المراة والعائلة

اشارة

اسم الكتاب: المرأة والعائلة

المؤلف: حسيني شيرازي، صادق

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: ياس الزهراء(ع)

مكان الطبع: قم

تاريخ الطبع: 1429 ه ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة المؤسسة

لطالما بخلت أقلام الكتاب لدي الحديث عن المرأة ومكانتها الاجتماعية، وتبع ذلك شحة مشهودة في كتب المكتبات، ولاسيما الكتب والتأليفات التي تتحدث عن المرأة من زاوية الانصاف والموضوعية و.. الإنسانية.

هذا كله علي الرغم من الثراء الموجود والمشهور في مدرسة القرآن الكريم والعترة النبوية المطهرة التي تحدثت عن المرأة الإنسانة بصورة موضوعية وتفصيلية. هذا بالإضافة إلي أحاديث وتوصيات علمائنا الأعلام ومراجعنا الكرام واهتماماتهم الدؤوبة بخصوص رسم النظرة الإنسانية إلي المرأة وتحديد حقوقها وواجباتها ومسؤولياتها عموماً.

ومن ذلكم؛ التوجيهات والكلمات والمحاضرات التي ألقاها سماحة المرجع الديني آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله فيما يتعلق بالمرأة، والمرأة المسلمة المؤمنة علي وجه الخصوص، انطلاقاً من مكانته وموقعه الديني الكبير الذي يتمخض عنه الإرشاد والتوجيه، سواء للمرأة بذاتها، أو للرجل وما ينبغي أن تكون نظرته إليها، مستلهماً بلا ريب ذلك من معين الإسلام الصافي، ليسدّ به فراغاً كبيراً وخطيراً؛ كثيراً ما حاول المناوئون للدين استغلاله شر استغلال للحط من كرامة المرأة ودفعها إلي مهاوي السوء، إن علي صعيد الفكر والقناعة، أو علي صعيد الممارسة والسلوك والإبتعاد بها عن جادة الحق عموماً.

وهذا الكتاب الذي بين أيديكم أعزاءنا القراء عبارة عن حلقة من حلقات إصدارات مؤسسة الرسول الأكرم صلّي الله عليه وآله الثقافية، لاسيما وأن هذا الكتاب قد تزامن مع مجموعة من المراسلات والطلبات التي رفعها العديد من الإخوة المؤمنين، ومن مختلف البلدان، يقترحون فيها إصدار انتاجات ثقافية تُعني بشؤون المرأة، علي أن تكون هذه الانتاجات تعكس المعالجات الناجعة لما يمس المرأة من قريب أو بعيد، وتكون بمثابة البلسم

الشافي والوقاية الأكيدة لما تتعرض له أخت الرجل في عصر أصبح الجميع فيه مستَهدفين من قبل عدو المرأة والرجل علي حد سواء.

فبادرت مؤسسة الرسول الأكرم صلّي الله عليه وآله الثقافية إلي تلبية هذه الطلبات معتبرةً إياها تكاليف واجبة التنفيذ، ولتعكس من خلال هذه التلبية نماذج من رؤي وآراء سماحة السيد المرجع الشيرازي دام ظله في هذا المجال.. وهو المعروف بشديد اهتمامه وحرصه علي رفد الساحة الثقافية والإسلامية بالأفكار الفذة والتوجيهات القيمة.

وما توفيقنا إلا بالله

مؤسسة الرسول الأكرم صلّي الله عليه وآله الثقافية

مقدّمة المُعدّ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، الذي خلق الناس من ذكر وأنثي، وجعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا، واعتبر أكرمهم عنده أتقاهم. وأفضل صلواته علي أكرم خلقه وأشرفهم وأفضلهم وسيدهم، المبعوث رحمة للناس كافة، المرسل بالشريعة السمحاء، حبيبه وصفيّه وأمينه، خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا النبي الأكرم محمد بن عبد الله، وعلي السادة الأخيار، والقادة الأبرار، الأئمة الهداة الأطهار من آله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

قد يكون أهمُّ ما يميِّز الإسلام في موقفه من المرأة عن غيره من المبادئ والنُّظم التي عاشَتْ قبله واستجدَّت بعده، هو نظرته الإنسانية إلي المرأة والرجل علي السواء في كل تشريعاته ومفاهيمه، ونظرته للمرأة بما هي أنثي إلي صف نظرته للرجل بما هو ذكر.

فالإسلام حين ينظر إلي الرجل بوصفه إنساناً وينظّمه ويوجّهه، ينظر إلي المرأة باعتبارها إنساناً أيضاً، ويساويها مع الرجل علي الصعيد الإنساني في كل تنظيماته وتوجيهاته، لأنهما سواء في كرامة الإنسانية وحاجاتها ومتطلباتها.

وأما حين ينظر الإسلام إلي المرأة بما هي أنثي وينظم أنوثتها ويوجهها، ينظر في مقابل ذلك إلي الرجل باعتباره ذكراً، فيفرض علي كل منهما من الواجبات، ويعطي لكل منها من

الحقوق، ما يتَّفق مع طبيعته، وفقاً لمبدأ تقسيم المسؤوليات بين أفراد المجتمع، وتنشأ عن ذلك الفروق بين أحكام المرأة وأحكام الرجل. فمَرَدُّ الفرق بين أحكام المرأة وأحكام الرجل إلي تقدير حاجات ومتطلبات الأنوثة والذكورة، وتحديد كل منهما وفقاً لمقتضيات طبيعته.

أما في مجال التنظيم الذي يرتبط بإنسانية الإنسان فلا فرق فيه بين المرأة والرجل، لأنهما في نظر الإسلام إنسان علي السواء، فالإسلام وحده هو الذي نظر إلي المرأة نظرة إنسانية علي قدم المساواة مع الرجل، بينما لم تنظر الحضارات الأخري وحتي الحضارة الأوربية الحديثة إلي المرأة إلا بوصفها أنثي، وتعبيراً عن المتعة والتسلية.

والموقف الحضاري لكل مجتمع من المرأة ينعكس بدرجة كبيرة، بمقدار تغلغل تلك الحضارة علي دور المرأة في تاريخ ذلك المجتمع، وطبيعة موقفها من الأحداث. فالمرأة في مجتمع يؤمن بإنسانية المرأة والرجل علي السواء تمارس دورها الاجتماعي بوصفها إنساناً، فتساهم مع الرجل في مختلف الحقول الإنسانية، وتقدم أروع النماذج في تلك الحقول نتيجة للاعتراف بمساواتها مع الرجل علي الصعيد الإنساني. وعلي العكس من ذلك المرأة في مجتمع ينظر إليها بوصفها أنثي، قبل أن ينظر إليها بوصفها إنساناً، فإنها تنكمش وفقاً لهذه النظرة، وتحرم من ممارسة أيّ دور يقوم علي أساس إنساني، بل يرغمها المجتمع علي التعويض عن ذلك بمختلف ألوان الظهور علي أساس أنوثتها، وما تعبِّر عنه من متعة ولذَّة للرجل.

ونجد خير مصداق لذلك في تاريخ المرأة التي عاشت في كنف الإسلام، وفي ظِلِّ مختلف الحضارات الأخري، فكان دورها ومختلف بطولاتها تتكيَّف وفقاً لطبيعة المبدأ ومفهومه الحضاري عنها. فقد عبَّرت في ظِلِّ الإسلام عن إنسانيتها أروع تعبير، وأقامت بطولاتها علي هذا الأساس، بينما لم تعبِّر في المجتمعات الأخري غير الإسلامية إلا عن أنوثتها، ولم يتح

لها أن تقيم لها مَجداً إلاَّ علي أساس هذه الأنوثة، وبقدر ما فيها من وسائل الإغراء للرجال، لا علي أساس إنسانيتها، وبقدر ما فيها من طاقات الخير والإصلاح.

بطولات المرأة المسلمة

أما المرأة المسلمة فقد اعتمدت ببطولتها علي إنسانيتها، فبعد أن تبوَّأت مكانتها السامية في الإسلام علي حسابها الخاص، وعلي كونها إنسانة كالرجل المسلم، لها ما له وعليها ما عليه، وإن اختلفت عنه بالوظائف والتكاليف التي وزعت علي البشر كل حسب ما تتطلبه فطرته ويقتضيه تكوينه. ولكونها في الصعيد العام إنسانة كالرجل برزت شخصيتها لامعة وضَّاءة وسجلت لها في التاريخ ذكراً عطراً كأروع ما تسجله إنسانة مستقلة لها عقيدتها ورسالتها السماوية.

وقد عرفت المرأة المسلمة قِيمة النصر الذي أحرزَتْه، والمستوي الرفيع الذي ارتقَتْ إليه بعد أن قَضَتْ عصوراً عاشتها وهي في مهملات التاريخ، ولهذا فقد سَعَتْ جاهدة للعمل علي إثبات كفاءتها لذلك.

وكان في كثرة النساء المبادرات للإسلام أصدق دليل علي ما حمله الإسلام للمرأة المسلمة من خير وصلاح، وما هيَّأ لها من محلِّ رفيع. وفعلاً فقد سجّلت المرأة المسلمة في التاريخ الإسلامي أروع صفحات كتبتها بالتضحية والفداء، وخطَّتها بدماء الآباء والأبناء، بعد أن أكَّد الإسلام علي اعتبارها في الصعيد الإنساني كأخيها الرجل لا أكثر ولا أقل.

فكما أن بطولة الرجل المسلم كانت في مجالين وفي اتجاهين، في مجال التضحية والجهاد، وفي مجال الدعوة إلي الله تعالي، كانت بطولة المرأة المسلمة أيضا في نفس المجالين، وفي كلا الصعيدين كانت تعمل كإنسانة لا كأنثي.

أما علي صعيد حمل الفكرة، ونشر الثقافة الإسلامية، ومفاهيم الشريعة الجديدة وأحكامها، فما أكثر النساء اللَّواتي أخذْنَ الإسلام من منبعه الزاخر، فبشَّرن به ودعون إليه، بعد أن تعمَّقن في فهمه، وكنَّ مدارس إسلامية يَروين عن النبي ويُروي عنهُنَّ.

وفي طليعة

الراويات عن النبي صلي الله عليه وآله والناشرات لأحكام الإسلام الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها. فقد روت عن أبيها صلي الله عليه وآله، وروي عنها ابناها الحسن والحسين سلام الله عليهما، وزوجها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، وأم سلمة، وأرسلت عنها فاطمة بنت الحسين وغيرها. وروت عن الرسول صلي الله عليه وآله أيضاً أسماء بنت عُميس الخثعمية، وروت عنها أمُّ جعفر وأُم محمد ابنتا محمد بن جعفر.

المرأة المسلمة في الوقت الحاضر

المرأة المسلمة اليوم هي بنت تلك المرأة المسلمة التي عرضت صدرها لحراب الأعداء، وشهدت بعينها قتل الآباء والأبناء، فما الذي يقعد بالمرأة المسلمة البنت عن أن تعيد تاريخ المرأة المسلمة الأم، وأن تقفو خطواتها في الحياة؟! لا شيء غير أنها افتقدت وبالتدريج ونتيجة لابتعادها عن روح الإسلام الحقيقية إنسانيتها، وعادت مجرد أنثي تتلاعب بها الأهواء والتيارات، وتسخرها ميول الرجال، ويستهويها كُلُّ لمح كاذبٍ أو وميض خادع.

ولهذا فقد وقعت في أحابيل شائكة شوَّهت أنوثتها وأفقدتها شخصيتها كإنسانة في الحياة، فهي مَهما سمَتْ أَمْ حاوَلت السمو لن تتمكن أن تسمو كإنسانة مستقلة، ما دامت تخضع لأحكام الرجل في اتِّخاذ طريقتها في الحياة، وتتبع ما يمليه عليها من أساليب الخلاعة الرخيصة.

فما الذي يمنع المرأة المسلمة اليوم من أن تشقَّ طريقها في الحياة ثقافة وعملاً مع محافظتها علي عفتها الذي يلزمها الإسلام به؟!، لا شيء غير غضب الرجال لذلك، وسخطهم عليه، لأنه سوف يحول دون متعة استجلاء مفاتن المرأة ومحاسنها.

فهل التبرج من شروط طلب العلم؟ أم هل الخلاعة والتهتك من شروط الثقافة والتمدن؟ كلا وألف كلا، ليس للتبرج ولا للخلاعة أي دخلٍ من قريب أو بعيد في العلم والثقافة، ويمكن التمييز بينها وبسهولة أيضاً متي

ما عادت المرأة المسلمة، وأحسّت بوجودها كإنسانة لا كأداة من أدوات إرضاء الرجل. ولكن أعداء الإسلام لن يسمحوا بفرز العلم عن السفور والثقافة عن الخلاعة، فهم يحاولون بشتَّي الأساليب المُغرية ربط الاثنين معاً ليحطُّوا من شأن المرأة المسلمة ومن مكانتها في العالم.

هذا الكتاب

الكتاب الذي بين يديكِ أختي القارئة يضم بين طياته بعض إرشادات وتوجيهات ووصايا المرجع الديني سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، انتخبتها من كلمات ومحاضرات سماحته التي ألقاها في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة في الأعوام (1423 و1424 و1425 و1426 و1427 و1428 للهجرة) بمجاميع نسوية مختلفة، من طالبات ومدرّسات الحوزة والجامعة، والناشطات في المجالات الدينية والثقافية والاجتماعية، كنّ قد وفدن من بلدان عديدة كالعراق، ودول الخليج، وأفغانستان، وباكستان، وأفريقيا، ولبنان، ومن داخل إيران، وبعض الدول الأوروبية لزيارة سماحته والاستفادة من توجيهاته القيمة. وقد قمت بإدخال بعض التغييرات البسيطة علي الكتاب ليناسب نشره. ورتّبت مواضيعه حسب الأهمية. وأملي الفائدة من هذا الكتاب لتطلع المرأة وخصوصاً المسلمة علي مجمل عقائد الإسلام، وأصوله، وفروعه، وأحكامه، وأخلاقه، وآدابه، وعلي مكانتها، ودورها، ومسؤوليتها التي قررّها لها دين الإسلام، وما حققها لها من معاني الكرامة والحرية، والمساواة في الحقوق والمسؤولية والإنسانية.

راجياً من الله العلي القدير القبول، فهو جلّ وعلا من وراء القصد.

علاء حسين الكاظمي

20 جمادي الآخرة 1428 للهجرة

قم المقدسة

عقائد

السعادة الحقيقية في الإسلام

السعادة كلمة رائقة، والّذي ينبغي أن يُلاحظ هو أنّ من الذي طبّق السعادة واقعاً.

ورد في التاريخ الإسلامي، وفي الروايات الشيعية وغير الشيعية بل روي غير المسلمين أيضاً أن النبي الأكرم صلي الله عليه وآله، منذ أن بشّر الناس بالإسلام، قد ظهرت حقيقة السعادة في أقواله وأفعاله علي حد سواء..

إن النبي صلي الله عليه وآله لبث في مكّة المكرّمة ثلاث عشرة سنة، واجه خلالها ضغوطاً كبيرة من قِبل المشركين، ولذلك غادر مكّة إلي المدينة المنورة وأقام بها أوّل حكومة إسلامية حيث يقطن عدد كثير من اليهود والنصاري، ثم جاء تأكيد القرآن الحكيم بأن أشد الناس عداوة للمؤمنين هم اليهود.

روي

عن الإمام الصادق سلام الله عليه أن النبي صلّي الله عليه وآله قال: «من ترك ديناً أو ضياعاً فعليّ ومن ترك مالاً فلورثته … وما كان سبب إسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله صلّي الله عليه وآله وإنهم آمنوا علي أنفسهم وعلي عيالاتهم».

ذلك لأنه قد جرت العادة لدي المشركين واليهود والنصاري والمجوس، قبل الإسلام، علي أخذ رسوم وضرائب علي أموال المواريث، وهذه العادة، أو الأصل، لم تزل باقية حتي يوم الناس هذا.

أما في الإسلام فلا وجود لشيء من هذا القبيل. وإنما ذهب رسول الله صلي الله عليه وآله إلي أبعد من ذلك حينما قرّر بأن من رحل عن الدنيا وكان عائلاً ولم يترك لعائلته إرثاً، فهؤلاء يدخلون في عهدة النبي صلي الله عليه وآله وأكثر من ذلك جعل النبي الأكرم صلي الله عليه وآله علي نفسه قضاء دين الميت، ومنع الدائنين من مراجعة زوجته وأطفاله في طلب سداد الدين المترتب عليه.

إن أقوال وتوجيهات رسول الله صلي الله عليه وآله تلك صارت باعثاً ومحفزاً لدي يهود مكة وأطراف المدينة، لدخول الدين الإسلامي؛ لأن حرص جمع المال وقصر الهم علي الاقتصاد، كانت قد تأصلت في نفوس اليهود من قديم عهدهم، فهبوا يدخلون جماعات جماعات في الإسلام لرؤيتهم أنّ هذا القول من النبي هو في صالح ثرواتهم وثروات أسرهم..

إنكم لا تجدون حتي في أكثر بلدان عالم اليوم تقدماً، رئيس حكومة يتعهد بقضاء ديون الميت، كما لا تجدون قانوناً من قوانين دنيا اليوم، ينص علي أن من استقرض مالاً وعجز عن ردّه حتي مات، فعلي الدولة تسديد ديونه.. في حين نجد في أحكام الإسلام أن من مات فقيراً، وكان في ذمته دين، ولم يترك

لورثته ما يقضون به دينه، فعلي إمام المسلمين قضاء دينه.

جاء في بعض الروايات أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، لم يأكل أيام حكومته التي استمرت أربع سنين والتي ضمت بقاعاً مترامية الأطراف (50 بلداً بتقسيمات اليوم)، لم يأكل لحماً إلاّ في يوم واحد في السنة، وهو يوم عيد الأضحي، مواساة منه لأضعف المسلمين؛ فأين تجدون مثل هذا النموذج في الحكم.

إن السرقة والسطو والإغارة كانت متفشية قبل الإسلام، ولكن لما بعث الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله بالإسلام، انقطع دابر السرقة، واستمر الحال كذلك نحو مئتي عام أي حتي زمان حكومة المعتصم العباسي الذي لم يدر من أين يجب أن تقطع يد السارق وعجز العلماء عن الإجابة الصحيحة فرجع إلي الإمام الجواد سلام الله عليه.

الإسلام هو النور والحياة

هناك ثلاث كلمات تعتبر من مظاهر الإسلام الجميلة والرائعة:

الأولي فيما يخصّ التشجيع علي كسب العلم، حيث قال رسول الله صلي الله عليه وآله: «اطلبوا العلم ولو بالصين» في وقت كان أكثر الناس لا يعرفون الصين ولم يكن أحد ليفكّر بالسفر إليها، لمشقّة الذهاب الذي كان قد يستغرق سنتين علي الأقلّ، وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «قيمة كل امرئ ما يحسنه».

أما الكلمة الثانية؛ ففي الجانب الإنساني من الإسلام. فرغم أن النبي صلّي الله عليه وآله قال: «إن عمود الدين الصلاة، وهي أول ما يُنظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحّت نُظر في عمله، وإن لم تصحّ لم يُنظر في بقية عمله» إلا أنه أُخبر ذات يوم عن امرأة تحيي ليلها بالصلاة والعبادة والدعاء، ولكنها سيئة الخلق مع جيرتها، فقال: «لا خير فيها، هي من أهل النار» وهذا ما يشير بوضوح إلي مدي ما يوليه الإسلام للجانب الإنساني من الأهمية.

أما الكلمة

الثالثة؛ اهتمام الإسلام بالسعي والعمل البنّاء، فالإسلام يكره وينبذ التقاعس والاتكالية وثقافة التبرير والتهرب من تحمل المسؤولية. كما أعطي الإسلام قضية التحلّي بفضائل الأخلاق الرتبة الأولي. حتي إن رسول الله صلي الله عليه وآله وهو أعظم شخصية علي الإطلاق، رغم المصاعب التي كان يواجهها في سبيل هداية الناس من الجاهلية إلي الإسلام والعلم، إلا أنه كان حريصاً كل الحرص علي اختيار الكلمات الأكثر تناسباً لدي تعليم الناس مبادئ دينهم. فلم يكن يختار في كثير من الاحيان الأسلوب المباشر في الإرشاد، لعلمه المسبق بتنفّر النفس منه، وكان يعبّر عن حرمة كذا عمل بقوله: «إني أكره هذا».

كما كان يعبّر بأساليب مختلفة ملؤها الأدب لإبلاغ التعاليم وإرشاد البشرية.

يجب تعلّم عقائد الإسلام لردّ شبهات الأعداء

من المسائل المهمة جداً والمغفول عنها هي وصايا ومواعظ النبي صلي الله عليه وآله والتي تشمل أصول الدين والأحكام الشرعية والآداب والأخلاق. فهناك كثيرون لا يعرفون من العقائد إلاّ الاسم، وهذه تُعتبر مشكلة، لأن تعلّم العقائد من الواجبات الدينية، فيجب علي كل مسلم أن يعرف العقائد الإسلامية.

تثار هذه الأيام في المجالس والجامعات وغيرها شبهات حول الدين، كما تثار شبهات حول القرآن الكريم الأئمة الأطهار والعقائد الإسلامية، وهذا يحمّلنا المسؤولية للردّ عليها، فيجدر بنا إذاً أن نضاعف من قدراتنا العلمية لنستطيع الإجابة علي الشبهات.

وأوصي المؤمنات بأن لا يكنّ ممن يعملن المستحبّات ويتركن الواجبات، وأدعوهن إلي مزيد من تعلّم أحكام الدين وأصوله وآدابه وأخلاقه وتعليمها للآخرين.

رضا الله تعالي هو الغاية

لقد منحنا الله تعالي جميعاً صغاراً وكباراً؛ رجالاً ونساءً؛ القدرة علي أن نكون مؤمنين صالحين بالمعني الحقيقي للكلمة، ولكن هذا الأمر بحاجة إلي عزم صادق وإرادة جادّة ومستمرة وكما في الحديث الشريف؛ «إنما هي عزمة» فلو صممنا حقّاً أن نكون كذلك فإن الله تعالي سيوفّقنا أيضاً.

«وردت رواية عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: كَانَ لِي صَدِيقٌ مِنْ كُتَّابِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ لِي: اسْتَأْذِنْ لِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ [الصادق]، فَاسْتَأْذَنْتُ لَهُ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ سَلَّمَ وَجَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي كُنْتُ فِي دِيوَانِ هَؤُلاء الْقَوْمِ (بني أميّة) فَأَصَبْتُ مِنْ دُنْيَاهُمْ مَالاً كَثِيراً، وَأَغْمَضْتُ فِي مَطَالِبِهِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سلام الله عليه: لَوْ لا أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ وَجَدُوا مَنْ يَكْتُبُ لَهُمْ وَيَجْبِي لَهُمُ الْفَيْ ءَ وَيُقَاتِلُ عَنْهُمْ وَيَشْهَدُ جَمَاعَتَهُمْ لَمَا سَلَبُونَا حَقَّنَا، وَلَوْ تَرَكَهُمُ النَّاسُ وَمَا فِي أَيْدِيهِمْ مَا وَجَدُوا شَيْئاً إلا مَا وَقَعَ فِي أَيْدِيهِمْ.

فَقَالَ الْفَتَي: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَهَلْ لِي مَخْرَجٌ مِنْهُ؟

قَالَ: إِنْ قُلْتُ لَكَ تَفْعَلُ؟

قَالَ: أَفْعَلُ.

قَالَ

لَهُ: فَاخْرُجْ مِنْ جَمِيعِ مَا اكْتَسَبْتَ فِي دِيوَانِهِمْ، فَمَنْ عَرَفْتَ مِنْهُمْ رَدَدْتَ عَلَيْهِ مَالَهُ، وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ تَصَدَّقْتَ بِهِ، وَأَنَا أَضْمَنُ لَكَ عَلَي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ.

قَالَ: فَأَطْرَقَ الْفَتَي رَأْسَهُ طَوِيلاً ثُمَّ قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ: فَرَجَعَ الْفَتَي مَعَنَا إِلَي الْكُوفَةِ، فَمَا تَرَكَ شَيْئاً عَلَي وَجْهِ الأرْضِ إلا خَرَجَ مِنْهُ، حَتَّي ثِيَابِهِ الَّتِي كَانَتْ عَلَي بَدَنِهِ. فَقَسَمْتُ لَهُ قِسْمَةً، وَاشْتَرَيْنَا لَهُ ثِيَاباً، وَبَعَثْنَا إِلَيْهِ بِنَفَقَةٍ. فَمَا أَتَي عَلَيْهِ إلا أَشْهُرٌ قَلائِلُ حَتَّي مَرِضَ، فَكُنَّا نَعُودُهُ.

قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْماً وَهُوَ فِي السَّوْقِ، فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عَلِيُّ! وَفَي لِي وَاللَّهِ صَاحِبُكَ.

قَالَ: ثُمَّ مَاتَ، فَتَوَلَّيْنَا أَمْرَهُ، فَخَرَجْتُ حَتَّي دَخَلْتُ عَلَي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سلام الله عليه، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ قَالَ: يَا عَلِيُّ! وَفَيْنَا وَاللَّهِ لِصَاحِبِكَ.

قَالَ: فَقُلْتُ: صَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ، هَكَذَا وَاللَّهِ قَالَ لِي عِنْدَ مَوْتِهِ».

إن التصرّف الذي بدر من هذا الرجل كان عظيماً جداً، وإنّ عزمه القاطع هو الذي صار سبباً لصدور هذا الموقف المشرّف منه. والملفت أنّ هذا الرجل كان من عمّال بني أميّة أي كان بعيداً عن خطّ أهل البيت عليهم السلام ومع ذلك وُفّق لهذه النهاية السعيدة، وأمّا نحن محبّوا أهل البيت عليهم السلام فالمرجوّ أن نكون أوفر حظّاً في التحوّل والرقيّ إن عزمنا، وأقرب إلي إعانة الله سبحانه وتعالي.

فلتطلب كل واحدة منكنّ، من الله تعالي أن يوفّقها لطاعته وللسير علي طريق أهل البيت عليهم السلام، وأن تصمّم علي أن تجعل رضا الله جلّ شأنه نصب عينها في جميع الأمور.

ضرورة العمل بالقرآن وبتعاليم أهل البيت

«روي عن الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله أنّه قال في خطبة الوداع: أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين. قالوا: يا رسول الله وما الثقلان؟ قال: كتاب الله

وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض كإصبعيّ هاتين وجمع بين سبّابتيه ولا أقول كهاتين وجمع سبابته والوسطي فتفضل هذه علي هذه».

روي هذا الحديث محبّو أهل البيت عليهم السلام ومبغضوهم علي السواء، المسألة الجديرة بالملاحظة هنا هي أنّ الإنسان إذا أراد الإشارة إلي شيئين مختلفين لا يستخدم سبّابتيه، بل السبابة والوسطي من نفس اليد، ولكن الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله فعل ذلك في هذه المرّة فقط ولم يُنقل أنه فعلها قبل ذلك. والسبب أنّه أراد أن يلفت الانتباه إلي أنّ القرآن الكريم والعترة الطاهرة هما صنوان ولا يختلفان في شيء مثقال ذرة، بعبارة أخري، إنّ القرآن الكريم والإمام المهدي عجّل الله تعالي فرجه الشريف كلاهما واحد ويتّفقان في كل شيء. فقد أوصي أهل البيت سلام الله عليهم النّاس بالانقياد للقرآن الكريم وكذلك القرآن دعا الناس إلي الانقياد لهم. لذا، فلا يثني القرآن الكريم علي شيء أو شخص ولا يحظي هذا الشيء أو الشخص برضا أهل البيت عليهم السلام، والعكس صحيح أيضاً.

روي أنّ القرآن في يوم القيامة يظهر في صورة فتي وسيم، ويشهد للمتّقين والذين عملوا بأحكامه وينتصر لهم، بينما يشهد علي من تركه وراء ظهره ولم يعمل به أو لم يؤدّ حقّ أهل البيت سلام الله عليهم.

الهدف هو الله جلّ شأنه

جاء في وصايا رسول الله صلي الله عليه وآله لأبي ذر رضوان الله عليه: «يا أبا ذر ليكن لك في كل شيء نيّة صالحة حتي في النوم والأكل» وقال:

هذه الوصية والعشرات من أمثالها ذكرتها العديد من كتب الروايات، والمخاطب فيها ليس أبا ذر وحده، بل هي للمؤمنين والمؤمنات جميعاً إلي يوم القيامة. وإني أوصي الجميع لاسيما المؤمنات المحترمات بحفظ

هذه الوصايا لينفعن بها أنفسهن وغيرهن، فهي نافعة للدنيا والآخرة.

في هذه الوصية الثمينة يشير مولانا رسول الله صلي الله عليه وآله إلي الهدف فيما يقوم به الإنسان في الحياة الدنيا، فالإنسان يسافر، ويأكل، ويشرب، ويتزوّج، ويتاجر، ويكسب المال، وينفقه، ويدرس ويدرّس، ويكتب ويخطب وما إلي ذلك، والناس يختلفون في أهدافهم، فقد يكون القصد لله تعالي، وقد يكون للشهوات الشخصية.

قال الله تبارك وتعالي: ?وَأَنَّ إِلَي رَبِّكَ الْمُنتَهَي?، فليعزم كل واحد منّا أن يكون الهدف في كل ما يقوم به من عمل هو الله جلّ شأنه، وإن صغر العمل أو كان بسيطاً كشرب الماء مثلاً، فمرجع البشر جميعاً إلي الله تعالي فحريّ بنا أن تكون نيّتنا وقصدنا هو الله تبارك وتعالي لا غيره. فليُحسن المرء خُلقه مع عائلته لله تعالي لا وقاية من نقد الناس أو حتي لا يقع في مشكلة.

الامتثال لأوامر الله تعالي ومناهيه

قالت سيدة نساء العالمين سلام الله عليها في خطبتها: «أنتم عباد الله نُصب أمره ونهيه».

كل الناس في هذه الدنيا، رجالاً ونساءً، وفقراء وأغنياء، وموظفون وكسبة، وعلماء وغيرهم، هم نصب أمر الله تعالي ونهيه. فهذه الدنيا بمثابة مختبر للجميع، كل في مجاله. فكل واحد يختبر يومياً بل وفي كل ساعة بشبابه وبماله وبعمره وأولاده وأبويه وأقربائه وجيرانه وشركائه ومع زوجته. ثم تكون نتيجة الاختبار السعادة أو الشقاء في الدنيا، وفي الآخرة الجنة والنعيم أو العذاب والجحيم والعياذ بالله. فهذه هي خلاصة الحياة الدنيا للجميع.

إن النتيجة التي يحصل عليها المرء في الدنيا والآخرة ترتبط بما يقوم به من عمل، ومدي استجابته لأوامر الله تعالي وتطبيقها والعمل بها. فقد نري أخوين، أو زميلين، أوجارين، يكون أحدهما في قمة الخير، والآخر في حضيض الشرّ.

يقول المرحوم السيد الأخ الأكبر رضوان الله

تعالي عليه: كنت أعرف أخوين من أب واحد وأم واحدة، وكان أحدهما وضعه المالي ضعيفاً، والآخر في وضع أفضل. وكان الأول يخمّس ماله كل سنة أما الثاني فما كان يعمل بأمر الله تعالي في تخميس أمواله. وبعد فترة من الزمن مات كلاهما. فعاش أولاد الأول في نعيم، أما أولاد الثاني فعاشوا الجدب.

فالإنسان يلزم أن يكون علي بصيرة من أمره ويعلم أن كلّ ما يقوله ويعمله فهو تحت نظر الله جلّ شأنه. فعندما يتكلّم المرء أو يسكت فإن الله تعالي ناظر إليه. وعندما يأخذ المال أو يعطيه، وعندما يُمدح أو يُذمّ، وعندما تثور عنده مختلف الشهوات الدنيوية وإلي غير ذلك. فليعزم أن يكون كلامه سديداً وعمله صالحاً وأن يمتثل لما أمر به الله عزّ وجلّ وأن يواصل عزمه علي ذلك حتي ينال التوفيق.

لنعبد الله تعالي كأننا نراه

من وصايا الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله لأبي ذر الغفاري رضوان الله تعالي عليه: «يا أباذر اعبد الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك».

كل إنسان عندما يتحدث مع عائلته مثلاً أو في السوق أو في مكان عمله، يكون كلامه عن تفكّر وتفهم وتركيز في الحواس. وفي هذه الوصية يريد رسول الله صلي الله عليه وآله منّا أن نكون منتبهين إلي ما نقوله وما نقوم به أثناء تأدية العبادات، وإن كانت كلمة واحدة كقولنا (يا الله). فعندما نقول في الركوع (سبحان ربّي العظيم وبحمده) علينا أن ننتبه إلي أن الربّ العظيم ناظر إلينا ويسمع كلامنا كلّه.

إن الله تعالي ليس بجسم ولا يمكننا أن نراه أبداً، فإنّا لا نري اُموراً بسيطة كجاذبيّة الأرض والوجع، أما الله سبحانه وتعالي فهو ناظر إلينا دائماً ويري كل شيء يصدر منّا، سواء كان قولاً أو فعلاً،

ومطلع علي سرائرنا كلّها، فاللازم حينما نقول ونفعل أن نكون وكأنّنا نري الله تعالي، فإذا لقّن الإنسان نفسه هذا النوع من التفكير حين الكلام والفعل ستكون عبادته لله تعالي أحسن وأفضل، وسيتجنّب المعاصي، وستكون حياته في الدنيا والآخرة حياة سعيدة.

الاستعداد ليوم الحساب

قال الإمام الصادق عليه السلام: كَانَ [للنبي عيسي عليه السلام] صَدِيقٌ مُوَاخٍ لَهُ فِي اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَي، وَكَانَ عِيسَي عليه السلام يَمُرُّ بِهِ وَيَنْزِلُ عَلَيْهِ. وَإِنَّ عِيسَي غَابَ عَنْهُ حِيناً ثُمَّ مَرَّ بِهِ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ أُمُّهُ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ: مَاتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: أَ فَتُحِبِّينَ أَنْ تَرَيه؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا: فَإِذَا كَانَ غَداً فَآتِيكِ حَتَّي أُحْيِيَهُ لَكِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَي. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهَا فَقَالَ لَهَا: انْطَلِقِي مَعِي إِلَي قَبْرِهِ، فَانْطَلَقَا حَتَّي أَتَيَا قَبْرَهُ فَوَقَفَ عَلَيْهِ عِيسَي عليه السلام ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَانْفَرَجَ الْقَبْرُ وَخَرَجَ ابْنُهَا حَيّاً، فَلَمَّا رَأَتْهُ أُمُّهُ وَرَآهَا بَكَيَا، فَرَحِمَهُمَا عِيسَي عليه السلام فَقَالَ لَهُ عِيسَي: أَتُحِبُّ أَنْ تَبْقَي مَعَ أُمِّكَ فِي الدُّنْيَا؟ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَكْلٍ وَرِزْقٍ وَمُدَّةٍ أَمْ بِغَيْرِ أَكْلٍ وَلا رِزْقٍ وَلا مُدَّةٍ؟ فَقَالَ لَهُ عِيسَي عليه السلام: بِأَكْلٍ وَرِزْقٍ وَمُدَّةٍ، وَتُعَمَّرُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَتَزَوَّجُ وَيُولَدُ لَكَ. قَالَ: نَعَمْ إِذاً. قَالَ: فَدَفَعَهُ عِيسَي إِلَي أُمِّهِ، فَعَاشَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَتَزَوَّجَ وَوُلِدَ لَهُ.

يجدر بالإنسان وهو في الدنيا أن يستعد دوماً ليوم الحساب في الآخرة، فينظر ما عليه من تقصير في العبادات وفي حقوق الوالدين والزوجة والأولاد والأرحام وبقية الناس كأكل المال بالباطل مثلاً أو بغض صدر منه أو غلّ، أو سوء خلق، ويسعي في جبران ما قصّر فيه.

فلا رجعة إلي الدنيا بعد الموت إلا للمعصومين سلام الله عليهم ولبعض المؤمنين الخلّص وذلك

بالأدلة الثابتة. فعلي كل إنسان أن يعمل ما بوسعه لكي يكون في الآخرة من الفائزين، لامن المقصّرين الذي يسألون الله تعالي الرجعة إلي الدنيا لإصلاح ما قصّروا فيه من الواجبات وحق الله تعالي وحق الناس. فقد ورد في الحديث الشريف عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: «ياعلي تارك الزكاة يسأل الله الرجعة إلي الدنيا وذلك قول الله عزّ وجلّ: ?حَتَّي إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ?».

ينبغي للإنسان أن يعزم علي صلاح أمره فيتدارك ما قصّر في العبادة والطاعة والواجب تجاه الله سبحانه وتجاه نفسه والآخرين، ويصلح ما أفسد من قول أو عمل.

سلامة المجتمع في تأصيل المعتقدات الدينية وتعميم الثقافة الإسلامية

إن المؤمن لا يستوحش أبداً لأنه يؤمن بأن الله تعالي معه أينما حلّ وارتحل.

من تبعات الفراغ الروحي والأمراض الروحية الإحساس بالوحشة والغربة وربما تتعدي ذلك فتصيب المرء بالكآبة أو الإقدام علي الانتحار والعياذ بالله. أما من يؤمن بوجود الله وأنه عزّ وجلّ ناظر إليه دائماً ومعه أينما كان، فلا يعاني الفراغ الروحي ولا يصاب بالأمراض الروحية، ويكون مصوناً من مشاعر الاحساس بالوحشة أو الغربة. فالإيمان بالله جلّ وعلا أمان للإنسان.

وجُنّة أيضاً من المعاصي والظلم، فكلّ من يعتقد بأنّ الله تعالي ناظر إليه دائماً، لا يتطاول علي حقوق الآخرين، ولا يلوّث نفسه بالمعصية أو الذنب حتي في الخلوة. ويأمنه أهله وعائلته.

لقد ارتكب حكّام الجور عبر التاريخ الكثير، كان منها استغلال أموال المسلمين وتبذيرها والتلاعب بمقدراتهم. فقد نقل التاريخ من أفعال عثمان بن عفان أنه سلّط الوليد بن عقبة علي خزانة الكوفة فاستقرض منها ما شاء، ثم طالبه عبد الله بن مسعود خازن بيت المال فكتب الوليد إلي عثمان بذلك، فكتب الأخير إلي ابن مسعود: (إنما أنت خازن لنا فلا تعرض للوليد

فيما أخذ من المال). فلما انتهي إلي ابن مسعود كتاب عثمان طرح المفاتيح وقال: (كنت أظن أني خازن للمسلمين فأما إذا كنت خازناً لكم فلا حاجة لي في ذلك). ثم استقال من منصبه.

إن تأصيل المعتقدات الدينية وتعميم الثقافة الإسلامية بين الناس وبالأخص الشباب هي أفضل السبل للحَدّ من الجرائم الفردية والاجتماعية. فالشاب الذي ينشأ علي الاعتقاد بأن الله ناظر إليه وأنه جلّ شأنه يعلم بما يُخفيه وما يُعلنه لا يَزِلّ، ويكون مصوناً من الذنب والظلم.

أهل البيت

مسؤوليتنا تجاه أهل البيت

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «إنّ الله سبحانه وتعالي اطلع إلي الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أنفسهم وأموالهم فينا، أولئك منّا وإلينا».

الصفة الأولي: ينصروننا.

الصفة الثانية: يفرحون لفرحنا.

الصفة الثالثة: يحزنون لحزننا.

الصفة الرابعة: يبذلون أنفسهم وأموالهم فينا.

كلمة «يبذلون» تختلف عن معني كلمة «يعطون»، فالعطاء يمكن أن يكون عن إجبار وإكراه، لكن البذل يكون عن كامل الاختيار.. يقول الإمام: يبذلون. فمن كان فيه هذه الصفات، فأولئك منّا، وليس فقط سلمان منّا أهل البيت. بل كل من توفرت فيه هذه الصفات الأربع فهو من أهل البيت ويحشر معهم.

الإمام الحسين عليه السلام عَبرة ودمعة، وفي نفس الوقت عِبرة وأسوة، وقد ورد ذلك في الحديث: «أنا قتيل العبرة».

لذا يجدر بالمؤمنات أن يقمن بدورهنّ وبما يتمكّنّ من عقد إقامة الشعائر الحسينية. وعليهُنّ تبليغ هذه العقائد وهذا الدين إلي أولادهن، وعوائلهن، وأقربائهن، وصديقاتهن، كما أوصلتها الاجيال التي قبلهن بسلامة إليهن.

رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه يجب علي كل مؤمنة أن تُسعد فاطمة في الحسين عليه السلام. ففاطمة الزهراء تنتظر وتفرح من كل واحدة من المؤمنات، أن تقوم بدورها في إسعادها سلام الله عليها، بأي شيء في الحسين، بأن تقوم

كلّ مؤمنة بتعبئة وهداية وإرشاد وتوجيه الفتيات من الجيل الجديد. هذا واجبكنّ أنتنّ المؤمنات، فإن تفلت فتاة واحدة عن طريق أهل البيت فإنها تكون طعماً لذئاب العقائد، ولذئاب الأخلاق.

هذه مسؤولية كلّ واحدة من المؤمنات، أن تقوم بدورها، عند ذلك يتحقق الحديث الشريف «أولئك منّا وإلينا».

الزهراء أسمي نموذج للمرأة

روي في حديثٍ قدسي: «لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما».

أنتن تعرفن ماذا جري في التاريخ بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله، فلولا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه لانمحي كل شيء، فقد كان معاوية يقول علناً، سأسعي بالقدر الذي أستطيع به دفن اسم النبي صلّي الله عليه وآله، فلولا أمير المؤمنين، لما خُلق النبي. وهذا هو معني «لولا علي لما خلقتك». وكذلك لو فرضنا أن الله تعالي تفضل بخلق النبي والإمام، ولكن لم يخلق السيدة الزهراء عليها السلام، فمن كان يُخلّص، بشكل ظاهر ودونما معجزة، أمير المؤمنين، عندما شدّوا وثاقه، واقتادوه والسيوف مسلَّطة علي رأسه الشريف، فلولا السيدة الزهراء لقُتل أمير المؤمنين في ذلك اليوم، ولانتهي كل شيء.

فليس معني الحديث القدسي المتقدم أن أمير المؤمنين أفضل من النبي صلي الله عليه وآله؛ أو أن فاطمة أفضل من أميرالمؤمنين فالأفضلية موضوع آخر، بل المراد معني الإلغاء، نظير الآية الكريمة ?وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ?، في مسألة الغدير المشهورة، فبعد مضي ثلاث وعشرين عاماً من السعي الدؤوب، وتحمّل المصاعب الكثيرة والأذي والقتال، يقول القرآن الكريم أنه لولا إعلان الغدير، لأضحت كل تلك السنوات بحكم اللاشيء.

فماذا تريد الزهراء عليها السلام، للمرأة؟ ثم إنها بنت رسول الله صلي الله عليه وآله فلتنظر المرأة كيف كانت الزهراء تعامل أباها؟

والزهراء كانت زوجة أمير المؤمنين،

فكيف كان تعاملها مع زوجها عليها السلام؟ كما أنها كانت أُمّاً للإمامين الحسن والحسين سلام الله عليهما، والسيدة زينب، وأم كلثوم، فكيف كانت تعامل أبناءها؟

في كل ذلك دروس من السيرة العطرة لسيدة نساء العالمينا، ويلزم علي كل امرأة أن تطبّقها علي حياتها، وهناك أمر أهمّ وهو الهدف الذي استشهدت لأجله الزهراء، فهي سلام الله عليها فدت الإسلام بنفسها الطاهرة.

إن الواجب علي النساء شيئان كما يفهم من حديث ابن الزهراء الإمام علي بن موسي الرضا سلام الله عليه هما: تعلّم علوم أهل البيت سلام الله عليهم، وتعليمها للناس.

إذا كانت هناك امرأة واحدة لا تعرف أهل البيت فذلك يكون داعٍ لكُنّ أن تعملن في سبيل ان تتعرّف عليهم، وكذلك لو كانت هناك امرأة واحدة لا تعرف واجباتها ووظائفها، فإذا قمتن بالتبليغ لكنها لم تقبل، فأنتن معذورات.

إن الواجب الكفائي يعني أنه ابتداءً يكون واجباً علي الجميع، إلا أنه إذا قام به من فيه الكفاية، سقط عن الباقين، لكن لم تحرز الكفاية في هذه المجالات حتي إلي عشر سنوات بل إلي خمسين سنة قادمة؛ لأنه مهما كثر التبليغ فإنه ليس غير كافٍٍ.

مولانا سيد الشهداء نهض ل (إقامة الدين)

يجدر بالجميع أن لا يتوانوا في إقامة الشعائر المرتبطة بذكري عاشوراء، وأن يتجنبوا العمل السلبي في أية قضية أو موضوع يرتبط بسيد الشهداء سلام الله عليه. فقضية الحسين سلام الله عليه تختلف عن كل القضايا الأخري، فهي قضية خطرة وحساسة جداً، وإن الله سبحانه وتعالي سيجازي كل من يتهاون في قضايا أبي عبد الله سلام الله عليه، في الدنيا قبل الآخرة.

فقد ورد في الآية القرآنية الكريمة: ?أَقِيمُوا الدِّينَ?، وفي آية أخري: ?إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ?؛ والمراد من الآية الأولي هو إقامة الإسلام، فلابد أن نعمل جادّين

لنبلّغ الدين إلي كل من لا يعلم شيئاً عنه، أو يعلم عنه القليل، فلهذا الغرض إقامة الدين نهض مولانا أبي عبد الله سلام الله عليه.

واجبنا أن نسعي في سبيل تحقيق هدف الإمام الحسين

كان الهدف من نهضة الإمام الحسين سلام الله عليه إحياء الدين الذي سعي حكّام بني أمية، تحت غطاء الإسلام، إلي طمس معالمه ومحو آثاره؛ فمابناه الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله، كاد يذهب هباءً، لولا النهضة الحسينية، فالواجب علينا أن نسعي في سبيل إقامة المجالس ومراسم العزاء الحسيني، لتحقيق الهدف الذي من أجله استشهد سيد الشهداء عليه الصلواة والسلام.

شهادة الإمام الحسين امتحان للأمة

لقد كان الحسين سلام الله عليه عالماً بكل ما سيجري عليه، حتي أنه أخبر بذلك، وحين سئل عن سبب خروجه إلي كربلاء، قال: «فبمن يمتحن هذا الخلق».

إن شهادة الإمام الحسين سلام الله عليه امتحان واختبار مستمران للمؤمنين والمؤمنات، وإن من أهداف إقامة مراسم العزاء في شهر محرم من كل عام، تنبيه وتذكير من قد ينحرف عن مسيرة الحسين سلام الله عليه.

كما أن الذي لأجله بذل الحسين سلام الله عليه مهجته هو القرآن؛ حتي يضع الناس القرآن نصب أعينهم، ويتعلّموه ويعملوا به. فمن الضروري أن نهتم بتعلّم الدين وتعليم أحكامه في شهر محرم لنيل رضي الله سبحانه وتعالي.

المسؤولية الآن هي تعريف تعاليم أهل البيت للناس كافّة

إنّ الله تعالي أنزل القرآن الكريم وبعث الأنبياء والمرسلين والأوصياء لتقوم البيّنة علي الناس ويعرفوا الحقّ من الباطل، قال الله تعالي: ?لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَي مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ?.

وإنّ الله تعالي قد أودع في الناس أمرين: العقل، والنفس اللوّامة. راجعن التاريخ، وإلي اليوم، سترين أن الكثير من علماء المسيحيّة واليهود والعامّة، يعتنقون الإسلام والتشيّع. ففي مدينة اُروميّة الإيرانيّة، قبل 200 سنة، كانت النصاري تعيش وكان كبير علمائهم ورئيس كنيستهم رجل مسنّ فتباحث معه علماء الشيعة وبمرور الأيّام وبعد أن توضّحت له البيّنة أسلم وصار شيعياً وجعل إسمه محمّد صادق وصار يلقّب بفخر الإسلام وألّف كتاباً بعنوان (أنيس الأعلام).

وكذا الحال بالنسبة لأحد علماء اليهود الذي أبدل اسمه بعد إسلامه إلي محمد رضا، وكان يسكن مدينة قزوين. فإنّه تشيّع بعد أن تمّت عليه الحجّة وله كتاب باسم (محضر الشهود).

إنّ السندي بن شاهك (أحد أعوان العبّاسيين) سجن الإمام موسي الكاظم سلام الله عليه في بيته وكان يؤذي الإمام كثيراً فضلاً عن تعذيبه للشيعة. وقد استطاع الإمام الكاظم سلام الله

عليه في فترة سجنه أن يهدي أُخت السندي وحفيده إلي الحقّ. فصار الأخير (وكان اسمه كشاجم) من علماء الشيعة وهناك الكثير من هذه النماذج الذين اهتدوا إلي المذهب الحقّ عندما قامت لهم البيّنة أمثال زهير بن القين الذي كان عثمانياً ثمّ اتّبع الإمام الحسين سلام الله عليه واستشهد معه، وأُم الأسود التي كانت مسيحية فاهتدت إلي التشيّع وصار عدد من إخوانها من خيرة أصحاب الأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم ومن ثقات رواة أحاديثهم.

إنّ العالم اليوم بعيد عن أهل البيت سلام الله عليهم ولا يعرف عنهم شيئاً. فمسؤولية كلّ واحد منّا هي أن نسعي في تعريف مذهب أهل البيت سلام الله عليهم وعرضه علي الناس في كلّ مكان. فالعقلاء من الناس عندما تقوم لهم الحجّة وتثبت لهم البيّنة يتّبعون الحقّ. وقد جاء في الحديث عن الإمام الرضا سلام الله عليه: «فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا، لاتّبعونا».

كان اليهود في المدينة كثيراً ما يؤذون النبي صلّي الله عليه وآله في القرآن قوله تعالي: ?لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ?، لكنّهم عندما اطّلعوا علي الإسلام الذي تجلّي في سيرة الرسول الأكرم صلّي الله عليه وآله والقوانين الإسلامية السامية التي سنّها صلوات الله عليه وآله، دخل أكثرهم في الإسلام كما أشار إلي ذلك الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه.

إنكنّ كلّ ما تقمن به من نشاط في سبيل خدمة مذهب أهل البيت سلام الله عليهم فهو يدوّن في صحائف أعمالكنّ ثمّ يعرض علي الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالي فرجه الشريف فيدعو لكنّ كي تنلن مرضاة الله عزّ وجلّ. فينبغي أن تسعَين في تعليم سائر النساء اُصول الإسلام وأحكامه وسيرة النبي صلّي الله عليه وآله والأئمّة الطاهرين سلام

الله عليهم أجمعين. فإن وجدتنّ النساء اللاتي لا يعرفن شيئاً من الإسلام وأحكامه فهذا لا يعني أنّهنّ لسن أهلاً أن يكنّ مؤمنات إنّما لم تقم لهنّ البيّنة.

وأوصيكن بثلاثة أُمور توجب التوفيق في الدنيا والآخرة وهي:

1. التواضع: فكلّما تواضع الإنسان، زاد توفيقه وكثر محبّوه.

2. السعي: فعلي الإنسان أن يسعي ما وسعه لهداية الناس.

3. الصفح عن الناس؛ ولنا في ذلك برسول الله وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين أُسوة وقدوة.

ضرورة الاقتداء بالرسول الأكرم وبأخلاقه العظيمة

إن للنبي الأكرم صلّي الله عليه وآله مقاماً رفيعاً ومنزلة عظيمة جداً، وكذلك لآله الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، لذا فمن الضروري الاقتداء بهم باعتبارهم القدوة الحسنة، لاسيما في مسألة الصبر وتحمّل الأذي، فقد كان رسول الله صلّي الله عليه وآله لا يتواني في التضحية والصبر لدي تبليغه الدين ونشره العقيدة.

وكان من أخلاقه صلي الله عليه وآله، الدعاء للمشركين بالهداية رغم توجيههم أنواع الأذي له وتحيّنهم الفرص للشماتة به وبسائر المؤمنين.. فهو المثل الأعلي للمؤمنين، ومنهم النساء اللاتي يجب عليهن مواجهة ما يتعرّضن له من مشاكل وخلافات في الأسرة، بحكمة وصبر، يطلبن به وجه الله تعالي، ليكون ذلك مدعاةً لتطهير القلوب من الغلّ والبغضاء، ولتقبّل الأعمال ونيل الموفقية في الحياة. ولنا في رسول الله صلوات الله عليه وآله أسوة حسنة.

المستفيد من زيارة مراقد أهل البيت

إن الذين يزورون الأئمة سلام الله عليهم كثيرون، ولكن الذين يستفيدون من هذه الزيارة قليلون، والمستفيد الأكبر هو من كان مرضيّاً عندهم.

إذا سلَّمتِ الزائرة المؤمنة علي الإمام المعصوم سلام الله عليه جاءها الجواب من الإمام، ولكن الجواب يختلف بالنّسبة التي تكون الزائرة مرضيّة عند الإمام سلام الله عليه.

ذكر لي أحد العلماء، قال: كنتُ قد وصلتُ إلي مشهد لزيارة الإمام الرضا سلام الله عليه في يوم خميس وعزمت علي البقاء ليلة الجمعة عند الإمام سلام الله عليه ثم العودة في اليوم التالي إلي بلدي، ولكني التفتُّ فجأة أنّ ما معي من مال لا يكفي للمبيت وأنه يتعيَّن عليّ أن أعود في اليوم نفسه، فتأسّفت وقررت أن أذهب للروضة الشريفة لكي أزور زيارة الوداع ثم أستعدّ للرحيل، وبعد الزيارة خاطبت الإمام بقولي: يا سيّدي كان بودّي البقاء عندكم ولكن أعوزتني النفقة. وتوجّهت بعد ذلك

لأداء الصلاة والخروج من الحرم، ولكني وأنا أصلّي جاء شخص ووضع مقداراً من المال بجنبي وقال: هذه هدية لزوّار الرضا سلام الله عليه، ففرحتُ وشكرت الإمام وبقيت عنده تلك الليلة ثم رجعت في الغد.

هكذا هو الإنسان المرضيّ عند الإمام سلام الله عليه فإنه حتي لم يطلب من الإمام بل أبدي له أسفه فقط، وكان هذا كافياً لأن يستجيب له الإمام.

إن رضاية الإمام سلام الله عليه تتلخّص في أمور أهمّها حسن الخلق مع الجميع، فينبغي أن تعزموا علي أن تكونوا حسني الخلق منذ هذه اللحظة مع الجميع، وبمقدار ما تحققون من ذلك ستحصلون علي رضا الإمام سلام الله عليه. الذي فيه رضا الله سبحانه وتعالي.

ثواب الخدمة لأبي عبد الله الحسين

كانت هناك امرأة من أهل العراق تُعرف بأمّ سعيد الأحمسيّة محبّة لأهل البيت سلام الله عليهم عاصرت الإمام الباقر والإمام الصادق سلام الله عليهما وتشرّفت بلقاء الإمام الباقر سلام الله عليه أربع مرات كما تشرّفت بلقاء الإمام الصادق سلام الله عليه أربع مرات أيضاً وكانت طاعنة في السن آنذاك (ذكر بعض الرواة أنها كانت تناهز المائة). وقد روت عدة روايات بعضها فيما يخصّ الإمام الحسين سلام الله عليه وبعضها في مسائل أخري. ومنها:

قالت: «جئت إلي أبي عبد الله (الصادق) سلام الله عليه فدخلت عليه فجاءت الجارية فقالت: قد جئتك بالدّابّة فقال: يا أمّ سعيد! أيّ شيء هذه الدابة أين تبغين تذهبين؟ قالت: أزور قبور الشهداء، فقال: أخّري ذلك اليوم، ما أعجبكم يا أهل العراق تأتون الشهداء من سفر بعيد وتتركون سيد الشهداء لا تأتونه! قالت: قلت له: مَنْ سيد الشهداء؟ قال: الحسين بن علي. قلت: إني امرأة. فقال: لا بأس لمن كان مثلك أن تذهب إليه وتزورَه. قالت: قل: أيّ شيء

لنا في زيارته؟ قال: تعدل حجّة وعمرة واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامهما وخير منها، قالت: وبسط يده وضمّها ثلاث مرّات».

وعنها أيضاً قالت: قال لي أبو عبد الله سلام الله عليه: «يا أمّ سعيد تزورين قبر الحسين سلام الله عليه؟ قالت: قلت نعم. قال: زوريه فإن زيارة الحسين واجبة علي الرجال والنساء».

إن الرجال يرجون شفاعة أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه أفلا ترجو ذلك النساء؟ وإذا كان الرجال يرجون أن تبيضّ وجوههم عند رسول الله صلي الله عليه وآله في يوم القيامة، أفلا ترجو النساء أن تبيضّ وجوههن عند الصديقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها؟ لاشك أنّهن يتمنّين أن ينلن شفاعة الحسين سلام الله عليه، وبياض الوجه عند أمّه الزهراء سلام الله عليها.

إنّ كلّ ما تقدّمونه (رجالاً ونساءً) في الهيئات والمجالس الحسينية يسجّل في صحيفة أعمالكم مهما كان صغيراً، حتي ما لا يخطر علي أذهانكم، بل الغبار الذي يقع عليكم ولا تحسّون به، تثابون عليه أيضاً، ما دام في مجلس الإمام الحسين سلام الله عليه وفي سبيله، والمرأة التي تشجّع زوجها للمشاركة في مجالس أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه تثاب بنسبة تشجيعها، وكل شيء تعملونه في طريق الإمام الحسين سلام الله عليه يثبّت في صحيفتكم وتكافؤون عليه، حتي جلوسكم هنا للاستماع عن الثواب الذي يكون لمن يعمل تلك الأعمال.

اسعين لتكثير مجالس الحسين سلام الله عليه ونشرها من مدينةٍ لأخري ومن دولةٍ لاُخري، وشجّعن الجميع للقيام بهذا العمل، سواء عن طريق الهاتف أو كتابة الرسائل أو أي طريق آخر … واسعين لأن يكون ميزان أعمالكن في السنة القادمة أثقل من هذه السنة، وهكذا في كلّ سنة، وحاولن أن تُقمن هذه المجالس طيلة السنة

مرةً في كل أسبوع، لأنّ الإمام الحسين سلام الله عليه وأهل البيت سلام الله عليهم لكل يوم واسبوع وشهر وسنة.

ما يجب علي زوّار مراقد الأئمة الأطهار

إن من أهمّ ما يجب علي زائري مراقد أهل البيت سلام الله عليهم أن يكونوا حاضري القلب ليحصلوا علي مبتغاهم ويستحقّوا الجواب منهم سلام الله عليهم؛ شأنهم في ذلك شأن من يصلّي حيث يلزم أن يركّز ذهنه في معاني ما يقول في الصلاة، وإلا فإنها لا تؤدّي الغرض المطلوب منها. أما حضور القلب لدي الزيارة، فإنه يعكس مستوي تعلّق الزائر وولائه للإمام الذي يزوره.

رغم أن السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم سلام الله عليهما ليست من المعصومين الأربعة عشر، وليس لمرقدها الشريف أحكام مراقدهم الطاهرة، إلا أنه قد ورد في الأحاديث أن من زارها عارفاً بحقها وجبت له الجنة، مما يدلّ علي مرتبتها العالية في نظر المعصومين، وليست عظمتها لمجرد كونها ابنة إمام معصوم بل لأجل منزلتها نفسها، عند الله عزّ وجلّ.

إن من الجدير بمن يتحمّل عناء زيارة المشاهد المشرّفة أن يلتفت لما يقول ويفعل، فلا يشغل ذهنه بالأمور الجانبية التي قد تبعده عن أدب الزيارة ومعرفة من يزور وماذا يقول.

حدثني أحد الأشخاص بأنه قصد زيارة مرقد أحد المعصومين وطلب إليه حاجةً، فلم يري الإجابة رغم تكراره الزيارة أربعين مرة، إذ شاهد في آخرها قضاء الإمام حاجة أحد الزائرين من أوّل مرّة، فتملّكه العجب مما شاهد. فأخذ يعاتب الإمام علي عدم إجابته إيّاه، ولكنه في الليل رأي في منامه أن الإمام يبيّن له سبب إعراضه عن إجابته، إذ قال له: إنك جئتني أربعين مرّة، بجسمك لا بقلبك، بينما قصدني ذلك الشخص بقلبه وفكره.

لنقتدي بالمعصومين في التضحية من أجل القرآن

روي عن النبي صلي الله عليه وآله أنّه قال في خصوص القرآن الكريم: «التمسوا غرائبه». وهذا معناه أنّ علي كلّ منا أن ينتبه عندما يقرأ القرآن الكريم إلي ما فيه من عجائب

وغرائب، وأن يسعي للعمل به أيضاً.

إن علي كل فردٍ منّا خمس وظائف تجاه القرآن الكريم ينبغي العمل بها:

1. القرآءة الصحيحة لآياته المباركة. فليسع كلّ مسلم أن يصحّح قراءته للقرآن، من حيث النطق الصحيح وأداء الألفاظ والحركات، فلا يغيّر في جملة أو كلمة، فيتبدّل معناها إلي كفر والعياذ بالله أو ما هو خارج عن القرآن.

2. تعلّم تجويد القرآن أي تحسين الصوت في قراءته ومراعاة قواعد التجويد.

3. فهم معاني الآيات والكلمات؛ فإنه من الأغراض المهمة لقراءة القرآن الكريم.

4. العمل بالقرآن؛ فعلي كل إنسان يقرأ القرآن أن يعرف معناه وما يريده القرآن منه، ثم يبادر إلي العمل به.

5. الدعوة إلي القرآن؛ ومنه الأمر بالمعروف الذي أمر به القرآن، والنهي عن المنكر الذي نهي عنه.

روي المرحوم الشهيد الثاني في كتابه «منية المريد» رواية في خصوص قراءة القرآن والعمل به وهي:

«عن أبي عبد الرحمن السُلمي قال: حدّثنا من كان يُقرئنا من الصحابة أنهم كانوا يأخذون من رسول الله صلي الله عليه وآله عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخري حتي يعلموا ما في هذه من العلم والعمل».

وفي الرواية أنّ القرآن يحشر يوم القيامة علي هيئة شابّ جميل ويمرّ من بين أولئك الذين تلوه في الدنيا حتي يقف بين يدي الله تعالي فيشفع لأولئك الذين عملوا به ودعوا إليه، ثم يشكو أولئك الذين هجروه ويطلب من الله عزّ وجلّ أن يعاقبهم.

إن لهذا القرآن الذي بين أيدينا من الأهمية بحيث ضحّي أربعة عشر معصوماً بأنفسهم من أجله؛ فإنه حتي الإمام المنتظر عجل الله تعالي فرجه الشريف بعد أن يظهر ويقيم حكومته العالمية العادلة يستشهد بعد مدّة، ولا تكون شهادته إلا من أجل القرآن الكريم.

إنّ الخروج من الجهالة والضلالة إنّما يكون بقراءة القرآن

وفهمه والعمل به والدعوة إليه، فلتسع كلّ واحدة منكن أن تؤسّس في محلّتها أو في الحسينيات والمساجد مجالس ومحافل للقرآن الكريم. واذكرن النقاط الخمس المتقدّمة وذكّرن بها الآخرين أيضاً.

ما يجب علي الزائرة

قال الله تعالي في كتابه الكريم: ?ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خلائفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ?.

لقد سبقكن آباؤكن وأجدادكن الذين رحلوا عن هذه الدنيا بزيارة المراقد الطاهرة للأئمة الهداة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، ودارت عجلة الزمن وجاء دوركن لتأخذن مكانهم وتزرن. النقطة المهمة هنا هي أنّكن بعد أدائكن لمراسيم الزيارة وعودتكن إلي دياركن إما أنّكن ستفزن بثواب جزيل ورضا الله تعالي وقربه، أو أنّكن والعياذ بالله ستحرمن الثواب وترجعن بيدٍ خالية.

من المسائل المهمّة مسألة الإخلاص والنية الحسنة، فكلما كان إخلاصنا لله سبحانه وتعالي، أكثر ونيّتنا أصدق، ارتقي مستوي عملنا وثواب زيارتنا إلي درجات أسمي وأرقي.

كلّنا نصلّي ونصوم ونؤدّي الزيارات، لكنّا لا نحصل علي مقدار واحدٍ من الثواب، والسبب هو مستوي إخلاص كل منّا، فكلما كان إخلاصنا أكثر كان ثواب عباداتنا أكثر.

الاقتداء بمولاتنا الزهراء فيه التوفيق والنجاح

من يسلك طريق العلم عليه أن يتحلّي بالإخلاص والأخلاق الفاضلة، وبما أنكن قد سلكتن هذا الطريق فعليكن الاقتداء بمولاتنا سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها في الإخلاص في العمل، والالتزام بحسن الأخلاق؛ حتي تنلن التوفيق والنجاح.

طالعن التاريخ فستجدن الكثير من النساء اللواتي استطعن هداية الكثير إلي نور أهل البيت سلام الله عليهم. فالمرأة التي تجدّ وتجتهد في تعلّم علوم الإسلام وتخلص النيّة وتستفيد من عمرها بصورة أفضل سيُخلّد التاريخ ذكرها واسمها وتصبح نموذجاً تقتدي بها النساء.

الفوز بمقام القرب من مولاتنا الزهراء

إن أحد عشر من الأئمة المعصومين سلام الله عليهم هم من ذريّة مولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها وطاعتهم مفروضة وهم أسوة وحجج علي الخلق أجمعين وسيدتنا الزهراء سلام الله عليها حجة عليهم، كما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الحسن العسكري سلام الله عليه: «نحن حجج الله علي خلقه وجدّتنا فاطمة حجة علينا».

حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها فقالت: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شي ء، وقد بعثتني إليك أسألك. فأجابتها فاطمة سلام الله عليها عن ذلك، ثم ثنّت، فأجابت، ثم ثلّثت [فأجابت ] إلي أن عشّرت فأجابت، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشقّ عليك يا بنت رسول الله. قالت فاطمة سلام الله عليها: هاتي وسلي عمّا بدا لك، أرأيت من اكتري يوماً يصعد إلي سطح بحمل ثقيل، وكراؤه مائة ألف دينار، أيثقل عليه؟ فقالت: لا. فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من مل ء ما بين الثري إلي العرش لؤلؤاً، فأحري أن لا يثقل عليّ. سمعتُ أبي [رسول الله صلي الله عليه وآله ] يقول: إن علماء شيعتنا يحشرون، فيخلع عليهم من خلع الكرامات علي قدر كثرة علومهم وجِدِّهم في

إرشاد عباد الله، حتي يخلع علي الواحد منهم ألف ألف خلعة من نور.

ينبغي للنساء أن يتأسّين بسيدتنا الصديقة الكبري سلام الله عليها في كل شيء، ومن أهمّ ذلك هو أن يتعلّمن المسائل الشرعيّة وعلوم أهل البيت سلام الله عليهم، ويسعين في تعليم سائر النساء.

إنّ علوم أهل البيت سلام الله عليهم توجد فيها الأحكام والعقائد والآداب والسنن، فاسعين إلي تعلّمها وعلّمن الأخريات، واعلمن أنه بمقدار ما تبذلن من الجهد والسعي في هذا المجال ستنلن يوم القيامة القرب من مولاتنا سيدة نساء العالمين سلام الله عليها. فكثير من بنات اليوم لا يعرفن المسائل الشرعية ولا آداب الإسلام ولا ثقافته، فأوصيكن أن تنتهزن العطلة الصيفيّة في جمع الطالبات من أقاربكن ومن محلّتكن واعقدن لهن جلسات تعليم أصول الدين وأحكامه وأخلاقه وآدابه وسننه. ويمكنكن الاستعانة بكتاب «المسائل الإسلاميّة» حيث تطرّقت في مقدمته إلي ذكر شروح حول أصول الدين وفروعه وأخلاقه. فعلي كل واحد منّا واجبان:

الأوّل: أن نعمل أنفسنا بأحكام الإسلام، والثاني أن ندعو الآخرين إلي العمل بتلك الأحكام. فنحن مكلّفون بإعطاء الخمس وتحفيز الآخرين علي ذلك. فالذي يخمّس ولا يأمر بالمعروف، أو لا يحفّز الآخرين علي دفع الخمس، فإنّه قد عمل بواحد من الواجبين. والذي يخمّس ويأمر بالمعروف أو يدعو الآخرين لدفع الخمس فإنّه قد عمل بالواجبين، والذي يترك كلا العملين فإنّه تارك لكلا الواجبين.

إنّ هذين الواجبين، واجبان مستقلان عن بعضهما. لذا لا يصحّ لنا أن نترك تبليغ وتعليم أحكام الدين إن لم نوفّق للعمل بهما. بل من الجدير ضمن سعينا في تبليغ وتعليم أحكام الإسلام للآخرين، أن نسعي في العمل بتلك الأحكام.

فيما يخص آداب الزيارة

إن الزوّار علي قسمين: قسم يعود من الزيارة وقد نال رضي الله سبحانه وقسم يعود والعياذ

بالله صفر اليدين.

فليستفد زوّار أهل البيت سلام الله عليهم من الزيارة أكبر قدر سواء كان المزور إماماً معصوماً كالإمام الرضا سلام الله عليه أو غير إمام معصوم كالسيدة فاطمة بنت الإمام موسي بن جعفر سلام الله عليه التي ورد بحقّها الحديث الشريف عن الإمام الصادق سلام الله عليه: «من زارها عارفاً بحقها وجبت له الجنة».

فيجدر بالزائرات الكرام أن يزرن بقلوبهنّ حتي يحظين برعاية المزور وتُقبل زيارتهن، فإنّ ذلك من أهمّ ما ينبغي رعايته حين الزيارة.

ذكروا عن أحد العلماء أنه أثناء زيارته للإمام الرضا سلام الله عليه شاهد آلاف الزوّار يسلّمون علي الإمام في آن واحد، ففكّر في نفسه: كيف يجيب الإمام علي هذه الجموع؟ فانكشف له في تلك الحال، فرأي الإمام يجيب وبصورةٍ معجزة وفي لحظة علي سلام كل واحد من تلك الآلاف بسلام خاص به.

فالزائر يلزم أن يكون منتبهاً إلي أن الإمام حاضر وينظر إليه، حيث نقرأ في الزيارة: «أشهد أنك تشهد مقامي وتسمع كلامي وأنك حيّ عند ربّك تُرزق» فإذا تكلّم الزائر بروحه مع الإمام فسيتوجّه الإمام إليه، وسيرجع برعاية الإمام سلام الله عليه.

كما يجدر بالزائر أن يكون قريباً من أهل البيت سلام الله عليهم، وذلك بالالتزام بحُسن الخُلق وخصوصاً في السفر. فإن الخُلُق الحَسن من أهم ما أكّده أهل البيت سلام الله عليهم في أحاديثهم الشريفة، حيث ورد عن النبي صلي الله عليه وآله: «إن العبد لينال بحُسن خُلقه درجة الصائم القائم».

أجر زيارة أهل البيت علي قدر الإيمان

قال تعالي: ?قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَي شَاكِلَتِهِ?.

عندما يقوم أحدنا بزيارة مراقد أهل البيت صلوات الله عليهم، ماذا يكون هدفه من الزيارة؟ أهو لدنياه أم لآخرته، لنفسه أم لأقاربه، الأحياء منهم أم الأموات؟

مهما كان الهدف فإن المهم هو مدي الاستفادة منها.

فربّ أخوين أو أختين أو زوجين أو صديقين أو زميلين يأتيان للزيارة لكن تكون استفادة أحدهما مئة بالمئة، والآخر عشرة بالمئة أو عشرين وهكذا.

إن الإمام المعصوم صلوات الله وسلامه عليه باب عطائه وكرمه وفضله مفتوح للجميع بدون فرق أو استثناء، سواء كان رجلاً أو امرأة، عالماً أو جاهلاً، شابّاً أو كبير السن. لكن الإمام سلام الله عليه يعطي كل زائر حسب مستوي عقيدته وإيمانه ونسبة عمله الصالحات. وهذا ما يستفاد من الروايات الشريفة.

إن الله عزّ وجلّ يتعامل مع عباده في العطاء بنسبة إيمانهم وأدائهم الفرائض والعبادات والتزامهم بالأعمال الصالحة. فالله تعالي يقبل الصلاة من كل مصلٍّ بمقدار تركيزه والتفاته في صلاته، وهكذا في بقية العبادات.

والاُسلوب ذاته اتخذه أهل البيت سلام الله عليهم أيضاً. فبنسبة ما لدي كل واحدة منكن من الإيمان وبنسبة التزامها بالصالحات تكون استفادتها من الزيارة، والدعاء لنفسها ولغيرها وللأموات والأحياء من أرحامها وأقربائها.

إن كرم أهل البيت سلام الله عليهم واسع وكثير، وهكذا فضلهم وعطاؤهم فحاولن وصممن علي الاستفادة أكثر وأكثر من زياراتكن لهم بأن تقوّين إيمانكن وتزدن في التزامكن بالطاعات والاعمال الصالحة. ولتكن زياراتكن لهم سلام الله عليهم زيارة بانتباه وحضور قلب.

عليّ يدعو إلي القرآن والقرآن يدعو إلي عليّ

ورد في حديث شريف متواتر، رواه الخاصّة والعامّة عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال: «هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي … ألا وإني سائلكم غداً ما ذا صنعتم فيما أشهدت الله به عليكم في يومكم هذا إذا وردتم عليَّ حوضي ». فالقرآن هو كتاب الله تعالي نزل علي رسول الله صلي الله عليه وآله، وعليّ إمام من قِبَل الله سبحانه ووصي رسول الله وهما يلتقيان دائما، ولاتوجد منطقة فراغ. فعليّ يدعو إلي القرآن والقرآن يدعو إلي علي

سلام الله عليه.

إن القرآن حينما يأمر بالصلاة ف عليٌّ سلام الله عليه في طليعة الآمرين بالصلاة، وفي طليعة المقيمين لها. وإذ يأمر بحُسن الخُلق ف: عليٌّ هو القدوة في حسن الخلق وهو يدعو إليه. وإذ يأمر القرآن بصلة الرحم وينهي عن قطعه ف: عليٌّ سلام الله عليه في طليعة من وصل الرحم واجتنب قطعه وأمر بصلة الرحم ونهي عن قطعه. ولئن كان القرآن الكريم يدعو إلي حسن الجوار ف: عليٌّ سلام الله عليه في طليعة من يحسن لجاره ويأمر بحسن الجوار. وليس هنالك ما أمر به القرآن إلاّ كان أمير المؤمنين سلام الله عليه في طليعة العاملين وفي طليعة الآمرين بعد مولانا الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله.

إن رسول الله صلي الله عليه وآله في هذا الحديث لم يقل (أنا أسألكم) وإن كان يؤدّي المعني نفسه وإنما قال (إني سائلكم) وهذا يدلّ علي التأكيد. فكل من له معرفة وإلمام بالعربية يعرف أن الجملة الإسمية يوتي بها للتأكيد. مثلاً إذا قال أحد لابنه (أنا أسألك غداً عن الأمر الفلاني) فهذا للسؤال وهو جملة فعلية. أما إذا أراد التأكيد فيقول له (إني سائلك غداً عن الأمر الفلاني) وهي جملة خبرية إسمية، للتأكيد.

لا شك أن مولانا الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله يسأل الجميع يوم القيامة عن القرآن وعن عليّ، فقد قالت مولاتنا الزهراء سلام الله عليها: «والزعيم محمد والموعد القيامة». فكل واحد منّا سواء كان رجلاً أو امرأة، شيخاً أو شابّاً غنياً أو فقيراً سيُسأل يوم القيامة: كيف كان عملك بالقرآن؟ واتّباعك لعليّ؟

كل ما دعا إليه أهل البيت دعا إليه القرآن الحكيم

ورد في الحديث الشريف عن مولانا الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه أنه قال: «إن الله جعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا، لا نفارقه

ولا يفارقنا»،

إن القرآن الحكيم وأهل البيت هما أمران لا يفترقان. فكل ما يقوله القرآن يدعو إليه أهل البيت، وكل ما يدعو إليه أهل البيت فجذوره موجودة في القرآن الكريم.

إن القرآن يأمر بالصلاة وأهل البيت هم السابقون إلي الصلاة ولقد أقاموها وأمروا بها. والقرآن يأمر بحسن الخُلق وأهل البيت هم القمّة في حسن الأخلاق وفي طليعة من يدعو إلي ذلك. والقرآن يدعو إلي الإخلاص لله تعالي وأهلُ البيت هم القمم في الإخلاص والسابقون في ذلك والمعلّمون له. والقرآن نهي عن الفحشاء والمنكر والبغي وأهل البيت هم أشدُّ من إجتنبها وإجتنب كلّ ما نهي الله تعالي عنه.

أوصيكن بالمواظبة علي تلاوة القرآن الكريم والعمل بآياته الشريفة، وأن تعملن بما تقرأنه أو تسمعنه من أقوال وسيرة أهل البيت سلام الله عليهم.

القرآن الكريم خُلُق رسول الله

لم نكن نحن مع رسول الله صلي الله عليه وآله لنري من قريب كيف كانت أخلاقه، وكيف كان يتعامل مع الناس، ومع أقربائه، وجيرانه، وأعدائه، وماذا كان يقول، وكيف كان جوابه إذا سألوه، وكيف كان يردّ إذا عارضه أحد أو شاكسه؟ ولم نعرف كيف كانت صلاته وصومه وحجّه وإنفاقه وسائر عباداته وتعامله صلوات الله وسلامه عليه وآله، إلاّ بمقدار ما ورد في الأحاديث الشريفة وتاريخ السيرة النبوية الكريمة.

إذا أردتن معرفة أنّه كيف كان خلق رسول الله صلي الله عليه وآله فعليكن بأحاديث أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فقد قال الإمام الصادق سلام الله عليه واصفاً أخلاق رسول الله صلي الله عليه وآله: «كان خُلقه القرآن»، ثم كمصداق، وكجزئي في هذا المجال تلا الإمام سلام الله عليه قوله تعالي: ?خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ?، ثم قال: تصل من قطعك وتعطي من حرمك.

كل الأخلاق الطيّبة الموجودة

في القرآن الكريم فهي خُلق رسول الله صلي الله عليه وآله فيجدر بالمؤمنات كافّة، الاستنان بسنّة رسول الله صلي الله عليه وآله والاقتداء به في عباداتهن وأقوالهن وسلوكهن وذلك بأن يقرأن آيات القرآن في صباح كل يوم ويتدبّرن فيها ويعزمن علي العمل بها والالتزام بمضامينها حتي يكنّ إن شاء الله تعالي مصداقاً لمن يمتثل لقوله جلّ وعلا: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ?.

من مظاهر إحياء أمر أهل البيت

إن أهل البيت سلام الله عليهم هم خير أسوة في كل شيء. ومما يجب علينا أن نتعلّمه منهم أنهم سلام الله عليهم كانوا ينفقون في سبيل الله سبحانه كل ما يقع في أيديهم من الأموال والثروات لأن المال والثروة وكلّ مظاهر الدنيا التي يعتزّ بها كثير من الناس لاتعدل عندهم شيئاً.

والثمين عندهم هو رضا الله وطاعته جلّ وعلا، وليس متاع الدنيا.

علينا أن نقتدي بهم سلام الله عليهم وأن نفكّر ونتأمل في سبب مجيئنا إلي هذه الدنيا؟ وما هو الدور المطلوب منّا؟

إنّ مجيء الإنسان إلي هذه الدنيا ليس لكي يأكل ويلبس ويسكن في بيت كذا. وليس من الصحيح أن يصرف الإنسان عمره لأجل هذه الأمور الدنيوية فقط، بل عليه أن يستفيد من عمره فيما يرضي الله تعالي وفي خدمة المؤمنين وقضاء حوائجهم، وأن يستفيد من الدنيا قدر الضرورة وقدر ما يقوّيه ويعينه علي طاعة الله تعالي وعبادته.

لذا يجدر بالإنسان أن لا يصبّ جلّ اهتمامه للمأكل والملبس وما شابههما، أو يسرف فيها، أو يتخاصم مع زوجته بسببها.

اعلمن أن إعانة الشابّات وتسهيل أمور زواجهن هي من الأمور المحفوظة عند الله ?وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ?، كما ورد في القرآن الكريم. فتوسّلن إلي الله جل شأنه بأهل البيت سلام

الله عليهم كي يعينكن علي تقديم خدمات أكثر، وصمّمن علي أن تستفدن أكثر وأكثر من أموالكن وطاقاتكن ولحظات عمركن في إحياء أمر المعصومين الطاهرين صلوات الله عليهم، ومنها إعانة المؤمنين والمؤمنات في تزويجهم. واعلمن أن التصميم علي هذا الأمر هو من علائم قبول الأعمال.

الغاصبون للخلافة ظلموا البشرية بأجمعها

إن الذين ظلموا أمير المؤمنين سلام الله عليه وغصبوا الخلافة لم يظلموا الإمام وحده، وإنما ظلموا المؤمنين والإنسانية كلّها والتاريخ. فقد ورد في زيارة الغدير المنسوبة للإمام الهادي سلام الله عليه: «وحال بينك وبين مواهب الله».

إن بعض الخصائص التي وهبها الله سبحانه وتعالي لأمير المؤمنين سلام الله عليه لا ترتبط بخلافته الظاهرية. فهو سلام الله عليه ولي الله وحجّته علي الخلق أجمعين، وإمام المتّقين، وباب مدينة علم الرسول صلّي الله عليه وآله، سواء كان حاكماً أو جليس الدار.

وللإمام سلام الله عليه خصائص أخركانت ستعطي ثماراً وخيراً كثيراً للناس لو أن الأمة أطاعوه واتبعوه، كما قال سلام الله عليه: «ولو أن الأمة منذ قُبض رسول الله صلي الله عليه وآله اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم».

لكن أعداء الله منعوا تحقق ما أوصي به رسول الله صلّي الله عليه وآله يوم الغدير وحرموا الناس من مواهب الإمام بإقصائهم الغدير، وصاروا سبباً لكل ظلم وقتل وفساد وفقر وسنّة سيئة.

إن ثقافة الغدير مدرسة لبناء وتربية مجتمع سليم، وباقي الثقافات واهية وضالة. فقد ربّت ثقافة الغدير المؤمنين والصلحاء ومنهم أبو ذر الغفاري رضوان الله تعالي عليه الذي زرع بذرة التشيّع في جبل عامل اللبنانية فكان من ثمار ذلك أن خرّجت هذه البلدة الآلاف من المؤمنين والعلماء الصالحين.

أما باقي الثقافات فإنها قد صنعت أشخاصاً خارجين عن الإنسانية بل دمويين أكثر من الحيوانات المفترسة.

كما إن من

خصائص ثقافة الغدير العدل، والمساواة، والإيثار والتضحية وحبّ الخير للآخرين ونبذ الدنيا وزخرفها وزبرجها. فهذا أبو ذر رضوان الله عليه فضّل الغربة والبعد عن الوطن علي الراحة مع السكوت علي الظلم. فقد نفاه عثمان إلي الشام، فقام هناك يدعو الناس إلي أهل البيت الأطهار سلام الله عليهم أجمعين، فأرسل معاوية رسالة إلي عثمان حذّره فيها بأن بقاء أبي ذر سيفقده الشامات. فردّه عثمان إلي المدينة علي بعير عليه قتب يابس، معه خمسمئة من الصقالبة يطردون به حتي أتوا به المدينة وقد تسلّخت بواطن أفخاذه وكاد يتلف، فقيل له: إنّك تموت من ذلك. فقال: هيهات لن أموت حتي أنفي..، بعد ذلك نفاه عثمان إلي الربذة فقضي نحبه فيها من شدة الجوع.

وجاء في الروايات الشريفة: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْفَزَارِيِّ قَالَ: دَعَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ [الصادق سلام الله عليه] مَوْلًي يُقَالُ لَهُ مُصَادِفٌ فَأَعْطَاهُ أَلْفَ دِينَارٍ وَقَالَ لَهُ: تَجَهَّزْ حَتَّي تَخْرُجَ إِلَي مِصْرَ فَإِنَّ عِيَالِي قَدْ كَثُرُوا.

قَالَ: فَتَجَهَّزَ بِمَتَاعٍ وَخَرَجَ مَعَ التُّجَّارِ إِلَي مِصْرَ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ مِصْرَ اسْتَقْبَلَتْهُمْ قَافِلَةٌ خَارِجَةٌ مِنْ مِصْرَ فَسَأَلُوهُمْ عَنِ الْمَتَاعِ الَّذِي مَعَهُمْ مَا حَالُهُ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ مَتَاعَ الْعَامَّةِ فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِمِصْرَ مِنْهُ شَيْ ءٌ، فَتَحَالَفُوا وَتَعَاقَدُوا عَلَي أَنْ لا يَنْقُصُوا مَتَاعَهُمْ مِنْ رِبْحِ الدِّينَارِ دِينَاراً، فَلَمَّا قَبَضُوا أَمْوَالَهُمُ انْصَرَفُوا إِلَي الْمَدِينَةِ فَدَخَلَ مُصَادِفٌ عَلَي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سلام الله عليه وَمَعَهُ كِيسَانِ كُلَّ وَاحِدٍ أَلْفُ دِينَارٍ فَقَالَ:

جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا رَأْسُ الْمَالِ وَهَذَا الآخَرُ رِبْحٌ.

فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرِّبْحَ كَثِيرٌ وَلَكِنْ مَا صَنَعْتُمْ فِي الْمَتَاعِ؟

فَحَدَّثَهُ كَيْفَ صَنَعُوا وَكَيْفَ تَحَالَفُوا، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ تَحْلِفُونَ عَلَي قَوْمٍ مُسْلِمِينَ أَنْ لا تَبِيعُوهُمْ إلاّ بِرِبْحِ الدِّينَارِ دِينَاراً؟!

ثُمَّ أَخَذَ أَحَدَ الْكِيسَيْنِ وَقَالَ: هَذَا رَأْسُ مَالِي وَلا حَاجَةَ لَنَا

فِي هَذَا الرِّبْحِ.

ثُمَّ قَالَ: يَا مُصَادِفُ مُجَالَدَةُ السُّيُوفِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ الْحَلالِ.

كما ذكرت الروايات: كان ابن أبي عمير رجلاً بزّازاً وكان له علي رجل عشرة آلاف درهم فذهب ماله وافتقر، فجاء الرجل فباع داراً له بعشرة آلاف درهم وحملها إليه فدقّ عليه الباب فخرج إليه إبنُ أبي عمير فقال له الرجل:

هذا مالك الذي لك عليّ فخُذه.

فقال ابن أبي عمير: فمن أين لك هذا المال؟ ورثته؟

قال: لا.

قال: وُهب لك؟

قال: لا، ولكني بعت داري الفلاني لأقضي دَيني.

فقال ابن أبي عمير رحمه الله: حدّثني ذريح المحاربي عن أبي عبد الله سلام الله عليه أنه قال:

لا يخرج الرجل عن مسقط رأسه بالدَين، ارفعها فلا حاجة لي فيها، والله إني محتاج في وقتي هذا إلي درهم وما يدخل ملكي منها درهم.

كان بإمكان ابن أبي عمير أن لا يسأل المدين عن كيفية إتيانه لهذا المال ولا إشكال عليه في ذلك أبداً لأنه كان يطلبه وكان في وضع مالي صعب وحرج، لكنه امتنع عن استلام حتي درهم واحد منه.

وهكذا تربّي ثقافة الغدير المؤمن بأن تجعله يحبّ لغيره ما يحبّه لنفسه.

حقاً لو كانت ثقافة الغدير هي الحاكمة لما وجدنا فقيراً واحداً، وما ظُلِم أحد، وما وقعت حالة طلاق بلا مسوّغ شرعي أبداً، ولعاشت البشرية في رغد وسعادة ورفاه، ولكن الظالمين حالوا دون ذلك.

فاللازم علي كلّ من يؤمن بالغدير وثقافته أن يلتزم بالأمرين التاليين:

1. الاقتداء بسيرة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه عملاً وبصدق وإخلاص، وعدم الاكتفاء بالادعاء فقط.

2. الامتثال لمبادئ ثقافة الغدير كما كان ابن أبي عمير وأبو ذر وغيرهما، والعمل علي نشرها.

الشاكّ بولاية أمير المؤمنين شاكّ بالرسول وبما جاء به من الله

إن الشاكّ بولاية أمير المؤمنين سلام الله عليه لا يكون مؤمناً بالرسول صلّي الله عليه وآله وبما جاء به من

عند الله تعالي، كما خاطب الإمام الهادي جدّه أمير المؤمنين في زيارة يوم الغدير: «والشاكّ فيك ما آمن بالرسول الأمين».

لقد ذكر القرآن الكريم ولاية أمير المؤمنين في موارد عديدة ومنها قوله عزّ من قائل: ?يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ?. وهذه الآية الكريمة ليست تهديداً للنبي المصطفي صلّي الله عليه وآله وإن كانت صيغتها صيغة تهديد وإنما المقصود بها كلُّ من لا يرضي بهذا الأمر العظيم، ليعلموا أهميته وعظمته عند الله جلّ شأنه. فالقرآن الحكيم نزل في كثير من آياته بطريقة «إيّاك أعني واسمعي يا جارة»، كما جاء في أحاديث أهل بيت العصمة سلام الله عليهم.

كما أن من الإيمان برسول الله صلّي الله عليه وآله الإيمان بأمير المؤمنين سلام الله عليه وبولايته، فقد قال صلّي الله عليه وآله: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه».

التوسّل بآل الرسول هو عين التوسّل بالله جلّ شأنه

الدعاء والسعي يلزم أن يكونا معاً، وبافتراقهما فإنهما ناقصان، أما إن اجتمعا فسيعطيان النتيجة المطلوبة والمرجوّة. وفي القرآن الكريم آيتان، إحداهما ذكرت أهمية الدعاء، والثانية ذكرت أهمية السعي، وكلتاهما جاءتا بصيغة الحصر والاستثناء وهو قوله تعالي: ?قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا? و?وَأَنْ لَيْسَ لِْلإِنْسانِ إِلاّ ما سَعي?.

ينبغي للإنسان أن يبدأ عمله بذكر الله سبحانه وبقول بسم الله الرحمن الرحيم، سواء كان عملاً سهلاً أو صعباً. فإن ذكر الله جلّ شأنه فيه ثمرات كثيرة، كما ثبت بالتجربة أن طالب العلم عندما يبدأ ببسم الله ويستعين بالله سبحانه لأجل فهم وحلّ المسائل العلمية الصعبة تنفتح له أبواب الفهم.

لا يخفي أن التوسّل بآل البيت سلام الله عليهم هو

عين التوسل بالله تعالي، ومصداق طلب العون منه تبارك وتعالي. إن الله عزّ وجلّ جعل المعصومين الأربعة عشر هم السبيل للتقرّب إليه للناس جميعاً، بل وللأنبياء والمرسلين وحتي الملائكة.

إن جبرئيل علّم آدم عليه السلام التوسّل إلي الله تعالي بأسماء المعصومين الخمسة أصحاب الكساء سلام الله عليهم كي يستجيب الله دعاءه. وحدث الأمر نفسه مع نوح النبي وغيره من أنبياء الله عليهم السلام.

أما الكدح الذي ورد في قوله عزّ وجلّ: ?يا أَيُّهَا اْلإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلي رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقيهِ?، فهو أعلي مرتبة من السعي. ومعناه اصطلاحاً هو اكتساب الشيء بمشقّة. فالله تعالي أودع في الإنسان قوي عديدة، لكن أكثر الناس لا يستثمرونها في الوصول إلي هدفهم المنشود.

إن العظماء كأبي ذر وسلمان رضوان الله تعالي عليهما لم يبلغا المراتب العالية اعتباطاً، ولم يولدا عظيمين. فالعظمة لا يحصّلها العظيم منذ أن يولد، وإنما بعد الكدّ والتعب وبذل المساعي والجهود. فالصالحين والعظماء نالوا الدرجات الرفيعة يجدّهم واجتهادهم في الدعاء والعمل وبالتوسّل بالله سبحانه وتعالي.

لقد أوصي القرآن الكريم ببذل الجهد والسعي، فيجدر بالمرأة أيضاً أن تكون ساعية دوماً ولا تهدر حتي لحظة واحدة من عمرها في غير النافع أو الضروري. وعليها أن لا تغفل عن ذكر الله تعالي وعن التوسّل إليه بأهل البيت سلام الله عليهم، فهم الواسطة بينه وبين العباد، وهم الوسيلة للقرب إليه.

عبادات

ثروة العمر أغلي وأعزّ ثروة

إن ثروة العمر هي أعزّ وأغلي من ثروة المال، فاللازم علي الإنسان أن لا يفرّط بهذه الثروة وأن يهتمّ بها أكثر من أيّ ثروة أخري، ففي وصية رسول الله إلي الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري: «يا أباذر كن علي عمرك أشحّ منك علي درهمك ودينارك».

إن المال هو وسيلة تساعد الإنسان في تهيئة مسكنه وملبسه ومأكله

ودوائه وماشابه ذلك. وهذه الوسيلة تكون فائدتها وأثرها منحصرة في فترة حياة الإنسان في الدنيا فقط ولا فائدة لها في ما بعد الدنيا. أما عمر الإنسان فهو أكثر أهمية وقدراً من المال ومن أية ثروة أخري، وإنّ لفائدته وآثاره ارتباطاً وثيقاً بمصير الإنسان وعاقبته في الحياة الآخرة. والمال يمكن تعويضه أو الحصول عليه مجدداً إن فقده المرء، أما العمر فلا يمكن تعويض حتي لحظة واحدة منه إن فقدها المرء في غير النافع والصالح.

مهما عاش الإنسان في الدنيا فلا يمكن قياس فترة هذه الحياة المحدودة بالحياة الأبديّة في الآخرة. فحياة الآخرة لانهاية لها، لذا يجدر بالإنسان أن لا يقضي فترة عمره المحدودة بأمور غير نافعة أو مضرّة والعياذ بالله، كأن يقضي حياته في التخاصم مع زوجته أو أرحامه، أو في النزاع حول أمور تافهة مع زملائه أو أصدقائه أو بقية الناس.

بما إن الإنسان يشعر دائماً بحاجته إلي المال لتلبية متطلبات الحياة في الدنيا لذا تراه حذراً دوماً من افتقاده، بينما يستطيع الإنسان بلحظات وساعات وأيام عمره أن يشتري السعادة الخالدة والأبدية في الحياة الآخرة.

فعلي الإنسان أن يسعي في التقليل من قضاء ساعات عمره في أمور الدنيا أو غير المهمة منها. ففي الواقع إن اقتنع الإنسان أنّ عمره أهمّ وأعزّ من المال والزوجة والأهل وما شابه ذلك، وصمّم وعزم علي قضاء عمره فيما يوجب له السعادة الأبدية في الآخرة، فسيحظي بالتوفيق من الله عزّ وجلّ. وبعكس ذلك ستكون حياته كلّها حسرة وندامة.

ينبغي قضاء العمر في ذكر الله جلّ شأنه وطاعته، والتمسّك بتعاليم الإسلام وقضاء حوائج المؤمنين، والإحسان إلي الناس وكلّ ما يكون فيه رضا الله عزّ وجلّ.

من وقّر القرآن وقّره الله عزّ وجلّ

قال رسول الله صلي الله عليه وآله:

«عَلَيكُم بِالقُرآنِ فَإِنَّهُ شَافِعٌ

مُشَفَّعٌ وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ»، وقال: «تَعَلَّمُوا القُرآنَ فَإِنَّهُ يَأتِي يَومَ القِيَامَةِ صَاحِبَهُ فِي صُورَةِ شَابٍّ جَمِيلٍ شَاحِبِ اللَّوْنِ فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا القُرآنُ الَّذِي كُنتُ أسهَرتُ لَيلَكَ وَأَظمَأتُ هَوَاجِرَكَ وَأَجفَفتُ رِيقَكَ وَأَسبَلتُ دَمعَتَكَ، إَلي َأن قَالَ: فَأَبشِر فَيُؤتَي بِتَاجٍ فَيُوضَعُ عَلَي رَأسِهِ وَيُعطَي الأمَانَ بِيَمِينِهِ وَالخُلدَ فِي الجِنَانِ بِيَسَارِهِ وَيُكسَي حُلَّتَينِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقرَأ وَارقَه، فَكُلَّمَا قَرَأَ آيَةً صَعِدَ دَرَجَةً، وَيُكسَي أَبَوَاهُ حُلَّتَينِ إِن كَانَا مُؤمِنَينِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمَا: هَذَا لِمَا عَلَّمتُمَاهُ القُرآنَ».

إن الذين يوقرون القرآن في هذه الدنيا ويمتثلون لأوامره سيعرفون ذلك الشاب الجميل الذي ورد في الحديث الشريف وسيفرحون، ويكون فرحهم دائماً ومتواصلاً وبلا انقطاع. والذين يتركون القرآن وراءهم ظهرياً في هذه الدنيا سيحزنون، ويكون حزنهم متواصلاً وبلا انقطاع أيضاً.

يلزم علي الجميع، رجالاً ونساءً، شيوخاً وشباباً، أن يهتموا بالقرآن الكريم، وأن يسعوا إلي العمل بما تدعو إليه آياته الشريفة، حتي يكونوا يوم القيامة ممن يشفع لهم القرآن لا ممن يمحلهم. وهذا ليس بالأمر بالصعب، كل ما يتطلب هو أن يعزم المرء للعمل بذلك، فإن عزم نال التوفيق من الله سبحانه، ومنه المواظبة علي قراءة القرآن ولو عشر آيات يومياً. فمن وقّر القرآن في الدنيا وقّره الله يوم الآخرة.

استثمار العمر في نيل رضا الله سبحانه

كل واحد منّا ستنتهي حياته في هذه الدنيا يوماً ما ويذهب إلي الآخرة. وكل إنسان تبتدئ آخرته من لحظة خروج روحه من بدنه. عند تلك اللحظات يتأسّف كثير من الناس علي ما فرّطوا في حياتهم ويتحسّرون علي ما أتلفوه من عمرهم فيما ليس لله فيه رضا.

لقد ورد عن أولياء الله المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم الكثير من الأحاديث التي توصي الإنسان باليقظة وتدارك أمره قبل فوات الأوان، والعمل علي اغتنام العمر فيما يوجب نيل رضا الله

تعالي والسعادة في الحياة الآخرة، حتي لا يكون يوم القيامة من النادمين والمتحسّرين.

كل إنسان حسب مجاله وقدرته يمكنه أن يستفيد من لحظات وساعات عمره في نيل رضا الله سبحانه. علي سبيل المثال: من كان أبوه أو أمّه أو أخوه أو زوجته أو صديقه سيّئ الخلق، فيستطيع بالصبر علي خلقه السيئ أن يحصّل رضا الله تعالي.

أيضاً: عندما يقف الإنسان أمام الله تعالي لأداء الصلاة فإنّ عليه أن يغتنم هذه اللحظات في التوجّهه إلي الله تعالي بقلبه وجوارحه كلّها، وأن يزيد من خشوعه ومن التفاته إلي ما يقول ويقرأ، لا أن يشغل ذهنه بالتفكير في أمور الدنيا ومشاكلها. فالذين لا يهتمّون للحظات عمرهم في الصلاة سيكونون يوم القيامة من النادمين والعياذ بالله.

إنّ شهر رمضان المبارك خير فرصة كي يتدارك الإنسان أمره ويصلح نفسه، فعمل الإنسان وسلوكه في هذا الشهر لهما التأثير البالغ علي التقليل من الحسرة يوم الحساب.

إنّ الندامة يوم القيامة ندامة طويلة والعياذ بالله فينبغي للإنسان أن يستعدّ ليوم الآخرة وأن يتدارك أمره من هذه اللحظة ويسعي في إصلاح نفسه وأعماله قبل فوات الأوان حتي يكون من السعداء والفائزين.

شهر رمضان فرصة ثمينة لبناء النفس

قال الله تعالي في كتابه الكريم: ?شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًي لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَي وَالْفُرْقَانِ?، قال:

إن شهر رمضان المبارك هو الشهر الذي وصفه الله تعالي بأنه شهر نزول القرآن الكريم، وأهم خصيصة للقرآن الكريم أنه يهدي الناس وذلك بأن ينزع الغلّ ويزيل الحقد من قلوب المؤمنين به ويعالج جميع الأمراض الروحية.

قد يكون الشخص سليماً معافيً من الناحية الجسمية وتعمل جميع أجهزته وأعضاء بدنه بصورة صحيحة، ولكن يوجد في داخله وروحه من المرض يسوقه صوب القتل أو الإنتحار أو الفساد. إنّ القرآن الكريم يعالج هذا

النوع من الأمراض ويقدّم حلولاً ناجعة في هذا المجال، لأنّ كلّ المظالم التي حدثت عبر التاريخ إنما هي نتيجة الأمراض الروحية الخطرة، وأحد معاني الهداية القرآنية هو معالجة هذا النوع من المرضي الروحيين وتخليصهم من الشرور ومن الآفات النفسيّة.

وهذه الخصيصة القرآنية موجودة في الصلاة أيضاً؛ لأن الصلاة هي الأخري تحفظ الإنسان من كثير من الآفات الروحية؛ قال الله تعالي: ?إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَي عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ?.

إنّ من كان من أهل الصلاة، يبتعد من الفحشاء والمنكر بمقدار عمق صلاته. فالشاب الذي يعاني من أمراض روحية ونفسية تدعوه للانتحار أو القتل أو التعدّي علي الآخرين وظلمهم، سيتغيّر إذا ما أقبل علي القرآن والصلاة، بسبب النور الذي يلقيانه في قلبه فيبرئانه من جميع هذه الأمراض.

يمكننا التوصل إلي معرفة عظمة القرآن والثقافة والتربية القرآنية من خلال مطالعة سيرة الشخصيات التي تربّت في أحضان القرآن، وأحد هذه الشخصيات محمد بن أبي عُمير التلميذ الخاصّ للإمام موسي بن جعفر الكاظم سلام الله عليهما، والذي حظي بمنزلة رفيعة وعدّت رواياته مقبولة لدي علماء الشيعة، وإنهم يفتون علي أساسها.

لقد سُجن هذا الرجل الموالي للإمام والمقرّب منه، بأمر من هارون العباسي وتحمّل صنوف التعذيب في سبيل ولائه، وكان العباسيون يتفننون في التعذيب، ومن جملة تعذيبهم للنّاس مضافاً إلي الضرب باليد، والعصا، والسوط كانوا يعذّبون بالضرب بخشبة عرضها حوالي 40 سنتيمتر ثبّت في طرفها مسامير كثيرة، تنغرز في بدن الشخص الذي يُضرب بها، وربما غُرز في كل ضربة خمسون مسماراً في بدنه وسالت الدماء منه. وربّ أشخاص كانوا يصابون بنزيف شديد بعد عشر ضربات ثم يموتون في الحال.

إن هارون أمر بأن يضرب محمد بن أبي عمير بألف خشبة. ولاشك أنهم لم يضربوه بها دفعة واحدة وربما

استمروا في ضربه مدّة. وكان هارون يطلب منه أن يذكر أسماء الخلّص من أصحاب الإمام موسي بن جعفر سلام الله عليه، ولو كان يذكر لما كان يتحمل كل هذا التعذيب المميت.

إنه أمضي سبعة عشر عاماً في السجن، لقي خلالها ألوان التعذيب كان ضرب ألف خشبة واحداً منها إضافة الي مصادرة أمواله، ولكنه لم يذكر حتي اسماً واحداً من أصحاب الإمام سلام الله عليه.

قد يوجد أشخاص مستعدّون لارتكاب القتل وأبشع أنواع الجرائم من أجل الحصول علي مال قليل، ولكن نري في المقابل وجود أشخاص كمحمد بن أبي عمير الذي تحمل 17 عاماً من السجن والتعذيب ولم يكن مستعدّاً لذكر أسماء أصحاب الامام سلام الله عليه، وهو نموذج من الأشخاص الذين تربّوا في أحضان القرآن.

يقول الله تعالي: ?وَتَرَي الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ?، فكما أن الماء النازل في الربيع يعيد للأرض الهامدة البهجة والحياة، فكذلك القرآن هو ماء الحياة المعنوية، وربيعه شهر رمضان المبارك.

إنّ لتلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك أجراً كثيراً، فكلّ آية تتلي في هذا الشهر تعدل ختم القرآن في غيره من الشهور، وإنّ لحفظ القرآن عن ظهر قلب في هذا الشهر أجراً كثيراً أيضاً، إلا أن هذه الأمور كلّها مقدّمات لأمر أهمّ وهو العمل بالقرآن وتطبيقه وتنفيذ أوامره في الحياة. فما أحسن أن نتأمّل في كل آية نقرأها في هذا الشهر الكريم ونتدبّر في معانيها العميقة ونعزم علي العمل بالقرآن.

قال الله تعالي: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ?، ففي هذه الآية، ذُكرت أمور:

1. الصبر علي المشاكل المختلفة وصعوبات الحياة، ومنها الصعوبات في التبليغ.

2. توصية الآخرين بالصبر.

3. المرابطة والثبات والاستقامة في

طريق الله وتبليغ دينه.

4. التقوي.

فهذه الآية الكريمة تخبرنا أن من يلتزم بهذه الأمور الأربعة لعلّ عاقبته تكون الفلاح.

ولكن الروايات تفيد أن «لعل» في القرآن الكريم موجبة، أي إن التزمتم بهذه الأمور الأربعة فإنكم ستفلحون يقيناً.

وهكذا عندما نقرأ الآيات التي تتحدث عن الجنة والنار والحساب والعقاب والثواب والصلاة والصيام و … نصمّم علي العمل بمضامينها، وندعو الآخرين لذلك أيضاً ليكون القرآن منشأ هدايتنا جميعاً إن شاء الله تعالي.

حسب ما نصّت عليه الروايات فإن أعمالنا تعرض كل يوم علي مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف؛ فحريّ بنا إذاً أن نخصص ولو عدة دقائق يومياً لمحاسبة أنفسنا وأن نتأمل في أعمالنا الحسنة والسيئة، وأن نسعي لمضاعفة أعمالنا الحسنة التي تدخل السرور علي قلب إمامنا، تكون سبياً لنيل رضاه ودعائه لنا، وأن نسعي كذلك للتقليل بل التخلّص من الأعمال التي تسخطه وتحزنه إن كانت ما زالت تصدر منا. وأن نسعي أيضاً لاغتنام هذه الفرصة المعنوية المتمثلة بشهر رمضان المبارك، فإنها فرصة قصيرة ستمرّ بسرعة ونتحسّر عليها إن لم نغتنمها لا سمح الله فلنصمم من الآن علي اغتنامها.

كما علينا الاستفادة القصوي من القرآن الكريم وتهيئة موجبات التقرّب إلي الله تعالي.

أطعن الله في كل صغيرة وكبيرة

ورد في الروايات الشريفة عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: «دخلت امرأةٌ النّارَ في هرَّةٍ رَبطَتْها فلمْ تُطْعِمْها ولم تدعْها تأكُلُ من خِشَاشِ الأرضِ».

وفي حديث آخر قال صلي الله عليه وآله: «بينما امرأة تمشي بفلاة من الأرض إذ اشتدّ عليها العطش، فنزلت بئراً فشربت، ثم صعدت فوجدت كلباً يأكل الثري من العطش. فقالت: لقد بلغ بهذا الكلب مثل الذي بلغ بي. ثم نزلت البئر فملأت خفّها وأمسكته بفيها ثم صعدت فسقته، فشكر الله لها ذلك

وغفر لها. فقالوا: يا رسول الله أَو لنا في البهائم أجر؟ قال: نعم في كل كبد رطبة أجر».

ذكرت والأحاديث الشريفة أن الإنسان بسبب إرتكابه للظلم، يقع تحت سيطرة الشيطان وبالتالي يقوده إلي عذاب النار. فالظلم هو بنوبته سبب ارتكاب المعاصي والمآثم الأخري، وهو الطريق المؤدّي إلي جهنم والعياذ بالله. والظالم باختياره يضع نفسه علي حافة الهاوية، وعند ذلك لا يجد طريقاً للرجوع والخلاص.

إن الأعمال الصالحة وكذلك الأعمال السيئة هما كالحلقات المتصلة بعضها ببعض. فالعمل الحسن يوفّق الإنسان لمزيد من الأعمال الحسنة، والعمل السيئ يسلب التوفيق من الإنسان ويجرّه إلي ارتكاب المزيد من المعاصي. ومثال ذلك هو ما جاء في هاتين الروايتين.

اسعين في المحافظة علي مانلتن في شهر رمضان المبارك من الطاعات والخيرات. فالتي وفّقت منكنّ لقراءة الأدعية، وإقامة الصلوات، وأدّت ما كان فيه طاعة الله، وأقامت أو حضرت في مجالس أهل البيت سلام الله عليهم، وأطعمت في سبيل الله، وأحيت ليالي القدر المباركة، وقدّمت الخدمات للناس، فلتحاول أن تستمر في العمل بهذه التوفيقات، وأن لا ترتكب ما يؤدّي إلي محو أجر الطاعات والأعمال الصالحة والحسنة لا سمح الله. فحينما يغضب الله تعالي لأجل ظلم هرّة، فكيف سيكون غضبه إن ظلم إنسان أحد أصدقائه، أو جيرانه، أو أرحامه؟

فاحذرن من أن تسلّمن زمام اُموركنّ بيد الشيطان بارتكاب ذنب أو ظلم أحد، أو التعدّي علي أحد. بل صممن علي انتهاز كل فرصة لطاعة الله عزّ وجلّ.

السعيدة من تطع الله وتتعامل بالحسني وتخدم الناس

قال الله سبحانه: ?مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ?.

هذه الآية الكريمة تؤكد حقيقة مفادها: أنّ كل ما يرتبط بالإنسان وكل ما في الدنيا فإنه فان وزائل، إلاّ ما كان خالصاً لوجه الله تعالي فإنه باق. فكل إنسان يتناول خلال فترة حياته

مقداراً من الغذاء، ويلبس مقداراً من الثياب وما شابه ذلك، وهذه كلّها لا تساوي عند الله شيئاً، ولا فرق في أن ينتفع الإنسان من هذه الأمور قليلاً أو كثيراً.

لكن الأمر يختلف بالنسبة إلي الأمور المعنوية كحسن الخلق، والصلاة، والعبادات، وطاعة الله تعالي، وخدمة الناس. فهناك فرق كبير بين من يتحلّي بحسن الخلق طول حياته وبين من يكون خلقه سيّئاً طوال عمره. وهكذا بالنسبة لمن يحيي ليله بصلاة الليل وبين من لا يصلّي صلاة الليل أبداً. وعلي هذا فالذي يقضي حياته بالعبادات وطاعة الله سبحانه سيحظي بالسعادة أكثر ممن يقصّر في العبادات أو يرتكب الذنوب والمعاصي أحياناً والعياذ بالله.

ينبغي للمرأة المؤمنة أن تلتزم بما تعتقده حسناً. فإن اعتقدت أن حسن الخلق وصلاة الليل وخدمة الناس من الأمور المحمودة فلتسْعَ بالالتزام بها، بل تصمم علي كل ما يحبّذه الدين، وما هو محمود عند الله تعالي.

إن الله عزّ وجلّ قد أودع في الإنسان قدرة يستطيع بها أن يميّز بين الحسن والقبيح. فينبغي لكل واحدة أن تتحلّي بما تراه حسناً، سواء كان قولاً أو فعلاً. ولا تفكّر أبداً بأن تردّ سوء تعامل الأخريات بالمثل. وعليها أن لا تتأثّر بسوء خلق غيرها وإنّما تهتم بأمر واحد وهو التعامل بالحسني مع الجميع.

السعادة في العمل لله وفي طاعته جلّ شأنه

لما كان الإمام الرضا سلام الله عليه في طوس تعرّض من قبل المأمون لضغوط كثيرة كان منها أنه أُبعد سلام الله عليه إلي مدينة سرخس وسجن فيها، وكان مقيّداً كأبيه الإمام موسي بن جعفر سلام الله عليهما في سجن هارون، فجاء رجلان واستأذنا السجّان ودخلا علي الإمام فسألاه عن التقصير في الصلاة. فقال لأحدهما: وجب عليك التقصير لأنّك قصدتني، وقال للآخر: وجب عليك التمام لأنّك قصدت السلطان».

هذان الرجلان كان

عملهما بالظاهر واحداً وهو سفرهما معاً إلي مكان واحد، لكن نيّتهما كانت مختلفة، واختلاف نيتهما صار سبباً في أن يكون سفر الثاني سفر معصية وحكم صلاته التمام. أما الأول فصلاته القصر لأن سفره لم يكن سفر معصية.

ربّ رجلين أو امرأتين يزوران معاً لكن أجر كل واحد منهما يختلف عن أجر الآخر، لاختلاف نيّتهما. فقد تكون نيّة أحدهما كلّها هي الزيارة والتقرّب إلي الله تعالي بواسطة أهل البيت سلام الله عليهم فتكون سفرته وزيارته في المستوي الرفيع من الأجر، وتُقضي حوائجه وتشمله رعاية المزور سلام الله عليه.

وقد تكون نيّة أحدهما نصفها للزيارة والنصف الآخر للسياحة أو الترفيه وما شابه ذلك فمن المحتمّ أن مستوي أجر زيارة الثاني وثمراتها ستكون أقلّ من مستوي الأول. فأحياناً تكون النيّة سبباً لوجوب العمل أو حرمته، وأحياناً تكون سبباً لارتفاع درجة العمل أو انخفاضها.

لتحاول كلّ واحدة منكن أن تصعد بنيّتها وترتفع بقصدها، فتجعل حركاتها وسكناتها كلّها لله جلّ شأنه وفي طاعته، وفي سبيل خدمة أهل البيت سلام الله عليهم، حتي يكون أجرها أكثر، وتنال السعادة في الدنيا والآخرة.

أخلاق

تعامل الإسلام مع المشركات

كان أخي المرحوم المرجع الديني الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي قدس سره كثيراً ما يشير إلي العناية التي أوّلاها الإسلام للمرأة، وذلك لكي تعي المرأة ماهية الإسلام، وحقوقها وواجباتها.. ولتقوم بتبليغ هذه الأمور المهمة للآخرين؛ حتي تتحقق الآية المباركة ?لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَي اللّهِ حُجَّةٌ?.

حصلت معركة كبيرة وخطيرة جداً بين المسلمين والكفار، هي معركة حنين وقد أشار الذكر الحكيم إلي جانب من خصوصياتها، حيث تكاتف الكفّار لإنهاء أمر النبي صلي الله عليه وآله والمسلمين دفعةً واحدةً.

وقد اشتركت في تلك المعركة، إلي جانب الكفار، قبيلة بني سعد التي تنتمي إليها حليمة السعدية مرضعة رسول

الله صلي الله عليه وآله، وكذلك شهدت المعركة شيماء أخت الرسول بالرضاعة، إذ كان العرب وقتذاك يحضرون معهم نساءهم في المعارك، ويجعلونهن في الجبهات الخلفية ليقمن بإسعاف الجرحي، وإلهاب حماس الرجال، لكي يصمدوا ويثبتوا؛ إذ هم يعلمون بأن لو تراجعوا، فإن نساءهم سوف يقعن أسيرات بأيدي الخصم.

وهكذا، فقد احتدمت المعركة، والتحم الجيشان، وأسفرت عن انكسار المشركين، وأسر النساء، بمن فيهن شيماء، فلما رأت نفسها وقد أسرت، راحت تصيح من بين النساء: يا محمد! أتعرفني؟ فأجابها رسول الله صلي الله عليه وآله: ومن أنت؟ قالت: أنا شيماء أختك في الرضاعة، أوَ يرضيك أن أكون في الأسيرات؟! وصارت تعاتب رسول الله صلي الله عليه وآله أيضاً، لكنه صلي الله عليه وآله لم يعاتبها علي خروجها لقتاله، بل قال لها: أمّا أنا فأتنازل لك عن حقّي وحق بني عبد المطلب، وأعفو عنك، ولكن إئتي المسلمين واطلبي صفحهم، وأنا شفيعك في ذلك.. ففعلت بعد أن أعلمت المسلمين بأنها رضيعة النبي صلي الله عليه وآله، فعفوا جميعاً عنها.

ثم قالت شيماء لرسول الله صلي الله عليه وآله: أنا جئت في نساء عشيرتي، أفأعود الآن وحدي؟ فما كان من النبي صلي الله عليه وآله والمسلمين إلا أن عفوا عنهن، فعدن جميعهن وقد أسلمن.

تفحّصن في التاريخ، غير تاريخ المعصومين والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً، وأنظرن ما إذا كنتن ستجدن نظير هذه المواقف والقيم العظيمة!! إن أولئك المشركين كانوا يرومون اجتثاث الإسلام من جذوره، لكن رسول الله صلي الله عليه وآله قابلهم بذلك الموقف النبيل.. هذا هو الإسلام الحقيقي؛ والله عزّ وجل يقول في كتابه الحكيم: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ?؛ فاللازم علي مسلمي العالم أن يسيروا علي هذا النهج.

إن

رسول الله صلي الله عليه وآله هو مظهر الإسلام وهو العارف حقاً بالإسلام، فكيف تعامل صلي الله عليه وآله مع المشركات اللائي ظاهرن الرجال علي قتاله؟ أوَ ليس من المؤسف جداً أن لا تعرف نساء العالم هذا الدين العظيم؟! فأنتن المؤمنات عليكن أن تطالعن هذه القيم الكبيرة وتنقلنها إلي الآخرين.

عليكن أن تعرفن بأن لديكن كنزاً وهو الإسلام، فإذا عرضتن مثل هذه الكنوز العظيمة في أوساط الكفار، وأحسّ هؤلاء بصدقكن، فسيسلمون ولو بعد حين.

إن الإمام الرضا سلام الله عليه قد دعا بالرحمة لمن يعمل بخصلتين، هما: «يتعلم علومنا، ويعلمها الناس».

ضرورة محاسبة النفس

من الضروري أن نضع برنامج عمل يوميّاً لأنفسنا، ونخصص ولو مقدار خمس دقائق نحاسب فيها أنفسنا، ونري كم من العمل الحسن فعلنا في يومنا، فنزداد منه، وكم من العمل السيئ فعلنا، فنحاول أن لا نكرره؛ فقد ورد في الحديث الشريف: «ليس منّا من لم يحاسب نفسه كلَّ يوم».

حُسن الخُلُق أسرع الطرق للقرب من أهل البيت

جاء في الحديث الشريف عن الرسول الأعظم صلّي الله عليه وآله: «إنّ العبد لينال بحسن خُلُقه درجة الصائم القائم».

(الصائم القائم) هو الذي يقضي نهاره بالصوم وليله بالسهر في العبادات.

ولكن من كان حسِن الخُلُق مع أهله وأقربائه وأصدقائه ومع من يعرفه ومن لا يعرفه فإنّ الله تعالي يجعله في درجة الصائم، وإن لم يكن صائماً نهاره. وهكذا الذي ينام الليل ولا يسهر بالعبادة لكنّه حسن الأخلاق، فإنّه يبلغ درجة القائم الذي يقضي ليله بالعبادة ويكون مشغولاً بالدعاء والصلاة وقراءة القرآن من أوّل الليل إلي الصباح.

لهذا ينبغي للمؤمنين أن يركّزوا علي حسن الخُلُق وكذا المؤمنات، فالأب عليه بحسن الخُلُق مع زوجته وأولاده. والأُمّ عليها أن تكون حسنة الأخلاق مع زوجها وأولادها. وهكذا العمّ والعمّة والخال والخالة والأخ والأُخت والإبن والبنت؛ حتّي يسجَّلَ عند الله سبحانه وتعالي في قائمة الصائمين القائمين.

والزائرة أيضاً لمراقد أهل البيت سلام الله عليهم. إن كانت أخلاقها حسنة فإنّ مقامها عند المزور يكون أعلي.

فإذا أردتن قبول الأعمال والعبادة أكثر عند الله والقرب منه سبحانه، فعليكنّ أن تلتزمن بحسن الخُلُق.

حُسن الخُلُق ثمرته التوفيق في الدارين

قال رسول الله صلي الله عليه وآله: «حَسِن الخُلق ذهب بخير الدنيا والآخرة».

إن الإنسان في أيّ بلد كان وفي أيّ عمل، فهو بين الخير والشر. ففي الإنسان دافعاً الي الخير وهو العقل، ودافعاً نحو الشرّ وهي النفس الأمّارة بالسوء. فإذا كان المرء حسن الخلق فإنّ دافع الخير عنده يغلب دافع الشر وسيكون نصيبه خير الدنيا والآخرة؛ بخلاف سيئ الخلق فهو لا دنيا له ولا آخرة.

أما كيف يكون الإنسان حسن الخلق، فهذا يرجع إلي كلمة واحدة يمكن لكل واحدة منكنّ أن تبدأ بالعمل بها من هذه اللحظة ومن هذا المكان الي آخر حياتها. والكلمة هي ما

ورد في حديث لمولانا الإمام الرضا سلام الله عليه حيث قال: «إنما هي عزمة» والعزمة (بفتح العين) هي صيغة مبالغة ومعناها: العزم الأكيد. فأي واحدة منكنّ عزمت عزماً أكيداً علي أن تكون ذات خلق حسن، فإنها تُوفّق لذلك. وحُسنُ الخلق هو أن يكون الإنسان صادقاً في الكلام، صابراً علي المكاره، يلقي الناس دائماً ببشر الوجه وطلاقته، ويحلم عمن يسيئ إليه و …

أنقل لكن رواية عن الامام الباقر صلوات الله وسلامه عليه، وهو حجة الله علي الخلق والامام المعصوم الذي بيده مسير الكون كلّه بإذن الله عزّ وجلّ، فقد اعترضه شخص عادّي وقال له حاشاه : أنت بقر!، فأجابه سلام الله عليه: بل أنا باقر.

هذا هو الحلم. فاذا انتقصكِ شخص ما فعليك أن تحلمي لتحصلي علي خير الدنيا وخير الآخرة، وهذا بحاجة إلي العزم وهذه سُنة الحياة. فطالبة العلم إذا عزمت علي أن تكون حسنة الخلق فستصبح عالمة، والزوجة إذا عزمت علي ذلك ستكون محبوبة عند زوجها.

إنّ حسِن الخلق يكون محبوباً عند الله تعالي وعند الناس كافّة. ومن الخطأ التصور بردّ السيئة بالسيئة وإن كان هذا في نفسه جائزاً في الحدود الشرعية كما في قوله تعالي: ?فَمَنِ اعْتَدَي عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَي عَلَيْكُمْ?.

لكن من كانت منكنّ تريد التوفيق وخير الدنيا وخير الآخرة والمحبة عند الله عزّ وجلّ وعند الناس، فلتردّ السيئة بالإحسان والحلم. فقد ورد في أحوال النبي صلي الله عليه وآله أن إحدي زوجاته اتّهمته تهمة شديدة في قضية ما، فلم يقابلها صلوات الله وسلامه عليه وآله بالمثل ولم يجبها، بل إنه اكتفي بنفي التهمة عنه فقط؛ علماً أن هذه الرواية نقلت عن أحد الأئمّة سلام الله عليهم ولم ينقلها غيرهم من سائر

الناس، لأن النبي صلي الله عليه وآله لم ينقلها لأحد من الناس. فينبغي تعلّم الفضائل هذه والخلق الحسن من رسول الاسلام صلوات الله وسلامه عليه، والقرآن الحكيم يقول: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ?.

لقد رأيت الكثير ممن اتصف بالخلق الحسن من العلماء وغيرهم من سائر الناس كانوا موفَّقين في حياتهم وكانوا محبوبين عند الناس ولم يلقوا صعوبة في حياتهم.

إنَّ أيَّ فرد من أفراد الأسرة اذا كان حسن الخلق فإنّه سيكون محبوباً عند الجميع وسيقبل الله عزّ وجلّ أعماله، وإذا مات فسيترحم عليه الناس، أما صاحب الخلق السيّئ فإنه سيكون علي العكس من ذلك تماماً.

لذا ينبغي لكنّ أن تعزمن علي التحلّي بالأخلاق الحسنة لتنلن خير الدنيا وخير الآخرة.

كلما حاسب المرء نفسه أكثر كان أكثر قرباً من أهل البيت

من الأمور المهمة جداً والتي تجعل المرء قريباً من أهل البيت سلام الله عليهم وذا مقام ومنزلة عندهم هي محاسبة النفس كلّ يوم. فقد حثّ الأئمة الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين علي ذلك كما في الحديث الشريف: «ليس منّا من لم يحاسب نفسه كل يوم فإن عمل خيراً استزاد منه، وإن عمل شرّاً استغفر الله وتاب إليه».

إن الإنسان يتكلّم خلال اليوم والليلة كثيراً ويعمل كثيراً، فما أحوجه لأن يجلس وحده ويحاسب نفسه علي ما قاله وعمله، ويتأمّل في صحيفة أعماله هل هي جديرة ومناسبة بأن تقدّم لولي الله تعالي مولانا بقيّة الله الأعظم المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه وعلي آبائه وعجّل الله تعالي فرجه الشريف؟ فإن كان ما قدّمه جيداً يشكر الله عزّ وجلّ عليه ويصمّم ويعزم علي المواصلة والاستمرار في أعمال كهذه. وإن كان والعياذ بالله غير مناسب؛ كغيبةٍ اغتاب فيها أحداً من الناس، أو أذي لمؤمن أو مؤمنة، أو قطع رحم، أو

عقوقٍ للوالدين، أو بخس في المكيال والميزان، أو غشٍّ وأمثال ذلك، فلا يدع أموراً كهذه تعرض علي وليّ الله الأعظم سلام الله عليه، بل عليه أن يبادر إلي الإستغفار والتوبة إلي الله تعالي فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

ينبغي علي المؤمنات أن يتفرّغن في كلّ يوم أو ليلة ولو لدقائق ويراجعن ما قدّمن خلال الأربعة والعشرين ساعة الماضية من قول أو عمل صدرا منهنّ ويحاسبن أنفسهن علي كلّ صغيرة وكبيرة. فكلما التزمت المرأة بمحاسبة نفسها كل يوم، كانت أكثر قرباً من أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين.

عدم الالتزام بمكارم الأخلاق سبب لكثير من المشاكل

قال الله عزّ وجلّ: ?إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا?.

وعن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه قال: «ما أحسنت لأحد ولا أسأت إليه لأن الله تعالي يقول: ?مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا?.

إن مثل فاعل الخير والإحسان كمن يحمل بيده مصباحاً ويسير في ظلام الليل، فهو المستفيد أولاً من المصباح الذي يحمله وإن كان الآخرون يستفيدون منه أيضاً خلال مسيره. وهكذا من يوجّه ظلماً إلي أحدٍ فهو إنما يظلم نفسه في الحقيقة.

إضافة إلي الإحسان ثمة أمور ينبغي للمؤمنات أن لا يغفلن عنها، وهي:

1. الأخلاق مع جميع الناس.

2. صلة الرحم.

3. برّ الوالدين.

إنّ كثيراً من المشكلات التي يعاني منها المجتمع إنما تعود لغياب هذه الأمور الأربعة المتقدمة، ولو التزم الناس بهذه الأمور بنحو جيّد لحُلّت كثير من المشكلات وزالت.

الإتيان بالحسنة تجارة مع الله سبحانه

كلّ الذين يتاجرون قد يربحون في بعض الأحيان وقد يخسرون، وتارة يكون ربحهم كثير كما أنه تارة تكون خسارتهم كبيرة، أمّا المتاجرة مع الله تعالي فمربحة دائمة وربحها كثير في كل شيء، كما أن خسارة المعرضين عن الله تعالي كبيرة جداً في يوم القيامة؛ قال عزّ وجل: ?مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ?.

والحسنة نوعان: الحسنة بين الإنسان والله تعالي، والحسنة بين الإنسان والإنسان. وفي النوع الثاني ينبغي أن يضع الإنسان نفسه موضع الذين يتعامل معهم فيحبّ لهم ما يحبّ لنفسه، فيأتي بالحسنة، والذي يأتي بالحسنة في أعماله وتصرفاته وحياته سيكون ناجحاً وموفّقاً بنسبة ما أتي من الإحسان والخير.

حسن الأخلاق طريق إلي الجنة

صفتان، تقرّب إحداهما الإنسان الي الجنة وهي حُسن الخلق، وأخري تقرّبه إلي النار وهي سوء الخلق. ويمكن بل ينبغي للإنسان أن يكون حسن الخلق سواء كان رجلاً أم امرأة، شيخاً أم شابّاً، تلميذاً أم أستاذاً، كاسباً أم تاجراً، عالماً أم عاملاً، وفي أية درجة كان وفي أية ظروف.

لقد عاشت امرأة فرعون في أسوأ الظروف ولكنها استطاعت أن تتحلّي بالخلق الحسن حتي ضرب الله بها مثلاً للذين آمنوا؛ قال تعالي: ?وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ … ?. فلقد كان فرعون ظالماً وأمر بشقّ بطون النساء الحبالي وقتل أولادهنّ وهم أحياء، وبلغ به الطغيان أن ادّعي الربوبية، ولكن امرأته استطاعت رغم الظروف التي كانت تعيشها في بيت فرعون، أن تبلغ درجة من الإيمان وحسن الخلق بحيث ضرب الله بها مثلاً للذين آمنوا؛ فأمرهم أن يقتدوا بها، فاستطاعت أن تكون أفضل إنسانة في أسوأ الظروف.

إذن يمكن للإنسان أن يكون حسن الخلق حتي في أسوأ الظروف، ولكن لذلك شرط واحد وهو العزم؛ قال الإمام

الكاظم سلام الله عليه: «هي عزمة» أي أن الأمر بحاجة فقط الي تصميمٍ علي التحلّي بالخلق الحسن. فمن صمّم علي أداء عمل وُفّق فيه، ولكن المهم أن يصمّم أولاً.

إذا أردتن أن تضمِنَّ الجنة، فلذلك طريق واحد وهو أن تتحلّين بالخلق الحسن، وهذا الأمر بحاجة إلي تسامح، فإنه طريق التوفيق.

الإيثار بالدعاء من سمات أولياء الله

ورد في رواية: «عَنْ عُبَادَةَ الْكُلَيْبِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ فَاطِمَةَ الصُّغْرَي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَخِيهِ الْحَسَنِ سلام الله عليهم: قَالَ: رَأَيْتُ أُمِّي فَاطِمَةَ سلام الله عليها قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا لَيْلَةَ جُمُعَتِهَا، فَلَمْ تَزَلْ رَاكِعَةً سَاجِدَةً حَتَّي اتَّضَحَ عَمُودُ الصُّبْحِ، وَسَمِعْتُهَا تَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَتُسَمِّيهِمْ وَتُكْثِرُ الدُّعَاءَ لَهُمْ، وَلا تَدْعُو لِنَفْسِهَا بِشَيْ ءٍ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّاهْ لِمَ لا تَدْعُوِنَّ لِنَفْسِكِ كَمَا تَدْعُوِنَّ لِغَيْرِكِ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ الْجَارُ ثُمَّ الدَّارُ».

توجد عندنا أدعية كثيرة عن أهل البيت سلام الله عليهم، ورد فيها دعاء الإنسان لنفسه ثم للآخرين مثل: «اللهم اغفر لي وللمؤمنين» و «اللهم اغفر لي ولأبي» وهكذا. لكن هذا الحديث المأثور عن مولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها علي صغر حجمه وقلّة كلماته ينبئ عن أمر مهمّ جداً وهو الإيثار في الدعاء.

إنّ كثيراً من الناس يستهون الدعاء لأنه يراه لا يحتاج إلي مال ولا جهود ولا وقت طويل. لكن سيدتنا الزهراء سلام الله عليها تعرف قيمة الدعاء وهو التكلّم مع خالق كلّ شيء والقادر علي كلّ شيء وهو الله عزّ وجلّ معطي كلّ نعمة وصارف كل نقمة. لذلك سهرت سلام الله عليها بالدعاء لغيرها ولم تدع لنفسها.

لاشك أن كل واحد منّا بحاجة للدعاء كما في قوله تعالي: ?قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ? وفي الحديث النبوي الشريف:

«الدعاء مخّ العبادة» والمخ هنا معناه الأساس، لكن أن يؤثر المرء غيره حتي في الدعاء فهذا من الفضائل الرفيعة والراقية جداً والتي لا نجدها إلا في كتاب الله تعالي وعند أهل البيت سلام الله عليهم. فهم علاوة علي إيثارهم برزقهم وبالحاجات الدنيوية قد آثروا غيرهم علي أنفسهم في الدعاء أيضاً.

فيجدر أن نتأسّي بهم ونتعلّم منهم إيثار غيرنا علي أنفسنا حتي في الدعاء. فعلي المؤمنين أن يؤثروا أرحامهم علي أنفسهم، وعلي الأولاد أن يؤثروا والديهم علي أنفسهم، وعلي الوالدين أن يؤثرا أولادهما علي أنفسهما، وهكذا الجيران والأصدقاء وزملاء العمل و …

إن هذا الخصلة من الإيثار تعود علي الإنسان بأمرين:

الأول: إذا دعوتَ لغيرك فهناك مَلَك سيدعو لك بضعف ما دعوتَ لغيرك. فمن يريد الرزق والذرية الصالحة والتوفيق من الله تعالي فليدعُ بها لغيره حتي تعود عليه بأضعاف كثيرة.

الثاني: الإيثار له ثمرات وآثار إيجابية في الدنيا فضلاً عن مقامه الرفيع وأجره العظيم في الآخرة.

ينبغي للمؤمن أن يكون له واعظ من نفسه

من الأمور المهمة التي ينبغي للمؤمن أن ينتبه إليها هو أن يتّخذ واعظاً لنفسه من نفسه، كما جاء ذلك في روايات عديدة ومنها:

ما رُوي عن الإمام أبي جعفر الجواد سلام الله عليه: «المؤمن يحتاج إلي ثلاث خصال: توفيق من الله عزّ وجلّ، وواعظ من نفسه، وقبول مِن مَنْ ينصحه». فعندما يهمّ المؤمن بعمل ما، عليه أن يتأمّل هل هذا العمل فيه رضا الله سبحانه؟ وهكذا إذا أراد الكلام وما شابه ذلك. ولا ينتظر الموعظة من غيره بل ليكون عقله هو الواعظ له.

جاء في ببت منسوب للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه:

دواؤك فيك وما تشعر وداؤك منك وما تبصر

إن الله تعالي قد زوّد الإنسان بالعقل الذي إذا صمّم الإنسان علي الاسترشاد به كثرت حسناته وقلّت

سيئاته وشهواته وكان في أمان من مغريات الدنيا وأصدقاء السوء، وهذا هو معني واعظ من نفسه. أما إذا لم يكن للإنسان واعظ من نفسه يعني لم يرجع إلي عقله فالشيطان له بالمرصاد وكذلك النفس الأمّارة بالسوء وبهارج الدنيا وأصدقاء السوء وتكون النتيجة والعياذ بالله وروده في المهالك.

التاريخ يحدّثنا عن كثير من الناس كانوا من العصاة ولكن عندما اتخذوا واعظاً من أنفسهم صاروا أتقياء ووفّقوا لكثير من الخير. ومنهم بعض أصحاب الأئمة المعصومين سلام الله عليهم. إذن باب التوفيق مفتوح أمام كلّ انسان وللمؤمنات أن يدخلن هذا الباب حتي ينلن الخير والسعادة.

الفلاح في الغلبة علي النفس

لقد خلق الله الإنسان وخلق له العقل الذي هو نور، وخلق له في مقابله الشهوات، وهذان لا يجتمعان عادةً، فربما رفض العقل شيئاً ولكن النفس تريده. فالشخص المصاب بداء السكّري مثلاً ينهاه عقله عن أكل الحلوي لأنّها تضرّه، ولكنّ نفسه تشتهيها؛ والله تعالي يقول: ?وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?.

فالشحّ بمعني البخل، وإنّ النفس فيها البخل، وقد يكون البخل بالمال أو العلم أو أيّ شيء آخر لا تريد النفس إيصاله للآخرين. والله تعالي يريد منا أن نتجنب البخل وأن نحفظ أنفسنا منه لكي نصل إلي الفلاح. وهذا أمر ليس بالسهل بل يحتاج إلي عون. والدعاء نوع من العون ولكن علينا أيضاً أن نعمل حتي نصل إلي هذا المستوي وذلك بأن نصمم ونعزم حتي نستولي علي صفة البخل خصوصاً في الأوقات المحرجة التي كثيراً ما يبيع الإنسان أصدقاءه بل حتي أولاده ووالديه ولا يستفيد من عقله بل يردد ما تقول له نفسه. ولذلك يقول النبي الأكرم صلي الله عليه وآله: «أعدي عدوّك نفسك التي بين جنبيك».

إذا أردنا الفوز والفلاح كان علينا أن ننتصر علي

نفوسنا. وشهر رمضان هو أفضل فرصة للنجاح في هذا المجال، طبعاً بعد الاستعانة بالله تعالي إلي جانب السعي والعمل؛ لأن الله تعالي يقول: ?وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَي? ويقول: ?وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ? والتي فُسّرت في الرواية بأهل البيت سلام الله عليهم. فعلينا أن نسعي في أيام الشهر الكريم شهر رمضان المبارك، لمعالجة شحّ النفس؛ عملاً بقوله تعالي: ?وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?.

السعيد من استنار بعقله

لقد منح الله تعالي الإنسان أمرين وهما العقل والنفس، فالعقل يعني القناعات، والنفس تعني الشهوات، فإنّ لكلّ إنسان قناعات نابعة من عقله، وشهوات تشتهيها نفسه، وغالباً ما يكون تضادّ بين ما يدعو إليه العقل، وبين ما تدعو إليه النفس وتشتهيه، والمطلوب من الإنسان أن يحكّم عقله في شهواته، وهذا هو الاختبار الذي جعله الله لكلّ فرد.

إنّ من يُعمل عقله وقناعته في أموره، يكون سعيداً في الدنيا والآخرة، أمّا من يقدّم شهواته علي قناعاته، فإنه يصير شقياً في الدنيا والآخرة.

ورد في الحديث الشريف: «أحبّ لأخيك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها». والأخ في الحديث من باب المثال، فهو يشمل الأخت والرجل والمرأة والجيران، فإذا عمل الإنسان بهذا الحديث عند تعامله مع الناس وأحبّ لهم ما يحبّ لنفسه، فلم يسبّ أحداً منهم لأنه لا يحب أن يسبّه أحد … فمثل هذا الشخص يكون سعيداً في الدنيا ومحبوباً عند الآخرين وعند الله تعالي.

هداية المسيئين بالخلق الحسن

ورد عن الإمام الكاظم سلام الله عليه: «لَيْسَ حُسْنُ الجَوارِ كَفَّ الأَذي? وَلكنَّ حُسنُ الجوارِ صبرُكَ علي الأذي?».

لا يختصُّ هذا الحديث الشريف علي الجار فقط، بل يشمل الوالدين والأبناء والزميل والشريك وغيرهم.

فمثلاً: الإبنُ البار ليس هو الذي لا يجور علي والديه بل الذي يصبر علي جفاهم وأذاهم. وبحسب الحديث الشريف فإنّ الإنسان الجيّد والطيّب ليس الذي يمنع أذاه عن الآخرين فحسب، بل الذي يصبر علي أذي الآخرين أيضاً.

إن حُسن الخُلق وضبط النفس عوامل مؤثرة في جذب الأفراد السيّئي الخلق أيضاً وتكون سبباً في تصحيح سلوكهم وتحوّلهم. فهداية الآخرين لا تأتي عن طريق النصائح الكلامية فقط بل ربّما يكون الصبر والحلم والعفو أكثر نجاحاً وأعمق تأثيراً.

من معايير تقييم عمل الإنسان عند الله جلّ شأنه

جاء في الحديث النبوي الشريف: «أقربكم منّي مجلساً يوم القيامة أحسنُكم أخلاقا، وخيرُكم لأهله».

في يوم القيامة حيث تنكشف الأسرار والحقائق، يكون القرب من رسول الله صلي الله عليه وآله كاشفاً عن نسبة حسن خلق الشخص، فبمقدار ما يلتزم المرء بالأخلاق الحسنة سينال القرب من رسول الله صلي الله عليه وآله.

ففي العائلة سيحظي بالقرب من رسول الله صلي الله عليه وآله من كان أحسنهم أخلاقاً، وكذا في مجال الدراسة والعمل وما شابه ذلك، والعكس بالعكس أيضاً.

إن حسن الخلق هو أحد معايير تقييم عمل كل إنسان عند الله عزّ وجلّ وهو مرتبط بأيّام وساعات العُمر في كل مجال. فإذا عزم المرء علي حسن الخلق سيوفّق، وإذا لم يعزم علي ذلك كان التوفيق بعيداً عنه.

أنتن أيّتها المؤمنات اعزمن علي الالتزام بالخلق الحسن في تعاملكن مع الجميع حتي مع من أساء إليكن حتي لا يكون مكانكن يوم القيامة بعيداً عن مقام رسول الله صلي الله عليه وآله.

ما الذي يزيد في عمر الإنسان؟

جاء في الروايات الشريفة أنه في عصر إمامة مولانا الإمام موسي الكاظم صلوات الله وسلامه عليه خرج أخوان من مدينتهما وهما يريدان مكّة فاصطحبا الطريق إلي أن وصلا قرية، واختلفا فيها حول شيء ما، فتنازعا وتسابّا وتقاطعا، وأخذ كل منهما طريقاً غير طريق الآخر.

فجاء أحدهما واسمه يعقوب ودخل مكّة وكان مشغولاً بالمطاف، فبعث إليه الإمام الكاظم سلام الله عليه رسولاً وقال له: أتريد موسي بن جعفر؟ قال: نعم، قال: اتبعني.

«فلما رآه الإمام سلام الله عليه قال له: يا يعقوب قدمت أمس ووقع بينك وبين أخيك شرّ في موضع كذا وكذا، حتي شتم بعضكم بعضاً، وليس هذا ديني ولا دين آبائي ولا نأمر بهذا أحداً من الناس، فاتّق الله وحده، لا شريك له،

فإنّكما ستفترقان بموت. أما إن أخاك سيموت في سفره قبل أن يصل إلي أهله، وستندم أنت علي ما كان منك، وذلك أنكما تقاطعتما فبتر الله أعماركما. فقال له الرجل: فأنا جعلت فداك متي أجلي؟ فقال (الإمام): أما إن أجلك قد حضر حتي وصلت عمّتك بما وصلتها به في منزل كذا وكذا، فزيد في أجلك عشرون.

قال: فأخبرني الرجل ولقيته حاجّاً أن أخاه لم يصل إلي أهله حتي دفنه في الطريق».

هذه القصة ذاتها تتكرّر في كل زمان ولكثير من الناس، فلا خصوصيّة لهذين الأخوين، وإن عاقبة عمل الشر خصوصاً عقوق الوالدين وقطع الرحم هي تقريب أجل المرء، وعمل الخير وخصوصاً برّ الوالدين وصلة الرحم ينسئ الأجل، كما ورد في الأحاديث الشريفة.

من المهمّ لكلّ فرد هو أن يعزم علي عمل الخير مهما كان وبقدر ما يستطيع ويتمكّن، ولا يترك ذلك، سواء كان للوالدين أو الأقارب أو الجيران أو شركاء العمل أو غيرهم، ولا يتواني في تقديم الخدمة لأيّ أحد من الناس.

ففي الحديث:

« … صنائع المعروف تقي مصارع الهوان».

ومن المهم أيضاً ترك عمل الشر من ظلم وإيذاء وما شابه ذلك، لأن عمل الشر يحيق بالإنسان والعياذ بالله كما في القصة التي ذكرنا. فعمل الشر يبتر العمر، وعمل الخير يمدّ في عمر الإنسان.

ما يصيب الإنسان أحياناً من بلاء أو مشكلة قد يكون تقديراً من الله تعالي لرفع الدرجة في الآخرة، وقد يكون لتقصير أو لمعصية أو لظلم أو لقطع رحم. فحاولن أن تعزمن علي ترك الشر وإن كان صغيراً، فالعزيمة علي ذلك تقلّل من عمل الشر. واعزمن علي عمل الخير وإن كان صغيراً، فالعزم علي ذلك يزيد من توفيق عمل الخير. وكل ما رأيتموه خيراً لكُنّ فاصنعن مثله لغيركن، وكل

ما رأيتموه شراً لَكُنّ فاجتنبن فعله للآخرين.

أساس المعاصي والمشاكل والموبقات

إن الغضب أساس كثير من المعاصي والموبقات. فأكثر حالات الطلاق يكون أساسها الغضب، وأساس أكثر المشاكل بين الآباء والأولاد، وبين زملاء العمل، بل وظلم الحاكم للرعية هو الغضب. فيلزم ضبط النفس عن الغضب حتي لا تقع المشاكل ولا تُقترف المعاصي.

ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق سلام الله عليه قال: «سمعت أبي سلام الله عليه يقول: أتي رسولَ الله صلي الله عليه وآله رجلٌ بدويٌّ فقال: إني أسكن البادية فعلّمني جوامع الكلام. فقال: آمرك أن لا تغضب. فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرّات، حتي رجع الرجل إلي نفسه فقال: لا أسأل عن شيء بعد هذا، ما أمرني رسول الله صلي الله عليه وآله إلا بالخير».

هذه الكلمة الواحدة من رسول الله صلي الله عليه وآله تكون سبباً لانتهاء الإنسان عن كثير من المعاصي.

من الصعب أن يملك الإنسان نفسه حين الغضب، ولكن يمكن ذلك بالعزم والتصميم. فالعزم مقدمة للتوفيق في كلّ مجال ومنه هنا. وبالعكس من لم يصمم علي أن لا يغضب فإنه كثيراً ما يقع في المعاصي والعياذ بالله تجاه أقرباءه وأصدقاءه، وربما يؤدّي به إلي الانتحار أو قتل غيره.

في الحديث الشريف: «من طلب شيئاً ناله أو بعضه».

لو إتفق أن ابتلي الإنسان بالغضب فينبغي له أن يستغفر الله تعالي أولاً، وثانياً يعزم علي أن لا يغضب مرة أخري. ليعش حياة موفّقة سعيدة.

ما يوجب الزيادة من الله عزّّ وجلّ

إن الله تعالي جعل الراحة في الجنة، أما الدنيا فهي دار مشاكل. وكل إنسان مهما كان عنده من النعم في الدنيا لابدّ وأنه يشعر بنواقص في حياته. ومشاكل الدنيا أحياناً تصل إلي مستوي بحيث تضغط علي نفس الإنسان كثيراً وقد يشتدّ الضغط حتي يبلغ ببعضهم إلي الانتحار والعياذ بالله أو تحطّم الأعصاب أو الجنون

أو إلي مراتب قريبة من ذلك.

الدنيا لا تتغير طبيعتها، لأن الله سبحانه أراد أن تكون فيها المشاكل والمتاعب والمآسي ليختبر عباده، كما قال عزّ وجلّ: ?وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ?، وقد يدفع الإنسان بعض المشاكل أو يرفعها بالصدقة والدعاء وصلة الأرحام وأعمال الخير لكن ما هو علاج بقية المشاكل؟

إن العلاج نجده عند أهل البيت سلام الله عليهم حيث كلامهم نور. رُوي عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنه قال لحمران بن أعين: «يا حمران انظر إلي من هو دونك في المقدرة؛ ولا تنظر إلي مَن هو فوقك في المقدرة، فإن ذلك أقنع لك بما قُسِمَ لك، وأحري أن تستوجب الزيادة من ربّك». فالذي يشكو من الفقر مع ما في الفقر من المشاكل الكثيرة ينبغي أن ينظر إلي من هو أشدّ منه فقراً، من الجيران والأرحام وغيرهم من الناس، عندها سيري أنه أفضل منهم، فيحمد الله تعالي علي ما عنده وهذا يخفّف عليه شدّة الفقر. وهكذا من يعاني من المرض، أو المبتلي بالعدو أو بجار سوء، والرّجل المبتلي بزوجة سوء، والمرأة المبتلية بزوج سوء، والأب والأم المبتليين بأولاد سوء، والأولاد المبتلين بأب سيّئ وأم سيئة. فاللازم معالجة هذه الاُمُور بالنظر إلي من هم أشدّ منهم مشاكل أو دونهم في القدرة علي دفع ما يعانونه.

كل واحدةٍ منكن أنتُنّ أيتها المؤمنات، لا بد أنها تعاني من مشاكل، متفاوتة في نوعها وشدّتها، فينبغي لها علاجها وذلك بأن تفكّر بأرحامها وأقاربها وصديقاتها وممن تعرفها وتنظر أي نعمة مفقودة عندهن وهي موجودة عندها، فهذا الأمر يخفّف عنها ألم المشاكل ان لم يزلها، أو يساعدها علي نسيانها.

عليكن أن لا تنسين نعم الله تبارك وتعالي، وأدّين شكره علي كل حال حتي لا

يذهب إيمانكن. واعزمن وصممن علي أن تعملن بوصية الإمام الصادق سلام الله عليه.

المسلمة الحقيقية

إن الإسلام من معانيه السلم والسلامة، في الدنيا والآخرة. فينبغي للمسلم أن يكون مصداقاً حقيقياً لما يدعو إليه الإسلام. ومن ذلك أن يسلم الناس من يده ولسانه. فقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله: «المسلم من سلم الناس من يده ولسانه».

من الممكن أن لا يتألّم شخصٌ من كلمة ما، لكن جاره يتألم منها، أو لا تتأذي امرأة من موقف ما، لكن تتأذي أمّها أو بنتها أو أختها أو قريبةٌ لها، فيلزم إجتناب كل ما قد يتأذي منه الآخرون.

من المهم جداً أن يعيش الإنسان مع غيره بحيث لا يخافون لسانه ويده. فكما يحبّ الإنسان أن يكون في مأمن من أذي الآخرين، كذلك يلزم أن يكون الآخرين في مأمنٍ منه. فينبغي أن لا تخاف الزوجة زوجها، ولا يخاف الزوج زوجته، وكلّ من البائع والمشتري لا يخاف إختلاس الآخر وغشّه وغبنه. وهكذا الأقارب والجيران والزملاء والوالدين مع الأولاد، والأولاد علي الوالدين.

الأمر صعب جداً، لكن يسهل بالاعتماد علي الله عزّ وجلّ، وبالعزم والتصميم.

أهل البيت قدوة في الصبر

كل إنسان في هذه الدنيا وبسبب تقلّبات الزمان يصاب بمشاكل مختلفة ومتنوعة، وخير ما يستعان به لحلّ المشاكل، والخروج منها بسلام هو الصبر.

عندما يتعرّض الإنسان للمشاكل والأزمات كابتلائه بالمرض مثلاً، أو الزوجة السيئة، أو الجار السوء، عليه أن يسعي في حلّها، ولكن بما أن الدنيا دار بلاء، ولا يمكن حلُّ كلّ المشكلات، كان من اللازم إنتهاج منهج الصبر، فإنّه من أهمّ أسباب التوفيق في الدنيا والسعادة في الآخرة.

رُوي عن الإمام الصادق عن أبيه الإمام الباقر سلام الله عليهما: «مرض الحسن والحسين سلام الله عليهما وهما صبيّان صغيران، فعادهما رسول الله صلي الله عليه وآله ومعه رجلان فقال أحدهما: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك

نذراً إنْ الله عافاهما. فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراً لله عزّ وجلّ، وكذلك قالت فاطمة سلام الله عليها، وقال الصبيان: ونحن أيضاً: نصوم ثلاثة أيام. وكذلك قالت جاريتهم فضة. فألبسهما الله عافيته فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام. فانطلق عليّ سلام الله عليه إلي جار له من اليهود يقال له شمعون، يعالج الصوف فقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع من شعير؟ قال: نعم، فأعطاه. فجاء بالصوف والشعير وأخبر فاطمة سلام الله عليها فقبلت وأطاعت ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصاً وصلّي عليّ سلام الله عليه مع النبي صلي الله عليه وآله المغرب، ثم أتي منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها علي سلام الله عليه إذا مسكين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني مما تأكلون، أطعمكم الله علي موائد الجنة. فوضع اللقمة من يده … وعمدت (فاطمة) إلي ما كان علي الخوان فدفعته إلي المسكين وباتوا جياعاً وأصبحوا صياماً لم يذوقوا إلاّ الماء القراح.

ثم عمدت إلي الثلث الثاني من الصوف فغزلته ثم أخذت صاعاً من الشعير وطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقرصة لكل واحد قرصاً، وصلّي عليّ المغرب مع النبي صلي الله عليه وآله ثم أتي منزله، فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم فأوّل لقمة كسرها علي سلام الله عليه إذا يتيم من يتامي المسلمين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، أنا يتيم من يتامي المسلمين أطعموني مما تأكلون، أطعمكم الله علي موائد الجنة. فوضع علي سلام الله عليه اللقمة

من يده … ثم عمدت فأعطته سلام الله عليها جميع ما علي الخوان وباتوا جياعاً لم يذوقوا إلاّ الماء القراح، وأصبحوا صياماً. وعمدت فاطمة سلام الله عليها فغزلت الثلث الباقي من الصوف وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصاً، وصلّي عليّ سلام الله عليه المغرب مع النبي صلي الله عليه وآله ثم أتي منزله فقرّب إليه الخوان وجلسوا خمستهم فأوّل لقمة كسرها علي سلام الله عليه إذا أسير من أُسراء المشركين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا، فوضع علي سلام الله عليه اللقمة من يده … وعمدوا إلي ما كان علي الخوان فأعطوه وباتوا جياعاً وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شي ء.

وأقبل علي بالحسن والحسين سلام الله عليهما نحو رسول الله صلي الله عليه وآله وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر بهم النبي صلي الله عليه وآله قال: يا أبا الحسن شدّ ما يسوؤني ما أري بكم، انطلق إلي ابنتي فاطمة. فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها. فلما رآها رسول الله صلي الله عليه وآله ضمّها إليه وقال: وا غوثاه بالله أنتم منذ ثلاث فيما أري فهبط جبرئيل فقال: يا محمد خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك. قال: وما آخذ يا جبرئيل؟ قال: ?هَلْ أَتَي عَلَي الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ … ?.

لاشك أن مولاتنا الزهراء سلام الله عليها كان باستطاعتها أن تطلب من الله تعالي رفع ما كانت تعانيه، والله سبحانه يستجيب لها. كما كان بإمكان رسول الله صلي الله عليه وآله أن يدعو الله جلّ شأنه في شفاء سبطيه الحسن والحسين سلام

الله عليهما، لكنهم سلام الله عليه فضّلوا التحمّل والصبر علي ذلك.

ولأهمية الصبر فإنّ الله عزّ وجلّ قد ذكره في كتابه الكريم كراراً ومراراً، ومدح الصابرين وبشّرهم بالفلاح. ?بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ? وَالْعَصْرِ ? إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ? إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ?. فكل من تصيبه مشكلة ولم يتمكّن من حلّها فعليه بالصبر.

إن الأجر الذي يُعطي للإنسان يوم القيامة، ومقام القرب من الله تبارك وتعالي في الآخرة، له ارتباط وثيق بمقدار صبر الإنسان في الدنيا. فبمقدار ما يصبر علي مرارة الدنيا ومشاكلها، ينال الأجر والقرب من الله تعالي، فضلاً عن ما يحصّله من الثمرات في الدنيا، ومنها التوفيق في أموره كلّها.

مجاهدة النفس

كلُّ من يعمل في سبيل الله، ويجاهد نفسه، تشمله العناية الإلهية، وينال رضا الله تعالي، ورضا رسوله الأكرم وأهل بيته الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ويكون التوفيق حليفه في أموره وحياته كلّها، قال سبحانه وتعالي: ?وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا?.

فشخصان يعملان في مكان واحد، أيٌّ منهما بذل ما في وسعه في سبيل الله وجاهد نفسه أكثر كان مشمولاً للطف الله تعالي أكثر. فمن يذهب إلي السوق ولا يعزم علي العمل فيه لن يوفّق في كسب شيء. ومن لم يعزم علي المطالعة للامتحان لا ينجح، فهكذا من يسعي لنيل رضا الله تعالي وعنايته عليه أن يعزم يطبّق عزمه في الواقع وذلك بأن يسعي لأجل الله تعالي ويجاهد النفس لمرضاته حتي يوفّق.

إن الكثير من المشاكل والنزاعات التي تقع في العائلة أو بين والشركاء ونحوهم سببها أن كلاًّ من طرفي النزاع يتصور أن الطرف الآخر هو المقصّر بينما لو امتنع أحدهما عن ردِّ الآخر وغضَّ الطرف قليلاً عن سلوك طرفه المقابل

لم تحصل تلك المشاكل؛ وهذا من مصاديق مجاهدة النفس.

إعزمن علي العمل لله تبارك وتعالي وجاهدن أنفسكن دوماً لكي تنلن رضي الله جلّ وعلا وتوفيقه وتصبحن مصداقاً للآية الشريفة.

لكي تسعدن في دنياكن وآخرتكن

كان النبي صلي الله عليه وآله إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة سلام الله عليها فدخل عليها فأطال عندها المكث. فخرج مرّة في سفر فصنعت فاطمة سلام الله عليها مسكتين من ورق، وقلادة وقرطين وستراً لباب البيت لقدوم أبيها وزوجها سلام الله عليهما. فلما قدم رسول الله صلي الله عليه وآله دخل عليها، فعلمت أنّ النبي صلّي الله عليه وآله لم يرتح لتلك الأشياء لذا لمّا خرج بعثت بها إليه وهو عند المنبر، وقالت للرّسول قل له صلي الله عليه وآله: تقرأ عليك ابنتك السلام وتقول اجعل هذا في سبيل الله. فلما أتاه وخبّره قال صلي الله عليه وآله: فعلت فداها أبوها، ثلاث مرّات. [وقال]: ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما سقي منها كافراً شربة ماء.

الدنيا عبارة عن المال، والوجاهة في المجتمع، وصحة البدن وسلامته، والأولاد، وملذّات البدن كالمأكل والمشرب والمسكن وغير ذلك. هذه المجموعة ونحوها تسمّي الدنيا. والإنسان بطبعه ونفسه الأمّارة بالسوء عادة يركض وراء الدنيا.

إذا كان الهدف الأول والأخير للإنسان هي الدنيا ومتعلّقاتها فإن حياته ستكون حياة متعبة. أما إذا كان هدفه هو الله سبحانه وتعالي وأن يستفيد من الدنيا بمقدار حاجته فسيكون سعيداً في الدنيا قبل الآخرة. فقد ورد في الحديث القدسيّ: «إن الله عزّ وجلّ أوحي إلي الدنيا أن أتعبي من خدمك واخدمي من رفضك».

إن السعادة هي الإطمئنان في النفس، وهو أمر غير مرئيّ لكن يحسّه الإنسان في أعماقه. فلا

المال يولّد الراحة في أعماق الإنسان ولا الأهل ولا سلامة البدن وصحته ولا ما شابه ذلك، فقد تكون هذه الأمور مجتمعة وموجودة عند الإنسان لكنه نفسياً غير مرتاح، وقد يكون فاقداً لها ولكنه مرتاح نفسياً ويحسّ بالسعادة.

إن المؤمنين الصادقين، والمؤمنات الصادقات، هؤلاء سعداء في كل حال، سواء كانوا أصحاب مال أو لا، وسواء كانوا سليمي البدن أو لا، وكان لهم أولاد أو لا. وأناس كهؤلاء يعيشون عيشة هنيئة، ولا يبتلون بأمراض الأعصاب، ولاينتحرون، ولا يكفرون بنِعَم الله تعالي مهما تداكّت عليهم المصائب.

كل إنسانٍ في مجاله يمكنه أن يبلغ السعادة إذا لم تكن الدنيا هدفه وهمّه.

اعزمن أنتُنّ المؤمنات علي أن لا يكون هدفكن هي الدنيا، وصممن علي الارتقاء بأنفسكن في هذا الأمر أكثر وأكثر. وليكن هدفكن هو الله تبارك وتعالي عبر التمسّك بأهل البيت سلام الله عليهم الذين جعلهم الله الوسيلة إليه جلّ وعلا.

لا تكن الدنيا أكبر همّّكن

نقل في كتاب الكافي عن الإمام الصادق سلام الله عليه:

«مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وآله بِجَدْيٍ أَسَكَّ مُلقًي عَلَي مَزبَلَةٍ مَيْتاً فَقَالَ لأصحَابِهِ: كَم يُسَاوِي هَذَا؟ فَقَالُوا: لَعَلَّهُ لَو كَانَ حَيّاً لَم يُسَاوِ دِرهَماً. فَقَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وآله: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَلدُّنيَا أَهوَنُ عَلَي اللَّهِ مِن هَذَا الجَديِ عَلَي أَهلِهِ».

إن الدنيا وما فيها من زخارف هي أهون عند الله من الجدي الأَسَكّ وهو ولد المعز الميت المشوّه . فينبغي للإنسان وخصوصاً المؤمن أن لا يتنازع أو يتخاصم لأجل حطامها، أو يهدر وقته لها إلا بمقدار الحاجة.

إن الشارع أمرنا أن نستفيد من الدنيا بمقدار الحاجة لا أكثر. فمثلاً يجب علي الإنسان أن يلبس الثياب للستر وصوناً لكرامته، ويلزم أن يداري من يعيش معهم وما إلي ذلك، لأن هذه الأمور من

ضروريات الحياة في الدنيا، أما أن يضيّع وقته وفكره وطاقاته وجهوده كلّها لأجل الدنيا فهذا مما لا يحبّذه الدين بل يمقته.

فعلي الإنسان أن يوبفّر علي نفسه الراحة بمقدار الضرورة.

أما أن يصرف وقته للدنيا ولغير الضرورة والحاجة التي قرّرها الدين فلا فائدة منه ولا طائل وراءه أبداً.

يجدر بالمؤمنات أن يعزمن ويصممن علي عدم الاعتناء بالدنيا إلاّ بمقدار حاجتهن وما يوفّر لهن كرامتهن.

الصبر من أخلاق المعصومين

إن من أهم ميّزات المؤمن الصبر. فالمؤمن يصبر في طاعة الله تعالي، ويصبر عن المعصية، ويصبر مع زوجته، ومع أولاده وأرحامه وجيرانه وأصدقائه، والآباء يصبرون مع أولادهم، والأولاد يصبرون مع آبائهم، والأستاذ مع التلاميذ، والتلاميذ مع الأستاذ وهكذا.

إذا أصيب الإنسان بمرض في كليته مثلاً فعليه أن يسعي في معالجة نفسه، وإذا لم يرتفع مرضه كليّاً فعليه أن يصبر لا أن يجزع. وهكذا بالنسبة للزوجين إن كان أحدهما سيئ الخلق فعلي الآخر أن يسعي في إصلاحه فإن لم يفلح مئة بالمئة فعليه أن يتحمل ويصبر.

لا شك أن الصبر مرّ، ولكن فيه أمرين مهمين وإيجابين جداً:

الأوّل: لا ندم عليه ومستقبله حلو جداً.

والثاني: الإنسان الصابر يكون بعيداً عن مشاكل الدنيا ومشاكل الآخرة.

إن الصبر من أخلاق المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فاللازم علي من يسير علي هديهم أن يكون متحلياً وملتزماً بأخلاقهم وأن يوصي الآخرين بذلك قال عزّ وجلّ: ?وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ?.

أساس شقاء الإنسان في الدارين

روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه، في حديثٍ أنّ النبي صلّي الله عليه وآله قال لذلك الرجل الذي سأله أن يعلمّه جوامع الكلام: «آمرُك أن لا تغضب» ثم قال الإمام الصادق سلام الله عليه:

وَكَانَ أَبِي يَقُولُ: أَيُّ شَيْ ءٍ أَشَدُّ مِنَ الْغَضَبِ؟ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ فَيَقْتُلُ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وَيَقْذِفُ الْمُحْصَنَةَ.

إن الغضب مشكلةٌ في حياة كل إنسان، سواء كان رجلاً أو امرأة، عالماً أو جاهلاً، إذا لم يتحوّطها الإنسان جرّته إلي الويلات، وأحياناً إلي الجنون ودور المجانين، وأحياناً إلي ارتكاب الجرائم، وأحياناً إلي الانتحار. أما إذا ضبطها فإنه يسعد في الدنيا وفي الآخرة.

يلزم علي الإنسان أن يعزم علي ترك الغضب كلياً أو أن يسعي في التقليل من شدّته، وخصوصاً الوالدين في تصرفهم مع أولادهم،

والأولاد في تعاملهم مع آبائهم، وهكذا في تعامل الأرحام بعضهم مع بعض والجيران والأصدقاء، لأن الغضب من أسس شقاء الإنسان في الدنيا والآخرة.

لتعزم كل واحدة منكن علي أن لا تغضب أبداً، واطلبن توفيق ذلك من الله تعالي، فإن عزمتنّ علي ذلك فستحظين بالتوفيق إن شاء الله تعالي.

الصدق وحفظ الأمانة يجلبان السعادة في الدارين

إن الله تعالي مالك كل شيء، ومنه سبحانه يبدأ كل شيء.

يقول الله عزّ وجلّ: ?وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَي آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ?.

إنّ سنّة الله عزّ وجلّ ثابتة لا تتغيّر ولا خطأ فيها فإذا كان الإنسان مطيعاً لله سبحانه وعَمِل صالحاً فإنه سيحصل علي النتائج الحسنة في الدنيا والآخرة، وإن عصي الله والعياذ بالله وأساء التصرّف فإنّه سيخسر فيهما.

كان في السابق في العراق أخوان. وكان أكبرهما تاجراً ثرياً، أما الأصغر فكان يعمل عنده لأنه كان وضعه المالي ضعيفاً، وكان الأخ الأكبر بمثابة الوالد لأخيه فكان يدير وضعه ويرعاه. وقد عمل هذان الأخوان مع بعضهما لسنين وكأنهما شريكان، ولم يكن بينهما أي حساب. فالأخ الأصغر عاش وتزوّج وكوّن عائلة بمال أخيه الأكبر، الذي سمح لأخيه أن يأخذ من ماله كلما احتاج وبدون أن يستأذنه، ولم يعلم أحد بذلك حتي أبناؤهما، وبعد سنوات مات الأخ الأكبر. وحينما كان الأخ الأصغر مشغولاً بمراسم دفن أخيه كانت عائلة الأخير قلقة ومضطربة حيث كانوا يظنون أن العم سيضع يده علي كل الأموال والممتلكات، لأنهم لم يكونوا يملكون مستمسكاً أو موثقاً يدلّ علي ملك أبيهم للأموال والممتلكات، أو ما يدلّ علي أن أباهم كان شريكاً لأخيه الأصغر.

ولكن بعد أيام زارهم العمّ وعزّاهم بوفاة والدهم وفاجأهم بقوله:

الناس يتصورون بأنّني وأخي المرحوم كنا شريكين ولعلّه أنتم أيضاً

تتصوّرون ذلك، لكن الحقيقة هي أنّ هذه الأموال كلّها لأخي المرحوم، وأنا لا سهم لي فيها، لأني منذ البداية عملت معه بصفتي عاملاً له لا غير. وهذه مفاتيح المحلاّت والمتاجر وكل ممتلكات أبيكم أضعها بين أيديكم. فإن كنتم راغبين في أن أستمرّ علي عملي هذا بصفتي عاملاً لأبيكم فسأبقي، أما إذا كنتم غير راغبين فسأجمع كل السجلاّت والأملاك وأُسلّمها إليكم غداً.

عائلة المرحوم الذين لم يكن بحسبانهم هذه المفاجأة وتقوي الله وحفظ الأمانة من عمّهم شرعوا بالبكاء وأجابوا عمّهم: من هو أفضل منك؟ ابق واستمرّ.

يلزم علي الإنسان أن يكون صادقاً مع الله عزّ وجلّ قولاً وفعلاً. كما عليه أن يكون صادقاًً مع نفسه ومع الناس جميعاً، فللصدق آثار كثيرة. فالزوجان اللذان يكونان صادقين مع بعضهما ستكون حياتهما حياة خير وبركة.

إن الله سبحانه صادق مع خلقه، فعلي الإنسان أن يكون صادقاً مع الله عزّ وجلّ. فمن سنن الله تعالي الخير والثواب للصادقين.

جاء في الحديث: «إِنَّ اللَّه لا ينظُرُ إلي صُوَرِكُم ولا إلي أَموَالِكُم ولكن ينظُرُ إلي قلوبِكُمْ وأَعمَالِكُمْ».

فالذي يصدق مع الله سبحانه وتعالي ومع والديه، وأولاده، وأقاربه، وأرحامه، وغيرهم، تكون حياته حياة حسنة، وتكون عاقبته إلي خير، ولا يكتب من أهل الشقاء، وسيعينه الله تعالي في أموره ويسعد في الآخرة.

إن الله سبحانه تعالي عالم بذات الصدور ولا تخفي عليه خافية، ويعلم مقدار صدقنا في القول والعمل، ففي هذه القصّة كان الأخ الأكبر صادقاً في علاقته وتعامله مع أخيه الأصغر، فكانت نتيجة صدقه أن تعامل أخوه الأصغر مع عائلته بالصدق والأمانة. وهكذا الأخ الأصغر بقي في عمله وعاش منعّماً بالأموال التي تركها أخوه الأكبر، وحصل علي رضا عائلة أخيه المرحوم بسبب صدقه وحفظه الأمانة.

السعادة هي راحة البال واطمئنان النفس

النّاس يعيشون في هذه

الدنيا حياة تختلف عن الآخر. فواحد يعيش منعّماً مرفّهاً، وآخر يعيش حياة مليئة بالمشاكل. وبعدها يترك الكل هذه الدنيا وينتقلون إلي عالم آخر هو «عالم الآخرة». وفي عالم الآخرة كذلك تختلف حياة الناس، مع فارق أن الدنيا قصيرة وفانية أما الآخرة فهي باقية وأبديّة. فقد يكون الإنسان سعيداً في الدنيا والآخرة، وقد يكون شقيّاً فيهما. وقد تكون دنياه نكدة لكن آخرته جيّدة.

لقد خطّ الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله للناس طريقاً يوصل إلي السعادة في الدارين، حيث قال: «حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة». فكل انسان بمقدار حسن خلقه سيكون سعيداً في الدنيا والآخرة. ويمكن لمس ذلك بالنظر إلي حياة من حولنا من الأقارب والأرحام والأصدقاء.

إن السعادة إحساس يكمن في أعماق الإنسان وليست بالظواهر، من الصحة والسلامة، أو المال أو العلم أو الجاه والمنصب. فكثير من أصحاب الثروات والمناصب والرتب العلمية العالية يعيشون القلق والكآبة ومصابون بأمراض عصبية حادّة، وفي المقابل نجد أن كثيراً من الفقراء والمصابين بالأمراض المزمنة يعيشون السعادة في أعماقهم.

فهنالك من لا يجد لقوت يومه إلاّ الخبز لكنه يشعر بالسعادة وراحة البال، وغيره تبسط أمامه مائدة عليها أطعمة متنوعة لكنه لا يجد لذّتها.

نعم تحصل للإنسان بالعلم النافع السعادة، لكن ليس العلم دائماً يساوق السعادة.

إن حسن الخلق لا ينحصر بطلاقة الوجه بل إن للأخلاق الحسنة درجات ومراتب. فصممن علي أن تعملن بوصية رسول الله صلي الله عليه وآله بأن تكنَّ من الملتزمات بالأخلاق الفاضلة، والساعيات في تعليمها، حتي تحظين بالسعادة في الدارين.

من أراد السعادة في الآخرة فعليه بحسن الخلق

رُوي: «أنّ النبيّ صلي الله عليه وآله مرّ بقبر يحفر قد انبهر الذي يحفره، فقال له: لمن تحفر هذا القبر؟ فقال: لفلان بن فلان. فقال: وما للأرض تشدد عليك؟ إن كان

ما علمت لسهلاً حسن الخلق. فلانت الأرض عليه حتي كان ليحفرها بكفّيه. ثم قال: لقد كان يحبّ إقراء الضيف، ولا يقري الضيف إلاّ مؤمن تقيّ».

فكل امرئ مهما كان عمله ومهما كانت ظروفه إن تعامل مع الناس بالأخلاق الحسنة والمداراة والصدق فسيري ثمرات عمله في عالم البرزخ قبل عالم الآخرة، وذلك أن قبره سيكون روضة من رياض الجنة. وبالعكس أيضاً إن كان تعامله مع الناس سيّئاً وظالماً فإنه سيري وباله في القبر والعياذ بالله.

يلزم علي المرأة أن تراعي الإنصاف والخلق الحسن مع والديها، وزوجها وأبنائها، وعائلتها، وأقاربها، ومع الناس جميعاً. وأن تتعامل مع الجميع بما تحبّ أن يتعاملن معها، وأن تكره لهن ما تكرهه لنفسها. ولا ننسي أن الحياة في الدنيا قصيرة، أما حياة الآخرة فهي أبديّة، وسعادة كل إنسان في الآخرة لها ارتباط وثيق بما يعمله في الدنيا.

ما يوجب النِعَم الكثيرة من الله

رُوي عن الإمام الصادق صلوات الله عليه أنّه قال: «انظر إلي مَن هو دونك في المقدرة ولا تنظر إلي مَن هو فوقك في المقدرة فإنّ ذلك أقنع لك بما قَسَم الله لك وأحوي أن تستوجب الزيادة من ربّك».

ما يستفاد من هذا الحديث الشريف هو أن من كان يعاني من ضعف مالي ينبغي له أن ينظر إلي من هو أشدّ ضعفاً منه فإن ذلك يسبّب له قلّة الهموم ويسهّل عليه تحمّل الصعوبات. وهكذا إن كان أحد مبتلي بمرض، أو يعاني من مشاكل مع زوجته أو أولاده، فعليه أن ينظر إلي من هو أسوأ منه حالاً كالمرضي الراقدين في المستشفيات، وإلي من يعاني من مشاكل أكثر منه. فلا يوجد في الدنيا من لا يعاني من المشاكل؛ فالله تعالي خلق الدنيا وجعلها «دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة»، كما قال أمير

المؤمنين صلوات الله عليه، فكلمة (محفوفة) الواردة في الحديث معناها (محاطة). فالدنيا عُجنت بالمشاكل.

إن من ينظر إلي من هو أسوأ منه صحيّاً، أو أكثر منه مشاكل، أو أضعف منه مالياً، ستهون عليه مشكلاته وسيرتاح نفسياً وسيتجنب المعاصي، وسوف لا يقصّر في طاعة الله وعبادته، ويحظي بالتوفيق، ويستوجب من الله سبحانه وتعالي نعماً أكثر. فقد قال عزّ من قائل: ?لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ?.

أما بالنسبة إلي الآخرة فعلي الإنسان أن ينظر إلي من هو أكثر منه عبادة وطاعة حتي لا يعجب بنفسه. فالذي يصلّي نافلة الليل، أو يتحلّي بأخلاق حسنة عليه أن ينظر إلي من يصلّي نافلة الليل بحضور قلبيّ وانتباه وخشوع أكثر منه، وإلي من يتحلّي بأخلاق حسنة أكثر منه. وكل من تكون عنده هذه النظرة سيندفع إلي العمل أكثر وأكثر.

عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال: «من استوي يوماه فهو مغبون ومن كان آخرُ يوميه خيرهما فهو مغبوط ومن كان آخرُ يوميه شرّهما فهو ملعون».

أساس التوفيق في الدارين

إن الإيمان معيار القرب إلي الله تعالي، وأساس التوفيق في الدارين. وللإيمان درجات ومراتب ومعيار الإيمان الكامل هو حسن الخلق كما جاء في الحديث الشريف عن النبي صلّي الله عليه وآله حيث قال: «إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً». ففي العائلة من كان أحسنهم أخلاقاً كان أكملهم إيماناً، وقد يكون ذلك هو الأب أو الأم، أو أحد الأولاد، وكذا في مجال الدراسة والعمل وما شابه ذلك.

إذا التزم طالب العلم بالأخلاق الفاضلة إلي جنب تحصيل العلم فإن الله تعالي سيمنّ عليه بالتوفيق أكثر. وهكذا من يعمل في سائر المجالات، فعلي الإنسان أن يتحلّي دائماً بالأخلاق الحسنة مع الناس جميعاً. فكلما التزم بالخلق الحسن أكثر كان عمله

أعظم أجراً وخدماته أكثر ثواباً.

إن الأخلاق الحسنة لا تنحصر بطلاقة أو بِشر الوجه، بل إن حسن الخلق مفهوم واسع تندرج تحته مجموعة من الفضائل كالصبر والحلم، والصدق، والتواصي بالحقّ وغيرها، ومستوي التزام المرء بهذه الفضائل يعيّن درجة حسن خُلُقه. فكلما كان التزامه أكثر كان حسن خلقه أعلي درجة، وأفضل مرتبة.

القلب السليم من أهم خصائص أهل الجنة

إن الذين تشرّفوا بلقاء مولانا الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالي فرجه الشريف في زمن الغيبة هم قليلون، وتختلف مستوياتهم. فكان فيهم المتعلّم والأمي، والشاب وكبير السن، والرجل والمرأة ومنهم العالم الكبير السيد بحر العلوم قدس سره، والحاج علي البغدادي الذي علّمه مولانا الإمام المنتظر عجّل الله تعالي فرجه الشريف كيف يزور الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين. ولكنهم اشتركوا جميعاً في خصيصة واحدة وهي أنهم كانوا أصحاب قلب سليم.

هنالك تلوث لايرتبط بالبدن واللباس ولا تظهر آثاره عليه وإنما يرتبط بروح الإنسان كمخالفة أوامر الله تعالي والغفلة واقتراف الذنوب والمعاصي هذه الأمور تلوّث القلب وتُظلمه.

قال الله تعالي في كتابه الكريم واصفاً أصحاب الجنة: ?وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَي سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ?. والغلّ هو العداوة والضغينة والحقد والحسد. وهي رذائل باطنية يجب علي المؤمنين أن يتجنّبوها لأن من أهم علامات القلب السليم خلوّه من هذه الرذائل.

يظهر من الروايات والأحاديث الشريفة أن أساس طهارة قلب المؤمن هو أن يحبّ لغيره ما يحبّه لنفسه وأن يكره لهم ما يكرهه لها، سواء كان هذا الغير زوجته أو أخاه أو من الأقارب والأرحام أو غيرهم. ومن ذلك اجتناب التفوّه بالكلام الجارح أو الكلمات النابية.

يجدر بالإنسان أن يصمم علي أن يجعل من قلبه قلباً سليماً. ومن أسهل الطرق في ذلك أن يحاول الابتعاد عن الرذائل الباطنية لمدة أربعين

يوماً. فهذه المدة تعين كثيراً علي ترسيخ صفة القلب النقيّ في باطن الإنسان وتجعلها ملكة من ملكاته. فينال التوفيق الكثير من الله سبحانه وتعالي، وينال عنايته أكثر.

اجتنبن سوء الخلق كي توفّقن في دنياكن وتسعدن في آخرتكن

كان سعد بن معاذ الذي أسلم علي يد مصعب بن عمير رضوان الله تعالي عليه من خيرة أصحاب رسول الله صلّي الله عليه وآله، وقد جاهد في سبيل نصرة الإسلام كثيراً، وأبلي بلاء حسناً، واستطاع أن يهدي قبيلته إلي الإسلام. وقد ذكر التاريخ في أحواله أنه لما مات شارك رسول الله صلّي الله عليه وآله في تشييعه ودفنه كما في الرواية:

أتي رسول الله صلي الله عليه وآله فقيل له: إن سعد بن معاذ قد مات. فقام رسول الله صلي الله عليه وآله وقام أصحابه معه، فأمر بغسل سعد وهو قائم علي عضادة الباب. فلما أن حُنّط وكفّن وحمل علي سريره تبعه رسول الله صلي الله عليه وآله بلا حذاء ولا رداء، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرّة ويسرة السرير مرّة، حتي انتهي به إلي القبر، فنزل رسول الله صلي الله عليه وآله حتي لحّده وسوّي اللبن عليه وجعل يقول: ناولوني حجراً، ناولوني تراباً رطباً؛ يسدّ به ما بين اللبن. فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوّي قبره قال رسول الله صلي الله عليه وآله:

إني لأعلم أنه سيبلي ويصل البلي إليه، ولكن الله يحبّ عبداً إذا عمل عملاً أحكمه. فلما أن سوّي التربة عليه قالت أم سعد: يا سعد هنيئاً لك الجنة.

فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: يا أمّ سعد مه لا تجزمي علي ربّك، فإنّ سعداً قد أصابته ضمّة.

قال: فرجع رسول الله صلي الله عليه وآله ورجع الناس فقالوا له: يا رسول الله لقد رأيناك صنعت علي

سعد ما لم تصنعه علي أحد، إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء؟

فقال صلي الله عليه وآله: إن الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء، فتأسّيت بها. قالوا: وكنت تأخذ يمنة السرير مرّة ويسرة السرير مرّة؟

قال: كانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث يأخذ. قالوا: أمرت بغسله وصلّيت علي جنازته ولحدته في قبره، ثم قلت إنّ سعداً قد أصابته ضمّة؟

فقال صلي الله عليه وآله: نعم، إنه كان في خُلقه مع أهله سوء.

فالنبيّ صلّي الله عليه وآله قد تعامل في هذه القضيّة تعاملاً استثنائياً لم يتعامل بمثله مع أحد من الناس، وهذا يدلّ علي مكانة سعد بن معاذ.

لكن الملفت للنظر أنه قال: «قد أصابته ضمّة» ف: لسوء الخلق تبعات وآثار وضعية وإن كان قليلاً أو صدر من شخص ذي مكانة وشأن كسعد بن معاذ.

لا يحق لأيّ إنسان أن يتعامل مع الآخرين بالسوء، سواء كان زميله أو صديقه، أو زوجته، أو عائلته أو غيرهم. بل يلزم نبذ الخُلق السيئ، وفي ذلك رضا الله تعالي، والتوفيق في الدنيا، والسعادة في الآخرة.

لقد أمرنا الله عزّ وجلّ بالاعتبار بقصص وسيرة الماضين، كي نتعلّم منهم الصالحات والخير، وحتي لا نكون يوم القيامة من النادمين أو المتحسّرين.

العمل

مكانة المرأة ومسؤوليتها

هناك مطلبان: الأول أن تعرف المرأة نفسها، والثاني أن تعرف وظيفتها.

أما بالنسبة للمطلب الأول، فإذا ما عرف الإنسان نفسه، فإنه سيؤدي وظيفته علي نحو أحسن، أما إذا لم يعرفها جيداً، فإنه لا يستطيع أن يؤدي وظيفته، ففي الحديث: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه».

بالنسبة لمكانة المرأة في الإسلام وردت عبارة عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، ما عرفت من خلال مطالعاتي ومسموعاتي أن أحداً قبله قالها، وهي أعمق وأدقّ وأوضح عبارة عن المرأة، حيث قال

الإمام سلام الله عليه: «المرأة ريحانة»، هذه الكلمة لم يقلها الإمام سلام الله عليه للرجال فقط ليوصيهم بالنساء وحسب، وإنما أراد سلام الله عليه من خلالها أن يعبر عن واقع، ويثبت حقيقة يستدعي من المرأة نفسها أن تدرك ماهيتها.

الفرق بين الورد وغيره من الأشياء، يكمن في ضعفه، وهذا الضعف بعينه هو كمالُهُ؛ يعني لو وضعنا مثلاً قطعة من الحديد تحت أشعّة الشمس لعشر سنين، لم يحدث لها شيءً، ولكن لو جعلنا وردة تحت حرارة الشمس مدة خمس دقائق، ذبلت، فهل هذا ضعف في الورد أم كمال؟ هذا كمال؛ فأنا أوصي النساء بقراءة الإسلام من خلال مصادره الأصلية، وهم المعصومون سلام الله عليهم بعد القرآن الحكيم.

وفي رواية أخري عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه أنه قال: «رحم الله امرءاً عرف قدره، ولم يتعدّ طوره».

إن الورد نبات لا عقل له ولا يملك شعوراً راقياً وإن الفكر والإحساس الذي جعله الله تعالي في الإنسان لا وجود له في الورد، فهو لا يستطيع أن ينأي بنفسه عن أشعة الشمس ولهيبها. إذا وصله قدر من الماء فوق حاجته، فإنه يموت، ولا يستطيع أن يحفظ نفسه من الماء الزائد علي الحاجة. غير أن الإنسان يملك مثل هذه القُدرات.

ينبغي التحقيق فيما يرتبط بموضوع الريحان والريحانة، والنظر في حشد الروايات والأحاديث الشريفة. هذه هي الكلمة الأولي وغير المسبوقة التي أطلقها الإسلام في شأن المرأة.. فعندما نفهم ماذا يعني الورد، نفهم أيضاً أن الغضب والانفعال هو بمنزلة لهيب الشمس الذي يبدّل الورد إلي أوراق يابسة، الوردة لا تملك مثل هذا الإدراك، أما المرأة فقد وهبها الله تعالي الإدراك والقدرة.

يستفاد من بعض الروايات أنه إذا مرت علي الإنسان المؤمن لحظات غضب، فإن استطاع أن

لا يخرج من الحدود المقبولة، فبها، وإلا فليترك المكان.. وفي روايات أخري، عليه أن يتوضأ، أو إذا كان واقفاً فليجلس، وإذا كان جالساً فليقف.

انظروا أيوجد مثل هذه المعاني في الثقافات الأخري؟ الآن في دنيا اليوم هنالك أكثر من مليار إنسان من عبدة الأوثان، وبضمنهم ما لا يقل عن خمسمائة مليون امرأة من نفس القبيل.

لدي كتاب (عبدة الأوثان) وقد طالعته، وفي الواقع لو جعلناه في جنب القرآن الكريم وقارنّا بينهما، لم نستطع أن نقول أن الفرق بينهما كالفرق بين الزعفران والحديد المصدوء، بل إن الفرق بينهما أبعد من ذلك بكثير. ولا يظن أحد أن الوثنيين قد عدموا العلم! بل فيهم مفكرون وأطباء ومهندسون وأساتذة. اعرضوا عليهم كلمات القرآن الحكيم، وانظروا ردود فعلهم، أتؤثر فيهم هذه الكلمات أم لا؟

ورد في الكتاب المذكور (عبدة الأوثان) أن الأسرة التي يولد فيها طفل، تظل سائر العشيرة، التي تنتمي لها تلك الأسرة، نجسةً لبضعة أيام، وأي أسرة وعشيرة يموت منها شخص، تبقي نجسةً أيضاً لعدة أيام!! ولكم أن تقارنوا تلك المفاهيم مع ما عندنا من قيم. فما عندنا ليس فقط منسجماً بكل دقائقه مع العقل والعاطفة والفطرة بل هو أيضاً من عظيم الابتكار.. فما هي وظيفتنا بازاء ذلك؟ ما هو حجم القدرات التي نمتلكها.

انظروا في الجزء العشرين من (بحار الأنوار) لتروا كم عاني النبي صلي الله عليه وآله، وهو من أعزّ الخلق عند الله تعالي، في سبيل إبلاغ الإسلام للناس؟ وانظروا كم عاني هو والإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه والمؤمنون الذين كانوا معهما في شعب أبي طالب؟

ذكرت الروايات أن الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله ظل علي مدي ثلاث سنوات، بحرّها وبردها، يبدل مكانه لأكثر من مرة في الليلة الواحدة!

وذلك لأن العدو كان يكمن له صلي الله عليه وآله بهدف قتله.. ومن المعلوم أن الله تعالي قادر علي أن يحول دون كل ذلك الضغط والإرهاب، لكنه لم يفعل؛ لأن الجميع وبلا استثناء معرَّضون للامتحان الإلهي.

وظيفتك أيتها المرأة ثقيلة جداً، وواجبك أن تعرفي دين الله سبحانه، وأن تبلّغي ذلك للآخرين، ليس فقط بالنقل، وإنما بالبيان والإفصاح أيضاً، وردّ الشبهات عبر عقد الجلسات، وإدارتها علي نحو جيد.

إقامة الدين

إن الأخ السيد الفقيد رضوان الله تعالي عليه، كان قد قال قبل وفاته بأيام أنّه كانت له آمال ثلاثة لم يوفّق لتحقيقها وذلك لقرب أجله وهي:

1) دعوة الكفار جميعاً إلي الإسلام.

2) تعريف المسلمين جميعاً بمذهب أهل البيت سلام الله عليهم.

3) جمع شمل الشيعة كافة وتوحيد كلمتهم.

لو دققنا في هذه الآمال لوجدناها علي رغم صغر حجمها في اللفظ، كبيرة في المعني، بل هي مسؤولية تقع علي عاتقنا جميعاً، وهي وصية منه رحمه الله تركها لنا، حيث إنه قدس سره كثيراً ما كان يحثّ علي الخدمة وتحمل المسؤولية. ولأجل ما أريد بيانه أذكر حديثاً عن الإمام الرضا صلوات الله عليه، وهو أنه سلام الله عليه قال: «رحم الله من أحيي أمرنا». فقال له أبوالصلت: يا ابن رسول الله، كيف يحيي أمركم؟ فقال سلام الله عليه: «يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس». والمقصود من الناس البشرية جميعاً، وبغضّ النظر عما يعتقدون، وما يدينون به. فبناءً علي هذا الحديث يلزم العمل بأمرين وهما:

أوّلاً: تعلّم أحكام الدين بأصولها وفروعها.

ثانياً: تعليم أحكام الدين للآخرين.

إنّ سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها هي خير أسوة لكنّ تقتدين بها في هذا المجال، حيث ذكر التاريخ أنها سلام الله عليها، كانت تجلس في بيتها، إضافة إلي أعمالها المنزلية، للإجابة علي

مختلف مسائل الناس، بدون ملل وتعب أو ضجر. بل إنها سلام الله عليها مراراً ما كانت تطلب منهم المزيد من السؤال، لما لذلك من الأجر الكثير والثواب الجزيل.

إذا أردنا إحياء أمر أهل البيت سلام الله عليهم يلزم العمل بما ذكرنا. وإحياء أمرهم هو إقامة للدين، حيث قال عزّ وجلّ: ?أَقِيمُوا الدِّينَ?، وهم صلوات الله عليهم أجمعين، امتداد للدين.

إقامة الصلاة جماعة

لا بأس أن يسعين المؤمنات لإقامة صلاة جماعة نسوية؛ فإنّ الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله، مع أنه كان يؤمّ صلاة الجماعة في المدينة، وتشترك النسوة في هذه الصلاة، خلف الرجال، إلا أنه صلي الله عليه وآله عيّن إحدي النساء لتؤمّ الصلاة بالنساء جماعة، وخصّص لهنّ مؤذّناً يؤذن لهنّ، كما ورد ذلك في كتاب الصلاة للهمداني.

من يعمل لله عزّ وجلّ يَخْلُد

إنّ من الحقائق الكونية التي نراها كلَّ يوم هي الشمس. وكذا القمر والسماء والأرض. ومن الحقائق الكونية، ما قاله الله تعالي: ?مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ?. فكلّ ما هو كائن بأيدينا وتحت اختيارنا من مال وغيره سيزول وينتهي، حتي الجبال العظيمة ستزول يوماً ما وتُنسف كما قال سبحانه: ?وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا?، إلاّ العمل الذي كان لله تعالي فقط فهو الباقي فقط.

لقد خلّد التاريخ أناساً كالشيخ المفيد والشيخ الطوسي، والسيد المرتضي والشريف الرضي رضوان الله تعالي عليهم، وهكذا أخت زرارة بن أعين من أفاضل أصحاب الباقرين سلام الله عليهما المعروفة ب «أمّ الأُسود»، وبنت الشهيد الأول قدس سره؛ لأنهم عملوا لله تعالي.

طالبةُ العلم إن كان تعلّمها لله عزّ وجلّ، وكذا العاملة في المجال الخيري إن ابتغت وجه الله تعالي، فستبقي لها أعمالها وتبقي هي أيضاً وتُخلّد كما خُلّدت أم الأسود وغيرها.

من خير الأعمال في شهر رمضان

إن أجر الأعمال في شهر رمضان المبارك مضاعف، فعلي الإنسان أن يستفيد قدر الامكان من هذا الشهر المبارك ويغتنمه للعمل الصالح، وخير ما يمكن العمل به هو:

1. خدمة الناس.

2. التصميم علي الالتزام بحسن الخلق مع الناس كافة.

بالعزم والتصميم نبني حياتنا

هناك أشخاص يعيشون من دون تخطيط، ويقولون أن كل ما يأتي فهو خير، ولكن الصحيح أن يخطط الإنسان لنفسه:

أولاً: أن يخطط ويعزم السير علي ما خطّط.

ثانياً: والأهم من ذلك أن يعرف الهدف الذي يخطط له، فإنّ الهدف من الحياة ليس الأكل والنوم والسفر وما شابه، فهذه الأمور تنتهي بالموت!

يقول أمير المؤمنين سلام الله عليه: «ما خلق الله عزّ وجل يقيناً لا شك فيه، أشبه بشك لا يقين فيه من الموت»!

ينبغي لكلّ واحدة منكنّ، أن تلتزم بأمرين:

1. حسن الخلق مع الجميع. وهذا الأمر بحاجة إلي عزم وتصميم فالأخلاق نعمة إلهية كبري، فهناك خصلتان هما من أسوأ المظاهر: الانتحار والأمراض العقلية، وإذا بحثتم لم تجدوا حتي مؤمناً حقيقياً واحداً ذا أخلاق حميدة اُصيب بواحدة من هاتين الخصلتين.

2. خدمة الناس. فكل من تمكّن فليستفد من النِعَمْ في قضاء حوائج الناس. وحبذا لو تُشَكّل لجان لهذا الغرض، تعمل فيها مجموعة من النساء لحلّ مشكلات النساء.

عمل ما هو نافع ومفيد

إن للإنسان المؤمن مكانة رفيعة عند الله عزّ وجلّ. والمؤمن هو من يؤمن بالله تعالي ويعمل بتعاليم أهل البيت سلام الله عليهم. ومن أهم الأمور التي يجب علي كل مؤمن أن يلتفت إليها هو ماجاء في مضمون هذا الحديث:

قال رسول الله صلّي الله عليه وآله في وصيته لإبن مسعود: يابن مسعود، إذا عملت عملاً، فاعمل بعلم وعقل. وإياك أن تعمل بغير تدبر وعلم، فإنّه جلّ جلاله يقول: ?وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا?.

كل من تلتزم بهذا الأمر سيكون وجودها نافعاً وعملها مفيداً لها ولغيرها.

العمل الصالح هو تعلّم أحكام الدين وتعليمها للناس

إن كل ما يملكه الإنسان من ثروةٍ وإمكانات ستنتهي يوماً ما وينساها الناس، فالنّاس قد نسوا أجدادهم الماضين، ولا يعلمون لهم أيّ أثر، أمّا ما كان خالصاً لله تعالي فهو يبقي. ?مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ?.

ينبغي أن نهتمّ بهذه الأمور:

1. العقيدة الصحيحة.

2. تعلّم أحكام الاسلام وأخلاقه.

3. تعليمها للناس كافّة.

هذه الأمور هي من الأعمال الصالحة التي تنفع الفرد وتجعله موفَّقاً في الدنيا والآخرة.

?فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ? وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ?.

المرأة المؤمنة والمسؤولية التربوية والإصلاحية

إن من فضل الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك أن الله تبارك وتعالي يضاعف الأجر علي كلّ عمل صالح يقوم به الإنسان.

ما أراه لازم التبيين في أواخر شهر رمضان الكريم، ثلاثة اُمور متعلّقة بالنساء مثلما الرّجال:

التعلّم والتعليم، والتربية، وقضاء حوائج الناس.

فعلي النساء أن يعلمن أنّ تعلّم وتعليم العقائد والأخلاق والآداب والأحكام الشرعية واجب عينيّ.

حَضَرَتِ امْرَأَةٌ عِنْدَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاء ِسلام الله عليها فسألتها إلي عشرة أسئلة، فأجابتها حتي خجلت السائلة من كثرة السؤال فقالت فاطمة سلام الله عليها: هَاتِي وَسَلِي عَمَّا بَدَا لَكِ، أَرَأَيْتِ مَنِ اكْتُرِيَ يَوْماً يَصْعَدُ إِلَي سَطْحٍ بَحَمْلٍ ثَقِيلٍ وَكِرَاهُ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ يَثْقُلُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَتْ: لا، فَقَالَتْ: اكْتُرِيتُ أَنَا لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ بِأَكْثَرَ مِنْ مِلْ ءِ مَا بَيْنَ الثَّرَي إِلَي الْعَرْشِ لُؤْلُؤاً، فَأَحْرَي أَن ْلا يَثْقُلَ عَلَيَّ.

روي عن الإمام الرضا سلام الله عليه:

«رحم الله عبداً أحيي أمرنا»، قيل: كيف يحيي أمركم؟ قال: «يتعلّم علومنا ويعلمها الناس».

وبالنسبة إلي التربية فليست كلّ التربية من الأب والأم، لأولادهما هو إصدار الأمر والنهي فهم بحاجة إلي التربية العملية الصالحة، فالطفل لا ينصاع لأمر والديه بالصدق في الحديث ولو تكرر ذلك منهما مئة مرة إذا رأي منهما الكذب.

ثم إنّ وظيفة حدود التربية لا

تقتصر علي أن يربي الوالدان ولدهما، فهما مسؤولان عن تربية أطفال المجتمع ما تيسّر، ففي الحديث:

«كلكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته».

أما بالنسبة إلي قيام النساء بقضاء حوائج الناس وتقديم الخدمة لهم، فمن جملة ذلك تأسيس المدارس المنزلية لإيجاد الفرص لتعليم الأخريات أو جمع المساعدات الخيرية لهم عبر إشراك المتمكنين في مشروع كهذا. كما أن بمستطاع النساء المؤمنات أن يعملن علي تأسيس المؤسسات الخيرية الخاصة بالزواج.

هناك الكثير من الشابات والشباب الذين هم بحاجة إلي من يساعدهم ويأخذ بأيديهم ليقيموا بناء الأسرة الصالحة. فقد أمر أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام بأن يتحمّل المؤمنون مسؤولياتهم الاجتماعية، حتي أنّ الإمام الصادق سلام الله عليه قال لأحد العلماء من أصحابه:

«لأحملنّ ذنوب سفهائكم علي علمائكم».

إن تأسيس المؤسسات الإصلاحية لحلّ المشاكل والنزاعات العائلية والاجتماعية أمر ضروري، ويعتبر عملاً بما أمر به الإسلام، ولقد كان الكثير من أسلافنا الصالحين، ملتزمون بالسعي في حلّ مشاكل الآخرين كلما تيسّر لهم ذلك:

روي إبان بن تغلب رضوان الله عليه، وهو من عظماء أصحاب الإمام الصادق سلام الله عليه قال:

كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سلام الله عليه فَعَرَضَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَانَ سَأَلَنِي الذَّهَابَ مَعَهُ فِي حَاجَةٍ فَأَشَارَ إِلَيَّ فَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سلام الله عليه وَأَذْهَبَ إِلَيْهِ. فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ إِذْ أَشَارَ إِلَيَّ أَيْضاً، فَرَآهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سلام الله عليه فَقَالَ: يَا أَبَانُ، إِيَّاكَ يُرِيدُ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَنْ هُوَ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَ: هُوَ عَلَي مِثْلِ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَاذْهَبْ إِلَيْهِ، قُلْتُ: فَأَقْطَعُ الطَّوَافَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ.

هذا يدلّ علي مدي أهميّة قضاء حوائج الناس عند الأئمّة

سلام الله عليهم. لذلك يجدر بجميع النسوة المؤمنات أن يعزمن علي ذلك، ويتوكّلن علي الله تعالي.

ضرورة مساهمة المرأة في بناء مجتمع صالح

ينبغي أن تهتمّوا بمسألتين:

الأولي: تعلّم أصول الدين وأحكام الإسلام. فعلي كلّ فتاة بلغت سنّ التكليف الشرعي أن تتعلم العقائد الإسلامية وكذلك تتعلّم الأحكام، من واجبات ومحرّمات وتعلّمها الآخرين أيضاً. كلّ إنسان لا محالة سيموت ويرحل من هذه الدنيا، ولا تنفعه إلا أعماله الصالحة. ?إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا?.

الثانية: إقامة الدين. ورد في زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه: «أشهد أنك قد أقمت الصلاة» ومعناه أن الإمام لم يكتفِ بأداء الصلاة بل أقامها أيضاً.

فعلي كلّ واحد منا أن يسعي من أجل أن يقوم الدين في المجتمع بحيث يندر وجود الفرد غير المتدين وغير الصالح فيه. ومن الأعمال التي تساهم في خلق أرضية كهذه تشكيل لجان مختلفة من قبيل لجنة الزواج، ولجنة حلّ النزاعات، ولجنة القرض الحسن و …

لتتظافر كلّ الجهود والطاقات من أجل نشر الحق والفضيلة

لقد عاني الشيعة من الإقصاء والمحاربة منذ صدر الإسلام وفي كل مكان، ولكن النصر كان حليفاً لأفكارهم ومبادئهم لأنهم يتبعون أهل البيت سلام الله عليهم وهم الحقّ، والحقّ منصور أبداً.

نحن الشيعة تقع علي عاتقنا مسؤولية تعريف أهل البيت سلام الله عليهم للعالم، لأن كثيراً من الناس لا يعرفون أهل البيت سلام الله عليهم حقَّ المعرفة.

روي عن أميرالمؤمنين سلام الله عليه أنه قال: «رأي الشيخ أحبّ إليّ من جلد الغلام»، الشباب يتمتعون بالقوة والنشاط، ولكن الأكبر سنّاً لهم خبرة وتجربة. فعلي الشباب والشابات أن يستفيدوا من هذه الخبرات من أجل توجيه طاقاتهم في سبيل نشر مبادئ أهل البيت سلام الله عليهم، فلو ضُمّت خبرات الشيوخ إلي طاقات الشباب كان عند ذلك الأثر البالغ.

هناك الكثير ممن يحبّون أهل البيت سلام الله عليهم ولكنهم غير مهتدين إلي نهجهم، نقل لي أحد الأشخاص أنه كان يحضر مجلساً في إحدي المناسبات

الدينية، وبعد أن نزل الخطيب من المنبر، توجّه إليه شخصان فقال أحدهما يعرّف صاحبه: لقد كتب فلان ديواناً عن الإمام الحسين سلام الله عليه. ولما سألته عن اسمه تبين أنه ليس مسلماً، فقلت له: ما رأيك بالإمام الحسين سلام الله عليه هل هو شخص عاقل وإنسان جيّد؟ فاستاء من سؤالي وقال: ومن أعقل وأفضل من الحسين؟ قلت: أتدري أن الحسين سلام الله عليه قد ضحّي بابنائه وإخوته وأصحابه في سبيل الله تعالي؟ وإذا كنت تقرّ بأنه إنسان عاقل وأفضل من غيره، فلماذا لا تتبع مبادئه التي ضحَّي من أجلها وتكون مسلماً؟

فعلي من تقع مسؤولية هداية أمثال هؤلاء؟

إن من شروط النجاح في هذا السبيل الإخلاص والجد والتحلّي بالأخلاق الحسنة.

الإنسان بإرادته يكون صالحاً أو غير صالح

لقد خلق الله تعالي الإنسان وأعطي بيده إن أراد أن يكون صالحاً، أو أن يكون سيئاً والعياذ بالله أو متوسّطاً. فهذا الأمر بيد الإنسان سواءٌ كان رجلاً أم امرأة لا فرق.

فأبوذر صار «أباذر» باختياره، وهكذا «شمر» صار شمراً باختياره. وآسية امرأة فرعون صارت كذلك وبلغت الدرجة الرفيعة بإرادتها واختيارها، فرغم أنها كانت زوجة فرعون لكنها إختارت الطريق الصحيح، كما اختارت جعدة بنت الأشعث لنفسها تلك العاقبة السيّئة حيث سمّت الإمام الحسن سلام الله عليه، السبط الأكبر لرسول الله صلّي الله عليه وآله.

وهكذا هو الحال في الدنيا، فكلّ ما في الأمر هو أن يختار الإنسان الطريق الصحيح.

فإذا صمّم الإنسان أن يكون جيداً فإنه سيُوفّق لذلك، ويحصل ذلك إذا إلتزم بثلاثة اُمور:

1. الإخلاص.

2. السعي والعمل. فحريّ بالمؤمن أن يكون مليئاً بالسعي والنشاط، وأن لا يضيّع عمره بالبطالة، ولا يبيعه بالتوافه لأن عمر الإنسان أغلي ما يملك. فكما أن الذي يملك قطعة أرض لا يبيعها بثمن بخس، فكذلك ينبغي للإنسان

أن يعرف قدر عمره أكثر وأن يصرفه في الأفضل.

3. الأخلاق الحسنة، إسعين لأن تكون أخلاقكن حسنة مع الجميع، مع الزوج والأولاد والكلّ.

هذه الأمور الثلاثة هي أركان الموفقية والنجاح.

إيجاد مجتمع متديّن مسؤولية الجميع

يقول الله تعالي في كتابه الكريم: ?أَقِيمُوا الدِّين?، وهذه المسؤولية تقع علي عاتق الجميع رجالاً ونساءً. فتارة أمَرَ الله تعالي بالفروع أو المقدّمات فيقول: ?أَقِيمُوا الصَّلاة?، أو ?كُتِبَ عَلَيكُم الصِّيام? أو ?وَلِلّهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ? … وتارة أمَر بالنتيجة: ?أَقِيمُوا الدِّين?. وهذا أمر بأداء كلّ ما من شأنه أن يساهم في إقامة الدين، كأداء الواجبات الشرعية المتقدمة، وكذلك الدروس الحوزوية وبناء المساجد والحسينيات والمدارس، وطبع الكتب ونشرها، والخطابة والتأليف، والتبليغ واكتساب المعلومات والعلوم الجديدة وغير ذلك مما تكون نتيجته إقامة الدّين.

يقول الله تعالي: ?إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ?. والدين يشمل العقائد والأحكام والأخلاق. يجب علي الجميع العمل من أجل إيجاد مجتمع متدين؛ كلٌّ حسب ما أعطاه الله سبحانه من طاقات وإمكانات. ومن يقصّر فسيكون مسؤولاً أمام الله تعالي.

نعم الإنسان وحده، لا يمكن أن يُوجِد مقدمات بناء المجتمع المؤمن في كلّ مكان، ولا يمكنه أن يسافر إلي كلّ البلدان ويُقيم فيها الدين، فهو معذور عمّا خرج عن قدرته، ولكن هذا لا يعفيه من العمل بقدر ما تيسَّر له.

كان يعيش في زمن رسول الله صلي الله عليه وآله قسّ نصرانيّ يسمّي «سنسن» لم يُسْلِم حتي مات، وكان عنده ولد واحد يسمي أعين أسلم ظاهراً لا قلباً، عقّب أعين عشرة أولاد وبنتاً واحدة، وكانت هذه البنت صادقة الإيمان ومن محبّي أهل البيت سلام الله عليهم، فكانت الوحيدة من شيعة أهل البيت في عائلتها. وكانت تسمي أم الاُسُوُد، وجاء في كتب الرجال أن هذه المرأة دعت كلَّ إخوتها إلي مذهب

الحقّ، وبالفعل تشيّعوا جميعهم، وحسن تشيّعهم إلي درجة أصبح بعضهم من كبار ثقات الشيعة، وفي نسل هذه المرأة يوجد بعض المحدّثين والعلماء.

فمن أجل الموفقيّة، علي الإنسان أن يلتزم ب: الإخلاص، والإجتهاد بأن يعمل مجدّاً ويترك الكسل، لأن الدنيا دار عمل وعناء، ومن لا يعمل ويجدّ فيها لن يحصد في الآخرة سوي الحسرة والندامة.

والأخلاق: بأن يقتدي بأخلاق وسيرة النبي صلي الله عليه وآله وأهل البيته سلام الله عليهم، فيتحلّي بالصبر والحلم وغير ذلك.

فكل من تعمل بهذه الأمور الثلاثة أكثر، تبلغ درجة أعلي من التوفيق. وهذه الأمور لها ركن واحد وهو العزم والتصميم.

ضرورة مشاركة المرأة في إرشاد المجتمع وتثقيفه

ذُكر لرسول الله صلي الله عليه وآله رجلان؛ أحدهما عابد والآخر عالم. فقال: «فضل العالم علي العابد كفضلي علي أدناكم»، ثم قال: «إن الله تعالي وملائكته وأهل الأرض حتي النملة في جحرها وحتي الحوت في البحر ليصلّون علي معلّم الناس».

إن بمقدور كل امرأة مسلمة أن تنجح في تعلّم وتعليم علوم أهل البيت سلام الله عليهم، لتكون عاملاً في هداية النساء، والتاريخ يتضمّن الكثير من النساء اللاتي إرتقين إلي منزلةٍ من حيث العلم، والسعي في سبيل الله سبحانه وتعالي.

إن علوّ الهمّة في سبيل تعلّم علوم أهل البيت سلام الله عليهم يوجب النجاح في هذا الطريق.

ضرورة الاهتمام بتربية الأبناء

إن العبادة من صلاة وصيام وحج وزيارة أهل البيت سلام الله عليهم، لا تكون عبادةً حقاً مالم تقترن بالعلم ومعرفة الأحكام. فقد يصلّي شخص لسنوات طويلة ولكن صلاته تكون باطلة، وهكذا بالنسبة إلي سائر العبادات، ومنها زيارة أهل البيت سلام الله عليهم، ف: درجة قبول الأعمال منوطة بدرجة التفقه في الدين. رُوي عن الإمام السجاد سلام الله عليه: «لا عبادة إلا بالتفقّه».. فالذي يصلي لله سبحانه وتعالي، ولكنه في الوقت نفسه يقطع رحمه أو يأكل المال الحرام أو يعقّ والديه.. هل تبقي لمثل هذا الشخص عبادةً؟

رُوي أن النبي صلي الله عليه وآله نظر ذات مرة إلي بعض الأطفال وقال: «ويل لأطفال آخر الزمان من آبائهم» فقيل: يا رسول الله، من آبائهم المشركين؟ فقال: «لا، من آبائهم المؤمنين.. لا يعلّمونهم شيئاً من الفرائض، وإذا (تعلّم) أولادهم، منعوهم، ورضوا عنهم بعرض يسير من الدنيا، فأنا منهم بريء، وهم منّي براء»!!

من الضروري للآباء والأمهات أن يهتمّوا بتربية وتعليم أولادهم، وأن لا تشغلهم شواغل الدنيا عن ذلك ما استطاعوا.

السعي في هداية الآخرين

قبل زهاء 150سنة ولد شخص في عائلة مسيحية ونشأ مسيحياً ودرس العلوم المسيحية وصار قسيساً وحاز علي مرتبة رئيس الكنائس فارتبط به أحد علماء الشيعة، وبعد مناقشات عديدة ومحاورات كثيرة استبصر هذا المسيحي وهُدي إلي التشيع وغيّر اسمه إلي محمد صادق وألّف كتاباً سمّاه «أنيس الأعلام في نصرة الإسلام» نقض فيه المسيحية وبيّن حقّانيّة الإسلام، وبسبب كتابه هذا اهتدي الكثير من المسيحيين إلي الإسلام.

إن ما قام به ذلك العالم الشيعي في هداية هذا المسيحي إلي التشيع هو أفضل مما لو كان قد اكتفي بالعبادة فقط.

لقد لاقي الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضوان الله تعالي عليه الكثير من الظلم والإضطهاد بسبب

تمسّكه بولاية أمير المؤمنين سلام الله عليه؛ كان منها نفيه إلي لبنان. لكنه استطاع وحده أن يزرع بذور التشيع هناك رغم معاناة الغربة وصعوبات المنفي في ظروف ذلك الزمان.

إن طلب العلم والتبليغ وهداية الناس وإرشادهم كان في السابق أمراً صعباً بسبب بُعد الطرق والظروف الأمنية غير المناسبة وقلّة الإمكانات المادية، وبالخصوص في القارة الأفريقية ذات المساحة الواسعة والشاسعة مثالاً. أما اليوم فأصبح هذا الأمر سهلاً وميسراً نوعاً ما، وهذا ما يجعل المسؤولية الملقاة علي عاتقنا أكبر وأعظم.

ف: من الجدير بالمرأة أن تجدّ وتجتهد في تعلّم أصول الإسلام وأحكامه وآدابه ومضامينه السامية ثم تسعي في هداية الآخرين بقدر استطاعتها وبقدر ما أوتيت من الإمكانات، وهذا الأمر بحاجة إلي الإخلاص والسعي والتحلّي بالأخلاق الفاضلة والإستقامة في سبيل رضي الله عزّ وجلّ.

ليكن سعينا في شهر رمضان تعميم ثقافة القرآن

يقول النبي الأكرم صلي الله عليه وآله: «إن القرآن شافع مشفّع وماحِلٌ مصدّق» أي يقبل الله تعالي شفاعته ويصدق شكايته.

للتعاطي مع القرآن الكريم أربع مراتب:

المرتبة الأولي: تعلّم القرآن من جهة القراءة الصحيحة وتعليمها للآخرين.

المرتبة الثانية: التدبّر في القرآن ومعرفة معانيه.

المرتبة الثالثة: العمل بالقرآن.

المرتبة الرابعة: تطبيقه في المجتمع.

إن المرتبتين الأخيرتين أرفع من المرتبتين الأولي والثانية، فإنّ من عمل بالقرآن وسعي لتطبيقه في المجتمع فإن القرآن سيكون شافعاً له، وإنّ الله تعالي لا يردّ شفاعة القرآن. أما من كان قادراً علي ذلك ولم يفعل فإن القرآن يشتكي عليه يوم القيامة وهو ماحِلٌ مصدَّق، كما في الحديث الشريف.

إن القرآن نور، فإذا وصل هذا النور إلي الناس عبر الطريق الصحيح أي بالحكمة والموعظة الحسنة فلاشكّ سيؤثّر فيهم. ولكن يلزم تهيئة الأجواء بحيث يؤثر في الآخرين فكما أنّ الغذاء الماديّ بحاجة إلي إناء نظيف يُقدَّم فيه ليرغب فيه الآخرون، فكذلك الغذاء

الروحي لابدّ له من وعاء جميل ومؤثّر.

ذهب شخصٌ إلي أحد المراجع وقال له: نصحتُ فلاناً ولكنّه لم يقبل نصيحتي. فأرسل المرجع إلي ذلك الشخص وسأله: لِمَ لم تقبل نصيحة هذا؟ فقال: سله كيف نصحني؟ وتبيّن أن الطريقة التي نصحه فيها كانت سيّئة جداً.

إن الأنبياء والأئمة سلام الله عليهم ما كانوا ينصحون بالعنف والشدة بل بالأخلاق الحسنة.

إن شهر رمضان هو ربيع القرآن أي ربيع المراتب الأربع كلها؛ قراءةً وتدبّراً وعملاً وتطبيقاً في المجتمع. فينبغي استثمار هذه الفرصة في تعلّم القرآن والعمل علي تطبيق أحكامه حتي يكون المجتمع كله قرآنياً. وعلينا أن نسعي في تعميم ثقافة القرآن بقدر الإمكان، ومن ذلك تشجيع الآخرين للحضور في الجلسات القرآنية التي تنعقد في هذا الشهر، وكلّ من يعمل أكثر فحسناته ستكون أكثر. قال الله تعالي: ?وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ?.

اسعين في تربية الشابات وقضاء حوائج الناس

«دخل رجل علي الإمام الجواد سلام الله عليهما وهو مسرور، فقال له الإمام: ما لي أراك مسروراً؟ قال: يا ابن رسول الله، سمعت أباك يقول: أحقّ يوم يسرّ العبد فيه يوم يرزقه الله صدقات وسدّ خلاّت من إخوان له مؤمنين، وإنه قصدني اليوم عشرة من إخواني الفقراء لهم عيالات، فأعطيت كلَّ واحد منهم؛ فلهذا سروري.

فقال الإمام سلام الله عليه: لعمري إنك حقيق بأن تسرّ إن لم تكن أحبطته أو لم تحبطه فيما بعد.

فقال الرجل: وكيف أحبطه وأنا من شيعتكم الخُلّص؟

قال: قد أبطلت برّك بإخوانك وصدقاتك.

قال: وكيف ذاك يا ابن رسول الله؟

قال: اقرأ قول الله عزّ وجلّ: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ والأذي?.

قال الرجل: يا ابن رسول الله! ما مننت علي القوم الذين تصدّقت عليهم ولا آذيتهم.

قال له الإمام: إن الله عزّ وجلّ إنما قال ?لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ

والأذي? ولم يقل لا تبطلوا بالمن علي من تتصدقون عليه، [وبالأذي لمن تتصدقون عليه ] وهو كل أذي، أفتري أذاك للقوم الذين تصدّقت عليهم أعظم، أم أذاك لحفظتك من الملائكة، أم أذاك لنا؟

فقال الرجل: بل هذا يا ابن رسول الله.

فقال: فقد آذيتني وآذيتهم وأبطلت صدقتك.

قال: لماذا؟ قال: لقولك (وكيف أحبطته وأنا من شيعتكم) ويحك، أتدري من شيعتنا الخُلّص؟ قال: لا.

قال: شيعتنا الخُلّص حزقيل المؤمن، مؤمن آل فرعون وصاحب يس الذي قال الله تعالي [فيه ]: ?وَجاءَ مِنْ أَقْصَي الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعي? وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار، أسوّيت نفسك بهؤلاء؟ أما آذيت بهذا الملائكة، وآذيتنا؟

فقال الرجل: أستغفر الله وأتوب إليه، فكيف أقول؟

قال: قل: أنا من مواليكم ومحبّيكم، ومعادي أعدائكم، وموالي أوليائكم. فقال: كذلك أقول، وكذلك أنا يا ابن رسول الله. فقال الإمام سلام الله عليه: الآن قد عادت إليك مثوبات صدقاتك وزال عنها الإحباط».

لقد نهي الإمام في هذه الرواية عن قول أنا فعلت كذا وكذا. نعم قد يكون هذا القول جائزاً بل مستحباً إذا كان بقصد تعليم الآخرين، وهذا ما كان يفعله الأئمة سلام الله عليهم.

قال لي حاجّ أعرفه: بينما أنا ذاهب إلي بيتي في أحد الأيام وإذا بي أري رجلاً مع زوجته وأطفاله جالسين في الطريق ويظهر عليهم أنهم أغنياء، فتعجّبت وسألتهم عن سبب جلوسهم في هذا المكان، فقالوا: نحن زوّار، وقد بحثنا عن مكان في الفنادق فلم نجد مكاناً فارغاً فاضطررنا للجلوس هنا.

فقال لهم الحاجّ: يمكنكم أن تأتوا معي إلي بيتي.

ففرحوا بذلك وأضمروا أن يعطوه الأجرة المناسبة آخر الأمر، وأنزلهم الحاج في بيته منزلاً كريماً حتي أقاموا عنده عشرة أيام ولما أرادوا المغادرة قدّموا للحاج مالاً معتني به لكنه أبي، وعندما ألحّ عليه ربّ العائلة قال

الحاجّ: لقد جئت بكم إلي بيتي قربة إلي الله تعالي ولأنكم زوّار الإمام سلام الله عليه.

ومرّت علي تلك القصة سنوات وابتلي الحاجّ بمشكلة في بلد ذلك الرجل الزائر فأودع السجن وكان ينتظر صدور الحكم عليه، وفي أحد الأيام دخل عليه ضابط وقال له: ألست فلاناً ومن البلد الفلاني؟

قال: نعم. ثم نظر إليه قائلاً: ألم تعرفني؟ أنا فلان الذي نزلت مع عائلتي عندك عشرة أيام. ثم قال: هذا حكمك بيدي وهو الإعدام. ثم مزّق ورقة الحكم وقال لي: يمكنك أن تنصرف! وأطلق سراحي.

ف: الخير الذي يفعله الإنسان لغيره يعود إلي نفسه، وقد يراه الإنسان في هذه الحياة ولو بعد حين، مضافاً إلي ثوابه في الآخرة.

توفّيت إحدي النساء من أقاربنا، فرؤيت في المنام، فسئلت عن حالها؟ فقالت: إنني أتنعم بنعم الجنة. وعندما سئلت عن عمّتها (أم زوجها) قالت: هي أعلي مرتبة مني ولذلك يمكنها أن تأتي لزيارتي ولا يمكنني الارتقاء إلي مكانها لزيارتها إلاّ في بعض الأحيان. وعندما سئلت عن السبب قالت: لأن الله جعلني في درجة الصابرين أما هي ففي درجة الراضين بقضاء الله تعالي.

إن الرؤيا وإن لم تكن حجة ولكن الروايات تؤيد هذه الرؤيا فإن الرضا بقضاء الله أعلي مستوي من الصبر.

ابتلي أحد أصحاب المعصومين سلام الله عليه بمرض ففقد نظره في إحدي عينيه ولكن لم يكن الناظر يلتفت لذلك. واستمر علي هذه الحالة أربعين سنة دون أن يخبر حتي زوجته بالأمر. وفي أحد الأيام اشتكي عنده أحد الأصحاب ألماً في عينه، فقال: إني مصاب بفقد إحدي عينيّ منذ أربعين سنة دون أن أخبر أحداً، وإني إذ أقول ذلك لك الآن لتعرف معني الصبر ومعني الرضا بقضاء الله تعالي.

أنتن أيضاً يمكنكن أن تصلن إلي ذلك

المستوي الرفيع. وشهر رمضان المبارك خير فرصة لتغيير أنفسنا، خاصّة ليلة عيد الفطر التي في الرواية أنّ الله تعالي يعتق فيها بمقدار مجموع ما أعتق خلال هذا الشهر العظيم وهذا بحاجة إلي عزم وتصميم.

لا تضيّعوا ثروة الآخرة

قال الله عزّ وجلّ: ?فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ? وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ?.

المثقال مصدر ميميّ من الثقل، والآية لم تتحدث عن حجم الذرة بل عن وزنها، فكما تعلمون يمكن رؤية حجم الذرّات السابحة في الهواء، ولكنها من حيث الثقل والوزن خفيفة جداً لدرجة يمكن ملاحظة حركتها حتي في الأماكن التي لا تكون حركة أمواج الهواء فيها محسوسة؛ وذلك لأنّه حتي الأمواج القليلة جدّاً وغير المحسوسة للهواء تحرّكها.

إنّ جميع الأعمال من خير وشرّ هي بعين الله تعالي، وبسبب رحمة الله الواسعة فإنّ عمل الخير مهما صغر يكون له أجر وثواب. أما عمل السوء فإن الله تعالي يغفره بالاستغفار، ما لم يَكن من حقوق الناس؛ إلاّ إذا تنازل صاحب الحق عن حقّه فإن الله سبحانه يعفو أيضاً. فمثلاً تعتبر جراحات اللسان هي من الظلم، فلو جرحت زوجة بلسانها أم زوجها أو بالعكس، فإنّ التي جَرحت إذا أرادت أن تتوب إلي الله تعالي كان عليها أوّلاً أن تسترضي التي جُرحت، فعن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: «إن ربّي عزّ وجلّ حكم وأقسم أن لا يجوزه ظلم ظالم».

لنحاول أن لا نضيّع أعمالنا التي قمنا بها في شهر رمضان المبارك، ولا نفرّط بهذه الثروة التي ادّخرناها؛ بل ليكن همّنا مضاعفة هذه الثروة حتي شهر رمضان القادم؛ فإن الأعمال الصالحة ثروة الدار الآخرة التي كلّ يوم منها يعادل خمسين ألف سنة.

أوصيكن بثلاث وصايا لها منشأ قرآني، كما كان أخي المرحوم قدس

سره يؤكّد هذه الوصايا أيضاً:

الأولي: تتعلق بتعلّم وتعليم علوم أهل البيت سلام الله عليهم وتأسيس الحوزات العلمية للنساء؛ قال الإمام الرضا سلام الله عليه:

«رحم الله عبداً أحيي أمرنا، فقيل: كيف يحيي أمركم؟ قال سلام الله عليه: يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا».

الوصية الثانية: السعي في تسهيل أمور زواج الشابات والشباب العزّاب، وايجاد مؤسسات خاصة لهذا الغرض.

الوصية الثالثة: السعي لتأسيس مؤسّسات القرض الحسن ومساعدة الذين يعانون من مشاكل مالية. وفي هذا المجال يستطيع كل شخص أن يخطو بمقدار إمكانه المالي. هذه الخطوات حتي الصغيرة منها محفوظة عند الله تعالي ?فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ?.

من يختار طريق الحقّ والخير فالله تعالي يكون بعونه

يقول الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: «المرء حيث وضع نفسه».

لقد كان حبيب بن مظاهر وشمر بن ذي الجوشن صديقين أو زميلين يسكنان مدينة واحدة، وعاشا سنين معاً، ولكن كُلاًّ منهما اختار طريقه بعد ذلك، والتاريخ مليء بعبرٍ كهذه، فمن يطالع التاريخ يجد ما أكثر الإخوة الذين افترقوا، فاختار أحدهم طريق الحقّ وأختار الآخر طريق الباطل. والسبب في ذلك أن الله تعالي أودع فينا جميعاً قوّتين متضادّتين وهما القناعات والرغبات. ولقد عُبّر عن الأولي في الروايات بالعقل وعُبّر عن الثانية بالشهوات. وما أكثر ما يقف الإنسان كل يوم علي مفترق هذين الطريقين.

فمن قدّم في هذه المفترقات قناعاته علي رغباته أي عقله علي شهواته أفلح وفاز، ومن قدّم الرغبات والشهوات خسر وندم في النهاية وإن حصل علي لذّات عاجلة في بعض الأحيان.

فإنما صار حبيب حبيباً لأنه فضّل العقل وحكّمه، وصار شمر شمراً ولُعن لأنه انقاد وراء شهواته وأهوائه.

إذاً يجب علي كلّ منّا أن يتأمّل إزاء أيّ مسألة تواجهه، وينظر ما الذي يتعلّق في هذه المسألة بالقناعات وما

الذي يتعلّق فيها بالشهوات والرغبات فقط؟

ربّما كُلّكُم سامعون أنّ شاميّاً رأي الإمام الحسن سلام الله عليه، فنال بكلامه منه فأقبل الإمام إليه فسلّم عليه وقال:

«أظنّك غريباً ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وان كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلي وقت ارتحالك كان أعوَد عليك لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً».

فلما سمع الرجل كلامه بكي، ثم قال: «أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، كنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبّ خلق الله اليّ». وحوّل رحله إليه وكان ضيفه إلي أن ارتحل.

إنّ عمل الإمام سلام الله عليه ههنا هو ما يقتضيه العقل وإلا فإنّ النفس ميّالة علي الردّ بالمثل.

وهذه القضيّة القناعات والرغبات توجد في داخل البيت وفي العائلة كل يوم أيضاً:

فقد تقول الزوجة إثر خلاف حصل بينها وبين زوجها: ما دام لا يقدّر أتعابي فإنني أيضاً سأهمله وأقاطعه. فهذا يعبّر عن رغبتها، أما كلامها الصحيح الذي ينشأ عن إلتزامها بالقناعة وحكم العقل، هو أن تقول: (إنّ المرأة يمكنها أن تهدي الرجل أيضاً وأن تساعد في إصلاحه، فلأ عمل ذلك من خلال سلوكي الحسن معه).

مثل هذه المرأة ستوفّق بعد عدة أسابيع أو أشهر علي إشعار زوجها وتغيير سلوكه؛ في حين لو عملت وفق رغبتها وهواها لجعلت حياتهما مُرّة ولما حقّقت أيّ نجاح في تغيير زوجها، ولأبقته علي حالته التي هو عليه.

وإذا لم تُوفَّق المرأة في تغيير زوجها رغم موقفها الإيجابي فإنها تكون قد إقتفت آسية بنت مزاحم التي

كان زوجها (فرعون) من أسوأ الناس ولكنّ الله تعالي مدحها في كتابه فقال: ?وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ … ?.

ومما لاشك فيه أن ضرب المثل بامرأة فرعون يعني أن الله تعالي عرّفها كنموذج وقدوة. كما أنها ليست قدوة للنساء فقط بل للرجال أيضاً، فقد قال: ?وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا?، أي المؤمنين والمؤمنات جميعاً.

هكذا بالنسبة إلي الرجال أيضاً، فإنّ عليهم أن يتحلّوا بالصبر في المحيط العائلي في قبال الأمور التي قد تزعجهم ولا تعجبهم، وأن يحكّموا عقولهم بدل أن ينقادوا إلي حيث أهوائهم ورغباتهم المحضة. فإذا ملك الرجل نفسه إزاء بعض النواقص في الحياة، ولم يتصرف بالمثل إزاء بعض التصرفات غير المناسبة من زوجته، فإنه أيضاً سيوفّق لإشعار المرأة بخطئها والعودة عنه. ولاشك أنه لن يخسر شيئاً حتي في حال عدم تغيّرها، فإنه يكون قد عمل بواجبه وسيؤجر عليه في الآخرة.

لم يذكر لنا التاريخ أبداً أن الإمام الحسن المجتبي سلام الله عليه قد تصرّف بغلظة أو حدّة مع زوجته جعدة بنت الأشعث رغم أنها كانت في غاية السوء. وإن هذه الأخلاق الرفيعة والحلم الذي امتاز به الإمام الحسن سلام الله عليه يجب أن يكون درساً لنا، فإنّ الإمام هو القدوة الحسنة لجميع الناس.

هذه الأمور كلها بحاجة إلي ترويض وصبر، ولعلها تبدو صعبة في البداية، ولكن ينبغي أن يُعلم أن كل الطرق تبدأ بالخطوة الأولي، ومن يختار الطريق الصحيح فإنّ الله تعالي سيعينه.

مصدر السعادة

من الأمور التي يجدر الالتفات إليها والتفكّر فيها منذ بداية سن الشباب، معرفة الشيء الذي يكون مصدراً للسعادة، فنصمّم علي تحصيله لنكون من السعداء إن شاء الله تعالي. فالسعادة ليست بالمال، فما أكثر الذين عندهم أموال طائلة ولكنهم لا ينعمون بالسعادة

بل لا ينامون نومة راحة.

كما ليست السعادة بالعلم؛ فليس كلُّ من بلغ درجة عالية من العلم كان سعيداً فربّ شخصٍ انتحر وكان عالماً. وليست السعادة بالجاه والشهرة عند الناس، ولا النسب الشريف أو الحسب الرفيع.

إن السعادة تتحقق إذا تحقق ما نقرأه في دعاء أبي حمزة الثمالي عن الإمام زين العابدين سلام الله عليه: «ورضّني من العيش بما قسمت لي»، أي أن يرضي الإنسان بما قسم الله وقدّره له. وهذا لا يتنافي مع العمل، ولا يعني أن يجلس الإنسان ويقول: هذه قسمتي.

من الأمثلة التي ضربها الله تعالي للرضا بما قسم امرأة فرعون؛ ?وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ?. فإن الله تعالي يطلب من المؤمنين أن يتعلّموا من هذه المرأة المؤمنة التي كانت تعيش في جوّ سيّئٍ جدّاً وابتليت بأنواع المصائب، فلقد كان زوجها فرعون طاغوتاً وظالماً لا يرحم الناس، حتي أنه لم يرحم زوجته وقتلها أخيراً.

إنها عملت ما بوسعها من أجل تغيير الفساد ولكنها قُتلت علي يد طاغوت زمانها وهو زوجها.

إذاً علي الإنسان ما دام يعيش في هذه الدنيا أن يسعي لإصلاح الفساد وأن يصبر علي ذلك وعلي ما يعانيه في هذا الطريق ويرضي بما قسم الله سبحانه وتعالي له.

المحبوبون عند الله

عزم أحد أصحاب الإمام الصادق سلام الله عليه علي أداء الحجّ مع إحدي القوافل المتجهة إلي مكة، وتعلمون مشاقّ مثل هذه الرحلات في ذلك الوقت، والأخطار التي كانت تحيق بها، وكانت تستغرق شهوراً عدّة. في هذه الرحلة تطوّع ذلك الشخص ليأخذ علي عاتقه مهمّة المحافظة علي أمتعة المسافرين، وكان المسافرون يؤدّون الأعمال العبادية المستحبّة، وهو محروم من ذلك، فاغتمّ كثيراً، فشكي ذلك

إلي الإمام الصادق سلام الله عليه، فقال له الإمام سلام الله عليه: «أنت أعظمهم أجراً».

لقد ورد في الروايات أنّ «الصلاة في المسجد الحرام تعدل مئة ألف صلاة»، كما روي عن المعصومين سلام الله عليهم الكثير في ثواب بعض الأعمال؛ من قبيل الطواف حول الكعبة المشرفة، أو مجرّد النظر إلي الكعبة، لكنّهم مع ذلك وضعوا مسألة خدمة عباد الله في المقام الأول واعتبروها أفضل الأعمال وأشرفها.

يظهر من هذه الرواية أهمية خدمة الناس وعظمة ثوابها، فالله تبارك وتعالي يحبّ الذين يسعون في قضاء حوائج الناس وخدمتهم، فكيف إذا كان هؤلاء الناس من الأقارب، أو المؤمنين أو الفقراء والمحرومين.

حاولن أن تشجّعن الآخرين علي فعل الخير وخدمة الناس، واسعين لنشر هذه السنّة الحسنة بين الأفراد وفي كلّ مكان.

حسن العاقبة ودخول الجنة

نقرأ في التاريخ أمثلة كثيرة عن أُسَر كان بعض أفرادها من أهل الجنّة وبعضهم لا ف: نوح عليه السلام من الأنبياء ومن أهل الجنّة، وكان ابنه من أصحاب النار، وهكذا محمد بن أبي بكر ومصعب بن عمير وكثيرون كانوا من صحابة الرسول صلي الله عليه وآله وأهل بيته بينما اصطفّ آباؤهم مع أعداء أهل البيت ومعانديهم.

يجب علي الإنسان ألاّ يتأثّر بالأشياء السلبية التي في محيطه وأن يربأ بنفسه عن تعلّم السلوك المنحرف للأفراد المحيطين به.

من تسعي دوماً في تعلّم أفعال الخير والصالحات، وتتمسّك بأهل البيت سلام الله عليهم، فإنّها بلا شك ستنجح في سعيها ولن تُحرم حسن العاقبة إن شاء الله تعالي.

بناء أسرة صالحة لأجل مجتمع صالح

ينبغي لكل فرد أن يسعي لبناء المجتمع من خلال بناء الأسرة الصالحة، إضافة إلي بناء الذات وتهذيبها، وأن يعمل علي تخفيف أوزاره في هذه الدنيا، لأن كل إنسان سيكون مشغولاً في الآخرة بشأنه، ولا يكترث أيّ انسان بغيره، ولا ينفعه، كما أخبر الله تعالي: ?يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ? وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ? وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ? لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ?.

يقول أحد الأشخاص: رأيت في عالم الرؤيا كأنّ القيامة قد قامت وحشر الناس للحساب وعندما جاء دوري للحساب أقبل الملائكة وحاسبوني أمام رسول الله صلي الله عليه وآله فقالوا: لقد عملت كذا وكذا من الحسنات، واقترفت كذا وكذا من السيئات ولكن كفّة سيئاتك رحجت علي كفّة حسناتك.

فقال لي رسول الله صلي الله عليه وآله: أما استحييت من الله تعالي؟ لماذا عصيت الله تعالي بكلّ هذه المعاصي؟

فكان خجلي أمام رسول الله صلي الله عليه وآله أشد عليّ من العذاب، ففزعت من النوم وإذا بي مبتلّ من العرق ولكني شكرت الله تعالي علي أن

ذلك كان في عالم الرؤيا، وسعيت منذ ذلك الوقت علي تغيير أعمالي.

ليُحاسب كلّ منا نفسه يومياً، ويسعي إلي تلافي ما كان منه من قبيح فعلٍ أو ظلمٍ أو نحوهما.

الإيمان والعمل الصالح يهوّّنان المشاكل

قال الله تبارك وتعالي: ?الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَي لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ?.

الإيمان يعني أن تعرف الله تعالي، وتعلم أنّه عادل وأنّه يجزي الذين أحسنوا بالحسني، وقد يعاقب العاصين والمذنبين. فالمؤمن يعلم أنه لا تضيع منه أيّه حسنة، وأن النتائج الطيبة لحسناته ستعود إليه يوماً، كما أنّ الأعمال السيئة ستعود عليه وتكون عليه حسرة.

العمل الصالح هو ذلك العمل الذي يُعجب الإنسان ويُحبُّ أن يعامَل به. مثلاً: علي الأبناء أن يضعوا أنفسهم مكان الوالدين ويتعاملوا معهم كما يحبّون أن يتعامل معهم أبناؤهم في المستقبل. فكما نحبّ أن يعاملنا الآخرون بالمحبّة والرفق والصفح والتسامح والإنصاف، يجب علينا أن نعاملهم بالطريقة نفسها. فالإيمان والعمل الصالح ركنا السعادة في منظار القرآن الكريم، من يجمع فيه هاتين الخصلتين يكون سعيداً علي كلّ حال وتكون عاقبة أمره إلي خير.

إنّ الدنيا دار المشاكل والابتلاءات، ولا يوجد في هذا العالم من تكون كل الأوضاع التي يواجهها في حياته مستساغة عنده، كما لا تجد شخصاً لا يعاني من أية مشكلة علي الإطلاق.

لكن من يتحلّي بالإيمان والعمل الصالح يكون سعيداً، وسعادته لا تعني أنه لن تكون عنده مشكلة، بل تعني أن المشكلات لا تثنيه أو تقلقه أو تجعله كئيباً، ولا تتغلب علي إرادته وحلمه وصبره وطمأنينته، بل تراه هو المتغلّب علي المشكلات المختلفة.

إقامة الدين مسؤولية جماعية

جاء في القرآن الكريم: ?أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ?، و?إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ?.

عند المقارنة بين هاتين الآيتين المباركتين نري أن الله تعالي أمرنا أن نفعل ما من شأنه إقامة الإسلام.

إنّ إقامة الإسلام تشبه إقامة عمارة أو بنيان؛ فالإسلام ثقافة ومجموعة من الأخلاق والعقائد والقيم والأحكام والآداب المختلفة في حياة الإنسان، وطائفة من الأوامر الفردية والاجتماعية والعبادية والسياسية والاقتصادية و …

والمقصود من إقامة

الدين هو أن يكون بحيث يلتزم به جميع الناس كباراً وصغاراً؛ رجالاً ونساءً وأن يعملوا بأحكامه. فإقامة الدين أعمّ من فهمه، وهي تتطلب الإيمان والالتزام بعقائد الدين وتطبيق أحكامه جميعاً.

إنّ إقامة الدين تتطلب مقدّمات عدّة أحدها تعلّم العلوم الإسلامية وكذلك العلوم المتعلقة بها من قبيل اللغة العربية والبلاغة. فالمتظلع بالعلوم الإسلامية يمكنه أن يدخل المناظرة مع أصحاب الديانات الأخري وخاصة علمائهم، فيهديهم إلي مذهب أهل البيت سلام الله عليهم أو أن يثبت لهم علي الأقلّ بطلان عقائدهم ويتمّ الحجّة عليهم. ?لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَي مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ?.

سألت أحد الفضلاء الذين يعيشون في إحدي البلاد عمّا يقال من أن في ذلك البلد أعدّ المنحرفون عن مذهب أهل البيت سلام الله عليهم مليون ومئتي ألف كادر متعلّم لتبليغ مذهبهم الباطل؟ فقال: هذه الإحصائية تعود إلي ما قبل عدة سنوات. أما الآن فقد بلغ عددهم مليون وخمسمائة ألف تشكّل النساء أكثر من مئة ألف منهم.

للنجاح في مواجهة هذا المدّ السلبي لاشك أنه يجب أن يكون للشيعة أيضاً طاقات متعلّمة وكفوءة، ومقدمة ذلك هو تعلّم العلوم الإسلامية.

إنّنا لا نعرف عالماً شيعياً ترك مذهب أهل البيت واختار مذهباً آخر، في حين يوجد هناك الآلاف من علماء المذاهب الأخري وبعد عمرٍ من الاتكاء علي مسند التدريس والفتيا، استبصروا وتحوّلوا إلي مذهب التشيّع. وبعضهم حدث عنده هذا التحوّل الروحي المبارك بعد أن ناهز السبعين أو الثمانين من العمر.

من المسلّم أن الإنسان ما لم يكن عالماً لا يمكنه أن يناظر عالماً من مذهب آخر وأن يهديه إلي الصراط المستقيم.

لقد ناظر السيد محمد باقر القزويني علماء اليهود في مدينة ذي الكفل في العراق قبل حوالي مئة وخمسين سنة مناظرات انتهت إلي

اهتداء ذلك العالم اليهودي إلي نور الإسلام والتشيع، وكان شيخاً كبير السن.

كما توجد في عالم السُّوق والاقتصاد ظاهرة باسم «الغش»، وتعرض سلع مزوّرة بدل السلع الأصليّة، فكذلك الحال في سوق العلم أيضاً، فما أكثر الحالات التي تزيّف فيها الحقائق ويلبس فيها الباطل لباس الحق، وتحلّ المغالطة محلّ البرهان والاستدلال الحقيقي.

وكما أن أهل الخبرة فقط هم الذين يستطيعون تمييز العقيق والياقوت والأحجار الكريمة الأخري عن غيرها من الأحجار العادية، فكذلك العلماء الدارسون والضالعون فقط يمكنهم أن يفرّقوا في سوق العلم بين الحق والباطل، المغشوش والمزيف من النقي والأصيل.

إن الخسارة والغش في سوق المعني أعظم بكثير من الخسارة في الأمور المادية. فلو أنّ أحداً اشتري بدل العقيق حجراً لا قيمة له بثمن غال من دون استشارة أهل الخبرة فإنه يكون قد خسر مبلغاً كبيراً من أمواله فقط، أما من ابتلي بالمغالطات المضللة فإنه سيخسر دنياه وآخرته. وصاحب العلم الكافي لا يقتصر ربحه علي نفسه وكونه لا يغبن في سوق العلم، بل يحول دون ضلال الآخرين أيضاً.

ستواجهن في المستقبل مغالطات مختلفة تحتجن للإجابة عليها إلي القدرة العلمية الكافية. فيجب عليكن أن تطلبن العلم عدة سنين وتتباحثن فيما بينكن وتعزّزن من قدراتكن العلمية لئلا تشعرن بالعجز إزاء أية مغالطة قد تواجهكن، ولكي تجبن علي الشبهات بأسلوب علميّ صحيح. ففي هذه الصورة وحدها توفّقن في نشر الإسلام وإقامة الدين.

إن عبارة «أقيموا الدين» أمر، والأمر يفيد الوجوب؛ أي يجب إقامة الدين. كما أن الله تعالي لم يقل أقيموا الدين في الحجاز أو إيران أو في مكان آخر، ما يعني أن في الآية إطلاقاً، وهذا يعني وجوب إقامة الدين في كل مكان من العالم.

من هنا يجب علي كلّ إنسان أن يعمل حسب

طاقته من أجل إقامة الدين في كلّ مكان. وهذا الواجب لا يقتصر علي الرجال وحدهم، فالرجال والنساء فيه سواء، والمسؤولية مشتركة، فإنّ الأمر القرآني يشمل الرجال والنساء معاً. وما أكثر في التاريخ النساء اللواتي وقفن في وجه الشبهات والمغالطات ودافعن عن مدرسة أهل البيت صلوات الله عليهم وحمين المبادئ والمقدسات. ومن هنا فإنني أبارك لكنّ ما تنهضن به من دراسة العلوم الدينية وإعداد جيل قادر علي الدفاع عن العقائد الحقّة وأتمني لكنّ التوفيق.

مَن السعيد؟

من أهمّ الأمور التي يجب أن تنتبهن إليها وأنتن في بداية شبابكن ومقتبل عمركن هو كيف تصرفن أعماركن وفي أي مجال، بحيث لا تندمن عليها عندما تبلغن الخمسين والستين من العمر. فإن رضا الإنسان عن ماضيه وإحساسه بالسعادة له ارتباط بأمور عديدة تنشأ جميعها من اهتمام المرء بمعتقداته والعمل بها، وتركه للشهوات والأهواء.

إن الله سبحانه وتعالي خلق في باطن كل إنسان العقل وشهوات النفس. فكل إنسان يصدّق تبعاً لعقله أن الظلم قبيح وكذا الكذب وما شابه ذلك. ولكن إن رضخ لشهواته وأهوائه فإنه يقع في الظلم والكذب.

إن الظالمين والعاصين إن تأمّلوا لحظات مع أنفسهم حول ما يرتكبونه من الظلم والإثم لسخطوا علي أنفسهم ولاموها. فأمثال هؤلاء يعلمون جيداً أن أفعالهم سيئة وإن لم يتفوّهوا بذلك لكن ما يمنعهم من العمل الحسن والطريق السويّ والإستماع إلي نداء الضمير هي الشهوات ومطامع الدنيا.

لقد تحمّل الإمام الصادق صلوات الله عليه الكثير من الظلم والأذي من حكّام بني العباس. وقد نُفي مرات عديدة إلي بغداد والكوفة والحيرة كما كان سلام الله عليه في فترات تحت الإقامة الجبرية.

عن يُوسُفَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ وَعَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ عَن أَبَوَيهِمَا عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ العَسكَرِيِّ عَن آبَائِهِ

عَنِ الصَّادِقِ سلام الله عليه فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ:

(إِنَّ مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَأُعجِبَ بِرَأيِهِ كَانَ كَرَجُلٍ سَمِعتُ غُثَاءَ العَامَّةِ تُعَظِّمُهُ وَتَصِفُهُ، فَأَحبَبتُ لِقَاءَهُ مِن حَيثُ لا يَعرِفُنِي. فَرَأَيتُهُ قَد أَحدَقَ بِهِ خَلقٌ كَثِيرٌ مِن غُثَاءِ العَامَّةِ، فَمَا زَالَ يُرَاوِغُهُم حَتَّي فَارَقَهُم وَلَم يَقِرَّ، فَتَبِعتُهُ فَلَم يَلبَث أَن مَرَّ بِخَبَّازٍ، فَتَغَفَّلَهُ فَأَخَذَ مِن دُكَّانِهِ رَغِيفَينِ مُسَارَقَةً، فَتَعَجَّبتُ مِنهُ، ثُمَّ قُلتُ فِي نَفسِي: لَعَلَّهُ مُعَامَلَةٌ. ثُمَّ مَرَّ بَعدَهُ بِصَاحِبِ رُمَّانٍ فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّي تَغَفَّلَهُ وَأَخَذَ مِن عِندِهِ رُمَّانَتَينِ مُسَارَقَةً. فَتَعَجَّبتُ مِنهُ ثُمَّ قُلتُ فِي نَفسِي: لَعَلَّهُ مُعَامَلَةٌ، ثُمَّ أَقُولُ: وَمَا حَاجَتُهُ إِذاً إِلَي المُسَارَقَةِ؟! ثُمَّ لَم أَزَل أَتبَعُهُ حَتَّي مَرَّ بِمَرِيضٍ فَوَضَعَ الرَّغِيفَينِ وَالرُّمَّانَتَينِ بَينَ يَدَيهِ.

ثُمَّ ذَكَرَ (الصادق سلام الله عليه) أَنَّهُ سَأَلَهُ عَن فِعلِهِ فَقَالَ لَهُ: لَعَلَّكَ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ؟ قُلتُ: بَلَي. فَقَالَ لِي: فَمَا يَنفَعُكَ شَرَفُ أَصلِكَ مَعَ جَهلِكَ؟ فَقُلتُ: وَمَا الَّذِي جَهِلتُ مِنهُ؟ قَالَ: قَولُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشرُ أَمثالِها وَمَن جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجزي إلاّ مِثلَها» وَإِنِّي لَمَّا سَرَقتُ الرَّغِيفَينِ كَانَت سَيِّئَتَينِ ولَمَّا سَرَقتُ الرُّمَّانَتَينِ كَانَت سَيِّئَتَينِ، فَهَذِهِ أَربَعُ سَيِّئَاتٍ. فَلَمَّا تَصَدَّقتُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنهَا كَانَ لِي أَربَعُونَ حَسَنَةً فَانتَقَصَ مِن أَربَعِينَ حَسَنَةً أَربَعُ سَيِّئَاتٍ وَبَقِيَ لِي سِتٌّ وَثَلاثُونَ حَسَنَةً.

فَقُلتُ لَهُ: ثَكِلَتكَ أُمُّكَ، أَنتَ الجَاهِلُ بِكِتَابِ اللَّهِ. أَمَا سَمِعتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ» إِنَّكَ لَمَّا سَرَقتَ رَغِيفَينِ كَانَت سَيِّئَتَينِ وَلَمَّا سَرَقتَ رُمَّانَتَينِ كَانَت أَيضاً سَيِّئَتَينِ وَلَمَّا دَفَعتَهُمَا إِلَي غَيرِ صَاحِبِهِمَا بِغَيرِ أَمرِ صَاحِبِهِمَا كُنتَ إِنَّمَا أَنتَ أَضَفتَ أَربَعَ سَيِّئَاتٍ إِلَي أَربَعِ سَيِّئَاتٍ وَلَم تُضِف أَربَعِينَ حَسَنَةً إِلَي أَربَعِ سَيِّئَاتٍ. فَجَعَلَ يُلاحِظُنِي، فَانصَرَفتُ وَتَرَكتُهُ.

قَالَ الصَّادِقُ سلام الله عليه: بِمِثلِ هَذَا التَّأوِيلِ القَبِيحِ المُستَكرَهِ يَضِلُّونَ

وَيُضِلُّونَ).

إن ما غفل عنه ذلك المخالف هو أن الله تعالي يتقبّل أعمال من يتّقيه ويخافه، ولا يتقبّل التصدّق من مال السرقة، والمال الحرام.

إذن من يصمم علي أن يعمل بما يُنير له عقلُهُ، ويتجنّب ما تملي عليه شهواتُهُ فإنه سيكون سعيداً وسوف يكون في المستقبل راضياً عن ماضيه وعلي ما أمضاه من عمره، ولا تتمكّن مشاكلُ الحياة أن تتغلّب عليه أو أن تؤدّي به إلي الانتحار، كما نسمع بين فترة وأخري انتحار الثديّ الفلاني والطبيب الفلاني. فالسعادة هي أمر باطني وترتبط بداخل الإنسان وليست بالثروة والشهرة والجاه، أو بكثرة الأقارب والأصدقاء، أو بسلامة الجسم، أو بنيل المراتب العليا من العلم.

قد يكون هذا الأمر في بدايته صعباً، لكنه يسهل بالعزم والهمة القوية.

الاعتبار من حياة السلف الصالح

يُنقل أنّ المرحوم السيد مهدي بحر العلوم رضوان الله تعالي عليه قد حظي بشرف اللقاء مع مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف مرات عديدة. ونقلوا عندما كان مرجعاً للتقليد سافر من النجف الأشرف إلي مدينة الحلّة. وحين وصوله للحلّة استقبله جماعةٌ من الناس وكان بعضُهُم يطلب من السيد أن ينزل في بيته. إلا أن السيد سألهم عن عنوان أحد كسبة المدينة، لم يكن أكثرهم ليعرفه. وبعد أن بحثوا عنه تبيّن أن الذي سأل عنه هو كاسب عادي وله دكان بسيط مكانٍ من أحياء المدينة. فأخبروه بأن السيد بحر العلوم يسأل عنك. ففرح الرجل وحضر عند السيد فقال له: هل تسمح لي أن أنزل في بيتك؟ فأجاب الرجل: أنت تمنّ عليّ بذلك لكن بيتي صغير وبسيط جداً ولا يسع لاستقبال من يريد اللقاء بك. فقال السيد: سأنزل وحدي في بيتك وأجعل اللقاء بالناس في مكان آخر.

أما النّاس فاعترضوا وقالوا للسيد: هذا المكان لا يليق

بكم كونكم أحد المراجع الكبار. وأجاب السيّد عن اعتراض بعض المقرّبين إليه بأنّي: سأحضر في أيّ مكان تنتخبونه أنتم للقاء الناس. فوافقوا علي ذلك بتعجّب.

ثم بعد فترة من الزمن سألوه عن سبب إصراره علي النزول في بيت ذلك الكاسب العادي. فقال رحمه الله: لقد أمرني سيدي ومولاي الحجة بن الحسن عجل الله تعالي فرجه الشريف بذلك.

قالوا: وهل سألت الإمام عن سبب ذلك؟ قال: أنا مطيع له ولا أسأله عن أيّ سبب.

قالوا: إن أهل البيت سلام الله عليهم كلامهم كلّه حكمة، فهل تستطيع أن تبين لنا سبب ذلك حسب قناعتك الشخصية؟

قال السيد: عندما كنت ضيفاً عند الرجل أحببت كثيراً أن أجد فيه ما كان سبباً في رعاية المولي صاحب العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف له فوجدت حياته بسيطة وكان متديناً ملتزماً بالفرائض. وعندما قلت له أني أُمرت من قبل المولي عجل الله تعالي فرجه الشريف بالنزول في بيتك، تعجّب وفرح وبكي ثم قال:

إني كاسب بسيط وإن أترك العمل ليوم فسأنام ليلي جائعاً. ولكن سعيت قدر استطاعتي أن أحافظ علي ديني وألتزم بأحكامه.

يقول السيد بحر العلوم: وبعد أن ألححت عليه ذكر لي ما اعتبره هو السّبب.

هذه القصة لا خصوصية فيها، فالجميع سواء كان رجلاً أو إمرأة، وشاباً أو كهلاً، قد أودع الله تعالي فيه قوّتين متضادتين إحداها المعتقدات والأخري الأميال وهما من عجائب صنع الله سبحانه وتعالي. فكل واحد منّا يمكنه أن يحظي برعاية الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف وينال القرب منه بمقدار ما فضّل معتقداته علي أمياله النفسيّة وشهواته.

هذه القصة حدثت قبل أكثر من قرن فيجدر بنا أن نعتبر بها وبأمثالها: ?تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ?.

أفضل مراتب الإحسان

إن

الله تبارك وتعالي وعد من يعمل الخير والإحسان أن يريه نتيجة إحسانه ويثيبه ويؤجره بأفضل مما عمله: ?مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا?. وقد يؤجر المحسن عاجلاً بحيث يدرك أن هذا الأجر هو نتيجة إحسانه، وقد يؤخّر له.

عن الإمام علي بن موسي الرِضا سلام الله عليه أنه: «ظهر فِي بَنِي إِسرَائِيلَ قَحطٌ شَدِيدٌ، سِنِينَ مُتَوَاتِرَةً، وَكَانَ عِندَ امرَأَةٍ لُقمَةٌ مِن خُبزٍ فَوَضَعَتهُ فِي فَمِهَا لِتَأكُلَهُ فَنَادَي السَّائِلُ: يَا أَمَةَ اللَّهِ الجُوعُ، فَقَالَتِ المَرأَةُ: أَتَصَدَّقُ فِي مِثلِ هَذَا الزَّمَانِ؟ فَأَخرَجَتهَا مِن فِيهَا وَدَفَعَتهَا إِلَي السَّائِلِ، وَكَانَ لَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ يَحتَطِبُ فِي الصَّحرَاءِ، فَجَاءَ الذِّئبُ فَحَمَلَهُ، فَوَقَعَتِ الصَّيحَةُ، فَعَدَتِ الأُمّ فِي أَثَرِ الذِّئبِ، فَبَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَي جَبرَئِيلَ عليه السلام فَأَخرَجَ الغلامَ مِن فَمِ الذِّئبِ، فَدَفَعَهُ إِلَي أُمِّهِ، فَقَالَ لَهَا جَبرَئِيلُ عليه السلام: يَا أَمَةَ اللَّهِ. أَرَضِيتِ؟ لُقمَةً بِلُقمَةٍ».

يجدر بالمرأة المؤمنة أن تبذل ما في وسعها دوماً لعمل الخير والإحسان إلي الآخرين، سواء كانوا عائلتها، أو غيرهم وحتّي الغرباء. فالله تعالي وعد المحسنين وفاعلي الخير بأجر مضاعف.

إن أعمال الخير لها درجات، فمنها حسن ومنها أحسن. والحلم هو في مراتب الأحسن ومعناه ضبط النفس عند الغضب. وفرق الصبر والحلم أن الأول هو ما كان خارجاً عن إرادة الإنسان كالصبر علي فقدان الأحبّة وسائر البلايا الطبيعية، أما الحلم فهو خصوص الصبر علي المسيء مع القدرة والاستطاعة علي ردّه. ولأهمية الحلم نري أن الله جلّ وعلا عندما يذكر النبي إبراهيم علي نبينا وآله وعليه السلام، يصفه بالحليم: ?إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ?.

معيار التفاضل عند الله سبحانه

ليس الأفضل عند الله تعالي من صلّي أكثر أو صام أكثر، ولا من كان ثرياً أو صاحب جاه، أو ذا حسب ونسب معروف وما شابه ذلك. بل إن الأفضل

هو من التزم بالتقوي في كل صغيرة وكبيرة كما قال الله سبحانه: ?إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ?.

فهل الذي يعيش في بيئة نظيفة أو من يقوم يومياً بالتمارين الرياضية سيكون صاحب جسم سليم؟ بالطبع لا لأن هذه الأمور وحدها غير كافية. بل إن سائر الاُمور لها المدخليّة سلامة الإنسان.

جاءت امرأة إلي رسول الله صلي الله عليه وآله تسأله عن شي ء وعائشة عنده، فلما انصرفت وكانت قصيرة أشارت عائشة بيدها تحكي قصرها. فقال لها رسول الله صلي الله عليه وآله: تخلّلي! قالت: يا رسول الله وهل أكلت شيئاً؟ قال: تخلّلي، ففعلت فألقت مضغة من فِيها.

هذا الأمر سواء كان من معاجز رسول الله صلي الله عليه وآله أو غير ذلك فإنّه يدل علي مدي سوء اغتياب الناس. وقد اعتبر الله سبحانه في كتابه الكريم الشخص المغتاب بأنه آكل لحم أخيه الميت: ?وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ?.

بالعزم والإرادة يستطيع كل فرد أن يتحلّي بالتقوي، وذلك ما أوصيكن بالعمل به دوماً لتنلن التوفيق في الدارين ويحشركن الله تعالي مع المتقين.

عاقبة من يبني أمره علي الخير والصلاح

الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، يمكنه أن يكون من خير عباد الله سبحانه وإن عاش في أجواء غير صالحة. وخير مثال علي ذلك هي آسية بنت مزاحم امرأة فرعون.

تقول الآية الشريفة: ?وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ?.

إن الله تبارك وتعالي يضرب المثل بزوجة فرعون التي كانت امرأة مؤمنة عاشت في بيت خالٍ من الصلاح، وهو بيت فرعون. وهي لم تكن خيّرة وصالحة فحسب، بل بلغت الذورة والقمة في الخير والصلاح، حتي جعلها الله عزّ وجلّ

مثلاً يقتدي بها، للنساء المؤمنات، وللرجال المؤمنين، وذلك لقوله: ?لِلَّذِينَ آمَنُوا?.

إن عبارة ?الَّذِينَ آمَنُوا? تعمّ الرجال والنساء. فكأنّ الآية الكريمة تقول أيها المؤمنون تعلّموا من زوجة فرعون، وأيّتها المؤمنات تعلّمن منها.

من يولد في بيت صالح، ويتربي في بيئة صالحة، وينشأ في أجواء صالحة سيكون صالحاً، لكن قد يُتساءَل كيف يمكن لمن يعيش في أجواء غير صالحة أن يكون صالحاً أو يبلغ الذروة في الخير والصلاح كإمراة فرعون مثلاً؟

إن الذي مكّن امرأة فرعون أن تكون هكذا هو عزمها علي الصلاح والخير، ونبذ الفساد والضلال. فالله تعالي منح كل إنسان قدرة يمكنه بها أن يرتقي القمة في الأخلاق والعقيدة والعمل.

إذا عزم الإنسان وصمّم وبني أمره علي أن يكون جيّداً وصالحاً، ويتحلّي بالفضائل والأخلاق الحسنة، ويلتزم بالقول السديد والعمل الصالح، فإنّه سينال التوفيق الإلهي. فالذين وفِّقوا في حياتهم كانوا مثلنا ومثلكم، رجالاً أو نساءً. فكان هناك بون شاسع بين أخلاق فرعون وأخلاق زوجته، لكن الذي أوصل امرأة فرعون إلي تلك المرتبة السامية، ووفَّق الآخرين من أمثالها في حياتهم هو العزم والتصميم علي الخير والصلاح.

أنتن أيتها المؤمنات استفدن من كل فرصة وخصوصاً فرصة زيارة العتبات المقدسة للعزم والتصميم علي فعل الخير وحُسن الخلق. فلتصمم الزوجة علي أن تتعامل بالحسني مع زوجها وإن كان يتعامل معها بسوء، فهو مهما أساء لن يبلغ مستوي فرعون في الإساءة. وهكذا بالنسبة للآباء والأمهات في تعاملهم مع أولادهم، وتعامل الأولاد مع آبائهم وأمهاتهم، والأرحام والجيران في تعاملهم مع بعض، سواء في الحضر أو السفر، فليبنوا أمرهم علي الصلاح والخير، حتي يحظوا بالتوفيق والسعادة في الدارين.

الرضا بما قسم الله تعالي سعادة

إن منبع السعادة لكل إنسان هو شيء واحد لا ثاني له ولا ثالث وهو ما ذُكر في القرآن الكريم

مكرّراً، وفي الأحاديث الشريفة كثيراً، ألا وهو الرضا بما قسم الله تعالي.

أصل السعادة هذا، وليس المال أو العلم أو الشباب أو الصحة أو الوظيفة أو الشخصية أو العشيرة أو الأقارب الكثيرين، أو السمعة الطيبة؛ بدليل أن هنالك العديد ممن توفّرت عندهم هذه الأمور ربّما أخذوا إلي طبيب الأعصاب، أو ربّما فيهم من يقدم علي الانتحار والعياذ بالله .

كل إنسان يكون سعيداً بمقدار ما يكون له من رضا بما قسم الله سبحانه له. فإذا رضي مئة بالمئة، فهذا سعيد مئة بالمئة، وهكذا.

لقد أكّدت الآيات المباركة والأحاديث الشريفة هذا الأمر كثيراً. ففي دعاء الإمام زين العابدين سلام الله عليه الذي نقرأه في الأسحار من شهر رمضان المبارك والمعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي، والذي لو قرأه الإنسان مرّة واحدة بتأمّل وتفهّم دقيقين فإنه يُرجي عند الانتهاء منه أن يكون مستجاب الدعوة عند الله تعالي، نقرأ في آخر سطر منه العبارة التالية: «ورضّني من العيش بما قسمت لي».

إن الرضا بما قسم الله ليس معناه أن لا يسعي الإنسان في رفع مشاكله أو سدّ نواقص حياته، بل عليه مع ذلك أن يكون راضياً بما قسمه الله عزّ وجلّ له. فالذي يرضي بما قسم الله لا يتعرّض للأمراض، ولا يرقد في مستشفي الأعصاب ولا يقتل نفسه أبداً، وهذا أمر بالغ الأهمية. فيبغي لكلّ مؤمنة أن تعزم عليه، حتي يهنأ عيشها وتسعد بإذن الله تعالي.

رقي المرأة

قبل زهاء ثمانية قرون كانت امرأة اسمها (فاطمة) تعيش في جبل عامل بلبنان. وكان الجو السياسي الحاكم آنذاك في تلك المنطقة ضد أهل البيت سلام الله عليهم وكان ممتلئاً بالظلم والعنف، فكان الشيعة ينكّل بهم ويُذبّحون ويطاردون.

هذه المرأة هي بنت الشهيد الأول رضوان الله تعالي عليه صاحب

كتاب (اللمعة الدمشقية) الذي قتل في سبيل الله تعالي ومن أجل الدفاع عن الإسلام والحق وأهل البيت سلام الله عليهم. وقد درست علوم أهل البيت عند أبيها وعند آخرين، فأصبحت عالمة جليلة.

لم تكن هذه المرأة إستثنائية في بنائها التكويني، ولم يكن لها مخّ مختلف عن الآخرين. وإن كان هناك امتيازٌ لهذه المرأة عن غيرها فهو استثناء في عزمها. فالمرأة المؤمنة والصالحة يمكنها أن تكون فقيهة وعالمة ومجتهدة وتصل إلي مرتبةٍ عُليا، وإن عاشت في جوّ خانق كجو جبل عامل آنذاك، وذلك بعزمها وتصميمها، وإن كان الطريق طريق ذات الشوكة ومليئاً بالمشاكل والصعوبات، فكما قيل: علي قدر أهل العزم تأتي العزائم.

إقامة الدين بتهيئة الأجواء الصالحة

إن الله تبارك وتعالي يأمرنا بإقامة الدين: ?أَقِيمُوا الدِّينَ?. وإقامة الدين تتحقق بأن تكون أجواء المجتمع كلّها متدينة.

ورد في زيارات الإمام الحسين سلام الله عليه: «أشهد أنّك قد أقمت الصلاة» ومعني هذا أن الحسين سلام الله عليه بتضحيته واستشهاده جعل الصلاة قائمة، فلولا تضحيته سلام الله عليه لقضي بنوأمية علي الدين كلّه، فهم كانوا منكرين للإسلام كما قال يزيد: «فلا خبر جاء ولا وحي نزل».

يُنقل عن أحد كبار المراجع رضوان الله عليه أنه كان يقول قبل صلاته: السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته. وعندما سئل عن ذلك قال: لولا الحسين لما صلّينا.

في عصر المعصومين سلام الله عليهم: فقد كان أخَوان هما محمد بن الفرج الرخجي وعمر بن الفرج الرخجي. وتربّي الأول عند أصحاب المعصومين فصار من ثقات أصحاب الإمامين الجواد والهادي سلام الله عليهما، وبواسطته وصلتنا الكثير من الأحاديث.

وكان مورد وثوق الأئمة سلام الله عليهم. فقد روي محمد هذا حديثاً قال فيه: كتب إليّ أبو جعفر (الجواد) سلام الله عليه: «احملوا إليّ

الخمس فإني لست آخذه منكم سوي عامي هذا، فقبض سلام الله عليه في تلك السنة» وكانت هذه من معاجز الإمام الجواد سلام الله عليه.

أما الثاني فتربّي في أجواء بني العباس فصار فاسداً ومن الظالمين لأهل البيت سلام الله عليهم وشيعتهم.

يُنقل عن شدة ظلمه لأهل البيت سلام الله عليهم أنه قال: أنفذني المتوكل في تخريب قبر الحسين سلام الله عليه فصرت إلي الناحية، فأمرت بالبقر فمرّ بها علي القبور، فمرّت عليها كلّها، فلما بلغت قبر الحسين سلام الله عليه لم تمرّ عليه. فأخذت العصا بيدي، فما زلت أضربها حتي تكسّرت العصا في يدي، فو الله ما جازت علي قبره ولا تخطّته.

هكذا تؤثّر أجواء المجتمع علي تربية الفرد. فهذان أخوان تربّي أحدهما في أجواء متديّنة فصار مؤمناً صالحاً، والآخر تربّي في أجواء سيّئة فصار من الظالمين.

إن إقامة الدين تتحقّق بالعمل علي تهيئة الأجواء الصالحة، وهذا بحاجة إلي مساهمة الجميع كُلُّ حسب طاقته.

ينبغي للجميع وخصوصاً الوالدين في فترة العطلة الصيفية أن يهتمّوا ويسعوا في إعداد أجواء صالحة لأولادهم، لكي ينشأوا كما أراد القرآن الكريم، ويحبّوا الصلاة فيقيموها، ويحبّوا الصيام فيصوموا، ويكونوا متخلّقين بالفضائل، ومجتنبين رذائل الأخلاق، ويعرفوا الواجبات فيعملوا بها، ويعرفوا المحرّمات فيتركوها.

التوفيق بمقدار صلاح النفس والعمل

سأل رجل أباذر رحمه الله: «كيف تري حالنا عند الله؟ قال: اعرضوا أعمالكم علي كتاب الله تبارك وتعالي».

لتحاول كل واحدة منكن أن تواظب علي قراءة القرآن الكريم صباح كل يوم ولو بضع آيات، وطبّقوا أنفسكن علي القرآن الكريم.

مثلاً عندما تقرأ إحداكن قوله تعالي: ?وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ?، فلتنظر هل هي حقاً تقيم الصلاة. وعندما تقرأ ?وَآتُواْ الزَّكَاةَ?، تنظر هل تؤتي الزكاة. وعندما تقرأ: ?فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ?، هل هي تتقي الله حقاً بمقدار استطاعتها وقدرتها. وعندما تقرأ:

?أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ?، هل تشكر الله سبحانه ووالديها. وعندما تقرأ: ?وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ?، فلتنظر مدي صلتها لأرحامها. وهكذا في بقية أوامر الله جلّ شأنه ونواهيه.

بمقدار تطبيق أنفسكن علي آيات كتاب الله المجيد تكنَّ موفّقات في حياتكنّ وتنلن الدرجة عند الله عزّ وجلّ وتحظين بمقام القرب من أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

من يزرع الخير يحصد الخير ومن يزرع الشرّ يحصد الشرّ

جاء في وصايا رسول الله صلي الله عليه وآله لأبي ذر: «يا أباذر من يزرع خيراً يوشك أن يحصد خيراً ومن يزرع شراً يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع».

هذه موعظة رفيعة من سيدنا رسول الله صلي الله عليه وآله للجميع. فكل ما يقوله الإنسان ويعمله يحصد مثله قريباً. فإن يقل الخير يسمع الخير، وإن يقل الشر يسمع الشر، وإن يعمل الخير يُعامل بالخير، وإن يعمل الشرّ يُصنع معه بالشر.

هذه من سنن الله تعالي في الحياة. فالذي يصل رحمه يتفضّل الله عزّ وجلّ عليه بطول العمر، والذي يقطع رحمه يبتر الله عمره ويبتليه بأمراض عديدة. والوالدان اللذان يهتمان بتربية أبنائهما يريان الخير في المستقبل من أولادهما، والأولاد الذي يصنعون البرّ بوالديهم يرون البر من أولادهم وذريّتهم. والذي يشكر نِعَم الله جلّ شأنه يزيد الله عليه من نعمه ومن يكفر نِعَم الله يقطع الله عنه نعمه.

فلتعزم كل واحدة منكن علي أن يكون لسانها دوماً لسان خير لا لسان شر، حتي تسمع الخير، وأن يكون عملها الخير دائماً لا الشر حتي تري الخير.

من خصائص المؤمن إصلاح ذات البين

يقع أحياناً خلاف بين زملاء العمل، أو بين أفراد العائلة، أو بين الشريكين، أو بين الإخوة المؤمنين العاملين في الحسينيات والمؤسسات، وهذا أمر سيئ، ويجدر بمن يتمكّن أن يكون من الساعين في رفع الخلاف وتبديله إلي وفاق.

يقول الإمام أميرالمؤمنين سلام الله عليه في آخر وصاياه لولديه الحسنين سلام الله عليهما: «أوصيكما … وصَلاحِ ذَاتِ بَينِكُم فَإِنِّي سَمِعتُ جَدَّكُمَا صلي الله عليه وآله يَقُولُ: صلاحُ ذَاتِ البَينِ أَفضَلُ مِن عَامَّةِ الصَّلاةِ والصِّيَامِ ».

لاشك أن هذا ليس معناه أن يترك الشخص صلاته وصيامه ويلتزم بإصلاح ذات البين، وانما معناه أن الإصلاح بين الناس هو الأكثر

أجراً.

هذه الوصية هي من الوصايا الأخيرة لأمير المؤمنين صلوات الله عليه، وهي من الوصايا الثمينة والعظيمة وعميقة المعني ينبغي للإنسان أن يقرأها ويحفظها ويسعي إلي العمل بها.

كل امرأة قد يكون في محيطها خلاف أو نزاع بين بعض النساء وغيرهنّ جراء وساوس الشيطان، فعليها أن تسعي للإصلاح وحلّ الخلاف، قدر إمكانها واستطاعتها. فالإصلاح بين الناس عمل مهم جداً وذو أجر عظيم.

العمل علي هداية الناس

قال الله تعالي: ?يَمْحُو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ?. وقال الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «لولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلي يوم القيامة، وهي هذه الآية ?يَمْحُو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ?».

يجدر بمن حصل علي التوفيق في شهر رمضان المبارك أن يعمل لكي لا يُسلب هذا التوفيق، كظلم الآخرين أو عقوق الوالدين وما شابه ذلك.

ثلاثة أمور مهمة أذكّركن للعمل بها:

الأوّل: الاستفادة من شهر رمضان الكريم وذلك بأن تواصلن علي ما حصلتن عليه من توفيق في طول السنة.

الثاني: تزكية النفس. وهذا منوط بمحاسبة النفس كل يوم.

الثالث: هداية الآخرين. فأوصيكن أن تجعلوا شهر رمضان المبارك منطلقاً لهداية الآخرين إلي نور أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال في حجة الوداع في مسجد الخيف: «إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض، حوض عرضه ما بين بصرة وصنعاء، فيه قدحان من فضة عدد النجوم، أَلا وإني سائلكم عن الثقلين. قالوا: يا رسول الله وما الثقلان؟ قال: كتاب الله الثقل الأكبر، طرف بيد الله وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به لن تضلوا ولن تزلوا، والثقل الأصغر عترتي وأهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن

يفترقا حتي يردا عليّ الحوض، كإصبعي هاتين، وجمع بين سبابتيه، ولا أقول كهاتين، وجمع بين سبابته والوسطي، فتفضل هذه علي هذه».

فالقرآن يعني أهل البيت، وأهل البيت يعني القرآن، وكل ما دعا إليه القرآن دعا إليه أهل البيت، وكلّ ما دعا إليه أهل البيت دعا إليه القرآن. فحاولن أن تبذلن الجهد في سبيل هداية الآخريات وتثقيفهن بثقافة أهل البيت، وشجّعن الأخريات لأن يكنّ عالمات في طريق أهل البيت سلام الله عليهم.

ابذلن مابوسعكنّ في سبيل إحياء أحكام الله تعالي

ورد في إحدي الأدعية الخاصة بزمن غيبة إمامنا المهدي المنتظر عجّل الله تعالي فرجه الشريف: «وجدّد به ما امتحي من دينك».

هذه الفقرة تشير إلي أن قسماً من أحكام الله تعالي وأوامره التي جاء بها الإسلام تنمحي، وسيجدد لها الحياة مولانا الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف بظهوره المبارك. فكلمة (امتحي) معناها المحو والفناء، والفناء غير التغيير.

إن للدين مفهوماً واسعاً، وله ارتباط بكل أبعاد الحياة الفردية والاجتماعية. فليس الدين الموعظة والجنة والنار فقط، فهذه الأمور جزء منه.

إنّ في الدين أحكام كل شيء حتي أحكام حركات الإنسان وسكناته، وما يختلج في ذهنه من نيّات وأفكار. فالدين هو مجموعة متكاملة وواسعة.

هذا المفهوم للدين وعلي مرّ القرون نالت منه أياد التبديل والتغيير والمحو، فمحت قسماً كبيراً من أحكامه فيجب علينا أن نلتفت لئلاّ نكون والعياذ بالله ممن يبدّلون أو يمحون أحكام الله تعالي.

أوصيكن بمطالعة سير النساء المؤمنات اللاتي عشن في صدر الإسلام وإحداهن الصحابية أسماء بنت عُميس.

هذه المرأة كانت زوجة لجعفر بن أبي طالب، ثم بعد استشهاد جعفر في حرب موتة، تزوجت بأبي بكر وأنجبت محمداً، وبعد موت أبي بكر تزوجّت بالإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه وولدت منه ولدين، أحدهما عون سلام الله عليه الذي

استشهد في فاجعة كربلاء.

لو أن امرأة من نساء اليوم تعمل ما عملته أسماء بأن تتزوج بعد وفاة زوجها الأول والثاني، أتُحمد علي ذلك أم تُذم وتُوصف بعديمة الوفاء؟

إن أسماء قد امتثلت لما شرّعه الدين والإسلام، لكن هذا الأمر الذي هو جزء من الدين يعتبره العرف قبيحاً ومخالفاً للقيم.

فهل زواج أسماء لثلاث مرّات يعدّ مغايراً لدين الله تعالي؟

كلا، لأن دين الله سبحانه يقول: عدا زوجات النبي صلي الله عليه وآله اللاتي حُرّم الزواج عليهن بعد الرسول، فإن باقي النساء يحلّ لهن أن يتزوّجن برجل آخر بعد وفاة الزوج الأول والثاني والثالث و …، وكذلك الأمر بالنسبة إلي الرجال أيضاً. فمولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه قد تزوّج بعد استشهاد الصديقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها.

إن كثرة مهر المرأة من الموارد المخالفة للدين ولسنّة رسول الله صلي الله عليه وآله، ولو يحضر النبي الأكرم صلي الله عليه وآله اليوم بيننا تُري أيَّ زواج يرضي عنه وأيّاً يستاء منه؟

إن رسول الله صلي الله عليه وآله حين أراد الزواج من السيدة خديجة سلام الله عليها لم يكن يملك شيئاً من المال ليجعله مهراً لها، لأنه كان ينفق كل الأموال التي تقع بيده ولم يكن يُبقي منها شيئاً. لكن السيدة خديجة التي كانت من أثرياء العرب، علمت بذلك فأرسلت له صلي الله عليه وآله مبلغاً قدره أربعة آلاف دينار من الذهب كي يعطيه إلي عمها مهراً لها.

أما رسول الله صلي الله عليه وآله فلم يجعل من المبلغ المذكور مهراً لخديجة إلاّ ما مقداره خمسمئة درهم فقط، والباقي وزّعه علي الفقراء والمحتاجين.

في الواقع إن رسول الله صلي الله عليه وآله بعمله هذا قد سنّ المهر القليل ليعمل به المسلمون. ومنذ ذلك

اليوم صار (مَهر السُنّة) خمسمئة درهم.

لكن مما يبعث علي الأسف أن امرأة لوكان اليوم مهرها (مهر السُنّة) فإنها لا تذكره لأحد خجلاً. فكثرة المهور صارت جزءاً من عادات وثقافة مجتمعاتنا ووصلت إلي حدّ أن كل من أراد العمل بسُنّة الرسول صلي الله عليه وآله فإنه يتعرض لضغوط كثيرة ممن حوله ومن مجتمعه. وهذا مورد من موارد محو دين الله.

ينبغي لنا جميعاً أن لا نعمل ما يستاء منه رسول الله صلي الله عليه وآله وإمام زماننا الحجة المنتظر عجّل الله تعالي فرجه الشريف. فلو لم يترك الناس السُنّة النبوية هذه لما واجه الشباب والشابات الموانع الكثيرة في زواجهم، وما كانت تحدث هذه الكثرة من المشاكل والمعاصي. فاسعين في أن لا تكنّ ممن يزيد في حدّة هذه الأزمة. وإن لم تمتثلن لهذه السنة النبوية الشريفة فلا تلمن من يمتثل لها، فيتأذي الإمام منكنّ.

إن القرآن الكريم وتعاليم أهل البيت سلام الله عليهم هما ضمانا سعادة العائلة والمجتمع. فإذا راعي الأبوان ما يلزم في تربية أولادهما فإنهما سوف يرتاحان ولن يواجها الكثير من المشاكل في المستقبل.

كما أن كُلاً من الزوجين لو أدّيا ما عليهما من الواجب الذي قرّره الدين كقوله تعالي: ?وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ? فإنهما سيسعدان في حياتهما.

إنّ في الإسلام أنّ المديون الذي لا يملك من المال ما يمكنه أن يسدّد به ديونه فإنه لا يُسجن، وعلي الحكومة الإسلامية أن تعينه في تسديد دَينه. فقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله: «من ترك دَيناً أو ضياعاً فإليَّ وعليَّ». بينما في مجتمعاتنا يُسجن وكذا الكثير مما هو مخالف للإسلام وأحكامه.

أوصي المؤمنات، بأربعة اُمور:

1. تعلّمن أحكام الله سبحانه وعلمنها الآخرين وبالخصوص أولادكنّ. ويمكنكنّ الاستعانة بالرسالة العملية والكتب الفقهية

المبسطة.

2. احرصن علي تسهيل الزواج، وليكن الدِين وحُسن الخُلُق هما الملاك عندكنّ في الزواج، وليس المال، فسعادة الزوجين تتحقق في ظل الإيمان والتراحم وليس في الأمور المادية، واسعين في رفع موانع الزواج.

3. تعاملن مع أولادكنّ بالحكمة والموعظة الحسنة، وهيّئن لهم في البيت الأجواء الصالحة والحنونة، حتي يفصحوا لكُنّ عما يدور في فكرهم وما يختلج في صدورهم.

4. اسعين قدر ما تستطعن في سبيل إحياء المنسيّ من أحكام الدين، ولا تكنّ ممن يُعرض عن أحكام الله؛ فيستاء الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف.

ممارسة الهداية من أهم الأعمال

جاء في الحديث الشريف عن النبي صلّي الله عليه وآله: «يا عليّ.. وأيم الله لئن يهدي الله علي يديك رجُلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت».

إن الدنيا وما فيها من مال ومقام وجاه وشخصية وكنوز وما شابه ذلك لا تزن عند الله شيئاً.

أما تبليغ الإسلام ورسالة أهل البيت سلام الله عليهم وإنقاذ الناس من الجهل والضلال وإخراجهم من الظلمات إلي النور، فهذه الأمور من أفضل الأعمال عند الله سبحانه وأكثرها قيمة وقدراً، بل أفضل من كل ما تطلع عليه الشمس وتغرب، كما ورد في الحديث الشريف.

حاولن في شهري محرم الحرام وصفر الخير أن تملأن صحيفة أعمالكن بأفضل الأعمال وهي السعي في هداية الناس إلي نور أهل البيت الأطهار سلام الله عليهم، وهذا العمل بحاجة إلي مقدّمات ثلاث هي:

1. علم واسع: فعبّئن أنفسكن تعبئة علمية جيّدة. فالإنسان مهما يكن عالماً ومهما يدرس فإنه بحاجة دوماً إلي المزيد والمزيد من العلم والمعرفة. وقد خاطب الله تعالي نبيّه صلّي الله عليه وآله: ?وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا?. وكلما كان للإنسان زخم علمي واسع كان أكثر توفيقاً.

2. أخلاق فاضلة: فالتزمن بأخلاق الإسلام كالصبر والحلم، مع

كل من تتعاملن معها مسلمة كانت أو غير مسلمة. فكلما كان الإنسان أحسن خلقاً كان موفّقاً أكثر. وكلما كانت أخلاق القائم بهداية الناس أحسن اهتدي بسببه اُناس أكثر. وكانت أعماله أثمن وأكثر قيمة عند الله جلّ وعلا. وأوصيكن بهذا الصدد أن تقرأن المجلّد العشرين من موسوعة بحار الأنوار الذي تضمّن قصص إبتداء بعثة النبي صلّي الله عليه وآله، وما تعرّض له وهو أشرف الأولين والآخرين من شدائد نفسية وبدنيّة في سبيل هداية الناس وإرشادهم. واقتدين أيضاً في ذلك بالأئمة الأطهار.

رُوي أنّ رجلاً نصرانياً قال للإمام الباقر سلام الله عليه: أنت بقر.

قال: أنا باقر.

قال: أنت ابن الطبّاخة.

قال: ذاك حرفتها.

قال: أنت ابن السوداء الزنجية البذية.

قال: إن كنت صدقت غفر الله لها وإن كنت كذبت غفر الله لك.

يقول الراوي: فأسلم النصراني.

يُنقل في أحوال الشيخ نصير الدين الطوسي رضوان الله تعالي عليه أنه ذات مرّة كتب له شخص رسالة تضمّنت السبّ والشتم. ومن جملة ما كتبه فيها: أنت كلب.

فأجابه الشيخ الطوسي: أنّ قولك كلب فهذا خطأ، لأن الكلب يمشي علي أربع وأنا أمشي علي رجلين. والكلب نابح وأنا ناطق.

كان بإمكان الشيخ الطوسي أن يعاقب ذلك الشخص بإشارة منه لأنه في حينها كان له موقع سياسي مهم، وكان من كبار علماء عصره، لكنه حلم عن ذلك الشخص.

3. تأسيس المؤسسات. هذا الأمر من الباقيات الصالحات. فلتسع كل واحدة منكن في تأسيس وإنشاء مؤسّسات ثقافية ودينية واجتماعية. وحاولن أن تهدين الأخريات بواسطة قلمكن علاوة علي العمل واللسان، وذلك بالتأليف وإصدار المجلات، فهذا الأمر من جملة العمل المؤسساتي.

إن الهداية من أهم الأعمال عند الله سبحانه وأفضلها، وكان هدف مولانا سيد الشهداء الإمام الحسين صلوات الله عليه من تضحيته بدمه الطاهر وبمهجته الطاهرة يوم

عاشوراء هو هداية الناس، كما في زيارته سلام الله عليه: «وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة».

بلوغ مراتب الإيمان العظيمة يستلزم بذل الجهود والمساعي

إن بلوغ مراتب الإيمان العالية يستلزم بذل الجهود والمساعي، وغضّ الطرف عن كثير من اللذات الدنيوية. فإذا عزم المرء وصمّم وبني أمره بصدق وإخلاص علي أن يكون جيّداً وصالحاً، فإنّه سينال ذلك.

إن الصبر يعني تحمّل الصعوبات. والحلم يعني الصفح عن الجهلاء مع وجود القدرة علي ردّهم. وقد عدّ القرآن الكريم الحلم من صفات المؤمنين.

كل واحدة منكنّ أنتنّ المحترمات يمكنها أن تصبح قدوة لسائر النساء بالعزم والتصميم علي الصلاح.

العلم

أمران للموفقية في طلب العلم

هنالك العديد من الناس يبدأون بدراسة العلوم الدينية ولكن القليل منهم يوفّق ويصبح عالماً حقيقياً، فما هو السّبب؟

إن من أسباب الموفقية هو التواضع والصفح.

هاتان الخصلتان هما من أهم الصفات الأخلاقية، وكلّ من تحلّي بهما وُفّق في اُموره أكثر. فالشيخ الصدوق والشيخ المفيد والشيخ الطوسي والسيد بحر العلوم رضوان الله تعالي عليهم تفوّقوا في الدراسة وخلدت أسماؤهم بتحلّيهم بهما.

أنتن المؤمنات موفقيتكن منوطة بنسبة التزامكنّ بالتواضع والصفح.

فضل العالم علي العابد

إنني أشكر جميع المؤمنات اللاتي عملن في الماضي أو يعملن في الحاضر وأدعو لهنّ، واُذكّرهن بأن الله سبحانه وتعالي قد حباهنّ بتوفيق عظيم، ينبغي لهن السعي من أجل حفظ هذا التوفيق، والإستمرار علي هذا الطريق، حتي بعد انتهاء العطلة الصيفية، واستثمار كلّ المناسبات والفرص المتاحة. وأذكّر بمسألتين مهمّتان:

1. أصول الإسلام.

2. آداب الإسلام.

مهما يتعلّم الإنسان أصول الدين وآدابه فإنّه بحاجة إلي تعلّم المزيد.

مساهمة المرأة في تعريف أهل البيت للعالم

رُوي عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال: «طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة»، فكما أن الصلاة والصيام والزكاة وواجباتٌ والحجّ بشرائطها كذلك طلب العلم.

إن من العلوم الإسلامية: 1. أصول الدين 2. فروع الدين 3. الأخلاق والآداب. فهذه الثلاثة في الصدر من حيث لزوم تعلّمها.

لقد ذكر التاريخ نساء كثيرات قمن بهداية الآخرين ومنهن زوجة زهير بن القين أحد أصحاب الإمام الحسين سلام الله عليه. فقد كان زهير عثماني الهوي، وكان في طريقه إلي العراق من مكّة المكرّمة، فعلم أن الإمام الحسين سلام الله عليه أيضاً في المسير نفسه.

رووا في أحوال زهير أنه كان في مسيره يجتنب أن ينازل الحسين في منزلٍ، حتي إضطرّ إلي ذلك فجاء رسول الحسين سلام الله عليه وقال:

يا زهير بن القين، إن أبا عبد الله الحسين بعثني إليك لتأتيه.

فطرح كل إنسان ما في يده حتي كأنّ علي رؤوسهم الطير.

فقالت له امرأته: سبحان الله أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه؟! لو أتيته فسمعت من كلامه، ثم انصرفت.

فأتاه زهير بن القين. فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه فأمر بفسطاطه وثقله ورحله ومتاعه فقوّض وحمل إلي الحسين سلام الله عليه ثم قال لامرأته: أنت طالق، إلحقي بأهلك فإني لا أحبّ أن يصيبك بسببي إلا خير.

ثم

قال لأصحابه: من أحبّ منكم أن يتبعني وإلا فهو آخر العهد».

إن المرأة تستطيع أن تبدّل وتغيّر حياة إنسان من عدوّ لأمير المؤمنين إلي محبّ وتابع له سلام الله عليه. وقد صار زهير بفضل كلام زوجته ممن يخاطبهم يومياً الآلاف من الناس: بأبي أنت وأمّي.

أنتن يمكنكن أن تقمن بدور هداية الآخرين. فاغتنمن أوقاتكنّ في طلب العلم، وعلّمن نظيراتكنّ من الأقارب والصديقات ما تفضّل الله به عليكن حتي يهتدين إلي نور الأئمة الأطهار الهداة من آل رسول الله صلي الله عليه وآله.

ينبغي تعلّم العلم لله ولإظهار الحق

رُوي أنّه قال رجل لأبي عبد الله سلام الله عليه: والله إنّا لنطلب الدنيا ونحبّ أن نؤتاها. فقال: تُحِبُّ أَنْ تَصْنَعَ بِهَا مَاذَا؟ قال: أعود بها علي نفسي وعيالي وأصلُ بها وأتصدّق بها وأحجّ وأعتمر. فقال أبو عبد اللَّهِ سلام الله عليه: لَيْسَ هَذَا طَلَبَ الدُّنْيَا هَذَا طَلَبُ الآخِرَةِ».

فالمال وسيلة والعلم وسيلة وهكذا الشخصية والزعامة والرئاسة. وكلّ هذه إن لم يكن من ورائها هدف صحيح ولم تكن لله تعالي فهي أهون عند الله من الجدي الأسك (وهو ابن الماعز الميّت المشوّه). كما في الحديث النبوي الشريف.

إن طالبات العلوم الدينية، هنّ في الواقع طالبات أحكام الله جلّ شأنه، وطالبات علوم رسول الله وأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، وطالبات علوم القرآن الكريم وطالبات أخلاق الاسلام وآدابه وأصوله.

وُرد في الحديث الشريف : «العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء» والإنسان الذي يكون تعلّقه بالدنيا أقل يقذف الله النور في قلبه أكثر.

الزوج الذي يسيء الخلق مع زوجته لأجل كون الطعام بارداً أو ساخناً فهذا يكون متعلقاً بالدنيا. والزوجة التي تنازع زوجها في أمور الدنيا فهي أيضاً تكون من المتعلقات بالدنيا. فيجدر أن يكون التعامل فيما بين الزوج والزوجة،

والآباء والأولاد، والأرحام، والأصدقاء، تعاملاً يكون الله سبحانه هو الهدف في كلّ ذلك. بل يلزم أن يكون تعامل المؤمنين مع الكافرين هكذا. فرسول الله صلي الله عليه وآله رغم كل ما لاقاه من الأذي من قريش، كان يقول: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون».

أنتن الآن في طريق الإسلام، وطريق القرآن وطريق رسول الله وأهل البيت، فحاولن أن تقلّلن من تعلّقكن بالدنيا. فعلي طالبة العلم أن تكون يقظة عندما تُناقش أو تتباحث أو تكتب، فلا يسوّل لها الشيطان بأن يكون هدفها التفوق علي أقرانها بل ليكن الهدف إظهار الحق حقاً والباطل باطلاً.

كلّما تحلّت الطالبة بحسن الخلق أكثر كان علمها أزيد وأصحّ

جاء في الحديث الشريف عن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قال: «يخبركم حلمهم عن علمهم».

إن طلاّب العلم علي نوعين: فبعض يتعلّم كي ينتفع وينفع غيره، أي يكون هدفه من التعلّم الارتقاء في طاعة الله عزّ وجلّ، فهؤلاء يسمّون بحملة العلم. وبعض يستغلّ العلم ويجعله أداة للوصول إلي مصالحه الشخصية.

إن الحلم مرآة العلم، فكلما يزداد الإنسان في التزامه بالأخلاق الفاضلة وأهمّها الحلم، ترتفع درجة استفادته من نور العلم.

إن قول الرسول صلّي الله عليه وآله وفعله وتقريره حجّة وإن العلم الحقيقي كان عنده، لذلك فإن الكثير ممن صحبوا الرسول كانوا علماء، ولكن ليس معني هذا أن الصحابة كلّهم كانوا صالحين. فهذا القرآن الكريم يشير إلي قسم منهم فيقول: ?وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَي النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَي عَذَابٍ عَظِيمٍ?.

وليس اليهود أو النصاري أو المشركون هم المقصودين في هذه الآية، بل إنها بالنسبة إلي قسمٍ ممن كانوا مع رسول الله صلّي الله عليه وآله.

إنّ المقداد وأبو ذر وسلمان كانوا من الصحابة الصالحين ولكن حتي

هؤلاء اختلفت مستويات ودرجات إيمانهم أيضاً. وهكذا هو الحال بالنسبة لزوجات النبي اللاتي عشن معه صلّي الله عليه وآله لسنين وكنّ بالظاهر أقرب الناس إليه. فبعض منهنّ كالسيدة خديجة الكبري سلام الله عليها كانت في مستوي بحيث قال في حقّها النبيّ صلّي الله عليه وآله: «وأين مثل خديجة».

وبعض منهنّ كعائشة كانت في مستويً بحيث قال صلّي الله عليه وآله، في حقّها كما روتها الشيعة والعامّة : «هاهنا الفتنة ثلاثاً من حيث يطلع قرن الشيطان».

إن العلم وحده غير كاف بل يحتاج إلي تزكية النفس وتهذيبها وتحلّيها بالأخلاق الحسنة وأهمها هو الحلم. فالإمام الحسن المجتبي سلام الله عليه بحلمه غيّر الرجل الشامي من مبغض لأهل البيت إلي محبّ لهم سلام الله عليهم.

إن أبانا آدم عليه السلام بني الكعبة المشرّفة وهو أوّل من حجّ البيت، أما النبي إبراهيم علي نبيّنا وآله وعليه السلام فقد جدّد بناء الكعبة، لكن في القرآن الكريم نري أن الله سبحانه وتعالي يذكر إبراهيم وتجديده لبناء الكعبة وكأن الخليل هو الذي بناها: ?وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ?. وهذا يدلّ علي علو ورفعة مقام إبراهيم.

ولقد كرّم الله تعالي نبيّه إبراهيم أن جعل مقامه مكاناً للصلاة حيث قال: ?وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّي?. وأعتقد أن سبب ذلك هو اتصافه عليه السلام بالحلم: ?إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ?.

هذا يدل علي أهمية الحلم. فإبراهيم كانت له صفات أخلاقية عالية أخري كثيرة، لكن الله تعالي ذكره بالحليم.

فاسعين في الالتزام بالحلم أكثر وأكثر حتي توفّقن أكثر إن شاء الله.

متفرقات

الأخ السيد الفقيد

كان الأخ السيد الفقيد قدس سره شديد العلاقة بالله تعالي وكثير الدعاء، وكثيراً ما كان يلجأ إلي الله تعالي وإلي أوليائه الذين جعلهم

أبواباً لرحمته، في كلّ مهمّة وملمّة.

كان رحمه الله دائم الذكر وكان مواظباً علي ذكر (لا إله إلا الله) ألف مرة في كل ليلة. وكانت دموعه تنهمر عندما يذكر الآخرة، أو يقرأ عبارة ما حول الموت ونحوه. وكان كثير الذكر لولّينا الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالي فرجه الشريف، حيث كان رحمه الله يكتب رقعة الحاجة له كثيراً.

وكان في علاقته مع أفراد المجتمع كالأب الحنون مع أولاده. فكان يحبّ الخير للجميع، ويسعي في حلّ مشاكلهم، ويثير فيهم مشاعر الخدمة. فمثلاً: كان يحثّ الأعزب علي الزواج، والخطيب علي التأليف، والمرأة علي أن تكون مؤلّفة وخطيبة و … وكل من جلس عنده، كان يشعر عند خروجه منه بأن عليه أن يكون عظيماً.

وقد عاش قدس سره في منتهي البساطة وكان نموذجاً نادراً في الزهد. فلم يشترِ لنفسه شبراً من الأرض، حتي الدار التي كان يسكنها لم تكن ملكاً شخصياً له بل كانت وقفاً. فمثلاً في شرائه لعباءة كان يختار الأقلّ ثمناً. وطول مدة حياته علي ما عاشرته قدس سره لم يغترّ بمتاع الدنيا وزبرجها.

ومن أبرز سماته رحمه الله تعالي أنه كان واسع الهمّة كثير التطلّع حتي أنّه كان يطمح في هداية جميع الكفار إلي الإسلام وجميع المسلمين إلي مذهب أهل البيت وأن يتحد الشيعة فيما بينهم.

ومن طموحاته وتطلّعاته رحمه الله أنه كان يحثّ علي إنشاء إذاعة للبثّ باللغة العبرية لهداية اليهود، وإنشاء قناة فضائية، وبناء حسينية في موسكو وفي فرنسا، وكان يفكّر في هداية العلويين القاطنين في تركيا والذين يصل عددهم إلي حوالي عشرين مليون نسمة.

يبقي علينا وأخصُّ بالذكر نفسي أن نحاول في تحقيق ما لم يتمكّن رضوان الله عليه من تحقيقه في حياته، فما أوصي به رحمه الله

هو تركة كبيرة ومهامّ ثقيلة في مختلف أبعادها المرجعية والاجتماعية والثقافية والدينية، أسأل الله تعالي لي ولكم العون والتوفيق.

خدمة الشعب العراقي

عاش العراقيون منذ أكثر من 30 عاماً في ظل أنواع المعاناة والتعذيب، فعلي المؤمنين والمؤمنات أن يعملوا ما بوسعهم في خدمة هذا الشعب المظلوم ولا يتركوا شؤون هذا الشعب للأجانب!

أهمية الزواج

يحظي الزواج في الاسلام بأهمية خاصة وكبيرة، فقد عبّر عنه الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله بأنه من سنّته الشريفة. فكلّ من يتزوّج يكون قد عمل ب سنّة مهمةٍ من سنن الرسول صلي الله عليه وآله ويكمل نصف دينه.

پي نوشتها

() الكافي للكليني: ج1، ص406، ح6، باب ما يجب من حقّ الإمام علي الرعية وحق الرعية علي الإمام.

() انظر تفسير العياشي: ج1، ص319، رقم 109، مورد تفسير سورة المائدة، الآية: 38.

() وسائل الشيعة: ج27، باب4، عدم جواز القضاء والافتاء بغير علم، ص27، ح 33119.

() منية المريد: الفصل3، في فضل العلم، ص110.

() تهذيب الأحكام، للشيخ الطوسي: ج2، باب12، فضل الصلاة والمفروض منها و..، ص237، ح5.

() مستدرك الوسائل: ج8، باب72، وجوب كف الأذي عن الجار، ص423، ح13.

() من لا يحضره الفقيه: ج1، باب ما يصلّي فيه وما لا يصلّي فيه، ص253، ح775.

() الكافي للكليني: ج5، ص106، ح4، باب عمل السلطان وجوائزهم.

() انظر كتاب الغيبة للنعماني: ص42، الباب الثاني.

() راجع الكافي للكليني: ج2، ص596، ح1، كتاب فضائل القرآن.

() مكارم الأخلاق للطبرسي: ص464، الفصل الخامس.

() سورة النجم، الآية: 42.

() دلائل الإمامة للطبري: ص112 ضمن خطبة الزهراء سلام الله عليها.

() مكارم الأخلاق للطبرسي: ص459، الفصل الخامس.

() الكافي للكليني: ج8، ص337، ح532.

() سورة المؤمنون، الآية: 99.

() أنساب الأشراف، للبلاذري: ج5، ص30.

() تحف العقول للحرّاني: ص123، آدابه عليه السلام لأصحابه.

() راجع عيون أخبار الرضا سلام الله عليه للصدوق: ج1، ص70، ح282، في مدح علي سلام الله عليه وأولاده.

() الأمالي للصدوق: ص200، ح8، المجلس 28.

() مستدرك الوسائل: ج10، باب 28، استحباب زيارة النساء الحسين: ص259: ح1.

() مجمع النورين للمرندي: ص14.

() انظر شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج5، ص129، أخبار متفرقة عن معاوية.

() انظر النص والاجتهاد

لشرف الدين الموسوي: ص598، رقم 165، عبد الله بن عمر والبيعة.

() سورة المائدة، الآية: 68.

() إشارة إلي قوله تعالي: ?يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ?، سورة المائدة، الآية: 67.

() سورة الشوري، الآية: 13.

() سورة آل عمران، الآية: 19.

() انظر اللهوف في قتلي الطفوف لابن طاوس: ص42، في خروجه سلام الله عليه.

() سورة الأنفال، الآية: 42.

() راجع الذريعة للطهراني: ج7، ص232، رقم 1122.

() راجع الذريعة للطهراني: ج20، ص152، رقم 2353.

() راجع كتاب الكني والألقاب للشيخ عباس القمّي: ج3، ص114115، ترجمة كشاجم.

() عيون أخبار الرضا سلام الله عليه: ج2، ص275، ح69.

() سورة المائدة، الآية: 82.

() راجع كتاب أُصول الكافي: ج1، ص407، الحديث4.

() كامل الزيارات لإبن قولويه: ص217، ح4، باب37.

() كامل الزيارات، لإبن قولويه: ص237، ح4، باب43.

() منية المريد: الفصل الأوّل في أقسام العلوم الشرعية، ص368.

() مستدرك الوسائل: ج4، باب45، نوادر ما يتعلق بأبواب قراءة القرآن، ص372، ح5.

() سورة يونس، الآية: 14.

() تفسير أطيب البيان: ج13، ص225.

() تفسير الإمام العسكري سلام الله عليه: ص340، ح216.

() مستدرك الوسائل: ج10، ص368، رقم3، باب 74.

() عدة الداعي للحلّي: ص56، القسم الخامس، ما يتركب من الدعاء والمكان.

() مسند زيد بن علي: ص474، الباب الخامس.

() سورة الإسراء، الآية 84.

() الخصال للصدوق: ج1، السؤال عن الثقلين يوم القيامة، ص65.

() الاحتجاج للطبرسي: ج1، احتجاج فاطمة الزهراء سلام الله عليها علي القوم …، ص102.

() كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: ص240، ح63، الباب 22.

() مجموعة ابن ورام: ج1، ص87.

() سورة الأعراف، الآية: 199.

() راجع بحار الأنوار: ج68، ص426، رقم 72.

() سورة الأحزاب، الآية: 21.

() سورة النحل، الآية: 96.

()

بحار الأنوار: ج97، باب5، زياراته صلوات الله عليه المختصة ب …، ص361.

() الاحتجاج: ج1، احتجاجه سلام الله عليه علي جماعة كثيرة من المهاجرين …، ص153.

() بحار الأنوار: ج31، باب25، الاحتجاج علي المخالفين، الاحتجاج الرابع، ص180.

() وسائل الشيعة: ج17، باب26، كراهة البيع بربح الدينار دينار …، ص421، ح22897.

() بحار الأنوار: ج100، باب5، آداب الدَين وأحكامه، ص155، ح4.

() بحار الأنوار: ج97، باب5، زياراته صلوات الله عليه المختصة ب …، ص361.

() سورة المائدة: الآية 67.

() بحار الأنوار: ج34، ص384.

() أصول الكافي: ج1، باب فيه نكت ونتف من التنزيل …، ص420، ح42.

() سورة الفرقان، الآية: 77.

() سورة النجم، الآية: 39.

() سورة الانشقاق، الآية: 6.

() مكارم الأخلاق للطبرسي: ص460، الفصل الخامس.

() النوادر للراوندي: ص144، الفصل الثاني عشر.

() الكافي للكليني: ج2، ص603، ح3، باب فضل حامل القرآن.

() سورة البقرة، الآية: 185.

() سورة العنكبوت، الآية: 45.

() سورة الحج، الآية: 5.

() سورة آل عمران، الآية: 200.

() المستدرك علي الوسائل للنوري: ج8، ص303، ح4، باب44.

() بحار الأنوار للمجلسي: ج62، ص65.

() سورة النحل، الآية: 96.

() الاستبصار للطوسي: ج1، ص235، ح13، باب المتصيّد، يجب عليه التمام أو التقصير.

() سورة النساء، الآية: 165.

() انظر إعلام الوري بأعلام الهدي للطبرسي: ج1، ص239.

() سورة الأحزاب، الآية: 21.

() راجع معاني الأخبار للصدوق: ص180، ح1، باب معني قول الصادق سلام الله عليه من تعلم علماً …

() انظر الاختصاص للمفيد: ص26.

() مسند زيد بن علي: ص474، الباب الخامس..

() مشكاة الأنوار للطبرسي: ص393، الباب العاشر.

() المناقب لإبن شهر آشوب: ج4 فصل في معالي أموره سلام الله عليه، ص207.

() سورة البقرة، الآية: 194.

() راجع تفسير القمي: ج2، ص99، مورد تفسير سورة النور، الآية: 11.

() سورة الأحزاب، الآية: 31.

() الكافي: ج2، ص453، ح2، باب محاسبة

النفس.

() سورة الإسراء، الآية: 7.

() سورة فصّلت، الآية: 46.

() متشابه القرآن ومختلفه، لابن شهر آشوب المازندراني: ج1، ص118.

() سورة النمل، الآية: 89.

() سورة التحريم، الاية: 11.

() علل الشرائع للصدوق: ج1، ص181، ح1، باب144.

() سورة الفرقان، الآية: 77.

() الدعوات، للراوندي: ص18، ح8، الفصل الأوّل.

() انظر وسائل الشيعة للعاملي: ج12، ص25، ح3، باب12.

() ديوان أمير المؤمنين سلام الله عليه: قافية حرف الراء.

() سورة الحشر، الآية 9.

() عدة الداعي: ص314.

() سورة النجم، الآية: 39.

() سورة المائدة، الآية: 35.

() مشكاة الأنوار للطبرسي: ص374، الباب العاشر.

() مسند زيد بن علي: ص475، الباب الخامس.

() مستدرك سفينة البحار: ج4، ص111، كلام الإمام الكاظم سلام الله عليه في صلة الرحم.

() الكافي للكليني: ج2، ص303، ح4، باب الغضب.

() عيون الحكم والمواعظ للواسطي: ص456.

() سورة الأنبياء، الآية: 35.

() علل الشرائع للصدوق: ج2، ص559، ح1، باب 352.

() غوالي اللئالي للاحسائي: ج1، ص280، رقم 115، الفصل العاشر.

() سورة الإنسان، الآية: 1.

() انظر روضة الواعظين للنيسابوري: ص160، مجلس في ذكر إمامة السبطين …

() سورة العصر، الآيات: 13.

() سورة العنكبوت، الآية: 69.

() الأمالي للصدوق: ص353، ح9، مجلس 47.

() الكافي للكليني: ج2، ص129، ح9.

() سورة العصر، الآية: 3.

() شرح أصول الكافي للمازندراني: ج9، ص312، رقم4.

() سورة الأعراف، الآية: 96.

() مستدرك الوسائل ج11، باب 20، وجوب تقوي الله …، ص264، ح12951.

() مشكاة الأنوار للطبرسي: ص393 الباب العاشر.

() قرب الاسناد للحميري: ص74، رقم 240.

() الكافي: ج8، حديث القباب، ص244.

() نهج البلاغة: باب خطبه سلام الله عليه، ص348، خ226، في التنفير من الدنيا.

() سورة إبراهيم، الآية: 7.

() وسائل الشيعة: ج16، باب95، أنه يجب علي الإنسان أن يتلافي …، ص94، ح21073.

() سورة الحجر، الآية: 47.

() علل الشرائع للصدوق: ج1، ص310.

() محاسبة النفس للكفعمي: ص54،

النهي عن الركون إلي الدنيا.

() نهج البلاغة: ج3، ص56، من وصية له لولده الحسن سلام الله عليه.

() شرح كلمات أمير المؤمنين سلام الله عليه للبحراني: ص30، ح35.

() راجع معاني الأخبار للصدوق: ص180، ح1، باب معني قول الصادق سلام الله عليه من تعلّم علماً …

() سورة الشوري، الآية: 13.

() سورة النحل، الآية: 97.

() سورة طه، الآية: 105.

() من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج1، ص194، رقم 596، باب النوادر.

() سورة النحل، الآية: 92.

() مكارم الأخلاق للطبرسي: ص457، الفصل الرابع في موعظة رسول الله صلّي الله عليه وآله.

() سورة النحل، الآية: 96.

() سورة الزلزلة، الآيتان: 78.

() مستدرك وسائل الشيعة: ج17، باب11، ص317، ح21460.

() وسائل الشيعة: ج27، باب8، ص92، ح33425.

() عوالي اللئالي: ج1، ص364.

() الكافي: ج8، ص162، حديث أن الناس يوم القيامة …

() اصول الكافي: ج2، باب حق المؤمن علي أخيه، ص171، ح8.

() سورة الإسراء، الآية: 7.

() نهج البلاغة: ج4، ص19 رقم 86، باب المختار من حكم أمير المؤمنين سلام الله عليه.

() سورة الشوري، الآية: 13.

() سورة الأنعام، الآية: 72.

() سورة البقرة، الآية: 183.

() سورة آل عمران، الآية: 97.

() سورة آل عمران، الآية: 19.

() بحار الأنوار: ج61، الباب10، ص244.

() الكافي للكليني: ج8، ص234، ح312.

() مستدرك الوسائل للنوري: ج15، ص164، ح1، باب59.

() أصول الكافي: ج2، كتاب فضل القرآن: ص598، ح2.

() سورة المطففين، الآية: 26.

() تفسير الإمام العسكري سلام الله عليه: ص314، مورد تفسير سورة البقرة، الآية: 80.

() سورة الزلزلة، الآيتان: 7 و8.

() مستدرك الوسائل: ج18، باب20، نوادر ما يتعلق بأبواب قصاص الطرف، ص287، ح2.

() وسائل الشيعة: ج27، باب 8، وجوب العمل بأحاديث النبي صلي الله عليه وآله، ص92، ح33297.

() سورة الزلزلة، الآية: 7.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص238.

() اُنظر مناقب

ابن شهر آشوب: ج3، ص184.

() سورة التحريم، الآية: 11.

() مصباح المتهجد: ص67، دعاء السحر في شهر رمضان.

() سورة التحريم، الآية: 11.

() الكافي للكليني: ج4، ص545، ح26، باب النوادر.

() مستدرك الوسائل للنوري: ج3، ص421، ح2، باب41.

() سورة عبس، الآيات: 3437.

() سورة الرعد، الآية: 29.

() سورة الشوري، الآية: 13.

() سورة آل عمران، الآية: 19.

() سورة الأنفال، الآية: 42.

() وسائل الشيعة: ج9، باب46، استحباب الصدقة بأطيب المال، ص446، ح12513.

() سورة البقرة، الآية: 134.

() سورة النمل، الآية: 89.

() ثواب الأعمال: ثواب الصدقة، ص140.

() سورة التوبة، الآية: 114.

() سورة الحجرات، الآية: 13.

() اُنظر بحار الأنوار: ج72، ص256، ح45.

() سورة الحجرات، الآية: 12.

() سورة التحريم، الآية: 11.

() مصباح المتهجد: ص67، دعاء السحر في شهر رمضان.

() سورة الشوري، الآية: 13.

() انظر الإحتجاج للطبرسي: ج2، ص34.

() بحار الأنوار: ج50، ص63، ح39.

() الأمالي للطوسي: ص325، ح99، مجلس 11، الحسين سلام الله عليه في درجة النبي صلّي الله عليه وآله.

() جامع الأخبار للشعيري: الفصل الثالث والثلاثون والمائة …، ص167.

() سورة البقرة، الآية: 43.

() سورة البقرة، الآية: 43.

() سورة التغابن، الآية: 16.

() سورة لقمان، الآية: 14.

() سورة الأنفال، الآية: 75.

() مكارم الأخلاق للطبرسي: ص460، الفصل الخامس.

() روضة الواعظين للنيسابوري: ص136، مجلس في ذكري وفاة أمير المؤمنين سلام الله عليه.

() سورة الرعد، الآية: 39.

() الاحتجاج: ج1، احتجاج علي سلام الله عليه علي زنديق، ص258.

() تفسير القمي: ج1، خطبة النبي صلي الله عليه وآله، ص173.

() كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: ص513514، الباب45.

() سورة البقرة: الآية 228.

() الكافي للكليني: ج1، ص406، ح6، باب ما يجب من حق الإمام علي الرعية.

() تهذيب الأحكام: ج6، باب62، الدعوة إلي الإسلام، ص141، ح2.

() سورة طه، الآية: 114.

() المناقب لإبن شهر آشوب: ج4، فصل

في معالي أموره سلام الله عليه، ص207.

() الكامل في الزيارات: زيارة أخري …، ص222.

() مستدرك الوسائل: ج17، باب4، عدم جواز القضاء والافتاء بغير علم و..، ص249، ح17.

() بحار الأنوار: ج44، باب37، ماجري عليه بعد بيعة الناس، ص370.

() المصدر نفسه: ج5، باب الاستعانة بالدنيا علي الآخرة، ص72، ح10.

() الكافي: باب ذم الدنيا، ج2، ص129، ح9.

() مصباح الشريعة: ج5، الباب السادس في الفتياء، ص16.

() بحار الأنوار: ج11، باب 3، بعثته صلّي الله عليه وآله و..، ص298.

() نهج البلاغة: باب الخطب، ص357، الخطبة 239، يذكر سلام الله عليه فيها آل محمد.

() سورة التوبة، الآية: 101.

() كشف الغمة: ج1، في ذكر تزويجه صلي الله عليه وآله فاطمة سلام الله عليها …، ص360.

() الطرائف: ج1، سوء أدب عائشة مع النبي صلي الله عليه وآله وشدّة حسدها …، ص297.

() سورة البقرة، الآية: 127.

() السورة البقرة، الآية: 125.

() سورة التوبة، الآية: 114.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.