تعظيم الشعائر الفاطمية (سلام الله عليها)

اشارة

اسم الكتاب: تعظيم شعائر الفاطمية

المؤلف: حسيني شيرازي، صادق

الموضوع: حضرت فاطمه

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: ياس الزهراء(ع)

مكان الطبع: قم

تاريخ الطبع: 1429 ه

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين

والصلاة والسلام علي محمّد

وآله الطيبين الطاهرين

واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين

فاطمة هي محور أهل البيت سلام الله عليهم

في حديث الكساء وهو الحديث القدسيّ المروي عن سيّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليه ورد أنّ جبرئيل سأل الله تعالي فقال: ومَن تحت الكساء؟ ولمّا أراد الله تعالي أن يعرّف الخمسة الطيبين الطاهرين قال: هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها.

لعلّ هذا النوع من التعريف فريد في أسلوب الله تعالي، فممّا لا شكّ فيه أنّ رسول الله صلّي الله عليه وآله أفضل من فاطمة، وهذا ما نلاحظه حتّي في بيان الواجبات والمستحبّات الشرعية، ففي تشهّد الصلاة الواجبة نبتدئ بالصلاة علي النبي صلّي الله عليه وآله ثمّ بآله سلام الله عليهم.

القاعدةفي التعريف البدء بالأفضل والأعرف لكنّا نري في هذا الحديث القدسي أنّ الله تعالي غيّر الأسلوب في التعريف، فجعل فاطمة سلام الله عليها المحور، والحال أنّه كان المفروض - ظاهراً - التعريف بالرسول أوّلاً ثمّ أهل بيته سلام الله عليهم.

والسؤال هنا: ألم يكن الملائكة يعرفون رسول الله صلّي الله عليه وآله قبل ذلك؟ بالتأكيد إنّهم كانوا يعرفون رسول الله وأمير المؤمنين والحسنين سلام الله عليهم إلاّ أنّ الله تعالي عرّفهم عبر فاطمة سلام الله عليها، فعلي أيّ أمر يدلّ ذلك؟

الجواب: يدلّ علي مقامها الرفيع سلام الله عليها، وقد أشار الباري تعالي إلي جزء بسيط من هذا المقام في هذه الكلمة الموجزة، حيث قال عزّ من قائل: «فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها».

نحن الآن علي أعتاب الأيّام الفاطمية، وإنّ الصدّيقة الزهراء سلام الله عليها بما تحمّلت باختيارها وقبولها من المصائب الشديدة والعظيمة اختار الله

لها مقاماً رفيعاً أشار إلي بعضه في هذه الكلمة حيث عرّف النبي صلّي الله عليه وآله عبر بضعته الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها.

فمتي كان في التاريخ أنّ الأفضل يعرّف بمن دونه؟ ومتي حدث قبل ذلك لغير الصدّيقة الزهراء سلام الله عليها؟ لا شكّ أنّ الصدّيقة علي خطي أبيها رسول الله صلّي الله عليه وآله إلاّ أنّ الله تعالي أراد بهذا الأسلوب أن يبيّن مقام فاطمة سلام الله عليها؟!

إظهار الولاء لفاطمة سلام الله عليها

إنّ الأحاديث الواردة في مقام فاطمة سلام الله عليها بالمئات وربما كانت بالألوف رغم إحراق الظالمين للكثير منها، ومن ذلك ما رواه الخاصّة والعامّة في العديد من الكتب المختلفة: فقد روي بأسانيد عن العديد من الصحابة ومنهم ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلّي الله عليه وآله قد سجد خمس سجدات بلا ركوع، فقلت: يارسول الله، سجود بلا ركوع! فقال: «نعم، أتاني جبرئيل فقال: يامحمّد، إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ علياً، فسجدت، ورفعت رأسي فقال لي: إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ فاطمة، فسجدت، ورفعت رأسي فقال لي: إنّ الله يحبّ الحسن، فسجدت، ورفعت رأسي فقال لي: إنّ الله يحبّ الحسين، فسجدت، ورفعت رأسي فقال لي: إنّ الله يحبّ من أحبّهم، فسجدت ورفعت رأسي».

والمقصود بمن أحبّهم هم أنتم وأمثالكم، فالرسول صلّي الله عليه وآله يسجد شكراً علي نعمة حبّ الله تعالي لمحبّي أهل البيت سلام الله عليهم.

إذن ينبغي أن نشكر الله تعالي لأنه يحبّنا لحبّنا أهل البيت سلام الله عليهم وذلك عن طريق مودّتنا لسيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام.

العمل بنيّة الزهراء سلام الله عليها محفوف بالبركة

نُقل أنّ المرحوم المؤلّف الجليل الشيخ عباس القمّي قدّس سرّه صاحب الكتب العديدة وفي طليعتها كتاب مفاتيح الجنان الذي يستفيد منه ملايين المؤمنين كان في صحن أمير المؤمنين سلام الله عليه في إحدي الزيارات المعروفة -وكان الشيخ في أواخر عمره مريضاً متعباً قد اتّكأ علي جدار الصحن.

سأله أحد المؤمنين عن سبب وقوفه، فأجابه: إنّ الحسرة تغمرني إذ أري المؤمنين يوفّقون للزيارة من قرب الضريح الطاهر وأنا محروم من ذلك.

فقال له: انظر كيف أنّ كلّ من يدخل الحرم الشريف آخذاً بيده نسخة من كتاب مفاتيح الجنان؟! فأنت تدخل مع كلّ زائر.

فبعد ألف سنة من تاريخ المعصومين سلام

الله عليهم نري أن الشيخ عباس قد فاز فوزاً عظيماً … وعندما سألوه عن سبب تميّز كتاب مفاتيح الجنان عن بقية مؤلّفاته الكثيرة؟ قال: ببركة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، لأنّي عندما ألّفته قصدت بكتابته السيّدة الزهراء سلام الله عليها، وربما لم يصرف الشيخ عباس القمّي من عمره إلاّ القليل في تأليف هذا الكتاب، ومع ذلك بلغ هذه العظمة بحيث إنّ كلّ من يقرأ مفاتيح الجنان يؤجر معه الشيخ عباس، كما في الحديث الشريف: «الدالّ علي الخير كفاعله».

بالطبع هذه الفرصة متاحة لجميع الناس إذا قصدوا بأفعالهم القربة إلي الصدّيقة الزهراء سلام الله عليها صاحبة العظمة عند الله وأهل البيت عليهم السلام فإنّهم بلا شكّ يصلون إلي هذا المقام العظيم.

من يعمل لفاطمة يحظي بعناية المعصوم سلام الله عليهما

عن بشّار المكاري قال: دخلت علي أبي عبدالله سلام الله عليه بالكوفة وقد قدّم له طبق رطب طبرزد وهو يأكل فقال: يابشّار اُدن فكُل، فقلت: هنّاك الله، وجعلني فداك، قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريقي! أوجع قلبي، وبلغ منّي، فقال لي: بحقّي لمّا دنوت فأكلت، قال: فدنوت فأكلت، فقال لي: حديثك (وسؤال الإمام هنا هو سؤال العارف). قلت: رأيت جلوازاً يضرب رأس امرأة، ويسوقها إلي الحبس وهي تنادي بأعلي صوتها: المستغاث بالله ورسوله، ولا يغيثها أحد. قال: ولِمَ فعل بها ذلك؟ قال: سمعت الناس يقولون إنّها عثرت فقالت: لعن الله ظالميك يافاطمة، فارتكب منها ما ارتكب.

قال: فقطع الإمام الأكل ولم يزل يبكي حتّي ابتلّ منديله، ولحيته، وصدره بالدموع، ثمّ قال: يابشّار قم بنا إلي مسجد السهلة فندعو الله عزّ وجلّ ونسأله خلاص هذه المرأة. قال: ووجّه بعض الشيعة إلي باب السلطان، وتقدّم إليه بأن لا يبرح إلي أن يأتيه رسوله فإن حدث بالمرأة حدث

صار إلينا حيث كنّا. قال: فصرنا إلي مسجد السهلة، وصلّي كل واحد منّا ركعتين، ثمّ رفع الصادق عليه السلام يده إلي السماء وقال: أنت الله - إلي آخر الدعاء - قال: فخرّ ساجداً لا أسمع منه إلاّ النفس ثمّ رفع رأسه: فقال: قم فقد أطلقت المرأة.

قال: فخرجنا جميعاً، فبينما نحن في بعض الطريق إذ لحق بنا الرجل الذي وجّهناه إلي باب السلطان فقال له سلام الله عليه: ما الخبر؟ قال: قد أطلق عنها. قال: كيف كان إخراجها؟ قال: لا أدري ولكنّني كنت واقفاً علي باب السلطان، إذ خرج حاجب فدعاها وقال لها: ما الذي تكلّمت؟ قالت: عثرت فقلت: لعن الله ظالميك يافاطمة، ففعل بي ما فُعل.

قال: فأخرج مئتي درهم وقال: خُذي هذه واجعلي الأمير في حلّ. فأبت أن تأخذها. فلمّا رأي ذلك منها دخل، وأعلم صاحبه بذلك ثمّ خرج فقال: انصرفي إلي بيتك فذهبت إلي منزلها.

فقال أبو عبدالله عليه السلام: أبت أن تأخذ المئتي درهم؟ قال: نعم وهي والله محتاجة إليها.

قال: فأخرج من جيبه صرّة فيها سبعة دنانير وقال: اذهب أنت بهذه إلي منزلها فأقرئها منّي السلام وادفع إليها هذه الدنانير.

قال: فذهبنا جميعاً فأقرأناها منه السلام فقالت: بالله أقرأني جعفر بن محمّد السلام؟!

فقلت لها: رحمك الله، والله إنّ جعفر بن محمّد أقرأك السلام.

فشقّت جيبها ووقعت مغشيّة عليها.

قال: فصبرنا حتّي أفاقت، وقالت: أعدها عليّ، فأعدناها عليها حتّي فعلت ذلك ثلاثاً ثمّ قلنا لها: خذي! هذا ما أرسل به إليك، وأبشري بذلك، فأخذته منّا، وقالت: سلوه أن يستوهب أمته من الله فما أعرف أحداً تُوسّل به إلي الله أكثر منه ومن آبائه وأجداده عليهم السلام.

لاحظوا، إذا كان الإمام الصادق سلام الله عليه يبكي وتنحدر دموعه علي صدره

الشريف لامرأة سجنت من أجل كلمة قالتها في فاطمة سلام الله عليها، ويقصد مسجد السهلة ويدعو لنجاتها من السجن، فهل من المعقول أنّ الإمام الحجّة سلام الله عليه صاحب مصائب أجداده الطاهرين وفي طليعتهم الصدّيقة الزهراء سلام الله عليها لا يدعو لكم ولا يعتني بكم إذا قدّمتم شيئاً لجدّته الزهراء سلام الله عليها؟!

إذن كلّما قدّم الإنسان شيئاً لأهل البيت والصدّيقة الزهراء سلام الله عليهم، فإنّ ذلك من توفيقه بل كلّ من يبتلي من أجل فاطمة عليها السلام فإنّه ذو حظّ عظيم، وبالعكس، فمن يتمكّن من تقديم شيء لأهل البيت ويقصّر فهو مسلوب التوفيق.

وصيتان إلي المؤمنين

هنا لا بأس أن أذكّر الإخوان بأمرين ونحن في الأيّام الفاطمية:

الأوّل: تعظيم الشعائر الفاطمية:

كل واحد منكم - بما يقدر وبما وهبه الله تعالي من طاقات بدنية أو مالية وبمقدار ما منحهُ الله من الفهم - عليه أن لا يقصّر في تعظيم شعائر فاطمة سلام الله عليها فإنّ تعظيم شعائرها من تعظيم شعائر الله تعالي ورسوله والأئمّة الأطهار سلام الله عليهم.

وقد لا يملك الإنسان مالاً ينفقه في تعظيم شعائر فاطمة سلام الله عليها ولكنّه يمتلك لساناً يشجّع به الآخرين، وكذا الحال بالنسبة للخطيب وللعالِم وغيرهما، إذ ينبغي أن تكون مجالس الصدّيقة حافلة يشترك فيها الجميع، فلا تتركوا مجالس الصدّيقة سلام الله عليها تصبح قليلة الحضور، وإنّما عليكم أن تخبروا الآخرين من أصدقاء وأقرباء وتتّصلوا بهم أينما كانوا سواء في بلاد الإسلام أم غيرها وتشجّعوهم علي إقامة المجالس والخروج بمسيرات، وتساعدوهم علي ذلك.

وإذا كان أحدكم يتمكّن من الإطعام في مجالس الصدّيقة فليطعم، ومن لا يملك المال فعليه أن يسعي في تهيئة الأموال للإطعام وإقامة المجالس وتنظيم المسيرات من أجل الصدّيقة فاطمة سلام الله عليها.

لنستفد بقدر ما أعطانا الله من الطاقات في خدمة فاطمة سلام الله عليها فإنّ هذه الاستفادة ليست للصدّيقة، بل هي لنا وإن كان في ذلك رفع لمقامها بلا شكّ.

فعندما نوي الشيخ عباس القمّي إهداء كتابه (مفاتيح الجنان) للصدّيقة الزهراء سلام الله عليها أصبح كتابه هكذا علي ما ترونه، وإلاّ فقد اُلّف في الأدعية الكثير وربما بلغت الآلاف، علماً أنّ مؤلّفيها كانوا أصحاب أقلام جيّدة وأذواق جميلة إلاّ أنّها لم تحظ بكلّ ما حظي به هذا الكتاب من التوفيق.

فأي شيء أكثر نفعاً من الخدمة والتضحية من أجل الصدّيقة الزهراء سلام الله عليها، والسعيد هو من يوفّق لمثل هذه الخدمة، وكلّما كان الإنسان موفقاً ازداد خدمة وتضحية من أجل فاطمة سلام الله عليها.

الثاني: نشر الثقافة الفاطمية:

لماذا خرجت فاطمة سلام الله عليها للناس وخطبت تلك الخطبة؟ ولماذا أنّت أنّة فأجهش لها القوم بالبكاء؟ ولماذا ضُربت؟ ولماذا قُتلت؟

الجواب: لكي يبقي الإسلام ويبقي المسلمون يردّدون شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله. هذا هو هدف فاطمة وأبيها وزوجها وذرّيتها صلوات الله عليهم أجمعين.

لذا؛ علينا أن ننمّي ونحيي هذا الهدف، بينما نجد واأسفاه عالم اليوم لا يعرف فاطمة ولا أهدافها ولا نهجها، فمن الذي يعرّفهم بذلك؟

الجواب هو: أنتم وأمثالكم، الذين أحبّكم الله تعالي لحبّكم فاطمة، وسجد رسول الله صلّي الله عليه وآله شكراً عندما أخبره جبرئيل بذلك.

من الجدير أن تشجّعوا أبناءكم علي حفظ خطبة الصدّيقة الزهراء سلام الله عليها، ففي خطبتها خلاصة الإسلام، علماً أنّها قد شُرحت وعُلّق عليها كثيراً.

وممّن شرح خطبة السيّدة الزهراء سلام الله عليها المرحوم السيّد الأخ الأكبر أعلي الله درجاته فقد كتب كتاباً أسماه «من فقه الزهراء» وشرح الخطبة واستخلص منها الأحكام الشرعية واحدة

بعد الأخري.

ولا يخفي أنّني لا أقصد بأبنائكم الذين ينحدرون من أصلابكم فقط، وإنّما أبناء المؤمنين كافّة، لتكون خلاصة أهداف فاطمة سلام الله عليها محفوظة لديهم.

خلاصة أهداف الزهراء سلام الله عليها

بالطبع إنّ أهداف الصدّيقة الزهراء سلام الله عليها تتلخّص في:

1- اُصول الدين.

2 - أحكام الإسلام.

3 - أخلاق وآداب الإسلام.

فاسعوا جهد امكانكم أن تساهموا في نشر هذه الاُمور الثلاثة في العالم عبر وسائل الإعلام المختلفة كالكتب والصحف والاذاعات والفضائيات والانترنت و … كلّ بقدر إمكانه وبما يقدر عليه من المساهمة.

فقد لا يملك الإنسان شيئاً من المال إلاّ أنّه بتشجيعه يهيّئ المليارات في طريق الزهراء سلام الله عليها وهذه سيرة الأنبياء والمراجع الكبار والعلماء الأعلام، فلنشجّع نشر أهداف فاطمة ليتحقّق أهمّ أهداف الله عزّ وجلّ المذكورة في القرآن الكريم حيث قال تعالي: ?¬ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيي من حيّ عن بيّنة? وبذلك تتمّ البيّنة ويبلغ الأمر أن يعرف المصلّي لماذا يصلّي، وكذا الأمر بالنسبة لتارك الصلاة.

فممّا لا شكّ فيه أنّ الصلاة مهمّة وهي «قربان كلّ تقيّ» إلاّ أنّ الأهمّ من الصلاة هو معرفة الغرض منها والتي ذكرتها الصدّيقة في خطبتها، وكذا بالنسبة للصوم الذي هو «جنّة من النار»، فالأهمّ منه هو المعرفة والبيّنة في ذلك وهكذا … وهكذا …

ولا بأس أن تبحثوا إلي كم لغة ترجمت خطبة الصدّيقة الزهراء سلام الله عليها؟ وكم طبع منها؟ وكم وصل منها إلي العالم؟

ففي روايات أهل البيت سلام الله عليهم ورد مكرّراً «من زار الحسين عارفاً بحقّه» و «من زار علياً عارفاً بحقّه»، فما يعني عارفاً بحقّه؟

جوابه هو: ما يتمثّل في قوله تعالي: ?ويحيي من حيّ عن بيّنة?.

فلنسعَ جميعاً للاستفادة من الطاقات لأجل نشر ثقافة فاطمة سلام الله عليها بدءاً بخطبتها وسائر آثارها وآثار أبيها

وبعلها وبنيها سلام الله عليهم.

وكلّ ما نقدّمه في سبيل هذين الأمرين فهو من فضل الله تعالي وتوفيقه لنا، ولكن هذا الفضل يحتاج إلي السعي، وإليه يشير قوله تعالي: ? وأن ليس للإنسان إلا ما سعي?.

وأخيراً لابدّ من القول: إنّ قبر رسول الله صلّي الله عليه وآله عَلَم (أي جبل) يزار وكذا الحال بالنسبة لأهل البيت سلام الله عليهم وذرّيتهم فإنّ قبورهم ملاذ وموئل للمؤمنين، أمّا الصدّيقة الزهراء سلام الله عليها فليس لها قبر يزار، فلماذا اُخفي قبرها؟

إنّ العالم لا يعرف كلّ هذه الأمور، ولو أنّه عرف لتسابق إلي علم وثقافة فاطمة سلام الله عليها، وهي الثقافة نفسها التي أنزلها الله عزّ وجلّ علي رسوله الأعظم صلّي الله عليه وآله بلا زيادة ولا نقصان.

إذن فمن مسؤولية كلّ واحد منّا أن يسعي إلي ذلك وقد أشار القرآن الكريم في قوله تعالي: ?أقيموا الدين? إلي هذه القضية، فهل الدين قائم في العالم؟ بالطبع لا، والدين المراد من إقامته هو ما ذكرت فاطمة سلام الله عليها خلاصته في خطبتها الشريفة.

نسأل الله أن يوفّقنا لنشر دينه، وصلّي الله علي محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

خطبة

سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء

صلوات الله وسلامه عليها

روي عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه عليهم السلام: أنه لما أجمع أبو بكر وعمر علي منع فاطمة عليها السلام فدكاً، وبلغها ذلك، لاثت خِمارها علي رأسها() واشتملت بِجلبابها وأقبلت في لمُة مِن حفدتها ونساء قومها()،

تَطأ ذُيولَها()، ما تَخْرِمُ مشيتها مشية رسول الله صلّي الله عليه وآله() حتّي دخلت علي أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم() فنيطت دونها ملاءة() فجلست ثم أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء، فارتجّ المجلس، ثمّ أمهلت هنيئة حتّي إذا سكن نشيج

القوم وهدأت فورتهم() افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة علي رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها فقالت عليها السلام:

الحَمْدُ للهِ عَلَي مَا أَنعَم، وَلهُ الشُّكرُ علَي مَا أَلهَم، وَالثَّناءُ بما قَدَّم، مِن عُمُومِ نِِعَمٍ ابْتَدَاهَا، وَسُبُوغ آلاءٍ أَسْدَاهَا()، وَتمامِ مِنَنٍ أَوْلاهَا، جَمَّ عَنِ الإحْصَاء عَدَدُهَا()، وَنَأَي عَنِ الجَزَاءِ أمَدُهَا()، وَتَفَاوَتَ عَن الإدرَاك أَبَدُهَا، وَنَدَبَهُم لاِسْتِزَادَتِهَا بالشُّكْرِ لاتِّصَالهَا()، وَاسْتَحْمَدَ إلَي الخَلاَئِقِ بِإجْزَالهِا، وَثَنَّي بالنَّدْبِ إلي أَمْثَالِها().

وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، كَلِمَةً جَعَلَ الإخْلاصَ تَأوِيلهَا، وَضَمَّنَ القُلُوبَ مَوْصُولَها()، وَأنَارَ في التَّفكُّرِ مَعْقُولهَا، المُمْتَنِعُ مِنَ الأَبْصَارِ رُؤيَتُهُ، وَمِنَ الألسُنِ صِفَتُهُ، وَمِنَ الأوْهَامِ كَيفِيَّتُهُ، اِبْتدَعَ الأشْيَاءَ لا مِنْ شَيْ ءٍ كانَ قَبْلهَا()، وَأَنشَأَها بِلاَ احْتِذَاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَها()، كَوَّنهَا بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأَهَا() بمَشِيَّتهِ، مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إلي تَكْوِينِهَا، وَلا فائِدَةٍ لَهُ في تَصْوِيرِهَا، إلاَّ تَثْبِيتاً لحِكْمَتِهِ، وَتَنْبِيهاً علَي طَاعَتِهِ، وَإظْهاراً لِقُدْرَتهِ، وَتَعَبُّداً لِبَرِيَّتهِ، وَإعْزَازاً لِدَعْوَتهِ، ثُمَّ جَعَلَ الثَّوَابَ علَي طَاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقَابَ علَي مَعْصِيَتهِ، ذِيادَةً لِعِبادِهِ مِنْ نِقْمَتِهِ()، وَحِياشَةً لهُم إلي جَنَّتِهِ().

وَأَشْهَدُ أَنَّ أَبِي مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتَارَهُ قَبلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسمَّاهُ قَبلَ أَنِ اجْتَبَاهُ وَانتَجَبَهُ، وَاصْطَفَاهُ قَبلَ أَنِ ابتَعَثَهُ، إذِ الخَلائِقُ بِالغَيْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسِترِ الأهَاوِيلِ مَصُونَةٌ، وَبنِهَايَةِ العَدَمِ مَقرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعَالي بمآيِلِ الاُمُورِ()، وَإحَاطَةً بحَوادِثِ الدُّهُورِ، وَمَعْرِفَةً بموَاقعِ الاُمُورِ، ابتَعَثَهُ اللهُ إتماماً لأمرِه، وَعَزِيمَةً علَي إمضَاءِ حُكْمِهِ، وَإنْفَاذاً لمِقَادِيرِ رَحمَتِهِ، فَرَأَي الاُمَمَ فِرَقاً في أَدْيانِها، عُكَّفاً علَي نيرَانهَِا، عَابِدَةً لأوْثانهَِا، مُنْكِرَةً للهِ مَعَ عِرْفانهِا، فَأنََارَ اللهُ بِأَبِي محَمَّدٍ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ظُلَمَها()، وَكَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَها()، وَجَلَّي عَنِ الأَبصَارِ غُمَمَها()، وَقامَ في النّاسِ بِالهِدايَةِ، فَأنَقَذَهُم مِنَ الغِوايَةِ، وَبَصَّرَهُم مِنَ العَمايَةِ، وَهَداهُم إلي الدِّينِ القَويمِ، وَدَعاهُم إلي الطَّرِيقِ

المُسْتَقِيمِ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إلَيهِ قَبْضَ رَأْفَةٍ وَاخْتِيَارٍ، وَرَغْبَةٍ وَإيثَارٍ، فَمُحَمَّدٌ صَلَّي اللهُ عَليْهِ وَآلِهِ مِنْ تَعَبِ هَذِهِ الدَّارِ في رَاحَةٍ، قَدْ حُفَّ بِالمَلائِكَةِ الأَبرارِ، وَرِضْوَانِ الرَّبِّ الغَفّارِ، وَمُجَاوَرَةِ المَلِكِ الجبََّارِ، صَلَّي اللهُ عَلي أَبي نَبِيِّهِ وَأَمِينِهِ، وَخِيرَتِهِ مِنَ الخَلْقِ وَصَفِيِّهِ وَالسَّلامُ عَلَيهِ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

ثمّ التفتت إلي أهل المجلس وقالت:

أَنتُمْ عِبَادَ اللهِ نُصْبَ أَمْرِه وَنَهيِهِ()، وَحَمَلَةُ ديِنهِ وَوَحْيِهِ، وَأُمنَاءُ اللهِ علَي أَنفُسِكُمْ()، وَبُلَغاءُهُ إلي الاُمَمِ()، زَعِيمُ حَقٍّ لَهُ فِيكُمْ، وَعَهْدٍ قَدَّمَهُ إلَيْكُمْ، وَبَقيَّةٍ اسْتَخْلَفَها عَلَيْكُمْ، كِتَابُ اللهِ النَّاطِقُ، وَالقُرْآنُ الصَّادِقُ، وَالنُّورُ السَّاطِعُ()، وَالضِّيَاءُ اللاَّمعُ()، بَيِّنَةٌ بصَائِرُهُ()، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ()، مُنْجَلِيَةٌ ظَواهِرُهُ()، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أَشْيَاعُهُ()، قَائِدٌ إلَي الرِّضْوَانِ اتِّبَاعُهُ، مُؤَدٍّ إليَ النَّجَاةِ اسْتِماعُهُ، بِهِ تُنالُ حُجَجُ اللهِ المُنَوَّرَةُ، وَعَزائِمُهُ المُفَسَّرَةُ()، وَمَحَارِمُهُ المحَُذِّرَةُ، وَبَيِّنَاتُهُ الجالِيَةُ()، وبَراهِينُهُ الكافِيَةُ، وَفَضائِلُهُ المَنْدُوبَةُ()، وَرُخَصُهُ المَوْهُوبَةُ، وَشَرَائِعُهُ المَكْتُوبَةُ().

فَجَعَلَ اللهُ الإيمانَ تَطهِيراً لَكُم مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاةَ تَنزِيهاً لَكُمْ عَنِ الكِبرِ، وَالزكَاةَ تَزكِيَةً لِلنَّفْسِ وَنمَاءً في الرِّزْقِ، وَالصِّيامَ تَثبِيتاً لِلإخْلاصِ، وَالحَجَّ تَشْيِيداً لِلدِّينِ، وَالعَدْلَ تَنْسِيقاً لِلقُلُوبِ()، وَطاعَتَنَا نِظاماً لِلمِلَّةِ، وَإمامَتنَا أَماناً لِلفُرْقَةِ، وَالجِهادَ عِزّاً لِلإسْلامِ، وَالصَّبرَ مَعُونَةً عَلَي اسْتِيجَابِ الأَجْرِ، وَالأمْرَ بِالمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلعَامَّةِ، وَبِرَّ الوَالِدَينِ وِقايَةً مِنَ السُّخْطِ، وَصِلَةَ الأرْحَامِ مَنسَأَةً في العُمْرِ وَمَنْماةً() لِلعَدَدِ، وَالقِصَاصَ حَقْناً() لِلدِّمَاءِ، وَالوَفاءَ بِالنَّذْرِ تََعْرِيضاً() لِلمَغْفِرَةِ، وَتَوْفِيَةَ المكَايِيلِ() وَالموَازِينِ تَغْيِيراً لِلْبَخْسِ، وَالنَّهْيَ عَنِ شُرْبِ الخَمْرِ تَنزِيهاً عَنِ الرِّجْسِ، وَاجْتِنَابَ القَذْفِ حِجاباً عَنِ اللَّعْنَةِ، وَتَرْكَ السِّرْقَةِ إيجاباً لِلعِفَّةِ، وَحَرَّمَ اللهُ الشِّرْكَ إخْلاصاً لَهُ بِالرُّبوبيَّةِ، فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تموتُنَّ إلاَّ وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ، وَأَطِيعُوا اللهَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهاكُمْ عَنْهُ، فَإنَّهُ إنَّما يخَشَي اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ.

ثمّ قالت:

أَيّهَا النَّاسُ اعْلَمُوا أنّي فاطِمَةُ وَأَبِي مُحَمَّدٌ صَلَّي اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْواً()، وَلاَ أَقُولُ مَا أَقُولُ غَلَطاً، وَلاَ أَفْعَلُ

مَا أَفْعَلُ شَطَطاً()، لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ() فَإنْ تَعْزُوهُ وَتَعرِفُوهُ تجَِدُوهُ أَبي دُونَ نِسائِكُمْ()، وَأَخَا ابْنِ عَمِّي دُونَ رِجالِكُمْ، وَلَنِعْمَ المَعْزِيّ إلَيْهِ() صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ صَادِعاً بِالنَّذارَةِ()، مَائِلاً عَنْ مَدْرَجَةِ المُشْرِكِينَ()، ضَارِباً ثَبَجَهُمْ()، آخِذاً بِأَكْظَامِهِمْ()، دَاعِياً إلي سَبِيلِ رَبّهِ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، يَجِفُّ الأصْنَامَ وَيَنْكُتُ الهَامَ()، حَتَّي انهَزَمَ الجَمْعُ وَوَلَّوُا الدُّبُرَ، حَتَّي تَفَرَّي() اللَّيْلُ عَنْ صُبْحِهِ، وَأَسْفَرَ الحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ()، وَنَطَقَ زَعِيمُ الدِّينِ، وَخَرَسَتْ شَقَاشِقُ() الشَّيَاطِينِ، وَطَاحَ وَشِيظُ() النِّفَاقِ، وَانحَلَّتْ عُقَدُ الكُفْرِ وَالشِّقَاقِ()، وَفُهْتُمْ() بِكَلمَةِ الإخْلاصِ، في نَفَرٍ مِنَ البِيضِ الخِماصِ()، وَكُنتُمْ علَي شَفا()حُفْرة مِنَ النّارِ، مُذْقَةَ()الشَّارِبِ وَنهُْزَةَ()الطَّامِعِ وَقَبْسَةَ العَجْلانِ() وَمَوْطِئَ الأقدَامِ تَشْرَبونَ الطَّرْقَ() وَتَقْتاتُونَ القِدَّ()، أَذِلَّةً خاسِئِينَ، تخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ مِنْ حَوْلكُمْ، فَأَنقَذَكُمُ اللهُ تبَارَكَ وَتعَالي بِمُحَمَّدٍ صَلَّي اللهُ علَيهِ وَآلِهِ بَعْدَ اللُّتَيَّا وَالَّتي، وَبَعْدَ أَنْ مُنِيَ بِبُهَمِ() الرِّجَالِ وَذُؤْبانِ العَرَبِ وَمَرَدَةِ() أَهْلِ الكِتابِ، كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ، أَوْ نجَمَ() قَرْنُ الشَّيْطانِ أَوْ فَغَرَتْ() فَاغِرَةٌ مِنَ المُشْرِكِينَ قَذَفَ أَخَاهُ في لهَوَاتِها()، فَلا يَنْكَفِئُ حَتّي يَطَأَ جَنَاحَها بأَخْمَصِهِ()، وَُيخْمِدَ لهَبَها() بِسَيْفِهِ، مَكْدُوداً() في ذَاتِ اللهِ، مجتَهِداً في أَمْرِ اللهِ، قَرِيباً مِنْ رَسُولِ اللهِ، سَيِّداً في أَوْلِياءِ اللهِ، مُشَمِّراً نَاصِحاً، مجُِدّاً كادِحاً()، لا تَأْخُذُهُ في اللهِ لَوْمةُ لائِمٍ، وَأَنتُمْ في رَفاهِيَةٍ() مِنَ العَيْشِ وادِعُونَ فاكِهُونَ() آمِنُونَ، تَترَبَّصُونَ بِنَا الدَّوائِرَ()، وَتَتوَكَّفُونَ الأخْبارَ()، وَتَنْكِصُونَ عِنْدَ النِّزالِ()، وَتَفِرُّونَ مِنَ القِتالِ، فَلَمَّا اخْتارَ اللهُ لِنَبِيِّهِ دارَ أَنبِيائِهِ، وَمَأْوي أَصْفِيائِهِ، ظَهَرَ فِيكُمْ حَسَكَةُ() النِّفاقِ، وَسمُلَ جِلْبابُ الدِّين()، وَنطَقَ كَاظِمُ الغاوِينَ()، وَنَبَغَ خامِلُ الأقَلِّينَ()، وَهَدَرَ فَنِيقُ المُبْطلِينَ()، فَخَطَرَ في عَرَصاتكُِم()، وَأَطلَعَ الشَّيْطانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ()، هاتِفاً بِكُمْ، فَأَلفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتَجِيبِينَ، وَلِلغِرَّة فِيهِ مُلاحِظِينَ()، ثُمَّ اسْتَنهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ

خِفافاً، وَأَحمَشَكُمْ() فَأَلفَاكُمْ غِضَاباً، فَوَسمْتُمْ() غَيرَ إبِلِكُمْ، وَوَرَدْتمُ غَيرَ مَشْرَبِكُمْ، هَذا وَالعَهْدُ قَرِيبٌ، وَالكَلْمُ رَحِيبٌ()، وَالجُرْحُ لمَّا يَنْدَمِلُ، وَالرَّسُولُ لمَّا يُقْبَر()، ابتِداراً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الفِتْنَةِ()، أَلا في الفِتنَةِ سَقَطُوا وَإنَّ جَهَنَّمَ لمحُِيطَةٌ بِالكافِرِينَ، فَهَيهاتَ مِنْكُمْ، وَكَيفَ بِكُمْ، وَأَنّي تُؤفَكُونَ()، وَكِتابُ اللهِ بَينَ أَظْهُرِكُم، أُمُورُهُ ظاهِرَةٌ، وَأَحْكامُهُ زاهِرَةٌ، وَأَعْلامُهُ باهِرَةٌ، وَزَواجِرُهُ لائِحَةٌ، وَأَوامِرُهُ واضِحَةٌ، وَقَدْ خَلَّفْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، أَ رَغْبَةً عَنْهُ تُرِيدُونَ؟ أَمْ بِغَيرهِ تحَكُمُون؟ بِئْسَ لِلظَّالمِينَ بَدَلاً، وَمَنْ يَتَّبِعْ غَيرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرِينَ، ثُمَّ لمَ تَلْبثُوا إلاَّ رَيثَ أَنْ تَسْكُنَ نَفْرَتهُا()، ويَسْلَسَ قِيَادُها()، ثُمَّ أَخَذتمُ تُورُونَ وَقْدَتَها، وَتهُِيجُون جمَْرَتهَا()، وَتَسْتَجِيبُونَ لهُِتافِ الشَّيْطانِ الغَوِيِّ، وَإطْفاءِ أَنوارِ الدِّينِ الجَلِيِّ، وَإهمْالِ سُنَنِ النَّبيِّ الصَّفِيِّ، تَشْرَبونَ حَسْواً في ارْتِغاءٍ، وَتمْشُونَ لأهْلِهِ وَوُلْدِهِ في الخَمَرَةِ وَالضَّرَّاءِ()، ويَصيرُ مِنْكُمْ علَي مِثْلِ حَزّ المُدَي()، وَوَخْزِ السِّنَانِ في الحَشَا()، وَأَنتُمْ الآنَ تَزْعُمُونَ أَنْ لا إرْثَ لنَا، أَفَحُكْمَ الجاهِليَّةِ تَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ؟ أَفَلا تَعْلَمُونَ؟ بَلَي قَدْ تجَلَّي لَكُمْ كَالشَّمْسِ الضَّاحِيَةِ أَنِّي ابْنَتُهُ.

أَيّهَا المُسْلِمُونَ، أَأُغْلَبُ علَي إرْثي؟ يَابْنَ أَبي قُحافَةَ! أَفي كِتابِ اللهِ تَرِثُ أَباكَ وَلا أَرِثُ أَبي؟ لَقَدْ جِئتَ شَيْئاً فَرِيّاً(). أَفَعَلي عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللهِ ونَبَذْتمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ إذْ يَقُولُ: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ دَاوُدَ()؟ وَقَالَ فِيمَا اقْتَصَّ مِنْ خَبرِ يحْيَي بْنِ زَكرِيَّا إذْ قالَ: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ()، وَقالَ: وَأُولُو الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ()، وَقالَ: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ()، وَقَالَ: إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَينِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَي الْمُتَّقِينَ()، وَزَعَمْتُمْ أَنْ لا حَظْوَةَ لي() وَلا إرْثَ مِنْ أَبي، وَلا رَحِمَ بَينَنا، أَفَخَصَّكُمُ اللهُ بآيَة أَخْرَجَ أَبي مِنْها؟

أَمْ هَلْ تَقُولُونَ إنَّ أَهْلَ مِلّتَينِ لاَ يَتَوَارَثانِ؟ أَوَ لَسْتُ أَنا وَأبي مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ واحِدَةٍ؟ أَمْ أَنتُمْ أَعْلَمُ بخُصُوصِ القُرْآنِ وَعُمُومِهِ مِنْ أَبي وَابْنِ عَمّي؟ فَدُونكَها مخَطُومَةً مَرْحُولَةً()، تَلْقاك يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الحَكَمُ اللهُ، وَالزَّعِيمُ محمَّدٌ، وَالمَوْعِدُ القِيَامَةُ، وَعِنْدَ السَّاعَةِ يخَسَرُ المُبْطِلُونَ، وَلاَ يَنْفَعُكُمْ إذْ تَنْدَمُونَ، وَلِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يخُزِيهِ ويَحِلُّ عَليهِ عَذابٌ مُقِيمٌ.

ثمّ رمَتْ بطرْفها نحْو الأنصار فقالت:

يَا مَعْشَرَ النَّقِيبَةِ، وَأَعْضادَ المِلَّةِ، وَحَضَنةَ الإسْلامِ()، ما هَذِهِ الغَمِيزَةُ في حَقّي()؟ وَالسِّنَةُ عَنْ ظُلامَتي؟ أَما كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّي اللهِ علَيهِ وَآلِهِ أَبي يَقُولُ: المَرْءُ يحُفَظُ في وُلْدِهِ؟ سُرْعانَ مَا أَحْدَثتُمْ، وَعَجْلانَ ذا إهالَةٍ، وَلَكُمْ طاقَةٌ بمِا أُحاوِلُ، وَقُوَّةٌ عَلي ما أَطلُبُ وَأُزاوِلُ()، أَتَقُولُونَ ماتَ محمَّدٌ صَلَّي اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ، فَخَطبٌ جَلِيلٌ اسْتَوْسَعَ وَهْنُهُ()، وَاسْتَنهَرَ فَتْقُهُ()، وَانْفَتَقَ رَتقُهُ، وَأَظْلَمَتِ الأرْضُ لِغَيبَتهِ، وَكَسَفَتِ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَانْتَثَرَتِ النُّجُومُ لمُِصِيبَتهِ، وَأَكْدَتِ الآمالُ()، وَخَشَعَتِ الجِبالُ، وَأُضِيعَ الحَرِيمُ()، وَأُزِيلَتِ الحُرْمَةُ عِنْدَ ممَاتِهِ، فَتِلْكَ وَاللهِ النَّازِلَةُ الكُبرَي()، وَالمُصِيبَةُ العُظْمَي، لا مِثْلها نازِلَةٌ، وَلا بائِقَةٌ عاجِلَةٌ()، أَعْلَنَ بهَِا كِتابُ اللهِ جَلَّ ثَناؤُهُ في أَفْنِيَتِكُمْ()، وَفي ممَسَاكُمْ وَمَصْبَحِكُمْ، يَهْتفُ في أَفْنِيَتِكُمْ هُتافاً وَصُراخاً، وَتِلاوَةً وَأَلحْاناً، وَلِقَبلهِ مَا حَلَّ بِأَنبيَاءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، حُكْمٌ فَصْلٌ، وَقَضاءٌ حَتْمٌ: «وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلي أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» ().

إيهاً() بَني قِيلَه! أَأُهْضَم تُراثَ أَبي وَأَنتُمْ بمَرأَي مِنِّي وَمَسْمَعٍ، وَمُنْتَدًي وَمجْمَعٍ()، تَلْبَسُكُمُ الدَّعْوَةُ، وَتَشْمِلُكُمُ الخُبرَةُ()، وَأَنتُمْ ذَوُو العَدَدِ وَالعُدَّةِ، وَالأداةِ وَالقُوَّةِ، وَعِنْدَكُمُ السّلاحُ وَالجُنَّةُ؟ تُوافِيكُمُ الدَّعْوَةُ فَلا تجُِيبُونَ، وَتَأْتِيكُمُ الصَّرْخَةُ فَلا تُغِيثُونَ، وَأَنتُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْكِفاحِ، مَعْرُوفُونَ بِالخَيرِ وَالصَّلاحِ،

وَالنُّخْبَةُ التي انْتُخِبَتْ، وَالخِيرةُ الَّتي اخْتِيرَتْ() لنَا أَهْلَ

البَيْتِ، قَاتَلْتُمُ العَرَبَ، وَتحَمَّلْتُمُ الكَدَّ وَالتَّعَبَ()، وَناطَحْتُمُ الاُمَمَ، وَكافَحْتُمُ البُهَمَ()، لا نَبرَحُ أَوْ تَبرَحُونَ، نَأْمُرُكُمْ فَتَأْتمِرُونَ، حَتَّي إذَا دَارَتْ بِنَا رَحَي الإسْلامِ، وَدَرَّ حَلْبُ الأيامِ، وَخَضَعَتْ ثَغْرَةُ الشِّرْكِ، وَسَكَنَتْ فَوْرَةُ الإفْكِ، وَخَمَدَتْ نِيرَانُ الكُفْرِ، وَهَدَأَتْ دَعْوَةُ الهَرَجِ، وَاسْتَوْسَقَ نِظَامُ الدِّينِ، فَأنَّي حُزْتمُ بَعْدَ البَيانِ؟ وَأَسْرَرْتمُ بَعْدَ الإعْلانِ؟ ونَكَصْتُمْ بَعْدَ الإقْدامِ؟ وَأَشْرَكْتُمْ بَعْدَ الإيمانِ؟ بُؤْساً لِقَوْمٍ نَكَثُوا أَيمانَهُمْ مِن بَعْدِ عَهْدِهِمْ، وَهَمُّوا بِإخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتخَشَوْنهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تخَشَوْهُ إنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ().

أَلا وَ قَدْ أَرَي أَنْ قَدْ أَخْلَدْتمُ إلي الخَفْضِ()، وَأَبعَدْتمُ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالبَسْطِ وَالقَبْضِ، وَخَلَوْتمُ بِالدَّعَةِ()، وَنجَوْتمُ بِالضِّيقِ مِنَ السَّعَةِ، فَمَجَجْتُمْ ما وَعَيْتُمْ()، وَدَسَعْتُمُ الَّذِي تَسَوَّغْتُمْ()، فَإِنْ تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَنْ في الأرْضِ جمَِيعاً فَإنَّ اللهَ لَغَنيٌّ حمَِيدٌ.

أَلا وَقَدْ قُلْتُ مَا قُلْتُ هَذا علَي مَعرِفَةٍ مِنِّي بِالجَذْلةِ التي خامَرَتْكُمْ()، وَالغَدْرَةِ الَّتي اسْتَشْعَرَتهَا قُلُوبُكُمْ()، ولَكِنَّها فَيْضَةُ النَّفْسِ()، ونَفْثَةُ الْغَيْظِ()، وَخَوَرُ القَناةِ()، وبَثَّةُ الصَّدْرِ، وتَقْدِمَةُ الحُجَّةِ، فَدُونَكُمُوهَا فَاحْتَقِبُوهَا دَبِرَةَ الظَّهْرِ()، نَقِبَةَ الخُفِّ()، بَاقِيَةَ العَارِ، مَوْسُومَةً بِغَضَبِ الجَبَّارِ، وَشَنَارِ الأبدِ()، مَوْصُولَةً بِنارِ اللهِ المُوقَدَةِ، الَّتي تَطَّلِعُ علَي الأفْئِدَةِ، فَبِعَينِ اللهِ مَا تَفْعَلُونَ، وَسَيَعلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ، وَأَنا ابْنَةُ نَذِيرٍ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ، فَاعْمَلُوا إنّا عامِلُونَ، وَانتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ.

فأجابها أبو بكر عبدالله بن عثمان وقال: يابنت رسول الله، لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً رؤوفاً رحيماً، وعلي الكافرين عذاباً أليماً وعقاباً عظيماً، إن عزوناه() وجدناه أباك دون النساء، وأخا إلفك دون الأخِلاّء، آثره علي كلّ حميم()، وساعده في كلّ أمر جسيم، لا يحبّكم إلاّ سعيد، ولا يبغضكم إلاّ شقيٌّ بعيد، فأنتم عترة رسول الله الطيّبون، الخيرة المنتجبون، علي الخير أدلّتنا، وإلي الجنّة مسالكنا، وأنتِ ياخيرة النساء، وابنة خير الأنبياء، صادقة في

قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقّك، ولا مصدودة عن صدقك()، والله ما عدوت() رأي رسول الله، ولا عملت إلاّ بإذنه، والرائد لا يكذب أهله()، وإنّي اُشهد الله وكفي به شهيداً أنّي سمعت رسول الله صلّي الله عليه وآله يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ذهباً ولا فضّة، ولا داراً ولا عقاراً، وإنّما نورّث الكتاب والحكمة، والعلم والنبوّة، وما كان لنا من طعمة فلوليّ الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه، وقد جعلنا ما حاولته في الكُراع() والسلاح، يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفّار، ويجالدون المرَدَة الفجّار()، وذلك بإجماع من المسلمين لم أنفرد به وحدي، ولم أستبدّ() بما كان الرأي عندي، وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك، لا تزوي عنك()، ولا ندّخر دونك، وإنّك وأنتِ سيّدة اُمّة أبيك، والشجرة الطيّبة لبنيك، لا ندفع ما لَكِ من فضلك، ولا يوضع في فرعك وأصلك، حكمك نافذ فيما ملكت يداي، فهل ترين أن أخالف في ذاك أباك صلّي الله عليه وآله؟

فقالت عليها السلام:

سُبْحانَ اللهِ ما كان أبي رَسُولُ اللهِ صَلَّي اللهُ علَيهِ وَآلِهِ عَنْ كِتابِ اللهِ صادِفاً()، وَلا لأَِحْكامِهِ مخُالِفاً، بَل كان يَتّبِعُ أَثَرَهُ، ويَقْفُو سُوَرَهُ()، أَفَتَجْمَعُونَ إلي الغَدْرِ اعْتِلالاً عَلَيهِ بِالزُّورِ؟ وَهَذا بَعدَ وَفاتِهِ شَبِيهٌ بما بُغِيَ لَهُ مِنْ الغَوائِلِ في حَياتِهِ()! هَذا كِتابُ اللهِ حُكْماً عَدْلاً، وَناطِقاً فَصْلاً، يَقُولُ: (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) ويَقُولُ: (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ)، وَبَيَّنَ عَزَّ وَجَلَّ فِيما وَزَّعَ مِنَ الأقْساطِ، وَشَرَّعَ مِنَ الفَرائِضِ وَالمِيراثِ، وَأَباحَ مِنْ حَظِّ الذُّكْرَانِ وَالإناثِ، ما أَزاحَ بِهِ عِلَّةَ المُبْطِلِينَ، وَأَزالَ التَّظَنِّي وَالشُّبُهاتِ في الغابِرِينَ()، كَلاّ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبرٌ جمَيلٌ وَاللهُ المُسْتَعَانُ علَي مَا تَصِفُونَ.

فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، وصدقت ابنته، أنتِ

معدن الحكمة، وموطن الهدي والرحمة، وركن الدين وعين الحجّة، لا أبعد صوابك، ولا أنكر خطابك، هؤلاء المسلمون بيني وبينك، قلّدوني ما تقلّدت، وباتّفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابر ولا مستبدّ، ولا مستأثر، وهم بذلك شهود.

فالتفتت عليها السلام إلي الناس وقالت:

مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ، المُسْرِعَةُ إلي قِيلِ البَاطِلِ، المُغْضِيَةُ علَي الفِعْلِ القبِيحِ الخاسِرِ()، أَفَلا تَتَدَبَّرُونَ القُرْآن أَمْ علَي قُلُوبٍ أقْفالهُا؟ كَلاّ بَلْ رَانَ علَي قُلُوبِكُمْ مَا أَسَأْتمُ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَأَخَذَ بِسَمْعِكُمْ وَأَبصَارِكُمْ وَلَبِئسَ مَا تَأَوَّلتُمْ، وَسَاءَ مَا بِهِ أَشَرْتمُ، وَشَرَّ مَا مِنْهُ اغْتَصَبْتُمْ، لَتَجِدُنَّ وَاللهِ مَحْمَلَهُ ثَقِيلاً، وَغِبَّهُ وَبِيلاً()، إذا كُشِفَ لَكُمُ الغِطاءُ، وبَانَ بإورائِهِ الضَّرّاءُ، وبَدا لَكُمْ مِنْ ربِّكُمْ مَا لمَ تَكُونُوا تحَتِسبُونَ، وَخَسِرَ هنَالِكَ المُبْطِلُونَ.

ثمّ عطفت علي قبر النبي صلّي الله عليه وآله وقالت:

قَد كَان بَعدَكَ أَنبَاءٌ وَهَنبَثَة

لَو كنتَ شَاهِدَها لمَ تَكْثُرِ الخُطَبُ

إنَّا فَقَدْنَاكَ فَقْدَ الأرْضِ وَابِلهَا

وَاخْتَلَّ قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ وَلاَ تْغِب

وَكُلُّ أَهْلٍ لَهُ قُرْبَي وَمَنْزِلَةٌ

عِنْدَ الإلَهِ علَي الأدْنَينِ مُقْترِبُ

أَبْدَتْ رِجَالٌ لنَا نجَوَي صُدُورِهِمُ

لمَّا مَضَيْتَ وَحَالَتْ دُونَكَ الترُبُ

تجَهَّمَتنَا رِجَالٌ وَاسْتُخِفَّ بِنَا

لمَّا فُقِدْتَ وَكُلُّ الأرْضِ مُغْتَصَبُ

وَكُنتَ بَدْراً وَنُوراً يُسْتَضَاءُ بِهِ

علَيْكَ يَنْزِلُ مِنْ ذِي الْعِزَّةِ الْكُتُبُ

وَكانَ جِبرِيلُ بِالآياتِ يُؤْنِسُنا

فَقَدْ فُقِدْتَ وَكُلُّ الخَيرِ محُتَجَبُ

فَلَيْتَ قَبْلَكَ كانَ المَوْتُ صادَفَنا

لمَّا مَضَيتَ وَحالَتْ دُونَكَ الكَثَبُ.

ثمّ انكفأت عليها السلام() وأمير المؤمنين عليه السلام يتوقّع رجوعها إليه() ويتطلّع طلوعها عليه، فلمّا استقرّت بها الدار قالت لأمير المؤمنين عليه السلام:

يَابْنَ أَبي طَالِبٍ اشْتَمَلْتَ شَمْلَةَ الجَنِينِ()، وَقَعَدْتَ حُجْرَةَ الظَّنِينِ()، نَقَضْتَ قادِمَةَ الأجْدَلِ()، فَخانَكَ رِيشُ الأعْزَلِ، هَذَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ يَبْتَزُّنِي نِحْلَةَ أَبِي()، وبُلْغةَ ابْني()، لَقَدْ أَجهَرَ في ظُلامَتي وَألَدَّ في خِصامي()، حَتَّي حَبَسَتْني قِيلَةُ نَصْرَهَا()، وَالمُهَاجِرَة وَصْلهَا()، وَغَضَّتِ الجماعَةُ دُوني طَرْفَها، فَلا دَافِعَ وَلا مَانِعَ، خَرَجْتُ كَاظِمَةً، وَعُدْتُ رَاغِمَةً()، وَلاَ خيَارَ لي()، لَيتَني مِتُّ قَبْلَ ذِلَّتي،

وَتُوُفِّيتُ دُونَ مَنِيَّتي، عَذِيرِي وَاللهِ فِيكَ حَامِياً وَمِنْكَ دَاعِياً، وَيلايَ في كُلِّ شَارِقٍ، مَاتَ العَمَدُ وَوَهَنَ العَضُدُ، شَكْوايَ إلي أَبي، وَعَدْوَاي إلي رَبّي، اللَّهُمَّ إنَّكَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَحَوْلاً، وَأَشَدُّ بَأْساً وَتَنْكِيلاً.

فأجابها أميرالمؤمنين عليه السلام:

لا وَيلَ لَكِ، بَلِ الوَيلُ لِشَانِئِكِ، نَهنِْهِي عَنْ وَجْدِكِ يَاابْنَةَ الصَّفْوَةِ()، وَبَقيََّّةَ النُّبُوَّةِ، فَوَاللهِ مَا وَنَيتُ عَنْ ديِني()، وَلاَ أَخْطَأْتُ مَقْدُورِي، فَإنْ كُنْتِ تُرِيدِينَ البُلْغَةَ فَرِزْقُكِ مَضْمُونٌ()، وَكَفِيلُكِ مَأمُونٌ، وَمَا أُعِدَّ لَكِ أَفْضَلُ مِمَّا قُطِعَ عَنْكِ، فَاحْتَسبي اللهَ.فقالت: حَسْبيَ اللهُ.

وأمسكت. (الاحتجاج: 1 / 98).

پي نوشتها

- راجع مفاتيح الجنان للقمّي: 1 - 4 حديث الكساء (ملحق في نهاية الكتاب)، منتخب الطريحي: 259 المجلس 9 من الجزء الثاني.

- حلية الأبرار للسيّد هاشم البحراني قدّس سرّه: 1 / 337.

- وسائل الشيعة ج16 ص173 ح3.

- الطبرزد: نوع من التمر شديد الحلاوة.

- الجلواز: الشرطي، وجمعه جلاوزة.

. المزار لابن المشهدي: 136 - 139.

- الأنفال: 42.

- الكافي للكليني: 3 / 265 ح6.

- من لا يحضره الفقيه ج2 ص74 ح1771.

- فضل من زار الحسين سلام الله عليه للشجري: 65 رقم 47.

- مصباح المتهجّد للطوسي: 820، الدروس للشهيد الأوّل: 2/8.

- الأنفال: 42.

- النجم: 39.

- الشوري: 13.

- لاثت: شدّت. والخمار: ثوب يغطّي به الرأس.

- اللمة (بضمّ اللام وتخفيف الميم): الجماعة، الحفدة، الخدم.

- كناية عن شدّة التستّر.

- ما تنقص مشيتها عن مشية أبيها من حيث الوقار والكيفية.

- الحشد: الجماعة.

- نيطت: علّقت والملاءة: الإزار والثوب الليّن الرقيق.

- النشيج: صوت البكاء مع التوجّع. والفورة: الشدّة.

- سبوغ النعم: اتّساعها.

- جَمَّ: كثُر.

- نأي: بَعُد. وهكذا تفاوت.

- ندبهم: دعاهم والاستزادة: طلب زيادة الشكر. وهكذا استحمد.

- ثني بالندب: أي كما أنّه ندبهم لاستزادتها كذلك ندبهم إلي أمثالها من موجبات الثواب.

- جعل القلوب محتوية لمعني كلمة التوحيد.

- أحدثها.

- الاحتذاء:

الاقتداء. وحذو النعل بالنعل أي قطع النعل علي مثال النعل وقدرها.

- ذرأها: خلقها.

- ذيادة: منعاً.

- حياشة لهم: سوقهم.

- المآئل: جمع مآل (أي المرجع).

- ظُلم: جمع ظلمة.

- البُهم: جمع بهمة وهي مشكلات الأمور.

- الغمم (جمع غمّة) الشيء الملتبس المستور.

- منصوبون لأوامره ونواهيه.

- أمناء: جمع أمين.

- البلغاء (جمع بليغ، والمقصود هنا): المبلّغ.

- الساطع: المرتفع.

- اللامع: المضيء.

- البصائر: جمع بصيرة، والمراد: الحجج والبراهين.

- السرائر: جمع سريرة، والمقصود (هنا): الأسرار الخفيّة واللطائف الدقيقة.

- منجلية: منكشفة.

- الغبطة: أن تتمنّي مثل حال المغبوط إذا كان بحالة حسنة.

- العزائم (جمع عزيمة): الفريضة التي افترضها الله.

- الجالية: الواضحة.

- المندوبة: المدعو إليها.

- المكتوبة: الواجبة.

- التنسيق: التنظيم.

- منماة (علي وزن مسحاة): اسم آلة للنمو، ولعلّها مصدر ميمي للنمو.

- حقناً: حفظاً.

- تعريضاً: إذا جعلته في عرضة الشيء.

- المكاييل (جمع مكيال): وهو ما يكال به. والموازين: جمع ميزان. والبخس: النقص.

- عوداً وبدواً: آخراً وأوّلاً.

- شططاً: ظلماً وجوراً.

- التوبة: 129.

- تعزوه: تنسبوه.

- المعزي إليه: المنسوب إليه.

- صادعاً: مُظهراً. النذارة: الإنذار والتخويف.

- مدرجة المشركين: طريقهم ومسلكهم.

- الثبج (بفتح الثاء والباء): الكاهل، ووسط الشيء.

- الكظم: (بفتح الكاف والظاء): الفم أو الحلق أو مخرج النفس.

- نكته علي هامته: إذا ألقاه علي رأسه.

- تفرّي: انشقّ.

- أسفر: إذا انكشف وأضاء. والمحض: الخالص.

- شقاشق (جمع شقشقة) وهي شيء يشبه الرئة يخرج من فم البعير إذا هاج.

- الوشيظ: الأتباع والخدم.

- الشقاق: الخلاف.

- فُهتم: تلفّظتم.

- البيض (جمع أبيض) والخماص (جمع خميص) وهو الجائع.

- شفا حفرة: جانبها المشرف عليها.

- المذقة (بضمّ الميم) شربة من اللبن الممزوج بالماء.

- النهزة (بضمّ النون): الفرصة.

- قبسة العجلان: الشعلة من النار التي يأخذها الرجل العاجل.

- الطرق (بفتح الطاء وسكون الراء): الماء الذي خوضته الإبل، وبوّلت فيه.

- تقتاتون: تجعلون قوتكم. القدّ (بكسر القاف):

قطعة جلد غير مدبوغ، ويحتمل أن يكون بمعني القديد وهو اللحم المجفّف في الشمس.

- مُني (فعل ماض مجهول): ابتلي. والبهم (علي وزن الغرف) جمع بهمة، وهو الشجاع الذي لا يهتدي من أين يؤتي.

- مردة (بفتح الميم والراء والدال): جمع مارد، وهو العاتي.

- نجم (فعل ماضي): طلع. وقرن الشيطان: أتباعه.

- فغر: فتح. فاغرة فاها: أي فاتحة فمها.

- اللهوات (جمع لهاة): لحمة مشرفة علي الحلق في أقصي الفمّ.

- ينكفئ: يرجع. يطأ: يدوس. صماخها: أذنها. بأخمصه: بباطن قدمه.

- يخمد: يطفئ. لهبها: اشتعالها.

- المكدود: المتعب.

- شمّر ثوبه: رفعه. مجد (بضمّ الميم وكسر الجيم): مجتهد. والكادح: الساعي.

- رفاهية: سعة.

- وادعون: مرتاحون. فاكهون: ناعمون.

- الدوائر: العواقب المذمومة وحوادث الأيّام.

- تتوكّفون: تتوقّعون بلوغ الأخبار.

- تنكصون: ترجعون وتتأخّرون. والنزال: القتال.

- الحسكة والحسيكة: الشوكة.

- سمل الثوب: صار خلقاً. والجلباب: ثوب واسع.

- كاظم الغاوين: الساكت الضالّ الجاهل.

- ظهر مَن خفي صوته واسمه من الأذلاّء.

- هدر البعير: ردّد صوته في حنجرته. والفنيق: الفحل من الإبل.

- خطر: إذا حرّك ذنبه.

- المغرز (بكسر الراء): ما يختفي فيه.

- الغِرّة (بكسر الغين): الانخداع. وملاحظين: ناظرين ومراعين.

- أحمشكم: أغضبكم.

- الوسم: الكيّ، ووسمه: كواه.

- اندمل: تراجع إلي البرء.

- يقبر: يدفن.

- ابتداراً: معاجلة.

- تؤفكون: تصرفون.

- ريث: قدر.

- يسلس: يسهل.

- تورون: تخرجون نارها. تهيجون: تثيرون.

- الخمر (بفتح الخاء والميم): ما يسترك من الشجر وغيره.

- المدي (بضمّ الميم): جمع مدية وهي الشفرة.

- الوخز: الطعن. والسنان: رأس الرمح.

- فريّاً: أمراً عظيماً أو منكراً قبيحاً.

- النمل: 16.

- مريم: 19.

- الأنفال: 75.

- النساء: 11.

- البقرة: 180.

- الحظوة: النصيب.

- ناقة مخطومة ومرحولة، الخطام (بكسر الخاء): الزمام، ومرحولة من الرحل وهو للناقة كالسرج للفرس.

- حضنة: جمع حاضن بمعني الحافظ.

- الغميزة: الضعف أو الغفلة.

- أزاول: أقصد.

- استوسع وهنه: اتّسع غاية الاتّساع.

-

كالمعني المتقدّم.

- أكدت: انقطعت.

- الحريم: ما يحميه الرجل ويقاتل عنه.

- النازلة: الشديدة.

- البائقة: الداهية.

- أفنيتكم: جمع فناء (بكسر الفاء) جوانب الدار من الخارج أو العرصة المتّسعة أمام الدار.

- آل عمران: 144.

- إيهاً: بمعني هيهات أو مزيداً من الكلام.

- منتدي: مجلس القوم.

- الخبرة: العلم بالشيء.

- الخيرة (بكسر الخاء وسكون الياء) المفضّل من القوم.

- الكدّ: الشدّة.

- البهم (جمع بهمة): الشجاع.

- التوبة: 13.

- الخفض: الراحة.

- الدعة: خفض العيش.

- مججتم: رميتم. ووعيتم: حفظتم.

- دسعتم: تقيّأتم، وتسوّغتم: شربتم بسهولة.

- خامرتكم: خالطتكم.

- استشعرتها: لبستها.

- فاض صدره بالسرّ: باح به.

- كالدم الذي يرمي به من الفم ويدلّ علي القرحة.

- ضعف النفس عن التحمّل.

- دونكموها: خذوها: دبرة: مقروحة.

- نقبة الخف: رقيقة.

- شنار: العيب والعار.

- عزوناه: نسبناه.

- حميم: قريب.

- مصدودة: ممنوعة.

- عدوت: جاوزت.

- الرائد: الذي يتقدّم القوم، يبصر لهم الكلأ ومساقط الثمار.

- الكراع (بضمّ الكاف): جماعة الخيل.

- يجالدون: يضاربون.

- استبدّ: انفرد بالأمر من غير مشارك فيه.

- تزوي عنك: تقبض عنك.

- صادفاً: معرضاً. يقال: صدف عن الحقّ إذا أعرض عنه.

- يقفو: يتبع.

- الغوائل (جمع غائلة): الحادثة المهلكة.

- التظنّي: إعمال الظنّ. الغابرين: الباقين.

- المغضية: الساكتة الراضية.

- الغِبّ: العاقبة.. الوبيل: الشديد الثقيل.

- انكفأت: رجعت.

- يتوقّع: ينتظر.

- اشتمل الثوب: إذا أداره علي الجسد. والشِّملة: هيئة الإشتمال. والشَّملة: ما يشتمل به، والمقصود هنا: مشيمة الجنين، وهي محل الولد في الرحم.

- الحُجرة: البيت. وبضمّ الحاء وسكون الجيم: هو المكان الذي يحجتز فيه. والظنين: المتّهم.

- نقضت: ضدّ أبرمت. والقادمة (واحدة القوادم) وهي مقاديم ريش الطائر. والأجدل: الصقر.

- يبتزني: يسلبني بالقهر والغلبة. والنّحلة: العطية.

- البلغة: ما يتبلّغ به من العيش ويكتفي به.

- أجهر: أعلن بكلّ وضوح.

- حبستني: منعتني. وقيلة: اسم أم الأوس والخزرج. وهما قبيلتان من الأنصار.

- المهاجرة: المهاجرون. وصلها: عونها.

- كاظمة:

متجرّعة الغيظ مع الصبر.

- لا خيار لي: لا اختيار لي.

- نهنهي: كُفّي، وجدك: حزنك.

- ونيت: عجزت.

- البُلغة (بضم الباء): الكفاية.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.