تسع رسایك فی الحكمه و الطبیعیات

اشارة

سرشناسه : ابن‌سینا، حسین‌بن عبدالله، ق‌۴۲۸ - ۳۷۰
عنوان و نام پدیدآور : تسع رسایك فی الحكمه و الطبیعیات‌تالیف ابی‌علی الحسین‌بن عبدالله‌بن سینا. و فی آخرها قصه سلامان و ابسال/ ترجمها من الیونانی حنین‌بن اسحاق
مشخصات نشر : مصر.
مشخصات ظاهری : ۳، ۵، ص ۱۸۰
وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی
شماره كتابشناسی ملی : ۱۸۹۶۶۶

(فهرست هذا الكتاب)

صحیفة ترجمة حال ابن سینا مؤلف هذه الرسائل منقولة من تاریخ ابن خلكان
2 (الرسالة الأولی) فی الطبیعیات من عیون الحكمة.
16 فی ذوات الأشیاء الثابتة و ذوات الأشیاء الغیر ثابتة من جهة و الثابتة من جهة
39 (الرسالة الثانیة) فی الأجرام العلویة
60 (الرسالة الثالثة) فی القوی الإنسانیة و إدراكاتها.
74 (الرسالة الرابعة) فی الحدود
78 حد الحد، فی الرسم
صحیفة ترجمة حال ابن سینا مؤلف هذه الرسائل منقولة من تاریخ ابن خلكان
2 (الرسالة الأولی) فی الطبیعیات من عیون الحكمة.
16 فی ذوات الأشیاء الثابتة و ذوات الأشیاء الغیر ثابتة من جهة و الثابتة من جهة
39 (الرسالة الثانیة) فی الأجرام العلویة
60 (الرسالة الثالثة) فی القوی الإنسانیة و إدراكاتها.
74 (الرسالة الرابعة) فی الحدود
78 حد الحد، فی الرسم
79 حد العقل 81 حد النفس
82 حد الصورة
83 حد الهیولی
84 فی الموضوع، فی المادة فی العنصر
85 فی الأسطقس، فی الركن
86 فی الطبیعة، فی الطبع
87 فی الجسم، فی الجوهر
88 فی العرض
89 حد الملك، حد الفلك
90 حد الكوكب حد الشمس، حد القمر حد الجن، حد النار
91 حد الهواء، الماء، الأرض العالم، الحركة
92 الدهر، الزمان، الآن النهایة، ما لا نهایة له النقطة، الخط
93 السطح، البعد
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 2
94 المكان، الخلاء الملاء، العدم
95 السكون، السرعة البطء، الاعتماد و المیل الخفة، الثقل، الحرارة
96 البرودة، الرطوبة الیبوسة، الخشن الأملس، الصلب اللین، الرخو، الهش، المشف، التخلخل
98 الاجتماع، المتماسان المداخل، المتصل، الاتحاد
100 التتالی، التوالی العلة، المعلول
101 الإبداع، الخلق
102 الأحداث، القدم
104 (الرسالة الخامسة) فی أقسام العلوم العقلیة فصل فی ماهیة الحكمة 105 فصل فی أول أقسام الحكمة فصل فی أقسام الحكمة النظریة
107 فصل فی أقسام الحكمة العملیة
108 فصل فی أقسام الحكمة الطبیعیة
110 أقسام الحكمة الفرعیة الطبیعیة
111 الأقسام الأصلیة للحكمة الریاضیة
112 الأقسام الفرعیة للعلوم الریاضیة، الأقسام الأصلیة للعلم الإلهی
114 فروع العلم الإلهی
116 فی أقسام الحكمة التی هی المنطق أقسامها التسعة
120 (الرسالة السادسة) فی إثبات النبوات و تأویل
رموزهم و أمثالهم
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 39

الرسالة الثانیة (فی الاجرام العلویة)

بسم اللّه الرّحمن الرحیم قال الشیخ الرئیس أبو علی الحسین بن عبد اللّه بن سینا رحمه اللّه هذه الرسالة حررتها فی تعریف الرأی المحصل الذی ختمت علیه رویة الأقدمین فی جوهر الأجسام السماویة و العبارة عن مذهبهم المحقق عندی بمقدار اطلاعی علی مآخذهم و اللّه تعالی ولی التوفیق (فصل) قالوا ان الأجسام الطبیعیة تنحصر فی قسمین قسم مركب و قسم بسیط. و یعنون بالمركب كل جسم وجوده و نوعیته بسبب اجتماع أجسام مختلفة الطبائع و الأنواع فیه مثل الحیوان و النبات.
و یعنون بالبسیط ما وجوده لیس كذلك فلا ینحل فی الوهم و لا فی العقل الی أجسام الا متشابهة الطبائع و الأنواع مثل الماء و الأرض المحضة و غیر ذلك و أما الحجارة و ما أشبههما فان الحس یوهم انها
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 40
متشابهة الأجزاء و لیس كذلك فانه بالامتحان بالنار یعرف ذلك لافتراقها عند شدة الحمی الی جوهر متصعد و الی جوهر رزین ثم الأجسام البسیطة عندهم مركبة باعتبار آخر و ذلك انها مركبة عندهم من جوهر یسمی مادة فی لغتهم هیولی و من متمم لهذا الجوهر بالفعل و یسمی صورة و اذا اجتمعا حصل منهما الجسم المهیأ لقبول الاعراض الجسمانیة و هذا الرأی حدث فبهم أخیرا بعد ألوف من السنین لأن أوائلهم كانوا یرون ان الأجسام متقررة الوجود من أجزاء لها لا تتجزی و ان من اجتماعها یحدث الجسم و لم یزل هذا الرأی فیهم مدة و كان مقبولا مسلما ثم جعل یضمحل قلیلا قلیلا علی طول الرویة و اطلاع المتأخر علی ما قصر عنه المتقدم حتی انفسخ بالجملة آخره و انفسخ أیضا ما كان یتشعب منه من الآراء و صح ان الأجزاء التی لا تتجزی لا یمكن و لا بوجه من الوجوه ان تكون مبادی لوجود الأجسام و استقر علیه رأی الجملة كالاجماع (فصل) هذا البحث الذی نحن فیه عندهم من جملة العلم الذی نسمیه طبیعیا و العلم الطبیعی و العلم الهندسی و العلم العددی و غیر ذلك من العلوم التی یختص بحثها بشی‌ء من الموجودات أو الموضوعات أو الموهومات و بأحوال ذلك الشی‌ء من جهة ما هو ذلك الشی‌ء
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 41
یسمی عندهم علما جزئیا و كل واحد من العلوم الجزئیة فله مباد یتسلمها صاحب ذلك العلم یبنی علیها و لا كلام له مع من جحدها أو عائد فیها من جهة ما هو صاحب ذلك العلم بل مبادی العلوم كلها فی ضمان صناعتین أما علی السبیل البرهانی ففی ضمان الفلسفة الأولی یسمی العلم الالهی و أما علی سبیل الاقناع ففی ضمان الجدل و یمكن ان تكون الصناعة الموسومة فی عصرنا هذا بالكلام قریبة من مرتبة الجدل و قلیلة القصور عنها و هذه الفلسفة الأولی یسمونها علما كلیا و ذلك لأن الشی‌ء الذی یبحث عنه فیه هو الموجود الكلی من جهة ما هو موجود كلی و مبادیه التی له من جهة ما هو موجود كلی و هذا هو واحد هو اللّه تعالی و لو أحقه من جهة ما هو موجود كلی كالعلة و المعلول و الكثرة و الوحدة و القوة و الفعل و ما لیس بمقتصر اللحوق علی موجود دون موجود. و أما العلوم الجزئیة فلا تبحث عن حال موجود من جهة ما هو موجود مطلق بل من جهة ما هو موجود ما كالطبیعی ینظر فی الجسم القابل للحركة و السكون لا من جهة الموجود المطلق و لا من جهة الجوهریة المطلقة و لكن من جهة ما هو موجود شأنه كذا و كذا أعنی قبول الحركة و التغیر و السكون و تبحث أیضا عن مبادیه التی تخصه من جهة ما هو كذا لا عن المبدأ
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 42
لموجوده المطلق و تبحث عن عوارضه التی تخصه من هذه الجهة كالامتزاج و الافتراق و الصعود و النزول و غیر ذلك و كذلك العددی مع العدد و الهندسی مع المقدار و كل هؤلاء یتقلدون مبادیهم و أصولهم تقلد الفقیه مبدأه و هو وجوب العلم بنص الكتاب و خبر الرسول و الاجماع و القیاس عن المتكلم فان حاول الفقیه لصحیح هذه الاصول فلیس بما هو فقیه و لكن بما استحال متكلما كذلك الطبیعی یتقلد عن الالهی حال مبدأ الأجسام التی هی الهیولی و الصورة ثم یبنی بعد ذلك (فصل) اعلم ان الالهی منهم لقن الطبیعی ان الأجسام البسیطة حاصلة الوجود من جوهر لا وجود له بذاته مفردا و لا أیضا لذاته حلیة و لا صفة و انها قابلة لكل حلیة و صفة جسمیة و انما جوهریتها لانها لیست فی محل و هی أخس الجواهر و أحقرها و انها انما تقوم موجودة بالفعل بما یحصل فیها من الصفات الأولیة لها فالصفة الأولیة التی لولاها أو ضدها لم تكن الهیولی موجودة و هی تسمی صورة و لیست الهیولی تلتبس بالصورة الأولیة بذلتها و لا الصورة تستقر فی الهیولی لذاتها بل بصنعة صانع لیس یمكن ان تكون ذاته أو تكیفه من هیولی و صورة و لا شی‌ء یقوم مقام الهیولی و الصورة و لا هو بوجه من الوجوه حجم أو مقدار و لا
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 43
یمكن ان یلحقه حركة أو سكون و لا یجوز ان یكون فی ذاته بالقوة علی حال یخرج ثم یخرج بالفعل بل هو صریح ثبات علی وحدة واحدة لا یتكثر و لا یتغیر و لا یجانس شیئا من الهیولانیات بالانحصار فی أین أو مدة أو جهة و ذاته ذات قادرة علی غیر المتناهی من المقدورات فلذلك تعالی ان یكون جسما أو متحركا فهذا القدر من اللّه تعالی سمح به الالهیون للطبیعیین و أیضا عرفوهم من أمره انه تعالی وضع كل أمر طبیعی لغرض و ان وجود العالم و أجزائه علی اكمل ما یمكن و انه لا عیب فیه و لا معطل و لا شی‌ء كائن من تلقاء نفسه و عرفوهم من تدبیره انه تعالی جعل اختلاف حركات السماویات أسبابا للاختلاف الكائن فی هذا العالم و الاتفاق الذی فیه من جهة ان الحركة المستدیرة علة لثبات الكون و الفساد لهذا العالم ثم لم یطلعوهم بعد هذا علی شی‌ء من الأمور الالهیة لأن هذا القدر كان یكفیهم فی البناء علی مبادی صناعتهم و بعد ذلك نزلوا من أمر اللّه و اطلاعهم علی أصول منه الی تحقیق حال الهیولی و الصورة علی سبیل الوضع و التقلید فقالوا لهم ان الهیولی أول ما تنطبع بالقوة المعطیة للمقادیر الجسمیة و عنوا بالأولیة الأولیة الذاتیة لا الزمانیة فان الهیولی لا تسبق الصورة بالزمان و لا الصورة الهیولی أیضا بل هما مبدعان معا
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 44
عن لیسیة و مبدعهما یتقدم الكل بالذات لا انه كان معه فیما لم یزل زمان لان الزمان یحدث مع حدوث الحركة. قالوا و الهیولی بنفسها لا تقدیر لها و لا كم و اذا كانت كذلك لم یفترض لها مقدار معین تكتسبه دون ما هو أصغر منه أو اكبر منه بل یتبع ذلك حال القوة التی ینالها أولا و یتوسطها بتكمم فربما كانت حرارة فتعطی المادة مقدارا ما أو برودة فتعطیه مقدارا آخر أو قوة أخری فتعطیه مقدارا ثالثا. و قالوا ان المادة التی خلقت لقبول الحرارة و البرودة فانها اذا حرت لبست حجما أو مقدارا اكبر و اذا بردت لبست ذلك اصغر لا لأن شیئا انفصل عن المتصغر بالتكاثف أو شیئا انضم الی المتكبر بالتخلخل بل لان المادة بعینها قبلت تارة مقدارا اكبر و تارة مقدارا أصغر و هذا النوع من التخلخل و التكاثف غیر الكائن بالانفشاش و الانتفاش أو الانعصار و الانحصار اللذین یتعلقان بتقارب الأجزاء و تباعدها. قالوا و هذه المادة اذا قامت بالصورة جوهرا جسمانیا تهیأت لقبول الاعراض الجسمانیة و یفرقون بین الصورة و العرض اذ الصورة ما كان من محمولات الهیولی مقومة لها فلا بد للهیولی منها أو من ضدها ان كان لها ضد و اما الاعراض فهی المحمولات التی حصلت فی الهیولی بعد ان تقوم جوهرا جسمانیا
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 45
بالفعل فلو ارتفع و لم یخلفه ضده لم تحتج الهیولی الیه و الی ضده فی القوام و ذلك كالالوان و الروائح و قد یكون منها ما هو لازم غیر مفارق الا انه لیس لما وجدت اولا بالذات فتقومت الهیولی بل لما تقومت الهیولی لزمته بالذات. و قالوا للطبیعیین ان هذه بعضها یحدث فی الهیولی حدوثا اولیا و بعضها بعد التركیب و تكون مضادة من وجه للصورة التی كانت فی حال البساطة و انما یحدث فی الهیولی اولیا فی حال البساطة فان مفید وجود الشی‌ء الذی لیس بجسمانی و لا هیولانی اما بلا واسطة و اما بواسطة جواهر روحانیة لیست ایضا جسمانیة و هذه المعانی لا توجب لها مماثلة مع المبدع الأول فان قولنا لیس بجسم فی الحقیقة فانه كما ان قولنا لیس بجسم و هو فی جسم لا یوجب المماثلة مماثلة بین السواد و البیاض بل بین السواد و الحركة كذلك قولنا لیس بجسم و لا فی جسم لا یوجب المماثلة بین المبدع الأول القیوم الواجب الوجود الحق المتعالی عن ان یكون جوهرا او جسما او عرضا و بین الجواهر الروحانیة. قالوا و اما الصورة الحادثة بعد المزاج فان المبدع الأول یفید وجود بعضها بتوسط الاجسام بسببها كالصور التی فی عالمنا هذا بتوسط الاجسام السماویة مثل المذاقات و الروائح و ما اشبه ذلك و هذا توسع فی اطلاق لفظة الصور هاهنا و بعضها لا بتوسط الاجسام مثل الانفس النباتیة
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 46
و الحیوانیة و خصوصا النفس الانسانیة بل العقل فان العقل نور یتولی اللّه افاضته علی الانفس من غیر ان یكون لشی‌ء من الجسمانیات فیه وساطة الانسب الی شی‌ء واحد و هو التهیئة للقبول. و قالوا لهم ان المواد للاجسام العالمیة صنفان صنف یختص بالتهیؤ بقبول صورة واحدة لا ضد لها فیكون حدوثها علی سبیل الابداع لا علی سبیل التكوین من شی‌ء آخر و فقدها علی سبیل الفناء لا علی سبیل الفساد الی شی‌ء آخر و الی هذا یرجع قول الحكیم فی كتبه ان السماء غیر مكونة من شی‌ء و لا فاسدة الی شی‌ء لانها لا ضد لها لكن العامة من المتفلسفة صرفوا هذا القول الی غیر معناه فامعنوا فی الالحاد و القول بقدم العالم فهذا صنف و خصوه باسم الاثیر و الصنف الثانی صنف متهیئ لقبول الصورة المتضادة فیكون تارة هذا بالفعل و ذلك بالقوة و تارة بالعكس و سموه العنصر فجعلوا الاجسام اثیریة و عنصریة و الزموا بعد هذا تابعیهم من الطبیعیین ان یعتقدوا ان كل جسم فیه قوة هی مبدأ حركة له بالذات و ان یعتقدوا ان الصانع الحق لم یجعل للاجسام حركات ذاتیة مختلفة الا و لها مبادی حركات ذاتیة مختلفة و انه لم یجعل فیها مبادی مختلفة للحركات الا و تلك الاجسام مختلفة الانواع كالنار و الارض فذی صاعدة بالذات و تلك هابطة بالذات
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 47
و المحرك هو الا له تعالی و لكن بتوسط اعتماد خلق فیهما ذاتی للنار و ذاتی للارض و هذا الاعتماد و هو مبدأ الحركة یسمی طبیعة ان كان كونه مبدأ للحركة و السكون علی سبیل التسخیر مجرد عن القصد و نفسا ان كان مبدأ لهما علی سبیل قصد و عسی النفس لیس باعتماد بل مبدأ النوع من الاعتماد فهذه هی الاصول التی قبلها الطبیعیون من الالهیین (فصل) ثم ان الطبیعیین فی درجتهم لاخت لهم اصول اخری فلزم لهم ان یكون كل جسم بسیط یختص باین محض یخصه غیر مشارك فیه و المركب یمیل الی جهة الغالب من البسائط فیه و انه لا یمكن ان یكون لجسم بسیط متفق النوع مكانان طبیعیان و لا مكان واحد لجسمین بسیطین و ان كل جسم بسیط اذا حصل فی مكانه الطبیعی لم یتحرك عنه إلا قسرا و اذا فارقه تحرك الیه طبعا و تلك الحركة علی الاستقامة و ان الجسم الذی لیس من شانه ان یفارق موضعه الطبیعی فلیس فیه مبدأ حركة مستقیمة اصلا لیس كل جسم لیس فیه مبدأ حركة مستقیمة أصلا ففیه مبدأ حركة مستدیرة ضرورة و ذلك فی مكانه الطبیعی و ان ما كان كذلك فیوجب القیاس البرهانی انه لا ضد لحركته الطبیعیة و ان ما كان كذلك فیوجب القیاس البرهانی انه لا ضد لطبیعته و ان الا ما كن
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 48
لا تتعین للاجسام المستقیمة الحركة الا بعد تعین الجهات و ان الجهات لا تتعین الا بعد تعین حدود لها و الیها النسبة فیكون السفل هو ما یأخذ الی نقطة ما أو حد ما أو العلو و كذلك فی مقابلته و لا یجوز ان یكون السفل بلا نهایة و العلو بلا نهایة الا فلم صار هذا سفلا و هذا علوا و بما ذا تمیز أو تضاد أو كلام طویل برهانی فی بیان هذا أو فی ان الجهات لا تتعین أطرافها و حدودها الا بالنسبة الی جسم متقدم علی حدود الجهات بالذات فیكون غایة القرب عنه حد جهة و غایة البعد عنه حد جهة و ان غایة القرب و غایة البعد لا یتحدد فی فضاء غیر متناه أو ملاء غیر متناه كیف كان بل یتحدد علی سبیل المركز و المحیط فیكون المركز غایة قرب أو بعد و المحیط غایة قرب أو بعد و لا یمكن فیما برهنوا ان یكون علی جهة أخری. و قالوا لا یمكن ان یكون مقدارا غیر متناه لا ملاء و لا خلاء و ان الكل متناه و ان نهایته هناك الجسم الذی بالقیاس الیه تتحد جهات حركات الاجسام المستقیمة الحركة و بالجملة الشعب من هذه الأصول ثمانمائة مقدمة دقیقة یتوصل بها الی تحقیق الكلام فی الاركان الأولی للعالم الجسمانی التی بعضها أركان عالم العنصر أعنی الارض و الهواء و الماء و النار و بعضها أركان العالم الاثیر أعنی الأفلاك و الكواكب فعرف منها ان عددها
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 49
العدد التام و نظامها النظام الأفضل و التدبیر فیها تدبیر واحد و انه لا تفاوت فیها و لا فطور و ظهر للحكماء الطبیعیین فی الأجسام البسیطة و المركبة غیر الحیوانیة تسعة آلاف دلیل علی تدبیر الحكیم و قد عد و عرف فی الكتب الحكمیة أربعة آلاف دلیل حكمة و حكم فی الحیوان و الانسان یشتمل علی كثیر من ذلك كتاب منافع الاعضاء لجالینوس فاستقر ان اجساما قبل العناصر بالطبع لا بالزمان هی بسیطة لانها قبل البسائط و ان حركاتها مستدیرة و انها مجوفه تحشی بالعناصر و ان التسفل تباعد عنها الی جهة المركز الموهوم و ان الصعود اقتراب الیها الی جهة المحیط و ان الحركات الطبیعیة الأولی التی للأجسام البسیطة ثلاثة حركة تخص الاجسام الاثیریة و هی التی علی الوسط و حركتان تخصان الاجسام العنصریة و هما اللتان احداهما الی الوسط للثقال و الاخری عن الوسط للخفاف و ان الحركتین المستقیمتین لا یعرضان للاجسام العنصریة الا اذا حدث فیها حادث غریب و هو الخروج عن مواضعها الطبیعیة و اما لم قیل ان هذه الاحوال هی هكذا و لم كان یجب فی نفس الوجود و التدبیر المحكم ان یكون هكذا و ما الحكمة فی الحركة المستدیرة و لم هی و لم بعضها شرقیة و بعضها غربیة و لم الافلاك مشفة و الكواكب منیرة و لم الافلاك اوج و حضیض
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 50
و لم لها او فیها فلك تدویر و لم حركات الافلاك التی تحت الفلك الأول بطیئة و الحركة الاولی بغایة السرعة و لم الكواكب میل و عرض عن منطقة الحركة الاولی شمالا و جنوبا و لم كانت الطبائع العنصریة الاولی اربعا و لم كانت الارض فی غایة البعد عن الفلك و النار فی غایة القرب و لم كانت النار و الهواء و الماء مشفة عدیمة اللون و كانت الارض ملونة و لم كانت العناصر یحیط بعضها ببعض الا الماء فانه لا یحیط بالارض و ما السبب الطبیعی فیه الذی ینتهی الی المبدأ الفاعلی و ما السبب السیاسی فیه الذی ینتمی الی المبدأ الغائی و لم كانت المسكونة شمالا و ربعا فذلك یضیق عنه مثل هذا القصد و مباحث اخری مثل هذه اذا عرفت ذلك دلك علی حكمة الصانع تعالی و عرفت ان المعرفة بكل شی‌ء افضل من الجهل به و انه لیس شی‌ء من العلوم حریا بالهجر و ان الناس اعداء ما جهلوا و ان الحق تعالی واحد بذاته متفق من جمیع جهاته و ان مقتضی العقل الصریح لا ینافی موجب الشرع الصحیح (فصل) ان القوة التی تسمی طبیعیة قد تكون فی الاجرام البسیطة و قد تكون فی الاجرام المركبة اما فی الاجرام البسیطة فمثل الطبیعة الناریة التی هی محرقة لما من شانه ان یحترق و مصعدة لما من شانه ان یصعد و مخمدة لاشیاء
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 51
و محللة لاشیاء و لها أولا فی النار نفسها فعل هو التمییل الی فوق و احداث السخونة المحسوسة فیه ثم بتوسط ذلك یفعل فی الملاقیات للنار و أما فی الاجرام المركبة مثل الطبیعة التی للسقمونیا فی اسهال الصفراء و للافتیمون فی اسهال السوداء و هذه الطبیعة حادثة فی جوهر السقمونیا بعد حدوث مزاجه و هی زیادة طبع مستفاد له بالمزاج لم تكن فی عناصره فان للمركبات طبیعتین طبیعة مستفادة من العناصر كما ان الحرارة الغالبة فی السقمونیا لأجل ان العنصر الحار و هو النار فیها أغلب و اكثر بالقوة من العنصر البارد و طبیعة حاصلة لها بعد المزاج من العناصر كاسهال الصفراء و هذه الطبیعة الحاصلة بعد المزاج تسمی باسم خاص و هو الخاصیة ثم الجهال من الطبیعیین و من یتشبه بهم یأخذون فی طلب علة لوجود هذه الخاصیة مستفادة من العناصر كما انهم یطلبون أیضا ان یخیل لهم كل قوة و كل طبیعة حتی تصیر مرتسمة فی القوة المصورة. و كلا الطلبین محال.
أما الأول فلان غایة ما یمكن ان یعطی من السبب وجود الطبائع للمطبوعات أسباب ثلاثة. أحدها الفاعل و هو تدبیر الصانع وجوده و عدله و اعطاؤه كل شی‌ء ما یوجب الحكمة و الجود اعطاه ایاه فالصانع أعطی الهیولی التی ابدعها من الصور ما كان یجب فی حكمته وجوده
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 52
علی التقسیم و التقسیط الذی كان یقتضیه عدل تقدیره. و الثانی القابل و هو ان القابل كان مستعدا لهذا الضرب من التخلیق و التصویر و التطبیع و التقویة و كان استعداد ما یحصل له قبل التركیب و فی حال البساطة و استعداد آخر یحصل له بعد التركیب و المزاج و بحسب كل نوع من التركیب و المزاج یحدث استعداد آخر. و الثالث الغایة و هو الغرض الحكمی الذی صنع الصانع ما صنع لا جله و له الخلق و الامر تعالی عما یصفه به الجاهلون و اما ما وراء هذا فمحال ان یطلب كیفیة استفادة امر من العناصر له و العناصر عادمة له اذا جل البحث عن كیفیة حدوث الاستعداد بالمزاج مما یسوغ العقل الاشتغال به الا ان اكثر ذلك مما یقصر الذهن الانسانی عن ادراكه و العجب من هؤلاء اذ هم لا یتعجبون من النار كیف تفرق المجتمع و كیف تحیل اجساما كثیرة الی مثل طبیعته فی ساعة و لا یشتغلون بالبحث عن علته و غایة ما یحصون عنه لو سئلوا عن ذلك ان یقولوا لان النار حارة ثم السؤال لازم فی ان الحار لم یفعل هذا فیكون منتهی الجواب الطبیعی ان یقال ان الحرارة قوة من شأنها ان تفعل هذا الفعل ثم ان سئلوا بعد هذا انه لم كان هذا الجسم حارا دون البارد و لم یكن جوابهم الا الجواب الالهی ان ارادة الصانع هكذا اقتضت ثم
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 53
یتعجبون من المغناطیس اذا جذب الحدید و یشتغلون بالبحث عن علته و لا یقنعون بجواب المجیب لان فی المغناطیس قوة جاذبة للحدید و ان وجودها بسبب ارادة الصانع عند استعداد المادة و یسخرون ممن یجیب هذا الجواب و لیس هذا الجواب قاصرا عن الجواب الأول ثم یخترعون لذلك عللا فاضحة و وجوها شنعة و لیس جذب الحدید هو بحاله سالم باعجب من تسییله و تلیینه و اذابته كالماء فان النار تفعل ذلك اذا اوقدت بتدبیر و بتحریك الی فوق صاعدا فان للنار ایضا ان تفعل ذلك فی الحدید اذا أوقدت بتدبیر لكن القوم یتعجبون مما استندروه فالهمهم التعجب و البحث عن العلة و لم یعرض لهم ذلك فیما كثرت مشاهدتهم له و الدلیل علی ذلك ان فی المركبات ما حكمه أعجب من حكم المغناطیس فی جذب الحدید و هذا هو الحیوان الحساس المتحرك بالارادة الذی یغتذی و ینمو و یولد بل الانسان و ما یخصه من الاحكام الانسانیة و هؤلاء القوم المتفلسفة لما لم یعرفوا الاصول و اخذوا یتعجبون من النار و اخذوا ینكرون ایضا ذلك النادر اذا لم یضطرهم الی الاقرار به المشاهدة فانكروا الوحی و معجزات الانبیاء علیهم الصلاة و السلام و الرؤیا و العین و الكهانة و الوهم و العرافة و كثیرا من امثال هذه الأشیاء* و اما المحققون من الحكماء ففرقة
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 54
موجبة لوجود جمیع هذه الأشیاء لما امعنت فی البحث امعانا مستقصیا و فرقة مجوزة لما كادت ان تبلغ درجتهم و لم تبلغ بعد و المشهورون من اهل الدرجة الاولی عددهم قلیل و یوشك ان یكون عدد من اعرفه منهم فی هذه الستة آلاف سنة من المتفلسفة ثلاثة او اربعة و لهذا نحن ننكر ان یشتغل الناس بهذه العلوم فان المستعدین لها قلیل و المستفرغین من المستعدین اقل و الصابرین بعد الفراغ اقل كثیرا و اللّه تعالی نسأل ان یعصمنا من الضلالة و ان یسلك بنا سواء السبیل و یجنبنا ادعاء الفضل فهو ولی الرحمة و اما الطلب الثانی فلانا انما یمكننا ان نحیل بالقول ما كان نفسه محسوسا من جنس الالوان و الأراییح و الطعوم و الأصوات و الملامس و ایضا ما یجری معها كالاشكال و الحركات و السكونات و المقادیر و الاعداد و الاوضاع و مع ذلك فان القول منا لا یكون موقعا للخیال بل مذكرا او منبها فان المحسوس لا یمكن ان یخیل البتة الا بالقول الا ان یكون لیسبق لمثله خیال فیذكر بالقول و اما ابتداء الا ان یقرب المحسوس من الحاسة و لهذا لا یمكن ان یفهم الا كمه هیئة لون و العنین لذة جماع فكیف ما لیس ذاته محسوسة البتة و مع ذلك بالقول و القول لا یخیل المحسوس فضلا عن غیر المحسوس و لیس جمیع القوی و العوارض
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 55
التی فی الأجسام بداخلة فی الحس فان الممراضیة و المصاحیة و الأخلاق و الانفعالات النفسانیة كلها مثل الغضب و الخوف و غیر ذلك مما لا یتخیل و لا یخیل أیضا فان القاصرین من الطبیعیین یظنون أن طبیعة الماء الباردة و طبیعة النار الحارة یحس كلا فان الماء فیه معنیان یسمیان كلاهما بالبرد و فی النار معنیان یسمیان كلاهما بالحر و هما مفترقان واحدها صورة داخلة فی الحد و الآخر عرض و خارج عن الحد و لیس البرد الذی یحدثه الماء هو هذا البرد المحسوس الذی یزول و لا یعدم الماء كما انه لیس النطق الذی یحدثه الانسان هو هذا النطق المحسوس الذی ینقطع و لا یعدم الانسان بل كما ان النطق الداخل فی حد الانسان هو القوة الاولیة التی اذا حصلت للانسان كان إنسانا و اعرض بها لامور اظهرها النطق و افضلها النطق اذا صحت البنیة و لیس لتلك القوة فی اصطلاح الجمهور تسمیة و اخترع اهل الصناعة لها اسما من هذا الفعل الصادر عنها فكذلك البرد الذی یدخل فی حد الماء و هو القوة و الطبیعة التی بها یتقوم الماء فیتبعها و یلزمها امورا افضلها التبرید لجسمها اذا لم یكن عالق و لیس لها عند الجمهور تسمیة ففرض لها من هذا الفعل اسم فهذا هو البرد الداخل فی حد الماء و لیس بمحسوس البتة فلا یتوقعن منا ان ننسب طبائع
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 56
الاجسام و قواها كلها الی جهة تتخیل لها للحس (فصل) فلنقرر الآن ما تخمر علیه رأی الاوائل فی جوهر الفلك و ذلك بعد ان نذكر مما اسلفناه من القول ان طلبین قد ارتفعا عنا احدهما ان الفلك من ای الاجسام كون و ذلك لان الفلك قد قلنا انه بسیط فلا یجوز ان یكون تكونه من اجسام اخری علی سبیل التركیب و المزاج و قد قلنا ان صورته المختصة بالمادة لا ضد لها فلا یجوز ان یكون تكونه من جسم آخر كما یكون الماء من الهواء بان یبرد و یفارق الحر لان الصورة التی تكون فی مادة یجب ان یعقب زوالها صورة اخری او تفسد المادة هی مضادة للصورة الاولی بل وجود جوهر الفلك من امر الباری و هو علی سبیل الاختراع و الابداع و هذا لا ینافی الكتاب العزیز فان الكتاب دل علی ان الفلك كالدخان فهذا یدل علی ان جوهر السماء كان علی حال اخری اختراعیة لا انه كان علی صورة اخری طبیعیة و الطلب الثانی هو انا كیف نتخیل طبیعته التی تخصه اما من جهته شكله المستدیر و حالته فی اشفاف جواهر منه و استنارة اخری و انه لیس من الانمساك بحیث لا یمكن ان یندفع فیه جسم یفرقه فانه یمكن ان یخیل و اما القوة الطبیعیة التی تخصه فلا یمكن ان تخیل فوق ان ندل علیها بافعالها و بعد هذا فانا نجمل
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 57
القول فی طباع الفلك ثم نفصل اما القول المجمل فهو ان الفلك جوهر جسمانی مستدیر الشكل و الحركة بالطباع و لا یتزحزح عن موضعه الطبیعی و لا ایضا یسكن علی موضع واحد فی موضعه الطبیعی و قوته و طبیعته مبدأ للاحوال العارضة الحادثة فی عالم العنصر و ان حركته المستدیرة علی سبیل التسبیح لامر اللّه تعالی امره و لا یمكن ان یتحرك بالاستقامة البتة و لیس من شانه ان ینفعل من الاجسام العنصریة البتة فجملة التعریف الذی علی قوته هی انها قوة فعلها فی جسمها التحریك المستدیر فی الموضع الطبیعی طاعة لامر اللّه تعالی و افاضة قوی فعالة فی جواهر ما تشتمل علیه من الاجسام العنصریة فیكون هذا خاصتها و قوتها بالقیاس الی الاجسام العنصریة ان خاصیة الاجسام العنصریة بالقیاس و قوة بالقیاس الی الاجسام العنصریة بالقیاس الیها انها غیر متحركة البتة فی امكنتها الطبیعیة و غیر متحركة بالطبع البتة الا فی امكنة غریبة فلیست متحركة بالطبع الا مستقیمة و انها دائمة الانفعال عن الاجسام الاثیریة و كما ان العنصریة لاشتراكها فی هذه الخاصیة لا یجب ان یمتنع فیها الاختلاف بالنوع كذلك الاثیریة و ان اشتركت فی الخاصیة المباینة لطبیعة كل حار و بارد و خفیف و ثقیل فلا یمنع ان تختلف فی طباعها فتختلف لذلك
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 58
اما كنها ما تختلف حركاتها و تختلف افعالها و اذا بلغنا هذا المبلغ فان الطبیعیین یجدون لهذه الاجرام افعالا فی اجرام هذا العالم مختلفة تدل علی اختلاف طبائعها الذاتیة. فالذی یشبه ان یفیض من الجرم الاقصی فی هذا العالم اما فی الاجسام فهو الاستعداد الكلی للمادة الكلیة الی الجسم الكلی و اما فی الانفس فالتهیؤ لقبول العقل بالفعل الذی هو العلم الیقین. و الذی یشبه ان یفیض من الجرم الذی یتلوه و هو فلك الكواكب الثابتة فتتمیمه ما ینبعث عن الجرم الأول الاقصی بان یؤتیه شكلا و ترتیبا و وضعا طبیعیا و اما فی الانفس فالاستعداد لقبول الرای المحمود الذی هو الظن الراسخ المتعارف و به تتم معاشرة اشخاص الناس بعضهم مع بعض. (و كوكب زحل) یفیض منه قوة تفعل فی الاجسام بردا و جمودا و یبسا و اذعانات للتغیر و استحالة فی الانفس استعدادا لقبول التخیل و الذكر و التفكر و التوهم و له فی صنف صنف فعل (و كوكب المشتری) یفیض منه فی الاجسام قوة تحفظ كمال كل جسم و تهیئ كل مركب للثبات علی اعتداله الذی یخصه و فی الانفس تهیؤ لقبول قوة الحس و اما (المریخ) فانه یفیض منه فی الاجسام قوة تفعل فیها حرارة غریزیة و اذعانا للتغیر و الاستحالة و بهذا الثانی یشارك زحل و اما
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 59
فی الانفس فتهیئ النفس الغضبیة للحركات الزائدة و أما الشمس فیفیض منها فی الاجسام قوة تهیئ المركبات لقبول كمالاتها المزاجیة و تعطیها الحرارة الغریزیة و فی الانفس قبول تهیئ الانفس الطبیعیة الی الحركات الزائدة و ربما اثرت فی الانفس الانسانیة فضل حركة الی التسلط و أما الزهرة فیفیض منها فی الاجسام قوة تفیدها برودة و موافقة و فی الانفس استعداد القوة المولدة و ربما اثرت فی الانفس الانسانیة زیادة فضل حركة الی الفرح و اللذة و اما عطارد فیفیض منه فی الاجسام قوة تفیدها الیبس الطبیعی و فی الانفس استعداد للقوة المربیة و ربما اثرت فی الانفس الانسانیة زیادة جلاء الذهن و تمكین للعقل من الخیال و حركة الی التخیل و أما القمر فیفیض منه فی الاجسام قوة تفیدها الرطوبة الطبیعیة و تعمل فیها و فی الانفس استعداد للقوة الغاذیة و ربما اثرت فی الانفس الانسانیة هیئة تكون بها سریعة التحول و التبدل عن خلق و قصد الی آخر. ثم لكل منها فی كل نوع فعل یخصه و كما ان الشمس البیضاء تسود و الحركة لا حرارة لها تسخن فكذلك یجوز ان تسخن الشمس بتوسط شعاعها و هی غیر حارة و یبرد زحل و هو غیر بارد و كذلك فی فعل فعل و یشبه ان تكون الشعاعات حوامل القوی الفائضة و اللّه اعلم و احكم. (تمت الرسالة بحمد اللّه)
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 60

الرسالة الثالثة فی القوی الانسانیة و ادراكاتها

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم قال الشیخ الرئیس ابو علی الحسین بن عبد اللّه بن سینا رحمه اللّه ان الانسان لمنقسم الی سرو علن. اما علته فهذا الجسم المحسوس بأعضائه و امشاجه و قد وقف الحس علی ظاهره و دل التشریح علی باطنه. و اما سره فقوی روحه فصل ان قوی روح الانسان تنقسم الی قسمین قسم موكل بالعمل و قسم موكل بالادراك و العمل ثلاثة اقسام نشئ و انسانی و حیوانی و الادراك قسمان حیوانی و انسانی. و هذه الاقسام الخمسة موجودة فی الانسان و یشاركه فی كثیر منها غیره العمل النشئی فی غیره حفظ الشخص و تنمیته بالغذاء و حفظ النوع بالتولید و قد سلط علیهما احدی قوی روح الانسان و قوم یسمونها القوی النباتیة و لا حاجة بنا الی شرحها فیما
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 61
یخصه من الجهة العمل الحیوانی جذب النافع و تقتضیه الشهوة و دفع الضار و یستدعیه الخوف و یتولاه الغضب و هذه من قوی روح الإنسان العمل الإنسانی اختیار الجمیل و النافع فی القصد العبور الیه بالحیاة العاجلة و سد فاقة الشقة علی العدل و یهدی الیه عقل یفیده التجارب و یفیده التأدیب فیؤتیه العیش بعد صحة العقل الاصیل. الادراك یناسب الانتفاش فكما ان الشمع اجنبی عن الخاتم حتی اذا عانقه معانقة ضامة اخذ عنه بمعرفة و مشاكلة صورة كذلك المدرك یكون اجنبیا عن المدرك فاذا اختلس عنه صورته عقد معه المعرفة كالحس یأخذ من المحسوس صورة یستودعها الذكر فیتمثل فی الذكر و ان غاب المحسوس الإدراك الحیوانی إما فی الظاهر و اما فی الباطن فالادراك الظاهر هو بالحواس الخمس التی هی المشاعر و الادراك الباطن من الحیوان بالوهم و حوله كل حس من الحواس الظاهرة یتأثر من المحسوس مثل كیفیته فان كان المحسوس قویا خلف فیه صورته زمانا و ان زال كالبصر اذا احدق الی الشمس تخیل فیه شبح شمس فاذا اعرض عن جرم الشمس بقی فیه ذلك الأثر زمانا و ربما استولی علی غریزة الحدقة فأفسدها و كذلك السمع اذا اعرض عن الصوت القوی باشرة طنین متعب مدة ما و كذلك حكم
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 62
الرائحة و الطعم و هذا فی اللمس أظهر البصر مرآة یتشبح فیها خیال المبصر ما دام یحاذیه فاذا زال و لم یكن قویا انسلخ السمع جونة یتموج فیها الهواء المنفلت المتصاك علی شكله فیسمع اللمس عضو معتدل یحس بما یحدث فیه من استحالة بسبب ملاق مؤثر و كذلك حال الشم و الذوق. ان وراء المشاعر الظاهرة شبكا و حبائل لاصطیاد ما یقتنصه الحس من الصور من ذلك قوة تسمی مصورة و قد رتبت فی مقدم الدماغ و هی التی تستثبت صور المحسوسات بعد زوالها عن مسامتة الحواس و ملاقاتها و تزول عن الحس و یبقی فیها.
و قوة تسمی و هما و هی التی تدرك من المحسوس ما لا یحس مثل القوة التی فی الشاة التی اذا تشبح صورة الذئب فی حاسة الشاة تشبحت عداوته و ردائته فیها اذا كانت الحاسة لا تدرك ذلك. و قوة تسمی حافظة و هی خزانة ما یدركه الوهم كما ان الصورة خزانة ما یدركه الحس.
و قوة تسمی مفكرة و هی التی تتسلط علی الودائع فی خزانتی المصورة و الحافظة فتخلط بعضها ببعض و تفصل بعضها من بعض و انما تسمی مفكرة اذا استعملها روح الانسان و العقل فان استعملها الوهم تسمی متخیلة (الحس) لا یدرك صرف المعنی بل خلطا و لا یستثبته بعد زوال المحسوس فان الحس لا یدرك زیدا من حیث هو صرف
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 63
انسان بل انسان له زیادة أحوال من كم و كیف و این و وضع و غیر ذلك لو كانت تلك الاحوال داخلة فی حقیقة الانسانیة لتشارك فیها الناس كلهم و الحس مع ذلك ینسلخ عن هذه الصور اذا فارقه المحسوس و لا یدرك الصورة الا فی المادة و الا مع علائق المادة (الوهم) و الحس الباطن لا یدرك المعنی صرفا بل خلطا و لكنه یستثبته بعد زوال المحسوس فان الوهم و التخیل ایضا لا یحضران فی الباطن صورة انسانیة صرفة بل علی نحو ما یحس من خارج مخلوطة بزوائد و غواشی من كم و كیف و این و وضع فاذا حاول ان یتمثل فیه الانسانیة من حیث هی انسانیة بلا زیادة اخری لم یمكنه ذلك انما یمكنه استثبات صورة الانسانیة المخلوطة المأخوذة من الحس و ان فارق المحسوس الروح الانسانیة هی التی تتمكن من تصور المعنی بحده و حقیقته منفوضا عنه اللواحق الغریبة مأخوذا من حیث یشترك فیه الكثیر و ذلك بقوة تسمی العقل النظری و هذه الروح كمرآة و هذا العقل النظری كصقالها و هذه المعقولات ترتسم فیها من الفیض الالهی كما ترتسم الأشباح فی المرایا الصقیلة اذا لم یفسد صقالها بطبع و لم تعرض بجهة صقالها عن الجانب الأعلی مشتغلة بما تحتها من الشهوة و الغضب و الحس و التخیل فاذا أعرضت عن هذه
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 64
و توجهت تلقاء عالم الأمر لحظت الملكوت الأعلی و اتصلت باللذة العلیا (الروح القدسیة) لا تشغلها جهة تحت عن جهة فوق و لا یستغرق الحس الظاهر حسها الباطن و یتعدی تأثیرها الی بدنها بلا أجسام العالم و ما فیه و تقبل المعقولات من الروح الملكیة بلا تعلیم من الناس* الأرواح العامیة الضعیفة اذا مالت الی الباطن غابت عن الظاهر و اذا مالت الی الظاهر غابت عن الباطن و اذا و كنت من الظاهر الی مستقر غابت عن الآخر و اذا جنحت من الباطن بلا قوة غابت عن الأخری فلذلك التبصر یحل فی السمع و الخوف یشغل عن الشهوة و الشهوة تشغل عن الغضب و الفكرة تصد عن التذكر و التذكر یصد عن التفكر فصل الروح القدسیة.
لا یشغلها شأن عن شأن. فی الحس المشترك بین الباطن و الظاهر قوة هی مجمع تأدیة الحواس و عندها بالحقیقة الاحساس و عندها ترسم صورة آلة تتحرك بالعجلة فتبقی الصور محفوظة فیها و ان زالت حتی تحس. كخط مستقیم أو خط مستدیر من غیر ان یكون كذلك الا ان ذلك لا یطول اثباته فیها و هذه القوة أیضا مكان لتعذر الصور الباطنة عند النوم فان المدرك بالحقیقة ما یتصور فیها سواء ورد علیها من خارج أو صدر الیها من داخل فما تصور فیها حصل مشاهدا
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 65
و لربما حزب الباطن فی شغله ما اشتد من حركة الباطن اشتدادا فان امتهنها الحس الظاهر تعطلت علی الباطن و اذا عطلها الظاهر تمكن منها الباطن الذی لا یهدأ فتشبح فیها مثل ما یحول فی الباطن حتی یصیر مشاهدا كما فی النوم و لربما حزب الباطن حازب حد فی شغله فاشتدت حركة الباطن اشتدادا یستولی سلطانه فحینئذ لا یخلو من وجهین اما ان یعدل العقل حركته و یغشأ غلیانه و اما ان یعجز عنه فیقرب من جواره فان اتفق من العقل عجز و من الخیال تسلط قوی ما یمثل فی الخیال قوة یتأثر لها فی هذه المرآة فیتصور فیها الصور المتخیلة فتصیر مشاهدة كما یعرض لمن یغلب فی باطنه استشعار امر او تمكن خوف فیسمع اصواتا و یبصر اشخاصا و هذا التسلط ربما قوی الباطن و قصرت عنه ید الظاهر فلاح فیه سر من الملكوت الاعلی فاخبر بالغیب كما یلوح فی النوم عند هدو الحواس و سكون المشاعر فیری الاحلام و ربما ضبطت القوة الحافظة الرؤیا كلها فلم تحتج الی عبارة و ربما انتقلت القوة المتخیلة بحركاتها التشبیهیة عن المرأی بنفسه الی امور تجانسه فحینئذ تحتاج الی التعبیر و التعبیر هو حدس من المعبر یستخرج فیه الاصل من الفرع. لیس من شأن المحسوس من حیث هو محسوس ان یعقل و لا من شأن المعقول من
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 66
حیث هو معقول ان یحس و لن یستتم الاحساس الا بآلة جسمانیة فیما یتشبح صورة المحسوس تشبحا مستعجبا للواحق غریبة و لن یستتم الادراك العقلی بآلة جسمانیة فان المتصور فیها مخصوص و العام المشترك فیه لا یتصور فی منقسم بل الروح الانسانیة التی تتلقی المعقولات بالعقول جوهر جسمانی و لا متجزئ و لا متمكن بل غیر داخل فی وهم و لا مدرك بالحس لانه من خیر الامر (فصل) الحس تصرفه فیما هو من عالم الخلق و العقل تصرفه فیما هو من عالم الامر و ما هو فوق الخلق و الامر فهو محتجب عن الحس و العقل و لیس حجابه غیر انكشافه كالشمس لو انتقبت یسیرا استعلنت كثیرا* الذات الاحدیة لا سبیل الی ادراكها بل تعرف صفاتها و غایة السبیل الیها الاستبصار بان لا سبیل الیها تعالی عما یصفه به الجاهلون علوا كبیرا فصل الملائكة ذواتها حقیقیة و لها ذوات بحسب القیاس الی الناس فاما ذواتها الحقیقة فامریة و انما یلاقیها من القوی البشریة الروح القدسیة الانسانیة فاذا تخاطبا انجذب الحس الباطن و الظاهر الی فوق فیتمثل لها من الملك بحسب ما یحتملها فرأی ذلك علی غیر صورته و یسمع كلامه صوتا بعد ما هو وحی و الوحی لوح من مراد الملك للروح الانسانی بلا واسطة و ذلك هو الكلام الحقیقی فان
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 67
الكلام انما یراد به تصویر ما یتضمنه باطن المخاطب لیصیر مثله فاذا عجز المخاطب عن حس باطن المخاطب بباطنه مس الخاتم للشمع فیجعل مثل نفسه اتخذ ای المخاطب فیما بین الباطنین سفیرا من الظاهرین فكلم بالصوت او كتب او اشار و اذا كان المخاطب روحا لا حجاب بینه و بین الروح اطلع علیه اطلاع الشمس علی الماء الصافی فانتقش منه الحس المنتقش فی الروح من شانه یسنح الی الحس الباطن و اذا كان قویا فینطبع فی القوة المذكورة فتشاهد فیكون الموحی الیه یتصل بالملك بباطنه و یتلقی وحیه بباطنه یتمثل للملك صورة محسوسه و لكلامه اصوات مسموعة فیكون الملك و الوحی یتأدی الی قواه المدركة من وجهین و لیعرض للقوی الحسیة شبیه الدهش و للموحی الیه شبیه الغشی ثم یتسری عنه فصل لا تظنن ان القلم آلة جمادیة و اللوح بسیط مسطح و الكتابة نقش مرقوم بل القلم ملك روحانی و اللوح ملك روحانی و الكتابة تصور الحقائق فالقلم یتلقی ما فی الامر من المعانی و یستودعه اللوح بالكتابة الروحانیة فینبعث القضاء من القلم و التقدیر من اللوح اما القضاء فیشتمل علی مضمون امره الواحد و التقدیر یشتمل علی مضمون التنزیل بقدر معلوم و منهما یسنح الی الملائكة التی فی السماوات ثم یفیض الی الملائكة التی فی الارضین ثم
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 68
یحصل المقدر فی الوجود كل ما لم یكن ثم كان فله سبب و ان یكون المعدوم سببا لحصوله فی الوجود و السبب اذا لم یكن سببا ثم صار سببا فلسبب صار سببا و ینتهی الی مبدأ تترتب عنه اسباب الأشیاء علی ترتیب عمله فیها فلن تجد فی عالم الكون طبعا حادثا و اختیارا حادثا الا عن سبب و یرتقی الی مسبب الاسباب و لا یجوز ان یكون الانسان مبتدئا فعلا من الافعال من غیر استناد الی الاسباب الخارجة التی لیست باختیار و تستند تلك الاسباب الخارجة الی الترتیب و الترتیب یستند الی التقدیر و التقدیر یستند الی القضاء و القضاء ینبعث عن الامر فكل شی‌ء بقدر فان ظن ظان انه یفعل ما یرید و یختار ما یشاء استكشف عن اختیاره هل هو حادث فیه بعد ما لم یكن او غیر حادث فیه فان كان غیر حادث فیه لزم ان یصحبه ذلك الاختیار منذ وجوده و لزم ان یكون مطبوعا علی ذلك الاختیار لا ینفك عنه و لزم القول بان اختیاره غیر مقضی فیه من غیره و ان كان حادثا فلكل حادث سبب و لكل حادث محدث فیكون اختیاره عن سبب اقتضائه محدث احدثه و اما ان یكون هو او غیره فان كان هو نفسه فلا یخلو اما ان یكون ایجاده للاختیار بالاختیار و هذا یتسلسل الی غیر النهایة او یكون وجود الاختیار فیه لا باختیاره فیكون محمولا علی
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 69
ذلك الاختیار من غیره و ینتهی الی الاسباب الخارجة عنه التی لیست باختیاره فینتهی الی الاختیار الازلی الذی اوجب الكل علی ما هو علیه فانه ان انتهی الی اختیار حادث عاد من الرأس الی الارادة الازلیة* كل ادراك اما ان یكون لشی‌ء خاص كزید او لشی‌ء عام كالانسان و العام لا تقع علیه رؤیة و لا یصل بحاسة و اما الشی‌ء الخاص فاما ان یدرك بالاستدلال او بغیر استدلال و اسم المشاهدة یقع علی ما وجوده فی ذاته الخاصة بعینها من غیر واسطة استدلال فان الاستدلال علی الغائب و الغائب ینال باستدلال و ما لا یستدل علیه و یحكم مع ذلك بابنیته بلا شك فلیس بغائب فهو شاهد و ادراك الشاهد هو المشاهدة و المشاهدة اما بمباشرة و ملاقاة و اما من غیر ملاقاة و مباشرة و هذا هو الرؤیة و الحق الأول لا تخفی علیه ذاته فلیس ادراكه باستدلال فجائز علی ذاته المشاهدة كمال من ذاته فاذا تجلی لغیره مغنیا عن الاستدلال و ان كان بلا مباشرة و لا مماسة كان مرئیا لذلك الغیر حتی لو جازت المباشرة تعالی عنها لكان ملموسا او مذوقا او غیر ذلك و اذا كان فی قدرة الصانع ان یجعل قوة هذا الادراك فی عضو البصر اعنی البصر الذی یكون بعد البعث لم یبعد ان یكون تعالی مرئیا بعد القیامة من غیر تشبیه و لا تكییف و لا
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 70
مسامتة و لا محاذاة تعالی عما یشركون علوا كبیرا تمت الرسالة بحمد اللّه و عونه و حسن توفیقه و الحمد للّه و المنة له و صلواته و تسلیماته علی سیدنا و سندنا و ملاذنا محمد النبی و آله و صحبه* و شیعته و حزبه* آمین
***
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 71

(الرسالة الخامسة) (فی أقسام العلوم العقلیة)

اشارة

سم اللّه الرّحمن الرّحیم الحمد للّه ملهم الصواب* و منور الألباب* و واهب العقل* و المتكفل بالعدل* و صلواته علی المصطفین من أنبیائه خصوصا محمدا النبی و آله (و بعد) فقد التمست منی ان أشیر الی أقسام العلوم العقلیة اشارة تجمع الی الایجاز الكمال* و الی البیان الاكمال* و الی التحقیق التقریب* و الی التثویب الترتیب* فبادرت الی مساعدتك و نزلت عند اقتراحك و لم أتعد شرطك و لا تجاوزت مقالك و استعنت بمن ضمن للمجاهدین فیه الهدایه* و أولی أولیاء المخلصین الرعایه* و ایاه أسأل التوفیق* لسواء الطریق*

(فصل فی ماهیة الحكمة)

الحكمة صناعة نظر یستفید منها الانسان تحصیل ما علیه
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 105
الوجود كله فی نفسه و ما علیه الواجب مما ینبغی ان یكسبه فعله لتشرف بذلك نفسه و تستكمل و تصیر عالما معقولا مضاهیا للعالم الموجود و تستعد للسعادة القصوی بالآخرة و ذلك بحسب الطاقة الانسانیة

(فصل فی أول أقسام الحكمة)

الحكمة تنقسم الی قسم نظری مجرد و قسم عملی. و القسم النظری هو الذی الغایة فیه حصول الاعتقاد الیقینی بحال الموجودات التی لا یتعلق وجودها بفعل الانسان و یكون المقصود انما هو حصول رأی فقط مثل علم التوحید و علم الهیئة. و القسم العملی هو الذی لیس الغایة فیه حصول الاعتقاد الیقینی بالموجودات بل ربما یكون المقصود فیه حصول صحة رأی فی أمر یحصل بكسب الانسان لیكتسب ما هو الخیر منه فلا یكون المقصود حصول رأی فقط بل حصول رأی لأجل عمل فغایة النظری هو الحق و غایة العملی هو الخیر

(فصل فی أقسام الحكمة النظریة)

أقسام الحكمة النظریة ثلاثة، العلم الأسفل و یسمی العلم الطبیعی. و العلم الاوسط و یسمی العلم الریاضی. و العلم الاعلی و یسمی العلم الالهی. و انما كانت أقسامه هذه الأقسام لأن الأمور التی (رسایل)
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 106
یبحث عنها أما ان تكون أمورا حدودها و وجودها متعلقات بالمادة الجسمانیة و الحركة مثل اجرام الفلك و العناصر الأربعة و ما یتكون منها و ما یوجد من الأحوال خاصا بها مثل الحركة و السكون و التغیر و الاستحالة و الكون و الفساد و النشور و البلی و القوی و الكیفیات التی عنها تصدر هذه الأحوال و سائر ما یشبهها فهذا قسم و أما ان تكون أمورا وجودها متعلق بالمادة و الحركة و حدودها غیر متعلقة بهما مثل التربیع و التدویر و الكریة و المخروطیة و مثل العدد و خواصه فانك تفهم الكرة من غیر ان تحتاج فی تفهمها الی فهم انها من خشب أو ذهب أو فضة و لا تفهم الانسان الا و تحتاج الی ان تفهم ان صورته من لحم و عظم و كذلك تفهم التقعیر من غیر حاجة الی فهم الشی‌ء الذی فیه التقعیر. و لا تفهم الفطوسة الا مع حاجة الی فهم الشی‌ء الذی فیه الفطوسة و مع هذا كله فالتدویر و التربیع و التقعیر و الاحدیداب لا توجد الا فیما یحملها من الاجرام الواقعة فی الحركة فهذا قسم ثان و أما ان تكون أمورا لا وجودها و لا حدودها مفتقرین الی المادة و الحركة. أما من الذوات فمثل ذات الأحد الحق رب العالمین و أما من الصفات فمثل الهویة و الوحدة و الكثرة و العلة و المعلول و الجزئیة و الكلیة و التمامیة و النقصان و ما أشبه هذه المعانی. و لما كانت
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 107

(فصل فی أقسام الحكمة العملیة)

لما كان تدبیر الانسان أما أن یكون خاصا بشخص واحد و أما ان یكون غیر خاص بشخص واحد و الذی یكون غیر خاص هو الذی انما یتم بالشركة و الشركة أما بحسب اجتماع منزلی علوی و أما بحسب اجتماع مدنی كانت العلوم العملیة ثلاثة. واحد منها خاص بالقسم الأول و یعرف به ان الانسان كیف ینبغی ان یكون أخلاقه و أفعاله حتی تكون حیاته الأولی و الأخری سعیدة و یشتمل علیه كتاب ارسطاطالیس فی الأخلاق. و الثانی منها خاص بالقسم الثانی و یعرف منه ان الانسان كیف ینبغی ان یكون تدبیره لمنزله المشترك بینه و بین زوجه و ولده و مملوكه حتی تكون حاله منتظمة مؤدیة الی التمكن من كسب السعادة و یشتمل علیه كتاب أرونس فی تدبیر المنزل و كتب فیه لقوم آخرین غیره. و الثالث منها خاص بالقسم الثالث و یعرف به أصناف السیاسات و الرئاسات و الاجتماعات المدنیة الفاضلة و الردیة و یعرف وجه استیفاء كل واحد منها و علة زواله
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 108
وجهة انتقاله ما كان یتعلق من ذلك بالملك فیشتمل علیه كتاب أفلاطون و أرسطو فی السیاسة و ما كان من ذلك یتعلق بالنبوة و الشریعة فیشتمل علیه كتابان هما فی النوامیس و الفلاسفة لا تزید ناموس ما تظنه العامة ان الناموس هو الحیلة و الخدیعة بل الناموس عندهم هو السنة و المثال القائم الثابت و نزول الوحی و العرب أیضا تسمی الملك النازل بالوحی ناموسا و هذا الجزء من الحكمة العملیة یعرف به وجود النبوة و حاجة نوع الانسان فی وجوده و بقائه و منقلبه الی الشریعة و تعرف بعض الحكمة فی الحدود الكلیة المشتركة فی الشرائع و التی تخص شریعة شریعة بحسب قوم قوم و زمان زمان و یعرف به الفرق بین النبوة الالهیة و بین الوعاوی الباطلة كلها

(فصل فی أقسام الحكمة الطبیعیة)

الحكمة الطبیعیة منها ما یقوم مقام الأصل و منها ما یقوم مقام الفرع و أقسام ما یقوم منها مقام الأصل ثمانیة (قسم) به تعرف الأمور العامة لجمیع الطبیعیات مثل المادة و الصورة و الحركة و الطبیعة و الانسان بالنهایة و غیر النهایة و تعلق الحركات بالمحركات و اثباتها الی محرك أول واحد غیر متحرك و غیر متناهی القوة لا جسم و لا فی جسم و یشتمل علیه كتاب الكیان (و القسم الثانی) یعرف به أحوال
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 109
الأجسام التی هی اركان العالم و هی السماوات و ما فیهن و العناصر الأربعة و طبائعها و حركاتها و مواضعها و تعریف الحكمة فیما صنعها و نضدها و یشتمل علیه كتاب السماء و العالم (و القسم الثالث) یعرف منه حال الكون و الفساد و التولید و النشو و البلی و الاستحالات مطلقا من غیر تفصیل و یبین فیه عدد الاجسام الاولة القابلة لهذه الاحوال و لطیف الصنع الالهی فی ربط الارضیات بالسماوات و استبقاء الانواع علی فساد الاشخاص بالحركتین السماویتین اللتین احداهما شرقیة و الاخری غربیة منحرفة عنها و مواجهة لها و یحقق ان هذه كلها بتقدیر العزیز العلیم و یشتمل علیه كتاب الكون و الفساد (و القسم الرابع) نتكلم فیه فی الاحوال التی تعرض فی العناصر الأربعة قبل الامتزاج لما یعرض لها من انواع الحركات و التخلخل و التكاثف بتأثیر السماوات فیها فنتكلم بالعلامات و الشهب و الغیوم و الامطار و الرعد و البرق و الهالة و قوس قزح و الصواعق و الریاح و الزلازل و البحار و الجبال و یشتمل علی ثلاث مقالات من كتاب الآثار العلویة (و القسم الخامس) یعرف منه حال الكائنات و یشتمل علیه كتاب المعادن و هو المقالة الرابعة من الآثار العلویة (و القسم السادس) یعرف منه حال الكائنات
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 110
النباتیة و یشتمل علیه كتاب النبات (و القسم السابع) یعرف منه حال الكائنات الحیوانیة و یشتمل علیه كتاب طبائع الحیوان (و القسم الثامن) یشتمل علی معرفة النفس و القوی الدراكة التی فی الحیوانات و خصوصا التی فی الانسان و نبین ان النفس التی فی الانسان لا تموت بموت البدن و انها جوهر روحانی الهی و یشتمل علیه كتاب النفس و الحس و المحسوس‌

(اقسام الحكمة الفرعیة الطبیعیة)

(فمن ذلك) الطب و الغرض فیه معرفة مبادی البدن الانسانی و احواله من الصحة و المرض و اسبابها و دلائلها لیدفع المرض و تحفظ الصحة (و من ذلك) احكام النجوم و هو علم تخمینی و الغرض فیه الاستدلال من اشكال الكواكب بقیاس بعضها الی بعض و بقیاسها الی درج البروج و بقیاس جملة ذلك الی الارض علی ما یكون من احوال ادوار العالم و الملك و الممالك و البلدان و الموالید و التحاویل و التساییر و الاختیارات و المسائل (و من ذلك) علم الفراسة و الغرض فیه الاستدلال من الخلق علی الاخلاق (و من ذلك) علم التعبیر و الغرض فیه الاستدلال فی المتخیلات الحكمیة علی ما شاهدة النفس من علم الغیب فحیلته القوة المخیلة بمثال غیره
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 111
(و من ذلك) علم الطلسمات و الغرض فیه تمزیج القوی السمائیة بقوی بعض الاجرام الارضیة لیتألف من ذلك قوة تفعل فعلا غریبا فی عالم الارض (و من ذلك) النیر نجیات و الغرض فیه تمزیج القوی فی جواهر العالم الارضی لیحدث عنها قوة یصدر عنها فعل غریب (و من ذلك) علم الكیمیاء و الغرض فیه سلب الجواهر المعدنیة خواصها و افادتها خواص غیرها و افادة بعضها خواص بعض لیتوصل الی اتخاذ الذهب و الفضة من غیرها من الاجسام‌

الاقسام الاصلیة للحكمة الریاضیة

و هی اربعة علم العدد. و علم الهندسة. و علم الهیئة. و علم الموسیقی. علم العدد یعرف منه حال انواع العدد و خاصیة كل نوع فی نفسه و حال النسب بعضها من بعض. و علم الهندسة یعرف منه حال اوضاع الخطوط و اشكال السطوح و اشكال المتسطحات و النسب كلها الی المقادیر كلها انما هی مقادیر و النسب التی لها بما هی ذوات اشكال و اوضاع و یشتمل علیه اصول كتاب اقلیدس. و علم الهیئة یعرف فیه حال اجزاء العالم فی اشكالها و اوضاع بعضها عند بعض و مقادیرها و ابعاد ما بینها و حال الحركات التی للافلاك و التی للكواكب و تقدیر الكرات و القطوع و الدوائر التی بها تتم الحركات
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 112
و یشتمل علیه كتاب المجسطی. و علم الموسیقی یعرف منه حال النغم و یعطی العلة فی اتفاقها و اختلافها او حال الابعاد و الاجناس و المجموع و الانتقالات و الایقاع و كیفیة تألیف اللحون و الهدایة الی معرفة الملاهی كلها بالبرهان‌

و الاقسام الفرعیة للعلوم الریاضیة

من فروع العدد عمل الجمع و التفریق بالهندی. و عمل الجبر و المقابلة* و من فروع الهندسة. علم المساحة. و عمل الحیل المتحركة.
و عمل جر الاثقال. و علم الاوزان و الموازین. و علم آلات الجزئیة.
و علم المناظر و المرایا. و علم نقل المیاه* و من فروع علم الهیئة عمل الزیجات و التقاویم* و من فروع علم الموسیقی اتخاذ الآلات العجیبة الغریبة مثل الأرغنن و ما اشبهه‌

الاقسام الاصلیة للعلم الالهی‌

هی خمسة (الأول) منها النظر فی معرفة المعانی العامة لجمیع الموجودات من الهویة و الوحدة و الكثرة و الوفاق و الخلاف و التضاد و القوة و الفعل و العلة و المعلول (و القسم الثانی) هو النظر فی الاصول و المبادی مثل علم الطبیعیین و الریاضیین و علم المنطق و مناقضة الآراء الفاسدة فیها (و القسم الثالث) هو النظر فی اثبات
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 113
الحق الأول و توحیده و الدلالة علی تفرده و ربوبیته و امتناع مشاركة موجود له فی مرتبة وجوده و انه وحده واجب الوجود بذاته و وجود ما سواه یجب به ثم النظر فی صفاته و انها كیف تكون صفاته و ان الموهوم من لفظ كل صفة ما هو و ان الألفاظ المستعملة فی صفاته مثل الواحد و الموجود و القدیم و العالم و القادر یدل كل واحد منها علی معنی آخر و لا یجوز ان یكون الشی‌ء الواحد الذی لا كثرة فیه بوجه له معان كثیرة كل واحد منها غیر الآخر و تعرف كیف یجب ان تفهم هذه الصفات له حتی لا توجب فی ذاته غیرة و كثرة و لا یقدح فی وحدانیته الذاتیة الحقیقیة (و القسم الرابع) هو النظر فی اثبات الجواهر الأول الروحانیة التی هی مبدعاته و أقرب مخلوقاته منزلة عنده و الدلالة علی كثرتها و اختلاف مراتبها و طبقاتها و الغنی الذی یتعلق بكل منها فی تتمیم الكل و هذه رتبة الملائكة الكروبیین ثم فی اثبات الجواهر الروحانیة الثانیة التی هی بالجملة دون جملة تلك الأولی و دون درجاتها و طبقاتها و أقوالها و هذه هی الملائكة الموكلة بالسماوات و حملة العرش و مدبرات الطبیعة و متعهدات ما یتولد فی عالم الكون و الفساد (و القسم الخامس) فی تسخیر الجواهر الجسمانیة السماویة و الارضیة تلك الجواهر الروحانیة التی بعضها عاملة فی محركة و بعضها آمرة
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 114
مرویة عن رب العالمین وحیه و امره و الدلالة علی ارتباط الارضیات بالسماویات و السماویات بالملائكة العاملة و الملائكة العاملة بالملائكة المبلغة الممثلة و ارتباط الكل بالأمر الذی ما هو الا واحدة كلمح البصر و بیان ان الكل المبدع لا تفاوت فیه و لا فطور و لا فی أجزائه و ان مجراه الحقیقی علی مقتضی الخیر المحض و ان الشر فیه لیس. بمحض بل هو الحكمة و مصلحة و هو ینبع فی جهة خیر فهذه أقسام الفلسفة الأولی أعنی العلم الالهی و یشتمل علیه كتاب ماطاطانوسقا الی ما بعد الطبیعة و یعرف جمیع هذا بالبرهان الیقینی‌

(فروع العلم الالهی)

(فمن ذلك) معرفة كیفیة نزول الوحی و الجواهر الروحانیة التی تؤدی الوحی و ان الوحی كیف یتأدی حتی یصیر مبصر او مسموعا بعد روحانیته و ان الذی یأتی خاصة تكون له تصدر عنه المعجزات المخالفة لمجری الطبیعة و كیف یخبر بالغیب و ان الأبرار الأتقیاء كیف یكون لهم الهام شبیه بالوحی و كرامات تشبه المعجزات و ما الروح الأمین روح القدس و ان الروح الأمین من طبقات الجواهر الروحانیة الثابتة و ان روح القدس من طبقة الكروبیین (و من ذلك) علم المعاد و یشتمل علی تعریف الانسان لو لم یبعث بدنه مثلا
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 115
لكان له ببقاء روحه بعد موته ثواب و عقاب غیر بدنیین و كانت الروح التقیة التی هی النفس المطمئنة الصحیحة الاعتقاد للحق العاملة بالخیر الذی یوجبه الشرع و العقل فائزة بسعادة و غبطة و لذة فوق كل سعادة و غبطة و لذة و انها أجل من الذی صح بالشرع و لم یخالفه العقل انها تكون لبدنه الا ان اللّه تعالی اكرم عباده المتقین علی لسان رسله علیهم السلام بموعد بالجمع بین السعادتین الروحانیة ببقاء النفس و الجسمانیة ببعث البدن الذی هو علیه قدیر ان شاء هو و متی شاء هو و تبین ان تلك السعادة الروحانیة كیف ان العقل وحده طریق الی معرفتها و اما السعادة البدنیة فلا یفی بوضعها الا الوحی و الشریعة و بمثل ذلك یعرف حال الشقاوة الروحانیة التی لانفس الفجار و انها اشد ایلاما و ادامة الشقاوة التی اوعدوا بحلولها بهم بعد البعث و یعرف ان تلك الشقاوة علی من تدوم و عمن تنقطع و اما التی تختص بالبدن فالشریعة اوقفتهم علی صحتها دون النظر و العقل وحده و اما الشقاوة الروحانیة فان العقل طریق الیها من جهة النظر و القیاس و البرهان و الجسمانیة تصح بالنبوة التی صحت بالعقل و وجبت بالدلیل و هی متممة بالعقل فان كل ما لا یتوصل العقل الی اثبات وجوده او وجوبه بالدلیل فانما یكون معه جوازه فقط فان النبوة تعقد علی وجوده
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 116
او عدمه فصلا و قد صح عنده صدقها و یتم عنده صدقها فیتم عنده ما صح و قصر عنه من معرفة و اذ قد اتی وصفنا علی الاقسام الاصلیة و الفرعیة للحكم فقد حان لنا ان نعرف اقسام العلم الذی هو آله للانسان موصلة الی كسب الحكم النظریة و العملیة واقیة عن السهو و الغلط عن البحث و الرؤیة مرشدة الی الطریق الذی یجب ان یسلك فی كل بحث و معرفة حقیقة الصحیح و حقیقة الدلیل الصحیح الذی هو البرهان و حقیقة الجدلی المقارب للبرهان و حقیقة الاقناعی القاصر عنهما و حقیقة المغالطی المدلس منها و حقیقة الشعری الموهم تخیلا و هو صناعة المنطق.

فی اقسام الحكمة التی هی المنطق اقسامها التسعة

(القسم الأول) یتبین فیه اقسام الالفاظ و المعانی من حیث هی ثلاثة و مفردة و یشتمل علیه كتابا ایساغوجی تصنیف فرتوس و هو المعروف بالمدخل (و القسم الثانی) یتبین فیه عدد المعانی المفردة الذاتیة و الشاملة بالعموم لجمیع الموجودات من جهة ما هی تلك المعانی من غیر شرط تحصلها فی الوجود او قوامها فی العقل و یشتمل علیه كتاب ارسطو المعروف بقاطیغوریاس ای المقولات (و القسم الثالث) یتبین فیه تركیب المعانی المفردة بالسلب
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 117
و الایجاب حتی تصیر قضیة و خبرا یلزمه ان یكون صادقا او كاذبا و یشتمل علیه كتاب ارسطو المعروف ببارامیناس ای العبارة (و القسم الرابع) یتبین فیه تركیب القضایا حتی یتألف منها دلیل یفید علما بمجهول و هو القیاس و یشتمل علیه كتاب ارسطو المعروف بانولوطیقا ای التحلیل بالقیاس (و القسم الخامس) یعرف منه شرائط القیاس فی تألیف قضایاه التی هی مقدماته حتی یكون ما یكتسب به یقینا لا شك فیه و علیه یشتمل كتابه المعروف بابانوطیقا الثانیة و مانودوطیقی ای البرهان (و القسم السادس) یشتمل علی تعریف القیاسات النافعة فی مخاطبات من نقص فهمه او علمه عن تبیین البرهان فی كل شی‌ء فی التی لا بد منها للمحاورات التی یراد منها الزام محمود او تحرز عن الزام مذموم و المواضع التی تكتسب منها الحجج فی الجدل و الوصایا المجیب و السائل و یتضمنه كتابه المعروف بطونیقا ای صحة المواضع و یرسم ایضا بدبالقطیقی ای الجدلی و بالجملة تعرف منه القیاسات الاقناعیة فی الامور الكلیة (و القسم السابع) یشتمل علی تعریف المغالطات التی تقع فی الحجج و الدلائل و المجاز و السهو و الزلة فیها و تعدیدها باسرها كم هی و التنبیه علی وجه التحرز منها و یتضمنه كتابه المعروف بسوفسطیقا ای نقض شبه المغالطین
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 118
(و القسم الثامن) یشتمل علی تعریف المقاییس الخطابیة البلاغیة النافعة فی مخاطبات الجمهور علی سبیل المشاورات و المخاصمات فی المشاعرات او المدح او الذم او الحیل النافعة فی الاستعطاف و الاستمالة و الاغراء و تصغیر الامر و تعظیمه و وجوه المعاذیر و المعاتبات و وجوه ترتیب الكلام فی كل قصة و قصة و خطبة و یتضمنه كتابه المعروف بروطور یقی ای الخطابة (و القسم التاسع) یشتمل علی الكلام الشعری انه كیف یجب ان یكون فی فن فن و ما انواع التقصیر و النقص فیه و یشتمل علیه كتابه المعروف بغرانیطقا و یقال رطوریقی ای الشعری* فقد دللت علی اقسام الحكمة و ظهر انه لیس شی‌ء منها یشتمل علی ما یخالف الشرع فان الذین یدعونها ثم یزیغون عن منهاج الشرع انما یضلون من تلقاء انفسهم و من عجزهم و تقصیرهم لا ان الصناعة نفسها توجبه فانها بریئة منهم* فلنختم الآن مقالتنا هذه بالحمد الواهب العقل و التوفیق و الحمد للّه و صلواته علی خیر خلقه محمد و آله الطاهرین و صحابته اجمعین فجملة العلوم المعقولة المضبوطة فی هذه الرسالة العظیمة ثلاثة و خمسون علما
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 119
(الرسالة السادسة فی اثبات النبوات و تأویل رموزهم و امثالهم)
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 120

الرسالة السادسة فی اثبات النبوات و تأویل رموزهم و امثالهم‌

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم قال الرئیس ابو علی الحسین بن سینا رحمه اللّه تعالی (سألت) اصلحك اللّه تعالی ان اجعل جمل ما خاطبتك به فی ازالة الشكوك المتأكدة عندك فی تصدیق النبوة لاشتمال دعاویهم علی ممكن سلك به مسلك الواجب و لم یقم علیه حجة لا برهانیة و لا جدلیة و منها ممتنعة تجری مجری الخرافات التی للاشتغال فی استیضاحها من المدعی ما یستحق ان یهزأ به فی رسالة (فاجبتك) مد اللّه فی عمرك الی ذلك فابتدأت بان قلت ان كل شی‌ء فی شی‌ء بالذات فهو بعد بالفعل ما دام هو و كل شی‌ء فی شی‌ء بالعرض فهو فیه بالقوة و مرة بالفعل و من له ذلك بالذات فهو فیه بالفعل أبدا و هو المخرج لما فیه بالقوة الی الفعل أما بواسطة أو بغیر واسطة مثل ذلك الضوء مرئی بالذات
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 121
و علة الخروج كل مرئی بالقوة الی الفعل و كالنار و هو الحار بالذات و هو المسخن لسائر الأشیاء أما بواسطة تسخینه الماء بتوسطه القمقمة و أما بلا واسطة كتسخینه القمقمة بذاته أعنی مماسة بلا متوسط و لهذا أمثلة كثیرة و كل شی‌ء هو مركب من معنیین فاذا وجد أحد المعنیین مفارقا للثانی وجد الثانی مفارقا له مثاله السكنجبین مركب ممن الخل و العسل فاذا وجد الخل بالعسل وجد العسل بلا خل و كالصنم المصور المركب من نحاس و صورة انسان اذا وجد النحاس بلا صورة انسان وجد تلك الصورة بلا نحاس و كذلك یوجد فی الاستقراء و لهذا أمثلة كثیرة (فأقول) ان فی الانسان قوة تباین به سائر الحیوان و غیره و هی المسماة بالنفس الناطقة و هی موجودة فی جمیع الناس علی الاطلاق و أما فی التفصیل فلا لان فی قواها تفاوتا فی الناس فقوة أولی متهیأة لان تصیر صور الكلیات منتزعة عن موادها لیس لها فی ذاتها صورة و لهذا سمیت العقل الهیولانی تشبیها بالهیولی و هی عقل تام بالقوة كالنار بالقوة مبردة لا كالنار بقوة محرق و قوة ثانیة لها قدرة و ملكة علی التصور بالصور الكلیة لاحتوائها علی الآراء المسلمة العامیة و هو عقل قام بالقوة أیضا كقولنا النار لها علی الاحراق قوة أو قوة ثالثة متصورة بصور الكلیات المعقولة بالفعل
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 122
منها القوتان الماضیتان و خرجتا الی العقل و هو المسمی بالعقل الفعال و لیس وجوده فی العقل الهیولانی بالفعل فلیس وجوده فیه بالذات فاذا وجوده فیه من موجد هو فیه بالذات به خرج ما كان بالقوة الی الفعل و هو الموسوم بالعقل الكلی و النفس الكلی و نفس العالم و اذا كان القبول ممن له القوة المقبولة بالذات علی وجهین أما بواسطة و أما بغیر واسطة و كذلك اذا وجد القبول من العقل الفعال الكلی علی وجهین فأما القبول عنه بلا واسطه فكقبول الآراء العامیة و بدایة العقول و أما القبول بتوسط فكقبول المعقولات الثانیة بتوسط الآلات و المواد و كالحس الظاهر و الحس المشترك و الوهم و الفكرة و اذا كانت النفس الناطقة تقبل كما بینا مرة بتوسط و مرة بغیر توسط فلیس له القبول بغیر توسط بالذات فهو فیه بالعرض فهو فی آخر بالذات مستفاد و هذا هو العقل الملكی الذی یقبل بغیر توسط بالذات و یصیر قبوله علة لقبول غیره من القوی و لیس اختصاص المعقولات الأول بالقبول بغیر توسط الا من جهتین علی الاختصار من أجل سهولة قبولها او من أجل ان القابل لیس یقوی ان یقبل بغیر توسط الا لیسهل قبوله ثم رأینا فی القابل و المقبول تفاوتا فی القوة و الضعف و السهولة و العسورة و كان محالا ان لا یتناهی لأن
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 123
النهایة فی طرف الضعف ان لا یقبل و لا معقولا واحدا بتوسط و لا بغیر توسط و النهایة فی القوة هو ان یقبل بغیر توسط فیكون یتناهی فی الطرفین و هذا خلف لا یمكن و قد بین ان الشی‌ء المركب من معنیین اذا وجد أحد المعنیین مفارقا للثانی وجد الثانی مفارقا له* و قد رأینا أشیاء لا تقبل بغیر واسطة و تقبل بغیر واسطة و وجدنا أشیاء لا تقبل من إفاضات العقل بغیر واسطة و أشیاء تقبل كل الافاضات العقلیة بغیر واسطة و اذا تناهی فی الطرف الضعفی یتناهی فی الطرف القوی و اذا كان التفاضل فی الأسباب یجری علی ما أقول ان من الأسباب ما هی قائمة بذاتها و منها غیر قائمة بذاتها و الأول أفضل. و القائم بذاته أما صورة و اثبات لا فی مواد أو صورة ملابسة للمواد و الأول أفضل.
و لنقسم الثانی اذا كان المطلب فیه و الصور و المواد التی هی الأجسام أما نامیة أو غیر نامیة و الأول أفضل. و الناطق أما ملكة او بغیر ملكة و الأول افضل. و الحیوان اما ناطق او غیر ناطق و الأول افضل. و الناطق اما بملكة او بغیر ملكة و الأول افضل. و ذو الملكة اما خارج الی الفعل التام او غیر خارج و الأول افضل. و الخارج اما بغیر واسطة او بواسطة و الأول افضل. و هو المسمی بالنبی و الیه انتهی التفاضل فی الصور المادیة و ان كان كل فاضل یسود المفضول و یروسه
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 124
فاذا النبی یسود و یروس جمیع الاجناس التی فضلها. و الوحی هذه الافاضة و الملك هو هذه القوة المقبولة المفیضة كأنها علیه افاضة متصلة بافاضة العقل الكلی مجراة عنه لا لذاته بل بالعرض و هو المرئی القابل و سمیت الملائكة بأسامی مختلفة لأجل معانی مختلفة و الجملة واحدة غیر متجزئة بذاتها الا بالعرض من اجل تجزی القابل. و الرسالة هی اذا ما قیل من الافاضة المسماة و حیا علی ای عبارة استصوبت لصلاح عالمی البقاء و الفساد علما و سیاسة و الرسول هو المبلغ ما استفاد من الافاضة المسماة و حیا علی عبارة استصوبت لیحصل بآرائه صلاح العالم الحسی بالسیاسة و العالم العقلی بالعلم. فهذا مختصر القول فی اثبات النبوة و بیان ماهیتها و ذكر الوحی و الملك و الموحی و اما صحة نبوة محمد صلی اللّه علیه و سلم فتبین صحة دعوته للعاقل اذا قاس بینه و بین غیره من الانبیاء علیهم السلام و نحن معرضون عن التطویل* و نأخذ الآن فی حل المرامیز التی سألتنی عنها و قیل ان المشترط علی النبی ان یكون كلامه رمزا و الفاظه ایماء و كما یذكر افلاطون فی كتاب النوامیس ان من لم یقف علی معانی رموز الرسل لم ینل الملكوت الالهی و كذلك اجلة فلاسفة یونان و انبیاؤهم كانوا یستعلمون فی كتبهم المرامیز و الاشارات التی حشوا فیها اسرارهم كفیثاغورس
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 125
و سقراط و افلاطون و اما افلاطون فقد عذل ارسطاطالیس فی اذاعته الحكمة و اظهاره العلم حتی قال ارسطاطالیس فانی و ان عملت كذا فقد تركت فی كتبی مهاوی كثیرة لا یقف علیها الا القلیل من العلماء العقلاء و متی كان یمكن النبی محمدا صلی اللّه علیه و سلم ان یوقف علی العلم اعرابیا جافیا و لا سیما البشر كلهم اذ كان مبعوثا الیهم كلهم. فاما السیاسة فانها سهلة للانبیاء و التكلیف ایضا فكان اول ما سألتنی عنه ما بلغ محمد صلی اللّه علیه و سلم عن ربه عز و جل. اللّه نور السماوات و الارض مثل نوره كمشكاة فیها مصباح المصباح فی زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دری توقد من شجرة مباركة زیتونة لا شرقیة و لا غربیة یكاد زیتها یضی‌ء و لو لم تمسه نار نور علی نور یهدی اللّه لنور من یشاء. و یضرب اللّه الامثال للناس و اللّه بكل شی‌ء علیم (فاقول) النور اسم مشترك لمعنیین ذاتی و مستعار. و الذاتی هو كمال المشف من حیث هو مشف كما ذكر ارسطاطالیس. و المستعار علی وجهین اما الخیر و اما السبب الموصل الی الخیر و المعنیّ هاهنا هو القسم المستعار بكلیّ فی قسمیه اعنی اللّه تعالی خیرا بذاته و هو سبب لكل خیر كذلك الحكم فی الذاتی و غیر الذاتی. و قوله السماوات و الارض عبارة عن الكل و قوله مشكاة فهو عبارة عن العقل
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 126
الهیولانی و النفس الناطقة لان المشكاة متقاربة الجدران جیدة التهیؤ للاستضاءة لان كل ما یقارب الجدران كان الانعكاس فیه اشد و الضوء اكثر و كما ان العقل بالفعل مشبه بالنور كذلك قابله مشبه.
بقابله و هو المشف و افضل المشفات الهواء و افضل الأهویة هو المشكاة فالرموز بالمشكاة هو العقل الهیولانی الذی نسبته الی العقل المستفاد كنسبة المشكاة الی النور و المصباح هو عبارة عن العقل المستفاد بالفعل لأن النور كما هو كمال للمشف كما حد به الفلاسفة و مخرج له من القوة الی الفعل و نسبة العقل المستفاد الی العقل الهیولانی كنسبة المصباح الی المشكاة* و قوله فی زجاجة لما كان بین العقل الهیولانی و المستفاد مرتبة أخری و موضع آخر نسبة كنسبة الذی بین المشف و المصباح فهو الذی لا یصل فی العیان المصباح الی المشف الا بتوسط و هو المسرجة و یخرج من المسارج الزجاجة لأنها من المشفات القوابل للضوء* ثم قال بعد ذلك كأنها كوكب دری لیجعلها الزجاج الصافی المشف لا الزجاج المتلون الذی لا یستشف فلیس شی‌ء من المتلونات یستشف. توقد من شجرة مباركة زیتونة یعنی به القوة الفكریة التی هی موضوعة و مادة للافعال العقلیة كما ان الدهن موضوع و مادة للسراج لا شرقیة و لا غربیة الشرق فی اللغة
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 127
حیث یشرق منه النور و الغرب حیث فیه یفقد النور و یستعار الشرق فی حیث یوجد فیه النور و الغرب فی حیث یفقد فیه النور فانظر كیف راعی التمثیل و شرائطه حین جعل أصل الكلام النور بناء علیه و قربه ثلاث و معادنها فالرمز بقوله لا شرقیة و لا غربیة ما أقول ان الفكریة علی الاطلاق لیست من القوی المحضة النطقیة التی یشرق فیها النور علی الاطلاق فهذا معنی قوله شجرة لا شرقیة و لا هی من القوی البهیمیة الحیوانیة التی یفقد فیها النور علی الاطلاق و هذا معنی قوله و لا غربیة قوله یكاد زیتها یضئ و لو لم تمسسه نار مدح القوة الفكریة ثم قال و لو مسها یعنی بالمس الاتصال و الافاضة و قوله نار لما جعل النور المستعار ممثلا بالنور الحقیقی و آلاته و توابعه بآلاته و توابعه مثل الحامل الذاتی الذی هو سبب له فی غیره بالحامل له فی العادة و هو النار و ان لم تكن النار بذی لون فی الحقیقة فالعادة العامیة انها مضیئة فانظر كیف راعی الشرائط و ایضا لما كانت النار محیطة بالامهات مشبها بها المحیط علی العالم لا احاطة سقفیة بل احاطة تولیة مجازیة و هو العقل الكلی و لیس هذا العقل كما ظن الاسكندر الافرودیسئ و نسب الظن الی ارسطو بالاله الحق الأول لان هذا العقل الأول واحد من جهة و كثیر من حیث هو صور كلیات كثیرة
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 128
فلیس بواحد بالذات و هو واحد بالعرض فهو مستفید الوحدة ممن له ذلك بالذات و هو اللّه الواحد جل جلاله و اما ما بلغ النبی علیه السلام عن ربه عز و جل من قوله تعالی یحمل عرش ربك فوقهم یومئذ ثمانیة (فنقول) ان الكلام المستفیض فی استواء اللّه تعالی علی العرش و من اوضاعه ان العرش نهایة الموجودات المبدعة الجسمانیة و تدعی المتشبهة من المتشرعین ان اللّه تعالی علی العرش لا علی سبیل حلول هذا و اما فی كلام الفلسفی فانهم جعلوا نهایة الموجودات الجسمانیة الفلك التاسع الذی هو فلك الافلاك و یذكرون ان اللّه تعالی هناك و علیه لا علی حلول كما بین ارسطو فی آخر كتاب سماع الكیان و الحكماء المتشرعون اجتمعوا علی ان المعنیّ بالعرش هو هذا الجرم هذا و قد قالوا ان الفلك یتحرك بالنفس حركة شوقیة و انما قالوا یتحرك بالنفس لان الحركات اما ذاتیة و اما غیر ذاتیة و الذاتیة اما طبیعیة و اما نفسیة. ثم بینوا ان نفسها هو الناطق الكامل الفعال ثم بینوا ان الافلاك لا تفنی و لا تتغیر ابد الدهر و قد ذاع فی الشرعیات ان الملائكة احیاء قطعا لا یموتون كالانسان الذی یموت فاذا قیل ان الافلاك احیاء ناطقة لا تموت و الحی الناطق الغیر المیت یسمی ملكا فالافلاك تسمی ملائكة فاذا تقدم هذه المقدمات و صح ان العرش
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 129
محمول ثمانیة و وضح ان تفسیر المفسرین انها ثمانیة افلاك و الحمل یقال علی وجهین حمل بشری و هو اولی باسم الحمل كالحجر المحمول علی ظهر الانسان و حمل طبیعی كقولنا الماء محمول علی الارض و النار علی الهواء و المعنیّ هاهنا هو الحمل الطبیعی لا الأول* و قوله یومئذ و الساعة و القیامة فالمراد بها ما ذكره الشارع ان من مات قامت قیامته و لما كان تحقیق نفس الانسانیة عند المفارقة آكد جعل الوعد و الوعید و اشباههما الی ذلك الوقت* و اما ما بلغ النبی علیه الصلاة السلام عن ربه عز و جل ان علی النار صراطا صفته انه احد من السیف و ادق من الشعر و لن یدخل احد الجنة حتی یجوز علیه فمن جاز علیه نجا و من سقط عنه خسر فتحتاج قبل هذا ان تعلم العقاب ما هو و ای شی‌ء هو المعنیّ بالجنة و النار (فاقول) اذا كان الثواب هو البقاء فی العنایة الالهیة الاولی مع عدم النزاع الی ما لا سبیل الیه من الأشیاء العلمیة و العملیة و لا یحصل ذلك الا بعد الاستكمال من العملیات و مجانبة خسائس العملیات لئلا تعود عادة و ملكة تتوق الیها النفس توقان الألوف فتعذر الصبر عنها و علیها و لن یحصل ذلك إلا بعد مخالفة النفس الحیوانیة فی افعالها العملیة و ادراكاتها العلمیة الا ما لا بد منه فما هلك من هلك الا بمطابقة الوهم من القوی الحیوانیة
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 130
الحاكم علی الصورة المجردة فی غیبة الحواس بالكذب و الجسور المتسم بسمة العقل الهیولانی بحلبة اللب لا جرم لا یعری عن ارتیاب فی مقلده و ارتداد فی معتقده و فساد منتظر و عطب مستقبل فاذا فسد بالصورة المعتقدة وجد النفس الناطقة فی مطابقتها له نوعا من التطابق عاریة عن الصور الشریفة العقلیة المخرجة لها الی الفعل و قد احوجت طبعها ادراك مانعها كحجر شاله الی العلو شائل فبلغ به غبر مركزه الطبیعی ففارقه فانثنی الی السفل هابطا و الی طبیعته معاودا اذ بأین عائقه و ذلك بعد ان فسدت آلاته التی كان یتصرف بها فی اكتساب العقل المستفاد كالحس الظاهر و الحس الداخل و الوهم و الذكر و الفكر فبقی مشتاقا الی طبعه من اكتساب ما یتم ذاته و لیس معه آلة الكسب و ای محبة اكثر منها و لا سیما اذا تقادم الدهر فی بقائها علی تلك الحالة فاما فی مطابقتها له من الخسائس العملیة فیوشك ان تبقی النفس مفارقة لاحوالها السوء و قد الف ما طابقهم علیه و لم یمانعهم فیه من اللذة الشهوانیة الحسیة فانی یحصل له ذلك و لا قوة شهوانیة حسیة معه و مثله كما یقال لا تعشق احدا من السفر و مات الرجل فینتزع ما یدهمك الباقی فتبقی فی حروفة الصبابة. و اذ تبین علی الاختصار معنی العقاب و الثواب فالآن نتكلم فی ماهیة الجنة و النار (فنقول)
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 131
و اذا كان العوالم ثلاثا عالم حسی و عالم خیالی و همی و عالم عقلی. فالعالم العقلی حیث المقام و هو الجنة. و العالم الخیالی الوهمی كما بین هو حیث العظب و العالم الحسی هو عالم القبور* ثم اعلم ان العقل یحتاج فی تصور اكثر الكلیات الی استقراء الجزئیات فلا محالة انها تحتاج الی الحس الظاهر فنعلم انه یأخذ من الحس الظاهر الی الخیال الی الوهم و هذا هو من الجحیم طریق و صراط دقیق صعب حتی یبلغ الی ذاته العقل فهو اذا یری كیف الحد صراطا و طریقا فی عالم الجحیم فان جاوزه بلغ عالم العقل فان وقف فیه و تخیل الوهم عقلا و ما یشیر الیه حقا فقد وقف علی الجحیم و سكن فی جهنم و هلك و خسر خسرانا مبینا. فهذا معنی قوله فی الصراط. و اما ما بلغ النبی محمد علیه الصلاة و السلام عن ربه عز و جل من قوله علیها تسعة عشر فاذ قد تبین ان الجحیم هو ما هو و بینا انه بالجملة هو النفس الحیوانیة و بینا انها الباقیة الدائمة فی جهنم و هی منقسمة قسمین ادراكیة و عملیة. و العملیة شوقیة و غضبیة. و العلمیة هی تصورات الخیال المحسوسات بالحواس الظاهرة و تلك المحسوسات ستة عشر و القوة الوهمیة الحاكمة علی تلك الصور حكما غیر واجب واحدة ذاتیانی و ستة عشر و واحد تسعة عشر فقد تبین صحة قوله علیها تسعة عشر و اما قوله و ما جعلنا اصحاب النار الا
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 132
ملائكة فمن العادة فی الشریعة تسمیة القوی اللطیفة الغیر المحسوسة ملائكة. و اما ما بلغ النبی محمد عن ربه عز و جل ان للنار سبعة ابواب و للجنة ثمانیة ابواب فاذ قد علم ان الأشیاء المدركة اما مدركة للجزئیات كالحواس الظاهرة و هی خمسة و ادراكها الصور مع المواد او مدركة متصورة بغیر مواد كخزانة الحواس المسماة بالخیال و قوة حاكمة علیها حكما غیر واجب و هو الوهم و قوة حاكمة حكما واجبا و هو العقل فذلك ثمانیة فاذا اجتمعت الثمانیة جملة ادت الی السعادة السرمدیة و الدخول فی الجنة و ان حصل سبعة منها لا تستتم الا بالثامن ادت الی الشقاوة السرمدیة و المستعمل فی اللغات ان الشی‌ء المؤدی الی الشی‌ء یسمی بابا له فالسبعة المؤدیة الی النار سمیت ابوابا لها و الثمانیة المؤدیة الی الجنة سمیت ابوابا لها. فهذا ابانة جمیع ما سألت عنه علی الایجاز و الحمد لواهب العقل و صلاته علی اشرف خلقه محمد النبی و آله الطاهرین و صحابته اجمعین آمین***
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 133
(الرسالة السابعة) (النیروزیة)
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 134

(الرسالة السابعة النیروزیة فی معانی الحروف الهجائیة)

اشارة

بسم اللّه الرّحمن الرحیم قال الرئیس ابو علی الحسین بن عبد اللّه بن سینا رحمه اللّه هذه الرسالة فی معانی الحروف الهجائیة التی فی فواتح بعض السور الفرقانیة كثیرة الفوائد (فاقول) كل تنزع به همته الی خدمة نیروز مولانا الشیخ الامیر السید ابی بكر محمد بن عبد الرحیم ادام اللّه عزه بتحفة تجود بها ذات یده و لما رغبت فی ان اكون واحد القوم و تابعا للسواد الاعظم فی اقامة الرسم و كانت حالی تقعدنی عن اهداء تحفة دنیاویة تشاكل خزانته الكریمة و رأیت الحكم افضل مرغوب فیه و اجل متحف به لا سیما الحكمة الالهیة و خصوصا ما كان حكیما ملیا ثم ما كان یكشف سرا هو من اغمض اسرار الحكمة و الملة و هو الانباء عن الغرض المضمن فی الحروف الهجائیة فواتح عدة من السور الفرقانیة اتخذت فیه رسالة و جعلتها هدیتی النیروزیة الیه فان افضل
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 135
الهدیة و اشرف التحف الحكمة و وثقت بلطف موقعه من نفس مولای الشیخ الامیر السید ادام اللّه تعالی عزه و الفت هذه الرسالة مقسومة الی ثلاثة فصول (الأول) فی ترتیب الموجودات و الدلالة علی خاصیة كل مرتبة فی مراتبها (الثانی) فی الدلالة علی كیفیة دلالة الحروف علیها (الثالث) الغرض و بالله التوفیق‌

(الفصل الأول)

(فی ترتیب الموجودات و الدلالة علی خاصیة كل مرتبة فی مراتبها) واجب الوجود هو مبدع المبدعات و منشئ الكل و هو ذات لا یمكن ان یكون متكثرا او متحیزا او متقوما بسبب فی ذاته او مباین فی ذاته و لا یمكن ان یكون وجود فی مرتبة وجوده فضلا عن ان یكون فوقه و لا وجود غیره لیس هو المفید ایاه قوامه فضلا عن ان یكون مستفیدا عن وجود غیره وجوده بل هو ذات هو الوجود المحض و الحق المحض و الخیر المحض و العلم المحض و القدرة المحضة و الحیاة المحضة من غیر ان یدل بكل واحد من هذه الالفاظ علی معنی مفرد علی حدة بل المفهوم منها عند الحكماء معنی و ذات واحد لا یمكن ان یكون فی مادة او مخالطة ما بالقوة او یتأخر عنه شی‌ء من اوصاف جلالته ذاتیا او فعلیا و اول ما یبدع عنه عالم العقل و هو جملة
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 136
تشتمل علی عدة من الموجودات قائمة بلا مواد خالیة عن القوة و الاستعداد عقول ظاهرة و صور باهرة لیس فی طباعها ان تتغیر او تتكثر او تتحیر كلها تشتاق الی الأول و الاقتداء به و الاظهار لامره و الالتذاذ بالقرب العقلی منه سرمد الدهر علی نسبة واحدة. ثم العالم النفسی هو یشتمل علی جملة كثیرة من ذوات معقولة لیست مفارقة للمواد كل المفارقة بل هی ملابستها نوعا من الملابسة و موادها مواد ثابتة سماویته فلذلك هی افضل الصور المادیة و هی مدبرات الاجرام الفلكیة و بواسطتها للعنصریة و لها فی طباعها نوع من التغیر و نوع من التكثر لا علی الاطلاق و كلها عشاق للعالم العقلی لكل عدة مرتبطة فی جملة منها ارتباطا بواحد من العقول فهو عامل علی المثال الكلی المرتسم فی ذات مبدئه المفارق مستفاد عن ذات الأول. ثم عالم الطبیعة و یشتمل علی قوی ساریة فی الاجسام ملابسة للمادة علی التمام تفعل فیها الحركات و السكونات الذاتیة و ترقی علیها الكمالات الجوهریة علی سبیل التسخیر فهذه القوی كلها فعال و بعدها العالم الجسمانی و هو ینقسم الی اثیری و عنصری. و خاصیة الاثیری استدارة الشكل و الحركة و استغراق الصورة للمادة و خلق الجوهر عن المضادة و خاصیة العنصری التهیؤ للاشكال المختلفة و الاحوال المتغایرة و انقسام
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 137
المادة من الصورتین المتضادتین ایتهما كانت بالفعل كانت الاخری بالقوة و لیس وجود احداهما للاخری وجودا سرمدیا بل وجودا زمانیا و مبادیه الفعالیة فیه هی القوی السماویة بتوسط الحركات و یبقی كماله الاخیر ایدا ما هو بالقوة و یكون ما هو اول فیه بالطبع أخری فی الشرف و الفضل و لكل واحدة من القوی المذكورة اعتبار بذاته و اعتبار بالإضافة الی تالیها الكائن عنها و نسبة الثوانی كلها الی الأول بحسب الشركة نسبة الابداع و اما علی التفصیل فتخص العقل بنسبة الابداع ثم اذا قام متوسط بینه و بین الثوانی صارت له نسبة الامر و اندرج فیه النفس ثم كان بعده نسبة الخلق و الامور العنصریة بما هی كائنة فاسدة نسبة التكوین و الابداع یختص بالعقل و الامر یفیض منه الی النفس و الخلق یختص بالموجودات الطبیعیة و یقیم جمیعها و التكوین یختص بالكائنة الفاسدة منها و اذا كانت الموجودات بالقسمة الكلیة اما روحانیة و اما جسمانیة فالنسبة الكلیة للمبدإ الحق الیها انه الذی له الامر و الخلق فالامر متعلق بكل ذی ادراك و الخلق بكل ذی تسخیر و هذا هو غرضنا فی الفصل الأول
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 138

(الفصل الثانی)

فی الدلالة علی كیفیة دلالة الحروف علیها) من الضرورة انه اذا ارید الدلالة علی هذه المعانی بما هو ذوات من الحروف ان یكون الأول منها فی الترتیب القدیم و هو ترتیب ابجد هوز دالا علی الأول و ما یتلوه علی ما یتلوه و ان یكون الدال علی هذه المعانی بما هو ذات من الحروف مقدما علی الدال علیها من جهة ما هی مضافة و ان یكون المعنی الذی یرتسم من اضافة بین اثنین منها مدلولا علیه بالحرف الذی یرتسم من ضرب الجزءین الاولین احدهما فی الآخر اعنی ما یكون من ضرب عددی الحرفین احدهما فی الآخر و ان یكون ما یحصل من العدد الضربی مدلولا علیه بحرف واحد مستعملا فی هذه الدلالة مثل ی الذی هو من ضرب ه فی ب و ما یصیر مدلولا علیه بحرفین مثل یه الذی هو من ضرب ح فی ه مطرحا لانه مشكل یوهم دلالة كل واحد من ی و ه بنفسه و یقع هذا الاشتباه فی كل حرفین مجتمعین لكل واحد منهما خاص دلالة فی حد نفسه و ان یكون الحرف الدال علی مرتبة من جهة انها بواسطة مرتبة قبلها هو ما یكون من جمع حرفی المرتبتین.
فاذا تقرر هذا فانه ینبغی ضرورة ان تدل بالالف علی الباری و بالباء
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 139
علی العقل و بالجیم علی النفس و بالدال علی الطبیعة هذا اذا اخذت بما هی ذوات ثم بالهاء علی الباری و بالواو علی العقل و بالزای علی النفس و بالحاء علی الطبیعة هذا اذا اخذت بما هی مضافة الی ما دونها و تبقی ط للهیولی و عالمها و لیس له وجود بالاضافة الی شی‌ء تحته و بعد رتبة الآحاد یكون الابداع و هو من اضافة الأول الی العقل و العقل غیر مضاف بعد مدلولا علیه بالیاء لانه من ضرب ه فی ب و لا تصح اضافة الباری الی النفس اذ لیس عدد یدل علیه بحرف واحد لان ه فی ح یه و د فی ح خ و یكون الامر و هو من اضافة الأول الی العقل و العقل مضاف مدلولا علیه باللام و هو من ضرب ه فی و و یكون الخلق و هو من اضافة الأول الی الطبیعة مضافة مدلولا علیه بالمیم لانه من ضرب ه فی ح و یكون التكوین و هو من اضافة الباری الی الطبیعة و هی ذات مدلول علیه بالكاف لانه من ضرب ه فی د و یكون جمع نسبة الامر و الخلق اعنی ترتیب الخلق بواسطة الامر اعنی اللام و المیم مدلولا علیه بحرف ع و عن نسبتی الخلق و التكوین كذلك اعنی المیم و الكاف مدلولا علیه بالسین و یكون مجموع نسبتی حرفی الوجود اعنی الیاء و المیم مدلولا علیه بنون و یكون جمیع نسب الامر و الخلق و التكوین اعنی لام میم ه مدلولا علیه
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 140
بص و یكون اشتمال الجملة فی الابداع اعنی ی فی نفسه ق و هو ایضا من جمع ص و ی و یكون ردها الی الأول الذی هو مبدأ الكل و منّهاه مدلولا علیه بالراء ضعف قاف و ذلك غرضنا فی هذا الفصل‌

(الفصل الثالث‌

فی الغرض) فاذا تقرر ذلك (فاقول) ان المدلول علیه بألف لام میم هو القسم بالاول ذی الامر و الخلق و بألف میم ر القسم بالاول ذی الامر و الخلق الذی هو الأول و الآخر و المبدأ الفاعلی و المبدأ الغائی جمیعا و بألف لام میم صاد القسم بالاول ذی الامر و الخلق منشئ الكل و بص القسم بالعنایة الكلیة و بقاف القسم بالابداع المشتمل علی الكل بواسطة الابداع المتناول للعقل و بكهیعص القسم التی للكاف اعنی عالم التكوین الی المبدأ الأول بنسب الابداع الذی هو ی ثم الخلق بواسطة الابداع صائرا بوفق الاضافة بسبب النسبة امرا و هو ع ثم التكوین بواسطة الخلق و الامر و هو ص فبین ك و ه ضرورة نسبة الابداع ثم نسبة الخلق و الامر ثم نسبة التكوین و الخلق و الامر و یس قسم باول الفیض و هو الابداع و آخره و هو الخلق المشتمل علی التكوین و حم قسم بالعالم الطبیعی
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 141
الواقع فی الخلق و حم عسق قسم بمدلول وساطة الخلق فی وجود العالم الطبیعی بنسبة الخلق الی الامر و نسبة الخلق الی التكوین بان یأخذ من هذا و یؤدی الی ذلك فیتم به الابداع و قسم بالابداع الكلی المشتمل علی العوالم كلها فاذا اخذت علی الاجمال لم یكن لها نسبة الی الأول غیر الابداع الكلی الذی یدل علیه بقاف و طس قسم بعالم الهیولانی الواقع فی التكوین الواقع فی الخلق و طسم قسم بالعالم الهیولانی الواقع فی الخلق المشتمل علی التكوین و بالامر الواقع فی الابداع و ن قسم بعالم التكوین و عالم الامر اعنی مجموع الكل و لم یمكن ان یكون للحروف دلالة علی غیر هذا البتة ثم بعد هذا اسرار تحتاج الی المشافهة و اللّه تعالی یمد فی بقاء الامیر السید و یبارك له فی نعمه عنده و یجعلنی ممن یوفق لقضاء ایادیه بمنه وسعة رحمته و الحمد للّه اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا و صلاته و بركاته علی سیدنا محمد النبی و آله الطاهرین* و صحبه اجمعین* آمین
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 142

(الرسالة الثامنة) (فی العهد)

بسم اللّه الرّحمن الرحیم قال الشیخ الرئیس ابو علی الحسین بن عبد اللّه بن سینا رحمه اللّه فی عهد عاهد اللّه فیه انه عاهده بتزكیة نفسه بمقدار ما وهب لها من قوتها لیخرجها من القوة الی الفعل عالما من عوالم العقل فیه الهیئة المجردة عن المادة و تحصیل كمالها من جهة العلم و الحكمة ثم یقبل علی هذه النفس المتربیة بكمالها الذاتی فتحرسها عن التلطخ بما یشینها من الهیئات الانقیادیة للنفوس المادیة التی اذا ثبتت فی النفس كان حالها عند الانفصال كحالها عند الاتصال اذ جوهرها غیر مخالط و لا مشاوب و انما یدنسها الهیئة الانقیادیة لتلك الصواحب بل تفیدها هیأت الاستیلاء و السیاسة و الاستعلاء و الرئاسة حتی لا تقبل البتة من صواحبها حركة و انفعالا و لا تتغیر لموجبات تغیر
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 143
حالاتها حالا بریاضة یدوم علیها و ان عسرت و امانات النفس یتولاها و ان شقت و لا یترك الخطرة تلوح بمقتضی ان یحار او یدهش فیها بل یدعها الی ان یستعمل الواجب فی معناها و قد یسمی هذا سعة الصدر ایضا (و كتمان السر) ان یضبط الكلام من الانسان عن اظهار ما فی ضمیره مما یضر به اظهاره و ابداؤه قبل وقته (و العلم) هو ان یدرك الأشیاء التی من شان العقل الانسانی ان یدركها ادراكا لا یلحقه فیها خطأ و لا ذلل فان كان ذلك بالحجج الیقینیة و البراهین الحقیقیة سمی حكمة (و البیان) هو ان یحسن العبارة عن المعانی التی تهجس فی ضمیره فیحتاج الی نقل صورها المتخیلة او المعقولة الی ضمیر من یخاطبه (و الفطنة و جودة الحس) هو ان یسرع هجومه علی حقائق معانی ما تورده الحواس علیه (و اصالة الرأی) ان تجود ملاحظته لعواقب الامور التی یحیر فیها رأیه و فكره حتی تبان جهة الصواب فیما یحتاج ان یستعمله فیها (و الحزم) ان یقدم العمل فی الحوادث الواقعة فی باب الامكان بما هو اقرب الی السلامة و أبعد من الضرر (و الصدق) هو ان یواطئ باللسان الذی هو الآلة المعبرة عما فی الضمیر مما یخبر به و عنه حتی لا یصیر امر ما فی ضمیره مسلوبا بلسانه و لا مسلوبا فی ضمیره واجبا بلسانه فیزیل بذلك الامور
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 144
عن حقائقها و یبطل به احكاما یكون تعلقها به واجبا (و الوفاء) هو ان یعقب ما یضمنه و یعده بالثبات علیه (و الرحمة) هی التی تلحقها الرقة علی من یحل به مكروه او ینزل الیه الم (و الحیاء) هو ان یحسن ارتداع النفس عن الامور التی یقبح تعاطیها و الاقدام علیها لملاحظتها من ذلك قبح الاحدوثة (و عظم الهمة) ان لا تقتصر علی بلوغ غایة من الامور التی تزداد بها فضیلة و شرفا حتی تسمو الی ماورائها مما هو اعظم قدرا و اجل خطرا (و حسن العهد و المحافظة) هو ان تكون احوال القرابات و الصداقات التی جرت المعرفة بینهم و بینه محفوظة عنده واقعة تحت الذكر متمكنة من العنایة (و التواضع) هو ان یمنع معرفته بالفطرة التی فطر الانسان علیها من طباع الضعف و النقص و الخور عن قصد الترفع علی ذوی جنسه و الاستطالة علی احد منهم بفضیلة باعجاب نفسیة جسمانیة او نفسانیة و ذكر هذه الفضائل و نسبتها الی القوی المذكورة تورد هاهنا علی القول المجمل* و اما تحدید القوی النفسانیة و الاخلاق التی تعد منها فضائل او رذائل فله موضع آخر و كذلك تقدیر هذه الفضائل و تحدید كل واحد منها مستفاد من ارباب الملل فالذی یجب علی الانسان فی ذلك هو تحصیل هذه الفضائل المذكورة و تجنب الرذائل التی بازاء
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 145
كل واحدة منها و ذلك ان اكثر هذه الفضائل هو الوسائط بین الرذائل و الفضیلة منها وسط بین الرذیلتین اللتین هما كالافراط و التفریط (فالعفة) وسط بین الشره و ما اشبهه و بین خمود الشهوة (و السخاء) وسط بین البخل و التبذیر (و العدالة) وسط بین الظلم و الانظلام (و القناعة) وسط بین الحرص و الاستهانة بتحصیل الكفایة و هی التی تسمی بالانحلال (و الشجاعة) وسط بین الجبن و التهور* و من الرذائل التی ینبغی ان تجتنب مما هی مضادة للفضائل المذكورة الحسد و الحقد سرعة الانتقام الموضوع بازاء الحلم و البذاة و الخناء و الرفث و الشتیمة و الغیبة و النمیمة و السعایة و الكذب و الجزع الموضوع بازاء الصبر و ضیق الصدر و ضیق الذرع و اذاعة السر الموضوع بازاء رحب الباع و الجهل الذی هو من اعظم الرذائل و النقائص المضاد للعلم الذی هو الفضیلة العظمی من فضائل القوة التمییزیة و العیّ الموضوع بازاء البیان و الغباوة بازاء الفطنة و جودة الحس و العجز الموضوع بازاء الحزم و الغدر و الخیانة و القساوة التی بازاء الرحمة و الوقاحة و صغر الهمة و سوء العهد و سوء الرعایة و الصلف و الجور و الكبر التی بازاء العدالة* فاما وجه التدبیر فی تحصیل الفضائل و تجنب الرذائل فقد شرح فی موضعه و طول الكلام فیه و العمدة
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 146
فیه هو ان تعلم ان كل انسان مفطور علی قوة بها یفعل الافعال الجمیلة و تلك القوة بعینها تفعل الأفعال القبیحة و الأخلاق كلها الجمیل منها و القبیح هی مكتسبة و یمكن للانسان متی لم یكن له خلق حاصل ان یحصله لنفسه و متی صادفها أیضا علی خلق حاصل ان ینتتل بارادة عن ذلك الخلق و الذی یحصل به الانسان لنفسه الخلق و یكسبه متی لم یكن له أو ینقل نفسه عن خلق صادفها علیه هو العادة و أعنی بالعادة تكریر فعل الشی‌ء الواحد مرارا كثیرة زمانا طویلا فی اوقات متقاربة فان الخلق الجمیل انما یحصل عن العادة و كذلك الخلق القبیح فینبغی ان نقول فی التی اذا اعتدناها حصل لنا باعتیادها الخلق الجمیل و التی اذا اعتدناها حصل لنا الخلق القبیح هی الأفعال التی تكون من أصحاب أخلاق الجمیل و القبیح و لذلك اذا اعتدنا من أول أمرنا أفعال أصحاب الأخلاق الجمیلة حصل لنا باعتیادها الخلق الجمیل و اذا اعتدنا من أول أمرنا أفعال أصحاب الأخلاق القبیحة حصل لنا باعتیادها الخلق القبیح و الحال فی ذلك كالحال فی الصناعات فان الحذق فی التجارة مثلا انما یحصل للانسان متی اعتاد فعل من هو تاجر حاذق و تحصل له رداءة التجارة متی اعتاد فعل من هو تاجر ردی و الدلیل علی ان الأخلاق انما تحصل من اعتیاد الأفعال
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 147
التی تصدر عن الأخلاق مثل ما نراه من أصحاب السیاسات الجیدة و أفاضل الناس فانهم یجعلون أهل المدن أخیارا بما یعودونهم من أفعال الخیر و كذلك أصحاب السیاسات الردیة و المتغلبون علی المدن یجعلون أهلها أشرارا بما یعودونهم من أفعال الشر فأما أثر الأفعال ما هی تلك فهی متوسطات الأفعال فان الأفعال متی كانت متوسطة فانها ان كانت فاعلة قبل حصول الخلق المحمود كسبت الخلق المحمود و متی كانت فاعلة بعد حصول الخلق المحمود حفظته علی حاله و متی كانت زائدة علی ما ینبغی أو ناقصة فانها ان كانت قبل حصول الأخلاق الجمیلة كسبت الخلق الرذیل و ان كان بعد حصولها فانها تزیلها و الحال فی ذلك كالحال فی الأمور البدنیة كالصحة فانها متی كانت حاصلة فینبغی ان تحفظ و متی لم تكن حاصلة فینبغی ان تكتسب و الذی یكتسب هو الاعتدال فی الطعام و التعب و سائر الأشیاء التی تعرفها صناعة الطب فان تلك متی كانت متوسطة اكتسبت الصحة اذا لم تكن الصحة حاصلة و تحفظ الصحة متی حصلت و كما ان المتوسط فیما یكتسب به الانسان الصحة او یحفظ الصحة انما یقدر باحوال الابدان التی تعالج و یقدر ذلك ایضا بحسب الازمان فان الذی هو حار بالاعتدال عند بدن زید قد یمكن ان یكون ازید
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 148
مما ینبغی عند بدن عمرو و كذلك ما هو حار بالاعتدال فی الشتاء لبدن ما عسی ان لا یكون معتدلا لذلك البدن بعینه فی زمن الصیف كذلك المتوسط فی الافعال انما یقدر بحسب الحین و بحسب المكان و بحسب من منه یكون الفعل و بحسب ما من اجله یكون الفعل و كما ان الطبیب متی صادف البدن امیل الی الحرارة ازال ذلك عنه بالبرودة و اذا وجده امیل الی البرودة ازال ذلك عنه بالحرارة كذلك متی صادقنا انفسنا قد مالت الی الذی من جهة النقصان جذبناها الی الذی من جهة الزیادة و متی صادفناها قد مالت الی التی من جهة الزیادة جذبناها الی التی من جهة النقصان الی ان نوقفها علی التوسط بحسب تجدیدنا الوسط و الوجه فی ذلك ان نعودها الافعال الكائنة عن ضد الذی صادفناها علیه و ذلك مثل ان ننظر فان كان ما صادفناها علیه من جهة النقصان فعلنا الافعال الكائنة من جهة الزیادة و نكرر فعل ذلك زمانا و لا نزال كل ما صادفنا انفسنا مالت الی جانب املناها الی الجانب الآخر اعنی كلما رأینا انفسنا مالت الی الزیادة جذبناها الی النقصان و ان مالت الی النقصان جذبناها الی الزیادة الی ان تبلغ الوسط او تقاربه و ینبغی ان تعلم ان الانفس الانسانیة لیس فعلها الذی یختص بها ادراك المعقولات فقط بل لها بمشاركة البدن احوال
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 149
اخری یحصل بسببها لها سعادات و ذلك اذا كانت تلك الافعال سابقة الی العدالة و معنی العدالة ان تتوسط النفس بین الاخلاق المتضادة فیما تشتهی و لا تشتهی و فیما تغضب و لا تغضب و فیما تدبر به الحیاة و لا تدبر و الخلق هیئة تحدث للنفس الناطقة من جهة انقیادها للبدن و غیر انقیادها له فان العلاقة التی بین النفس و البدن توجب بینهما فعلا و انفعالا فالبدن بالقوی البدنیة یقتضی امورا و النفس بالقوة العقلیة تقتضی امورا مضادة لكثیر منها فتارة تحمل النفس علی البدن فتقهره و تارة یسلم البدن فیمضی فی فعله فاذا تكرر تسلمها له حدث من ذلك هیئه اذعانیة للبدن حتی یعسر علیها بعد ذلك ما كان لا یعسر قبل من ممانعته و كفه عن حركته و اذا تكرر قمعها له حدث منه فی النفس هیئة استعلائیة عالیة یسهل علیها بذلك من مفارقة البدن فیما یمیل ما كان لا یسهل و انما یقوم هیئة الاذعان وقوع الافعال من طرف واحد فی النقص او الافراط و یقوم هیئة الاستعلاء بان تجری الافعال علی التوسط فسعادة النفس فی كمال ذاتها من الجهة التی تخصها هو صیرورتها عالما عقلیا و سعادتها من جهة العلاقة التی بینها و بین البدن ان تكون لها الهیئة الاستعلائیة فالواجب ان نطلب الاستكمال بان نتصور نسبة الامور الی الموجودات المفارقة فتستعد
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 150
بذلك للاستكمال الاكمل عند المفارقة و ان نحتال فی ان لا تتعلق بالنفس هیئة بدنیة و ذلك بان نستعمل هذه القوی علی التوسط اما الشهوة فعلی سیرة العلة و اما الغضب فعلی سیرة الشجاعة فمن فارق و هو علی هذه الجملة اندرج فی اللذة الابدیة و انطبعت فیه هیئة الجمال الذی لا یتغیر مشاهدا فیه الحق الأول و ما یترتب بعلة و كل ذلك متصور فی ذاته و هو كمال ذاته من حیث هو النفس الناطقة فهو الملتذ الحقیقی و ان لم یشعر بالبدن و بعبارة اخری ان السعادة الانسانیة لا تتم الا باصلاح الجزء العملی من النفس و ذلك بان تحصل ملكة التوسط بین الخلقین الضدین اما القوی الحیوانیة فبأن تحصل فیها هیئة الاذعان و اما القوی الناطقة فبأن تحصل فیها هیئة الاستعلاء و الانفعال و اذا قویت القوی الحیوانیة و حصلت لها ملكة استعلائیة حدث فی الناطقة هیئة و اثر انفعالی و رسخ فی النفس الناطقة و من شانها ان تجعلها قویة العلاقة مع البدن شدیدة الانصراف الیه و اما ملكة التوسط فالمراد منه التنزیه عن الهیئات الانقیادیة و تبقیة النفس الناطقة علی جبلتها مع افادة هیئة الاستعلاء و التنزیه و ذلك غیر مضاد لجوهرها و لا مائل بها الی جهة البدن بل عن جهته فاذا فارقت و فیها الملكة الحاصلة بسبب الاتصال بالبدن
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 151
كانت قریبة النسبة من حالها و هی فیه و لهذا الكلام تمام ذكر فی موضعه و الحمد للّه ملهم الصواب و صلاته و سلامه علی محمد النبی و آله و اصحابه خیر الاصحاب
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 152

(الرسالة التاسعة) (فی علم الاخلاق)

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم قال الرئیس ابو علی الحسین بن عبد اللّه بن سینا رحمه اللّه و بعد حمد اللّه تعالی فان المعتنی بامر نفسه المحب لمعرفة فضائله و كیفیة اقتنائها لتزكو بها نفسه و معرفة الرذائل و كیفیة توقیها لتتطهر منها نفسه المؤثر لها ان تسیر بأفسد السیر فیكون قد و فی انسانیته حقها من الكمال المستعد للسعادة الدنیویة و الاخرویة یجب علیه تكمیل قوته النظریة بالعلوم المحصاة المشار الی غایة كل واحد منها فی كتب احصاء العلوم و تكمیل قوته العملیة بالفضائل التی اصولها العفة و الشجاعة و الحكمة و العدالة المنسوبة الی كل قوة من قواه و تجنب الرذائل التی بازائها* اما العفة فالی الشهوانیة و الشجاعة الی الغضبیة و الحكمة الی التمییزیة و العدالة الیها مجموعة عند استكمال كل واحدة بفضیلتها و فروعها التی اما كالانواع لها او كالمركب منها و هی السخاء
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 153
و القناعة و الصبر و الكرم و الحلم و العفة و الصفح و التجاوز و رحب الباع و كتمان السر و الحكمة و البیان و الفطنة و اصالة الرأی و الحزم و الصدق و الوفاء و الود و الرحمة و الحیاء و عظم الهمة و حسن العهد و التواضع.
فالسخاء و القناعة راجعان منسوبان الی القوة الشهوانیة و الصبر و الحلم و الكرم و العفو و الصفح و التجاوز و رحب الباع و كتمان السر راجعة و منسوبة الی القوة الغضبیة. و الحكمة و البیان و الفطنة و اصالة الرأی و الحزم و الصدق و الوفاء و الود و الرحمة و الحیاء و عظم الهمة و حسن العهد و التواضع راجع الی القوة التمییزیة. اما (العفة) فهی ان تمسك عن الشر الی فنون الشهوات المحسوسات من المأكل و المشرب و المنكح و الانقیاد الی شی‌ء منها بل تقهرها و تصرفها بحسب الرأی الصحیح* و اما (القناعة) فهی ان یضبط قوته عن الاشتغال بما یخرج عن مقدار الكفایة و قدر الحاجة من المعاش و الاقوات المقیمة للابدان و ان لا یحرص علی ما یشاهد من ذلك عند غیره.
و اما (السخاء) فان یسلس قوته لبذل ما یحوزه من الاموال التی لاهل جنسه الیها حاجة و حسن المواساة بما یجوز ان یواسی به منها.
و من الفضائل الغضبیة فالشجاعة هی الاقدام علی ما یجب من الامور التی یحتاج ان یعرض الانسان نفسه بها لاحتمال المكاره و الاستهانة
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 154
بالآلام الواصلة الیه منها كالذب عن الحریم و غیر ذلك. و اما (الصبر) فهو ان یضبط قوتها عن ان یقهرها الم مكروه ینزل بالانسان و یلزمه فی حكم العقل احتماله او یغلبها حب مشتهی یتوقف الانسان الیه و یلزمه فی حكم العقل اجتنابه حتی لا یتناوله علی غیر وجهه. و اما (الحلم) فهو الامساك عن المبادرة الی قضاء الغضب فیمن یجنی علیه جنایة یصل مكروهها الیه و قد یسمی هذا كرما و صفحا و عفوا و تجاوزا و احتمالا و تثبیتا و كظم غیظ. (و رحب الباع) ان لا یدع قوة التجلد عند ورود الاحداث المهمة علی الانسان و اختلاجها فی قلبه ان بشهوة او غضب او حرص او طمع او خوف مخالفة جوهره الزكی الا فسخه و مسخه و محاه و محقه و لا یدع فكره فی نسخة نفسه و تخیلاتها تتعاطی الا الفكرة فی جلال الملكوت و جناب الجبروت یكون ذلك قصاراها لا یتعداها و لا یترك الخیال فی نسخ البتة الا مقدمة لرأی اعتقادی او نظری لزینة الهیئة لتصیر هیئة راسخة فی جوهر النفس و ذلك بذكر القدوس و لا یرخص السنة العقلیة فی اغفالها لكن یحجر علی النفس ما لا ینبغی اذ لا فائدة فیه فضلا عن فعله حتی یصیر تخیل الواجب و الصواب هیئة نفسانیة و كذلك یهجر الكذب قولا و تخیلا حتی تحدث للنفس هیئة صدوقة فیصدق
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 155
الا حلام و الفكر و ان یجعل حب الخیر للناس و المنفعة فضلا الیهم و عشق الاخیار و حب تقویم الاشرار و ردعهم امرا طبعیا جوهریا و یحتال حتی لا یكون للموت عظیم خطر عنده و ذلك بكثرة تشویق النفس الی المعاد و اخطارها بكل الفساد بالبال حتی لا یتمكن تمكن المعتاد. و اما اللذات فیستعملها علی اصلاح الطبیعة و ابقاء الشخص او النوع او السیاسة علی ان یكون هذا خاطرا عند ما یستعمل بالبال و تكون النفس الناطقة هی المدبرة لان القوة الشهوانیة تدعو الیها ثم تكون النفس الناطقة تابعة لها و لتكن جاعلة لنفسها هذه العلل عذرا بل ینبغی ان تحتال حتی تجعل هیئة بعض اللذات لذاتها امرا طبیعیا للنفس و كذلك الامور الغلبیة و الكرامیة. و اما المشروب فانه یهجر شربه تلهیا بل تشفیا و تداویا و تقویا و المسموعات یدیم استعمالها علی الوجه الذی توجبه الحكمة لتقویة جوهر النفس و تأیید جمیع القوی الباطنة لا لما یرتبط بهذه من الامور الشهوانیة ثم یعاشر كل فرقة بعادتها و رسمها فیعاشر الرزین بالرزانة و الماجن بالمجون مسترا باطنه عن الناس و لكن لا یتعاطی فی المساعدة فاحشة و لا یغلظ بهجر و ان یسمح بالمقدور و التقدیر من المال لمن تقع له الیه حاجة من الشركاء له فی النوع اذا لم یكن خلل فی المعیشة ظاهرا و ان یحفظ سر
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 156
كل اخ و اخاه فی اهله و اولاده و المتصلین به حتی یقوم فی غیبته بجمیع ما یحتاجون الیه بمقدار الوسع و ان یفی بما یعد او یوعد و لا یجری فی اقاویله الحلف و ان یركب بمساعدة الناس كثیرا مما هو خلاف طبعه ثم لا یقصر فی الاوضاع الشرعیة و تعظیم السنن الالهیة و المواظبة علی التعبدات البدنیة و یكون دابه و دوام عمره اذا خلا و خلص من المعاشرین تطریة الزینة فی النفس و الفكرة فی الملك الأول و ملكه و كنس النفس عن غبار الناس من حیث لا یقف علیه الناس فمن عاهد اللّه ان یسیر بهذه السیرة و یدین بهذه الدیانة كان اللّه له و وفقه لما یتوخاه منه بمنه وسعة جوده و السلام (تمت الرسالة و الحمد للّه رب العالمین* و صلی اللّه علی سیدنا محمد النبی و آله الطاهرین و صحابته اجمعین)***
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 157
(قصة سلامان و أبسال) (ترجمة حنین بن اسحاق العبادی) من اللغة الیونانیة)
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 158

(قصة سلامان و أبسال)

(ترجمة حنین بن اسحاق العبادی) (من اللغة الیونانیة) بسم اللّه الرّحمن الرحیم قال حنین بن اسحاق كان فی الزمن القدیم قبل طوفان النار ملك اسمه هرمانوس بن هرقل السوفسطیقی و كانت له مملكة الروم الی ساحل البحر مع بلاد یونان و ارض مصر. و هذا الملك هو الذی بنی البناء العظیم* و الطلسم السابق القدیم* الذی لا یدثره مرور مائة الف قرن من الزمان* و لا تبیده غلبة العناصر و الاركان* و هو البناء المعروف بالاهرام و كان هذا الملك ذا علم غزیر و ملك وسیع شدید الاطلاع علی تأثیرات الصور الفلكیة* محیط باسرار الخواص الارضیة* ممارسا للاشكال الطلسمیة* و كان من جملة اصحاب اقلیقولاس الالهی منه تعلم جمیع العلوم الخفیة و كان هذا الرجل الهیا قد ارتاض فی مغازة یقال لها ساریقون دورا تاما. و كان یفطر فی
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 159
كل اربعین یوما بشی‌ء من نبات الارض و بلغ من العمر ثلاثة ادوار و بواسطة هذا الرجل تسخر لهرماتوس جمیع معمورة الارض و كان هرمانوس یشكو الی هذا الحكیم عدم الولد لان هرمانوس كان لا یلتفت الی النساء و كان یكوه معاشرتهن و یأنف الاجتماع بهن فقال له الحكیم ان كنت ایها الملك تأبی مجالسة النسوان و مخالطتهن حتی قد عشت قریبا من ثلاثة قرون ما ضاجعت امرأة حرصا منك علی حیاتك و توفر عقلك الا ان المهم الذی اراده لك ان ترغب فی وجود نسل یرث حكمتك و ملكك و ذلك بمضاجعتك امرأة ذات حسن و جمال علی طالع فلكی مع طلسم ارضی تحمل منك بتلك الكرة ولدا ذكرا فابی الملك ذلك و قال ان كنت زیادة المنی لتحتاج الی الصب ایضا فالنساء لا قدر لهن عندی لعلمی بخبث سریرتهن و نفور طبعی منهن. فلما سمع الحكیم ذلك قال ایها الملك فلیس لك سبیل الی اتخاذ ولد إلا بأن نرصد طالعا موافقا و تأخذ یبروحا صنمیا و اجعل منیك فیه و الازم انا نفسی تدبیر هذا الولد فی بیت یصلح لهذا العمل و اغیر هواه الی ما یجب من العمل و اصرف الیه همتی و قوة فكری حتی تجتمع اجزاؤه و یستدیر و یقبل الحیاة قال ففرح الملك بهذه المقالة و عمد الحكیم الی منیّ الملك ففعل به التدبیر الذی ذكره فحصل منه مزاج قبل
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 160
صورة النفس المدبرة و صار انسانا تاما فطلب الحكیم له امرأة تغذوه بلبنها و سماه سلامان فجاءوا بامرأة جمیلة یقال لها أبسال بنت ثمانی عشرة سنة فارضعت الولد و تولت تربیته و فرح الملك فرحا شدیدا بوجود ابن من منیه من غیر ملامسة النساء و قال للحكیم بای شی‌ء اكافیك یا سلطان العالم السفلی فقال الحكیم ان كنت ترید مكافأتی فاعنی علی ان ابنی بناء عظیما لا یخربه الماء و لا متحرقه النار یكون حصنا لبقاء النفس و شفقت علیها من الجهال فانی عالم بان الطبائع ستغلب و ان اجعل لهذا البناء بابا مكتوما الا عن حكماء الحق و اجعل ذلك اطباقا سبعة بین كل طبقة و طبقة مائتا ذراع بالذراع التام حتی یكون ذلك محرزا للحكیم عن البلاء فان من لیس بحكیم فهو بالهلاك اولی. فاجابه الملك الی ذلك و قال اذا كانت فائدة هذا البناء هكذا فاجعلهما اثنین احدهما لك و الآخر لنا نجعل فیه خزائننا و علومنا و اجسادنا بعد الموت. قال ففرض الحكیم عرض الهرمین و طولها و شق لهما فی الارض اسرابا ممتدة كل سرب مسیرة عدة ایام و قدر لهما من الآلات كفایتهما و كان یعمل فیهما كل یوم سبعة آلاف و مائتا نفر من صانع الی حجار الی فاعل الی غیر ذلك و لم یزل كذلك الی ان تم بناؤهما علی الغرض الذی قصده الحكیم* و اما الصبی فلما تم له
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 161
مدة الرضاع اراد الملك ان یفرق بینه و بین المرأة فجزع الصبی من ذلك لشدة شغفة بها فلما رأی الملك ذلك منه تركهما الی حسین بلوغ الصبی فلما بلغ اشتدت محبته للمرأة و قوی عشقه لها حتی كان فی اكثر اوقاته یفارق خدمة الملك لاصلاح امرها فقال له الملك ایها الابن الشفیق انت ولدی و لیس لی فی الدنیا غیرك و لكن اعلم یا بنی ان النسوان هن مكاید الشر و مصایده و ما افلح من خالطهن الا لاعتبار بهن او لیحصل لنفسه خیرا منهن و لا خیر فیهن فلا تجعل لامرأة فی قلبك مقاما حتی یصیر سلطان عقلك مقهورا و نور بصرك و حیاتك مغمورا فلا احسب هذا الا من شان البله المغفلین.
و اعلم یا بنی ان الطریق طریقان طریق هو العروج من الاسفل الی الاعلی و الثانی الانحدار من الاعلی الی الاسفل و لنمثل لك ذلك فی عالم الحس حتی یتبین لك الصواب. اعلم ان كل احد من جملة من هو علی بابنا اذا لم یأخذ بطریق العدل و العقل هل یصیر قریب المنزلة منا كلا بل اذا اخذ بطریق العدل و العقل یصیر كل یوم قریب المنزلة منا فكذا الانسان اذا سلك طریق العقل و تصرف فی قواه البدنیة التی هی اعوانه علی ان یقرب من عالم النور العالی الذی یبهر كل نور فبعد مدة یصیر قریبا منه منزلة. و من علامة ذلك ان یصیر
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 162
نافذ الامر فی السفلیات و هذه اخس هذه المنازل بل الوسطی منها هو ان یصیر مشاهدا للانوار القاهرة التی تتصل علی سبیل الدوام بالعالم السفلی و العلیا منها ان یصیر عالما بحقائق الموجودات متصرفا فیها علی وفق العدل و الحق اقول لك انك ان اردت ان تكون لك امرأة تقبل منك ما ترید و تفعل لك ما تشتهیه فهلم سعیا فقد نفد الزاد و بعد المزار و ان كنت مالكا سبیل الایمان طارقا طریقة الایقان فخذ نفسك عن هذه الفاجرة أبسال اذ لا حاجة لك فیها و لا مصلحة لك فی مخالطتها فاجعل نفسك رجلا متحلیا بحلیة التجرد حتی اخطب لك جاریة من العالم العلوی تزف الیك ابد الآبدین و یرضی عنك رب العالمین و كان سلامان لشدة شغفة بابسال لا یصغی لكلام الملك فرجع الی بیته و حكی كل ما جری له مع الملك لا بسال علی طریق المشورة فقالت المرأة لا یقر عن سمعك قول الرجل فانه یرید ان یفوت علیك اللذة بمواعید اكثرها اباطیل و اجلها مخاییل و التقدم بالامر عزمة و انی امرأة مأمورة لك بكل ما تطیب به نفسك و تشتهی فان كنت ذا عقل و حزم فاكشف للملك عن سرك بأنك لست تاركی و لست بتارك لك فلما سمع الصبی الكلام قال لوزیر أبیه هرنوس ما تعلمه من أبسال. فلما بلغ الملك هذا الامر تأسف
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 163
تأسفا شدیدا علی ولده و دعاه الیه و قال له اعلم یا بنی انه من الحق ما قال الحكیم انه لا امانة مع الكذب و لا ملك مع الشح و لا حیلة مع طاعة النسوان و انت حدیث السن أ تظن لی فی ذلك منفعة و قد عشت قریبا من دورین كاملین و قد ملكت معمورة الارض كلها و رصدت اكثر الحركات السماویة و شاهدت افعالها فلو كان لی الی هذه الفواحش میل اشتغلت بها لكن الاشتغال بها یشغل عن الخیر كله فان كان و لا بد فاجعل حظك قسمین احد القسمین تشتغل بالاستفادة من الحكماء. و الثانی تأخذ لنفسك منها ما تظنه لذة. فقبل الصبی ذلك منه فكان یشتغل اكثر اللیل فی العلوم التی تصلح له بحیث یؤثر ذلك فی قواه فاذا كان وقت الخدمة و ملازمة الملك یمیل الی الرفاهیة و اللعب مع أبسال فلما عرف الملك منه ذلك شاور الحكماء علی ان یهلك أبسال حتی یستریح منها فقال له هرنوس الوزیر ایها الملك اعلم انه لا ینبغی ان یقدم احد علی تخریب ما لا یمكنه عمارته و انت تعلم ان القواهر العلویة عادمة الحجب تنتصف من الحاكم للمحكوم و من الظالم للمظلوم و انی اخاف انك ان اقدمت علی هذا الامر الذی ما اقدمت علیه قط فی مدة عمرك ان تتزلزل اركان بیتك و تتحلل البسائط المركبة فی جبلتك ثم لا یفتح
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 164
لك باب فی زمرة الكروبیین بل السبیل فی ذلك النصح مع الولد حتی لعله یعلم ما ینبغی ان یفعل فیترك ذلك عن طوع. فلما جری هذا الكلام بین الملك و وزیره هرنوس مضی بعض من اطلع علی هذا الكلام فاخبر به سلامان فشاور سلامان أبسال فی الحیلة من مكیدة الملك فتقرر عزمهما علی ان یهربا من الملك الی وراء بحر المغرب و یسكنا هناك فلما فعلا ذلك اخبر الملك بحالهما و كان عند الملك قصبتان من ذهب علیهما طلاسم مرسومة و علیهما سبعة مواضع من الصفارات یصفر فیها لكل اقلیم فیطلع علی ما یریده من ذلك الاقلیم و یعلمون اطلاعه علیهم فمن اهمه معاقبته فی ذلك الاقلیم یجعل فی تلك الصفارة قدرا یسیرا من الرماد و ینفخ فیحترق ذلك الموضع المعین من الاقلیم و من اراده الملك بالحریق. قال فنفخ الملك فی تلك القصبة فاطلع علی سلامان و أبسال فوجدهما علی اسوأ حال من الغربة و ضیق الحال فرق لهما و امر لكل واحد منهما بما یكفیه و اهمل امرهما و قال لعل الصبی ان یعود الی الحق فلما ان مضی علی ذلك مدة من الزمان غضب الملك علی روحانیات شهوتهما فابطلها بعلوم كان یعرفها فبقی كل واحد منهما فی اشد الم و انحس عذاب من رؤیة صاحبه و شدة الشوق الیه مع عدم الوصول الیه.
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 165
قال فعلم الصبی بان كل ما یصل الیه من المكروه لیس الا من شدة غضب الملك علیه فقام و جاء الی باب الملك معتذرا مستغفرا فقال له الملك اعلم ایها الصبی انی و ان كنت اقبل عذرك لفرط شغفی بك لكنی ما احب أبسال الفاجرة لانك لا یمكنك ان تجلس علی سریر الملك و انت مصاحبها لان سریر الملك یرید التوجه التام و الفراغ له و أبسال ایضا ترید كذلك و كلاهما لا یجتمعان و طریق مثالهما ان تعلق یدك من السریر و تعلق أبسال برجلك فهناك تعلم انه لا یمكنك ان تصعد السریر و أبسال معلقة برجلك و كذلك ایضا لا یمكنك ان تصعد سریر الافلاك بمرقاة القلب و حب أبسال معلق برجلی فكرك. قال ثم ان الملك امر ان یتعلقا كما قال لهما فی المثال الأول فبقیا كذلك یومهما اجمع فلما كان اللیل انزلهما فمضی كل واحد منهما و اخذ بید صاحبه و القوا بانفسهما فی البحر و كان الملك مشرفا علیهما بفكره فامر روحانیة الماء ان تحفظ سلامان حتی وصلت الیه جماعة من عند الملك فاخرجوه سالما و اما أبسال فانها غرقت فلما تحقق سلامان ان أبسال قد غرقت كاد ان یشرف علی الموت لشدت فراقها و فوت امكان مصاحبتها و لم یزل مضطربا مجنونا فقال الملك لقلیقولاس الحكیم اعنی ایها الحكیم علی امر ولدی فانه قریب
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 166
من الهلاك و لیس لی فی الدنیا غیره فقال الحكیم دعنی و سلامان اسدد رأیه و دعا سلامان الیه و قال یا سلامان هل ترید وصال أبسال فقال و كیف لا ارید ذلك و هذا هو الذی شوش علی الامور كلها فقال له الحكیم تعالی معی الی مغارة ساریقون حتی ادعو و تدعو اربعین یوما فان أبسال تعود الیك بهذا العمل فقبل سلامان منه ذلك و مضی منه الی المغارة فقال له الحكیم ان لی علیك ثلاث شرائط اما الاولی ان لا تخفینی شیئا من امرك فان المرض اذا لم یشرح علی الطبیب كان عسر العلاج و الثانیة انك تلبس مثل لباس أبسال سواء و كل ما رأیت منی من الافعال تفعل مثله غیر انی صائم اربعین یوما متتالیة و انت تفطر فی كل سبعة ایام و الثالثة ان لا تعشق غیر أبسال مدة عمرك فانك قد رأیت ما حل بك ان الم المحبة. فقال سلامان قد قبلت ذلك منك ایها الحكیم. قال ثم ان الحكیم اشتغل بادعیة الزهرة و صلواتها مدة ایام فكان سلامان یری كل یوم صورة أبسال تتردد الیه و تجالسه و تتلطف معه فی الكلام فكان سلامان یحكی للحكیم كل ما رآه فی تلك المدة و یشكره علی ما صنع معه من رؤیة أبسال فلما كان یوم الأربعین ظهر صورة عجیبة و شكل غریب فائق علی كل حسن و جمال و هذه صورة الزهرة قال فشغف سلامان
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 167
بهذه الصورة شغفا شدیدا عظیما انساه حب أبسال فقال ایها الحكیم لست ارید أبسال و لقد لاقیت منها النصب ما اكرهنی صحبتها و لا ارید الا هذه الصورة فقال له الحكیم أ لست قد شرطت علیك ان لا تعشق احدا غیر أبسال و قد تعبنا هذه المدة حتی قارب ان یستجاب لنا فی عود أبسال الیك فقال سلامان ایها الحكیم اغثنی فانی لا ارید الا هذه الصورة. قال فسخر له الحكیم روحانیة هذه الصورة حتی كانت تأتیه فی كل وقت و یقضی منها اوطارا و لم یزل كذلك الی ان زال عن قلبه حب هذه الصورة و ذلك الوله و صح عقله و صفا من كدورة المحبة الجاذبة له عن مقام الحكمة و الملك الی مقام اللهو و اللعب فشكر الملك الحكیم علی سعیه فی اصلاح امر ولده و جلس سلامان علی سریر الملك و نظر فی الحكمة و صار صاحب دعوة عظیمة و ظهرت منه فی مدة ملكه عجائب و غرائب و امر ان تكتب هذه القصة علی سبعة الواح من ذهب و ان تكتب ادعیة الكواكب السبعة ایضا فی سبعة الواح اخری من ذهب و وضع الجمیع فی الهرمین علی رأس قبر والده. فلما عمر العالم بعد الطوفانین الناری و المائی ظهر افلاطون الحكیم الالهی و اطلع علی ما فی الهرمین من العلوم الجلیلة و الذخائر النفیسة بحكمته و معرفته
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 168
فسافر الیهما لكن ملوك زمانه لم یساعدوه علی فتحه فاوصی الی تلمیذه ارسطاطالیس انه ان تمكن من فتحه یفتحه و یستفید من العلوم الخفیة الروحانیة المودعة فیه فلما ظهر الاسكندر و كان الاسكندر من جملة من استفاد ضروبا من الحكمة الالهیة من ارسطاطالیس فلما توجه الاسكندر الی جهة المغرب توجه ارسطاطالیس معه الی ان بلغوا جمیعا الهرمین فتقدم ارسطاطالیس و فتح باب الهرمین بطریقة الذی اوصاه افلاطون و لم یمكنه الاسكندر ان یخرج منه سوی الالواح التی كتب علیها قصة سلامان و أبسال ثم اغلق بابها كما علم و كان آخر ما وجد مكتوبا علی تلك الالواح علی لسان سلامان ان اطلب العلم و الملك من العلویات الكاملات فان الناقصات لا تعطی الا ناقصا هذا آخر هذه القصة و الحمد للّه وحده و صلاته و سلامه علی سیدنا محمد النبی و آله و صحبه آمین و الی هذه القصة اشار الرئیس أبو علی الحسین بن عبد اللّه بن سینا فی كتابه الاشارات بقوله فاذا قرع سمعك فیما یقرعه و سرد
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 169
علیك فیما تسمعه قصة لسلامان و أبسال فاعلم ان سلامان مثل ضرب لك و ان أبسال مثل ضرب لدرجتك فی العرفان ان كنت من أهله ثم حل الرمز ان اطلقت* قال خواجه نصیر الدین محمد بن محمد الطوسی فی شرح الاشارات عند هذه العبارة ما نصه سرد الحدیث اذا اتی به علی ولائه و فلان یسرد الحدیث اذا كان جیدا لسیاقه له و سلامان شجرة و اسم لموضع و هو أیضا من أسماء الرجال و الابسال التحریم و ابسلت فلانا اذا اسلمته الی الهلكة أو رهقته و البسل الحبس و المنع و الذی ذكره الشیخ هاهنا هو من جنس الا حاجی التی تذكر فیها صفات یختص مجموعها بشی‌ء اختصاصا بعیدا عن الفهم فیمكن الاهتداء منها الیه و لا هی من القصص المشهورة بل هما لفظتان وضعمها الشیخ لبعض الأمور و امثال ذلك مما یستحیل ان یستقل العقل بالوقوف علیه فاذا تكلیف الشیخ حله یجری مجری التكلیف بمعرفة الغیب و اجود ما قیل فیه ان المراد بسلامان آدم علیه السلام و أبسال الجنة فكأنه قال المراد بآدم نفسك الناطقة و بالجنة درجات سعادتك و باخراج آدم من الجنة عند تناول البر و انحطاط نفسك عن تلك الدرجات عند القائها الی الشهوات و كلام الشیخ مشعر بوجود قصة یذكر فیها هذان الاسمان و تكون سیاقتها مشتملة علی (رسائل)
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 170
ذكر طالب ما لمطلوب لا یناله الا شیئا فشیئا و یظفر بذلك النیل علی كمال بعد كمال لیمكن تطبیق سلامان علی ذلك الطالب و تطبیق أبسال علی مطلوبه ذلك و تطبیق ما جری بینهما من الأحوال علی الرمز الذی أمر الشیخ بحله و یشبه ان تكون تلك القصة من قصص العرب فان هاتین اللفظتین قد تجریان فی أمثالهم و حكایاتهم و قد سمعت بعض الأفاضل بخراسان یذكر ان ابن الاعرابی أورد فی كتابه الموسوم بالنوادر قصة ذكر فیها رجلین وقعا فی أسر قوم أحدهما مشهور بالخیر اسمه سلامان و الآخر مشهور بالشر اسمه أبسال من قبیلة جرهم فقدی سلامان لشهرته بالسلامة و أنقذ من الأسر و أبسال الجرهمی لشهرته بالشر أسر حتی هلك و صار منهما فی العرب مثل یذكر فیه خلاص سلامان و هلاك أبسال صاحبه و أنا لا أذكر ذلك المثل و لم تتفق لی مطالعة هذه القصة من الكتاب المذكور و هی علی الوجه الذی سمعته غیر مطابقة للمطلوب هاهنا لكنها دالة علی وقوع هاتین اللفظتین فی نوادر حكایات العرب فان كان ذلك كذلك فسلامان و أبسال لیسا مما وضعهما الشیخ علی بعض الأمور و كلف غیره معرفة ما وضعه هو بل ذكر انك ان سمعت تلك القصة فافهم من لفظتی سلامان و أبسال للذكورتین فیها نفسك
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 171
و درجتك فی العرفان ثم اشتغل بحل الرمز و هو سیاقه القصة تجدها مطابقة لأحوال العارفین. فاذا الأمر بحل الرمز لیس تكلیفا بمعرفة الغیب انما هو موقوف علی استماع تلك القصة و حینئذ لعله یكون مما لا یستقل العقل بالوقوف علیه و الاهتداء الیه ثم انی أقول قد وقع الیّ بعد تحریر هذا الشرح قصتان منسوبتان الی سلامان و أبسال احداهما و هی التی وقعت أولا الیّ ذكر فیها انه قد كان فی قدیم الدهر ملك للیونان و الروم و مصر و كان یصادقه حكیم فتح بتدبیره له جمیع الاقالیم و كان الملك یرید ان یكون له ابن یقوم مقامه من غیر ان یباشر امرأة فدبر الحكیم تدبیرا حتی تولد من نطفة الملك ابن من غیر رحم امرأة و سماه سلمان و ارضعته امرأة اسمها أبسال و ربته و هو عند بلوغه عشقها و لازمها و هی دعته الی نفسها و الی الالتذاذ بمعاشرتها و نهاه أبوه عنها و أمره بمفارقتها فلم یطعه و هربا معا الی ما وراء بحر المغرب و كان للملك آلة یطلع بها علی الاقالیم و ما فیها فیتصرف فیها فاطلع بها علیهما فرق لهما فأعطاهما ما عاشا به و اهملهما مدة ثم انه غضب من تمادی سلامان فی ملازمة أبسال فجعلهما بحیث یشتاق كل الی صاحبه و لا یصل الیه مع انه یراه فتعذبا بذلك برهة و فطن سلامان به و رجع الی أبیه معتذرا و نبهه أبوه علی
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 172
انه لا یصل الی الملك الذی رشح له مع عشق أبسال الفاجرة و الفته لها فغم ذلك سلامان فوضع یده فی ید أبسال و القیا نفسیهما فی البحر فخاصته روحانیة الماء بامر الملك بعد ان اشرف سلامان علی الهلاك و غرقت أبسال فاغتم سلامان لغرقها ففزع الملك الی الحكیم فی امره فدعاه الحكیم فقال له اطعنی اوصل أبسال الیك فاطاعه فكان یریه صورتها فیتسلی بذلك رجاء وصالها الی ان نار و ستعد لمشاهدة صورة الزهرة فاراها الحكیم بدعوته لها فشغفه حبها و بقیت صورتها معه ابدا فتنفر عن خیال أبسال و استعد للملك بسبب مفارقتها فجلس علی سریر الملك و بنی الحكیم الهرمین باعانة الملك له فاخذ الملك واحدا لنفسه و وضعت هذه القصة مع جثتهما فیهما و لم یتمكن احد من اخراجها غیر ارسطو فانه اخرجها بتعلیم افلاطون له و سد الباب و انتشرت القصة و نقلها حنین بن اسحاق من الیونانی الی العربی و هذه قصة اخترعها أحد عوام الحكماء لینسب كلام الشیخ الیه علی وضع لا یعلق بالطبع و هی غیر مطابقة لذلك لأنها تقتضی ان یكون الملك هو العقل الفعال و الحكیم هو الفیض الذی یفیض علیه مما فوقه و سلامان هو النفس الناطقة فانه أفاضها من غیر تعلق بالجسمانیات و أبسال هو القوة البدنیة الحیوانیة التی بها تستكمل النفس
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 173
و تألفها و عشق سلامان لابسال میلها الی اللذات البدنیة و نسبة أبسال الی الفجور تعلق غیر النفس المتعینة بمادتها بعد مفارقة النفس و هربهما الی ما وراء بحر المغرب انغماسهما فی الأمور الفانیة البعیدة عن الحق و اهمالهما مدة مرور زمان علیهما لذلك و تعذیبهما بالشوق مع الحرمان و هما متلاقیان بقاء میل النفس مع فتور القوی عن أفعالها بعد سن الانحطاط و رجوع سلامان الی أبیه التفطن للكمال و الندامة علی الاشتغال بالباطل و القاء نفسیهما فی البحر تورطهما فی الهلاك. أما البدن فلانحلال القوی و المزاج و أما النفس فلمشایعتها ایاه و خلاص سلامان بقاؤها بعد البدن. و اطلاعه علی سورة الزهرة التذاذها بالابتهاج بالكمالات العقلیة. و جلوسه علی سریر الملك وصولها الی كمالها الحقیقی و الهرمان الباقیان علی مرور الدهر الصورة و المادة الجسمانیتان* فهذا تأویل القصة و سلامان مطابق لما عنی الشیخ و أما أبسال فغیر مطابق لأنه أراد به درجة المعارف فی العرفان و هاهنا مثل لما یعوقه عن العرفان و الكمال فبهذا الوجه لیست هذه القصة مناسبة لما ذكره الشیخ و ذلك یدل علی قصور فهم واضعها عن الوصول الی فهم غرضه منها* و أما (القصة الثانیة) فهی وقعت الیّ بعد عشرین سنة من أیام الشرح و هی منسوبة الی الشیخ
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 174
و كأنها هی التی أشار الشیخ الیها فان أبا عبید الجوزجانی أورد فی فهرست تصانیف الشیخ ذكر قصة سلامان و أبسال له و حاصل القصة ان سلامان و أبسال كانا أخوین شقیقین و كانا أبسال أصغرهما سنا و قد تربی بین یدی أخیه و نشأ صبیح الوجه عاقلا متأدبا عالما عفیفا شجاعا و قد عشقته امرأة سلامان و قالت لسلامان اخلطه بأهلك لتتعلم منه أولادك فأشار علیه سلامان بذلك و أبی أبسال من مخالطة النساء فقال له سلامان ان امرأتی لك بمنزلة أم و دخل علیهما فاكرمته و أظهرت علیه بعد حین فی خلوة عشقها له فانقبض أبسال من ذلك وردت انه لا یطاوعها فقالت لسلامان زوج أخاك بأختی فاملكها به و قالت لاختها انی ما زوجتك لابسال لیكون لك خاصة دونی بل لكی اساهمك فیه و قالت لابسال ان اختی بكر حییة لا تدخل علیها نهارا و لا تكلمها الا بعد ان تستأنس بك و لیلة الزفاف باتت امرأة سلامان فی فراش اختها فدخل أبسال علیها فلم تملك نفسها فبادرت بضم صدرها الی صدره فارتاب أبسال فقال فی نفسه الابكار الحواب لا تفعل مثل ذلك و قد تغیم السماء فی الوقت غیما فلاح منه برق ابصر بضوئه وجهها فازعجها و خرج من عندها و عزم علی مفارقتها فقال لسلامان انی ارید ان افتح لك
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 175
البلاد فانی قادر علی ذلك و اخذ جیشا و حارب امما و فتح بلادا لاخیه برا و بحرا شرقا و غربا من غیر منة علیه و كان اول ذی قرنین استولی علی وجه الارض و لما رجع الی وطنه و حسب انها نسیته عادت الی المعاشقة و قصدت معانقته فأبی و أزعجها و ظهر لهم عدو فوجه سلامان ابسالا الیه فی جیوشه و فرقت المرأة فی رؤساء الجیش أموالا لیرفضوه فی المعركة ففعلوا و ظفر به الأعداء و تركوه جریحا حسبوه میتا فعطفت علیه مرضعة من حیوانات الوحش و القمته حلمة ثدیها و اغتذی بذلك الی ان انتعش و عوفی و رجع الی سلامان و قد أحبط به و اذلوه و هو حزین من فقد أخیه فادركه أبسال و أخذ الجیش و العدة و كر علی الأعداء و بددهم و أسر عظیمهم و سوی الملك لأخیه ثم واطأت المرأة طابخة و طاعمة و اعطتهما مالا فسقیاه السم و كان صدیقا كبیرا نسبا و حسبا علما و عملا فاغتم من موته أخوه و اعتزل من ملكه و فوضه الی بعض معاهدیه و ناجی ربه فأوحی الیه جلیة الحال فسقی المرأة و الطابخ و الطاعم ما سقوا أخاه فدرجوا فهذا ما اشتملت علیه القصة (و تأویله) ان سلامان مثل للنفس الناطقة و أبسال للعقل النظری المترقی الی ان حصل عقلا مستفادا و هو درجتها فی العرفان ان كانت تترقی الی الكمال. و امرأة سلامان القوة البدنیة
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 176
الامارة للشهوة و الغضب كما سخرت سائر القوی لتكون مؤتمرا لها فی تحصیل مآربها الفانیة. و اباؤه انجذاب العقل الی عالمه. و أختها التی املكتها القوة العملیة المسمی بالعقل المطیع للعقل النظری و هو النفس المطمئنة و تلبیسها نفسها بدل أختها تسویل النفس الامّارة مطالبها الخسیسة و تزویجها علی انها مصالح حقیقیة. و البرق اللامع من الغیم المظلم هو الخطفة الالهیة التی تنسخ فی أثناء الاشتغال بالامور الفانیة و هی جذبة من جذبات الحق. و ازعاجه للمرأة اعراض العقل عن الهوی. و فتح البلاد لأخیه اطلاع النفس بالقوة النظریة علی الجبروت و الملكوت و ترقیها الی العالم الالهی. و قدرتها بالقوة العملیة علی حسن تدبیرها فی مصالح بدنها و فی نظم أمور المنازل و المدن و لذلك سماه بأول ذی قرنین فانه لقب لمن كان ملك الخافقین و رفض الجیش له انقطاع القوی الحسیة و الخیالیة و الوهمیة عنها عند عروجها الی الملأ الأعلی. و فتور تلك القوی لعدم التفاته الیها.
و تغذیه بلبن الوحش افاضة الكمال علیه عما فوقه من المفارقات لهذا التالد و اختلال حال سلامان لفقده اضطراب النفس عند اهماله تدبیرها شغلا بما فوقها. و رجوعه الی أخیه التفات العقل الی انتظام مصالحها فی تدبیرها البدن. و الطابخ هو القوة الغضبیة المشتعلة عند طلب
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 177
الانتقام. و الطاعم هو القوة الشهویة الجاذبة لما یحتاج الیه البدن و تواكلهم علی هلاك أبسال اشارة الی اضمحلال العقل فی أرذل العمر مع استعمال النفس الامارة لازدیاد الاحتیاج بسبب الضعف و العجز.
و اهلاك سلامان ایاهم ترك النفس استعمال القوی البدنیة آخر الامر.
و زوال هیجان الغضب و الشهوة و انكسار عادیتهما. و اعتزاله الملك و تفویضه الی غیره انقطاع تدبیره عن البدن و صیرورة البدن تحت تصرف غیرها* و هذا التأویل مطابق لما ذكره الشیخ و مما یؤیده انه قصد بهذه القصة انه ذكر فی رسالته فی القضاء و القدر قصة سلامان و أبسال و ذكر فیها حدیث لمعان البرق من الغیم المظلم الذی أظهر لابسال وجه امرأة سلامان حتی أعرض عنها* فهذا ما اتضح لنا من أمر هذه القصة. و ما أوردت القصة بعبارة الشیخ لئلا یطول الكتاب و الحمد للّه و صلاته و سلامه علی خیر خلقه محمد النبی و آله و صحبه آمین و هاك تفسیر اسامی كتب ارسطاطالیس الحكیم فی المنطق هی ثمانیة كتب و قد سمی كل كتاب منها باسم فقال «بولیطیقا» تفسیره صناعة الشعریین یذكر فیه القیاس الشعری. و قال
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 178
«زنطوریقا» تفسیره علم البلاغة. و قال «سوفسطیقا» و تفسیر توبیخ المسفسطین یبین فیه مغالیطهم و قال «طونیقا» و تفسیره المواضع ای مواضع الجدل. و قال «طیقا» الأول ای هو البرهان و «طیقا» الثانیة هی التحلیل. و قال «بارمینیان» ای هو التفسیر.
و قال «قاطیغوریاس» تفسیره المقولات العشر. و قال «یساغوجی» ای المدخل (و المقولات العشر) هی الجوهر و الكم و الكیف و المضاف و الاین و المتی و الوضع و الملك و ان یفعل و ان ینفعل قال (فالجرهر) كل ما وجد ذاته لیس فی موضوع و قد قام بنفسه دونه بالفعل لا بتقویمه (و الكم) هو القابل لذاته المساواة و عدمها (و الكیف) كل هیئة قارة فی جسم لا یوجد اعتبار وجوده فیه نسبة الجسم الی خارج و لا نسبة واقعة فی اجزائه و لا بالجملة اعتبار یكون به ذا جسم مثل البیاض و السواد و هذا ینقسم الی ما یختص بالكم من جهة ما هو كالتربیع بالسطح و الاستقامة بالخط و الفردیة بالعدد. و الی ما لا یختص و غیر المختص به اما ان یكون محسوسا تنفعل عنه الحواس فالراسخ منه مثل صفرة الذهب و حلاوة العسل تسمی كیفیات انفعالیات و سریع الزوال لا یسمی كیفیة و ان كان كیفیة حقیقیة بل یسمی انفعالات لسرعة استبدالها مثل
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 179
حمرة الخجل و صفرة الوجل. و منه ما لا یكون محسوسا فاما ان یكون استعدادات اولا فان كان استعدادا للمقاومة سمی قوة طبیعیة كالضاحكیة و الصلابة. و ان كان استعدادا لسرعة الاذعان و الانفعال سمی قوة غیر طبیعیة كالمراضیة و اللین. و ان لم تكن استعدادات فما كان منها ثابتا سمی ملكة كالعلم و الصحة و ما كان سریع الزوال سمی حالا كالمرض و مرض المصحاح (و الاین) هو كون الجوهر فی مكانه الكائن فیه (و متی) هو كون الجوهر فی زمانه الذی یكون فیه (و الوضع) هو كون الجسم بحیث یكون لاجزائه بعضها الی بعض نسبة فی الانحراف و المساواة و الجهات (و الفعل) هو نسبة الجوهر الی امر موجود منه غیر قار الذات بل لا یزال یتجدد و یقدم كالاسخان و التبرید (و الانفعال) هو نسبة الجوهر الی حالة فیه بهذه الصورة كالتقطع و التسخن. قال (و الجسم) هو الذی یمكن ان تفرض فیه الابعاد الثلاثة المتقاطعة علی الزوایا القائمة. و هذا رسم الجسم الطبیعی. فاما الجسم التعلیمی فهو الكم المتصل القابل للتجزئة فی ثلاث جهات. و الجسم الطبیعی مركب من الهیولی و الصورة و الهیولی و الصورة هی الجزء الذی به یكون الشی‌ء بالفعل معنی واجب الوجود ما قوامه بذاته و هو مستغن
تسع رسائل فی الحكمة و الطبیعیات، ص: 180
من كل وجه عن غیره سبحانه و تعالی عما یقول الظالمون علوا كبیرا (الحمد للّه وحده قدتم طبع هذه الرسائل التی هی مصابیح الظلمه*) (التی تقتبس منها انوار الحكمه* كیف لا و مؤلفها حكیم) (الإسلام* و فیلسوف الانام* ابو علی الحسین بن سینا) (الذی اشتهر بین العرب و العجم* و شهدت بفضله) (سائر الامم*) رقم الإیداع: 3944/ 1989

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.