نحو بناء النفس المجتمع

اشارة

اسم الكتاب: الاستفادة من عاشوراء

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

الموضوع: امام حسين(ع)

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: والبلاعة والنشر

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1415 ه

الطبعة: اول

شهر رمضان المبارك شهر بناء النفس والمجتمع

شهر رمضان المبارك شهر بناء النفس والمجتمع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين.

مقدمة

في الخطبة التي خطبها رسول الله صلّي الله عليه وآله في استقبال شهر رمضان المبارك وردت عبارة ذات أهمية قصوي وهي قوله صلّي الله عليه وآله: وجعلتم فيه من أهل كرامة الله()، فإن كلمة «كرامة الله» لم تنقل علي لسان الروايات كثيراً، ولم ترد إلا في موارد خاصة لما لها من أهمية في نظر أهل البيت سلام الله عليهم، حيث وردت في قول النبي صلّي الله عليه وآله للإمام علي سلام الله عليه في تزويجه بالزهراء سلام الله عليها: فإنّ الله تعالي أكرمك كرامة لم يكرم بمثلها أحداً()، وقول الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه في بعثة النبي صلّي الله عليه وآله: حتي أفضت كرامة الله سبحانه وتعالي إلي محمد صلي الله عليه وآله فأخرجه من أفضل المعادن منبتاً()، وهكذا ورد في الروايات الشريفة بشأن زائر الإمام الحسين سلام الله عليه.

إذا كان بعض الناس قد بلغوا هذه المرتبة، أي صاروا أهل كرامة الله، فإن كل مؤمن في هذا الشهر الكريم (شهر رمضان المبارك) قد جُعل من أهل كرامة الله تعالي. وهذه الكرامة لا تخصّ الصائمين فقط بل هي تشمل حتي أصحاب العذر الشرعي الذين يسوغ لهم الإفطار كالمسافر والمريض. إن هذه الكرامة هي لهذا الشهر الكريم، للياليه وأيامه، وكل ساعاته. فالعناية الإلهية تشمل الجميع، ولكن بما أن إحدي صفات الله تعالي المهمة ومن أسمائه الحسني «الحكيم» أي الذي يضع الشيء في موضعه، فهذا معناه أن التوفيق الإلهي وإن كان شاملاً في شهر رمضان لكلّ العباد، إلا أنّ قدراً منه يرتبط بمقدار همّتنا وتوجهنا وجهدنا.

أذكّر في المناسبة بموضوعين،

أوّلهما عام، وهو بناء النفس - وإن كنا نحن أهل العلم مشمولين به أيضاً - والثاني خاصّ وهو التبليغ، وهذا الأمر يتعلق بنا نحن (أهل العلم) غالباً، وإن كان الآخرون مشمولين به أيضاً ولكن بدرجات متفاوتة.

(1) شهر رمضان فرصة مناسبة لبناء الذات

إن شهر رمضان المبارك هو شهر بناء الذات وتغيير النفس، وهذا الأمر مطلوب من الجميع، يستوي في ذلك أهل العلم وغيرهم، ومهما يبلغ المرء درجة في هذا الطريق فثمة مجال للرقيّ أيضاً.

يقول النبي صلّي الله عليه وآله: فإن الشقيّ من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم(). وهذا معناه لو أن أحداً أهمل بناء نفسه في هذا الشهر المبارك وقصّر حتي مرّ عليه ولم ينل تلك المغفرة الإلهية التي هي أوسع وأسرع وأعظم فيه منها في سائر الشهور، فإنه هو الشقي حقاً. وهذا هو المستفاد من الروايات، لأن بناء الذات واجب عيني في حد أداء الواجبات وترك المحرّمات. فعلي الإنسان أن يحاول في هذا الشهر المبارك أن يعمل حتي يبلغ مرحلة يعتقد فيها أنه تغيّر فعلاً وأنه أصبح أحسن وأفضل من السابق.

لاشك أن كل إنسان يتمني لنفسه التغيير نحو الأفضل، ولكن المسألة ليست بالأماني، فبالأماني وحدها لا يتحقق التغيير، بل هو بحاجة إلي عزم وتصميم ومتابعة ومثابرة وجدّ واجتهاد. فمن لم يقصّر في المقدمات يوفَّق في النتائج بلا شك؛ لأن هذا هو الهدف الأصلي لخلق الإنسان، وهو صريح القرآن الكريم؛ قال تعالي: ?ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم?() أي ليرحمهم. فهل يعقل أن يضع الإنسان نفسه موضع الرحمة بأن ينبري لطاعة الله والتقرب إليه، ثم لا يرحمه الله تعالي؟! فهذا محال في منطق الحكمة والعقل، ولا إمكان له، فضلاً عن وقوعه - وحاشا لله ذلك -

ولكن علي الإنسان أن يصدق مع نفسه ويسعي في هذا المجال ليتحقق له ما يصبو إليه؛ قال الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: من طلب شيئاً ناله أو بعضه().

إن الصلوات والأدعية والزيارات والأعمال الواردة في شهر رمضان المبارك بنفسها معدّات لتحقّق بناء الذات، بيد أن المرء قد لا يسعه الوقت للقيام بها كلها، بسبب تزاحمها مع مشاغل أخري قد تكون مطلوبة هي الأخري كالتبليغ مثلاً. إذن، فليس هناك طريق للتوفيق أسهل من طريق محاسبة النفس، لأنّها مطلوبة جداً ولها تأثير كبير علي الإنسان، ففي كتب الروايات كالكافي والبحار وغيرهما باب مستقلّ في محاسبة النفس، وهناك روايات معتبرة وصحيحة سنداً عن الأئمة المعصومين سلام الله عليهم مضمونها أنه ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم فإن عمل خيراً استزاد وإن عمل شراً استغفر().

إذن، فليخصص المرء كل يوم من شهر رمضان بعض وقته ويخلو فيه، ليراجع ما قد مضي منه خلال الساعات الماضية، فينظر ما عمل وما قال وما سمع وما رأي وما أخذ وما أعطي، وكيف تصرّف مع زوجته وأطفاله وأصدقائه وزملائه؟ وباختصار: ليدقّق مع نفسه فيم صرف وقته؟ ليصمّم بعد ذلك علي أن يزيد من حسناته ويقلّل من سيئاته.

محاسبة النفس أسهل الطرق لبناء النفس

وهذا الطريق بنفسه يمكن أن يصل بالمرء في هذا الشهر إلي موقع بحيث يستوي عنده الدينار الواحد والمليار دينار بما هو مال، فلا يركض خلف الأوّل كما لا يأسي علي فقد الثاني، بل تراه يهتمّ بفقدان ثواب الله، فلا يتهاون عن الإتيان بالفضائل التي يمكنه الإتيان بها، حتي وإن كانت الفضيلة قول (أستغفر الله) مرة واحدة أو الاستمرار علي تكرارها طيلة الشهر الكريم كله!!

يمكن للإنسان أن يصل عبر هذا الطريق إلي مراتب عالية، وقد وصل

كثيرون درجة حيث لم يعد يزيد الترغيب في اندفاعهم ولا يقلل التثبيط من عزمهم، مع أنهم بشر لهم شهوات ورغبات ويدركون معني الترغيب والتثبيط ولكن الإدراك شيء والتأثر به شيء آخر.

لاشكّ أن الترغيب يكون مفيداً خصوصاً في حالات التزاحم أو الشروع، ومثاله: أن تكون مواظباً علي قراءة دعاء ما في كل ليالي شهر رمضان، ولكن صوّر لك شخص أن دعاءً آخر أكثر ثواباً في ليلة ما من ليالي الشهر، ولم يكن عندك وقت لأداء الاثنين، فههنا يمكن أن يدفعك الترغيب للتخلي عن الدعاء الأول لصالح الثاني، فالتأثر بالترغيب هنا جاء من باب الإتيان بالأولوية للوصول إلي المراتب العليا، أمّا لو كنت متكاسلاً عن التوجه للدعاء أصلاً فيرغبك شخص بالقول إن ثواب هذا الدعاء عظيم فلا تدعه؛ فيكون ترغيبه هذا من حيث الشروع في العمل، وقد يحصل العكس – أي التثبيط - بأن يثبّطك آخر فيدعوك للسمر وترك الدعاء قائلاً إنك قد قرأته في أغلب الليالي فدعه الليلة. فمثل هذا الترغيب والتثبيط يكونان سواء عند بعض الأشخاص في عدم التأثر به في ترك العمل أو الإتيان به، فلا الترغيب يدفعهم أكثر ولا التثبيط يُضعفهم ويقلل من اندفاعهم.

ولا شك أن بلوغ هذه المرحلة يتطلّب عملاً كثيراً ومواظبة جادّة؛ فللشهوات أثرها السلبي وكذلك الشياطين وأصدقاء السوء، ولكن إذا اقتنع الإنسان بإمكانية الوصول وتوكَّلَ علي الله تعالي، فإن هذا الاعتقاد بنفسه سيوصله، ومن مفاتيحه السهلة محاسبة النفس؛ وذلك بأن يكون الشخص ملتزماً بتحديد أوقات من اليوم يراجع فيها نفسه، بشرط أن يكون الوقت مناسباً، فلا يكون عند الجوع أو الشبع أو انشغال الذهن بأمر آخر قد يحول دون التأمل والتفكير جيداً بل يكون في وقت يمكنه الاختلاء بنفسه ومراجعة

ما قد صدر منها.

يقال: إن بعض الأفاضل طلب من أستاذه العالم أن ينصحه نصيحة تنفعه طيلة عمره، وكان علي وشك مفارقته، فقال له العالم: خصص لنفسك كل يوم وقتاً تحاسب فيه نفسك، وإن قلّ. يقول ذلك الفاضل: عملت بنصيحة أستاذي العالم حتي أصبحت محاسبة النفس حاضرة في ذهني ما دمت مستيقظاً.

وهذا يدلّ علي ارتكاز الحالة في ذهنه حتي لكأنها صارت ملكة عنده.

أرأيت نفسك إذا كنت تترقب وقوع أمر محبوب لنفسك، كتعيينك في منصب مثلاً، فإن هذا الأمر لا يغيب عن ارتكازك الذهني حتي تنام – بل قد يراودك حتي في نومك –.

إنك في مثل هذه الحالات، تحاول أن لا تعمل خلال هذه المدة كل ما من شأنه أن يحول دون تحقق ذلك الأمر المحبوب لك، وقد تنجح في ذلك؛ لأن القضية حاضرة في ذهنك مادمت مستيقظاً، ويعود الارتكاز بمجرد استيقاظك من النوم مرة أخري، والدليل علي ذلك عودته إلي التأثير في تصرفاتك وعدم القيام بما يتزاحم معه.

هكذا هو حال من كان الله تعالي حاضراً عنده دائماً، فإن محاسبة النفس لا تغيب عنه ما دام مستيقظاً، وهذا ممكن بترويض النفس بأن يخصص المرء وقتاً من يومه يزيده قليلاً كل يوم، يراجع فيه نفسه وينظر إلي أعماله ونواياه، فكلما رأي خيراً شكر الله وطلب الزيادة وسعي لها، وكلما رأي شراً استغفر الله وطلب منه التوفيق للإقلاع عنه.

وشهر رمضان خير فرصة لهذه التجربة، ولو أضيف إليه عشرة أيام من شهر شوال لتصبح أربعين يوماً فذلك خير؛ إذ إن الحالة قد تقترب من الملكة التي يصبح التخلي عنها بعد ذلك مستبعداً، لأن الشخص بعد تروّضه يحسّ بلذة لا تضاهيها أية لذة مادية أخري. فلو وضعت كل اللذات المادية في

جانب، ووضعت إحدي اللذات المعنوية في جانب آخر لرجحت الأخيرة، لأن اللذة المعنوية واقعية وخالدة، أما اللذة المادية فاعتبارية مصيرها إلي الزوال – إن لم نقل إنها وهم وخيال -.

روي عن بعض من وُفِّق لزيارة ولقاء الإمام الحجة عجل الله تعالي فرجه الشريف أنه كان يقول: لقد بلغتُ مرحلةً المرض أحب فيها إليّ من الصحة، والفقر خير لي من الغني. ولقد كان صادقاً في قوله لأنه كان يلتذّ باللذات المعنوية بدل اللذات المادية.

ولكن القول الأصح هو ما عُرف عن أئمة آل البيت سلام الله عليهم، وهو: الرضا بما قدّر الله، فإنهم سلام الله عليهم لا يريدون المرض ولا الصحة، ولا الفقر ولا الغني بل ما قدّر الله، فهو مرادهم أيضاً.

فليصمم كل واحد منا منذ أول شهر رمضان المبارك علي تخصيص وقت لمحاسبة نفسه كل يوم، وليدعوا الذين وفقوا لذلك، لمن لم يوفقوا أو قلّ توفيقهم، عسي الله أن يوفقنا جميعاً.

(2) شهر رمضان والتغيير الاجتماعي

أما المسألة المرتبطة بأهل العلم في الغالب - وإن كانت عامة أيضاً ولكن بمراتب - فهي مسألة التبليغ والدعوة إلي الله تعالي. يقول الإمام الصادق سلام الله عليه: … وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً(). والزين علي درجات ومراحل. فتارة يسعي أحد أهل العلم أن لا يفعل أو يتكلّم ما من شأنه أن يسيء للإسلام، فهذه مرحلة، وهي مرحلة مهمة ولا بد منها. وتارة يسعي أحدهم لأن يتصرف بنحو يؤثر في الناس من خلال سلوكه وتعامله مع الآخرين. وهذه مرحلة أعلي، وهي المعنية بقول الإمام سلام الله عليه في رواية صحيحة: كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم(). وهذا لا يعني ترك الدعوة باللسان، بل عدم الاكتفاء بها لأنها مطلوبة أيضاً، ولكن الدعوة بالعمل أفضل منها.

لو لاحظ ذوونا

وزملاؤنا أنّا نسعي لأداء صلواتنا في أوقاتها فإنهم سيلتزمون بذلك في الغالب حتي لو لم ندعهم بألسنتنا. وهذا لا يعني عدم وجود استثناءات ولكن التبليغ العملي والتربية والدعوة من خلال العمل بطبيعتها تؤثر أكثر من الدعوة باللسان آلاف المرات. فما فائدة أن تدعو ابنك لأداء صلاته أوّل الوقت وهو يراك لا تكترث بذلك؟!

إن الذين عايشوا أشخاصاً اعتقدوا بصلاحهم - لما لاحظوهم يسعون أن لا تختلف أفعالهم عن أقوالهم - هم أفضل في الغالب من الذين استمعوا آلاف المواعظ، دون أن يروا نماذج عملية تجسّدها.

الاعتبار ببعض أهل العلم

أعرف اثنين من أهل العلم، كلاهما توفيا رحمهما الله، وكان أحدهما متقدماً علي زميله في كثير من المجالات، كالمستوي العلمي والذكاء والأساتذة و … إلا أن زميله كان أكثر تأثيراً في المجتمع بمراتب كثيرة.

أذكر نموذجين من عملهما رحمهما الله؛ كان الأول أي المتفوق علمياً، في أحد الأيام جالساً في إحدي المشاهد المقدسة منشغلاً بقراءة الزيارة أو الدعاء، وكان المكان مزدحماً بالزوار، فجاءه شخص من عامة الناس وبيده مصحف وطلب منه أن يستخير الله تعالي له، ولم يكن يحبّ أن يقطع أحد عليه خلوته ودعاءه، فأشار إلي الشخص أن يذهب إلي غيره، ولكن الشخص لم ينتبه فتصور أن العالم لم يلتفت إليه، فتقدم إليه بالمصحف مقترباً منه قليلاً وأعاد طلبه. ومرة أخري أشار له العالم بالذهاب إلي غيره. ولم يلتفت الرجل أيضاً - لأن من عنده مشكلة، لا يلتفت بالإشارة وما أشبه عادة - فاقترب أكثر وكرر طلبه. فغضب العالم ولكنه لم يكلّم الرجل لأنه رأي أن الوقت الذي ستستغرقه الاستخارة ربما يكون أقل. وعندما أخذ منه المصحف رآه مقلوباً، وهنا لم يتمالك نفسه فشرع يصرخ في وجه الرجل قائلاً: لقد شغلتني

عن قراءتي وقطعتني عن توجهي، وما أشبه من هذه الكلمات، ولكن ذلك الرجل كان غارقاً في همومه غير ملتفت إلي الموضوع أصلاً، فعجب منه وانصرف.

أما ذلك العالم الآخر- أي زميل هذا العالم – فطالما رأيته في حرّ الظهيرة، والعرق يتحدّر علي وجهه، إذ يقبل عليه شخص، فيطلب منه سؤالاً أو استخارة، وأحياناً يكون السائل صبياً أو طفلاً صغيراً، فكان رحمه الله يجيبه وهو في مكانه ولا يطلب منه التحول إلي الظل رغم أنه لم يكن يبعد عنه أكثر من مترين!

ومثل هذا الإنسان بطبيعة الحال أسعد حالاً، وأقلّ معاناة من غيره في الحياة الدنيا، لأنه لا يفكر عند النوم إلا في همّ آخرته، أما الدنيا فلا يكترث بها، فروحه لا تشعر بالألم وإن كان بدنه في بعض العناء. وهذا لا يعني أنه لا يشعر بالمشاكل المادية ولا يفكّر في حلّها، بل أنها لا تشغل ذهنه ولا تعذّبه.

ولتوضيح الحالتين نضرب مثالين: إذا سقط ابن جار لك من علي السطح أو وقع فريسة مرض عضال فإنك قد تهرع لمساعدته ولا تقصر في تقديم المعونة له، ولكن حالتك النفسية والروحية تختلف عما لو كنت أنت المبتلي أي كان المريض ولدك، فإنك في الحالة الثانية تتعرض لضغط روحي وآلام نفسية قد لا تشعر بها في الحالة الأولي.

إذا سنحت لكم الفرصة قوموا بزيارة لمستشفيات الأمراض العقلية؛ هل ترون فيهم مؤمناً حقاً؟ راجعوا التاريخ هل تجدون بين المنتحرين مؤمناً حقيقياً؟ وليس المقصود بالمؤمن من يصلي ويصوم فقط بل ?الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلي ربهم يتوكلون?(). إنك قد تجد من بين مرضي المصحات العقلية الشاب القوي والمرأة الجميلة، والوزير والرئيس والمليونير، ولكن لا تجد فيهم

مؤمناً واحداً؛ وذلك لأن المؤمن لا يتحطم إلي تلك الدرجة؛ فما أعظم قيمة الإيمان!

وهذا بحد ذاته إحدي ثمرات التربية العملية والدعوة العملية التي نتحدث عنها. ولذلك تراني أتذكر اليوم قصة هذين العالمين رغم مرور عشرات الأعوام عليها.

وهكذا قد يتذكر الإنسان في الشدائد بعض المواقف العملية بسرعة ولا يتذكر أياً من الآيات والروايات أو المواضيع التي قرأها أو سمعها أو قالها.

لنتعلّم من أهل البيت سلام الله عليهم

فلنسعَ لتقديم النماذج العملية للناس وهو ما أراده وطلبه منا الأئمة الأطهار سلام الله عليهم أجمعين، ولا يقتصر دورنا في هذا المجال علي أنفسنا بل علينا أن نحول دون ابتعاد الناس عن الإسلام وعلماء الدين. فإذا ما صدر من أحد أهل العلم تصرف مشين نسعي لتداركه ولا نقل إنه تصرف شخصي ولا علاقة لنا به، بل علينا أن نحاول تداركه لئلا يبتعد الناس بسببه عن الدين والمذهب.

ولنا في أئمتنا سلام الله عليهم أسوة. فهذا أمير المؤمنين سلام الله عليه قد ترك حقّه مخافة أن يرتدّ الناس، فإن كنا مأمومين بالإمام سلام الله عليه - ولكل مأموم إمام يقتدي به - فلنقتد بإمامنا سلام الله عليه في هذا المجال أيضاً.

ولنا في موقف الإمام الحسين سلام الله عليه مع الحر وأصحابه في كربلاء قدوة أيضاً، فإن الإمام سلام الله عليه سقاهم الماء مع أنه كان يعلم أنهم – إلا الحرّ – قاتلوه بعد ساعة! وكانت مهمّتهم تسليم الإمام سلام الله عليه لابن زياد، فكانوا أظهر مصاديق البغاة والمنافقين والمحاربين والخوارج والنواصب لا شك في ذلك ولا شبهة! وكانوا مسلحين لكي يجبروا الإمام علي التسليم والاستسلام وإن لزم الأمر باللجوء إلي القوة.

ولكن تصرف الإمام سلام الله عليه هو مما أبقي التشيع حياً. فلم يكن مهماً عند الإمام أن

يسقي القوم وإن اقتضي أن يترجل ويرشف خيولهم بنفسه، كما تقول الروايات، إنما كان المهم عند الإمام هو الإسلام ودعوة الناس إليه.

وهكذا كان تصرف النبي صلّي الله عليه وآله مع مشركي بدر، وكذلك سقي الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه أصحاب معاوية في صفين.

كلكم سمعتم بقصة خالد بن الوليد وما فعله مع بعض القبائل المسلمة، ولكن الرسول صلّي الله عليه وآله لم يكتف بالبراءة من صنع خالد، وإنما أرسل الإمام علياً سلام الله عليه ليديهم:

«عن فضالة عن أبان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر سلام الله عليه قال:

بعث رسول الله صلي الله عليه وآله خالد بن الوليد إلي حي يقال لهم بنو المصطلق من بني جذيمة وكان بينهم وبينه وبين بني مخزوم إحنة في الجاهلية، فلما ورد عليهم كانوا قد أطاعوا رسول الله صلي الله عليه وآله وأخذوا منه كتاباً فلما ورد عليهم خالد أمر منادياً فنادي بالصلاة فصلي وصلوا. فلما كان صلاة الفجر أمر مناديه فنادي فصلي وصلوا، ثم أمر الخيل فشنوا فيهم الغارة فقتل وأصاب. فطلبوا كتابهم فوجدوه فأتوا به النبي صلي الله عليه وآله وحدثوه بما صنع خالد بن الوليد. فاستقبل صلي الله عليه وآله القبلة ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد.

ثم قدم علي رسول الله صلي الله عليه وآله تبر ومتاع، فقال لعلي عليه السلام: يا علي ائت بني جذيمة من بني المصطلق فأرضهم مما صنع خالد.

ثم رفع صلي الله عليه وآله قدميه فقال: يا علي اجعل قضاء أهل الجاهلية تحت قدميك.

فأتاهم علي عليه السلام، فلما انتهي إليهم حكم فيهم بحكم الله، فلما رجع إلي النبي صلي الله عليه وآله، قال: يا علي أخبرني

بما صنعت؟ فقال: يا رسول الله عمدت فأعطيت لكل دم دية ولكل جنين غرة ولكل مال مالاً، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لميلغة كلابهم وحبلة رعاتهم وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لروعة نسائهم وفزع صبيانهم، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لما يعلمون و لما لا يعلمون، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم ليرضوا عنك يا رسول الله. فقال صلي الله عليه وآله: يا علي أعطيتهم ليرضوا عني؟ رضي الله عنك يا علي! إنما أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي().

هذا هو الإسلام. فلنسع لأن نصلح ما خرّب غيرنا. ونقول للناس: إن النبي والأئمة سلام الله عليهم لم يكونوا هكذا بل كانوا صلحاء ومصلحين، فلا تتأثروا بما يصدر عن غيرهم.

في رواية صحيحة – عن الإمام الصادق عن الإمام الباقر سلام الله عليهما – أن الإمام السجاد سلام الله عليه كان مديناً لشخص بأربعمئة دينار ثم وفاه بعد ذلك. إلا أن الشخص أنكر علي الإمام ذلك وطالب بالمبلغ مجدداً أو أن يحلف الإمام بالله تعالي أنه وفاه، ولكن الإمام أمر ابنه الباقر سلام الله عليهما أن يعطيه المال ولم يكن مستعدّاً لأن يحلف. وكان الدينار الواحد يمكن أن يشتري به خروف يومذاك، ما يدلّ أن المبلغ لم يكن قليلاً، ومع ذلك لم يحلف الإمام وهو صادق! ()

نسأل الله تعالي ببركة أهل البيت سلام الله عليهم، وراعينا الإمام بقية الله الأعظم أرواحنا لمقدمه الفداء، أن يوفقنا جميعاً. وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

الورع عن محارم الله تعالي

الورع عن محارم الله تعالي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

مقدمة

تضمنت الخطبة الشهيرة التي ألقاها رسول الله صلي الله عليه وآله في آخر جمعة من شهر شعبان في استقبال شهر رمضان المبارك فضائل كثيرة() ولكننا سنتناول في بحثنا هذا نقطتين هما:

الأولي: قوله صلي الله عليه وآله: فإنّ الشقي مَن حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.

الثانية: الورع عن محارم الله، حيث سأله الإمام علي سلام الله عليه عن أفضل الأعمال في هذا الشهر، فأجاب صلي الله عليه وآله: الورع عن محارم الله.

1- من هو الشقي

أما عن قول رسول الله صلي الله عليه وآله: الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم. فقد قال علماء البلاغة: إن الجملة هنا تدلّ علي الحصر، أي إن الشقيّ هو مَن حُرم غفران الله في شهر رمضان المبارك فقط، وليس في أي شهر آخر. فالشقاء منحصر في مَن شُقي في شهر رمضان وحُرم غفران الله فيه، لا غير. هذا هو الظاهر البلاغي للجملة، ومعناه أن الشقيّ كلّ الشقاء هو الذي يحرم غفران الله في هذا الشهر خاصة.

ولا عجب فإن شهر رمضان هو شهر الله سبحانه وتعالي، قد خصّ به نفسه دون باقي الشهور، فهو شهر لتنظيم حياة الإنسان والتغيير نحو الأفضل والتطهّر من كل دنس، والطاعة لله سبحانه، وفيه يغفر الله للإنسان كل يوم وليلة أضعاف ما يغفر في سواه من الشهور، كما خصّه بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، والتي يغفر الله فيها ما لا يغفر في غيرها من الليالي والأيام، وكذلك يغفر الله في أوله ووسطه وآخره. فشهر رمضان هو شهر «العفو العام». فمن لم يُشمل بالعفو فيه فهو الشقي حقاً.

أقسام الصوم ومراتبه

ونظراً لأهمية الصوم في شهر رمضان المبارك، ودوره في بناء الإنسان المسلم، فقد قسّم علماء الأخلاق الصوم إلي ثلاثة أقسام هي:

1. الصوم العام.

2. الصوم الخاص.

3. الصوم خاص الخاص.

الصوم العام: هو الكفّ عن المفطرات المذكورة في الكتب الفقهية والرسائل العملية من الأكل والشرب والكذب علي الله تعالي ورسوله والأئمّة المعصومين، والارتماس في الماء، والبقاء علي الجنابة حتي الفجر، والتقيؤ عمداً وغيرها من الأمور التي إن لم يلتزم بها المرء لا يصدق عليه أنه صائم.

أما الصوم الخاص: - وهو أرقي من الأوّل وأرفع درجة – فهو الكفّ عن المحرّمات كلّها

إضافة إلي ما ذكر، مثل: كفّ اللسان والسمع عن الغيبة، وكفّ البصر عن النظر إلي المرأة الأجنبية بريبة، وكفّ اللسان عما لا يحل له كالكذب واغتياب الآخرين، وهكذا.

وأما الصوم خاص الخاص: فلا يتوقّف حتي عند هذا الحد بل يترقي ليشمل النوايا والفكر أيضاً. فالصائم في هذه المرتبة لا يقتصر علي الكفّ عن المفطرات وعموم المحرّمات فحسب بل لا يفكر فيها ولا تحدّثه نفسه بها.

أي أن هناك فريقاً من الناس لا يتورعون عن المعصية ويكفّون عنها وعن المحرّمات فحسب بل يتورعون عن التفكير فيها أيضاً، فهم يصومون عن المفطرات العامة، وتصوم جوارحهم عن ارتكاب الذنوب، كما تصوم جانحتهم عن التفكير فيها. وهذا صوم خاص الخاص. وهو أعلي مراتب الصوم وأقسامه.

لنصمم علي بلوغ أعلي المراتب

لو أن أحداً صمم وعزم علي الالتزام بالقسم الثالث والمرتبة الأعلي من الصوم، أي نوي الكف عن المفطرات وسائر المحرّمات وكذلك التفكير فيها أيضاً، فإنه قد يوفّق لبلوغ المرتبة الثانية أي ترك المحرّمات وصوم الجوارح إلي جانب ترك المفطرات العامة للصوم، فلو راجع نفسه بعد شهر رمضان لرأي أن فكره لم يكن صائماً وأنه ربما تخلّف عدة مرات وفكّر في الحرام، لكن جوارحه قد صامت والحمد لله.

أما إذا عزم المرء علي المرتبة الثانية فيُخشي أن لا يوفَّق حتي لهذا، ولا يبلغ أكثر من المرتبة الأولي وهي الصوم العام، وذلك لأن الإنسان لا يوفَّق - عادة - إلا لما دون ما عزم عليه. يقول الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: مَن طلب شيئاً ناله أو بعضه().

ولا نعني بذلك أن الإنسان مجبر علي ذلك، بل هو لا يملك نفسه في الغالب، وهذا أمر قد ثبت بالتجربة. فإن الشخص الذي ينوي مطالعة عشرين صفحة – مثلاً- قد لا يشعر

بالتعب إذا بلغ بضع صفحات (ثلاث أو أربع)، لكنه قد يشعر بالتعب وقد يتوقف إذا بلغ عشر صفحات أو أكثر. أما الذي يعزم علي مطالعة ثلاث صفحات فقط فإنه سيتعب بمجرد قراءة صفحتين فقط، وهذا يعني أن الإنسان يشعر بالتعب دون مقصده. وهذا حال أغلب الناس دون النادر من ذوي التوفيق الخاص.

ومن هنا ينبغي للإنسان أن يكون ذا تصميم قوي وإرادة صادقة لكي يوفّق إلي طاعة الله عزّ وجلّ في أعلي مراتبها ونيل أعلي الدرجات، لا أن يقول حسبي ترك مفطرات الصيام؛ فإنه قد يُحرم غفران الله.

فليجلس كلّ منا – ولو ساعة - قبل شهر رمضان يقلّب فكره في هذه الأقسام من الصوم ويتساءل مع نفسه: ماذا يحدث لو عزمت علي المرتبة الثانية علي أقل تقدير، ولا أترك نفسي دون تحضير واستعداد وعزْم علي ترك المحرّمات قبل أن أواجهها؟ فإن هذه الساعة من التفكير ستلعب دوراً في تغيّر الإنسان تجعله يختلف عن غيره من أوّل شهر رمضان إلي آخره. حتي إذا راجع صحيفة أعماله بعد الشهر الكريم رأي أن سيئاته قد قلّت بدرجة كبيرة واقترب من غفران الله أكثر وابتعد عن الشقاء أكثر.

وهذا ليس بالأمر الصعب فهو لا يتطلب أكثر من أن تجلس قبل شهر رمضان ساعة من الزمن تخلو فيها بنفسك وتفكّر في مراتب الصوم وتعزم علي بلوغ المرتبة الأعلي، فإنّ تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة كما في الحديث().

ولنحدّد المحرّمات التي تواجهنا

كما علينا أن ننظر ما هي محرّمات البصر وما هي محرّمات السمع وما هي محرّمات اللسان ثم نصمّم علي الكفّ عنها، ونحاول ذلك.

ففي بعض الأدعية: إلهي خلقتني سميعاً، فطالما كرهت سماعي، وأنطقتني فكثُر في معاصيك منطقي، وبصّرتني فعمي عن الرشد بصري، وجعلتني سميعاً

بصيراً، فكثر فيما يرديني سمعي وبصري().

فلننظر ما هي المحرّمات التي قد نتعرض لها ونصمم علي تركها؛ لأن كلّ إنسان معرَّض لقسم من المحرّمات، فهناك محرّمات قد لا يكون قادراً علي فعلها أو أنها ليست من شأنه. فطالب العلم الديني مثلاً لا يصدر منه شرب الخمر عادة، لأن ذلك ليس من شأنه بل لا يفكّر فيه ولا يتصوّر وقوعه في هذا الفعل الحرام، وهكذا اللواط والزنا والسرقة وتطفيف الميزان وما أشبه، ولكنه قد يقع في الغيبة أو الإيذاء أو إهانة الناس، فليحدد المحرّمات التي من هذا القبيل وليصمم علي تركها.

وليكن لنا في المتحولين عبرة

ولا بأس أيضاً أن يتذكر الإنسان أن هناك أناساً كانوا عصاة وفساقاً، ولكنهم انقلبوا - بسبب استعداد قلوبهم الرقيقة- بموعظة أو أكثر، إلي أناس ورعين عدول؛ فإن لم نتدارك نفوسنا فسوف نتحسّر كثيراً يوم القيامة؛ إذ لا مجال لإصلاح أنفسنا عندما نعرف أن إنساناً بعيداً عن المطالب الدينية انقلب طيّباً وخيّراً وأصبح أحسن منّا عند الله سبحانه وتعالي ولم نغيّر نحن أنفسنا مع أننا كنا نعرف المسائل الدينية أكثر منه.

فإن كان التأمّل في هذا الأمر يؤلمنا فلنحاول أن نصلح أنفسنا خصوصاً في هذا الشهر الكريم.

2 - ما هو الورع؟

ذكرنا في مطلع الحديث أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: إن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله.

إذن علينا أن نعرف أولاً ما هي الأمور التي حرّمها الله تعالي؛ لأن الورع شيء والمحرّمات شيء آخر.

فهناك مسألة في الفقه يدور النقاش حولها وهي ما هو حكم مَن تتوفر فيه ملكة العدالة ولكنه لا يعلم كلّ المحرّمات، كالبدوي الطيب الذي لو عرف أن شيئاً بعينه حرام لتركه، ولكنه يجهله، ولنفرض أن جهله كان عن قصور لا تقصير، فهل تترتب عليه آثار العدالة أم لا؟

فلنحتمل الشيء نفسه في أنفسنا. فما أدرانا أنّا عرفنا كلّ المحرّمات؟ ولو عرفناها فما هي حدودها؟ فلعلّ بعضها غير واضح لبعضنا. إذن علينا - لاسيما نحن أهل العلم - أن نستفيد من فرصة هذا الشهر الكريم لمعرفة المحرّمات. فاحتمال عدم معرفتنا لكل المحرّمات يسوقنا إلي أن نوفر بعض الوقت لمعرفتها في هذا الشهر فهو خير فرصة لنا.

وإذا كان الورع عن محارم الله أفضل الأعمال في هذا الشهر، فمعرفة هذه المحارم مقدمة له.

والورع عن محارم الله أفضل حتي من قراءة القرآن في هذا الشهر، خلافاً لتصور

بعض الناس.

إنّ ختم القرآن الكريم فضيلة عظيمة خاصة في هذا الشهر الكريم، وينبغي للإنسان أن يختمه فيه ولو ختمة واحدة، وإن كان هناك مَن يختمه حتي ثلاثين مرة! ولكن هناك فضائل أخري كالإطعام وهداية الناس قد تكون أفضل حتي من قراءة القرآن، هذا إذا كانت تلك الفضائل مستحبة، أما إذا كانت واجبة فالقضية أعظم لأن المكلّف يأثم بتركها.

أما أفضل الأعمال - كما قال رسول الله صلي الله عليه وآله - فهو الورع عن محارم الله.

ويتطلّب أوّلاً: معرفة المحرّمات - كما ذكرنا.

ويتطلب ثانياً: مطالعة الروايات التي عدّدت المحرّمات، لأن كثيراً من هذه الروايات تؤثر في دفع الإنسان لترك المحرّمات، بسبب توفّرها علي علل التحريم وكذلك العقوبات التي تنتظر مرتكبيها. ففرق بين أن يسمع المرء أن الغيبة حرام وحسب، وبين أن يسمع أن رسول الله صلي الله عليه وآله رأي المغتاب في ليلة المعراج ولسانه يُقرض أو يُفعل به كذا وكذا، فهذا يؤثّر في ترك الغيبة أكثر.

وهذه الروايات مذكورة في كتب الأخلاق مثل جامع السعادات والكتب التي تذكر آداب المحرّمات كحلية المتقين، والآداب والسنن في بحار الأنوار…

ويتطلّب ثالثاً: الابتعاد عن كلّ المناهي؛ لأن منها ما هو حرام ومنها ما هو مكروه، لاسيّما إذا لم يتضّح لنا بعد أن الأمر الفلاني مكروه أو حرام؛ فإنّ ذلك من مقتضيات الورع. أرأيت الذي يسير في أرض شائكة كيف يحتاط في رفع قدمه ووضعها لئلا تصيبه شوكة بل حتي ما يشكّ أنها شوكة. ولذلك قال العلماء: إن الورع درجات. سئل الإمام الصادق سلام الله عليه عن أورع الناس فقال: الذي يتورّع عن محارم الله ويجتنب هؤلاء وإذا لم يتَّقِ الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه().

إن الورع عن المحرّمات أدني درجات

الورع، نسأل الله سبحانه أن يوفّقنا لأعلي درجاته ولما يحب ويرضي.

وصلّي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

پي نوشتها

() وسائل الشيعة: 10/313 ح13494 باب 18.

() روضة الواعظين للفتال النيسابوري: ص144 مجلس في ذكر تزويج فاطمة عليها السلام.

() نهج البلاغة: 139 رقم94 وفيها يصف الله تعالي ثمّ يبيّن فضل الرسول الكريم وأهل بيته.

() انظر هامش محاضرة: الورع عن محارم الله.

() هود: 118-119

() نهج البلاغة: 544 رقم 386 الكلمات القصار.

() منها: عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: ليس منا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل خيرا استزاد الله منه، وحمد الله عليه، وإن عمل شرّاً استغفر الله منه وتاب إليه. بحار الأنوارللعلامة المجلسي: 76 / 72.

() الكافي: 2/77 ح9 باب الورع.

()الكافي: 2/78 ح14 باب الورع.

() الأنفال: 2.

() بحار الأنوار: ج 18 ص 366 باب 20.

() انظر: رياض المسائل: 2 / 403 (طبعة قديمة).

() مما جاء في هذه الخطبة الشريفة:

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَة والرَّحْمَة والْمَغْفرَة شَهْرٌ هُوَ عنْدَ الله أَفْضَلُ الشُّهُور وأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الأَيَّام ولَيَاليه أَفْضَلُ اللَّيَالي وسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَات. هُوَ شَهْرٌ دُعيتُمْ فيه إلَي ضيَافَة اللَّه وجُعلْتُمْ فيه منْ أَهْل كَرَامَة الله. أَنْفَاسُكُمْ فيه َتسْبيحٌ ونَوْمُكُمْ فيه عبَادَةٌ وعَمَلُكُمْ فيه مَقْبُولٌ ودُعَاؤُكُمْ فيه مُسْتَجَابٌ فَاسْأَلُوا الله رَبَّكُمْ بنيَّاتٍ صَادقَةٍ وقُلُوبٍ طَاهرَةٍ أَنْ يُوَفّقَكُمْ لصيَامه وتلاوَة كتَابه، فَإنَّ الشَّقيَّ مَنْ حُرمَ غُفْرَانَ اللَّه في هَذَا الشَّهْر الْعَظيم، واذْكُرُوا بجُوعكُمْ وعَطَشكُمْ فيه جُوعَ يَوْم الْقيَامَة وعَطَشَهُ، وتَصَدَّقُوا عَلَي فُقَرَائكُمْ ومَسَاكينكُمْ ووَقّرُوا كبَارَكُمْ وارْحَمُوا صغَارَكُمْ وصلُوا أَرْحَامَكُمْ واحْفَظُوا أَلْسنَتَكُمْ وغُضُّوا عَمَّا لا يَحلُّ النَّظَرُ إلَيْه أَبْصَارَكُمْ وعَمَّا لا يَحُلُّ الاسْتمَاعُ إلَيْه أَسْمَاعَكُمْ، وتَحَنَّنُوا عَلَي أَيْتَام النَّاس يُتَحَنَّنْ عَلَي أَيْتَامكُمْ، وتُوبُوا إلَي الله

منْ ذُنُوبكُمْ وَارْفَعُوا إلَيْه أَيْديَكُمْ بالدُّعَاء في أَوْقَات صَلاتكُمْ؛ فَإنَّهَا أَفْضَلُ السَّاعَات، يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ فيهَا بالرَّحْمَة إلَي عبَاده يُجيبُهُمْ إذَا نَاجَوْهُ ويُلَبّيهمْ إذَا نَادَوْهُ ويُعْطيهمْ إذَا سَأَلُوهُ ويَسْتَجيبُ لَهُمْ إذَا دَعَوْهُ. أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بأَعْمَالكُمْ فَفُكُّوهَا باسْتغْفَاركُمْ، وظُهُورَكُمْ ثَقيلَةٌ منْ أَوْزَاركُمْ فَخَفّفُوا عَنْهَا بطُول سُجُودكُمْ، واعْلَمُوا أَنَّ الله أَقْسَمَ بعزَّته أَنْ لا يُعَذّبَ الْمُصَلّينَ والسَّاجدينَ وأَنْ لا يُرَوّعَهُمْ بالنَّار يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لرَبّ الْعَالَمينَ. أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ فَطَّرَ منْكُمْ صَائماً مُؤْمناً في هَذَا الشَّهْر كَانَ لَهُ بذَلكَ عنْدَ الله عتْقُ نَسَمَةٍ ومَغْفرَةٌ لمَا مَضَي منْ ذُنُوبه.

قيلَ: يَا رَسُولَ اللَّه فَلَيْسَ كُلُّنَا نَقْدرُ عَلَي ذَلكَ.

فَقَالَ صلي الله عليه وآله: اتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بشقّ تَمْرَةٍ، اتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بشَرْبَةٍ منْ مَاءٍ. أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ حَسَّنَ منْكُمْ في هَذَا الشَّهْر خُلُقَهُ كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَي الصّرَاط يَوْمَ تَزلُّ فيه الأَقْدَامُ، ومَنْ خَفَّفَ في هَذَا الشَّهْر عَمَّا مَلَكَتْ يَمينُهُ خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْه حسَابَهُ، ومَنْ كَفَّ فيه شَرَّهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، ومَنْ أَكْرَمَ فيه يَتيماً أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، ومَنْ وَصَلَ فيه رَحمَهُ وَصَلَهُ اللَّهُ برَحْمَته يَوْمَ يَلْقَاهُ، ومَنْ قَطَعَ فيه رَحمَهُ قَطَعَ اللَّهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، ومَنْ تَطَوَّعَ فيه بصَلاةٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً منَ النَّار، ومَنْ أَدَّي فيه فَرْضاً كَانَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ أَدَّي سَبْعينَ فَريضَةً فيمَا سوَاهُ منَ الشُّهُور، ومَنْ أَكْثَرَ فيه منَ الصَّلاة عَلَيَّ ثَقَّلَ اللَّهُ ميزَانَهُ يَوْمَ تَخفُّ الْمَوَازينُ، ومَنْ تَلا فيه آيَةً منَ الْقُرْآن كَانَ لَهُ مثْلُ أَجْر مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ في غَيْره منَ الشُّهُور.ِ أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ أَبْوَابَ الْجنَان في هَذَا الشَّهْر مُفَتَّحَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُغَلّقَهَا عَنْكُمْ وأَبْوَابَ النّيرَان مُغَلَّقَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ

لا يُفَتّحَهَا عَلَيْكُمْ، والشَّيَاطينَ مَغْلُولَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُسَلّطَهَا عَلَيْكُمْ.

قَالَ أَميرُ الْمُؤْمنينَ عليه السلام: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه مَا أَفْضَلُ الأعمَال في هَذَا الشَّهْر؟ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَن أَفْضَلُ الأَعْمَال في هَذَا الشَّهْر الْوَرَعُ عَنْ مَحَارمِ اللهِ.

عن وسائل الشيعة: 10/313 باب 18 ح13494.

() نهج البلاغة: 544 رقم 386 الكلمات القصار.

() بحار الأنوار: 66 / 293 باب صفات خيار العباد وأولياء الله.

() إقبال الأعمال لابن طاووس: 29.

() معاني الأخبار للصدوق: 252 ح1 باب معني الورع من الناس.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.