فإذا فيه سويق.

فأخرج منه، فصبه في القدح، وصب عليه ماءً، فشرب وسقاني، فلم أصبر.

فقلت له: يا أمير المؤمنين أتصنع هذا في العراق وطعامه كما تري في كثرته.

فقال: أما والله ما أختم عليه بخلاً به، ولكني أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن ينقص، فيوضع فيه من غيره، وأنا أكره أن أدخل بطني إلا طيباً.

فلذلك احترز عليه كما تري.

ثم قال عليه السلام: فإياك وتناول ما لا تعلم حله» ().

العزل لرفع الصوت

أخرج النوري رحمة الله عليه في (مستدرك الوسائل) عن كتاب (غوالي اللئالي) قال: «روي أن أمير المؤمنين عليه السلام ولي أبا الأسود الدؤلي القضاء ثم عزله.

فقال أبو الأسود له: لم عزلتني وما خنت ولا جنيت؟

فقال عليه السلام: «إني رأيت كلامك يعلو كلام خصمك» ().

المتخاصمان إنسانان محترمان في منطق الإسلام، وليس للقاضي أن يهينهما بأية إهانة، ورفع الصوت نوع إهانة، وليس ذلك من أدب الإسلام في القضاء..

(إذن) ينبغي أن يعزل القاضي الذي يمارس ذلك، وإن كان مثل أبي الأسود الدؤلي في علمه وفضله، وخلقه وقربه من أمير المؤمنين عليه السلام فإن الحق لا مداهنة فيه في منطق علي بن أبي طالب عليه السلام.

وقد كتب المحدث القمي رحمة الله عليه عن أبي الأسود الدؤلي ما يلي:

«أبو الأسود الدؤلي، أحد الفضلاء الفصحاء من الطبقة الأولي من شعراء الإسلام، وشيعة أمير المؤمنين عليه السلام وكان من سادات التابعين وأعيانهم.

وهو بصري يعد من الفرسان والعقلاء» ().

وهو واضع علم النحو بإشارة من أمير المؤمنين عليه السلام.

أرفع إليّ حسابك

بالرغم من أن سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في حياة رسول الله وبعد وفاته في حياة من تقدمه كانت خير معرف له عليه السلام في مستقبل حياته، وكان الولاة والموظفون الذي يبثهم هنا وهناك يعرفون أسلوب أمير المؤمنين عليه السلام جيداً..

لكن مع ذلك كله لم يكن ليفوت علياً عليه السلام مراقبة أحوال ولاته وعماله ومحاسبتهم لكي لا يظلم بعضهم الناس..

كتب عليه السلام إلي بعض ولاته وقد بلغه عنه بعض سوء التصرف:

«أما بعد فقد بلغني عنك أمر إن كنت قد فعلته فقد أسخطت ربك

وعصيت إمامك.

وأخزيت أمانتك.

بلغني: أنك جردت الأرض، فأخذت ما تحت قدميك، وأكلت ما تحت يديك.

فارفع إليّ حسابك.

واعلم: أن حساب الله أعظم من حساب الناس

والسلام» ().

الناس في منطق الإسلام أحرار، لا يطالب أحد منهم بحساب، ولايقال لأحد منهم: (من أين لك هذا) قضاءً لحكم الله تعالي العام الشامل:

«ضع أمر أخيك علي أحسنه» ().

الذي يصطلح عليه الفقهاء ب(أصالة الصحة) طبعاً إلا في بعض حالات استثنائية من باب (المهم والأهم) المستفادين من نفس الشريعة الإسلامية:

أما الوالي، والحاكم، والعامل والموظف الكبير، فيقال له: «من أين لك هذا»؟.

ويحاسب في أمواله، وما عنده.

ويهدد بحساب الله الذي هو أعظم.. وأشد.

إرساءً للعدل، وأماناً للأمة عن الظلم والحيف.

لئن خنت

كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلي بعض عماله وهو زياد بن أبيه، وهو خليفة عامله عبد الله بن عباس علي البصرة كتاباً كما يلي:

«وإني أقسم بالله صادقاً لئن بلغني أنك خنت من فيء المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً …

لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر، ضئيل الأمر والسلام» ().

(العامل) يعني الموظف الذي يختاره الإمام عليه السلام لسياسة البلدان وإدارتها لابد وأن يتوفر فيه شرطان:

العلم، والعدالة.

فيجب أن يكون عالماً بأحكام الإسلام، والحلال والحرام، وكيفية الوساطة في الأمور بين الله تعالي وبين خلقه.

ويجب أن يكون عادلاً، مؤمناً، خيراً، لا فاسقاً، ظالماً، مجحفاً.

والعامل الذي اجتمع فيه العلم والعدالة لماذا كل هذا التهديد الشديد معه؟

إنه صرامة الحق، وحدّته التي هي أشد من حد السيف..

فخيانة أموال المسلمين خيانة للمسلمين، وخيانة لأمير المؤمنين، وخيانة لله تعالي.

ومن مارس مثل هذه الخيانات المجتمعة يستحق مثل هذا التقريع.

هكذا يؤدب أمير المؤمنين علي عليه السلام عمال البلاد في سياسة الإسلام، وهكذا ينبغي أن يكون تأديب الإمام للولاة، والعمال، والموظفين، لكي يأمن المسلمون من الخيانة والحيف.

وقد قال الإمام علي عليه السلام في كلام آخر له:

«وإن أعظم الخيانة خيانة الأمة

وأفظع الغش غش الأئمة» ().

مسؤولية البقاع والبهائم

وجاء في بعض خطبه عليه السلام التي خطبها في أوائل خلافته ما يلي:

«اتقوا الله في عباده وبلاده،

فإنكم مسؤولون حتي عن البقاع والبهائم» ().

(المسؤولية) في منطق أمير المؤمنين عليه السلام لا تخص الإسلام والإيمان فقط، ولا المسلمين والمؤمنين فحسب، ولا الرجال والنساء فقط، ولا البشر فقط، وإنما هي تعم ما خلق الله تعالي مما يمكن للبشر الاستفادة منه في خير أو شر، بحق أو باطل، في هداية أو ضلالة، وما إليها..

حتي الأرض، والتراب والبلاد، والبر والبحر.. الناس مسؤولون عنها بشتي أنوع المسؤولية: سكناها،

زراعتها، تركها، إسرافها، ونحو ذلك. وحتي البهائم والحيوانات.. الإنسان مسؤول أمام الله تعالي عنها: ظلمها والرحمة بها، الاستفادة منها في خير أو شر، تبذيرها وإسرافها.. وغير ذلك.

(هذه) هي حدود المسؤولية في سياسة علي بن أبي طالب عليه السلام فليعتبر بذلك الأمة والقادة.

وليصححوا المسيرة علي هدي أمير المؤمنين عليه السلام.

الحرية في حكومة أمير المؤمنين عليه السلام

كان عصر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) عصراً نعم فيه الناس بالحرية الواسعة الإسلامية، خصوصاً بعد أن كان عهد عثمان بن عفان متميزاً بالقسوة والفظاظة، حتي أن مثل الصحابي الجليل أبي ذر (رضوان الله عليه) الذي أطري عليه رسول الإسلام كرات ومرات، كان لا يجد مجالاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهذه الحرية الإسلامية التي فسح لها المجال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كانت أشبه شيء بالحريات التي منحها رسول الله للناس في صدر الإسلام، فكما كان يعيش في المدينة المنورة وحواليها حتي وفاة النبي بجنب المسلمين، المشركون واليهود والنصاري والمنافقون، مختلطين في دورهم وأسواقهم، يتعاملون ويمارسون حرياتهم المتبادلة في ظل الإسلام العظيم.

كذلك كان المسلمون، واليهود، والنصاري، والمجوس، والمشركون، بل كل البشر يعيشون في ظل الإسلام عيشة محترمة هانئة، في عزة ورفاه في عصر أمير المؤمنين علي عليه السلام، وقد أثر عنه عليه السلام في هذا المجال.

«فإنهم أي الناس صنفان إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق» ().

هذه الكلمة الفذة العظيمة الخالدة التي تفسح المجال لاحترام البشر بما هو بشر، لكي ينظر إليه الناس من هذا المنظار فتجمعهم جميعاً كلمة العدل وحق الإنسانية.

وبحق نقول: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام هو واضع الأسس العميقة للحرية بعد النبي بأقواله، ومنفذ ثابت للحرية بأعماله وممارساته في أوساط الأمة.

ومما ورد

في نهج البلاغة عنه عليه السلام في الحث والتحريض علي الحرية قوله عليه السلام:

«ألا حرّ يدع هذه اللماظة()» ().

«لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً» ().

«أيها الناس إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة، وإن الناس كلهم أحرار، ولكن الله خول بعضكم بعضاً» ().

وهكذا كان علي عليه السلام هو أول من طبق هذه الأقوال علي حياته العملية وأسس حكومة إسلامية عادلة حرة، الناس فيها أحرار، علي وتيرة دولة رسول الله تماماً.

وإليك بعض الأمثلة لذلك:

ابن الكوا

كان ابن الكوا رجلاً منافقاً خارجياً ملعوناً() مشاكساً لعلي بن أبي طالب عليه السلام في أوج حكومته الواسعة التي كانت ذلك اليوم أوسع حكومة علي وجه الأرض، وكان علي عليه السلام بالإضافة إلي أنه إمام من عند الله والرسول أكبر حاكم علي الكرة الأرضية..

فكان يلقي اعتراضاته علي أمير المؤمنين عليه السلام في أوساط العامة، وبصورة شرسة.

أخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه () عن كتاب (المناقب) بسنده:

كان علي عليه السلام في صلاة الصبح، فقال ابن الكوا من خلفه: ?ولقد أوحيَ إليك وإلي الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين?().

فأنصت علي عليه السلام تعظيماً للقرآن حتي فرغ من الآية.

ثم عاد علي عليه السلام في قراءته.

فأعاد ابن الكوا:

?ولقد أوحي إليك وإلي الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين?.

فأنصت علي عليه السلام أيضاً تعظيماً للقرآن.

ثم عاد علي عليه السلام في قراءته.

فأعاد ابن الكوا: ?ولقد أوحي إليك وإلي الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين?.

فأنصت عليه السلام أيضاً تعظيماً للقرآن.

فلما أتم ابن الكوا قراءة الآية للمرة الثالثة قرأ علي عليه السلام.

?فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون?().

ثم أتم السورة وركع عليه السلام().

أية حرية

للناس هذه التي تسمح لرجل منافق أن يتهجم علي الرئيس الأعلي للعالم الإسلامي وهو مثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في حال الصلاة، ويتعرض له عليه السلام بالشرك والحبط..

ثم ينصت له الإمام عليه السلام تعظيماً للقرآن الكريم.

ويتكرر الأمر ثلاث مرات.

ويتم الإمام عليه السلام صلاته دون أن يفعل بابن الكواء شيئاً.

ويعود ابن الكوا إلي مسيرته السابقة كأن لم يكن شيئاًٍ مذكوراً.

أين هذه الحرية من حرية البلاد الحرة في عالم اليوم؟

وهل يجرأ إنسان عادي لمثل ذلك مع أي رئيس أو زعيم؟

وإن حصل هذا فهل يمر بسلام؟

لا يجيب عليه التاريخ إلا بالنفي، حتي في هذا اليوم، في أكثر بلاد العالم حرية.

وهذا ما طبقه علي عليه السلام من الحرية الإسلامية.

فليسمع الذين يقولون: لا حرية في الإسلام.

أبو هريرة

كان أبو هريرة الذي تربي في بعض العهود السابقة علي البذخ والترف، فجاءه عصر علي بن أبي طالب عليه السلام بمر الحق ودقة الإسلام وضبط العدل..

فلم يرقه ذلك، فوقف في وجه علي عليه السلام معاتباً مشاكساً يريد أن يعلم علي بن أبي طالب عليه السلام سياسة الإسلام وتطبيق حكم القرآن.

كأنه لم يسمع رسول الله يقول في علي عليه السلام الكثير.. والكثير من الفضائل والحسنات.

مثل قوله: «علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار» ().

وقوله: «علي وارث علمي وحكمتي» ().

وقوله: «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها» ().

إلي المئات.. والألوف من نظرائها.

كل ذلك من أبي هريرة.

أما من علي عليه السلام فلم يؤثر ذلك كله في أن يغير موقفاً منه تجاه أبي هريرة.

بل بالعكس كان علي عليه السلام يقضي حوائج أبي هريرة بعد ذلك أيضاً، انظر هذه القطعة التاريخية:

أخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه عن (المناقب)

قال:

«وجاء أبو هريرة إلي علي عليه السلام وكان تكلم فيه وأسمعه في اليوم الماضي وسأله حوائجه فقضاها.

فعاتبه أصحابه علي ذلك فقال عليه السلام:

أني لأستحي أن يغلب جهله علمي، وذنبه عفوي، ومسألته جودي» ().

وأبو ذر رحمة الله عليه وهو الصحابي العظيم الجليل، يتكلم بالحكم الشرعي في مجلس عثمان وهو الرجل المعروف، فلم يكن له جزاء سوي الضرب، والحبس، والتهجير، والجوع، والإذلال، والموت.

أما أبو هريرة وهو المعروف بأحاديثه الموضوعة علي النبي

أولاً: يجرأ أن يتكلم علي علي بن أبي طالب عليه السلام في وجهه.

وثانياً: هو يعلم بالحرية الإسلامية التي يمارسها أمير المؤمنين عليه السلام فلايخاف بطشاً ولا عقوبة.

وثالثاً: لا يعاقبه علي بن أبي طالب عليه السلام بالرغم من علمه بأن أبا هريرة عاص ومذنب في هذا الصنيع، ساحق للحق، يبحث عن الباطل والظلم.

ورابعاً: يجرأ أبو هريرة في الغد أن يطلب إلي علي عليه السلام حوائجه.

وخامساً: بالفعل يقضي علي عليه السلام حوائجه.

كأن لم يكن شيئاً مذكوراً.

ثم يعاتبه أصحابه علي ذلك، فيجيبهم بمنطق العلم والعفو والجود..

هذه هي حرية الإسلام، في هذا المستوي الرفيع.

عطاء الخوارج

الخوارج حاربوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

وشهروا السيوف عليه وعلي أصحابه.

وقتلوا الألوف.. والألوف من المؤمنين والمؤمنات من أصحاب علي عليه السلام وشيعته. وأقاموا علي علي عليه السلام حرباً عظيمة.

ومع ذلك كله حفظ التاريخ لأمير المؤمنين عليه السلام:

«أنه لم يقطع عطاء الخوارج من بيت المال» ().

أية حرية هذه وفي أي بعد؟

أين يوجد نظير لهذه الحرية في التاريخ، ما عدا رسول الله ومن كان في خط الله تعالي وخط رسل الله وأوليائه؟

بايعوا ضباً

أجمعت الأمة علي بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بعد مقتل عثمان بيعة ثانية بعد ما كانوا قد بايعوه قبل خمسة وعشرين عاماً في غدير خم بأمر رسول الله في منصرفه من حجة الوداع().

وبايعه ثمانية من المنافقين فيمن بايعوه.

ثم خلعوا بيعته بين أنفسهم وبايعوا ضباً في الصحراء.

اقرأ القطعة التاريخية التالية:

أخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (البحار) عن ابن شهر آشوب في (المناقب)()، والقطب الراوندي في (الخرايج)()، والشيخ الصدوق في (الخصال)()، والصفار في (بصائر الدرجات)()، وغيرهم بأسانيدهم عن الأصبغ بن نباتة قال:

أمرنا أمير المؤمنين عليه السلام بالمسير إلي المدائن من الكوفة فسرنا يوم الأحد، وتخلف عمرو بن حريث في سبعة نفر، فخرجوا إلي مكان بالحيرة يسمي الخورنق، فقال: نتنزه فإذا كان يوم الأربعاء خرجنا فلحقنا علياً قبل أن يجمع (أي: قبل أن يصلي صلاة الجمعة).

فبينما هم يتغدون إذ خرج عليهم ضب فصادوه.

فأخذه عمرو بن حريث فنصب كفه (أي: كف الضب) وقال:

بايعوا، هذا أمير المؤمنين.

فبايعه السبعة وعمرو ثامنهم.

ثم أفلتوه وارتحلوا.

وقال: إن علي بن أبي طالب يزعم أنه يعلم الغيب، فقد خلعناه وبايعنا مكانه ضباً.

فقدموا المدائن يوم الجمعة وأمير المؤمنين عليه السلام يخطب.

ولم يفارق بعضهم بعضاً، فكانوا جميعاً حتي نزلوا علي باب المسجد، فلما دخلوا

نظر إليهم أمير المؤمنين عليه السلام من فوق المنبر وقد قطع حديثه، فقال:

«يا أيها الناس إن رسول الله أسر إليّ ألف حديث لكل حديث ألف باب، لكل باب ألف مفتاح.

وإني سمعت الله جل جلاله يقول:

?يوم ندعو كل أناس بإمامهم?().

وإني أقسم لكم بالله، ليبعثن يوم القيامة ثمانية نفر يدعون بإمامهم وهو ضب.

ولو شئت أن أسميهم لفعلت».

قال الأصبغ بن نباتة:

فلقد رأيت عمرو بن حريث قد سقط كما يسقط السعفة حياءً ولؤماً، وجبناً وفرقاً().

كيف يأمن هؤلاء الثمانية أن ينكثوا بيعتهم؟

بيعتهم لأمير المؤمنين عليه السلام الذي اعتبره القرآن الحكيم نفس رسول الله في آية المباهلة().

ثم يتمادوا في غيهم فيبايعوا ضباً إيغالاً منهم في إهانة أمير المؤمنين قسيم الجنة والنار.

وموقف أمير المؤمنين عليه السلام منهم موقف العطف والرحمة، يعرفهم، ويخبر عنهم، ومع ذلك يحجم عن ذكر أسمائهم لكي لا يحطمهم الناس..

ومع ذلك كله يظل الثمانية علي نفاقهم وضلالهم.

مثل هذه الحرية لا توجد إلا في الإسلام.

ولا يمثلها إلا حاكم إسلامي عادل مثل رسول الله وأمير المؤمنين عليه السلام، ومن كانت سيرته متابعة لسيرتهما.

وساطة في التزويج

كانت الكوفة تجمع خليطاً من العرب، والفرس، وغيرهما من الأمم الذين دخلوا في الإسلام في العصور المتأخرة عن وفاة رسول الله..

وكانت القومية قد ركزت في قلوب بعضهم، نتيجة ضعف أسس الإسلام العالمية في نفوسهم..

لذلك: جعل بعض العرب يمتنع عن تزويج غير العرب.

فجاء غير العرب إلي أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) فذكروا له ذلك، وطلبوا إلي أمير المؤمنين عليه السلام أن ينصحهم ويقوم بدور الوساطة في ذلك.

ففعل علي عليه السلام ذلك، ولم يستجب أولئك لعلي عليه السلام.

أية حرية هذه التي يسعي أمير المؤمنين عليه السلام في التزويج، فلا تقبل وساطته، ولا يحرك ساكن؟

هذه هي حرية الإسلام.

صلاة التراويح

كان النبي يصلي نوافل شهر رمضان فرادي ولم يجز أن تُصلي جماعة، حتي أن المسلمين اجتمعوا خلف رسول الله في إحدي ليالي شهر رمضان فلما أتم الصلاة خرج من المسجد وذهب إلي البيت ولم يسمح لهم في ذلك ().

وكان الوضع هكذا في عهد أبي بكر.

وكذلك في فترة من عهد عمر بن الخطاب.

ثم رأي عمر أن تصلي هذه النوافل جماعة وسميت ب(صلاة التراويح) وجري علي ذلك عثمان بن عفان.

فلما جاء أمير المؤمنين علي عليه السلام إلي الحكم منع عن التراويح كما لم يسمح بها رسول الله.

غير أن جماعة من المسلمين حيث كانوا قد تعودوا صلاتها سنين طويلة خرجوا في مظاهرة ضد المنع عن التراويح..

فلما بلغ الخبر إلي أمير المؤمنين عليه السلام أمر بأن يتركوا ليفعلوا ما شاؤوا.

وهذا من مصاديق الحرية في الإسلام حيث يدع الرئيس الأعلي للإسلام والمسلمين الناس يخالفونه، ولا يعاقبهم بشيء.

اتق الله

أخرج في (المناقب) عن (مسند أحمد بن حنبل) قال:

قال الجعد بن نعجة الخارجي لأمير المؤمنين عليه السلام:

اتق الله يا علي إنك ميت.

قال عليه السلام له:

«لا بل والله قتلا، ضربة علي هذا وأشار إلي رأسه الشريف قضاءً مقضياً، وعهداً معهوداً، ?وقد خاب من افتري?» ()،().

أتري من يجرأ أن يقول لحاكم يحكم أكبر دولة في العالم مثل هذا القول إلا ويسجل القائل اسمه في سجل الأموات..؟

فلا جزاء له في المنطق غير الإسلامي، سوي السجن والتعذيب، والقتل في النهاية.

ولكن الرجل الخارجي يقول هذه الكلمة بكل حرية واطمئنان دون وجل أو رعب، ويهين بهذه الجملة مثل أمير المؤمنين عليه السلام، ثم لم يكن له جزاء من أمير المؤمنين إلا فتح باب من أبواب الغيب الذي علمه رسول الله وإشفاعه بتطبيق قرآن يكذب به القائل ?وقد خاب من

افتري?().

فالرجل مفتر في قوله: إنك ميت، لأن الله تعالي يقول: ?ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون?().

وهذا منطق الكلمة حيث يحل محل منطق السيف.

وهذه هي الحرية التي لا توجد إلا في الإسلام.

سؤال بتعنت

أخرج المحدث القمي رحمة الله عليه عن عبد العزيز الجلودي في كتاب (الخطب) قال:

خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال:

«سلوني فإني لا اُسأل عن شيء دون العرش إلا أجبت فيه، لايقولها بعدي إلا جاهل مدع، أو كذاب مفتر».

فقام رجل من جانب مجلسه وفي عنقه كتاب كأنه مصحف وهو رجل أدم ضرب، أي: خفيف اللحم، طوال، جعد الشعر كأنه من مهودة العرب فقال رافعاً صوته لعلي عليه السلام: أيها المدعي ما لا يعلم، والمقلد ما لا يفهم أنا السائل فأجب.

فوثب إليه أصحاب علي عليه السلام وشيعته من كل ناحية، فهمّوا به.

فنهرهم علي عليه السلام، فقال لهم: دعوه ولا تعجلوه فإن الطيش لا يقوم به حجج الله، ولا به تظهر براهين الله.

ثم التفت عليه السلام إلي الرجل وقال له: سل بكل لسانك وما في جوانحك فإني أجيبك.

ثم سأله الرجل عن مسائل فأجابه.

فحرك الرجل رأسه وقال:

«أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله» ().

هذا مفهوم الحرية عند علي بن أبي طالب عليه السلام.

منطق الكلمة.. لا منطق العنف.

منطق الحوار.. بدل منطق الرصاص.

حرية الكلام سمحت للسائل المتعنت أن يخضع فيكون مؤمناً مؤدباً.

ومنطق البرهان فسح المجال لليهودي العنيد أن يكون مسلماً خاضعاً.

وهذا هو منطق الإسلام، ومفهوم الحرية عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

العفو عن السب

ذكر المؤرخون في تاريخ أمير المؤمنين عليه السلام عند ما كان بالكوفة أيام خلافته:

أنه مرت امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن أبصار هذه الفحول طوامح، وإن ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلي امرأة تعجبه فليلمس أهله، فإنما هي امرأة كامرأته.

فقال رجل من الخوارج وكان حاضراً هناك:

قاتله الله كافراً ما أفقهه.

فوثب القوم ليقتلوه.

فقال علي عليه السلام: رويدا إنما هو سب

بسب أو عفو عن ذنب» ().

هذا ما ذكر في التاريخ.

ولم أجد باقي القصة، وأن أمير المؤمنين عليه السلام، هل رد عليه السب لقوله تعالي: ?فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم?().. أم عفاه وتركه.

والظاهر أنه قد عفا عنه، لأنه لو كان فعل علي عليه السلام معه شيئاً لاقتضي أن يسجله التاريخ أيضاً، وعدم ذلك دليل العفو عنه ظاهراً.

ولولا حرية الكلمة لما تجرأ الرجل الخارجي للتطاول علي أمير المؤمنين عليه السلام ونسبة الكفر إليه في وضح النهار، أمام عينيه وبمحضر أصحابه.

فالإمام عليه السلام بسياسته الرشيدة وحكمته السياسية ترك الناس وما يقولون، لعله ليكون صمام أمان يتنفس به أصحاب الأمراض النفسية، كي لا تصل النوبة إلي حد السيف، وقيام حرب ولو صغيرة داخل الكوفة.

وليس معني ذلك: أن الإسلام يجوّز لهذا الخارجي في أن يتفوه بمثل هذه الجملة، كلا، فهذا الذي تكلم به الخارجي من أبشع الحرام، وأشنع الآثام، ولكن المقصود هو بيان ما للحاكم الإسلامي الأعلي من سعة في منح الحريات للناس حتي لمثل هذا المنكر الفظيع.

تحليل الموقف

وإلا فالحكم الأولي الشرعي لمثل هذا الإنسان القتل.

لأن ساب النبي وساب الإمام عليه السلام حده القتل..

كما قال المحقق في (الشرائع) () وصاحب الجواهر في شرحه مزجاً:

(ومن سب الإمام العادل وجب قتله:

بلا خلاف أجده فيه، بل في ظاهر المنتهي ومحكي التذكرة الإجماع عليه كما عن صريح جماعة، وهو عليه السلام الحجة بعد قول النبي: «من سمع أحداً يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني، ولا يرفع إلي السلطان، وإذا رفع إليه كان عليه أن يقتل من نال مني» المتمم بعدم القول بالفصل بينه وبين غيره من الأئمة عليهم السلام الذي سبهم أيضاً)().

وأخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (البحار)

بأسانيد عدة عن ابن عباس: أنه مر بمجلس من مجالس قريش وهم يسبون علي بن أبي طالب عليه السلام فقال لقائده لأنه كان مكفوفاً وقتئذ: ما يقولون هؤلاء؟

قال: يسبون علياً عليه السلام.

قال: قربني إليهم.

فلما أن وقف عليهم قال: أيكم الساب الله؟

قالوا: سبحان الله، ومن يسب الله فقد أشرك بالله.

قال: فأيكم الساب رسول الله؟

قالوا: من يسب رسول الله فقد كفر.

قال: فأيكم الساب علي بن أبي طالب؟

قالوا: قد كان ذلك.

قال: فأشهد الله، وأشهد الله، لقد سمعت رسول الله يقول:

«من سب علياً فقد سبني ومن سبني فقد سب الله عزوجل» ().

وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام رواه عنه عبد الله بن سليمان العامري قال:

قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أي شيء في رجل سمعته يشتم علياً ويبرأ منه، قال: فقال لي: «والله هو حلال الدم» ().

«وروي أنه من ذكر السيد محمداً أو واحداً من أهل بيته عليهم السلام بالسوء وبما لا يليق بهم، أو الطعن فيهم (صلوات الله عليهم) وجب عليه القتل» ().

وفي (دعائم الإسلام) عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن رجل تناول علياً عليه السلام.

فقال: «إنه لحقيق أن لا يقيم يوماً».

ثم قال عليه السلام: «ويقتل من سب الإمام كما يقتل من سب النبي» ().

والأحاديث الشريفة في ذلك تعد بالعشرات.

ولا أراني بحاجة في هذا المجال المختصر إلي سردها جميعاً.

الأهم والمهم في الإسلام

لكن مع ذلك لم يقتل أمير المؤمنين عليه السلام الخارجي الذي سبه ولم يأمر بقتله، بل لم يدع أصحابه أن يقتلوه…

ذلك: للمصلحة الأهم، أو المفسدة في قتله، مما تخصان أمير المؤمنين عليه السلام في ظروفه الخاصة آنذاك، أو تعم الإسلام والمسلمين في ذلك الجو الخاص المحيط بهم، أو كلاهما.

وقد تكون تلك المصلحة مجرد إظهار عفو الإسلام وسماحته…

وربما

تكون المفسدة: تصور بعض الجهال عنف الإسلام وقسوته.

أو: تمكن نشر المغرضين واتباع الشيطان أن الإسلام قاس عنيد.

أو لغير ذلك.. فهذه الأمور هي أهم من تنفيذ حكم واحد من أحكام عقوبات الإسلام، وأجدر بالاهتمام، وأولي بالتنفيذ.

فدعاية السوء تؤثر سلباً أحياناً علي الإسلام وعلي الأمة أكثر مما يؤثر إيجاباً تنفيذ بعض أحكام الإسلام.

وفي هذا المجال يقول المحقق القمي رحمة الله عليه ما مضمونه:

«الذي أفتي به العلماء، وادعوا عليه إجماع الفقهاء، وجاء به النص الشرعي أن سباب النبي والأئمة عليهم السلام يقتل، لكن يشترط أن لا يكون في تنفيذ هذا الحكم خوف فساد» ().

ولذلك ورد الحديث الصحيح السند، في الكافي الشريف عن زرارة عن أحدهما يعني الباقر أو الصادق عليهما السلام قال: قال رسول الله:

«لولا أني أكره أن يقال: إن محمداً استعان بقوم حتي إذا ظفر بعدوه قتلهم، لضربت أعناق قوم كثير» ().

فدعاية السوء ضد رسول الله أوجبت أن يترك النبي قتل كثيرين ممن كانوا يستحقون القتل، أو يجب قتلهم لولا هذه الدعاية الظالمة.

من أصول سياسة الإسلام

وهذا أصل عميق من أصول سياسة الإسلام يستنبط منه الكثير من الأحكام السياسية الداخلية والخارجية الإسلامية.

وليس معني ذلك: أن كل أحكام الله تعالي تتغير باستهزاء المستهزئين، بل معني ذلك: أن استهزاء أو تهمة الإسلام، أو نبي الإسلام، أو أئمة الإسلام عليهم السلام بل وحتي مراجع الدين.. استهزاءً وتهمة ودعاية، تستوجب إضعاف الإسلام وتضعيف المسلمين وتخذيلهم، وحملهم علي الوهن أو الشماتة بهم ونحو ذلك.. وفي نفس الوقت تشجيع الظالمين والكافرين وفتح ألسنتهم بالسوء علي الإسلام والمسلمين.

فهذه الأمور تستوجب عدم تطبيق بعض المواد من العقوبات الإسلامية حفظاً علي علو الإسلام، وعظمته وشموخه..

لقول النبي: «الإسلام يعلو ولا يعلي عليه» ().

وبكلمة، فإذا ترتب علي تنفيذ عقوبة إسلامية فساد

عرف من جهة الشريعة أن مراعاته أهم من مراعاة تلك العقوبة، ترفع اليد عن أجراء العقوبة.

وقد صرحت بذلك الأحاديث الشريفة.

من ذلك: الحديث الصحيح الإسناد الذي رواه الشيوخ الثلاثة الأجلة، الكليني()، والصدوق()، والطوسي() (رضوان الله عليهم) عن هشام بن سالم قال:

قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في رجل سبابة لعلي عليه السلام؟

قال: فقال لي: حلال الدم والله.

ثم قال عليه السلام: لولا أن تعم بريئاً.

قال قلت: لأي شيء يعم به بريئاً؟

قال عليه السلام: يقتل مؤمن بكافر ولم يزد علي ذلك.

وقد علق العلامة المجلسي رحمة الله عليه فيما نقل عن (مرآة العقول) هنا بقوله: «أي: أنت أو البلية بسبب القتل من هو بريء منه».

لهذه الأمور ترك علي عليه السلام قتل الذي سبه ومنع من قتله.

وعندما نقيس قضية سب علي عليه السلام بمحضره وعفوه عن الساب علي وجازتها بقضايا أخري لساسة معظم البلدان الإسلامية اليوم، تعرف البون الشاسع فيما بينهما..

فاليوم من يسب أحد رؤساء غالب البلدان الإسلامية، خصوصاً إذا كان في وجهه وبين أصحابه، فأقل عقوبة له الحبس، والتعذيب، ومنعه عن حقوقه القانونية، وعن تجارته وكسبه، ونحو ذلك، وقد يؤدي به ذلك إلي الاعدام، أو الموت تحت التعذيب القاسي.

وإنني أتذكر جيداً أن في عهد (عبد الكريم قاسم)() في العراق وضع قانون لمن يسب عبد الكريم أن عقوبته السجن عشر سنوات، مع أنواع من التعذيب.

من هنا نعرف الحرية في ظل أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو المطبق الدقيق للإسلام العظيم.

تخلفوا عن البيعة

بعد مقتل عثمان بن عفان، بايع المسلمون الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) وتخلف عن البيعة عدد من المنافقين.

لكن أمير المؤمنين عليه السلام لم يلزمهم البيعة.

وقد أراد بعض أصحابه إلزامهم بالبيعة، واستجاز في ذلك أمير المؤمنين عليه السلام،

لكنه لم يقابل من طرف الإمام عليه السلام إلا بالرفض الشديد.

وذلك تحقيقاً لممارسة الحرية الإسلامية وإمعاناً من أجل منطق الكلمة، وكلمة المنطق، لا كلمة السيف والعنف.

قال العلامة المجلسي رحمة الله عليه في البحار():

«فخرج علي عليه السلام إلي المسجد

فبايعه الناس..

وجاءوا بسعد بن أبي وقاص.

فقال عليه السلام: بايع.

قال: لا حتي يبايع الناس.

فقال عليه السلام: خلوا سبيله.

وجاءوا بابن عمر، فقالوا: بايع.

فقال: لا حتي يبايع الناس.

قال عليه السلام: ائتني بكفيل.

قال: لا أري كفيلاً.

قال الأشتر: دعني أضرب عنقه.

قال عليه السلام: دعوه، أنا كفيله.

وبايعت الأنصار إلا نفراً يسيراً منهم حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وسلمة بن مخلد، وأبو سعيد الخدري، ومحمد بن مسلمة، والنعمان بن بشير، وزيد بن ثابت، وكعب بن مالك، ونافع بن خديج، وفضالة بن عبيدة، وكعب بن عجرة، وكانوا عثمانية».

ولم يكن رد فعل أمير المؤمنين عليه السلام علي هذه التخلفات إلا النصيحة والدعوة إلي الحق فحسب.

أخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (البحار) عن (الإرشاد) قال: «لما اعتزل سعد ومن سميناه أمير المؤمنين عليه السلام وتوقفوا عن بيعته حمد الله وأثني عليه ثم قال فيما قال:

«وأيم الله لأنصحن للخصم، ولأنصفن للمظلوم.

وقد بلغني عن سعد، وابن مسلمة، وأسامة، وعبد الله، وحسان بن ثابت أمور كرهتها.

والحق بيني وبينهم» ().

هذا هو كل رد فعل أمير المؤمنين عليه السلام تجاه من تخلفوا عن بيعته بلا حجة لهم ولا منطق.

هنا تتجلي الحرية الإسلامية التي يمارسها الحاكم الإسلامي العادل منطق الكلمة، وسيف المنطق، لا منطق السيف.

مع علمي بغدرهما

بايع الزبير وطلحة في جمهور المسلمين الذين بايعوا علياً (عليه الصلاة والسلام) ثم طلبا من أمير المؤمنين عليه السلام الإذن لهما في العمرة لما رأوا من عدم تفريق علي عليه السلام في العطاء بينهما وبين سائر المسلمين،

وعدم استجابته عليه السلام لهما في تسليم الكوفة والبصرة إليهما، إذ علم الإمام عليه السلام بالمؤامرة التي تمت بينهما وبين معاوية في ذلك.

وكان علي عليه السلام يعلم أنهما لا يريدان العمرة، ولكنهما يريدان الغدر والحرب، ومع ذلك لم يمتنع الإمام عليه السلام من الإذن لهما قضاءً لممارسة الرئيس الحرية الإسلامية الرائعة.

فقد قال عليه السلام لهما حين استأذناه في الخروج إلي العمرة:

«لا والله ما تريدان العمرة، ولكن تريدان البصرة».

وقال عليه السلام لابن عباس وهو يخبره عن استئذانهما في العمرة:

«إني أذنت لهما مع علمي بما انطويا عليه من الغدر، فاستظهرت بالله عليهما، وإن الله سيرد كيدهما، ويظفرني بهما» ().

مخالفة شريح

قال ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) عند ذكره بعض أحوال (شريح):

«وأقر علي عليه السلام شريحاً علي القضاء مع مخالفته له في مسائل كثيرة من الفقه، مذكورة في كتب الفقهاء.

وسخط علي عليه السلام مرة عليه فطرده عن الكوفة ولم يعزله عن القضاء، وأمر بالمقام (ببانقيا) وكانت قرية قريبة من الكوفة أكثر ساكنيها اليهود، فأقام بها مدة حتي رضي عنه، وأعاده إلي الكوفة» ().

هل من كاره

بعد ما تمت البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام وبايع جمهور المسلمين، عمد أمير المؤمنين عليه السلام إلي عمل لم يسبق له في التاريخ مثيل.

فقد أخرج ابن شهر آشوب في (المناقب) عن الراغب عن عمار بن عباس أنه قال:

لما صعد علي عليه السلام المنبر قال لنا:

«قوموا فتخللوا الصفوف ونادوا: هل من كاره؟

فتصارخ الناس من كل جانب: اللهم قد رضينا وسلمنا وأطعنا رسولك وابن عمه» ().

إن أمير المؤمنين عليه السلام هو الخليفة بالحق من عند الله تعالي، ومع ذلك يمتنع عن البيعة في أول الأمر لكي لا يقال عنها بيعة إكراه وإجبار.

ثم يبايعه الناس باختيارهم، ومن لم يبايع لم يجبره علي البيعة ومع ذلك كله: يأمر بتخلل الصفوف لعل هناك من كاره فيمنحه أمير المؤمنين عليه السلام حرية البيعة، وحرية الكلام، وحرية الحوار، وحرية البحث..

أية حرية رائعة هذه في الإسلام يمارسها الرئيس الأعلي بعد تمام البيعة؟

إنها من خصائص الإسلام العظيم.

موقف الحسن البصري

كان الحسن البصري كما ذكره المؤرخون:

«ممن قيل فيه إنه يبغض علياً ويذمه.

ويقول فيه:

لو كان علي يأكل الحشف يعني: أردي التمر بالمدينة لكان خيراً له مما دخل فيه.

وكان من المخذلين عن نصرة علي عليه السلام.

وكان يقول علي عليه السلام عنه:

أما إن لكل قوم سامرياً، وهذا سامري هذه الأمة، إلا أنه لا يقول ?لامساس?() ولكنه يقول: لا قتال» ().

هذا الرجل لقيه علي عليه السلام وهو يتوضأ في ساقية فقال له:

اسبغ طهورك يا فتي.

قال: لقد قتلت بالأمس رجالاً كانوا يسبغون الوضوء.

قال عليه السلام: وإنك لحزين عليهم.

قال: نعم.

قال عليه السلام: فأطال الله حزنك» ().

وهذا كل ما قابل به علي عليه السلام الحسن البصري.

كلمة بكلمة.

وسبة بدعاء عليه.

وهذا مفهوم الحرية الإسلامية في عمقها العظيم.

موقف الأشعث

وأخرج ابن شهر آشوب رحمة الله عليه في (المناقب) قال:

«وروي عن الحسن بن علي عليه السلام في خبر أن الأشعث بن قيس الكندي بني في داره مئذنة فكان يرقي إليها إذا سمع الأذان في أوقات الصلاة في مسجد جامع الكوفة، فيصيح من علي مئذنته: يا رجل إنك لكاذب ساحر».

وماذا كان رد فعل الإمام عليه السلام لهذه الجريمة النكراء؟

إنه مجرد إخبار عن مصير هذا الرجل الوقح.

قال الإمام الحسن عليه السلام متابعاً:

«وكان أبي يسميه: عنق النار.

وفي رواية: (عرف النار).

فيسأل عن ذلك، فقال:

إن الأشعث إذا حضرته الوفاة يدخل عليه عنق من النار ممدودة من السماء فتحرقه فلا يدفن إلا وهو فحمة سوداء».

هذا كل رد فعل الإمام عليه السلام للأشعث بن قيس مقابل فعلته التي من يفعل مثلها في سلطان أي طاغوت فأقل ما يصيبه كرد فعل السجن والتعذيب والمنع عن الحقوق السياسية والاجتماعية.

أما أمير المؤمنين عليه السلام فهو سلطان حق، وخليفة الله، ورئيس مطبق للإسلام بدقة وإتقان.

«فلما توفي الأشعث نظر

سائر من حضره إلي النار وقد دخلت عليه كالعنق الممدود حتي أحرقته وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور» ().

الدية لمقتول المعارضة

لما عزم أمير المؤمنين عليه السلام لصد معاوية ورده، والمسير إلي صفين، خطب خطبة حرض فيها الناس علي الجهاد، فعارضه رجل، فقتله الناس فوداه أمير المؤمنين عليه السلام.

أخرج العلامة المجلسي (قدس الله سره) في (البحار) عن (كتاب نصر بن مزاحم) عن معبد قال:

«قام علي عليه السلام علي منبره خطيباً.. فسمعته يقول:

سيروا إلي أعداء الله

سيروا إلي أعداء القرآن والسنن

سيروا إلي بقية الأحزاب وقتلة المهاجرين والأنصار

فعارضه رجل من بني فزارة، ووطأه الناس بأرجلهم، وضربوه بنعالهم حتي مات، فوداه أمير المؤمنين عليه السلام من بيت المال.

فقام الأشتر وقال: يا أمير المؤمنين: لا يهدنك ما رأيت، ولا يؤسينك من نصرنا ما سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن» ().

ويظهر من هذا الحديث أن الرجل كان قد خاشن الكلام مع أمير المؤمنين عليه السلام.

ومع ذلك اعتبره الإمام قتيل بيت المال، فدفع ديته من بيت المال.

أين توجد مثل هذه الحرية في الكلام، والرأي، والتعبير إلا في الإسلام؟

أمير المؤمنين عليه السلام يدعو الناس إلي حرب عدو الله وعدو رسوله: معاوية بن أبي سفيان، فيعارضه الرجل، ويقتله الناس…

ومع ذلك يدفع أمير المؤمنين عليه السلام ديته إلي ورثته؟

أين وفي أي أنظمة الأرض يوجد مثيل لذلك حتي في أكثر بلاد العالم حرية هذا اليوم؟

وهكذا مثلت سيرة أمير المؤمنين عليه السلام الإسلام العظيم في كل الأبعاد بعمق وشمول، وفي بعد الحرية أيضاً، ومنح الناس ذلك في مختلف المستويات وشتي الأمور، وضرب علي عليه السلام الرقم القياسي وهكذا ليسير الحكام في الإسلام بسيرته الوضاءة، ويصححوا سياستهم بسياسة علي عليه السلام الرشيدة في كل الأصعدة.

المساواة في سياسة أمير المؤمنين عليه السلام

الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بني سياسته كنبي الإسلام علي المساواة العادلة بين مختلف أفراد الأمة في تقسيم أموال الأمة التي هم فيها سواء،

عليهم بالسوية..

وكان ذلك من السمات البارزة لعلي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) حتي ورد في عدد صفاته النادرة في بعض زيارته:

«القاسم بالسوية، والعادل في الرعية» ().

وتطبيق ذلك كلف الإمام عليه السلام الكثير من المتاعب، والانشقاقات والحروب وتفرق بعض الرؤوس عنه.

لكن أمير المؤمنين عليه السلام لم يعبأ بكل ذلك مقابل التطبيق الحرفي والدقيق للإسلام.

وفيما يلي نذكر نماذج من مساواة أمير المؤمنين عليه السلام مما حفظه التاريخ.

يبدأ بنفسه

بدأ أمير المؤمنين عليه السلام في المساواة بنفسه الكريمة أولاً، ثم طبقها علي غيره، لكي لا يكون للناس حجة.

عند ما قُتل عثمان، وبايع المسلمون أمير المؤمنين عليه السلام.. صعد المنبر في مسجد رسول الله وخطب في الناس خطبة ذكّرهم بتقوي الله، وشرح لهم سياسته في البلاد والعباد، ثم نزل عن المنبر وأمر بفتح بيت المال، فقال لعمار: «يا عمار قم إلي بيت المال، فأعط الناس ثلاثة دنانير لكل إنسان، وارفع لي ثلاثة دنانير.

فمضي عمار وأبو الهيثم مع جماعة من المسلمين إلي بيت المال، ومضي أمير المؤمنين عليه السلام إلي مسجد قبا يصلي فيه …

فأبي طلحة والزبير وعقيل أن يقبلوها» ().

سهل وغلامه واحد

سهل بن حنيف من أصحاب رسول الله من الأنصار، وقد شهد مع النبي بدراً..

وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: أنه ذكر سهل بن حنيف فقال:

«كان من النقباء».

ثم قال عليه السلام:

«ما سبقه أحد من قريش ولا من الناس بمنقبة وأثني عليه» ().

وهذا الحصر إضافي علي حد تعبير الفقهاء بالنسبة للبدريين، أو الأنصار، أو من بقي منهم، غير أهل بيت النبي.

وقد روي في تعظيم أمير المؤمنين عليه السلام لسهل هذا أنه عليه السلام كبر عليه لما مات خمساً وعشرين تكبيرة.

فقد أخرج الشيخ الكليني (رضوان الله عليه) عن الإمام الباقر عليه السلام قال:

«كبر رسول الله علي حمزة سبعين تكبيرة.

وكبر علي عليه السلام علي سهل بن حنيف خمساً وعشرين تكبيرة.

قال: كبر خمساً، خمساً.

كلما أدركه الناس قالوا: يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة علي سهل فيضعه فيكبر عليه خمساً. حتي انتهي إلي قبره خمس مرات().

هذا الرجل العظيم، في هذه المنزلة الجليلة لم يدع أمير المؤمنين عليه السلام المساواة في العطاء بينه، وبين عبد أسود له قد أعتقه.

فقد روي الشيخ

المفيد رحمة الله عليه في (الاختصاص)، عن ابن دأب قال:

«ولي علي عليه السلام بيت مال المدينة عمار بن ياسر، وأبا الهيثم بن التيهان فكتب: العربي والقرشي والأنصاري والعجمي وكل من في الإسلام من قبائل العرب وأجناس العجم سواء.

فاتاه سهل بن حنيف بمولي له أسود فقال: كم تعطي هذا؟

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: كم أخذت أنت؟

قال: ثلاثة دنانير، وكذلك أخذ الناس.

قال عليه السلام: فأعطوا مولاه مثل ما أخذ ثلاثة دنانير» ().

وفي (المناقب):

«قام سهل بن حنيف فأخذ بيد عبده فقال: يا أمير المؤمنين قد أعتقت هذا الغلام، فأعطاه ثلاثة دنانير مثل ما أعطي سهل بن حنيف» ().

أخته ومولاتها عطاء واحد

أخرج الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) عن ابن دأب في حديث طويل:

«إنه دخلت عليه عليه السلام أخته أم هاني بنت أبي طالب فدفع إليها عشرين درهماً، فسألت أم هاني مولاتها العجمية فقالت: كم دفع إليك أمير المؤمنين عليه السلام؟

فقالت: عشرين درهماً.

فانصرفت مسخطة.

فقال لها علي عليه السلام: انصرفي رحمك الله، ما وجدنا في كتاب الله فضلاً لإسماعيل علي إسحاق» ().

ولم يفضل الأشراف

أخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه عن الشيوخ الأجلة: المفيد، والكليني، والطوسي، وابن ادريس (رضوان الله عليهم جميعاً) بأسانيد مختلفة:

أنه أتي أمير المؤمنين عليه السلام عليه رهط من الشيعة عند تفرق الناس عنه، وفرار كثير منهم إلي معاوية طلباً لما في يديه من الدنيا فقالوا: يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال، وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش علي الموالي والعجم، ومن يخاف خلافه عليك من الناس، وفراره إلي معاوية.

حتي إذا استوسقت الأمور عدت إلي أفضل ما عودك الله من القسم بالسوية والعدل في الرعية.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ويحكم أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الإسلام؟

لا والله لا يكون ذلك ما سمر السمير، وما رأيت في السماء نجماً.

والله لو كانت أموالهم مالي لساويت بينهم، فكيف وإنما هي أموالهم» ().

مناقشة لطلحة والزبير

طلحة والزبير امتعضا لصنع أمير المؤمنين عليه السلام معهما في المساواة بينهما وبين غيرهما من المسلمين في العطاء، وناقشا أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك، ولكن الحق كان أقوي منهما، وأولي بالاتباع في منطق أمير المؤمنين عليه السلام.

أخرج في (مناقب آل أبي طالب) عن أبي الهيثم بن التيهان، وعبد الله بن أبي رافع قالا:

«إن طلحة والزبير جاءا إلي أمير المؤمنين عليه السلام وقالا: ليس كذلك كان يعطينا عمر.

قال عليه السلام: فما كان يعطيكما رسول الله؟

فسكتا.

قال عليه السلام: أليس كان رسول الله يقسم بالسوية بين المسلمين؟

قالا: نعم.

قال عليه السلام: فسنة رسول الله أولي بالاتباع عندكم أم سنة عمر؟

قالا: سنة رسول الله.

ثم قالا: يا أمير المؤمنين لنا سابقة وعناء وقرابة.

قال عليه السلام: سابقتكما أقرب أم سابقتي؟

قالا: سابقتك.

قال عليه السلام: فقرابتكما أم قرابتي؟

قالا: قرابتك.

قال عليه السلام: فعناؤكما أعظم من عنائي؟

قالا: عناؤك.

قال عليه السلام: فوالله ما

أنا وأجيري هذا إلا بمنزلة واحدة، وأومأ بيده إلي الأجير ().

وهكذا جرت سيرة علي أمير المؤمنين عليه السلام لتكون نبراساً للأجيال الصاعدة وأملاً للمظلومين والمستضعفين، وكبحاً لجماح المستكبرين والطغاة، فلا يفضل غني علي فقير، ولا أبيض علي أسود، ولا عربي علي عجمي، ولا شريف علي وضيع.. إلا عند الله في القيامة بالتقوي.. لا بالمال في العطاء الذي جعلهم الله فيه سواءً في الدنيا.

عفو علي عليه السلام

يحق للحاكم الإسلامي الأعلي أن يعفو عن بعض المجرمين إذا كانت هناك مصلحة أهم من مصلحة تنفيذ العقوبة الإسلامية.

وهكذا يحق للحاكم الأعلي الإسلامي أن يخفف من مقدار العقوبة كماً أو كيفاً إذا دعت المصلحة الأهم إلي ذلك.

والأهمية في ذلك تكون نابعة من روح الشريعة الإسلامية التي يكون مصدرها القرآن الحكيم، والسنة المطهرة، وإجماع الفقهاء، والعقل.

والإمام أمير المؤمنين عليه السلام هو أعلم من يعرف هذه المصالح، وهذه الأمور الأهم، ومن أجل ذلك يلاحظ في تاريخه عليه السلام الموارد الكثيرة لعفوه عن المجرمين من تنفيذ العقوبات الإسلامية بحقهم قضاءً لهذه الأهمية.

وفيما يلي نذكر بعض هذه الموارد.

العفو عن مروان

مروان بن الحكم كان من رؤوس النفاق، وكان ممن جهز وشجع الجيش مع عائشة وطلحة بن الزبير في وقعة الجمل ضد أمير المؤمنين عليه السلام، وكان قد أشعل نار الحرب وحرض أهل البصرة علي أن يشقوا عصا المسلمين..

هذه الحرب التي راح ضحيتها عشرات الألوف.. وعشرات الألوف من المسلمين المصلين الصائمين..

لكن مع ذلك كله فقد عفا أمير المؤمنين عليه السلام عن مروان هذا بعد أسره.

أخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (البحار) عن (المناقب) قال:

«وأسر مالك الأشتر يوم الجمل مروان بن الحكم فعاتبه عليه السلام وأطلقه» ().

وأخرج أيضا عن (الخرائج) رواية أخري في ذلك كما يلي:

«روي عن أبي الصيرفي، عن رجل من مراد قال: كنت واقفاً علي رأس أمير المؤمنين عليه السلام يوم البصرة إذ أتاه ابن عباس بعد القتال فقال: إن لي حاجة؟

فقال عليه السلام: ما أعرفني بالحاجة التي جئت فيها، تطلب الأمان لابن الحكم؟

قال: نعم أريد أن تؤمنه.

قال عليه السلام: آمنته، ولكن اذهب إليه وجئني به ولا تجيئني به إلا رديفاً فإنه أذل له.

فجاء به ابن عباس ردفاً خلفه فكأنه

قرد.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أتبايع؟

قال: نعم وفي النفس ما فيها.

قال عليه السلام: الله أعلم بما في القلوب.

فلما بسط يده ليبايعه أخذ كفه عن كف مروان فنترها فقال عليه السلام: لا حاجة لي فيها، إنها كف يهودية لو بايعني بيده عشرين مرة لنكث بإسته.

ثم قال عليه السلام: هيه يا ابن الحكم خفت علي رأسك أن تقع في هذه المعمعة()»

(البغاة) هم الخارجون علي إمام عادل.

وحكم أسراهم إذا كانت لهم فئة: القتل.

وكان أصحاب الجمل بغاة.

وكانوا فئة.

فكان الحكم الأولي لله قتل مروان.

لكن المصلحة الإسلامية التي كان يراها أمير المؤمنين علي عليه السلام آنذاك اقتضت العفو عنه بالرغم مما كان يعلمه أمير المؤمنين عليه السلام من خبثه، ولعن النبي له ولمن في صلبه إلي يوم القيامة إلا المؤمن منهم وهم قليل، وعلمه عليه السلام كذلك: بما سيحدث مروان من فتن ومظالم.

مع هذا كله، فمصلحة العفو عن مروان حينذاك كانت أهم بملاحظة روح الشريعة.

وعن عائشة أيضاً

وعائشة أيضاً كانت باغية بنص القرآن الحكيم:

?وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله?().

وعائشة قاتلت خليفة الرسول الشرعي المنصوب من عند الله ورسوله والمنتخب من الناس.

(إذن) فهي باغية، وحد الباغي والباغية القتل في الإسلام.

وكانت عائشة تتوقع ذلك من أمير المؤمنين عليه السلام ولذا لما رأت أمير المؤمنين عليه السلام بعدما انتصر عليها قالت له في استعطاف:

«ملكت فأسجح» يعني: اعف بفضلك، ولا تنفذ حكم الإسلام الأولي، بل استفد من صلاحية العفو التي لك، فعفا عنها أمير المؤمنين عليه السلام للمصلحة الإسلامية الأهم آنذاك من مصلحة قتل مثل عائشة وإن كانت باغية ورأساً للبغاة، وسبباً لإيجاد حرب طاحنة أبادت الكثير من المسلمين.

قال في (البحار):

فجهزها أمير

المؤمنين عليه السلام أحسن الجهاز، وبعث معها بتسعين امرأة أو سبعين من البصرة إلي المدينة().

وعبد الله بن الزبير

عبد الله بن الزبير كان من المبغضين لعلي عليه السلام وآل بيت الرسول وهو الذي كان المحرض لأبيه من أجل إشعال حرب الجمل، وقد روي فيه عن علي عليه السلام قوله:

«مازال الزبير منا حتي نشأ ابنه المشؤوم عبد الله».

وكان يبغض بني هاشم ويلعن ويسب علياً عليه السلام().

هذا الرجل الخارجي الذي جرد سيفه في وجه خليفة رسول الله.

هذا الباغي في منطق الإسلام.

كان مستحقاً للقتل.

لكن أمير المؤمنين عليه السلام عفا عن عبد الله بن الزبير في وقعة الجمل.

أخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (البحار) عن (المناقب):

إن عائشة بعثت أخاها محمد بن أبي بكر إلي أمير المؤمنين عليه السلام تطلب منه الأمان والعفو لعبد الله بن الزبير.

فآمنه أمير المؤمنين عليه السلام وآمن معه سائر الناس ممن اشتركوا في حرب الجمل().

عفوه عن موسي بن طلحة

قال في (البحار): «وجيء بموسي بن طلحة بني عبيد الله فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: قل: استغفر الله وأتوب إليه ثلاث مرات.

فقالها، وخلي علي عليه السلام سبيله.

ثم قال له: اذهب حيث شئت، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه واتق الله فيما تستقبله من أمرك واجلس في بيتك» ().

العفو عن صاحب التآمر

أخرج في (مناقب آل أبي طالب) عن الأصبغ بن نباتة قال:

«صلينا مع أمير المؤمنين عليه السلام الغداة، فإذا رجل عليه ثياب السفر قد أقبل، فقال علي عليه السلام: من أين؟

قال: من الشام.

قال عليه السلام: ما أقدمك؟

قال: لي حاجة.

قال عليه السلام: أخبرني وإلا أخبرتك بقضيتك.

قال: أخبرني بها يا أمير المؤمنين.

قال عليه السلام: نادي معاوية يوم كذا وكذا، من شهر كذا وكذا، من سنة كذا وكذا: من يقتل علياً فله عشرة آلاف دينار.

فوثب فلان، وقال: أنا.

قال له معاوية: أنت؟

فلما انصرف إلي منزله ندم وقال: أسير إلي ابن عم رسول الله وأبي ولديه فاقتله؟

ثم نادي مناديه اليوم الثاني: من يقتل علياً فله عشرون ألف دينار.

فوثب آخر فقال: أنا.

فقال معاوية: أنت؟

ثم إنه ندم واستقال معاوية، فأقاله.

ثم نادي مناديه اليوم الثالث: من يقتل علياً فله ثلاثون ألف دينار.

فوثبت أنت وأنت رجل من حمير.

قال الرجل: صدقت.

قال علي عليه السلام: فما رأيك؟ تمضي إلي ما أمرت به أو ماذا؟

قال الرجل: لا، ولكن انصرف.

قال عليه السلام: يا قنبر أصلح راحلته، وهيئ له زاده، وأعطه نفقته().

هذه واحدة أخري من أمثلة العفو الرائعة التي ضربها علي عليه السلام في سيرته الوضاءة.

يعلم بمن أراد قتله.

ويتركه ليذهب حيث شاء.

ويضيف: أنه يصلح راحلته، ويهيئ زاده، ويعطيه نفقته..

أين تجد مثيل ذلك إلا في الإسلام الصحيح؟

العفو عن أسري صفين

أخرج في (المناقب) عن أبي جعفر الإمام الباقر عليه السلام قال:

«كان علي عليه السلام إذا أخذ أسيراً في حروب الشام أخذ سلاحه ودابته واستحلفه أن لا يعين عليه» ().

محاربون، شهروا سيوفهم علي أمير المؤمنين عليه السلام، وقد قتل بعضهم بعض المؤمنين من أصحاب علي عليه السلام لكنه لا يعرف بذلك ولا يعترف به وانكسر جيشهم، وظفر أمير المؤمنين عليه السلام بهم..

مع ذلك كله تركهم،

وأطلق سراحهم.. في حين أن فئتهم كانت موجودة وهم معاوية وأصحابه.

وهذه من سياسة العفو الرائعة في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام، يجلب بها الأعداء إلي الإسلام، ويحرض بها المنافقين والنفعيين علي الالتحاق بصفوف المؤمنين، ويربط بها علي قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم.

رد أموال الخوارج إليهم

وأخرج في (المناقب) أيضاً عن عرفجة عن أبيه قال:

«لما قتل علي عليه السلام أصحاب النهر جاء بما كان في عسكرهم فمن كان يعرف شيئاً أخذه، حتي بقيت قدر ثم رأيتها بعد قد أخذت» ().

أمر بالضرب ثم عفا

وأخرج في (المناقب) أيضاً قال:

«وبعث أمير المؤمنين عليه السلام إلي لبيد بن عطارد التميمي في كلام بلغه، فمر به أمير المؤمنين عليه السلام في بني أسد، فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدي فأفلته.

فبعث إليه أمير المؤمنين عليه السلام فأتوه به.

وأمر به أن يضرب.

فقال له: نعم والله إن المقام معك لذل، وإن فراقك لكفر.

فلما سمع ذلك منه قال: قد عفونا عنك، إن الله عزوجل يقول: ?ادفع بالتي هي أحسن السيئة?().

أما قولك: إن المقام معك لذل فسيئة اكتسبتها.

وأما قولك: إن فراقك لكفر فحسنة اكتسبتها فهذه بهذه» ().

العفو عندما تستوجبه المصالح التي هي أهم من غيرها ينقض به حكم الحاكم، فإن العفو من حكم الله، والضرب من حكم الله، وحكم الله الأهم ينقض به حكم الله المهم.

وبهذه السماحة واللطف والرفق يستبقي الإسلام علي المسلمين، ويؤلف قلوب غير المسلمين، ويستجلبهم إلي الإسلام.

أمير المؤمنين عليه السلام بين الناس دائماً

عادة أصحاب السلطات يعيشون بعيدين عن المجتمع، ويترفعون عن ممارسة الحاجات الصغيرة بأنفسهم لعدة أسباب:

1: للجبروت والطغيان.

2: للخوف من المجتمع الذي يمارسون الظلم معه.

3: للفرار من كثرة تراكم الأعمال عليهم.

أما الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) فهو أبعد ما يكون عن هذه الأسباب كلها..

فعلي عليه السلام أبعد ما يكون عن الجبروت والطغيان.

وأمير المؤمنين عليه السلام لا يظلم أحداً حتي يخافه في دخول المجتمع.

وسيد الوصيين عليه السلام يبحث عن التعب والمشقة في سبيل الله، فكيف يفر عن ذلك.

لذلك كان عليه السلام يمارس الأعمال الصغيرة بنفسه الكريمة بجنب ممارسة الأعمال الكبيرة، ويقضي حاجات الناس بشخصه يبحث عنها بين الناس ليلاً نهاراً، وفي الحر والقر.

وهذا هو الذي كان يطمئن الضعفاء والمساكين والمستضعفين، إلي أن لا يخشوا ظلم الناس لهم، لأنهم يعلمون أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الذي بنفسه يبحث

في الأزقة والأسواق، والطرق العامة والمجتمعات الجامعة.. فيسعفهم، ويدفع عنهم كل حيف.

وهذا هو الذي يصد أيضاً الطغاة والمستكبرين عن الظلم وإيذاء الناس، لأنهم يعلمون أن علياً عليه السلام لهم بالمرصاد، وهو بشخصه موجود بين أفراد المجتمع، فلا يأمنون في كل لحظة وفي كل مكان أن يكون علي عليه السلام هو الشاهد والحاضر يقبض عليهم متلبسين بالجريمة.

وفيما يلي نذكر نماذج من حضور أمير المؤمنين عليه السلام بين الناس دائماً ليعتبر به قادة المسلمين، فلا يتركوا الشعوب لينعزلوا في الأبراج العاجية بعيدين عن المجتمع فيأمن الظالمون ردعهم، ويخاف المظلومون ظلم الظالمين.

الشفاعة إلي القصاب

أخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (البحار) عن كتاب (الخرائج) قال:

روي أن قصاباً كان يبيع اللحم من جارية إنسان وكان يحيف عليها، فبكت وخرجت فرأت علياً عليه السلام فشكته إليه.

فمشي عليه السلام معها نحوه، ودعاه إلي الإنصاف في حقها، وكان يعظه ويقول له: «ينبغي أن يكون الضعيف عندك بمنزلة القوي فلا تظلم الناس» ().

والشفاعة إلي التمار

أخرج ابن شهر آشوب في (المناقب) عن أبي مطر البصري قال:

إن أمير المؤمنين عليه السلام مر بأصحاب التمر، فإذا هو بجارية تبكي، فقال: يا جارية ما يبكيك؟

قالت: بعثني مولاي بدراهم فأبتعت من هذا تمراً، فأتيتهم به فلم يرضوه فلما أتيته به أبي أن يقبله.

قال عليه السلام للتمار: يا عبد الله إنها خادم، وليس لها أمر فاردد إليها درهمها وخذ التمر.

فقام إليه الرجل فلكزه().

فقال الناس: هذا أمير المؤمنين.

فربا الرجل() واصفر وأخذ التمر ورد إليها درهمها، ثم قال: يا أمير المؤمنين ارض عني!

فقال عليه السلام: ما أرضاني عنك إن أصلحت أمرك.

أو قال: ما أرضاني عنك إذا وفيت الناس حقوقهم» ().

يظهر من القصة: أن أمير المؤمنين عليه السلام ربما كان جديد النزول بذاك البلد البصرة أو الكوفة أو كان الرجل بائع التمر جديداً بها، فلم يعرف أمير المؤمنين عليه السلام، ولذلك لكز الإمام.

ولم يعاقبه علي عليه السلام علي اللكزة لأنها قضية شخصية في نظر الإمام، ولا يعبأ علي عليه السلام بشخصه من حيث هو شخصه..

ثم إن مهمة الإمام عليه السلام الساعة هي ردّ الحيف عن الجارية، وهذه المهمة ربما تضمحل إذا حاسب الإمام الرجل علي اللكزة.

هذه القضايا علي صغرها هي التي تربي المجتمع من نواح عديدة، بسبب حضور الرئيس الأعلي للمسلمين بين الناس، يقضي حوائجهم بشخصه، وينصح الظالمين، ويأخذ بحق المظلومين.

إصلاح بين زوجين

وأخرج في (المناقب) أيضاً عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام قال في خبر:

«إنه رجع علي عليه السلام إلي داره في وقت القيظ، فإذا امرأة قائمة تقول:

إن زوجي ظلمني، وأخافني، وتعدي علي وحلف ليضربني.

فقال عليه السلام: يا أمة الله اصبري حتي يبرد النهار، ثم أذهب معك إن شاء الله.

فقالت: يشتد غضبه عليّ.

فطأطأ رأسه ثم رفعه وهو

يقول:

لا والله، أو يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع.

أين منزلك؟

فمضي عليه السلام إلي بابه فوقف فقال: السلام عليكم.

فخرج شاب.

فقال علي عليه السلام: يا عبد الله، اتق الله، فإنك قد أخفتها وأخرجتها.

فقال الفتي وهو لا يعرف أمير المؤمنين عليه السلام: وما أنت وذاك، والله لأحرقنها لكلامك.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر تستقبلني بالمنكر وتنكر المعروف؟

قال: فأقبل الناس من الطرق ويقولون: سلام عليكم يا أمير المؤمنين.

فسقط الرجل في يديه.

فقال: يا أمير المؤمنين أقلني عثرتي، فوالله لأكونن لها أرضاً تطأني.

فاغمد علي عليه السلام سيفه وقال: يا أمة الله أدخلي منزلك، ولا تلجئي زوجك إلي مثل هذا وشبهه» ().

لأعين مظلوماً

أخرج الشيخ الجليل محمد بن محمد بن النعمان المفيد (قدس الله سره) في كتابه (الاختصاص)، في حديث طويل عن ابن دأب جاء فيه:

قال: ذكر الكوفيون: إن سعيد بن قيس الهمداني رآه يعني علياً عليه السلام في شدة الحر في فناء حائط.

فقال: يا أمير المؤمنين بهذه الساعة؟

قال عليه السلام: «ما خرجت إلا لأعين مظلوماً أو أغيث ملهوفاً» ().

من هو أضعف مني

وأخرج المفيد رحمة الله عليه أيضاً، قال:

«وذكروا أنه عليه السلام توضأ مع الناس في ميضاة المسجد، فزحمه رجل، فرمي به.

فأخذ الدرة فضربه، ثم قال له: ليس هذا لما صنعت بي، ولكن يجيء من هو أضعف مني فتفعل مثل هذا فتضمن» ().

المنع عن المشي خلفه

أخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (البحار)()، عن (الكافي) و(المحاسن) بأسانيد صحيحة عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام قال:

«خرج أمير المؤمنين عليه السلام علي أصحابه وهو راكب، فمشوا خلفه، فالتفت إليهم فقال:

لكم حاجة؟

فقالوا: لا يا أمير المؤمنين، ولكنا نحب أن نمشي معك.

فقال لهم: انصرفوا، فإن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ومذلة للماشي.

قال: وركب مرة أخري فمشوا خلفه فقال عليه السلام:

انصرفوا، فإن خفق النعال خلف أعقاب الرجال مفسدة لقلوب النوكي» ().

النوكي، جمع الأنوك: الأحمق.

وأخرج في (المناقب) عن زاذان:

«إنه عليه السلام كان يمشي في الأسواق وحده..

وهو ذاك يرشد الضال، ويعين الضعيف، ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ: ?تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين?()» ().

وهكذا كان علي بن أبي طالب عليه السلام بين الناس دائماً، وفي أوساط المجتمع، يعيش مشاكلهم ويحل معضلاتهم، ويؤدبهم بلسانه وعلمه، وسيرته وأفعاله.

التطبيق الدقيق للإسلام

كان أمير المؤمنين عليه السلام يطبق الإسلام تطبيقاً دقيقا في الأمور الصغيرة والكبيرة، لأن الأمر الصغير كبير إذا كان حكم الله، والكبير كبير لأنه حكم الله.

فالمقياس حكم الله، وبحسابه يكون كل شيء منتسباً إلي الله تعالي كبيراً.

بهذا المنظار الواقعي العميق كان أمير المؤمنين علي عليه السلام يقيم سيرته مع الناس وفي مختلف أدوار الحياة، كما كان عليه السلام هكذا دقيقاً وعميقاً في حياته الشخصية.

وفيما يلي نذكر بعض النقاط من ذلك ليكون خير أسوة للساسة المسلمين وقادة

بلاد الإسلام.

إطفاء السراج

جاء في كتاب (المناقب) لابن شهر آشوب (قدس الله سره) عن ابن مردويه قال: «وسمعت مذاكرة: إنه عليه السلام دخل عليه عمرو بن العاص ليلة وهو في بيت المال، فطفئ السراج، وجلس في ضوء القمر، ولم يستحل أن يجلس في الضوء من غير استحقاق» ().

أتري كم كان يصرف من الزيت هذه اللحظات التي كان يكلم فيها عمرو بن العاص؟

إنه شيء يسير جداً.

ولكن علي بن أبي طالب عليه السلام أسوة وقدوة، فإذا كان واقعياً دقيقاً إلي هذا الحد في أموال المسلمين فلا تصل النوبة إلي ما وصل اليوم إليه بعض رؤساء بلاد الإسلام الذي يبذر المليارات.. وعشرات المليارات من أموال المسلمين اعتباطاً وسرفاً.

خشن في ذات الله

وأخرج (المناقب) أيضاً عن ابن مردويه قال:

«لما أقبل يعني أمير المؤمنين عليه السلام من اليمن، تعجل إلي النبي واستخلف علي جنده الذين معه رجلاً من أصحابه.

فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي عليه السلام.

فلما دنا جيشه خرج علي عليه السلام ليتلقاهم، فإذا هم عليهم الحلل.

فقال: ويلك ما هذا؟

قال: كسوتهم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس.

قال عليه السلام: ويلك من قبل أن تنتهي إلي رسول الله؟

قال الراوي: فانتزع علي عليه السلام الحلل من الناس وردها في البز.

قال أبو سعيد الخدري:

شكا الناس علياً إلي رسول الله في ذلك.

فقام رسول الله خطيباً فقال:

يا أيها الناس لا تشكوا علياً، فوالله إنه لخشن في ذات الله» ().

كسر الذهب

وأخرج المناقب: أيضاً عن زاذان قال:

«إن قمبراً قدّم إلي أمير المؤمنين عليه السلام جامات من ذهب وفضة في الرحبة وقال: إنك لا تترك شيئاً إلا قسمته فخبأت لك هذا.

فسل سيفه وقال: ويحك لقد أحببت أن تدخل بيتي ناراً؟

ثم استعرضها بسيفه فضربها حتي انتثرت من بين إناء مقطوع بضعة وثلاثين وقال: عليّ بالعرفاء.

فجاءوا، فقال عليه السلام: هذا بالحصص» ().

جامات الذهب والفضة قد تكون قيمتها أكثر وأكثر ما دامت جامات من قيمتها بعد كسرها.. ولكن حيث إن أواني الذهب والفضة محرمة لعله لذلك كسرها أمير المؤمنين عليه السلام ووزعها غير محرم.

وهكذا ضرب أمير المؤمنين عليه السلام الرقم القياسي في التطبيق الدقيق للإسلام.

لا.. للقوميات

(القومية) هي إحدي أساليب الاستعمار الفكرية التي ضرب بها المسلمين وحطمهم، وشتت شملهم، وفرق جمعهم، وبالتالي: وتطبيقاً للقانون «فرق تسد» ساد الاستعمار علي بلاد الإسلام وعلي المسلمين، وهو ما نراه اليوم بكل وضوح وجلاء..

أما الإسلام فقد قضي علي هذه النعرات القومية يوم أعلن القرآن الحكيم:

?يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم?().

ويوم أعلن النبي:

«ليس لعربي علي عجمي فضل إلا بالتقوي» ().

وقال: «كلكم لآدم وآدم من تراب» ().

كذلك:

سار الإمام أمير المؤمنين عليه السلام نفس هذا المسير، ورفض القوميات بكل شدة وشجاعة، تحكيماً للقرآن، وتطبيقاً لأمر رسول الله.

العربية والعجمية سواء

أخرج ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) عن أبي إسحاق الهمداني قال:

«إن امرأتين أتتا علياً عليه السلام إحداهما من العرب والأخري من الموالي فسألتاه، فدفع إليهما دراهم وطعاماً بالسواء.

فقالت إحداهما: إني امرأة من العرب وهذه من العجم.

فقال عليه السلام: إني والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً علي بني إسحاق» ().

أخته والعجمية سواء

وقد ذكرنا سابقاً أنه عليه السلام لم يفضل في العطاء أخته العربية، القرشية الهاشمية، وهي من أقرب الناس إليه، لم يفضلها علي مولاة أعجمية.

وقال عليه السلام في بعض خطبه:

«لأسوين بين الأسود والأحمر» ().

وعندما أراد توزيع بيت المال كتب عليه السلام:

«العربي والقرشي

والأنصاري والعجمي.

وكل من في الإسلام من قبائل العرب وأجناس العجم سواء» ().

(وهكذا) جعل أمير المؤمنين عليه السلام الإطار العام هو الإسلام، يتحطم علي صخرته الصلدة كل القوميات، والقبليات، والأعراف غير الإسلامية، والتجزءات والتبعيضات غير الإنسانية.

سياسة علي عليه السلام في مختلف الأبعاد

وكانت سياسة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) في مختلف الأبعاد، وفي كل أمر مارسه، سياسة حكيمة رشيدة، مقتبسة من سياسة الله تعالي خالق البشر والعالم بأحسن سياسة لهم، والمنزّل للقرآن الحكيم أجمع دستور سياسي عرفه البشر..

ومتبعة لسياسة رسول الله التي هي أول وأحكم وأعمق سياسة مارسها إنسان علي وجه الأرض.

لذلك: كانت سيرة أمير المؤمنين عليه السلام كلها سياسة رشيدة.

في أيام رسول الله.

وفي أيام مَن قبله.

وفي أيام خلافته الظاهرية.

حفظ الوحدة الإسلامية

فلم يدع أمير المؤمنين علي عليه السلام مجالاً للمشعوذين والذين يريدون إلقاء الخلاف بين المسلمين.

فقد أخرج الإربلي (قدس سره) في كتاب «كشف الغمة» بسنده عن الإمام الحسين عليه السلام قال:

«جاء رجل إلي أمير المؤمنين عليه السلام يسعي بقوم.

فأمرني أن دعوت له قنبراً.

فقال له علي عليه السلام: أخرج إلي هذا الساعي فقل له: قد أسمعتنا ما كره الله تعالي فانصرف في غير حفظ الله تعالي» ().

منطق العدل

والعدل هو أساس سياسة أمير المؤمنين عليه السلام في كل أمر.

ومن ذلك ما أوصي به ولاته في أهل الكتاب ومنهم اليهود الذين وصفهم القرآن الحكيم بأنهم: ?أشد الناس عداوة للذين آمنوا?().

فقد أخرج الشيخ الكليني (رضوان الله عليه) في الكتاب الشريف (الكافي) بسنده عن رجل من ثقيف وكان من عمال أمير المؤمنين عليه السلام قال:

«استعملني علي بن أبي طالب عليه السلام علي بانقيا وسواد من سواد الكوفة فقال لي والناس حضور: انظر خراجك فجد فيه ولا تترك منه درهماً. فإذا أردت أن تتوجه إلي عملك فمر بي.

قال: فأتيته فقال لي: إياك أن تضرب مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً في درهم خراج، أو تبيع دابة عمل في درهم، فإنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو» ().

تصحيح خط المسلمين

كان أمير المؤمنين عليه السلام يعلم أن معاوية لن يُقتل في صفين وسيبقي ليعيث الفساد في الأرض، وإنما حاربه لتصحيح خط المسلمين وليسلب الشرعية عن معاوية وحكمه ومن يأتي من بعده ويبني علي أسس معاوية، وهناك نصوص عديدة في قضايا تاريخ أمير المؤمنين عليه السلام تنص علي ذلك.

فقد أخرج ابن شهر آشوب رحمة الله عليه عن مينا قال:

«سمع علي عليه السلام ضوضاء في عسكره فقال: ما هذا؟

فقيل: قُتل معاوية.

قال: كلا ورب الكعبة لا يقتل حتي تجتمع عليه هذه الأمة.

قالوا له: يا أمير المؤمنين فلم تقاتله؟

قال: التمس العذر بيني وبين الله» ().

وأخرج أيضاً عن مروان الأصفر قال:

«قدم راكب من الشام وعلي عليه السلام بالكوفة، فنعي معاوية، فأدخل علي علي عليه السلام فقال له علي: أنت شهدت موته؟

قال: نعم وحثوت عليه.

قال: إنه كاذب.

قيل: وما يدريك يا أمير المؤمنين أنه كاذب؟

قال: أنه لا يموت حتي يعمل كذا وكذا أعمالاً عملها في سلطانه.

فقيل له: فلم تقاتله

وأنت تعلم هذا؟

قال: للحجة» ().

بُعد النظر

من سمات أمير المؤمنين عليه السلام الظاهرة في سياسته: بُعد النظر.

(وهذا) أمر مستساغ بكل سهولة لمن يعتقد عصمة أمير المؤمنين عليه السلام كما دلت عليه العشرات من أدلة النقل والعقل.

وأول ما وصف (ضرار بن ضمرة) به أمير المؤمنين عليه السلام عندما سأله معاوية ذلك بعد استشهاد علي عليه السلام كان قوله: «كان والله بعيد المدي».

ولذلك: لم يول طلحة والزبير علي الكوفة والبصرة.

ولذلك أيضاً: لم يبق معاوية علي الإمارة.

لما كان يعلم به من تواطئهما مع معاوية جميعاً ضد أمير المؤمنين عليه السلام.

اقرأ معي النصوص التالية:

لا أولي معاوية ليلة

أخرج العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (البحار) عن ابن سحيم عن أبيه أنه قال: «لما بويع علي عليه السلام جاء إليه المغيرة بن شعبة فقال: إن معاوية من قد علمت، وقد ولاه الشام من كان قبلك، فولّه أنت كيما تتسق عري الإسلام ثم أعزله إن بدا لك».

فقال أمير المؤمنين عليه السلام فيما قال: «لا يسألني الله تعالي عن توليته علي رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبداً».

ثم قرأ قوله تعالي: ?وما كنت متخذ المضلين عضداً?()، ().

وأخرج في (البحار) عن ابن أبي الحديد: أن علياً عليه السلام قال للزبير يوم بايعه: «إني لخائف أن تغدر بي فتنكث بيعتي؟

قال: لا تخافن فإن ذلك لا يكون مني أبداً.

فقال علي عليه السلام: فليَ الله عليك بذلك راع وكفيل؟

قال: نعم الله لك عليّ بذلك راع وكفيل» ().

وقال بعد حديث: «بعث معاوية رجلاً من بني عبس وكتب معه كتاباً إلي الزبير بن العوام وفيه:

أما بعد: فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا، واستوثقوا الحلف فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقنك إليها ابن أبي طالب، فإنه لا شيء بعد هذين المصرين، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك،

فأظهرا الطلب بدم عثمان، وادعوا الناس إلي ذلك، وليكن منكما الجد والتشمير.

قال: فلما وصل هذا الكتاب إلي الزبير سرَّ به وأعلم به طلحة واقرأه إياه فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية، وأجمعا عند ذلك علي خلاف علي عليه السلام.

قال: وجاء الزبير وطلحة إلي علي عليه السلام بعد البيعة له بأيام فقالا له: يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كنا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلها، وعلمت أن رأي عثمان كان في بني أمية، وقد ولاك الله الخلافة من بعده، فولنا بعض أعمالك.

فقال علي عليه السلام لهما: ارضيا بقسم الله لكما حتي أري رأيي، واعلما أني لا أشرك في أمانتي إلا من أرضي بدينه وأمانته من أصحابي ومن قد عرفت دخيله.

فانصرفا عنه وقد دخلهما اليأس، فاستأذناه في العمرة.

وروي: أنهما طلبا منه أن يوليهما المصرين البصرة والكوفة.

فقال: حتي أنظر، ثم لم يولهما» ().

وهذا كله من بُعد نظر أمير المؤمنين عليه السلام في سياسة البلاد والعباد.

فلو كان قد ولي معاوية، وطلحة والزبير، لتآمروا علي أمير المؤمنين عليه السلام، بعد ما كانت ورقة الشرعية بيدهم بتوقيع أمير المؤمنين عليه السلام.

» الاقتصاد هو الكسب كله «()

الإمام الصادق عليه السلام

5 سياسة الإسلام في المجال الاقتصادي

5 سياسة الإسلام في المجال الاقتصادي

إن الاقتصاد له الأهمية الكبري في السياسة، وكلما كان التوازن الاقتصادي أقوي كانت السياسة أكثر سداداً ورشداً.

فلننظر إلي الإسلام كيف جعل من الدولة الإسلامية البعيدة الآفاق، الشاسعة() الأراضي، الكثيرة النفوس، أمة غنية كاد أن يصبح الفقر فيها خبراً لكان..

ولا فقير واحد

انظر إلي القصة التالية وتدبر في أبعاد دلالتها.

ذكر الشيخ الحر العاملي رحمة الله عليه في كتاب (وسائل الشيعة):

أن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كان يمشي في سكك الكوفة، فنظر إلي رجل يستعطي الناس: فوجه الإمام السؤال إلي من حوله من الناس قائلاً:

ما هذا؟

فقالوا: إنه نصراني كبر وشاخ ولم يقدر علي العمل، وليس له مال يعيش به، فيكتنف الناس..

فقال الإمام في غضب: استعملتموه علي شبابه حتي إذا كبر تركتموه؟

ثم جعل الإمام لذاك النصراني من بيت مال المسلمين مرتباً خاصاً ليعيش به حتي يأتيه الموت().

وهذا يدل علي أن الفقر كاد أن لا يري لنفسه مجالاً في الدولة الإسلامية حتي إذا رأي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فقيراً واحداً كان يستغرب، ويعتبره ظاهرة غير طبيعية وغير لائقة بالمجتمع الإسلامي، والنظام الاقتصادي الإسلامي.

ثم يجعل له من (بيت مال المسلمين) مرتباً يرتزق به مع أنه نصراني لايدين بالإسلام، لكيلا يكون في البلد الإسلامي مظهر واحد للفقر والجوع.

ولكي يعرف العالم، والمسلمون أنفسهم أن الحكومة الإسلامية تقضي علي الفقر وترفع مستوي الفقراء لا بالنسبة للمسلمين فحسب، بل تنفي الفقر حتي عن الكفار ماداموا تحت رعاية الدولة الإسلامية.

لا فقر في أفريقيا

القارة السوداء التي لا تزال حتي اليوم رغم كل التقدم الاقتصادي في مختلف الميادين في العالم ترزح تحت وطأة الجوع والفقر والبؤس، والتي يموت فيها يومياً المئات والألوف.

هذه القارة التي تربض علي مخازن الثروة الضخمة، والتي يسرق الطغاة في العالم ثرواتها دون أن يعطوها خبزاً وقمحاً يسدان الجوع.

هذه القارة كانت قبل أكثر من عشرة قرون تنعم بالغني والثروة نتيجة حكم الإسلام عليها.

فقد نقل المؤرخون: أن والي أفريقيا في العهد الإسلامي وبالضبط في عهد أبي جعفر الإمام محمد الباقر خامس أئمة أهل

البيت عليهم السلام مفتتح القرن الثاني الهجري بعث رسالة إلي العاصمة الإسلامية يستفسر عن الصدقات والزكوات المتضخمة عنده ماذا يصنع بها؟

فصدر الجواب: أصرفها علي الفقراء والضعفاء.

فكتب: عملنا ذلك وزادت صدقات كثيرة فماذا نعمل بها إذن؟

وصدر الجواب: اجعل من يعلن في البلاد علي رؤوس الناس: (ألا من كان محتاجاً فليأت الوالي وليأخذ حاجته من الصدقات) واجعل من يبحث عن الفقراء وأهل العوز، فلعل هناك بعض من يمنعه الحياء أن يأتي الوالي..

فكتب الوالي إلي العاصمة الإسلامية: فعلنا ذلك وزادت الصدقات.

فصدر الجواب: اصرفها في عامة مصالح المسلمين.

فهل رأت أفريقيا مثل ذلك في كل تاريخها وبعد الإسلام؟

وهل رأي العالم أو قرأ أو سمع نظاماً اقتصادياً يستطيع أن يقتلع جذور الفقر عن الناس حتي يكون من بواعث العجب والدهشة رؤية فقير واحد في طول البلد الإسلامي وعرضها، ولو كان ذاك مسيحياً غير مسلم؟

وهل استطاع العالم المعاصر، والتجارب الاقتصادية الكثيرة من وضع نظام اقتصادي كهذا؟

والجواب علي ذلك كله: النفي طبعاً.

فاليوم وقد بلغت الحضارات قمتها، والأنظمة الاقتصادية ذروتها، لاتكاد تجد بلداً واحداً إلا والفقر قد نشر أجنحته السوداء، والفقراء ملأ الأرض، والجوع والحرمان شملا الشرق والغرب والجنوب والشمال.

ولعل بالحجاز

الحجاز واليمامة() بلاد جافة وأرض جرداء لا زرع فيها ولا ضرع غالباً، خصوصاً في التاريخ الغابر حيث كان يقل ماؤها، ولا عيون فيها إلا نادراً.

ومثل هذه البلاد من الطبيعي أن يشكو أهلها الجوع والبؤس..

لكن لم يكن قد مضي علي تأسيس الإسلام بعدُ نصف قرن حيث قال زعيم الدولة الإسلامية وإمام المسلمين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في خطبة خطبها علي جماهير المسلمين وهو يذكر سبب تقشفه وزهده:

«ولعل بالحجار أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع» ().

فالإمام

عليه السلام وهو زعيم أكبر دولة علي وجه الأرض ذلك اليوم، لايلقي الكلام بجزم أن هناك في زوايا دولته المترامية الأطراف شخصاً فقيراً واحداً لم يشبع طيلة حياته، ولا إنساناً واحداً لا يطمع في تحصيله علي قرص خبز، من أجل عدم التأكد لهذه الدرجة من الفقر، فيلقي الكلام ب(لعل) وبذلك يذكر السبب لزهده وعدم شبعه من الأكل، لأن الإمام ينبغي له أن يواسي أضعف الرعية، وكيف يشبع الإمام علي عليه السلام وربما يوجد في الرعية من لم يشبع.

(أما) مسألة الموت من الجوع مثل هذا الذي كثر اليوم في بعض بلاد العالم، فذاك ما لا يذكر تاريخ الإسلام الصحيح له مورداً واحداً.

وفي السويد

تعتبر (السويد) اليوم من أرقي بلدان العالم حضارة وتقدماً، ولكنها لا تزال تعاني فقراً شديداً، ويعيش فيها فقراء في منتهي الجوع والبؤس.

ففي (استوكهولم) عاصمة السويد، يقول عنها بعض الصحف:

«¬في برد السويد ينام البعض من الفقر تحت الثلج، وبعضهم يلتحف بأوراق الصحف ليجدهم الكناسون صباحاً موتي من البرد» ().

فإذا كان أرقي بلاد العالم كما يقولون يعيش هذه الحالة التعيسة من الفقر فكيف بباقي بلاد العالم..

أليس عظيماً اقتصاد الإسلام الذي ينفي الفقر قبل ثلاثة عشر قرناً حتي لا يعتبر زعيمه مسألة الفقر ووجود فقير واحد في طول البلاد وعرضها شيئاً مؤكداً وحتمياً؟

نصوص الشريعة

النصوص الكثيرة في الشريعة الإسلامية، والأحكام الشرعية، وعمل زعماء المسلمين من النبي والأئمة الطاهرين (عليه وعليهم الصلاة والسلام) هي التي خلقت ذاك الجو الذي لم ير الجوع فيه موضع قدم واحدة، وإليك نماذج من الكثير الكثير:

فعن النبي انه قال: «ما آمن بي من أمسي شبعاناً وأمسي جاره جائعاً» ().

وجاء في (نهج البلاغة) من كلام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: «إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما مُتع به غني، والله تعالي سائلهم عن ذلك» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام في حديث له:

«…وإن الناس ما افتقروا، ولا احتاجوا، ولا جاعوا، ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء» ().

وقال الإمام الباقر عليه السلام في حديث له:

«… ولأن أعول أهل بيت من المسلمين أشبع جوعتهم وأكسو عورتهم وأكف وجوههم عن الناس أحب إليّ من أن أحج حجة، وحجة.. حتي انتهي إلي عشر وعشر مثلها.

حتي انتهي إلي سبعين» ().

الكرامة الاقتصادية

هناك قاعدة معروفة تقول: (الكرامة الاقتصادية تورث الكرامة الاجتماعية).

هذه حقيقة ثابتة في المجتمعات التي لم يكتمل فيها الوعي والفهم في كل الأبعاد.

ولأن الكثير من المجتمعات في العديد من مقاطع التاريخ هكذا كانت… ولا تزال.. وربما ستكون أيضاً.

فلم يتغافل الإسلام الاهتمام بها لكي لا يكون المؤمنون والأخيار في ذيل المجتمع لا يعبأ بهم؟ ولا يقدر جانبهم.

من أجل ذلك نري التحريض الكبير والمؤكد في المتواتر من روايات أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) علي تحصيل الكرامة الاقتصادية أكثر وأكثر، وأبواب التجارة من كتب (وسائل الشيعة) و(مستدرك الوسائل) و(بحار الأنوار) و(جامع الأحكام) ونحوها من موسوعات الحديث الشريف تطفح بهذه الروايات الشريفة المروية عن النبي وأهل بيته الطاهرين (عليه وعليهم الصلاة والسلام).

وهناك ملاحظات لطيفة ودقيقة في

هذا المجال في ثنايا الأحاديث الشريفة نذكر واحدة منها.

تجارة الموالي

أخرج حجة الإسلام الكليني رحمة الله عليه في الكتاب الشريف (الكافي) بسنده عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام قال:

«أتت الموالي أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: نشكو إليك هؤلاء العرب، إن رسول الله كان يعطينا معهم العطاء بالسوية.

وزوج سلمان، وبلالاً، وصهيباً.

وأبوا علينا هؤلاء، وقالوا: لا نفعل.

فذهب إليهم أمير المؤمنين عليه السلام فكلمهم فيهم.

فصاح الأعاريب: أبينا ذلك يا أبا الحسن، أبينا ذلك.

فخرج وهو مغضب يجر رداءه وهو يقول:

يا معشر الموالي: إن هؤلاء قد صيروكم بمنزلة اليهود والنصاري، يتزوجون إليكم ولا يزوجونكم.

ولا يعطونكم مثل ما يأخذون.

فاتجروا بارك الله لكم.

فإني سمعت رسول الله يقول:

الرزق عشرة أجزاء تسعة أجزاء في التجارة وواحدة في غيرها» ().

هذا الحديث الشريف يحتوي علي عدة مواضيع إسلامية في الصميم ومهمة بالغة الأهمية وهي بإيجاز كما يلي:

1: شعبية الرئيس الإسلامي الأعلي حتي ليأتيه الموالي وهم مستضعفون في المجتمع لا قدر لهم ولا قيمة، فيفتح الرئيس صدره، ويستمع إليهم، ويفسح المجال لهم، كما يفسح المجال لغيرهم.

2: المساواة الإسلامية العظيمة، علي أساس العدل والإنسانية حتي ليجرأ غير العرب، في بلاد العرب أن يرفعوا الشكوي إلي الرئيس الأعلي من أجل استحقارهم من قبل العرب، وهذا ما لا يوجد إلا في الإسلام.

3: قيام أمير المؤمنين عليه السلام وهو الرئيس الأعلي للدين والدنيا، بالوساطة لهم بنفسه ودخوله علي العرب لينصحهم في هذا الحكم الإسلامي المهم، وهو المساواة في الزواج بين العرب وغير العرب علي أساس الإسلام والإنسانية.

4: الحرية الإسلامية الرائعة التي تسمح لأناس عاديين أن يردوا وساطة مثل أمير المؤمنين عليه السلام.

5: العدل الإسلامي العظيم الذي يتجلي في عدم قيام أمير المؤمنين عليه السلام برد فعل تجاه رد هؤلاء له،

وعدم قيامه بعتابهم، أو عقابهم، أو منعهم عن بعض حقوقهم، ونحو ذلك مما يفعله معظم الرؤساء في مثل هذه المواقف.

6: تشبيه أمير المؤمنين عليه السلام أولئك العرب الذي ردوا العمل بحكم إسلامي عظيم جداً أو سياسي خطير باليهود والنصاري في هذا الموقف القومي البغيض الذي جاء الإسلام لرفضه ورفض أمثاله، تعميقاً من الإمام عليه السلام لهذه النقطة السياسية المهمة في الإسلام التي تجمع المسلمين علي صعيد واحد ويبني عليها الاتحاد الإسلامي الشامل.

7: تعليم الموالي طريق الكرامة الاجتماعية، الذي هو في مثل تلك المجتمعات غير المتشبعة بعد بروح الإسلام في كل الأبعاد: هو تحصيل الكرامة الاقتصادية..

لكي يتماسك المسلمون، وتتحد القوميات في ظل الإسلام، ولو عن طريق الكرامة الاقتصادية..

لأن القوميات تعشعش غالباً في المحيطات الفقيرة، فإذا كان الغني وكانت الأراضي والسيارات، والتجارات والقصور.. ونحوها فإن القومية تنهار كالملح في الماء والحطب في النار.

وبالفعل تعلم أولئك الموالي من أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) هذه الحكمة الاجتماعية وساروا طريق التجارة، حتي أصبح الكثير منهم تجاراً، وأصحاب أموال، وتزوجوا بعد ذلك من العرب، وتزوج منهم العرب، وتماسك التلاحم العربي العجمي في ظل الإسلام العظيم.

«إن في القرآن آية تجمع الطب كله:

?كلوا واشربوا ولا تسرفوا? ()» ().

الإمام أمير المؤمنين عليه السلام

6 سياسة الإسلام في المجال الصحي

6 سياسة الإسلام في المجال الصحي

الإسلام وضع خططاً حكيمة لاقتلاع جذور المرض من أطراف الدولة الإسلامية كلها ومن عامة المسلمين.

فإنا نجد في قائمة الأحاديث الشريفة المأثورة عن رسول الإسلام وعن أهل بيته الأئمة الأطهار (عليهم الصلاة والسلام) المئات المئات.. بل الألوف والألوف منها مخصصة لبيان الأمور الصحية.

وللتوسع في ذلك دونك كتاب (بحار الأنوار) () للإمام العلامة المجلسي رحمة الله عليه الكتاب الذي يضم زهاء مائة ألف حديث شريف، وكتاب (وسائل الشيعة) للإمام الشيخ الحر العاملي

رحمة الله عليه الكتاب الذي يضم زهاء أربعين ألف حديث شريف، فانك تجد فيهما الفصول المخصصة بالصحة والطب، والأحاديث الكثيرة فيها.

ولأجل ذلك قلما يجد الإنسان في ظل الحكم الإسلامي مرضي كثيرين وأمراضاً متفشية.

وكانت الصحة العامة ترفرف بأجنحتها العريضة علي الدولة الإسلامية، وكان ذلك مستمراً إلي عهد سقوط الدولة الإسلامية.

فالبلد الواحد ذو مائة ألف نسمة مثلاً كان يكفيه أطباء قليلون، وكنت تري يومياً بعضهم بلا مراجعين، أو قليلي المراجعين يعدون عداً بالأصابع.

ونحن حين لا ننكر ما للطب الحديث من التقدم في مجالي (التشريح) و(كشف المكروبات) وغيرهما، نود أن نتساءل:

لماذا أصبح الطب اليوم بما أوتي من حول وطول عاجزاً عن معالجة المرضي، ومكتوف الأيدي أمام هذا العدد الهائل من الأمراض؟

ففي كل بلد تري المرضي يعدون بالألوف.. والألوف.

والأطباء بالعشرات.. بل بالمئات.

والصيادلة ومخازن ومستودعات بيع الأدوية والعلاج كذلك..

ولو قسنا هذه الكمية الكبيرة بعهد الإسلام وعدد المرضي فيه لكانت النسبة واحداً بالمائة، أو أقل بكثير().

أليس ذلك دليلاً علي رشد الإسلام في سياسته الصحية، وفشل غير الإسلام في هذا المجال؟

فالأطباء يضاعف عددهم سنوياً بالألوف.

والمستشفيات في ازدياد.

والتجارب الصحية في تقدم.

والمرضي ملأ الدنيا.

والأمراض طبقت البلاد.

هل هذه سياسة صحية رشيدة؟

أم هذه ظاهرة صحية فاشلة.

مقارنة

ويمكنك استطلاع هذه الحقيقة بالتفتيش عن المصحات والمستشفيات ودور الصحة، فإنك تجد نسبة المتدينين والملتزمين بتعاليم الإسلام الصحية فيها أقل بكثير من غير المتدينين وغير الملتزمين بالتوجيهات الإسلامية في مجال الصحة العامة.

وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت: إن النسبة واحد في المائة.

وهذه المقارنة البسيطة تعطيك فكرة خاطفة وسريعة عن مكان الصحة في الإسلام.

وليس في هذا العرض البسيط متسع من المجال لذكر الأسباب الصحية التي وضعها الإسلام لتعميم الصحة في كل بيت، ومع كل إنسان، وإنما نرجئ ذلك إلي بحوث خاصة،

وننبه علي بعض ما كتب في ذلك، وهي:

(طب النبي)()..

(طب الصادق عليه السلام)()..

(طب الأئمة عليهم السلام)()..

(شرح توحيد المفضل) للعلامة الخليلي، مجلدان.

وغيرها…

تقليل الدم

ولنضع هنا مثلاً يكون نموذجاً واحداً لما قلناه عن سياسة الصحة في الإسلام:

فقد كان المسلمون غالباً حسب أوامر الشريعة الإسلامية المتكررة والمؤكدة يعمدون إلي تقليل كمية الدم من كل فرد في كل عام علي الأقل مرة واحدة خصوصاً في أيام الربيع حيث يهيج الدم، تبعاً لتهيج كل ما في الكون من إنسان، وحيوان، ونبات، وأجهزة، وطاقات وغيرها.

وذلك بعملية (الحجامة) أو عملية (الفصد)().

وقد ورد في الأحاديث الشريفة أن تقليل الدم أمان من موت الفجأة وهي السكتة القلبية، والشلل المؤدي إلي ذلك.

ومما ورد في ذلك حديث شريف للإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام حيث قال:

«الدم هو عبد وربما قتل العبد سيده» ().

ولكن الطب الحديث جاء ليمنع عن تقليل الدم منعاً باتاً حتي أني عندما اقترحت علي طبيب أن يسمح لنا بتقليل الدم من مريض لنا مصاب بضغط الدم تبسم وقال: «نحن لا نعتقد ذلك».

وكان نتيجة ذلك وغيره أيضاً انتشار السكتة القلبية في طول البلاد وعرضها، ومن أقصاها إلي أقصاها.

فكانت البلاد الإسلامية تعيش ولا تعرف السكتة القلبية، ويعرف جيداً من عاش قبل نصف قرن أن السكتة القلبية كانت مثار عجب ودهشة إذا أصيب بها إنسان واحد.

وقد حدثني شيخ من المؤمنين: أنه في شبابه وقعت حادثة وفاة بالسكة القلبية في محلة من بلده، وإذا بالناس يتراكضون إلي الميت وقد ملكهم العجب مما سمعوا ولم يكد بعضهم ليصدقه.

أما اليوم وقد ربض الطب الحديث مكان الطب الإسلامي فتري الموتي بالسكتة القلبية كثيراً.. وكثيراً، ولعلني لا أكون مبالغاً إذا قلت: إن نسبة ذلك قد تصل إلي 35%. أي: قرابة ثلث الناس

يلقون حتفهم بالسكتة القلبية الناتجة عن تخثر الدم، نتيجة عدم تقليل الدم بالحجامة، أو الفصد، أو ما شابه ذلك.

كشف الخطأ

وقد انكشف للطب الحديث أخيراً وبعد أن راح ضحية هذا الخطأ الملايين من البشر موتاً بالسكتة القلبية خطأ هذا الرأي، وأن النافع للبدن والصحي للإنسان هو تقليل الدم.

ومما نشأ عن ذلك توجيه الأطباء للناس النصيحة بتقليل الدم.

ففي أوائل شهر كانون الثاني من عام (1972) ميلادية أذاعت إذاعة بريطانيا من ركن الطب الذي له بحث خاص كل أسبوع ما يلي:

«تقليل الدم، أو التبرع بالدم أمر صحي ضروري لكل إنسان، وهذا بدوره يمنع تصلب الشرايين الذي يؤدي غالباً إلي تخثر الدم، الذي يمهد الطريق إلي انسداد صمام القلب، وتوقف القلب، وبالتالي (السكتة القلبية). وإن عملية (الحجامة) أو (المشرط) التي كان المسلمون يزاولونها هي التي تركت نسبة الموت الفجائي فيهم قليلة ضئيلة».

هذا بعض ما في الإسلام من السياسة الصحيحة لتعميم الصحة علي الجميع في كل مكان.

?قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون?

سورة الزمر: 9

7 سياسة الإسلام في مجال الثقافة

7 سياسة الإسلام في مجال الثقافة

لا تكاد تري أمة، أو فكرة، أو مبدأ، أو نظاماً فتح أبواب العلوم والثقافة كما فتحها الإسلام، أو ندب إليها كما ندب الإسلام إلي العلم.

فكم ندب الإسلام إلي العلم، وكم قدّر من العلماء، ورفع من شأنهم.

منزلة العلم في القرآن

ونظرة باحثة بدقة في القرآن الحكيم، وتصفح آيات بينات ورد فيها العلم والفكر والعلماء والمفكرين، توقف الباحث علي كنز كبير وزخم عظيم.

ففي القرآن أكثر من ألف وخمسمائة آية تتحدث عن المواد التالية: (العلم)، (المعرفة)، (التعقل)، (التذكر)، (التدبر) التي يجمعها معني (الثقافة).

وإذا علمنا أن كل ما في القرآن من آيات (6400) آية تقريباً.

وإذا علمنا أيضاً أن هذه الآيات تعني بكل ما في الإسلام من أصول، وفروع، وأحكام، وأخلاق، ونفس، وجسد، وعلوم الكون، والحيوان، والنبات، والفلسفة، والطب، والاجتماع، والسياسة، والاقتصاد، والعلاقات الدولية، والفردية، والعائلية، والقومية، والإقليمية، وما إلي ذلك من عبادات، ومعاملات، وجيش، وشرطة، وأمن، وحاكم، ومحكوم، وغير ذلك..

ومن مجموع ذلك نسبة الربع تقريباً يختص بالثقافة.

إذا علمنا كل ذلك وجمعنا بعضها إلي بعض ظهر لنا بجلاء اهتمام القرآن بالثقافة، وأنه لا يشابهه اهتمام أي نظام، أو دين، أو مبدأ.

فهل نجد عبر التاريخ كله كتاباً للتشريع والتنفيذ جميعاً في مختلف الميادين تستأثر الثقافة منه بالربع؟ كلا!

منزلة العلم في السنة

والسنة والأحاديث الشريفة المروية عن رسول الله وأهل بيته الأئمة الأطهار عليه السلام هي الأخري زاخرة بالعلم والمعرفة.

ويكفيك أن تعلم أن كتاباً واحداً من مجاميع الأحاديث هو (بحار الأنوار) جمع فيه من أحاديث العلم والمعرفة قرابة ثلاثة آلاف حديث أو تزيد.

هذه الخلفية الثقافية الواسعة المعمقة تعكس بعض اهتمام الإسلام بالثقافة والفكر.

نماذج

ولمجرد النماذج نذكر بعض الأحاديث لنعرف البعد العميق في تحريض الإسلام علي الثقافة والعلم:

1: «اطلبوا العلم ولو بالصين» ().

ولو علمنا أن الرسول الذي فاه بهذه النادرة العظيمة كان في الحجاز وكان في زمان يستغرق السفر منه إلي الصين ذهاباً وإياباً سنتين، دع عنك الأخطار الكبيرة.. والكثيرة التي كان يواجهها المسافر إلي الصين عبر البحار والصحاري، من تعرض للغرق والضياع والهلاك عطشاً أو جوعاً، أو بتمزيق السباع، وما شاكل ذلك.. لعرفنا بعض عمق هذا الكلام النبوي..

2: «اطلبوا العلم من المهد إلي اللحد» ().

ولعلنا لا نجد في التاريخ كلمة أخري غير هذه النادرة التي ورد بها الحديث الشريف تدل علي أن المهمة الأولي والأخيرة للإنسان هو العلم، فمن المهد يبدأ الإنسان مدرسته، ولا ينتهي منها إلا عندما يوضع في القبر ويلحد.

3: «العلماء ورثة الأنبياء» ().

الأنبياء عليهم السلام هم قمم البشر، هم السفراء بين الله وبين خلقه، هذه المنزلة هي التي يختار الله لها من يشاء من بين الناس.. فليس باختيار الناس أنفسهم بل هو اختيار الله تعالي، ولكن لأي بشر أن يتسنم الوراثة لهذه القمة، بأن يتعلم حتي يصبح عالماً، ويكفي ذلك دلالة علي رتبة العلم وعظيم منزلته.

4: «الناس موتي وأهل العلم أحياء» ().

الحياة ينسجم معها الأحياء ولا ينسجم معها الأموات، لأن كل شيء ينسجم مع مجانسه، وهذه الكلمة هي من أروع التعبير لذلك، فالناس إن

لم يكونوا علماء فهم أموات، والأموات لا حق لهم في هذه الحياة، وأهل العلم هم أحياء وهم الذين يستحقون الحياة.

فالجاهل وإن كان حياً في هذه الدنيا فهو بحكم الميت.

والعالم وإن كان ميتاً منذ قرون فهو بحكم الحي.

5: «ليت السياط علي رؤوس أصحابي حتي يتفقهوا» ().

عالم اليوم يفتخر بالتعليم الإجباري الذي فرض في بعض الدول علي عامة الناس غافلين عن أن المخطط الأول لذلك هو حفيد رسول الله الإمام جعفر الصادق عليه السلام صاحب هذه الكلمة النادرة.

فهو يتمني لو استطاع جبر أصحابه علي التفقه والتعلم ولو بسبب ضربهم بالسياط.

6: «طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة» ().

هذا الإجبار العام في التعليم والثقافة الشامل لكل رجل وامرأة عديم الوجود في غير الإسلام، فهو من مختصات الإسلام أن يبلغ بالتحريض علي الثقافة حداً يربطها بأوثق الروابط بالسماء، فهو فريضة، وواجب شرعي إلهي، ثم إنه لا يختص بألف قيد، وألف شرط، من: التحديدات بالعمر، أو الجنسية، أو المهنة، أو ما شاكل ذلك مما تشترط في تعليم عالم اليوم.

إنه واجب علي كل مسلم شباباً، وشيوخاً، وكهولاً، ومن مختلف الجنسيات، والألوان، واللغات، والقوميات، والقبليات.. إلي آخره.

وهو واجب علي كل امرأة مسلمة كذلك.

والأحاديث الشريفة في التحريض علي الثقافة والأمر بالعلم والاستزادة منه كثيرة.. كثيرة، لا مجال لذكرها هنا في هذا العرض المبني علي الاختصار.

فهل تجد مثل ذلك في غير الإسلام؟

كلا!

معرفة الصناعات

ويضرب الإسلام شوطاً أبعد في ميدان الثقافة، فيصدر حكمه الأكيد والوجوب المحتوم علي تعلم كافة الصناعات، والمخترعات، والحرف، وجوباً كفائياً.

ومعني الوجوب الكفائي هو: أن المسلمين لو تركوا جميعاً صنعة أو حرفة فتعطلت عندهم أجهزة الحياة ولو نسبياً اشترك الجميع في الإثم والعصيان والمسؤولية أمام الله تعالي.

قال شيخ الفقهاء الشيخ المرتضي الأنصاري رحمة

الله عليه في كتاب (المكاسب): «وللواجب بالصناعة الواجبة كفاية خصوصاً إذا تعذر قيام الغير به» ().

فعلم صنع الطائرات واجب مقدس في الإسلام.

وتعلم صنع المكائن بأنواعها وأشكالها واجب مقدس.

وكذلك تعلم صنع الأقمار الصناعية، والمركبات الفضائية.

وتعلم فلق الذرة واجب مقدس أيضاً.

وهكذا كل صناعة، أو حرفة، أو اختراع يتضرر الإسلام والمسلمون بتركه واجب مقدس في الإسلام..

(ومعني) الواجب ليس المفضل وحسب. بل معناه في اصطلاح الإسلام ما لو تواني عنه المسلمون وتقاعسوا لاستحق جميعهم عذاب الله تعالي ممن كان يمكنه القيام به وتركه.

ولو فعله بعض المسلمين بمقدار الكفاية للعالم الإسلامي وكل المستضعفين في العالم الذين أمر الله سبحانه بالجهاد من أجل كلمة الله ومن أجلهم، حيث قال في القرآن الحكيم: ?وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين?(). كان لمن فعله أجر الدنيا وثواب الآخرة. فيندرج ذلك في العبادة التي لم يخلق الله تعالي الناس إلا من أجلها حيث قال القرآن الحكيم: ?وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون?().

«لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً» ().

الإمام أمير المؤمنين عليه السلام

8 سياسة الحرية في الإسلام

8 سياسة الحرية في الإسلام

الحريات التي سنها الإسلام للمسلمين ولعامة الناس بمثابة لم ير التاريخ الطويل للعالم لها نظيراً ولا مثيلاً، وحتي هذا اليوم الذي يحب الغربيون أن يسموه ب(عصر الحرية).

فإن الإسلام يعطي لكل فرد من المسلمين، بل وحتي لغير المسلمين من سائر البشر، كامل الحرية في جميع المجالات المشروعة، مادام لا يضر بحرية غيره().

حرية الفكر

وأول ما يبدأ الإسلام بتحرير الناس فيه: الفكر، واختيار الدين، فإن الإسلام لايجبر الناس علي دين معين أبداً ولو كانوا في بلاد الإسلام وتحت رعايته وحمايته.

وقد أعلن القرآن الحكيم هذه الحرية الفكرية بقوله:

?لا إكراه في الدين?().

وقد نفذ ذلك رسول الله في كل حروبه الدفاعية، وغزواته..

فكانت الانتصارات تلو الانتصارات التي يحققها الله تعالي لرسوله الكريم لا تحمله علي إجبار الناس باعتناق الإسلام، بل يعرض عليهم الإسلام، فمن قبله فهو، ومن لم يقبله فلا جبر عليه بالقبول.

في فتح مكة

ومن أبرز الشواهد علي ذلك (فتح مكة).

(فمكة) ضغطت علي رسول الله ثلاثة عشر عاماً بمختلف أنواع الضغوط: من قتل المسلمين، وتعذيبهم، وشتمهم، واهانتهم، ومقاطعتهم، وترك مناكحتهم، وترك مبايعتهم، وترك التكلم معهم، وتهجيرهم، وسجنهم..

(ومكة) هي التي تآمرت علي قتل رسول الله حتي أمره الله تعالي بالخروج منها ليلاً، فخرج منها خائفاً يترقب.

(ومكة) هي التي قادت المسيرة ضد رسول الله طيلة عشرين سنة تقريباً.

(ومكة) هي التي أقامت العشرات من الحروب الدموية الطاحنة لتحطيم الإسلام والمسلمين.

وهكذا دواليك..

ثم جاء دور انتصار الرسول علي مكة، ووصل زمن وعد الله تعالي للرسول الأعظم:

?إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلي معاد?().

وللمسلمين المهجرين، والمهاجرين، والمعذبين في سبيل الله:

?لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين?().

فدخل رسول الله هذا البلد، ودخل معه الجيش الإسلامي.

أتري أجبر النبي أحداً من المشركين علي الإسلام؟

كلا!

فحرية العقيدة من دستور الإسلام.

وهذا الموقف من رسول الله تجاه أهل مكة فريد في تاريخ الفتوحات، والانتصارات.

إلا اللهم في تاريخ الأنبياء والمرتبطين بالله تعالي من الأوصياء والأولياء عليهم السلام.

وفعل النبي تعميقاً في الخير والحب العام أكثر من ذلك.

فإن أحد المسلمين أخذ راية الإسلام بيده وجعل يدور في أسواق وسكك مكة ويصيح:

«اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبي الحرمة» ().

إلا أنه لما بلغ

ذلك رسول الله أمر الإمام علياً عليه السلام أن يأخذ الراية بيده ويعلن بضد ذاك النداء.

فأخذ علي عليه السلام راية الإسلام بيده وجعل يصيح في طرق وشوارع مكة:

«اليوم يوم المرحمة، اليوم تصان الحرمة».

أتري أي فاتح غير الرسول في مثل مكة وموقفها من الرسول فعل مثل ذلك؟

إنه الإسلام الذي جاء لإسعاد البشر حتي الذي لا يؤمن بالإسلام يريد له الخير ويحب لهُ النجاة..

إنه أبعاد الحرية المقدسة في الإسلام.

فتح البلاد

وكانت سيرة رسول الله عندما يفتح البلاد أن يرسل إلي أهلها حاكماً، أو قاضياً، أو معلماً للقرآن والأحكام..

فيقوم هؤلاء ببث الثقافة الإسلامية بين أهل تلك البلاد، فمن قبل وآمن فحباً وكرامة، ومن ترك ولم يؤمن فشأنه.

الكفار في مكة والمدينة

ومن الشواهد البارزة لذلك: إن مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وما حولهما من القري والأرياف، كان يعيش فيها بكثرة اليهود، والنصاري، والمشركون، حتي وفاة الرسول فلم يجبرهم علي الإسلام، بل تركهم وشأنهم.

آيات قرآنية

وأساس هذه الحرية العميقة في القرآن الحكيم آيات عديدة منه، وقد عرض ذلك القرآن بأسلوب إنساني وعاطفي غاية في اللطف والجمال، اقرأ معي هذه الآيات:

?لا إكراه في الدين

قد تبين الرشد من الغي

فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها والله سميع عليم? ()…

?والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلي الظلمات?().

?الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم?().

?وهديناه النجدين?().

?إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلي ربه سبيلاً?().

?قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلي ربه سبيلاً?().

?إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً?().

حريات أخري

والإنسان حر بنظر الإسلام في مزاولة كل أنواع الأعمال، بمختلف أشكالها، وأحوالها، في أي زمان ومكان.

انطلاقاً من الآيات القرآنية الآنفة الذكر.

ومن قوله تعالي: ?النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم…?().

والذي يستفاد منها أن كل إنسان ولي نفسه، وهو حر في جميع تصرفاته في نفسه وأمواله().

وقد استنبط فقهاء الإسلام من ذلك قاعدة ثابتة أساسية هي قولهم:

«الناس مسلطون علي أموالهم وأنفسهم».

وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي:

«إن الناس مسلطون علي أموالهم» ().

وورد عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:

«لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً» ().

فهذه الآيات والأحاديث الشريفة تؤكد حرية الإنسان في تصرفاته الشخصية في جميع أبعاد الحياة: في نفسه، وماله، كيف شاء، ومتي شاء، وحيث شاء، إلا أن يستغل ذلك في المضرات الشخصية كقتل نفسه وإسراف ماله، أو المضرات الاجتماعية كقتل الآخرين وظلمهم وغصب أموالهم ونحو ذلك.

(وبكلمة واحدة): أي تصرف كان للشخص، في نفسه، أو في أمواله، أو في طاقاته، أو

في طاقات الكون مما لا يزاحم حق إنسان آخر فهو حلال، وله الحرية الكاملة في مزاولته (في الإطار الإسلامي الواسع).

فإن الإسلام يعطي لكل فرد من المسلمين حرية الكسب والتجارة، حرية العمل والصناعة، حرية السفر والإقامة، حرية الخطابة والكتابة، والحرية في جميع الأمور.

فالتاجر بحكم الإسلام حر في التجارة من أية نقطة إلي أي بلد، دون حاجة إلي أخذ إجازة أو رخصة، وليس عليه جمارك ومكوس، ولا للبلاد الإسلامية التي يتجر فيها حدود!!

والمسافر بحكم الإسلام حر في أن يسافر من أين شاء إلي حيث يريد، ويتوطن أي بلد أراده، دون أن يطالب بجواز سفر، أو إقامة، أو يسأل عن اسمه واسم أبيه وأمه، وأسماء عشيرته وأقربائه وأصدقائه، أو يسأل عن غاية سفره أو هدفه().

والعمال، والصناع بنظر الإسلام أحرار في الأعمال التي يختارونها والصناعات التي ينتخبونها دون أية معارضة أو منع أو حاجة إلي إجازة أو نحوها..!

والكاتب عند الإسلام حر فيما يكتب، وما يبث وما ينشر، دون رقابة، أو إجازة، إلا فيما يضر المجتمع نفسياً، أو فكرياً، أو صحياً، أو نحوها!!.

?ولكم في القصاص حياة?

سورة البقرة: 179

9 سياسة الإسلام في مكافحة الجرائم

9 سياسة الإسلام في مكافحة الجرائم

وقد قام الإسلام بمكافحة الجرائم والجنايات، بأسلوب لم تحلم به الدول كلها حتي وبعد الإسلام! فهو يجعل بقوانينه الراشدة من الناس أمة طاهرة لا تأتي بجناية!!

ولو نظرت إلي الدولة الإسلامية الكبيرة، منذ البعثة النبوية العظمي حتي مضي قرنين من مفتحتها، والتي كانت شاسعة جداً، لرأيت التاريخ يسجل سرقات قليلة في هذه الدولة الواسعة، بينما تري أميركا اليوم (وهي تدعي لنفسها أنها من الدول الحضارية الفائقة في حضارتها) تستنجد بالعالم في كيفية مكافحة هذا الخطر المحدق لخلاصها من ستة ملايين لص، في ظرف خمسة وعشرين عاماً، فما النسبة؟.

مائتان من السنوات، دولة كبيرة جداً،

وسرقات قليلة جداً.

مع ربع قرن، ودولة كأميركا، وستة ملايين لص().

ونشر في الآونة الأخيرة في بعض الجرائد تقرير مرعب عن نسبة الجرائم في أميركا المعاصرة المتحضرة كما يلي:

في أميركا يقع كل عام:

1: سبعة عشر ألف ومائتان وثمانون جريمة قتل.

2: سبعة وسبعون ألفاً وسبعمائة وستون جريمة اغتصاب فتاة، أو ولد أو امرأة.

3: واحد وخمسون ألفاً وثمانمائة وأربعون جريمة سرقة بمختلف أشكالها، من سرقة بنوك، ومحلات تجارية، وبيوت، وأفراد، وغيرها.

وذلك يعني: أن في كل ساعة تمضي علي أميركا، يقع فيها أكثر من سبعة عشر جريمة.

بنسبة أكثر من جريمتي قتل.

وتسع جرائم اغتصاب.

وست جرائم سرقة.

هذا بالنسبة إلي هذه الجرائم الثلاث، أما غيرها من سائر الجرائم فيمكن تعدادها في كل عام بالملايين.. كما يشهد به دور المحاكم، ومخافر (الشرطة) وأجهزة الأمن، وغيرها ().

العلماء لا يعرفون عقوبة السارق

والقصة التالية تدل بوضوح علي مدي قدرة الإسلام علي نفي الجرائم:

«في عهد المعتصم العباسي، حيث كان (المعتصم) جالساً علي أريكة الحكم، في مجلس ضخم كبير، يضم كبار العلماء والفقهاء ومن بينهم الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام ()، وهو علي أبواب العقد الثاني من عمره الشريف، يتراءي لهم طفلاً بعد، في مثل هذا المجلس، جاؤوا بسارق ثبت عليه الإدانة بالسرقة، وبعد ما تم الإثبات الشرعي لدي (المعتصم) بشأن إدانته بجريمة السرقة توجه المعتصم إلي الفقهاء المحدقين به يستفسرهم عن حكم (السارق)، فأجمع الكل علي أن حكمه أن تقطع يده لقوله تعالي: ?والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا?()، لكنهم اختلفوا في أن اليد من أين تقطع؟

فقال بعض الفقهاء، ومنهم أبو داود: تقطع يده من الكرسوع أي الزند، لقوله تعالي في آية التيمم: ?فامسحوا بوجوهكم وأيديكم?()، فأطلق القرآن كلمة (الأيدي) وأراد بها من الزند.

وقال آخرون من الفقهاء: بل

تقطع يده من المرفق، لقوله تعالي في آية الوضوء: ?فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق?(). فأطلق القرآن كلمة (الأيدي) وأراد بها من المرفق.

هذا كله.. والإمام محمد بن الجواد عليه السلام لزم جانب الصمت ولم يتكلم بشيء، ولم يؤيد واحداً من هذه الآراء، فتطلع (المعتصم) إلي رأي ثالث عند الإمام، حيث لم يؤيد هذه الأقوال، فتوجه إلي الإمام قائلاً:

ماذا تقول أنت يا ابن العم؟!.

الإمام: قالوا وسمعت.

المعتصم: لا بد أن تقول رأيك، أي شيء عندك؟.

الإمام: إن كان لابد من ذلك، فإنهم أخطؤوا فيه السنة، فإن القطع يكون من مفصل أصول الأصابع، ويترك له الكف.

المعتصم: ولم؟.

الإمام: لقول رسول الله: «السجود علي سبعة أعضاء، الوجه، واليدين، والركبتين، وإبهامي الرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع، أو المرفق، لم تبق له يد يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالي: ?وأن المساجد لله? يعني به هذه الأعضاء السبعة ?فلا تدعوا مع الله أحداً?() وما كان لله لم يقطع.

فأعجب المعتصم ذلك، فأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف().

«… فمن ترك مالاً فلورثته ومن ترك ديناً فعليّ» ().

حديث شريف

10 سياسة الإسلام في الضمان الاجتماعي

10 سياسة الإسلام في الضمان الاجتماعي

والضمان الاجتماعي في الإسلام صبابة الإنسانية في قمتها، ولذا فإن الإسلام حيث ينطلق من زاوية الإنسانية، يصب هذا الضمان بما توافق الإنسانية في أعمق أبعادها الفضيلة، وبتأكيد لم ير التاريخ قبل الإسلام، ولم تسجل الحضارات بعد الإسلام، حتي اليوم ضماناً اجتماعياً بعمق الضمان الاجتماعي في الإسلام.

إنه يقول: إن كل من يموت وعليه ديون، فعلي إمام المسلمين أداء ديونه، وكل من يموت وله مال، فالمال كله لورثته، ليس لإمام المسلمين منه شيء..

فهل سمعت ضماناً اجتماعياً كهذا، حتي في أعمق الحضارات؟.

بالتأكيد، لا..

زخم النصوص

وفي نصوص الشريعة الإسلامية زخم كبير من ذلك، وهو إن دل علي شيء، فإنما يدل علي مدي اهتمام الإسلام بالتأكيد علي هذا الجانب الاجتماعي المهم، حيث تكرر نقل ذلك عن نبي الإسلام وأئمة العترة الطاهرة عليهم السلام. اقرأ معي النصوص الشريفة التالية:

في حديث رسول الله

روي الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام سادس أئمة أهل البيت عليهم السلام عن جده رسول الله أنه قال:

«أنا أولي بكل مؤمن من نفسه، وعلي عليه السلام أولي به من بعدي».

فقيل له: ما معني ذلك؟.

فقال: قول النبي:

«من ترك ديناً، أو ضياعاً فعلي، ومن ترك مالاً فلورثته» ().

قال الإمام الصادق عليه السلام بعد نقل هذا الحديث عن رسول الله:

«وما كان سبب إسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله وأنهم آمنوا علي أنفسهم وعلي عيالاتهم» ().

وروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله عليه) قال: إن النبي كان لا يصلي علي رجل عليه دين، فأتي بجنازة، فقال: هل علي صاحبكم دين؟ فقالوا: نعم، ديناران، فقال: صلوا علي صاحبكم.

فقال أبو قتادة: هما عليّ يا رسول الله.

قال: فصلي عليه، فلما فتح الله علي رسوله، قال: «أنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فمن ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديناً فعلي» ().

وأخرج علي بن إبراهيم في تفسيره، بسنده المذكور عن رسول الله أنه كان يقول: «ما من غريم ذهب بغريمه إلي والٍ من ولاة المسلمين واستبان للوالي عسرته إلا برئ هذا المعسر من دينه، وصار دينه علي والي المسلمين فيما في يديه من أموال المسلمين» ().

وفي أحاديث الأئمة الطاهرين عليهم السلام

عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «من مات وترك ديناً، فعلينا دينه، وإلينا عياله، ومن مات وترك مالاً، فلورثته» ().

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: ما كان رسول الله ينزل من منبره، إلا قال:

«من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديناً أو ضياعاً، فعليّ» ().

وأخرج الكليني والطوسي (قدس سرهما) في كتابي الحديث، عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام أنه قال:

«من طلب هذا الرزق

من حله ليعود به علي نفسه وعياله، كان كالمجاهد في سبيل الله عزوجل، فإن غلب عليه، فليستدن علي الله عزوجل وعلي رسوله ما يقوت به عياله، فإن مات ولم يقضه كان علي الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه كان عليه وزره» ().

وأخرجا أيضاً بأسانيدهما، عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: «الإمام يقضي عن المؤمنين الديون» ().

وأخرج الطوسي (رحمة الله عليه) بسنده عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: أنه قال له (عطاء): جعلت فداك، إن عليّ ديناً إذا ذكرته فسد عليَّ ما أنا فيه.

فقال عليه السلام: «سبحان الله! وما بلغك أن رسول الله كان يقول في خطبته: من ترك ضياعاً فلأهله ضياعه، ومن ترك ديناً فعلي دينه، ومن ترك مالاً فلأهله، فكفالة رسول الله ميتاً ككفالته حياً، وكفالته حياً ككفالته ميتاً».

فقال الرجل: نفّست عني جعلني الله فداك().

وأخرج العياشي في تفسيره عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه سئل، فقال له رجل من أهل الجزيرة: جعلت فداك، إن الله تبارك وتعالي يقول: ?فنظرة إلي ميسرة…?() فأخبرني عن هذه (النظرة) التي ذكرها الله، لها حد يعرف إذا صار هذا المعسر لابد له من أن ينتظر وقد أخذ مال هذا الرجل وأنفق علي عياله، وليس له غلة ينظر إدراكها، ولا دين ينتظر محله، ولا مال غائب ينتظر قدومه.

قال عليه السلام: «نعم، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلي الامام، فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين» ().

وروي الشيخ الصدوق رحمة الله عليه في (معاني الأخبار) بسنده المذكور عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال:

«صعد النبي المنبر، فقال: من ترك ديناً أو ضياعاً فعليّ وإليَّ، ومن ترك مالاً فلورثته، فصار بذلك أولي بهم من آبائهم

وأمهاتهم، وصار أولي بهم منهم بأنفسهم، وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام بعده، جري ذلك له مثل ما جري لرسول الله» ().

وأخرج الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) في (مجالسه) بسنده المذكور عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه كان يقول:

«صعد رسول الله المنبر، فتغيرت وجنتاه والتمع لونه، ثم أقبل بوجهه فقال: يا معشر المسلمين! إني إنما بعثت أنا والساعة كهاتين إلي أن قال: أيها الناس من ترك مالاً فلأهله وورثته، ومن ترك كلاً أو ضياعاً، فعليّ وإليّ» ().

وعن أبي عبد الله الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال:

«ومن كان له علي رجل مال أخذه ولم ينفقه في إسراف أو في معصية، فعسر عليه أن يقضيه، فعلي من له المال أن ينظره حتي يرزقه الله فيقضيه، وإذا كان الإمام العادل قائماً، فعليه أن يقضي عنه دينه، لقول رسول الله: من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديناً أو ضياعاً، فعليّ وإليّ وعلي الإمام ما ضمنه الرسول» ().

هذا واحد من بنود (الضمان الاجتماعي) في الإسلام، ويظهر منه عمق الإنسانية في الإسلام، وفي هذا النظام بالذات.

بالعكس تماماً مما تعمله عدة من أنظمة العالم المتحضر المتمدن، من جعل الضريبة علي الإرث، علي من مات وترك أموالاً.

ولو مات شخص وعليه ديون، فليس علي النظام الحاكم من دينه شيء أبداً، أتري كم يساهم مثل هذه الأنظمة في تشتيت المجتمع وتحطيم الديون بين الأفراد والجماعات، إذ الدائن لا يملك ضماناً لو أعطي ديناً لفقير معدم، لأنه لو مات فمن الذي سيتكفل ديونه؟

فمن تراه يقرض المحتاجين والمعوزين؟.

فهل هناك ضمان اجتماعي كما في الإسلام؟

«من أحيا أرضا ميتة فهي له، قضاءً من الله ورسوله» ().

النبي الأعظم

11 سياسة الإسلام في العمران والزراعة

11 سياسة الإسلام في العمران والزراعة

اتخذ الإسلام سياسة حكيمة، في ازدياد العمران

والزراعة، التي بهما تكون رفعة الدولة أو سقوطها، وذلك بإباحة الأراضي لمن عمرها بالبناء، أو الزراعة، أو فتح قناة، أو شق عين، أو تشييد المصانع والمعامل، أو غير ذلك. وبالتحبيذ إلي العمل والزراعة، واتخاذ دور وسيعة، وغيرها. فعن النبي: «من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق» ().

وعنه: «من أحاط حائطاً علي أرض، فهي له» ().

وعنه: «من سبق إلي ما لا يسبقه إليه المسلم، فهو أحق به» ().

فإذا رأي الشخص، أن الأراضي مباحة، تعطي دون أي ثمن، وهو حر في أن يختار ما يريد أن يصنع، أو ما يشاء أن يبني، ولا ضريبة عليه، ولا إجازة ولا رواح ومجيء، ولا معارض، ولا، ولا…

فمن الطبيعي أن يتخذ كسباً، أو يعمل عملاً، أو يخترع اختراعاً، أو يصنع صناعة.. أو يعمر دوراً، أو يتخذ مزراع، و، و…

وبذلك تزدهر الدولة بالعمارات الكثيرة، والمزارع الوافرة، والصنائع والمخترعات، وتتسع البلاد، و، و… وتترقي، وتفوق!

وإليك ما كتبه (جرجي زيدان) عن ازدهار العمارات والزراعات في الدولة الإسلامية، حينما كان يحكمها الإسلام ولو نسبياً، قال:

العمارات الكثيرة

«ولكن كثيراً من المدن الإسلامية، أصبح خراباً بعد ذلك بالقياس إلي ما كان عليه في عهد الدولة الإسلامية،وخصوصاً (العراق) أو (السواد)() وعلي الأخص (بغداد) و(البصرة) و(الكوفة) وسائر مدن العراق».

وقد وصف الاصطخري() مدينة (البصرة) وصفاً بمثل ما كانت عليه أرض العراق من العمارة في عصره، قال: «البصرة مدينة عظيمة، لم تكن في أيام العجم، وإنما مصرها (المسلمون) وليس فيها مياه إلا أنهار».

وذكر بعض أهل الأخبار، أن أنهار البصرة عدت أيام بلال بن أبي بردة فزادت علي مائة ألف نهر وعشرين ألف نهر، تجري فيها الزوارق(). وقد كنت أنكر ما ذكر من عدد هذه الأنهار في أيام بلال، حتي

رأيت كثيراً من تلك البقاع، فربما رأيت في مقدار رمية سهم، عدداً من الأنهار صغاراً تجري في كلها زوارق صغار، ولكل نهر اسم ينسب به إلي صاحبه الذي احتفره أو إلي الناحية التي يصب فيها، فجوزت أن يكون ذلك في طول هذه المسافة وعرضها.

ثم يقول (جرجي زيدان):

فاعتبر المسافة التي تحفر فيها (120،000) نهر، أو ترعة، كم يمكن أن يكون سكانها؟ وهذا مستغرب عند أهل هذا الزمان، لكنه يدل علي كل حال علي عمران تلك الأرض.

وأردف قائلاً:

«وناهيك ببغداد.. فقد ذكر الاصطخري أيضاً في وصفها كما شاهدها في أيامه في القرن الرابع للهجرة قال: وتفترش قصور الخلافة وبساتينها من بغداد إلي نهر بين فرسخين()علي جدار واحد، حتي تتصل من نهرين إلي شط دجلة، ثم يتصل البناء بدار الخلافة مرتفعاً علي دجلة إلي الشماسية نحو خمسة أميال()، وتحاذي الشماسية في الجانب الغربي الحربية، فيمتد نازلاً علي دجلة إلي آخر الكرخ… الخ».

ثم قال: «فأين هذه العمارات مما صارت إليه بغداد عند اضمحلالها؟».

ثم قال: «وقس علي ذلك مدينة دمشق وغيرها من المدن التي ضعف أمرها اليوم()، وهناك مدن أخري كانت يومئذ (أي: في الحكومة الإسلامية)، في إبان مجدها، فأصبحت الآن اسماً بلا مسمي، مثل الفسطاط في مصر، والكوفة في العراق، والقيروان() في أفريقيا، وبصري في حوران، وغيرها» ().

هذه بالنسبة إلي العمارات.

والزراعات الوافرة

وأما الزراعات، فهي أيضاً كانت بكثرة هائلة منقطعة النظير حتي بالنسبة إلي هذه الأيام التي سهلت فيها الزراعات، وصنعت مكائن تعمل لاستخراج المياه ورش البذور والحصاد وغيرها.

فالعراق كان يسمي ب(أرض السواد) لأن الشخص في العراق أين ما كان يذهب أو يحل، يبصر بمرمي بصره الزراعات، وكان يقول واصفو مزارع العراق: إنها لا يوجد فيها فدان غير مزروع.

ومصر كانت مزروعة

خصبة في عهد الحكومة الإسلامية.

قال المقريزي وهو من المؤرخين:

«إن هشام بن عبد الملك سنة 107 هجرية، أمر عبد الله بن الحجاب عامله علي خراج مصر أن يمسحها (أي: يستعلم مساحتها) فمسحها بنفسه، فوجد مساحة أرضها الزراعية، مما يركبه النيل 30،000،000 فدان (ثلاثين مليون فداناً).

ويقول (جرجي زيدان): مع أن مساحة الأرض الزراعية في وادي النيل سنة 1914 مع ما تبذله الحكومة من العناية في إخصابها وتعميرها لم تتجاوز ستة ملايين فدان كثيراً.. الخ.

ثم يقول: لأن مساحة مصر بما فيها من الواحات في صحراء (ليبيا) والأرض بين النيل والبحر الأحمر، وبينه وبين بحر الروم (البحر الأبيض المتوسط) إلي العريش تزيد علي 400،000 ميل مربع، وذلك يساوي نحو 187 مليون فدان، فلا غرابة إذن أن يكون العامر منها (30) مليون فدان.

ثم يردف قائلاً: واعتبر نحو هذا العمران أيضاً في مدن الإسلام الكبري في (الأندلس) مثل: (قرطبة) و(غرناطة) و(طليطلة)، وفي (العراق) و(الشام) بلاد لا تحصي، كانت في تلك الأيام مدناً كبري وأصبحت الآن قري صغيرة().

وهذه الشواهد وان كانت لا تعطينا صورة تفصيلية عن العمران والزراعة في ظل الحكم الإسلامي في البلاد الإسلامية كلها، إلا أنها تكفي لأن تكون أنموذجاً عن ذلك.

وما هذا التدهور القهقرائي في الزراعات والعمارات في الدولة الإسلامية إلا من جراء إزاحة الإسلام عن مجال الحكم والتنفيذ، ومن جراء استبدال الإسلام بقوانين ليست من الإسلام ولا الإسلام منها، وجعل قيود ثقيلة علي الزراعات والعمارات مضافاً إلي الضرائب.

ولو رجعت الأنظمة الإسلامية اليوم إلي دست الحكم، وأبيحت الأراضي لمن عمرها وأحياها، ورفضت القوانين الحديثة، والضرائب الباهضة، لساد البلاد الإسلامية ذلك العمران الشامل، وتلك الزراعات التي تملأ الدنيا، وبهما تترقي الدولة الإسلامية، وتزدهر في جميع النواحي، وتستطيع أن تجعل من

نفسها أغني دول العالم وأرقاها().

?لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين..?

سورة الممتحنة: 8

12 سياسة الإسلام في العلاقات الدولية

12 سياسة الإسلام في العلاقات الدولية

وضع الإسلام قانوناً لشد الروابط الدبلوماسية، والصداقة مع جميع الدول وحتي الكافرة منها، فجوز ذلك بالنسبة إلي الكفار الذين لم يؤذوا المسلمين، ونهي عنه مع الكفار الذين يؤذون المسلمين حيث يقول تعالي: ?لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا علي إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون?().

فالدول الكافرة التي أخرجت المسلمين من ديارهم، مثل إسرائيل، لايجوز للمسلمين إيجاد العلاقات معها، وأما الدول الكافرة المحايدة، فلابأس للمسلمين في أن يشدوا معهم روابط، ويكوّنوا صداقات معهم، ويبروا ويحسنوا إليهم.

وهذه الآية نزلت في (خزاعة) و(بني مدلج) حيث صالحوا الرسول الأعظم علي أن لا يقاتلوا المسلمين ولا يعينوا أحداً عليهم()، فشد المسلمون معهم الروابط وذهبوا إليهم وبروهم وأقسطوا وأحسنوا إليهم، وذلك حسب الرابطة العالمية التي يجعلها الإسلام بين بني الانسان، فالإنسان نظير الإنسان، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «فإنهم أي الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق» ()، ولم يقاطع المسلمون من لم يحاربوهم ولم يخرجوهم، أما لو قاموا ضد المسلمين فالمسلمون دفاعاً يقاطعونهم ويدافعون بذلك عن أنفسهم، وليجزوا بما فعلوا.

وفي سيرة رسول الله مع الكفار بأصنافهم المختلفة من مشركين ونصاري، خير أسوة لأي نظام إسلامي يقوم علي وجه الأرض.

فقد قال الله تعالي عن ذلك:

?لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً?().

وفي سورة الممتحنة من القرآن الحكيم عدة من

الآيات الكريمة بهذا الشأن، وكذلك آيات متفرقة في مختلف سور القرآن، ونحن نذكر نماذج من ذلك مع مختصر تفسيرها موجزين له من تفسير (مجمع البيان)، فإنه بيان لجانب من العلاقات الدولية الواردة في القرآن الحكيم.

الإسلام قبل الأرحام

?لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتي تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لاستغفرن لك…?().

?لن تنفعكم أرحامكم? أي: ذووا أرحامكم والمعني قراباتكم ?ولا أولادكم? أي: لا يحملنكم قراباتكم ولا أولادكم التي بمكة علي خيانة النبي والمؤمنين، فلن ينفعكم أولئك الذين عصيتم الله لأجلهم ?يوم القيامة يفصل? الله ?بينكم?، فيدخل أهل الإيمان والطاعة الجنة، وأهل الكفر والمعصية النار، ويميز بعضكم من بعض ذلك اليوم، فيري القريب المؤمن في الجنة قريبه الكافر في النار.

ثم ضرب سبحانه لهم إبراهيم عليه السلام مثلاً في ترك موالاة الكفار، فقال ?فقد كانت لكم أسوة حسنة? أي: اقتداء حسن ?في إبراهيم? خليل الله ?والذين معه? ممن آمن به واتبعه، ?إذ قالوا لقومهم? الكفار ?إنا برءآؤا منكم? فلا نواليكم ?ومما تعبدون من دون الله? أي: وبراء من الأصنام التي تعبدونها ?كفرنا بكم? أي يقولون لهم جحدنا دينكم وأنكرنا معبودكم ?وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً? فلايكون بيننا موالاة في الدين ?حتي تؤمنوا بالله وحده? أي تصدقوا بوحدانية الله، وإخلاص التوحيد والعبادة له، ?إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك? أي: اقتدوا بإبراهيم في كل أموره، إلا في هذا القول، فلا تقتدوا به فيه، فإنه عليه السلام إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه

بالإيمان، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه().

التأسي بصمود إبراهيم عليه السلام

?لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد

عسي الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم

لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين

إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا علي إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون?().

ثم أعاد سبحانه في ذكر الأسوة فقال: ?لقد كان لكم فيهم? أي في إبراهيم عليه السلام ومن آمن معه ?أسوة حسنة? أي قدوة حسنة، وإنما أعاد ذكر الأسوة، لأن الثاني منعقد بغير ما انعقد به الأول، فإن الثاني فيه بيان أن الأسوة فيهم كان لرجاء ثواب الله وحسن المنقلب، والأول فيه بيان أن الأسوة في المعاداة للكفار، وقوله ?لمن كان يرجو الله واليوم الآخر? بدل من قوله (لكم) وهو بدل البعض من الكل مثل قوله: ?ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً?() وفيه بيان أن هذه الأسوة لمن يخاف الله ويخاف عقاب الآخرة وهو قوله: ?واليوم الآخر? وقيل: يرجو ثواب الله وما يعطيه من ذلك في اليوم الآخر ?ومن يتول? أي ومن يعرض عن هذا الاقتداء بإبراهيم عليه السلام والأنبياء عليهم السلام والمؤمنين والذين معه فقد أخطأ حظ نفسه وذهب عما يعود نفعه إليه فحذفه لدلالة الكلام عليه، وهو قوله: ?فإن الله هو الغني الحميد? أي الغني عن ذلك، المحمود في جميع أفعاله، فلا يضره توليه، ولكنه ضر نفسه.

?لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم? أي:

ليس ينهاكم الله عن مخالطة أهل العهد الذين عاهدوكم علي ترك القتال وبرهم ومعاملتهم بالعدل، وهو قوله: ?أن تبروهم وتقسطوا إليهم? أي: وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد ?إن الله يحب المقسطين? أي: العادلين، ثم قال: ?إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين? من أهل مكة وغيرهم ?وأخرجوكم من دياركم? أي منازلكم وأملاككم ?وظاهروا علي إخراجكم? أي عاونوا علي ذلك وعاضدوهم وهم العوام والأتباع عاونوا رؤساءهم علي الباطل ?أن تولوهم? أي: ينهاكم الله عن أن تولوهم وتوادوهم وتحبوهم، والمعني: أن مكاتبتكم بينهم بإظهار سر المؤمنين موالاة لهم ?ومن يتولهم? منكم أي: يوالهم وينصرهم ?فأولئك هم الظالمون? يستحقون بذلك العذاب الأليم().

المؤمنات المهاجرات

?يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتوهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلي الكفار لا هن حل لهم ولاهم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم

وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلي الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون?().

لما قطع سبحانه الموالاة بين المسلمين والكافرين، بيّن حكم النساء المهاجرات وأزواجهن، فقال: ?يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن? بالإيمان، أي: استوصفوهن الإيمان، وسماهن مؤمنات قبل أن يؤمن، لأنهن اعتقدن الإيمان ?الله أعلم بإيمانهن? أي: كنتم تعلمون بالامتحان ظاهر إيمانهن، والله يعلم حقيقة إيمانهن في الباطن ?فإن علمتموهن مؤمنات? يعني في الظاهر ?فلا ترجعوهن إلي الكفار? أي: لا تردوهن إليهم ?لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن? وهذا يدل علي وقوع الفرقة بينهما بخروجها مسلمة

وإن لم يطلق المشرك ?وآتوهم ما أنفقوا? أي: وآتوا أزواجهن الكفار ما أنفقوا عليهن من المهر ?ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن? أي: ولا جناح عليكم معاشر المسلمين أن تنكحوا المهاجرات إذا أعطيتموهن مهورهن التي يستحل بها فروجهن، لأنهن بالإسلام قد بن من أزواجهن ?ولا تمسكوا بعصم الكوافر? أي: لاتمسكوا بنكاح الكافرات، وأصل العصمة المنع، وسمي النكاح عصمة، لأن المنكوحة تكون في حبال الزوج وعصمته… ?واسألوا ما أنفقتم? أي: إن لحقت امرأة منكم بأهل العهد من الكفار مرتدة، فاسألوهم ما أنفقتم من المهر إذا منعوها ولم يدفعوها إليكم، كما يسألونكم مهور نسائهم إذا هاجرن إليكم وهو قوله: ?وليسألوا ما أنفقوا ذلكم? يعني: ما ذكر الله في هذه الآية ?حكم الله بينكم والله عليم? بجميع الأشياء ?حكيم? فيما يفعل ويأمر به. ولما نزلت هذه الآية، آمن المؤمنون بحكم الله وأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين علي نسائهم، وأبي المشركون أن يقروا بحكم الله فيما أمرهم به من أداء نفقات المسلمين، فنزل ?وإن فاتكم شيء من أزواجكم? أي أحد من أزواجكم ?إلي الكفار? فلحقن بهم مرتدات ?فعاقبتم? معناه فغزوتم وأصبتم من الكفار عقبي، وهي: الغنيمة فظفرتم وكانت العاقبة لكم ?فآتوا الذين ذهبت أزواجهم? أي نساؤهم من المؤمنين ?مثل ما أنفقوا? من المهور عليهن من رأس الغنيمة، وكذلك من ذهبت زوجته إلي من بينكم وبينه عهد، فنكث في إعطاء المهر، فالذي ذهبت زوجته يعطي المهر من الغنيمة، ولا ينقص شيئاً من حقه بل يعطي كملا.

?واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون? أي اجتنبوا معاصي الله الذي أنتم تصدقون به، ولا تجاوزوا أمره، وقالوا: فكان جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين راجعات عن الإسلام، ست

نسوة:

أم الحكم بنت أبي سفيان، كانت تحت عياض بن شداد الفهري.

وفاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة أخت أم سلمة، كانت تحت عمر بن الخطاب فلما أراد عمر أن يهاجر، أبت وارتدت.

وبروع بنت عقبة، كانت تحت شماس بن عثمان.

وعمدة بنت عبد العزي بن فضلة، زوجها عمر بن عبدود.

وهند بنت أبي جهل بن هشام، كانت تحت هشام بن العاص بن وائل.

وكلثوم بنت جرول، كانت تحت عمر.

فأعطاهم رسول الله مهور نسائهم من الغنيمة().

لا.. لكل أنواع الاستعمار

?يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور?().

ثم خاطب سبحانه المؤمنين، فقال: ?يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم? أي: لا تتولوا اليهود وغيرهم من الكفار، وذلك أن جماعة من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود أخبار المسلمين يتواصلون إليهم بذلك فيصيبون من ثمارهم، فنهي الله المقاتلين عن ذلك، فقال: ?قد يئسوا من الآخرة? أي من ثواب الآخرة ?كما يئس الكفار من أصحاب القبور? يعني أن اليهود بتكذيبهم محمداً وهم يعرفون صدقه وأنه رسول قد يئسوا من أن يكون لهم في الآخرة حظ، لأنهم قد أيقنوا بعذاب الله().

«تناكحوا تناسلوا تكثروا، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط» (). الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله

13 سياسة الإسلام في تكثير النفوس

اليوم أصبحت دول العالم تفتخر فيما تفتخر به بزيادة النفوس، فالدول التي نفوسها أكثر، يكون فخرها أكثر، وكان من الطبيعي ذلك، لأن بكثرة النفوس يكثر العمران والزراعة، وبكثرة النفوس تزداد المصانع والمخترعات، وبكثرة النفوس تكون القوة ضد الأعداء، وبكثرة النفوس تبتعد الدولة عن الاستعمار والاستغلال، فالدول الصغيرة تستعمر في مدة قصيرة، ولكن الدول الكبيرة لا تستعمر إلا بجهود وافرة، ومراوغات مستمرة وجهود دائمة من المستعمرين.

هذه كلها نتيجة كثرة النفوس.

فلننظر إلي رأي الإسلام في ذلك:

الإسلام عرف نتائج تكثير النفوس قبل أن يحلم بها العالم، فقرره ووضع له خطوطاً وأسساً رصينة، تمكن بها من أن يجعل من الأمة الإسلامية أمة كبيرة كثيرة النفوس، وإليك بعض النقاط من ذلك.

أ: الإسلام حرض علي النكاح والزواج إبان بلوغ البنين والبنات البلوغ الشرعي فقال: «شرار موتاكم العزاب» ().

و: «ركعتان يصليهما متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب» ().

و: «من سعادة المرء

أن لا تطمث() ابنته في بيته» ().

كناية عن أنه علي الرجل أن تخرج ابنته من بيته، قبل أن تحيض والحيض يكون في الأغلب أوائل البلوغ.

ب: رفع الإسلام القيود التي وضعت في الزواج، وحبذ اتخاذ النكاح بسيطاً يقدر عليه كل فرد، فحبذ أن يكون المهر قليلاً.

يقول الحديث الشريف: «خير نسائكم أصبحهن وجهاً، وأقلهن مهراً» ().

كما حبذ أن لا يرد المؤمن إذا طلب التزويج وإن كان فقيراً، فالله تعالي يقول: ?إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله?() وقد أفتي بعض العلماء بحرمة رد المؤمن القادر علي النفقة، قال العلامة الحلي (قدس سره): «ويجب إجابة المؤمن القادر علي النفقة» ().

ج: أباح الإسلام التزويج بأكثر من واحدة، حتي أربع إن استطاع الزوج أن يعدل بينهن، حيث قال في القرآن المجيد: ?فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة?().

فهناك ربما يوجد أناس كثيرون لا تكفيهم زوجة واحدة، فلم طاقاتهم تذهب هباءً!!.

وهناك من مرضت زوجته بأمراض تمنع من التوالد والتناسل، أو كانت عقيمة لا تلد، فلم يبق الزوج بلا عقب وأولاد؟.

وهناك من كبرت زوجته فلا تلد، وفي الزوج توجد طاقة الإنجاب()، فلماذا تذهب قواه دون إنتاج؟.

وإباحة التزويج بأكثر من واحدة من أفضل وسائل تكثير النفوس، فهذا أحد الأوروبيين يقول: «إن المسلمين يتمتعون بمتع ثلاث: هي التي جعلتهم أقوياء، وصعبت استعمارنا لهم، وهي: تقدمية المبدأ، ووفرة الخامات، وكثرة النسل».

وما كثرة النسل إلا ولإباحة الزوجات فيها حظ وافر.

فهذه إحدي دول أوروبا حينما أرادت أن تشن حرباً علي بعض دول العالم لمصالح نفسها، أباحت التزويج بنساء متعددات قبل الحرب بعشرات السنين علماً منها بأن ذلك يوجب تكثير النفوس، وبزيادة الناس تزداد القوي، فلما وضعت الحرب أوزارها رجعت القهقري،

فمنعت من التزويج بأكثر من زوجة واحدة، كما كانت عليه من قبل، حيث التقليد غير الصحيح.

وما هذه الدول التي تمنع من ذلك، إلا للتقليد من الغرب!.

د: والإسلام يحرض كثيراً علي حفظ صحة الناس، فيأمرهم بما يقربهم من الصحة، وينهاهم عما يبعدهم عن الصحة، حتي أن الإسلام ينهي الناس عن إبقاء الأوساخ في الدار إذا جن الليل()، كما يحبذ أن يغسل الشخص جميع جسده كل يومين مرة ()، وغيرها، وغيرها.

فإذا استقامت واعتدلت صحتهم يكون الموت والمرض فيهم أقل، فالرجل الصحيح والمرأة الصحيحة يستطيعان أن ينجبا أكثر وأكثر.

وإذا حكمت هذه الموارد الأربعة في الدول الإسلامية، فمن الطبيعي أن تكثر النفوس.

فإن صار زواج كل من البنين والبنات عند البلوغ، ورفعت القيود الثقيلة من الزواج، وأبيحت النساء حتي أربع لزوج واحد، واتزنت صحة الناس، فلا شك أن الدولة التي هي (25) مليون نسمة مثلاً تصبح بعد مرور عشرين عاماً ضعف ذلك وعلي هذا المعدل والمقياس.

ولكن ما هو ذنب الإسلام إذا لم يعمل به المسلمون؟

ولم يطبقوه في حياتهم العملية؟.

?يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة…?

سورة البقرة: 208

14 سياسة الإسلام في السلم والحرب

14 سياسة الإسلام في السلم والحرب

الإسلام هو الدين الذي يدعو إلي السلم والسلام صدقاً، حيث يقول:

?يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين?().

ويقول: ?وإن جنحوا للسلم فاجنح لها?().

ولم يكن الإسلام يوماً ما مثل هذه الدول التي تدعو إلي السلام كذباً وتجعل السلام شعارها فقط، ثم إذا قامت الحرب أفنت قنابلها عشرات الملايين، وتفتخر بأن في استطاعتها إبادة العالم في دقائق معدودة.

وعجيب هذا!!.

أفهل يكون الفخر بالتدمير وسفك الدماء؟!.

ولكن الإسلام حينما يدعو قرآنه إلي السلام، يسير علي السلام في الصغيرة من خطواته والكبيرة، فهذا التاريخ يحدثنا بأن دولة الإسلام قامت علي

أقل من ألف وأربعمائة ضحية من المسلمين والكفار جميعاً، وكان ذلك نتيجة الحروب التي شنها الكفار، فدافع المسلمون عن أنفسهم.

أفهل تري اليوم يقام مبدأ، أو توجد فكرة، أو يطبق نظام، علي أقل من ملايين من الضحايا؟

إنه من المستحيل..

والمستحيل جداً.

ومن سياسة الإسلام الإنسانية في الحروب: أنه لم يبدأ بحرب قط، فالحروب والغزوات التي قامت في حياة الرسول العظيم كلها كانت دفاعية، فلم يكن الإسلام يوماً ما يذهب إلي الكفار ليشن عليهم الحرب جزافا واعتباطاً، كما أنه لم يبدأ بحرب إلا بعد الصبح، حتي أن في غزوة (ذات السلاسل) حينما تمكن المسلمون من الكفار ليلاً، لم يهجموا عليهم وأبي أمير المؤمنين عليه السلام من ذلك. ?فالموريات قدحاً فالمغيرات صبحا?()، ومعني الفقرة الأخيرة: أن الخيل تغير بفرسانها علي العدو وقت الصبح، وإنما ذكر وقت الصبح، لأنهم كانوا يسيرون إلي العدو ليلاً فيأتونهم صبحاً ().

وفيما يلي نذكر قسماً من الأحاديث الشريفة الواردة عن رسول الله وعن أهل بيته الأئمة الهداة عليهم السلام، في مختلف أحكام السلم والحرب، التي يظهر من خلالها جلياً كيف أن الإنسانية والعدل وتعميم الخير والصالح العام هي الأسس المتينة الثابتة لكل تصرفات الإسلام حتي في حالة الحرب… مما لم نجد له في التاريخ مثيلاً، لا تاريخنا المعاصر، عصر الحروب والتدمير، ولا تاريخ العالم الماضي، ولا تاريخ أي مذهب أو دين آخر.

وفي الوقت نفسه نذكر بكل اختصار عدداً من الأحاديث الشريفة في هذا المجال والتعليق عليها والبحث عنها بما يناسب حجم الكتاب، ونسأله تعالي أن نأتي بتفصيل ذلك في مجال أوسع في كتاب أكثر تفصيلاً إن شاء الله تعالي.

لا.. للغدر

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال: «كان رسول الله إذا أراد أن يبعث سرية، دعاهم فأجلسهم

بين يديه، ثم يقول:

سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلي ملة رسول الله..

لا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبياً، ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً، إلا أن تضطروا إليها، وأيما رجل من أدني المسلمين أو أفضلهم نظر إلي رجل من المشركين، فهو جار حتي يسمع كلام الله، فإن تبعكم فأخوكم في الدين، وإن أبي فأبلغوه مأمنه، واستعينوا بالله عليه» ().

(الغلول): السرقة.

لا.. لكل الرذائل في حال الحرب، واشتباك النار وسقوط القتلي.

فالقتل في سبيل الله فضيلة، سواء كان قتلاً للعدو، أم قتل العدو للمؤمن كلاهما للمؤمن فضيلة.

أما الرذائل فلا تنقلب فضيلة.

هذا هو منطق الإسلام، وسياسته الإنسانية حتي في الحرب.. فالغاية لا تبرر الواسطة أياً كانت.

تنظيم حربي رائع

روي في (تحف العقول) كتاب كتبه أمير المؤمنين عليه السلام إلي زياد بن النضر حين أنفذه علي مقدمته إلي صفين:

«اعلم أن مقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة طلائعهم، فإذا أنت خرجت من بلادك، ودنوت من عدوك، فلا تسأم من توجيه الطلائع في كل ناحية، وفي بعض الشعاب والشجر والخمر، وفي كل جانب، حتي لا يغيركم عدوكم ويكون لكم كمين، ولا تسير الكتائب والقبائل من لدن الصباح إلي المساء إلا تعبئة، فإن دهمكم أمر، أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدمتم في التعبئة، وإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في إقبال الأشراف، أو في سفاح الجبال، أو أثناء الأنهار، كيما يكون لكم ردءً ودونكم مردَّاً، ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد واثنين، واجعلوا رقباءكم في صياصي الجبال، وبأعلي الأشراف وبمناكب الأنهار يريئون لكم، لئلا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن، وإذا نزلتم فانزلوا جميعاً، وإذا رحلتم فارحلوا جميعاً، وإذا غشيكم الليل فنزلتم، فعفوا عسكركم بالرماح والترسة، واجعلوا رماتكم

يلون ترستكم، كيلا تصاب لكم غرة ولا تلقي لكم غفلة، واحرس عسكرك بنفسك، وإياك أن ترقد أو تصبح إلا غراراً أو مضمضة، ثم ليكن ذلك شأنك ودأبك حتي تنتهي إلي عدوك، وعليك بالتأني في حربك، وإياك والعجلة إلا أن تمكنك فرصة، وإياك أن تقاتل إلا أن يبدؤك، أو يأتيك أمري، السلام عليك ورحمة الله» ().

عظيم هذا الإسلام.

عظيم جداً.. وجداً.

إنه دين الإنسانية.

إنه بحق الدين الذي جعله خالق الإنسان لسعادة الإنسان.

فالارتباط بينهما وثيق غاية في الوثاقة.

ففي نفس الوقت الذي يضع الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) هذا التنظيم الرائع الحربي لقائد جيشه في المقدمة.

تراه يؤكد في آخره:

«وإياك أن تقاتل إلا أن يبدؤك».

فالجيشان اصطفا لماذا؟

أليس للقتال؟

أليس (معاوية) خرج علي الله وعلي الرسول إذ خرج علي خليفة الرسول الشرعي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؟

أليس جيش معاوية بغاة في المصطلح القرآني:

?وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا

فأصلحوا بينهما

فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله?().

ولكنه الإسلام العظيم الذي لا يترك الإنسانية في أحلك الحالات وأعسر الظروف.

لا.. للمبادرة بالحرب.

نعم.. للمبادرة بالإنسانية.

هذه هو موجز منطق الإسلام العسكري.. وفي كل مجال.

لا.. للنابالم

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«نهي رسول الله أن يلقي السم في بلاد المشركين» ().

(لا.. للنابالم)

هذا ما أكد عليه رسول الإسلام قبل أربعة عشر قرناً.

إنه قال: لا.. والتزم بهذا القول.

أما اليوم فيقول العالم.. لا للنابالم، ولكنهم لا يلتزمون به.

من هنا يعرف عظمة الإسلام في السيف.. وفي الالتزام.

لا.. لقتل النساء

روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سئل عن النساء كيف سقطت الجزية عنهن ورفعت عنهن؟

قال: فقال:

«لأن رسول الله نهي عن قتل النساء والولدان في دار الحرب، إلا أن يقاتلن، وإن قاتلت أيضاً فأمسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللا، فلما نهي رسول الله عن قتلهن في دار الحرب كان ذلك في دار الإسلام أولي، ولو امتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها، فلما لم يمكن قتلها رفعت الجزية عنها، ولو منع الرجال فأبوا أن يؤدوا الجزية كانوا ناقضين للعهد، وحلت دماؤهم وقتلهم، لأن قتل الرجال مباح في دار الشرك والذمة، وكذلك المقعد من أهل الشرك والذمة والأعمي والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض الحرب فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية» ().

(الإسلام) هو حامي المرأة في كل المجالات.

(والمادية) جعلت المرأة سلعة رخيصة، شأنها شأن الخمر.. والهيروئين.

فلينصف العالم الإسلام من خلال هذا النص الواحد الذي له ألوف الأمثال في الإسلام هل الإسلام حمي المرأة أم حاربها؟

وهل المادية حمت المرأة أم خلعتها.

يسعي بذمتهم أدناهم

عن السكوني عن أبي عبد الله قال: قلت له:

ما معني قول النبي: يسعي بذمتهم أدناهم؟

قال: «لو أن جيشاً من المسلمين حاصروا قوماً من المشركين، فأشرف رجل فقال: أعطوني الأمان حتي ألقي صاحبكم وأناظره، فأعطاه أدناهم الأمان، وجب علي أفضلهم الوفاء له» ().

أدني المسلمين وأقلهم شخصية له كل هذا التقدير الكبير في نظام الإسلام أن يجير مشركاً في الحرب، فيجب علي عامة المسلمين، حتي القائد العام للقوات المسلحة أن يحترم جواره، نعم إلا إذا ثبتت المؤامرة أو خيفت.

هذا التقدير العظيم للفرد.. لا يوجد في أية حكومة، أو أي نظام عسكري إلا في الإسلام.. دين الإنسانية.

وقد صرح فقهاء الإسلام استنباطاً من الأحاديث الشريفة أنه لو أعطي الأمان

للكافر عبد من المسلمين، أو امرأة من المسلمات نفذ أمانه استعظاماً للإسلام واستعلاءً للمسلمين.

فإن «الإسلام يعلو ولا يعلي عليه» ().

قال المحقق الحلي رحمة الله عليه في (شرائع الإسلام):

(ويستوي في ذلك الحر والعبد والذكر والأنثي)().

وقال المحقق الشيخ محمد حسن النجفي رحمة الله عليه في (جواهر الكلام) في شرح هذه العبارة:

(بلا خلاف كما اعترف به في المنتهي في الأخير أي الأنثي ونسبه فيه أيضاً علي علمائنا، وأكثر أهل العلم في العبد لعموم قوله: «يسعي بذمتهم أدناهم»، وخصوص خبر مسعدة في العبد)().

ونصوص الشريعة بتواتر تؤكد ذلك تعميقاً في احترام المسلمين وإعلاءً للإسلام، وفيما يلي نذكر بعض تلك النصوص:

في خبر مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «إن علياً عليه السلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن من الحصون، وقال عليه السلام: هو من المؤمنين» ().

وهذه الجملة الأخيرة «هو من المؤمنين» لعلها إشارة إلي قول النبي: «المؤمنون تتكافأ دمائهم يسعي بذمتهم أدناهم» ().

فكان أمير المؤمنين عليٌ عليه السلام استدل علي صحة أمان العبد المسلم بأنه مؤمن فيشمله إطلاق قول النبي يسعي بذمتهم أي المؤمنين أدناهم.

وفي حديث محمد بن الحكم عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«لو أن قوماً حاصروا مدينة فسألوهم الأمان، فقالوا: لا، فظنوا أنهم قالوا نعم، فنزلوا إليهم كانوا آمنين» ().

وقد مر حديث السكوني().

وفي كتاب (جواهر الكلام) نقلاً عن (المنتهي) للعلامة الحلي رحمة الله عليه: أن أم هاني قالت لرسول الله: يا رسول الله إني أجرت أحمائي وأغلقت عليهم، وإن ابن أمي أراد قتلهم.

فقال رسول الله: «قد أجرنا من أجرتِ يا أم هاني، إنما يجير علي المسلمين أدناهم» ().

وفي الجواهر أيضاً: «إن زينب بنت رسول الله أجارت العاص بن الربيع فأمضاه رسول الله» ().

المؤمنون سواسية

عن أبي

عبد الله عليه السلام، عن أبيه عليه السلام، قال:

«قرأت في كتاب لعلي عليه السلام: أن رسول الله كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب: إن كل غازية غزت بما يعقب بعضها بعضاً بالمعروف والقسط بين المسلمين، فإنه لا يجوز حرب إلا بإذن أهلها، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وحرمة الجار علي الجار كحرمة أمه وأبيه، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا علي عدل وسواء» ().

(إلا علي عدل وسواء)

التسوية بين أفراد المسلمين.. كبيرهم وصغيرهم.. حرهم وعبدهم.. شابهم وشيخهم.. قائدهم وجنديهم.. في الحرب وغيرها.. هذا من مختصات الإسلام.

المسلمون تتكافئ دماؤهم

عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، انه قال: خطب رسول الله في مسجد الخيف فقال:

«رحم الله امرئً سمع مقالتي فوعاها، وبلّغها إلي من لم يسمعها، فرب حامل فقه وليس بفقيه، ورب حامل فقه إلي من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم، إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم، والمسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم، ويسعي بذمتهم أدناهم، فإذا أمّن أحد من المسلمين أحداً من المشركين، لم يجب أن تخفر ذمته» ().

وعن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قريتين من أهل الحرب، لكل واحدة منهما ملك علي حدة اقتتلوا ثم اصطلحوا، ثم إن أحد الملكين غدر بصاحبه، فجاء إلي المسلمين فصالحهم علي أن يغزوا تلك المدينة، فقال أبو عبد الله عليه السلام:

«لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا، ولا يأمروا بالغدر، ولا يقاتلوا مع الذين غدروا، ولكنهم يقاتلون المشركين حيث وجدوهم، ولا يجوز عليهم ما عاهد عليه الكفار» ().

(المسلمون تتكافأ دماؤهم)

وهذا أيضاً من مختصات الإسلام

فالعالم والجاهل، والأسود

والأبيض، والشيخ والشاب، وذو العشيرة ومن لا عشيرة له، كلهم.. حتي الجندي والقائد للقوات المسلحة.. كلهم في الدم سواء.

أليس هذا من مختصات الإسلام؟

نعم.. فانظر إلي الغرب والشرق في هذا الأمر لتعلم ذلك.

لا.. لكل فساد

عن محمد بن سنان، أن أبا الحسن الرضا عليه السلام، كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله:

«حرم الله الفرار من الزحف، لما فيه من الوهن في الدين، والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة عليهم السلام، وترك نصرتهم علي الأعداء، والعقوبة لهم علي ترك ما دعوا إليه من الإقرار بالربوبية، وإظهار العدل، وترك الجور، وإماتة الفساد، لما في ذلك من جرأة العدو علي المسلمين، وما يكون في ذلك من السبي والقتل وإبطال دين الله عزوجل وغيره من الفساد» ().

(الإسلام) دين الصلاح

والصلاح والفساد لا يجتمعان.

إذن: لا.. لكل أنواع الفساد في الإسلام.

والفرار من الزحف فساد للدين.. وللقادة.. وللمسلمين.. فلا للفرار من الزحف.

وصايا إمام المسلمين

كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا حضر الحرب، يوصي المسلمين بكلمات فيقول:

«تعاهدوا الصلاة، وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقربوا بها، فإنها كانت علي المؤمنين كتاباً موقوتاً، وقد علم ذلك الكفار حيث سألوا:

?ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين?() وقد عرف حقها من طرقها، وأكرم بها من المؤمنين الذين لايشغلهم عنها زين متاع، ولا قرة عين من مال ولا ولد، يقول الله عزوجل:

?رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة?()، وكان رسول الله منصباً لنفسه بعد البشري له بالجنة من ربه، فقال عزوجل:

?وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها..?() الآية، فكان يأمر بها أهله، ويصبر عليها نفسه.

ثم إن الزكاة جعلت مع الصلاة قرباناً لأهل الإسلام علي أهل الإسلام، ومن لم يعطها طيب النفس بها يرجو بها من الثمن ما هو أفضل منها فإنه جاهل بالسنة، مغبون الأجر، ضال العمر، طويل الندم بترك أمر الله عزوجل، والرغبة عما عليه صالحو عباد الله، يقول الله عزوجل:

?ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله

ما تولي?() من الأمانة، فقد خسر من ليس من أهلها وضل عمله، عرضت علي السماوات المبنية، والأرض المهاد، والجبال المنصوبة، فلا أطول ولا أعرض ولا أعلي ولا أعظم لو امتنعن من طول أو عرض أو عظم أو قوة أو عزة امتنعن، ولكن أشفقن من العقوبة.

ثم إن الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام وهو قوام الدين، والأجر فيه عظيم، مع العزة والمنعة، وهو الكرة في الحسنات والبشري بالجنة بعد الشهادة، وبالرزق غداً عند الرب والكرامة، يقول الله عزوجل:

?ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله?() الآية.

ثم إن الرعب والخوف من جهاد المستحق للجهاد، والمتوازرين علي الضلال، ضلال في الدين، وسلب للدنيا مع الذل والصغار، وفيه استيجاب النار بالفرار من الزحف عند حضرة القتال، يقول الله عزوجل: ?يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار?() فحافظوا علي أمر الله عزوجل في هذه المواطن التي الصبر عليها كرم وسعادة، ونجاة في الدنيا والآخرة من فظيع الهول والمخافة، فإن الله عزوجل لا يعبأ بما العباد مقترفون في ليلهم ونهارهم، لطف به علماً، وكل ذلك ?في كتاب لا يضل ربي ولا ينسي?()، فاصبروا وصابروا، واسألوا النصر، ووطنوا أنفسكم علي القتال واتقوا الله عزوجل فإن ?الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون?()» ().

(هذه الوصايا) كتاب كامل.

كل جملة منها وكل وصية منها علم وفن وإنسانية، وبالتالي إنها خلاصة (الإسلام) الذي يجمع كل الخيرات.

وإمام المسلمين، أمير المؤمنين عليه السلام هو الأعرف بذلك كله في كل أبعاده، فلتؤخذ منه هذه الوصايا، ولينفذها المسلمون في حروبهم مع الكفار والظالمين.

تنسيق عسكري دقيق

عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه وصف القتال، فقال:

«قدموا الرجالة الرماة، فليرشقوا بالنبل ولتتناوش الجنبتان، واجعلوا خيل الروابط المنتخبة ردءً اللواء، ولاتنشزوا عن مراكزكم

لفارس شد من العدو، ومن رأي فرصة من العدو فلينشز ولينتهز الفرصة بعد إحكام مركزه، فإذا قضي حاجته عاد إليه، فإذا أردتم الحملة فليبدأ صاحب المقدمة، فإن تضعضع أدعمته شرطة الخميس، فإن تضعضعوا حملت المنتخبة ورشقت الرماة، وتقف الطلائع والمسالح في الأطراف والغياض والأكام ليتحفظ من المكامن، فإن ابتدأكم العدو بالحملة، فأشرعوا الرماح واثبتوا واصبروا ولتنضح الرماة وحركوا الرايات وقعقعوا الحجف، وليبرز في وجوههم أصحاب الجواشن والدروع، فإن انكسروا أدني كسرة، فليحمل عليهم الأول فالأول، ولا تحملوا حملة واحدة ما قام من حمل بأمر العدو فإن لم يقم فادعوه شيئاً شيئاً، وألزموا مصافكم واثبتوا في مواقفكم، فإذا استحقت الهزيمة، فاحملوا بجماعتكم علي التعابي غير متفرقين ولا منقبضين، وإذا انصرفتم من قتال، فانصرفوا كذلك علي التعابي» ().

حيث كان العالم يعيش اللاتنسيق في كل شيء، حتي في الحرب كان أهل البيت عليهم السلام يضعون للمسلمين خطوط التنسيق في كل شيء، في الحرب وغير الحرب.

هذا التنسيق الحربي الدقيق الذي تضمنه هذا المقطع من أوامر أمير المؤمنين علي عليه السلام في القتال قبل أربعة عشر قرناً تجده كافياً حتي لعهد الأقمار الصناعية والصواريخ.. ولما بعد هذا العهد.. ويزيد.

إعداد نفسي وعسكري

وعن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال: «إن زحف العدو إليكم، فصفوا علي أبواب الخنادق، فليس هناك إلا السيوف ولزوم الأرض بعد إحكام الصفوف، ولا تنظروا في وجوههم، ولا يهولنكم عددهم، وانظروا إلي أوطانكم من الأرض، فإن حملوا عليكم فاجثوا علي الركب، واستتروا معاً بالترسة صفاً محكماً لا خلل فيه، فإن أدبروا فاحملوا عليهم بالسيوف فإن ثبتوا فاثبتوا علي التعابي، وإن انهزموا فاركبوا الخيل، واطلبوا القوم ولا قوة إلا بالله، وإن كانت وأعوذ بالله فيكم هزيمة، فتداعوا وكبروا وثقوا بالله وبما

تواعد به من فر من الزحف، وبكتوا من رأيتموه ولي، واجمعوا الألوية واعتقدوا، وليسرع المخفون في رد من انهزم من الجماعة وإلي المعسكر، فلينفر من فيه إليكم، فإذا اجتمع أطرافكم، وآبت إمدادكم، وانصرف فلكم، فألحقوا الناس بقوادهم، وأحكموا تعابيهم وقاتلوا واستعينوا بالله واصبروا» ().

(الإعداد) النفسي في الحرب مع (الإعداد) العسكري رضيعا لبان، كلما كانا معاً انتصر الجيش، وهذا ما لا يتناساه الإسلام، والإمام عليه السلام يمزج الإعدادين في صورة واحدة من الكلام ليكون أكثر تماسكاً وقوة.

لا.. لتصفية الحسابات في الحرب

عن حفص بن غياث قال:

سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن الرجل من أهل الحرب، إذا أسلم في دار الحرب، فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك؟

فقال: «إسلامه إسلام لنفسه ولولده الصغار وهم أحرار، وولده ومتاعه ورقيقه له، فأما الولد الكبار، فهم فيء للمسلمين، إلا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك، وأما الدور والأرضون فهي فيء ولا تكون له، لأن الأرض هي أرض جزية لم يجر فيها حكم أهل الإسلام، وليس بمنزلة ما ذكرناه، لأن ذلك يمكن احتيازه وإخراجه إلي دار الإسلام» ().

(الإسلام) دين الحق والعدل، وليس دين تصفية الحسابات والتشفي، فإذا أسلم مشرك في دار الحرب قبل منه إسلامه، وكان يتبعه ولده الصغار غير البالغين..

وقد نص القرآن الحكيم علي هذه الاستيعابية الإنسانية الرائعة الفريدة: ?ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمنا?().

التقسيم بالسوية

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه أمر عمار بن ياسر وعبد الله بن أبي رافع وأبا الهيثم بن التيهان، أن يقسموا مالاً من الفيء بين المسلمين، وقال: «اعدلوا بينهم ولا تفضلوا أحداً علي أحد».

فحسبوا فوجدوا الذي يصيب كل رجل من المسلمين ثلاثة دنانير، فأتوا الناس فأقبل عليهم طلحة والزبير ومع كل واحد ابنه، فدفعوا إلي كل واحد منهم ثلاثة دنانير.

فقال طلحة والزبير: ليس هكذا كان يعطينا عمر، فهذا منكم أو عن أمر صاحبكم؟

قالوا: هكذا أمرنا أمير المؤمنين عليه السلام.

فمضيا إليه عليه السلام، فوجداه في بعض أحواله قائما في الشمس علي أجير له يعمل بين يديه فقالا له: تري أن ترتفع معنا إلي الظل؟

قال: نعم.

فقالا له: إنا أتينا إلي عمالك علي قسمة هذا الفيء، فأعطونا كما أعطي سائر الناس.

قال: فما تريدان؟

قالا: ليس كذلك كان يعطينا عمر.

قال عليه السلام: فما كان يعطيكما رسول الله؟ فسكتا.

فقال عليه السلام:

أليس كان النبي يقسم بين المسلمين بالسوية؟

قالا: نعم.

قال: فسنة رسول الله أولي بالاتباع عندكما، أم سنة عمر؟

قالا: سنة رسول الله، ولكن لنا يا أمير المؤمنين سابقة وعناء وقرابة، فإن رأيت أن لا تسوينا بالناس، فافعل.

قال: سابقتكما أسبق أم سابقتي؟

قالا: سابقتك.

قال: فقرابتكما أقرب أم قرابتي؟

قالا: قرابتك.

قال: فعناؤكما أعظم أم عنائي؟

قالا: بل أنت يا أمير المؤمنين أعظم عناءً.

قال: فوالله ما أنا وأجيري هذا في المال، إلا بمنزلة واحدة، وأومئ بيده إلي الأجير الذي بين يديه()، الخبر.

(عظيم) الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

إنه الشخصية الفريدة في التاريخ بعد رسول الله.

(وعظمة) الشخص تعرف من خلال تاريخه.

فمن مثل علي عليه السلام؟

ومن له مثل هذا التاريخ المجيد في كل الأبعاد؟

وقد أسلم بعض الفلاسفة الغربيين، وقال: إن سبب إسلامي أني رأيت علي بن أبي طالب مسلماً، ولو لم يكن الإسلام حقاً لما اعتنقه هذا العملاق العظيم، ومن اعتناق علي عليه السلام للإسلام عرفت أن الإسلام حق.

الأولوية للإسلام

عن الإمام الصادق جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، أن النبي حيث حاصر أهل الطائف قال: «أيما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حر، وأيما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد» ().

العبد والمولي مشركان في دار الحرب أو في ساحة الحرب لا فرق، فلو أسلم العبد قبل مولاه تحرر عن العبودية.. فإنه ?ولن يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلا?().

و «الإسلام يعلو ولا يعلي عليه» ().

ولو أسلم المولي ثم أسلم العبد فلا يزال عبداً لمولاه… وهذه أولوية الإسلام.

احترام الرسول

عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال: «إن ظفرتم برجل من أهل الحرب، فزعم أنه رسول إليكم، فإن عرف ذلك منه وجاء بما يدل عليه، فلا سبيل لكم عليه، حتي يبلغ رسالاته، ويرجع إلي أصحابه، وإن لم تجدوا علي قوله دليلاً، فلا تقبلوا منه» ().

(رسول) المشركين إلي المسلمين محترم، لا يقتل، ولا يهان، ولا يسلب ولايؤذي، ولا يدفع.

هذه قاعدة إنسانية يؤكد عليها الإسلام الذي هو دين الإنسانية.

وفي نفس الوقت الذي يعمل الإسلام بالإنسانية، ويؤكد عليها بالغ التأكيد في كل المجالات حتي في الحرب التي هي أعتي المجالات..

في نفس الوقت لا يغفل الإسلام عن غدر المشركين، وعدم التزامهم بالإنسانية، فيؤكد علي ثبوت كون الرجل رسولاً، لكي لا يصير المسلمون مصيدة لغدر الكفار.

(أليس) عظيماً هذا الإسلام في سياسته الجامعة بين الدقة والإنسانية.

إخراج الكفار

عن أم سلمة: أن رسول الله أوصي عند وفاته، أن تخرج اليهود والنصاري من جزيرة العرب، وقال:

«الله في القبط، فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعواناً في سبيل الله» ().

كم لقي المسلمون طيلة القرون الأربعة عشر الماضية من مغبة تركهم لهذه الوصية العظيمة من رسول الله.

ولا يزال الكفار يتغلغلون في جزيرة العرب، ويمدون خيوط الاستعمار منها إلي عامة البلاد الإسلامية في مجالات الثقافة والسياسة والجيش وغيرهما.

الشعار في الإسلام

عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«شعارنا: (يا محمد يا محمد)، وشعارنا يوم بدر: (يا نصر الله اقترب اقترب)، وشعار المسلمين يوم أحد: (يا نصر الله اقترب)، ويوم بني النضير: (يا روح القدس أرح)، ويوم بني قينقاع: (يا ربنا لا يغلبنك)، ويوم الطائف: (يا رضوان)، وشعار يوم حنين: (يا بني عبد الله يا بني عبد الله)، ويوم الأحزاب: (حم لا يبصرون)، ويوم بني قريضة: (يا سلام أسلمهم)، ويوم المريسيع وهو يوم بني المصطلق: (ألا إلي الله الأمر)، ويوم الحديبية: (ألا لعنة الله علي الظالمين)، ويوم خيبر يوم القموص: (يا علي آتهم من عل)، ويوم الفتح: (نحن عباد الله حقاً حقاً)، ويوم تبوك: (يا أحد يا صمد)، ويوم بني الملوح: (أمت أمت)، ويوم صفين: (يا نصر الله)، وشعار الحسين عليه السلام: (يا محمد)، وشعارنا: (يا محمد)» ().

وعن أمير المؤمنين عليه السلام:

«إن رسول الله أمر بالشعار قبل الحرب وقال: وليكن في شعاركم اسم من أسماء الله تعالي» ().

(الشعار) ضرورة حتمية لكل أمة تريد النهوض بأبنائها إلي الصعود، إذ الشعار هو المعبر عن آلام الأمة وآمالها، وهو الذي يربي عليه أجيالها الصاعدة، وهو الذي يحدد مسير الأمة ومصيرها، ويوضح موقفها في الأحداث الداخلية والخارجية، وفي الإسلام حيث إن الله مبدأ ومنتهي كل

شيء فليكن في الشعار بعض أسماء الله تعالي.

احترام الكرام

في (العدد القوية) لعلي بن يوسف، أخ العلامة، عن محمد بن جرير الطبري قال:

لما ورد سبي الفرس إلي المدينة، أراد عمر بن الخطاب بيع النساء وأن يجعل الرجال عبيداً، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:

إن رسول الله قال: أكرموا كريم كل قوم.

فقال عمر: قد سمعته يقول:

إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، وإن خالفكم.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

هؤلاء قوم قد ألقوا إليكم السلام، ورغبوا في الإسلام، ولابد من أن يكون لهم فيهم ذرية، وأنا أشهد الله وأشهدكم أني قد أعتقت نصيبي منهم لوجه الله.

فقال المهاجرون والأنصار: وقد وهبنا حقنا لك يا أخا رسول الله.

فقال: اللهم إني أشهد أنهم قد وهبوا لي حقهم وقبلته، وأشهدك أني قد أعتقتهم لوجهك.

فقال عمر: لم نقضت عليّ عزمي في الأعاجم، وما الذي رغبك عن رأيي فيهم؟

فأعاد عليه ما قال رسول الله في إكرام الكرماء.

فقال عمر: قد وهبت لله ولك يا أبا الحسن ما يخصني وسائر ما لم يوهب لك.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اللهم اشهد علي ما قالوا، وعلي عتقي إياهم.

فرغب جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هؤلاء لا يكرهن علي ذلك ولكن يخيرن ما اخترنه عمل به()، الخبر.

الإسلام دين الحب.

وقد ورد في متواتر الروايات: «هل الدين إلا الحب في الله والبغض في الله» ().

وبالحب والفضيلة استطاع الإسلام أن يخضع العالم فكرياً، ويخضع حكومات الدنيا سياسياً.

حتي أن المؤرخين يذكرون: أن الزحف الإسلامي في قوته وسرعته هو الفريد الذي لم يحدثنا تاريخ العالم كله له مثيلاً ولا نظيراً.

وما هذا التأخر الفظيع الذي حدث للمسلمين في هذا القرن إلا وليد عدم قدرة المسلمين علي (الحب في الإسلام) كما كان ينبغي.

وقد عمد

الأجانب إلي تشويه صورة الإسلام، وإعطائه إطار العنف والشدة والقسوة، لكي يستقطبوا غير المسلمين ويضيقوا الخناق علي المسلمين.

ولنعم ما قال من قال: (الإسلام جوهرة غطاؤها المسلمون).

فلو أظهر المسلمون الإسلام ناصعاً كما أنزل الله لاعتنقه أكثر المجموعة البشرية لأن أكثر الناس ليسوا متعصبين، وإنما هم جهال لا يعلمون، فإذا علموا رجعوا.

هذه ثلة من أحاديث الرسول وأهل بيته الطاهرين (عليه وعليهم الصلاة والسلام) في مختلف شؤون الحرب، أثبتناها هنا كنماذج، من موسوعة (وسائل الشيعة) و(مستدرك الوسائل) كتاب الجهاد، وإلا ففيهما وفي غيرهما من موسوعات الحديث الشريف زخم كبير من النصوص وجمعها بحاجة إلي تدوين كتاب مستقل ضخم.

?إن الله يأمر بالعدل والإحسان?

سورة النحل: 90

15 من أسس الخارجية الإسلامية

15 من أسس الخارجية الإسلامية

تبتني أسس السياسة الخارجية للبلد الإسلامي حسب نصوص الشريعة من القرآن الحكيم والسنة المطهرة علي أعمدة عدة، ترجع إليها غيرها من الأحكام والقوانين غالباً، وهي كما يلي:

1: قبول الإسلام فوراً

قال تعالي: ?ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمناً?().

فكل من قال: «أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله» حقن ماله وعرضه ودمه.

فلا يُقتل ولا يُقاتل، ولا تسبي نساؤه وأولاده الصغار، ولا تصادر أمواله، نعم لو علم منه الكذب والدجل وأن ما قاله مجرد لقلقة لسان فذاك بحث آخر ليس هذا الموجز معداً لنقاش أطراف الحديث عنه.

وبما أن الإسلام دين عالمي جاء من إله الإنسان لهداية كل أفراد الإنسان اقتضي أن يكون استيعابياً ?وما أرسلناك إلا كافة للناس?()، ?قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً?().

وتحقيقاً لاستيعاب أكبر عدد يمكن هدايتهم إلي الحق يجب قبول إسلام كل من ألقي السلام.

أضف إلي ذلك: أن تحقيق العدل العام يقتضي هذا القبول أيضاً، وذلك: لأن في أولئك الذين يلقون السلام ويعترفون بالإسلام أناساً صادقين، ولا يمكن تمييزهم بدقة عن الكاذبين، فلو لم يقبل الإسلام الاعتراف من كل إنسان، لذهب في العديد من الصادقين صدقهم سدي، وهذا ينافي تعميم العدل الإنساني والإحسان الإلهي بعباده.

وأضف إليه ثانياً: أن الكثير من الذين يلقي السلام ويعترف بالإسلام لا عن عمق، أو عن كذب ودجل، يتحولون إلي مسلمين صادقين نتيجة للممارسات الإنسانية التي يعرفونها ويرونها في ظل الإسلام، فينجذبون إلي الإسلام.

(فالشهادتان) تكون بمنزلة بوتقة الذهب، التي يصب فيها الذهب المغشوش والذي فيه خلط آخر، ثم تصفيه البوتقة شيئاً فشيئاً.

2: تعميم العدل

قال تعالي: ?إن الله يأمر بالعدل والإحسان?().

وورد في الحديث الشريف: «بالعدل قامت السماوات والأرض» ().

والإسلام: لا يحيد عن العدل مهما كلف الأمر.

فالعدل، ووضع كل شيء في موضعه اللائق به، يعتبر من الأعمدة الأساسية في الإسلام.

ولذا نجد الإسلام ينهي عن أمور تنافي العدل، بالرغم من أنها غير منهي عنها في الممارسات

السياسية في العالم قديماً وحاضراً، وكنماذج نذكر ثلاثة أمثلة من منهيات الحرب في الإسلام:

أ: لا.. للغدر

الغدر في الحرب منهي عنه، مع أنه كثيراً ما يسرع الانتصار العاجل، ومع أن السياسة العالمية المعاصرة مبتنية علي الغدر غالباً.

فعن الأصبغ بن نباته: أن علياً عليه السلام قال في خطبة له:

«لولا كراهية الغدر لكنت من أدهي الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة» ().

ويذهب الإسلام شوطاً أبعد عمقاً في التجنب من الغدر الذي هو مناقض للعدل الإسلامي الساري المفعول في كل الأحوال.. وذلك بعدم إجازة الحرب مع الكافر المحارب للمسلمين من خلال مساعدة كفار محاربين آخرين يغدرون بالكفار المحاربين الأولين.

ولعلنا لا نجد في تاريخ الدنيا، ولا في قاموس أية سياسة علي وجه الأرض مثل هذا الالتزام العميق بالعدالة.

اقرأ معي النص التالي المروي عن حفيد رسول الله، وناشر علوم الإسلام، ومعلم أئمة المذاهب الإسلامية كلها: أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام:

في خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام: سأله عن فرقتين من أهل الحرب، لكل واحدة منهما ملك علي حدة واقتتلوا ثم اصطلحوا، ثم إن أحد الملكين غدر بصاحبه فجاء إلي المسلمين فصالحهم علي أن يغزو معهم تلك المدينة.

فقال أبو عبد الله عليه السلام: «لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا، ولا أن يأمروا بالغدر، ولا يقاتلوا مع الذين غدروا، ولكنهم يقاتلون المشركين حيث وجدوهم» ().

وآخر الحديث الشريف إشارة إلي قوله تعالي:

?فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم?() الآية.

ب: لا.. للتمثيل

نهي في الإسلام عن التمثيل بقتلي الأعداء، مهما كانوا، وأياً كانت أديانهم ومذاهبهم..

والتمثيل هو تقطيع الأعضاء، والجوارح، وفقأ العين، ونحو ذلك من الأمور المشوهة لجسم القتيل.

انظر إلي النصوص التالية:

روي عن علي عليه السلام أنه كان ينهي الجيش عن التمثيل ويقول:

«ولا تمثلوا بقتيل» ().

وروي عليه السلام عن رسول

الله قال:

«إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور» ()

ج: لا.. لقتل عشرة

لقد استثني الإسلام من الموجودين في ساحة الحرب أي الكفار المحاربين، عشر طوائف، أو أربع عشرة علي قول آخرين من الفقهاء، فإنهم لا يقتلون..

وهذا من الممارسات الخاصة بالإسلام لا يكاد يوجد له نظير في قاموس السياسة المعاصرة.

وهؤلاء كما يلي:

1 الشيخ الفاني الذي لا يقدر علي حمل السلاح.

2 المرأة التي لا تشترك في الحرب، وان كانت تسعف الجرحي والمحاربين وتساعدهم في المأكل والملبس ونحو ذلك.

3 الطفل قبل بلوغه البلوغ الشرعي، الذي هو في الأنثي: عشر سنوات، وفي الذكر: إكمال خمس عشرة سنة غالباً.

4 من به الشلل والزمن، وكل مقعد لا يقوم علي رجليه.

5 الأعمي.

6 كل مريض أقعده المرض.

7 الرسول الذي يأتي برسالة من الكفار المحاربين إلي المسلمين.

8 الراهب المنشغل بعبادته، وإن كان مع المحاربين ويدعو لهم بالنصر ولكنه لايشترك في الحرب عملياً.

9 المجنون.

10 كل من لا مصلحة انتصارية في قتله.

وأضاف عدد من فقهاء الإسلام أربع طوائف أخر لا يقتلون أيضاً وهم كالتالي:

11 الفلاح والزارع الذي يعمر الأرض بالزرع.

12 أصحاب الصناعات، كالمهندسين والمخترعين ونحوهم.

13 أصحاب الحرف كالنجار والصائغ ونحوهم.

14 الخنثي.

ودليل استثناء هؤلاء الطوائف نصوص الشريعة المذكورة في موسوعات الحديث وكتب الفقه بتفصيل، مثل (وسائل الشيعة) و(مستدرك الوسائل) و(جواهر الكلام) وغيرها.

3: إنقاذ المستضعفين

من الأعمدة الثابتة في السياسة الخارجية للحكومة الإسلامية هو إنقاذ المستضعفين أينما كانوا، ومهما كانت أديانهم ومعتقداتهم، وإن كانوا غير مسلمين وكانوا مشركين، وعباد أصنام، وغير ذلك..

وأساس ذلك قوله تعالي:

?وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين?().

فكما يجب القتال في سبيل الله.

كذلك يجب القتال لإنقاذ المستضعفين.

فلو كانت هناك حكومة كافرة، وشعبها كفار أيضاً، وكانت الحكومة تظلم شعبها وتستضعفهم، يجب علي المسلمين مقاتلة تلك الحكومة الظالمة، وإنقاذ الشعب المسكين من براثن الظلم.

ولا يصغي الإسلام إلي أن ذلك تدخل

في الأمور الداخلية لحكومة أخري..

فإن المحور عند الإسلام هو الإنسان، ومن أعمدة سياسة الإسلام إنقاذ المستضعفين أينما كانوا، وكيفما كانوا.

4: لا لاندلاع الحرب

الإسلام ينهي عن أن يبتدأ المسلمون بالقتال مع الكفار الذين لم يسلوا سيفاً علي المسلمين، ولم يخرجوا المسلمين من ديارهم، ولم يظاهروا علي إخراجهم، ويجيز قتال الكفار الذين بدؤوا الحرب علي المسلمين، وأخرجوهم من ديارهم.

ودليل ذلك قوله تعالي:

?لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين

إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا علي إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون?().

5: الإسلام يعلو

ومن الأسس الثابتة للسياسة الإسلامية الخارجية هي: أن الإسلام يجب أن يكون دائماً، وفي كل مكان، وفي جميع المجالات، أعلي من أي دين أو حكومة أو نظام آخر..

ودليل ذلك قول الرسول الأعظم:

«الإسلام يعلو ولا يعلي عليه» ().

فالإسلام دائماً يجب أن يكون في تعال مستمر مهما تعالت الأديان والأمم، بحيث يكون الإسلام أعلي منها جميعاً.

أعلي في جميع الجوانب، وفي كل المجالات.

فكما أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي اختاره الله تعالي لجميع البشر بعد بعثة خاتم الأنبياء محمد. كذلك يجب أن يناسب تعالي المسلمين في كل الميادين، هذا العلو الثابت للدين..

فالمسلمون يجب أن يكونوا أعلي من غيرهم في الاقتصاد، وفي الزراعة، وفي الاجتماع، وفي علم النفس، وفي فن الإدارة، وفي الحرب، وفي السلم، وفي التأليف، وفي النشر، وفي الصناعة، وفي الطب، وفي الهندسة، وفي الفيزياء، وفي الكيمياء، وفي الفضاء، وفي الذرة، وفي غيرها.. من جميع المجالات.

وهناك نقاط في الفقه الإسلامي يجمعها رباط (الإسلام يعلو) نذكر بعضها بإيجاز:

أ: وجوب الهجرة

يجب علي المسلم الهجرة من بلاد الكفر إلي بلاد الإسلام فيما إذا لم يستطع هناك من إقامة شعائر الإسلام.

قال الله تعالي: ?إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً?().

وعن النبي أنه قال:

«إني بريء من كل مسلم نزل مع مشرك في دار الحرب» ().

وعنه أيضاً أنه قال:

«لا ينزل دار الحرب إلا فاسق برئت منه الذمة» ().

وحيث إن المناط المستنبط في ذلك هو (الإسلام يعلو) لذكرهم التمكن من إقامة شعائر الإسلام ذكر الفقهاء فروعاً في المسألة يجدر الاطلاع علي بعضها:

قال في (الفقه): (هل المعيار في وجوب الهجرة بلد الكفر أو القطر الكافر؟ الظاهر

بقرينة الآيات والروايات المتقدمة البلد الكافر، فإذا كانت مملكة كافرة فيها بلد مسلم يتمكن المسلم فيه من إقامة شعائر الإسلام لم تجب الهجرة، ولو انعكس بأن كان القطر مسلماً لكن البلد كان كافراً لم تجب الهجرة فيما إذا تمكن المسلم من إقامة شعائر الإسلام.

وهل ينسحب الحكم إلي الدار بأن كان الرجل خادماً مثلاً في دار كافرة، في بلد مسلم، لم يتمكن فيها من إظهار شعائر الإسلام فهل يجب عليه الخروج منها؟ الظاهر ذلك لما تقدم من النص المؤيد بالدليل العقلي» ().

ب: الدعاء إلي الإسلام

قال الفقهاء: لا يبدأ المسلمون الكفار بالحرب بدون دعائهم إلي الإسلام وإتمام الحجة، وذلك في الجملة بلا خلاف ولا إشكال.

وقد استدلوا لذلك بالأدلة الأربعة.

القرآن الحكيم، والسنة المطهرة، وإجماع الفقهاء، ودليل العقل، مثل قوله تعالي: ?وما كنا معذبين حتي نبعث رسولاً

وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً?().

وروي عن أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه) أنه قال:

«لما بعثني رسول الله إلي اليمن قال: يا علي لا تقاتلن أحداً حتي تدعوه إلي الإسلام، وأيم الله لئن يهدي الله عزوجل علي يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاه يا علي» ().

وعن النبي أنه قال أيضاً:

«لا تقاتل الكفار إلا بعد الدعاء» ().

وهذه النقطة تحقيق آخر ل (الإسلام يعلو) في مختلف الميادين الفكرية، والعسكرية، والاجتماعية.

ج: حرمة الفرار من الحرب

الفرار من الحرب من أعظم المحرمات، ومن الكبائر التي وعد الله عليها النار، قال تعالي: ?يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلي فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير?().

وروي عن مولانا أبي الحسن علي بن موسي الرضا (صلوات الله عليه) أنه كتب في جواب مسائل محمد بن سنان:

«حرم الله الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين، والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة عليهم السلام، وترك نصرتهم علي الأعداء والعقوبة لهم علي إنكار ما دعوا إليه من الإقرار بالربوبية وإظهار العدل وترك الجور وإماتته والفساد ولما في ذلك من جرأة العدو علي المسلمين وما يكون في ذلك من السبي والقتل وإبطال حق دين الله عزوجل وغيره من الفساد» ().

وهذا الحديث الشريف تفصيل لمضمون (الإسلام يعلو ولا يعلي عليه)

وتأكيد له.

د: العبد المسلم عند الكافر

لا يباع عبد مسلم لكافر، ولا يقر ملك كافر علي عبد مسلم، فلو كان عبد مسلم وجاءه كافر ليشتريه لا يجوز بيعه له، ولو كان عبد كافر عند كافر فأسلم العبد لا يقر ملك الكافر عليه بل يباع العبد من مسلم، ولو كان عبد مسلم عند مسلم، فكفر المولي، لا يقر ملكه علي العبد بل يرثه ورثته المسلمون.

قال الشيخ الأنصاري (قدس سره) في المكاسب:

«يشترط فيمن ينتقل إليه العبد المسلم ثمناً أو مثمناً أن يكون مسلماً، فلا يصح نقله إلي الكافر عند أكثر علمائنا، كما في (التذكرة)، بل عن (الغنية) عليه الإجماع» ().

ثم استدل له بأدلة منها الحديث المروي عن رسول الله: (الإسلام يعلو ولا يعلي عليه)().

إلي أن قال بعد بحث طويل:

«ثم إنه لا إشكال ولا خلاف في أنه لا يقر المسلم علي ملك الكافر، بل يجب بيعه عليه، لقوله عليه السلام في عبد كافر أسلم: اذهبوا فبيعوه من المسلمين وادفعوا إليه ثمنه ولا تقروه عنده».

ثم قال: «ومنه يعلم أنه لو لم يبعه باعه الحاكم، ويحتمل أن تكون ولاية البيع للحاكم مطلقاً لكون المالك غير قابل للسلطنة علي هذا المال» ().

ه: لا يباع القرآن للكافر

لا ينقل القرآن الحكيم إلي الكافر.

هكذا ذكر فقهاء الإسلام.

لقوله: «الإسلام يعلو ولا يعلي عليه» ().

وبيع القرآن الحكيم للكافر الذي يعتقد بعدم صحة القرآن نوع إهانة للقرآن، وإذلال للإسلام، والامتناع عن تمكين الكافر من القرآن نوع علو للقرآن وإعزاز للإسلام.

وقد روي عن النبي:

«أنه نهي أن يسافر بالقرآن إلي أرض العدو مخافة أن يناله العدو» ().

وهناك نقاط اُخر في هذا المضمار ندع البحث عنها إلي الكتب المفصلة في هذا المجال.

6: وحدة المسلمين

المسلمون كلهم أمة واحدة في منطق القرآن والإسلام.

قال الله تعالي: ?إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون?().

وقال سبحانه: ?وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون?().

وقال عز من قائل: ?يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم?().

وقد أخرج في تفسير (نور الثقلين) عند ذكر هذه الآيات أحاديث مستفيضة نذكر بعضاً منها كنماذج:

في تفسير علي بن إبراهيم: وقوله: ?يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا?.

قال: الشعوب العجم، والقبائل: العرب.

وقوله: ? إن أكرمكم عند الله أتقاكم? وهو رد علي من يفتخر بالأحساب والأنساب().

وقال رسول الله يوم فتح مكة:

«يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية، وتفاخرها بآبائها، إن العربية ليست بأب ووالدة، وإنما هو لسان ناطق، فمن تكلم به فهو عربي، ألا إنكم من آدم وآدم من التراب، وأكرمكم عند الله أتقاكم» ().

وفي روضة الكافي، بسنده عن الإمام الباقر عليه السلام قال:

«كان سلمان جالساً مع نفر من قريش في المسجد، فاقبلوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتي بلغوا سلمان، فقال له عمر بن الخطاب: أخبرني من أنت؟ ومن أبوك؟ وما أصلك؟

فقال: أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالاً فهداني الله عزوجل

بمحمد.

كنت عائلا فأغناني الله بمحمد.

وكنت مملوكاً فاعتقني الله بمحمد.

هذا نسبي وهذا حسبي.

قال: فخرج النبي وسلمان (رضوان الله عليه) يكلمهم.

فقال له سلمان: يا رسول الله ما لقيت من هؤلاء، جلست معهم فاخذوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتي إذا بلغوا إليّ قال عمر بن الخطاب: من أنت وما أصلك وما حسبك؟

فقال النبي: فما قلت له يا سلمان؟

قال: قلت أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالا فهداني الله عز ذكره بمحمد، وكنت عائلا فأغناني الله عز ذكره بمحمد، وكنت مملوكاً فأعتقني الله عز ذكره بمحمد، هذا نسبي وهذا حسبي.

فقال رسول الله: يا معشر قريش إن حسب الرجل دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله، وقال الله عزوجل:

?إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم?.

ثم قال النبي لسلمان: ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوي الله عزوجل، وإن كان التقوي لك عليهم فأنت أفضل» ().

فأين مكان القوميات، والأقليميات في الإسلام؟

فالبلاد الإسلامية كلها بلد واحد، وقانون واحد، وأمة واحدة، بلغاتهم المختلفة، وقومياتهم المختلفة، وألوانهم المختلفة، وعادتهم المختلفة، كما لهم إله واحد، ونبي واحد، وقرآن واحد، وسنة واحدة، وقبلة واحدة،..

ولذا فإن أي تفريق بين المسلمين يعتبر من أشد المحرمات في الإسلام ويكون تشتيتاً للأمة الواحدة، وتسهيلاً لسيطرة الكفار علي بلاد الإسلام وعلي المسلمين، سواء كان تفريقاً بالقوميات: فهذا عربي، وهذا تركي، وهذا فارسي، وهذا كردي، وهذا هندي.. الخ.

أم كان تفريقاً بالأراضي: فهذا العراق، وهذه إيران، وهذا الخليج، وهذه سوريا، وهذه مصر، وهذا الحجاز.. وهلم جراً.

أم كان تفريقاً بالجنسيات: فهذا عراقي، وهذا إيراني، وهذا مصري.. الخ.

أم أي تفريق آخر، كل ذلك مرفوض في الإسلام أيضاً شديداً وأكيداً.

لا.. للجنسية والجواز

وعليه فالجواز، والجنسية، ونحوهما من بدع الاستعمار التي ليست من

الإسلام، ولا الإسلام منها في شيء.

ولم يكن لها سابق في تاريخ الإسلام الطويل إلا في القرن الأخير الذي ضعف فيه المسلمون فلعبت بهم أهواء المستعمرين.

ولهذا الأمر كان ما ينقل عن العالم الزاهد الكبير المرحوم (الميرزا صادق آقا التبريزي رحمة الله عليه)()، أنه لما حدث قانون الجنسية والجواز والإقامة في إيران عارضه هذا العالم الجليل، وأفتي بتحريم الخضوع له. حتي نقل أنه أفتي بعدم جواز الحج إلي بيت الله الحرام إذا توقف الحج علي الخضوع للجواز والجنسية، باعتباره محرماً أشد ومزاحماً أعظم لوجوب الحج.

وهذا من صميم الحرية الإسلامية التي منحها الإسلام للمسلمين في ما استفاده فقهاء الإسلام من نصوص الشريعة الإسلامية قالوا:

«الناس مسلطون علي أنفسهم» ().

لا.. للحدود الأرضية

وهكذا وضع الحدود الأرضية في أراضي المسلمين بغية تشتيت المسلمين أيضاً من أشد المحرمات، وهي الأخري التي لا سابق لها في تاريخ الإسلام الطويل، إلا بعد (لورنس)() النصراني الكافر المستعمر البريطاني الذي وضع للعراق حدوداً، ولإيران حدوداً، وللجزيرة العربية حدوداً، وهكذا دواليك. وهي مضادة لوحدة المسلمين التي صرح بها القرآن الحكيم في أكثر من آية.

وصرحت بها الأحاديث الشريفة العديدة، وسار عليها المسلمون قروناً.. وقروناً..

وهذه الحدود الأرضية المفتعلة هي هدية الاستعمار الكافر الذي أمرنا القرآن بالابتعاد عنه.

فلا.. للاستعمار الكافر.

ولا.. لهديته الممقوتة.

ونحن نتطلع إلي اليوم الذي تصبح كل البلاد الإسلامية ذات الألف مليون مسلم تقريباً () بلداً واحداً من أقصاها إلي أقصاها كما أراد الله تعالي وقال القرآن الحكيم:

?أمة واحدة وأنا ربكم?().

لا.. للجمارك والمكوس

ومن المحرمات الشديدة الأكيدة التي راجت في بلاد الإسلام في القرن الأخير هي مسألة الجمارك والمكوس.

وقد حاربها الإسلام أشد الحرب.

فهي بالإضافة إلي مضادتها للحرية الإسلامية: «الناس مسلطون علي أنفسهم» ().

وهي مضادة كذلك للاقتصاد الإسلامي المبني علي الحرية الاقتصادية في الإسلام:

«الناس مسلطون علي أموالهم» ().

«لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه» ().

«لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفسه» ().

«لئلا يتوي حق امرئ مسلم» ().

إلي غير ذلك من نصوص الشريعة والأحاديث الشريفة.

بالإضافة إلي ذلك كله:

هناك أحاديث شريفة شديدة اللهجة في لعن أهل الجمارك، وصب عذاب الله عليهم.

وإليك بعضاً منها:

أخرج الشيخ الصدوق رحمة الله عليه بسنده المتصل إلي نوف قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«يا نوف إياك أن تكون عشاراً» ().

وأخرج أيضاً بسنده المتصل عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله: «إن الله عزوجل لما خلق الجنة» إلي أن قال: «فقال عزوجل:

بعزتي وعظمتي وجلالي وارتفاعي لا يدخلها

مدمن خمر، ولا سكير، ولا قتات وهو النمام، ولا ديوث وهو القلطبان، ولا قلاع وهو الشرطي، ولا زنوق وهو الخنثي، ولا خيوف وهو النباش، ولا عشار» ().

وأخرج أيضاً بسنده عن رسول الله أنه قال:

«لا يدخل الجنة… عشار، ولا قاطع رحم…» ().

وأخرج أيضاً بسنده عن نوف قال: قال لي أمير المؤمنين عليه السلام:

«يا نوف أقبل وصيتي: لا تكونن نقيباً ولا عريفاً ولا عشاراً..» ().

ونقل العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (بحار الأنوار): عن أم سلمة (رضوان الله عليها) قالت:

«كان النبي يمشي في الصحراء فناداه مناد: يا رسول الله.. مرتين، فالتفت فلم ير أحداً، ثم ناداه فالتفت فإذا هو بظبية موثقة فقالت: إن هذا الأعرابي صادني ولي خشفان في ذلك الجبل، أطلقني حتي أذهب وأرضعهما وأرجع.

فقال: وتفعلين؟

قالت: نعم إن لم أفعل عذبني الله عذاب العشار.

فأطلقها» ().

وأخرج أيضاً عن كتاب (المنتقي في مولد المصطفي) في سياق الحديث عن رجم رسول الله المرأة الغامدية التي زنت وهي ذات بعل ورجمها رسول الله في قصة مفصلة مذكورة هناك إلي أن قال: فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمي رأسها فنضح الدم علي وجنة خالد فسبها، فسمع النبي سبه إياها فقال:

«مهلاً يا خالد لا تسبها، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له» ().

والمكس: هو المال الذي تأخذه الدول علي البضائع المستوردة أو الصادرة.

لا.. للثالوث البغيض

فهذا الثالوث البغيض المركب من:

1: الحدود الأرضية المصطنعة داخل الوطن الإسلامي الشامل.

2: وقانون الجنسية والجواز والإقامة داخل الأمة الإسلامية الواحدة.

3: وقانون المكوس والجمارك.

هي من عوامل تحطيم وحدة المسلمين.

وهي من الأسس الرصينة للاستعمار الكافر.

فالله والقرآن والرسول كلهم ضد هذا الثالوث البغيض.

والفقهاء وتاريخ الإسلام وفقه الإسلام كلها ضد هذا الثالوث الممقوت.

نعم.. للرباط الإسلامي

نعم.. الرباط الإسلامي علي الحدود بين بلاد الشام وبلاد الكفر هو الذي له ذكر في قرآن الإسلام، وسنة الإسلام.

وفي تاريخ الإسلام، وفقه الإسلام.

قال الله تعالي في القرآن الحكيم:

?يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون?().

وعن سلمان الفارسي (رضوان الله عليه) أنه روي عن رسول الله قال سمعته يقول:

«من رابط يوماً وليلة في سبيل الله تعالي كان كمن صام شهراً وصلي شهراً لا يفطر ولا ينفتل عن صلاته إلا لحاجة» ().

والحديث مذكور في موسوعات الحديث مثل (وسائل الشيعة) و(مستدرك الوسائل) و(بحار الأنوار) وغيرها ().

7: ولاية الفقهاء العدول

وهي من الأسس الثابتة القويمة في الإسلام.

ومعناها: أن الإسلام ربط كل سياسة البلاد والعباد بأشخاص تتوفر فيهم صفتان:

الأولي: استيعاب الإسلام عن فهم ودراية وعمق واجتهاد.

الثانية: العدالة، وهي تعني: القوة الدينية والملكة الإسلامية للالتزام بعدم الظلم لا علي نفسه ولا علي الناس، والسير علي خطي الإسلام في كل صغيرة وكبيرة.

وبهذه (الولاية) المتقنة فهماً وعملاً، يستطيع الإسلام برمجة نظام البلاد في سلك لا يحيد عن العدالة والفضيلة أبداً.

فالمقياس هو (الفقه) و(العدالة) في أي شخص توفرا، من أية قومية كان، وبأي لغة كان يتكلم، وأياً كان لونه وجنسيته.

فلا الشخص هو المقياس، ولا القومية، ولا الإقليمية، ولا اللغة، ولا اللون، ولا نحو ذلك.

ثم لا يخفي أنه لو كان هناك أكثر من فقيه جامع للشرائط فالولاية تكون لشوري الفقهاء فيديرون البلاد والعباد بأكثرية الآراء إن لم يتفقوا علي رأي واحد.

وبهذا يستطيع الإسلام أن يستوعب أكبر قدر من أفراد البشر تحت نظامه العادل، يوفر لهم دنيا سعيدة، وآخرة فضلي.

وفي هذا المجال ورد في الشريعة الإسلامية نصوص عديدة تؤكد ذلك ولسنا الآن بصدد استيعاب تلك النصوص وإنما نذكر بعضها كنماذج:

فقد روي عن الإمام الحسين عليه السلام:

«مجاري الدمور والأحكام بيد العلماء بالله الأمناء علي حلاله وحرامه» ().

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام:

«فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً علي هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه» ().

وروي عن مولانا ولي العصر صاحب الزمان المهدي الموعود المنتظر? في بعض توقيعاته الرفيعة:

«وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة أحاديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم» ().

«لتنقضن عري الإسلام عروة عروة، كلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقض الحكم» (). رسول الله

16 سياسة الإسلام في الحكومة العليا

16 سياسة الإسلام في الحكومة العليا

الحاكم الأعلي: الإمام عليه السلام

ومن الأمور التي اعتني بها الإسلام بالغ الاهتمام في تعديله وإصلاحه هي (الهيئة الحاكمة)، ونعني بها: الذي يحكمون الناس، من مثل: الرئيس الأعلي للبلاد الاسلامية، الذي يعبر عنه ب (الإمام) أو (الفقيه العادل) أو (شوري الفقهاء) وحكام الإمام أو الفقيه وولاته وعمال الولاة.

فانظر إلي الإسلام كيف يعين هؤلاء، وكيف أتقن في أمورهم.

فالرئيس الأعلي، يجب عليه أن يلاحظ جميع حاجات المسلمين، فيسدها ويغيث الضعفاء والمضطهدين، ويستمع إلي الفقراء والمساكين، وإليك نقاطاً سريعة عن تاريخ الرئيس الأعلي في الإسلام:

من مسؤولية الحاكم

في مفتتح خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الظاهرية بعد مقتل عثمان خطب الإمام عليه السلام خطبة ذكر فيها مسؤولية الرئيس الأعلي في الإسلام، جاء فيها ما يلي:

«إني سمعت رسول الله يقول: أيما وال ولي أمر أمتي من بعدي أقيم يوم القيامة علي حد الصراط، ونشرت الملائكة صحيفته، فإن نجا فبعدله، وإن جار انتفض به الصراط انتفاضة تزيل ما بين مفاصله حتي يكون بين كل عضو وعضو من أعضائه مسيرة مائة عام يخرق به الصراط فأول ما يلقي به النار أنفه وحر وجهه» ().

وفي سيرة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه لم يشبع من طعام قط، وكان يقول: «ولعل بالحجاز أو اليمامة، من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع» ().

محاسبة الولاة

(ومحاسبة) الولاة والعمال كانت في سيرة الإمام علي أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) لكيلا يستغل بعضهم منصبه ومقامه فيجمع الأموال من أي طريق حصلت.

وسيأتي قريباً نقل بعض رسائل الإمام عليه السلام في ذلك.

وغير هذه الأحاديث.. وغيرها.. كثير.

هذه نماذج من أسلوب السلطة العليا في نظر الإسلام، وما هو تكليف إمام المسلمين. وهكذا يجب أن يكون إمام المسلمين وخليفة الله، يهتم بأمور المسلمين.

ألا تري أن معاوية ويزيد

والوليد وأضرابهم، حينما انحرفوا عن القوانين الإسلامية، فأخذوا بجمع الأموال والانسياق وراء مشتهيات النفس وترك أحكام الله كان المسلمون يردون عليهم ويهددونهم ويقتلون بعضهم، ويثورون ضد آخرين منهم. كل ذلك لأن الخليفة يجب أن يري نفسه عاملاً لرفع كلمة الله في البلاد فقط وفقط.

علي عليه السلام يصف سلطته الشرعية

وهنا يجدر بنا أن نقتطف من سيرة أمير المؤمنين علي عليه السلام في هذا الشأن من شفتيه الكريمتين ما يلي:

«ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به، ويستضيء بنور علمه.

ألا وإن إمامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه().

ومن طعمه بقرصيه().

ألا وإنكم لا تقدرون علي ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد().

فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً ().

ولا أدخرت من غنائمها وفراً ().

ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً ().

ولا حزت من أرضها شبراً.

ولا أخذت منها إلا كقوت أتان دبرة ().

ولهي في عيني أوهي وأهون من عفصة مقرة» ().

فدك

«بلي كانت في أيدينا (فدك) من كل ما أظلته السماء، فشحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس قوم آخرين، ونعم الحكم الله، وما أصنع بفدك() وغير فدك، والنفس مظانها() في غد جدث.

تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها، وأوسعت يدا حافرها، لأضغطها الحجر والمدر() وسد فرجها التراب المتراكم.

وإنما هي نفسي أروضها () بالتقوي، لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت علي جوانب المزلق» ().

لا.. للترفية

«ولو شئت لاهتديت الطريق إلي مصفي هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلي تخير الأطعمة.

ولعل بالحجاز أو اليمامة، من لا طمع له في القرص()، ولا عهد له بالشبع. أو أبيت مبطاناً، وحولي بطون غرثي() وأكباد حري() أو أكون كما قال القائل:

وحسبك داءً أن تبيت ببطنة()

وحولك أكباد تحن إلي القد()

لا.. للأنانية

«أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة() العيش؟

فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المراسلة شغلها تقممها()، تكترش من أعلافها() وتلهو عما يراد بها().

أو أترك سدي، أو أهمل عابثاً، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة» ().

الشجرة البرية أصلب عوداً

«وكأني بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب، فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران، ومنازلة الشجعان.

ألا وإن الشجرة البرية أصلب عوداً، والرواتع الخضرة أرق جلوداً، والنابتات العذية() أقوي وقوداً، وأبطأ خموداً.

وأنا من رسول الله كالصنو من الصنو والذراع من العضد» ().

كل الاعتماد علي الله تعالي

«والله لو تظاهرت العرب علي قتالي، لما وليت عنها، ولو أمكنت الفرص من رقابها، لسارعت إليها …

إليك عني يا دنيا، فحبلك علي غاربك() قد أنسللت من مخالبك()، وأفلت من حبائلك()، واجتنبت الذهاب إلي مداحضك().

أين القرون الذين غررتهم بمداعبك().

أين الأمم الذين فتنتهم بزخارفك.

ها هم رهائن القبور، ومضامين اللحود، والله لو كنت شخصاً مرئياً، وقالباً حسياً، لأقمت عليك حدود الله في عباد غررتهم بالأماني، وأمم ألقيتهم في المهاوي، وملوك أسلمتهم إلي التلف، وأوردتهم موارد البلاء، إذ لا ورد ولا صدر().

هيهات من وطئ دحضك زلق()ومن ركب لججك غرق، ومن أزور() عن حبائلك وفق، والسالم منك لا يبالي إن ضاق به مناخه()، والدنيا عنده كيوم حان انسلاخه.

اعزبي عني() فوالله لا أذل لك فتستذليني، ولا أسلس() لك فتقوديني».

رياضة النفس

«وأيم الله يميناً أستثني فيها بمشيئة الله، لأروضن نفسي رياضة تهش() معها إلي القرص، إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً، ولأدعن مقلتي كعين ماء نضب معينها() مستفرغة دموعها، أتمتلئ السائمة() من رعيها فتبرك، وتشبع الربيضة() من عشبها فتربض()، ويأكل علي من زاده فيهجع()، قرت إذاً عينه، إذا اقتدي بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة()، والسائمة المرعية!.

طوبي لنفس أدت إلي ربها فرضها، وعركت بجنبها بؤسها()، وهجرت في الليل غمضها..

حتي إذا غلب الكري() عليها، افترشت أرضها، وتوسدت كفها، في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم، وهمهمت() بذكر ربهم شفاههم، وتقشعت() بطول استغفارهم ذنوبهم.

?أولئك حزب الله ألا أن حزب الله هم المفلحون?().

فاتق الله يا بن حنيف، ولتكفف أقراصك()، ليكون من النار خلاصك» ().

مواساة أضعف الرعية

ومن تكاليف الرئيس الأعلي للدولة الإسلامية، أن تكون معيشته الشخصية في مسكنه، وملبسه، ومأكله، وغير ذلك مثل أضعف الرعية اقتصادياً.

وهذا ما لا يوجد إلا في الإسلام.

فإنك لا تكاد تجد لذلك من نظير في غير الإسلام.

أما الإسلام فقد طبق ذلك في سيرة الرسول وآله الأئمة الطاهرين عليهم السلام.

ففي نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام، جاء النص التالي:

«إن الله تعالي فرض علي أئمة العدل، أن يقدروا() أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ() بالفقير فقره» ().

وقد نقلنا في الفصل الرابع قصة استغراب أمير المؤمنين عليه السلام عندما سمع صوت المقلي في بيته.

وبالفعل، فقد طبق أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام هذه الحكمة الخالدة علي نفسه عندما تسلم أزمة الحكم في البلاد الإسلامية.

فقد ورد في الحديث الشريف أنه عليه السلام كان لا يأكل اللحم في السنة إلا مرة واحدة فقط وذلك في عيد الأضحي عندما يأكل جميع المسلمين اللحم().

أما طول السنة، فلم يكن علي عليه السلام

ليأكل اللحم، لأن كل يوم من أيام السنة فربما هناك بعض أفراد من المسلمين لا يجدون لحماً يأكلونه، وعلي عليه السلام يريد مواساة أضعف رعيته دائماً وأبداً.

العمال والولاة

أما الولاة() وعمال الولاة() وإن كانت أحكامهم أخف من الإمام عليه السلام، ولكن يجب عليهم أيضاً أن يتخذوا مسلك الإمام عليه السلام ويسيروا بسيرته.

فإذا كان وال أو عامل لا يمضي علي حكم واحد من أحكام الإسلام كان يعزل.

فهذا (الوليد) حين كان والياً علي العراق وشرب الخمر، عزل وأتي به إلي المدينة، وأقام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عليه حد شرب الخمر، فضربه ثمانين جلدة.

وفوق هذا: إن عثمان بن حنيف الذي كان والياً علي البصرة من قبل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، حينما حضر مجلساً من الطعام الذي كان المدعوون فيه من الأغنياء فقط، كتب إليه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يوبخه علي استجابته لهذه الدعوة، ويصف له نفسه الشريفة ليتخذها الولاة والعمال أسوة:

«أما بعد يا بن حنيف، فقد بلغني أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلي مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان()، وما ظننت أنك تجيب إلي طعام قوم عائلهم مجفو()، وغنيهم مدعو، فانظر إلي ما تقمضه من هذا المقضم()، فما اشتبه عليك علمه فالفظه()، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه» ().

والحديث في هذا المجال طويل.. وطويل.

لكنا نكتفي بهذا المقدار المتناسب مع وضع الكتاب.

«فارفع إليّ حسابك واعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس» ().

أمير المؤمنين عليه السلام

17 من رسائل أمير المؤمنين عليه السلام في سياسة البلاد

17 من رسائل أمير المؤمنين عليه السلام في سياسة البلاد

رسائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) إلي ولاته وعماله وموظفيه خير وجه ناصع لسياسة الإسلام في كيفية إدارة البلاد والعباد.

فهي بوحدها جامعة للسياسة الإسلامية في كل أبعادها وفي مختلف شؤونها.

ولكي نعكس صورة عملية أخري لسياسة الإسلام الحكيمة..

ولكي يعتبر القادة والساسة دروساً من القيادات والسياسات المادية التي لا تجر إلي البشر سوي الفتك والدمار والتحطيم..

ولكي يعرف

الخلاص والنجاة فيم؟ وكيف؟ وعند من؟

لذلك كله: نضع هنا بعض رسائل أمير المؤمنين عليه السلام السياسية مما نقلها الشريف الرضي رحمة الله عليه في (نهج البلاغة)، ونترك الشرح والتعليق إلي مقدرة القارئ وفطنته ومقدار استفادته منها في مختلف المستويات.

ولا يخفي إنا قد ضمنا بين ثنايا الكلمات الغامضة تفسيراتها بين معقوفتين هكذا [] للتسهيل علي من ليس لهم الإلمام الكامل بمعاني اللغات.

لا.. لغلظة الوالي

من كتاب له عليه السلام إلي بعض عماله: «أما بعد، فإن دهاقين [الأكابر، الزعماء، أرباب الأملاك بالسواد] أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة، واحتقاراً وجفوة، ونظرت فلم أرهم أهلاً لأن يدنوا [يقربوا] لشركهم، ولا أن يقصوا [يبعدوا] ويجفوا [يعاملوا بخشونة] لعهدهم، فالبس لهم جلباباً من اللين تشوبه [تخلطه] بطرف من الشدة، وداول [اسلك فيهم منهجاً متوسطاً] لهم بين القسوة والرأفة، وأمرج لهم بين التقريب والإدناء، والإبعاد والإقصاء إن شاء الله» ().

لا.. للخيانة

ومن كتاب له عليه السلام إلي زياد بن أبيه، وهو خليفة عامله عبد الله بن عباس علي البصرة، وعبد الله عامل أمير المؤمنين عليه السلام يومئذ عليها وعلي كور الأهواز() وفارس وكرمان وغيرها.

«واني أقسم بالله قسماً صادقاً، لئن بلغني أنك خنت من فيء المسلمين [مالهم من غنيمة أو خراج] شيئاً صغيراً أو كبيراً، لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر، ضئيل الأمر، والسلام» ().

لا.. للإسراف

ومن كتاب له عليه السلام إلي زياد أيضاً:

«فدع الإسراف مقتصداً، واذكر في اليوم غداً، وأمسك من المال بقدر ضرورتك، وقدم الفضل ليوم حاجتك.

أترجو أن يعطيك الله أجر المتواضعين، وأنت عنده من المتكبرين! وتطمع وأنت متمرغ في النعيم [متقلب في الترف] تمنعه الضعيف والأرملة أن يوجب لك ثواب المتصدقين؟ وإنما المرء مجزي بما أسلف، وقادم علي ما قدم، والسلام» ().

خلق الجباة

ومن وصية له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله علي الصدقات():

«انطلق علي تقوي الله وحده لا شريك له، ولا تروعن مسلماً، ولاتجتازن [المرور] عليه كارهاً، ولا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت علي الحي فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتي تقوم بينهم، فتسلم عليهم، ولا تخدج [لا تبخل] بالتحية لهم، ثم تقول:

عباد الله، أرسلني إليكم ولي الله وخليفته، لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلي وليه، فإن قال قائل: لا، فلا تراجعه.

وإن أنعم [قال: نعم] لك منعم، فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده، أو تعسفه [تأخذه بشدة] أو ترهقه [تكلفه ما يصعب عليه] فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة، فإن كان له ماشية أو إبل، فلا تدخلها إلا بإذنه فان أكثرها له، فإذا أتيتها، فلا تدخل عليها دخول متسلط عليه، ولا عنيف به».

وحقوق الحيوان

«ولا تنفرن بهيمة ولا تفزعنها، ولا تسوأن صاحبها فيها، وأصدع المال صدعين [قسمه قسمين] ثم خيره فإذا اختار فلا تعرضن لما اختاره، ثم اصدع الباقي صدعين، ثم خيره فإذا اختار فلا تعرضن لما اختاره، فلا تزال كذلك حتي يبقي ما فيه وفاء لحق الله في ماله، فاقبض حق الله منه، فإن استقالك فأقله، ثم اخلطهما، ثم اصنع مثل الذي صنعت أولاً، حتي تأخذ حق الله في ماله.

ولا تأخذن عوراً، ولا هرمة، ولا مكسورة، ولا مهلوسة [العور بفتح فسكون المسنة من الإبل، الهرمة: أسن من العود، المهلوسة: الضعيفة] ولا ذات عوار [بفتح العين: العيب] ولا تأمنن عليها إلا من تثق بدينه، رافقاً بمال المسلمين، حتي يوصله إلي وليهم فيقسمه بينهم، ولا توكل

بها إلا ناصحاً شفيقاً، وأميناً حفيظاً غير معنف، ولا مجحف ولا مغلب ولا متعب».

الرحمة بالنعم

«ثم احدر [سق سريعاً] ما اجتمع عندك، نصيّره حيث أمر الله به، فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه ألا يحول بين ناقة وبين فصيلها، ولا يمصر

[حلب ما في الضرع جميعه] لبنها فيضر ذلك بولدها، ولا يجهدنها ركوباً، وليعدل بين صواحباتها في ذلك وبينها.

وليرفه علي اللاغب [أي ليرح ما ألغب أي ما أعياه التعب] وليستأن بالنقب والظالع [أي ليرفق بما نقب خفه وغمز في مشيته] وليوردها ما تمر به من الغدر، ولا يعدل بها عن نبت الأرض إلي جواد الطرق [وهي التي لا مرعي فيها] وليروحها في الساعات، وليمهلها عند النطاف [جمع نطفة: المياه القليلة، أي يجعل لها مهلة لتشرب وتأكل] والأعشاب، حتي تأتينا بإذن الله بدنا منقيات [سمينات] غير متعبات ولا مجهودات

[بلغ منها الجهد والعناء مبلغاً عظيماً] لنقسمها علي كتاب الله وسنة نبيه، فإن ذلك أعظم لأجرك، وأقرب لرشدك، إن شاء الله» ().

تواضع الوالي

ومن عهد لأمير المؤمنين علي عليه السلام إلي محمد بن أبي بكر، حين قلده مصر:

«فاخفض لهم جناحك، وألن لهم جانبك، وأبسط لهم وجهك، وآس [ساوي] بينهم في اللحظة والنظرة، حتي لا يطمع العظماء في حيفك لهم [ظلمك لأجلهم] ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم، فإن الله تعالي يسألكم معشر عباده عن الصغيرة من أعمالكم والكبيرة، والظاهرة والمستورة، فإن يعذب فأنتم أظلم، وإن يعف فهو أكرم» ().

سيرة المتقين

«واعلموا عباد الله: أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون، وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبرون، ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ، والمتجر الرابح.

أصابوا لذة زهدة الدنيا في دنياهم، وتيقنوا أنهم جيران الله غداً في آخرتهم، لا ترد لهم دعوة، ولا ينقص لهم نصيب من لذة» ().

احذروا الموت

«فاحذروا عباد الله الموت وقربه، وأعدوا له عدته، فإنه يأتي بأمر عظيم وخطب جليل، بخير لا يكون معه شر أبداً، أو شر لا يكون معه خير أبداً، فمن أقرب إلي الجنة من عاملها؟ ومن أقرب إلي النار من عاملها؟.

وأنتم طرداء الموت، إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم، وهو ألزم لكم من ظلكم.

الموت معقود بنواصيكم، والدنيا تطوي من خلفكم.

فاحذروا ناراً قعرها بعيد، وحرها شديد، وعذابها جديد، دار ليس فيها رحمة، ولا تسمع فيها دعوة، ولا تفرج فيها كربة.

وإن استطعتم أن يشتد خوفكم من الله، وأن يحسن ظنكم به، فاجمعوا بينهما، فإن العبد إنما يكون حسن ظنه بربه علي قدر خوفه من ربه، وإن أحسن الناس ظناً بالله، أشدهم خوفاً لله.

واعلم يا محمد بن أبي بكر أني وقد وليتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر، فأنت محقوق أن تخالف علي نفسك [تخالف شهوة نفسك] وأن تنافح عن دينك [تدافع عنه] ولو لم يكن لك إلا ساعة من الدهر، ولا تسخط الله برضا أحد من خلقه، فإن في الله خلقاً من غيره، وليس من الله خلف في غيره» ().

التأكيد علي الصلاة

«صل الصلاة لوقتها المؤقت لها، ولا تعجل وقتها لفراغ، ولاتؤخرها عن وقتها لاشتغال، واعلم أن كل شيء من عملك تبع لصلاتك» ().

لا سواء

«فإنه لا سواء، إمام الهدي وإمام الردي، وولي النبي، وعدو النبي.

ولقد قال لي رسول الله:

إني لا أخاف علي أمتي مؤمناً ولا مشركاً، أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه، وأما المشرك فيقمعه [يقهره] الله بشركه، ولكني أخاف عليكم كل منافق الجنان [من أسر النفاق في قلبه] عالم اللسان [من لا يعرف أحكام الشريعة ويسهل عليه بيانها] يقول ما تعرفون، ويفعل ما تنكرون» ().

ارفع إلي حسابك

من كتاب له عليه السلام إلي بعض عماله():

«أما بعد، فقد بلغني عنك أمر، إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك، وعصيت إمامك، وأخزيت أمانتك [ألصقت بأمانتك خزية بالفتح أي رزية أفسدتها وأهانتها]. بلغني أنك جردت الأرض [قشرتها، والمعني أنه أنسبه إلي الخيانة في المال، وإلي إخراب الضياع] فأخذت ما تحت قدميك، وأكلت ما تحت يديك، فارفع إليّ حسابك، واعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس، والسلام».

وصايا إنسانية

ومن كتاب له عليه السلام إلي بعض عماله():

«أما بعد، فإنك ممن أستظهر به علي إقامة الدين، وأقمع به نخوة الأثيم [أكسر به كبر الأثيم الذي يفعل الخطايا والآثام] وأسد به لهاة الثغر المخوف [اللهاة: قطعة لحم مدلاة في آخر سقف الفم علي باب الحلق، قرنها بالثغر تشبيهاً له بفم الإنسان، والثغر المخوف: المكان الذي يخشي طروق الأعداء له علي الحدود] فاستعن بالله علي ما أهمك، وأخلط الشدة بضغث [شيء] من اللين، وارفق ما كان الرفق أرفق، واعتزم بالشدة حين لا تغني عنك إلا الشدة، واخفض للرعية جناحك، وابسط لهم وجهك، وألن لهم جانبك، وآس بينهم [شارك بينهم واجعلهم سواء] في اللحظة والنظرة، والإشارة والتحية، حتي لا يطمع العظماء في حيفك، ولا ييأس الضعفاء من عدلك، والسلام».

إلي الأشتر النخعي رحمة الله عليه

من كتاب لأمير المؤمنين علي عليه السلام كتبه إلي الأشتر النخعي، لما ولاه علي مصر وأعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر، وهو أطول عهد كتبه، وأجمعه للمحاسن():

«بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين، مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه، حين ولاه مصر: جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها».

تقوي الله

«أمره بتقوي الله، وإيثار طاعته، واتباع ما أمر به في كتابه، من فرائضه وسننه، التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، ولا يشقي إلا مع جحودها وإضاعتها، وأن ينصر الله سبحانه بقلبه، ويده ولسانه، فإنه جل اسمه، قد تكفل بنصر من نصره، وإعزاز من أعزه.

وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات، ويزعها عند الجمحات [يزعها: يكفها، والجمحات: منازعات النفس إلي شهواتها ومآربها] فإن النفس أمارة بالسوء، إلا ما رحم الله».

يقولون فيك ما كنت تقول

«ثم اعلم يا مالك، إني قد وجهتك إلي بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وإن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم، وإنما يستدل علي الصالحين بما يجري الله علي ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فاملك هواك، وشح [أبخل] بنفسك عما لا يحل لك، فإن الشح بالنفس الإنصاف منها، فيما أحبت أو كرهت».

أصناف الناس

«وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولاتكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان:

إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق، يفرط [يسبق] منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتي علي أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك، مثل الذي تحب وترضي أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم».

لا.. لحرب الله

«ولا تنصبن نفسك لحرب الله، فإنه لا يد لك بنقمته [أي ليس لك قوة تدفع نقمته، يعني لا طاقة لك بها] ولا غني بك عن عفوه ورحمته، ولا تندمن علي عفو، ولا تبجحن [لا تفرحن كبراً] بعقوبة، ولا تسرعن إلي بادرة وجدت منها مندوحة [البادرة: ما يبدر عن الغضب من قول أو فعل، والمندوحة: المخلص] ولا تقولن: إني مؤمر [مسلط] آمر فأطاع، فإن ذلك إدغال [إدخال الفساد] في القلب، ومنهكة [مضعفة] للدين، وتقرب من الغير [بكسر ففتح: حادثات الدهر بتبدل الدول] وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة [الأبهة: العظمة والكبرياء، والمخيلة بفتح فكسر الخيلاء والعجب] فانظر إلي عظم ملك الله فوقك، وقدرته منك علي ما لا تقدر عليه من نفسك.

فإن ذلك يطامن [يخفض] إليك من طماحك، ويكف عنك من غربك [طماح ككتاب: النشوز والجماح، والغَرب بفتح فسكون: الحدة] ويفيء إليك بما عزب [غاب] عنك من عقلك».

لا.. للتكبر

«إياك ومساماة [المباراة في السمو، أي العلو] الله في عظمته، والتشبه به في جبروته، فإن الله يذل كل جبار، ويهين كل مختال.

أنصف الله وأنصف الناس من نفسك، ومن خاصة أهلك، ومن لك فيه هوي [لك إليه ميل خاص] من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم! ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض [أبطل] حجته، وكان لله حرباً، حتي ينزع، أو يتوب.

وليس شيء أدعي إلي تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته، من إقامة علي ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد».

أوسط الأمور في الحق

«وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل، وأجمعها لرضي الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضي الخاصة [يذهب برضاهم]، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضي العامة.

وليس أحد من الرعية أثقل علي الوالي مؤونة في الرخاء، وأقل معونة له في البلاء، وأكره للإنصاف، وأسأل بالإلحاف [الإلحاح والشدة في السؤال] وأقل شكراً عند الإعطاء، وأبطأ عذراً عند المنع، وأضعف صبراً عند ملمات الدهر، من أهل الخاصة.

وإنما عماد الدين، وجماع المسلمين [جماعتهم] والعدة للأعداء العامة من الأمة، فليكن صغوك [بالكسر والفتح: التوجه] لهم، وميلك معهم».

لا تقرب النمامين

«وليكن أبعد رعيتك منك، وأشنأهم [أبغضهم] عندك، اطلبهم لمعائب الناس، فإن في الناس عيوباً، الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم علي ما غاب عنك.

فاستر العورة ما استطعت، يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك.

أطلق عن الناس عقدة كل حقد [أحلل عقدة الأحقاد من قلوب الناس بحسن السيرة معهم] وأقطع عنك سبب كل وتر [بالكسر: العداوة] وتغاب [تغافل] عن كل ما لا يضح لك [ما لا يظهر لك] ولا تعجلن إلي تصديق ساع، فإن الساعي [النمام بمعائب الناس] غاش، وإن تشبه بالناصحين».

سياسة المشورة

«ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً، يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر [يخوفك منه لو بذلت]، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزين لك الشره [الشره بالتحريك: أشد الحرص] بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتي، يجمعها سوء الظن بالله».

شر الوزراء

«إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيراً، ومن شركهم في الآثام، فلا يكونن لك بطانة [بالكسر] فإنهم أعوان الأثمة [جمع آثم: وهو فاعل الإثم، أي الذنب] وأخوان الظلمة، وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم، وليس عليه مثل آصارهم [ذنوبهم] وأوزارهم [جمع وزر: أي الإثم] وآثامهم، ممن لم يعاون ظالماً علي ظلمه، ولا آثماً علي إثمه.

أولئك أخف عليك مؤونة، وأحسن لك معونة، وأحني عليك عطفاً، وأقل لغيرك إلفاً [صداقة].

فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك وحفلاتك، ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك، وأقلهم مساعدة فيما يكون منك، مما كره الله لأوليائه، واقعاً ذلك من هوالك حيث وقع».

الصق بأهل الروع

«والصق بأهل الورع والصدق، ثم رضهم [عودهم] علي ألا يطروك [يمدحوك] ولا يبجحوك [يفرحوك بنسبة عمل عظيم إليك] بباطل لم تفعله، فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو [العجب] وتدني من العزة.

ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة علي الإساءة، وألزم كلا منهم ما ألزم نفسه».

لإحسان للرعية

«واعلم أنه ليس شيء بأدعي إلي حسن ظن راع برعيته من إحسانه إليهم، وتخفيفه المؤونات عليهم، وترك استكراهه إياهم علي ما ليس له قبلهم [بكسر ففتح: أي عندهم].

فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك، فإن حسن الظن يقطع عنك نصباً [تعباً] طويلاً.

وإن أحق من حسن ظنك به، لمن حسن بلاؤك عنده، وإن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك [صنعك] عنده.

ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، واجتمعت بها الألفة، وصلحت عليها الرعية، ولا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن، فيكون الأجر لمن سنها، والوزر عليك بما نقضت منها».

تأكيد علي مدارسة العلماء

«وأكثر مدارسة العلماء، ومناقشة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك.

واعلم أن الرعية طبقات، لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غني ببعضها عن بعض:

فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلي من ذوي الحاجة والمسكنة.

وكل قد سمي الله له سهمه [نصيبه] ووضع علي حده فريضة في كتابه أو سنة نبيه عهداً منه عندنا محفوظاً».

الجيش والجنود

«فالجنود بإذن الله، حصون الرعية، وزين الولاة، وعز الدين، وسبل الأمن، وليس تقوم الرعية إلا بهم، ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج، الذي يقوون به علي جهاد عدوهم، ويعتمدون عليه فيما يصلحهم، ويكون من وراء حاجتهم [يقضونها به]».

القضاة والعدل

«ثم لا قوام لهذين الصنفين، إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب، لما يحكمون من المعاقد [العقود] ويجمعون من المنافع، ويؤتمنون عليه من خواص الأمور وعوامها».

أهل الصناعات والتجار

«ولا قوام لهم جميعاً إلا بالتجار وذوي الصناعات، فيما يجتمعون عليه من مرافقهم [أي المنافع التي يجتمعون لأجلها] ويقيمونه من أسواقهم، ويكفونهم من الترفق [التكسب] بأيديهم ما لا يبلغه رفق غيرهم».

وأهل الحاجة

«ثم الطبقة السفلي من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم

[صلتهم] ومعونتهم، وفي الله لكل سعة، ولكل علي الوالي حق بقدر ما يصلحه. وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك، إلا بالاهتمام والاستعانة بالله، وتوطين نفسه علي لزوم الحق، والصبر عليه فيما خف عليه أو ثقل.

فول من جنودك أنصحهم من نفسك لله ولرسوله ولإمامك، وأنقاهم جيباً [الصدر والقلب]، وأفضلهم حلماً، ممن يبطئ عن الغضب، ويستريح إلي العذر، ويرأف بالضعفاء، وينبو [يبتعد] علي الأقوياء، وممن لا يثيره العنف، ولا يقعد به الضعف».

كرائم العائلات

«ثم الصق بذوي المروءات والأحساب، وأهل البيوتات الصالحة، والسوابق الحسنة، ثم أهل النجدة والشجاعة، والسخاء والسماحة، فإنهم جماع [أي مجموع] من الكرم، وشعب من العرف [المعروف].

ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما، ولا يتفاقمن [يتعاظمن] في نفسك شيء قويتهم به، ولا تحقرن لطفاً تعاهدتهم به وإن قل، فإنه داعية لهم إلي بذل النصيحة لك، وحسن الظن بك.

ولا تدع تفقد لطيف أمورهم، اتكالاً علي جسيمها، فإن لليسير من لطفك موضعاً ينتفعون به، وللجسيم موقعاً لا يستغنون عنه».

استقامة العدل

«وليكن آثر [أفضل وأعلي منزلة] رؤوس جندك عندك من واساهم [ساعدهم] في معونته، وأفضل عليهم من جدته [غناه] بما يسعهم ويسع من ورائهم من خلوف أهليهم [من يبقي في الحي من النساء والعجزة بعد سفر الرجال] حتي يكون همهم هماً واحداً في جهاد العدو، فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك، وإن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، وظهور مودة الرعية.

وإنه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم، ولا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم [صونهم] علي ولاة الأمور وقلة استثقال دولهم، وترك استبطاء انقطاع مدتهم.

فافسح في آمالهم، وواصل في حسن الثناء عليهم، وتعديد ما أبلي ذووا البلاء منهم [أهل الأعمال العظيمة] فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل [المتأخر القاعد] إن شاء الله».

ضع الناس مواضعهم

«ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلي، ولا تضمن بلاء امرئ [صنيعة الذي أبلاه] إلي غيره، ولا تقصرن به دون غاية بلائه، ولا يدعونك شرف امرئ إلي أن تعظم من بلائه ما كان صغيراً، ولا ضعة امرئ إلي أن تستصغر من بلائه ما كان عظيماً.

وأردد إلي الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب [أي ما يثقلك ويكاد يميلك من الأمور الجسام]، ويشتبه عليك من الأمور، فقد قال الله تعالي لقوم أحب إرشادهم: ?يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول?().

فالرد إلي الله: الأخذ بمحكم كتابه، والرد إلي الرسول: الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة».

مواصفات الحكام

«ثم اختر للحكم بين الناس، أفضل رعيتك في نفسك، ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه [تجعله ماحقاً لجوجاً] الخصوم، ولا يتمادي [يستمر ويسترسل] في الزلة ولا يحصر من الفيء [الرجوع] إلي الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه علي طمع، ولا يكتفي بأدني فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرماً [ضجراً ومللا] بمراجعة الخصم، وأصبرهم علي تكشف الأمور، وأصرمهم [أقطعهم للخصومة وأمضاهم فيها] عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء [أي لا يستخفه زيادة الثناء عليه]، ولا يستميله إغراء، وأولئك قليل.

ثم أكثر تعاهد [مراجعة] قضائه، وأفسح له في البذل ما يزيل علته، وتقل معه حاجته إلي الناس.

وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك.

فانظر في ذلك نظراً بليغاً، فإن هذا الدين قد كان أسيراً في أيدي الأشرار يعمل فيه بالهوي وتطلب به الدنيا».

اختبر الموظفين

«ثم انظر في أمور عمالك، فاستعملهم اختباراً [أي ولّهم الأعمال بالامتحان] ولا تولهم محاباة وأثرة [محاباة: أي اختصاصاً وميلاً منك لمعاونتهم، وأثرة: أي استبداداً بلا مشورة] فإنهما جماع من شعب [أي يجمعان شعب وفروع الجور والخيانة] الجور والخيانة، وتوخ [أي أطلب وتحر] منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقاً وأصح أعراضاً، وأقل في المطامع إشراقاً، وأبلغ في عواقب الأمور نظراً.

ثم أسبغ [أكثر] عليهم الأرزاق، فإن ذلك قوة لهم علي استصلاح أنفسهم، وغني لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوا أمرك، أو ثلموا أمانتك [أي نقضوا في أدائها أو خانوا]».

تفقد سيرة الموظفين

«ثم تفقد أعمالهم، وابعث العيون [الرقباء] من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم [أي سوق لهم وحث] علي استعمال الأمانة والرفق بالرعية.

وتحفظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلي خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك، اكتفيت بذلك شاهداً، فبسطت عليه العقوبة في بدنه، وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة، ووسمته بالخيانة، وقلدته عار التهمة».

الاقتصاد

«وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأن الناس كلهم عيال علي الخراج وأهله».

وعمارة الأرض

«وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة، أخرب البلاد، وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً.

فإن شكوا ثقلاً، أو علة [فساد الزرع] أو انقطاع شرب، أو بالة [مطر] أو إحالة أرض اغتمرها [عمها] غرق، أو أجحف بها عطش

[أتلفها]، خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم، ولا يثقلن عليك شيء خففت به المؤونة عنهم.

فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك، وتزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم، وتبجحك باستفاضة العدل فيهم [التبجح: السرور بما يري من حسن عمله في العدل، واستفاضة العدل: انتشاره] معتمداً فضل قوتهم [أي متخذاً زيادة قوتهم عماداً لك تستند إليه عند الحاجة] بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم [الترفيه] والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم، ورفقك بهم.

فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم، من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به، فإن العمران محتمل ما حملته.

وإنما يؤتي خراب الأرض من إعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة علي الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء، وقلة انتفاعهم بالعبر».

والكُتّاب

«ثم انظر في حال كُتّابك، فولّ علي أمورك خيرهم، وأخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ممن لا تبطره [لا تطغيه] الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ [جماعة من الناس تملأ البصر] ولا تقصر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمالك عليك، وإصدار جواباتها علي الصواب عنك، فيما يأخذ لك ويعطي منك.

ولا يضعف عقداً اعتقده لك [أي: معاملة عقدها لمصلحتك] ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور، فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل.

ثم لا

يكن اختيارك إياهم علي فراستك واستنامتك [بالسكون والثقة] وحسن الظن منك، فإن الرجال يتعرضون لفراسات الولاة بتصنعهم [أي بتكلفهم إجادة الصنعة] وحسن خدمتهم، وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شيء.

ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثراً، وأعرفهم بالأمانة وجهاً، فإن ذلك دليل علي نصيحتك لله ولمن وليت أمره».

تنظيم الأمور

«واجعل لرأس كل أمر من أمورك رأساً منهم، لا يقهره كبيرها، ولا يتشتت عليه كثيرها، ومهما كان في كتّابك من عيب فتغابيت [تغافلت] عنه ألزمته».

تشجيع الصناعة

«ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات، وأوص بهم خيراً: المقيم منهم والمضطرب بماله [المتردد به بين البلدان] والمترفق [المكتسب] ببدنه، فإنهم مواد المنافع، وأسباب المرافق [ما ينتفع به من الأدوات والآنية] وجلابها من المباعد والمطارح [الأماكن البعيدة] في برك وبحرك، وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها، ولايجترئون عليها، فإنهم سلم لا تخاف بائقته [داهيته] وصلح لا تخشي غائلته. وتفقد أمورهم بحضرتك، وفي حواشي بلادك».

منع الاحتكار

«واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً، وشحاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع، وتحكماً في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة، وعيب علي الولاة.

فامنع من الاحتكار، فإن رسول الله منع منه.

وليكن البيع بيعاً سمحاً: بموازين عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حكرة [عمل الاحتكار] بعد نهيك إياه فنكل به، وعاقبه في غير إسراف [يعني في العقوبة]».

العناية بالمستضعفين

«ثم الله الله في الطبقة السفلي من الذين لا حيلة لهم، من المساكين والمحتاجين، وأهل البؤسي [شدة الفقر] والزمني [الشلل] فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً [القانع: السائل، والمعتر: المتعرض للعطاء بلا سؤال] واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم.

واجعل لهم قسماً من بيت مالك، وقسماً من غلات صوافي [أرض الغنيمة] الإسلام في كل بلد، فإن للأقصي منهم مثل الذي للأدني، وكل قد استرعيت حقه، فلا يشغلنك عنهم بطر، فإنك لا تعذر بتضييعك التافه [الحقير] لأحكامك الكثير المهم.

فلا تشخص [لا تصرف] همك عنهم، ولا تصعر [تمل تكبراً] خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم، ممن تقتحمه العيون [تنظر إليه احتقاراً وازدراءً] وتحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك أمورهم.

ثم اعمل فيهم بالإعذار إلي الله يوم تلقاه [أي بما يقدم لك عذراً عنده] فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلي الإنصاف من غيرهم، وكل فأعذر إلي الله في تأدية حقه إليه».

الأيتام والأطفال

«وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن [أي: المتقدمين في السن] ممن لا حيله له، ولا ينصب للمسألة نفسه، وذلك علي الولاة ثقيل، والحق كله ثقيل، وقد يخففه الله علي أقوام طلبوا العاقبة، فصبروا أنفسهم، ووثقوا بصدق موعود الله لهم».

أصحاب الحوائج

«واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلساً عاماً، فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك [جمع حارس وشرطي] حتي يكلمك متكلمهم غير متتعتع [متردد من عجز].

فإني سمعت رسول الله يقول في غير موطن:

لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع.

ثم احتمل الخرق [العنف] منهم والعي [العجز عن النطق] ونح عنهم الضيق والأنف [التكبر]، يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته [أطرافها]، ويوجب لك ثواب طاعته، وأعط ما أعطيت هنيئاً، وامنع في إجمال وإعذار [بجمال واعتذار].

ثم أمور من أمورك لابد لك من مباشرتها: منها إجابة عمالك بما يعيا [يعجز] عنه كتابك، ومنها إصدار حاجات الناس يوم ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك.

وامض لكل يوم عمله فإن لكل يوم ما فيه».

الخلوة بالله تعالي

«واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل تلك المواقيت، وأجزل تلك الأقسام، وإن كانت كلها لله إذا صلحت فيها النية وسلمت منها الرعية.

وليكن في خاصة ما تخلص به لله دينك: إقامة فرائضه، التي هي له خاصة، فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك، ووف ما تقربت به إلي الله من ذلك كاملاً غير مثلوم ولا منقوض، بالغاً من بدنك ما بلغ».

صلاة الجماعة

«وإذا قمت في صلاتك للناس، فلا تكونن منفراً، ولا مضيعاً، فإن في الناس من به العلة وله الحاجة، وقد سألت رسول الله حين وجهني إلي اليمن: كيف أصلي بهم؟ فقال: صل بهم كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيماً».

كن في الناس

«وأما بعد، فلا تطولن احتجابك عن رعيتك، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل.

وإنما الوالي بشر، لا يعرف ما تواري عنه الناس به من الأمور، وليست علي الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، وإنما أنت أحد رجلين:

إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق، ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه، أو فعل كريم تسديه، أو مبتلي بالمنع، فما أسرع كف الناس من عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك، مع أن أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤونة فيه عليك، من شكاة مظلمة، أو طلب إنصاف في معاملة».

لا.. للبطانة

«ثم إن للوالي خاصة وبطانة، فيهم استئثار وتطاول، وقلة إنصاف في معاملة، فاحسم [اقطع] مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال.

ولا تقطعن لأحد من حاشيتك وحامتك قطيعة [المنحة من الأرض] ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة [امتلاك ضيعة] تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته علي غيرهم، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك، وعيبه عليك في الدنيا والآخرة».

كن مع الحق دائماً

«وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد، وكن في ذلك صابراً محتسباً، واقعاً لذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع، وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فإن مغبة [عاقبة] ذلك محمودة.

وإن ظنت الرعية بك حيفاً [ظلماً] فأصحر [أظهر] لهم بعذرك، واعدل [انح] عنك ظنونهم بإصحارك، فإن في ذلك رياضة منك لنفسك [تعويداً لنفسك علي العدل]، ورفقاً برعيتك، وإعذاراً تبلغ به حاجتك من تقويمهم علي الحق.

ولا تدفعن صلحاً دعاك إليه عدوك ولله فيه رضا، فإن في الصلح دعة [راحة] لجنودك، وراحة من همومك، وأمناً لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفل [أي تقرب منك بالصلح ليحاربك غفلة] فخذ بالحزم، واتهم في ذلك حسن الظن».

الوفاء.. والأمانة

«وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة، أو ألبسته منك ذمة [عهداً]، فحط عهدك بالوفاء [حط عهدك: أي احفظه وصنه] وأرع ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنة [وقاية: أي حافظ علي ما أعطيت من العهد بروحك] دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعاً، مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم، من تعظيم الوفاء بالعهود.

وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا [أي وجدوها وبيلة مهلكة] من عواقب الغدر، فلا تغدرن بذمتك ولا تخيسن [خيانة] بعهدك، ولا تختلن عدوك [تخدعنه] فإنه لا يجترئ علي الله إلا جاهل شقي.

وقد جعل الله عهده وذمته أمناً أفضاه [أفشاه] بين العباد برحمته، وحريماً يسكنون إلي منعته [قوته]، ويستفيضون إلي جواره [أي: يفزعون إليه بسرعة]، فلا إدغال ولا مدالسة [الإدغال: الإفساد، والمدالسة: الخيانة] ولا خداع فيه، ولا تعقد عقداً تجوز فيه العلل، ولاتعولن علي لحن قول [كالتورية والتعريض] بعد التأكيد والتوثقة».

والصبر في الملمات

«ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله، إلي طلب انفساخه بغير الحق، فإن صبرك علي ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته، خير من غدر تخاف تبعته، وأن تحيط بك من الله فيه طلبة، لا تستقبل فيها دنياك ولا آخرتك».

إياك وسفك الدماء

«إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شيء أدني لنقمة، ولا أعظم لتبعة، ولا أحري بزوال نعمة، وانقطاع مدة، من سفك الدماء بغير حقها، والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيام.

فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله، ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود البدن [قصاصه].

وإن ابتليت بخطأ أو أفرط عليك سوطك [أي عجل بما لم تكن تريده أردت تأديباً فأعقب قتلاً مثلاً] أو سيفك، أو يدك بالعقوبة، فإن في الوكزة [الضربة بجمع الكف] فما فوقها مقتلة، فلا تطمحن [ترتفعن] بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلي أولياء المقتول حقهم».

لا.. للعجب بالنفس

«وإياك والإعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحب الإطراء [المبالغة في الثناء]، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه، ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين».

لا.. للمنة علي الرعية

«وإياك والمن علي رعيتك بإحسانك، أو التزيد فيما كان من فعلك، أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإن المن يبطل الإحسان، والتزيد يذهب بنور الحق، والخلف يوجب المقت عند الله والناس، قال الله تعالي: ?كبر مقتاً عند الله، أن تقولوا ما لا تفعلون?().

وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقط [التهاون] فيها عند إمكانها، أو اللجاجة فيها إذا تنكرت، أو الوهن عنها إذا استوضحت، فضع كل أمر موضعه وأوقع كل أمر موقعه».

لا.. للاستئثار

«وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة [أي احذر عن تخصيص نفسك بزيادة فيما فيه الناس متساوون]، والتغابي [التغافل] عما تعني به مما قد وضح للعيون، فإنه مأخوذ منك لغيرك.

وعما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور، وينتصف منك للمظلوم.

أملك حمية أنفك [أي أملك نفسك عند الغضب]، وسورة حدك [أي حدة بأسك]، وسطوة يدك، وغرب لسانك [حده]، واحترس من كل ذلك بكف البادرة [ما يبدر من اللسان عن الغضب] وتأخير السطوة، حتي يسكن غضبك فتملك الاختيار، ولن تحكم ذلك من نفسك، حتي تكثر همومك بذكر المعاد إلي ربك.

والواجب عليك أن تتذكر ما مضي لمن تقدمك من حكومة عادلة، أو سنة فاضلة، أو أثر عن نبينا أو فريضة في كتاب الله، فتقتدي بما شاهدت مما علمنا به فيها، وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا، واستوثقت به من الحجة لنفسي عليك، لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلي هواها».

دعاء الخاتمة

«وأنا اسأل الله بسعته رحمته، وعظيم قدرته، علي إعطاء كل رغبة، أن يوفقني وإياك لما فيه رضاه، من الإقامة علي العذر الواضح إليه وإلي خلقه، مع حسن الثناء في العباد، وجميل الأثر في البلاد، وتمام النعمة، وتضعيف الكرامة [زياد الكرامة أضعافاً] وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة.

?إنا لله وإنا إليه راجعون?().

والسلام علي رسول الله الطيبين الطاهرين، وسلم تسليماً كثيراً، والسلام» ().

وصية لابن عمه

ومن وصية لأمير المؤمنين علي عليه السلام لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه علي البصرة():

«سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك، وإياك والغضب، فإنه طيرة من الشيطان().

واعلم أن ما قربك من الله يباعدك من النار، وما باعدك من الله يقربك من النار».

استخلاص

هكذا كان الإمام العادل (رئيس المسلمين الأعلي) وهكذا يجب أن يكون.

وهكذا يجب أن يكون الولاة والعمال.

وهكذا يجب أن يكون الرؤساء والأمراء.

حتي تصلح أمور الأمة، ويهنأ الجميع في عيش حر مرفه، ويتمتعوا بالسكينة والاطمئنان.

والإمام أمير المؤمنين عليه السلام قد أوصي عبد الله بن العباس حينما استخلفه علي البصرة بما مر.

وحينما كانت البلاد الإسلامية هكذا، وسلطتها كذلك لم تكن الدولة الإسلامية تحتاج إلي كثرة الدوائر، لأن (الوالي) الواحد مع عدد قليل جداً من الحرس والشرطة و(قاض) واحد: كانوا يحكمون البلاد من دون ضغط عليهم، وكان الناس يقضون حوائجهم بواسطة هؤلاء دون أي تعطيل أو تسويف.

فكان المتخاصمان يأتيان القاضي، ويحكم لهما فيذهبان من يومهما.

وكم كانت المرافعات والمخاصمات العظيمة تحل في ظرف سويعات قليلة، والكل كانوا راضين بالحكم، لأن الكل علي علم أن قاضي الإسلام يعدل بين المتخاصمين، ولا يجوز له أن يجور لصداقة أو غيرها.

فالدولة الإسلامية في عهد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام علي عظمتها وتوسعها وكثرة نفوسها، كان يحكمها إمام وولاة وعمال وقضاة معدودون دون أن يؤجل الترافع، أو يسوف الحكم، أو يظلم أحد في حقه..

وكم كان الوالي أو القاضي يقضي الأوقات دون أن يترافع إليه اثنان.

ذلك: لأن السياسة الإسلامية هي سياسة الله، سياسة السماء، سياسة الخلود الرشيدة، سياسة لم ير ولن ير إلي الأبد العالم لها مثيلاً في غير الإسلام.

أما هذه الأنظمة للدول الغربية والشرقية التي يسير عليها العالم كله وساسته فهي تباين الإسلام كلياً،

في أصوله وفروعه، ولا يعترف الإسلام بشيء منها.

وكم ندد الإسلام بالصغيرة والكبيرة منها، حتي إن والياً في الكوفة، جعل لداره حاجباً، فأرسل الخليفة رجلاً أحرق غرفة الحاجب، وأمر الوالي بأن لا يكون له أكثر من غرفة واحدة.

لا.. للحاجب

وهكذا كتب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلي عامله علي مكة (قثم بن العباس) يمنعه عن اتخاذ الحاجب حيث يقول:

«ولا يكن لك إلي الناس سفير إلا لسانك، ولا حاجب إلا وجهك، ولا تحجبن ذا حاجة عن لقائك بها …» () إلخ.

ونري التاريخ يحدثنا عن الرسول الذي كان الرئيس الأعظم للمسلمين، والسياسي الأكبر المشروع المبعوث إليهم، وكانت تدور عليه رحي المسلمين في جميع أمورهم الدينية والدنيوية.. كان أقل شخص يتمكن من مقابلته حينما شاء.

فكيف بمن هو دون النبي من الإمام أو الوالي أو العامل أو القاضي؟

ولم يكن يتفوق عليهم، أو ليحتجب عنهم، وكان فيهم كأحدهم، يحدثهم إذا استمعوا، ويستمع إليهم، إذا تحدثوا().

كلها سياسة

أفليست هذه الأشياء من السياسة؟

أو ليس التنظيم الاقتصادي، والدستور الصحي، والقانون الثقافي، ومنح الحريات، ومكافحة الجرائم، وتكثير الزراعات والعمارات، وتوثيق العلاقات مع الدول، وتنظيمات السلم والحرب، وتعيين رؤساء الدولة، من السياسة؟.

نعم، إنها من صميم السياسة.

ولا سياسة رشيدة إلا بتنظيم هذه الأشياء تنظيماً حكيماً يوافق العقل والعاطفة في حين واحد كما فعل الإسلام.

فكرة الاستعمار

والقول بأن الإسلام لا علاقة له بالسياسة، وإنما هو نظام روحي أخلاقي فحسب، يكذبه القرآن الحكيم، والسنة المطهرة، وسيرة النبي والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) وسيرة العلماء المراجع من بعدهم.

حتي أن الإمام الهادي عليه السلام حينما يريد أن يعلم الناس زيارة يزورون بها أئمتهم عليهم السلام يقول فيها: «… وساسة() العباد وأركان البلاد..» ().

وهذه الفكرة فكرة أن الإسلام لا علاقة له بالسياسة وليدة الاستعمار منذ أقل من قرن تقريباً، فحين تمكن الاستعمار من تمكين مخالبه في البلاد الإسلامية أخذ ينشر هذه الفكرة بين المسلمين، ليزقهم بأن الدين الإسلامي شيء، والسياسة شي آخر()، ليتاح له الدخول في البلاد الإسلامية والعمل كيف يشاء، حتي إذا أراد رجل دين، أو مجتهد، من أن يقف دون أعمال المستعمرين، تتوجه إليه انتقادات من نفس المسلمين المغفلين البسطاء لم تتدخل في السياسة؟ إن الأمور السياسية ليس من واجبك؟ استمر علي صلاتك وأذكارك، ما لك ولهذه الأشياء؟ وغيرها من الكلمات التي علّمهم بها الاستعمار، ليخمدوا بها كل صوت يرفع بالإسلام، ويدفعوا بها كل مدافع عن معالم الدين الحنيف.

ولهذا تري الشباب (المثقف) بالثقافة الاستعمارية، ينظر إلي الإسلام كنظره إلي طقوس فارغة، وقشور لا لب فيها.

وإلا فالإسلام الذي لا سياسة معه، ليس إسلاماً.

كما أن السياسة التي ليست وفق الإسلام لا تكون سياسة (بالمعني الصحيح).

ومن جراء هذه الفكرة الاستعمارية، أصبح بعض الشباب يستقبلون كل

نعرة علت من الشرق أو الغرب، وينحازون إلي كل مبدأ أو فكرة تنساب منهما.

فتراه يخرج إلي الشيوعية، ظناً منه أن الشيوعية هي التي ساوت بين الطبقات.. ولا يعلم أن الإسلام حفظ حقوق العامل والفلاح والفقير، بشكل لم يحلم به لا تاريخ روسيا، ولا تاريخ العالم كله، منذ فجر التاريخ حتي اليوم.

وتنظر إلي الآخر يتلهف إلي ما يسمي ب (نظام بريطانيا)، أو (مدنية فرنسا)، أو (حضارة أمريكا)، أو.. ولا يدري أن ما في بريطانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها من أنظمة إنسانية ومدنيات كريمة ليست إلا مقتبسة من الإسلام، وما فيها من خزعبلات ودجل فقد حذر الإسلام عنها.

ولو كان الشباب المسلم يعلم عن الإسلام، وعن اقتصادياته، وحرياته، ومدنياته، وثقافاته، و..و.. شيئاً قليلاً، لما كرس جهوده لتطبيق مبادئ فاسدة وإقامة أفكار بالية، وتدعيم أنظمة جائرة، ليست من الإسلام ولا الإسلام منها في شيء، وهو منها براء.

«إن مجاري الأمور والأحكام علي أيدي العلماء بالله، الأمناء علي حلاله وحرامه» (). الإمام الحسين عليه السلام

18 العلماء والسياسة

18 العلماء والسياسة

إن العلماء عبر العصور المتمادية والقرون المتتابعة سائرون علي منهجهم الذي رسمه لهم رسول الله والأئمة الطاهرون (عليهم الصلاة والسلام) من إصلاح أمور الأمة الإسلامية وتقويمها، فلم يتركوا الحكام وما يفعلون، ويدعوهم وما يريدون، بل تدخلوا في السياسة.

وقد كان من واجب العلماء أن يردوا الأمراء والحكام عن الغي والفساد، إذا انزلقوا، وكان عليهم أن يقابلوهم ويرشدوهم باللسان والنصح، فإن لم ينفع ذلك فبالوقوف دونهم وما يريدون، مهما كلفهم الأمر، وكانوا يقومون بذلك ويرشدون وينصحون، ويهددون ويكفرون، ويعارضون ويقاطعون كل من كان ينحرف عن الإسلام من الحكام.

فكم من عالم أبعد من دياره؟

وكم من مجتهد أوذي وسُجن؟

وكم من فقيه أحرق داره وطُرد؟

وكم منهم قُتل وصُلب؟

وكم؟ وكم؟ وكم؟

كل ذلك للأمر

بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الحكام وتقويمهم عن الهوي والشهوات.

وكتاب «شهداء الفضيلة» للعلامة الأميني رحمة الله عليه () يذكر العشرات من علماء الشيعة منذ القرن الرابع الهجري حتي هذا القرن الذي قضوا شهداء قد قتلوا في سبيل إقامة الدين وإصلاح الأمة.

وهنا نذكر للقارئ الكريم أسماء بعض من علمائنا الأعلام، خلال القرن الأخير من الذين جابهوا السياسات المعادية للإسلام، وتدخلوا في السياسة ليأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر، ثم نتبع ذلك بقائمة لذكر عدد من علمائنا الأبرار الذين راحوا ضحية التدخل السياسي في البلاد وقتلوا في سبيل الله تعالي ليعلم الناس: أن العلماء الأعلام، أعلنوا عملياً للعالم باستمرار: أن السياسة من واقع الإسلام، ومن أسسه وأصوله.

كفاح العلماء الأعلام

1: السيد محمد المجاهد، تحرك من العراق إلي إيران لمحاربة روسيا الطاغية، التي أرادت أن تهدم الإسلام، وتستعمر ديار المسلمين، ولذلك لقب ب (المجاهد).

2: السيد محمد حسن الشيرازي()، المجدد الكبير، حارب الإنجليز، حينما أرادت السيطرة علي إيران باسم تجارة التبغ، فحرم استعمال التبغ، وكان في ذلك أكبر قصمة في ظهر بريطانيا.

3: الشيخ محمد تقي الشيرازي()، الذي أعلن وجوب مطاردة الاستعمار، حينما أراد السيطرة علي العراق سنة (1337ه) فوقف بوجه الإنجليز، ودافع عن الإسلام وأبناء الإسلام، في ثورته الشهيرة المعروفة ب (ثورة العشرين) أي عام (1920).

4: العلماء الأعلام في كربلاء المقدسة والنجف الأشرف بعد ثورة العشرين بقليل، ثاروا ضد البرلمان الغربي الذي أرادوا تطبيقه في العراق آنذاك، وكان هذا هو السبب في تسفير جماعة من العلماء من العراق، من أمثال المرجع الديني السيد أبو الحسن الأصفهاني()، والمرجع الديني الميرزا حسين النائيني()، والمرجع الديني السيد ميرزا علي الشهرستاني، والعلامة الحجة السيد محمد علي الطباطبائي وغيرهم.. وغيرهم..

5: المرجع الديني السيد حسين القمي()، أخرج من

إيران إلي العراق، بعد استنكاره للكفر والاستعمار ضد (رضا خان البهلوي)، كما سافر مرة ثانية من العراق إلي إيران ليطالب السلطة عند ما ترأسها (محمد رضا بهلوي) برفض الضلال فأخذ مطالبه ورجع إلي العراق، فكان منه القيامان، مجازفة بنفسه وبمن معه.

6: المرجع الديني السيد عبد الحسين شرف الدين()، الذي حارب فرنسا، وأفتي ضدها حتي طرد من لبنان إلي مصر، وكاد أن يقتل، وأحرقت داره ومكتبته التي كانت تضم نفائس الكتب، وقسماً من تآليفه التي كانت مخطوطة، ولا تزال المكتبة الإسلامية محرومة منها.

7: المرجع الديني السيد آغا حسين البروجردي()، قاوم الظلم في إيران مرتين، أيام رضا خان البهلوي، حتي أشرف علي القتل.

8: مراجع التقليد في العراق أيام المد الشيوعي في زمان (عبد الكريم قاسم) قاوموا وحاربوا الكفر والإلحاد والضلال، حتي قتل بعضهم، وسحل آخرون، وسجن وسفّر جمع كثير منهم.

9: مراجع التقليد في إيران، قاوموا رضا خان ومحمد رضا بهلوي حتي أسقطوهما.

10: مراجع التقليد والعلماء في العراق، قاوموا كفر الشيوعية حتي أسقطوها، وهاهم اليوم يقاومون كفر البعث العراقي وسينتصرون عليه بإذن الله تعالي.

«ما منا إلا مقتول أو مسموم» ().

حديث شريف

19 علماء.. شهداء

19 علماء.. شهداء

روي عن رسول الله أنه قال: «ما منا إلا مقتول أو مسموم».

وقد فسر الحديث الشريف بالنبي وابنته الزهراء والأئمة الاثني عشر (عليه وعليهم الصلاة والسلام).

والسؤال المطروح حول هذا الحديث الشريف هو: أنه كيف كان نصيب هؤلاء المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام القتل والسم والشهادة في سبيل الله وهم خيرة أهل الأرض؟

والجواب الوحيد عليه: أنهم عليهم السلام كانوا يزاولون الأعمال السياسية بكل شجاعة وصمود في قبال الظالمين، فكانوا يتعرضون للقتل والسم من قبل الظالمين نتيجة ذلك.

من هنا نستطيع أن نعرف أنه لماذا كان العلماء الأبرار أيضاً عبر التاريخ

الطويل يتعرضون لمثل ذلك: القتل أو السم؟

والجواب هنا هو الجواب هناك!

لأن علماء الدين لم يفتؤوا يمارسون الأعمال السياسية في كل الأبعاد بوجه الظالمين والمستبدين، فكان نصيبهم القتل والسم.

وهنا نضع قائمة بأسماء جمع من علماء الإسلام الأبرار الأخيار الذين استشهدوا في سبيل الله تعالي، ومن أهل مزاولة السياسة الإسلامية التي لا تترك بعداً من أبعاد عمل الإنسان إلا وبرمجته ونظمته.

ولمراجعة تفاصيل حياتهم يراجع كتب التاريخ، والتراجم من أمثال (طبقات أعلام الشيعة) للشيخ آغا بزرك الطهراني().

و(أعيان الشيعة) للسيد محسن الأمين العاملي()..

و(روضات الجنات) للسيد محمد باقر الأصفهاني()، وغيرها.

1: جد الشريف الرضي

الحسن بن علي الملقب ب(الأطروش) و(الناصر الكبير) الجد الأمي للشريف الرضي جامع (نهج البلاغة)، خرج علي الظلم والظالمين في بلاد الديلم أيام (المقتدر) العباسي وحكم مدة ثلاث عشرة سنة، واستشهد عام (304) هجري في بلدة (آمل) من أعمال (طبرستان) القديمة، وله من العمر تسع وسبعون سنة، وله قبر ومزار معروف هناك، عليه قبة جميلة. ترجم له:

1. الميرزا حسين النوري في (خاتمة المستدرك) ().

2. كاشف الغطاء في (الحصون المنيعة).

3. ابن داود النباكتي في (روضة أولي الألباب).

4. الميرزا عبد الله الأفندي في (رياض العلماء) ().

5. ابن الأثير في تاريخه الكبير (الكامل) ().

6. السيد محسن الأمين العاملي في (أعيان الشيعة) ().

2: خال الشيخ الكليني

علي بن محمد بن إبراهيم المعروف ب (علان) خال ثقة الإسلام الكليني رحمة الله عليه صاحب (الكافي) ومن شيوخه الذين أكثروا الرواية عنهم.

كانت له صلة بصاحب الأمر (صلوات الله عليه)، وكان يعيش في عهد الغيبة الصغري، وقد كتب إلي صاحب الأمر عليه السلام في بعض الأمور، فجاءه التوقيع الرفيع.

قتل في أيام الغيبة الصغري بطريق مكة.

كان من وجوه الشيعة، ومروجي الشريعة.

ترجم له: معظم كتب التاريخ والرجال().

3: الأنطاكي المصري

الحسن بن سليمان الأنطاكي، من علماء الشيعة في (مصر) في القرن الرابع الهجري. كان في أيام الحاكم العبيدي.

وكان مجاهراً بالحق، صادعاً به، مخالفاً للباطل متبرءً منه، بقوله وعمله، قتله الحاكم العبيدي سنة (399) هجرية.

ترجم له: (ميزان الاعتدال) () للذهبي.

و(أعيان الشيعة) (). وغيرهما().

4: الهمداني

بديع الزمان الهمداني، أحمد بن الحسين بن يحيي، الكاتب الشيعي الشهير، والأديب والخطيب، والشاعر الطائر الصيت، اتصل بالصاحب بن عباد، وكان صريحاً في الحق متكلماً منطقياً فيه.

استشهد بالسم عام (397) هجرية.

ترجم له: معظم المؤرخين، والرجاليين().

5: الناشئ الصغير

(الحلاء) علي بن عبد الله المعروف ب (الناشئ الأصغر) لقب بالحلاء لأن أباه كان يعمل حلية السيوف، وعرف ب(الناشئ) لأنه يقال لمن نشأ في فن الشعر واشتهر به، (ونقل) عن السمعاني: أن المشهور بهذه النسبة هو المترجم له علي بن عبد الله.

كان يقطن (مصر) وكان ينظم الشعر في أهل البيت عليهم السلام بسخاء وجمال، ومن أشعاره قصيدته المعروفة المفتتحة بالبيت التالي:

بآل محمد عرف الصواب

وفي أبياتهم نزل الكتاب

عاصر الغيبة الصغري وقتل حرقاً بالنار عام (366) هجري، وله من العمر خمس وتسعون سنة.

ترجم له: معظم كتب الرجال والتاريخ والأدب().

6: الأزدي الأندلسي

محمد بن هاني الأزدي، المعروف ب(متنبي الغرب) باعتباره من الأندلس الواقعة غرب البلاد الإسلامية، آنذاك كان من المجاهرين بالحق والمزاولين للسياسة في عصره، وقد عده (ابن شهر آشوب) من المجاهرين بالتشيع. ولد عام (326) هجري بالأندلس.

واستشهد بها قتلاً أو خنقاً علي خلاف بين المؤرخين في كيفية شهادته، عام (362) وعمره إذ ذاك ست وثلاثون سنة.

ترجم له: معظم كتب التاريخ والرجال والأدب().

7: أبو فراس الحمداني

أبو فراس الحمداني، العالم والشاعر المعروف الذي نقل عن (الصاحب بن عباد) أنه قال في حقه:

«بدء الشعر بملك وختم بملك».

يعني: إمروء القيس، وأبا فراس.

ونقل: أن المتنبي كان لا ينبري لمبارزته إكباراً له، مارس السياسة، وخاض غمارها، وعمر البلاد والعباد.

حارب الروم عدة مرات، وأسروه مرتين، وقتل شهيداً في سبيل الله في المرة الثانية عام (358) هجري.

ترجم له: معظم كتب التاريخ والأدب والرجال().

8: والد أبي فراس

سعيد بن حمدان الحمداني، والد أبي فراس المترجم آنفاً.

من وجوه الشيعة وعلماء السياسة في عصره، قتله ناصر الدولة بالموصل عام (323) هجري.

ترجم له باختصار: العديد ممن ترجموا ابنه().

9: ابن الفرات

أبو الحسن علي بن الفرات.

كان من كُتّاب الشيعة في القرن الرابع الهجري، من عائلة معروفة بالنبل والفضل والكرم.

تولي الوزارة في أيام (المقتدر العباسي) عدة مرات.

ونقل: أن أيامه كانت مواسم للناس..

قُبض عليه وقتل في أيام الغيبة الصغري سنة (312) هجرية.

ترجم له: (أعيان الشيعة) للسيد محسن الأمين العاملي().

و(الشيعة وفنون الإسلام) للسيد حسن الصدر().

10: التهامي الشامي

أبو الحسن التهامي، علي بن محمد العاملي الشامي.

كان من العلماء والشعراء والأدباء في مفتتح القرن الخامس الهجري، وقيل في حقه:

(له شعر أدق من دين الفاسق، وأرق من دمع العاشق).

ومن قصائده ما افتتحها بهذا البيت المعروف:

حكم المنية في البرية جاري

ما هذه الدنيا بدار قرار

كان يمارس السياسة الشرعية في أيام بني العباس، فطورد فاختفي، وجعل يجوب البلاد والقري متنكراً فراراً من ظلم حكم بني العباس، حتي دخل (مصر) فظفروا به، وعرفوه، فاعتقلوه وأودعوه في السجن، وعذبوه كثيراً وشديداً، ثم قتل في السجن سراً ولعله قضي نحبه تحت التعذيب وذلك عام (416) هجري.

ومن جميل ما ينقل عنه.

أنه رأي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟

فقال: غفر لي.

فقيل له: بأي الأعمال.

فقال: بقولي في مرثية ولدي الصغير:

جاورت أعدائي وجاور ربه

شتان بين جواره وجواري

ترجم له: المعظم من المؤلفين في التاريخ، والشعر، والرجال().

11: ثابت بن أسلم

ثابت بن أسلم، النحوي، من نوابغ الأدب، وعلماء حلب.

كان من علماء الشيعة، جريئاً في الصدع بالحق، ذكياً في ذلك، تولي خزانة الكتب بحلب في عهد الفاطميين، مارس السياسة بذكاء.

ألف بعض الكتب في كشف أباطيل بعض المذاهب الباطلة.

حمل إلي (مصر) وقتل صلباً في حدود عام (460) هجري.

ترجم له: روضات الجنات()، وأعيان الشيعة()، والشيعة وفنون الإسلام()، وغيرها().

12: أبو القاسم القزويني

أبو القاسم الشيخ عبد الكريم القزويني.

كان من علماء الفقه، والأصول، والحديث، في القرن الخامس الهجري، من الطائفة المعروفة ب (الكرجية).

كان منطقياً، يقول الحق، ويصمد فيه، ويتدخل في سياسة العباد والبلاد، ويناقش الملحدين ويفحمهم. حتي قتلته الملاحدة سنة (498) هجرية. ترجم له: شهداء الفضيلة()، وغيره.

13: الكندي الكاتب

أبو الحسين بن طرخان أحمد بن محمد الكندي المعروف ب (الكاتب).

من علماء القرن الخامس الهجري.

كان صادعاً بالحق، ومناهضاً للباطل، يقول الحق، ويستقيم عليه.

قُتل لتشيعه وصراحته بذلك، قبيل عام (450) هجري.

قال عنه النجاشي رحمة الله عليه: (ثقة صحيح السماع وكان صديقنا).

ترجم له: المعظم من كتب الرجال().

14: الحسن بن مفضل

الحسن بن مفضل بن سهلان.

كان من كُتّاب الشيعة، وعلمائها، وساستها.

مارس السياسة، وتولي الوزارة لسلطان الدولة الديلمي.

وقُتل في سبيل الله.

وهو الذي بني سوراً لحائر الحسين عليه السلام في كربلاء.

ترجم له: الشيعة وفنون الإسلام()، وابن كثير الشامي في تاريخه() وغيرهما().

15: أبو المحاسن الطبري

الطبري أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل.

كان من كبار العلماء في أواخر القرن الرابع الهجري، وتتلمذ عليه (القطب الراوندي) وغيره من فطاحل العلماء.

وذكره جمع من المؤرخين بلقب (الإمام الشهيد).

عمد إلي ثورة فكرية تصحيحية في الإسلام ضد الباطنية التي كانت آنذاك تتغلغل في المسلمين..

ووصف المترجم له بأنه أول من أفتي بإلحاد الباطنية التي وصفت بأنها تقول: بوجوب إطاعة شيخ الطريقة ولا يجب بعد ذلك شيء من التكاليف الإلهية.

قُتل غيلة عام (501) أو (502) هجري وله من العمر فوق الثمانين.

ترجم له: المعظم من المؤرخين والرجاليين().

16: الفتال النيسابوري

الفتّال الشيخ محمد بن الحسن الواعظ النيسابوري.

لقبه بعض المؤرخين ب (الشيخ الشهيد).

مؤلف كتاب (روضة الواعظين) وكتاب (التنوير) في التفسير.

استشهد في سبيل الله علي إثر جرأته علي الباطل وصراحته بالحق.

ترجم له: العلامة المجلسي()، والشيخ النوري()، والمحدث الحر العاملي() وغيرهم().

17: القطب الراوندي

الحسين بن قطب الدين الراوندي.

عالم جليل، وصف ب (العالم الصالح الشهيد).

قتل في سبيل الله من أجل مناهضته للضلال، وصموده للحق.

ترجم له:

أمل الآمل()، وخاتمة المستدرك () وغيرهما ().

18: الطغرائي

الطغرائي الحسين بن علي، من أحفاد (أبي الأسود الدؤلي).

كان عالماً فاضلاً، وشاعراً مجيداً، ولاميته مشهورة معروفة.

كان يزاول السياسة، ويروج لأهل البيت عليهم السلام في خطبه وأشعاره ومواقفه، وكان صامداً، تولي الوزارة مدة، ثم لصمود مواقفه قتل ظلماً عام خمسمائة وبضعة عشر، وقد بلغ الخامسة والسبعين من عمره أو تجاوزها.

ترجم له: المعظم من المؤرخين، وكتب تاريخ الشعر والأدب().

19: الطبرسي

أمين الإسلام الطبرسي، الفضل بن الحسن بن الفضل، صاحب تفسير (مجمع البيان) وغيره من عشرات الكتب النافعة، منها أربعة تفاسير غير مجمع البيان.

كان يعيش في جو مختلف من الأديان والمذاهب، وكان طوداً في العلم، بطلاً في الإيمان، صامداً في ذات الله، حتي استشهد ليلة عيد الفطر من سنة ثمان وأربعين وخمسمائة في مدينة (سبزوار) وحمل نعشه إلي (مشهد الرضا عليه السلام) ودفن هناك في مكان يعرف ب (مغتسل الرضا عليه السلام).

ترجم له: معظم المؤرخين().

20: أبو القاسم بن الفضل

السيد أبو القاسم يحيي بن ابن الفضل شرف الدين، ينتهي نسبه إلي الإمام زين العابدين (عليه الصلاة والسلام).

كان من أفاضل العلماء، وله ممارسة عميقة في سياسة البلاد، فقد كان نقيب الطالبيين بالعراق.

عارضه الملك (خوارزم شاه تكش) وقتله بالسيف عام (585) هجري.

ترجم له: العديد من كتب التاريخ والرجال().

21: الشهيد الأول

(الشهيد الأول) محمد بن مكي العاملي، الذي لا تزال كتبه وفتاواه وآراؤه مدار الحوزات العلمية الإسلامية في الفقه، والأصولين()، والحديث، وغيرها.

جاهد في الله حق الجهاد حتي استبيح دمه، فقتل، ثم صلب، ثم أحرق بالنار، في رحبة قلعة دمشق عام (786ه) وله من العمر (52) سنة.

ترجم له: المعظم من المؤرخين وعلماء الرجال().

22: الشهيد الثاني

(الشهيد الثاني) زين الدين العاملي، تالي الشهيد الأول في كل المكرمات، في الشهادة والعلم والفضيلة، وكذلك في أن كتبه وفتاواه وآراؤه مدار البحث والنقاش في الحوزات العلمية الإسلامية في الفقه، والأصولين، والحديث، وغيرها.

كان مجاهداً في سبيل الله حتي ضاق به حكام لبنان وحكام الروم، وبحثوا عنه تحت كل حجر ومدر، وأخذوه في أيام الحج، فقتل علي ساحل البحر في قصة طويلة وأهدي رأسه إلي ملك الروم، وترك جسده الشريف علي الأرض.

وكان بتلك الأرض جمع من التركمان، فرأوا في تلك الليلة أنواراً تنزل من السماء وتصعد، فدفنوه هناك وبنوا عليه قبة.

ترجم له: المعظم من الرجاليين والمؤرخين().

23: الشهيد الثالث

الشهيد الثالث هو لقب لعدد من علمائنا الأبرار الذين استشهدوا في سبيل الله ومن أجل الصمود للحق، وفي كتاب (شهداء الفضيلة) أن العلماء والمترجمين عدا بعضهم يذكرون هذا اللقب لشهاب الدين التستري الخراساني.

كان من أجلاء العلماء أيام دولة (السلطان طهماسب) وكان يزاول الأعمال السياسية وينصح السلطان، ويناقش الضالين، ويصمد للحق والفضيلة.

هجم (الأوزبكية) علي خراسان، واستأسروا شهاب الدين التستري وأخذوه إلي ما وراء النهر، وعذبوه، وآذوه، ثم قتلوه بالخناجر والمدي، وأحرق جسده الشريف في ميدان (بخارا) عام (997) هجري.

ترجم له: روضات الجنات()، والروضة الصفوية، وشهداء الفضيلة() وغيرها().

24: المحقق الكركي

المحقق الكركي نور الدين علي بن الحسين بن عبد العالي العاملي المعروف ب(المحقق الثاني) كان في عهد الملك طهماسب الصفوي، وتولي شؤون سياسة البلاد وإدارة العباد، وكان أمر المحقق الكركي نافذاً علي الناس فوق أمر الملك، وكان الملك يعتبر من عماله وولاته.

دُس إليه السم غيلة، فمات علي أثره عام (945) هجري.

ترجم له: المعظم من المؤرخين والرجاليين.

25: القاضي التستري

السيد القاضي نور الله التستري، مؤلف الموسوعة الضخمة المسماة ب(إحقاق الحق) وعشرات المؤلفات الأخري المذكورة في كتب التاريخ.

تولي القضاء في (الهند) في العهد الصفوي، وكان مجاهداً صامداً، حتي قتل في سبيل الله شهيداً عام (1019ه).

وكيفية قتله: أن جرد من ثيابه، وضرب بالسياط الحديدية الشائكة حتي تقطعت أعضاؤه واختلط لحمه بدمه.

ترجم له: المعظم من المؤرخين، والرجاليين().

26: الحر العاملي

الشيخ علي الحر العاملي، جد (صاحب الوسائل) وصهر الشيخ حسن (صاحب المعالم) ومن أحفاد الحر بن يزيد الرياحي المقتول مع الحسين عليه السلام في كربلاء يوم عاشوراء. كان عالماً، عيلماً في العلم، بطلاً في دين الله، صامداً في ذات الله، مجاهداً في سبيل الإسلام، حتي دس إليه السم فمات علي أثره. ومن جميل نظمه هذان البيتان:

إن كان حبي للوصي ورهطه

رفضاً كما زعم الجهول الخائض

فالله والروح الأمين وأحمد

وجميع أملاك السماء روافض

ترجم له: العديد من المؤرخين().

27: السيد نصر الله الحائري

السيد نصر الله الحائري، العالم، الشاعر، والمدرس المعروف في الروضة الحسينية بكربلاء المقدسة.

وله تخميس قصيدة الفرزدق التي قالها في حق الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام.

وكان مجاهداً في سبيل الله، ممارساً لسياسة البلاد، رافضاً لأهل الباطل، مندداً بهم، حتي قتل شهيداً عام (1154) هجري.

ترجم له: الكثير من المؤرخين، وكتب تاريخ الأدب والشعر().

28: الشيخ العسيلي

الشيخ صالح العسيلي من علماء لبنان وتلامذة آية الله السيد مهدي بحر العلوم رحمة الله عليه.

كان مجاهداً في سبيل الله، صامداً من أجل الله، صادعاً بالحق، مزاولاً للأمور السياسية، حتي قتل صابراً محتسباً، قتله أحمد باشا المعروف ب(الجزار)، وذلك عام (1208) هجري.

ترجم له: شهداء الفضيلة().

29: الهمداني الحائري

المولي عبد الصمد الهمداني الحائري، العالم العيلم شيخ العلماء، هو من تلامذة الوحيد البهبهاني وصاحب الرياض (قدس سرهما)، كان مجاهداً في سبيل الله، عاملاً لرفع راية الإسلام، مزاولاً للأمور السياسية، حتي قتل عند باب داره عام (1216) هجري في فتنة الوهابية واستباحتهم لمدينة كربلاء المقدسة. وقتل معه الألوف من المؤمنين والأخيار، وفيهم العشرات من العلماء والفضلاء منهم (الشيخ محمد) و(الشيخ عين علي) و(السيد صادق) وغيرهم.

ترجم له: العديد من المؤرخين ومن كتبوا عن كربلاء المقدسة().

30: الميرزا باقر الشيرازي

الميرزا محمد باقر الشيرازي، هو تلميذ الإمام المجدد الشيرازي رحمة الله عليه، من شهداء نهضة (المشروطة) في إيران. كان يزاول الأمور السياسية، ويأمر وينهي، ويكافح أعداء الإسلام، حتي قتل في (شيراز) عام (1326) هجري. ترجم له: شهداء الفضيلة().

31: الشيخ النوري

الشيخ فضل الله النوري، هو تلميذ الإمام المجدد الشيرازي، وابن أخت العلامة المحقق الميرزا حسين النوري صاحب (مستدرك الوسائل) وصهره علي ابنته.

قام بثورة تصحيحية (للمشروطة) مطالباً بالمشروطة حين رأي انحراف مسير الثورة التي قادها علماء الدين.

قتل في سبيل الله صلباً عام (1327) هجري.

ترجم له: الكثير من المؤرخين المتأخرين().

(هذه) أسماء واحد وثلاثين عالماً من علمائنا الأبرار الذين استشهدوا في سبيل الله نتيجة مزاولتهم للأمور السياسية، وتدخلهم في شؤون الدول والملوك الذين ما استطاعوا أن يجلبوا هؤلاء العلماء بالدرهم والدينار، وأساليب الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب..

أثبتنا أسماءهم كنماذج من الجمع الضخم الكبير من علمائنا الشهداء الذي يطفح تاريخنا المشرق بأسمائهم وصمودهم وجهادهم في كل زمان ومكان، وتعدادهم يستدعي مجلدات.. ومجلدات، وذكرهم يستوعب العديد من الألوف، وهم مذكورون في كتب التاريخ، والحديث، والرجال، والمعاجم.

وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي أن (السياسة من واقع الإسلام) وأن المهمة الأولي والأخيرة لعلماء الإسلام هي تقديم سياسة العباد والبلاد.

«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» ().

حديث شريف

20 واجب الجميع

ولم يكن التدخل في الأمور السياسية، وتعديل الأمة، وتقويمها، واجب العلماء فحسب، بل هو واجب الجميع، والجميع مسؤول عنه غداً يوم القيامة. فكل زيغ، أو انحراف يحدث في الأمة الإسلامية، يجب علي جميع المسلمين مكافحته وإصلاحه.

وقد قال الرسول الأعظم في حديث له: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (). فكما أن الراعي مسؤول عن الأغنام، كذلك كل مسلم مسؤول عن الآخرين.

ولا يفرق في ذلك السيد والمسود، والعالم وغيره، والطالب والأستاذ، والرجل والمرأة، والقوي والضعيف، و.. و…

وقد كان المسلمون الأولون الذي بهم تقدم الإسلام، وبإيمانهم الصادق وصمودهم الجبار استقامت أركان البلاد والدين إذا رأوا منكراً استنكروه بما لهم من حول وقوة، حتي يزيلوه.

فهذا أحد المسلمين حينما

يري الرجل يحمل آلات القمار، يقول له: ولمن هذا؟ فيقال له: للأمير.

يكسرها ويقول: القمار حرام، وأنا مسلم يجب عليّ كسر آلاته ممن كان ولمن كان.

وهذا (الوليد) حينما مزق القرآن، حاصره المسلمون وقتلوه وقطعوا رأسه، وعلقوه، فكتبوا عليه: «هذا جزاء من مزق القرآن».

مع أن الوليد كان ذلك اليوم إمبراطوراً يحكم نصف العالم تقريباً.

وهذا رجل آخر من المسلمين في الشام، رأي زقاق() محملة علي الجمال، فسأل عما فيها، فقيل إنها خمر، فحمل عليها ومزقها وخرقها بسكينة، وأراق ما فيها من خمر. وحينما قيل له: إنها لمعاوية بن أبي سفيان، قال بلهجة شديدة: فلتكن.

ولكن المسلمين حينما تكاسلوا عن العمل، وفقدوا المسؤولية، وقعد كل في داره، صبت عليهم مصائب الدنيا بأجمعها، ووقعوا فرائس صهيون والغرب والشرق وغيرهم.

والمسلمون اليوم بدؤوا اليقظة، ومعرفة ما يدور حولهم، فيرجي لمستقبلهم الخير الوافر، والعزة الشاملة بإذن الله تعالي.

فأساس التقدم والخير والعزة.. هو الوعي الصحيح، والإيمان الصادق، وقد ورد في الحديث الشريف «العالم بزمانه لا تهجم عليه النوائب» ().

فنسأل الله العلي القدير أن يعمق في المسلمين هذا الوعي، وهذه اليقظة، حتي يعمان الجميع، فيقلبوا كل مقاييس الطواغيت في كل العالم رأساً علي عقب، وما ذلك علي الله بعزيز.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

صادق مهدي الحسيني الشيرازي

[رجوع للقائمة]

پي نوشتها

() المقنعة: ص205، كتاب الصلاة ب20.

() (شيخ المضيرة أبو هريرة الدوسي) تأليف: محمود أبو رية (نقلاً) عن كتاب (الوحي المحمدي) ص232.

() سورة الأعراف: 96.

() سورة المائدة: 66.

() سورة الأعراف: 157.

() سورة الشوري: 13.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص95-96 ب22 ح1.

() أمالي الشيخ الصدوق: ص679 المجلس السابع والتسعون.

() راجع بحار الأنوار: ج17 ص4 ب13 ح3.

() مجمع البحرين:

ج4 ص78 مادة (سوس).

() بحار الأنوار: ج74 ص254 ب10 ح1.

() بحار الأنوار: ج74 ص249 ب10 ح1.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص339 ق4 ب2 ف1، الحكومة العادلة، ح7738.

() نهج البلاغة، الرسائل: 10 ومن كتاب له عليه السلام إليه أيضاً.

() وسائل الشيعة: ج17 ص45 ب12 ح21939.

() الكافي: ج1 ص59 باب الرد إلي الكتاب والسنة ح4.

() الكافي: ج1 ص57 باب البدع والرأي والمقاييس ح13.

() بحار الأنوار: ج89 ص81 ب8 ح9.

() وسائل الشيعة: ج28 ص353 ب10 ح34949.

() بحار الأنوار: ج89 ص84 باب8 ح16.

() كتاب معادن الحكمة: ج1 ص244، وراجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج9 ص118.

() سورة الكهف: 110.

() سورة الفرقان: 7.

() سورة يونس: 14.

() مستدرك الوسائل: ج18 ص259 ب55 ح22691.

() عبد الكريم قاسم (1914-1963م) ضابط عراقي قاد ثورة تموز 1958 وأطاح بالملكية، حكم البلاد بالظلم والاستبداد، قضي عليه عبد السلام عارف في انقلاب عسكري.

() يوم النهروان: معركة دارت بين الإمام علي عليه السلام والخوارج، والنهروان موضع في العراق بين بغداد وواسط.

() الإرشاد: ج1 ص148-149.

() إعلام الوري بأعلام الهدي: ص121 الركن الأول ب1.

واليك شرح بعض الكلمات الغامضة: (يمرقون من الدين): يخرجون منه، (الرصاف): عقب بلوي علي مدخل النصل، (نضيه): هو السهم قبل أن ينحني، (القذذ): واحدتها قذة: ريش السهم، (تدردر): أصله تتدردر: أي تتدحرج، تجيء وتذهب.

() سورة الأنفال: 16.

() سورة آل عمران: 152.

() سورة آل عمران: 155.

() الكامل في التاريخ: ج2 ص173.

() وهو ما يعادل ثلاثة آلاف ومائتين وخمسين غراماً تقريباً من الذهب الخالص.

() المبالغ: الأواني المعدة لسقي الكلاب أو إطعامهم، والعقل هي الحبال التي تربط بها أيدي وأرجل الإبل.

() بحار الأنوار: ج21 ص139-143 ب27. والبحار: ج101 ص423-424 ب13 ح1، وانظر أيضا: أمالي الصدوق، ومجالس ابن الشيخ الطوسي،

وإعلام الوري، والكامل في التاريخ، وخصال الصدوق، وإرشاد المفيد.

() سورة النحل: 90.

() سورة الإسراء: 70.

() سورة الأنبياء: 107.

() سورة الأحزاب: 6.

() الكافي: ج7 ص374 ح11.

() أي يُزني بها.

() أي: علي عمر، يعني حزن.

() وسائل الشيعة: ج19 ص267-268 ب30 ح35593، ومستدرك الوسائل: ج18 ص327 ب23 ح22863.

() راجع الإرشاد: ج1 ص205 فصل في ذكر ما جاء من قضاياه عليه السلام في إمارة عمر بن الخطاب.

() مستدرك الوسائل: ج18 ص332 ب34 ح22881.

() وسائل الشيعة: ج29 ص260 ب24 ح35582.

() وسائل الشيعة: ج29 ص261 ب24 ح35583.

() مستدرك الوسائل: ج18 ص325 ب19 ح22855.

() نهرو في كتابه (لمحات من تاريخ العالم).

() غاندي في كتابه (هذا مذهبي).

() فلاديمير لينين (1870-1924م) زعيم الثورة الروسية ومؤسس الحزب الشيوعي في روسيا السوفياتية، حكم بالظلم والجور والاستبداد.

() الحزب الشيوعي في الميزان: ص4 19.

() الحزب الشيوعي في الميزان: ص4 19.

() الحزب الشيوعي في الميزان: ص4 19.

() الحزب الشيوعي في الميزان: ص4 19.

() الحزب الشيوعي في الميزان: ص4 19.

() راجع تفسير القمي: ج2 ص228 تفسير سورة ص، وراجع شرح نهج البلاغة: ج14 ص54 ف1.

() سورة الأنفال: 30.

() سورة الضحي: 1 3.

() سورة الحجر: 95.

() سورة القلم: 1-2.

() سورة يس: 69.

() سورة يس: 1 3.

() سورة الطور: 29.

() سورة الأنفال: 30.

() سورة الفرقان: 6.

() سورة النساء: 145.

() سورة المجادلة: 20.

() سورة التوبة: 61.

() سورة الأحزاب: 57.

() نهج البلاغة، الرسائل: 45 ومن كتاب له عليه السلام إلي عامله عثمان بن حنيف الأنصاري، وكان عامله علي البصرة.

() شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج13 ص279 القول في إسلام أبي بكر وعلي وخصائص كل منهما.

() نهج البلاغة، غريب كلامه: 9.

() بحار الأنوار: ج16 ص232 ب9 في شجاعته.

() المناقب: ج1 ص211 فصل في غزواته

صلي الله عليه و اله.

() سورة آل عمران: 153.

() عيون الأثر: ج2 ص422 ذكر جمل من أخلاقه.

() مكارم الأخلاق: ص18-19 ب1 ف2 في شجاعته صلي الله عليه و اله.

() مكارم الأخلاق: ص19 ب1 ف2 في شجاعته صلي الله عليه و اله.

() المصباح المنير: ص50.

() مادة (بحر).

() راجع بحار الأنوار: ج20 ص175 ب15.

() سنن النبي صلي الله عليه و اله للطباطبائي: ص413.

وراجع أيضاً: المناقب: ج1 ص192 وفيه دعائه صلي الله عليه و اله بهذا الدعاء الإنساني في معركة أحد، والمناقب: ج1 ص215 وفيه دعائه صلي الله عليه و اله بالدعاء المذكور عند تعرضه لأشد الأذي من قبل جبابرة قريش أبي جهل وأضرابه، وكذا دعائه صلي الله عليه و اله يوم الفتح.

() راجع مكارم الأخلاق: ص17 ب1 ف2 في تواضعه وحيائه صلي الله عليه و اله.

() بحار الأنوار: ج21 ص105 ب26.

() سورة يوسف: 92.

() راجع بحار الأنوار: ج21 ص104 ب26، ودار أبي سفيان كانت بأعلي مكة ودار حكيم بن حزام كانت بأسفل مكة، وهما من رؤوس الشرك أسلما يوم فتح مكة.

() إعلام الوري: ص108 الركن الأول ب4 في ذكر مغازي رسول الله صلي الله عليه و اله بنفسه.

() الكافي: ج2 ص108 باب العفو ح9.

() للتفصيل راجع كتاب (محمد صلي الله عليه و اله والمرسلين والأنبياء) وكتاب (بحار الأنوار: ج12).

() سورة الحجرات: 4.

() قال تعالي: ?أفحكم الجاهلية يبغون? سورة المائدة: 50، وقال سبحانه: ?تبرج الجاهلية الأولي? سورة الأحزاب: 33، وقال تعالي: ?حمية الجاهلية? سورة الفتح: 26.

() سورة آل عمران: 110.

() راجع مكارم الأخلاق: ص21 ب1 ف2 في الرفق بأمته صلي الله عليه و اله.

() راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18 ص108.

() راجع السيرة النبوية لابن كثير:

ج2 ص21.

() راجع البداية والنهاية: ص4 ص418.

() راجع السنن الكبري للبيهقي: ج9 ص117 باب فتح مكة.

() راجع الشفا بتعريف حقوق المصطفي، للقاضي عياض: ج1 ص124.

() راجع العمدة: ص335-336 ف36 في فنون شتي ح561.

() راجع دعائم الإسلام: ج1 ص152.

() راجع مكارم الأخلاق: ص24 ب1 ف2 في جمل من أحواله وأخلاقه صلي الله عليه و اله.

() راجع مكارم الأخلاق: ص24 ب1 ف2 في جمل من أحواله وأخلاقه صلي الله عليه و اله.

() غوالي اللآلي: ج1 ص45 ف4 ح61، وج2 ص21 المسلك الرابع ح43.

() العمدة: ص317 ح532.

() راجع الخصال: ص490-491 أبواب الاثني عشر ح69.

() بحار الأنوار: ج62 ص315 باب8 ح7.

() بحار الأنوار: ج62 ص315-316 ب8 ضمن ح7.

() راجع سفينة البحار: ج1 ص28 باب الألف بعد اللام، والإرشاد: ج1 ص145.

() إعلام الوري: ص118 الركن الأول ب4.

() السيرة النبوية لابن هشام: ج4 ص101.

() السيرة النبوية: ج4 ص102.

() السيرة النبوية: ج4 ص104، والإرشاد: ج1 ص146.

() قرب الأسناد: ص44.

() مكارم الأخلاق: ص25 ب1 ف2 في جمل من أحواله وأخلاقه صلي الله عليه و اله.

() سورة الأحزاب: 21.

() غوالي اللآلي: ج2 ص256 ب2 باب الدين ح1.

() المحاسن: ج2 ص319 كتاب العلل ح46.

() المناقب: ج2 ص132 فصل في الاستنابة والولاية.

() بحار الأنوار: ج40 ص76 ب91 ضمن ح113.

() المناقب: ج2 ص132 فصل في الاستنابة والولاية.

() بحار الأنوار: ج38 ص74 ب60.

() بحار الأنوار: ج40 ص319 ب98 ح3.

() بحار الأنوار: ج40 ص338-239 ب98 ح23.

() بحار الأنوار: ج43 ص321 ب13 ح5.

() وسائل الشيعة: ج18 ص322-323 ب2 ح23768.

() راجع مستدرك الوسائل: ج13 ص392 ب4 ح15696.

() راجع من لا يحضره الفقيه: ج3 ص182 باب الدين والقرض ح3683.

() سورة آل عمران: 164.

() سورة الجمعة: 2.

() سورة البقرة: 129.

() سورة البقرة: 151.

()

مكارم الأخلاق: ص20، وبحار الأنوار: ج16 ص233 باب9 ح35.

() مكارم الأخلاق: ص21.

() مكارم الأخلاق: ص21.

() يعني: لم يبق مجال لشخص آخر لازدحام البيت بالمسلمين أو ببعض عوائله.

() بحار الأنوار: ج16 ص235 ب9 في الرفق بأمته.

() وسائل الشيعة: ج12 ص108-109 ب75 ح15780.

() بحار الأنوار: ج16 ص229 ب9 ضمن ح35.

() مكارم الأخلاق: ص16 ب1 ف2 في تواضعه وحيائه صلي الله عليه و اله.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص268 ب13 ح9417.

() راجع بحار الأنوار: ج22 ص34 ب37.

() مكارم الأخلاق: ص17 ب1 ف2 في تواضعه وحيائه صلي الله عليه و اله.

() بحار الأنوار: ج16 ص236 ب9 في مشيه صلي الله عليه و اله.

() مكارم الأخلاق: ص23 ب1 ف2 في جمل من أحواله وأخلاقه صلي الله عليه و اله.

() سورة النجم: 3 5.

() راجع بحار الأنوار: ج42 ص133 باب122 ح15 عن الاختصاص، وفيه: (البدر التمام، محك المؤمنين، ووارث المشعرين، وأبو السبطين الحسن والحسين).

() المناقب: ج3 ص62 فصل في أنه مع الحق والحق معه.

() كشف الغمة: ج1 ص148 في بيان أنه مع الحق والحق معه.

() تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي: ج13 ص186 ح7165، ط دار الكتب العلمية، بيروت.

() المستدرك علي الصحيحين، للحاكم النيسابوري: ج3 ص137 ح4637 ط1 عام 1411ه 1990م دار الكتب العلمية بيروت.

() حلية الأولياء: ج1 ص64 ط4 دار الكتاب العربي، وراجع سنن الترمذي: ج5 ص637 ح3723 ط: دار إحياء التراث العربي بيروت، وتحفة الأحوذي: ج10 ص155 ط: دار الكتب العلمية بيروت.

() تاريخ بغداد: ج7 ص11 ح3475 ط دار الكتب العلمية بيروت، وفيض الغدير: ج4 ص357 ط المكتبة التجارية الكبري مصر.

() إشارة إلي قوله صلي الله عليه و اله: «يا علي أنت وصيي وإمام أمتي». أمالي الشيخ الصدوق: ص12 ح10 المجلس الثالث.

()

إشارة إلي قوله صلي الله عليه و اله: «أنت مني كالصنو من الصنو». الصراط المستقيم: ج1 ص252 ب8.

() إشارة إلي قوله عليه السلام: «أنا من رسول الله صلي الله عليه و اله كالعضد من المنكب وكالذراع من العضد..». شرح نهج البلاغة: ج20 ص315 الحكم المنسوبة 625.

() العراق بكسر العين: هو من الحشا ما فوق السرة معترضاً البطن. والعراق بضمن العين: جمع عرق وهو العظم عليه شيء من اللحم.

() نهج البلاغة: قصار الحكم: 236.

() بحار الأنوار: ج16 ص278 ب9 ح116.

() الإهاب: الجلد من البقر والغنم والوحش ما لم يدبغ، (لسان العرب): ج1 ص217 مادة (أهب).

() بحار الأنوار: ج40 ص323 ب98 ضمن ح6.

() بحار الأنوار: ج40 ص323 ب98 ضمن ح6.

() بحار الأنوار: ج40 ص323 ب98 ضمن ح6.

() المناقب: ج2 ص98.

() بحار الأنوار: ج40 ص325 باب98 ح7.

() كشف الغمة: ج1 ص173.

() الخورنق: موضع بالكوفة آنذاك، والآن بظاهر الحيرة.

() السمل: الثوب الخلق.

() بحار الأنوار: ج40 ص334 باب98 ح15.

() بحار الأنوار: ج40 ص327 ب98 ضمن ح9.

() بحار الأنوار: ج40 ص102 باب107 ح1.

() راجع مستدرك الوسائل: ج16 ص299-300 ب72 ح19949.

() الطمر: هو الثوب الخلق: والطمران باعتبار أنهما قطعتان مئرز ورداء.

() قرصيه: أي قرصين من خبز، ولعله كان يتغذي بأحدهما ويتعشي بالآخر، يعني: في كل يوم قرصان.

() الفلذة، بالكسر: القطعة من اللحم.

() بحار الأنوار: ج40 ص318 ب98 ح2.

() الكراكر: قيل إنها إحدي النفثات للبعير، أو الصدر خاصة.

() الاختصاص: ص153 من كتاب ابن دأب في فضل أمير المؤمنين عليه السلام.

() المناقب: ج2 ص95 فصل في المسابقة بالزهد والقناعة.

() سورة آل عمران: 133.

() سورة آل عمران: 114.

() سورة الأنبياء: 90.

() سورة المؤمنون: 61.

() تهذيب الأحكام: ج2 ص41 ب4 ح81.

() المناقب: ج2 ص95 فصل في

المسابقة بالزهد والقناعة.

() بحار الأنوار: ج40 ص322 ب98 ح5.

() المناقب: ج2 ص96 فصل في المسابقة بالزهد والقناعة.

() انظر بحار الأنوار: ج40 ص322 ب98 ضمن ح4.

() الكافي: ج6 ص438 باب التجمل وإظهار النعمة ح1.

() راجع وسائل الشيعة: ج18 ص322 ب2 ح23768.

() شرح نهج البلاغة: ج2 ص200 مناقب علي وذكر طرف من أخباره في عدله وزهده.

() بحار الأنوار: ج41 ص117 ب107 ح24.

() بحار الأنوار: ج41 ص117 ب107 ح24.

() المناقب: ج2 ص111 فصل في المسابقة بالعدل والأمانة.

() المناقب: ج2 ص111 فصل في المسابقة بالعدل والأمانة.

() بحار الأنوار: ج41 ص118 ب107 ضمن ح25.

() الكافي، ج8 ص165 ب8 ح176.

() راجع نهج البلاغة، الخطب: 33، ومن خطبة له عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة.

() التوحيد: ص174 ب28 ح3.

() الكافي: ج1 ص410 باب سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا ولي الأمر ح1.

() سورة المائدة: 42.

() بحار الأنوار: ج101 ص273 ب3 ح5.

() بحار الأنوار: ج101 ص273 ب3 ح6.

() المكاسب: ج1 ص239 المسألة الثامنة وص 246 حكم الهدية.

() المكاسب: ج1 ص246 حكم الهدية.

() المكاسب: ج1 ص246 حكم الهدية.

() أي: من رجاء عقيل أن أعطيه زائداً علي سائر المسلمين.

() نوع من الحلوي، أهداها الأشعث بن قيس إلي أمير المؤمنين علي عليه السلام.

() أي: كرهتها.

() الصلة: العطية، والزكاة: هي الزكاة الواجبة، والصدقة: هي الصدقة المستحبة، والفرق بينهما مذكور في كتب الفقه.

() هبلتك: ثكلتك، والهبول: المراة لا يعيش لها ولد.

() أي: مختل نظام إدراكك.

() هو من أصابه مس من الشيطان.

() أي: تهذي بما لا معني له في مرض ليس بصرع.

() أي: قشرة الشعيرة.

() نهج البلاغة، الخطب: 224 ومن كلام له عليه السلام يتبرأ من الظلم.

() الفصول المختارة: ص135 و224.

() الكافي: ج8 ص182 خطبة لأمير

المؤمنين عليه السلام ح204، الاختصاص: ص151 من كتاب ابن وأب في فضل أمير المؤمنين عليه السلام.

() المناقب: ج2 ص108-109 فصل في المسابقة بالعدل والأمانة.

() أملق: افتقر أشد الفقر.

() استماحني: استعطاني وطلب مني، البر: الحنطة، والصاع: ثلاثة كيلوات تقريباً.

() أي: المتلبد من الوسخ.

() أي: متغير اللون شاحبة من الفقر.

() هو سواد يصبغ به، ولعله النيلة.

() أي: زمامه.

() أي: صاحب مرض وألم شديد.

() أي: المكواة.

() الثكل: فقدان الولد، أو مطلق الحبيب.

() لظي: اسم جهنم.

() الاختصاص: ص151 ومن كتاب ابن وأب في فضل أمير المؤمنين عليه السلام.

() بحار الأنوار: ج40 ص106 ب91 ح117.

() المناقب: ج2 ص109 فصل في المسابقة بالعدل والأمانة.

() شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2 ص200 مناقب علي وذكر طرف من أخباره في عدله وزهده.

() المناقب: ج2 ص113 فصل في حلمه وشفقته عليه السلام.

() سورة الأعراف: 85.

() كشف الغمة: ج1 ص174.

() بلدة في طرف بغداد من ناحية سامراء.

() كشف الغمة: ج1 ص175 في وصف زهده في الدنيا وسنته في رفضها.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص359 ب11 ح21581.

() سفينة البحار: ج1 ص669 باب السين بعده الواو.

() نهج البلاغة، الرسائل: 40، ومن كتاب له عليه السلام إلي بعض عماله.

() الأمالي للشيخ الصدوق: ص304 المجلس 62 ح8.

() نهج البلاغة، الرسائل: 20.

() نهج البلاغة، الرسائل: 26 ومن عهد له عليه السلام إلي بعض عماله وقد بعثه علي الصدقة.

() نهج البلاغة، الخطب: 167 ومن خطبة له عليه السلام في أوائل خلافته.

() نهج البلاغة، الرسائل: 53 ومن كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه علي مصر وأعمالها.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 456.

() اللُماظة، بالضم: بقية الطعام في الفم، يريد بها الدنيا، أي: لا يوجد حر يترك هذا الشيء الدنيء لأهله.

()

نهج البلاغة، الرسائل: 31 ومن وصية له عليه السلام للحسن بن علي عليه السلام كتبها إليه بحاضرين.

() الكافي: ح8 ص69 حديث علي بن الحسين عليه السلام ح26.

() سفينة البحار: ج2 ص499 باب الكاف بعده الواو.

() بحار الأنوار: ج33 ص430 ب26 ح639.

() سورة الزمر: 65.

() سورة الروم: 60.

() بحار الأنوار: ج41 ص48 ب104 ضمن ح1.

() الفصول المختارة: ص97.

() راجع خصائص الأئمة: ص75 قطعة من الأخبار المروية في إيجاب ولاء أمير المؤمنين عليه السلام.

() الفصول المختارة: ص220 و224.

() بحار الأنوار: ج41 ص49 ب104 ضمن ح1.

() بحار الأنوار: ج32 ص124 ب1 ح100.

() للتفصيل راجع (الغدير) للعلامة الأميني رحمة الله عليه.

() المناقب: ج2 ص261.

() الخرائج والجرائج: ج1 ص225-226 ب2، وج2 ص746-747 ب15.

() الخصال: ج2 ص644-645 علم رسول الله صلي الله عليه و اله علياً ألف باب ح26.

() بصائر الدرجات: ص306 ب16 ح15.

() سورة الإسراء: 71.

() راجع بحار الأنوار: ج41 ص286 287 ب114 ح7.

() هي قوله تعالي: ?فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعوا أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين?. سورة آل عمران: 61.

() راجع الطرائف: ج2 ص454-455 إبداع عمر وقوله نعمت البدعة.

() سورة طه: 61.

() المناقب: ج2 ص96 فصل في المسابقة بالزهد والقناعة.

() سورة طه: 61.

() راجع بحار الأنوار: ج54 ص231 باب1 ح188، والآية في سورة آل عمران: 169.

() سفينة البحار: ج1 ص586 باب السين المهملة.

() بحار الأنوار: ج33 ص434-435 ب26 ح643.

() سورة البقرة: 194.

() شرائع الإسلام: ج1 ص257 في قتال أهل البغي. والشرائع: ج2 ص948 في شروط المقذوف وأحكامه.

() جواهر الكلام: ج21 ص344 من سب الإمام العادل وجب قتله.

() بحار الأنوار: ج39 ص311 ب88 ح1.

() وسائل

الشيعة: ج28 ص215 ب27 ح34594.

() مستدرك الوسائل: ج18 ص106 ب23 ح22201.

() دعائم الإسلام: ج2 ص459-460 كتاب الحدود، ف3 ح1620.

() جامع الشتات: ج2 ص712.

() الكافي: ج8 ص345 حديث إسلام علي عليه السلام ح544.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص142 ب1 ح20985.

() راجع الكافي: ج7 ص269-270 باب النوادر ح44.

() راجع ثواب الأعمال: ص211 عقاب الناصب والجاحد لأمير المؤمنين عليه السلام.

() راجع تهذيب الأحكام: ج10 ص86-87 ب6 ح101، والتهذيب: ج10 ص215 ح52.

() عبد الكريم قاسم 1914-1963م، ضابط عسكري عراقي، قاد انقلاب عام 1958م ضد النظام الملكي وأطاح بالملكية، قضي عليه عبد السلام عارف في انقلاب عسكري.

() راجع بحار الأنوار: ج32 ص7-8 ب1 ح2.

() بحار الأنوار: ج32 ص33 ب1 ح19.

() بحار الأنوار: ج41 ص299 ب114 ح29.

() شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج14 ص29 نسب شريح وذكر بعض أخباره.

() المناقب: ج2 ص259 فصل في إخباره بالغيب.

() سورة طه: 97.

() سفينة البحار: ج1 ص262 باب الحاء بعده السين.

() سفينة البحار: ج1 ص262 باب الحاء بعده السين.

() راجع المناقب: ج2 ص263.

() بحار الأنوار: ج32 ص398 ب11 ح370.

() راجع بحار الأنوار: ج97 ص364 ب5 ح6.

() راجع المناقب: ج2 ص259 فصل في إخباره بالغيب.

() سفينة البحار: ج1 ص676 باب السين بعده الهاء.

() الكافي: ج3 ص186 باب من زاد علي خمس تكبيرات ح3.

() الاختصاص: ص152 من كتاب ابن دأب في فضل أمير المؤمنين عليه السلام.

() المناقب: ج2 ص111 فصل في المسابقة بالعدل والأمانة.

() الاختصاص: ص151 من كتاب ابن دأب في فضل أمير المؤمنين عليه السلام.

() راجع بحار الأنوار: ج41 ص108-109 و122 ب107 ح15 و27 و29.

() المناقب: ج2 ص110 فصل بالمسابقة بالعدل والأمانة.

() بحار الأنوار: ج41 ص50 ب104 ضمن ح2.

() بحار الأنوار: ج32 ص229-230 ب4 ح181.

() سورة

الحجرات: 9.

() بحار الأنوار: ج41 ص50 ب104 ح2.

() سفينة البحار: ج2 ص133 باب الغين بعده الباء.

() بحار الأنوار: ج41 ص50 ب104 ح2.

() بحار الأنوار: ج41 ص50 ب104 ضمن ح2.

() المناقب: ج2 ص260-261 فصل في إخباره بالغيب.

() المناقب: ج2 ص114 فصل في حلمه وشفقته.

() المناقب: ج2 ص114 فصل في حلمه وشفقته.

() سورة المؤمنون: 96.

() المناقب: ج2 ص113 فصل في حلمه وشفقته.

() بحار الأنوار: ج41 ص203-204 ب110 ح18.

() المناقب: ج2 ص112 فصل في حلمه وشفقته.

() لكزه يلكزه لكزاً: هو الضرب بالجُمع في جميع الجسد، وقيل: اللكز هو القرجء في الصدر بجمع اليد، وكذلك في الحنك. انظر لسان العرب: ج5 ص406 مادة لكز.

() خروج النفس بصعوبة لعلة تحدث في الصدر من شدة الخوف.

() المناقب: ج2 ص106 في المسابقة بالتواضع.

() الاختصاص: ص157 من كتاب ابن دأب في فضل أمير المؤمنين عليه السلام.

() الاختصاص: ص159 من كتاب ابن دأب في فضل أمير المؤمنين عليه السلام.

() بحار الأنوار: ج41 ص55 ب105 ح2.

() بحار الأنوار: ج41 ص55 ب105 ح2.

() سورة القصص: 83.

() المناقب: ج2 ص104 فصل في المسابقة بالتواضع.

() المناقب: ج2 ص110 فصل في المسابقة بالعدل والأمانة.

() المناقب: ج2 ص110 فصل في المسابقة بالعدل والأمانة.

() المناقب: ج2 ص108 فصل في المسابقة بالعدل والأمانة.

() سورة الحجرات: 13.

() تحف العقول: ص34 خطبته صلي الله عليه و اله في حجة الوداع.

() تحف العقول: ص34 خطبته صلي الله عليه و اله في حجة الوداع.

() شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2 ص200-201 مناقب علي عليه السلام وذكر طرف من أخباره في عدله وزهده.

() الاختصاص: ص151 من كتاب ابن دأب في فضل أمير المؤمنين عليه السلام.

() الاختصاص: ص152 من كتاب ابن دأب في فضل أمير المؤمنين عليه

السلام.

() كشف الغمة: ج2 ص218 وأما مناقبه.

() سورة المائدة: 82.

() الكافي: ج3 ص540 باب أدب المصدق ح8.

() المناقب: ج2 ص259 فصل في إخباره بالغيب.

() المناقب: ج2 ص259 فصل في إخباره بالغيب.

() سورة الكهف: 51.

() بحار الأنوار: ج32 ص34 ب1 ح22.

() بحار الأنوار: ج32 ص5 ب1 ح1.

() بحار الأنوار: ج32 ص5-6 ب1 ح1.

() سفينة البحار: ج2 ص431 باب القاف بعده الصاد.

() يتحدث جرجي زيدان في كتابه (تاريخ التمدن الإسلامي) وغيره ممن كتبوا عن سعة الدولة الإسلامية وحضارة الإسلام: أن الدولة الإسلامية توسعت وتوسعت حتي بلغت خلال قرنين قرابة ثلاثة أرباع المسكونة إلي مفتتح القرن الثالث الهجري أي في عهد الإمام محمد بن علي الجواد ?، فأفريقية والهند وقسم كبير من الصين وإسبانيا وقسم كبير من روسيا… وغيرها كانت تحت سيطرة المسلمين وحكم الإسلام.

() راجع وسائل الشيعة: ج15 ص66 ب19 ح19996.

() اليمامة: بلاد شرقي مكة، وقيل: من اليمن، راجع القاموس، ومجمع البحرين.

() سيأتي نقل بعض الخطبة التي هذه الفقرة منها إن شاء الله تعالي.

() مجلة (الوطن العربي) الصادرة في فرنسا: العدد 94 عام 1978م.

() راجع وسائل الشيعة: ج9 ص52 ب7 ح11501 وفيه عنه صلي الله عليه و اله: «فما آمن بي من بات شبعاناً وجاره المسلم جائع..».

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 328.

() وسائل الشيعة: ج9 ص12 ب1 ح11392.

() وسائل الشيعة: ج373 ب2 ح12273.

() الكافي: ج5 ص318-319 باب النوادر ح95.

() سورة الأعراف: 31.

() بحار الأنوار: ج59 ص267 ب88 ح42.

() انظر بحار الأنوار: ج59 أبواب الطب ومعالجة الأمراض وخواص الأدوية.

() الإحصاءات الحديثة في مختلف دول العالم توقفنا علي المدهش والمدهش كثيراً في هذا المجال. سواء في ذلك الدولة الغربية، أو الشرقية، أو الدول النامية كما يعبرون.

وقد التقيت أنا شخصياً

بطبيب خاص بعلاج (مرض السكري) في بلد صغير لا يعدو كل سكانه مليون نسمة، وكان الطبيب واحداً من عديدين يعالجون السكري، قال لي بالحرف الواحد: «إنني أعالج تسعة آلاف مريض مصاب بالسكري». هذا مع غض النظر عن ألوف الأمراض الأخري، ومئات الأطباء الآخرين. وعلي هذه القصة الصغيرة فقس غيرها. (وليس) المقصود من ذلك التنقيص من قدر الأطباء ومهمتهم الإنسانية، فإن فيهم المؤمنين والأخيار والملتزمين بموازين الإسلام والإنسانية، يعرفون مسؤوليتهم أمام الله والتاريخ، وإنما المقصود بيان ضعف السياسة الصحية المعاصرة.

() لأبي العباس المستغفري (350 432ه) ولد وتوفي بمدينة نسف بالقرب من سمرقند.

() للميرزا محمد الرازي النجفي المولود في 1318ه

() لعبد الله وحسين ابني بسطام من أعلام القرن الرابع الهجري.

() الحجامة: هي خدش محل معين في أعلي الظهر تحت الرقبة بقليل خدوشاً عديدة تصل إلي الأوردة والشرايين وسحب الدم منها، حيث تجمع شرايين ضخام هناك. والفصد هو غرز مشرط أو نحوه في شريان يسمي (الغيفال) واقع في باطن المرفق، وهو شريان كبير أيضاً، وسحب الدم منه. ويمكن تقليل الدم بطرق أخري، ووسائل غير ذلك.

() بحار الأنوار: ج47 ص219 ب7 ضمن ح5.

() بحار الأنوار: ج1 ص177 ب1 ح55.

() تفسير القمي: ج2 ص401 الهامش.

() أمالي الشيخ الصدوق: ص60 المجلس 14.

() ديوان الإمام علي عليه السلام: ص24.

() المحاسن: ص229 ح165.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ح2 ص176.

() المكاسب: ج1 ص13 تقسيم المكاسب بحسب الأحكام الخمسة.

() سورة النساء: 75.

() سورة الذاريات: 56.

() نهج البلاغة، الرسائل: 31 ومن وصية له عليه السلام للحسن بن علي عليه السلام كتبها إليه بحاضرين.

() ذكرنا نتفاً من الحرية الإسلامية في سياسة النبي وسياسة أمير المؤمنين علي (عليهما الصلاة والسلام).

() سورة البقرة: 256.

() سورة القصص: 85.

() سورة الفتح:

27.

() راجع بحار الأنوار: ج21 ص130 ب26 ضمن ح22.

() سورة البقرة: 256.

() سورة البقرة: 257.

() سورة الأعراف: 157.

() سورة البلد: 10.

() سورة المزمل: 19، وسورة الإنسان: 29.

() سورة الفرقان: 57.

() سورة الإنسان: 3.

() سورة الأحزاب: 6.

() في تفسير نور الثقلين: ج4 ص237 عند تفسير سورة الأحزاب زخم كبير من الأحاديث الشريفة بهذا المعني.

() بحار الأنوار: ج2 ص273 ب33 ح7.

() نهج البلاغة، الرسائل: 31، ومن وصية له عليه السلام للحسن بن علي عليه السلام كتبها إليه بحاضرين.

() يقول أحد الكتّاب: إن حالة الإنسان في العالم أصبحت أسوأ من الحشرات، فالحشرات حينما تصبح، تخرج من أوكارها، وتمضي إلي حيث شاءت بحرياتها الكاملة، والإنسان في هذا العصر الذهبي!! إذا شاء أن يخطو من مكانه خطوات، جاءته العراقيل من كل جانب ومكان، ولا يمكن له أن يجوزها إلا بعد فك ألف قيد وقيد؟.

() للتوسع في الموضوع راجع كتاب (العقوبات في الإسلام) للمؤلف.

() صحيفة إيرانية عدد (27/ جمادي الثانية/ 1401ه).

() هو تاسع الأئمة الإثني عشر عليهم السلام الذين نص رسول الله صلي الله عليه و اله علي إمامتهم وعلي وجوب طاعتهم، وهو السادس من ذرية الإمام الحسين عليه السلام.

() سورة المائدة: 38.

() سورة النساء: 43.

() سورة المائدة: 6.

() سورة الجن: 18.

() راجع وسائل الشيعة: ج28 ص252-253 ب4 ح34690.

() وسائل الشيعة: ج18 ص424 ب3 ح23969.

() تفسير نور الثقلين: ج4 ص240، سورة الأحزاب ح23.

() الكافي: ج1 ص406 باب ما يجب من حق الإمام علي الرعية وحق الرعية علي الإمام ح6.

() وسائل الشيعة: ج13 ص151 باب3 ح3، نقلاً عن الخلاف.

() تفسير القمي: ج1 ص94 سورة البقرة، أحكام الربا.

() وسائل الشيعة: ج26 ص247-248 ب3 ح32933.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص207 ب2 ح21158.

() الكافي: ج5 ص93

باب الدين ح3، وتهذيب الأحكام: ج6 ص184 ب81 ح6.

() الكافي: ج5 ص94 باب الدين ح7، وتهذيب الأحكام: ج6 ص184 ب81 ح4

() تهذيب الأحكام: ج6 ص211 ب84 ح11.

() سورة البقرة: 280.

() تفسير العياشي: ج1 ص155 سورة البقرة ح520.

() معاني الأخبار: ص52 باب معاني أسماء النبي صلي الله عليه و اله وأهل بيته عليهم السلام ح3.

() الأمالي للمفيد: ص187-188 المجلس3 ح14.

() مستدرك الوسائل: ج13 ص400 ب9 ح15723.

() الكافي: ج5 ص280 باب في إحياء أرض الموات ح6.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص111 ب1 ح20902.

() غوالي اللئالي: ج3 ص180 ق2 باب إحياء الموات ح3.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص111-112 ب1 ح20905.

() إنما كانت العراق تسمي بأرض السواد، لوفرة الزراعة فيها، والزرع أخضر والأخضر يميل إلي السواد، فلذلك قيل لها أرض السواد.

() هو أحد المؤرخين في القرن الرابع الهجري.

() الزوارق: جمع زورق وهو: ضرب من السفن الصغيرة. انظر مجمع البحرين: ج5 ص176 مادة زرق.

() الفرسخ هو ستة كيلو مترات تقريباً.

() الميل الإسلامي أربعة آلاف ذراع، ويساوي ألفي متر تقريباً.

() يعني بذلك بعد الحرب العالمية الأولي، وبعد سيطرة الكفار علي بلاد الإسلام.

() وإن كانت القيروان أخذت في الازدهار هذه الأيام.

() تاريخ التمدن الإسلامي، الجزء الأول ص117 119.

() تاريخ التمدن الإسلامي: الجزء الأول 120 121.

() للتفصيل راجع كتاب (الإصلاح الزراعي في الإسلام) للمؤلف.

() سورة الممتحنة: 8 -9.

() راجع تفسير مجمع البيان: ج9 ص449.

() نهج البلاغة، الرسائل: 53 ومن كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه علي مصر وأعمالها.

() سورة الأحزاب: 21.

() سورة الممتحنة: 3-4.

() راجع تفسير مجمع البيان: ج9 ص447-448.

() سورة الممتحنة: 6-9.

() سورة آل عمران: 97.

() راجع تفسير مجمع البيان: ج9 ص449-451.

() سورة الممتحنة: 10-11.

() راجع تفسير مجمع البيان: ج9 ص453-455.

()

سورة الممتحنة: 13.

() راجع تفسير مجمع البيان: ج9 ص457.

() جامع الأخبار: ص101 ف58 في التزويج.

() بحار الأنوار: ج100 ص220 ب1 ح19.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص384 باب فضل المتزوج علي العزب ح4346.

() أي لا تحيض.

() وسائل الشيعة: ج20 ص61 ب23 ح25036.

() مستدرك الوسائل: ج14 ص161 ب5 ح16380.

() سورة النور: 32.

() تبصرة المتعلمين: ص179 كتاب النكاح ف3.

() سورة النساء: 3.

() فإن المرأة كما يقرر العلم والعادة الجارية لا تلد بعد أربعين سنة علي الأغلب، ولكن الرجل يتمتع بقوة قد تجعله يتمكن من الإنجاب وإن كان عمره مائة سنة أو أكثر.

() راجع الأمالي للشيخ الصدوق: ص423 المجلس 66 ح1.

() راجع مكارم الأخلاق: ص424.

() سورة البقرة: 208.

() سورة الأنفال: 61.

() سورة العاديات: 2،3.

() تفسير مجمع البيان: ج10 ص424.

() الكافي: ج5 ص27 باب وصية رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام في السرايا ح1.

() تحف العقول: ص191-192 وصيته عليه السلام لزياد بن النضر حين أنفذه علي مقدمته إلي صفين.

() سورة الحجرات: 9.

() الكافي: ج5 ص28 باب وصية رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام في السرايا ح2.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص52 باب الخراج والجزية ح1675.

() الكافي: ج5 ص30 باب إعطاء الأمان ح1.

() وسائل الشيعة: ج26 ص14 ب1 ح32383.

() شرائع الإسلام كتاب الجهاد في الذمام.

() جواهر الكلام: ج21 ص95 مساواة الحر والمملوك والذكر والأنثي في الأمان.

() وسائل الشيعة: ج15 ص67 ب20 ح19998.

() مستدرك الوسائل: ج18 ص237 ب28 ح22616.

() وسائل الشيعة: ج15 ص68 ب20 ح20000.

() الكافي: ج5 ص30 باب إعطاء الأمان ح1.

() جواهر الكلام: ج21 ص95 مساواة الحر والمملوك والذكر والأنثي في الأمان.

() جواهر الكلام: ج21 ص95 مساواة الحر والمملوك

والذكر والأنثي في الأمان.

() الكافي: ج5 ص31 باب إعطاء الأمان ح5.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص45 ب18 ح12390.

() الكافي: ج2 ص337 باب المكر والغدر والخديعة ح4.

() راجع من لا يحضره الفقيه: ج3 ص565-566 باب معرفة الكبائر التي أوعد الله عزوجل عليها النار ح4934.

() سورة المدثر: 42-43

() سورة النور: 37.

() سورة طه: 132.

() سورة النساء: 115.

() سورة آل عمران: 169.

() سورة الأنفال: 15.

() سورة طه: 52.

() سورة النحل: 128.

() الكافي: ج5 ص36 ح1.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص82 ب32 ح12477.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص83 ب32 ح12478.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص151 ب67 ح1.

() سورة النساء: 94.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص90-91 ب35 ح12492.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص152 ب68 ح1.

() سورة النساء: 141.

() وسائل الشيعة: ج26 ص14 ب1 ح32383.

() دعائم الإسلام: ج1 ص376 كتاب الجهاد، ذكر قتال المشركين.

() وسائل الشيعة: ج15 ص132 ب52 ح20147.

() الكافي: ج5 ص47 باب الشعار ح1.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص113-114 ب47 ح12564.

() العدد القوية: ص57 اليوم الخامس عشر.

() راجع المحاسن: ص263 ب34 ح327.

() سورة النساء: 94.

() سورة سبأ: 28.

() سورة الأعراف: 158.

() سورة النحل: 90.

() غوالي اللآلي: ج4 ص103 ح150.

() نهج البلاغة، الخطب: 200 ومن كلام له عليه السلام في معاوية.

() الكافي: ج2 ص337 باب المكر والغدر والخديعة ح4.

() سورة التوبة: 5.

() الكافي: ج5 ص38 باب ما كان يوصي أمير المؤمنين عليه السلام به عند القتال ح3.

() مستدرك الوسائل: ج18 ص256 ب51 ح22680.

() سورة النساء: 75.

() سورة الممتحنة: 8 9.

() وسائل الشيعة: ج26 ص14 ب1 ح32383.

() سورة النساء: 97.

() الكافي: ج5 ص43 باب أنه لا يحل للمسلم أن ينزل دار الحرب، ح1.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص89 ب34 ح12489.

() موسوعة الفقه: ج47 ص131 كتاب الجهاد المسألة32.

() سورة الإسراء:

15-16.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص30 ب9 ح12357.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص31 ب9 ح12359.

() سورة الأنفال: 15 16.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص565-566 باب معرفة الكبائر التي أوعد الله عزوجل عليها النار ح4934.

() المكاسب: ج3 ص581، مسألة بيع العبد المسلم من الكافر.

() وسائل الشيعة: ج26 ص14 ب1 ح32383.

() المكاسب: ج3 ص596 عدم استقرار المسلم علي ملك الكافر ووجوب بيعه عليه.

() ذكرت مصادر الحديث عند مختلف مذاهب المسلمين هذا الحديث الشريف ومن تلك المصادر ما يلي:

أ: وسائل الشيعة: ج26 ص14 ب1 ح32383.

ب: كنز العمال: ج1 ص66 ح246 الفرع الثاني في فضائل الإيمان، ط: مؤسسة الرسالة بيروت.

ج: الجامع الصغير: ج1 ص474 ح3063، ط دار الفكر بيروت 1401ه.

() بحار الأنوار: ج89 ص175 ب16 ح1.

() سورة الأنبياء: 92.

() سورة المؤمنون: 52.

() سورة الحجرات: 13.

() تفسير القمي: ج2 ص322 الإفك علي مارية.

() تفسير القمي: ج2 ص322 الإفك علي مارية.

() الكافي: ج8 ص181-182 خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام ح203.

() الميرزا صادق بن الميرزا جعفر بن الحاج الميرزا أحمد المجتهد التبريزي المعروف بالميرزا صادق آقا التبريزي، درس عند الشيخ هادي الطهراني، له عدة كتب، منها: (المقالات) و(المشتقات) و(شرائط العوضين) وهي رسالة فقهية مبسطة، توفي في ذي القعدة عام 1351ه ودفن في قم المقدسة.

() قاعدة فقهية مستفادة من قوله تعالي: ?النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم?. سورة الأحزاب: 6.

() توماس لورنس: (1888م 1935م) ضابط وكاتب إنجليزي، اتصل بالشريف حسين وشجع ثورة العرب علي الأتراك (1916-1918م) لقب بلورنس العرب، له كتاب (أعمدة الحكمة السبعة).

() آخر الإحصاءات تشير إلي أن المسلمين بلغوا المليارين، عام 2000م.

() سورة الأنبياء: 92، سورة المؤمنون: 52.

() قاعدة مستنبطة من قوله تعالي: ?النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم?. الأحزاب: 6.

() بحار الأنوار: ج2

ص272 ب33 ح7.

() وسائل الشيعة: ج25 ص386 ب1 ح32190.

() وسائل الشيعة: ج14 ص572 ب90 ضمن ح19843.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص447 ب46 ح21826.

() الخصال: ج1 ص338 باب السنة ح40.

() الخصال: ج2 ص436 باب العشرة ح22.

() الخصال: ج2 ص436 باب العشرة ح23.

() الأمالي للصدوق رحمة الله عليه: ص210 المجلس37 ح9.

() بحار الأنوار: ج17 ص402 ب5 ح19.

() بحار الأنوار: ج21 ص367 ب35 ح2.

() سورة آل عمران: 200.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص27 ب6 ح12345.

() للتفصيل انظر الفقه: ج47 ص138 كتاب الجهاد، المسألة36.

() المكاسب للشيخ الأنصاري: ج3 ص551 الكلام في ولاية الفقيه بالمعني الأول.

() وسائل الشيعة: ج27 ص131 ب10 ح33401.

() وسائل الشيعة: ج27 ص140 باب11 ح33424.

() بحار الأنوار: ج79 ص208 ب1 ح18.

() بحار الأنوار: ج32 ص27 ب1 ح9.

() نهج البلاغة، الرسائل: 45 ومن كتاب له عليه السلام إلي عثمان بن حنيف الأنصاري وكان عامله علي البصرة.

() الطمر بالكسر: الثوب الخلق البالي.

() طعمه بضم الطاء: ما يطعمه ويفطر عليه، و(قرصيه) تثنية قرص، وهو الرغيف.

() السداد: التصرف الرشيد، وأصله الثواب والاحتراز عن الخطأ.

() التبر بكسر فسكون: فتات الذهب والفضة قبل أن يصاغ.

() الوفر: المال.

() الطمر: الثوب البالي، وقد سبق، والثوب هنا عبارة عن الطمرين فإن مجموع الرداء والإزار يعد ثوباً واحداً فبهما يكسي البدن لا بأحدهما.

() أتان دبرة: هي التي عقر ظهرها، فقل أكلها.

() مقرة: أي مرة.

() فدك بالتحريك: قرية لرسول الله صلي الله عليه و اله، صالح أهلها بعد خيبر وقد أمر الله عزوجل أن يهديها لابنته فاطمة عليها السلام والحديث عنها طويل مذكور في معظم كتب التاريخ.

() المظان: جمع مظنة، وهي المكان الذي يظن فيه وجود الشيء.

() اضغطها: جعلها من الضيق بحيث تضغط وتعصر الحال فيها، و(المدر): جمع مدرة، مثل

قصب وقصبة، وهو التراب المتلبد، أو قطع الطين.

() فرجها: جمع فرجة، مثال غرف وغرفة، كل منفرج بين شيئين، و(أروضها): أذللها.

() المزلق: موضع الزلل، وهو المكان الذي يخشي فيه أن تزل القدمان، والمراد هنا الصراط.

() القرص: الرغيف.

() بطون غرثي: جائعة.

() حري مؤنث حران: عطشان.

() البطنة بكسر الباء: البطر والأشر.

() القد بالكسر: قطعة لحم مجففة في الشمس.

() الجشوبة: الخشونة.

() تقممها: التقاطها للقمامة، أي الكناسة.

() تكترش: تملأ كرشها، و(أعلاف): جمع علف، ما يهيأ للدابة لتأكله.

() يعني الذبح.

() أعتسف: ركب الطريق علي غير قصد، و(المتاهة): موضع الحيرة.

() النابتات العذية: التي تنبت عذياً، أي الزرع لا يسقيه إلا ماء المطر.

() الصنوان: النخلتان يجمعهما أصل واحد، و(الذراع من العضد): شبه الإمام عليه السلام نفسه من الرسول صلي الله عليه و اله بالذراع الذي أصله العضد، وكلا التشبيهين كناية عن شدة الامتزاج والقرب بينهما (عليهما أفضل الصلاة والسلام).

() الغارب: ما بين السنام والعنق، وهذه الجملة تمثيل لتسريحها تذهب حيث شاءت.

() انسل من مخالبها: لم يعلق به شيء من شهواتها.

() والحبائل: جمع حبالة، شبكة الصياد.

() المداحض: المساقط والمزالق.

() المداعب: جمع مدعبة وهي من الدعابة أي المزاح.

() الورد بكسر الواو: ورود الماء، و(الصدر) بالتحريك: الصدور عن الماء بعد الشرب.

() مكان دحض بفتح السكون: أي زلق لا تثبت فيه الأرجل، وزلق: زل وسقط.

() أزور: مال وتنكب.

() مناخه: أصله مبرك الإبل، من أناخ ينيخ، والمراد هنا: مقامه.

() عزب يعزب: أي بعد.

() لا أسلس: أي لا أنقاد.

() تهش: أي تنبسط إلي الرغيف وتفرح به من شدة ما حرمته.

() نضب معينها: أي غار ماؤها الجاري.

() السائمة: الأنعام التي تسرح.

() الربيضة: الغنم مع رعاتها إذا كانت في مرابضها.

() الربوض للغنم: كالبروك للإبل.

() يهجع: أي يسكن كما سكنت الحيوانات بعد

طعامها.

() الهاملة: المتروكة، والهمل من الغنم تري نهاراً بلا راع.

() البؤس: الضر، وعرك البؤس بالجنب: الصبر عليه كأنه شوك فيسحقه بجنبه.

() الكري بالفتح: النعاس.

() الهمهمة: الصوت الخفي يتردد في الصدر.

() تقشعت جنوبهم: انحلت وذهبت كما يتقشع الغمام.

() سورة المجادلة: 22.

() ولتكفف أقراصك: كأن الإمام عليه السلام يأمر الأقراص أي الأرغفة بالكف والانقطاع عن ابن حنيف، والمراد أمر ابن حنيف بالكف عنها استعفافاً.

() نهج البلاغة، الرسائل: 45 ومن كتاب له عليه السلام إلي عثمان بن حنيف الأنصاري وكان عامله علي البصرة وقد بلغه أنه دعي إلي وليمة قوم من أهلها فمضي إليها.

() يقدروا أنفسهم: أي يقيسوا أنفسهم.

() يتبيغ: يهيج به الألم فيهلكه.

() نهج البلاغة، الخطب: 209، ومن كلام له عليه السلام بالبصرة وقد دخل علي العلاء بن زياد الحارثي وهو من أصحابه.

() راجع بحار الأنوار: ج40 ص318 ب98 ح2.

() (الوالي) في المصطلح الإسلامي، هو من يعينه (الإمام) لإدارة بقعة من الأرض، سواء كانت كبيرة (كالعراق) مثلاً، أو صغيرة (كالبصرة أو الكوفة) ونحوهما.

() (عمال الولاة) في الاصطلاح الإسلامي: هم الموظفون من قبل (الولاة) سواء كانوا موظفين كباراً أم صغاراً.

() تستطاب: يطلب لك طيبها، (الألوان): أصناف الطعام، (الجفان) بكسر الجيم: جمع جفنة، أي القصعة.

() عائلهم: محتاجهم، (مجفو): مطرود.

() القضم: الأكل بطرف الأسنان، والمراد مطلق الأكل.

() ألفظه: أطرحه حيث اشتبه عليك حله من حرمته.

() نهج البلاغة، الرسائل: 45.

() نهج البلاغة، الرسائل: 40 ومن كتاب له عليه السلام إلي بعض عماله.

() نهج البلاغة، الرسائل: 19.

() الكور: جمع كورة، وهي الناحية المضافة إلي أعمال بلد من البلدان، والأهواز: تسع كور بين البصرة وفارس.

() نهج البلاغة، الرسائل: 20.

() نهج البلاغة، الرسائل: 21.

() نهج البلاغة، الرسائل: 25.

() نهج البلاغة، الرسائل: 25.

() نهج البلاغة،

الرسائل: 27.

() نهج البلاغة، الرسائل: 27.

() نهج البلاغة، الرسائل: 27.

() نهج البلاغة، الرسائل: 27.

() نهج البلاغة، الرسائل: 27.

() نهج البلاغة، الرسائل: 40.

() نهج البلاغة، الرسائل: 46.

() نهج البلاغة، الرسائل: 53.

() سورة النساء: 59.

() سورة الصف: 3.

() سورة البقرة: 156.

() نهج البلاغة، الرسائل: 53.

() نهج البلاغة، الرسائل: 76.

() الطيرة: الفأل بالشر، والغضب إنما يتفأل به الشيطان لنيل مآربه من الغضبان.

() نهج البلاغة، الرسائل: 67، ومن كتاب له عليه السلام إلي قثم بن العباس وهو عامله علي مكة.

() راجع مكارم الأخلاق: ص16 في تواضعه وحيائه صلي الله عليه و اله.

() ساسة: جمع سائس يعني المدبر.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص610 زيارة جامعة لجميع الأئمة عليهم السلام ح3213.

() نقل عن الجاسوسة الإنجليزية (المس بيل) في كتابها عن تاريخ العراق: «إن المرجع الديني الكبير السيد محمد كاظم اليزدي (قدس الله سره) حينما أبرق إلي الجهات الإدارية يطالبهم بالحد من نشاطهم ضد الإسلام، ردوا عليه جواباً يقولون فيه: (إنك عالم ديني، ولا مس لك بالسياسة)».

() بحار الأنوار: ج97 ص80 ب1 ح37.

() العلامة الشيخ عبد الحسين بن أحمد الأميني (1320-1392ه) = (1902-1971م) مؤرخ أديب من فقهاء الإمامية، ولد وتوفي بإيران، ولكنه نشأ وأقام بالنجف الأشرف، أسس فيها (مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامة) من مؤلفاته: موسوعة (الغدير) و(شهداء الفضيلة) و(أدب الزائر) وغيرها.

() هو السيد محمد حسن بن الميرزا محمود الحسيني الشيرازي، أعظم علماء عصره وأشهرهم وأعلي مراجع الإمامية في وقته، ولد بشيراز عام 1230ه حضر علي العلامة السيد حسن البيد آبادي الشهير بالمدرس حتي خصلت له الإجازة منه قبل بلوغه العشرين حتي أصبح من المدرسين الأفاضل، هاجر إلي العراق عام 1259ه وأقام في النجف الأشرف، تأهل للزعامة والرياسة عام

1281ه حتي أصبح المرجع الوحيد للإمامية، ويدل علي نفوذ حكمه وقوة سطوته مسألة التنباك الشهيرة، توفي في سامراء عام 1312ه ودفن في النجف (قدس سره).

() هو الشيخ الميرزا محمد تقي بن الميرزا محب علي بن أبي الحسن الحائري الشيرازي زعيم الثورة العراقية (ثورة العشرين) من أكابر العلماء وأعاظم المجتهدين ومن أشهر مشاهير عصره في العلم والتقوي والغيرة الدينية. توفي ودفن بكربلاء المقدسة عام 1328ه.

() هو السيد أبو الحسن بن السيد محمد الموسوي الأصفهاني، عالم جليل ومرجع عام للإمامية في عصره، ولد في إصفهان عام (1284ه) وهاجر إلي العتبات المقدسة عام (1307ه) أدركه الأجل عام (1365ه) في الكاظمية وشيع جثمانه تشييعاً قل نظيره فقد حمل علي الرؤوس من بغداد إلي النجف.

() هو الشيخ محمد حسين ابن شيخ الإسلام عبد الرحيم النائيني النجفي مجتهد خالد الذكر من أعاظم علماء الشيعة، ولد في مدينة (نائين) الإيرانية عام (1277ه) وبها نشأ فتعلم المبادئ وبعض أوليات العلوم وهاجر إلي أصفهان ومن ثم إلي العراق عام (1303ه) لازم السيد المجدد الشيرازي وصار كاتباً ومحرراً له إلي أن توفي، توفي ببغداد يوم السبت (26ج1 عام 1355ه) ودفن في النجف الأشرف.

() السيد حسين السيد محمود القمي، ولد في قم المقدسة في (1282 ه) ودرس فيها مقدمات العلوم، هاجر إلي العراق، حضر أبحاث كبار العلماء أمثال السيد المجدد الشيرازي والميرزا حبيب الله الرشتي، والشيخ محمد تقي الشيرازي، وحاز علي درجة سامية من العلم وكان معروفا بالصلاح والتقي والزهد، في سنة (1331ه) هبط المشهد الرضوي عليه السلام فصار من أكبر مراجع التقليد في إيران. بعد تصديه لانحرافات نظام الشاه رضا بهلوي اصدر الاخير أمراً باعتقاله ونفيه إلي العتبات المقدسة في العراق، فسكن كربلاء والتف العلماء

حوله وصار مهوي قلوب الشيعة ومن كبار مراجع التقليد في البلد، رشح ? للزعامة العامة بعد وفاة السيد أبو الحسن الاصفهاني، توفي يوم الأربعاء 14 ربيع الأول 1366 ه، نقل إلي النجف الأشرف ودفن في الصحن الشريف.

() هو السيد عبد الحسين بن السيد يوسف الموسوي العاملي الملقب ب(شرف الدين) من كبار علماء المسلمين وعباقرة الشيعة، ولد في الكاظمية (1290ه) توفي في بيروت عام (1377ه) ودفن في النجف بعد تشييعه تشييعاً مهيباً في بيروت وبغداد وكربلاء والنجف.

() زعيم الحوزة العلمية في قم المقدسة، آلت إليه المرجعية الشيعية بعد وفاة المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه عام 1365ه، وافاه الأجل عام 1380ه ودفن بجوار السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام في قم المقدسة إيران.

() بحار الأنوار: ج27 ص217 ب9 ح18.

() العلامة الشيخ محسن أو محمد محسن بن علي بن محمد رضا الطهراني المعروف ب (آغا بزرك) (1293-1389 ه) عالم بالتراجم ومحقق، ولد بطهرن وانتقل إلي العراق عام 1313ه فتفقه في النجف الأشرف وأجيز بالاجتهاد قبل سن الأربعين، شارك في قضية الانقلاب الدستوري في إيران، انتقل إلي سامراء في الأعوام (1329-1355ه) ثم عاد إلي النجف الأشرف لمتابعة العمل في تأليف كتبه إلي أن توفي رحمة الله عليه، صدر عنه أكثر من ألفي إجازة في رواية الحديث، له عدة كتب، منها: (الذريعة إلي تصانيف الشيعة) في تسعة عشر جزءً، و(نقباء البشر في القرن الرابع عشر) وهو واحد من أحد عشر كتاباً في التراجم، وغيرها، وقد وقف مكتبته المحتوية علي أكثر من خمسة آلاف كتاب.

() السيد محسن بن عبد الكريم بن علي بن محمد الأمين الحسيني العاملي (1282-1371ه) = (1865-1952م) آخر مجتهدي الشيعة الإمامية في بلاد الشام، له شعر

واشتغال بالتراجم، ولد في قرية شقراء من أعمال مرجعيون بجبل عامل، وتعلم بها ثم هاجر إلي النجف الأشرف وعاد إلي سورية فاستقر في دمشق سنة 1319ه وعمل في التدريس والوعظ ثم الإفتاء، توفي بدمشق، كان مكثراً في التأليف، يجمع ما تفرق من آثار الإمامية وسيرهم ويؤلف في فقههم ويذب عنهم ويناقش ويهاجم، من مؤلفاته: (أعيان الشيعة) في 56 مجلداً، و(الرحيق المختوم) وهو ديوان شعره الذي نظمه قبل سنة 1331ه، و(الحصون المنيعة) رسالة في الرد علي صاحب المنار، وغيرها.

() السيد محمد باقر بن الميرزا زين العابدين الموسوي الخونساري الأصفهاني (1226-1313ه) عالم جليل، عارف بالفقه والكلام وغيرهما من العلوم الدينية، من أعلام القرن الثالث عشر الهجري، كان يسكن (خونسار) ويتولي الشؤون الدينية بها، له كتاب (حدود وتعزيرات) و(جبر واختيار) ألفه سنة 1233ه، وغيرهما.

() خاتمة المستدرك: ج3 ص216.

() رياض العلماء وحياض الفضلاء: ج1 ص276 ط الخيام قم المقدسة.

() الكامل في التاريخ: ج8 ص81 ذكر ظهور الحسن بن علي الأطروش، ط دار صادر بيروت لبنان 1399ه 1979م.

() أعيان الشيعة: ج5 ص179 رقم 425.

() انظر رجال الكشي: ص260 رقم 682. وشهداء الفضيلة: ص7.

() ميزان الاعتدال: ج1 ص493 رقم 1857.

() أعيان الشيعة: ج5 ص104 رقم 257.

() انظر شهداء الفضيلة: ص10.

() هدية العارفين: ج1 ص69. والذريعة إلي تصانيف الشيعة: ج22 ص6.

() انظر سير أعلام النبلاء: ج16 ص222 رقم 155. ولسان الميزان: ج4 ص238 رقم 642. وفهرست ابن النديم: ص226.

() انظر سير أعلام النبلاء: ج16 ص131 رقم88. والكني والألقاب: ج1 ص446.

() الغدير: ج3 ص399. ومعجم المطبوعات العربية: ج1 ص336. والأعلام: ج2 ص155.

() روضات الجنات: ج3 ص19 ط الحيدرية طهران 1390ه.

() أعيان الشيعة: ج1 ص191 البحث الحادي عشر في الوزراء والأمراء والقضاة ونقباء من

الشيعة.

() الشيعة وفنون الإسلام: ص113 ط4 1396ه دار المعلم للطباعة، مصر.

() ربع قرن مع العلامة الأميني: ص168. وتاريخ مدينة دمشق: ج43 ص221 رقم 5076. والأعلام: ج4 ص327.

() روضات الجنات: ج2 ص168 رقم163 ط: الحيدرية طهران 1390ه.

() أعيان الشيعة: ج4 ص7 رقم12.

() الشيعة وفنون الإسلام: ص173.

() هدية العارفين: ج1 ص248. وشهداء الفضيلة: ص31.

() شهداء الفضيلة: ص31.

() رجال النجاشي: ص87 رقم210. ورجال ابن داود: ص42 رقم114. نقد الرجال: ج1 ص150 رقم 301/126.

() الشيعة وفنون الإسلام: ص117.

() البداية والنهاية لابن كثير: ج12 ص20 ط: دار إحياء التراث العربي بيروت 1408ه

() ربع قرن مع العلامة الأميني: ص161.

() معجم البلدان: ج3 ص104. والأنساب: ج3 ص106.

() بحار الأنوار: ج1 ص8.

() خاتمة المستدرك: ج2 ص264.

() أمل الآمل: ج2 ص288 رقم 860.

() شهداء الفضيلة: ص37. ومستدرك سفينة البحار: ج8 ص117. سنن النبي صلي الله عليه و اله: ص28 رقم32.

() أمل الآمل: ج2 ص87 رقم230.

() خاتمة المستدرك: ج2 ص264.

() الأعلام: ج3 ص104. وشهداء الفضيلة: ص40. وتفسير جوامع الجامع: ج1 ص13 رقم41.

() شهداء الفضيلة: ص40، سير أعلام النبلاء: ج16 ص454. أمل الآمل: ج2 ص95 رقم262.

() شهداء الفضيلة: ص45. وأمل الآمل: ج2 ص216 رقم650. معجم رجال الحديث: ج14 ص304 رقم9362.

() شهداء الفضيلة: ص48. فهرست منتجب الدين: ص384.

() أي أصول الدين وأصول الفقه.

() شهداء الفضيلة: ص80. وسنن النبي صلي الله عليه و اله: ص24 رقم18. وأمل الآمل: ج1 ص181 رقم188.

() شهداء الفضيلة: ص132. وسنن النبي صلي الله عليه و اله: ص24 رقم19. وأمل الآمل: ج1 ص85 رقم81.

() روضات الجنات: ج4 ص230 رقم387.

() شهداء الفضيلة: ص168.

() خاتمة المستدرك: ج2 ص269. والذريعة: ج2 ص329. والأعلام: ج4 ص136.

() شهداء الفضيلة: ص171. وخاتمة المستدرك: ج2 ص271. وأمل الآمل: ج2 ص336 رقم1037.

()

شهداء الفضيلة: ص206. وأمل الآمل: ج1 ص129 رقم138.

() شهداء الفضيلة: ص215. وخاتمة المستدرك: ج2 ص54 رقم2.

() شهداء الفضيلة: ص275.

() شهداء الفضيلة: ص286. وطرائف المقال: ج1 ص83 رقم266. وروضات الجنات: ج4 ص198 رقم377.

() شهداء الفضيلة: ص350.

() شهداء الفضيلة: ص354. ومستدرك سفينة البحار: ج5 ص271.

() بحار الأنوار: ج72 ص38 ب35 ضمن ح36.

() بحار الأنوار: ج72 ص38 ب35 ضمن ح36.

() الزق: السقاء، وجمع القلة أزقاق، والكثير زقاق، مثل ذئب وذؤبان، والزق من الاُهبُب: كل وعاء اتخذ لشراب أو نحوه، (لسان العرب): ج10 ص143 مادة زقق.

() الكافي: ج1 ص27 كتاب العقل والجهل ح29. وفيه: (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس).

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.