مواهب الغدير

اشارة

اسم الكتاب: مواهب الغدير

المؤلف: حسيني شيرازي، صادق

الموضوع: امام علي(ع)

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: سلسله

مكان الطبع: قم

تاريخ الطبع: رمضان 1427 ه ق

الطبعة: دوم

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدّمة

لقد اقتضت الرحمة الإلهية ومنذ أن وجد المجتمع البشري أن لا يُحرم من نبيّ أو واسطة للوحي الإلهي وهكذا ستستمرّ مسيرة البشر حتي آخر حياة له علي وجه البسيطة لئلا تخلو الأرض من حجّة لله أبداً. قال الراوي: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام، قلت: تخلو الأرض من حجّة الله؟ قال:

لَوْ خَلَتْ الأرْضُ طَرْفَةَ عَيْنٍ مِنْ حُجَّةٍ لَسَاخَتْ بأَهْلِها.

من هنا تحتّم علي نبيّ الإسلام صلي الله عليه وآله وهو النبيّ الخاتم أن يعيّن خليفةً له، إماماً ووليّاً للناس من بعده، لكي يواصل طريقه ويسير علي خطاه، حتي يرسّخ أهدافه، لتشمل البشرية أجمع.

ومن الواضح جدّاً أنّ من يخلف النبيّ صلي الله عليه وآله جدير بأن يكون مطابقاً له في فكره ونهجه، ومجسّداً له تجسيداً واقعياً في العصمة والطهارة.

وهنا يثار تساؤل: أيُعقل أن يترك الله أمر اختيار خليفة رسوله صلي الله عليه وآله للبشر أنفسهم، أم اختاره بنفسه كما اختار أنبياءه ورسله سلام الله عليهم؟

لاشكّ أنّ الشقّ الثاني هو الصحيح. فلقد جرت سنّة الله تعالي علي تعيين خلفاء صالحين وأطهار لرسله يخلفونهم حال غيابهم في أداء الوظائف والمسؤوليات الإلهية، ولم يكن نبيّ الإسلام صلي الله عليه وآله مستثنيً من هذه السنّة الإلهيّة، لذا كان لابدّ له من تعريف الأمّة بخليفته المعيّن من بعده بأمر الله تعالي لكي يستمرّ الخليفة علي ما بدأه خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وآله في هداية المجتمع ونشر الإيمان والفضيلة، ومحاربة الكفر والرذيلة. وقد تمّ ذلك فعلاً في اليوم المعيّن، وهو يوم الغدير.

لقد بدأت مرحلة الفصل حينما اجتمع

الحجيج في طريق عودتهم من بيت الله الحرام عند غدير خم، بأمر رسول الله صلي الله عليه وآله بعد أن أمره الربّ الجليل أن يبلّغ آخر ما أنزل إليه للناس، ويعرّفهم وصيّه وخليفته من بعده، ليؤكّد عليهم مدي الارتباط بين خطّ الرسالة والإمامة، وليكون بذلك قد أدّي رسالته وأتمّها علي أبلغ وجه.

روي الشيخ الصدوق بسنده عن زرارة قال: سمعت الإمام الصادق عليه السلام قال: لما خرج رسول الله صلّي الله عليه وآله إلي مكّة في حجّة الوداع … جاءه جبرئيل في الطريق فقال له: يا رسول الله، إنّ الله تعالي يقرئك السلام، وقرأ هذه الآية:

?يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ?.

فقال له رسول الله صلّي الله عليه وآله:

يَا جَبْرَئيلُ، إنَّ النَّاسَ حَدِيثُو عَهْدٍ بالإسْلامِ فَأَخْشَي أنْ يَضْطَرِبُوا وَلا يُطِيعُوا.

فعرج جبرئيل عليه السلام إلي مكانه، ونزل عليه في اليوم الثاني وكان رسول الله صلّي الله عليه وآله نازلاً بغدير، فقال له:

?يا أيّها الرسول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه?.

فقال له: يَاجَبْرَئيلُ أَخْشَي مِنْ أصْحَابي أنْ يُخَالِفُوني.

فعرج جبرئيل ونزل عليه في اليوم الثالث وكان رسول الله صلّي الله عليه وآله بموضع يقال له غدير خم وقال له:

?يا أيّها الرسول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ?.

فلما سمع رسول الله هذه المقالة قال للناس:

أَنيخُوا نَاقَتِي فَوَ اللهِ مَا أَبْرَحُ مِنْ هَذَا المَكَانِ حَتّي أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبّي.

وأمَر أن يُنصب له منبرٌ من أقتاب الإبل وصعدها وأخرج معه عليّاً عليه السلام وقام قائماً وخطب خطبة بليغة وعظ فيها وزجر ثم قال في آخر كلامه: أيُّها النَّاسُ ألَسْتُ أوْلَي بِكُمْ مِنْكُم؟

فقالوا: بلي يا رسول

الله.

ثم قال: قُمْ يَا عَلِيُّ. فقام علي سلام الله عليه فأخذه بيده فرفعها حتي رئي بياض إبطيهما، ثم قال:

ألاَ مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذَا عَليٌّ مَولاهُ، اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَاداهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ.

ثم نزل من المنبر وجاء أصحابه إلي أمير المؤمنين عليه السلام وهنّأوه بالولاية، وأوّل من قال له عمر بن الخطاب فقال له: يا عليّ أصبحت مولاي ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة. ونزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية:

?الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً?.

وتفرّق الحجيج بعد ذلك كلٌّ صوب مدينته ليبلّغوا ذويهم والناس آخر رسالة سماوية نزلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله تنبئ عن آخر وأهمّ فريضة تجسّدت في تنصيب الله تعالي عليّاً خليفة لرسوله صلي الله عليه وآله.

والغدير ليس حادثة مجرّدة أو منفصلة، بل هي كما يراها آية الله العظمي السيد صادق الشيرازي دام ظله ثقافة متّصلة ومتواصلة منذ العام العاشر الهجري وحتي يومنا هذا، بل لظهور قائم آل محمد عجل الله تعالي فرجه الشريف.

كما يري سماحته في الغدير مرآةً صافيةً تعكس عصارة المثل الأخلاقية والسياسية والاجتماعية، ولوحة مشرقة المعالم والزوايا تعبّر عن المنهج الإسلامي الصحيح لتغلق الباب بوجه أي تسلّط واستعباد للشعوب.

من هذا المنطلق يوجّه سماحته المؤمنين، وخاصّة القائمين بشؤون الثقافة الإسلامية، أن لا يقصّروا في نشر ثقافة الغدير، مؤكّداً مسؤوليتهم في الترويج لمفاهيم الغدير وتعاليمه.

قسم التحقيق

من كنت مولاه فهذا علي عليه السلام مولاه صدق رسول الله صلي الله عليه و اله

القسم الأول عظمة الغدير عند الله تعالي

القسم الأول عظمة الغدير عند الله تعالي

1. إكمال الدين وإتمام النعمة

2. مفهوم الأعياد الدينية

3. عيد الله الأكبر

4. مواهب الله والعيش الرغد

5. السموّ المعنوي وتضاعف الدرجات

بسم الله الرحمن الرحيم

(1) إكمال الدين وإتمام النعمة

لقد أنزل الله تعالي في يوم الغدير:

?اليَوْمَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسْلامَ ديناً?.

وقال رسولُ الله صلي الله عليه وآله عن هذا اليوم:

وهو اليومُ الذي أكملَ اللهُ فيه الدينَ وأتمَّ علَي أمّتِي فيه النعمةَ ورَضِي لهُم الإسلامَ ديناً …

وهذا معناه أنّه بإعلان ولاية أمير المؤمنين عليّ سلام الله عليه كفريضة من الله تعالي علي المسلمين، يكون قد كمُل الإسلام، وبه تمّت نعمُه تعالي علي الخلق. ومنه يمكن أن نستخلص أنّ الغدير:

أوّلاً: آخر الفرائض

روي عن الإمام أبي جعفر محمّد الباقر سلام الله عليه أنّه قال:

آخِرُ فريضةٍ أنزلها اللهُ الولايةَ ?اليَومَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسْلامَ ديناً? فلم يَنزِلْ من الفرائضِ شيءٌ بعدها حتَّي قَبَضَ اللهُ رسولَهُ صلَّي الله عليه وآله.

وروي عن الإمام الباقر سلام الله عليه أيضاً قوله:

وكانت الفرائضُ يَنزلُ منها شيءٌ بعد شيء، تَنزلُ الفريضةُ ثم تنزلُ الفريضةُ الأخري وكانتِ الولايةُ آخِرَ الفرائضِ فأنزلَ اللهُ عزّ وجلّ: ?اليَوْمَ أكْمَلْتُ … ? يقولُ اللهُ عزّ وجلّ: لا أُنزِلُ عليكُمْ بعدَ هذهِ الفريضةِ فريضةً، قد أكملتُ لكُمْ هذهِ الفرائض.

لقد أوحي الله عزّ وجلّ بالأحكام والواجبات الواحدة تلو الأخري حتي ختمها بالولاية، فأنزل هذه الآية ?اليَوْمَ أكمَلتُ … ? ليعلن أن لا فريضة بعدها. فبعد نزولها وتنصيب أمير المؤمنين سلام الله عليه خليفة لرسول الله صلي الله عليه وآله أدرك الناسُ مرادَ الله تعالي من الآية الكريمة: ?أطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ? وعلموا أنّ عليهم بعد رسول الله صلي الله عليه وآله أن يطيعوا أمير المؤمنين سلام

الله عليه. فكانت فريضة الولاية آخر فريضة أنزلها الله تعالي علي نبيّه صلي الله عليه وآله.

ثانياً: تمام النعم

ممّا يثير الانتباه في هذه الآية الكريمة أنّ الله تعالي قد ربط إتمام نعمته علي الخلق بموضوع الولاية، أي كما أنّ كمال الدين يتحقّق بالولاية لمحمد وآل محمد عليهم الصلاة والسلام، كذلك فإنّ بها تمام النعمة علي المسلمين.

والمقصود بالنعمة في الآية جميع النعم، ظاهرها وباطنها كالعدل والمساواة والاتّحاد والأخوّة والعلم والأخلاق والطمأنينة النفسية والروحية والحرّية، وبعبارة موجزة جميع أنواع العطايا.

لذا، فقول أولئك الذين سعوا إلي تفسير النعمة في الآية بالشريعة وبالنعم المعنوية فحسب، محلّ تأمّل ونظر، لأنّ الآية المذكورة لم تتطرّق لمسألة أصل النعمة، بل سياقها يدور حول إتمام النعمة، أي جمع أنواع النعم، فأينما ورد ذكر إتمام النعمة في القرآن الكريم كان المراد منها كلّ النعم التي يصيبها الإنسان في الدنيا، ومن هنا نستطيع معرفة علاقة مباشرة بين ولاية أمير المؤمنين علي سلام الله عليه والتمتّع بالنعم الدنيوية المشروعة، وذلك لمحورية الولاية العلوية باعتبارها أحد الشروط المهمّة والرئيسية للوصول بنا إلي مجتمع قائم علي أساس الحرية والعدالة والقيم والفضائل الأخلاقية والإنسانية؛ لذا يحتمّ الواجب أن نسلّم لما بلّغ به رسول الله صلي الله عليه وآله في يوم الغدير، وأن نقبل عملياً بولاية أمير المؤمنين سلام الله عليه.

بعبارة أخري: إنّ الأخذ بولاية أمير المؤمنين سلام الله عليه التي أنزلها الله تعالي وفرضها علي المسلمين في يوم الغدير، له أثر تكوينيّ يوجب سبوغ البركات والخيرات علي الناس من الأرض والسماء. قال الله تبارك وتعالي في كتابه العزيز:

?وَلَوْ أنَّهُمْ أقَامُوا التَوْراةَ وَالإنْجيلَ وَما أُنزِلَ إلَيهِمْ مِنْ رَبّهِمْ لأكَلوا مِنْ فَوقِهِمْ وَمِنْ تحْتِ أرجُلِهِم?.

ثالثاً: سبيل الله الأوحد

لو أردنا أن نفهم الغدير

في عبارة موجزة لأمكننا القول:

إنّ الغدير هو الوعاء الذي تجتمع فيه جميع تضحيات الرسول الكريم صلي الله عليه وآله، وهو مخزن الأحكام والآداب التي أوحي الله تعالي بها إلي رسوله الأمين، والإشارة إلي هذه الحقيقة ومدي توقّف البعثة الخاتميّة عليه تجسّد في قوله جلّ وعلا:

?يا أيُّها الرَّسولُ بَلِّغ ما أنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لم تفعَل فما بَلَّغتَ رِسالَتَه?.

والغدير روضة الفضائل والأخلاق والمكارم والمحاسن، بل هو المكارم بعينها، والتطوّر الحضاري والمعنوي كلّه يدين له بذلك؛ لاعتباره أهمّ عامل في حفظ كيان الدين والملّة، ويعدّ إنكاره بمثابة إنكار لجميع القيم الإسلامية السامية.

فالغدير بجوهره وروحه يعني مدرسة أمير المؤمنين سلام الله عليه التي تصلح لإسعاد البشر جميعاً. فأمير المؤمنين سلام الله عليه هو بعد الرسول صلي الله عليه وآله أعظم آيات الله عزّ وجلّ، ولا تضاهيه آية، ولذلك يقول الإمام الصادق سلام الله عليه عن الذي تخيّل أنه يبلغ معرفة الله عن غير طريق أمير المؤمنين فَلْيُشَرِّقْ وَلْيُغَرِّبْ، أي لن يبلغ غايته ولو يمّم وجهه شرقاً وغرباً.

إنّه لمن تعاسة الإنسان وسوء حظّه أن يطلب العلم والمعرفة من غير طريق محمّد وعلي وآلهما سلام الله عليهم. ومهما كان العلم المستحصل من غيرهم فلا قيمة له، لأنه مفرّغ من القيم الأخلاقية والمعنوية، وبعيد عن روح الشريعة. وكلّ خطّ لا ينتهي إلي الغدير فهو ردّ علي الدين والردّ عليه ردّ علي الله ورسوله صلّي الله عليه وآله وأهل بيت رسوله سلام الله عليهم، لأنّ كلّ القيم والفضائل ومكارم الأخلاق تختزل في الغدير وتنبع منه.

رابعاً: مظهر القيم

وقد يطرح التساؤل الآتي: كيف يكون إحياء الغدير عند الله تعالي وفي الملأ الأعلي؟

نقول في الجواب: الحقّ أنّ العقل عاجز عن الخوض في غمار هذه

البحوث، ويظلّ كلّ ما يفهمه الآخرون سوي المعصومين سلام الله عليهم قاصراً أمام فهم عظمة الغدير في السماوات، ومن ثم فإنّه يكفينا أن نفهم ما وردنا في عظمة الغدير عن أئمّتنا المعصومين وما تناله عقولنا من أنّ إحياء الغدير يعتبر إحياءً للعدالة وحسن السياسة والتدبير في معاش الناس وأمنهم، وطرداً للجور واللامساواة والإجحاف.

فعندما يكون أمير المؤمنين سلام الله عليه هو المولي بمقتضي الغدير وغيره، فهذا معناه أن يعيش الناس كلّهم في أمان واطمئنان، ولا يوجد جائع أو محروم، ولا ضلال أو انحراف بهذه الصورة ويكون أدني الناس حالاً متساوياً أمام القضاء مع أعلاهم منزلة، بل حتّي مع الحاكمين أنفسهم، وما تراه من حالات الخير والإحسان وإن كثرت إن هي إلا قطرة في بحر مواهب الإمام سلام الله عليه.

إنّ خطّ الله تعالي والصراط المستقيم ممتدٌ في طول ولاية الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه وذلك لتسود الفضائل في المجتمع.

فيوم الغدير في الحقيقة هو روح جميع الأيام، وإحياؤه إحياء لعيد الفطر والأضحي والجمعة بل كلّ الأعياد. ففي الغدير استمرار العدل والإنصاف، وكلّ القيم التي خلق الله من أجلها الإنسان وبعث إليه الأنبياء والرسل.

(2) مفهوم الأعياد الدينية

إنّه لا يُسمّي أيّ يومٍ عيداً ما لم يسمّ من قبل الشرع نفسه، مهما كان ذلك اليوم عظيماً أو وردت فيه أعمال أو أذكار خاصّة.

فهناك أيّام عظيمة في الإسلام، مثل يوم البعثة الشريفة، أو ميلاد سيد الكائنات وكذا أيام مواليد سائر المعصومين سلام الله عليهم، أو يوم عرفة أو غير ذلك، ولكنّ الشرع لم يسمّ أيّاً منها عيداً، كذلك وردت في الروايات في باب النيروز بعض الأدعية والأذكار والأعمال، لكنّها لا تعدو كونها نوعاً من المراسم والمناسك الدينية، ولم يرد

إطلاق تعبير «العيد» علي هذا اليوم أبداً.

أمّا يوم الغدير فقد عُبّر عنه في لسان الأحاديث والروايات الشريفة بأنّه عيد، كما أطلق ذلك علي عيدي الفطر والأضحي ويوم الجمعة، بل تمّت الإشارة إليه بصيغة أفعل التفضيل مثل:

«أفْضَلُ الأعْياد» و «عيدُ الله الأكبرُ».

وروي أنّ الإمام الصادق سلام الله عليه قال لبعض أصحابه:

«لعَلَّك تَرَي أنَّ اللهَ عزَّ وَجَلَّ خَلَقَ يَوماً أعْظَمَ حُرمَةً مِنْه؟ لا واللهِ، لا واللهِ، لا والله».

من هنا يتّضح أنّ هذا اليوم العظيم لا يعدّ ضمن أيّام مثل يوم دحو الأرض والنصف من رجب، والنيروز، بل هو أعظم.

قال الشيخ عباس القمّي رحمه الله عن يوم عرفة: وهو عيد من الأعياد العظيمة وإن لم يُسَمّ عيداً.

ويبعد أن يكون هذا الموضوع من اجتهادات الشيخ القمّي؛ لأنّ أسلوبه ومنهجه غير هذا، فمن المحتمل أنّه أخذ مثل ذلك عن بعض السابقين وإن لم يذكره.

إنّه يكفي أن يرد التعبير عن عرفة بالعيد في رواية واحدة، حتي نطلق عليه من باب التسامح لفظة العيد؛ لأنّ موارد من هذا القبيل، لا تحتاج الي السند بناءً علي المشهور. أمّا إذا لم يكن عندنا رواية في ذلك، فلا وجه لتسمية هذا اليوم بالعيد.

إنّ الملاك للأسماء والحقائق الشرعية هي الأدلّة الشرعية؛ فالطريق الوحيد لتسمية يوم ما عيداً إسلامياً هو أن يكون مصدر هذه التسمية القرآن الكريم أو السنّة المطهرة.

ولهذا لا نجد وجهاً لتسمية يوم عرفة بالعيد من دون التوفّر علي دليل شرعيّ، مهما كان هذا اليوم شريفاً وعظيماً.

وهكذا الحال بالنسبة ليوم النيروز، فإنّه لم يرد التعبير عنه في الروايات بالعيد، ولا يخفي أنّه وردت في خصوص النيروز روايات متخالفة.

بعد التتبّع في تلك الروايات رجّح العلاّمة المجلسي رحمه الله، وتبعه العلماء الذين جاءوا بعده، الروايات المؤيّدة، ولكنه

طرح في بحث مفصّل له في البحار تساؤلاً مفاده: من أين لنا أن نعلم أنّ النيروز الذي ورد فيه استحباب الصوم والغسل، ورويت له صلاة خاصّة، هو هذا النيروز المعهود (أي ابتداء الربيع ووقت تحوّل الشمس إلي برج الحمل)؟

ولم يكن ملوك آل بويه والحمدانيون وعدّة ملوك آخرين، من الذين كانوا يحتفلون بالنيروز، متّفقين في تحديده، فكان هناك النيروز المعتضدي نسبة إلي المعتضد وهو أحد حكّام بني العباس واسمه أحمد بن طلحة، ولقبه المعتضد بالله والنيروز الجلالي والنيروز السلطاني.

لعلّ الأقوال في أنّ النيروز هو أيّ يوم من أيّام السنة خمسة أو ستّة، وقد حدث التبديل في تعيينه مرّات كثيرة، وإن استقرّ الرأي أخيراً في السنين الأخيرة علي اعتباره أوّل أيام فصل الربيع، ولهذا قام كثير من الفقهاء بتحقيقات في تعيين زمان النيروز بمناسبة أحكام الصوم والصلاة فيه، كما توقّف كثير منهم في ذلك أيضاً.

والجدير بالذكر أنّه لا يمكن في حال الشكّ في تحديده، التمسّك بأصالة عدم النقل، خلافاً لعيد الغدير فإنّه يمكن التمسّك فيه ولهذا نقول: كان الثامن عشر من ذي الحجّة منذ البداية يوم الغدير، أما بالنسبة للنيروز فلم يكن الأمر كذلك بل إن التبدّل في تعيينه في القرون الماضية قطعيّ، لثبوت نقل هذه المناسبة فلا يبقي مجال للأصل المذكور.

في التحقيق الذي قام به العلاّمة المجلسي رحمه الله في البحار، طرح فكرة احتمال انطباق النيروز من كلّ عام مع عيد الغدير أي كونه في الثامن عشر من ذي الحجّة أيضاً، فقد روي أنّ الثامن عشر من ذي الحجّة من السنة العاشرة للهجرة (الذي نصّب فيه النبيّ صلي الله عليه وآله عليّاً سلام الله عليه خليفة له) صادف يوم النيروز. وإذا كان الأمر كذلك فلا مسوّغ

لمحاسبة النيروز الإسلامي علي أساس الأشهر الشمسية.

وعلي كلٍّ الغرض من هذا الكلام هو أن نعلم أنّ النصوص الدينية لم تسمّ النيروز عيداً، ولكنّ الأمر يختلف بالنسبة للغدير، فقد عُبّر عنه في النصوص الإسلامية بالعيد، بل أعظم الأعياد.

(3) عيد الله الأكبر

طبقاً للروايات الإسلامية فإنّ عيد الغدير هو أفضل الأعياد الإسلامية وأعظمها حرمة، بل هو عيد الله الأكبر.

• روي عن الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله أنّه قال:

يومُ غديرِ خمّ أفضلُ أعيادِ أمّتِي وهو اليومُ الذي أمرني اللهُ تعالي ذكره فيه بنَصْب أخي عليٍّ بن أبي طالبٍ علَماً لأُمّتِي يَهتدون به مِنْ بَعْدي وهو اليومُ الذي أكملَ اللهُ فيه الدِّينَ وأتمّ علَي أمّتِي فيهِ النِّعمَة ورَضِيَ لهُم الإسلام ديناً …

وفي الصحيح عن الإمام الصادق سلام الله عليه:

ويومُ غديرِ خمٍّ أفضلُ الأعياد.

• وعن عبدالرحمن بن سالم عن أبيه قال: سألت أباعبدالله عليه السلام: هل للمسلمين عيدٌ غيرُ يوم الجمعة والأضحي والفطر؟ قال:

نَعَمْ، أعْظَمُها حُرْمَةً.

قلت: وأيّ عيد هو، جُعلت فداك؟ قال:

اليومُ الذي نصّبَ فيه رسولُ الله (صلي الله عليه وآله) أميرَ المؤمنين (عليهُ السلام) وقال: مَنْ كُنتُ مَوْلاهُ فَعليٌّ مَوْلاه.

قلت: وأيّ يوم هو؟ قال: يوم ثمانيةَ عَشَرَ مِنْ ذي الحجّة.

• وروي عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال:

صِيامُ يومِ غدِيرِ خُمٍّ يعدِلُ صِيامَ عُمرِ الدنيا، لو عاش إنسانٌ ثمّ صام ما عمرتِ الدنيا لكان له ثواب ذلِك وصِيامه يعدِل عِند اللهِ عزّ وجلّ فِي كلّ عامٍ مِائة حجَّةٍ ومِائة عُمْرَةٍ مبروراتٍ مُتقبَّلاتٍ، وهو عِيدُ اللهِ الأكبرُ وما بعث الله عزَّوجلَّ نبِيّاً قطُّ إِلاّ وتعيَّد فِي هذا اليومِ وعرف حرمته. واسمه فِي السماءِ يوم العهدِ المعهودِ، وفِي الأرضِ يوم المِيثاقِ المأخوذِ والجمعِ المشهودِ.

فعيد الغدير إذاً ليس يوم أمير المؤمنين وحده، بل

هو يوم الرسول الكريم صلي الله عليه وآله أيضاً، بل يحقّ القول بأنّه يوم الله تعالي، لأنّ مراد الرسول الكريم صلي الله عليه وآله وأمير المؤمنين

سلام الله عليه في طول إرادة الله تعالي.

(4) مواهب الله والعيش الرغد

لقد امتاز الغدير بجملة من الخصائص البارزة ومنها:

1. أن فيه الإعلان عن مواهب الله تعالي للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه.

2. أنّ فيه يتحقّق العيش الرغد.

أوّلاً: الغدير ومواهب الله تعالي

هناك زيارة مأثورة للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه في يوم الغدير زاره بها الإمام الهادي سلام الله عليه ورواها الأكابر من علمائنا عن اثنين من النوّاب الأربعة للإمام الحجّة عجّل الله تعالي فرجه الشريف، وهما: عثمان بن سعيد (النائب الأول) والحسين بن روح (النائب الثالث)؛ وكلاهما من أصحاب الإمام الحسن العسكري سلام الله عليه، نقلا هذه الزيارة عنه، عن أبيه الإمام الهادي. عندما جلبوا الإمام الهادي سلام الله عليه من المدينة إلي سامرّاء وكان معه ابنه الإمام الحسن العسكري سلام الله عليه حينما مرّا علي النجف الأشرف، فوقفا علي قبر جدّهما أمير المؤمنين وقد أدّيا الزيارة معاً بلسان الإمام الهادي صلوات الله وسلامه عليهم.

تزخر هذه الزيارة الشريفة بمضامين ومفاهيم قلّما توجد في الزيارات الأخري المأثورة عن أئمة أهل البيت سلام الله عليهم، ولذلك ينبغي للزائر أن يتوقّف عند هذه الزيارة ويتأمّل في عباراتها؛ خصوصاً تلك العبارة التي يخاطب عليه السلام فيها جدّه أمير المؤمنين سلام الله عليه بقوله:

لقَد رَفَعَ اللهُ في الأولي مَنزِلَتَك، وَأعلي في الآخِرَةِ دَرَجَتَك، وَبَصَّرَكَ ما عَمِيَ عَلي مَنْ خالَفَك، وَحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَواهِبِ الله لَك.

أي صار مانعاً وحائلاً بينك يا أمير المؤمنين وبين مواهب الله لك. فما هي تلك المواهب التي حيل بينها وبين تطبيق الإمام لها في

الأمّة؟ أحيل بينه وبين علمه، أم عصمته، أم مقامه وإمامته، أم درجاته عند الله تعالي؟ كلاّ، فكلّ هذه ثابتة له.

لقد حيل بين الإمام سلام الله عليه وبين مواهبة الإلهيّة، أي منعوه من تطبيق ما وهبه الله تعالي له في إدارة شؤون الأمّة. وهذه الحيلولة قد أضرّت بالمسلمين أنفسهم.

فلو لم يُقْصَ سلام الله عليه وسُمح له بأن يحكم الأمّة مباشرة بعد النبيّ صلي الله عليه وآله لكانت حكومته امتداداً كاملاً ودقيقاً لحكومة النبي صلي الله عليه وآله، بفارق واحد فقط وهو أنه ليس بنبيّ كما أخبر بذلك النبي صلي الله عليه وآله نفسه.

وهذا معناه أنّ كلّ حالات الخير والعدل التي كانت ستقام منذ ذلك اليوم كان نفعها يعود للأمّة؛ وتك هي مواهب الله تعالي التي وهبها كلّها للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه.

ثانياً: الغدير والعيش الرغد

قال الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه:

وَلَو أنّ الأمَّة منذ قَبَضَ اللهُ نَبِيَّه اتّبعُوني وأطاعُوني لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِم ومِن تحتِ أرجُلِهِم رَغَداً الي يَومِ القِيامة.

فلفظة «الرغد» تشير إلي الكيف ولفظة «إلي يوم القيامة» تشير إلي كمّ السعادة التي كانت الأمّة ستنعم به فيما لو تحقّق الغدير.

فالرغد في اللغة: هو المعيشة التي لا ضنك فيها وليس معها ما يعكرها، فلا مرض ولا فقر ولا جهل ولا حروب ولا نزاع ولا قلق ولا مشكلات ولا حبس ولا ويلات. هذا ما يتضمّنه معني الرغد.

فمعني الحديث أنّ الإمام لو كان يحكم في الأمّة بعد النبي، وكان يتحقّق الغدير لأكل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغداً إلي يوم القيامة، ولما وُجد اليوم هذه الظواهر من المساوئ من أمراض وويلات وإراقة الدماء ظلماً والفقر والمنازعات والقطيعات بين الأرحام وغيرهم. فهذا هو مفهوم الرغد.

فهل تبيّن لماذا كان

الغدير أعظم الأعياد في الإسلام؟ إنّ المفاهيم التي ينطوي عليها الغدير بحمله لجميع جوانب التشريع الإسلامي لا تتوفر حتي في عيدي الفطر والأضحي وغيرهما من أعياد الإسلام. فقارنوا بين كلّ الأعياد الإسلامية ومنها الجمعة وبين عيد الغدير وانظروا ألا يؤيّدنا العقل في كونه أعظم الأعياد؟ مضافاً الي النقل.

إذاً لم يعد يخفي علينا معني قول الإمام الصادق سلام الله عليه:

يَومُ غَديرِ خُمٍّ … هو عيدُ الله الأكبرُ.

(5) السموّ المعنوي وتضاعف الدرجات

أوّلاً: الدرجات الرفيعة

روي عن الإمام الرضا سلام الله عليه أنه قال:

«لو عرفَ الناسُ فضل هذا اليومِ بحقيقتهِ لصافحَتْهُمُ الملائكةُ في كلِّ يومٍ عشْرَ مرّاتٍ».

يقول الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: «إنّا لأُمَراءُ الْكَلام»

وهذا يعني أنّهم سلام الله عليهم يختارون كلماتهم بدقّة ولا يطلقونها جزافاً، فينبغي الوقوف عند كلّ كلمة وحرف من كلامهم.

وإذا تأمّلنا في هذه الرواية عند قول الإمام الصادق سلام الله عليه: «لَو عَرفَ النَّاسُ» ورجعنا إلي قواعد اللغة العربية واستعمال «لو» فيها لأدركنا معني هذا الكلام فإنّ «لو» حرف امتناع، وهو يستعمل في الموارد المستحيلة، وهذا يعني أنّ معرفة الناس فضل هذا اليوم حقّ المعرفة أشبه بالمستحيل بل هو مستحيل لعامّة الناس، فالمقصود بالمعرفة هنا المعرفة الحقّة الكاملة وليس المعرفة حسب السعة للأفراد، قال سبحانه وتعالي:

?أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا?.

وهذا التعبير في شأن وعظمة يوم الغدير تعبير قلّ نظيره؛ إذ لم يرد في موضع آخر أيّ رواية تشير إلي مصافحة الملائكة للعباد.

إنّ المصافحة تعبير عن الاحترام والتقدير وإظهار للمحبّة والميل؛ ومن جهة أخري فإنّ الملائكة ليسوا كبني آدم، فهم لا يتصرّفون بمحبّة مع كلّ أحد هكذا اعتباطاً؛ وذلك لأنّ ملاكاتهم إلهية، ومن ثمّ فهم لا يعصون الله أبداً. يقول الله تعالي في وصفهم: ?لا يَعْصُونَ

اللهَ مَا أَمَرَهُمْ?.

وكما أنّ الأنبياء والرسل والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين يد الولاية لمن لا يحبّون الله ولا يحبّهم الله تعالي فكذلك الملائكة لا يصافحون أحداً اعتباطاً، وهذا يعني أنّ من يصافحه الملائكة يكون قد بلغ درجة رفيعة من المعرفة.

ولكي ندرك الدرجة التي بلغها العارف بفضل يوم الغدير، لابدّ من التمعّن في هذه الرواية؛ فإنّ الملائكة لو بجّلت شخصاً مرّة واحدة في الشهر بل في السنة، فهذا يعني الشيء الكثير، فكيف إذا صافحته في اليوم عشر مرّات!

إنّ بعض الناس قد لا يزور أقرباءه وأصدقاءه حتي ولو مرّة واحدة في السنة، فإذا كانت علاقتنا قوية بمن نزوره فربما زرناه في الشهر مرّة، أو إذا زادت علاقتنا زرناه في الأسبوع مرّة، وربّما زرنا بعض الأشخاص المقرّبين الودودين الينا في اليوم مرّة وصافحناهم. فإذا كان الشخص خليلاً أميناً وحافظاً لسرّنا، فربما لقيناه في اليوم الواحد عشر مرّات وأظهرنا له ما نكنّ من حبّ وعلقة.

هنالك رواية تقول إنّ أرواح الأنبياء تزور محبّي آل محمّد صلي الله عليه وآله وأنّه تصافحهم الملائكة، ولكن هناك فرق كبير بين الروايتين، لأنّ مصافحة الملائكة وفي كلّ يوم عشر مرّات قضية استثنائية تماماً.

وهذا يعني أنّ معرفة فضل يوم الغدير بالنحو الكامل أعلي بكثير من سعة إدراكنا، ويكون معني الحديث: لو فرضنا أنّ أحداً عرف قدر يوم الله الغدير كما هو في الواقع لصافحته الملائكة كلّ يوم عشر مرّات.

ولبيان عظمة منزلة العارف بقدر وعظمه الغدير نقول: لو أنّ العارف لفضل يوم الغدير حقّاً قد عمّر 83 سنة ولنفرض أنّه بلغ هذه المعرفة وهو في العشرين من عمره، فإنّ الملائكة كانت تصافحه كلّ يوم عشر مرّات خلال 63 سنة أي أنّها صافحته حوالي 229550 مرّة،

وهذا يدلّ علي عظمة ورفعة مكانة هذا الشخص، وأعظم بها من منزلة.

وهذا معناه أنّ الملائكة تصافح العارف بفضل هذا اليوم ضعف عدد الصلوات اليومية. فلو عمّر مثل هذا الإنسان مئة عام فإنّ لكلّ يوم من أيّام عمره مثل هذا التوفيق، بأن تصافحه فيه الملائكة، ومهما تكن آثار هذه المصافحة وبركاتها المعنوية فهي عظيمة بلا شكّ.

ثانياً: تضاعف الأجر والثواب

• لقد تحدّث الإمام السجّاد سلام الله عليه عن رحمة الله تعالي في شهر رمضان المبارك وليلة العيد فقال:

«إن لله عزّ وجلّ في كلّ ليلةٍ من شهر رمضانَ عندَ الإفطار سبعين ألف ألف عتيقٍ من النار، كلٌّ قدِ استوجَبَ النارَ، فإذا كان آخرَ ليلةٍ

من شهرِ رمضانَ أعتقَ فيها ما أعتَق في جميعِه».

ولكن لنستمع إلي ما رُوي عن الإمام الرضا سلام الله عليه بشأن يوم الغدير، حيث قال:

«ويُعتَقُ في يومِ الغديرِ منَ النارِ ضِعْفَ ما أُعتِقَ في شهرِ رمضانَ وليلةِ القدرِ وليلةِ الفطر».

وهذا الأمر يدلّ علي المكانة الرفيعة للغدير عند الله تعالي.

• وروي الشيخ الطوسي في التهذيب، عن الإمام الرضا سلام الله عليه، عن آبائه سلام الله عليهم عن أمير المؤمنين سلام الله عليه قال:

«الدِّرْهَمُ فيهِ أي في عيد الغدير بِألفِ ألفِ دِرْهَم».

ولو وضعنا هذه الرواية إلي جانب الرواية التي تقول: «الدَّالُّ عَلَي الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ»، فسنحصل علي نتيجة مهمّة وهي أنّ الإنسان المؤمن وإن لم يكن قادراً علي التصدّق في يوم الغدير، فإنّه يستطيع الحصول علي ذلك الأجر من خلال دعوته الآخرين وحثّهم للقيام بهذا العمل بأيّ نحو كان، ولا شكّ أنّ إعطاء هذا الثواب لا يُنقص من كرم الله تعالي:

«لاَ تَزيدُهُ كَثرةُ العَطاءِ إلاّ جوداً وكرَماً».

الجدير بالذكر أنّ كلّ الروايات التي نقلناها عن الغدير والمثوبات الإلهية العظيمة فيه

كانت تتعلّق بأداء «عمل» خاص فيه بنحو ما، إلا هذه الرواية فإنّ الثواب الإلهيّ المذكور فيها ليس سببه أداء عمل خاصّ بل إنّه أجر وعطاء علي «معرفة» عظمة وفضل ذلك اليوم.

إنّ فهم هذه الرواية ليس بالأمر الهيّن، ومن المناسب أن يبحث العلماء والفضلاء في هذا الباب كثيراً وأن يضعوا ما يتوصّلون إليه بين يدي طلاّب معارف أهل البيت عليهم السلام.

استحباب الصوم في يوم الغدير

من المعلوم أنّه يحرم الصوم في عيدي الفطر والأضحي، ولكنه يستحبّ في الجمعة الذي يُعدّ ثالث الأعياد الإسلامية ويكره في أيام مثل عاشوراء، أما في عيد الغدير فقد وردت بخصوصه عبارة يظهر أنها لم تستعمل في غيره وهي:

«وذَلكَ يَومُ صيامٍ وَقيامٍ وإطعامِ الطَّعَام».

بحث فقهي

طبقاً لهذه الرواية يظهر أنّ الصيام وإطعام الطعام كليهما مستحبّان في يوم الغدير، وكما نعلم فإنّه يكره للمضيف (أي من يطعم الطعام) أن يكون صائماً، ومن ثم يبدو أنّ هناك تزاحماً بين صيام هذا اليوم والإطعام فيه.

من جهة أخري يستحبّ للضيوف أن يكونوا صائمين في هذا اليوم، وههنا سيحصل تزاحم أيضاً بين استحباب الصيام وبين استحباب إجابة دعوة المؤمن الذي عمل باستحباب إطعام الطعام في هذا اليوم (إلا أن نقول لا بأس بنقض الصوم بالاستجابة لدعوة المؤمن).

ولا يمكن حلّ المسألة بأن يصوم الإنسان في نهار يوم الغدير ويطعم الطعام عند الإفطار ودخول الليل، وذلك لأن لليوم إطلاقين أحدهما النهار والليل معاً أي ما مجموعه 24 ساعة، أو أكثر من ذلك كاليوم الأوّل من شهر رمضان الذي يبدأ برؤية الهلال، أو مضاعفة دية القتل التي تبدأ في اليوم الأول من رجب الذي يجري الحكم عليه من غروب اليوم السابق، أما الإطلاق الآخر لليوم فهو النهار كما يقال يستحبّ صيام يوم

الغدير، ومن ثمّ فإطلاق يوم الغدير علي الوقت من طلوع الفجر حتي غروب الشمس صحيح، أمّا إطلاقه علي أكثر من ذلك فخلاف الظاهر. ويمكن أن يقال إنّ حلّ التعارض هو بأن يصوم الشخص ولكن يعطي المال لغيره كي يقوم بالإطعام نيابة عنه، ولكن هذا خارج عن محلّ البحث أيضاً لأن الكلام في أن يباشر المؤمن الإطعام بنفسه. ويعود الجواب النهائي لهذه المسألة برأينا إلي باب التزاحم، فصيام يوم الغدير وإطعام الطعام فيه فضيلتان لا يمكن الجمع بينهما وعلي المكلّف أن يختار أحدهما، أمّا أيّهما الأفضل ليختاره فلذلك بحث آخر لا يسع المجال له هنا.

من كنت مولاه فهذا علي عليه السلام مولاع صدق رسول الله صلي الله عليه و اله

القسم الثاني معالم مدرسة الغدير

القسم الثاني معالم مدرسة الغدير

1. إقامة أحكام الله تعالي

2. العدل والإنصاف

3. الرحمة والإنسانية

4. إرساء دعائم الحرّية

5. دروس في التعامل مع المعارضين

(1) إقامة أحكام الله تعالي

إنّ الغدير يعني نهج الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه الذي لا يختلف عن نهج رسول الله صلي الله عليه وآله. بعبارة أخري: إنّ أمير المؤمنين سلام الله عليه وحده الذي لو لم يُقصَ لأقام كتاب الله كلّه.

إنّ لهذه الكلمة مفهوماً رفيعاً، ينبغي الالتفات إليه، وإلا فإنّ الجميع يعملون بقسم من القرآن. فلقد وبّخ الله تعالي اليهود لأنهم كانوا يقولون: ?نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ?.

إنّ المهمّ هو العمل بالقرآن كلّه والإيمان بكلّ ما جاء فيه، وإلاّ فإنّك تجد كثيراً من الأعمال التي يؤدّيها الناس تنطبق مع القرآن الكريم، فمثلاً: يقول الله تعالي: ?وأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ? والناس كلّهم يتعاملون بالبيع، وهكذا الإجارة والزواج والطلاق. بيد أنّ التطبيق الكامل لأحكام القرآن بعد النبيّ صلي الله عليه وآله خاصّ بأمير المؤمنين سلام الله عليه، وثمّة يتحقّق قول الله تعالي:

?لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ?.

إنّ من يعمل ببعض أحكام الله دون بعض هو كالشخص الذي يملك بعض الأجهزة الجسمية ولا يملك بعضها الآخر، فمثلاً يملك كلّ الأجهزة دون جزء من الكبد أو غياب لواحدة من الرئتين بل يمكن للإنسان أن يواصل العيش حتي مع وجود المرض والفساد في بعض أجهزته، ولكن هل يستوي هو ومن يتمتّع بصحّة كاملة؟

لاحظوا ما حدث في صدر الإسلام وانظروا من الذي غصب مقام أمير المؤمنين سلام الله عليه؟ وما هو النهج الذي طبّقه في الحكم بدلاً من النهج الذي يقترض أن يكون مواكباً لنهج رسول الله صلي الله عليه وآله وكيف كانت سيرته؟

أجل لو سنحت الفرصة للإمام لكي يحكم بعد رحيل النبي صلي الله عليهما وآلهما مباشرة لانتفع

الناس من كلّ النعم الماديّة والمعنوية علي أفضل وجه.

وما يزيد من الأسي أنّ القوم لم يدَعوا الإمام سلام الله عليه خلال المدّة القصيرة التي عادت إليه الخلافة الظاهرية، بدءاً من الجَمَل فصفّين والنهروان، ومع هذا كلّه ورغم قصر الفترة التي حكم فيها الإمام سلام الله عليه فإنّ التاريخ يطالعنا بمواقف وقضايا في سيرته سلام الله عليه لم يصل إليها العالم حتي يومنا هذا. ومنها بعض النماذج التي نذكرها:

(2) العدل والإنصاف

إنّ مبادئ مدرسة الغدير واسعة وعميقة لدرجة أنّه لا يستطيع أحد الإحاطة بكنهها جميعها، باستثناء قبسات من إشعاع أنوارها.

واحدة من تلكم القبسات تلخّصها العبارة الموجزة والبليغة للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه في قوله:

واللهِ لوْ أُعْطِيتُ الأقاليمَ السَّبْعَةَ بما تَحْتَ أفلاكها عَلَي أنْ أعصِي اللهَ في نملةٍ أسلُبُها جِلْبَ شعيرةٍ مَا فَعَلْتُ.

النقطة البالغة الأهمية التي تتضمّنها هذه العبارة أنّ الإمام سلام الله عليه قد استخدم كلمة «لو» وهي كما أسلفنا حرف شرط يدلّ علي امتناع لامتناع، أي امتناع الجواب لامتناع الشرط، كما يقول الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم:

?لَوْ كانَ فيهما آلِهَةٌ إلاّ اللهُ لَفَسَدَتا?

أي لو كان في الأرض والسماء آلهة غير الله عزّ وجلّ لانفرط عقد الكون، ومادام الأمر ليس كذلك فالسماوات والأرض باقيتان علي حالهما ممسكتان ففيه دلالة علي أن ليس فيهما آلهة إلا الله. بمعني أنّ حرف (لو) يدلّ سلفاً علي أن ما بعده من الشرط غير ممكن.

وهكذا نحو قولنا: لو كان لي جناحان لطرت بهما، فانتفاء طيراني يكون لعدم امتلاكي جناحين. ف (لو) ابتداءً يدلّ علي انتفاء ما دخل عليه.

من هنا، يكون معني قوله سلام الله عليه (والله لو أعطيت …): إنّ عصياني لله تعالي في ظلم نملة بهذا المقدار القليل لا يمكن

تحقّقه وإن أعطيت مقابله الأقاليم السبعة. أي أنّي غير مستعدّ للفوز بملك الأقاليم السبعة في مقابل معصية الله ولو في سلب قوت نملة واحدة، وهذا المعني يؤشّر عليه حرف الشرط (لو).

ونقطة ثانية مهمّة في العبارة المذكورة، هي استخدام كلمة «جِلب شعيرة»، وهي القشرة الرقيقة التي تغلف حبّة الشعير. ولو كان يوجد ما هو أقلّ شأناً من جِلب شعيرة لمثّل به الإمام سلام الله عليه.

وبذلك فالإمام سلام الله عليه قد أقام الحجّة علي جميع الحكّام وولاة الأمر، واضعاً إيّاهم أمام مسؤولياتهم الخطيرة، لاسيّما أولئك الحكّام الذين لا يتورّعون عن ارتكاب أي جريمة، فتراهم يبيدون الحرث والنسل، ويزهقون الآلاف من الأرواح الزكية البريئة من أجل شبر من الأرض أو حفنة من الأموال أو بلوغ المناصب من أجل التمتّع بحطام الدنيا الزائل.

فإنّ سلب الإنسان لنملة جِلب شعيرة يعدّ معصية حسب منهاج الغدير، فما بالك بقتل الأفراد بالظنّة والشبهة!

أمّا في النقطة المقابلة، نجد المنطق الأمويّ والعباسيّ الذي كان يعاقب الأفراد بتهمة حبّهم لعلي سلام الله عليه، ويضطهد الخصوم الفكريّين لأدني شبهة، أسوة بمن سبقهم من الحكّام، حيث كانوا يخنقون أصوات المعارضين لأتفه الأسباب.

فمثلاً أرسل أبو بكر جيشاً بقيادة خالد بن الوليد للإجهاز علي معارضيه، وقد أدّي خالد المهمّة بوحشية وبشاعة بإهراقه دماء فريق من المسلمين في حروب سمّيت بحروب الردّة، علماً أنّ معظم الذين سفكت دماؤهم من قبل خالد وجيشه كانوا من المسلمين الأبرياء، ولم تكن تهمة الارتداد سوي ذريعة.

بل إنّ الأساليب التّي اتّبعها خالد في حربه ضدّهم كانت مخالفة تماماً لنهج الرسول الكريم صلي الله عليه وآله وتعاليم الإسلام، حيث تلخّصت أساليب خالد في قتل المسلمين: بقذفهم من المرتفعات، وحرقهم وهم أحياء، والتمثيل بهم، وقطع أوصالهم، وإلقائهم في

الآبار، ونزوه علي محارمهم، كما فعل بزوجة مالك بن نويرة في حين كان الرسول الكريم صلي الله عليه وآله ينهي عن المثلة حتي بالكلب العقور، كان الإمام أمير المؤمنين علي سلام الله عليه يوصي أهل بيته محذراً إيّاهم من التمثيل بقاتله، بقوله: فإنّي سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول:

إيَّاكُم وَالمُثلَة وَلَوْ بالْكَلب الْعَقُور.

• القسمة بالسويّة

كان أمير المؤمنين سلام الله عليه يقسّم أموال الجزية والخراج بين المسلمين بالسويّة ولا يؤخّرها مقتدياً في ذلك برسول الله صلي الله عليه وآله، فلم يكن سلام الله عليه يحتفظ بالأموال في بيت المال بل كان يقسّمها بين الناس مباشرة فور وصولها، أمّا عمر فكان يجمع الأموال لمدّة سنة كاملة في بيت المال ثم يقوم بتقسيمها بعد ذلك، يقول المؤرّخون: وإن عمر كان يجمع الأموال من سنة إلي سنة ثم يقسّم.

قال الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه:

كان خَليلي رَسولُ الله صلَّي اللهُ عليه وآلِه لا يحبِسُ شيئاً لِغَدٍ، وكان أبُو بَكرٍ يَفعَلُ، وقَد رَأي عمَرُ في ذلك أن دَوَّن الدواوينَ وأخَّرَ المالَ مِن سَنةٍ إلي سَنة …

كان أمير المؤمنين سلام الله عليه يري أنّ هذه الأموال هي ملك الأمّة كلّها وبالتالي فهي ليست ملك الحاكم، فيجب أن يصل إلي المسلمين دون إبطاء.

وهذه مسألة لمّا يبلغها العالم اليوم رغم كلّ التطوّر الحاصل.

لقد وضع هذا القانون وسنّه رسول الله صلي الله عليه وآله ونفّذه، ثم طبّقه أمير المؤمنين سلام الله عليه من بعده. فقد كانت الأموال التي تصل الي بيت المال توزّع علي المسلمين دون استثناء وبالسويّة، ومن غير تأخير.

وحيث إنّ المال الذي يصل الي بيت المال من الصدقات والزكوات وسواها هو مال الله تعالي ويتعلّق بجميع عباده، من الفقراء والمساكين

وأبناء السبيل وغيرهم وجب أن يكون مصرفه منحصراً بهم. أجل، لقد جعل الله تعالي أموال الصدقات والزكاة لذوي العوز كما قال تعالي:

?إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِين?.

كما كان أمير المؤمنين سلام الله عليه يقسّم أموال الغنائم بين الجميع بالسويّة، فمثلاً كان يعطي كلّ شخص من الرعيّة ثلاثة دنانير وكان هو يأخذ نفس المقدار أيضاً مع أنّه رئيس الدولة، وكان يعطي خادمه قنبر نفس المقدار.

فهذا هو معني الغدير، وهذا بعض من معاني «لَو عرَفَ الناسُ فَضْلَ هذَا اليَومِ بِحَقيقَته …».

ولو ألقينا نظرة علي أسلوب الحكّام الغاصبين للحكم، لوجدنا كيف أنهم اتّخذوا مال الله دخلاً. فقد ذكر المؤرّخون أنّه عندما جيء بخُمس أفريقيا إلي عثمان بن عفّان وكان يبلغ ألف ألف دينار أعطاه كلّه إلي مروان بن الحكم، وحرم منه سائر المسلمين. فاعترض الصحابيّ الجليل أبو ذر علي الأمر، فنفاه عثمان إلي الربذة التي عاني فيها الغربة والجوع حتي استشهد فيها أخيراً مظلوماً غريباً محروماً.

ولمّا اعترض عمّار بن ياسر وهو الصحابيّ الجليل الآخر، علي سياستهم ضربوه حتي سقط مريضاً.

فهذا بعض الفرق بين منهج الغدير وأسلوب الآخرين في الحكم.

إنّ الإسلام هو النبع الصافي الذي فجّره النبي صلي الله عليه وآله وأجري ماءه العذب، فصادره آخرون ولوّثوه بسموم النفاق والشقاق، وعندما جاء الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه إلي سدّة الحكم، جاهد ليطهّر ذلك النبع من تلك السموم؛ ليهنأ الذين ينهلون من مائه العذب من نبع الإسلام الصافي.

وإلي هذا كانت تشير السيدة الزهراء سلام الله عليها في خطبتها في نساء المدينة اللواتي قدمن لعيادتها؛ عندما قالت:

«وَيْحَهُم أنّي زَحْزَحُوها عَن رَواسِي الرِّسَالَة …

… ثمَّ احْتَلِبُوا طِلاعَ القَعْبِ دَماً عَبيطاً».

أجل، لقد حرّف القوم الطريق، وكلّ ما شهده التاريخ الإسلامي ونشهده اليوم من مآسٍ

ومحن ومصاعب ومشاكل إنما هو ثمرة تلك الفتنة الكبري التي أعقبت رحيل النبي صلي الله عليه وآله.

(3) الرحمة والإنسانية

حقيقة أخري من حقائق الغدير يمكن أن تتجلّي لنا من خلال الوقوف علي الجانب الإنساني من شخصية الإمام علي وأبنائه المعصومين الذين نصّبهم رسول الله صلي الله عليه وآله لخلافته من بعده، فقد تجلّت فيهم الرحمة الإلهية علي الخلق فكانوا يمثّلون بحقٍّ التجسيدَ الحيَّ لأسماء الله الحسني وصفاته العظمي.

نذكر فيما يلي أمثلة علي هذا الجانب من مدرسة الغدير:

• الإيثار علي النفس والأهل

فمن شفقَة أمير المؤمنين سلام الله عليه علي الخلق أنّه بذل طعامه للأسير واليتيم والمسكين وبات جائعاً هو وزوجته الزهراء وولداه الحسن والحسين سلام الله عليهم ثلاثة أيام متواليات، فقد أورد السيوطي والفخر الرازي والقرطبي والآلوسي والواحدي والخوارزمي والحسكاني والزمخشري وغيرهم عن ابن عباس: أنّ الحسن والحسين سلام الله عليهما مرضا فعادهما رسول الله صلي الله عليه وآله في ناس معه فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرتَ علي ولدك. فنذر عليّ وفاطمة وفضّة جارية لهما إن برئا ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيام. فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاث أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص علي عددهم. فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صياماً. فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فأثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك.

فلما أصبحوا أخذ عليّ عليه السلام بيد الحسن والحسين وأقبلوا الي رسول الله صلي الله عليه وآله، فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من

شدّة الجوع قال: ما أشدّ ما يسوءني ما أري بكم! فقام وانطلق معهم فرأي فاطمة عليها السلام في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها. فساءه ذلك فنزل جبرئيل عليه السلام وقال: خذها يا محمّد، هنّأك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة، أي سورة هل أتي، وفيه قوله تعالي:

?إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً • عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجيراً • يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً • وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَي حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً • إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً?.

فقد أجمع أهل التفسير والحديث من الخاصة، وتواترت عن غيرهم أن هذه الآيات الشريفة نزلت في حقّ عليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بمناسبة صيامهم ثلاثة أيّام وتصدّقهم في تلك الليالي علي المسكين واليتيم والأسير.

• التعامل الإنساني مع الأسير

وعلي فراش الشهادة أوصي الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه بإطعام قاتله ابن ملجم لعنه الله، وأن لا يُبخس حقّه في المأكل والمشرب، والمكان والملبس المناسبين، بل حتي كان يطالبهم بأن يعفوا عنه حيث قال لهم:

إنْ أعْفُ فالعفْوُ لي قُرْبَةٌ وهو لكُمْ حَسَنَةٌ.

وأوصاهم بأن يحسنوا التعامل معه، فقال سلام الله عليه:

أطيبُوا طَعَامَهُ وَألينُوا فِراشَهُ، فإن أعش فأنَا وَليُّ دَمي، فإمَّا عَفَوْتُ وإمَّا اقْتصَصْتُ، وإنْ أمُتْ فَأَلْحقُوه بي، وَلا تَعْتَدُوا إنَّ اللهَ لا يُحِبّ المُعْتَدِين.

وفي رواية أخري:

أطْعِموه مِنْ طعامي، وَاسْقُوهُ مِنْ شَرابي، فَإنْ أنَا عِشْتُ فَأنَا أَوْلَي بِحَقِّي، وإنْ مِتُّ فَاضْرِبُوهُ ضربة ولا تَزِيدُوه عليها.

• عدم اكتناز الحاكم للثروات

يروي المؤرّخون أنّه بعد استشهاد الإمام علي سلام الله عليه خطب الإمام الحسن سلام الله عليه الناس فقال:

لقَدْ فارَقَكُمْ أمْسِ رجلٌ ما سبقَه الأوّلون، ولا يُدْرِكُه الآخِرُون

في حِلْمٍ ولا عِلْمٍ، وما ترَكَ منْ صَفْراءَ ولا بَيْضاءَ، ولا ديناراً، ولا دِرْهماً، ولا عَبْداً، ولا أَمَةً، إلاّ سبْعَمِائَةَ دِرهَمٍ فَضُلَتْ مِنْ عَطائِه أرادَ أن يَبْتاعَ بها خادِماً لأهْلِه.

أما عثمان بن عفان فقد بلغت أمواله بعد مقتله (150) ألف دينار وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه بوادي القري وحنين وغيرهما (200) ألف دينار، وخلّف إبلاً وخيلاً كثيرة.

أجل لقد روي أنّ أمير المؤمنين سلام الله عليه استشهد وهو مدين وقد أدّي ابنه ديونه من بعده. وهذا يدلّ دلالة واضحة علي أنّ الإمام لم يترك شيئاً. ويشهد التاريخ أنّ الإمام كلّما حفر بئراً أو عمّر أرضاً أوقفها مباشرة.

• بساطة العيش

فلو قارنّا بين منهج أمير المؤمنين سلام الله عليه ومناهج كلّ الحكّام عبر التاريخ ما خلا الأنبياء ومن سار علي نهجهم لبان لنا البون الشاسع بين المنهجين، وانكشفت عظمة علي سلام الله عليه وأهداف الغدير؛ قال عليه السلام:

ألا وإنّ إمامَكُم قدِ اكْتَفَي مِنْ دُنياهُ بِطِمْرَيْهِ ومِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْه.

يقال: يوزن الرئيس أو الحاكم في بعض الدول في عالمنا المعاصر قبل وصوله للحكم وبعده لئلاّ يكون قد زاد وزنه خلال مدّة رئاسته وحكومته، لكن أين يمكن أن تجد مسؤولاً يرحل عن الدنيا وهو مدين؟

إنّ الإمام لم يكن ليقترض المال لنفسه ولمصاريفه الشخصية. فإذا كان غذاء الإمام سلام الله عليه حتي أيّام حكومته الظاهرية يتكوّن من خبز شعير يابس لم يكن غيره يستطيع كسره بسهولة وحليب يشمّ الحاضرون رائحة حموضته، فلا شكّ أنّ المال الذي كان يقترضه لم يكن لنفسه بل لخدمة المسلمين وتأمين معاش فقرائهم.

وهذا يعني أنّ علي رئيس المسلمين أن يخدمهم ويؤمّن احتياجهم ولا سيّما اليتامي والأرامل والبؤساء والمعدمين منهم، وإن اضطرّ للقرض من أجل ذلك.

فتعظيم يوم الغدير تعظيم

لهذه القيم والفضائل وجعل هذه التعاليم الأصيلة هي المحور والأساس. إنّ إحياء الغدير إحياء لهذه القيم، والتي منها أنّ علي والي المسلمين أن يعمل كلّ ما من شأنه أن يحقّق راحة رعيّته ولو بالقرض وما أشبه.

• مواساة الناس

قال الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه:

«إنَّ اللهَ فرَضَ علَي أئِمَّة العَدلِ أنْ يقَدِّروا أنفُسَهُم بضَعَفَة النَّاس».

روي أصحاب السير، قالوا: كان النبي صلي الله عليه وآله إذا رأي فاطمة سلام الله عليها فرح بها. فانطلق بعض أصحابه إلي باب بيتها فوجد بين يديها شعيراً وهي تطحن فيه وتقول: ?وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقي?. فسلّم عليها وأخبرها بخبر النبيّ صلي الله عليه وآله وبكائه. فنهضت والتفّت بشملة لها خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل. فلمّا خرجت نظر سلمان الفارسيّ إلي الشملة وبكي وقال: واحزناه! إنّ بنات قيصر وكسري لفي السندس والحرير وابنة محمّد صلي الله عليه وآله عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً. فلما دخلت فاطمة علي النبيّ صلي الله عليه وآله قالت: يا رسول الله إنّ سلمان تعجّب من لباسي، فو الذي بعثك بالحقّ ما لي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلف عليها بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإنّ مرفقتنا لمن أدمٍ حشوها ليفٌ. فقال النبي صلي الله عليه وآله:

يا سلمان إنّ ابنتي لفي الخيل السوابق …

أجل، لقد كانت السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها ترتدي عباءة مرقّعة اثنتي عشرة رقعة. وهذا المطلب يمكن كتابته في سطر واحد فقط، ولكنّه يحمل عالماً من المعاني والمضامين.

فمثل هذا لا تجده حتي عند أزهد الزهّاد في العالم، فلم نسمع في التاريخ أبداً أنّ حاكماً أو ملكاً يحكم دولاً وتلبس ابنته ألبسة

مرقّعة.

ولم تكن فاطمة الزهراء سلام الله عليها امرأة عادية حتي من الناحية الظاهرية (الدنيوية)، فأبوها كان الحاكم الأعلي في بلاده، وزوجها كان الوزير الأوّل له، ولكنها سلام الله عليها كانت محبّة لله ومطيعة له إلي هذه الدرجة. فقلّما تجد أو قد لا تجد حتي في أوساط العوائل الفقيرة أن امرأة تلبس ثوباً أو رداءً مرقّعاً باثنتي عشرة رقعة، ولو وُجدت فإنها تحبّ أن تمتلك عباءة جديدة تلبسها ولكنّها لا تستطيع، أمّا الزهراء سلام الله عليها فكانت تستطيع ولكنها لم تفعل.

ولم يكن الإمام سلام الله عليه يرضي لنفسه أن يضع حجراً علي حجر، ولم يسكن قصراً فارها، بل تحمّل كلّ المصاعب والآلام لئلا يكون هناك فرد في أقصي نقاط دولته يتبيّغ بفقره لا يجد حتي وجبة غذاء واحدة تسدّ رمقه، وهو القائل:

وَلَعَلَّ بالحِجَاز أوِ اليَمامةِ مَنْ لا طَمَعَ لَه في القُرْصِ، ولا عَهد لَهُ بالشَّبع.

فإنّه لمجرّد أن يحتمل الإمام وجود أفراد في المناطق النائية من رقعة حكومته جائعين، لم يكن ينام ليلته ممتلئ البطن، وقد حرم نفسه حتي من متوسّط الطعام واللباس والمسكن ولوازم الحياة العادية.

ولذا، فحتي أعداؤه هؤلاء الذين أنكروا عليه مناقبه كلّها لم تكن لهم أيّ حجّة تُدينه.

وقد كان من هدف الإمام أيضاً تذكير حكّام المسلمين بمسؤولياتهم تجاه آلام الناس وفقرهم في ظلّ حكوماتهم، وضرورة إقامة العدل والتعاطف مع آلامهم ومحنهم والسعي بجدّ من أجل تأمين الرفاهية والعيش الكريم لهم.

فمجرّد احتمال وجود جياع في أبعد نقاط الحكومة الإسلامية يعتبر في ميزان الإمام سلام الله عليه مسؤولية ذات تبعات، لذا فهو سلام الله عليه كأنه يريد أن يؤكّد علي الحكّام ضرورة أن يجعلوا مستوي عيشهم بنفس مستوي عيش أولئك، وأن يشاركوهم شظف العيش.

فهكذا كان آل

البيت سلام الله عليهم يحتاطون لئلاّ يفقدوا مواساتهم لأبسط الناس حالاً ومعاشاً.

وهنا تتجلّي عظمة الغدير أكثر فأكثر، وتسطع أنوار القيم والتعاليم السامية، تلك القيم التي تؤمّن التوازن السليم بين المتطلّبات المادية والمعنوية للبشر، لتحقّق السعادة للجميع أفراداً وجماعات، حكّاماً ومحكومين.

روي أنّ رجلاً قدم الكوفة فسأل عن دار أمير المؤمنين سلام الله عليه، فلما لقي الإمام سلام الله عليه سأله عن أثاث داره، فقال له: «لقد أرسلناها إلي دارنا الأخري». وعندما خرج سأل عن الدار الأخري لأمير المؤمنين فقيل له: لا نعرف داراً غيرها. فعندها عرف أنّ الإمام قصد بالأخري دار الآخرة.

(4) إرساء دعائم الحرّية

الكلام كثير والروايات عديدة في هذا المقام؛ ولو وُفّق أحد الباحثين في جمعها لألّف منها موسوعة وليس كتاباً واحداً، ولكن أُشير هنا إلي بعضها ليتبيّن لنا أننا إذا كنّا نشهد اليوم بعض الحرّية في العالم فإنّ الفضل في ذلك يعود لأمير المؤمنين سلام الله عليه، لأنّه وبعد أن غُيّبت بُعَيد السقيفة هو الذي وضع أساسها وأرسي دعائمها، بعد رسول الله صلي الله عليه وآله. ويكون بذلك كلّ من نال منها شيئاً فهو مدين به لأمير المؤمنين سلام الله عليه.

وإذا كان في بلاد الغرب أو أيّ مكان آخر بعض الحرّية، فهي أيضاً في أساسها مدينة للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، مع فارق أنّ الحرّية الغربية خاطئة ومبتلاة بالإفراط والتفريط في حين إنّ الحرّية التي طبّقها الإمام سلام الله عليه حرّية صحيحة ومعتدلة لا إفراط فيها ولا تفريط.

لنطالع الرواية التالية ثم نقارن مبادئ الحرّية عند الإمام سلام الله عليه مع ما هو الموجود من الحريّات في الدول التي ترفع شعار الحرّية لنري أيّهما أصدق وأبلغ؟

بعد مرور 25 سنة من الغصب والظلم وكبت الحريات، والتي كان

من صورها أنّه حتي تدوين الحديث بل روايته كان ممنوعاً يعاقَب مرتكبه بالضرب والحبس، وفي ظلّ أوضاع كهذه حيث الحرّية مغيَّبة إلي هذا الحدّ والمشاكل تحيط بالأمّة من كلّ جهة تسنّم الإمام سلام الله عليه زمام الحكم، فكيف تصرّف مع الناس، وما هي حدود الحريات التي سمح بها لهم، سواءً في عاصمته الكوفة، حيث اختلاف المذاهب والمشارب والأعراق والأذواق، أو في البصرة بعدما تمرّدت بعض الطوائف ضدّه في حرب الجمل بقيادة عائشة وطلحة والزبير، أو مع غيرهم من المارقين والقاسطين كالخوارج بقيادة ذي الثدية، وأهل الشام بقيادة معاوية؟

عندما حلّ شهر رمضان المبارك في السنة الأولي من حكومة الإمام نهي صلوات الله وسلامه عليه أن تصلّي النافلة في ليالي شهر رمضان المبارك جماعةً وأوصي بأن تصلَّي فرادي، كما سنّها رسول الله صلي الله عليه وآله، محتجّاً عليهم بقوله سلام الله عليه: إنه ما زال هناك من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله من يشهدون أنّه صلي الله عليه وآله جاء إلي المسجد الليلة الأولي من الشهر الكريم يريد أداء النافلة فاصطفَّ المسلمون للصلاة خلفه فنهاهم وقال: هذه الصلاة لا تؤدَّي جماعة ثم ذهب إلي بيته للصلاة.

فمن هنا كان منطلق الإمام سلام الله عليه في نهيه وأعلن ذلك وأوصي المسلمين أن يصلّوا نوافل الليل في شهر رمضان فرادي سواء في المساجد أو في البيوت.

إلا أنّ أولئك الذين اعتادوا علي أدائها كذلك طيلة سنين لم يطيقوا منعها، فخرجوا في مظاهرات تطالب بإلغاء المنع، وكان شعارهم «واسنّة عمراه»، فماذا كان ردّ فعل الإمام سلام الله عليه؟

هل واجههم بالسلاح؟ هل اعتقلهم، أو نفي أحداً منهم؟ هل أحالهم إلي المحاكم علي أقلّ تقدير؟ كلاّ ثمّ كلاّ. فبالرغم من أنّه قال

شيئاً واستدلّ عليه وكان استدلاله محكماً بحيث لم يستطع أحد أن يشكّك فيه حتّي أولئك الذين ما برحوا يختلقون الإشكالات الباطلة ويثيرونها في وجهه، إلا أنّه سلام الله عليه لم يفعل أيَّ شيء من ذلك معهم. فلم يقمع المظاهرة ولا استعمل العنف والقوّة ضدهم، بل علي العكس من ذلك سمح لهم بممارسة ما يريدون، رغم أنّ ما وقع عليه النهي من ممارستهم تلك لم تكن حتي من الباطل المدلَّس بالحق بل كانت باطلاً واضحاً لا شكّ في بطلانها ولا شبهة، خصوصاً وأنّهم يعلمون أنّ علياً سلام الله عليه هو الإمام الحقّ، والحاكم المتنفّذ الذي يجوز له أن يُعمل ولايته ويحكم بما يراه تتميماً لأمره واستتباب حكمه كما فعل من سبقه علي رأي القوم علي أقلّ تقدير ومع ذلك قال الإمام لابنه الحسن سلام الله عليه: قل لهم صلّوا.

والآن انظروا الي تدبير الامام سلام الله عليه ونهجه في الحرّية التي يؤمن بها وقارنوا بين هذا الموقف وبين ما تدّعيه أرقي الدول التي تزعم أنّها راعية الحرّية اليوم. أجل إنّ المسؤولين في تلك الدول لا يوجهون بنادقهم للمتظاهرين كما تفعل بعض الدول المسمّاة بالإسلامية مع الأسف! ولكن غالباً ما تنتهي المظاهرات بوقوع قتلي أو جرحي واعتقال بعض وإحالتهم إلي المحاكم والسجون، مع أنّ ما يتبجّح به من حرّية المظاهرات في دول ما تسمي بالحرّية إنّما هي تجري بعد:

أ. استرخاص للمظاهرة.

ب. تعيين مكان وزمان انعقادها.

ج. تحديد الشعارات.

د. الجهة التي تتصدي للمظاهرة.

ه. لزوم كون تلك الجهة لها صبغة رسمية سلفاً، و …

فما قيمة ما وصل إليه الغرب إذا ما قيس إلي الحرّية في ظلّ حكم الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه؟

والأعجب من هذا أنّ الإمام قد منح الحرّيات للناس

في عصر كان العالم كلّه يعيش في ظلّ الاستبداد والفردية في الحكم، علماً أنّ الإمام كان رئيس أكبر حكومة لا نظير لها اليوم سواء من حيث القوّة أو العدد، لأنّه كان يحكم زهاء خمسين دولة من دول عالم اليوم!!

قد توجد اليوم في العالم حكومة تحكم ما ينيف عن المليار إنسان كالحكومة الصينية ولكنّها ليست الأقوي. وقد توجد حكومة تحكم دولة قوية كالولايات المتّحدة ولكنها لا تحكم أكبر عدد من الناس؛ أما الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه فكان يحكم أكبر رقعة من الأرض وأكبر عدد من الناس، وكانت الحكومة الإسلامية يومذاك أقوي حكومة علي وجه الأرض، وكان يكفي أن يقول للرافضين: لا، ولكنه آثر الحرّية علي الاستبداد والفردية وأعلن للبشرية عملياً أنّه ?لاَ إكرَاهَ في الدِّين?.

فلئن كان في العالم شيء من الحرّية اليوم فإنّما يعود الفضل فيه لإمامنا ومولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه.

(5) دروس في التعامل مع المعارضين

لقد كانت الحكومة الظاهرية للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه تغطّي نصف سكّان المعمورة، وحوالي خمسين دولة من دول عالم اليوم كما قلنا ومع ذلك خاطبه أحد الخوارج بالقول: «اتّق الله فإنّك ميت»، فقال له الإمام سلام الله عليه دون أن يغضب عليه:

بَل مَقْتولٌ ضَرْبَةً عَلي هَذَا يَخْضب هَذِه يعني لحْيَتَه منْ رَأسِه عَهْدٌ مَعْهودٌ وَقَضاءٌ مَقْضيٌّ …

فلو توجّه أحد اليوم بمثل هذا الخطاب لقائد عسكريّ أو مسؤول من الدرجة الثانية وليس للحاكم الأعلي في الدولة أو المسؤولين من الدرجة الأولي، فسيواجه بالعقوبة حتماً.

ومع أنّ عدم ردّ الإمام علي صلافة ذلك الخارجي قد يشجّع الآخرين أيضاً ولكنّه سلام الله عليه آثر أن يمرّ عليه مرور الكرام.

هذا في حين كان الإمام يومئذ يرأس أكبر حكومة علي وجه الأرض، ولكنه عامله بما يتلاءم

مع قول الله تعالي:

?وَإذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً?

وهو الذي قال فيه النبي صلي الله عليه وآله:

«عليٌّ مَعَ القُرآنِ وَالقُرآنُ مَعَ عَليٍّ».

يُنقل أنّ أحد حكّام بني أمية أعلن قائلاً: «ولا يأمرني أحد بتقوي الله بعد مقامي هذا إلاّ ضربت عنقه!». وهذا يدلّ علي أنّ القوم لم يكتفوا بعدم متابعة القرآن بل كانوا يعملون علي الضدّ منه تماماً.

ما هي حدود الحريات اليوم؟ في هذا العصر المسمّي بعصر الحريّات، يقوم ممثّلو الشعب في بعض الدول بالمناقشة وتقديم لوائح وقوانين تحدّد عقوبات خاصّة لمن يقوم بالتعرّض أو النقد للمسؤول الفلاني أو للحكومة، أو ما يسمّونها بعقوبات التهجّم وما أشبه.

قارنوا بين الغدير وغيره لتعرفوا حجم التفاوت بينهما.

حقّ لنا أن نتساءل: يا تري هل سينجب التاريخ حاكماً عادلاً يقتفي أثر الإمام علي سلام الله عليه الذي كان يشاطر حتي أضعف مواطني دولته؟ هنا يتوضّح جلياً مغزي قول الإمام الرضا عليه السلام:

«لو عرفَ الناسُ فضل هذا اليومِ بحقيقتهِ لصافحَتْهُمُ الملائكةُ في كلِّ يومٍ عشْرَ مرّاتٍ»

عندما آل الحكم الظاهري إلي الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه وعمل بمرّ الحقّ كما هي طبيعته ونهجه الذي يمثّل امتداداً لنهج رسول الله صلي الله عليه وآله، كان من الطبيعي أن لا يرضي بذلك الذين تضرّرت مصالحهم الدنيوية بسبب هذه السياسة، فخرجوا علي الإمام، وكان من جملتهم أولئك الذين عرفوا فيما بعد بالخوارج والذين بلغ بهم الحال أن تجرّأ أحدهم في أحد الأيام بسبّ الإمام سلام الله عليه في الملأ العام، فهمّ الحاضرون لمواجهته، فمنعهم الإمام وقال:

«سَبٌّ بسَبٍّ أوْ عَفْوٌ عَن ذَنبٍ».

هذا مع أنّه الذي قال في حقّه النبي صلي الله عليه وآله:

«حُبُّهُ إيمانٌ وبُغضُهُ كُفرٌ».

ولم يلجأ الإمام سلام الله عليه حتي إلي ما قرّره القرآن من

حقّ لكلّ مسلم بلا استثناء في قوله تعالي:

?فَمَنِ اعْتَدَي عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَليْهِ بمِثْلِ مَا اعْتَدَي عَلَيْكُم?.

بل عمل بالمرتبة الأعلي من التعامل القرآني الوارد في قوله تعالي:

?وَأنْ تَعْفُوا أقْرَبُ لِلتَّقْوَي?.

كان الإمام سلام الله عليه يري طريقين أمامه؛ المقابلة بالمثل أو العفو، ولكنه اختار الطريق الثاني، وتجاوز عن المسيء إليه، ليتجلّي الحق بكلّ وجوده، ويذلّ الباطل ويزهق، ومن هنا كان سلام الله عليه ميزان الأعمال، والفاروق الذي به يعرف الحق ويتميّز عن الباطل. ولذا نقرأ في زيارته عليه السلام:

«السَّلامُ علَي مِيزانِ الأعْمال».

ولهذا أيضاً يجب علينا أن نقيس ونزن كلّ أعمالنا بالقرب منه صلوات الله وسلامه عليه.

ما قلناه هو واحدٌ من آلاف الموارد المشابهة التي حدثت في عهد حكومة الإمام أمير المؤمنين، ولو طَبّق هذا الجانب من نهج الغدير في الحكم إلي يومنا هذا، ومن قِبل جميع الحاكمين، لما سمعنا بأن أحداً سُجن بسبب رأيه أو قول قاله في الحاكم أو ما أشبه.

ومن الواضح لو أنّ الإمام سلام الله عليه حكم طيلة الثلاثين سنة التي أعقبت رحيل النبي صلي الله عليه وآله مباشرة ولم يفرض عليه معارضوه أن يكون جليس داره، لتربّي الناس علي يديه سلام الله عليه بهذه المعايير، ولوصل العالم ببركة الغدير الي منزلة عظيمة ولانتفع الناس كلّهم من الغدير بعيداً عن النزاعات العنصرية والقومية و …

الغدير ومثيرو الحرب

لم يبادر الإمام أيّام خلافته بأيّة حرب ابتداء، بل كانت كُلّ حروبه قد فُرضت عليه، وأوّلها حرب الجمل، والتي ما إن وضعت أوزارها وهُزم جندها حتي هرب الذين أشعلوا فتيلها واختبأوا في حجرات إحدي الدور في موضع من البصرة، فتوجّه أمير المؤمنين سلام الله عليه في كوكبة من جنوده إلي ذلك المحلّ حتي انتهي إلي الحجرة التي كانت

فيها عائشة فعاتبها أولاً قائلاً لها:

أبهَذا أمَركِ اللهُ أو عَهَدَ بهِ إلَيكِ رسولُ الله صلَّي الله عليه وآله؟

ثم أمرها بالتهيّؤ لإرجاعها إلي المدينة.

يروي أنّه سلام الله عليه قبل أن ينتهي إلي الحجرة التي كانت فيها عائشة تظاهرت نسوة المحاربين الذين خسروا المعركة وهتفن بشعارات في وجه الإمام مناديات: «هذا قاتل الأحبّة». وكذلك لما أراد الامام أن يهمّ بمغادرة المكان واصلن التظاهر والهتاف ضدّه بالشعار نفسه، حينها توقّف هنيئة ثم عاد وقال جملة واحدة فقط سكتن كلّهن علي أثرها. لقد قال لهن:

لَو قَتَلتُ الأحبّةَ لَقَتَلتُ مَن في تلكََ الدَّار!

وأومأ بيده إلي ثلاث حجر في الدار.

وتلك الحُجَر كان قد اختبأ فيها مشعلو الحرب. فبالرغم من أنّ عائشة قد ألّبت علي الإمام حتي فرضت عليه الحرب، وبالرغم من أنّها ومن خرج معها قد خسروا الحرب وانهزموا وتلبّدوا، إلا أنّ الإمام اكتفي بعتابها فقط ثم أمر بعد ذلك بإرجاعها إلي المدينة، وأمر أن لا يتمّ تعقيب قادة الجيش المعادي فضلاً عن أن يعدمهم أو يسجنهم أو ينفيهم أو يحاكمهم!

إننا لم نعهد تعاملاً من هذا القبيل في تاريخ البشر، بل لم نعهده حتي في هذا اليوم خصوصاً في تلك الدول التي ترفع شعار الحرّية وحقوق الإنسان، فتجدهم ما إن ينتصروا في معاركهم الباطلة ويقبضوا علي رؤوس الجهة المعادية حتي يسجنوهم أو يحيلوهم إلي محاكم خاصّة واصفيهم بمجرمي الحرب أو الخونة والمتآمرين وقد يعدمونهم.

نعم، لمثل هذا قلنا: لو أنّ الغدير قد حكم الأمّة طيلة الثلاثين سنّة من عمر الإمام بعد الرسول صلي الله عليه وآله، لنعمنا بظلّها إلي الآن، ولما شهدنا كلَّ هذه الويلات والمحن منذ ذلك الحين حتي يومنا هذا وإلي أن يظهر أمر الله في خلقه.

الغدير والخوارج بعد صفين

بعد

أن اضطرّ الإمام أمير المؤمنين لخوض معركة صفّين وسقط آلاف القتلي من كلا الطرفين، وبعد أن كان النصر قاب قوسين أو أدني منه سلام الله عليه، تدارك الجيش المعادي الأمر بحيلة رفع المصاحف وانطلت حيلتهم علي قسم كبير ممّن كان يحارب في ركاب أمير المؤمنين سلام الله عليه فطالبوه بوقف الحرب وهدَّدوه إن لم يفعل!! فاضطُرّ الإمام لوقف الحرب كما اضطُرَّ لخوضها وطلب من مالك الأشتر التوقّف عن التقدّم، ثم أجبروه علي قبول التحكيم ثم اعترضوا علي قبوله له بعد ذلك مطلقين شعار حقّ أرادوا به باطلاً، فقالوا: «لا حكم إلا لله». الذي كان باكورة حدوث فرقة الخوارج من داخل جيش الإمام نفسه!

ولم يكتفِ هؤلاء بمروقهم حتي تظاهروا ضدّ الإمام أيضاً، وقد رفعوا في وجهه الشعار نفسه عندما دخل المسجد وكان يوم جمعة وهو يومذاك إمام وحاكم لأكبر وأوسع وأقوي دولة علي وجه الأرض.

ومع ذلك لم يعاقبهم الإمام بل لم يسمح لقادة جيشه أن يمنعوهم ولا أحال أحداً منهم إلي القضاء أو السجن؛ مع أنّهم كانوا يعلمون بأنّ رسول الله صلي الله عليه وآله قال في حقّه:

عَليٌّ معَ الحَقِّ والحَقُّ مَع عَلِيٍّ.

وهذا معناه أنّه لم يمنع أصحاب الباطل من حرّية التعبير. فأين يمكن أن تجدوا مثل هذه الحرّية؟ هل عهدتم حرّية كهذه حتي ممّن يدّعي حرصه عليها في هذا اليوم المعروف بعصر الحريات؟!

والأعظم من هذا أنّ الإمام لم يسمّ ولم يسمح بأن يُسَمّي هؤلاء الذين خرجوا عليه وهتفوا بهذا الشعار في وجهه بالمنافقين مع أنهم كانوا أجلي مصداق لهذه المادّة، لما تواتر عن النبي صلي الله عليه وآله أنّه قال لعليّ بن أبي طالب سلام الله عليه:

لا يُحِبُّكَ إلاّ مُؤمِنٌ ولا يُبْغِضكَ إلاّ مُنافِقٌ أوْ

كافِرٌ.

نعم، فالذين خرجوا ضدَّ الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه هم المنافقون الحقيقيون، ولكن سياسة الإمام التي هي من سنخ سياسة النبي صلي الله عليه وآله تقتضي أن لا يستخدم سيف الترهيب؛ ولا يُمارس ضدّ المعارضين أسلوب السباب والشتم فضلاً عن الوصف بالنفاق.

فمن أجل إدارة الحكومة ومراعاة المصلحة الأهمّ في سياسة حال الأمَّة بما فيها المعارضون أيضاً، نهي الإمام أن يقال عنهم: إنّهم منافقون.

من كنت مولاه فهذا علي عليه السلام مولاه صدق رسول الله صلي الله عليه و اله

خاتمة

خاتمة

1. تداعيات اقصاء الغدير

2. مسؤوليتنا إزاء الغدير

(1) تداعيات إقصاء الغدير

الآن وبعدما سُلب حقّ الإمام في الخلافة وأُقصي عن الحكومة ولم يُمتثل أمر الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله في يوم الغدير، فما الذي حدث؟

أقول: بعد أن أُجبر الإمام علي الجلوس في داره مدّة 25 عاماً منذ السنة الأولي التي أُنكر فيها الغدير عملياً بعد رحيل رسول الله صلي الله عليه وآله ظهرت المشاحنات والقتل والحروب والظلم بدءاً من الظلم الذي حاق بمولاتنا السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها وإسقاطها محسناً ثم بالحروب التي وصفها القائمون عليها ب (حروب الردّة) واستمراراً بما تلاها من حروب حتي يومنا هذا، حيث قتل الملايين من البشر! كلّ ذلك بسبب إقصاء الغدير وتجاهل قول رسول الله صلي الله عليه وآله في عليّ: هَذَا وَلِيُّكُم مِنْ بَعْدِي.

هناك كما نوهّنا رواية تستدعي التأمّل وتؤيّد ما ذهبنا إليه؛ مفادها أنه لو تحقّق الغدير: لمَا اخْتَلَفَ في هَذهِ الأُمَّةِ سَيفَانِ.

أي لما تحارب اثنان. وهذه حقيقة تستدعي التأمّل.

فالحروب التي خاضها الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه إبان حكومته الظاهرية لم تكن لتقع لو استقامت الأمّة علي منهج الغدير، كما أراد الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله؛ ولكنها فُرضت علي الإمام سلام الله عليه من قِبل أولئك الذين مكّنهم الأسبقون الذين لم يرق لهم تحقّق الغدير.

فصرنا نشهد علي مرّ التاريخ حروباً ودماراً وظلماً وفساداً وهتكاً للحرمات، حتي آل الأمر إلي ما نشهد اليوم من حروب واستبداد واستعباد للناس وقتل وعنف في كل بقاع العالم تقريباً، فهذا يقتل ذاك وذاك يظلم هذا، وعمليات خطف وإبادة ودمار في كل مكان! الأمر الذي حذّرت منه مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها بقولها:

ثمَّ احْتلِبوا طِلاعَ القعْبِ دَماً عَبيطاً وزُعافاً

مُمَقَّراً. هُنالِك يخْسرُ المُبْطِلُون، ويعْرِفُ التّالُونَ غِبَّ ما أسّسَ الأوَّلُونَ، ثُمَّ طِيبُوا عَنْ أنْفُسِكمْ نفْساً، واطْمَئِنُّوا لِلفِتْنةِ جَأْشاً، وأبْشِرُوا بسَيْف صارِمٍ، وهَرَجٍ شامِلٍ، واسْتِبدادٍ مِنَ الظّالمِينَ، يَدَعُ فَيْئَكُمْ زَهِيداً، وزَرْعَكُمْ حَصِيداً. فَيَا حَسْرَتَي لَكُمْ، وأنَّي بِكُمْ وقَدْ عُمِّيَتْ عَلَيكُمْ؛ أنُلْزِمُكُمُوها وأنْتُم لَها كارِهُون.

(2) مسؤوليتنا تجاه الغدير

إنّ العالم لا يعرف معني الغدير وحقيقته بسبب إقصائه، وبعد أن حُرم الناس أن ينهلوا من مبادئه وفيض عطائه، فضلاً عن أولئك الذين لم يتعلموا من الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه وابتعدوا عن سيرته.

إذاً فما هي مسؤوليتنا نحن بعد أن أدركنا ووعينا خسارة البشرية جرّاء تغييب الغدير؟ وبتعبير آخر: كيف نُحيي الغدير؟

روي عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: رَحِمَ اللهُ عَبْداً أحْيَي أمْرَنا. فقلت له: فكيف يحيي أمركم؟ قال: يَتعَلّم عُلُومَنا وَيعَلّمُهَا النّاسَ.

فالإمام لم يحصر المسألة في الشيعة أو غيرهم من المذاهب الاسلامية فقط بل قال «الناس» أي كلّ الناس.

فعالم اليوم يجهل الغدير وتعاليم أهل البيت سلام الله عليهم بل يجهلها أكثر المسلمين مع الأسف.

ولكي نعرف طبيعة وحجم المسؤولية التي يلقيها الغدير علي عاتقنا، يجب أوّلاً أن نسأل أنفسنا، إلي أيّ مدي تعرّف العالم المعاصر علي الغدير وسبر أسراره العميقة؟ وإذا كان العالَم يجهل الغدير فمن الذي ينبغي أن يتحمّل مسؤولية إزاحة هذا الجهل؟ وما هي طبيعة المسؤولية التي ينبغي أن نضطلع بها وفق مقرّرات الغدير تجاه المجتمعات الإسلامية؟

في الحقيقة، لا يحمل الجيل الحالي عموماً تصوّراً واضحاً وصحيحاً عن الغدير، وتقع مسؤولية ذلك علي عاتقنا نحن في الدرجة الأولي، فلو أدّينا واجبنا في بيان ميثاق الغدير للناس لكان الوضع أفضل ممّا عليه الآن. علينا أن نوضّح للعالم بأنّ الغدير يعني تدفّق الحيوية في

الإسلام وإبقائه غضّاً طرياً في الوصول الي تحقيق الرفاهية وتوسيع نطاقها، والتقدم والرقي وعمران المجتمعات الإنسانية، كما يعني أيضاً التكافل الاجتماعي بين الممسكين بمقاليد الاقتصاد والمال وبين باقي أفراد المجتمع، والقضاء علي الطفيلية والعصابات. وحسب ثقافة الغدير، فإنّ المسؤولين عن الشؤون المالية هم المؤتمنون الذين بيدهم عصب الحياة المدنية، والذي تدور به عجلة المجتمع.

ويجب علينا كذلك أن نوضّح أن الغدير هو ميثاق ولاة الأمر مع الله تعالي الذي يحتّم عليهم بأن يجعلوا مستوي عيشهم بمستوي أقلّهم في المجتمع، وأن يحاكوهم في المأكل والمسكن والملبس … إلخ.

ونؤكّد مرّة أخري أنّ المسؤولية الخطيرة الملقاة علي عاتقنا إزاء الغدير، وضرورة الالتزام بها اليوم، تتطلّب نشر مفاهيم الغدير، ودعوة عموم الناس لينهلوا من هذه المائدة السماوية؛ وفي غير هذه الحالة، لا نأمل في كفّ أيدي الحكّام المستبدّين، لإنقاذ الإنسانية من هذا الوضع السيّئ والخطير، والوصول إلي ساحل الأمن والرفاهية والعدل والحرّية.

إذاً، عندما يكون الحديث عن الغدير، فإنّه في الواقع حديثٌ عن المعاني السامية التي يحملها ويستبطنها في منهاجه.

وأخيراً، ففي هذه المناسبة العظيمة ينبغي لنا أن نجدّد البيعة لأهل البيت ولاسيّما أمير المؤمنين سلام الله عليهم صاحب الغدير، وأن نعاهدهم علي الطاعة والولاء. وكذلك يجب علينا أن نسعي من خلال أقلامنا وأموالنا وأفعالنا وأقوالنا أن نعرّف الناس بتعاليم الغدير النورانية أكثر فأكثر، ليرتوي العالم المتعطّش للمعنويات من نبع هذا الغدير، صافي السلسبيل.

أسأل الله تعالي أن يوفّقنا جميعاً لأن نكون من جملة العارفين لحرمة وعظمة هذا اليوم العظيم إن شاء الله تعالي.

خطبة الغدير المباركة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ. الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي عَلاَ في تَوَحُّدِهِ وَدَنَا في تَفَرُّدِهِ وَجَلَّ في سُلْطانِهِ وَعَظُمَ في أَرْكانِهِ، وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً وَهُوَ في مَكَانِهِ، وَقَهَرَ جَميعَ الْخَلْقِ

بِقُدْرَتِهِ وَبُرْهانِهِ، مَجيداً لَمْ يَزَلْ، مَحْمُوداً لاَ يَزَالُ.

بَارِئُ الْمَسْمُوكَاتِ وَدَاحِي الْمَدْحُوَّاتِ وَجَبَّارُ الأَرَضينَ وَالسَّمَاوَاتِ، قُدُّوسٌ سُبُّوحٌ، رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ، مُتَفَضِّلٌ عَلَي جَميعِ مَنْ بَرَأَهُ، مُتَطَوِّلٌ عَلَي جَميعِ مَنْ أَنْشَأَهُ. يَلْحَظُ كُلَّ عَيْنٍ وَالْعُيونُ لاَ تَراهُ. كَريمٌ حَليمٌ ذُو أَنَاة، قَدْ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَتُهُ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِنِعْمَتِهِ. لاَ يَعْجَلُ بِانْتِقَامِهِ، وَلاَ يُبَادِرُ إلَيهِمْ بِمَا اسْتَحَقُّوا مِنْ عَذَابِهِ.

قَدْ فَهِمَ السَّرَائِرَ وَعَلِمَ الضَّمَائِرَ، وَلَمْ تَخْفَ عَلَيْهِ الْمَكْنونَاتُ وَلاَ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْخَفِيَّاتُ. لَهُ الإحَاطَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَالْغَلَبَةُ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ، وَالْقُوَّةُ في كُلِّ شَيْءٍ، وَالْقُدْرَةُ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ مِثْلَهُ شَيْءٌ. وَهُوَ مُنْشِئُ الشَيْءِ حينَ لاَ شَيْءَ. دَائِمٌ قَائِمٌ بِالْقِسْطِ، لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ. جَلَّ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطيفُ الْخَبيرُ. لاَ يَلْحَقُ أَحَدٌ وَصْفَهُ مِنْ مُعَايَنَةٍ، وَلاَ يَجِدُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ مِنْ سِرٍّ وَعَلاَنِيَةٍ إلاَّ بِمَا دَلَّ عَزَّ وَجَلَّ عَلَي نَفْسِهِ.

وَأَشْهَدُ أَنَّهُ اللّهُ الَّذي مَلأَ الدَّهْرَ قُدْسُهُ، وَالَّذي يَغْشَي الأَبَدَ نُورُهُ، وَالَّذي يُنْفِذُ أَمْرَهُ بِلاَ مُشَاوَرَةِ مُشيرٍ، وَلاَ مَعَهُ شَريكٌ في تَقْديرٍِ وَلاَ يُعَاوَنُ في تَدْبيرٍِ. صَوَّرَ مَا ابْتَدَعَ عَلَي غَيْرِ مِثَالٍ، وَخَلَقَ مَا خَلَقَ بِلاَ مَعُونَة مِنْ أَحَدٍ وَلاَ تَكَلُّفٍ وَلاَ احْتِيََالٍ. أَنْشَأَهَا فَكَانَتْ، وَبَرَأَهَا فَبَانَتْ. فَهُوَ اللهُ الَّذي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ الْمُتْقِنُ الصَّنْعَةَ، الْحَسَنُ الصَّنيعَةُ، الْعَدْلُ الَّذي لاَ يَجُورُ، وَالأَكْرَمُ الَّذي تَرْجِعُ إلَيْهِ الأُمُورُ.

وَأَشْهَدُ أَنَّهُ الَّذي تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِقُدْرَتِهِ، وَخَضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِهَيْبَتِهِ. مَلِكُ الأَمْلاَكِ وَمُفَلِّكُ الأَفلاَكِ وَمُسَخِّرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، كُلٌّ يَجْري لأَجَل مُسَمّي. يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَي النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَي اللَّيْلِ يَطْلُبُهُ حَثيثاً. قَاصِمُ كُلِّ جَبَّارٍ عَنيدٍ، وَمُهْلِكُ كُلِّ شَيْطَانٍ مَريدٍ.

لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ضِدٌّ وَلاَ نِدٌّ، أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْواً

أَحَدٌ. إلَهٌ وَاحِدٌ وَرَبٌّ مَاجِدٌ، يَشَاءُ فَيُمْضي، وَيُريدُ فَيَقْضي، وَيَعْلَمُ فَيُحْصي، وَيُميتُ وَيُحْيي، وَيُفْقِرُ ويُغنِي، وَيُضحِكُ وَيُبكي، وَيَمنعُ وَيُعْطي، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ. يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ، لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ الْعَزيزُ الْغَفَّارُ. مُجيبُ الدُّعَاءِ وَمُجْزِلُ الْعَطَاءِ، مُحْصِي الأَنْفَاسِ وَرَبُّ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، لاَ يُشْكِلُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلاَ يُضْجِرُهُ صُرَاخُ الْمُسْتَصْرِخينَ وَلاَ يُبْرِمُهُ إلْحَاحُ الْمُلِحّينَ. الْعَاصِمُ لِلصَّالِحينَ، وَالْمُوَفِّقُ لِلْمُفْلِحينَ، وَمَوْلَي الْعَالَمينَ. الَّذي اسْتَحَقَّ مِنْ كُلِّ مَنْ خَلَقَ أَنْ يَشْكُرَهُ وَيَحْمَدَهُ.

أَحْمَدُهُ عَلَي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَأُومِنُ بِهِ وَبِمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. أَسْمَعُ لأَمْرِهِ وَأُطيعُ وَأُبَادِرُ إلي كُلِّ مَا يَرْضَاهُ، وَأَسْتَسْلِمُ لِقَضَائهِ، رَغْبَةً في طَاعَتِهِ وَخَوْفاً مِنْ عُقُوبَتِهِ، لأِنَّهُ اللّهُ الَّذي لاَ يُؤْمَنُ مَكْرُهُ وَلاَ يُخَافُ جَوْرُهُ.

وأُقِرُّ لَهُ عَلَي نَفْسي بِالْعُبُودِيَّةِ وَأَشْهَدُ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَأُؤَدّي مَا أَوْحَي إليَّ حَذَراً مِنْ أَنْ لاَ أَفْعَلَ فَتَحِلَّ بي مِنْهُ قَارِعَةٌ لاَ يَدْفَعُهَا عَنّي أَحَدٌ وَإنْ عَظُمَتْ حيلَتُهُ؛ لاَ إلَهَ إلاّ هُوَ.

لأَنّهُ قَدْ أَعْلَمَنِي أَنّي إنْ لَمْ أُبَلِّغْ مَا أَنْزَلَ إلَيَّ فَمَا بَلَّغْتُ رِسَالَتَهُ، وَقَدْ ضَمِنَ لي تَبَارَكَ وَتَعَالَي العِصْمَةَ وَهُوَ اللّهُ الكَافِي الكَريمُ.

فَأَوْحَي إلَيَّ: ?بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ، يَا أَيُّهَا الرَّسولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ في عَلِيٍّ يَعْنِي فِي الْخِلافَةِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ?.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، مَا قَصَّرْتُ في تَبْليغ مَا أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَي إلَيَّ وَأَنَا مُبَيِّنٌ لَكُمْ سَبَبَ نُزولِ هَذِهِ الآيَةِ: إنَّ جَبْرَئيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هَبَطَ إليَّ مِرَاراً ثَلاَثاً يَأْمُرُني عَنِ السَّلاَمِ رَبّي وَهُوَ السَّلاَمُ أَنْ أَقُومَ في هَذَا الْمَشْهَدِ فَأُعْلِمَ كُلَّ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبي طَالِبٍ أَخي وَوَصِيّي وَخَليفَتِي وَالإمَامُ مِنْ بَعْدي، الَّذي مَحَلُّهُ مِنّي

مَحَلُّ هَارونَ مِنْ مُوسي إلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدي وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدَ اللهِ وَرَسولِهِ.

وَقَدْ أَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَي عَلَيَّ بِذَلِكَ آيَةً مِنْ كِتَابِهِ: ?إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ?، وَعَليُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ أَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَي الزَّكَاةَ وَهُوَ رَاكِعٌ يُريدُ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ في كُلِّ حَال.

وَسَأَلْتُ جَبْرَئيلَ أَنْ يَسْتَعْفِيَ لِيَ عَنْ تَبْليغِ ذلِكَ إلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ لِعِلْمي بِقِلَّةِ الْمُتَّقينَ وَكَثْرَةِ الْمُنَافِقينَ وَإدْغَالِ الآثِمينَ وَحِيَلِ الْمُسْتَهزِئينَ بِالإسْلاَمِ، الَّذينَ وَصَفَهُمُ اللهُ في كِتَابِهِ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ، وَيَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظيمٌ، وَكَثْرَةِ أَذَاهُمْ لي غَيْرَ مَرَّةٍ، حَتَّي سَمُّوني أُذُناً وَزَعَمُوا أَنّي كَذَلِكَ لِكَثْرَةِ مُلاَزَمَتِهِ إيَّايَ وَإقْبَالي عَلِيْهِ، حَتَّي أَنْزَلَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ في ذَلِكَ قُرْآناً: ?ومِنْهُمُ الَّذينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ، قُلْ أُذُنُ عَلَي الَّذينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ أُذُنٌ خَيْرٍ لَكُمْ، يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنينَ?.

وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَ بِأَسْمَائِهِمْ لَسَمَّيْتُ، وَأَنْ أُومِيَ إلَيْهِمْ بِأَعْيَانِهِمْ لأَوْمَأْتُ، وَأَنْ أَدُلَّ عَلَيْهِمْ لَدَلَلْتُ، وَلَكِنّي وَاللّهِ في أُمُورِهِمْ قَدْ تَكَرَّمْتُ.

وَكُلُّ ذلِكَ لاَ يَرْضَي اللّهُ مِنّي إلاَّ أَنْ أُبَلِّغَ مَا أَنْزَلَ إلَيَّ. ثُمَّ تَلاَ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: ?يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ في عَلِيٍّ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ?.

فَاعْلَمُوا مَعَاشِرَ النّاسِ أَنَّ اللّهَ قَدْ نَصَبَهُ لَكُمْ وَلِيّاً وَإمَاماً مُفتَرَضاً طَاعَتُهُ عَلَي الْمُهاجِرينَ وَالأَنْصَارِ وَعَلَي التَّابِعينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ، وَعَلَي الْبَادي وَالْحَاضِرِ، وَعَلَي الأَعْجَميِّ وَالْعَرَبِيِّ، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلوكِ، وَالصَّغيرِ وَالْكَبيرِ، وَعَلَي الأَبْيَضِ وَالأَسْوَدِ، وَعَلَي كُلِّ مُوَحِّدٍ. مَاضٍ حُكْمُهُ، جَازٍ قَوْلُهُ، نَافِذٌ أَمْرُهُ، مَلْعُونٌ مَنْ خَالَفَهُ، مَرْحُومٌ مَنْ تَبِعَهُ، مُؤْمِنٌ مَنْ صَدَّقَهُ، فَقَدْ غَفَرَ اللّهُ لَهُ وَلِمَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَأَطَاعَ لَهُ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّهُ آخِرُ مَقَامٍ

أَقومُهُ في هَذَا الْمَشْهَدِ، فَاسْمَعوا وَأَطيعوا وَانْقَادُوا لأَمْرِ رَبِّكُمْ، فَإنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ مَوْلاَكُمْ وَإلَهُكُمْ، ثُمَّ مِنْ دُونِهِ مُحُمَّدٌ? وَليُّكُمْ الْقَائِمُ المُْخَاطِبُ لَكُمْ، ثُمَّ مِنْ بَعْدي عَلِيٌّ وَلِيُّكُمْ وَإمَامُكُمْ بِأَمْرِ رَبِّكُمْ، ثُمَّ الإمَامَةُ في ذُرِّيَّتِي مِنْ وُلْدِهِ إلَي يَوْم تَلْقَوْنَ اللّهَ وَرَسُولَهُ.

لاَ حَلاَلَ إلاَّ مَا أَحَلَّهُ اللّهُ، وَلاَ حَرَامَ إلاَّ مَا حَرَّمَهُ اللهُ، عَرَّفَنِي الْحَلاَلَ وَالْحَرَامَ وَأَنَا أَفْضَيْتُ بِمَا عَلَّمَنِي رَبّي مِنْ كِتَابِهِ وَحَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ إلَيْهِ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، مَا مِنْ عِلْم إلاَّ وَقَدْ أَحْصَاهُ اللّهُ فِيَّ، وَكُلُّ عِلْمٍ عُلِّمْتُ فَقَدْ أَحْصَيْتُهُ في إمَامِ الْمُتَّقينَ، وَمَا مِنْ عِلْمٍ إلاَّ عَلَّمْتُهُ عَلِيّاً، وَهُوَ الإمَامُ الْمُبينُ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، لاَ تَضِلُّوا عَنْهُ وَلاَ تَنْفِرُوا مِنْهُ، وَلاَ تَسْتَنْكِفُوا مِنْ وِلاَيَتِهِ، فَهُوَ الَّذي يَهْدي إلَي الْحَقِّ وَيَعْمَلُ بِهِ، وَيُزْهِقُ الْبَاطِلَ وَيَنْهَي عَنْهُ، وَلاَ تَأْخُذُهُ فِي اللّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ. ثُمّ إنّهُ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَرَسولِهِ، وَهُوَ الَّذي فَدَي رَسُولَهُ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ الَّذي كَانَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ وَلاَ أَحَدَ يَعْبُدُ اللّهَ مَعَ رَسُولِهِ مِنَ الرِّجَالِ غَيْرُهُ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، فَضِّلُوهُ فَقَدْ فَضَّلَهُ اللّهُ، وَاقْبَلُوهُ فَقَدْ نَصَبَهُ اللّهُ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّهُ إمَامٌ مِنَ اللهِ، وَلَنْ يَتُوبَ اللّهُ عَلَي أَحَدٍ أَنْكَرَ وِلاَيَتَهُ وَلَنْ يِغْفِرَ لَهُ، حَتْماً عَلَي اللّهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ فيه وَأَنْ يُعَذِّبَهُ عَذَاباً شديداً نُكْراً أَبَدَ الآبَادِ وَدَهْرَ الدُّهُورِ. فَاحْذَرُوا أَنْ تُخَالِفُوهُ، فَتَصْلُوا نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرينَ.

أَيُّهَا النّاسُ، بي وَاللّهِ بَشَّرَ الأَوَّلُونَ مِنَ النَّبِيّينَ وَالْمُرْسَلينَ، وَأَنَا خاتِمُ الأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلينَ وَالْحُجَّةُ عَلَي جَميعِ الَْمخْلُوقينَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاواتِ وَالأَرَضينَ. فَمَنْ شَكَّ في ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ كُفْرَ الْجاهِلِيَّةِ الأُولَي، وَمَنْ شَكَّ في شَيْءٍ مِنْ قَوْلي هَذَا فَقَدْ شَكَّ في الكُلِّ مِنْهُ، وَالشَّاكُ في ذلكَ فَلَهُ النَّارُ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، حَبَانِيَ اللّهُ بِهَذِهِ الْفَضيلَةِ مَنّاً مِنْهُ عَلَيَّ

وَإحْسَاناً مِنْهُ إلَيَّ وَلاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ، لَهُ الْحَمْدُ مِنّي أَبَدَ الآبِدينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرينَ وَعَلَي كُلِّ حَال.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، فَضِّلُوا عَلِيّاً فَاِنَّهُ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدي مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثي. بِنَا أَنْزَلَ اللّهُ الرِّزْقَ وَبَقِيَ الْخَلْقُ.

مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ، مَغْضُوبٌ مَغْضُوبٌ مَنْ رَدَّ عَلَيَّ قَولي هَذَا وَلَمْ يُوَافِقْهُ. أَلاَ إنَّ جَبْرَئيلَ خَبَّرَني عَنِ اللّهِ تَعَالي بِذَلِكَ وَيَقُولُ: مَنْ عَادَي عَلِيّاً وَلَمْ يَتَوَلَّهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَتِي وَغَضَبِي، ?وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللّهَ أَنْ تُخَالِفُوهُ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا إنَّ اللّهَ خَبيرٌ بِمَا تَعْلَمُونَ?.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّهُ جَنْبُ اللّهِ الَّذي ذُكِرَ في كِتَابِهِ، فَقَالَ تَعَالَي مُخْبراً: ?أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَي مَا فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللّهِ?.

مَعَاشِرَ النّاسِ، تَدَبَّرُوا القُرْآنَ وَافْهَمُوا آيَاتِهِ وَانْظُرُوا إلَي مُحْكَمَاتِهِ وَلاَ تَتَّبِعوا مُتَشَابِهَهُ، فَوَ اللّهِ لَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ زَوَاجِرَهُ وَلَنْ يُوضِحَ لَكُمْ تَفْسيرَهُ إلاَّ الَّذي أَنَا آخِذٌ بِيَدِهِ وَمُصْعِدُهُ إلَيَّ وَشَائِلٌ بِعَضُدِهِ وَمُعْلِمُكُمْ: أَنَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلاَهُ، وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِب أَخي وَوَصِيّي، وَمُوَالاَتُهُ مِنَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَهَا عَلَيَّ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّ عَلِيّاً وَالطَّيِّبينَ مِنْ وُلْدي هُمُ الثِّقْلُ الأَصْغَرُ، وَالْقُرْآنُ الثِّقْلُ الأَكْبَرُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مُنْبِئٌ عَنْ صَاحِبِهِ وَمُوَافِقٌ لَهُ، لَنْ يَفْتَرِقَا حَتي يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ. هُمْ أُمَنَاءُ اللّهِ في خَلْقِهِ وَحُكَّامُهُ في أَرْضِهِ.

أَلاَ وَقَدْ أَدَّيْتُ، أَلاَ وَقَدْ بَلَّغْتُ، أَلاَ وَقَدْ أَسْمَعْتُ، أَلاَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ. أَلاَ وَإنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَأَنَا قُلْتُ عَنِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

أَلاَ إنَّهُ لَيْسَ «أَميرَ الْمُؤْمِنينَ» غَيْرُ أَخي هَذَا. وَلاَ تَحِلُّ إمْرَةُ الْمُؤْمِنينَ بَعْدي لأَحَدٍ غَيْرِهِ.

ثُمَّ ضَرَبَ بيََِدِهِ إلَي عَضُدِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَرَفَعَهُ، وَكَانَ أَميرُ المؤمنينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مُنْذُ أَوَّل مَا صَعَدَ رَسُولُ اللّه صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَشَالَ عَليّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّي صَارَت رِجْلُهُ مَعَ رُكْبَةِ رَسُولِ

اللّهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. ثُمَّ قَالَ:

مَعَاشِرَ النَّاسِ، هَذَا عَلِيٌّ أَخي وَوَصِيّي وَوَاعي عِلْمي، وَخَليفَتِي في أُمَّتِي وَعَلَي تَفْسيرِ كِتَابِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالدَّاعي إلَيْهِ وَالْعَامِلُ بِمَا يَرْضَاهُ وَالْمُحَارِبُ لأَعْدَائِهِ وَالْمُوَالي عَلَي طَاعَتِهِ وَالنَّاهي عَنْ مَعْصِيَتِهِ. خَليفَةُ رَسُولِ اللّهِ وَأَميرُ الْمُؤْمِنينَ وَالإمَامُُ الْهَادي وَقَاتِلُ النَّاكِثينَ وَالْقَاسِطينَ وَالْمَارِقينَ بِأَمْرِ اللّهِ.

أَقُولُ وَمَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ بِأَمْرِ رَبّي، أَقُولُ: اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ وَالْعَنْ مَنْ أَنْكَرَهُ وَاغْضَبْ عَلَي مَنْ جَحَدَ حَقَّهُ.

اللّهُمَّ إنَّكَ أَنْزَلْتَ عَلَيَّ أَنَّ الإمَامَةَ بَعدي لِعَليٍّ وَلِيِّكَ عِنْدَ تِبيَاني ذَلِكَ وَنَصْبِي إيَّاهُ بِمَا أَكْمَلتَ لِعِبَادِكَ مِنْ دينِهِم وَأَتْمَمْتَ عَلَيْهِم بِنِعمَتِك وَرَضيتَ لَهُمْ الإسلاَمَ ديناً فَقُلْتَ: ?وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاِسْلاَمِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرينَ?.

اللّهُمَّ إنّي أُشْهِدُكَ وَكَفَي بِكَ شَهيداً أَنّي قَدْ بَلَّغْتُ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنّمَا أَكْمَلَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ دينَكُمْ بِإمَامَتِهِ. فَمَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ وُلْدي مِنْ صُلْبِهِ إلي يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْعَرْضِ عَلَي اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأُولئِكَ الَّذينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ، ?لاَ يُخَفِّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ?.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، هَذَا عَلِيٌّ، أَنْصَرُكُمْ لي وَأَحَقُّكُمْ بي وَأَقْرَبُكُمْ إلَيَّ وَأَعَزُّكُمْ عَلَيَّ، وَاللّهُ عَزَّ وجَلَّ وَأَنَا عَنْهُ رَاضِيَانِ. وَمَا نَزَلَتْ آيَةُ رِضاً إلاَّ فيهِ، وَمَا خَاطَبَ اللّهُ الَّذينَ آمَنوا إلاَّ بَدَأَ بِهِ، وَلاَ نَزَلَتْ آيَةُ مَدْحٍ فِي الْقُرآنِ إلاَّ فيهِ، وَلاَ شَهِدَ اللهُ بِالْجَنَّةِ في ?هَلْ أَتي عَلَي الإنْسَانِ? إلاَّ لَهُ، وَلاَ أَنْزَلَهَا في سِوَاهُ وَلاَ مَدَحَ بِهَا غَيْرَهُ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، هُوَ نَاصِرُ دينِ اللّهِ، وَالْمُجَادِلُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ، وَهُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الْهَادِي الْمَهْدِيُّ. نَبِيُّكُمْ خَيْرُ نَبِيٍّ وَوَصِيُّكُمْ خَيْرُ وَصِيٍّ وَبَنُوهُ خَيْرُ الأَوْصِيَاءِ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، ذُرِّيَّةُ كُلِّ نَبِيٍّ مِنْ صُلْبِهِ، وَذُرِّيَّتِي مِنْ صُلْبِ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ عَلِيٍّ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّ

إبْليسَ أَخْرَجَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ بِالْحَسَدِ، فَلاَ تَحْسُدوهُ فَتَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَتَزِلَّ أَقْدَامُكُمْ، فَاِنَّ آدَمَ أُهْبِطَ إلَي الأَرْضِ لِخَطيئَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ صَفْوَةُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَيْفَ بِكُمْ وَأَنْتُمْ أَنْتُمْ وَمِنْكُمْ أَعْدَاءُ اللّهِ.

أَلاَ وَإنَّهُ لاَ يُبْغِضُ عَلِيّاً إلاَّ شَقِيٌّ، وَلاَ يُوَالي عَلِيّاً إلاَّ تَقِيٌّ، وَلاَ يُؤْمِنُ بِهِ إلاَّ مُؤْمِنٌ مُخْلِصٌ. وَفي عَلِيٍّ وَاللهِ نَزَلَتْ سُورَةُ الْعَصْرِ: ?بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ • وَالْعَصْرِ • إنَّ الإنْسَانَ لَفي خُسْر • إلاَّ الَّذين آمنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر?.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، قَدِ اسْتَشْهَدْتُ اللهَ وَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَتِي وَمَا عَلَي الرَّسُولِ إلاَّ البَلاَغُ المُبينُ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، اِتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، ?آمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذي أُنْزِلَ مَعَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَي أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنُهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ?.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، النُّورُ مِنَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ مَسْلُوكٌ فِيَّ ثُمَّ في عَليِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، ثُمَّ فِي النَّسْلِ مِنْهُ إلَي الْقَائِمِ الْمَهْدِيِّ الَّذي يَأْخُذُ بِحَقِّ اللّهِ وَبِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَنَا، لأَنَّ اللّهَ عَزَّ وَجلَّ قَدْ جَعَلَنَا حُجَّةً عَلَي الْمُقَصِّرينَ وَالْمُعَانِدينَ وَالمخَالِفينَ وَالْخَائِنينَ وَالآثِمينَ وَالظَّالِمينَ مِنْ جَميعِ الْعَالَمينَ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، أُنْذِرُكُمْ أَنّي رَسولُ اللّهِ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِيَ الرُّسُلُ، أَفَإنْ مِتُّ أَوْ قُتِلْتُ انْقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَابِكُمْ؟ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرينَ الصَّابِرينَ. أَلاَ وَإنَّ عَلِيّاً هُوَ الْمَوصُوفُ بِالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ وُلْدي مِنْ صُلْبِهِ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، لاَ تَمُنُّوا عَلَي اللهِ إسْلاَمَكُمْ فيَسْخَطَ عَلَيْكُمْ وَيُصيبَكُم بِعذَابٍ مِنْ عِندِهِ، إنَّه لَبِالْمِرْصَادِ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدي أَئِمَّةٌ يَدْعُونَ إلَي النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنْصَرُونَ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّ اللّهَ وَأَنَا بَريئَانِ مِنْهُمْ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّهُمْ وَانْصَارُهُمْ وَأَتْبَاعُهُمْ وَأَشْيَاعُهُمْ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَبِئْسَ مَثْوَي الْمُتَكَبِّرينَ. أَلاَ إنَّهُمْ

أَصْحَابُ الصَّحيفَةِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ في صَحيفَتِهِ!!

قَالَ: فَذَهَبَ عَلَي النَّاسِ إلاَّ شِرْذِمَةٌ مِنْهُمْ أَمْرُ الصَّحيفَةِ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنّي أَدَعُهَا إمَامَةً وَوِرَاثَةً في عَقِبِي إلي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ بَلَّغْتُ مَا أُمِرْتُ بِتَبْليغِهِ حُجَّةً عَلَي كُلِّ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ وَعَلَي كُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ شَهِدَ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ، وُلِدَ أَوْ لَمْ يُولَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الْحَاضِرُ الْغَائِبَ وَالْوَالِدُ الْوَلَدَ إلَي يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَسَيَجْعَلُونَ الإمَامَةَ بَعْدي مُلْكاً وَاغْتِصَاباً، أَلاَ لَعَنَ اللّهُ الغَاصِبينَ الْمُغْتَصِبينَ، وَعِنْدَهَا ?سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثِّقَلاَنِ?، وَ ?يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شوَاظٌ مِنْ نَار وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنْتَصِرَانِ?.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَكُمْ عَلَي مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّي يَميزَ الْخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَي الْغَيْبِ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّهُ مَا مِنْ قَرْيَة إلاَّ وَاللّهُ مُهْلِكُهَا بِتَكْذيبِهَا وَكَذَلِكَ يُهْلِكُ القُري وَهُيَ ظَالِمَةٌ، وَهَذَا عَليٌّ إمَامُكُم وَوَلِيُّكُم وَهُوَ مَوَاعيدُ اللهِ، وَاللهُ مُصَدِّقٌ وَعْدَهُ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، قَدْ ظَلَّ قَبْلَكُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلينَ، وَاللّهُ لَقَدْ أَهْلَكَ الأَوَّلينَ، وَهُوَ مُهْلِكُ الآخِرينَ. قَالَ اللّهُ تَعَالَي: ?أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلينَ • ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرينَ • كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمينَ • وَيْلٌ يَوْمَئِذ لِلْمُكَذِّبينَ?.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّ اللّهَ قَدْ أَمَرَني وَنَهَاني، وَقَدْ أَمَرْتُ عَلِيّاً وَنَهَيْتُهُ. فَعِلْمُ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاسْمَعُوا لأَمْرِهِ تَسْلَمُوا، وَأَطيعُوهُ تَهْتَدُوا، وَانْتَهُوا لِنَهْيِهِ تَرْشُدُوا، وَصِيرُوا إلَي مُرَادِهِ وَلاَ تَتَفَرَّقَ بِكُمُ السُّبُلُ عَنْ سَبيلِهِ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، أَنَا صِرَاطُ اللّهِ الْمُسْتَقيمُ الَّذي أَمَرَكُمْ بِاتِّبَاعِهِ، ثُمَّ عَلِيٌّ مِنْ بَعْدي، ثُمَّ وُلْدي مِنْ صُلْبِهِ أَئِمَّةٌ يَهْدونَ إلَي الْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ.

ثُمَّ قَرَأَ: ?بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ • الْحُمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمينَ … ? إلَي آخرهَا، وَقَال: فِيَّ نَزَلَتْ وَفيهِمْ نَزَلَتْ، وَلَهُمْ عَمَّتْ وَإيَّاهُمْ خَصَّتْ، أُولئِكَ أَوْلِيَاءُ اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، أَلاَ إنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُون.

أَلاَ إنَّ أَعْدَاءَ عَليٍّ هُمْ أَهلُ الشِّقَاقِ

وَالنِّفَاقِ وَالحَادُّونَ وَهُمُ العَادُونَ وَإخْوَانُ الشَّيَاطينِ الّذينَ يُوحي بَعْضُهُمْ إلي بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُروراً.

أَلاَ إنَّ أَوْلِيَاءَهُمُ الَّذينَ ذَكَرَهُمُ اللّهُ في كِتَابِهِ، فَقَالَ عَزَّ وجَلَّ: ?لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشيرَتَهُمْ، أُولئِكَ كَتَبَ في قُلوبِهِمُ الإيمَانَ … ?.

أَلاَ إنَّ أَوْلِيَاءَهُمُ الَّذينَ وَصَفُهُمُ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: ?الَّذينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا ايمَانَهُمْ بِظُلْم أُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ?.

أَلاَ إنَّ أَوْلِيَاءَهُمُ الَّذينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ آمِنينَ، تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ بِالتَّسْليمِ يَقولُونَ: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدينَ.

أَلاَ إنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ الَّذين قَالَ لَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ?يَدْخُلُونَ الْجَنَّةُ يُرْزَقُونَ فيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ?.

أَلاَ إنَّ أَعْدَاءَهُمُ الَّذينَ يَصْلَوْنَ سَعيراً.

أَلاَ إنَّ أَعْدَاءَهُمُ الَّذينَ يَسْمَعُونَ لِجَهَنَّمَ شَهيقاً وَهِيَ تَفورُ وَلَهَا زَفير. أَلاَ إنَّ أَعْدَاءَهُمُ الَّذينَ قَالَ اللّهُ فيهِمْ: ?كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا?.

أَلاَ إنَّ أَعْدَاءَهُمُ الَّذينَ قَالَ اللّهُ عَزَّوَجَلَّ: ?كُلَّمَا أُلْقِيَ فيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَاْتِكُمْ نذيرٌ قَالوا بَلَي قَدْ جَاءَنَا نَذيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ، إنْ أَنْتُمْ إلاَّ في ضَلاَل كَبير?.

أَلاَ إنَّ أَوْلِيَاءَهُمُ الَّذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبيرٌ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، شَتَّانَ مَا بَيْنَ السَّعيرِ وَالجَنَّةِ.

عَدُوُّنَا مَنْ ذَمَّهُ اللّهُ وَلَعَنَهُ، وَوَلِيُّنَا مَنْ مَدَحَهُ اللّهُ وَأَحَبَّهُ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، أَلاَ وَإنّي مُنْذِرٌ وَعَلِيٌّ هَاد.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنّي نَبِيٌّ وَعِليٌّ وَصِيّي.

أَلاَ إنَّ خَاتَمَ الأَئِمَّةِ مِنَّا الْقَائِمُ الْمَهْدِيَّ. أَلاَ إنَّهُ الظَّاهِرُ عَلَي الدّينِ. أَلاَ إنَّهُ الْمُنْتَقِمُ مِنَ الظَّالِمينَ. أَلاَ إنَّهُ فَاتِحُ الْحُصُونِ وَهَادِمُهَا. أَلاَ إنَّهُ قَاتِلُ كُلِّ قَبيلَةٍ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ.

أَلاَ إنَّهُ الْمُدْرِكُ بِكُلِّ ثَارٍ لأَوْليَاءِ اللّهِ. أَلاَ إنَّهُ النَّاصِرُ لِدينِ اللّهِ.

أَلاَ إنَّهُ الْغَرَّافُ في بَحْرٍ عَميق. أَلاَ إنَّهُ يَسِمُ كُلَّ ذي فَضْل بِفَضْلِهِ وَكُلَّ ذي جَهْل بِجَهْلِهِ. أَلاَ إنَّهُ

خِيَرَةُ اللّهِ وَمُخْتَارُهُ. أَلاَ إنَّهُ وَارِثُ كُلِّ عِلْمٍ وَالمحيطُ بِكُلِّ فَهْم.

أَلاَ إنَّهُ المُخْبِرُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالمُنَبِّهُ بِأَمْرِ إيمَانِهِ، أَلاَ إنَّهُ الرَّشيدُ السَّديدُ. أَلاَ إنَّهُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ.

أَلاَ إنَّهُ قَدْ بَشَّرَ بِهِ مَنْ سَلَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ.

أَلاَ إنَّهُ الْبَاقي حُجَّةً وَلاَ حُجَّةَ بَعْدَهُ، وَلاَ حَقَّ إلاَّ مَعَهُ، وَلاَ نُورَ إلاَّ عِنْدَهُ.

أَلاَ إنَّهُ لاَ غَالِبَ لَهُ وَلاَ مَنْصُورَ عَلَيْهِ. أَلاَ وَإنَّهُ وَلِيُّ اللّهِ في أَرْضِهِ، وَحَكَمُهُ في خَلْقِهِ، وَأَمينُهُ في سِرِّهِ وَعَلاَنِيَتِهِ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ وَأَفْهَمْتُكُمْ، وَهَذَا عَلِيٌّ يُفْهِمُكُمْ بَعْدي. أَلاَ وَإنّي عِنْدَ انْقِضَاءِ خُطْبَتِي أَدْعوكُمْ إلي مُصَافَقَتِي عَلَي بَيْعَتِهِ وَالأِقْرَارِ بِهِ، ثُمَّ مُصَافَقَتِهِ بَعْدي.

أَلاَ وَإنّي قَدْ بَايَعْتُ اللّهَ وَعَلِيٌّ قَدْ بَايَعَنِي، وَأَنَا آخِذُكُمْ بِالْبَيْعَةِ لَهُ عَنِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ?إنَّ الَّذينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعونَ اللّهَ، يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْديهِمْ. فَمَنْ نَكَثَ فَاِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَي نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفَي بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللّهَ فَسَيُؤْتيهِ أَجْراً عَظيماً?.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ، ?فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَجُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا?.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، حِجُّوا الْبَيْتَ، فَمَا وَرَدَهُ أَهْلُ بَيْتٍ إلاَّ اسْتَغْنَوْا، وَلاَ تَخَلَّفوا عَنْهُ إلاَّ افْتَقَرُوا.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، مَا وَقَفَ بِالْمَوْقِفِ مُؤْمِنٌ إلاَّ غَفَرَ اللّهُ لَهُ مَا سَلَفَ مِنْ ذَنْبِهِ إلي وَقْتِهِ ذلِكَ، فَاِذَا انْقَضَتْ حَجَّتُهُ اسْتَأْنَفَ عَمَلَهُ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، الْحُجَّاجُ مُعَانُونَ وَنَفَقَاتُهُمْ مُخَلَّفَةٌ عَلَيْهِمْ، وَاللّهُ لاَ يُضيعُ أَجْرَ الْمحْسِنينَ. مَعَاشِرَ النَّاسِ، حِجُّوا الْبَيْتَ بِكَمَالِ الدّينِ وَالتَّفَقُّهِ، ولاَ تَنْصَرِفُوا عَنِ الْمَشَاهِدِ إلاَّ بِتَوْبَةٍ وَإقْلاَعٍ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، أَقيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ كَمَا أَمَرَكُمُ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإنْ طَالَ عَلَيْكُمُ الأَمَدُ فَقَصَّرْتُمْ أَوْ نَسيتُمْ فَعَلِيٌّ وَلِيُّكُمْ وَمُبَيِّنٌ لَكُمْ. الَّذي نَصَبَهُ اللّهُ عزَّ وَجلَّ لَكُمْ بَعْدي وَمَنْ خَلَّفَهُ اللهُ مِنِّي وَمِنْهُ يُخْبِرُونَكُمْ بِمَا تَسأَلُونَ عَنْهُ وَيُبَيِّنُونَ لَكُمْ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.

أَلاَ إنَّ الْحَلاَلَ

وَالْحَرَامَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ أُحْصِيَهُمَا وَأُعَرِّفَهُمَا فَآمُرَ بِالْحَلاَلِ وَأَنْهي عَنِ الْحَرَامِ في مَقَامٍ وَاحد، فَأُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الْبَيْعَةَ مِنْكُمْ وَالصَّفْقَةَ لَكُمْ بِقَبولِ مَا جِئْتُ بِهِ عَنِ اللّهِ عزَّ وَجلَّ في عَلِيٍّ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَالأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ الَّذينَ هُمْ مِنّي وَمِنْهُ إمَامَةً فيهِمْ قَائِمَةً، خَاتِمُهَا الْمَهْدِيُّ إلي يَوْمِ يَلْقَي اللّهَ الَّذي يَقْضي بالحَقِّ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، وَكُلُّ حَلاَلٍ دَلَلْتُكُمْ عَلَيْهِ، وَكُلُّ حَرَامٍ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ؛ فَإِنّي لَمْ أَرْجِعْ عَنْ ذلِكَ وَلَمْ أُبَدِّلْ. أَلاَ فَاذْكُرُوا ذَلِكَ وَاحْفَظُوهُ وَتَوَاصَوْا بِهِ، وَلاَ تُبَدِّلُوهُ وَلاَ تُغَيِّرُوهُ. أَلاَ وَإنّي أُجَدِّدُ الْقَوْلَ: أَلاَ فَأَقيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأْمُروا بِالْمَعْروفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ.

أَلاَ وَإنَّ رَأْسَ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنْكَرِ أَنْ تَنْتَهُوا إلي قَوْلي وَتُبَلِّغوهُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ، وَتَأْمُرُوهُ بِقَبُولِهِ عَنّي، وَتَنْهَوْهُ عَنْ مُخَالَفَتِهِ فَإنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنّي. وَلاَ أَمْرَ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ نَهْيَ عَنْ مُنْكَرٍ إلاَّ مَعَ إمَامٍ مَعْصُوم.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، الْقُرآنُ يُعَرِّفُكُمْ أَنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ بَعْدِهِ وُلْدُهُ، وَعَرَّفْتُكُمْ أَنَّهُمْ مِنّي وَأَنَا مِنْهُ، حَيْثُ يَقُولُ اللّهُ في كِتَابِهِ: ?وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً في عَقِبِهِ?، وَقُلْتُ: ?لَنْ تَضِلُّوا مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا?.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، التَّقْوَي، التَّقْوَي، وَاحْذَرُوا السَّاعَةَ كَمَا قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ?إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظيمٌ?.

اُذْكُرُوا الْمَمَاتَ وَالْمَعادَ وَالْحِسَابَ وَالْمَوَازينَ وَالمحَاسَبَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمينَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ. فَمَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ أُثيبَ عَلَيْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَيْسَ لَهُ فِي الْجِنَانِ نَصيبٌ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّكُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُصَافِقُوني بِكَفٍّ وَاحِدٍ، وَقَدْ أَمَرَنيَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ آخُذَ مِنْ أَلْسِنَتِكُمُ الإقْرَارَ بِمَا عَقَدْتُ لَعَلِيٍّ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ، وَلِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنَ الأَئِمَّةِ مِنّي وَمِنْهُ، عَلَي مَا أَعْلَمْتُكُمْ أَنَّ ذُرِّيَّتِي مِنْ صُلْبِهِ.

فَقُولُوا بِأَجْمَعِكُمْ: «إنَّا سَامِعُونَ مُطيعُونَ رَاضُونَ مُنْقَادُونَ لِمَا بَلَّغْتَ عَنْ رَبِّنَا وَرَبِّكَ في أَمْرِ إمَامِنَا عَلِيٍّ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَأَمْرِ

وُلدِهِ مِنْ صُلْبِهِ مِنَ الأَئِمَّةِ. نُبَايِعُكَ عَلَي ذلِكَ بِقُلُوبِنَا وَأَنْفُسِنَا وَأَلْسِنَتِنَا وَأَيْدينَا. عَلَي ذَلِكَ نَحْيي وَعَلَيْهِ نَمُوتُ وَعَلَيْهِ نُبْعَثُ. وَلاَ نُغَيِّرُ وَلاَ نُبَدِّلُ، وَلاَ نَشُكُّ وَلاَ نَجْحَدُ وَلاَ نَرْتَابُ، وَلاَ نَرْجِعُ عَنِ الْعَهْدِ وَلاَ نَنْقُضُ الْميثَاقَ.

نُطيعُ اللهَ وَنُطيعُكَ وَعَليّاً أَميرَِ الْمُؤْمِنينَ وَالأَئِمَّةَ الَّذينَ ذَكَرْتَهُم مِنْ ذُرِّيَّتِكَ مِنْ وُلْدِهِ بَعْدَهُ، الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ.

… فَالْعَهْدُ وَالْميثَاقُ لَهُمْ مَأْخُوذٌ مِنَّا، مِنْ قُلُوبِنَا وَأَنْفُسِنَا وَأَلْسِنَتِنَا وَضَمَايِرِنَا وَمُصَافَقةِ أَيدينَا. مَن أَدرَكهَا بِيَدِه وَإلاَّ فَقَد أَقَرَّ بِلِسَانِهِ وَلاَ يَبغي بِذلِكَ بَدَلاً وَلاَ يَرَي اللّهُ مِنْ أَنْفُسِنَا عَنْهُ حِوَلاً أَبداً. نَحْنُ نُؤَدّي ذلِكَ عَنْكَ، الدَّاني وَالْقَاصي مِنْ أَوْلاَدِنَا وَأَهَالينَا، وَنُشْهِدُ اللّهَ بِذلِكَ وَكَفي بِاللّهِ شَهيداً وَأَنْتَ عَلَيْنَا بِهِ شَهيدٌ».

… مَعَاشِرَ النَّاسِ، مَا تَقُولُونَ؟ فَاِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ كُلَّ صَوْت وَخَافِيَةَ كُلِّ نَفْس، ?فَمَنِ اهْتَدي فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا?، وَمَنْ بَايَعَ فَإنَّمَا يُبَايِعُ اللّهَ، ?يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْديهِمْ?.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، فَاتّقُوا الله وَبَايِعُوا عَلِيّاً أَميرَ الْمُؤْمِنينَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَالأَئِمَّةَ كَلِمَةً طيّبةً بَاقِيَة؛ يُهْلِكُ اللّهُ مَنْ غَدَرَ وَيَرْحَمُ مَنْ وَفي. ?فَمَنْ نَكَثَ فَاِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَي نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفي بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللّهُ فَسَيُؤْتيهِ أَجْراً عَظيماً?.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، قُولُوا الَّذي قُلْتُ لَكُمْ وَسَلِّمُوا عَلَي عَلِيٍّ بِاِمْرَةِ الْمُؤْمِنينَ، وَقُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإلَيْكَ الْمَصيرُ، وَقُولُوا: الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدانَا اللّهُ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إنَّ فَضَائِلَ عَلِيِّ بْنَ أَبي طَالِب عِنْدَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ أَنْزَلَهَا فِي الْقُرآنِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ أُحْصِيَهَا في مَقَامٍ وَاحِد، فَمَنْ أَنْبَأَكُمْ بِهَا وَعَرَّفَهَا فَصَدِّقُوهُ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسولَهُ وَعَلِيّاً وَالأَئِمَّةَ الَّذينَ ذَكَرْتُهُمْ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظيماً.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، السَّابِقُونَ إلي مُبَايَعَتِهِ وَمُوَالاَتِهِ وَالتَّسْليمِ عَلَيْهِ بِإمْرَةِ الْمُؤْمِنينَ أُولئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ في جَنَّاتِ النَّعيمِ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، قُولُو ا ما يَرْضَي

اللّهُ بِهِ عَنْكُمْ مِنَ الْقَوْلِ، فإنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَميعاً فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً.

اَللّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَاغْضَبْ عَلَي الْكَافِرينَ، وَالْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمينَ.

پي نوشتها

() بصائر الدرجات للصفّار: 509، ح8، باب 12.

() بحار الأنوار: ج37، ص165 باب 52، ح42.

() وقد نقل الخاصّة العامّة واقعة الغدير بأسانيد وألفاظ مختلفة تعبّر عن مضمونٍ واحد منهم: مسلم في صحيحه، ج2، ص25؛ أحمد في مسنده، ج4، ص281؛ ابن ماجة في سننه، ج1، ص28 و29؛ النسائي في خصائصه، ص16؛ الترمذي في صحيحه، ج2، ص298؛ الحافظ البغوي في مصابيح السنّة، ج2، ص199؛ الخوارزمي في مناقبه، ص130؛ الجزري في أسني المطالب، ص3؛ القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة، ص40؛ ابن قتيبة في المعارف، ص291؛ البدخشي في نزل الأبرار، ص20؛ محبّ الدين الطبري في الرياض النضرة، ج2، ص169، وذخائر العقبي، ص67؛ الصباغ المالكي في الفصول المهمة، ص25؛ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب، ص14؛ الهندي في كنز العمّال، ج6، ص154؛ ابن عبد البرّ في الاستيعاب، ج2، ص473؛ ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية، ج5، ص214؛ ابن الأثير في أسد الغابة، ج3، ص307؛ الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، ج8، ص290؛ المزّي في تهذيب الكمال، ج20، ص484؛ ابن حجر في تهذيب التهذيب، ج7، ص327، والإصابة، ج3، ص408؛ الدولابي في الكني والأسماء، ج2، ص88؛ السيوطي في الدرّ المنثور، ج2، ص259، وتاريخه، ص114، والجامع الصغير، ج2، ص555؛ الفخري الرازي في تفسيره، ج3، ص636، مورد الآية؛ النيشابوري في تفسيره، ج6، ص194؛ الآلوسي في روح المعاني، ج2، ص350؛ الحاكم في مستدركه، ج3، ص110؛ أبو نعيم الاصفهاني في حلية الأولياء، ج4، ص23؛ الحافظ الهيثمي في مجمعه، ج9، ص106؛ القرماني في أخبار الدول، ص102.

() سورة المائدة، الآِية: 3.

() أمالي الصدوق: ص125، ح

8¬، المجلس26.

() تفسير العيّاشي: ج1، ص292 ح20، مورد الآية.

() دعائم الإسلام للقاضي المغربي: ج1، ص15، ذكر ولاية أمير المؤمنين سلام الله عليه.

() سورةالنساء، الآية: 59.

() مثل قوله تعالي: ? … ولأِتمّ نعمتي عليكم … ? سورة البقرة، الآية: 150؛ وقوله تعالي: ? … وليتمّ نعمته عليكم? سورة المائدة، الآية: 6؛ وقوله تعالي: ? … ويتمّ نعمته عليك? سورة يوسف، الآية: 6؛ وقوله تعالي: ? … كذلك يتمّ نعمتَه عليكم … ? سورة النحل، الآية: 81؛ وقوله تعالي: ? … ويتمّ نعمته عليك? سورة الفتح، الآية: 2.

() سورة المائدة، الآية: 66.

() سورة المائدة، الآية: 67.

() بحار الأنوار، ج94، ص110، باب6 فضل يوم الغدير وصومه، ح3.

() تهذيب الأحكام، ج3، ص143، باب7 صلاة الغدير، ح1.

() وسائل الشيعة، ج8، ص89، باب3 استحباب صلاة يوم الغدير و …، ح1.

() مفاتيح الجنان، في أعمال شهر ذي الحجة الحرام، اليوم التاسع/ يوم عرفة.

() بحار الأنوار: ج56، ص92، الباب22.

() المصدر نفسه.

() كما سيأتي.

() أمالي الصدوق: ص125، ح 8¬، المجلس26.

() الوسائل: ج7، ص380، الصلاة، ابواب صلاة العيد، الباب40، ح18.

() فروع الكافي: ج4، ص149 ح3 باب صيام الترغيب.

() الوسائل: ج7، ص380، ح18، باب40؛ التهذيب: ج3، ص143 ح1.

() راجع بحار الأنوار: ج97، ص362 ح 6، زيارات الإمام أمير المؤمنين المختصّة.

() راجع الهداية للصدوق: ص157 162، حديث المنزلة والاستدلال عليه.

() كتاب سليم: ص211.

() التهذيب: ج3، ص143 ح1 باب صلاة الغدير.

() إقبال الأعمال لابن طاووس: ص468، فضل يوم عيد الغدير.

() نهج البلاغة، ص354، دار الهجرة للنشر، قم المقدّسة.

() سورة الرعد، الآية: 17.

() سورة التحريم، الآية: 6.

() مئة منقبة، للقمّي: ص66.

() وسائل الشيعة: ج10، ص317، ح13502، باب18 تأكد استحباب الإجتهاد في العبادة.

() تهذيب الأحكام، ج6، ص24، ح9، باب7 فضل

زيارته سلام الله عليه.

() تهذيب الأحكام، ج3، ص143، باب7 صلاة الغدير، ح1.

() من لا يحضره الفقيه، ج4، ص380، رقم 5813.

() تهذيب الأحكام، ج3، ص108، باب5، دعاء أول يوم من شهر رمضان المبارك.

() وقال بعض بحرمته فيما ذهب قليلون الي استحبابه.

() بحار الأنوار، ج95، ص322، باب4، أعمال يوم الغدير 6.

() مسائل علي بن جعفر، ص144.

() سورة النساء، الآية: 150.

() سورة البقرة، الآية: 275.

() سورة المائدة، الآية: 66.

() روي أنّ عمر بن الخطاب أمّ المسلمين في الصلاة يوماً وهو جنب! المصنّف للصنعاني، ج2، ص 348، رقم 3649.

() نهج البلاغة: 346 خطبة رقم 224.

() سورة الأنبياء، الآية: 22.

() راجع تاريخ الطبري ج2، ص502 504، ذكر البطاح وغيره.

() راجع الغدير، للأميني: ج5، ص364.

() نهج البلاغة: 421، من وصية له للحسن والحسين سلام الله عليهم لما ضربه ابن ملجم لعنه الله.

() معاني الأخبار: 180، باب من تعلّم علماً ليماري به السفهاء.

() وسائل الشيعة: ج15، ص108، باب40، تعجيل قسمة المال … ح20084.

() سورة التوبة، الآية: 60.

() بحار الأنوار: ج43، ص158، باب7، ح8.

() روي عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله سلام الله عليه في قول الله عزّ وجلّ ?ولله الأسماء الحسني فادعوه بها? سورة الأعراف، الآية: 180 قال: نحن والله، الأسماء الحسني التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا. الكافي للكليني: ج1، ص143، ح3.

() الغدير للأميني: ج3، ص111؛ والآيات: 5 9 من سورة الإنسان (الدهر).

() السيوطي والفخر الرازي والواحدي والقرطبي والآلوسي والحسكاني في تفسير الآية والخوارزمي في المناقب: ص188؛ أسد الغابة: ج5 ص530= = و531؛ العقد الفريد: ص102؛ الإصابة: في ترجمة فضة؛ شرح ابن ابي الحديد: ج1 ص21؛ تفسير البيضاوي: ج2 ص526؛ فتح القدير: ج5 ص349؛ فرائد السمطين:

ح383؛ ذخائر العقبي: ص89 و102؛ نور الأبصار: ص102؛ كفاية الأثر: ص345؛ تفسير البغوي: في بحث الآية صفحة205. والنصّ للزمخشري..

() نهج البلاغة: ص378، من كلام له سلام الله عليه قاله قبل موته علي سبيل الوصية لمّا ضربه ابن ملجم لعنه الله، رقم 23.

() انظر أنساب الأشراف، للبلاذري: ص495 والإمامة والسياسة للدينوري: ج1، ص181.

() كشف الغمة للأربلي: ج2، ص60، ط. دار الأضواء بيروت.

() خصائص الأئمة للشريف الرضي: ص79؛ مقدمة ابن خلدون: ص204.

() راجع مقدمة ابن خلدون: ص204.

() مستدرك الوسائل: ج12، ص54، باب63، ح9 رقم 13497.

() نهج البلاغة: ص416، من كتاب له عليه السلام إلي عثمان بن حنيف، رقم 45.

() الكافي: ج1، ص410، باب سيرة الإمام عليه السلام في نفسه وفي المطعم والملبس اذا ولي الأمر، ح3.

() بحارالأنوارج43، ص87 باب 4 سيرها و مكارم أخلاقها عليها السلام، ح9.

() نهج البلاغة: ص416.

() من جملة ما أنكره هؤلاء المنتقدون قصّة تصدّقه سلام الله عليه بالخاتم راكعاً، رغم أنّ معظم المفسّرين قد أقرّوا بأنّ الآية الكريمة: ?إنّما وَليُّكُمُ اللهُ وَرَسولُهُ والّذينَ آمَنوا الّذينَ يُقيمونَ الصّلاةَ وَيُؤتونَ الزّكاةَ وَهُمْ راكِعون? نزلت في شأنه سلام الله عليه، وهو مصداقها الوحيد.

() وهذا ما جري فعلاً من تهديد بعض الصحابة بالطرد والنفي، رغم أنّهم من أتباع السلطة وأنصارها. انظر تذكرة الحفّاظ للذهبي: ج1، ص7، كما أفرد البكري باباً له في كتاب عمر: ص171 باب منعه تدوين الحديث، فراجع.

() نهج الحق: ص289.

وظلّت هكذا الي أن تسلّم عمر الحكومة، فقال: «أري أن يصلّي الناس هذه الصلاة جماعة». فصلاّها الناس كذلك وأسموها ب «التراويح». روي عن عبد الرحمن بن عبد الباري قال: خرجت مع عمر ليلة في رمضان إلي المسجد فإذا الناس أوزاع متفرّقون يصلّي الرجل لنفسه، ويصلّي

الرجل فيصلّي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أري لو جمعت هؤلاء علي قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم علي أبيّ بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخري والناس يصلّون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه. عن دلائل الصدق للمظفّر: ج3، ص78. صحيح البخاري بحاشية السندي: ج1، ص342.

() كما قال رسول الله صلي الله عليه وآله: عليّ مع الحق والحق مع عليّ يدور معه حيثما دار، الشافي في الإمامة للشريف المرتضي: ج1، ص202.

() روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنه قال: لمّا قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أمر الحسن بن علي عليه السلام أن ينادي في الناس: لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة. فنادي في الناس الحسن بن علي عليه السلام بما أمره أمير المؤمنين عليه السلام، فلمّا سمع الناس مقالة الحسن بن علي عليهما السلام، صاحوا: وا عمراه وا عمراه! فلمّا رجع الحسن إلي أمير المؤمنين عليه السلام، قال: ما هذا الصوت؟ … فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قل لهم صلّوا. تهذيب الأحكام: ج3، ص70، باب4 فضل شهر رمضان والصلاة زيادة فيه علي النوافل المذكورة في سائر الشهور، ح 30.

() سورة البقرة، الآية: 256.

() مستدرك الوسائل، ج3، ص259، باب46، ح8، رقم3529.

() سورة الفرقان، الآية: 63.

() بحار الأنوار، ج 89، ص80، باب8، ح5.

() مناقب أهل البيت سلام الله عليهم للشيرواني، ص475.

() نهج البلاغة: ص550.

() كنز الفوائد: ج2، ص13.

() سورة البقرة، الآِية: 194.

() سورة البقرة، الآية: 237.

() مستدرك الوسائل: ج10، ص222، باب21 استحباب زيارة أمير المؤمنين سلام الله عليه، ح1، رقم11900.

() روي مسلم في صحيحه عن عبد الله بن حميد، عن عبد الرزاق، قال: وخطب علي رضوان الله تعالي عليه

بخطب ذوات عدد، وذكر أمر رسول الله صلي الله عليه وآله إياه بقتالهم، وقال: اعتقاد المسلم فيما بينه وبين الله تعالي أنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام كان محقّاً، مصيباً في قتال المنافقين والقاسطين والمارقين بأمر رسول الله صلي الله عليه وآله خلاف الخوارج. قال: وهذا مما يجب علي المسلم معرفته واعتقاده. نظم درر السمطين للزرندي: ص117.

() راجع أمالي المفيد: ص14 مجلس3، ح8.

() انظر تفسير فرات الكوفي: ص111 ح113 الآية69 من سورة النساء.

() قال سلام الله عليه: «كلمة حقّ يراد بها باطل»! انظر نهج البلاغة: ص82، رقم40 من كلام له عليه السلام في الخوارج لمّا سمع قولهم «لا حكم إلاّ لله».

() راجع بحار الأنوار: ج33، ص343 - 419 باب23 قتال الخوارج واحتجاجاته صلوات الله عليه.

() ممّن رواه الخطيب البغدادي في تاريخه عن أم سلمة: ج14، ص321.

() عن الإمام الصادق سلام الله عليه: إنّ عليّاً عليه السلام لم يكن ينسب أحداً من أهل حربه إلي الشرك ولا إلي النفاق ولكنّه كان يقول: هم إخواننا بغوا علينا. (قرب الإسناد للحميري القمّي: ص94 رواية رقم 318).

() مسند أحمد بن حنبل: ج1، ص95 وإمتاع الأسماع للمقريزي: ج1، ص48.

() الكافي: ج1، ص252، ح9، باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر.

() راجع حلية الأبرار للبحراني: ج2، ص77 ح1 باب9 ضمن خطبة الإمام الحسن عليه السلام.

() راجع معاني الأخبار للصدوق: ص336 - 338، باب معني قول فاطمة سلام الله عليها لنساء المهاجرين والأنصار في علّتها.

() معاني الأخبار: ص180، باب من تعلّم علماً ليماري به السفهاء.

() الاحتجاج: ج1، ص59.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.