صلاح الدين والتعصب الطائفي

اشارة

اسم الكتاب: صلاح الدين والتعصب الطائفي

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

الموضوع: صلاح الدين والتعصب الطائفي

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1425 ق

الطبعة: اول

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

ورد في لسان العلماء: (رب مشهور لا أصل له).

فإذا قدر أحدنا أن يشاهد ويطالع ما سيكتب التأريخ عن أيامه هذه بعد مائة عام أو أكثر، فربما ستعتريه الدهشة ويأخذه الذهول؛ إذ لعله سيقرأ عن بطولات وأمجاد وحقبة ذهبية مرت بها الأمة العربية والعراق خاصة، نتيجة لتصدي حزب البعث! لقيادة الأمة، هذا التصدي المتجسد بأبرز شخوصه ألا وهو صدام التكريتي وذلك لبعض التضليل في الإعلام وما أشبه.

أما إذا كتب التأريخ بأقلام مأجورة، كالتي مرت علينا، مما زالت الأمة تعاني من تركتها الثقيلة، كتلك الأقلام التي كتبت عن تأريخ الأمة بالصورة التي يراها سلاطين ذلك الوقت وأعداء الإسلام، فهذا هو الطامة الكبري علي الأجيال اللاحقة، نعم هكذا عودنا كتّاب التأريخ إلا ما شذ وندر.

فكثيراً ما تعطي الأسماء ظلالا لمسمياتها إن كان بالتطابق أو بالعكس.. فالاسم يخبر عن مسماه، ولذا أمرنا أن نختار الأسماء الجميلة لأبنائنا وهذا حق من حقوق الولد علي والديه، كما ورد في الأحاديث الشريفة، والابتعاد عن الأسماء التي لها ظلال سلبية.

والتاريخ لاسيما السياسي يفعل فعله من هذه الناحية، فيرفع مَن حقه الخفض، ويخفض مَن حقه الرفعة والسمو، وهذا امتحان للطرفين للأمة والمجتمع، ولذاك الشخص أيضا.

وتأريخ أمتنا الإسلامية بالخصوص مازال ثريا بهكذا مصائب، حتي صارت أنظار أجيالنا مشدودة إلي بعض الحثالة ممن كان له الدور الكبير في تغيير مجريات الأمور، فينظرون إليهم كنجوم وأبطال ولكن في عالم السينما وليس في عالم السماء، أو كنجم الأرض وعشبها التافه.

ومن أولئك الذين بهروا الأنظار: الحكام الطغاة الذين

ظلم المؤرخون أجيال الأمة ممن جاؤوا بعدهم بالصورة التي كونت لهم، أعني أمثال: معاوية وعبد الملك بن مروان وهارون العباسي وصلاح الدين التكريتي.. وأضرابهم، من أولئك الطغاة الذين ملكوا الناس بالحديد والنار والخديعة والغدر، فحكموا الشعوب الإسلامية وأرهبوا معارضيهم ومخالفيهم بما فعلوا بهم من قتل وتشريد وملاحقة، تحت كل حجر ومدر، فحاربوا كل من كان له رأيً مخالفً لهم، وإن في صلاح الحياة الاجتماعية لا سيما الدينية منها، فقتلوا المعارضين وضربوا بيد من حديد كل المصلحين وأجبروا الناس علي تشدقهم وتملقهم والتسبيح بحمدهم.. فعلوا ذلك بكل مكر وخبث ودهاء سياسي عجيب.. وجمعوا حولهم من الأفاكين والدجالين يقصون ويروون الأحاديث الممجدة لأولئك الذين أغدقوا عليهم الهبات والعطايا من كل الأنواع والأصناف.

ويوسف بن أيوب المعروف بصلاح الدين الأيوبي التكريتي المولد والنشأة، من أولئك الذين حكموا بدهاء وروجوا لأفكارهم بخبث، وطمسوا علي أفعالهم الشنيعة بحسن الصبغة من قبل غيرهم، فكتبوا عنه الكثير، ووصفوه بما لم يكن فيه من المكارم والفضائل، وغطوا علي أعماله وشنائعه وجرائمه التي أباد بها أقوام كثيرة لا سيما من شيعة أهل البيت عليهم السلام في مصر وبلاد الشام كلها.

وفي هذا الكتاب يتناول سماحة الإمام الشيرازي الراحل (أعلي الله مقامه) هذه الطاغية التاريخية، التي مازال الكثير من الناس ينظرون إليه بالبطولة والتقديس.. وما هو في الحقيقة ليس إلا صائد مناصب وعطايا الملوك كما هو مشهور عن عائلته، استعمل ذكاءه وقوته بدهاء سياسي كبير، مما أوصله عمله إلي هذه المرتبة التي لا يستحقها، لأنه بني مجده علي رؤوس الأبرياء ورفع شراعه ليمخر في دماء الشهداء.

والجميل الرائع في هذا الكراس لسماحة الإمام الراحل(أعلي الله مقامه): هو مقارنته ما بين صلاح الدين وعبد الناصر وصدام التكريتي من الحكام

المعاصرين.. وقد سقط بحمد الله وهلك طاغية بغداد وجزار القرن العشرين صدام مع حزبه البغيض وزبانيته الظلمة الذين صاروا لعنة الأجيال وسبة الأطفال.

واللافت للنظر هنا أن صلاح وصدام من بلدة واحدة، أي: تكريت.. فهل نعجب من الأقدار وتصرفات الزمان.. أم أننا نعجب كل العجب من هذه الأمة التي ما زالت ساهية غافلة، لا تملك البصيرة القرآنية الإيمانية، رغم كل العقود التي مرت والحقائق التي كشفت، وكل التجارب المرة التي جرعت..؟!.

ونحن في مؤسسة المجتبي أخذنا علي عاتقنا القيام بنشر ما تبقي من تراث الإمام الشيرازي (أعلي الله درجاته) الرائع، ليكون ورقة عمل للباحثين عن الحقيقة التاريخية.. ومقدمة لوعي الأمة الإسلامية، راجين من الله العزيز الحكيم أن يتغمد الإمام الراحل بوافر رحمته، وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

القرآن يأمر بالاتحاد والتآخي

قال الله سبحانه وتعالي: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوانا ().

ورد في تفسير الآية المباركة: وَاعْتَصِمُوا أي: تمسكوا

بِحَبْلِ اللهِ أي دينه وقرآنه، شُبّه بالحبل لمناسبة أن من يتمسك بالحبل لابد وأن يرتفع به للأعلي، وكذلك من يتمسك بالإيمان يصعد به في الدنيا إلي المراتب الراقية وفي الآخرة إلي جنات خالدة

جَمِيعاً أي: جميعكم لا بعضكم دون بعض. وَلا تَفَرَّقُوا بأن يتمسك البعض بحبل الله والبعض بحبل الشيطان، وهذا تأكيد لقوله: (جميعاً) وَاذْكُرُوا أي تذكروا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً قبل الإسلام يعادي بعضكم بعضاً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ جعلها قريبة بعضها إلي بعض، حيث أدخل الإيمان

فيها فخرج ما كان فيها من الضغينة والإحن والحسد والعداوة

فَأَصْبَحْتُمْ أيها المسلمون بِنِعْمَتِهِ أي بسبب نعمة الألفة التي وهبها الله إليكم إِخْواناً أحدكم أخ الآخر في الإيمان، له ما لأخيه وعليه ما عليه. وأن هذه النعمة قد خرقت المقاييس الجاهلية القبلية والعشائرية والعرقية وما أشبهها. وما ورد في بعض الأحاديث أن المراد من حبل الله الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أو الأئمة عليهم السلام أو القرآن، فإنما هي مصاديق جلية().

فقد ورد عن ابن يزيد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوله:

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً؟ قال: علي بن أبي طالب حبل الله المتين ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: آل محمد? هم حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به، فقال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ولا تَفَرَّقُوا ().

وفي (مجمع البيان) في تفسير الآية المباركة: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ قال: أي تمسكوا به، وقيل: امتنعوا به من غيره، وقيل في معني حبل الله أقوال:

أحدها: إنه القرآن، عن أبي سعيد الخدري وعبد الله وقتادة والسدي.

وثانيها: إنه دين الله الإسلام.

وثالثها: ما رواه أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد عليه السلام قال:

نحن حبل الله الذي قال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً.

والأولي حمله علي الجميع، والذي يؤيده ما رواه أبو سعيد الخدري، عن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: أيها الناس إني قد تركت فيكم حبلين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض.

ولا تَفَرَّقُوا معناه: ولا تتفرقوا عن دين الله الذي أمركم فيه بلزوم الجماعة والائتلاف علي الطاعة، واثبتوا عليه.

وقيل: معناه لا تتفرقوا عن رسول الله صلي الله عليه

و اله، عن الحسن.

وقيل: عن القرآن بترك العمل به.

وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ

قُلُوبِكُمْ قيل: أراد ما كان بين الأوس والخزرج، من الحروب التي تطاولت مائة وعشرين سنة، إلي أن ألف الله بين قلوبهم بالإسلام، فزالت تلك الأحقاد.

وقيل: هو ما كان بين مشركي العرب من الطوائل.

والمعني: احفظوا نعمة الله ومنته عليكم بالإسلام، وبالائتلاف، ورفع ما كان بينكم من التنازع والاختلاف، فهذا هو النفع الحاصل لكم في العاجل، مع ما أعد لكم من الثواب الجزيل في الآجل؛ إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم بجمعكم علي الإسلام، ورفع البغضاء والشحناء عن قلوبكم.

فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ أي: بنعمة الله إِخْواناً متواصلين، وأحباباً متحابين بعد أن كنتم متحاربين متعادين، وصرتم بحيث يقصد كل واحد منكم مراد الآخرين، لأن أصل الأخ من توخيت الشيء: إذا قصدته وطلبته. وَكُنْتُمْ عَلي شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ أي: وكنتم يا أصحاب محمد ? علي طرف حفرة من جهنم، لم يكن بينها وبينكم إلا الموت، فأنقذكم الله منها بأن أرسل إليكم رسولا، وهداكم للإيمان، ودعاكم إليه، فنجوتم بإجابته من النار.

وإنما قال: فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها وإن لم يكونوا فيها، لأنهم كانوا بمنزلة من هو فيها، من حيث كانوا مستحقين لدخولها ().

إذن: إن الله تعالي يأمرنا في كتابه الحكيم والقرآن الكريم بالاتحاد والتآخي، وينهانا عن التفرقة ومعاداة بعضنا البعض، وعلينا كمسلمين امتثال ذلك، فمن يخالفه ويتخذ سياسة التفرقة والمعاداة بدل الاتحاد والتآخي بين المسلمين، فليس هو من الإسلام في شيء، وعلي المسلمين معرفة ذلك كي لا تلتبس عليهم الأمور، فيخطط الأعداء لتمزيقهم وتشتيتهم.

زرّاع العداوة بين المسلمين

إن من الذين عرّفهم التاريخ الصحيح بإعلان سياسة التفرقة، وزرع العداوة بين المسلمين، وقتل الكثير منهم، وتطبيق الطائفية بأبشع صورة وأفضعها، حيث راح ضحيتها

عشرات الآلاف من المؤمنين، هو صلاح الدين التكريتي (الأيوبي) () الذين ينبغي الكلام حوله، وبيان تاريخه، كي لا يُتخذ أسوة وقدوة، بل آية وعبرة. قال الله تعالي في شأن فرعون: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَك آية ().

لماذا التفرقة؟

قد تكون سياسة التفرقة هدفاً مرحلياً لدكتاتور يريد السيطرة علي شعبه، قال الله تعالي في حق فرعون: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً () أي: فرقاً مختلفة متعادين لينقادوا له.

وفي التفسير: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا أي: ترفّع وتكّبر فِي الأَرْضِ والمراد بها أرض مصر وَجَعَلَ أَهْلَها أي: أهل أرض مصر شِيَعاً أي: طوائف، جمع شيعة، وهي الطائفة التي تتبع مسلكاً خاصاً، من شايعه إذا تابعه، وهذا دأب الطغاة دائماً؛ إذ لو لم يجعلوا الناس طوائف متناحرة، حتي تشتغل بعضهم ببعض، خافوا من أن يتحدوا ضدهم().

وتفريق المسلمين هو الذي تسعي إليه الأيدي الاستعمارية الحاقدة، فإنه أمر جوهري ومهم لهم، وهدف دائم وأبدي للأعداء الذين يريدون السيطرة علي الأمة ونهب ثرواتها.

ثم إن الغربيين لتصوّرهم الخاطئ بأن في وحدة المسلمين تهديداً لمنافعهم، ونهاية لحياتهم السياسية، يسعون في بث الفرقة بين المسلمين، مع إنه ليس الأمر كذلك، بل الأمر بالعكس، فإن اتحاد المسلمين تحت لواء القرآن وظلال النبي الكريم صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام يمكنهم من التفرغ لنشر ثقافة القرآن وأهل البيت عليهم السلام الداعية إلي تعميم السلم والسلام في أرجاء العالم، وتحقيق الأمن والأمان علي الكرة الأرضية، وتطبيق نظام التعامل العادل مع الجميع علي أساس الاحترام المتقابل، وهذا ما يتعطش إليه كل إنسان حيّ الضمير وسالم الواجدان والفطرة.

وكيف كان: فإن التصور الخاطئ للقوي الكبري حمل أصحابها علي بث سياسة التفرقة بين المسلمين، وقد أحدثت

هذه السياسة الخاطئة مشاكل كثيرة، ومتاعب جسيمة، ليس للمسلمين فحسب، بل لهم أيضاً، مما لسنا الآن بصدد بيانها، وإنما نريد الآن بيان عوامل التفرقة وأضرارها علي العالم وليس علي مجموعة خاصة فقط.

نعم، إن التفرقة قد تكون من حكومة قطرية تريد السيطرة علي شعبها، أو من حكومات القوي الكبري تريد السيادة علي العالم، وتسعي لتأمين منافعها غير المشروعة، وكلا الطرفين في اشتباه كبير، لأنه يحفر قبره بيده، ويقرر مصيره الأسود بنفسه.

ولقد ذكر أحد الأدباء() وصور القائمين بأمر التفرقة، والمتصدين لتنفيذها، في قصيدة له سماها: (مؤتمر إبليس) ومضمونها كما يلي:

إن إبليس استدعي جنوده وذراريه من كافة الشياطين، فحضروا جميعاً واشتركوا في مؤتمر ضخم كبير، ثم جاء إبليس وبين يديه الكرة الأرضية وجلس بين الشياطين، فلما استقر به المجلس سألهم قائلاً: أين يكمن الخطر علينا في هذا الكوكب؟

فأشار بعض الشياطين بإصبعه إلي موسكو.

فابتسم وقال: هؤلاء اتباعنا فلا خوف منهم.

وأشار البعض الآخر بيده إلي واشنطن!!

فضحك إبليس وقال: هؤلاء أيادينا!

فاحتارت الشياطين وسكتوا، فرفع إبليس يده وخبط بها علي رقعة العالم الإسلامي قائلاً: ها هنا مكمن الخطر!

قالوا: تعني هؤلاء المسلمين؟

قال: بلي!

قالوا: إنهم مستعمَرون مستضعفون!

قال: ولو!

قالوا: إنهم متخلفون!

قال: ولو.

قالوا: إنهم مجزّأون!

قال: هذا ما نريده، إياكم أن يتحدوا فإن الخطر في اتحادهم!!

وهذا هو شأن الاستعمار فينا حيث اتفق مع إبليس علي أن لانتّحد أبداً، وأسس قاعدة معروفة يجري عليها، ألا وهي قاعدة (فرق تسد)().

صلاح الدين ومحكمة التاريخ

إن من عادة الحكام المستبدين، هو أن يجعلوا حولهم مجموعة من المتملقين والمداحين، ليطروهم باللسان والبيان، ويمدحوهم في الكتب والمؤلفات، فتبقي تلك الكتب والمؤلفات من بعدهم حتي تعد من مصادر التاريخ.

ومن المعلوم أن مثل هذه المصادر ليست من التاريخ الصحيح، ولا يصح الاعتماد عليها، لأنها مما كتبها الحكام بأنفسهم أو

كتبت بأمر منهم.

ومن هؤلاء الحكام الذين جروا علي هذه العادة هو (صلاح الدين الأيوبي) فقد روي لنا التاريخ الذي كُتب بأمر منه أو بدافع العصبية له، عن عظمته ومآثره، وعن حروبه وانتصاراته علي الصليبيين، وقد شوهد في بعض الكتب أنها سجلت المدح والثناء له كما وسُمع من بعض الإذاعات أنها تقول عنه: (البطل، المنتصر، المجاهد الظافر: الرئيس صلاح الدين الأيوبي) وهناك إلي يومنا هذا بعض المجلات والصحف تقوم بمدحه والإطراء عليه.

هذا هو من التاريخ غير الصحيح الذي أشرنا إليه، ومن الواضح أنه لا يُعتمد عليه.

ولكن التاريخ الصحيح الذي يُعتمد عليه، قد روي لنا جانبين عن صلاح الدين:

الجانب الأول: عن حروبه وانتصاراته العسكرية.

الجانب الثاني: عن شدة تعصبه وطائفيته وعنفه وإرهابه في هذا المجال.

ولا منافاة أبداً بين أن يكون شخص واحد محارباً منتصراً في حروبه، وبين أن يكون متعصباً حاقداً طائفياً، عنيفاً إرهابياً في تعصبه، حاملاً علي عاتقه كل آثاره الخطيرة.

لقد تسبب صلاح الدين الأيوبي قبل ثمانمائة وخمسين عاماً تقريباً، أكبر مشكلة تاريخية في العالم الإسلامي بشكل عام، وللشيعة بشكل خاص؛ فليس كل من حمل السيف ثار علي التقاليد والأعراف، ولا كل من انتصر علي أعدائه كان في حرز حريز من الوقوع في العنف والإرهاب.

فقد كان أعراب الجاهلية كعنترة () وغيره أبطالاً في الجاهلية، يدافعون عن أموالهم وأعراضهم وينتصرون علي مناوئيهم وأعدائهم، ولكن كانوا في الوقت نفسه يتعصبون للباطل دون الحق إلي حدّ العنف والإرهاب.

وإذا أردنا أن نعرف شيئا عن هذه الروح العنيفة والإرهابية، فعلينا أن نتعرف علي تاريخ صلاح الدين قبل دخوله حلب ومصر، وأن نتعرف عليه في بلاط الفاطميين، فمن هذا البلاط شاع اسمه، ومن فضلهم بزغ نجمه، فاسندوا إليه إمارة الجيش تارةً، وقلدوه الوزارة

أخري. فبماذا جازاهم صلاح الدين نتيجة ثقتهم به()؟!

مقابلة الإحسان بالإساءة

لقد جازي صلاح الدين إحسان الفاطميين بالإساءة، إذ قام بقتل الكثير منهم ومن غيرهم ممّن كان علي مذهب أهل البيت عليهم السلام، وشرد منهم النساء والأطفال عندما استتب له الأمر في مصر.

ولم تقف مظالم صلاح الدين عند سفك الدماء ونهب الأموال وتشريد النساء والأطفال؛ بل تعدي طغيانه إلي محاربة العلم والتراث، ومقارعة العلماء ومفاخر الدين الإسلامي، وحرق المكتبات والمخطوطات الثمينة.

لقد كانت الدولة الفاطمية() آنذاك تعتني عناية خاصة باقتناء الكتب النفيسة، وإنشاء المكتبات العظيمة، التي كانت تزيد محتوياتها علي مائتي ألف مجلد من المخطوطات في سائر العلوم والفنون: من الفقه والحديث، واللغة والتاريخ، والأدب والطب، والكيمياء والفيزياء، وغير ذلك، وكانت هذه المكتبات من عجائب الدنيا حتي قيل: ليس في جميع بلاد الشام بأعظم منها. كما نقل في بعض التواريخ.

ومن هنا يمكن المقارنة بين هذه الروح الجاهلية الإرهابية التي حملها صلاح الدين التكريتي، وبين الروح العلمية السلمية التي أشاعها الفاطميون.

وقد عمد الفاطميون إلي تأمين الحريات لجميع المذاهب الإسلامية، وأسسوا المعاهد العلمية والجامعات المثالية، وأباحوها للجميع بدون تمييز مذهبي أو طائفي.

نعم، لقد أنشأ الحاكم بأمر الله الفاطمي() (سنة 395ه) دار العلم التي هي أشبه ما تكون في هذا العصر بالجامعات العلمية الكبيرة والمكتبات العامة، وأباحها لسائر المسلمين علي اختلاف مذاهبهم وتباين آرائهم.

فقد أولي الفاطميون من أنفسهم عناية كبري للعلم وأهله، مما جعل أهل العلم علي اختلاف مذاهبهم وطبقاتهم في فسحة واسعة من العيش، وحظ وافر من التقدم والإبداع، والنشاط الدائب والمستمر ().

الفاطميون والفقيه المالكي

ومن الحوادث الدالة علي انفتاح الفاطميين علي جميع المذاهب وأصحابها، قصة الفقيه المالكي: عبد الوهاب بن علي() وكان من الأئمة المجتهدين في مذهبه، والذي وصفه الخطيب في تاريخه المعروف تاريخ بغداد: لم نلق من المالكيين أحداً

أفقه منه(). وقصة هذا الرجل هي: أنه ضاقت به دنيا العرب والإسلام في بلاده فكاد يموت من الجوع في بغداد، فلم يجد إلا مصر الفاطمية الإسلامية الشيعية يحتمي بها، فلما جاءها أغدق الفاطميون عليه المال وأمروه بالانصراف إلي علمه وبحثه، ولكن الأمر لم يدُم له طويلاً حتي أصيب بالفالج، فقال علي أثر إصابته: لا إله إلا الله عندما عشنا متنا().

استنجاد الفاطميين بالزنكيين

وأكبر من ذلك الذي حدث للفاطميين مع الفقيه المالكي واستقبالهم له هو ما فعله آخر الخلفاء الفاطميين العاضد، عندما تعرض لأكبر تهديد صليبي وذلك في سنة (564ه) وعلم أن لا قدرة له علي مقاومة هذا الزحف. فماذا فعل العاضد تجاه هذه الهجمة الصليبية؟!

لقد أرسل الخليفة العاضد()..

إلي نور الدين محمود () الذي كان يتربص بالفاطميين الدوائر، وكان ممن لم تخف مطامعه وتعصبه وأحقاده علي العاضد، فإنه بالرغم من كل ذلك استنجد العاضد به، وذلك بعد أن قص شيئاً من شعر نسائه وأرسلها إليه مع كتب الاستنجاد وفيها يقول له: هذه شعور نسائي من قصري يستنجدن بك لتنقذهن من الإفرنج().

أول مرسوم ديني للفاطميين

لم يكن الفاطميون من الشيعة الإمامية الاثني عشرية، وإنما كان مذهبهم إسماعيلياً() ولكن انتشر مذهب الشيعة الإمامية في عهدهم في مصر، والسبب في ذلك هو إعطاء الفاطميين الحرية الكاملة لجميع المذاهب الإسلامية من دون فرق بين هذا أو ذاك، ونشرهم التسامح المذهبي الذي مارسوه بين المسلمين آنذاك.

وأول مرسوم ديني صدر بالتسامح المذهبي في الدولة الفاطمية هو المرسوم الذي أصدره الحاكم بأمر الله الفاطمي وقد جاء فيه:

أما بعد، فان الأمير يتلو عليكم آية من كتاب الله المبين:

لا إِكْراهَ فِي الدِّين الآية، سورة البقرة: 256، مضي أمس بما فيه وأتي اليوم بما يقتضيه، معاشر المسلمين، نحن الأئمة وأنتم الأمة، من شهد الشهادتين ولا يحل عروة بين اثنين تجمعها هذه الأخوة، عصم الله بها من عصم، وحرم لها ما حرم من كل محرم، من دم ومال ومنكح، الصلاح والإصلاح بين الناس أصلح، والفساد والإفساد من العباد يستقبح، يطوي ما كان فيما مضي فلا ينشر، ويعرض عما انقضي فلا يذكر ولا يقبل علي ما مر وأدبر … يصوم الصائمون علي حسابهم

ويفطرون، ولا يغارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون، صلاة الخمس للذين بها جاءهم فيها يصلون، وصلاة الضحي وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ولا هم عنها يدفعون، يخمس في التكبير علي الجنائز المخمسون، ولا يمنع من التكبير عليها المربعون، يؤذن بحي علي خير العمل المؤذنون ولا يؤذي من بها لا يؤذنون، لا يسب أحد من السلف، ولا يحتسب علي الواصف فيهم بما يوصف، والخالف فيهم بما خلف، لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده، وإلي الله ربه ميعاده، عنده كتابه وعليه حسابه، ليكن عباد الله علي مثل هذا عملكم منذ اليوم،

لا يستعلي مسلم علي مسلم بما اعتقده، ولا يعترض معترض علي صاحبه فيما اعتمده، من جميع ما نصه الأمير في سجله هذا وبعده، قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَي اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ سورة المائدة: 105. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كتب في رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ().

الفرق بين السيرتين

عند المقارنة بين هذه السيرة المنفتحة والواعية التي كان يتميز بها الفاطميون مع السيرة العنيفة التي كان صلاح الدين يتبعها علي الأخص مع سائر مذاهب المسلمين وبالذات مع الشيعة، يُعرف الفرق بينهما، ويُعلم المدي الشاسع بين سيرة صلاح الدين الأيوبي وسيرة الفاطميين، فأين تلك الروح من هذه؟!

مع أن صلاح الدين قد لمس تلك الروح وعاش معها، ولكنه تعامل معهم بالعكس من ذلك، وقابل الإحسان بالإساءة، والخير بالشر، وما كان كل الذي أرتكبه في حقهم لذنب فعلوه، ولا لجرم ارتكبوه، سوي أنهم كانوا شيعة.

أجل، لقد أشعل صلاح الدين جراء تعصبه المذهبي وشدة عنفه وإرهابه، الحروب والفتن بين المسلمين، فقد كانت من جملة ممارساته العدائية

والطائفية أنه كان يحاول بشتي الوسائل العنيفة والسبل الإرهابية في القضاء علي كل أثر للشيعة، وكان يحمل الناس علي التسنن وعقيدة الأشعري() ومن خالف ضرب عنقه، وأمر بأن لا تقبل شهادة أحد، ولا يقدّم للخطابة، ولا للتدريس، إلا إذا كان مقلداً لأحد المذاهب الأربعة().

نعم لقد أحدث صلاح الدين في العالم الإسلامي فجوةً لاتلتئم وجرحاً لا يندمل، وهذا ما أراده الاستعمار الصليبي آنذاك حتي يتمكن من دخول بلاد الإسلام.

وبهذا أصبح صلاح الدين من حيث يشعر أو لا يشعر أداة مطيعة لتنفيذ مخططات الاستعمار الصليبي، وسبباً لتقويتهم، وتضعيف المسلمين، وإن كان في الظاهر حاربهم وانتصر عليهم، وأخرجهم من بلاد المسلمين، ولكنه في المقابل نراه قد تنازل عن الكثير من البلاد الاسلامية للصليبيين، عبر معاهدات وعهود مشبوهة. فإن الاستعمار الصليبي منذ ذلك الزمان وحتي يومنا هذا، يستغل مثل هؤلاء المتعصبين من حيث يشعرون أولا يشعرون لمصالحه، ويستفيد من عنفهم وإرهابهم لتنفيذ مخططاته الشيطانية ضد المسلمين.

هذا غير تقسيم البلاد والإمارات علي أولاده وأقربائه مما سبب نشوب العديد من الحروب الطاحنة فيما بينهم بعد موته، فقد قسم صلاح الدين الإمبراطورية الأيوبية ممالك بين أولاده وأخوته وأبناء إخوته، كأنها ضيعة يملكها، لا وطنا إسلاميا ضخما تملكه الأمة الإسلامية().

نعم، كما استفادت القوي الاستعمارية الصليبية بالأمس من الخلافات المذهبية التي أوجدها بين المسلمين أمثال صلاح الدين ومن سار علي شاكلته، فكذلك القوي الاستعمارية الصليبية اليوم

وبشكلها الجديد غدت تعمل جادّة في الخفاء، وبوسائلها الشيطانية، وأصابعها الخفية المرموزة، علي تنفيذ مؤامراتها، وتهيئة الأجواء المناسبة لنمو الخلاف القومي، وانتشار الطائفية، وإشعال نار الفتن، وزرع بذور الشقاق والنفاق بين أبناء الدين الواحد وأحياناً بين المذهب الواحد، لتستفيد من ذلك في السيطرة عليهم، ونهب ثرواتهم، وسلب خيراتهم.

ومن المؤسف

جداً رغم توفر التاريخ الصحيح في المكتبة الإسلامية حول عنف صلاح الدين وإرهابه أن نجد اليوم من يمدح صلاح الدين ويقلده الألقاب الجميلة، ويسمه الأوسمة الرفيعة، ويطرحه بعنوان شخصية تاريخية حاربت الصليبيين وانتصرت عليهم، أما أنه ماذا ارتكب من جرائم في حق الإسلام والمسلمين، بل في حق الإنسان والإنسانية، فلا يتطرقون إلي ذلك مطلقاً.

حتي إن هناك بعض الموالين لأهل البيت عليهم السلام ينقلون ما نقله الآخرون لهم، ويفوهون بما يتفوه به غيرهم في مدح صلاح الدين، وذلك من دون النظر إلي صحتها وسقمها!!.

التكريتيان: صلاح وصدام

إن صداماً سوف يزول إن شاء الله تعالي()، إلا أن بعض المتعصبين والطائفيين من حكام وغيرهم الذين يكونون أداة طيعة لخدمة الاستعمار الصليبي من حيث يشعرون أو لا يشعرون كما صنعوا بالأمس من صلاح الدين بطلاً تاريخياً، فكذلك سيصنعون في الغد من صدام بطلاً تاريخياً أيضاً؛ وما ذلك إلا لأنه قام كصلاح الدين بقتل الشيعة وتشتيت شملهم وتفريق وحدتهم وزرع الفتن بين صفوف المسلمين، وإلا فأيّ خدمة لصدام تستحق التقدير، وأيّ صفة إنسانية له يستحق لها الثناء والتقريظ؟ هل تعطشه للدماء، وقتله للأبرياء، وتسلطه علي رقاب الشعب العراقي بالحديد والنار، وسجونه الرهيبة وتعذيباته الوحشية و…؟.

قصة من الواقع العراقي

نقل لي أحد الأصدقاء وكان مدعواً من قبل أحد شيوخ المنطقة قائلاً: كان من ضمن المدعوّين شخصية عراقية معروفة وهو من أبناء العامة المتعصبين، وفي أثناء تبادل الحديث أخذ هذا المتعصب يمدح صداماً.فقلت له: لماذا هذا المدح وإن صداماً هذا هو تلميذ

ميشيل عفلق المسيحي الصليبي()، وصاحبه طارق حنا

عزيز() الذي يقوم بتنفيذ كل مخططات صدام الإجرامية وخاصة في قتل الشيعة، هو مسيحي صليبي أيضاً؟

فأجابني قائلاً: هذا كله صحيح إلاّ أن صداماً عدو للشيعة قبل كل هذا، وقد أنزل البلاء الأسود بلا هوادة ولا رحمة علي الشيعة قاصداً ومتعمداً!!

فقلت له: اتقّ الله في دماء المسلمين يا شيخ.

فقال لي: أشيعي أنت؟

فقلت له: نعم.

فقال وهو يتنصّل ويعتذر: عفواً!!.

هكذا يقف بعض المتعصبين إلي جانب الظلم والعدوان، ويتحملون دماء المسلمين الأبرياء، تحقيقاً لأهداف طائفية باطلة عمياء، وهذا يخالف ما أمر به القرآن الكريم والنبي العظيم ? وأهل بيته الطاهرون عليهم السلام.

قصة أخري

لقد رأيت مرة أحد البعثيين ممن كان قد ارتدي لباس رجل دين، وحشر نفسه مع أهل العلم، أنه كتب لأحمد حسن البكر() رسالة خاطبه فيها تملّقاً بقوله: إلي حضرة العلامة الحاج الشيخ أحمد حسن البكر دامت بركاته….

ومن المعلوم: أن أمثال هؤلاء المتملقين، الذين يبيعون دينهم وضمائرهم للحكام الظالمين، هم علي استعداد تام للتعاون معهم في ظلمهم وعنفهم، ومشاركتهم في إجرامهم وإرهابهم.

من نتائج التعصب الأعمي

إن هذا البلاء: بلاء الاستضعاف الذي لحق بالأمة، وإن هذه الاستهانة: استهانة النفوس والدماء، ونظرة الازدراء التي يقابلنا بها الغرب والشرق، ما هو إلا نتيجة التفرقة البغيضة، والعداء المقيت، الذي يزيده استعاراً شدة تعصب البعض، وذلك التعصب الأعمي الجاهلي الذي لا ينطبق مع أي من الموازين الإسلامية، بل وحتي الإنسانية، مع أن الله تعالي يقول:

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ ().

ويقول رسوله الكريم صلي الله عليه و اله: انصر أخاك ظالماً أومظلوماً.

فقيل: يا رسول الله، كيف أنصره ظالماً؟

فقال صلي الله عليه و اله: ترده عن ظلمه، فذاك نصرك إياه.()

فلو كففنا أمثال صلاح الدين عن ظلمهم، وذلك بفضحهم وكشف واقعهم وبيان تاريخهم، لما قام أحد بمدح صلاح الدين وأمثاله، ولا تجرأ علي أن يصنع من صدام التكريتي صلاح دين آخر.

وإني من هنا أوجّه خطابي إلي السادة الكتّاب والمؤلفين، وإلي كل من له القدرة علي القلم والبيان: من الفضلاء والخطباء، وأهل الفكر والثقافة، وأطلب منهم خدمة للإنسانية ونفياً للعنف والإرهاب بكل أشكاله أن يسعوا للكتابة بشكل موضوعي، وبعيدا عن التعصب ودواعي الهوي، وينقلوا بأمانة ما سجله التاريخ الصحيح عن صلاح الدين الأيوبي وأمثاله، ممن كان له دور كبير في تمزيق الأمة الإسلامية، وفي تأجيج نار الفتنة العمياء: فتنة الطائفية المقيتة في العالم الإسلامي؛

والتي راح ضحيتها حتي اليوم ملايين الأبرياء، وأدّت إلي فشل المسلمين ومصادرة عزهم وسؤددهم، وتسلط الأعداء عليهم ونهب ثرواتهم وسلب خيراتهم.

عبد الناصر وصلاح الدين

من أبرز الذين بدؤوا تبعاً لسياسة التفرقة والعداء بين المسلمين بمدح صلاح الدين الأيوبي هو جمال عبد الناصر() وتبعه آخرون دون تحقيق؛ علماً بأن عبد الناصر هو من سعي في تأجيج نار الطائفية المقيتة، بل ونار القومية البغيضة أيضاً في المسلمين، فقد دعا إلي القومية العربية() ونفي القوميات الأخري، كما وبلغ للطائفية وضرب مذهب أهل البيت عليهم السلام وذلك بكل إمكاناته الدعائية، وجميع وسائله الإعلامية، وبالعديد من اللغات الحية العالمية، وأصبح بذلك أداة طيّعة لتنفيذ مخططات الاستعمار الصليبي من حيث يشعر أو لا يشعر وأدّي ذلك إلي تدمير مصر وتقهقر الشعب المصري بل خسارة العالم الإسلامي، فلابدّ من كشف هؤلاء وفضحهم للرأي العام.

وكيف كان: فإن علماء المسلمين ومثقفيهم لو لم يقوموا بفضح الحكام السابقين أمثال معاوية ويزيد ومروان وغيرهم، لأصبحوا اليوم شخصيات تاريخية تحظي بأهمية متميزة، واحترام فائق، وقدسية وشرعية.

إلا أن المسلمين فضحوهم وأظهروا للناس جرائمهم وكشفوا عن نياتهم وأعمالهم، وعن عنفهم وإرهابهم حتي سقطوا من أعين الناس. وهكذا علينا أن نفضح أمثال صلاح الدين التكريتي حتي لا يخفي علي أحد خيانتهم بالأمة الإسلامية، وإجرامهم في حقها، بل في حق الإنسان والإنسانية جمعاء ().

معاونا الحاكم العباسي: وصيف وبغا

كان لأحد حكام بني العباس معاونان هما: وصيف وبغا، وكانا من الأتراك، وقد جاء بهما الحاكم العباسي إلي السلطة بعد ضرب البرامكة() وجعلهما في دار الخلافة، وأوكل إليهما كل الأعمال المهمة في البلاد. وبقي الحاكم منشغلاً باللهو والفساد، وقد قال الشاعر في ذلك:

خليفة في قفص بين وصيف وبغا

يقول ما قالا له كما يقول الببغا ()

وكذلك فعل المغرضون والمقلدون، فحينما قام جمال عبد الناصر متابعة منه لسياسة التفرقة وإلقاء العداء بين المسلمين بمدح صلاح الدين الأيوبي، تبعه الآخرون وراحوا يقلدونه في ذلك

ويمدحون صلاح الدين الأيوبي وكأنهم الببغاء، فساعة نسمع المدح من هذا الراديو، وساعة أخري من ذلك الراديو، حتي اشتهر اسمه مقروناً بالمدح والإطراء بين بعض الناس؛ لذا فمن الضروري القيام بنشر ما أثبته التاريخ الصحيح عن عنف صلاح الدين، وأعماله الإرهابية التي قام بها تجاه المسلمين خدمة للاستعمار الصليبي حتي يسقط من أعين الناس؛ ويعرفه الجميع بأنه علي أقل تقدير كان سفاك ذلك الزمان وحتي لا يتكرر من أمثاله.

نموذج من الانصياع

نقل لي أحد الأصدقاء قائلاً: التقيت برجل وكان من عشائر إيران أيام حكم البهلوي الأول() في مطار بغداد ومعه زوجته وأطفاله مهاجرين إلي العراق، فقلت له متسائلاً: إن أمرك عجيب، إذ لك في إيران عشيرة وارتباطات، فلماذا تركتها وأقدمت علي الهجرة إلي العراق؟

فقال في الجواب: إن البهلوي أمر في مرسوم حكومي بفرض التبرّج علي المرأة وإلغاء الحجاب عنها بنحو إجباري، ولهذا هاجرنا من إيران وجئنا إلي العراق حتي تبقي العائلة محافظة علي حجابها.

قال: فاستحسنت منه هذه الخطوة وباركته عليها، ولكن التقيت به للمرة الثانية وبعد عشر سنوات مضت عليه وفي بغداد أيضاً، فرأيته يصحب معه زوجته وبناته وهنّ بغير حجاب!! ويظهر أنهنّ جئن من صالون الحلاقة وتصفيف الشعر، وكنّ أيضاً يرتدين الثياب غير الملائمة للحشمة، والمنافية لشخصية المرأة الموقرة، فسلم عليّ، فأجبت علي سلامه وسألته وأنا متحير في أمره قائلاً: من هؤلاء النسوة اللواتي معك؟

قال: هؤلاء بناتي.

فقلت له: هؤلاء هم الذين كانوا أطفالاً قبل عشر سنوات؟

قال: نعم.

فقلت له: وما هذا التبرج السافر ونبذ الحجاب وترك الحشمة؟

قال: هذا من متطلبات العصر!!

نعم، إن الانصياع للأقوال الباطلة والأفعال المحرمة، والتقليد الأعمي هو أحد أسباب تأخر المسلمين.

علماً بأننا لسنا بحاجة إلي مثل هذا التقليد؛ فالشريعة الإسلامية متكاملة، ونبيّنا خاتم الأنبياء

وسيد الرسل? وأئمتنا هم أهل بيته المعصومون عليهم السلام وهم القادة لنا، والحجة علينا، والأسوة فينا، الذين يجب علينا إتباعهم في كل جوانب الحياة.

لذلك يجب علينا أن نقرأ الحقائق ونطالع الكتب حتي نعرف سيرة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله والأئمة الطاهرين? وتعاليم السماء ونعمل بما جاء به الإسلام، لا أن نقلد الآخرين تقليداً أعمي وبدون تحقيق. كما يفعل البعض اتجاه ما يسمعه من مدح لصلاح الدين الأيوبي فيردّده هو أيضاً، وذلك من دون تحقيق وتدقيق.

بعض ما سجله التاريخ عن صلاح الدين

إن من جملة الأعمال التي سجلها التاريخ الصحيح علي صلاح الدين بحق الشيعة والتشيع، والإسلام و المسلمين، هو ما يلي:

1 إنه قام بقتل الشيعة الفاطميين في مصر، وسورية، والأردن، ولبنان، وغيرها. فإنه حينما دخل الصليبيون القدس، كان هو قائداً في جيش الفاطميين الذين جمعوا قدرتهم وعززوها لمواجهة الصليبيين وإخراجهم من القدس، وقد أوكل الفاطميون إلي صلاح الدين مقاتلة الصليبيين في جناح دمشق القتالي، إلا أنه قام بانقلاب عسكري ضد دولة الفاطميين، والانقلاب العسكري جريمة لا تغتفر، وخاصة إنه كان انقلاباً علي من أحسنوا إليه، وتفضلوا عليه، وصار بذلك مصداقاً لقول الشاعر:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

2 إنه مضافاً إلي جريمة الانقلاب العسكري وإسقاط حكومة الفاطميين الذي أحسنوا إليه، عمل علي تجزئة الدولة الإسلامية التي كانت متحدة فيما بينها، فصارت لسورية حكومة مستقلة، بعد أن كانت هي إحدي المدن التابعة للدولة الفاطمية، وكذلك انفصلت مصر وصارت لها حكومة مستقلة أخري.

وإن التجزئة لوحدة البلاد الإسلامية سببّت تضعيفاً لقدرات المسلمين التي كانت تقابل قدرة الصليبين، ومن المعلوم: إن هذه التجزئة هي بحد ذاتها جريمة كبري لا تغتفر، لأنها سبّبت سُلطة الصليبيين الذين كانت تدفعهم أطماع استعمارية علي المسلمين

إلي يومنا هذا.

3 إنه قام بقتل مليون شيعي أو ما يزيد علي ذلك من الفاطميين وغيرهم ظلماً ومن دون سبب، سوي أنهم شيعة، وإنهم أحسنوا إليه وتفضلوا عليه.

4 إنه أمر بإحراق المكتبات الكبيرة التي أسسها الفاطميون، والتي تعد من أضخم المكتبات في العالم الإسلامي آنذاك، حيث يعجز المؤرخون في وصف عظمتها ونفاسة محتوياتها، وكان بها ما يزيد علي مائتي ألف مجلد من المخطوطات، وقيل: ستمائة ألف، في سائر العلوم والفنون.

وإحراق التراث العلمي لوحده جريمة تاريخية لا تغتفر ضد العلم والثقافة، وبحق الإنسان والإنسانية().

5 إنه أوصي بعد وفاته بتقسيم البلاد الإسلامية علي أبنائه كما يقسم الإرث، وكذلك فعل أبناؤه واقتسموا البلاد بينهم، فلما مات صلاح الدين في الشام كان ابنه وولي عهده: علي أبو الحسن، حاضراً عنده، فجلس بعد أبيه مكانه وتلقب: باسم الملك الأفضل، واستقل بالحكم في الشام وما يليها، واستقل بالحكم كل من أخويه: الملك العزيز عثمان في مصر، والملك الظاهر في حلب.

6 إنه كان يأمر بتعذيب الناس، وهذه مخالفة صريحة لأحكام الإسلام ونصوص القرآن، الآمرة باحترام الإنسان وتكريمه، ورعاية حقوقه وشؤونه، كما أنه مخالف للعقل أيضاً، وكان من أنواع التعذيب التي استخدمها صلاح الدين الأيوبي ضد المسلمين الشيعة بالذات هي: صناعة خوذ وإعداد قلنسوات خاصة كان يملؤها بالعقارب ثم يلبسها في رأس المسلم الشيعي، فتقوم العقارب بلدغه ولسعه حتي يموت وهذه هي نفس الطريقة التي اتبعها صدام التكريتي اليوم في حق أبناء شعبنا المظلوم في سجون العراق الرهيبة.

7 إنه قام بقتل العلماء والفقهاء، وعمل علي تحطيم الحوزات العلمية في حلب وغيرها من البلاد التي صارت تحت سيطرته عبر الانقلاب العسكري الذي قام به غدراً بالفاطميين.

إلي غير ذلك من أعمال إرهابية عنيفة قام بها

تنكيلاً بالمسلمين الشيعة، وتضعيفاً للأمة الإسلامية، مما حرّمها الله ورسوله، ولم يرض بها الإسلام العظيم.

التكريتان ينّفذان مخّططاً واحداً

لقد قام صدام التكريتي في عراقنا اليوم بمثل ما قام به صلاح الدين التكريتي في مصر بالأمس: من تدمير وتخريب، وإرهاب وعنف.

وتكرار هذا التاريخ وأشباهه هو بعض نتائج أسباب كثيرة، ونزر من ثمار أمور عديدة، لعل أهمها هو عدم التصدّي لفضح أمثال صلاح الدين التكريتي في وسائل الإعلام العالمي، وفي الأوساط الشعبية والجماهيرية، حتي يحذر الناس من تكرار أشباه صلاح الدين، ويمنعوا من وصولهم إلي الحكم والتسلّط علي رقاب الشعوب المغلوبة علي أمرها.

فالتصدي الإعلامي لكشف الشخصيات المزوّرة، ذوي الاتجاهات العنيفة، والأفكار الإرهابية، المتطفلة علي الإسلام والمسلمين، وفضحهم أمام الرأي العام العالمي، أمر ضروري لابدّ منه، وذلك عبر كل وسائل الإعلام القديمة والحديثة: من كتب وكرّاسات، ونشرات ومقالات، ومجلات وصحف، وراديوات وتلفزة، وغير ذلك، فإن الفكر الإرهابي العنيف لا يقاومه إلا الفكر الإسلامي المسالم الصحيح، والفكر المسالم الصحيح أسرع تقبلاً في الأوساط الشعبية والجماهيرية من غيره.

سياسة ترويج الطغاة

نعم، إن الفكر لا يقاومه إلا الفكر، والكلمة الباطلة لاتدفعها إلا الكلمة الحقة، والثقافة الفاسدة لا تغيّرها إلا الثقافة الصحيحة، وعلينا أن نعلم أن الاستعمار الصليبي لا يكف عن تنفيذ مخّططاته السيئة تجاه المسلمين ما لم يتحدوا ويتآخوا فيما بينهم، كما إنه لايقصّر في نشر ثقافة الباطل وترويج الشخصيات الإرهابية في الأمة الإسلامية وتحكيمها برقاب المسلمين ما لم يحصلوا علي وعي ديني وفقه سياسي.

فمثلاً: فرعون الإرهابي العنيف الذي قتل الناس وشق بطون النساء الحوامل وقضي علي الأطفال والأجنّة، واستضعف أهل مصر وكان يذبّح أبناءهم ويستحي نساءهم، وقد لعنه القرآن لعناً وبيلاً، نري مع ذلك أن جمال عبد الناصر يروّج له بكل طاقاته وقواه، وجميع إمكاناته ووسائله، فيعرض له الأفلام، ويقيم المسرحيات، وينصب له التماثيل في وسط الساحات العامة في مصر،

مضافاً إلي ذلك كّله، إنه أخذ يقلّد فرعون في سياسته وأساليبه، مع أن فرعون قد ذمّه القرآن الحكيم علي طغيانه وادعائه الألوهية.

قال تبارك وتعالي: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسي ? إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُويً ? اذْهَبْ إِلي فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغي ? فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلي أَنْ تَزَكَّي ? وَأَهْدِيَكَ إِلي رَبِّكَ فَتَخْشي ? فَأَراهُ الآيَةَ الْكُبْري ? فَكَذَّبَ وَعَصي ? ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعي ? فَحَشَرَ فَنادي ? فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلي ? فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الآخِرَةِ وَالأُولي ? إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشي ()

نعم، إن فرعون ومصيره الأسود عبرة، وقد حكي القرآن قصته لنعتبر به، فلا نكرر أعماله، ولا نسمح لأحد بأن يكرر مواقفه الإرهابية، وأفكاره العنيفة، ويتبع سياسة التفرقة والعداء بين المسلمين.

الطغاة ومصيرهم الأسود

لقد ذكر لنا التأريخ: إن فرعون أمر بتشييد الأبنية الفخمة، والصروح العالية جدّاً() وقد أصدر أمره بالعمل الإجباري، وفرض علي كل واحد من الناس رجلاً كان أو امرأة مزاولة الأعمال الشاقة، وذلك بأن يأتي بحجر كبير من الجبال المحيطة بالمدينة لغرض استخدامه في تلك الأبنية.

إنه لم يستثن من ذلك أحداً ولم يعذر فيه حتي المرأة الحامل، وفي أحد الأيام بينما كانت إحدي النساء الحوامل ترتقي سلماً لتنقل حجراً كبيراً كان علي عاتقها حتي توصله إلي محل البناء، تعبت فأرادت أن تستريح قليلاً ثم تواصل عملها، لكنها فور ما ركنت إلي الاستراحة قام إليها الجلاوزة يضربونها بالسياط حتي أسقطوا جنينها، فصاحت هذه المرأة التي لا حامي لها وهي بتلك الحالة المزرية: يا رب، أأنت نائم يا إلهي؟ ألم تر فرعون الظالم ماذا يفعل بنا؟

استجاب الله تعالي دعاءها، ليتثبت لها ولكل المظلومين في العالم بأنه تعالي بالمرصاد لهؤلاء الظالمين، فلم تمض إلا

مدة يسيرة حتي غرق فرعون وجاءت هذه المرأة المظلومة إلي جانب نهر النيل لتري ما حلّ بفرعون الظالم من نهاية سيئة، فلمّا وقفت عليه إذا بها تسمع كأن منادياً ينادي: أيتها المرأة، ما كنا نائمين بل إنا للظالمين بالمرصاد، وهذا هو مصير الطغاة ونهاية الظالمين دائماً وأبداً، وأما في يوم القيامة فالنار مثواهم وبئس المصير.

فضح الظالمين

ثم إن من اللازم علي المسلمين اليوم هو أن يقوموا بفضح صلاح الدين وصدام وأمثالهما، وذلك ببيان مثالبهم وجرائمهم؛ ليتعرف عليها الناس فيحذروها ويحذروا من تكرار أمثالها، وحتي لا يصبح غداً صدام التكريتي صلاح الدين الثاني لهذا العصر.

فإن ما حلّ بالمسلمين من الأحداث المؤلمة كالتفرقة والمعاداة وويلاتها التي عظم وقعها في العالم الإسلامي اليوم، والتي حدثت بسبب صلاح الدين وأمثاله ممن زرعوا الطائفية البغيضة بين المسلمين، يجب أن تبين، وتنشر في الملأ، وعلي رؤوس الأشهاد، حتي يحذر المسلمون اليوم من دعاة التفرقة، أمثال صدام التكريتي وغيره من الذين سوّدوا التأريخ بصفحاتهم المظلمة، المليئة بالظلم والعدوان.

وكي لا ندع مجالاً لهؤلاء الذين يستغلون مراكز القدرة وثروات شعبهم من أجل ترويج الطغاة كفرعون ومن شابهه، وحتي لا ندع مجالاً للطائفية المقيتة والعصبية العمياء لتأتي علي وحدتنا، وتقضي علي تآخينا؛ فإن نتائجها خطيرة علي الإسلام والمسلمين.

هذا وقد سئل الإمام السجاد عليه السلام عن العصبية؟

فقال: العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يري الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحبّ الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه علي الظلم ().

اللهم إني أعوذ بك من هيجان الحرص، وسورة الغضب، وغلبة الحسد، وضعف الصبر، وقلّة القناعة، وشكاسة الخُلق، وإلحاح الشهوة، وملكة الحمية، ومتابعة الهوي، ومخالفة

الهدي ().

من هدي القرآن الحكيم

المسلمون أمة واحدة

قال الله تعالي: ?إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ

فَاعْبُدُونِ? ().

وقال عزوجل: ?وإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ

فَاتَّقُونِ? ().

وقال سبحانه: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ? ().

تداول الأيام

قال الله تعالي: ?وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ? ().

وقال سبحانه: ?فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ? ().

وقال عزوجل: ?وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسي بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَي النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ? ().

التعصب ليس من أخلاق الإسلام

قال الله تعالي: ?إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ? ().

وقال سبحانه: ?وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً

لَخاسِرُونَ? ().

وقال عزوجل: ?وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً? ().

رفعة العلم والعلماء

قال الله تعالي: ?أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ? ().

وقال سبحانه وتعالي: ?يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ? ().

القرآن يأمر بالتآخي

قال الله تعالي: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ? ().

وقال سبحانه: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً? ().

وقال عزوجل: ?وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ

تَتَّقُونَ? ().

هزيمة الباطل أمام الحق

قال الله تعالي: ?بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَي الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ? ().

وقال عزوجل: ?كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي? ().

من هدي السنة المطهرة

المؤمنون أخوة

قال أمير المؤمنين عليه السلام لكميل: ياكميل، المؤمن مرآة المؤمن؛ لأنه يتأمله ويسدُّ فاقته ويجمِّل حاجته، ياكميل، المؤمنون إخوة

ولا شيء آثر عند كل أخ من أخيه، ياكميل، إن لم تحبَّ أخاك فلستَ أخاه.()

وقال الإمام الصادق عليه السلام: إنما المؤمنون أخوة بنو أب وأم، وإذا ضرب علي رجل منهم عرق سهر له الآخرون» ().

وقال عليه السلام: لكل شيء شيء يستريح إليه، وإن المؤمن ليستريح إلي أخيه المؤمن كما يستريح الطير إلي شكله ().

التعقل والتعرف علي الزمان

قال الإمام الصادق عليه السلام: في حكمة آل داود: علي العاقل أن يكون عارفاً بزمانه، مقبلاً علي شأنه، حافظاً للسانه ().

وقال أمير المؤمنين علي بن طالب عليه السلام: من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد ().

وقال عليه السلام: من لم يعرف لؤم ظفر الأيام لم يحترس من سطوات الدهر، ولم يتحفظ من فلتات الزلل، ولم يتعاظمه ذنب وإن عظم ().

التعصب منفي في الإسلام

قال رسول الله: من تعصّب أو تعصّب له فقد خلع ربق الإيمان عن عنقه ().

وقال صلي الله عليه و اله: من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: من تعصب عصّبهُ الله عزوجل بعصابة من نار ().

وقال عليه السلام: إذا كان يوم القيامة نادي مناد أين الصدود لأوليائي؟ قال: فيقوم قوم ليس علي وجوههم لحم،قال: فيقول: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم وعادوهم وعنفوهم في دينهم، قال: ثم يؤمر بهم إلي جنهم ().

فضل العلم ورفعة العلماء

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: فضل العالم علي العابد، كفضل القمر علي سائر النجوم ليلة البدر ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: العلم رأس الخير كله، والجهل رأس الشرّ كله ().

وقال الإمام السجاد عليه السلام: لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج، إن الله تبارك وتعالي أوحي إلي دانيال: أنّ أمقت عبيدي إليّ: الجاهل، المستخف بأهل العلم، التارك للاقتداء بهم، وأن أحب عبيدي إليّ: التقي، الطالب للثواب الجزيل، اللازم للعلماء، التابع للحلماء، القابل عن الحكماء ().

وقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: إذا أراد الله بعبد خيراً فقههُ في الدين ().

وقال عليه السلام: اغدُ عالماً أو متعلماً أو أحبب أهل العلم، ولا تكن رابعاً فتهلك ببغضهم ().

التآخي بين المسلمين

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: المؤمن مرآة المؤمن ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: المسلم أخو المسلم، هو عينه ومرآته ودليله، لايخونه ولا يخدعه، ولا يظلمه ولا يكْذبه ولا يغتابه ().

وقال عليه السلام: المؤمن أخ المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكي شيئا منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإن روح المؤمن لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها، ودليله لايحزنه، ولايظلمه، ولايغتابه، ولا يعدهُ عدة

فيخلفه ().

انتصار الحق وهزيمة الباطل

قال أمير المؤمنين عليه السلام: الحق سيف علي أهل الباطل ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: إنما الحق منيف فاعملوا به، ومن سره طول العافية فليتق الله ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ليس من باطل يقوم بإزاء الحق إلاّ غلب الحق الباطل، وذلك قوله تعالي: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَي الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ () ().

پي نوشتها

() سورة آل عمران: 103.

() انظر تقريب القرآن إلي الأذهان: ج4 ص17 سورة آل عمران.

() تفسير العياشي: ج1 ص194 سورة آل عمران ح122.

() تفسير العياشي: ج1 ص194 من سورة آل عمران ح122، 123.

() مجمع البيان في تفسير القرآن: ج2 ص356 سورة آل عمران.

() صلاح الدين الأيوبي (532 589 ه) (1137 1193م) يوسف بن أيوب بن شاذي، كان أبوه وأهله من قرية دوين في أواخر إقليم أذربيجان، تجاور بلاد الكرج، وهم بطن من الروادية، من قبيلة الهذانية، من الأكراد نزلوا بتكريت، وولد بها صلاح الدين، وتوفي فيها جده شاذي. ثم ولي أبوه (أيوب) أعمالا في بغداد والموصل ودمشق. نشأ صلاح الدين في دمشق، دخل مع أبيه وعمه (شيركوه) في خدمة نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي (صاحب دمشق وحلب والموصل) واشترك صلاح الدين مع عمه شيركوه في حملة وجهها نور الدين للاستيلاء علي مصر سنة (559 ه) فكانت وقائع ظهرت فيها مزايا صلاح الدين العسكرية. وتم لشيركوه الظفر بعد عدة معارك وحملات، باسم السلطان نور الدين، فاستولي علي زمام الأمور بمصر. وذكر أن العاضد الفاطمي هو الذي استنجد بنور الدين يستنصره علي الفرنج الذين يغزون مصر، فاستوزر شيركوه لما وصل مصر، وكتب له عهد لم يعهد مثله لوزير، ولكن شيركوه ما لبث أن مات. فاختار العاضد للوزارة وقيادة الجيش صلاح

الدين، ولقبه بالملك الناصر. ثم استقل بملك مصر، بعد أن غدر بالعاضد الفاطمي، وتمرد علي سيادة نور الدين زنكي. فقد مرض العاضد مرض موته، فقطع صلاح الدين خطبته، وخطب للعباسيين، وذكر أن سبب مرض وموت العاضد هو لما رأي من صلاح الدين من محاصرته وتجريده لصلاحياته وأخيراً قطع الخطبة باسمه، فكان موت العاضد وانتهي بذلك أمر الدولة الفاطمية.

جاء في سير أعلام النبلاء: وولي صلاح الدين وزارة العاضد، وكانت كالسلطنة، فولي بعد عمه سنة (564ه)، ثم مات العاضد سنة (567ه)، فاستقل بالأمر مع مداراة نور الدين ومراوغته، فإن نور الدين عزم علي قصد مصر، ليقيم غير صلاح الدين، ثم فتر، ولما مات نور الدين، أقبل صلاح الدين ليقيم نفسه أتابكا لولد نور الدين، فدخل البلد الشامية بلا كلفة، واستولي علي الأمور في ربيع الأول سنة سبعين، ونزل بدار العقيقي، ثم تسلم القلعة، وشال الصبي من الوسط ثم سار، فأخذ حمص، ثم نازل حلب، وهي الوقعة الأولي، فجهز السلطان غازي من الموصل أخاه عز الدين مسعودا في جيش، فرحله، وقدم حمص، فأقبل مسعود ومعه الحلبيون، فالتقوا علي قرون حماة، فانهزم مسعود، وأسر أمراؤه، وساق صلاح الدين، فنازل حلب ثانيا، فصالحوه ببذل المعرة وكفر طاب، وبلغ غازي كسرة أهله وأخيه، فعبر الفرات، وقدم حلب، فتلقاه ابن عمه الملك الصالح ابن نور الدين زنكي ثم التقوا هم وصلاح الدين، فكانت وقعة (تل السلطان)، ونصر صلاح الدين أيضاً، ورجع صاحب الموصل. ثم أخذ صلاح الدين منبج وعزاز، ونازل حلب ثالثاً، فأخرجوا إليه بنت نور الدين، فوهبها عزاز. ورد إلي مصر، واستناب علي دمشق أخاه صاحب اليمن تورانشاه.

وذكر: مات نور الدين سنة (569ه) الذي كان قد احس بوحشة من صلاح الدين

حتي ذكر أنه قرر المسير إليه، فاضطربت البلاد الشامية والجزيرة لموته، وما لبث أن سار صلاح الدين إلي دمشق فاستولي عليها، وذلك سنة (570ه). وانصرف إلي ما وراءها، فاستولي علي بعلبك وحمص وحماة وحلب. انقطع عن مصر بعد رحيله عنها (سنة 578ه) إذ تتابعت أمامه الحوادث، وفي أيامه وقعت عدة حروب مع الصليبيين.

استولي صلاح الدين علي البلاد من آخر حدود النوبة جنوبا وبرقة غربا إلي بلاد الارمن شمالا، وبلاد الجزيرة والموصل شرقا.

وعلي الرغم من أن العاضد كان قد استوزر صلاح الدين الأيوبي ولقبه بالملك الناصر في القاهرة، وأكرمه غاية الإكرام، إلا أن صلاح الدين كان حاقداً علي الدولة الفاطمية يتحين الفرص للانقضاض عليها، فتعاضد مع القاضي عبد الرحيم بن علي البيساني علي إزالة الدولة الفاطمية، وقام بعزل قضاة الشيعة ولما تم له ذلك استبد بالسلطة، وأسس الدولة الأيوبية سنة (564ه) وامتد سلطانها من النيل إلي دجلة، وعرفت الدولة الأيوبية بطابعها السني المجافي للشيعة.

قال أبو زهرة: دخل صلاح الدين إلي حلب (579ه) وحمل الناس علي التسنن وعقيدة الأشعري، ولم يقدم للخطابة ولا التدريس إلا من كان مقلداً لأحد المذاهب الأربعة ووضع السيف علي الشيعة، فقتلهم وأبادهم مثل عمله في مصر، إلي حد يقول الخفاجي: غال الأيوبيون في القضاء علي كل أثر للشيعة.

انظر المواعظ والاعتبار في الخطط والآثار للمقريزي: ج2 ص233. وغنية النزوع: ص10. والأعلام للزركلي: ج8 ص20 صلاح الدين الأيوبي. وسير أعلام النبلاء: ج21 ص284.

() سورة يونس: 92.

() سورة القصص: 4

() تفسير تقريب القرآن إلي الأذهان: ج20 ص36 سورة القصص.

() هو إقبال اللاهوري: جاء في الذريعة: هو محمد إقبال ابن نور محمد الكشميري. ولد بسيالكوت من بلاد البنجاب (1289ه) له منظومات بالفارسية، وله مؤلفات أخري بالأردية،

وله بالإنجليزية نثرا (تجديد الفلسفة الإلهية في الإسلام) توفي في (1938م). انظر الذريعة: ق1 ج9 ص86 الرقم513.

() يقول الرجل البعثي شبل العيسمي: «بايعوا الشيطان لأجل القضاء علي الشيعة» وهو سوري ولد عام (1930م)، من قياديي حزب البعث في العراق، عمل وزيرا للإصلاح الزراعي، ثم وزيرا للمعارف، ثم وزيرا للثقافة والإرشاد القومي (1963م 1964م) في سوريا، كان عضو القيادة القومية لحزب البعث. ونائبا للأمين العام لحزب البعث عام (1965م)، انضم إلي جناح حزب البعث في العراق.

() عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي: من فرسان العرب في الجاهلية، ومن شعراء الطبقة الاولي. من أهل نجد. أمه حبشية اسمها زبيبة، سري إليه السواد منها. اشتهر بعزة النفس والشيمة والحلم علي شدة بطشه، وفي شعره رقة وعذوبة. شهد حرب داحس والغبراء، وعاش طويلا، ينسب إليه ديوان شعر. وقصة عنترة خيالية تعد بدائع آداب العرب، وقد ترجموها إلي الألمانية والفرنسية، ولم يعرف واضعها. توفي نحو (22 ق ه). انظر الأعلام للزركلي: ج5 ص91 عنترة العبسي. والشعر والشعراء لابن قتيبة: ص130.

() بعد أن انتصر جيش أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين علي الصليبيين، تولي شير كوه الوزارة بعد أن اغتال صلاح الدين الوزير (شارو) في سنة (564ه)، وفي نفس العام توفي عمه أسد الدين شير كوه، وبذلك أصبح صلاح الدين وزيراً للعاضد: الخليفة الفاطمي وقائداً للجيش، ولقبه العاضد ب(الملك الناصر) و(أمير الجيوش). فقد ذكر في حوادث سنة (564 ه) أنه: دخل شيركوه القاهرة عم صلاح الدين وكان معه بعد أن تقهقر الفرنج منها في ربيع الآخر وجلس في دست المملكة وخلع عليه العاضد خلع السلطنة، وكتب له التقليد وعلامة العاضد بخطه: هذا عهد لم يعهد مثله

لوزير، فتقلد أمانة رآك الأمير لها أهلا، والحجة عليك عند الله بما أوضحه لك من مراشد سبله، فخذ كتاب الأمير بقوة، واسحب ذيل الفخار بأن اعتزت بك بنوة النبوة، واتخذ للفوز سبيلا، ? وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً ? سورة النحل: 91. ومات شيركوه بعد الولاية بشهرين. وقلد العاضد منصب شيركوه لابن أخيه صلاح الدين، فغضب عرب مصر وسودانها، وتألبوا. قال صلاح الدين: ما رأيت أكرم من العاضد، بعث إلي مدة مقام الفرنج علي حصار دمياط ألف ألف دينار مصرية سوي الثياب وغيرها.

وذكر في ترجمة أيوب بن شاذي نجم الدين والد صلاح الدين: وولي ابنه صلاح الدين وزارة الديار المصرية في أيام العاضد، فدعاه إليه، فانتقل أيوب إلي مصر سنة (565 ه) وخرج العاضد للقائه إكراما لولده صلاح الدين. ولما انفرد صلاح الدين بالسلطنة أقطعه الإسكندرية والبحيرة إلي أن مات من سقطة عن فرسه. مات ودفن في القاهرة ثم نقل إلي المدينة المنورة. انظر سير أعلام النبلاء: ج20 ص417 سنة 564ه. والأعلام للزركلي: ج2 ص38 أيوب بن شاذي.

() قامت الدولة الفاطمية سنة (297ه) شمال أفريقيا ومصر برئاسة أبي عبد الله المهدي وبمعونة أبي عبد الله الشيعي الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لها. وبسط الفاطميون سلطانهم علي إفريقية من المحيط الأطلسي حتي برزخ السويس والشام. وكانت لهم السلطة في اليمن. ولولا هزيمة جيوشهم أمام الأتراك بقيادة طغرل بك (سنة 451ه) لبلغوا جبال الهملايا. وإنما أبقي الأتراك الخلفاء العباسيين لمقاومة الفاطميين.

والفاطميون سلالة تنتسب إلي رسول الله ?، أنشئوا دولة تعاقب عليها (14) خليفة بدأت بعبد الله المهدي وقيل عبيد الله فهو أبو محمد عبيد الله بن الحسن النقي بن عبد الله الرضي أو

الرضا ابن محمد المكرم بن إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله(صلوات الله عليهم)، وقد أثيرت شكوك كثيرة حول نسب الفاطميين عزاها المؤرخون إلي الصراع السياسي الذي أحاط بقيام هذه الدولة الشيعية في محيط سني.

وتعاقب علي خلافتها كل من: عبد الله المهدي (297 322ه) والقائم بأمر الله (322 334ه) والمنصور (344 341ه) والمعز لدين الله (341 365ه) والعزيز بالله (365 386ه) والحاكم بأمر الله (386 411ه) والظاهر (411 427ه) والمستنصر بالله (427 411ه) والمستعلي بالله (487 495ه) والآمر بأحكام الله (495 525ه) والحافظ لدين الله (525 544ه) والظافر بأمر الله (544 549ه) والفائز بنصر الله (549 555ه) والعاضد (555 567ه)، وبالعاضد زالت الدولة الفاطمية التي استمرت من سنة (297ه) وقيل من سنة (296ه) إلي سنة (567ه)، وانتهت الدولة الفاطمية علي يد صلاح الدين الأيوبي الذي استعمل سياسة الإفناء والاستئصال بحق الشيعة ورجال الدولة الفاطمية. وكانت مدة الدولة الفاطمية (268 سنة) وقيل: (280سنة).

وبلغت الحضارة الاسلامية في عهد الفاطميين أقصي الغايات، فقد بنوا المدن وأقاموا المساجد وانشأوا دور الكتب والجامعات، واتسعت في أيامهم التجارة، وتحسنت الزراعة، وانتشرت الآداب وفنون الحكمة وأنواع العلوم.

فقد قال أحد الباحثين في التأريخ في الحاكم بأمر الله الفاطمي: إن العصر الفاطمي من أسطع عصور مصر الإسلامية، إن لم يكن أسطعها جميعا. وقال المستشرق سيديو: أخذ العرب يلقون أسطع الأنوار من القاهرة لا من بغداد، حيث ازدهرت التجارة والصناعة والزراعة والآداب والفنون والعلوم في عهد الفاطميين بمصر، كما ازدهرت في عهد خلفاء بني العباس الأولين، وكانت عاصمة الفاطميين تنافس أجمل مدن آسيا، وسلك ابن يونس المصري سبيل

فلكيي العراق، فكان له مرصد، ولم يقصر الفاطميون في صنع ما ينسي الناس به بغداد. ولم يلبثوا أن صار لهم مثل دخل هارون العباسي تقريبا. وقال المستشرق بروكلمان إن آثار الفاطميين العظيمة مثل جامع الحاكم والجامع الأزهر الذي لا يزال مزدهرا إلي يومنا هذا كأعظم المؤسسات المدرسية في الإسلام لتشهد للهمم العالية التي ابتدعتها. وقال السيد مير علي: كان الفاطميون في أول عهدهم كالبطالسة الأولين يشجعون العلم ويكرمون العلماء، فشيدوا الكليات والمكاتب العامة ودار الحكمة، وحملوا إليها مجموعات عظيمة من الكتب في سائر العلوم والفنون والآلات الرياضية، لتكون رهن البحث والمراجعة، وعينوا لها أشهر الأساتذة، وكان التعليم فيها حرا علي نفقة الدولة، كما كان الطلاب يمنحون جميع الأدوات الكتابية مجانا، وكان الخلفاء يعقدون المناظرات في شتي فروع العلم، كالمنطق والرياضة والفقه والطب، وكان الأساتذة يتشحون بلسان خاص عرف بالخلعة، أو العباءة الجامعية كما هي الحال اليوم وأرصدت للإنفاق علي تلك المؤسسات، وعلي أساتذتها، وطلابها وموظفيها أملاك بلغ إيرادها السنوي (43 مليون درهم)، ودعي الأساتذة من آسيا والأندلس لإلقاء المحاضرات في دار الحكمة، فازدادت بهم روعة وبهاء.

أما عن علاقة الفاطميين بالتشيع: فقد اتفق المؤرخون علي أن الدولة الفاطمية قامت علي أساس الدعوة الشيعية، وأنها حرصت علي نشرها. وقد وجدت العقائد الشيعية في مصر مرعي أكثر خصبا ونماء منه في شمال إفريقيا، وسرعان ما ترعرعت وعم أثرها. فأصبحت حلقات الدروس في الأزهر وغيره ترتكز علي مذهب الشيعة، وأحكام القضاة تصدر وفقا لهذا المذهب، وذلك لإقبال الناس علي مذهب أهل البيت عليهم السلام. وكتب المعز علي الأماكن خير الناس بعد رسول الله ? أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وجعلوا اليوم الثامن عشر من ذي الحجة،

وهو يوم غدير خم يوم عيد، وأصبح الاحتفال به في كل سنة من أهم الاحتفالات الدينية التي كانت تهتز لها جوانب القاهرة فرحا وسرورا. وعن خطط المقريزي: إن شعائر الحزن يوم العاشر من المحرم كان أيام الأخشيديين، واتسع نطاقه في أيام الفاطميين، فكانت مصر في عهدهم توقف البيع والشراء، وتعطل الأسواق، ويجتمع أهل النوح والنشيد يطوفون بالأزقة والأسواق، ويأتون إلي مشهد أم كلثوم ونفيسة، وهم نائحون باكون.

وأمعن الفاطميون في إحياء هذه الشعائر وما إليها من شعائر الشيعة، حتي أصبحت جزءا من حياة الناس. ولولا سياسة الضغط والتنكيل التي اتبعها صلاح الدين الأيوبي مع الشيعة لكان لمذهب التشيع في مصر اليوم وبعد اليوم شأن أي شأن. وإذا لم يكن الفاطميون علي مذهب الأثني عشرية فإن هذا المذهب قد اشتد أزره، ووجد منطلقا في عهدهم، فقد عظم نفوذه، ونشطت دعاته وعملوا علي نشره وتوطيده، وأقبل الناس عليه آمنين مطمئنين علي أنفسهم وأموالهم؛ ذلك أن الاثني عشرية والإسماعيلية وإن اختلفوا من جهات فإنهم يلتقون في هذه الشعائر، بخاصة في تدريس علوم آل البيت، والتفقه بها، وحمل الناس عليها.

للمزيد راجع الشيعة في الميزان، والنهاية: ج11 ص321. ونهاية الأرب مخطوط:

ج6. وتاريخ العرب العام، طبعة 1948م، وتاريخ الشعوب الإسلامية، طبعة 1954م، ومختصر تاريخ العرب، طبعة 1938م، وتاريخ الشيعة للشيخ المظفر.

() الحاكم بأمر الله (375 411 ه = 985 1021م) منصور (الحاكم بأمر الله) ابن نزار (العزيز بالله) ابن معد (المعز لدين الله) ابن إسماعيل بن محمد الفاطمي، أبو علي، من خلفاء الدولة الفاطمية بمصر. ولد في القاهرة، وسلم عليه بالخلافة في مدينة بلبيس، بعد وفاة أبيه سنة (386ه) وعمره إحدي عشرة سنة فدخل القاهرة في اليوم الثاني ودفن أباه فكانت له

مصر والشام وخطبة افريقيا، جعل أبا محمد الحسن بن عمار الكندي واسطة، وقيل: إن عمته ست النصر أخت العزيز بالله هي القائمة بأمور الدولة حتي توفيت، وباشر أعمال الدولة.

عني بعلوم الفلسفة والنظر في النجوم، وعمل رصدا. وأخباره كثيرة جدا، أورد بعضها المقريزي في الكلام علي جامع (المقس) وهو مما أنشأه صاحب الترجمة. وله بضع رسائل يقولون إنها من إنشاء الحاكم بقلمه، منها: (خبر اليهود والنصاري) و(السجل الذي وجد معلقا علي المساجد) و(السجل المنهي فيه عن الخمر)، وفي الذريعة إلي تصانيف الشيعة: (كتاب التعويذ، في صناعة الاكسير، ألفه الحاكم منصور بن نزار الفاطمي لولده الطاهر بالله علي بن منصور) وقال صاحب الذريعة: رأيت ترجمته إلي الفارسية باسم (التحفة الشاهية خ) أوله ترجمة الحاكم ونسبه وأحوال أجداده. وصنفت في سيرته كتب، منها: (الحاكم بأمر الله ط) لمحمد عبد الله عنان. ونشرت مؤخرا (الرسالة الواعظة في نفي دعوي ألوهية الحاكم) للكرماني، وكان من رجاله، يرد فيها علي أحد غلاتهم، قال: (أما قول أصحابك إن المعبود تعالي هو أمير المؤمنين عليه السلام، فقول كفر تكاد السماوات يتفطرن منه الخ).

يفهم من مقالة المقريزي في الخطط: أنه كان يأمر الناس بالمعروف وينهي عن المنكر، فقد قال المقريزي: وفي سنة (395ه) أمر النصاري واليهود بلبس الزنار ولبس الغيار، ومنع الناس من أكل الملوخية، ومنع الناس بيع الفقاع (البيرة) وعمله، ولا يباع شيء من السمك بغير قشر، وقيل: إنه كان في بداية أمره شديداً في مذهبه، إلا انه بعد ذلك انفتح علي باقي المذاهب والنحل، وأصدر مرسوما: يخمس في التكبير علي الجنائز المخمسون، ولا يمنع من التربيع عليها المربعون، ويؤذن بحي علي خير العمل المؤذنون، ولا يؤذي من بها لايؤذنون، ولايسب أحد من

السلف، ولا يحتسب علي الواصف فيهم بما وصف، والحالف منهم بما حلف، لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده. وكان جوادا وسيرته حسنة من أعجب السير، وكان يشتغل بعلوم الأوائل وينظر إلي النجوم.

وكان نصير العلم والآداب فقد أخرج كل ما في القصر من خزائن الكتب ووضعها في متناول العلماء والطلاب لينتفعوا بها، وكان يعقد في قصره مجالس للعلماء يتدارسون ويتنافسون في حضرته، ويجزل لهم الجوائز والصلات، فنال العلماء الكبار وأهل الاختصاص حظوة كبيرة، وألف له أبو الحسن الفلكي معجما في الفلك يعرف بالزيج الكبير.

وحظيت مصر في تلك الفترة منزلة عظيمة في العصر الفاطمي لم تحظ بها أي بلدة من بلدان العالم الاسلامي. فقد قال أحد الباحثين في التأريخ في الحاكم بأمر الله الفاطمي: إن العصر الفاطمي من أسطع عصور مصر الإسلامية، إن لم يكن أسطعها جميعا. انظر: خطط المقريزي: ج2 ص280 289. والشيعة في الميزان: ص157. والذريعة إلي تصانيف الشيعة: ج4 ص227 الرقم 1142. والأعلام: ج7 ص305 الحاكم بأمر الله.

() ولتسليط بعض الضوء علي الحياة الفكرية والعلمية التي كانت عليها الدولة الفاطمية نورد هذا البحث: إذا كان الفاطميون قد أقاموا الوحدة بعد التجزئة وأنشؤوا الجيش الضخم والأسطول الفخم فحموا بذلك العالم الإسلامي من أكبر كارثة كانت ستحل به، فانهم إلي جانب ذلك قد وضعوا منذ الساعة الأولي لحكمهم خطة هي أن يقوم هذا الحكم علي قواعد ثابتة من العلم والمعرفة، وخططوا، لسياسة تعليمية شاملة ترتكز علي إنشاء جامعة كبري، ثم علي تفريغ العلماء للعلم وحده، فلا يشغلهم شاغل العيش عن الانصراف إلي العلم، ولا يلهيهم الفقر عن التوسع في البحث والدرس، فجعلوا لهم موارد من الرزق تضمن لهم العيش الكريم، ثم أرسلوا يستدعون العلماء من الخارج.

وقد اشتد هذا المنهج واتسع وقوي بعد إقامة الوحدة بضم البلاد الأخري إلي مصر وإنشاء القاهرة وإقامة الأزهر، وقد تم ذلك علي الشكل الآتي:

1 خصّصوا لكل مذهب من المذاهب الإسلامية في جامعتهم الكبري الأزهر، كرسياً لتدريس ذلك المذهب، وقد كان عدد الطلاب يتفق مع انتشار ذلك المذهب في مصر والبلاد القريبة منها.

2- كان العلماء في البلاد الخارجة عن النفوذ الفاطمي يعانون محنة الفقر وكانت حياتهم مأساة مفجعة فأرسل الفاطميون يستدعونهم إليهم ويضمنون لهم العيش الكريم. والذي يدعو إلي الإعجاب بالفاطميين أن جميع العلماء الذي استدعوهم أو وفدوا إليهم ووفروا لهم التفرغ للعلم كانوا علي غير مذهب الفاطميين. فمن تلك الأسماء اسم عبد السلام القزويني شيخ المعتزلة الذي وفد إلي مصر فأقام فيها أربعين سنة يلقي تعاليم مذهبه. ومنها اسم القاضي أبي الفضل محمد البغدادي إمام الشافعية الذي وفد هو الآخر إلي مصر وأخذ يملي من مذهبه ما أملي حتي مات سنة (441ه).

وكذلك أبو الفتح سلطان بن إبراهيم الفلسطيني (518ه) وأبو الحجاج يوسف الميروقي (523ه) ومجلي بن جميع المخزومي (550ه) والقاضي علي الموصلي الخلعي (448ه) وأبو محمد عبد الله السعدي (561ه)، ومن فقهاء المالكية أمثال محمد بن سليمان المعروف بأبي بكر النعّال الذي كانت إليه الرحلة في مصر. وكانت حلقته في الأزهر تدور علي سبعة عشر عموداً لكثرة الطلاب الذين كانوا يقصدونه. وعبد الجليل مخلوف الصقلي (549ه) وأبو بكر الطرطوشي (525ه) وغيرهم العديد الوافر.

وقال القلقشندي في صبح الأعشي: ج3 ص524، عن الفاطميين: كان من سيرهم في رعيتهم استمالة قلوب مخالفيهم، وكانوا يتألفون أهل السنة والجماعة ويمكنونهم من إظهار شعائرهم علي اختلاف مذاهبهم ولا يمنعون من إقامة صلاة التراويح في الجوامع والمساجد، علي مخالفة معتقدهم في ذلك.

ومن أشهر العلماء الذين لجأوا إلي مصر في عهد الحاكم بأمر الله أبو الفضل جعفر وكان مكفوفاً فأعجب به الحاكم وخلع عليه ولقبه عالم العلماء. ومن أشهر العلماء الذين احتضنتهم مصر الفاطمية هو ابن الهيثم استدعاه الحاكم بأمر الله وخرج لاستقباله بنفسه.

وكان الحاكم يأمر بإحضار جماعة من المتخصصين في كل علم، بعضهم من أهل الحساب والمنطق، وبعضهم الفقهاء والأطباء للمذاكرة بين يديه، فكانت تحضر كل طائفة علي انفراد ثم يخلع الحاكم علي الجميع ويصلهم.

وقال ابن أبي أصيبعة: إنه لما وصل المهذب وكان فاضلاً في صناعة الطب إلي الشام من بغداد أقام بدمشق مدة ولم يحصل له بها ما يقوم بكفايته وسمع بالديار المصرية وانعام الخلفاء فيها وكرمهم وإحسانهم إلي من يقصدهم ولا سيما أرباب العلم والفضل، فتوجه إلي مصر فوهبت له الأموال وأقام فيها مكرماً.

لقد توسع الحاكم بأمر الله بشأن دور الكتب العامة وحرص علي تسهيل وصول جميع طبقات الشعب إليها، فقد قال المسبحي، وهو يتحدث عن مكتبات القصر، إن بعضها كان في خزائن القصر البرانية، ويري الدكتور محمد كامل حسين أن هذه الخزائن (البرانية) هي التي أنشأها الحاكم سنة (395ه) وسماها دار العلم وحمل إليها من خزائن القصر من سائر العلوم والآداب ما لم ير مثله قط مجتمعاً لأحد من الملوك، وقد أباح ذلك كله لسائر الناس علي طبقاتهم.

ومن مآثر الفاطميين التي لا يزال المسلمون يستفيدون منها حتي اليوم جامعة الأزهر، وقد شرع القائد الفاطمي جوهر في بناء الأزهر بأمر المعز عندما شرع في بناء مدينة القاهرة يوم السبت لستٍّ بقين من جمادي الأولي سنة (359ه) وتم بناؤه في التاسع من رمضان سنة (363ه) ثم جدد فيه العزيز بالله والحاكم بأمر الله، ثم جدده

المستنصر بالله والحافظ لدين الله. وكان هذا المسجد محل رعاية الخلفاء الفاطميين وعنايتهم، فقد كان الفاطميون يشجعون العلماء والفقهاء للتحلق في هذا المسجد واتخذوا منه جامعة علمية تعد بحق أقدم جامعة عرفها التاريخ. وفيه كان داعي الدعاة يعقد مجلساً للنساء يلقي عليهن من علوم أهل البيت?.

ويقول القلقشندي إن الوزير أبا الفرج يعقوب بن كلس سأل العزيز بالله في حمله رزق جماعة من العلماء كانوا بمسجد القاهرة وأطلق لكل منهم كفايته من الرزق وبني لهم داراً بجانب الجامع الأزهر.

وقد ورد أنه سنة (383ه) عين رجل جعفري للجلوس في الأزهر للفتوي علي مذهب أهل البيت عليهم السلام فشغب عليه الفقهاء من أهل الجامع (من غير الشيعة) فبلغ ذلك القاضي فقبض علي بعضهم، فمن هذا النص نستطيع أن نتبين أنه كان بالجامع فقهاء يخالفون العقيدة الفاطمية وأنهم كانوا يفتون علي حسب مذهبهم وعقيدتهم، فلما جاء هذا الفقيه للفتيا علي المذهب الجعفري شغبوا عليه، فاضطر القاضي إلي أن يقبض علي بعضهم، لقد شغبوا عليه ولم يتسامحوا معه مثلما تسامحت الدولة معهم.

وأنشأ الفاطميون ما عرف باسم المحول وهو أشبه شيء بقاعات المحاضرات العامة في عصرنا الحديث، وكان يؤم المحول الخاصة وشيوخ الدولة وخدم القصر والطارئون علي مصر وعامة الناس. ولم يكتف الخلفاء الفاطميون بأن يكون المحول جزءً من قصرهم بل نراهم يهتمون اهتماماً خاصاً بمكتبة القصر حتي عدت هذه المكتبة من مفاخر الفاطميين، فقد تميزت عن جميع مكتبات العالم في ذلك الوقت. ويقول المقريزي نقلاً عن ابن طي بعدما ذكر استيلاء صلاح الدين الأيوبي علي القصر: ومن جملة ما يدعوه خزانة الكتب وكانت من عجائب الدنيا. ويقال إنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من التي كانت

في القاهرة بالقصر، ويقول المقريزي: ومما يؤيد ذلك أن القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي لمّا أنشأ المدرسة الفاضلية بالقاهرة جعل فيها من كتب القصر مائة ألف مجلد، ويروي عن المسبحي أن عدد الخزائن التي يرسم الكتب في سائر العلوم بالقصر أربعون خزانة بعضها داخل القصر وبعضها في خزائن القصر البرانية. وكانت هذه الخزائن تشتمل علي مجلدات في كل فن من فنون العلوم. ويقال إن العزيز بالله ذكر عنده كتاب العين للخليل بن أحمد فأمر خزان دفاتره فأخرجوا من خزائنه نيفاً وثلاثين نسخة من كتاب العين منها نسخة بخط الخليل نفسه، وحمل إليه رجل نسخة من كتاب تاريخ الطبري اشتراها بمائة دينار، فأمر العزيز فأخرج له من الخزانة من ينيف علي عشرين نسخة منها نسخة بخط ابن جرير.. الخ.

ويقول الدكتور محمد الرميحي: كان اندفاع الفاطميين في مصر نحو عشق الكتب غريباً.. إلي أن يقول: وقد أنشأ خليفتهم العزيز بالله في عام (975م) أول مكتبة شهيرة داخل قصره، وكانت من الضخامة بحيث أنها ضمت (600 ألف) كتاب مخطوط مقسّمة إلي أربعين قسماً. ثم ما لبثت أن أنشئت أيضاً دار الحكمة القاهرية، وهي لم تكن أرففاً لاحتواء الكتب فقط ولكنها كانت تضم داخلها جيوشاً من المترجمين والعلماء والنساخين، وكانت بذلك جامعة متخصّصة لإنتاج الكتب. مجلة العربي: العدد 426 ص22 لسنة1994.

ومثلما شهد العصر الفاطمي ازدهار المكتبات القاهرية شهدت نهاية هذا العصر انهيارها بفعل النهب والحرائق واللامبالاة، هذا ما ذكره الدكتور الرميحي عن مكتبات الفاطميين، وهو لم يستطع التغلب علي رواسبه لذلك لم يذكر اسم صلاح الدين الأيوبي الذي عمل علي انهيار تلك المكتبات.

ولعلنا نستطيع أن ندرك من هذه اللمحة القصيرة مدي عناية الخلفاء الفاطميين باقتناء الكتب في كل

فن، وحرصهم علي أن تجمع خزائنهم الطرائف والنفائس في كل علم، وذلك تشجيعاً للعلم والعلماء. ولا غرو في ذلك فان مذهبهم الديني مذهب أهل البيت عليهم السلام يدعو إلي العلم والعمل والاستزادة من جميع العلوم والآداب. لكن هذه الكنوز العلمية من نفائس الكتب التي حافظ عليها الفاطميون أصابها من أصاب الفاطميين أنفسهم.

وبعد أن يصف الدكتور محمد كامل حسين بدء النكبات، وكيف أن جلود هذه الكتب أخذها العبيد والإماء برسم عمل ما يلبسونه في أرجلهم وأحرق ورقها، وبقي منها ما لم يحرق وسفت عليه الرياح التراب فصارت تلالاً باقية تعرف بتلال الكتب. وينتهي الدكتور إلي القول: أبادها صلاح الدين الأيوبي كما أباد دولة الفاطميين، وكذلك ضاعت كنوز الفاطميين بيد التعصب الممقوت.

أما المكتبات التي عبر عنها المسبحي ب(البرّانيّة) فلعلها كانت كالمكتبات العامة في عصرنا هذا، ولعلها هي التي أنشأها الحاكم بأمر الله سنة (395ه) وسماها بدار العلم وجعلها جزءً من قصره. وقد حمل إلي هذه الدار الكتب من خزائن القصر من سائر العلوم والآداب ما لم ير مثله مجتمعاً قط لأحد من الملوك، وأباح ذلك كله لسائر الناس علي طبقاتهم. فدار العلم إذاً كانت مكتبة عامة علي نحو ما نراه اليوم في المكتبات العامة، ولكنها بجانب ذلك كانت جامعة علمية للتعليم، وكثيراً ما كانت تقام المناظرات بين علمائها، من ذلك ما رواه السيوطي أن جنادة بن محمد بن الحسين الأزدي الهروي أبا أسامة اللغوي النحوي قدم مصر وصحب الحافظ عبد الغني بن سعيد وأبا إسحاق علي بن سليمان المعري النحوي، وكانوا يجتمعون في دار العلم في القاهرة وتجري بينهم مباحثات ومذاكرات.

بلغت الحياة العلمية في مصر الفاطمية درجة كبيرة من النمو والازدهار لكثرة العلماء الذين كانوا في مصر

أو وفدوا عليها وكثرة المؤلفات في كل فن من فنون العلم.

وقد كان الخلفاء الفاطميون يقربون العلماء ويشجعون الطلاب، وقد أوقفوا أرزاقاً ثابتة للمشتغلين بالعلم حتي يتهيأ لهم التفرغ لما أهلوا أنفسهم له، فكان الفاطميون علي هذا النحو من الاهتمام بشؤون العلماء أسبق مما هو عليه كثير من الدول التي لم تعرف للعلماء قدرهم ولم توفّهم حقهم، فشغل العلماء بأمر أرزاقهم أولاً، فركدت الحركة العلمية عند هذه الدول.

وبلغ من تشجيع الفاطميين لطلاب العلم أن القاضي النعمان سمع الخليفة المعز يقول: إننا لنسر بمن نراه من أوليائنا يطلب العلم والحكمة ويرغب في الخير كما نسر بذلك في الولد. ففي ظل هؤلاء الحكام وعلي ضوء ما ذكره المعز، وجد العلماء ملاذاً يؤويهم من العوز ويحميهم من الفاقة، بل وجدوا ما يشجعهم علي مواصلة البحث والدرس والتأليف. ويذكر المؤرخون عدداً من العلماء الذين وفدوا علي مصر الفاطمية ووجدوا من التشجيع ما جعلهم يذكرون مصر والفاطميين بالخير.

فالقاهرة الفاطمية مطمح أنظار العلماء ومحط رجال الطلاب، وفي العصر الفاطمي استطاعت مصر أن تنتزع زعامة العالم الإسلامي في الحياة العلمية، وأن تبسط آراءها وتعاليمها علي البلدان الأخري، حتي نري بعض العلماء الذين كانوا ينقمون علي الشيعة بعامة وعلي الفاطميين بخاصة يفدون علي مصر ويتأثرون ببعض الآراء التي كانت سائدة فيها، وأقرب مثل نقدمه لذلك هو الغزالي، فقد هاجم الفاطميين في كتبه القسطاس والمنقذ من الضلال والمستظهري وغيرها ولكنه وفد علي مصر الفاطمية في أواخر حياته ووضع فيها كتابه مشكاة الأنوار.

ويسترسل الدكتور محمد كامل حسين في الحديث معللاً هذا بقوله: ويخيل إلي أن السبب الذي من أجله شجّع الخلفاء الفاطميون العلم والعلماء أن المذهب الشيعي نفسه يقوم علي العلم والعقل قبل كل شيء، فلا

غرو إن رأينا الفاطميين يشجعون العلم الذي هو دعامة من دعائم العقيدة الشيعية.

وكان الفاطميون يهتمون بالدراسة الفلسفية أيضا.

وإذا درسنا الحياة العقلية في العالم الإسلامي في القرن الرابع وما بعده رأينا أكثر العلماء كانوا متأثرين بالآراء الشيعية، ونري بعض الفلاسفة الذين نبغوا في القرن الرابع وما بعده كانوا علي صلة قريبة أو بعيدة من العقائد الفاطمية أو العقائد الشيعية عامة.

ولعل أشهر عالم رياضي شهدته مصر الفاطمية هو الفيلسوف أبو علي محمد بن الحسن ابن الهيثم الذي قيل عنه: إذا أردنا أن نقارن ابن الهيثم بعلماء عصرنا الحاضر فلا أكون مغالياً إذا اعتبرت ابن الهيثم في مرتبة تضاهي مرتبة إينشتين في عصرنا هذا.

وقيل عنه: إن ابن الهيثم قلب الأوضاع القديمة وأنشأ علماً جديداً، هو قد أبطل علم المناظرة الذي وضعه اليونان، وأنشأ علم الضوء الحديث بالمعني وبالحدود وبالأصول التي نراها الآن.

ولكن ذنب ابن الهيثم أنه كان في مصر الفاطمية فلقيت تعاليمه وآراؤه ما لقيت مصر الفاطمية كلها بسبب تعصب من أتي بعد الفاطميين، فكل عالم من علماء الفاطمية يجب أن تحرق كتبه ولا تتبع تعاليمه، وهذا ما حدث لابن الهيثم وغير ابن الهيثم من العلماء.

وظهر في مصر في هذا العصر عدد كبير من الأطباء، والطب كما نعلم كان معدوداً في ذلك العصر من علوم الفلسفة، وكثرت في مصر الفاطمية مناظرات الأطباء ومجادلاتهم، فكان ذلك من أسباب ازدهار هذا النوع من العلم واتساع افقه وكثرة التآليف حوله.

وتحدث الدكتور حسين عن الحياة الأدبية فقال: ولكن هذه الموجة الفنية التي طغت علي مصر سرعان ما أبادها الأيوبيون فيما أبادوه من تراث هذا العصر الذهبي في تاريخ مصر الإسلامية فضاع الشعر ولم يبق منه إلا اسم الشاعر أحياناً إن قدر لاسمه

البقاء. ونحن لا نتردد في اتهام الأيوبيون بجنايتهم في تاريخ الأدب المصري لتعمدهم أن يمحوا كل أثر يمت للفاطميين بصلة، فقد احرقوا كتبهم بما فيها من دواوين الشعر.

وقال الأستاذ حسين عبد الوهاب: في الوقت الذي خصّصوا (الفاطميون) فيه حلقة لدرس فقه الشيعة في الجامع الأزهر، كان جامع عمرو بن العاص معقلاً للحديث والمذاهب السنية، فقد بلغت حلقات التدريس فيه في نهاية القرن الرابع مائة حلقة وعشر حلقات يتزعمها أئمة الفقهاء والقراء وأهل الأدب. للتفصيل راجع: (صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين): ص18، الحياة الفكرية والعلمية، ط1.

() عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد أبو محمد الفقيه المالكي (362 422ه)، من أولاد صاحب الرحبة، تغلبي عراقي. قاض من فقهاء المالكية، ولد في بغداد وولي القضاء في اسعرد، رحل إلي الشام فمر بمعرة النعمان، واجتمع بأبي العلاء المعري، وتوجه إلي مصر فعلت شهرته وتوفي فيها، له مؤلفات عديدة، وله نظم ومعرفة بالأدب، وهو صاحب البيتين الشهيرين:

بغداد دار لأهل المال طيبة وللمفاليس دار الضنك والضيق

ظللت حيران أمشي في أزقتها كأنني مصحف في بيت زنديق

وقيل: ذهب إلي مصر لإفلاس لحقه فمات بها في سنة (422ه) وله من العمر (60 سنة). وقيل: خرج من بغداد لضيق حاله، فدخل مصر فأكرمه المغاربة (يعني بهم الفاطميين) وأعطوه ذهبا كثيرا فتمول جداً. وقيل: إنه لما خرج من بغداد شيعه خلق كثير من سائر الطوائف فقال لهم: لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين في كل غداة ما عدلت ببلدكم بلوغ أمنية.

وعندما وصل إلي مصر أكرمه الفاطميون وقاموا بتأسيس المدارس ودور العلم يدرس فيها الفقه المالكي، وهذا يدل علي انفتاح أمراء الدولة الفاطمية علي جميع المذاهب والأديان، ولم يقمعوا أي مذهب أو طائفة، بخلاف

خصومهم كصلاح الدين الأيوبي الذي تآمر علي الدولة الفاطمية حتي قضي عليها، وتعقب كل أثر للشيعة فيها.

انظر: الشيعة في الميزان: ص386. وسير أعلام النبلاء: ج17 ص432. والأعلام: ج4 ص184 القاضي عبد الوهاب.

() تاريخ بغداد: ج11 ص32 الرقم 5703.

() البداية والنهاية: ج12 ص41 أحداث سنة 422ه.

() العاضد لدين الله (544 567 ه = 1149 1171م) عبد الله (العاضد) بن يوسف بن الحافظ، العلوي الفاطمي، أبو محمد: آخر خلفاء الدولة الفاطمية بمصر والمغرب. بويع له بمصر سنة (555 ه)، بعد موت الفائز. وكان الضعف قد ظهر علي رجال هذه الدولة، واستبد الوزراء والمستشارون من الترك وغيرهم بالأمر. وفي أيامه قوي صلاح الدين (يوسف بن أيوب) وتولي وزارته وتصرف في شؤون الملك، ثم قطع خطبته وأمر بالخطبة للمستضئ بالله العباسي. وكان العاضد في مرض موته، فمات ولم يعلم بذلك. وقيل: مات قهرا لما عرف ذلك، فهو آخر من دعي بالأمير من الفاطميين بمصر، وآخر من ولي الحكم منهم. وكانت مدتهم (268 سنة).

جاء في سير أعلام النبلاء للذهبي: ج51 ص211: حدثنا الأمير حسام الدين بن أبي علي: قال: كان جدي في خدمة صلاح الدين. فحكي وقعة السودان بمصر التي زالت دولتهم بها ودولة العبيدية أي الدولة الفاطمية، ويسمونها كذلك حقدا وبغضا ولأنهم سمحوا ببعض الحرية للشيعة من أتباع أهل البيت عليهم السلام، فتأمل شرع صلاح الدين يطلب من العاضد أشياء من الخيل والرقيق والمال [ليقوي بذلك ضعفه] فسيرني إلي العاضد أطلب منه فرسا، فأتيته وهو راكب في بستانه الكافوري. فقلت له، فقال: مالي إلا هذا الفرس، ونزل عنه، وشق خفيه ورمي بهما، يعطيه ليقوي علي مقاتلة الفرنج والصليبييين إن كان ذلك فأتيت صلاح الدين بالفرس.

قلت الذهبي : تلاشي أمر

العاضد مع صلاح الدين إلي أن خلعه، وخطب لبني العباس، واستأصل شأفة بني عبيد الفاطميين ومحق دولة الرفض. وكانوا أربعة عشر متخلفا لا خليفة، والعاضد في اللغة أيضا القاطع، فكان هذا عاضدا لدولة أهل بيته. قال ابن خلكان: أخبرني عالم أن العاضد رأي في نومه كأن عقربا خرجت إليه من مسجد عرف بها فلدغته، فلما استيقظ طلب معبرا، فقال: ينالك مكروه [من] رجل مقيم بالمسجد، فسأل عن المسجد، وقال للوالي عنه، فأتي بفقير. فسأله من أين هو؟ وفيما قدم، فرأي منه صدقا ودينا. فقال: ادع لنا يا شيخ، وخلي سبيله، ورجع إلي المسجد، فلما غلب صلاح الدين علي مصر، عزم علي خلع العاضد، فقال ابن خلكان: استفتي الفقهاء من أي مذهب كان هؤلاء الفقهاء في مصر الفاطمية؟!، فأفتوا بجواز خلعه لما هو من انحلال العقيدة والاستهتار، فكان أكثرهم مبالغة في الفتيا ذاك الفقير، وهو الشيخ نجم الدين الخبوشاني، فإنه عدد مساوئ هؤلاء، وسلب عنهم الإيمان؟!.

وقال أبو شامة: اجتمعت بأبي الفتوح بن العاضد، وهو مسجون مقيد، فحكي لي أن أباه في مرضه طلب صلاح الدين، فجاء، وأحضرنا ونحن صغار، فأوصاه بنا، فالتزم إكرامنا واحترامنا؟!.

وقال الذهبي في سيره: وفيها سنة 567ه هلك العاضد آخر خلفاء العبيدية بمصر، وخطب قبل موته بثلاث للمستضئ العباسي ولله الحمد، فزينت بغداد، وعمل صلاح الدين للعاضد العزاء، وأغرب في الحزن والبكاء، وتسلم القصر بما حوي، واحتيط علي آل القصر، وأفردوا بموضع، ومنعوا من النساء، لئلا يتناسلوا، فلبس نور الدين الخلعة: فرجية، وجبة، وقباء، وطوق ألف دينار، وحصان بسرج مثمن، وسيفان، ولواء، وحصان آخر بجنب وقلد السيفين، إشارة إلي الجمع له بين مصر والشام. ونفذ إلي صلاح الدين تشريف نحو ذلك ودونه، معه

خلع سود لخطباء مصر، واتخذ نور الدين الحمام، ودرجت علي الطيران. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: ج15 ص211 الرقم (78 العاضد). وج21 ص71 الرقم 24 المستضيئ بالله العباسي. والأعلام: ج4 ص147 العاضد لدين الله.

() نور الدين (511 569 ه = 1118 1174م) محمود بن زنكي (عماد الدين) ابن أقسنقر، أبو القاسم، نور الدين: ملك الشام وديار الجزيرة ومصر. كان من المماليك (جده من موالي السلجوقيين). ولد في حلب وانتقلت إليه إمارتها بعد وفاة أبيه (541 ه) وكان ملحقا بالسلاجقة، فاستقل. وضم دمشق إلي ملكه مدة عشرين سنة. وامتدت سلطته في الممالك الاسلامية حتي شملت جميع سورية الشرقية وقسما من سورية الغربية، والموصل وديار بكر والجزيرة ومصر وبعض بلاد المغرب وجانبا من اليمن. وخطب له بالحرمين. وكان معتنيا بمصالح رعيته، وأقطع عرب البادية إقطاعات لئلا يتعرضوا للحجاج. حصن قلاع الشام وبني الأسوار علي مدنها، كدمشق وحمص وحماة وشيزر وبعلبك وحلب. قمع واضطهد شيعة أهل البيت عليهم السلام في حلب وباقي البلاد الشامية. استولي علي دمشق بعد تفشي الغلاء والخوف، فحصنها، ووسع أسواقها. هزم الفرنج والأرمن علي حارم وكانوا ثلاثين ألفا. جهز نور الدين جيشا مع نائبه أسد الدين شيركوه، فاستولي علي مصر وأنهي دولتها الفاطمية، هذا بعد أن استنجد به الخليفة العاضد الفاطمي به من الصليبيين، فاستوزر العاضد شيركوه نائب نور الدين، ثم صلاح الدين، فقام الأخير بالغدر والتنكيل بالدولة الفاطمية فنقض أركانها كما نقض عهوده للعاضد. كان حنفيا يراعي مذهب الشافعي ومالك، ويقمع الشيعة، مات بقلعة دمشق بالخوانيق، أشاروا عليه بالفصد، فامتنع، فما روجع، عهد بالملك إلي ابنه وهو ابن إحدي عشرة سنة.

قال مجد الدين ابن الاثير في نقل سبط الجوزي عنه: لم يلبس نور

الدين حريرا ولا ذهبا، ومنع من بيع الخمر في بلاده، قلت الذهبي : قد لبس خلعة الخليفة والطوق الذهب.

قال العماد في (البرق الشامي): أكثر نور الدين عام موته من البر والأوقاف وعمارة المساجد، وأسقط ما فيه حرام؟! فما أبقي سوي الجزية والخراج والعشر، وكتب بذلك إلي جميع البلاد، فكتبت له أكثر من ألف منشور. قبره عند باب الخواصين، في المدرسة (النورية) وكان قد بناها للأحناف بدمشق. تملك بعده ابنه الملك الصالح أشهرا.

ولما مات نور الدين، أقبل صلاح الدين ليقيم نفسه أتابكا لولد نور الدين، فدخل البلد بلا كلفة، واستولي علي الأمور في ربيع الأول سنة سبعين، ثم تسلم القلعة، وشال الصبي من الوسط ثم سار، فأخذ حمص، ثم نازل حلب، وهي الوقعة الأولي، فجهز السلطان غازي من الموصل أخاه عز الدين مسعودا في جيش، فرحله، وقدم حمص، فأقبل مسعود ومعه الحلبيون، فالتقوا علي قرون حماة، فانهزم مسعود، وأسر أمراؤه، وساق صلاح الدين، فنازل حلب ثانيا، فصالحوه ببذل المعرة وكفر طاب، وبلغ غازي كسرة أهله وأخيه، فعبر الفرات، وقدم حلب، فتلقاه ابن عمه الملك الصالح بن نور الدين، ثم التقوا هم وصلاح الدين، فكانت وقعة (تل السلطان)، انتصر فيها صلاح الدين، ورجع صاحب الموصل. ثم أخذ صلاح الدين منبج وعزاز، ونازل حلب ثالثا، فأخرجوا إليه بنت نور الدين، فوهبها عزاز.

انظر: سير أعلام النبلاء: ج20 ص531 الرقم 340. والأعلام: ج7 ص170 العادل نور الدين.

() انظر سير أعلام النبلاء: ج20 ص415 ضمن الرقم 274.

() الإسماعيليون: وهم القائلون بإمامة إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام الذي توفي في حياة أبيه عام (140ه) ودفن في مقبرة البقيع، وقبل دفنه أحضر الإمام الصادق عليه السلام والي المدينة مع جمع من

وجهائها وشخصياتها وأشهدهم علي موته رفعاً للشبهة، ومنهم من زعم أن الإمام الصادق عليه السلام قد نص علي محمد بن إسماعيل، وتفترق الإسماعيلية عن الإمامية بجهات:

منها: الاختلاف في عدد الأئمة وأسمائهم بعد الإمام الصادق عليه السلام، ومنها ما هو مذكور في المفصلات.

ويكثر تواجد الإسماعيلية في باكستان وقسم منهم في الحجاز وسورية واليمن والهند وإفريقيا مصر وبلاد المغرب العربي ومنهم من يعرف بالبهرة. انظر الشيعة في الميزان: ص149 150.

() انظر تأريخ ابن خلدون المسمي بكتاب العبر: ج4 ص60 بقية أخبار الحاكم، وذكره المقريزي في كتاب العبر: ج4 ص60، وخطط المقريزي: ج2 ص287.

() الأشاعرة والأشعرية: نسبة تمثل رواد مذهب كلامي في أصول الدين، مؤسسه: أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، في أواخر القرن الرابع الهجري. توفي سنة (324 ه وقيل 330ه) كان معتزلاً ثم رجع عن الاعتزال وألف كتباً في العقائد فاصبح شيخ طريقة أغلب أهل السنة.

من جملة مبادئه: أن الباري عالم بعلم، قادر بقدرة، حي بحياة، مريد بإرادة، متكلم بكلام، سميع بسمع، بصير ببصر. ومن أبرز أقطابه: القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، وأبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني، وأبو الحسن مقاتل بن سليمان الخراساني.

كما يعتمد مذهب الأشاعرة علي الوحي أكثر من اعتماده علي العقل، وقد صرح الأشعري بأن النظر العقلي المستقل عن الوحي لايجوز أن يؤخذ طريقاً إلي العلم بالشؤون الإلهية، ورأي الأشعري أن العقل في وسعه أن يدركه الله إلا أن العقل عنده ليس إلا أداة للإدراك، أما الطريق الوحيد لمعرفة الله فهو الوحي، وأن العقل عندهم لايوجب شيئاً من المعارف ولايقضي تحسيناً ولا تقبيحاً. والأشعري لم يكن مجدداً مبتكراً بقدر ما كان جامعاً للآراء

موفقاً بينها.

ومن مقالاتهم: ليس في الكون أسباب طبيعية وجميع المسببات تستند إلي الله مباشرة؛ فهو الذي يخلق الشبع عند الأكل والشفاء عن شرب الدواء … بخلاف قول الإمامية والمعتزلة: أن في الكون أسباباً طبيعية تستند إلي مسبباتها مباشرة إلي الله والأسباب الطبيعية تنتهي بالواسطة إلي الله.

ومن أئمة الأشاعرة علاء الدين علي بن محمد الشهير بالقوشجي المتوفي سنة (879 ه) وقد نص علي أن الخليفة الثاني قال وهو علي المنبر: ثلاث كن علي عهد رسول الله ? وأنا أنهي عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن، متعة النساء ومتعة الحج وحي علي خير العمل. شرح التجريد للقوشجي: ص154 حي علي خير العمل.

انتشر مذهب الأشعري في بغداد عام (380ه)، وانتقل منها إلي الشام، فلما ملك صلاح الدين الأيوبي ديار مصر، كان هو وقاضيه صدر الدين الماراني علي هذا المذهب عندما كان في خدمة الملك نور الدين بن زنكي، فشدوا البنان علي مذهب الأشعري، وحملوا الناس في أيامهم علي الالتزام به فتمادي الحال علي جميع أيام الملوك من بني أيوب. خطط المقريزي: ج2 ص359.

() وهي:

المذهب الحنفي: وينسب إلي أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي من أهل كابل أو من أهل العراق، وكان اسمه عتيك بن زوطرة، وكان أبوه عبدا مملوكاً لرجل من ربيعة من بني تيم الله، ولد سنة (80 ه) في نسا، وتوفي في بغداد سنة (150ه).

والمذهب المالكي: وينسب إلي مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، ولد سنة (93ه) بالمدينة، وحملت به أمه سنتين وقيل أكثر!، وتوفي سنة (179ه).؟؟؟

والمذهب الشافعي: وينسب إلي محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، ولد سنة (150ه) وتوفي سنة (198ه).

والمذهب الحنبلي: وينسب إلي أحمد بن محمد بن حنبل بن

هلال، ولد سنة (164ه) في بغداد وفيها توفي سنة (241ه). انظر الإمام الصادق عليه السلام والمذاهب الأربعة: ج1 ص160.

() للتفصيل انظر كتاب (صلاح الدين الأيوبي) للسيد حسن الأمين.

() نعم، زال طاغوت العراق في العصر الحديث فكان أتعس نموذج للرؤساء الدكتاتوريين، صاغه الغرب وفق متطلبات المنطقة وظروفها السياسية، وحافظ علي أمنه الشخصي في أدق الظروف وأحلك اللحظات، ولد عام (1939م) في قرية العوجة جنوب تكريت، نشأ نشأة غير سوية بشهادة كل من عرفه، ضم إلي حزب البعث واشترك مع بعض عناصر الحزب في محاولة فاشلة لاغتيال عبد الكريم قاسم عام (1959م) هرب إلي سوريا ومنها إلي مصر. وخلال فترة بقائه في القاهرة، كثر تردده علي السفارة الأمريكية، فقد ذكر في صحيفة الشرق الأوسط عن أحد كبار المسؤولين العرب، بأن الرئيس عبد الناصر قد أخبر المسؤول العربي عام 1969 أن صدام حسين هو رجل أمريكا الأول في المنطقة، وأنه كان دائم التردد علي السفارة الأمريكية بالقاهرة، وأن المخابرات المصرية قد صورت ورصدت كل تحركاته واتصالاته بالسفارة الأمريكية.

اشترك في انقلاب (17 تموز 1968م)، وكان المنفذ الأول لتصفية مجموعة عبد الرزاق النايف بعد ثلاثة عشر يوما من انقلاب، فيما عرف بثورة (30 تموز) وفي عام (1970م) أصبح صدام نائباً لمجلس قيادة الثورة ورئاسة الجمهورية عند غياب البكر عن البلاد. تدرج في سلم السلطة والسيطرة علي قرارات النظام الحاكم معتمدا أسلوب التصفية والاغتيال لكل من يعارضه، وفي عام (1979م) أعلن نفسه رئيساً مطلقا للبلاد بعد أن أزاح أحمد حسن البكر عن الحكم.

هاجم إيران عام (1980م) فاندلعت حرب الخليج الأولي التي استمرت ثمان سنوات. حيث أعلن نقضه لاتفاقية الجزائر التي وقعها صدام نفسه مع شاه إيران عام (1975م) فقام بإعلان السيطرة

علي شط العرب واحتل بعض الأراضي الحدودية بحجة عائديتها للعراق، وبعد أن دامت الحرب ثمان سنوات أذاقت الشعبين المسلمين الجارين أشد المرارات والمآسي فأكلت الأخضر واليابس، ودمرت طاقات بشرية واقتصادية كبيرة، حيث قدر عدد الضحايا من القتلي والمعوقين بأكثر من مليوني إنسان، هذا غير جيش الأرامل والأيتام، أما الخسائر المادية فقدرت بعدة مئات من مليارات الدولارات. وبعد انتهاء الحرب عام (1988م) لم يدم السكون والهدوء للشعب العراقي حتي قام النظام بالهجوم علي الكويت بعد تصعيد سياسي مصطنع فاحتل الكويت عام (1990م) وبمباركة خفية من الصهيونية العالمية، فاندلعت حرب الخليج الثانية، فقامت قوات الحلفاء بقيادة أمريكا بإخراج الجيش العراقي من الكويت وتدمير العراق بشكل شبه كامل ووضعه تحت حصار طويل الأمد، عبر قرارات مجلس الأمن.

وكان الشعب العراقي قد انتفض علي النظام بعد انتهاء معارك تحرير الكويت وانسحاب الجيش المنكسر، فقمع صدام انتفاضة الشعب العراقي بوحشية لا مثيل لها، فقد قدرت أعداد من قتلوا وأعدموا واختفوا في قمع الانتفاضة ما يزيد علي مليون عراقي. وقد عرفت تلك الانتفاضة بانتفاضة شعبان المباركة.

إلي أن جاء عام (2003م) حيث قامت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخري بالهجوم علي العراق بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل التي كان صدام يتوعد بها إسرائيل فكان سببا لإسقاط ابشع نظام طاغوتي عرف في العصر الحديث، فقامت أمريكا وحلفائها باحتلال العراق وإسقاط نظام البعث في يوم (9/4/ 2003م) واعتقال الغالبية العظمي من رموز النظام وعلي رأسهم صدام بعد أن كان هاربا لمدة ثمانية أشهر، ودخل العراق دوامة جديدة من الأحداث الجسام، محملا بمآسي وهموم لشعب عاني ما عاني من الأنظمة العميلة والدكتاتورية.

وقد كشف النقاب بعد إسقاط النظام عن الكثير من المقابر الجماعية والتي تضم أعدادا هائلة

من العراقيين الأبرياء والبعض منهم دفنوا أحياء، والبعض الآخر كانوا عوائل بأكملها بأطفالها ونسائها وشيبها وشبابها، جميعا اعدموا ودفنوا في هذه المقابر لا لشيء إلا لأنهم شيعة رفضوا الخنوع لظلم طاغية العراق.

كما كشف عن أن النظام كان قد أعدم كل المعتقلين لأسباب سياسية وكذلك كل المحتجزين من الذين هجرت عوائلهم، بل حتي المشتبه فيهم وذلك بعملية أطلق عليها عملية تنظيف السجون، راح ضحيتها عشرات الآلاف من المعتقلين والمحتجزين قادها المقبور قصي ابن الطاغية صدام، وذكر أن عدد من أعدموا في هذه العملية فقط بلغ أكثر من خمسين ألف معتقل، وفي المقابل أطلق سراح سجناء جرائم القتل والسرقة والسلب والنهب والاغتصاب حيث يعيثون فسادا في العراق اليوم.

() ميشيل عفلق مسيحي من أم يهودية مواليد دمشق (1910م)، أحد مؤسسي حزب البعث مع صلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني وغيرهم، سافر إلي باريس عام (1928م) للدراسة فتخصص بدراسة تاريخ الثورات وتاريخ الأديان، وكان تحت رعاية المستشرق الفرنسي لويس ماسنيون الذي يعتبره من أحسن تلاميذه المؤمنين بأفكاره، وفي عام (1932م) عاد إلي دمشق مع صلاح البيطار وامتهنا التدريس ليبثا من خلاله أفكارهما الغربية والقومية في المجتمع، بين الطلاب والأساتذة، وفي عام (1941م) أسس حركة الإحياء العربي.

ترك التدريس ليتفرغ لتأسيس حزبه الذي أعلن عنه في (7 نيسان عام 1974م)، وبعد الإنشقاقات التي حصلت داخل الحزب عام (1966م) مال عفلق مع الجناح الدموي للحزب في العراق وكان راعيه وعرابه، وفي عام (1989م) سافر إلي باريس للعلاج فهلك في إحدي مستشفيات باريس بعد عملية جراحية، أعيدت جثته إلي بغداد وقبر فيها، فعمل له النظام الحاكم ضريحاً كبيراً؛ وذلك لكي لاينسي العراقيون أبرز رموز مأساة الأمة الإسلامية والعراق، فتظل شاخصة أمام العراقيين، ولكن تم

تدميره من قبل العراقيين أسوة بغيره من رموز وتماثيل نظام البعث البائد.

() طارق حنا عزيز، أو طوني حنا عزيز، مسيحي، صحفي سابق، أصبح عضواً في القيادة القومية لحزب البعث العراقي عام (1977م) بعد تصفيات واغتيالات لأغلب أعضاء الحزب الحاكم في العراق ما يسمي بمجلس قيادة الثورة إذ قاد صدام التكريتي بعد عزله للبكر رئيس الجمهورية آنذاك حملة اعدامات طالت أبرز أعضاء الحزب الحاكم، ولم يبق علي قيد الحياة اليوم ممن شاركوا في انقلاب (1968تموز) المشؤوم سوي عزت الدوري، وطه الجزراوي، وطارق حنا عزيز..!! تقلد عزيز مناصب عديدة في جهاز النظام الحاكم أهمها وزارة الخارجية ونائب لرئيس مجلس الوزراء.

() أحمد حسن البكر، من مواليد (1333ه 1914م) في تكريت، تقلّد منصب رئاسة الوزراء في حكومة عبد السلام عارف، ثمّ منصب رئيس الجمهورية في العشرين من ربيع الثاني (1388ه 17 تموز عام 1968م) إثر انقلاب عسكري دبره علي عبد الرحمن عارف، ومنح نفسه رتبة مهيب مشير بعد الانقلاب، منح أقرباءه وأصهاره وأبناء عشيرته وبلدته رتباً عالية دون استحقاق. تحكمت الطائفية والعصبية في زمانه وتدهورت الزراعة وتردّت الصناعة وملئت السجون بالمجاهدين والأحرار. عرف بلؤمه وغدره حتي ببعض أصدقائه، وكان همه تحقيق هدفه بصرف النظر عن الوسيلة، نحي عن الحكم إثر انقلاب عسكري دبره عليه زميله في الإجرام صدام التكريتي بتاريخ (16 تموز عام 1979م) بعد أن حكم العراق 11عاماً. قتله صدام بحقنة ترفع نسبة السكر لديه بواسطة أحد الاطباء، وذلك عام 1982م.

() سورة الفتح: 26

() رياض المسائل: ج2 ص434 كتاب الشهادات.

() هو جمال الدين عبد الناصر حسين (1918 1970م) عسكري وسياسي مصري، أصبح رئيس مصر عام (1956م)، التحق بمدرسة الحقوق وانتقل منها إلي الكلية الحربية التي تخرج منها عام

(1938م) برتبة ملازم ثان. كان بداية أمره يتردد علي مركز حركة الإخوان المسلمين حسب ما قال عبد المنعم عبد الرؤوف في مذكراته، وفي أوائل عام (1946م) بايع الإخوان المسلمين علي التضحية في سبيل الدعوة الإسلامية مجموعة من الضباط منهم جمال عبد الناصر.

انتمي لتنظيم الضباط الأحرار لقلب نظام حكم الملك فاروق عام (1952م). نشرت معلومات عن علاقته بالمخابرات الأميركية، حيث يقول أحد رفاقه وهو خالد محي الدين: بدأت علاقة عبد الناصر بالمخابرات الأمريكية منذ آذار (مارس) عام (1952م) أي قبل قيام الثورة بأربعة أشهر. وتحدث اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر بعد الثورة عن هذه العلاقة في مذكراته، وأنهم هم الذين كانوا يرسمون له الخطط الأمنية ويدعمون حرسه بالسيارات والأسلحة الجديدة.

استلم وزارة الداخلية ثم رئاسة الوزراء، ثم رئيساً لمصر عام (1956م)، من أشهر دعاة القومية العربية في العصر الحديث، أعلن قيام الجمهورية العربية المتحدة عام (1958م) مع سوريا، ثم الانفصال عام (1962م)، وفي عام

(1964م) عقد اتفاقية وحدة مع عبد السلام عارف رئيس الجمهورية العراقية، وفي سنة (1967م) تم العدوان الإسرائيلي علي الدول العربية حيث احتلت إسرائيل هضبة الجولان السورية وقطاع غزة وأراض من الأردن وشبه جزيرة سيناء، بما عرف وقتها بنكسة حزيران، فتنحي عبد الناصر عن الحكم بسبب الهزيمة، عدل عن قراره وبقي في منصبه. يقول حسن التهامي وهو من أقرب المقربين لعبد الناصر: إن عبد الناصر هو الذي أمر القوات المصرية بالانسحاب إلي الضفة الغربية من قناة السويس عام (1967م). وأن عبد الناصر هو الذي دس السم لعبد الحكيم عامر، في بيت عبد الناصر نفسه. (الأهرام 5/8/1977م). قال حسين الشافعي وهو أحد الضباط الأحرار الذين قاموا بالانقلاب العسكري سنة (1952م) في محاضرة له: انقلوا عني:

أن الجيش المصري لم يحارب في معركة (1967م) بل هزم بسبب الإهمال والخيانة، وأقول الخيانة وأضع تحتها عشرة خطوط.

شارك في الحرب اليمنية التي قتل فيها الآلاف من الشعب المصري المسلم، وقلب نظام الحكم في اليمن، أعلن الحرب علي الاتجاه الإسلامي في الداخل والخارج، وعذب قادة التنظيمات الاسلامية عذاباً نكراً، قتل أغلبهم بعد محاكمات صورية. كما دأب علي الوقوف دائماً في صف أعداء الإسلام ومناصرة سياستهم، فأيد نهرو في مواقفه ضد باكستان، وأيد نيريري الذي قام بمذبحة ضد مسلمي زنجبار، وأيد مكاريوس الذي كافح من أجل إضاعة حقوق المسلمين في قبرص، أحيا جاهلية القرن العشرين بإثارة نعرة القومية العربية، وإعلان الحرب علي ملوك البلدان الإسلامية وتشجيع المؤامرات الانقلابية. مات عبد الناصر سنة (1970م) بعد أن غرقت مصر في الديون وبعد أن دمّرها سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً، وملأ العالم العربي بالشعارات الجوفاء.

نشأت في ظل حكم جمال عبد الناصر الحركة الناصرية، وهي حركة قومية عربية، واستمرت بعد وفاته واشتقت اسمها من اسمه، وتبنت الأفكار والشعارات الجوفاء التي كان ينادي بها، وهي: الحرية والاشتراكية والوحدة، وهي نفس أفكار الأحزاب القومية اليسارية العربية الأخري كحزب وشعاراتهم الجوفاء.

() القومية: في الاصطلاح السياسي يقصد بها جملة العوامل المعنوية التي تربط جماعة إنسانية وتضمها في إطار وحدة تعرف بالوحدة القومية، وتعرف هذه الجماعة باسم: الأمة.

وقد اجتاحت العالم منذ أوائل القرن التاسع عشر لاسيما في أوروبا وتحت تأثير الثورة الفرنسية والثورة الصناعية، حركات قومية كانت تهدف إلي استثارة الروح الوطنية عند عدد من الشعوب، التي كانت إما طامحة في الاستقلال، مثل دول البلقان، أو طامحة في الوحدة السياسية مثل ألمانيا وإيطاليا، باعتبار أن هذا الهدف السياسي لا يتحقق إلا بعد تثبيت أسس الوحدة القومية؛ لهذا

كان من وسائلها نشر اللغة القومية وتراثها الفكري، فنشأ حينذاك ما عرف باسم حرب الثقافات وإحياء التقاليد الموروثة والفنون الشعبية، والإشادة بأحداث التاريخ حلوها ومرها، ورفع الشعارات والتغني بالأمجاد الوطنية، وقد مر العالم العربي بهذه المراحل في طريق الدعوة إلي الوحدة القومية بعد أن تحقق لأكثر هذه الدول استقلالها السياسي. انظر القاموس السياسي: ص942 «القومية».

أما القومية العربية فهي حركة سياسية فكرية، تدعو إلي إقامة دولة موحدة للعرب، علي أساس رابطة الدم والقربي واللغة والتاريخ، في مقابل رابطة الدين التي تجمع بين المسلمين كافة، وقد تولدت هذه الحركة من خلال دعاة الفكر القومي الذين ظهروا في أوروبا. ولا يخفي أن أكثر رعاة القومية هم من المستشرقين وتلاميذهم، أمثال ميشيل عفلق وأضرابه. وكانت بدايات الفكر القومي الوطن العربي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تمثلت ببعض الحركات السرية أنشأت من أجلها الجمعيات والخلايا في استنبول عاصمة الخلافة العثمانية، ثم أصبحت حركات علنية عبر جمعيات أدبية اتخذت دمشق وبيروت مقراً لها، ثم ظهرت في المؤتمر العربي الأول الذي عُقد في باريس سنة (1912م) كحركة سياسية واضحة الأهداف والمعالم.

وكانت دعوة القومية العربية محصورة في بداياتها في نطاق الأقليات الدينية غير المسلمة، وعدد محدود من المسلمين الذين تأثروا بها، وأصبحت تياراً شعبياً حين تبني الدعوة إليها ميشيل عفلق وجمال عبد الناصر وغيرهم، حيث سخروا لها أجهزة الإعلام الواسعة، وإمكانيات الدولة.

كما يعد (ساطع الحصري المتوفي 1968م) داعية القومية العربية وأهم مفكريها وأشهر دعاتها، وله مؤلفات كثيرة تعد الأساس الذي تقوم عليه فكرة القومية العربية، ويأتي بعده في الأهمية (ميشيل عفلق) أحد مؤسسي (حزب البعث).

ومن أهم مقومات القومية العربية هي: اللغة العربية، والدم، والتاريخ المشترك، والأرض، والآلام والآمال المشتركة، أما الدين

فإنه مستبعد من مقومات القومية العربية، وربما يحارب بشراسة؛ لأنه بزعمهم يُفرّق العرب ولا يوحدهم، وفي هذا يقول شاعرهم:

وسيروا بجثماني علي دين بَرهم

هبوني عيداً يجعل العرب أمة

وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم

سلامٌ علي كفر يوحد بيننا

ومن المعروف عن القوميين وأهدافهم ودعواتهم أن غرض الكثيرين منهم الدعوة إلي فصل الدين عن الدولة، وإقصاء أحكام الإسلام عن المجتمع، والاستعاضة عنها بقوانين وضعية ملفقة من قوانين غربية وشرقية، ولا يخفي أن الاستعمار يساعد علي وجود هذه الدعوات وذلك لإبعاد المسلمين والعرب منهم خاصة عن دينهم، وتشجيعاً لهم علي الاشتغال بقوميتهم، والدعوة إليها.

() لعل من المفيد في هذا الشأن مطالعة كتاب (صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين) للمؤلف السيد حسن الأمين ?، الذي أثار ضجة كبيرة وسبب صدمة لبعض من جهل أفعال صلاح الدين، وقد جاء الكتاب بالادلة التاريخية الواضحة التي تفضح دولة الايوبيين واكذوبة تحرير القدس التي طالما يتشدق بها البعض.

() البرامكة: أسرة فارسية من بلخ، تولي أبناؤها الوزارة في عهد العباسيين، عظم شأنهم فقربوا الشعراء واشتهروا بالكرم، نقم عليهم هارون العباسي ونكبهم. منهم خالد بن برمك خدم السفاح، ويحيي بن خالد مؤدب هارون ووزيره، والفضل بن يحيي أخو هارون بالرضاعة ومؤدب الأمين، توفي سجينا بالرقة، جعفر بن يحيي قربه هارون إليه ثم انقلب عليه لأسباب اختلف فيها أصحاب السير والتواريخ، وقتله في نكبة مشهورة، تعرف بنكبة البرامكة.

() وصيف وبغا: مملوكان تركيان، كانا من كبار الأمراء في بغداد أيام المتوكل وبعده بقليل، مات بغا سنة (248ه) وقتل وصيف سنة (253ه). انظر تاريخ ابن خلدون: ج1 ص24.

() رضا خان (1878 1944م) شاه إيران (1925م)، أرمني من منطقة كرجستان، هاجر إلي إيران في زمن القاجار، وأصبح وزيراً للحربية في حكومة أحمد

القاجاري، وأطاح بهم ولقّب نفسه بالبهلوي، اتّسم حكمه بإحياء القومية الفارسية، ونشر المذهب البهائي، والقضاء علي المعالم الإسلامية وهدم المساجد والمدارس، منع رجال الدين والفكر من ممارسة أدوارهم في الحياة، ونشر مظاهر الفساد كالخمر والقمار ودور البغاء وحارب الحجاب، نفاه الإنجليز إلي جزيرة موريس سنة (1359ه) ومنها إلي جنوب إفريقيا، بعد أن صادروا حقائبه الألفين المملوءة بالمجوهرات والأشياء الثمينة بعد حكم دام ستة عشر عاما وقتل في منفاه سنة (1944م).

() يقول الدكتور محمد الرميحي: كان اندفاع الفاطميين في مصر نحو عشق الكتب غريباً.. إلي أن يقول: وقد أنشأ خليفتهم العزيز بالله في عام (975م) أول مكتبة شهيرة داخل قصره، وكانت من الضخامة بحيث أنها ضمت (600 ألف) كتاب مخطوط مقسّمة إلي أربعين قسماً. ثم ما لبثت أن أنشئت أيضاً دار الحكمة القاهرية، وهي لم تكن أرففاً لاحتواء الكتب فقط ولكنها كانت تضم داخلها جيوشاً من المترجمين والعلماء والنساخين، وكانت بذلك جامعة متخصّصة لإنتاج الكتب. مجلة العربي: العدد 426 ص22 لسنة1994.

() سورة النازعات: 15 26.

() ومنها أمره بتشييد صرح عالٍ وكما جاء في الآيتين الكريميتين قوله تعالي:

?فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَي الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً? سورة القصص: 38. وقوله تعالي: ?وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبابَ? سورة غافر: 36.

() الكافي: ج2 ص308 باب العصبية ح7.

() الصحيفة السجادية: ص56 من دعاءه عليه السلام في الإستعاذة من المكاره وسيئ الأخلاق ومذام الأفعال.

() سورة الأنبياء: 92.

() سورة المؤمنون: 52.

() سورة الحجرات: 10.

() سورة آل عمران: 140.

() سورة يونس: 102.

() سورة إبراهيم: 5.

() سورة الفتح: 26.

() سورة المؤمنون: 34.

() سورة الكهف: 34.

() سورة الزمر: 9.

() سورة المجادلة: 11.

() سورة الحجرات: 10.

() سورة آل عمران: 103.

() سورة

الأنعام: 153.

() سورة الأنبياء: 18.

() سورة المجادلة: 21.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص48 ب105 ح10165.

() الكافي: ج2 ص165 باب اخوة المؤمنين ح1.

() بحار الأنوار: ج71 ص234 ب15 ضمن ح30.

() الكافي: ج2 ص116 باب الصمت ح20.

() تحف العقول: ص97 باب ماروي عن أمير المؤمنين عليه السلام، خطبة الوسيلة.

() بحار الأنوار: ج68 ص342 ب83 ضمن ح15.

() الكافي: ج2 ص308 باب العصبية ح2.

() الكافي: ج2 ص308 باب العصبية ح3.

() جامع الأخبار: ص162 ف127.

() جامع الأخبار: ص162 ف127.

() بصائر الدرجات: ص7 ب4 ح2.

() بحار الأنوار: ج72 ص123 ب56 ضمن ح9.

() الكافي: ج1 ص35 باب ثواب العالم والمتعلم ح5

() الكافي: ج1 ص32 باب صفة العلم وفضله ح3.

() المحاسن: ص227 ب15 ح155.

() بحار الأنوار: ج71 ص270 ب16 ضمن ح9.

() الكافي: ج2 ص166 باب اخوة المؤمنين ح5.

() مصادقة الأخوان: ص48 باب المؤمن أخو المؤمن.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص37 ب1 ق1 ف14 ح921.

() أمالي الشيخ الطوسي: ص304 المجلس 11 ح607.

() سورة الأنبياء: 18.

() الكافي: ج8 ص242 حديث القباب ح334.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.