منطق المشرقیین

اشارة

سرشناسه : ابن‌سینا، حسین‌بن عبدالله، ۴۲۸ - ۳۷۰
عنوان و نام پدیدآور : منطق المشرقیین/ ص. ع. به‌انگلیسی:Ali -Akbar Bina outline of persiam History؛ نظم الشخ الرئیس ابی علی‌بن سینا
مشخصات نشر : قاهره.
مشخصات ظاهری : لط، ۱۸، ص ۸۳
وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی
یادداشت : عربی
یادداشت : كتابنامه به‌صورت زیرنویس
شماره كتابشناسی ملی : ۱۶۲۶

[الخطبة]

بسم الله الرحمن الرحیم بالعزیز الحكیم أثق و علیه أتوكل الحمد لله أهل أن یحمد لعزته و جبروته و نسأله التوفیق لنیل مرضاته و الرأفة عنده و أن یصلی علی أنبیائه الهادین و خصوصا علی المصطفی محمد و آله الطاهرین‌

المقدمة

و بعد فقد نزعت الهمة بنا إلی أن نجمع كلاما فیما اختلف أهل البحث فیه لا نلتفت فیه لفت عصبیة أو هوی أو عادة أو إلف و لا نبالی من مفارقة تظهر منا لما ألفه متعلمو كتب الیونانیین إلفا عن غفلة و قلة فهم و لما سمع منا فی كتب ألفناها للعامیین من المتفلسفة المشغوفین بالمشائین الظانین أن الله لم یهد إلا إیاهم و لم ینل رحمته سواهم مع اعتراف منا بفضل سلفهم فی تنبهه لما نام عنه ذووه و أستاذوه و فی تمییزه أقسام العلوم بعضها عن بعض و فی ترتیبه العلوم خیرا مما رتبوه و فی إدراكه الحق فی كثیر من الأشیاء و فی تفطنه لأصول صحیحة سریة فی أكثر العلوم و فی اطلاعه الناس علی ما بینها فیه السلف و أهل بلاده و ذلك أقصی ما یقدر علیه إنسان یكون أول من مد یدیه إلی تمییز مخلوط و تهذیب مفسد و یحق علی من بعده أن
منطق المشرقیین، ص: 3
یلموا شعثه و یرموا ثلما یجدونه فیما بناه و یفرعوا أصولا أعطاها فما قدر من بعده علی أن یفرغ نفسه عن عهده ما ورثه منه و ذهب عمره فی تفهم ما أحسن فیه و التعصب لبعض ما فرط من تقصیره فهو مشغول عمره بما سلف لیس له مهلة یراجع فیها عقله و لو وجدها ما استحل أن یضع ما قاله الأولون موضع المفتقر إلی مزید علیه أو إصلاح له أو تنقیح إیاه.
و أما نحن فسهل علینا التفهم لما قالوه أول ما اشتغلنا به و لا یبعد أن یكون قد وقع إلینا من غیر جهة الیونانیین علوم و كان الزمان الذی اشتغلنا فیه بذلك ریعان الحداثة و وجدنا من توفیق الله ما قصر علینا بسببه مدة التفطن لما أورثوه ثم قابلنا جمیع ذلك بالنمط من العلم الذی یسمیه الیونانیون المنطق و لا یبعد أن یكون له عند المشرقیین اسم غیره حرفا حرفا فوقفنا علی ما تقابل و علی ما عصی و طلبنا لكل شی‌ء وجهه فحق ما حق و زاف ما زاف.
و لما كان المشتغلون بالعلم شدیدی الاعتزاء إلی المشائین من الیونانیین كرهنا شق العصا و مخالفة الجمهور فانحزنا إلیهم و تعصبنا للمشاءین إذ كانوا أولی فرقهم بالتعصب لهم و أكملنا ما أرادوه و قصروا فیه و لم یبلغوا أربهم منه و أغضینا عما تخبطوا فیه و جعلنا له وجها و مخرجا و نحن بدخلته شاعرون و علی ظله واقفون فإن جاهرنا بمخالفتهم ففی الشی‌ء الذی لم یمكن الصبر علیه و أما الكثیر فقد غطیناه بأغطیة التغافل فمن جملة ذلك ما كرهنا أن یقف الجهال علی مخالفة ما هو عندهم من الشهرة بحیث لا یشكون فیه و یشكون فی النهار الواضح و بعضه قد كان من الدقة بحیث تعمش عنه عیون عقول هؤلاء الذین فی العصر فقد بلینا برفقة منهم عاری الفهم كأنهم خشب مسندة یرون التعمق فی النظر بدعة و مخالفة المشهور ضلالة كأنهم الحنابلة فی كتب الحدیث لو وجدنا منهم رشیدا ثبتناه بما حققناه فكنا ننفعهم به و ربما تسنی لهم الإیغال فی معناه فعوضونا منفعة استبدوا بالتنقیر عنها.
و من جملة ما ضننا بإعلانه عابرین علیه حق مغفول عنه یشار إلیه فلا یتلقی إلا بالتعصب فلذلك جرینا فی كثیر مما نحن خبراء ببجدته مجری المساعدة دون
منطق المشرقیین، ص: 4
المحاقة و لو كان ما انكشف لنا أول ما انصببنا إلی هذا الشأن لم نبد فیه مراجعات منا لأنفسنا و معاودات من نظرنا لما تبینا فیه رأیا و لاختلط علینا الرأی و سری فی عقائدنا الشك و قلنا لعل و عسی لكنكم أصحابنا تعلمون حالنا فی أول أمرنا و آخره و طول المدة التی بین حكمنا الأول و الثانی و إذا وجدنا صورتنا هذه فبالحری أن نثق بأكثر ما قضیناه و حكمنا به و استدركناه و لا سیما فی الأشیاء التی هی الأغراض الكبری و الغایات القصوی التی اعتبرناها و تعقبناها مئین من المرات و لما كانت الصورة هذه و القضیة علی هذه الجملة أحببنا أن نجمع كتابا یحتوی علی أمهات العلم الحق الذی استنبطه من نظر كثیرا و فكر ملیا و لم یكن من جودة الحدس بعیدا و اجتهد فی التعصب لكثیر فیما یخالفه الحق فوجد لتعصبه و ما یقوله وفاقا عند الجماعة غیر نفسه و لا أحق بالإصغاء إلیه من التعصب لطائفة إذا أخذ یصدق علیهم فإنه لا ینجیهم من العیوب إلا الصدق.
و ما جمعنا هذا الكتاب لنظهره إلا لأنفسنا أعنی الذین یقومون منا مقام أنفسنا و أما العامة من مزاولی هذا الشأن فقد أعطیناهم فی كتاب الشفاء ما هو كثیر لهم و فوق حاجتهم و سنعطیهم فی اللواحق ما یصلح لهم زیادة علی ما أخذوه و علی كل حال فالاستعانة بالله وحده
منطق المشرقیین، ص: 5

فی ذكر العلوم‌

إن العلوم كثیرة و الشهوات لها مختلفة و لكنها تنقسم أول ما تنقسم قسمین علوم لا یصلح أن تجری أحكامها الدهر كله بل فی طائفة من الزمان ثم تسقط بعدها أو تكون مغفولا عن الحاجة إلیها بأعیانها برهة من الدهر ثم یدل علیها من بعد.
و علوم متساویة النسب إلی جمیع أجزاء الدهر و هذه العلوم أولی العلوم بأن تسمی حكمة.
و هذه منها أصول و منها توابع و فروع و غرضنا هاهنا هو فی الأصول و هذه التی سمیناها توابع و فروعا فهی كالطب و الفلاحة و علوم جزئیة تنسب إلی التنجیم و صنائع أخری لا حاجة بنا إلی ذكرها.
و تنقسم العلوم الأصلیة إلی قسمین أیضا فإن العلم لا یخلو إما أن ینتفع به فی أمور العالم الموجودة و ما هو قبل العالم و لا یكون قصاری طالبه أن یتعلمه حتی یصیر آلة لعقله یتوصل بها إلی علوم هی علوم أمور العالم و ما قبله و إما أن ینتفع به من حیث یصیر آلة لطالبه فیما یروم تحصیله من العلم بالأمور الموجودة فی العالم و قبله.
و العلم الذی یطلب لیكون آلة قد جرت العادة فی هذا الزمان و فی هذه البلدان لأن یسمی علم المنطق و لعل له عند قوم آخرین اسما آخر لكننا نؤثر أن نسمیه الآن بهذا الاسم المشهور.
و إنما یكون هذا العلم آلة فی سائر العلوم لأنه یكون علما منبها علی الأصول التی یحتاج إلیها كل من یقتنص المجهول من المعلوم باستعمال للمعلوم علی نحو و جهة یكون ذلك النحو و تلك الجهة مؤدیا بالباحث إلی الإحاطة بالمجهول فیكون هذا العلم مشیرا إلی جمیع الأنحاء و الجهات التی تنقل الذهن من المعلوم إلی المجهول و كذلك یكون مشیرا إلی جمیع الأنحاء و الجهات التی تضل الذهن و توهمه استقامة مأخذ نحو
منطق المشرقیین، ص: 6
المطلوب من المجهول و لا یكون كذلك فهذا هو أحد قسمی العلوم.
و أما القسم الآخر فهو ینقسم أیضا أول ما ینقسم قسمین لأنه إما أن تكون الغایة فی العلم تزكیة النفس مما یحصل لها من صورة المعلوم فقط و إما أن تكون الغایة لیس ذاك فقط بل و أن یعمل الشی‌ء الذی انتقشت صورته فی النفس.
فیكون الأول تتعاطی به الموجودات لا من حیث هی أفعالنا و أحوالنا لنعرف أصوب وجوه وقوعها منا و صدورها عنا و وجودها فینا و الثانی یلتفت فیه لفت موجودات هی أفعالنا و أحوالنا لنعرف أصوب وجوه وقوعها منا و صدورها عنا و وجودها فینا.
و المشهود من أهل الزمان أنهم یسمون الأول علما نظریا لأن غایته القصوی نظر و یسمون الثانی منهما عملیا لأن غایته عمل.
و أقسام العلم النظری أربعة و ذلك لأن الأمور إما مخالطة للمادة المعینة حدا و قواما فلا یصلح وجودها فی الطبع فی كل مادة و لا یعقل إلا فی مادة معینة مثل الإنسانیة و العظمیة و إن كانت بحیث لا یمتنع الذهن فی أول نظرة عن أن یحلها كل مادة فیكون علی سبیل من غلط الذهن بل یحتاج الذهن ضرورة فی الصواب أن ینصرف عن هذا التجویز و یعلم أن ذلك المعنی لا یحل مادة إلا إذا حصل معنی زائد یهیؤها له و هذا كالسواد و البیاض فهذا من قبیل الموجودات و الأمور.
و إما أمور مخالطة أیضا كذلك و الذهن و إن كان یحوج فی صحة تصور كثیر منها إلی إلصاقه بما هو مادة أو جار مجری المادة فلیس یمتنع عنده و عند الوجود أن لا یتعین له مادة و كل مادة تصلح لأن تخالطه ما لم یمنع مانع و لیس یحتاج فی الصلوح له إلی ممهد یخصصه به مثل الثلاثیة و الثنائیة من حیث هی متكونة و تعرض الجمع و التفریق و مثل التدویر و التربیع و جمیع ما لا یفتقر وجوده و لا تصوره إلی تغیر مادة له و هذا قبیل ثان من الأمور و الموجودات.
و إما أمور مباینة للمادة و الحركة أصلا فلا تصلح لأن تخلط بالمادة و لا فی التصور العقلی الحق مثل الخالق الأول تعالی و مثل ضروب من الملائكة و هذا
منطق المشرقیین، ص: 7
قبیل ثالث من الموجودات و إما أمور و معان قد تخالط المادة و قد لا تخالطها فتكون فی جملة ما یخالط و فی جملة ما لا یخالط مثل الوحدة و الكثرة و الكلی و الجزئی و العلة و المعلول.
كذلك أقسام العلوم النظریة أربعة لكل قبیل علم.
و قد جرت العادة بأن یسمی العلم بالقسم الأول علما طبیعیا و بالقسم الثانی ریاضیا و بالقسم الثالث إلهیا و بالقسم الرابع كلیا و إن لم یكن هذا التفصیل متعارفا فهذا هو العلم النظری.
و أما العلم العملی فمنه ما یعلم كیفیة ما یجب أن یكون علیه الإنسان فی نفسه و أحواله التی تخصه حتی یكون سعیدا فی دنیاه هذه و فی آخرته و قوم یخصون هذا باسم علم الأخلاق.
و منه ما یعلم كیف یجب أن یجری علیه أمر المشاركات الإنسانیة لغیره حتی یكون علی نظام فاضل إما فی المشاركة الجزئیة و إما فی المشاركة الكلیة و المشاركة الجزئیة هی التی تكون فی منزل واحد و المشاركة الكلیة هی التی تكون فی المدینة.
و كل مشاركة فإنما تتم بقانون مشروع و بمتول لذلك القانون المشروع یراعیه و یعمل علیه و یحفظه و لا یجوز أن یكون المتولی لحفظ المقنن فی الأمرین جمیعا إنسان واحد فإنه لا یجوز أن یتولی تدبیر المنزل من یتولی المدینة بل یكون للمدینة مدبر و لكل منزل مدبر آخر و لذلك یحسن أن یفرد تدبیر المنزل بحسب المتولی بابا مفردا و تدبیر المدینة بحسب المتولی بابا مفردا و لا یحسن أن یفرد التقنین للمنزل و التقنین للمدینة كل علی حدة بل الأحسن أن یكون المقنن لما یجب أن یراعی فی خاصة كل شخص و فی المشاركة الصغری و فی المشاركة الكبری شخص واحد بصناعة واحدة و هو النبی.
و أما المتولی للتدبیر و كیف یجب أن یتولی فالأحسن أن لا ندخل بعضه فی بعض و إن جعلت كل تقنین أیضا بابا آخر فعلت و لا بأس بذلك لكنك تجد الأحسن أن یفرد العلم بالأخلاق و العلم بتدبیر المنزل و العلم بتدبیر المدینة كل علی
منطق المشرقیین، ص: 8
حدة و أن تجعل الصناعة الشارعة و ما ینبغی أن تكون علیه أمرا مفردا.
و لیس قولنا و ما ینبغی أن تكون علیه مشیرا إلی أنها صناعة ملفقة مخترعة لیست من عند الله و لكل إنسان ذی عقل أن یتولاها كلا بل هی من عند الله و لیس لكل إنسان ذی عقل أن یتولاها و لا حرج علینا إذا نظرنا فی أشیاء كثیرة مما یكون من عند الله أنها كیف ینبغی أن تكون.
فلتكن هذه العلوم الأربعة أقسام العلم العملی كما كانت تلك الأربعة أقسام العلم النظری.
و لیس من عزمنا أن نورد فی هذا الكتاب جمیع أقسام العلم النظری و العلم العملی بل نرید أن نورد من أصناف العلوم هذا العدد نورد منه العلم الآلی و نورد العلم الكلی و نورد العلم الإلهی و نورد العلم الطبیعی الأصلی و نورد من العلم العملی القدر الذی یحتاج إلیه طالب النجاة و أما العلم الریاضی فلیس من العلم الذی یختلف فیه.
و الذی أوردناه منه فی كتاب الشفاء هو الذی نورده هاهنا لو اشتغلنا بإیراده و كذلك الحال فی أصناف من العلم العملی لم نورده هاهنا و هذا هو حین نشتغل بإیراد العلم الآلی الذی هو المنطق
منطق المشرقیین، ص: 9

فی علم المنطق‌

الفن الأول فی التصور و التصدیق‌

المقالة الأولی فی مقدمات التصور

اشاره

نرید أن نبین أنا كیف نسلك من أشیاء حاصلة فی أوهامنا و أذهاننا إلی أشیاء أخری غیر حاصلة فی أوهامنا و أذهاننا نستحصلها بتلك الأولی.
و الأشیاء التی تحصل فی أوهامنا و أذهاننا لا بد لها أن تتمثل فی أذهاننا فنتصورها و حینئذ لا یخلو إما أن نكون قد تصورنا منها تصورا لا یصحبه تصدیق أو نكون تصورنا منها تصورا یصحبه تصدیق و التصور الذی لا یصحبه تصدیق مثل تصورنا معنی قول القائل إنسان و قولنا الحیوان الناطق المائت و قولنا هل نمشی و التصور الذی یصحبه التصدیق هو مثل تصورنا قول القائل الأربعة زوج إذا صدقناه أیضا فإنه لا محالة مما یجب أن یعتقد صدقه فیكون قولنا الأربعة زوج مما یتقدم فیتصور معناه فإذا حصل لنا التصور حصل لنا التصدیق به لكن التصور هو المقدم فإن لم نتصور معنی ما لم یتأت لنا التصدیق به و قد یتأتی التصور من غیر أن یقترن به التصدیق.
فیحصل لنا من جمیع ما اقتصصناه أن المعانی التی نتصورها قد یتعدی فی بعضها التصور إلی التصدیق و قد یتعدی إلی أنحاء أخری لا مدخل لها فی العلوم و إذا كان الأمر كذلك فإن الأشیاء التی نسلك إلی تحصیلها فی أوهامنا و أذهاننا أو عقولنا أو نفوسنا و علی أی لفظ أردت أن تعبر إما أن نروم بذلك حصول تصورها لنا فقط أو نروم حصول تصدیق منا بالواجب فیها فإذا أردنا أن نبین أنا كیف نطلب ما نستحصله فی نفوسنا فإما أن نبین كیف نستحصل تصورا أو كیف نستحصل تصدیقا.
و لا شك أن الطریق الذی به یحصل التصور یلیق به أن یكون مباینا للطریق
منطق المشرقیین، ص: 10
الذی به یستحصل التصدیق و من عادة الناس أن یسموا ما یحصل به التصور قولا شارحا أو قولا بحسب الاسم فمنه ما یسمونه حدا و منه ما یسمونه رسما و من عادتهم أن یسموا ما یحصل من التصدیق حجة فمنه ما یسمونه قیاسا و منه ما یسمونه استقراء أو غیر ذلك.
و لما كان التصور قبل التصدیق فیجب أن یكون الكلام فی تعلیم القول الشارح قبل الكلام فی تعلیم الحجة و أن یفرد فی كل واحد منهما كلام لا یخلط بالآخر و ما لم تستوف الأولی منهما بالتقدیم لم یتعرض للأولی منهما بالتأخیر فإن من یفعل ذلك یركب قبیحا من التشویش و لأن كل قول شارح و كل حجة فهو مؤلف من معان و ألفاظ و كل مركب من أشیاء فلیس یتم العمل به علی الحقیقة إلا من جهة الإحاطة بما ركبت منه من جهة ما هو محتاج إلیه فی أن تركب عنه حاجة بالذات فكذلك یلزمنا إن كنا طالبین مثلا بالحد و الحجة أن نحیط أولا بالأشیاء التی منها یركب لا من كل جهة بل من الجهة التی صلح لها أن یركب منه الحد و الحجة و سنشیر إلی تلك الجهة.
فهذا العلم الذی یدل علی كیفیة السلوك المذكور هو العلم الآلی و المنطق و موضوعه المعانی من حیث هی موضوعة للتألیف الذی تصیر به موصلة إلی تحصیل شی‌ء فی أذهاننا لیس فی أذهاننا لا من حیث هی أشیاء موجودة فی الأعیان كجواهر أو كمیات أو كیفیات أو غیر ذلك.
فإن التفتنا إلی كونها جواهر أو كمیات أو كیفیات أو غیر ذلك فإنما یكون ذلك إذا كان لكونها أشیاء من ذلك أثر أو حكم فی الجهة التی لها یصلح أن یكون جزءا من قول شارح أو حجة
منطق المشرقیین، ص: 11

فی اللفظ المفرد و المعنی المفرد

اللفظ الدال المفرد هو اللفظ الذی لا یرید الدال به علی معناه أن یدل بجزء منه البتة علی شی‌ء و إن كان قد یجوز أن یدل بجزء منه علی معنی مثل قولنا الإنسان فإنه إذا أرید أن یدل به علی معنی الحیوان الناطق لم یدل حینئذ بشی‌ء من أجزائه علی شی‌ء و مثل قولنا عبد شمس فإنه إذا أرید أن یدل به علی شخص معین من حیث هو شخص معین لا من حیث یراد أن یقال فیه عبد الشمس لا یكون حینئذ دلالة یراد بعبد و شمس بل لم یلتفت إلی ما یدل علیه عبد و شمس فی حالة أخری.
و إذا لم یرد باللفظ دلالة لم یكن دالا لأن معنی قولنا لفظ دال هو أنه یراد به الدلالة لا أن له فی نفسه حقا من الدلالة.
و المعنی المفرد هو المعین من حیث یلتفت إلیه الذهن كما هو و لا یلتفت إلی شی‌ء منه یتقوم أو معه یحصل و إن كان للذهن أن یلتفت وقتا آخر إلی معان أخری فیه و معه أو لم یكن
منطق المشرقیین، ص: 12

فی الكلی و الجزئی‌

إذا كان نفس تصور المعنی المفرد لا یمنع الذهن إلا بسبب خارج من نفس تصوره إن اتفق عن أن یقال و یعتقد لكل واحد من كثرة أنه هو فهو كلی مثل معنی الإنسان فإنه من الحق أن یقال لكل واحد من الكثرة أنه إنسان و یعتقد فی الذهن أنه إنسان و مثل معنی شكل یحیط به عشرون قاعدة مثلثات فإنه لا مانع أن یعتقد الذهن أشیاء كثیرة كل واحد منها هو شكل یحیط به عشرون قاعدة مثلثات و إن تعذر مؤداه و مثل معنی الشمس لست أقول هذه الشمس فإنه لا مانع فی نفس تصوره أن یكون كثرة یقال لكل واحد منها شمس و یحد حد الشمس فإن منع عن ذلك مانع فلیس نفس التصور و أما إذا كان نفس التصور مانعا من ذلك فهو الجزئی كتصورنا معنی قولنا زید أی شخص بعینه مشارا إلیه أو هذا الشكل العشرینی أو هذه الشمس كان نفس التصور مانعا من ذلك فإن هذا المشار إلیه لا یكون إلا ذلك المعین و كذلك فی الشكل أو الشمس‌

فی المحمول علی الشی‌ء

إذا قیل لشی‌ء من الأشیاء إنه كذا فكذا محمول علیه سواء كان قولا مسموعا أو كان قولا معقولا باطنا.
و لیس من شرط المحمول علی الشی‌ء أن یكون معناه معنی ما حمل علیه حتی یصح قول القائل الإنسان بشر و لا یصح قوله الإنسان ضحاك بل شرطه أن یكون صادقا علیه و إن لم یكن هو هو لأنه لیس یعنی بقوله الإنسان ضحاك أن الإنسان من حیث له مفهوم الإنسانیة هو الضحاك من حیث هو ضحاك فإن هذا كاذب فإنه لیس البتة الإنسان هو الضحاك بالمعنی من هذه الجهة
منطق المشرقیین، ص: 13
بل معناه الشی‌ء الذی یقال له إنسان و یفهم له صفة الإنسانیة لذلك الشی‌ء أیضا صفة الضحاكیة فالإنسان هو الضحاك لأن الموضوع الذی بالطبع موضوع إنما هو واحد من كل جهة و لیس هذا الموضوع هذا الذات العامة بل الشی‌ء الخاصی حدا و المعنی بحسب هذا الاعتبار هو الإنسان و هو الضحاك.
و لم یحسن من ظن أن الذات تعرض لها حالان أو صفتان أو عرضان فتصیر إنسانا و ضحاكا فیكون هذا الموضوع لهما فإن الذات مطلقا غیر موضوعة لتخصیص و إذا خصصت فتخصص ببعض أمثال الإنسان و الضحاك و الكلام فی ذلك كالكلام فی الإنسان و الضحاك بل الذات من أحوال ذلك الخاصی و هو فی خاصیته شی‌ء و فی كونه ذاتا شی‌ء و من حق هذا أن یحقق فی العلم الكلی.
و الذی نكتفی به هاهنا أن قولنا الإنسان ضحاك معناه أن الشی‌ء الذی هو الإنسان هو أیضا ضحاك فله أنه إنسان و له أنه ضحاك إذ له الإنسانیة و الضحاكیة علی أنه یجوز أن یكون ذلك الشی‌ء المخصص هو الإنسان نفسه أو الضحاك نفسه أو ثالث له خصوصیة ما ثم له معها أنه إنسان و أنه ضحاك و أما كیفیة هذا بالتحقیق و التفصیل فلتذكر فی العلم الكلی.
و إذ كان كذلك فكل شی‌ء تحمل علیه أمور مختلفة المفهومات فله أشیاء و أمور مقترنة به إما أجزاء من هویته و ماهیته و حقیقته و إما لوازم أو عوارض لها قد لا تلزم و كل محمول علی شی‌ء من الأشیاء لیس مطابقا لذاته فهو إما مقوم و إما لازم و إما عارض.
فالمقوم هو الشی‌ء الذی یدخل فی ماهیته فتلتئم ماهیته منه و من غیره
منطق المشرقیین، ص: 14
و اللازم هو الذی لا بد من أن یوصف الشی‌ء بعد تحقق ذاته علی أنه تابع لذاته لا علی أنه داخل فی حقیقة ذاته.
و العارض هو الذی قد وصف به الشی‌ء إلا أنه لیس یجب أن یوصف به الشی‌ء دائما.
و یشترك المقوم و اللازم فی أن كل واحد منهما لا یفارق الشی‌ء.
و یشترك اللازم و العارض فی أن كل واحد منهما خارج عن حقیقة الشی‌ء لاحق بعدها.
مثال المقوم كون المثلث شكلا بل الإنسان جسما و مثال اللازم كون المثلث مساوی الزوایا لقائمتین و خواص أخری من النسبة له إلی أشیاء غیر متناهیة هی غیر متناهیة لا یجوز أن تكون شروطا فی ماهیته لأنها غیر متناهیة مثل كونها نصفا من مربع و ثلثا من آخر و ربعا من آخر و كذلك أشیاء أخری من أحوال المثلث لا نهایة لها و مثال العارض شیب الإنسان و شبابه و غیر ذلك من أحوال تعرض له و كل شی‌ء بسیط فی الحقیقة و الماهیة فلا مقومات له و لا یلتفت إلی ما یقولون و یساعدهم علیه فی العلم الظاهر

فی عدد دلالة اللفظ علی المعنی‌

أصناف دلالة اللفظ علی المعنی ثلاثة دلالة المطابقة و دلالة التضمن و دلالة الالتزام و هو النقل من طریق المعنی.
أما دلالة المطابقة فمثل ما تدل لفظة الإنسان علی الحیوان الناطق.
و أما دلالة التضمن فمثل دلالة الإنسان علی الحیوان و علی الناطق فإن كل واحد منهما جزء ما یدل علیه الإنسان دلالة المطابقة.
و دلالة الالتزام مثل دلالة المخلوق علی الخالق و الأب علی الابن و السقف علی الحائط و الإنسان علی الضاحك و ذلك أن یدل أولا دلالة المطابقة علی المعنی الذی
منطق المشرقیین، ص: 15
یدل علیه أولا و یكون ذلك المعنی یصحبه معنی آخر فینتقل الذهن أیضا إلی ذلك المعنی الثانی الذی یوافق المعنی الأول و یصحبه.
و تشترك دلالة المطابقة و دلالة التضمن فی أن كل واحد منهما لیس دلالة علی أمر خارج عن الشی‌ء.
و تشترك دلالة التضمن و دلالة الالتزام فی أن كل واحد منهما مقتضی الدلالة الأولی‌

فی أصناف دلالة المحمول علی الموضوع‌

كل محمول یدل علی موضوع فإما أن یدل علی كمال حقیقته كما هو لا یفلت عن دلالته شی‌ء من المقومات له بل یدل علی جمیعها بسبیل التضمن و علی الذات بسبیل المطابقة إن كانت الذات ذات أجزاء حقیقیة و هذه الدلالة هی المخصوصة عندنا باسم الدالة علی الماهیة أو الدال علی ما هو الشی‌ء.
فإن كان المحمول لفظا مفردا فهو اسم الشی‌ء و إن كان المحمول لیس لفظا مفردا بل هو قولا فهو حد الشی‌ء مثاله الإنسان فإنه اسم للطبیعة المشتركة بین أشخاص الناس التی لا یفصلون عنها إلا بأمر عارض أو الحیوان الناطق و هو حد تلك الطبیعة.
فأما إذا قیل ضحاك بالطبع فقد دل علی غیر الماهیة لأنه یدل علیه من حیث إنه لازم له و إذا قیل حساس ناطق فقد دل علی مساو و لكن لم یدل علی الماهیة لأن مفهوم الحساس علی سبیل المطابقة هو أنه شی‌ء ذو حس فقط و مفهوم الناطق هو أنه شی‌ء ذو نطق فقط فإن دل ذلك علی معان أخری من حیث یعلم أن الحساس لا یكون إلا جسما ذا نفس و كذلك الناطق فذلك دلالة علی سبیل الالتزام لا علی سبیل التضمن.
فالدلالة الأولی للحساس الناطق مخلیة عن الجسمیة و المتغذیة و المتحركیة و غیر
منطق المشرقیین، ص: 16
ذلك لا تتضمن شیئا من ذلك فلذلك لیست هذه الدلالة علی الماهیة و الذات من حیث هی تلك الماهیة و الذات دلالة مطابقة بل دلالة الالتزام و أما الحیوان فاسم موضوع للجملة المجتمعة من المقومات المشتركة للإنسان مع غیره فإذا أردف بالناطق تخصص و تم.
و أما أن لا یدل علی ذلك فیدل حینئذ إما علی مقوم و إما علی لازم و إما علی عارض‌

فی أصناف الدلالة علی الماهیة

أصناف الدلالة علی الماهیة ثلاثة أحدها علی سبیل الخصوص و الانفراد مثل دلالة الحیوان الناطق علی الطبیعة المشتركة بین أشخاص الناس.
و إما علی الشركة مثل الحیوان فإنه لا یدل علی ماهیة الإنسان و لا علی ماهیة الفرس و لكن إذا طلبت الماهیة المشتركة لها فسأل سائل ما هذه المتحركات من الإنسان و الفرس و الطائر فقیل الحیوانات كانت الدلالة واقعة علی كمال حقیقتها المشتركة.
و إما علی سبیل الانفراد و الشركة معا مثل الإنسان فإنه ماهیة لزید وحده و لزید مع عمرو بالشركة و ذلك لأن زیدا لیس ینفرز عن عمرو بمعنی مقوم بل بأحوال عرضت لمادته لو توهم فقدانها لم یجب أن یكون فقدانها یسبب فقدان زید و فساده علی ما تحقق فی العلم الكلی و لیس انفرازه كانفراز الإنسان عن سائر الحیوانات بأمر مقوم لجوهره.
و أما هل بعض ما ینفرز به علی القبیل الأول و بعضه علی القبیل الثانی فلیترك إلی العلم الكلی فلا یضر المنطقی تسلیمه و البناء علیه لو كان ما یبنی علیه موجودا مسلما بالحقیقة.
و من عادة الناس إذا حق علیهم أن یسموا القسم الثانی جنسا للمشتركات
منطق المشرقیین، ص: 17
القریبة فیه نحو ما لها من الاشتراك و أن یسموا كل واحد من المشتركات القریبة منه نوعا له فیكون كل واحد من الجنس و النوع مفهوما بالقیاس إلی صاحبه.
و من عادتهم أن یسموا القسم الثالث نوعا لا علی نحو ما تسمی المشتركات فی الجنس نوعا بل بالقیاس إلی الأشخاص التی تحتها من حیث إنها تدل علی ماهیة أشیاء لا تفترق بأمر مقوم حتی لو لم یكن فوقه معنی جامع جمعا جنسیا یصیر بسببه نوعا بذلك المعنی كان فی نفسه نوعا بهذا المعنی‌

فی المقومات‌

المقوم إما أن یكون من الشی‌ء جنسا له أو جنس جنس له و كذلك حتی ینتهی و إما أن لا یكون كذلك بل لا یزال یكون جزءا من حقیقته أو حقیقة جنس له إن كان للشی‌ء جنس لا یعود فی وقت من الأوقات فإن ترقیت جنسا لیس مثلا یكون بالقیاس إلی جنس الشی‌ء جنسا و بالقیاس إلی الشی‌ء مقوما غیر جنس بأن یكون بالقیاس إلی كل جنس و إن علا غیر جنس فهذا لا یخلو إما أن یكون مساویا بتقویمه لأعلی جنس الشی‌ء ذی الجنس أو یكون أعلی منه أو یكون أخص منه و لا یجوز أن یكون أعلی منه و أعم و مقوما له لأنه حینئذ إما أن یكون وحده دالا علی ماهیة مشتركة لما جعل أعلی الأجناس فیكون أعلی الأجناس لیس أعلی الأجناس أو یكون لیس وحده كذلك بل مع غیره فیكون حینئذ لأعلی الأجناس جنس و هذا محال.
فإذن یجب أن یكون تقویمه إما مساویا و إما أخص فإن كان أخص یمیز به بعض ما تحت أعلی الأجناس من بعض فی ذاته عما یشاركه فی أمر مقوم و إن كان مساویا یمیز به أعلی الأجناس عما یشاركه فی لازم عام و هو الوجود فإنه سیبین فی العلم الكلی أن الوجود لا یعم الأشیاء كلها عموم المقوم لها الداخل فی ماهیتها و كیف كان فإنه صالح للتمییز الذاتی و هو الذی جرت العادة بتسمیته بالفصل.
منطق المشرقیین، ص: 18
فقد آل الأمر إلی أن المحمولات المقومة إما أجناس و إما أنواع و إما فصول أعنی الأنواع بحسب المعنی الثانی مما سمی النوع به و من المعلوم أن الشی‌ء ربما كان جنسا لشی‌ء و نوعا لشی‌ء مثل الحیوان فإنه نوع من الجسم و جنس للإنسان و ینتهی إلی نوع سافل و جنس عال و أما ما ذلك هو فی كل باب فیهما فغیر محتاج إلیه فی المنطق.
فالجنس هو الكلی الدال علی ماهیة مشتركة لذوات حقائق مختلفة.
و النوع بمعنی فهو الكلی الموضوع للجنس فی ذاته وضعا أولیا.
و بمعنی آخر فهو الدال علی ماهیة ما یختلف بالعدد فقط.
و الفصل هو الكلی الذی یمیز به كلی عن غیره تمیزا فی ذاته‌

فی اللازمات‌

یجب أن نضع وضعا مقررا أن اللوازم التی تلزم الشی‌ء و لیست مقومة له إما أن تكون للشی‌ء عن نفسه كالفردیة للثلاثة أو من خارج كالوجود للعالم و أن الشی‌ء الذی لا تركیب فیه لا تلزمه لوازم كثیرة معا لزوما أولیا بل إنما یلزمه اللزوم الأولی منها واحد و یلزمه غیره بتوسطه لزوم الضحاك مثلا للإنسان بعد لزوم المتعجب بعد لزوم المدرك له.
و كل لازم فإما أعم مثل كون مربعه فردا للثلاثة سواء كان بوساطة لازم أعم كالفردیة أو بغیر وساطته و إما مساو مثل لزوم كون مربعه تسعة للثلاثة و أیضا قد یلزم الشی‌ء الذی لا تركیب فیه معنی أعم منه و معنی أخص منه لكنه قد یكون أحدهما یتوسط الآخر أما الأعم یتوسط الأخص فعلی ما وصفنا من أن الأخص یلزمه الأعم و أما الأخص یتوسط الأعم فإن الأعم إذا اقترن بالأخص حصل ثالث أخص من الأعم له حكم مفرد و أیضا فإن اللازم الذی لیس أعم قد یكون قسیمة و قد یكون معنی غیر قسیمة و المعنی الذی لیس بقسیمة معروف و أما اللازم الذی هو القسیمة
منطق المشرقیین، ص: 19
فهو أن یكون المعنی العام یلزمه أن یكون فی تحصیله أحد الأقسام لا بد منها مثل الفرد یلزمه أن یكون إما ثلاثة و إما خمسة ذاهبا إلی غیر نهایة أو واقفا عند نهایة و بعض أنحاء القسیمة اللازمة یكون أولیا و بعضه غیر أولی فإن قسیمة الفرد مثلا إلی ثلاثة و خمسة قبل قسیمته إلی ذی مربع أقل من العشرة بالفرد الأول و ذی مربع أكثر من ضعف العشرة بأول مركب من عددین أولین و إذا كان المعنی العام جنسا كانت آخر القسیمة الأولی هی الفصول و كما تعتمد بالمعنی العام تمثل معنی ثالث أخص من الجنس الثانی مثولا أولیا و هو لا محالة النوع ثم اللوازم التی تلزم بعدها تكون بعد ما یقوم النوع.
و لما كان الشی‌ء البسیط لا یقتضی معنی خاصا أولیا إلا اقتضاء واحدا فإذا كان المعنی الجنسی بسیطا لم یقتض الاقتضاء الأولی إلا قسیمة واحدة فلا یجوز أن ینقسم بالفصول قسیمة حقیقیة ثم ینقسم قسیمة أخری بفصول أخری مداخلة لتلك الفصول إلا أن یكون المعنی الجنسی مركبا و لا یبعد أن ینقسم مثل انقسام الحیوان فی أمثلتهم إلی ناطق و قسائمه و مرة أخری إلی مائت و قسائمه إن كانت القسیمتان فی هذا المثال فصلیتین كلاهما و لا مناقشة فی الأمثلة

فی العوارض الغیر اللازمة

هذا مثل كون الإنسان شابا مرة و شیخا مرة و كونه متحركا مرة و ساكنا مرة فبعض هذه من الطبع و من الإرادة مثل ما قلنا و بعضها من أسباب خارجة مثل المرض و مثل ما یلحق من الألوان بسبب الأهویة و أیضا بعض هذه مطاولة كالشباب و الشیب و بعضها سریعة المفارقة كالقیام و القعود و بعضها یوجد فی غیر النوع مثل الحركة قد تكون فی الإنسان و غیره و بعضها خاصة به مثل الاستشاطة غضبا بالإنسان و قد توجد من هذه محمولات فیقال مثلا للإنسان شاب و شیخ و متحرك و ساكن و أبیض و ضاحك
منطق المشرقیین، ص: 20

فی اللاحق العام و الخاص‌

اعلم أن كل معنی لا یقوم الشی‌ء و هو قد یوجد له و لغیره فإنه قد جرت العادة بأن یسمی عرضا عاما سواء كان لازما أو مفارقا.
و كل ما كان فیما لا یقوم و لا یوجد إلا للشی‌ء فقد جرت العادة بأن یسمی خاصة سواء كان لكله أو بعضه و لازما أو مفارقا.
فتكون أصناف العام أربعة اللازم للشی‌ء كله و یكون لغیره و اللازم لبعض الشی‌ء كالأنوثة لبعض الناس و قد یكون لغیره و العارض للشی‌ء كله و قد یكون لغیره و العارض لبعض الشی‌ء و قد یكون لغیره كالمتحرك لبعض الحیوان.
و تكون أصناف الخاصة ثلاثة اللازمة للجمیع دائما و اللازمة للبعض دائما كالضحك بالقیاس إلی الحیوان و الذی لا یلزم و لا یكون إلا للشی‌ء وحده كالضحك بالفعل أو كالبكاء بالفعل للإنسان‌

فی أصناف تركیبات المعانی المختلفة

فی العموم و الخصوص و غیر ذلك‌

أنه یجب أن یقبل منا أن المعنیین المختلفین فی العموم و الخصوص قد یتركبان علی وجوه من ذلك أن یكون المعنی العام مما یلزمه قسیمة ما لزوما أولیا یفتقر فی أن یحصل له بعض أجزاء القسیمة فإذا اقترن به الفصل تهیأ حینئذ أن یكون موجودا و یكون ذلك الاقتران لیس یقتضی مفهوم أحد المقترنین حتی یكون أحدهما لازما للآخر فی مفهومه بل إنما یلزمه فی أن یكون موجودا مثال ذلك إذا قلنا الجسم و عینا شیئا من الجواهر له أبعاد ثلاثة علی الوجه الذی یصح من غیر زیادة أو شرط حذف زیادة فإن هذا المفهوم لا یمكن أن یحصل موجودا إلا أن یكون علی أحد أقسام القسیمة التی تلزمه و أن یكون مثلا نباتیا أو حیوانیا أو جمادیا بلا حد ما هو أدق تفصیلا منه مثلا أن یكون ذا نفس ناطقة و مفهوم ذا نفس ناطقة هو أنه
منطق المشرقیین، ص: 21
شی‌ء لا یدری ما هو بحسب هذا المفهوم له نفس ناطقة و لیس یدخل فی هذا المفهوم أن یكون جسما أو غیر جسم و لا یلزم ذلك هذا المفهوم و إن كان یعلم أنه لا یصح أن یكون فی الوجود إلا جسما و لو كان داخلا فی مفهومه أو لازما لنفس مفهومه ما احتیج إلی شی‌ء من الأشیاء یكون هو الجامع بین النفس الناطقة و بین الجسم لیحصل منه شی‌ء موجود له نفس ناطقة كما لم یحتج فی اقتران الثلاثیة و الفردیة إلی جامع یجمع بینهما یجعل الشی‌ء الذی هو ثلاثة فردا بل نفس معنی الثلاثیة فی مفهومه یقتضی أن یكون له معنی الفردیة و الشی‌ء إذا حصل له معنی الثلاثیة فقد حصل له معنی الفردیة من نفسه لا بسبب شی‌ء غیره و أما تعلق النفس الناطقة بالجسمیة فبسبب و كذلك تعلق سائر الصور بموادها سواء كان جائزا لها أن تفارق أو غیر جائز و إن كان لبعضها نصیب فی وجود البعض لكنه سیظهر أن ذلك لیس بسبیل اقتضاء المفهوم بل علی سبیل اقتضاء الوجود و بین مقتضی المفهوم و مقتضی الوجود فرق.
و كذلك لا تجد صورة من الصور مأخوذة علی بساطتها بنفس مفهوم یقتضی أن یفهم منها حصول المادة لها و إن وجب من خارج مفهومها و اعتبار وجودها أن تكون لها مادة یجب عنها إذا فرضت ذات وجود أو یجب لها من غیرها اللهم إلا أن تأخذ الصورة لا بسیطة بل من حیث تركیب یعرض لها مع المادة فحینئذ لا تكون المادة لازمة لمفهومها بل متضمنة فی مفهومهما و لیس كلامنا فی مثل ذلك.
و لقائل أن یقول إنك إذا قلت ناطق أو قلت خفیف مطلق أما أولهما فعند إیرادك فصل مثل الإنسان و أما ثانیهما ففی إیرادك فصل مثل النار فإنك قد أشرت إلی طبیعة الجنس لأنك إذا قلت ناطق عنیت به أنه ذو نفس ناطقة و إذا قلت خفیف مطلق عنیت به أنه ذو قوة فی الطبع محركة إلی حد فوق حدود الأجسام المتحركة بالاستقامة و إذا قلتم إنه ذو نفس ناطقة فقد قلتم إنه ذو شی‌ء هو كمال فی جسم طبیعی إلی من شأنه أن یعقل المعقولات و كذا و كذا و إذا قلتم إنه ذو قوة فقد قلتم إنه ذو مبدإ حركة لما
منطق المشرقیین، ص: 22
هو فیه و هو جسم لا محالة.
فحینئذ نجیبه بأجوبة من ذلك أنه إذا قال شی‌ء له أو فیه كمال فی جسم طبیعی لم یلزم من مفهوم هذا أنه نفسه ذلك الجسم الطبیعی بل لا یمنع مفهوم هذا أن یكون هذا الشی‌ء فیه شی‌ء هو أیضا فی غیره الذی هو جسم طبیعی و هما معا أو هو فیهما معا لكنه كمال بالقیاس إلی أحد الشیئین الذین هو فیه.
و أیضا لو كان یوجب ذلك لكان علی سبیل ما بالعرض.
و أیضا فإن ذات النفس و ذات كل قوة شی‌ء و كونهما كمالا و حالا لشی‌ء شی‌ء من لواحق ذاته و إذا حدث عن النفس بمثل هذا اللاحق بقول مساو كان رسما له لا حدا و إنما یحصل للحیوان الفصل المنوع له إلی الإنسان بانضمام ذات النفس إلی ما تنضم إلیه انضماما أولیا ثم تتبعه توابع النفس و لواحقه و هو من حیث تلك التوابع و اللواحق إذا كانت مساویة مخصوص لا مفصول فإذا عنی بالناطق ذو كمال جسم بصفة كذا فقد أورد رسم الإنسان و خاصة الحیوان لا فصله لكنا نعجز عن تحدید القوی البسیطة و إنما نرسمها بالضرورة رسما فلا یمكننا أن لا نلتفت إلی موضوعاتها و إلی ما یلزمها فی الوجود فنقول إنها تؤخذ فی حدودها موادها و أما القوی إذا أخذت مركبة علی النحو الذی أشرنا إلیه فیما اشتغلنا به لم یصلح أن تؤخذ منها الفصول لأنها مأخوذة بعد حصول القوة و الصورة من حیث الحصول مثل النطقیة فإنها حالة ذی النطق من حیث له الذات التی تسمی لها ناطقا.
و مما یشبه هذا القسم المذكور بل هو داخل معه فی المعنی العام ما یكون من جمع عارض للشی‌ء یكون له و لغیره مع الشی‌ء الموضوع له أو لازم له فی وجوده و لیس فی ماهیته یكون لاجتماعهما حكم اجتماع جدید لیس یقتضیه مفهوم أحدهما مثل المجتمع من الأنف و التقعیر و مثل المجتمع من السواد و البیاض الذی هو البلقة و مثل المجتمع من إفادة الوجود و البیاض لذی التبییض فإن الوجود صفة للأشیاء ذوات الماهیات المختلفة و محمول علیها خارج عن تقویم ماهیاتها مثل البیاض و السواد
منطق المشرقیین، ص: 23
لا یختلف بحسب اختلاف الموضوعات إلا فی شی‌ء بعد الوجود و لا یلتفت إلی أقاویل فیه خارجة عن هذا المذهب و لیست صفة تقتضیها أصناف هذه الماهیات بل فائض علیها من مبدإ و كذلك إفادة الوجود فإذا اقترن البیاض بصفة الوجود كان بیاض موجود و إذا اقترن به إفادة الوجود كان ذلك بالقیاس إلی المبدإ الفاعل تبییضا و هو القیاس الذی بالذات فكان بالقیاس إلی المبدإ القابل من حیث یعتبر حال حدوث الوجود فیه تبییضا و هو من حیث الإفادة بالعرض لأنه تبیض من حیث الاستفادة لكن الإفادة و الاستفادة متلازمان معا و أما من حیث قیاسه إلی نفس البیاض فمعنی معقول زائد علی معقول البیاض و علی معقول الإفادة لیس یتبع أحدهما مفهوم الآخر فی نفسه بل بحسب وجوده و لا اسم له.
و قد یكون من هذا الباب ما یكون فیه العام لازما من خارج الموضوع و یكون منه ما هو غیر لازم و قد یكون فیه كل واحد من المجتمعین أعم من الآخر من جهة دون جهة مثل اجتماع البیاض و الحیوان و ربما كان المجتمعان لیسا أحدهما محمولا فی الطبع و الآخر موضوعا بل من حق كل واحد منهما أن یكون محمولا علی شی‌ء واحد فی الطبع مثل اجتماع الإقدام و العقل فی الشجاع و مثل اجتماع العفة و الشجاعة و التدبیر فی العدل.
و الذی یفترق فیه هذا القسم و القسم الذی ذكرنا أنه نحو اجتماع الجنس و الفصل لیس هو أن العام فی الجنس لا یتحصل موجودا بالفعل إلا بالخاص و لا أن أحدهما لیس تابعا لمفهوم الآخر و لا أن اجتماعهما بأسباب من خارج و ذلك لأنه قد یكون من هذا القسم الثانی ما یكون العام متقوما بالذات بالخاص مثل البیاض بالقیاس إلی الإنسان و الفرس فإنه لیس یجوز أن یتحصل بالفعل إلا فی شی‌ء من الإنسان و الفرس و سائر أجزاء القسمة التی تقع له بالقیاس إلی موضوعاته و مع ذلك فإنهما یجمع بینهما جامع هو خارج من المجموعین و إن كان قد یكون طبیعة ملازمة لهما فإنه قد یكون غیر كل واحد منهما ثم لیس و لا واحد منهما یتبع مفهوم الآخر لكن الفرق بینهما أن العام فی المعنی الجنسی جار مجری الموضوع و یشتق من المادة
منطق المشرقیین، ص: 24
و ما یجری مجراه و الخاص المضاف إلیه هیئة و صورة یتصور بها الموضوع فیقوم منهما ثالث قیاما طبیعیا و أما فی هذا المعنی الثانی فإن العام هو الهیئة و الصورة للخاص و الخاص هو المتصور بالعام أو كلاهما هیئة و صورة لشی‌ء ثالث.
و لو أن آخذا أخذ ما یجری مجری الموضوع كالإنسان مثلا أو العدد یجعله العام لخاص ما تحته مثل الرجل أو المنقسم بمتساویین فقال إنسان رجل أو قال عدد منقسم بمتساویین لم یجد الخاص هو الذی سبق إلی العام فأفرزه إفرازا أولیا بل یجده عارضا له بعد لحوق المخصص الأولی كالرجل فإنه إذا استكملت الإنسانیة بما تستكمل به یعرض لها عارض مزاج مع استكمالها أو بعد استكمالها تصیر به رجلا كما یعرض له أن یصیر شیخا أو یعرض للمادة التی تتكون منه لا من حیث هی موضوعة للصور الأولیة التی بها تكون إنسانا بل من حیث اقترانها بسبب آخر و كذلك العدد یلحقه أول ما یلحقه فی تخصیصه أنه یكون اثنین أو أربعة أو ستة ثم ما یلزم ما خصصه لزوما فی مفهومه أن یكون منقسما بمتساویین و أن تكون أشیاء بحسب الاعتبارات التی له لا نهایة لها بالقوة كلها لازمة و إذا لم یكن هكذا و كان دعوانا هذا فی المثالین غیر صحیح فلیقض المنطقی فی الإنسان أنه جنس للرجل و فی العدد أنه جنس لما یخصص بما أوردناه فإنه لا مناقشة فی الأمثلة و لیقض أنهما لیسا بجنسین إن كان دعوانا فی المثالین صحیحا و لیحصلوا من ذلك أن النحو الذی ادعیناه فی المثالین لیس علی النحو الذی یجری علیه ما ندعیه فی اجتماع طبیعتی الجنس و الفصل ثم ترك العهدة فی الأمثلة علینا بعد أن یعرف جهة الفرق.
و المعنی الجنسی إذا لحقه معنی فصلی لم یخل إما أن یكون ذلك الفصل یجعله بحیث لا یلزمه من المحمولات التی لیست له فی حد جنسه إلا لوازم تلزم ذلك الفصل و تأتی بعده و عوارض تلحقه من أسباب خارجة یجوز أن تتوهم غیر لاحقة فیكون قد قوم ما هو نوع الأنواع و إما أن لا یكون فعل ذلك بعد فیكون قوم نوعا هو أیضا جنس و هذا ضرب من تركیب معنی خاص و عام متقسم إلی قسمین.
و الضرب الثانی أن یكون أحد التركیبین یلزم الآخر فی مفهومه فلا یكون ذلك
منطق المشرقیین، ص: 25
التركیب بسبب من خارج مثل تركیب الثلاثیة مع الفردیة و هو تركیب الموضوع و لازم ماهیته و قد یتفق أن یركب علی أن یقدم الأخص منهما علی الأعم فیقال ثلاثة فرد و هذا من الجنس الذی یسمیه بعض الناس هذیانا لأنه بحسب الإبهام غیر جید التركیب إذ كان لا ثلاثة إلا فردا مثل قول القائل إنسان جسم و أما إذا قال الثلاثة فرد و الإنسان جسم لم یعد هذا هذیانا عندهم بل إخبارا عن بین بنفسه و لیس عكس هذا یعد هذیانا مثل قولهم فرد هو ثلاثة إذ كان الفرد قد یكون غیر ثلاثة و یفارق هذا الأولین من حیث بینا و یفارق الجنسی منهما بأن العام لا حصة له فی تقویم الموجود القائم بالفعل القیام الأولی فإن الثلاثیة تتقوم أول تقومها بما تقومه ثم یكون العام من لوازمها و لا یكون للفردیة مدخل فی تقویمها الأولی و لا فی تقویم المركب منهما إلا كما یقوم الجزء الكل و یكون للثلاثیة مدخل فی تقویمها من غیر جهة تقویم الجزء الكل فإنه یكون بنفسه علة لوجود الجزء الثانی فإنه إذا حصل للثلاثیة وجود كفی ذلك فی وجود الفردیة و المركب منهما و لیس كذلك إذا حصل للناطق وجود بل یحتاج إلی سبب آخر یجمع بینهما فیقومان المركب كما یقوم الجزء فقط و لیس أحدهما متقوما فی نفسه أولا ثم یلحقه الثانی لحوق شی‌ء لشی‌ء متقوم بل إنما یحصل الشی‌ء المتقوم التقوم الأولی باجتماع منهما جمیعا فیجب أن تكون هذه الحقائق متصورة

فی تركیب أحوال المحمولات بعضها مع بعض‌

المحمولات بعضها أول و بعضها غیر أول و قد یستعمل لفظ الأول فی هذا الموضوع علی معان ثلاثة فیقال أول و یعنی به الشی‌ء فی كونه محمولا علی الشی‌ء بنفسه و أول فی العقل مثل حملنا أعظم من الجزء علی الكل و یقال أول و یعنی به القیاس إلی محمول ثان یحمل علی الشی‌ء بغلبة المحمول الذی یقال له أول
منطق المشرقیین، ص: 26
مثل كون الإنسان أولا من شأنه أن یتعجب ثم من بعد ذلك كونه من شأنه أن یضحك و الأول الحقیقی من هذا الباب هو الذی لیس بینه و بین الموضوع واسطة البتة و هذا هو الذی یستحق أن یقال له المحمول علی الشی‌ء بذاته و لما هو لست أعنی المحمول فی جواب ما هو بل المحمول علی الشی‌ء لا بسبب شی‌ء من صفاته و أحواله بل بسبب ذاته و لأنه هو مثل الضحاك المحمول علی الإنسان لا من جهة أنه إنسان حتی تلقی الإنسانیة من غیر واسطة بل لأجل أن الإنسان ممیز متعجب فلذلك هو ضحاك فهو للإنسان بتوسط صفة له تلك الصفة تقتضیه و لولاها لما وجب أن یكون ضحاكا و لا یبعد أن یظن ظانون أن كل ما هو أول بهذا الاعتبار فیلزمه أن یكون أولا بالاعتبار الأول و یقال أول و یعنی به الشی‌ء الذی لیس یحمل علی شی‌ء بتوسط شی‌ء أعم منه یكون من حقه أن یكون محمولا علی ذلك الأعم ثم علی الشی‌ء و لا نجد محمولا أولا علی هذه الصفة إلا الجنس و الفصل و الخاصة و خاصة الفصل المساویة فی عداد الخاصة و العوارض و اللوازم التی لا تستغرق الجنس مثل الأنوثة و الذكورة لأنواع الحیوان و أما جنس الجنس و فصل الجنس مثل ذی النفس الحساسة للإنسان و خاصة الجنس مثل المشتهی و اللامس و العرض العام للجنس فإن هذه لیست بمحمولات أول فإنها تحمل علی الجنس و تبقی محمولات ما بقیت طبیعة الجنس موجودة فی أی نوع كان و إن لم یكن النوع المتكلم فیه موجودا فلا تكون محمولة علی طبیعة النوع أولا و هی محمولة علی طبیعة الجنس من غیر انعكاس فهی محمولات علی الجنس أولا و ما كان منها مقوما فإنما یقوم طبیعة الجنس أولا ثم تنضاف إلیها فصول فتقوم طبیعة الأنواع.
فإن قال قائل إن طبیعة الفصل علة لطبیعة الجنس و ما لم تصل إلی الشی‌ء العلة لم تصل المعلولة فهذا القائل یوجب أن یكون أعلی الأجناس محمولا أولیا بهذا المعنی الذی نحن فیه فإنا لسنا نذهب فی استعمال الأول إلی هذا الأول بل إلی ما أشرنا إلیه و إذا قایسنا الجنس و فصله صادفنا الفصل هو المحمول المقوم للجنس لا الجنس للفصل و إن كان یصح حمل الجنس علی الفصل فلیس علی سبیل مقوم
منطق المشرقیین، ص: 27
بل علی سبیل متقوم و المقومیة فی المحمولات أخص من المحمولیة و إذا كانت مقومة الفصل أولا للجنس فمحمولیته أولا علی الجنس و إذا كانت علیه أولا فهی علی النوع غیر أول بهذا المعنی و إذا حملنا الجنس علی الفصل ثم حملنا الفصل علی النوع نكون قد أدخلنا لا محالة الفصل بین الفصل و النوع و ما هو بالمتقوم فی الحمل أولا فنكون قد أردنا من حیث لم نشعر.
و أما لوازم الفصل و خواص الفصل التی هی أعم من النوع إن كان فصل مثل المنقسم بمتساویین الذی هو أعم من الزوج و لنفرضه الآن مثلا نوعا من العدد ثم كان له خاصة مثل كونه ذا نصف أو ذا ربع الضعف فإنها لا تخلو إما أن تعم الجنس فتكون من المحمولات التی لیست أولا و إن لم تعمه فهی من جملة لوازم النوع الغیر العامة للجنس و أما مقومات الفصل إن كان ذلك موجودا فإن كانت أجناس فصول مثلا مثل ما یظن من أن المدرك جنس للحساس أو الناطق فإنها تفصل لا محالة ما هو أعم من ذی الفصل فهی إذن داخلة فی جملة فصول الأجناس فتكون أجناس الفصول فصول الأجناس و لا تكون أولیة و فصول الفصول إن كانت أعم فهی فی حكم أجناس الفصول أو مساویة فهی فی حكم الفصول و أولیة و أنت تعرف من هذا أجناس الخواص و الأعراض و فصولها إن كانت موجودة و كما أن المحمول الأول قد یقال علی وجوه فكذلك المحمول علی الشی‌ء بذاته و لما هو یقال علی وجوه و لسنا نحتاج فی هذا الموضع إلی أن نعد وجوها لا تناسب هذا الموضع فیقال محمول بذاته و من طریق ما هو لما یكون داخلا فی ذات الشی‌ء و ماهیته سواء كان مقولا فی ماهیته أو داخلا فی جملة المقول فی ماهیته علی أنه جزء له و یقال محمول بذاته من طریق ما هو للأمر الذی لا یحتاج الشی‌ء فی أن یوصف بذلك و إن كان عارضا له إلی شی‌ء غیر ذاته أو غیر خاصة من خواص ذاته لیس یحمل علیه لأجل شی‌ء أعم منه حمل المتحرك بالإرادة علی الإنسان بسبب أنه حیوان و لأجل شی‌ء أخص منه حمل قبول الكتابة علی الحیوان بسبب كونه إنسانا و یقال محمول بذاته و لما هو إذ كان أولا بالمعنی الثانی من معانی الحمل الأول و قد یقال محمول
منطق المشرقیین، ص: 28
بذاته لأجل أنه لیس یحتاج الشی‌ء فی أن یحمل ذلك علیه أو علی بعضه إلا إلی تهیؤ فیه لیس یحتاج فی أن یكون له ذلك التهیؤ إلی أن یصیر بالفعل أخص منه مثل الكتابة بالفعل للإنسان و یفارق الضرب الثانی مما یقال علیه اللفظ المذكور بأن هذا له بحسب اعتبار التهیؤ و ذلك بحسب اعتبار الوجود بالفعل و هذا هو أحد أجزاء القسیمة التی تكون لازمة للشی‌ء بذاته علی الضرب الثانی مثل المفرد و الزوج مثلا للعدد و مثل الكتابة و الأمیة للإنسان إلا أن بین هذین المثالین فرقا فإن المتهیئ للفردیة هو طبیعة العدد مجردة فی العقل و أما العدد الذی هو فرد فهو بالضرورة و دائما هو فرد و أما الثانی فإن التهیؤ فیه باعتبار الطبیعة الموضوعة فی التجرید العقلی و فی الوجود خارجا أی جزئی كان منها فإن كان واحد من الكتابة و الأمیة یتهیأ لها الإنسان الموجود أی إنسان كان و الأمور العامة تكون لها فصولها المقسمة و عوارض أنواعها و خواصها مقولة علیها و بذاتها و من طریق ما هو علی هذا الاعتبار و جمیع هذه كیف كانت و المحمولات التی لا تقوم الشی‌ء و تعرض لا لسبب شی‌ء أعم یخص باسم الأعراض الذاتیة أی اللواحق الذاتیة و هی غیر المحمولات الذاتیة فی المعنی لأن المحمولات الذاتیة قد تقال علی غیر هذا المعنی و إذا قیل لهذه أعراض فلیس یعنی به العرض الذی یوضع بإزاء الجوهر بل یعنی به العرضی و أما العرض الذی بإزاء الجوهر فله حد أو رسم غیر هذا و لیس یعنی به العرض الذی هو أحد الخمسة الذی من حقه أن یسمی عرضا عاما فإن هذا أیضا یقال علی الخاصة المساویة و علی الخاصة التی هی أقل مثل الكتابة للإنسان و الحیوان و هذه المعانی یجب أن تكون محققة محصلة
منطق المشرقیین، ص: 29

فی أصناف التعریف‌

التعریف هو أن یقصد فعل شی‌ء إذا شعر به شاعر تصور شیئا ما هو المعرف و ذلك الفعل قد یكون كلاما و قد یكون إشارة.
و التعریف الذی یكون بالكلام إما أن یكون بكلام لا واسطة بینه و بین ما یتصور من جهته علی النحو الذی یتصور من الكلام فیكون ذلك علی سبیل دلالة اللفظ علی معناه و إما أن یكون بكلام بینه و بین ما یتصور من جهته واسطة و یكون ذلك علی سبیل دلالة لفظ وصف الشی‌ء و نعته علیه فیدل اللفظ دلالته اللفظیة علی معنی فإذا دل علی ذلك دل بتوسط ذلك المعنی علی المعنی المقصود بالتصویر لأن الذهن من شأنه أن ینتقل من ذلك المعنی وحده أو مع قرینة إلی المعنی المقصود بالتصویر و ذلك المعنی فی أول الأمر إما أن یكون من قبیل ما یحمل علی الشی‌ء أو من قبیل ما لا یحمل علی الشی‌ء لكن تصوره ملتزم لتصور الشی‌ء فإذا تصور ذلك المعنی یمثل فی النفس المعنی الذی یلزمه مثل تصور الأب عند ذكر الابن و تصور المحرك عند ذكر المتحرك عند من یصدق أن لكل متحرك محركا.
و هذا القسم و إن دخل فیما نحن بسبیله من وجه فیجب أن یفرد لفظ التعریف لما یكون المقصود به تمثیل الشی‌ء فی الذهن من جهة محمولاته و أما الذی یتمثل تابعا لتمثل من غیر أن تكون العادة جاریة بأن یراد فی تمثیله و تصویره تمثیل ذلك و إن كان یتمثل و یتبع فلیفرد له اسم آخر.
و التعریف الذی یكون بالمحمولات فقد یكون بمحمول مفرد إذا كان ذلك المحمول خاصا بالشی‌ء و قد یكون بمحمولات تركب معا و كل واحد قد یكون بمحمول مقوم و قد یكون بغیر مقوم بل لازم أو عارض.
و التعریف بالعارض لا یلیق إلا فی زمان ما و لشخص ما و أما المعنی الكلی فلیس تلحقه العوارض إلا بالعرض و بسبب إشخاصه الجزئیة و أما كون الشی‌ء بحیث یعرض له ذلك العارض فهو أمر لازم غیر عارض
منطق المشرقیین، ص: 30
فالمعانی التی تتناولها العلوم هی المعانی الكلیة و ما یجری مجراها و یدخل فی حكمها فیبقی إذن أن التعریف المفرد أو المركب بحسب العلوم إما أن یكون بمقوم أو لازم و التعریف المفرد بالمقوم هو تعریف الشی‌ء بفصله فإن الجنس مشترك فیه لا یشیر إلی ما هو نوعه فلا یقع به تعریف نوعه بوجه من الوجوه و حال من الأحوال و إن توهم بعض الناس أنه قد یقع به تعریف ما و بالجملة أن التعریف یقتضی التخصیص لا غیر و التعریف المفرد باللازم هو التعریف بالخاصة فإن حال اللازم العام فی أنه مشترك لا یشیر إلی جزئیاته حال الجنس.
و التعریف المركب بالمقوم هو الذی إذا وجدت شرائط نقولها كان حدا محققا و إن تساوی و فقد بعض الشرائط كان حدا خداجا أو كان جزء حد.
و التعریف المركب لا من المقوم الصرف هو الذی إذا وجد شرائط نوردها كان رسما محققا و إن نقصه بعضها كان رسما خداجا.
و كل تعریف مركب مساو و من مقومات فهو حد تام أو جزء حد و حد خداج فإن المقومات محققة الوجود للشی‌ء و بینة له فإنها أجزاء لماهیته و محال أن تدخل ماهیته فی الذهن و لم تدخل معه أجزاؤه و مقوماته فإذا دخلته أجزاؤه و مقوماته كانت حاصلة معه فی الذهن و لیس كل حاصل فی الذهن متمثلا فیه بالفعل دائما بل هو الذی إذا التفت إلیه وجد حاضرا و قد یصد عنه إلی غیره و لا یكون حاله حال المجهول المطلق بل یكون كالمخزون المعرض عنه و أما كیفیة هذا فلیطلب من علم النفس.
و نحن نشیر فی حصول أجزاء الماهیة مع الماهیة إلی هذا النحو من الحصول فإذا أخطر بالبال لم یغفل الذهن عن وجوده للماهیة إلا أن یعرض عنه و لا یخطره بالبال و حین یعرف به الشی‌ء فقد تصدی لإخطاره بالبال فلا یجوز أن یكون مجهول الوجود للماهیة.
فیجب إذن إذا كان موجودا للماهیة و قد دل بجمیع المقومات العامة و الخاصة علی نفس الماهیة أن لا تبقی شبهة البتة و تتمثل معها الماهیة المجموعة عنها
منطق المشرقیین، ص: 31
فی الذهن حاضر الجملة و الأجزاء و یتمثل ما لو أصلح إصلاحا ما تتمثل معه الماهیة.
و أما اللوازم فلیس كثیر منها بین الوجود للشی‌ء و لا بین اللزوم له فیجوز أن تؤلف منها عدة تدل علی جملة لا تكون تلك الجملة لغیر الشی‌ء و تكون خاصة له مركبة و لكنه لا ینقل الذهن إلی الشی‌ء فلا یكون رسما و كیف یكون رسما و شرط الرسم أن یكون تعریفا و قد لا یكون أیضا رسما خداجا إذا لم یكن من شأنه أن یتم بما یضاف إلیه رسما تاما بل یكون خاصة و مركبة من لوازم الشی‌ء المجهولة ما من شأنه النظر فی أن یثبت لزومه للشی‌ء مثل كون المثلث مساوی الزوایا لقائمتین و من هذه اللوازم قد یمكن أن یجمع تعریف مركب یكون رسما بالقیاس إلی إنسان دون إنسان و لا یكون رسما مطلقا و إنما یكون رسما بالقیاس إلی من یجمع علتین إحداهما أن یعلم بالاكتساب البرهانی كون تلك اللوازم محمولة علی ما یعرف و الثانی أن یعلم أنها تخصه علما خاطرا بالبال و إنما لا یكون رسما مطلقا لأنه لیس یقتضی تعریفا مطلقا.
و لقائل أن یقول لقد أخللتم بالتعریف الذی یكون علی سبیل التمثیل و التعریف الذی یكون علی سبیل المقایسة مثال الأول أن یقول قائل الحیوان هو مثل الفرس و الإنسان و الطائر و مثال الثانی أن یقول إن النفس هی التی تقوم من البدن مقام الربان من السفینة فنقول أما التمثیل فلیس بتعریف حقیقی بل هو كتعریف و قد یقع فیه الغلط كثیرا فإن التعریف بمثل المثال الذی أورد للتمثیل ربما أوهم أن الحیوان لا یكون إلا ذا رجلین أو أرجل و أن عدیم الرجل لیس بحیوان و كیف لا و القائل إن الحیوان هو كالفرس و الإنسان قد قال قولا مبهما حین لم یبین أنه كالفرس و الإنسان فی ما ذا فإن بین أنه كالفرس و الإنسان فی أنه ذو جسم حساس كان فی الحقیقة قد وقع التعریف لا بالتمثل بل لشی‌ء مما سلف و كان التمثیل نافعا لا فی تصور المعنی بل فی تسهیل سبیل تصوره و فی أن للمعنی و الوجود ما یطابقه.
و لیس من شأن المعنی المتصور أن یكون له فی الوجود مثال بوجه مثل كثیر من معانی الأشكال الموردة فی كتب الهندسة و إن كان وجودها فی حیز الإمكان
منطق المشرقیین، ص: 32
و مثل كثیر من مفهومات ألفاظ لا یمكن وجود معانیها مثل مفهوم لفظ الخلاء و مفهوم لفظ الغیر المتناهی فی المقادیر فإن مفهومات هذه الألفاظ تتصور مع استحالة وجودها و لو لم تتصور لم یمكن سلب الوجود عنها فإن ما لا یتصور معناه من المحال أن یسلب عنه وجود و یحكم علیه بحكم سواء كان إثباتا أو نفیا.
و أما الوجه الثانی فهو تعریف من باب اللوازم و اللواحق فإن النسبة من لواحق الأشیاء و لوازمها و الشی‌ء قد یكون له اعتبار بذاته و قد یكون له اعتبار بحسب حاله من عارض و لازم فیكون مثلا باعتبار ذاته إنسانا و باعتبار حاله أبیض و أبا و غیر ذلك.
و قد یكون اعتباره بحاله اعتبارا لا یتعداه و قد یكون اعتبارا یتعداه و إذا كان اعتباره بحاله لا یتعداه كانت حاله خاصیة له فإذا أتی بالحد الحقیقی الذی له بحسب حاله و هو غیر الحد الحقیقی الذی له بحسب ذاته كان حده الذی بحسب حاله إما رسما و إما قولا من قبیل الخاصة المركبة بحسب ذاته فإنه إن كان ینتقل الذهن من تصور القول الحاد لحاله إلی تصور ذاته كان القول رسما لذاته و إن كان لا ینتقل بل یقف علیه كان القول خاصة مركبة غیر رسم مثال هذا أن هاهنا شیئا إذا حصل له ضرب من الاقتران بالبدن الحیوانی صار به بدن الحیوان حیا و حصل من اقتران أحدهما بالآخر مجموع هو الحیوان و ذلك له ذات هو بها أمر ما و لأن اعتباره من جهة ذاته غیر واضح لأرباب اللغة فلیس له بحسب ذاته اسم عندهم بل إنما یوقعون علیه أسماء بحسب كونه مدبرا أو محركا أو كمالا أو غیر ذلك للبدن فیسمونه إما روحا و إما نفسا كما یسمون غیره أبا و ملكا ثم یكون له بحسب المعنی الذی یسمونه له نفسا و روحا حد حقیقی فیقال له حینئذ إنه صورة جسم طبیعی بحال كذا أو كمال جسم طبیعی بحال كذا فیكون هذا بحسب حاله التی تسمی لها نفسا حدا حقیقیا لكونه یكون بالقیاس إلی ذاته خاصة مركبة أو رسما فإن كان هذا مثل قول القائل فی تعریف المربع أعنی الذی یحیط به أربعة أضلاع كیف كانت أنه الشی‌ء الذی یشغله أربع ملاقیات له بخطوط مستقیمة فینتقل الذهن من تصور هذا القول الخاصی إلی أن یتصور أنه السطح المربع فحینئذ رسم و إن كان هذا مثل قول
منطق المشرقیین، ص: 33
القائل فی تعریف السطح المتوازی الأضلاع إنه الذی یكون السطحان المتممان جنبتی قطریه متساویین لم یجب أن یكون رسما إلا بالقیاس إلی من عرف وجوده له و ربما كان حد الشی‌ء بحسب حالة رسما له بحسب حالة أخری تخصه فإنه ربما كان للشی‌ء حال و له حال أخری و كلاهما یختصان به و وجود أحدهما مع الآخر بین بنفسه أو معلوم ببرهان أو بمصادقة من الحس فإذا حد بحسب أحد الحالین انتقل الذهن إلیه بحسب الحال الأخری و لهذا أنه یشبه أن تكون ذات الإنسان غیر متصورة بالحقیقة فی نفوس كثیر من الجمهور بل إنما یصورونه بحسب هیئة عارضة له تمثلت من طریق الحس فی أوهامهم أو عقولهم فإذا قیل الضحاك المنتصب القامة انتقل الذهن فی كثیر منهم إلی أنه یراد به ذلك الذی هو كذا و كذا بحسب الهیئة الحسیة و لا یبعد أن یكون للشی‌ء بحسب الحالین حد إن كان واحد منهما بحسب الحالة الأخری رسما و ذلك إذا كان تلازمهما متضحا و تعرف كل واحد منهما من جهة الأخری متأتیا.
و اعلم أن الفصل و الخاصة وحدهما من غیر اعتبار آخر ینضاف إلی مفهومهما لیس بمعرف حقیقی فإنك إذا قلت ناطق فإنما یفهم منه شی‌ء له نطق و نفس هذا المفهوم یجوز أن یكون أی شی‌ء كان إلا أن یعلم علما آخر تصدیقیا لا تصوریا أنه لا یجوز أن یكون هذا الشی‌ء إلا كذا و كذا علی سبیل الالتزام لا علی سبیل التضمن إذا عرفت فإن التعریف بالفصل لذات النوع إما تعرف غیر تام و إما تعریف بقرینة علی سبیل نقل الذهن من شی‌ء إلی آخر یلزمه لا یطابقه و لا یتضمنه و التعریف بالخاصة وحدها أبعد فی هذا المذهب من الفصل فإذا قرن بذلك أمر ما آخر جنس أو كجنس مخصص به وقع بالفعل حینئذ التعریف علی سبیل المطابقة و وقع بالخاصة إن كان اجتماعها ما اجتمعت معه علی الشرط المذكور تعریف علی سبیل النقل و الالتزام و إلا كان القول خاصة مركبة.
و اعلم أنك إذا عرفت الشی‌ء بالفصل فاقترنت به القرینة المذكورة و صار القول تعریفا فما عرفت بالفصل وحده بل بالفصل و شی‌ء آخر سكت عنه فلو
منطق المشرقیین، ص: 34
أنك نطقت بجمیع ما وقع به التعریف فكان ذلك قولا لا لفظا مفردا فتبین أن حق العبارة مما وقع به التعریف أن تكون قولا فإذن التعریف بالمحمولات یجب أن یكون قولا و كل تعریف مما نحن بسبیله إما بالاسم و إما بقول هو حد و إما بقول هو رسم‌

فی الحد

الشی‌ء الذی یقال له الحد إما أن یكون بحسب الاسم و إما أن یكون بحسب الذات و الذی بحسب الاسم هو القول المفصل الدال علی مفهوم الاسم عند مستعمله و الذی بحسب الذات فهو القول المفصل المعرف للذات بماهیته.
و كل من تلفظ بلفظ فإلیه تحدیده إذا أجاد العبارة لما یقصد إلیه من المعنی و لا مناقشة معه البتة إلا إذا كان قد زاغ عما قصده بشی‌ء مما سیقوله و أما إذا ألف المعانی التألیف الذی ینبغی ثم قال لمجموعها إنه مرادی بما أطلقته من اللفظ فهو حد ذلك اللفظ إذا لم یكن قد أساء فی التألیف مما ستسمعه و لم یكن بحیث إذا أضفت إلی ما أورده زیادة معنی كان مخصصا لما ألفه أو غیر مخصص فعرضت علیه ما ألفه و الزیادة علی أنه مفهوم اللفظ الذی حده قبله فقال هو هو مثال ذلك أن الإنسان إذا استعمله متكلم فی كلامه فسألته ما یعنی به فقال إنه الحیوان المنتصب القامة البادی البشرة الذی له رجلان فأول ما له أنه قد حد الإنسان بحسب استعماله لفظه و لیس لك أن تخاطبه فیه بوجه من الوجوه بالمناقشة إذ كان الحیوان بهذه الصفة موجودا و كان له بهذه الصفة اعتبار و كان اعتباره بهذه الصفة غیر محرم علیه أن یكون له اسم و أكثر ما یكون أن تؤاخذه به أمر اللغة و هو بعید عن المآخذ العلمیة لكنك إن زدت علی هذا المبلغ الذی ألفه الضاحك فقلت أ لست تعنی به الحیوان المنتصب القامة الذی له رجلان البادی البشرة الضاحك فقال أعنیه به أو قلت أ لست تعنی به الحیوان المنتصب القامة الذی له رجلان
منطق المشرقیین، ص: 35
فی الطبع البادی البشرة الكاتب فقال أعنیه به فقد أساء لأنه لیس اعتبار مجموع هذه المحمولات و لا ضاحك منها و لا كاتب كاعتبارها مع أحدهما و لیس إذا لم یزدها الضاحك خصوصا لم یزدها معنی اللهم إلا أن یكون هذا القائل لم یعن بإیراد هذا التألیف دلالة أولیة علی مفهوم الاسم كأنه یقول أرید به الشی‌ء الذی یلحقه و یعرض له كذا لا من حیث هی لواحقه و عوارضه بل من حیث هو ذاته التی أجهلها فیكون هذا غیر حد بحسب اسمه و یكون ضربا من التعریف الرسمی ناقصا سنذكر حكمه من بعد و كذلك إذا نقص شی‌ء مما أورده فی التألیف فبقی الباقی مساویا أو أعم.
و أما حد الشی‌ء بحسب الذات التی له مطلقا أو بحسب الذات التی له علی أنه بحال فیجب فی الأول منهما أن یتناول أول شی‌ء مما یقوم بالفعل نوعا من أنواع الأشیاء سواء كان نوعا فوقه جنس أو كان نوعا باعتبار كلیته فی نفسه بالقیاس إلی ما یعرض تحته أو كان معنی كلیا غیر نوع فیدل علی ماهیته تلك حتی یحصل المصور له هو ماهیته ملحوظة بنفسها مفردة عن لوازمها و لواحقها التی بعد أول تقومه و فی الثانی أن یلحظ الذات و تلك الحال و الماهیة التی لتلك الذات من تلك الحال ملحوظة بنفسها مفردة عن أحوال أخری و لوازم أخری فإن ألف قولا من لوازم و توابع خارجة عما حددناه فربما فعل رسما ما و أما حدا فكلا مثاله إن أراد أن یحد الإنسان بحسب وجوده فیجب أن یشیر إلی أول ما به یتقوم هذا الشی‌ء الذی یقع علیه اسم الإنسان و إنما یتقوم أول ما یتقوم بجنسه القریب و فصله فیجب أن یورد جنسه و فصله ضرورة فإذا أوردا تمت ماهیته و إن أمكن أن یكون للشی‌ء الواحد فصول مقومة تحت الجنس الأقرب معا لیس أحد الفصلین یقوم أمرا أعم و الفصل الثانی یقوم أمرا أخص فیلزمه أن یورد الفصلین أو الفصول معا إذ كانت ذاته مجموع جمیع ذلك فإذا لم یدل علی شی‌ء من أجزاء ذاته و من مقومات ذاته كان المدلول علیه جملة من أحوال ذاته فإن لم یفعل الحاد هذا بل قال فی حد الإنسان إنه حیوان ضحاك فما دل علی ذاته بل أورد من أموره ما یرد بعد
منطق المشرقیین، ص: 36
تقوم ذاته فدل علی ما لیس هو ذاته فی الاعتبار و إن كان الشی‌ء الذی هو ذاته هو أیضا هذا الشی‌ء من طریق الوضع و الحمل و قد عرفت الفرق بینهما و بالحقیقة فإن هذا قد أشار إلی معنی اعتباره غیر اعتبار ذات الإنسان التی هی أول ما تتقوم و لما كان ذات كل شی‌ء واحدة و كان ذاته من طریق اعتبارها بحال واحدة واحدة باعتبار واحد لم یمكن أن یكون القول المعرف لماهیة تلك الذات تعریفا أولیا و هو الحد إلا واحدا.
ثم الأمور التی تحد إما بسیطة و إما مركبة.
و المركبة إما مركبة التركیب الطبیعی الذی من الجنس و الفصل أو مركبة علی أحد وجهی التركیب الذی أوردناه فی بابه أو مركبة تركیب التداخل و هو أن تركب معنی و معنی فتجمع منهما محمولا واحدا ثم تركب المجموع منهما مع أحدهما تركیبا وضعیا قلیل الجدوی مثل أن تركب الأنف و التقعیر فتوقع علیه اسم الأفطس فتقول أنف أفطس أو تسمی تقعیر الأنف فطوسیة ثم تقول أنف أفطس و بین الوجهین فرق و لیس كما یظن الظاهریون فإنك إذا سمیت الأنف ذا التقعیر أفطس كان الفطس لا تقعیرا فی الأنف بل كون الأنف ذا تقعیر و بین الاعتبارین فرق فإن الأفطس بحسب أحد الاعتبارین أنف فیه تقعیر و بحسب الاعتبار الثانی أنف ذو تقعیر فی الأنف و هذان الاعتباران و إن تلازما و تقارنا فهما مختلفان.
فهذه أصناف الأمور المحدودة و یجب أن نتكلم فی حد واحد واحد منها فأما الأمر البسیط فلا تطلب فیه الجنس و الفصل الحقیقیین و لا الشی‌ء الذی سمیناه الحد الحقیقی فإن هذا مما لا یكون البتة و إن ظن قوم أنه یكون بل اطلب أن تعرفه من لوازمه العامة و خواصه و تضیف بعضه إلی بعض كما تضیف الفصل إلی الجنس.
و اعلم أن أكثر ما تحد به هذه الأشیاء لیست بحدود و أكثر ما یجعل لها أجناسا هی لوازم عامة غیر الأجناس و إذا أردت أن تعرفها باللوازم و الخواص فیجب أن
منطق المشرقیین، ص: 37
تكون تلك اللوازم و الخواص بینة الوجود فی الموجودات و الثبات فی الثابتات إما مطلقا و إما بحسب من تخاطبه به فإن من التعریف ما هو مطلق و منه ما هو بحسب المخاطب كما أن من الاحتجاج ما هو مطلق و منه ما هو بحسب المخاطب و أما إذا كان اللازم أو الخاصة مجهولا فلا یفیدك التعریف به و كیف یعرف بالمجهول مثال اللازم المجهول الذی هو أعم من الشی‌ء المساواة لما هو مساوی القاعدة و الارتفاع للمثلث فإنه كذلك لمتوازی الأضلاع و مثال الخاصة المجهولة كون المثلث مساوی الزوایا لقائمتین فإن هذین إذا كانا مجهولین فقلت مثلا فی تعریف المثلث أنه المساوی لما هو كذا و مساوی الزوایا لكذا لم تدل علی المثلث دلالة حاضرة معرفة إلا أن یكون تعریفك بحسب من یعلم ذلك و یرید أن تفهمه معنی لفظة المثلث و مفهومها بل یجب أن یكون المعرف به بین الوجود فی نفسه و الثبات لمعناه.
ثم لا یخلو إما أن یقع به نقل إلی تفهیم الذات فیكون تصور معناه یوجب انتقال الذهن إلی تصور ذات الشی‌ء الذی له لازم أو خاصة و قد أشرنا إلی مثل هذا التعریف حین فصلنا أصناف التعریف فیكون هذا التعریف تعریفا یقوم فی الحقیقة مقام الحد و بالجملة یكون دلالة علی معنی ذات الشی‌ء بتوسط حال من أحواله فلا یجب أن یقصر عن الدلالة علی ذاته بتوسط ألفاظ موضوعة لمقوماته لأنه لا افتراق بینهما فی توصیل الذهن إلی حاق الشی‌ء فهذا قسم من القسمین و من شرطه أن تكون تلك اللوازم و الخواص مع بیان وجودهما و ثبوتهما مطلقا بینة الوجود و الثبات للشی‌ء بیانا غیر محتاج إلی وسط.
و إما أن لا یقع به نقل إلی تفهیم الذات و إنما یكون قصاری البیان فیه أن یعرف الشی‌ء بما یتمیز به و لا یختلط به غیره و أن الشی‌ء الذی له حال من الأحوال كذا فلا یزید من تعریف ذاته إلا علی المعروف من نسبته و أنه مخصوص بلوازم تلزمه و أما خاصیته فی ذاته فلا یعلم بذلك و لا یوقف علیه و تبقی مجهولة و هی التی ینبغی أن تعلم حتی تعلم ذاته فهذا إن عد رسما فیجب أن لا یعد فی درجة الرسم الأول و ما یجزئ أو لو خص باسم یفارقه به و ما یجزئ أن یعد الأول فی عداد الحدود
منطق المشرقیین، ص: 38
و اعلم أن الصور و القوی الفعالة و المنفعلة إذا أورد القول المعرف إیاها مأخوذا فیه أفعالها و الانفعالات التی تتم بها ذاتها بحیث یكون عنها ذلك فإن القول الحق فی ذلك أن ذلك القول قد یكون لها حدا و قد لا یكون و ذلك لأن لها فی أنفسها اعتبارین اعتبار بنفسها و ذواتها التی هی بها إما جواهر و إما كیفیات و اعتبار من جهة ما یلزمها مما قیل أو یصح علیها مما قیل و الصحة كما قد علمت من اللوازم و لیس یمكن أن تكون ذواتها مضافة معقولة الماهیة بالقیاس إلی الغیر لأنها إما أن تكون نفس الإضافة من حیث هی إضافة أو نفس كون الشی‌ء معقول الماهیة بالقیاس إلی الغیر أو یكون لها وجود مفرد یلزمه أن یكون معقول الماهیة بالقیاس إلی الغیر أو تكون إنما یقع علیها الاسم من حیث اجتماع طبیعة معقولة بنفسها و إضافة مقرونة بها یكون مجموعها هو المراد بالاسم المطلوب شرحه بالقول.
و لو كانت الصور و القوی لا وجود لها إلا أن تكون معقولة بالقیاس إلی الغیر بنحو من الأنحاء لم یجب أن تعرف جواهر و كیفیات و لنضع أنها معدودة كذلك و إذا كانت معدودة كذلك كان لها وجود یخص و لنضع هذا أیضا و كیف لا و صدور الفعل یكون لا عن مجرد إضافة بل عن ذات لها إضافة و كذلك صدور الانفعال و الزیادة فی تحقیق هذا لصناعة أخری.
فبقی أن تكون إما ذوات لها وجود خاص یلزمها إضافة و إما ذوات فیها تركیب من الأمرین فإن كانت ذوات لها وجود خاص لم یخل إما أن یقصد بالقول المفسر قصد الذات فیكون تعریفه باللازم من الإضافة رسما أو یقصد قصد كونها ذات ذلك اللازم فیكون بالقیاس إلی هذا المقصود حدا.
و كثیر من القوی و الصور إنما تطلق علیها الأسماء من جهة ما یلزمها من الإضافة فیقال خفة و ثقل و نحو ذلك و أما إذا كانت الصور و القوی مركبة علی النحو المذكور فالاقتصار علی الأمر الإضافی من جزئیة غیر معرف له تعریفا تاما علی ما علمت أن الاقتصار علی الفصول و الخواص لا یتم بها التحدید بل و لا یتم بها التعریف و الترسیم.
منطق المشرقیین، ص: 39
علی أن النظر فی الصور و القوی نظر فی البسائط و كلامنا الآن فی البسائط فإن كان ما نقوله من دلالة الرسم التام و الناقص مشتركا للبسائط و المركبات فإن المركبات قد یدل علیها بالرسمین جمیعا و أفضل الرسمین هو الرسم التام و أخسهما الرسم الناقص علی أنه یختلف أیضا بحسب قرب اللزوم من المفهوم و البعد منه فإنه لیس استعمال الممیز فی رسم الإنسان كاستعمال المتعجب و لا استعمال المتعجب كاستعمال الضحاك.
و إذا كان الرسم مأخوذا من اللوازم التی هی المقومات للوجود و إن لم یكن للماهیة و المفهوم و كان من الجنس الثانی فقد تدخل فیه اللوازم فی الوجود من العلل و المعلولات التی هی لوازم و لواحق فی الوجود و إن لم تكن الماهیة و المفهوم و كثیرا ما یوجد منها فیه ما هو خارج عن المفهوم أیضا و كثیرا ما یریدون ذلك و قد وقع الفراغ مما هو حد الشی‌ء البسیط أو المركب فضلا عن رسمه المعرف له مثل أخذهم توسط الأرض فی تحدیدهم لكسوف القمر فإنهم یحدون كسوف القمر بأنه خلو جرم القمر عن الشعاع الشمسی فی وقته لتوسط الأرض بینه و بینها و لیس مفهوم كسوف القمر إلا ذلك الخلو فی وقت من شأنه فی مثله أن لا یخلو عنه و أما أنه كان یستنیر عن الشمس و انقطع بتوسط الأرض فأمر خارج عن المفهوم أقل معرفة من المحدود نفسه و هو سبب من أسبابه الخفیة فی وجوده التی لا یحس بها إلا العلماء.
و بالحقیقة لیس من حقه أن یضطر إلیه فی رسم الكسوف فضلا عن حده و هم یجعلونه جزءا من حده و یوردونه و قد فرغوا بالحقیقة من حده ثم یجعلون له شأنا فی مقایسته مع البرهان لا ینكشف عن طائل و لیس هذا كما یقال فی اللیل إنه زمان ظلمة جو الأفق بسبب غروب الشمس فإن اسم اللیل موضوع بإزاء تركیب الظلمة مع اعتبار غروب الشمس فإن الجو إذا أظلم بسبب غیم شدید الارتكام أسحم أو بسبب كسوف الشمس إذا كان كسوفا تاما لم یسم لیلا إلا علی سبیل استعارة و مجاز ثم إن قال قائل إنه لیس كذلك و لم یوضع لذلك كان له أن یقول ذلك و لكن لم یجب أن یورد فیه غروب الشمس البتة بل وجب أن یورده علی وجه أعم من ذلك.
منطق المشرقیین، ص: 40
و لهم من هذا القبیل حدود كثیرة مثل تحدیدهم الغضب بأنه شوق انفعالی إلی الانتقام یغلی منه دم القلب فإن غلیان دم القلب كان سببا للغضب و اسم الغضب موضوع بإزاء الشوق الانفعالی للانتقام و إن جاز أن یتحد معه القلب.
و من جملة الأمور التی یدل علیها بالقول المعرف هی الأعدام و لیست هی بالحقیقة ذواتا و لا أمورا موجودة و إلا لارتكم منها فی الشی‌ء الواحد ما لا نهایة له و لا هی بسیطة بالحقیقة و هذه الأعدام مثل العمی و الظلمة و العجز و السكون و النحو الذی یتصور فیها یتصور بقیاس ما إلی شی‌ء و نسبة فإن العمی لیس إلا لنسبة مخصصة بالبصر فلا تعقل إلا بتركیب و ذلك التركیب هو تركیب بملكة تقابلها و تخصصها كالعمی بالبصر و السكون بالحركة و الظلمة بالنور و مقابلاتها معقولة فی أنفسها.
و أما المحدودات التی التركیب فی معانیها ظاهر فمنها ما أوردناه فی القسم الأول فی الفصل الذی ضمناه أصناف التركیبات و هی التی تتألف حقائقها من حقائق أجناسها و فصولها و هذه فإنما تحد بما یدل به علی ذواتها و الدلالة علی ذوات ما لذاته مقومات تكون من طریق الدلالة علی مقوماته بشرط أن تورد بكمالها فإنه إن خرج منها شی‌ء و وقع به التمییز بالذاتیات لم یقع التعریف لحقیقة الذات فإن حقیقة الذات هی ما هی بجمیع ما تتقوم به فإذا أورد بعض مقوماته فقد أورد بعض ذاته أو بعض معانی ذاته و ما لیس هو یعد ذاته إلا بقرینة فإذا دل علی حقیقة الذات فیدل علی سبیل نقل الذهن من ناقص إلی تام و من شی‌ء إلی لازمه الخارج عنه لا علی سبیل المطابقة التی هی الدلالة باللفظ علی المعنی بنفسه و ذاته.
و یجب أن یكون الغرض من الحد تصور ذات الشی‌ء فإن التمییز یتبعه و أما من كان غرضه التمییز فقد یناله بالرسم و قد یناله بالحد الناقص المذكور و لا نعیقه فیما یؤثره و لكنا نستحب له أن یقصد القصد الأتم و الأفضل.
و الأمور التی یدل علیها بالحد المأخوذ من الأجناس و الفصول هی الأمور التی فیها هذا التركیب و أما الأمور البسیطة و الأمور المركبة غیر هذا النحو من التركیب فإنك لا تجد فیها هذا الحد و ذلك أن البسیطة لا تجد لها دالا علی الماهیة
منطق المشرقیین، ص: 41
تقتضی أجزاؤه اختلاف دلالات بمقومات بل عسی أن تجد له لفظا مفردا أو تجد له رسما ینقل الذهن إلی تصوره علی بساطته و أما الأمور المركبة غیر هذا النحو من التركیب فقد تجد لها حدودا و لكنك لا تجدها مركبة من أجناس و فصول أما أنك تجد لها حدودا فلأنك تجد قولا شارحا لنفس مفهوم الاسم و من مقوماته و أما أنك لا تجدها مركبة من أجناس و فصول فلأن تركیبها لیس من أجناس و فصول.
و یجب أن یتوقع من الحد أن یكون دالا علی ماهیة الشی‌ء و مطابقا لمفهوم اللفظ لیس مأخوذا من أمور لازمة و لاحقة لمفهوم اللفظ یخصه القول المجموع منها و قد ترك ما هو مطابق لمفهوم الاسم و ما علیك بعد أن تفعل هذا أن لا تكون أوردت جنسا و فصلا فیما لا یكون له جنس و فصل و من الذی قد فرض علیك ذلك و أما أمثال هذه التركیبات فمثل حدنا الجسم المأخوذ مع البیاض فإنك تحتاج أن تدل علی حقیقة الجسم و حقیقة البیاض بما تعرف به ذاتهما و تدل علی وجود البیاض منهما للجسم فإذا فعلت ذلك فتراك قد قصرت فی الدلالة علی حقیقة الشی‌ء و انحرفت عنها إلی تعریفها بلوازمها كلها.
و أصناف التركیبات التی من هذا القبیل كثیرة فربما یقع التركیب للشی‌ء مع أحد علله أما الفاعلیة مثل العطاء فإنه اسم لفائدة مقرونة بالفاعل و أما المادیة مثل القرحة فإنه مثلا اسم لبیاض مقرون بموضع مخصوص و هو جبین الفرس و أما الصوریة مثلا مثل الأفطس فإنه اسم لأنف متصور بالتقعیر و أما الغائیة مثل الخاتم فإنه اسم لحلقة مقرونة بما هو كمال لها و غایة من التجمل بها فی الإصبع و لا یجب الآن أن یناقش فی الأمثلة إذا انكشفت جلیة الحال فیها عن خلاف ما و ربما وقع التركیب مع معلولاته مثل الخالق و الرازق و غیر ذلك.
و قد یكون ضرب من التركیب بین أشیاء لا هی علل بعضها لبعض و لا معلولات.
و ربما كانت متشابهة كتركیب العدد من الآحاد و ربما كانت مختلفة كتركیب البلقة من سواد و بیاض و ربما كان التركیب بین أول بسائطها یقتضی استضافة تركیب آخر معنوی إلیها مثل التركیب لأجزاء السریر فإنه لا یتم السریر بتركیب
منطق المشرقیین، ص: 42
أجزاء الخشب ما لم یكن معها ترتیب و مثل التركیب للأستقصات فی الكائنات فإنه لا یتم الكائن منها بتركیب أجزاء الاستقصات ما لم یكن هناك معها استحالة و امتزاج و إذا حققت كان مثل ما أوردناه من الترتیب و الاستحالة أحد أجزاء المركب فی المفهوم و إن لم یكن جزءا أولا قائما فی نفسه بل كان مع توابع الأجزاء الأولی القائمة فی أنفسها و سنورد فیما یستقبلك إشارات إلی أحكام فی حدود أمثال هذه المركبات.
و من عادة الناس أن لا یفطنوا لكون مثل الترتیب و الاستحالة أجزاء للمفهومات إذ لا یجدونها متمایزة منفردة كما من عادتهم أن لا یفطنوا أن مثل العدمیات و مثل الإیجاب و القبول و مثل الأبوة النفسیة و الملكیة معان فیها تركیب.
و هذه الأشیاء التی أشرنا إلی أنها الأشیاء التی منها التركیب لا یسع الإخلال بشی‌ء منها فی تحدید ما یركب منها و إیراد القول المرادف لاسم كل واحد منها و یجب استعمالها أیضا فی الرسوم التی تؤخذ فیها اللوازم الخارجة إذا تألف منها قول مساو و خصوصا العلل الغائیة و كذلك فی الزوائد التی جری الرسم بزیادتها بعد توفیة المفهوم مما ذكرناه فإن العلل الغائیة شدیدة المناسبة للتعریف.
و اعلم أن كل حد و رسم فهو تعریف لمجهول نوعا ما فیجب أن یكون بما هو أعرف من الشی‌ء فإن الجاری مجری الشی‌ء فی الجهالة لا یعرفه و لذلك قد غلط القوم الذین یقولون إن كل واحد من المضافین یعرف بالآخر و لم یعرفوا الفرق بین ما یتعرف بالشی‌ء و بین ما یتعرف مع الشی‌ء فإن الذی یتعرف به الشی‌ء هو أقدم تعرفا من الشی‌ء و الذی یتعرف معه لیس أقدم معرفة منه و كل واحد من المضافین متعرف مع الآخر إذ العلم بهما معا لیس قبل الآخر فی المعرفة حتی یعرف به الآخر و أعنی بالمضافین الشیئین اللذین یعقل كل واحد منهما مقیسا إلی الآخر مثل الابن یعرف مقیسا بالأب و الأب یعقل مقیسا بالابن و إنما أبوة هذا
منطق المشرقیین، ص: 43
و ابنیة ذلك لأجل وضعه إزاء الآخر بل هو نحو وضعه إزاء الآخر لكن الآخر إذا كان مجهولا لم ینفع تعریف الأول به بل احتیج إلی ضرب من الحیلة و تذكیر بالسبب الجامع بینهما فینقدح فی الوقت العلم بكل واحد منهما و بهما جمیعا من حیث هما مضافان انقداحا واحدا أو معا فإنه لا یجب أن یحد الأب فیقال إنه الحیوان الذی له ابن بل یقال إنه الحیوان الذی یولد من مائة أو من صنع كذا منه حیوان مشارك له فی النوع أو الجنس من حیث إن ذلك متولد منه و یقال فی الجار إنه ساكن دار أحد حدوده بعینه حد دار إنسان آخر من حیث هو كذلك فینقدح لك فی الحال المقابلة و المتقابلان معا و یكون التعریف من أشیاء هی أقدم من المعرفة من المتضایفین المجهولین لا یحتاج فی تعریف شی‌ء منها إلی استعمال المحدود أو المتعرف.
و اعلم أن الحد و الرسم بحسب الاسم جار مجری ما یحد و یرسم فإن كان الشی‌ء الذی تستعمله معنی لفظه موردا علی غیر جهة الصواب لم یكن بد أن یطابق به ما یورد من التفهیم و أما حقائق الأشیاء فی أنفسها فتجری مجاریها من الصواب.
و تفصیل هذا أن سائلا لو قال لیحقق لی مفهوم الإنسان الإنسان لم یكن بد من أن یقال له الحیوان الناطق الحیوان الناطق مرتین و لم یكن هذا قبیحا أو محالا بالقیاس إلی السؤال و بحسب وجوب الجواب لأن ذلك الذی سأل عنه هو هذا الذی أجاب به و إن كان هذا بنفسه لا بالقیاس إلی ما هو تفهیمه محالا أو قبیحا أو هذیانا و كذلك إذا سأل عن حد الأنف الأفطس أو شرح اسمه كان الجواب هو أنه أنف هو أنف ذو تقعیر و ذلك أنه أورد لفظ الأفطس مقرونا بالأنف و الأفطس هو اسم لا لكل تقعیر كیف كان بل لما كان من ذلك أنفا و هو اسم یقع علی موضوع مقرون به حال فلم یوجد بد من إیراد الموضوع الذی هو الأنف فی شرح مفهومه و لم یكن هذا قبیحا غیر أن القبیح أو الهذیان قول من یقول أنف أفطس كما هو قبیح و هذیان أن یقول إنسان حیوان أو إنسان إنسان فإن لم یعن بالأفطس أنفا ذا تقعیر بل ذا تقعیر فی الأنف
منطق المشرقیین، ص: 44
كان الذی یجب أن یقال حینئذ إن الأنف الأفطس هو أنف ذو تقعیر فی الأنف و كان أخف شناعة من الأول و إن لم یكن بریئا منها براءة مطلقة و إذا كان الأفطس هو ذو تقعیر فی الأنف جاز أن یسمی الحیوان صاحب الأنف أفطس و إذا عنی به أنف ذو تقعیر لم یجز أن یسمی صاحب الأنف أفطس إلا باشتراك الاسم.
و المشهور عند الناظرین فی صناعة الحدود أن من الأعراض و الصور ما یؤخذ الموضوع فی حده و منه ما لا یؤخذ الموضوع فی حده و یشبهون الأول بالفطوسیة و یشبهون الآخر بالتقعیر و نحن یلزمنا أن نقول فی هذا ما هو القول المعتدل الذی لا تعصب فیه فنقول.
أولا لا شك فی أن الأشیاء التی لها موضوعات اعتبار كون لها فی الموضوع و تعلم أن لنا أن نسمیها من حیث هی كذلك بأسماء و من البین الواضح أن شرح ما كان من الأسماء موضوعا علی هذا الوجه یتضمن الإشارة إلی الموضوع كما أن لنا أن نسمی الموضوعات من حیث لها أعراض و صور بأسماء فنقول مثلا أفطس و أبلق و یحوج أن نورد فی شرح تلك الأسماء إشارة إلی تلك الأعراض و الصور فهذا شی‌ء لا یفترق فیه الحال بین الموضوعات و ما یوجد لها و لا یجب أن یكون تعلق الناظرین فی هذا الشأن مقصورا علی مثل الفطوسیة التی جعلت اسما لتقعیر بشرط موضوع بل یجب أن تعتبر نفوس حقائق الموجودات فی الموضوع هل فیها ما یدخل الموضوع فی ماهیاتها و أن كلیهما مشتركة فی أن الموضوع یدخل فی وجودها علی سبیل علة أو شرط.
ثم أنت تعلم أن الحدود الحقیقیة إنما تصنع من شرائط الماهیة و مقوماتها لا من شرائط الوجود و مقوماته و لذلك لیس یدخل الباری تعالی فی حد شی‌ء و هو المفید لوجود الأشیاء و إذا كان ذلك كذلك فلیس لقائل أن یقول إن اللحمیة مثلا لما كانت لا توجد إلا فی مادة معینة و لیس تصلح لها كل مادة ثم التربیع قد یوجد فی مواد غیر معینة و یصلح لها الذهب كما تصلح لها الفضة و كما یصلح لها الخشب بل تصلح لها كل مادة فمن الواجب أن یكون مقوم اللحمیة بما یتقوم به من المواد خلاف مقوم التربیع و یجب من ذلك أن یكون تحدید التربیع مستغنیا عن الإشارة إلی المادة و تحدید اللحمیة مفتقرا إلیها فإن التعلق بالشی‌ء فی الوجود
منطق المشرقیین، ص: 45
أمر غیر التعلق بالشی‌ء فی المفهوم.
و اعلم أنك لست تطلب فی التحدید إلا المفهوم و إذا كان مفهوم ذات الشی‌ء غیر مقتضی الالتفات إلی شی‌ء آخر فتحدیده كذلك و إن كان وجوده متعلقا بشی‌ء آخر كالسواد مثلا تخصص ذات غیر ذات الموضوع و له مفهوم بما یتخصص به علی نحو ما یتخصص به فلیس بواجب من الضرورة أن یكون تفهمه مقتضیا بتفهم شی‌ء آخر إذا تفهم من حیث حقیقته فی نفسه و القوم أنفسهم یقولون إن العرضیة من لوازم الأمور التی هی الأعراض لیس من مقوماتها فلا یجب إذن أن یلتفت إلیها فی حدودها إن وجد لها حدود و إذا لم یلتفت إلیها لم یلتفت إلی المعروض له إلا أن یكون هناك اعتبار آخر فتبین أن دعواهم لیس تصح من نفس ما یثبتون به دعواهم اللهم إلا أن تكون من الأعراض أعراض تكون موضوعاتها داخلة فی مفهومها و حینئذ هذه الأعراض لا تكون بسیطة بل یكون لها اختصاص مفهوم مخلوط بما یتعلق بالموضوع فتكون مؤلفة متباینة و لا تطلب بالتركیب شیئا غیر هذا أعنی التركیب الذی یستعمل فی مثل هذا الموضع و یكون مثلها مثل الفطوسیة و یشبه أن تكون الحركة و الاجتماع و ما یجری مجراهما من هذا القبیل لكنا نقول إن الأمور البسیطة لیس لها علی ما علمت حدود و إنما لها رسوم و الرسوم من اللوازم التی لا بد منها تابعة كانت أو كانت متبوعة فی الوجود و إن لم تكن فی الماهیة و ما كان كذلك فإذا أردنا أن نعرف البسائط بلوازمها و مقوماتها فی الوجود كان بالحری أن نعرف الأعراض و الصور بموادها المتعینة و لكن إذا كانت بینة اللزوم فما كان من مقومات الوجود من العلل و الأسباب سواء كانت موضوعات أو غیرها غیر بینة الوجود لم یلتفت إلیها و ما كانت بینة اللزوم دالة علی الشی‌ء منزلة إلیه ممیزة له استعملناها ضرورة فاحتجنا لذلك فی شرح مفهوم كثیر من الأعراض و الصور إلی إیراد الموضوعات و العلل بل لم نستغن عن ذلك لأنا مضطرون إلی تعریفها بالمقومات لوجودها و سائر لوازمها و ما یقال لك فی هذا الباب من غیر هذا الوجه فلا تلتفت إلیه فالموضوعات و الأفعال الصادرة و الغایات التی للأشیاء تدخل فی شرح المفهوم علی هذا الوجه و كل شی‌ء
منطق المشرقیین، ص: 46
تستعمل فیه هذه فهو بالحقیقة رسم غیر حد لكن بعضه أشد مناسبة للحد من بعض و اعلم‌

فصل فی امتحان المحمول‌

نرید أن نخص امتحانات تعصم الذهن عن الغلط فیما هو محمول أو غیر محمول و فیما هو ضرب من المحمولات أو لیس ذلك الضرب من جهة مراعاة ما یتعلق من ذلك بالتصور و بسداده أو غلطه.
فأما القوانین التی تقتنص منها القضیة بإیجاب المحمولات و بسلبها و اكتساب التصدیق فیها فذلك غیر ما نحن فیه الآن فنقول إن السهو و التقصیر الذی یقع فی التصور للمحمولات علی وجهین منها ما یزیغ الذهن عن المحمول إلی غیر المحمول و عن المسلوب إلی غیر المسلوب لیسوء التصور و منها ما یقصر به عن التصور الفاصل البری‌ء عن جهة فیقع فیها الغلط فیما یتبع ذلك التصور.
و لنبدأ بالقسم الأول فنقول إن الذهن یزیغ عن تصور المحمول بسبب انحرافه إلی غیره مما هو فیه بشأن و یكون منه علی حال لا یكاد یمیز بینه و بین المحمول و لیس كلامنا الآن فیما یقع باشتراك الاسم حین نظن المشارك فی الاسم مشاركا فی المعنی بل فیما هو مناسب فی المعنی فمن ذلك أن تأخذ بدل الشی‌ء سببه مثل أن
منطق المشرقیین، ص: 47
تقول إن الوجع یفرق الاتصال و إنما یفرق الاتصال بسبب الوجع و لیس محمولا البتة علی الوجع و كذلك إذا قال إن الشك مساوی الإنكار و كذلك إذا حمل الشی‌ء علی سببه الغائی أو عكسه مثل أن تقول إن الاستكنان هو الابتناء و الاستیلاد هو النكاح أو تقول إن التوحید هو العقل و إن الملك هو العدل أو حمل علیه سببه المادی كمن یقول إن الإنسان هو لحم و عظم و إن الكرسی هو عود أو حمل علیه سببه الصوری مثل أن تقول إن الإنسان تمكن من التمییز و إن الروح حرارة غریزیة و من هذه الأبواب قولهم للطف السرقة ذكاء و الذكاء هیئة للقوة التی هی سبب السرقة و كذلك قولهم للسرقة قدرة علی الأخذ سرا و أیضا قولهم إن الحلم تمكن و اقتدار من الصبر علی الغیظ.
و من ذلك أن تأخذ بدل الشی‌ء معلوله و هو عكس هذه الأبواب و من هذا الباب قولهم إن قوة الحس استحالة جسمانیة و إن العقل إدراك صحیح.
و من ذلك أن تجعل المقارن الذی لا ینفك عنه الشی‌ء و إن لم یكن علة و لا معلولا محمولا علی الشی‌ء كمن یقول إن الغیظ غم من كذا و ربما كان المقارن سابقا متقدما ثم یتبعه المحمول مثل الحال فی محمول من یقول إن الاستبصار و التصدیق ظن أو السیل نزلة أو النافض برد أو العشق غم.
و من ذلك أن یحد الشی‌ء بصدق مطلقا أی أنه لا یخلو من صدق فتستعمله صدقا كیف كان مثل أن یحد اللون مبصرا بالقوة فی الظلمة و هذا إذا كان إطلاق الحمل بمعنی أنه غیر مسلوب عن كل واحد أو لواحد من كل وجه و أما إذا كان إطلاقه بمعنی أنه موجب لكل واحد أو لواحد من كل وجه فلا یلتفت إلی ما یقال من أنه قد یصدق مطلقا و لا یصدق مقیدا إن قیل.
و من ذلك أن تأخذ العارض مكان المعروض علی سبیل العكس مثل أن ترید أن تحمل علی العشق محبة مفرطة فتحمل علیه إفراط المحبة و إفراط المحبة صفة للمحبة لا نفس المحبة و العشق نفس المحبة.
منطق المشرقیین، ص: 48
و من هذا الباب أن تجعل التركیب مكان المركب مثل أن تقول الحیوان تألیف نفس و بدن و اللحن تألیف نغمة متفقة بإیقاع و الأول هو المؤلف من النفس و البدن لا التألیف و الثانی هو المؤلف من النغمة المتفقة لا التألیف.
و أما وقوع الحمل غیر ملخص عند التصور تلخیصا یعصمه من الغلط فیما یبنی علیه فمثل أن یكون من شرط المحمول فی حقیقته أو من كمال تحققه أن یقرن به شرط و قد أغفل و ذلك الشرط إما إضافة أو حال ما بالطبع و إما من جهة اختلاف جزء و كل أو زمان أو مكان أو مقارنة كیفیة أو حصول مقدر أو فعل و انفعال أو اعتبار قوة و فعل أو اعتبار مقارنة فاعل أو اعتبار مقارنة منفعل مثال ذلك أن زیدا هو أب لا مطلقا و لكل شی‌ء و لكن لعمرو یجب أن تراعی الإضافة إلی ما یعادلها فیكون أبو الابن لا أبو الصبی و كل إنسان ذو رجلین لكن لا مطلقا بل بشرط اقتضاء الطبع أی لو ترك و طبیعته و لم یعارض فی ابتداء الخلقة أو بعده بما یمنع موجب طباعه و البیضانی أبیض لا مطلقا و كیف كان بل فی ریشه و الأرض ثقیلة جدا لا كل جزء منها و لكن كلیتها و الشمس تنضج الثمار و الجرو یعمی لكن فی وقت بعینه أو بقدره فإن الجرو قد لا یبصر بعین ما لم تفتح و لا یقال له أعمی ما لم یكن عدمه للإبصار فی زمان فی مثله یبصر و كذلك قد یقول قوم إن نوعا من الحجارة یحدث عن حك بعضه سحاب ماطر و لكن فیما وراء النهر و الماء قد یبرد إذا لم یكن سخنا و الیبش سم و لكن إذا كان بقدر و الفاجر هو الذی یحب اللذة و لكن بإفراط و الماء قد یحرق و لكن إذا استحال إلی حرارة و كذلك العسل حار و لكن إذا انفعل من طبیعة الإنسان و كل خمر مسكر و لكن بالقوة و الماء قد یجمد و لكن عند البرد كما أن الملح قد یذوب و لكن فی النداوة و أیضا فإن الشمس تحل و لكن للشمع و الشمس تعقد و لكن للبیض و من هذا الباب أن تقول إن الطبیب هو الشافی و الخطیب هو المقنع من غیر أن تلحق شرط الأكثر.
و قد یتأتی أن تنصب امتحانات أو مقاییس و علامات یتنبه الذهن معها إذا غلط فی تصوره فیعود إلی الواجب و هی راجعة إلی اختلاف یقع من الموضوع و المحمول
منطق المشرقیین، ص: 49
فی شی‌ء من أمثال الشرائط المذكورة مثل أن یكون الموضوع من شأنه أن یقال علیه الأقل و الأكثر فیحتمل ذلك علی النوع الذی یحتمل و یكون المحمول بخلاف ذلك فلیس من شأنه البتة أن یقبل ذلك مثل من یقول إن الظن جهل ثم الظن یحتمل ذلك و الجهل لا یحتمل ذلك أو یكون بالعكس فیكون المحمول یحتمله دائما و الموضوع لا یحتمله كمن قال إن العلم ظن فإذا كان المحمول یحتمله لا مطلقا و الموضوع لا یحتمله فلا یجب من هذا شی‌ء فإنه ربما كان المحمول أعم و إنما یحتمله فی بعض أنواعه أو أصنافه دون بعض و یكون هذا الموضوع خارجا من البعض المحتمل أو یكون القول بالعكس كمن قال إن العشق شهوة الجماع و كلما ازداد العشق نقصت شهوة الجماع أو یكونان مختلفین فی شی‌ء من الشرائط التی أوردناها لتحصیل المحمولات مثل حمل التذكر علی التعلم و التعلم تحصیل علم مستقبل و التذكر إعادة علم ماض و لا مناقشة فی المثال و هذا فی الزمان و مثل من حمل الاختیار علی المقدرة و الاختیار بحسب شخص و القدرة بحسب معنی عام و هذا فی الإضافة و مثل من یقول إن الذكر بقاء العلم و الذكر إذا أضیف إلی المذكور و بقاء العلم إنما یضاف إلی العلم و مثل من قال إن الحرارة عقرب و الحرارة حارة و العقرب بارد و هذا فی الكیف أو مثل من قال إن التراب هو الثقیل جدا و الثقیل جدا هو كتلة الأرض و هذا فی الكم و مثل من قال إن النوم ضعف الحس و ضعف الحس فی القوة الحاسة و النوم فی مبدإ القوة الحاسة و المتحركة و هذا فی اختلاف الجزء أو مثل أن الرمد طفو و هذا من الحر و ذلك من البرد و هذا فی اختلاف السبب الفاعلی أو مثل من یقول إن الفطوسیة تقعیر و تلك فی الأنف و هذا فی الوسط و هذا فی اختلاف السبب القابلی أو مثل من یقول إن الخاتم قید و هذا للبس و ذاك للحبس و هذا فی اختلاف السبب الغائی أو مثل من یقول إن التاج إكلیل و هذا فی اختلاف السبب الصوری أو مثل من یقول الباب خشب و هذا فی اختلاف القوة و الفعل.
و مما یلیق بهذه الامتحانات أن یكون الموضوع و المحمول یختلفان فی الثبات
منطق المشرقیین، ص: 50
و خلافه مثل من یقول إن البرقص عقد.
و مما ینبه علی خطإ الحمل أن یكون ما لا وجود له یجعله محمولا مثل من یقول إن المكان خلاء أو بعد مفطور غیر بعد المتمكن فیجعلون ما لیس بموجود محمولا علی الموجود.
و إذا تعدینا هذا المبلغ من الامتحان دخلنا فی غیر اللائق بهذا الغرض‌

فصل فی امتحان العام‌

فصل فی امتحان العام
نتأمّل أول شی‌ء هل المدعی أنه عام محمول أم لا و نتأمّل حال ما حمل علی الشی‌ء علی أنه أعم منه هل یحمل حد الأخص علیه أو علی ما هو أعم منه مثل أن تقول إن المضاف نوع من المقابل من حیث هو مقابل ثم حد المضاف یقال علی كل مقابل و ینظر فی موضوعات الأخص ما لم یحمل علیه الأعم كما یعرض لمن یقول إن الخیر یعم اللذة ثم یوجد من اللذات ما هو ردی‌ء و الأردأ أن لا یوجد الأعم محمولا علی شی‌ء من الأخص مثل ما یعرض لمن یقول إن اللذة بعض الحركات ثم یتفقد الحركات فلا یجد شیئا منها لذة بل یجد اللذة غایة ما لحركة و مطابقة لسكون إن كان كذلك و ربما كان كل موضوع للمحمول هو مجموع للمحمول متساویا و لم یكن أحدهما أعم مثل من قال إن الحركة بعض الانتقالات فإنه یلزمه أن یجعل موضوعات الانتقالات أكثر و لا یجد الأمر كذلك و یقارب هذه الاعتبارات ما یقال من أنه إن كان كل واحد منها یرتفع بارتفاع الآخر كالناطق و الضحاك أو یرتفع ما جعل أعم بارتفاع ما جعل أخص و بالعكس مثل من جعل الواجد أعم من الموجود و لا یوجد الواجد ما لم یكن الموجود.
و مما یجب أن یراعی هل العموم بالاسم أو بالمعنی مثل ما یقال الحی الناطق علی الإنسان و علی الملك فإذا رجع إلی المفهوم اختلف
منطق المشرقیین، ص: 51

فصل فی امتحان الذاتی المقوم‌

نتأمّل هل یحتاج أن یصیر الشی‌ء بحال آخر غیر المحمول علیه لیس أعم منه حتی یوجد له المحمول فإن كان كذلك لم یكن المحمول ذاتیا بمعنی المقوم مثل الشی‌ء إذا أردنا مثلا أن نجعله مساوی الزوایا لقائمتین لم یمكنا أن نغافصه بذلك بل نطلب أن نفعل به شیئا آخر و هو أن نجعله ذا ثلاثة أضلاع فیكون إذن كونه مساوی الزوایا لقائمتین إنما یحمل علیه تابعا لحمل المثلث علیه فلا یكون أول ما یتقوم به شكلا خاصا و إذا أردنا أن نجعله مثلثا لم نفتقر البتة إلی أن نلتفت إلی جعلنا إیاه مساوی الزوایا لشی‌ء و هذا الامتحان یظهر أجود إذا قدم مقوم أعم ثم أردف بالأخص.
و كذلك لا یمكننا أن نجعل الإنسان أو الحیوان أو الزنجی ضاحكا إلا إذا وجدنا له مبدأ التعجب و هو التمییز و إن كان المعنی عاما جدا فاعتبره بحسب أعم الأشیاء و هو الشی‌ء فانظر هل یحتاج الشی‌ء مطلقا فی أن یكون بتلك الحال إلی أن تجعل له حالة أخری قبله و أیضا تنظر هل یمكن أن یتوهم له ضد المحمول و شخصه باق مثل أن الإنسان إن حمل علیه البقاء و الموت علی أنه مقوم ثم یمكن أن یتوهم أن الله یخلده و یدرأ عنه الموت و هو یبقی بعینه ذلك الشخص فیكون إذن كونه مائتا حینئذ غیر مقوم و أیضا هل یمكن أن یتحقق الشی‌ء بماهیته و تجعل له المحمول فإنه إن أمكن ذلك كان المحمول غیر مقوم مثل أن الإنسان قد یتفطن لحقیقته و یحتاج إلی براهین یتبین بها أن بدنه فی هذه النشأة مائت لا محالة فالمائت إذن غیر مقوم له و هذا و إن أشبه الذی قبله فهو غیره لأنه ربما كان المبرهن علیه لا یجوز بعد قیام البرهان علیه و بیان كونه ضروری اللزوم أن یرفع عنه.
و مما یمتحن به أن ینظر هل هذا المقوم مقول علی المتقوم به مطلقا أو بشرط أو جهة فإن من حق المقوم أن یكون مطلقا للذات و أما مثل المحسوس الذی یقال علی الإنسان لا من كل جهة بل من جهة بدنه فهو لازم من لوازم بعض مقوماته
منطق المشرقیین، ص: 52

فی امتحان العرضی‌

امتحانه أن لا یوجد فیه شی‌ء من خواص المقوم فإن وجد فلیس بعرضی و یمتحن العام فیه بامتحان العام مقرونا به امتحان العرضیة

فی امتحان الجنس‌

لا شك أنك یجب علیك أن تعتبر كون الشی‌ء محمولا و أعم مقوما لیس من اللوازم ثم تعتبر كونه جنسا فإذا بطل شی‌ء من الاعتبارات الأولی بطل أنه جنس فإن لم یبطل بقی لك أن تنظر هل یخل بمعنی مقوم مشترك فیه لیس دالا علیه علی سبیل التضمن كمن جعل الحساس أو المتحرك بالإرادة جنسا للإنسان و لیس واحد منهما یتضمن الدلالة علی الآخر و إنما یدل علیه علی سبیل الالتزام فلیس إذن أحدهما أولی من الآخر فی أن یكون جنسا له و یدخله فی هذا أیضا أن تجد شیئین لیس أحدهما جنسا و قد جعل جنسا و ذلك لأن الآخر إن كان ملازما غیر متضمن فقد كان ما ذكرناه و إن كان متضمنا أو متضمنا فالمتضمن أولی أن یكون جنسا فلیس أحدهما لیس أولی من الآخر بأن یكون جنسا و هذا مثل أن تجعل القادر أو المختار جنسا للسارق لا سیما إذا كان الأولی أن تجمع بینهما فیكون مجموعهما أدل علی المعنی المشترك.
و مما یمتحن به أن تنظر هل تحته اختلاف بالفصول فإنه إن كان اختلاف تحته إلا بالعوارض و اللواحق اختلاف أشخاص الناس بعوارضهم فلیس المعنی المقوم جنسا.
و مما یمتحن به أنه هل ما هو جنس مقول علی ذات الشی‌ء قول مقوم غیر الجنس بل قول الفصل لجنسه أو قول فصله نفسه مثل الحساس و الناطق علی الإنسان.
و مما یمتحن به هل یختلف الجنس و النوع فی النسبة إلی الجنس الأعلی علی ما یقولون إن الملكة من أنواع جنس یجعلونه المضاف ثم الشجاعة یجعلونه من أنواع الكیف
منطق المشرقیین، ص: 53
و هذا مما لا یجوز فإن الجنس محمول علی ما تحته سواء كان نوعا أو نوع نوع و حملا مقوما فإنه لا یجوز أن یكون مقوما لنوعه لیس مقوما لنوع نوعه و لا یجوز أن لا یحمل الجنس الأعلی علی النوع الأسفل أو یحمل علی وجه غیر وجه حمل الجنس الأعلی.
و مما یمتحن به أن ینظر هل ما وضع نوعا للجنس هو فصل قائم لأنواع أو هو صنف لأنواع مثال الأول أن یجعل العدد جنسا للفردیة أو الحیوان للناطق و مثال الثانی أن یجعل الحیوان جنسا للذكر أو الأنثی و الذكریة من لوازم أنواع الحیوان لا من الفصول التی تطرأ علی الحیوان أول طروء فتنوعه و أقبح من هذا أن تجعل ما هو أولی بأن یكون نوعا جنسا و ما هو أولی بأن یكون جنسا نوعا كمن قال إن الاتصال جنس الاجتماع و كثیرا ما یغلط فیجعل الفصل جنسا كمن یجعل العشق إفراط محبة و إنما هو محبة مفرطة و كذلك من یقول مثلا إن الفضیلة ملكة محمودة و المحمود كالجنس للفضیلة.
و من هاهنا یمكنك أن تمتحن الفصل أیضا و النوع‌

فی امتحان الفصل‌

أنه قد یقع الخطأ فی الحدود فی استعمال الفصل فیوضع النوع نفسه مكان الفصل فتقول مثلا فی حد التهزؤ أنه شتم مع استخفاف و الاستخفاف لیس فصلا لقسم الشتم بل كالنوع له و ربما أورد فصل الجنس شیئا أقدم من الجنس‌

فی امتحان الخاصة المطلقة

أما الخاصة المفردة التی لیس یراد بها التعریف بل أن تكون محمولة مساویة غیر مقومة فقد تمتحن بامتحانات منها أنه ینظر هل توجد لغیر الشی‌ء فإن وجدت فلیست بخاصة مثل من جعل الإضاءة خاصة للنار و هی موجودة للجرم الحاضر.
منطق المشرقیین، ص: 54
و أیضا ینظر هل مقابل الخاصة خاصة المقابل مثل أنه إن كان من خاصة الزوج أن یكون مربعه زوجا فمن خاصة الفرد أن لا یكون مربعه زوجا فأما ما یقال من أن الموضوع إذا جعل خاصة لما لذلك الموضوع لم یجز مثل من یجعل الإنسان خاصة للضاحك أو یجعل الأرض خاصة للثقیل المرسل فقول لا محصول له فإن حمل الإنسان علی الضاحك حق و لیس بجنس له و لا فصل و لا عرض عام و لا حد و لا رسم فانظر ما ذا یجب أن یكون و أما أن أحدهما أحق بالحمل من الآخر فهو فی غیر ما نحن بسبیله.
و من التقصیر فی الخاصة أن یستعمل فی الخاصة الأغلب و الأكثر فیقال مثلا إن من خاصة النار أنها ألطف الأجسام العنصریة و لو لم تكن النار موجودة لكان یوجد ألطف الأجسام و لم یكن نارا اللهم إلا أن یعنی ألطف الأجسام الممكنة أن توجد عنصرا فیكون حینئذ القول صحیحا و یكون خاصة من الجهة التی نتكلم فیها و إن لم یكن خاصة من جهة التعریف المطلق لا بحسب من عرف بالبرهان ذلك و ذلك عسیر

فی امتحان یعم الخاصة المفردة المعرفة فی شرح الاسم‌

ینظر حتی لا یكون ما أورد علی أحد الوجهین أخفی من المعرف أو مثله فی الخفاء و إنما یكون أخفی من المعرف إما لأنه لا یعرف إلا بالمعرف و إما لأنه مع كونه مستغنیا عن المعرف به فی تعریفه صعب التعریف فی نفسه مثال الأول قول من عرف الشمس بأنها كوكب النهار ثم لا یمكن أن یعرف النهار إلا بأنه زمان طلوع الشمس و كذلك قول من یقول إن الحیوان هو الذی نوعه الإنسان و مثال الثانی قول من یعرف النار بأنها جرم یشبه النفس و ربما كان وجود الخاصة أخفی من وجود المعرف بها مثل ما فی هذا المثال أیضا من قیاس النفس إلی النار
منطق المشرقیین، ص: 55
و مثال المساوی فی الخفاء المتضایفات و المتضادات و أشباه ذلك فإنه لیس تعریف الابن بالأب أولی من تعریف الأب بالابن و كأنك عرفت ما یغلط به فی هذا و كذلك لیس تعریف السواد بالبیاض أولی من تعریف البیاض بالسواد و الأولان یعرف كل واحد منهما مع الآخر لا بالآخر و لا قبله و الثانیان یعرف كل واحد منهما من غیر الآخر لا بالآخر و لا قبله و من الخطإ أن یكون قد عرف الشی‌ء بنفسه و هو لا یشعر كمن یعرفه باسم آخر مرادف مثل أن یقول إن الإنسان حیوان بشر أو عرف الفرد بأنه عدد وتر أو قال الشهوة توقان إلی اللذیذ

فی امتحان یخص شرح الاسم و یعم جمیع أنواعه‌

فمن ذلك ما یتعلق بمراعاة الجودة و الصفة و من ذلك ما یتعلق بالغلط فی الواجب الضروری.
أما المتعلق بالجودة و الصفة فمثل أن یكون أهمل الجنس و بخس التعریف حقه علی ما علمت فإن من حق الجنس أو ما یجری مجراه أن یورد فی الرسوم و شروح الأسماء ثم یتبع بما بعد ذلك من خواص و أعراض أو فصول و مقومات و ینظر هل استعمل الألفاظ ملائمة لیس فیها استعارة أو مجاز أو لفظ فهمه أصعب من فهم اسم المشروح اسمه و ینظر أیضا هل فیه زیادة لا یحتاج إلیها لا بسبب المساواة و لا بسبب التعریف و الاستظهار فیه مثل قول القائل فی تعریف البلغم بالقول إنه أول رطوبة منهضمة فی المعدة و لا نجد للأول هاهنا فائدة البتة و كذلك لو قال قائل إن العمی هو عدم البصر بالطبع فإنه لا فائدة هاهنا لقوله بالطبع لأن عدم القوة یكون من طبع الشی‌ء و وجود القوة یكون له من غیره.
و من التفریط و التقصیر أن یكون عرف الشی‌ء الوجودی بالعدم كمن یعرف القدرة بأنها فقدان العجز و البصر بأنه فقدان العمی و قد علمت ما فی ذلك من الخطإ
منطق المشرقیین، ص: 56

فی امتحان الحد

إن امتحانات المحمول و المقوم و الخاص و شرح الاسم كلها تعتبر فی باب الحد و تخصه امتحانات فمن ذلك أن تنظر هل أجزاء الحد أمور أقدم من المحدود و إلا فلیس الحد بالحد المحض لأن الحد المحض یكون بالمقومات.
و یقرب من هذا أن یكون قد أخذ الأمور اللازمة مقام المقومات.
و من ذلك القبیل أن تأتی بالفصل سلبا محضا لا یشتمل علی دلالة محصلة فإنك قد علمت أن السلوب لوازم لا مقومات كمن یحد الخط بأنه طول بلا عرض.
و من ذلك أن تنظر هل وضع بدل الجنس ذاتیا آخر أو بدل الفصل ذاتیا آخر و هذا مما یتعلق بامتحان الجنس و الفصل.
و من ذلك أن تنظر هل وضع فیه أقرب الأجناس فإنه لا بد من أن یترتب فیه الجنس الأقرب لیشتمل علی جمیع المقومات المشتركة ثم یؤتی بالفصل.
و من ذلك أن تنظر هل أورد كل فصل قریب إن كان للشی‌ء فصول مقومة معا مثل الحساس و المتحرك بالإرادة فإنه لیس أحدهما أولی بأن یدل به علی النوع من الآخر.
و قد تختص بحدود الأشیاء المركبة امتحانات مثلا إذا فرضنا أن العدالة مركبة من العفة و الشجاعة و الحكمة فإن الزلل الذی یقع فی تحدید مثله أن یقال إن العدالة عفة و شجاعة فإن ظاهر هذا هو أن العدالة عفة و هی أیضا شجاعة كما یقال إن الإنسان حی و ناطق و قد یفهم منه أن العدالة عفة و تلك العفة هی شجاعة أو عفة مقارنة للشجاعة فیكون كأن العدالة عفة بشرط أن تكون تلك العفة شجاعة أو بشرط أن تقترن بالعفة شجاعة فیكون كأنه قال إن العدالة عفة ما و لیس كذلك بل العفة جزء من العدالة أو شرط بل یجب أن یقال إن العدالة هیئة تتبع اجتماع العفة و الشجاعة و الحكمة و العدالة مجموع منها.
منطق المشرقیین، ص: 57
و قد یقع الزلل بسبب بعد هذا السبب و هو أن یذكر الجمع و یشار إلیه لكنه لا یشار إلی الهیئة الخاصة بذلك الجمع الذی لأجل تلك الهیئة الخاصة یكون المركب هو ما هو مثل أن یقال إن البیت مجموع لبن و طین و خشب و یقتصر علیه فإنه لا یكون قد عرف البیت فإنه لیس كل مجموع من هذه الأصول بیتا بل ما كان مجموعا علی هیئة و رصف و ترتیب و مما یناسب ذلك أن تذكر معیة الأجزاء من غیر بیان ما فیه المعیة و ما بالقیاس إلیه المعیة.
و من الزلل فی ذلك أن یشار إلی التركیب فیجعل مكان المركب فیقال مثلا أن البیت تركیب من لبن و خشب و طین و لیس البیت تركیبا بل المركب و التركیب صفة لأصول البیت.
و من الزلل فی ذلك أن یجمع ما لا یجتمع مثل قول من یحد السطح بأنه خط و عدد أو یكون الكل فی غیر أجزاء كمن یقول إن العدالة فی الشهوة و الغضب و لیس كذلك بل فی الناطقة و یشبه هذا أن یكون للكل موضع واحد و للأجزاء مواضع تفاریق مثل من یقول إن الإبصار مجموع لون و إدراك و یقرب منه أن یكون الكل موجودا و إن رفعت الأجزاء بلا عكس أو یكون المركب من ضدین و لیس دون كل واحد منهما و یكون أمیل إلی كل طرف عن كل طرف و یقرب منه أن یكون بعض ما أورد جزءا خارجا عن الكل مثل غایة أو فاعل أو غیر ذلك مثل أن یقال إن الرمی إرسال سهم مع إصابة

فی تعریف الاسم و الكلمة و الأداة و القول‌

إنه قد یحتاج فی انتقالنا إلی الكلام فی التصدیق إلی معرفة هذه الثلاثة فالاسم كل لفظ مفرد یدل علی معنی من غیر دلالة مبنیة علی الزمان الذی یقارن ذلك المعنی من الأزمنة الثلاثة مثل زید.
و أما الكلمة فهی التی تكون فی كل شی‌ء كالاسم إلا أنه یدل علی الزمان
منطق المشرقیین، ص: 58
المذكور مثل قولك ضرب فإنه یدل علی معنی هو الضرب و علی شیئین آخرین أحدهما نسبته إلی موضوع غیر معین و الثانی وقوعه فی زمان خارج عنه هو ماض و أما أمس فلیس یدل علی شی‌ء و علی ذلك الزمان الخارج بل الشی‌ء الذی یدل علیه نفس الزمان و أما التقدم فلیس یدل علی معنی و علی زمان مقارن له بل علی زمان هو داخل فی حقیقة نفس ذلك المعنی فكذلك أمس و التقدم اسم.
و أما الأداة فهی اللفظة التی لا تدل وحدها علی معنی یتمثل بل علی نسبة و إضافة بین المعنی لا تحصل إلا مقرونة بما أضیفت إلیه مثل فی و لا فلذلك إذا قیل زید فی لم یكن نافعا فی معنی ما لم یقل فی الدار.
و أما القول فهو كل لفظ مؤلف لجزئه معنی و منه قول تام و منه قول غیر تام.
و القول التام هو الذی كل جزء منه دال دلالة محصلة مثل المؤلف من الأسماء وحدها أو من الأسماء و الأفعال.
و الناقص ما هو مؤلف من جزءین جزء منه غیر تام الدلالة و جزء تام الدلالة مثل المؤلف من أداة و شی‌ء آخر مثل قولك لا إنسان أو فی الدار و قولك ما صح فإن هذه قد ألحق بالدال منها شی‌ء ناقص الدلالة فلم یرفعه عن درجة البساطة رفعا كبیرا و كذلك إذا قلت زید فقدمت أداة تجی‌ء لمعنی لا محالة مقرونة بزید فهذه لیست أقوالا تامة و لكنها فی جملة الأقوال لا محالة.
و هاهنا ألفاظ تستعمل تارة استعمال المفردات التامة الدلالة و تارة استعمال المفردات الناقصة الدلالة مثاله إذا قلت هو أو موجود فقد تدل به دلالة الاسم ثم تقول زید هو كاتب و موجود كاتب فتستعمله تابعا و رابطة لو وقفت علیها لم یكن القول تام دلالة القول حین لم ترد بهو و الموجود ما یراد بالاسم بل أردت به تابعا للفظ آخر یحتاج أن یقال مثل ما تقول زید علی و فی و كذلك تقول تارة زید كان و ترید بكان وجوده فی نفسه فیكون الكلم تاما
منطق المشرقیین، ص: 59
و تارة تقول زید كان كاتبا فتدخل كان علی أنها تابعة و رابطة.
فقد بان أن بعض الأسماء و الأفعال قد یدل بها دلائل ناقصة فإنك إذا قلت كان كاتبا لم تدل بالكون علی المعنی بل بالكتابة لكنك دللت علی زمان لشی‌ء لم تذكره بعد و أمثالها تسمی كلمات زمانیة
منطق المشرقیین، ص: 60

القول فی التصدیق‌

فی أصناف القضایا

إن المعانی و الألفاظ المفردة و اللائی فی حكم المفردة و هی التی یصح أن یدل علی مقتضاها بلفظ مفرد قد یعرض لها ضروب من التألیف لیس كلها موجها نحو التصدیق أو التكذیب توجیها أولیا بل كثیر منها یوجه نحو أغراض أخری فإنك إذا قلت أعطنی كتابا لم تجد الفحوی الأول من هذا القول یناسب الصدق أو الكذب و إن كان له فحوی آخر بضرب من دلالة الحال و الانتقال من فحوی إلی فحوی مناسبة للصدق و الكذب لأنك قد تستشعر من هذا أنه مرید للكتاب و كذلك إذا قال لعلك تأتینی أو لیتك تأتینی و هل عندك بیان لكذا أو ما یجری هذا المجری فإن جمیع ذلك خال عن فحوی أول یناسب الصدق و الكذب و إن كان لا یخلو عن فحوی ثان یناسبه فأما إذا قلت زید كاتب لم تجد له فحوی أولا إلا ما هو صادق أو كاذب أی لا تجده إلا و الأمر مطابق للمتصور من معناه فی النفس فتجد هناك تصورا مطابقا له الوجود فی نفسه و إنما یكون التصور صادقا إذا كان كذلك و إنما یصیر مبدأ للتصدیق فی أمثال هذه المركبات إذا كان اعتقد مع التصور هذه المطابقة.
و هذا القسم من القول و المعنی المؤلف یسمی قضیة و یسمی قولا جازما و أصنافه الأولی ثلاثة لأن الأحكام التی تناسب التصدیق ثلاثة فإنه إما أن یكون الحكم فیه بنسبة مفرد أو ما له حكم المفرد إلی مثله بأنه هو أو لیس هو مثل قولك الجسم محدث أو لیس بمحدث و من عادة قوم أن یسموا هذا حملیا.
و إما أن یكون الحكم فیه بنسبة مؤلفة تألیف القضایا إلی مثلها و قوم یسمون جمیع هذا شرطیا لكنه قسمان فإنه إما أن تكون النسبة نسبة المتابعة و اللزوم و الاتصال مثل قولك إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود فإن قولك الشمس
منطق المشرقیین، ص: 61
طالعة قضیة فی نفسه و قولك فالنهار موجود قضیة أیضا و قد وصلت إحداهما بالأخری و من عادة قوم أن یسموا هذا القبیل شرطیة متصلة و وضعیة.
و إما أن تكون النسبة نسبة المفارقة و العناد و الانفصال مثل قولك إما أن یكون هذا العدد زوجا و إما أن یكون هذا العدد فردا فإن قولك هذا العدد زوج و قولك هذا العدد فرد كل فی نفسه قضیة و قد قرن بینهما مباینة و معاندة و محاجزة و من عادة قوم أن یسموا هذا القبیل قضیة شرطیة منفصلة.
و كان الواجب بحسب لغة العرب أن تكون الشرطیة هی المتصلة فإنك تجد هناك شرطا موضوعا و جزءا مرادفا لكنهم یسمون المنفصلة أیضا شرطیة و كأنهم یعنون بالشرطیة ما یلحق فیه بقضیة من القضایا زیادة تحرفها عن أن تكون قضیة و تجعلها جزء قضیة أ لا تری أنه كان قولك الشمس طالعة قولا صادقا أو كاذبا فلما ألحقت به الزیادة فقلت إن كانت الشمس طالعة فحرفت القضیة فصارت غیر قضیة حین زال عنها أن تكون صادقة أو كاذبة و كذلك كان قولك النهار موجود قولا صادقا أو كاذبا فلما ألحقت به الزیادة فقلت فالنهار موجود فحرفت القضیة فصارت غیر قضیة فإن قولك فكان كذا مع الفاء إذا لم تلغ و عنی بها معنی لا صادق و لا كاذب و كذلك قولك هذا العدد زوج و قولك الآخر هذا العدد فرد قد حرف كل واحد منهما إلحاق لفظة إما به عن أن یكون صادقا أو كاذبا.
و كل واحد من هذه الأجزاء الأربعة قد تهیأ بما ألحق به لأن یكون جزءا قضیة تهیؤا یصیر النفس نازعة إلی الجزء الآخر فكان من شرط كل واحد من أجزاء هذه القضایا فی أن یتم بها الكلام أن یردف بالآخر لكن المقدم من المتصل مقدم فی نفسه و التالی فیه تال فی نفسه لا بالوضع و لا كذلك فی المنفصل بل ذلك فیه بالوضع و قد عرفت أنهما و إن كانا مؤلفین من أكثر من قضیتین فقد استحالت القضیتان فیه عن أن تكون فی نفسها قضیة فلیس تألیفهما من قضایا هی بالفعل قضایا بل قد استحالت فیها القضایا عن أن تكون قضایا بالفعل استحالة صلحت بها لأن تصیر أجزاء ما
منطق المشرقیین، ص: 62
یكون فی نفسه قضیة واحدة بالفعل و كل متصلة قضیة واحدة بالفعل و كل منفصلة أیضا قضیة واحدة بالفعل إلا أن تركیبها من قضایا قد استحالت بسبب التركیب عن كونها قضیة و إذا أزیل عنها التركیب بقیت قضایا مجردة و لا كذلك أجزاء القسم الأول من أقسام القضیة.
و ذلك القسم الأول قد وجد بحسب لغة العرب اسما یلیق به فلنسم كما سموا و لنسم المتصل المجازی و لنسم المنفصل كما سموا.
و نجد للحملی جزءین أحدهما حامل و اسمه المشهور الموضوع كقولك فی مثالنا زید و الثانی محمول كقولك فی مثالنا كاتب.
و نجد للمجازی جزءین أحدهما شرط و اسمه المشهور مقدم كقولك فی المثال إن كانت الشمس طالعة و الآخر جزاء و اسمه المشهور تال كقولك فی المثال فالنهار موجود.
و فی كل واحدة من هذه الأجناس إثبات و نفی فالإثبات یسمیه قوم إیجابا و النفی سلبا و الإثبات فی الحملیة أن یحكم بوجود محمول لحامل مثل قولك زید كاتب و النفی فیها أن تحكم بلا وجود محمول لحامل مثل قولك زید لیس بكاتب و الإثبات فی المتصلة المجازیة أن تحكم بإتباع جزاء لشرط مثل قولك إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود و النفی فیها أن تحكم بلا إتباع جزاء لشرط مثل قولك لیس إن كانت الشمس طالعة فاللیل موجود.
و الإثبات فی المنفصلة أن تحكم بانفصال تال عن مقدم مثل قولك إما أن یكون هذا العدد زوجا و إما أن یكون هذا العدد فردا و النفی فیها أن تحكم بلا انفصال تال عن مقدم مثل قولك لیس إما أن یكون هذا العدد زوجا و إما أن یكون منقسما بمتساویین.
و جمیع ذلك قد یكون كلیا و قد یكون بعضیا و قد یكون مهملا.
و الكلی فی الحملی هو أن یكون الحكم الموجب أو السالب حكما علی كل واحد من الموضوع الحامل مثل قولك فی الإیجاب كل إنسان جسم و فی السلب
منطق المشرقیین، ص: 63
لیس أحد من الناس بطائر و فی المجازی هو أن یكون الجزاء جزاء لكل فرض للشرط مثل قولك كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود و فی السلب بخلافه مثل أن تقول لیس البتة إذا كانت الشمس طالعة فاللیل موجود و فی المنفصل هو أن یكون انفصال التالی فی الموجب صادقا عند كل فرض للمقدم مثل قولك دائما إما أن یكون هذا العدد زوجا و إما أن یكون فردا و فی السلب كاذبا عند كل وضع له كقولك لیس البتة إما أن یكون هذا العدد زوجا و إما أن یكون منقسما بمتساویین.
و البعضی الجزئی فی الحملی هو أن یكون الحكم إنما حكم به إیجابا كان أو سلبا علی بعض ما یوصف بالموضوع الحامل مثل قولك فی الإیجاب بعض الناس كاتب و فی السلب بعض الناس لیس بكاتب و فی المتصل أن یكون الإتباع محكوما به فی الإیجاب أو محكوما بنفیه فی السلب عن بعض أوضاع المقدم مثل قولك فی الإیجاب قد یكون إذا كانت الشمس طالعة فالجو متغیم أو فالشعری طالع و فی السلب لیس كلما طلعت الشمس فالجو مصبح و فی المنفصل علی قیاسه أیضا أما الإیجاب فمثل قولك قد تكون الحمی إما دقا و إما بلغمیة لازمة و ذلك فی بعض الأحوال حین لا یحتمل غیر الوجهین و فی السلب مثل قولك قد لا تكون الحمی إما دقا و إما ربعا و ذلك فی بعض الأحوال حین تكون نائبیة و فی كل یومین مرة.
و المهمل هو أن تذكر الحكم و لا تذكر كمیته المذكورة التی بها تصیر محصورة بلفظة حاصرة و قد تسمی سورا مثاله فی الحمل أما الموجبة فقولك الإنسان كاتب و أما السالبة فقولك الإنسان لیس بكاتب.
و فی الحملیات قضیة تسمی مخصوصة و هی أن یكون الموضوع أمرا شخصیا واحدا بالعدد مثل قولك فی الإیجاب زید كاتب و فی النفی زید لیس بكاتب و لأن الحملیة أقل القضایا تركیبا فبالحری أن یقدم القول فیها و تحقق أحوالها
منطق المشرقیین، ص: 64

فی تحقیق الموضوع فی الحملی‌

إذا قلت ب ج فمعناه أن ما یوصف بأنه ب و یفرض أنه ب سواء كان موجودا أو لیس بموجود ممكن الوجود أو ممتنع الوجود بعد أن یجعل موصوفا بالفعل أنه ب من غیر زیادة كونه دائما ب أو غیر دائم فذلك الشی‌ء موصوف بأنه ج و علی قیاسه فی السلب.
و اعلم أن الموضوع قد یكون مفردا مثل الإنسان و قد یكون مؤلفا مثل الحیوان الناطق المائت و إنما یكون كذلك إذا كانت قوته قوة المفرد و من المؤلفات ما یكون جزء منه حرفا فی مثل قولك غیر بصیر أو لا بصیر فإن لك أن تضع بدله لفظا مفردا كالأعمی و كذلك لك أن تجعله محكوما علیه بالإیجاب و السلب‌

فی تحقیق المحمول فی الحملی‌

إذا قلت ب ج فمعناه أن كل ما یوصف ب ب فذلك الشی‌ء موصوف بالفعل أنه ج من غیر زیادة أنه موصوف به دائما أو غیر دائم أو عند ما یوصف بأنه ب أو وقتا آخر معینا كان أحد الوقتین كالكسوف للقمر أو غیر معین كالنفس للإنسان فإن جمیع هذا یدخل تحت قوله موصوف بأنه ج لأن هذا أعم من كونه موصوفا دائما أو غیر دائم و من كونه موصوفا بذلك عند ما یوصف ب ب أولا عند ذلك فقط و كل ما یزاد علی هذا فهو أخص من هذا و إن كان لفظ لغة ما یوجب ذلك أو یوجب أنه یكون للوقت الحاضر فتكون تلك اللغة لیس فیها حمل كما یستحقه المعنی نفسه بل أخص منه و كذلك القول فی السلب.
منطق المشرقیین، ص: 65
و تكاد اللغات تقتضی فی عادتها إذا قیل ب ج أنه ج عند ما یوصف ب ب فیسمی ما یقتضیه المعنی نفسه قضیة مطلقة فإن اشترط فیها فی النفس ما یخرج الضروریة الحقیقیة التی نذكرها منه و یعم جمیع ما لا یكون الحكم فیه صحیحا ما دام الذات موجودة بل وقتا ما أو بشرط و حال وجودیة.
و الناس لا یفرقون فی زماننا بین المطلقة و الوجودیة و ما یكون المفهوم منه أن ب ج ما دام موجود الذات ضروریة و ما یكون المفهوم منه ما دام موصوفا بأنه ب لازمة فإن اشترط ذلك فیما لا یلزم ما دامت الذات موجودة كانت مباینة للضروریة فلتخص باسم اللازمة المشروطة و بینهما فرق فإنه فرق بین قولك المنتقل متغیر ما دام موجود الذات أی الشی‌ء الموصوف بأنه منتقل فإنه متغیر ما دام موجود الذات و بین قولك إن الشی‌ء الموصوف بأنه منتقل متغیر ما دام منتقلا و كیف لا و الأولی كاذبة و الثانیة صادقة و لنسم ما یكون المفهوم منه فی كونه موصوفا ب ب من غیر دوام ذلك طارئة و لنسم ما یكون له وقت معین متی كان مفروضة و ما كان وقته غیر معین منتشرة و لنسم ما یكون المفهوم منه أنه كذلك فی الوقت الحاضر وقتیة لیشترك جمیع ما یخالف الضروری فی أنه وجودی و كذلك فافهم فی السلب.
و قد یكون المحمول أیضا مفردا و یكون مؤلفا علی نحو ما قیل فی الموضوع‌

فی تحقیق القضیة الحملیة بأجزائها

إذا قلت ب ج فمعناه أن كل ما یوصف ب ب فذلك الشی‌ء موصوف بالفعل أنه ج من غیر زیادة أنه موصوف به دائما أو غیر دائم أو عند ما یوصف بأنه ب أو وقتا آخر معینا كان أحد الوقتین كالكسوف للقمر أو غیر معین كالنفس للإنسان فإن جمیع هذا یدخل تحت قوله موصوف بأنه ج لأن هذا أعم من كونه موصوفا دائما أو غیر دائم و من كونه موصوفا بذلك عند ما یوصف ب ب أولا عند ذلك فقط و كل ما یزاد علی هذا فهو أخص من هذا و إن كان لفظ لغة ما یوجب ذلك أو یوجب أنه یكون للوقت الحاضر فتكون تلك اللغة لیس فیها حمل كما یستحقه المعنی نفسه بل أخص منه و كذلك القول فی السلب.
منطق المشرقیین، ص: 65
و تكاد اللغات تقتضی فی عادتها إذا قیل ب ج أنه ج عند ما یوصف ب ب فیسمی ما یقتضیه المعنی نفسه قضیة مطلقة فإن اشترط فیها فی النفس ما یخرج الضروریة الحقیقیة التی نذكرها منه و یعم جمیع ما لا یكون الحكم فیه صحیحا ما دام الذات موجودة بل وقتا ما أو بشرط و حال وجودیة.
و الناس لا یفرقون فی زماننا بین المطلقة و الوجودیة و ما یكون المفهوم منه أن ب ج ما دام موجود الذات ضروریة و ما یكون المفهوم منه ما دام موصوفا بأنه ب لازمة فإن اشترط ذلك فیما لا یلزم ما دامت الذات موجودة كانت مباینة للضروریة فلتخص باسم اللازمة المشروطة و بینهما فرق فإنه فرق بین قولك المنتقل متغیر ما دام موجود الذات أی الشی‌ء الموصوف بأنه منتقل فإنه متغیر ما دام موجود الذات و بین قولك إن الشی‌ء الموصوف بأنه منتقل متغیر ما دام منتقلا و كیف لا و الأولی كاذبة و الثانیة صادقة و لنسم ما یكون المفهوم منه فی كونه موصوفا ب ب من غیر دوام ذلك طارئة و لنسم ما یكون له وقت معین متی كان مفروضة و ما كان وقته غیر معین منتشرة و لنسم ما یكون المفهوم منه أنه كذلك فی الوقت الحاضر وقتیة لیشترك جمیع ما یخالف الضروری فی أنه وجودی و كذلك فافهم فی السلب.
و قد یكون المحمول أیضا مفردا و یكون مؤلفا علی نحو ما قیل فی الموضوع‌

فی تحقیق إیجاب الحملی‌

قد فهمت ذلك فی الأمثلة المذكورة

فی تحقیق السلب الحملی‌

اعلم أنك تحتاج فی السلب أن تسلب العلاقة التی بین المحمول و الموضوع فلذلك إن كانت القضیة ثلاثیة إذ قد ذكر فیها الرابطة تحتاج أن تلحق حرف السلب بالرابطة فتقول زید لیس هو بعاقل فإن لم تفعل هذا بل قلت زید هو لیس بعاقل دخل هو بین زید و بین لیس بعاقل دخول رابطة الإثبات فجعل الحكم إثبات الداخل فیه حرف النفی فأثبت اللاعاقلیة علی زید لأن هو للربط لا لفصل الربط فهذا هو الذی نعرفه فی هذا الموضع.
و أما هل هذا الإثبات یخالف فی الفحوی لذلك السلب أو لا یخالفه و یلازمه فی الصدق و الكذب فهو بحث آخر.
و لیس یجب إذا كانت إحدی القضیتین مخالفة للأخری فی الإثبات و النفی أن لا یكون بینهما تصادق و ترافق و تلازم و لا التصادق و التلازم یقتضی أن یكون حكمهما فی جمیع الوجوه مختلفا فكثیرا ما تلزم موجبة سالبة و سالبة موجبة لزوما معاكسا و غیر معاكس.
لكنك یجب مع ذلك أن تعلم أن المحال الوجود یكذب علیه مثل هذا الحكم الثانی فإن محال الوجود لا یحكم علیه بإثبات البتة و هو وجود حكم له إلا إذا فرض كأنه لیس بمحال الوجود و كیف یحصل للمحال حاصل أی حاصل كان بل إنما
منطق المشرقیین، ص: 67
یصح عنه سلب كل شی‌ء و قد یقبل علیه مثل هذا الحكم لما یوهم ذلك من مطابقته للسلب الحق لكن التحقیق یمنع ذلك.
و أمثال هذه القضایا التی یحكم فیها بإیجاب معنی نفی یسمونها معدولیات و یسمی اللفظ الذی یدل علی خلاف المعنی الوجودی مثل عین الإنسان لفظا غیر محصل و ربما كان فی اللغات لها مواضع استعمالات أخص مما ذكرنا فربما قیل نابینا و عنی به الأعمی عادم البصر و من شأنه أن یبصر فلم یقع علی كل مسلوب البصر و ربما قیل خلاف ذلك اصطلاحات مخصصة بحسب الوضع لا بحسب ما یوجبه الطبع و الذی یوجبه الطبع و نفس الأمر فهو ما قلنا.
و أما إذا كانت القضیة غیر ثلاثیة إنما هی ثنائیة فقط لم تذكر فیها الرابطة استغناء لأن محمولها كلمة أو اسم مشتق اشتقاقا یتضمن النسبة المذكورة علی حسب اللغة أو لم تذكر اختصارا فإن حرف السلب لا یقرن إلا بالمحمول و لیس مرادنا فی هذا الموضع أنك یجب فی كل موضع أن تقرن حرف السلب بالرابطة أو بالمحمول بل نقول إن النفی هو ذلك فإذا لم یكن لهما تابع آخر قرنت بهما و إن كان لهما تابع قرنت بما یكون قرنه به أولی علی ما سنصفه فیكون قرنك بذلك الشی‌ء رفعا و سلبا للربط و للحمل أیضا علی الوجه الذی دل علیه الشی‌ء الزائد الآخر إن قرن بالمحمول و الموضوع فإنك ستعلم عن قریب أنه قد یدخل علی هذه الأصول الثلاثة داخل آخر لأغراض و معان
منطق المشرقیین، ص: 68

فی تحقیق الكلی الموجب فی الحملیات‌

أما الكلیة الموجبة المطلقة التی هی أعم فی مثل قولنا كل ب ج فمعناه كل واحد مما یفرض أنه بالفعل من غیر أن یشرط أنه دائم بالفعل أو غیر دائم موصوف بأنه ب فذلك بعینه موصوف بأنه ج بالفعل من غیر بیان شی‌ء.
و أما الكلیة الضروریة فمثل قولك بالضرورة كل ب ج أی كل واحد مما یوصف بالفعل بأنه ب سواء كان یوصف دائما أنه ب أو غیر دائم أنه ب فهو موصوف أنه ما دام ذاته موجودا فهو ج مثل قولك بالضرورة كل متحرك جسم.
و أما اللازمة فهو مثل قولك كل ب ج بضرورة قلت أو لم تقل أی كل موصوف دائما أو غیر دائم بأنه ب فما دام موصوفا بأنه ب لا ما دام ذاته موجودا فإنه موصوف أیضا بأنه ج.
و أما الموافقة فمثل قولك كل ب ج أی عند ما یكون ب فیكون ج من غیر زیادة أنه یكون كذلك دائما ما دام ب أو غیر دائم.
و أما المفروضة فمثل قولك كل قمر ینكسف أو كل كوكب یطلع.
و أما المنتشرة فمثل قولك كل إنسان یتنفس.
و أما الحاضرة فمثل قولك كل إنسان مسلم فی الوقت الذی یكون اتفق ذلك فلا إنسان كافر و لا یبعد أن یصدق فی أمثال هذه القضایا أن یقال كل حیوان إنسان لو كان فی وقت من الأوقات كذلك و شرط هذه القضیة الوقتیة فی الإیجاب أن یكون الموضوع موجودا و أما الوجودیة فما یعم جمیع ما لا ضروریة فیه حقیقة
منطق المشرقیین، ص: 69

فی تحقیق الكلی السالب فی الحملیات‌

اعلم أن المطلقة من السالب الكلی لیس له فی لغتنا لفظ یطابقه و إن تحملنا له لفظا وجدناه قولنا كل إنسان لا یكون كذا و كل ب لا یوجد ج مع أن هذا یوهمنا أنه لا یوجد ج ما دام موصوفا بأنه ب و أما لا شی‌ء من ب ج فهو شدید الإیهام لذلك إذ كان السلب فی القضایا یوهم العموم فی الأشخاص و الأزمان إذا كان منكرا و لیس كذلك فی الإیجاب و ما یجزئ إن كان كذلك إذ كان السلب من حقه أن یكون طارئا علی الإیجاب و بعده و أن یطرأ علیه رافعا له و لا یرفعه ما لم یقتض العموم فلذلك قصد به التعمیم فی النیات و العادات لكننا نعلم أن نفس السلب لا یوجب زیادة معنی علی السلب الذی یعم الدائم و غیر الدائم و الموقت و غیر الموقت.
فأما السالب الكلی الضروری سواء جعلته قولك بالضرورة كل ب لیس ج أو قلت لا شی‌ء من ب ج فمعناه كل واحد مما یوصف ب ب كیف وصف و أی وقت وصف فإنه مسلوب عنه ما دام موجود الذات أنه ج و لا یوهمك أن لفظ كل یوجب الإیجاب بل یوجب العموم فقط فإن أوجب بعد ذلك فهو إیجاب و إن سلب فهو سلب.
و أما اللازمة فمثل قولك لا شی‌ء من ب ج إذا لم تعن ما دام موجود الذات عنیت ما دام موصوفا بأنه ب فقط.
و أما الموافقة فأن لا تشترط فی السلب المذكور عموم أوقات كونه ب و اللغة لا تطیع فی إیراد المثال لهذا.
و أما الوقتیة فكقولك فی مثل الحال التی جعلنا منها مثال الموجبة لیس أحد من الناس بكافر و فی هذا الموضوع لا یجب أن یكون الموضوع موجودا لا محالة ثم یسلب عنه فإنه إذا اتفق فی وقت من الأوقات مثلا أن لا یكون شی‌ء من المنكسفات
منطق المشرقیین، ص: 70
موجودا فصحیح أن تسلب القمر عن المنكسف فتقول لیس إلی الآن شی‌ء مما هو منكسف بقمر من غیر أن یكون ذلك عاما لكل وقت و قد تصدق هذه السالبة فی مثل قولك و لا أحد من الناس بحیوان إذا كان وقتا ما مثلا لا إنسان فیه البتة فلم یكن حینئذ إنسان حیوانا و كیف یكون حیوانا و هو غیر موجود

فی البعضیتین الجزئیتین‌

یجب أن یعلم أن البعضیتین الموجبة و السالبة علی أحكام الكلیتین فی كل شی‌ء إلا أن الحكم علی جهته إنما هو فی البعض فقط و ذلك لا یمنع أن یكون الباقی كذلك أو مخالفا له فی الإیجاب و السلب و فی غیر ذلك من الضرورة و اللزوم و الموافقة و الوقتیة.
و تخص البعضیات أنه یكون فیها مقدمة دائمة الحكم و لیست بضروریة الحكم لأنها یكون اتفق لها صحبة الحكم الممكن ما دام الموضوع موجود الذات لا سیما فی السلب و قد تكون هذه الدائمة بحسب ما دامت الذات موجودة و لنسم الدائمة مطلقا و یكون ما دام موصوفا بأنه ب مثلا و لنسم الدائمة المشروطة

فیما یلحق القضایا من الزوائد

إن كل قضیة فإما أن تكون ذات موضوع و محمول فقط مهملة أو مخصوصة و إما أن یكون هناك حصر و تدخل اللفظة الحاصرة مثل كل أو لا شی‌ء و بعض أو لا بعض.
و أیضا إما أن تكون لها فی نفسها مادة لم تصرح باللفظ الدال علی ذلك سواء كان صادقا أو كاذبا و تسمی جهة مثل أن تقول زید یجب أن یكون كاتبا أو یمكن أو یمتنع و إذا لحقت الجهة القضیة سمیت رباعیة و من العبارة علی
منطق المشرقیین، ص: 71
الجهات أن یقال بالضرورة كذا أو لیس بالضرورة و بالإمكان كذا أو لیس بالإمكان أو یكون مطلقا بلا شرط.
و كل واحد من الضرورة و اللزوم و الوقتیة جهة لكنه ربما كان ترك الجهة من بعضها دلیلا علی الجهة.
و معنی قولنا بالضرورة أن یكون الحكم ما دام ذات الموضوع موجودا و معنی الإمكان أن یكون الحكم غیر ضروری فی نفسه لا فی الوجود للموضوع فیجوز أن یوجد له و لا فی عدمه عنه فیجوز أن یعدم عنه ثم سنفصل هذا

فی تحقیق المقدمة المطلقة

المقدمة المطلقة قد یقال للمقدمة إذا حكم فیها بالمحمول بإیجاب أو بسلب من غیر زیادة شرط البتة و هی أعم من الضروریة و من التی لیست بضروریة و تفارق الضروریة مفارقة ما هو عام لما هو خاص فإن الضروریة هی التی الحكم فیها موجود مع شرط دوامه ما دامت الذات الموصوفة بالموضوع موجودة و تفارق الممكنة التی هی أخص بالمنطق بأنه لا بد فیها من وجود إما دائما و إما وقتا معینا أو غیر معین و هذه الممكنة یجوز أن لا یوجد لموضوعها الحكم الممكن البتة ما دام موجودا.
و قد یقال مطلقة لما لا یجب أن یكون الحكم علی ما حكم به من عمومه أو خصوصه ضروریا ما دام ذات الموجود موضوعا و إن كان قد یكون فی بعضه ضروریا مثل قولك كل أسود فهو ذو لون جامع للبصر فمنه ما هو أسود ما دام موجود الذات فیكون ذا لون جامع للبصر ما دام موجود الذات و منه ما لا یجب أن یكون أسود ما دام موجود الذات فلا یجب أن یكون ذا لون جامع للبصر ما دام موجود الذات.
و قد یقال مطلقة ما یكون الحكم یجب أن لا یكون ضروریا فی شی‌ء من موضوعات الموضوع أی ما یقال علیه الموضوع بل یكون محمولا علیه وقتا فقط.
منطق المشرقیین، ص: 72
مثل أن تقول إن كل منكسف فهو فاقد للضوء المستعار و لیس شی‌ء منكسفا دائما ما دام موجود الذات أو مثل أن تقول كل مریض فهو ناقص القوة و هذا الوقت قد یكون وقت كون الموضوع موصوفا بما وصف به و قد یكون وقت ما معین ككون القمر منكسفا وقتا معینا و قد یكون وقتا غیر معین مثل كون الإنسان متنفسا و أما الذی یقال فی جانب المحمول بشرط ما دام المحمول محمولا فهو كلام صحیح لا غنی له فیما نحن فیه.
و قد یذهب قوم فی قولهم المطلقة إلی الزمانیة التی أشرنا إلیها و یجعلون وقتها زمانا ما یفرض لا سیما حاضرا و لا یمنعون غیر ذلك لكنه قد یلزم مع وضعهم أن یكون قولنا كل إنسان حیوان من حیث التصدیق به لیس ضروریا فإنه قد یكذب إذا كان الناس معدومین فحینئذ لا یكون و لا واحد مما هو إنسان المحمول علیه أنه حیوان و كیف یكون حیوان و لیس موجودا و إنسانا فتصیر هذه القضیة عندهم من القضایا الممكنة

فی تحقیق المقدمة الممكنة

قد یقال مقدمة ممكنة إذا كان الحكم فیها غیر ممتنع سواء كان مع ذلك ضروریا واجبا أو غیر ضروری و لا واجب.
و یكون الممكن بحسب هذا الاعتبار تقسم الأشیاء إلیه و إلی مقابلة الممتنع فقط و تقسم إلی الواجب و الممكن الآخر لیس قسمة الاسم المشترك كما یظنه الذین لا یعلمون بل قسمة معنی جامع و هو ما اجتمعا فیه من المباینة فی المعنی للممتنع.
و هذه المقدمة الممكنة تدخل فیها الضرورة و المطلقة بأصنافها و الممكن الآخر الذی سیخبر عنه دخول الأمور التی هی أخص معنی فی الأمر الذی هو أعم معنی و هذا الممكن هو الذی إذا قیل لیس بممكن و عنی بالممكن المسلوب كان معناه هو ممتنع.
منطق المشرقیین، ص: 73
و قد یقال مقدمة ممكنة و یعنی بها أن الحكم فیها غیر ضروری هو و لا نقیضه أعنی الضروری الذی أومأنا إلیه فیكون هذا أخص من ذلك و یخرج منه الواجب الضروری و یدخل فیه المطلق و ما فیه ضرورة بشرط وقت أو حال و لیست ضروریة مطلقة و یدخل فیه الممكن الذی هو أصدق من هذا حدا و هو الذی لا وجوب الوجود فیه أو لنقیضه الوجود المطلق و الوجود بحسب شرط أو وقت فیجوز أن یخلو الموضوع عن ذلك الحكم دائما من غیر وجوب خلوه دائما و جواز أن یوجد لموضوع ما وقتا أو دائما وجودا اتفاقیا مثل أن یكتب زید.
و یقال ممكن لأخص من الجمیع و هو هذا الآخر الذی لا ضرورة فیه مطلقا و لا بشرط.
و قد یقول قوم ممكن و یعتبر حال الحكم فی المستقبل بحسب أی وقت فرضت فیه الحكم علی أنه فی أی وقت فرضت فیه لم یكن ضرورة إما مطلقة و إما بشرط.
و أما الحال و لا تبالی فیه سواء كان الشی‌ء موجودا أو غیر موجود و هذا أیضا اعتبار صحیح یجوز أن یطلق علیه اسم الممكن لكن الأصول ما أشرنا إلیه.
و قد حسب قوم من ضعفاء النظر أن من شرط الممكن أن لا یكون موجودا فی الحال فیكون قد وجب من حیث وجد فی الحال و لم یعلموا أنه إن صار وجوده واجبا لأنه حصل موجودا فی الحال فیصیر لا وجوده واجبا لأنه حصل لا موجودا فی الحال فما بالهم یهربون عما یعطیه الوجوب فی الوجود و لا یهربون عما یعطیه الوجوب فی اللاوجود و هو الامتناع و لیس إذا صار الشی‌ء موجودا فقد صار واجبا إلا أن یؤلف فیقال الموجود ما دام موجودا فهو واجب أن یكون موجودا أی بشرط ما دام موجودا و فرق بین أن تقول إن الموجود یجوز لو لم یكن موجودا أو لیس واجبا إن كان موجودا و بین أن تزید فتقول ما دام موجودا و كل ما هو ممكن الوجود فإنه إذا وجد كان واجبا أن یكون ما دام موجودا و ذلك لا یمنع كونه ممكنا فی نفسه علی أنه أیضا إذا كان موجودا وجب أن یصیر واجبا فلیس یمكن أن یصیر واجبا أبدا دائما بل واجبا فی وقت و ذلك لا یمانع الممكن العام و لا الممكن الخاص الذی لیس
منطق المشرقیین، ص: 74
فیه ضرورة دائمة بل یحتمل ضرورة موقتة و مشروطة و لا یمانع الممكن الذی هو أخص فإنه یكون باعتبار نفسه ممكنا أخص و باعتبار شرط یضاف إلیه واجبا فیكون ممكنا من غیر الوجه الذی یكون منه واجبا فیكون ممكنا من أنه لو ترك و طباعه و طباع الموضوع لم یجب أن یوجد له البتة و جاز أن یخلو عنه الموضوع البتة إذ لیس فی طباع الموضوع ما یقتضی وجوده له و لا فی طباع المحمول أن تكون ماهیته تقتضی وجودها دائما للموضوع أو وقتا ما لكنه قد یعرض شی‌ء من خارج یوجبه فضلا عن أن یوجده و یكون وجوبه من حیث إن ذلك العارض عرض فأوجب و قد علمت أن من علق الضرورة و الإمكان بحصر القضیة و علق الحصر بوقت ما جاز أن یكون قولنا كل إنسان جوهر ممكنا أن یكذب و قولنا كل لون سواد ممكنا أن یصدق‌

فی التناقض‌

اعلم أن من حق السلب أن یرفع الإیجاب و لا یصدق معه و أنه إذا كذب الإیجاب أن لا یكذب معه فإن الشی‌ء لا یخرج من الإیجاب و السلب إذا وقفا علی التقابل الحقیقی فكان السلب إنما یسلب الشی‌ء من جهة ما أوجب علیه.
لكنه قد یتفق أن لا یقع السلب مقابلا للإیجاب من الجهة التی وقع علیها الإیجاب فیتفق حینئذ أن یكون الإیجاب و السلب صادقین معا أو كاذبین معا و إذا وقع الإیجاب و السلب علی ما ینبغی لهما من التقابل فوجب ضرورة إذا صدق أحدهما أن یكذب الآخر و إذا كذب أحدهما أن یصدق الآخر و بالجملة امتنع أن یصدقا معا أو یكذبا معا فذلك هو التناقض.
فالتناقض هو اختلاف قضیتین بالإیجاب و السلب یلزم منه أن یكون أحدهما صادقا و الآخر كاذبا.
فالقضایا المخصوصة یكفی فی شرط تناقضها أن تراعی أحوال الحمل و الوضع و أما غیرها فقد تراعی فیها أیضا أحوال معان داخلة علیها اللفظة الحاصرة و مثل
منطق المشرقیین، ص: 75
الجهة فأول ما یجب أن یراعی فیها هو شرائط الحمل من القوة و الفعل و الكل و الجزء و الإضافة و الشرط و المكان و الزمان و غیر ذلك مما عددناه فی الفن الذی فرغنا عنه.
و المهم أن تراعی لفظة المحمول و الموضوع و غیر ذلك و یحذر أن لا یكون وقوعه فی القضیتین وقوع اللفظ المشترك بل وقوع اللفظ المتواطئ.
و وقوع اللفظ المشترك هو أن یقع اللفظ علی الشیئین أو علی أشیاء بمسموع واحد و تختلف مفهوماته فی كل واحد مثل النور علی المسموع و المعقول و العین علی الدینار و منبع الماء.
و وقوع اللفظ المتواطئ هو أن یكون الوقوع بالمسموع و المفهوم معا مثل وقوع لفظ الحیوان علی الإنسان و الفرس.
فإذا اتفقت القضیتان فی مفهوم الأجزاء التی منها تؤلف ثم كان الجزء من الموضوع أو الكل ذلك بعینه و إضافة المحمول و زمانه و مكانه و كونه بالقوة أو بالفعل واحدا ثم أوجب أحدهما و سلب الآخر كان فی المخصوصة تقابل حقیقی و وجب أن یصدق أحدهما و یكذب الآخر و أما إذا خالف شی‌ء من ذلك لم یجب مثل أن یقول أحدهما زید ناسخ و الآخر لیس بناسخ و عنی بزید غیر ما عنی الآخر أو بالناسخ غیر ما عناه أو قال الكأس الواحدة مسكرة و عنی بالقوة و قال الآخر لیس بمسكرة و عنی بالفعل أو قال فلان عبد أی لله و قال مقابله لیس بعبد أی للآدمی أو قال أحدهما الزنجی أسود أی فی بشرته و قال الآخر لیس بأسود أی فی لحمه أو قال أحدهما إن النبی صلی إلی بیت المقدس و أراد فی وقت و قال الآخر النبی لم یصل إلی بیت المقدس و أراد وقتا آخر أو فعل شی‌ء مما یجری هذا المجری فی مكان أو شرط إطلاق أو تقیید و غیر ذلك فلیس یجب أن یكون بینهما تقابل الإیجاب و السلب و هو التناقض بالحقیقة.
فأما إذا كان هناك لفظة حاصرة و لم یكف ما أومأنا إلیه بل احتیج أن تراعی أشیاء أخر فإنه إذا اتفقت القضیتان فی كمیة الحصر و اختلفتا فی كیفیة الإیجاب و السلب جاز أن تكذبا جمیعا و جاز أن تصدقا جمیعا.
منطق المشرقیین، ص: 76
فأما كیف تكذبان جمیعا فذلك إذا كانتا كلیتین و كانت المادة ممكنة مثل قولنا كل إنسان كاتب و لیس و لا واحد من الناس بكاتب و أما إذا كانت المادة واجبة فتكون السالبة لا محالة كاذبة مثل ما فی قولك كل إنسان جسم لیس و لا واحد من الناس بجسم و إن كانت ممتنعة فتكون المثبتة لا محالة كاذبة مثل ما فی قولك كل إنسان حجر لیس و لا واحد من الناس بحجر.
و أما كیف یمكن أن تصدقا معا فذلك إذا كانتا جزئیتین و كانت المادة ممكنة أیضا مثل قولنا بعض الناس كاتب لیس كل إنسان أو لیس بعض الناس كاتبا.
و أما الحال فی الواجبة و الممتنعة فمثل ما قیل.
و من شأن الناس أن یسموا الكلیتین المختلفتین فی الإیجاب و السلب مع وجود شرائط التقابل المذكورة فی المخصوصات متضادتین و الجزئیتین النظیرتین لهما داخلتین تحت التضاد ثم یحسن لهم اعتبار التقسیم و التركیب أن یراعوا أقساما أخری لا ینتفع بها.
و المستبصر بما بیناه سریع التفطن للقضاء بالفصل بینهما و بین حال القضیتین المتفقتین فی كیفیة الإیجاب و السلب المختلفتین فی الحصر و تسمی متداخلتین و أنت لا عذر لك فی أن لا تقضی فیها بالفصل فأما إذا صارت القضایا معتبرة من جهة الجهات وجب حینئذ أن تعتبر لها فی التناقض شروطا و اعتبارات أخری و لیس ما یظن أن هذا الذی قیل كاف فیما لا جهة ضرورة أو إمكان معه بل هذا كاف فی بعض ما یخرج عنهما.
و من الواجب أن تنظر كیف یقع التناقض فی الخالی عن الضرورة و الإمكان الذی لا ضرورة فیه إیجابا و لا سلبا فإن مراعاة التناقض فی هذا الخالی و إن رجع إلی الشرائط المذكورة فإن لذلك الرجوع تفصیلا لا یغنی عنه البیان السالف المجمل.
و لنبدأ و لنبین بالتناقض فی المطلقة العامة المذكورة أولا
منطق المشرقیین، ص: 77

فی نقیض المطلقة العامة الأولی إذا كانت موجبة كلیة

إذا قلنا كل ب ج بالإطلاق الأعم فلیس كل ما یكون جزئیا سالبا مطلقا یكون مناقضا له لأنه لا یمكننا أن نراعی الزمان بینهما علی ما یجب فإنه یجوز أن یكون الكلی الموجب صادق الحمل فی كل شخص زمانا ما أو حالا ما غیر عام و أن تكون الأزمنة شتی و مختلفة فی كل واحد فإذا أوردنا الجزئیة السالبة و دللنا به علی سلب عن بعض و لم یشتمل إلا علی هذا جاز أن یكون ذلك السلب سلب مطلق غیر دائم أو یكون فی زمان غیر شتی من الأزمنة التی كان فیها الإیجاب حقا سواء كان الزمان فی جمیع الأشخاص واحدا أو كثیرا مختلفا و إذا كان كذلك یجب أن یكذب هذا السلب إن صدق الإیجاب و لا یمكنك أن تفرض الزمان واحدا فلیست الجزئیات المتضمنة فی قولك كل ب ج زمانها واحدا و ربما لم یمكنك أن تفرض الأزمنة متشابهة حتی تكون كلها مثلا ربیعا أو وقت كسوف القمر حتی تجعل السلب فی الجزئی غیر ذلك الواحد أو غیر تلك المتشابهة فإن أمكنك ذلك فحینئذ تكون الجزئیة المشروط فیها ذلك الزمان و ذلك الحال نقیضا مثلا كما تقول كل شجرة جوز فإنها فی صمیم الشتاء معتبرة و كذلك إن كان شرط غیر الزمان لكن هذه القضیة إما أن تكون بعض القضایا المطلقة التی نحن فی وصفها و لا یكون الحكم فی التناقض فیها حكما فی كل قضیة مطلقة و إما أن تكون قد عرفت و ستعلم حالها من بعد لكن غرضنا أن نعرف نقیض المقدمة المطلقة العامة غیر مخصصة بشرط فنقول إنه لما لم یمكن مراعاة زمان جزئی مخصوص أو حال جزئیة مخصوصة وجب أن یكون إیرادنا النقیض مراعی فیه ما یشتمل علی كل زمان و حال و ذلك بأن تجعله جزئیة سالبة دائمة السلب.
و دائمة السلب فی الجزئیات غیر الضروریة فیها و ذلك أنه لیس ببعید فی الجزئیات أن یسلب عنها ما لیس ضروری السلب سلبا دائما فإنه من الجائز أن
منطق المشرقیین، ص: 78
یخلو الجزئی عن شی‌ء مما هو ممكن له الإمكان الصرف حتی یوجد و یعدم و لا یعرض له ذلك الممكن مثل أنه یجوز أن یوجد بعض الناس و تسلب عنه الكتابة ما دام موجود الذات فلا یوجد كاتبا البتة فیكون حقا أن بعض الناس لا یكتب البتة و مع ذلك هذا السلب لا یكون ضروریا عنه فهذه السالبة مقابلة الموجبة المطلقة بالإطلاق العام كلما صدقت الموجبة المطلقة كذبت هذه السالبة و كلما كذبت الموجبة المطلقة صدقت هذه السالبة و اقتسامهما الصدق و الكذب دائم.
و بئس ما فعل المغربیون حین اعتبروا فی تناقض الضروریات و الممكنات الجهة و لم یعتبروا فی المطلقة فإن الإطلاق أیضا جهة من الجهات كیف أخذت المطلقة و بكونها بتلك الجهة تخالف الضروریة و الممكنة و إن كان جهتها كونها خالیة عن جهتی الضرورة و الإمكان فلهذا الخلو حكم.
و ربما قال قائل منهم لتكن السالبة المقابلة لهذه الموجبة أن لیس بعض ج ب فی الزمان أو الحال الذی فرض فیه ذلك البعض حین قیل كل ج ب أو لیس بعض ج ب عند ما یكون كل ج ب فإن القول الأول یحیل علی الفرض و لیس فی الفرض زمان أو حال معلومة و القول الثانی یحیل علی الوجود و لكنه كاذب فی كل حال صدقت الموجبة أو كذبت و فی ذلك وجهان من الحكم فاسدان أحدهما أنه لیس یجب أن یكون السالب دائما فی التقابل الذی إیجابه كلی مطلق كاذبا لا محالة و الثانی أنه إذا كذبت الموجبة فكذبت هذه السالبة اجتمع النقیضان فی الكذب و هذا محال.
فتبین إذن أن الموجبة الكلیة المطلقة العامة تناقضها السالبة الجزئیة الدائمة و هی ضرب من المطلقة الاتفاقیة
منطق المشرقیین، ص: 79

فی نقیض المطلقة التی تلی هذه العامة إذا كانت أیضا كلیة موجبة

و هذه هی المسماة باصطلاحنا وجودیة التی لا ضرورة حقیقیة فیها إذا قلنا صادقین كل ب ج بالوجود أی بلا ضرورة حقیقیة بتة فقد تصدق معه المطلقات السالبة كما علمت لكن و یصدق معه الممكن و إن لم ینعكس و إنما تكذب معه الموجبة الضروریة و تكذب معه السالبة الضروریة و قد تكذب معه السالبة الجزئیة الدائمة التی وصفناها فیجب أن یكون نقیضه غیر خال عن الاشتمال علی جمیع ذلك و مقولا علی جمیع ذلك.
و لیس یمكن أن توجد قضیة سالبة تصدق علی جمیع ذلك إلا أن تجعل سالبة الوجود فیقال لیس دائما بالوجود كل ب ج أی بل كل ب ج بالضرورة أو بالضرورة لیس كل ب ج أو بعض ب یكون دائما لیس ب ج و إن لم یكن بالضرورة و لا یمكنك أن تجد لهذه الموجبة نقیضا غیر هذه السالبة البتة أو ما هو فی قوتها و لا لهذه السالبة و ما فی قوتها غیر هذه الموجبة

فی نقیض المطلقة اللازمة إذا كانت كلیة موجبة

نقیض هذه المطلقة هی السالبة الجزئیة المشاركة للموجب فی الوقت الموقت و هو وقت محصل لأنه الوقت أو الحال التی یكون ما هو ب موصوفا بأنه ب فإذا قال كل ب ج أی ما دام موصوفا بأنه ب كان نقیضه لیس كل ب ج أی لیس ما دام موصوفا بأنه ب فهو ج بل إما أن یكون ج و إما أن یكون وقتا دون وقت و قد تعین الشرط فصح التقابل
منطق المشرقیین، ص: 80

فی نقیض اللازمة المشروطة إذا كانت كلیة موجبة

هذه القضیة لیس تقابلها السالبة الدائمة و ذلك لأنها تقابل ما هو أعم منها و قد تكذب إذا كانت الموجبة ضروریة و إذا كان كذلك لم یكن كذبها یوجب صدق الموجبة المشروطة فأمكن أن تكذب مقابل نقیضها التی تسلب اللزوم المشروط و لا تمنع الضرورة و لا توجبها و اللفظة المتممة له التی تطابق لیس كل ج إنما یكون ب ما دام موصوفا بأنه ج عارضا له ج أی بل إما دائما و إما لا فی وقت البتة و إما فی بعض أوقات كونه ج و إما فی غیر وقت كونه ج بل فی وقت له آخر.
و لا تظن أن قولنا لیس دائما یوصف یوجب أن یكون یوصف فی غیر ذلك الوقت لأن قولنا دائما تخصیص و سلب التخصیص لیس یوجب التعمیم فإنه قد یسلب التخصیص حیث یسلب التعمیم‌

فی نقیض الطارئة من المطلقات إذا كانت كلیة موجبة

لا تناقض هذه القضیة السالبة الجزئیة اللازمة المشروطة فإنه إذا قیل كل ب ج أی فی حال من أحوال كونه ب لم یكن نقیضه أنه لیس كل ب ج فی حال من تلك الأحوال بل بعض ب لیس البتة ما دام ب ج و ذلك أنه یمكن أن یكون كذب الطارئة الموجبة لصدق اللازمة الموجبة فیجب أن یكون النقیض ما یرفع ذلك كله و الذی یرفع ذلك كله قولك بعض ب له دوام سلب أو إیجاب ج ما دام ب و هذا دوام لأی حال من الحالین كانا.
و تخالف الدائمة المقابلة للمطلقة العامة بما تعرف
منطق المشرقیین، ص: 81

فی نقیض المطلقة التی تعم اللازمة و الطارئة و هی الموافقة إذا كانت كلیة موجبة

لا تناقض هذه القضیة السالبة الجزئیة اللازمة المشروطة فإنه إذا قیل كل ب ج أی فی حال من أحوال كونه ب لم یكن نقیضه أنه لیس كل ب ج فی حال من تلك الأحوال بل بعض ب لیس البتة ما دام ب ج و ذلك أنه یمكن أن یكون كذب الطارئة الموجبة لصدق اللازمة الموجبة فیجب أن یكون النقیض ما یرفع ذلك كله و الذی یرفع ذلك كله قولك بعض ب له دوام سلب أو إیجاب ج ما دام ب و هذا دوام لأی حال من الحالین كانا.
و تخالف الدائمة المقابلة للمطلقة العامة بما تعرف
منطق المشرقیین، ص: 81

فی نقیض الكلیة الموجبة الوقتیة

هذه یسهل إیراد النقیض لها لأن الوقت معین‌

فی نقیض السالبة الكلیة المطلقة علی الوجوه المذكورة

قد یمكنك أن تستخرج شروط مناقضة السالبة الكلیة فی باب باب من أبواب من مضادتها فنقیض قولنا لا شی‌ء من ج ب بالإطلاق الأعم بعض ج ب دائما و قد عرفت الفرق بینه و بین الضروریات و نقیض هذا القول إذا كان وجودیا بعض ج ب بالوجود و نقیض هذا القول إذا كان لازما و كان معناه لا شی‌ء من ج یكون ب عند ما یوصف بأنه ج بعض ج ب عند ما یفرض ج إما دائما و إما وقتا و نقیض هذا القول إذا كان لازما مشروطا بعض ج إنما
منطق المشرقیین، ص: 82
یكون ب عند ما یفرض له ج دائما أو وقتا و نقیض هذا القول إذا كان طارئا بعض ج له دوام سلب أو إیجاب ب و نقیض هذا القول إذا كان بالمعنی الذی یعم الطارئ و اللازم المشروط بعض ج ب لیس إنما یسلب عنه ب فی حال كونه ج.
و أما الوقتیة فنقیضها الموجبة الجزئیة المشاركة فی الوقت‌

فی نقیض الموجبة المطلقة الجزئیة

قد یمكنك أن تعرف التناقض هاهنا أیضا مما قیل لك فی الموجبة الكلیة فنقیض قولنا بعض ج ب بالإطلاق الأعم لیس شی‌ء من ج ب إذا كان المراد بهذا أن كل واحد مما هو ج لم یوجد و لا یوجد له ب ما دام موجود الذات من غیر أن تعنی بذلك الضرورة فإن ذلك حینئذ یكون نقیض الممكنة العامة لا المطلقة.
و أما إن قیل هذه القضیة هل تكون صادقة حتی تكون مثلا طبیعیة غیر ضروریة السلب یعرض لها أن لا توجد لشخص ما فلیس علی المنطقی أن یخوض فیه لكنه إن كان لا صدق لمثل هذا السالب و لا كذب لمثل ذلك الموجب و قد حصل الاقتسام دائما لكن الموجب لیس یجب فیه أن تشترط المادة الممكنة دون الضروریة لأن المطلقة عامة جدا و كذلك السالبة التی تقابلها لیس بشرط فیها أن یكون دوامها دوام ضرورة أو غیر ضرورة.
و أما إذا كانت هذه القضیة وجودیة فنقیضها لیس بالوجود و لا شی‌ء من ج ب أی بل بالضرورة إیجابا أو سلبا و لیس قولنا لیس بالوجود و لا شی‌ء من ج ب هو قولنا بالوجود لیس شی‌ء من ج ب و نعنی سلبا عن كل واحد غیر ضروری فإن هذین قد یصدقان جمیعا.
و أما إذا كانت لازمة فنقیضها ما یعم اللازمة و الطارئة فإن الحال متعینة فإنه إذا قال بعض ج ب أی ما دام موصوفا بأنه ج ضرورة كان ج أو غیر ضرورة
منطق المشرقیین، ص: 83
فنقیضه أنه لا شی‌ء من ج إلا و لیس ب ب أی عند ما یوصف بأنه ج من غیر فرض دوام أو غیر دوام.
و أما إذا كانت لازمة مشروطة فنقیضها لا شی‌ء مما هو ج إنما هو ب مع كونه ج أی بل دائما أو لا البتة أو فی حال منه دون حال.
و أما إن كانت طارئة فنقیضها لا شی‌ء مما هو ج إنما هو ب فی بعض أحوال كونه ج بل إما أن لا یكون ب البتة أو یكون ب بالضرورة أو لازما.
و أما إن كانت بحیث تعم اللازمة المشروطة و الطارئة ا ه

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.