في رحاب الغدير

اشارة

من محاضرات

سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله

بإشراف

مؤسسة الرسول الأكرم

صلي الله عليه وآله

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

لا ينظر سماحة آية الله السيد صادق الشيرازي إلي الغدير كحادثة مجرّدة ومنفصلة بل ثقافة متّصلة ومتواصلة منذ العام العاشر الهجري وحتي يومنا، ويبيّن سماحته دام ظله بأنّ الغدير مرآة صافية تعكس عصارة المثل الأخلاقية والسياسية والاجتماعية، ولوحة واضحة المعالم والزوايا عن الفكر والتطبيق الإسلامي، لتغلق الباب بوجه أي تسلّط واستعباد للشعوب.

يري سماحة السيد الشيرازي أنّ اكتناز الثروات والتنعّم بها من قبل أولئك الذين يحكمون شعوبهم باسم الإسلام، هم في الواقع لا يمتّون له ولا للحكم الإسلامي الحقيقي بأي صلة.

من هذا المنطلق يوجّه سماحته المؤمنين خاصة القائمين بشؤون الثقافة الإسلامية أن لا يقصّروا في نشر ثقافة الغدير، مؤكّداً علي مسؤوليتهم في الترويج لمفاهيم الغدير وتعاليمه.

المؤسسة

الغدير عيد الله الأكبر

طبقاً للروايات الإسلامية فإنّ عيد الغدير هو أعظم أعياد الله تبارك وتعالي؛ روي عن الرسول الكريم صلي الله عليه وآله أنّه قال:

يوم غدير خمّ أفضل أعياد أمّتي وهو اليوم الذي أمرني الله - تعالي ذكره - فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علَماً لأمّتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمّ علي أمّتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام ديناً … ()

وروي عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال: يوم غدير خم … هو عيد الله الأكبر().

وعن عبد الرحمن بن سالم، عن أبيه قال:

سألت أبا عبد الله عليه السلام: هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحي والفطر؟

قال: نعم، أعظمها حرمة.

قلت: وأيّ عيد هو جعلت فداك؟

قال: اليوم الذي نصّب فيه رسول الله صلي الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه.

قلت: وأيّ يوم هو؟

قال: يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة().

فعيد الغدير ليس يوم أمير المؤمنين سلام الله عليه وحده، بل

هو يوم الرسول الكريم صلي الله عليه وآله أيضاً، بل يحقّ القول بأنّه يوم الله تعالي، لأنّ مراد الرسول الكريم صلي الله عليه وآله وأمير المؤمنين سلام الله عليه في طول إرادة الله تعالي.

لقد ذكر الله تعالي هذا اليوم فقال: ?اليَوْمَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسْلامَ ديناً?().

وحسب هذه الآية الكريمة فإنّ الإسلام كمُل بإعلان ولاية عليّ سلام الله عليه كفريضة.

روي عن الإمام محمد الباقر سلام الله عليه أنه قال: آخر فريضة أنزلها الله الولاية ?اليَومَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسْلامَ ديناً? فلم ينزل من الفرائض شيء بعدها حتي قبض الله رسوله صلي الله عليه وآله().

كما روي عن الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه قوله:

وكانت الفرائض ينزل منها شيء بعد شيء، تنزل الفريضة ثم تنزل الفريضة الأخري وكانت الولاية آخر الفرائض فأنزل الله عزّ وجلّ: ?اليَوْمَ أكْمَلْتُ … ? يقول الله عزّ وجلّ: لا أنزل عليكم بعد هذه الفريضة فريضة قد أكملت لكم هذه الفرائض().

لقد أوحي الله عزّ وجلّ بالأحكام والواجبات الواحدة تلو الأخري حتي ختمها بالولاية، لأنّه عندما تمّ بيان هذا الحكم، أنزل الله هذه الآية ?اليَوْمَ أكمَلتُ … ? ليعلن أن لا فريضة بعدها. فبعد نزولها وتنصيب أمير المؤمنين سلام الله عليه خليفة لرسول الله صلي الله عليه وآله أدرك الناس مراد الله تعالي من الآية الكريمة: ?أَطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ? ()، وعلموا أنّ عليهم بعد رسول الله صلي الله عليه وآله الامتثال لطاعة أمير المؤمنين وأبنائه الطاهرين سلام الله عليهم.

إذن، كانت فريضة الولاية آخر فريضة أنزلها الله تعالي، ثمّ قُبض النبيّ صلي الله عليه وآله.

الغدير وإتمام النعمة

ممّا يثير الانتباه في هذه الآية الكريمة

أنّ الله تعالي قد ربط إتمام نعمته علي الخلق بموضوع الولاية، أي كما أنّ تحقّق كمال الدين ارتبط بالولاية فإنّ إتمام النعمة أنيط بإعلانها من قبل رسول الله صلي الله عليه وآله. والمقصود بالنعمة جميع النعم، ظاهرها وباطنها مثل العدل والمساواة والاتحاد والأخوة والعلم والأخلاق والطمأنينة النفسية والروحية والحرية والإحساس بالأمن، وبعبارة موجزة جميع أنواع العطايا.

لذا، فموقف أولئك الذين سعوا إلي تفسير النعمة في الآية بالشريعة واعتبارها مجرّد مسألة معنوية محلّ تأمّل ونظر، لأنّ الآية المذكورة لم تتطرّق لمسألة أصل النعمة، بل الحديث يدور حول إتمام النعمة، فأينما ورد ذكر إتمام النعمة في القرآن الكريم كان المراد منها النعم التي يصيبها الإنسان في الدنيا()، ومن هنا توجد علاقة مباشرة بين ولاية أمير المؤمنين علي سلام الله عليه والتمتّع بالنعم الدنيوية، وإحدي الشروط المهمّة والرئيسية للوصول بنا إلي مجتمع الحرية والبناء القائم علي أساس العدالة والأخلاق وسيادة القيم والفضائل الأخلاقية الإنسانية أن نسلّم لما بلّغ به رسول الله صلي الله عليه وآله في يوم الغدير، وأن نقبل عملياً بولاية أمير المؤمنين سلام الله عليه، بعبارة أخري: إنّ الأخذ بولاية أمير المؤمنين سلام الله عليه، له أثر تكويني يوجب سبوغ البركات والخيرات علي الناس من الأرض والسماء.

يقول الله تبارك وتعالي في كتابه العزيز: ?وَلَوْ أنَّهُمْ أقاموا التَوْراةَ وَالإنْجيلَ وَما أنزِل إليهِم مِنْ رَبّهِمْ لأكَلوا مِنْ فوقِهِمْ وَمِن تحْتِ أرجُلِهِم?().

لو أردنا أن نشرح الغدير في عبارة موجزة نقول: الغدير هو الوعاء الذي تصبّ فيه جميع تضحيات الرسول الكريم صلي الله عليه وآله، وهو مخزن الأحكام والآداب التي أوحي الله تعالي بها إلي رسوله الأمين، وفي إشارة إلي هذه الحقيقة يقول جلّ وعلا: ?يا أيُّها الرَّسولُ بَلِّغ ما أنزِلَ

إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لم تفعَل فما بَلَّغتَ رِسالَتَه?().

والغدير روضة الفضائل والأخلاق والمكارم والمحاسن بل هو المكارم بعينها، ويدين التطور الحضاري والمعنوي له بذلك؛ لأنّه أهمّ عامل في حفظ كيان الدين والملّة، ويعدّ إنكاره بمثابة إنكار لجميع القيم الإسلامية السامية الممتدّة علي أرض الإسلام الواسعة.

إذن كلّ عقيدة لا تغرف من معين الغدير فهي ليست علي شيء، والغدير بجوهره وروحه يعني مدرسة أمير المؤمنين سلام الله عليه التي تصلح لإسعاد البشر أجمع. فأمير المؤمنين سلام الله عليه هو بعد الرسول صلي الله عليه وآله أعظم آيات الله عزّ وجلّ ولا تضاهيه آية، وفي هذا يقول الإمام الصادق سلام الله عليه للّذي أراد سبر معرفة الله بدون أمير المؤمنين سلام الله عليه: فليشرّق وليغرّب()، أي لن يبلغ غايته ولو يمّم وجهه شرقاً وغرباً. إنّه لمن تعاسة الإنسان وسوء حظّه أن يطلب العلم والمعرفة من غير طريق علي وآل علي سلام الله عليهم، وهذا العلم، إن حصل، فليس بذاك لأنّه مفرّغ من القيم الأخلاقية والمعنوية، وبعيد عن روح الشريعة.

ولو أردنا تلخيص ما ورد في الغدير وقبله نجد أنّ بدايته كانت عبر جبرئيل عليه السلام في عرفات وبعدها عند غدير خمّ حيث امتثل رسول الله صلّي الله عليه وآله أمر ربّه الكريم حين قال له: ?بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ?.

وأعظم رحمة علي الإنسانية هو ميثاق الغدير وما الغدير إلاّ تحصين للدين، وكلّ خطّ لا ينتهي إلي الغدير فهو ردّ علي الدين والردّ عليه ردّ علي الله ورسوله صلّي الله عليه وآله وأهل بيت رسوله سلام الله عليهم، وإنّ كلّ القيم والفضائل ومكارم الأخلاق تختزل في الغدير وتنبع منه.

مبادئ مدرسة الغدير

وهي مبادئ واسعة وعميقة لدرجة أنّه لا يستطيع أحد الإحاطة

بكنهها جميعها، إلاّ قبسات من إشعاع فيضها.

ألفت نظركم إلي تلك العبارة الموجزة والبليغة من كلام أمير المؤمنين سلام الله عليه في قوله: والله لو أُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها علي أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت().

النقطة البالغة الأهمية التي تتضمّنها هذه العبارة أنّ الإمام سلام الله عليه قد استخدم كلمة «لو» وهي كما يذكر علماء اللغة ليس مجرد حرف شرط، بل حرف شرط يدلّ علي امتناع لامتناع، أي امتناع الجواب لامتناع الشرط. يقول الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز: ?لَوْ كانَ فيهما آلِهَةٌ إلاّ اللهُ لَفَسَدَتا?()، أي لو كان في الأرض والسماء آلهة غير الله عزّ وجلّ لانفرط عقد الكون، وما زال الأمر ليس كذلك، فالسماوات والأرض باقيتان علي حالهما ممسكتان، إذن ليس فيهما آلهة إلا الله. فحرف (لو) سلفاً يدلّ علي أن ما بعده من الشرط غير ممكن.

وهكذا نحو قولنا: لو كان لي جناحان لطرت بهما، فانتفي طيراني لعدم امتلاكي جناحين. ف (لو) ابتداءً يدلّ علي انتفاء مدخوله، من هنا، يكون معني قوله سلام الله عليه (والله لو أعطيت …): أي أن عصياني لله تعالي في ظلم نملة بهذا المقدار القليل لا يمكن تحققه حتي إذا كان بإعطائي مقابله الأقاليم السبعة. وهذا المعني يؤشر عليه حرف (لو).

والإمام سلام الله عليه غير مستعدّ للفوز بملك الأقاليم السبعة في مقابل معصية الله ولو في سلب قوت نملة واحدة، ففي القول دلالة علي نملة مفردة.

ونقطة ثانية مهمة في العبارة المذكورة: هي استخدام كلمة جُلب شعيرة»، وهي قشرة حبة الشعير الرقيقة، والتي تنزع عنها تلقائياً، ولو كان يوجد ما هو أتفه شأناً من جلب الشعير لقارن الإمام سلام الله عليه به. من هنا،

فقد أقام الحجّة علي جميع الحكّام وولاة الأمر، واضعاً إيّاهم أمام مسؤولياتهم الخطيرة، هؤلاء الحكّام الذين لا يتورّعون عن ارتكاب أي جريمة، فيبيدون الحرث والنسل، ويزهقون الآلاف من الأرواح الزكية البريئة من أجل شبر من الأرض أو مال قليل أو بلوغ المناصب والتمتّع بحطام الدنيا الزائل.

حسب ثقافة الغدير، فإنّ في سلب النملة جُلب شعيرة معصية، فما بالك بقتل الأفراد بالظنّة والشبهة! في النقطة المقابلة، نجد المنطق الأموي والعباسي الذي كان يعاقب الأفراد بتهمة حبّهم لعلي سلام الله عليه، ويقمع الخصوم الفكريين لأدني شبهة.

والحكام السابقون للإمام علي سلام الله عليه أيضاً كانوا يسيرون علي هذا النهج نفسه - أي نهج الحكام الأمويين والعباسيين - حيث كانوا يخنقون أصوات المعارضين لأتفه الأسباب، فمثلاً أرسل أبو بكر جيشاً بقيادة خالد بن الوليد للإجهاز علي معارضيه، وقد أدّي خالد المهمّة بوحشية وبشاعة بإهراقه دماء فريق من المسلمين في حروب سمّيت «بحروب الردّة»، وتحت ذريعة محاربة المرتدّين، إلاّ أنّ معظم الذين سفكت دماؤهم من قبل خالد وجيشه كانوا من المسلمين الأبرياء، ولم تكن تهمة الارتداد سوي ذريعة().

بل إنّ الأساليب التّي اتّبعها خالد في حربه ضدّهم كانت مخالفة تماماً لنهج الرسول الكريم صلي الله عليه وآله وتعاليم الإسلام، وتتلخص أساليب خالد في: قتل المسلمين بقذفهم من المرتفعات والأماكن العالية، وحرقهم وهم أحياء، والتمثيل بهم، وقطع أوصالهم، وإلقائهم في الآبار، في حين كان الرسول الكريم صلي الله عليه وآله ينهي عن المثلة حتي بالكلب، في هذا يوصي الإمام علي سلام الله عليه أهل بيته محذراً إيّاهم من التمثيل بقاتله، بقوله: فإنّي سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور().

الغدير والمشاعر الإنسانية

بركة أخري من بركات الغدير هي الوقوف علي

الجانب العاطفي من شخصية الإمام علي وأبنائه سلام الله عليهم الذين نصّبهم رسول الله صلي الله عليه وآله لخلافته من بعده، ففيهم تتجلّي الرحمة الإلهية علي الخلق وهم التجسيد الحيّ لأسمائه الحسني، حيث ورد في بعض الروايات أنّ الآية الكريمة: ?وَللهِ الأسْماء الحُسْني فادْعوهُ بِها? نزلت في شأنهم().

فمن شفقة أمير المؤمنين سلام الله عليه علي الخلق أنه أعطي طعامه للأسير واليتيم والمسكين وبات جائعاً هو وزوجته فاطمة الزهراء وولداه الحسن والحسين سلام الله عليهم أجمعين ثلاثة أيام متواليات.

وعلي فراش الشهادة أوصي الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه بإطعام قاتله ابن ملجم، وأن لا يُبخس حقّه في المأكل والمشرب والمكان والملبس المناسب()، بل كان يطالبهم أن يعفوا عن ابن ملجم حيث قال لهم: إن أعف فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة فاعفوا، ألا تحبّون أن يغفر الله لكم().

يروي المؤرخون أنّه بعد استشهاد الإمام علي سلام الله عليه خطب الإمام الحسن سلام الله عليه الناس فقال: لقد فارقكم أمس رجل ما سبقه الاولون، ولا يدركه الآخرون في حلم ولا علم، وما ترك من صفراء ولا بيضاء، ولا ديناراً، ولا درهماً، ولا عبداً، ولا أمة، إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله().

أما عثمان بن عفان فقد بلغت أمواله بعد مقتله (150) ألف دينار وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه بوادي القري وحنين وغيرهما (200) ألف دينار، وخلّف إبلاً وخيلاً كثيرة().

فلتقارن هذه الثروة العظيمة التي خلّفها عثمان مع ما تركه الإمام علي سلام الله عليه عند استشهاده ليتبيّن لنا البون الشاسع بين المنهجين، ونكتشف عظمة علي سلام الله عليه والغدير أكثر فأكثر. وهنا، ينجلي لنا جانب من السرّ الذي تنطوي عليه عظمة الغدير ومقولة الرسول

الكريم صلي الله عليه وآله بأنه أهمّ الأعياد.

الغدير والمواساة

ومن خصال الإمام علي سلام الله عليه تعاطفه مع الناس، ويتجلّي مواساته لأفقر الناس من خلال عمله وقد قال: ألا وإن إمامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه().

فهو سلام الله عليه لم يضع حجراً علي حجر، ولم يسكن قصراً فارهاً، بل تحمّل كلّ المصاعب والآلام لئلا يكون هناك فرد في أقصي نقاط دولته يتبيّغ بفقره لا يجد حتي وجبة غذاء واحدة تسدّ رمقه، وهو القائل: ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع(). لذا، فإنّه لمجرد أن يحتمل سلام الله عليه وجود أفراد في المناطق النائية من رقعة حكومته جوعي، لم يكن ينام ليلته ممتلئ البطن، وقد حرم نفسه حتي من متوسط الطعام واللباس والمسكن ولوازم الحياة العادية.

أراد الإمام سلام الله عليه بنهجه هذا تحقيق هدفين:

الهدف الأوّل: أن يُبعد عنه أي شبهة كحاكم إسلامي، ويسلب منتقديه - هؤلاء الذين أنكروا عليه حتي مناقبه() - أي حجّة تدينه.

الهدف الثاني: تذكير الحكّام المسلمين بمسؤولياتهم الخطيرة تجاه آلام الناس وفقرهم في ظلّ حكوماتهم، وضرورة إقامة العدل والتعاطف مع آلامهم وعذاباتهم، والسعي بجدّ من أجل تأمين الرفاهية والعيش الكريم لهم.

من هذا المنطلق، فإن مجرّد احتمال وجود جياع في أبعد نقاط الحكومة الإسلامية يعتبر في ميزان الإمام علي سلام الله عليه مسؤولية ذات تبعات، لذا فهو عليه السلام يؤكّد علي الحكّام ضرورة أن يجعلوا مستوي عيشهم بنفس مستوي عيش أولئك، وأن يشاركوهم شظف العيش.

وهنا تتجلي عظمة الغدير أكثر فأكثر، وتسطع أنوار القيم والتعاليم السامية التي يحملها يوماً بعد آخر، تلك القيم التي تؤمّن التوازن السليم بين المتطلبات المادية والمعنوية للبشر، لتحقّق السعادة للجميع أفراداً

وجماعات حكاماً ومحكومين.

الغدير ومواهب الله

هناك زيارة للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه في يوم الغدير رواها الأكابر من علمائنا عن اثنين من النوّاب الأربعة للإمام الحجة عجّل الله تعالي فرجه الشريف، وهما: عثمان بن سعيد (النائب الأول) والحسين بن روح (النائب الثالث)؛ وكلاهما من أصحاب الإمام الحسن العسكري، نقلا هذه الزيارة عنه عن أبيه الإمام الهادي سلام الله عليهما. ()

هذه الزيارة الشريفة تزخر بمضامين ومفاهيم قلّما توجد في الزيارات الأخري للإمام وسائر أئمة أهل البيت سلام الله عليهم، ولذلك ينبغي للزائر أن يتوقف عندها ويتأمل في عباراتها؛ ومن تلك العبارات قول الإمام الهادي سلام الله عليه في الزيارة مخاطباً جدّه أمير المؤمنين سلام الله عليه: وحال بينك وبين مواهب الله لك. أي صار مانعاً وحائلاً بينك يا أمير المؤمنين وبين المواهب الإلهية لك. فما هي تلك المواهب التي حيل بينها وبين الإمام؟ هل حيل بينه وبين علمه أم عصمته أم مقامه وإمامته أم درجاته عند الله تعالي؟ وكلّها ثابتة له. لقد حيل بين الإمام سلام الله عليه وبين الحكومة، أي منعوه من الحق الذي وهبه الله تعالي له بخلافة الرسول صلي الله عليه وآله وإدارة شؤون الأمّة الإسلامية.

لكن هذا الحؤول وهذا المنع أضرّا بالمسلمين أنفسهم، فلماذا قال الإمام الهادي سلام الله عليه: لك - فاللام هنا هي لام النفع وقد دخلت علي ضمير المخاطب - ولم يقل «للأمّة» مثلاً؟

نقول في الجواب: لأنّ المولي أمير المؤمنين عليه السلام هو المتفضّل علينا بما وهبه الله تعالي، لذلك لو لم يُقصَ الإمام سلام الله عليه وسُمح له بأن يحكم الأمّة مباشرة خلال هذه الثلاثين سنة التي عاشها بعد رسول الله صلي الله عليه وآله لكانت حكومته امتداداً كاملاً ودقيقاً

لحكومة النبي صلي الله عليه وآله، بفارق واحد فقط وهو أنه ليس بنبي كما أخبر بذلك النبي صلي الله عليه وآله نفسه().

وهذا معناه أن كل حالات الخير والعدل التي كانت ستقام منذ ذلك اليوم حتي يوم القيامة، وكذلك دفع كل حالات الظلم التي ما كانت لتقع فيما لو سُمح للإمام سلام الله عليه بممارسة حقه، كان نفعها سيعود للأمّة؛ لعدم انفراطها عن مواهب الله تعالي التي وهبها كلّها للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه.

الغدير مرسي دعائم الحرية

لبيان هذا الموضوع نعرض سؤالين هامّين ونجيب عنهما باختصار:

الأولي: ما الذي كان سيحدث لو أن الغدير تحقَّق وكان الإمام هو الحاكم مباشرة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله؟ وماذا خسر المسلمون والعالم بتغييب الغدير وإقصاء الإمام سلام الله عليه؟

الثانية: ماذا ينبغي لنا أن نعمل الآن؟ أي ما هي مسؤوليتنا تجاه ما حدث وقد مرّ عليه زهاء 1400 عام، وما هو واجبنا حسب الأدلّة الشرعية؟

أما عن النقطة الأولي فالكلام كثير والروايات عديدة في المقام؛ ولو وُفّق أحد الباحثين لجمعها لألّف منها موسوعة وليس كتاباً واحداً، ولكن أُشير هنا إلي بعضها ليتبيّن لنا أننا إذا كنا نشهد اليوم بعض الحرية في العالم - في أيّ بقعة من الأرض وبأيّ درجة - فإن الفضل في ذلك يعود لأمير المؤمنين سلام الله عليه، لأنّه هو الذي وضع أساسها وأرسي دعائمها طبعاً بعد رسول الله صلي الله عليه وآله؛ فحديثنا عن مرحلة الغدير وما بعد رسول الله صلي الله عليه وآله -.

فكلّ من يتمتع اليوم بشيء من الحرية فهو مدين فيها لأمير المؤمنين سلام الله عليه، وكلّ من كان محروماً من الحرية فالسبب في ذلك يعود لعدم قيام واستمرار الغدير، ولإبعاد الإمام سلام الله عليه

عن تحقيق ما أراده الله تعالي ورسوله له.

وإذا كانت هناك اليوم حرية في الغرب، فهي في أساسها مدينة للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، مع فارق أن الحرية الغربية خاطئة ومبتلاة بالإفراط والتفريط في حين أن الحرية التي طبّقها الإمام سلام الله عليه حرّية صحيحة ومعتدلة.

لنطالع الرواية التالية ثم نقارن مبادئ الحرية عند الإمام سلام الله عليه مع الحريات الموجودة اليوم في الدول التي ترفع شعار الحرية لنري أيّهما أعظم؟

لقد جاء الإمام إلي سدّة الحكم بعد مرور 25 سنة من الغصب والظلم وغياب العدالة وكبت الحريات، والتي من صورها أنه حتي تدوين الحديث بل روايته كان ممنوعاً يعاقَب مرتكبه بالضرب والحبس فضلاً عن تهديد بعض الصحابة بالطرد والنفي، وإن كان من أتباع السلطة وأنصارها().

في ظلّ أوضاع كهذه حيث الحرية مغيَّبة إلي هذا الحدّ والمشاكل تحيط بالأمة من كلّ جهة استلم الإمام سلام الله عليه زمام الحكم، تري فكيف تصرّف مع الناس، وما هي حدود الحريات التي سمح بها لهم، سواءً في عاصمته الكوفة، حيث اختلاف المذاهب والمشارب والأعراق والأذواق، أو في البصرة بعدما تمرّدت بعض الطوائف ضدّه في حرب الجمل بقيادة عائشة وطلحة والزبير، أو مع غيرهم من المارقين والقاسطين كالخوارج بقيادة الأشعث بن قيس وأهل الشام بقيادة معاوية؟

عندما حلّ شهر رمضان المبارك في السنة الأولي من حكومة الإمام نهي صلوات الله عليه أن تصلي النافلة في ليالي شهر رمضان المبارك جماعةً وأوصي بأن تصلَّي فرادي، كما سنّها رسول الله صلي الله عليه وآله، واحتجَّ سلام الله عليه لرأيه بقوله: «إنه ما زال هناك من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله من يشهدون أنه صلي الله عليه وآله جاء إلي المسجد الليلة الأولي من

الشهر الكريم يريد أداء النافلة فاصطفَّ المسلمون للصلاة خلفه فنهاهم وقال: هذه الصلاة لا تؤدَّي جماعة ثم ذهب إلي بيته للصلاة» ().

ولكن عمر عندما استلم الحكومة قال: «أري أن يصلّي الناس هذه الصلاة جماعة» (). فصلاَّها الناس كذلك وأسموها بالتراويح.

أما الإمام سلام الله عليه فقد احتجَّ ببطلانها بنهي رسول الله عنها، فإنه صلي الله عليه وآله لم يُجِز أن تصلَّي جماعة ولم يقبل أن يؤمَّ المسلمين فيها وهو المبلّغ للصلاة والمؤسّس لها بأمر الله تعالي، بل قال: تصلَّي فرادي.

ومن هنا كان نهي الإمام سلام الله عليه من أن تصلي النوافل جماعة وأعلن ذلك وأوصي المسلمين أن يصلّوا نوافل الليل في شهر رمضان فرادي سواء في المساجد أو في البيوت.

إلا أن أولئك الذين اعتادوا علي أدائها طيلة سنين لم يطيقوا منعها، فخرجوا في مظاهرات تطالب بإلغاء المنع، وكان شعارهم «واسنّة عمراه»، فماذا كان ردّ فعل الإمام سلام الله عليه؟

انظروا إلي عدالة الإمام والحرية التي يؤمن بها. فبالرغم من أنّه قال شيئاً واستدلّ عليه وكان استدلاله محكماً بحيث لم يستطع أن يشكّك فيه حتي أولئك الذين ما برحوا يختلقون الإشكالات الباطلة ويثيرونها في وجهه، حتي بلغ الأمر بهم أن يعدّوا بعض فضائله رذائل، كما عابوا عليه خلقه الذي هو فضيلة عظيمة فقالوا: «إنّه امرؤ فيه دعابة» (). فماذا فعل مع المتظاهرين الذين خرجوا ضدَّه؟ هل واجههم بالسلاح؟ هل اعتقلهم وسجنهم، أم نفي أحداً منهم؟ هل أحالهم إلي المحاكم علي أقلّ تقدير؟ كلا ثم كلا. إنه سلام الله عليه لم يفعل أيَّ شيء من ذلك معهم. فلم يقمع المظاهرة ولا استعمل العنف والقوة ضدهم، بل الأعظم من ذلك أنّه سلام الله عليه استجاب لمطالبهم ورفع المنع الذي أصدره

وسمح لهم بممارسة سنّتهم هذه رغم أن تلك السنَّة لم تكن حتي من الباطل المدلَّس بالحق بل كانت باطلاً واضحاً لا شكّ في بطلانها ولا شبهة، وهو الإمام الحق كما قال الرسول صلي الله عليه وآله: علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار()، والحاكم الذي يجوز له أن يُعمل ولايته ويحكم بما رأي كما فعل من سبقه علي رأي القوم علي أقلّ تقدير ومع ذلك قال الإمام لابنه الحسن سلام الله عليه: قل لهم صلّوا().

والآن قارنوا هذا الموقف مع ما تدّعيه أرقي الدول التي تزعم أنّها راعية الحرية اليوم. أجل إن المسؤولين في تلك الدول لا يوجهون بنادقهم للمتظاهرين كما تفعل بعض الدول الإسلامية مع الأسف! ولكن غالباً ما تنتهي المظاهرات بوقوع قتلي أو جرحي واعتقال بعض وإحالتهم إلي المحاكم والسجون.

فما قيمة ما وصل إليه الغرب إذا ما قيس إلي الحرية في ظلّ حكم الإمام علي سلام الله عليه؟ أما في البلاد الإسلامية فلا وجود حتي لذلك القدر من الحرية الموجودة في الغرب!

والأعجب من هذا أن الإمام سلام الله عليه منح هذه الحريات للناس في عصر كان العالم كلّه يعيش في ظلّ الاستبداد والفردية في الحكم، وكان الإمام رئيس أكبر حكومة لا نظير لها اليوم سواء من حيث القوة أو العدد، لأن الإمام كان يحكم زهاء خمسين دولة من دول عالم اليوم!!

قد توجد اليوم في العالم حكومة تحكم ما ينيف عن المليار إنسان كالحكومة الصينية ولكنها ليست الأقوي. وقد توجد حكومة تحكم دولة قوية كالولايات المتحدة ولكنها لا تحكم أكبر عدد من الناس؛ أما الإمام علي سلام الله عليه فكان يحكم أكبر رقعة من الأرض وأكبر عدد من الناس، وكانت الحكومة الإسلامية

يومذاك أقوي حكومة علي وجه الأرض، فالإمام سلام الله عليه لم تنقصه القوة، وكان يكفي أن يقول للرافضين: لا، ولكنه لم يقلها وأعلن للبشرية عملياً أنه ?لا إكراه في الدين?().

فلئن كان في العالم شيء من الحرية اليوم فلا يعود الفضل فيه إلا لإمامنا ومولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه.

تعامل الغدير مع مثيري الحرب

لم يبادر الإمام بأية حرب ابتداء، فكُلّ حروبه فُرضت عليه، وأوّلها حرب الجمل، والتي ما إن وضعت أوزارها وهُزم جندها حتي هرب الذين أشعلوا فتيلها واختبأوا في حجرات إحدي الدور في موضع من البصرة، فتوجّه أمير المؤمنين سلام الله عليه في كوكبة من جنوده إلي ذلك المحلّ حتي انتهي إلي الحجرة التي كانت فيها عائشة فعاتبها أولاً قائلاً لها: أبهذا أمرك الله أو عهد به إليك رسول الله صلي الله عليه وآله؟() ثم أمرها بالتهيؤ لإرجاعها إلي المدينة المنورة.

يروي أنه عليه السلام قبل أن ينتهي إلي الحجرة التي كانت فيها عائشة تظاهرت نسوة المحاربين الذين خسروا المعركة وهتفن بشعارات في وجه الإمام مناديات: «هذا قاتل الأحبّة» (). ولكن الإمام لم يبالِ بهنَ ولم يُظهر أيّ رد فعل إزاءهن! فعدن إلي التظاهر والهتاف ضد الإمام سلام الله عليه بالشعار نفسه، والإمام يهمّ بمغادرة المكان، ولكنه توقّف هنيئة ثم عاد وقال جملة واحدة فقط سكتن كلّهن علي أثرها. لقد قال لهن: لو قتلت الأحبّة لقتلت من في تلك الدار! وأومأ بيده إلي ثلاث حجر في الدار().

فبالرغم من أنّ عائشة قد ألّبت علي الإمام حتي فرضت عليه الحرب، وبالرغم من أنها ومن خرج معها قد خسروا الحرب وانهزموا وتلبدوا، إلا أن الإمام اكتفي بعتابها ثم أمر بعد ذلك بإرجاعها مجلَّلة إلي المدينة، وأمر أن لا يتعقَّب قادة الجيش المعادي

ولا يلقي القبض عليهم ليعدمهم أو يسجنهم أو ينفيهم أو يحاكمهم!

إننا لم نعهد تعاملاً من هذا القبيل في تاريخ البشر، بل لم نعهده حتي في هذا اليوم وفي الدول التي ترفع شعارات الحرية وحقوق الإنسان، فإنهم ما إن ينتصروا في معاركهم الباطلة ويقبضوا علي رؤوس الجهة المعادية حتي يسجنوهم أو يحيلوهم إلي محاكم خاصّة بصفتهم مجرمي حرب أو خونة ومتآمرين وقد يعدمونهم.

نعم، هذه هي الحرية التي نقول عنها: لو أن الغدير قد حكم الأمّة طيلة الثلاثين سنة من عمر الإمام علي بعد الرسول صلي الله عليه وآله، لنعمنا بظلّها إلي الآن، ولما شهدنا كلَّ هذه الويلات والمحن منذ ذلك الحين حتي يومنا هذا وإلي أن يظهر أمر الله في خلقه.

كيف تعامل الإمام مع الخوارج؟

بعد أن اضطرّ الإمام أمير المؤمنين لخوض معركة صفين وسقط القتلي من الطرفين وكان النصر قاب قوسين أو أدني منه سلام الله عليه، تدارك الجيش المعادي الأمر بحيلة رفع المصاحف وانطلت حيلتهم علي قسم كبير ممن كان يحارب في ركاب أمير المؤمنين عليه السلام فطالبوه بوقف الحرب وهدَّدوه إن لم يفعل!! فاضطُرّ الإمام لوقف الحرب كما اضطُرَّ لخوضها وطلب من مالك الأشتر التوقّف عن التقدم، ثم أجبروه علي قبول التحكيم ثم اعترضوا علي قبوله له بعد ذلك مطلقين شعاراً ينطوي علي مغالطة فقالوا: «لا حكم إلا لله» (). وهكذا نشأت فرقة الخوارج من بطن جيش الإمام نفسه!

ولم يكتفِ هؤلاء بمروقهم حتي تظاهروا ضد الإمام أيضاً، ورفعوا في وجهه هذا الشعار عندما دخل المسجد وكان يوم الجمعة وهو إمام وحاكم لأكبر وأقوي دولة علي وجه الأرض يومذاك().

ومع ذلك لم يعاقبهم الإمام سلام الله عليه بل لم يسمح لقادة جيشه أن يمنعوهم ولا أحال أحداً منهم إلي

القضاء أو السجن؛ مع أنهم كانوا يعلمون كما كان الإمام نفسه يعلم بأن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: علي مع الحق والحق مع علي.

وهذا معناه أن الباطل كان يهتف بشعاراته في وجه الحق، ومع ذلك لم يمنع الحق أصحاب الباطل من حرية التعبير. فأين تجدون مثل هذه الحرية؟ هل عهدتم حرية كهذه حتي ممن يدعي حرصه عليها في هذا اليوم المعروف بعصر الحريات؟!

والأعظم من هذا أن الإمام سلام الله عليه لم يسمّ هولاء الذين خرجوا عليه وهتفوا بهذا الشعار في وجهه - ولا رضي أن يسمّوا - بالمنافقين() مع أنهم كانوا أجلي مصداق لهذه المادّة، لأنّ هناك رواية متواترة عن النبي صلي الله عليه وآله أنّه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق أو كافر().

نعم، فإن الذين خرجوا ضدَّ الإمام أمير المؤمنين هم المنافقون الحقيقيون، ولكن سياسة الإمام التي هي سياسة النبي صلي الله عليه وآله والإسلام ومنهجهما في الحكم هو أن لا يستخدم سيف الترهيب؛ ولا يقال عن المعارضين للحكم أنهم منافقون وإن كانوا منافقين حقاً!

فمن أجل إدارة الحكومة ومراعاة المصلحة الأهمّ في سياسة حال الأمَّة بما فيها المعارضين أيضاً نهي الإمام أن يقال عنهم: إنهم منافقون.

ماذا كنّا سنربح لو تحقق الغدير؟

لو حكم الإمام وتحقّق الغدير لأكل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغداً إلي يوم القيامة! ففي رواية أنّه قال سلمان لأبي بكر: قم عن هذا المجلس ودعه لأهله يأكلوا به رغداً إلي يوم القيامة(). فلفظة «الرغد» تشير إلي الكيف ولفظة «إلي يوم القيامة» تشير إلي كمّ السعادة التي كان سيتحقق فيما لو تحقق الغدير.

فالرغد في اللغة هو المعيشة التي لا ضنك فيها أبداً ولا أدني ما

يعكرها، فلا مرض ولا فقر ولا جهل ولا حروب ولا نزاع ولا قلق ولا مشكلات ولا حبس ولا ويلات. هذا هو معني الرغد. ولذلك قيل فيه: وإنما العيش الرغد في الجنة().

وهذا معناه أنّه لو كان الإمام يحكم كما أراد الرسول صلي الله عليه وآله لما وُجد اليوم مريض ولا سجين واحد في العالم، ولا أُريقت قطرة دم ظلماً ولا وجد فقير ولا تنازع زوجان ولا قُطع رحم. فهذا هو مفهوم الرغد.

فهل تبيّن لماذا كان الغدير أعظم الأعياد في الإسلام؟ إن المفاهيم التي ينطوي عليها الغدير لا تتوفر حتي في عيدي الفطر والأضحي وغيرهما من أعياد الإسلام. فقارنوا بين كلّ الأعياد الإسلامية ومنها الجمعة وبين عيد الغدير وانظروا هل يؤيدنا التاريخ في كونه أعظم الأعياد أم لا؟

إذن لم يعد يخفي علينا معني قول الإمام الصادق سلام الله عليه يوم غدير خم … هو عيد الله الأكبر().

ماذا حدث بإقصاء الغدير؟

والآن بعدما سُلب الإمام حق الخلافة واُقصي عن الحكومة ولم يُمتثل أمر الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله في يوم الغدير، فما الذي حدث؟

أقول: بعد جلوس الإمام 25 سنة في الدار - منذ السنة الأولي التي اُنكر فيها الغدير عملياً بعد رحيل رسول الله صلي الله عليه وآله - ظهرت المشاحنات والقتل والحروب والظلم بدءاً من الظلم الذي حاق بمولاتنا السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليه وإسقاطها محسناً() ثم بالحروب التي وصفها القائمون بها ب (حروب الردة) واستمراراً بما تلاها من حروب حتي يومنا هذا، حيث قتل الملايين من البشر! كلّ ذلك بسبب إقصاء الغدير وتجاهل قول رسول الله صلي الله عليه وآله في عليّ عليه السلام: هذا وليكم من بعدي(). أي متولّي أموركم.

هناك رواية تستدعي التأمل وتؤيد ما

ذهبنا إليه؛ مفادها أنه لو تحقق الغدير لما اختلف في هذه الأُمّة سيفان() أي لما تحارب اثنان وهذه حقيقة لا يشوبها شكّ. أما الحروب التي خاضها الإمام فلم تكن لتقع لو تحقق الغدير كما أراد الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله ولكنها فُرضت علي الإمام سلام الله عليه من قِبل أولئك الذين مكّنهم الأسبقون الذين لم يروقهم تحقق الغدير.

فصرنا نشهد علي مرّ التاريخ حروباً ودماراً وظلماً وفساداً وهتكاً للحرمات حتي آل الأمر إلي ما نشهد اليوم من حروب وتفجيرات وقتل وعنف في كل بقاع العالم تقريباً، فهذا يقتل ذاك وذاك يظلم هذا، وعمليات خطف وإبادة ودمار في كل مكان! وهذا ما حذّرت منه مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها بقولها: ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وزعافاً ممقراً().

بعبارة أخري: إن الهدف الذي سيظهر من أجله الإمام المهدي عجّل الله تعالي فرجه الشريف كان سيتحقق علي يد الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، لو استقاموا علي دين النبي صلي الله عليه وآله وائتمروا به.

مسؤوليتنا تجاه الغدير

النقطة الأخري التي ينبغي التحدث عنها هي مسؤوليتنا تجاه الغدير.

إذا كان العالم لا يعرف الغدير وحقيقته بسبب إقصائه، وحُرم النهل من مبادئه وعطاياه، وحتي بعض المسلمين لم يتعلّم من عليّ سلام الله عليه وابتعد من سيرته، فما هي مسؤوليتنا نحن الذين أدركنا بعضاً من عظمة الغدير ووعينا خسارة البشرية جراء تغييب الغدير؟ وبتعبير آخر: كيف نُحيي الغدير؟

أقول: روي عن عبدالسلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن الرضا سلام الله عليه يقول: رحم الله عبداً أحيي أمرنا فقلت له: فكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس(). والإمام لم يحصر المسألة في الشيعة أو المسلمين فقط بل قال "الناس" أي

كل الناس.

فعالم اليوم يجهل الغدير، وتعاليم أهل البيت سلام الله عليهم بل يجهلها أكثر المسلمين مع الأسف. والمؤسف حقاً أن تري شخصاً يُحسب من العلماء يعبِّر في موضع ما عن صلاح الدين الأيوبي بالقائد الإسلامي، مع أنّه حتي محبّوه وأتباعه ومن هم علي مذهبه يقرّون أنّه حرق في واقعة واحدة مدينة بأكملها فأزهق أرواح كلّ سكّانها البالغ عددهم خمسين ألفاً وبينهم النساء والأطفال والشيوخ!!

أرجو الله تعالي ببركة عيد الغدير أن يزيدنا معرفة بعظمة الغدير فنحن لا نعرف منها إلا اللفظ، أما العظمة فالله تعالي يقدّرها ورسوله وأمير المؤمنين صلي الله عليهما وآلهما. نسأل الله أن يتفضّل علينا بما نستطيع به، أن نؤدي واجبنا تجاه هذه القضية المباركة.

لكي نعرف طبيعة وحجم المسؤولية التي يلقيها الغدير علي عاتقنا، يجب أولاً أن نسأل أنفسنا، إلي أي مدي تعرّف العالم المعاصر علي الغدير وسبر أسراره العميقة؟ وإذا كان العالَم يجهل الغدير فمن الذي يتحمّل مسؤولية هذا الجهل؟ وما هي طبيعة المسؤولية التي ينبغي أن نضطلع بها وفق مقرّرات الغدير تجاه المجتمعات الإسلامية؟

في الحقيقة، لا يحمل الجيل الحالي عموماً تصوراً واضحاً وصحيحاً عن الغدير، و تقع مسؤولية ذلك علي عاتقنا نحن في الدرجة الأولي، فلو أدّينا واجبنا في شرح فكرة الغدير للناس لكان الوضع أفضل ممّا عليه الآن.

كان علينا أن نوضّح للعالم بأنّ الغدير يعني تحقيق الرفاهية وتوسيع نطاقها، لبلوغ التقدم والرقي في عمران المجتمعات الإنسانية، كما يعني المساواة بين الممسكين بمقاليد الاقتصاد والمال وبين باقي أفراد المجتمع، والقضاء علي الطفيلية والعصابات. وحسب ثقافة الغدير، فإنّ المسؤولين عن الشؤون المالية هم المؤتمنون الذين بيدهم عصب الحياة المدنية والذي تدور به عجلة المجتمع.

الخلاصة، إنّ الغدير ميثاق ولاة الأمر مع الله تعالي

الذي يحتّم عليهم بأن يجعلوا مستوي عيشهم بمستوي أقلّهم في المجتمع، وأن يحاكوهم في المأكل والمسكن والملبس والرفاهية … إلخ.

في الختام، نؤكّد المسؤولية الخطيرة الملقاة علي عاتقنا إزاء الغدير، وضرورة الالتزام بها. ومن أهمّ هذه المسؤوليات في الوقت الراهن نشر مفاهيم الغدير، ودعوة عموم الناس لينهلوا من هذه المائدة السماوية؛ وفي غير هذه الحالة، لا يوجد أدني أمل في كفّ أيدي الحكّام المستبدّين عن المستضعفين، لإنقاذ الإنسانية من هذا الوضع السيّئ والخطير، والوصول إلي ساحل الأمن والرفاهية والعدل والحرية.

إذن، عندما يكون الحديث عن الغدير، فإنه في الواقع حديثٌ عن المعاني التي يحملها، مجسّدة الروح العظيمة لأمير المؤمنين سلام الله عليه.

بقي أن نتساءل: يا تري هل سينجب التاريخ حاكماً عادلاً يقتفي أثر الإمام علي سلام الله عليه الذي كان يشاطر حتي أضعف مواطني دولته؟ هنا يتوضّح جلياً مغزي قول الإمام الرضا سلام الله عليه: لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كلّ يوم عشر مرّات().

پي نوشتها

() أمالي الصدوق: 109 ح 8.

() التهذيب: 3 / 143 ح1 باب صلاة الغدير. وفيه:

الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْحُسَيْنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَي الْهَمْدَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَسَّانَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَبْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقَ عليه السلام يَقُولُ: صِيَامُ يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ يَعْدِلُ صِيَامَ عُمُرِ الدُّنْيَا لَوْ عَاشَ إِنْسَانٌ ثُمَّ صَامَ مَا عَمَرَتِ الدُّنْيَا لَكَانَ لَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ وَ صِيَامُهُ يَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي كُلِّ عَامٍ مِائَةَ حَجَّةٍ ومِائَةَ عُمْرَةٍ مَبْرُورَاتٍ مُتَقَبَّلاّتٍ وهُوَ عِيدُ اللَّهِ الأكْبَرُ ومَا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ نَبِيّاً قَطُّ إِلاّ وتَعَيَّدَ فِي هَذَا الْيَوْمِ وعَرَفَ حُرْمَتَهُ واسْمُهُ فِي السَّمَاءِ يَوْمُ الْعَهْدِ الْمَعْهُودِ وفِي الأرْضِ

يَوْمُ الْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ والْجَمْعِ الْمَشْهُودِ.

() فروع الكافي: 4/ 149 ح3 باب صيام الترغيب.

() المائدة: 3.

() تفسير العيّاشي: 1/292 ح20.

() دعائم الإسلام للقاضي المغربي: 1 / 15، ذكر ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.

() النساء: 59.

() البقرة: 150؛ المائدة: 3 و6؛ يوسف: 6؛ النحل: 81؛ الفتح: 2.

() المائدة: 66.

() المائدة: 67.

() راجع مستدرك الوسائل: 17 / 274 ح 21 باب وجوب الرجوع إلي المعصومين عليهم السلام.

() نهج البلاغة: 346 خطبة رقم 224.

() الأنبياء: 22.

() راجع تاريخ الطبري 2 / 502 – 504، ذكر البطاح وغيره.

() نهج البلاغة: 421، من وصية له للحسن والحسين عليهم السلام لما ضربه ابن ملجم لعنه الله.

() عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول في قول الله عز وجل ?ولله الأسماء الحسني فادعوه بها? الأعراف: 180: نحن والله، الأسماء الحسني التي لا يقبل الله من العباد إلا بمعرفتنا.

انظر: تأويل الآيات لشرف الدين الحسيني: 1/ 189.

() كان عليه السلام يقول: «أطيبوا طعامه وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا وليّ دمي، فإمّا عفوت وإمّا اقتصصت، وإن أمت فألحقوه بي، ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين». انظر أنساب الأشراف، للبلاذري: 495 والإمامة والسياسة للدينوري: 1/181. وفي رواية أخري: «أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، فإن أنا عشت فأنا أولي بحقّي، وإن متّ فاضربوه ولا تزيدوه». المناقب للخوارزمي: 280 (ط. مكتبة نينوي – طهران).

() نهج البلاغة: 378، من كلام له عليه السلام قاله قبل موته علي سبيل الوصية لما ضربه ابن ملجم لعنه الله، رقم 23.

() خصائص الأئمة للشريف الرضي: 79.

() راجع مقدمة ابن خلدون: 204.

() نهج البلاغة: 416، من كتاب له عليه السلام إلي عثمان بن حنيف، رقم 45.

() المصدر

السابق.

() من جملة ما أنكره هؤلاء المنتقدون قصّة تصدّقه سلام الله عليه بالخاتم راكعاً، رغم أنّ معظم المفسّرين قد أقرّوا بأنّ الآية الكريمة: ?إنّما وَليُّكُمُ اللهُ وَرَسولُهُ والّذينَ آمَنوا الّذينَ يُقيمونَ الصّلاةَ وَيُؤتونَ الزّكاةَ وَهُمْ راكِعون? نزلت في شأنه سلام الله عليه، وهو مصداقها الوحيد.

() عندما جلبوا الإمام الهادي عليه السلام من المدينة إلي سامراء وكان معه ابنه الإمام الحسن العسكري عليه السلام مرّا علي النجف الأشرف فوقفا علي قبر جدّهما أمير المؤمنين سلام الله عليه وزاره الإمام الهادي سلام الله عليه بهذه الزيارة. المرجّو أن يواظب عليها المؤمنون كلَّ عام إن شاء الله تعالي.

راجع: بحار الأنوار: 97 / 362 ح 6، زيارات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام المختصة.

() راجع الهداية للصدوق: 157 – 162، حديث المنزلة والاستدلال عليه.

() انظر: تذكرة الحفّاظ للذهبي: 1 / 7، كما أفرد البكري باباً له في كتاب عمر بن الخطّاب: 171 باب منعه تدوين الحديث، فراجع.

() نهج الحق: 289.

() روي عن عبد الرحمن بن عبد الباري قال: خرجت مع عمر ليلة في رمضان إلي المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: اني أري لو جمعت هؤلاء علي قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم علي أبيّ بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخري والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه. عن دلائل الصدق للمظفّر: 3 / 78. صحيح البخاري بحاشية السندي: 1 / 342.

() راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير: 2 / 460 أحداث سنة 23.

() الشافي في الإمامة للشريف المرتضي: 1 / 202.

() روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: لمّا قدم أمير المؤمنين سلام الله

عليه الكوفة أمر الحسن بن علي سلام الله عليه أن ينادي في الناس: لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة. فنادي في الناس الحسن بن علي عليه السلام بما أمره أمير المؤمنين عليه السلام، فلمّا سمع الناس مقالة الحسن بن علي عليهما السلام، صاحوا: وا عمراه وا عمراه! فلمّا رجع الحسن إلي أمير المؤمنين عليه السلام، قال: ما هذا الصوت؟ … فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قل لهم صلّوا. تهذيب الأحكام: 3 / 70 ح 30.

() البقرة: 256.

() راجع أمالي المفيد: 14 مجلس3.

() انظر تفسير فرات الكوفي: 111 ح113 الآية69 من سورة النساء.

() المصدر نفسه.

() قال عليه السلام: «كلمة حقّ يراد بها باطل»! انظر نهج البلاغة: 82، رقم40 من كلام له عليه السلام في الخوارج لمّا سمع قولهم «لا حكم إلاّ لله».

() راجع بحار الأنوار: 33 / 343 - 419 باب23 قتال الخوارج واحتجاجاته صلوات الله عليه.

() راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/490، عنه بحار الأنوار: 33/343 باب23 رقم587.

() تاريخ دمشق لابن عساكر: 2/209 ح703 ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام _ المحمودي _.

() كتاب سليم: ص252.

() بحار الأنوار: 6 / 215.

() التهذيب: 3 / 143 ح1 باب صلاة الغدير.

() راجع أعيان النساء للحكيمي: 349، ترجمة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام.

() الكافي: 1 / 253، ح9.

() حلية الأبرار للبحراني: 2/76 ح1 الباب9 من خطبة الإمام الحسين عليه السلام.

() راجع معاني الأخبار للصدوق: 336 - 338، باب معني قول فاطمة عليها السلام لنساء المهاجرين والأنصار في علّتها.

() معاني الأخبار: 180، باب من تعلّم علماً ليماري به السفهاء.

() إقبال الأعمال لابن طاووس: 468، فضل يوم عيد الغدير.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.