الإمام الحسين عليه السلام أقام الدين

اشارة

اسم الكتاب: الامام الحسين( ع) أقام الدين

المؤلف: حسينى شيرازى، صادق

اللغة: عربى

عدد المجلدات: 1

الناشر: مؤسسه الرسول الكرم( ص)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

قال الله تعالى في كتابه الكريم: شَرَعَ لَكُم مّنَ الدّينِ مَا وَصّىَ بِهِ نُوحاً وَالّذِيَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَىَ أَنْ أَقِيمُواْ الدّينَ وَلاَ تَتَفَرّقُواْ فِيهِ ( ).

دين الله واحد

الدين: طريقة السلوك في الحياة. فالدين اليهودي يعني طريقة سلوك اليهود في الحياة. والدين المسيحي يعني طريقة سلوك النصارى في الحياة. والدين الإسلامي يعني طريقة السلوك التي رسمها الإسلام لأتباعه في الحياة.

هذا وإنّ الله تعالى يخبر المسلمين في هذه الآية أنّ الدين الذي شرعه لهم لا يتعارض مع الدين الذي شرعه لنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام. فطريق الأنبياء كلّهم واحد وهو عين ما أتى به محمد صلي الله عليه و اله.

وما دام الأنبياء عليهم السلام كلهم يصدرون عن الإله الواحد، فطريقهم كلهم واحد، ولذلك قال تعالى: شَرَعَ لَكُم مّنَ الدّينِ مَا وَصّىَ بِهِ نُوحاً وَالّذِيَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَىَ... ( ).

ما وصّى الله به أنبياءه

فما هو الشيء الذي وصى به الله نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتم النبيين محمداً (سلام الله عليهم أجمعين)؟

قال تعالى بعد ذلك: أَنْ أَقِيمُواْ الدّينَ . ويقول النحاة: إن قول_ه تعالى: أن أقيموا الدين بدل من قول_ه تعالى: وما وصّينا ، وهذا يعني أنّ ما أوصى به الله سبحانه أنبياءه عليهم السلام_ ومن جملتهم نبينا وسيد الأنبياء والمرسلين محمد صلي الله عليه و اله_ هو إقامة الدين؛ أي جعله قائماً. وكما أنّ الإنسان القائم يتحرّك ويمارس حياته بشكل طبيعي خلافاً للمريض الذي لا يستطيع القيام والنهوض، فكذلك الدين إذا كان مبعداً عن الحياة لم يكن قائماً، والله تعالى وصّى أنبياءه أن يقيموا الدين.

مكانة الإمام الحسين عليه السلام في السماوات

إن الإمام الحسين (سلام الله عليه) أقام دين جدّه صلي الله عليه و اله ولولاه لما قامت للدين الإسلامي قائمة. وهذا ما سنبيّنه خلال البحث؛ عسى أن نكون قد تحدّثنا عن الإمام الحسين (سلام الله عليه) وفضله ووفينا ببعض ما علينا تجاهه

ولو بمقدار ما تحمله رأس الإبرة من بلل البحر!! ذلك أنّ الحديث عن الحسين (سلام الله عليه) حديث عن الله سبحانه والقرآن وعن الرسالة والحق وعن كلّ فضيلة.

لقد ذكر القرآن الكريم قصّة إسراء نبيّه صلي الله عليه و اله وعروجه إلى السماء في عدّة موارد، منها قول_ه تعالى في سورة النجم:

ثُمّ دَنَا فَتَدَلّىَ ? فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىَ ( ).

جاء عن ابن عباس: «فلما بلغ صلي الله عليه و اله إلى سدرة المنتهى فانتهى إلى الحجب قال جبرئيل: تقدم يا رسول الله ليس لي أن أجوز هذا المكان ولو دنوت أنملة لاحترقت»( ).

وجاء في رواية أخرى أنه صلي الله عليه و اله قال: «فلمّا انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرئيل: تقدّم يا محمد، وتخلّفَ عني، فقلت: يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟! فقال: يا محمد إن انتهاء حدّي الذي وضعني الله عزّوجلّ فيه إلى هذا المكان، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدّي حدود ربي جلّ جلاله. فزخَّ بي في النور زخّة حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علوّ ملكه»( ).

وهنا عندما بلغ الله تعالى بحبيبه صلي الله عليه و اله هذه المرتبة جعل يريه آياته الكبرى، وتحقق قول_ه سبحانه: لَقَدْ رَأَىَ مِنْ آيَاتِ رَبّهِ الْكُبْرَىَ ( ). وكان مما رآه صلي الله عليه و اله من الآيات الكبرى مكانة حفيده الإمام الحسين (سلام الله عليه) وعظمته في السماوات.

عن الإمام الحسين (سلام الله عليه) قال: «أتيت يوماً جدّي رسول الله صلي الله عليه و اله فرأيت أُبَيّ بن كعب جالساً عنده، فقال جدّي: مرحباً بك يا زين السماوات والأرض! فقال أُبيّ: يا رسول الله! وهل أحد سواك زين السماوات والأرض؟ فقال

النبي صلي الله عليه و اله: يا أُبَي بن كعب والذي بعثني بالحقّ نبياً، إنّ الحسين بن علي في السماوات أعظم مما هو في الأرض، واسمه مكتوب عن يمين العرش: إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»( ).

ومن هنا ينبغي لزائر الإمام الحسين (سلام الله عليه) أن يعرف أنّه بين يدي مَن، ويكلّم مَن، ولو كنّا كذلك ونحن في حرم الإمام الحسين (سلام الله عليه) وبين يديه عندما نزوره لما شُغلنا شيء آخر أبداً. يقول الإمام الصادق (سلام الله عليه): «مَن أتى الحسين عارفاً بحقّه كتبه الله في أعلى علّيين»( ).

إنّ الله سبحانه وتعالى دعا أشرف أنبيائه ورسله عليهم السلام ومن خاطبه بقول_ه: «لولاك لما خلقت الأفلاك»( )، دعاه في أعظم دعوة لأعظم وليمة يغذيه فيها بالتعاليم الروحية وليريه آياته الكبرى، ومنها «أنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة». فهذا هو الحسين (سلام الله عليه)؛ فهل عرفناه حقّ معرفته؟

أنّى لطاقاتنا المحدودة أن تدرك عظمة الإمام الحسين (سلام الله عليه) والله سبحانه يعبّر عنه بآيته الكبرى، ويقول عنه: إنّه مصباح الهدى وسفينة النجاة. فهذا ليس قول الإمام الصادق أو أمير المؤمنين (سلام الله عليهما) أو جدّه رسول الله صلي الله عليه و اله، بل هو كلام الله مكتوب على ساق العرش وقبل أن يولد الإمام الحسين (سلام الله عليه).

وهنا نسأل: لماذا يري الله أشرف أنبيائه هذه الكلمة عن حفيده ويعدّه آية كبرى؟ وما هو السرّ وراء ذلك؟

والجواب: هو أنّ الحسين (سلام الله عليه) خير مَن طبّق الآية التي صدّرنا بها البحث، وما وصّى الله به نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (سلام الله عليهم أجمعين)، وهو أَنْ أَقِيمُواْ الدّينَ . إن الحسين (سلام الله عليه) أقام الدين وحفِظ الشريعة.

فلولا الحسين عليه السلام لما كانت الصلاة اليوم ولا الصيام، ولا حجَّ البيت أحدٌ؛ لأنّ بني أمية كانوا على وشك القضاء على الدين، ولكن الحسين (سلام الله عليه) حفظه وأقامه بدمه ودماء أهل بيته.

محاولات بني أمية للقضاء على الدين

? حقد معاوية على الدين والرسالة

كان لمعاوية بن أبي سفيان صديق ونديم اسمه المغيرة بن شعبة، وكان يشبه معاوية (فإنّ الطيور على أشكالها تقع).

يقول المطرف ابن المغيرة بن شعبة: (دخلت مع أبي على معاوية، فكان أبي يأتيه، يتحدّث معه، ثم ينصرف إليَّ فيذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتمّاً فانتظرته ساعة ظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت: ما لي أراك مغتمّاً منذ الليلة؟ فقال: يا بنيّ جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم. قلت: وما ذاك؟ قال: قلت ل_ه وقد خلوت به: إنّك قد بلغت سنّاً يا أمير المؤمنين! فلو أظهرت عدلاً، وبسطت خيراً فإنّك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإنّ ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه. فقال: هيهات هيهات! أيّ ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عدي، واجتهد وشمّر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: عمر.. وإنّ ابن أبي كبشة ليصاح به كلّ يوم خمس مرات: أشهد أنّ محمداً رسول الله فأيّ عمل يبقى، وأيّ ذكر يدوم بعد هذا لا أباً لك!

لا والله إلاّ دفناً دفناً»( ).

? يزيد يثأر لقتلى بدر

أرأيت كيف كان يفكّر معاوية؟!

أمّا ولده يزيد فقد أظهر ما كان يضمره بعد

قتله سبط رسول الله صلي الله عليه و اله عند ما قال:

قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلناه ببدر فاعت_____دل

لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل( )

وقال في أبيات أخرى:

لمّا بدت تلك الحمول، وأشرقت

تلك الرؤوس على رب_ا ج_يرون

نعب الغراب فقلت: قل أو لا تقل

فقد قضيت من الرسول ديون__ي( )

يعني أنه اقتصّ من رسول الله صلي الله عليه و اله عندما قتل سبطه بمن قتلهم الإسلام من أجداده الكفرة في بدر.

فالقضية عند يزيد تتلخّص في نزاع بين قبيلتين، فلا دين

ولا نبوّة ولا وحي ولا جنّة ولا نار!

? خليفة يشتهي أن يفجر فوق الكعبة!

نموذج ثالث من خلفاء بني أمية هو (الوليد بن يزيد)، ذكر ابن أثير أنه: اتخذ ل_ه ندماء فأراد هشام أن يقطعهم عنه فولاه الحج... فحمل معه كلابا في صناديق، وعمل قبة على قدر الكعبة ليضعها على الكعبة، وحمل معه الخمور، وأراد أن ينصب القبة على الكعبة ويشرب فيها الخمور( ).

ومن أخباره: أنه واقع جاريته وهو سكران وجاءه المؤذنون بالصلاة فحلف لا يصلي بالناس إلا هي، فلبست ثيابه وتنكرت وصلت بالمسلمين وهي سكرى متلطخة بالنجاسات وعلى الجنابة( ).

فهل عرفتم الآن كيف أن الإمام الحسين (سلام الله عليه) أنقذ دين جده المصطفى صلي الله عليه و اله من براثن بني أمية؟ وكيف أنه حقق وصية الله لأولي العزم من أنبيائه بإقامة الدين؟ ولهذا وجد رسول الله صلي الله عليه و اله مكتوبا على ساق العرش: إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة .

أليس للإمام الحسين (سلام الله عليه) حق على كل صلاة تقام على وجه الأرض؟ أليس لدمه (سلام الله عليه) حق على الكعبة والبيت الحرام؟ فلولا جهاد الحسين (سلام الله عليه)

وثورته ودمه لما كانت صلاة ولا صيام، وما كانت تؤدى الزكاة ولا الخمس ولا سائر أحكام الإسلام.

وما نقلناه كان غيضا من فيض، فاقرؤوا التاريخ بأنفسكم لتعلموا ما أراد الأمويون فعله بالإسلام، وما هو دور الحسين (سلام الله عليه)؟ ولماذا قال الله تعالى عنه على لسان رسوله صلي الله عليه و اله: إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة .

حسين مني وأنا من حسين

وهكذا أيضا يفسر معنى الحديث النبوي الشريف:

حسين مني وأنا من حسين ( ).

أما أن الحسين عليه السلام من النبي صلي الله عليه و اله فهذا لا خلاف فيه، ولكن كيف يمكن أن يكون الجد من الحفيد أو السبط؟ لا شك أن النبي صلي الله عليه و اله يقصد بذلك استمرار رسالته صلي الله عليه و اله، وهذا الكلام النبوي الشريف مقتبس من ذاك التعبير المكتوب على ساق عرش رب العزة، لأن بقاء اسم النبي صلي الله عليه و اله مرفوعا على المآذن: (أشهد أن محمدا رسول الله) إنما كان بتضحيات الإمام الحسين (سلام الله عليه). ولولا الإمام الحسين (سلام الله عليه) لمحا معاوية ويزيد وآل مروان من بعدهما هذا الذكر، ولعادت الجاهلية من جديد، فهكذا كان تخطيط معاوية، وهكذا كان إنقاذ دين الله متوقفا على دم الحسين (سلام الله عليه)، ولولا شهادة الحسين وأهل بيته عليهم السلام لما بقي للإسلام من أثر، ومن شاء فليراجع التاريخ.

إذن كل مسجد تدخله اليوم فهو مدين للحسين عليه السلام، وكل صلاة وصيام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وبر بالوالدين، وإخلاص لله، بل واسم رسول الله صلي الله عليه و اله عندما يرفع في الأذان.. كله من الحسين (سلام الله عليه)، وهذا معنى قوله صلي الله عليه و اله: وأنا من

حسين . ولولا الحسين عليه السلام لكان اسم رسول الله صلي الله عليه و اله _ وكما تمنى معاوية _ حاله حال اسم أبي بكر وعمر، لا يزاد أن يقال: كان محمد، أما رفعه في الأذان مقرونا بالرسالة كل يوم خمس مرات وامتداده في استمرار تعاليمه في الصلاة والصوم والمساجد والحج والدين كله، فكل ذلك رهين دم الحسين (سلام الله عليه).

وهذا معنى مخاطبتنا ل_ه (سلام الله عليه) في الزيارة: أشهد أنك قد أقمت الصلاة لأنه لولا الحسين عليه السلام لما صلى أحد.

ينقل الشيخ محمد شريعت رحمة الله عليه _ أحد علماء الشيعة الذين عاصرتهم، أصله من كراجي، وكان يسكن في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة _ أنه كانت تربطه صداقة بقس مسيحي فقال ل_ه يوما: أنتم الشيعة عندكم الحسين (سلام الله عليه) ولكنكم لا تستفيدون منه كما ينبغي، ولو كان الحسين لنا لركزنا ل_ه في كل شبر من الأرض منبرا نجمع الناس حوله ونبلغهم ديننا ولما تركنا إنسانا على وجه الأرض إلا دعوناه إليه.

ماذا نقدم للحسين عليه السلام في ذكرى ميلاده؟

أقترح ثلاث وصايا بسيطة يتمكن كل منا العمل بها، عسى أن نرفع شيئا من تقصيرنا تجاه الإمام الحسين عليه السلام.

أولا: قبل أيام من ذكرى ميلاده المبارك (سلام الله عليه) أخبر كل من تلقاه _ سواء في محل عملك أو في طريقك إلى البيت أو صديقا تلقاه _ أن يوم الثالث من شعبان هو يوم ميلاد الحسين (سلام الله عليه)، ولا أبالغ إن قلت إن كثيرا من المسلمين الذين تعيش بينهم لا يعلمون بذلك.

ثانيا: لنتحف أولادنا وعوائلنا بفكرة ولو مبسطة عن أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) لا سيما صاحب الذكرى الإمام الحسين (سلام الله عليه) في

يوم ميلاده، ليتربوا على حبهم (سلام الله عليهم).

ثالثا: لنظهر علامات الفرح والتهنئة ولنوزع الهدايا أو الحلويات على عوائلنا وزملائنا في محل عملنا وأهالي منطقتنا في يوم ميلاد الإمام الحسين (سلام الله عليه).

إن العمل بهذه الوصايا الثلاث هو أقل ما يمكن أن نقدمه وأقل ما يراد منا، لكي يصدق علينا أننا نحب الحسين (سلام الله عليه) نواليه. أما الأمور والمؤهلات المطلوبة منا لكي نكون على طريق الإمام الحسين (سلام الله عليه) فقد لا نكون بمستواها، فإن الحسين (سلام الله عليه) أقام الدين، ونحن نرى محيطنا مليئا بالمحرمات، وذوينا لا يؤدون الواجبات، ولكن مع ذلك ترى بعضنا _ ومع الأسف _ لا يكترث، فإذا كنا من الذين يهتمون بمعالجة الأمراض الروحية في المجتمع كاهتمامنا بمعالجة الأمراض البدنية خاصة إذا أصيب بها أحد أبنائنا، فليكن سعينا من الآن أن نبدأ بنشر حب الحسين عليه السلام وفكر الحسين عليه السلام ثم السعي للعمل وفقه إن شاء الله تعالى.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا لذلك، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

بيان سماحة المرجع الديني

آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي رحمة الله عليه بمناسبة حلول أيام محرم الحرام وعاشوراء الإمام الحسين عليه السلام عام 1426 ه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلوات الله على خير الخلق أجمعين، محمد المصطفى، وعترته الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين. «السلام عليك يا أبا عبد الله، وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، وأناخت برحلك، عليكم منّي سلام الله أبداً ما بقيت، وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد منّي لزيارتكم، السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين».

روي في زيارة للإمام الحسين عليه السلام: «

أشهد أنّك طُهرٌ طاهرٌ مُطَهَّر، من طُهرٍ طاهرٍ مُطَهَّر، طَهُرْتَ وطَهُرَتْ بك البلاد، وطَهُرَتْ أرضٌ أنت بها، وطَهُرَ حرمُك»( ).

فالإمام الحسين (سلام الله عليه) طهر مجسّد (طُهْرٌ طاهرٌ) والله تعالى هو الذي منحه الطهر فهو مُطَهَّر. وهو (سلام الله عليه) من علي وفاطمة الطهرين الطاهرَين المطهرَين (صلوات الله عليهما).

وامتداداً لطهره (سلام الله عليه) طهرت به البلاد من أنواع الدنس في العقائد الفاسدة، والأخلاق الرذيلة، ونحو ذلك.

وطهر البلاد نتيجة لطهر الأرض التي بها الإمام الحسين (سلام الله عليه) وهذا الطهر نابع من طهر حرمه (سلام الله عليه).

وربما تكون هذه الجملة (وطهرت بك البلاد) إشارة إلى المستقبل المحقق _ الذي يعبّر عنه بصيغة الماضي في المحاورة الأدبية _ حيث ستظهر الأرض كلّها على يد التاسع من ولد الإمام الحسين (سلام الله عليه) الإمام المهدي المنتظر بقيّة الله (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) والذي سيرفع في مفتتح حركته التطهيرية الشاملة مظلومية جدّه، كما ورد في بعض الأخبار. هكذا تعلّقت المشيئة الإلهية أن يكون الإمام الحسين (سلام الله عليه) طاهراً، ومصدراً للطهر الذي هو في الأصل من أسماء الله الحسنى، فقد ورد في الأدعية المأثورة خطاباً لله عزّ اسمه (يا طُهْرُ يا طاهرُ)( ) فاشتق الله تعالى _ على لسان الإمام الصادق (سلام الله

عليه) ( ) الذي لا يقول شيئاً إلاّ عن جدّه صلي الله عليه و اله عن جبرئيل عن الله جلّ وعلا _ هذا (الطهر) في أنواع من صيغه، عن اسمه عزّوجلّ، كما ورد في هذه الزيارة الشريفة.

وها نحن على أعتاب شهر محرّم الحرام، ونستقبل _ مع العالم كلّه _ عاشوراء الإمام الحسين (سلام الله عليه) ينبغي للجميع أن يتعلّموا (الطهر) منه (عليه السلام) ويعلّموه للآخرين،

لأنه (عليه السلام) _ وهو على خطى جدّه وأبيه (صلوات الله عليهما وآلهما) _ مدرسة الطهر للأجيال كلّها عبر التاريخ.

إن العالم اليوم بحاجة إلى الاستنارة بنور الإمام الحسين (عليه السلام) أكثر من قبل، فجاهلية اليوم أشدّ وأعنف وأوسع من الجاهليّة الأولى. جاهليّة _ اليوم _ هي هي الجاهليّة الأولى مزوّدة بالتقنية الحديثة، ومجهزة بالوسائل الفتّاكة في شتّى الأبعاد.

فالحروب التي تأتي على الحرث والنسل، والفساد في عامّة أنواعه، والظلم في مختلف المستويات، والتعدّي على الحقوق في كافّة الأصعدة، والتطاول على الكرامات في كل مجال .. وبالتالي اللاإنسانية المنتشرة تحت غطاء الإنسانية شملت البلاد والعباد.

في مثل هذا اليوم تكون الدنيا بحاجة ماسّة إلى تعلّم الطهر من الإمام الحسين (عليه السلام)، وتعميم تعليمه للجميع في كل مكان وكل مجال .

الطهر في النفس، بتطهير العقول عن العقائد الفاسدة.

والطهر في الفكر، بتطهير الأدمغة عن الأفكار السيئة.

والطهر في السلوك، بطرد رذائل الأخلاق عن الممارسات.

والطهر في اللسان واليد وسائر الجوارح، بالالتزام بما ينبغي، والاجتناب عمّا لا ينبغي .

ولنبدأ بتطهير أنفسنا، ثم بتطهير المجتمع الصغير (البيت، والأقرباء، والعشيرة) والمجتمع الكبير (المدينة والمنطقة) والمجتمع الأكبر (العالم) عن جميع مظاهر الفساد والضلال.

فإن الإمام الحسين (عليه السلام) استشهد لذلك كما ورد في الزيارة التي علّمها الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي حمزة الثمالي (وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الضلالة والجهالة والعمى، والشك والارتياب إلى باب الهدى من الردى)( ).

فنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) الجامعة، لها من الذاتية والطاقة والعمق ما يمكن أن تكون مستوعبة لذلك كلّه.

ومن هذا المنطلق العظيم يجدر بالجميع _ كل في مجاله _ أن يهتم لتحقيق هذه الأهداف السامية للإمام الحسين (عليه السلام) في إقامة أصول الدين وفروعه، وتعميم أخلاق الإسلام

وآدابه، وممارسة الشعائر الحسينية المقدسة بالطريقة المثلى والمتعارف عليها عند المؤمنين، مكثّفة وباستيعاب في كل مكان.

والله المسؤول أن يوفّق المسلمين للاستلهام من مناسبة عاشوراء الإمام الحسين (سلام الله عليه) في سبيل تجديد العزم على تطهير الأرض من عامّة أنواع الشر والرذيلة بالحكمة والموعظة الحسنة، بعيداً عن كل ممارسات العنف والغلظة والقسوة، والله تعالى هو الموفق المستعان.

1/ محرّم الحرام / 1426 هجرية صادق الشيرازي

* ولد المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في مدينة كربلاء المقدسة، 20 ذي الحجة عام 1360ه، وهو ينتمي إلى أسرة الشيرازي التي اشتهرت بالعلم والتقوى والعمل الصالح والجهاد في سبيل الله، وقد نبغ فيها طوال القرنين الأخيرين عدد من أكبر مراجع التقليد، منهم المجدد الكبير الشيرازي رحمة الله عليه، والميرزا محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليه صاحب ثورة العشرين.

* تبلغ مؤلفاته أكثر من 85 كتاباً، لمختلف المستويات، منها ما كتبه للفقهاء والمجتهدين مثل: (شرح العروة الوثقى: مسائل الاجتهاد والتقليد) و(بيان الأصول: قاعدة لا ضرر ولا ضرار، والاستصحاب). ومنها كتب للحوزات العلمية ك_: شرح الروضة في شرح اللمعة، وشرح الشرائع. ومنها كتب ثقافية ك_: السياسة من واقع الإسلام، والطريق إلى البنك الإسلامي. ومنها كتب عقائدية ك_: علي عليه السلام في القرآن، فاطمة عليها السلام في القرآن، المهدي عليه السلام في القرآن و..

* أتحف الحوزات العلمية ببحثه الخارج في الفقه والأصول منذ أكثر من عشرين سنة، ويحضره الكثير من العلماء الأفاضل وبعض المجتهدين للاستفادة من محضره الشريف. كما أنتجت مدرسته العلمية العديد من الخطباء والمفكرين والمجاهدين والأدباء والمؤلفين، وتربى على يديه وفي مجالسه التربوية وتحت منبره التوجيهي والتوعوي، الآلاف من الشباب المؤمنين والمثقفين من شتى القوميات. وتأسس بإرشاد منه

وتشجيع من سماحته العديد من الهيئات والمساجد والحسينيات والمدارس والمكتبات ودور النشر و...

* تحمل أعباء المرجعية بعد وفاة أخيه الأكبر من شوال 1422ه_ ورعى جميع المؤسسات الدينية والعلمية والاجتماعية التي أسسها الإمام الشيرازي الراحل (أعلى الله درجاته)، مضافا إلى عطائه العلمي المبارك وخدماته الإسلامية والإنسانية ولا زال يواصل نشاطه ولله الحمد.

* للتفصيل يمكنكم مراجعة المواقع التالية على الانترنيت:

www.s-alshirazi.com www.alshirazi.com

پي نوشتها

( ) سورة الشورى: 13.

( ) سورة الشورى: 13.

( ) سورة النجم: 8-9.

( ) بحار الأنوار: ج18 ص382 ب3.

( ) علل الشرائع للصدوق: ج1 ص5 ح1 ب7 باب العلة التي من أجلها صارت الأنبياء والرسل والحجج صلوات الله عليهم أفضل من الملائكة.

( ) سورة النجم: 18.

( ) مدينة المعاجز، للبحراني: ج2 ص327 رقم 116.

( ) ثواب الأعمال: ص110 ح2.

( ) مناقب آل أبي طالب: ج1 ص216. بحار الأنوار: ج16 ص405 ب12.

( ) المسترشد، للطبرى: ص680.

( ) الاحتجاج: ج2 ص307.

( ) جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السلام لابن الدمشقي: ج2 ص301.

( ) الكامل في التاريخ: ج4 ص467 ذكر بيعة الوليد بن يزيد.

( ) راجع شرح أصول الكافي: ج5 ص143.

( ) كشف الغمة: ج2 ص61. كشف اليقين: ص305.

( ) المزار للشهيد الأول رحمة الله عليه: ص 144.

( ) بحار الأنوار: ج 95 ص 401.

( ) بحار الأنوار: ج 95 ص400.

( ) كامل الزيارات: ص401.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.