الغرب والحصار الاقتصادي علي المسلمين

اشارة

اسم الكتاب: الغرب والحصار الاقتصادي علي المسلمين

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

الموضوع: الغرب والحصار الاقتصادي علي المسلمين

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الاقتصاد عصب الحياة … هكذا قال العلماء، مستندين في ذلك إلي أهمية الاقتصاد ودوره في حركة المجتمع الإنساني؛ لأنه كالأعصاب في الجسد البشري تماماً.

فالأعصاب في جسم الإنسان: هي المحرك الرئيسي والمسؤول عن جميع الحركات والسكنات الإرادية منها وغير الإرادية.

إذا رأيت إنساناً غير سوي، مصاباً في يده أو رجله أو الاثنين معاً، أو غير ذلك مما يصيب الجسم الحي، فإنك تقول فوراً: إنها يد مشلولة.. أو رجل كذلك.. أو شلل نصفي، طولي، أو عرضي.. وذلك مرتبط طبياً بالأعصاب.

فالأعصاب إذن، هي التي بخللها يعطب البدن.. وأما إذا

ما أصيبت المراكز العصبية الأساسية فإن ذلك يعني الهلاك والاضمحلال للحياة الإنسانية، وهكذا الاقتصاد وتأثيره في الجسد المجتمعي، لأي مجتمع بشري قديم وحديث..

والتطورات التي تطرأ علي مسيرة الحياة البشرية قسمها بعض العلماء الي: البدائية.. والرعوية.. والزراعية.. ثم الصناعية.. ثم الإلكترونية والرقمية والاتصالات الكمبيوترية الحديثة.

ألا تراها جميعها ترتكز علي أساس معادلات اقتصادية تسود المجتمع..

ولأهمية المسألة أولاها الله سبحانه وتعالي الدرجة التي تليق بها حيث جاء الإسلام الحنيف والقرآن الكريم والسنة الشريفة بنظام اقتصادي عادل يضمن للبشرية والمجتمع الإنساني السعادة والرفاه في الدنيا والآخرة؛ وذلك عبر تشريعات وسنن ونصائح وواجبات ومحرمات، نراها جلية خلال الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.. فكثيرة هي الأحاديث بعد الآيات التي تتحدث عن الاقتصاد السليم، وتنظيم الحياة الاقتصادية للمجتمع الإسلامي..

ولكن لنا أن نسأل: لماذا تأخر المسلمون بهذا الشكل الفظيع وتراجعوا في كل شيء بهذا الشكل المريع، ولهم هذا الكم الهائل من التوجيهات المحرزة نتائجها من الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة؟!

نعم، إن السيطرة علي اقتصاد الدول الإسلامية

من قبل الغرب والشرق، جعلها أشلاء مبعثرة، وكياناً متهرأً عاجزاً يعيش علي مساعدات ذليلة من أميركا وبريطانيا وألمانيا واليابان وما أشبه مقابل تنازلات لا يعلمها إلا الله، فهي دول وحكومات شعوبها إسلامية، أما مضمونها وقوامها غربي أو شرقي وفاسد، خاو علي عروشه …

إذ أن سيطرة دول الاستعمار علي اقتصادنا، كالفيروسات القاتلة التي تسيطر علي المراكز العصبية في الجسد البشري.. فهل من قيمة لجسد لا مخ فيه أو لاعمود فقري.. أو لا أعصاب … ؟!

ومن هنا من خطورة المسألة الاقتصادية والسيطرة الاستعمارية علينا من خلالها تطرق الإمام الراحل المرجع الديني السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلي الله مقامه) لهذه المسألة الخطيرة عبر العديد من المؤلفات بصورة مجملة أو مفصلة، وعبر الكثير من المحاضرات القيمة، منبهاً إلي خطورة التغافل عن هذه المسألة الهامة في سبيل استمرار حياة الأمة، ورفعتها.

ونحن في مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر، إذ نتشرف بتحمل مسؤولية نشر قسم من تراث الإمام الشيرازي الراحل، نقدم هذا الكراس وقد كان محاضرة ألقاها سماحته رحمة الله عليه في وقت سابق وراجعها وأضاف عليها، راجين المولي جل وعلا، أن تعم فائدة هذا العمل علي الأمة جمعاء، وأن ينبه هذه الأمة ويوقظها من سباتها، لتنهض وتعيد بناء مجدها ورفعتها المرجوة منها، إنه ولي التوفيق والتسديد لكل أمر رشيد.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

شمولية الإمداد الإلهي

قال الله تعالي في محكم كتابه العزيز: ?كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً?().

إن الله سبحانه وتعالي في هذه الآية الشريفة يقول: إننا نساعد جميع البشر، المؤمن منهم والكافر، وعطاء الله

تعالي يصل إلي الجميع. حيث إنه سبحانه وتعالي لا يمنع لطفه عن شخص في الدنيا، فهو كما يعطي المؤمن يعطي الكافر، لكن الفرق في السعادة، فالكافر لا يهنأ بالسعادة، كما أن الآخرة خاصة بالمؤمن.

?كُلاًّ? من المؤمن والكافر ?نُمِدُّ? أي: نعطيهم من الدنيا

?هؤُلاءِ? الذين يريدون الآخرة ?وَهَؤُلاءِ? الذين يريدون العاجلة ?مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ? يا رسول الله، أي: من نعمته وفضله ?وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً? أي: ممنوعاً، فإنه يشمل البرّ والفاجر.

والعلماء المفسرون يذكرون في هذه الآية بأنها تثبت الاختيار وعدم الجبر؛ وذلك لأنه لو كان الله تعالي لا يمد الإنسان إلا بالحسنات لما تسني للناس أن يُمتحنوا، لأن الناس يمتحنون في الخير والشر، بأن يعطيهم الله تعالي الحياة والقدرة والإمكان، فيتبين منهم الصالح ومنهم الطالح.

وقد يتسائل المرء: من أين تأتي قوة الإنسان التي يختار بها طريقه ويسعي بها فيه؟

الحقيقة إن قوة الاختيار وقوة السعي هي من عند الله، فحتي العصاة يستمدون قوتهم في الاختيار من الله، فليس عطاء الله ممنوعاً عن أحد، وهذا منتهي الحرية الممنوحة للبشر.

ولكن لماذا ذكرت كلمة ?كُلاًّ? قبل ?نُمِدُّ? ولم تذكر بعدها، فقال عزوجل: ?كُلاًّ نُمِدُّ? ولم يقل: (نمد كلاً هؤلاء وهؤلاء)؟.

والجواب: يحتمل أن تكون إحدي جهات التقديم هي التأكيد علي عموم الإمداد الإلهي، وشموليته لجميع المؤمنين والكافرين، كما في ?إِيَّاكَ نَعْبُدُ?() حيث إن الأصل فيها (نعبد إياك) أي: (نعبدك)، ولكن لأن الله أهم من كل شيء في الوجود، فلذلك قدم ?إِيَّاكَ? علي ?نَعْبُدُ?. هذا فضلاً عن أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر والاختصاص، فتكون العبادة محصورة بالله تعالي ومختصة به().

ورجوعاً للآية فإن الباري تعالي أعطي القدرة لجميع البشر بلا استثناء، للأشرار وللأخيار، لمعاوية ولأمير المؤمنين عليه السلام، وكذا ليزيد (لعنه

الله) وللإمام الحسين عليه السلام، وكذا لهارون العباسي وللإمام موسي بن جعفر عليه السلام؛ وذلك من أجل أن يتبين من هو هارون العباسي ومن يتبعه، ومن هو الإمام موسي بن جعفر عليه السلام وشيعته، وهكذا.

إذن، العطاء الإلهي مطلق غير محدود بشخص؛ وذلك لسنة كونية تمهد للجميع فرصة انتخاب الخير والفضيلة، ولمكان إطلاق العطاء ونفي الحظر والحبس عن أحد، قال تعالي في الآية: ?وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً?(). أما ما يوجد من التحديد والتقدير والمنع، واختلاف الناس فيما بينهم في الرزق والصحة والعلم وغير ذلك من موارد العطاء، فإنه من ناحية الناس أنفسهم وخصوص استعدادهم لقبول العطاء الإلهي، وليس من جهة المعطي الكريم. فالإشكال في القابل وليس في الفاعل علي ما هو مذكور في علم الكلام.

كان هذا مدخلاً للحديث عن الاقتصاد في البلاد الإسلامية، ودور الشرق والغرب في التأثير عليه والعمل علي تحطيم البنية الاقتصادية لدي المسلمين.

من هو المتقدم الفائز

قد عرف بهذه المقدمة أن سنة الله في الكون هي إمداد الجميع، فمن يعمل هو الذي يتقدم علي من لا يعمل، وهذا قانون يجري في جميع مجالات الحياة والتي منها المسألة الاقتصادية. فبما أن الغرب أخذ يعمل ويعمل في المجال الاقتصادي انتصر وتقدم علي المسلمين الذين كسلوا في هذا المجال، وقد ورد في الحديث الشريف: من لا معاش له لا معاد له، وهذا لا ينافي ما ورد في ذم الدنيا ومتاعها الفاني علي ما هو مذكور في الكتب المفصلة.

حيث روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما قبض رسول الله صلي الله عليه و اله أتاهم آت فوقف بباب البيت، فسلم عليهم، ثم قال: السلام عليكم يا آل محمد: ?كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ

زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ?()، في الله عزوجل خلف من كل هالك، وعزاء من كل مصيبة، ودرك لما فات. فبالله فثقوا، وعليه فتوكلوا، وبنصره لكم عند المصيبة فارضوا؛ فإنما المصاب من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولم يروا أحداً. فقال بعض من في البيت: هذا ملك من السماء بعثه الله عزوجل إليكم ليعزيكم، وقال بعضهم: هذا الخضر عليه السلام جاءكم يعزيكم بنبيكم صلي الله عليه و اله ().

فإن قوله تبارك وتعالي في كتابه الكريم: ?وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ?() معناه:

وما لذات الدنيا وشهواتها، وما فيها من زينة إلا متعة تستبطن الغرور والخداع بشيء، فإنه لا حقيقة له عند الاختبار والامتحان؛ لأنكم تلتذون بما يمتعكم من دنياكم، ثم هو عائد عليكم بالفضائح والمصائب فلا تركنوا إليه ولا تسكنوا إليه، فإنما الدنيا غرور وإنما أنتم منها في غرور. فمن الجدير بالإنسان أن يحصل بحياته ورئاسته وماله تلك الدار الباقية، لا أن يغتر بالدنيا ويعصي الله سبحانه حتي يدخل النار().

فإن الانسان قد يضيِّع الحقيقة ويتصور بأن الأمر انتهي، وقد وصل إلي هدفه ومبتغاه، كأن يتصور مثلاً: بأنه عندما ينتصر علي عدوه أن المشكلات قد حلّت فيمضي في سبيله، ولا يدور في ذهنه بأنه من الممكن أن يكرّ عليه عدوه مرة أخري ويقضي عليه وهو في غفلة! ولكن هذا غرور وغفلة لا تجر إلا إلي السقوط والفشل.

إذن مثل هذه الروايات تدل علي عدم الركون إلي الدنيا علي حساب الآخرة، بأن يضيع الإنسان آخرته لأجل دنيا فانية، وهي لاتنافي ضرورة الاهتمام بالمسألة الاقتصادية لكي تكون الأمة قوية عزيزة، تقرر مصيرها بأنفسها، ولا تكون ألعوبة بيد المستعمرين.

غفلة المسلمين

وللأسف فإن المسلمين

اليوم قد وقعوا في مشكلة الغفلة، التي هي أحد أسباب سيطرة دول الاستعمار القديم والحديث علي بلدان العالم الثالث واقتصادها، من حيث نهب ثرواتهم وتحطيم بنيتهم الاقتصادية.

فالباكستان مثلاً هي إحدي دول العالم الثالث التي سقطت بسبب إنهيار اقتصادها، فعندما أرادت باكستان أن تنتزع استقلالها من الغرب قام الغرب بالقضاء علي هذا الاستقلال عن طريق هدم اقتصادها، ففي عام (1948م) حصلت باكستان علي استقلالها الظاهري()، ولكن منذ ذلك الحين ولحد الآن وقعت فيها عدة انقلابات عسكرية، راح ضحية تلك الانقلابات الآلاف من الناس، وهذا بسبب التدخل والنفوذ الغربي().

تحطيم البنية الاقتصادية

يتم تحطيم البنية الاقتصادية لأي مجتمع عبر طرق عديدة منها:

1: بواسطة إغراق السوق بسيل من البضائع الأجنبية، فيتسبب عن ذلك ارتفاع نسبة العرض وهبوط نسبة الطلب، والنتيجة تكون انخفاض قيمة البضائع والسلع المحلية، وسقوط اعتبارها في الأسواق.

2: بواسطة إخلاء السوق من البضائع، إلي درجة ارتفاع الطلب ارتفاعاً فاحشاً، وازدياد نسبة الأموال في أيدي الناس مما يعني انخفاض قوتها الشرائية، كل ذلك مضافاً إلي هبوط نسبة العرض، فتكون النتيجة أن تفقد الأموال قيمتها وقدرتها الشرائية، وهو ما يسمونه اليوم ب (الركود الاقتصادي).

وهذا أسلوب معروف في علم الاقتصاد تقوم به الدول الغربية غالباً وتطبقه في أي مكان تريد السيطرة عليه، واحتلاله اقتصادياً وسياسياً. وقد يكون ذلك تحت سِتار: الإصلاح الاقتصادي وأمثاله. وذلك لأن الاقتصاد عصب الحياة، فإذا انهار الاقتصاد في بلد ما سيكون هناك مبرر كاف لتدخل الدول القوية في شؤون الدول الضعيفة والتحكم بها، بحجة الإصلاح الاقتصادي ودعم البلاد. هذه هي الحالة العامة التي نجدها في أغلب بلدان العالم الثالث.

الإنجليز ودورهم في تدمير الاقتصاد العراقي

حكي والدي ?() عن أوضاع الاقتصاد العراقي إبان الاحتلال الإنجليزي فقال:

عندما دخل الإنجليز في العراق إبان ثورة العشرين()، كانت عائلتي تتشكل من عشرة أفراد، وكنت أتقاضي شهرياً ليرة واحدة من آية الله العظمي الشيخ محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليه()، وكانت الليرة في ذلك الزمان تساوي ثلاث عشرة روبية، وعندما دخل الإنجليز في العراق أعطوا لكل فرد في الجيش عشر روبيات لكل يوم()!

وقد ألزموا الجنود أن ينفقوها إلي المساء، فكان أفراد الجيش عندما يدخلون السوق يشترون مثلاً الدجاجة التي سعرها عُشر الروبية بروبية كاملة! وذلك لتوفر الأموال عندهم ولزوم صرفها إلي المساء.

وواضح أن هدف المحتل الإنجليزي من هذه العملية كان هو التلاعب بالاقتصاد العراقي وتقليل نسبة

العرض ورفع نسبة الطلب أو العكس، فجعلوا الليرة التي كانت تكفي عائلة ذات عشرة أفراد لشهر كامل، تصرف من قبل فرد من أفراد الجيش في يوم واحد؛ ليصاب الناس بالفقر الفاحش؛ إذ ليس كل الناس كان يحصل علي ما يحصل عليه جنود الاحتلال من رواتب.

ومن جهة أخري أرادوا إجهاض قاعدة الاكتفاء والاعتدال الذاتي التي يقرها الاقتصاد الإسلامي، حيث جاء في رواية عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: المؤمن سيرته القصد وسنته الرشد ()، والقصد هو التوسط بين الإفراط والتقتير، ومن مصاديق ذلك التدبير في المعيشة، واستغلال الثروات الموجودة في ربوع البلاد الإسلامية، وتنميتها والعمل علي تكثيرها.

وفي رواية أخري عن سليمان بن معلي بن خنيس عن أبيه قال: سأل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل وأنا عنده؟.

فقيل له: أصابته الحاجة.

قال عليه السلام: فما يصنع اليوم؟.

قيل: في البيت يعبد ربه.

قال عليه السلام: فمن أين قوته؟.

قيل: من عند بعض إخوانه.

فقال أبو عبد الله عليه السلام: والله للَّذي يقوته أشدُّ عبادة منه ().

وذات يوم رأي أحد الأصحاب الإمام الصادق عليه السلام وبيده مسحاة وعليه إزار غليظ يعمل في حائط له، والعرق يتصاب عن ظهره، فقال: جعلت فداك، أعطني أكفك؟.

فقال الإمام عليه السلام: إني أحب أن يتأذي الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة ().

الاكتفاء الذاتي ضرورة

ومن هنا يعلم ضرورة تطبيق ما يوجب الاكتفاء الذاتي في البلدان الإسلامية؛ فلأجل تقوية الاقتصاد الإسلامي وتعديله: يلزم علي المسلمين أن يتفقوا علي أن لا يستوردوا أية بضاعة أجنبية، سواء من الغذاء أو الملابس أو غيرها من الكماليات وغيرها؛ لأن المسلمين ماداموا يستوردون البضائع وغيرها من الغرب، ولا يأكلون مما يزرعون، ولا يلبسون مما يخيطون وينسجون، فانكسارهم اقتصادياً حتمي لا محالة. أما إذا اعتمدوا علي

أنفسهم وهيئوا ما يحتاجون إليه من المواد الأولية من داخل بلادهم، واستغنوا عن الغرب ومنتجاته، وقنعوا بمنتجاتهم الوطنية كما فعلت الهند إبان نهضتها وثورتها ضد الإنجليز المحتلين، فإنهم سيكونون أسياد أنفسهم وسيقوي عصب اقتصادهم، ولن يحتاجوا حينئذٍ إلي الغرب والشرق أبداً.

فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: استغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج لمن شئت تكن أسيره، وأفضل علي ما شئت تكن

أميره ().

تجربة الهند مع الاحتلال البريطاني

قام غاندي() بتطبيق الاكتفاء الذاتي علي بلاده حتي حقق استقلال الهند عن الإنجليز اقتصادياً وسياسياً، وذلك عبر أساليب عديدة، أهمها أمران:

أحدهما: أنه منع صنع الخمر وشربه والتعامل به، وكان يقول: إننا بحاجة إلي العقل حتي نقف ضد الإنجليز والغرب، والخمر مزيل للعقل.

وعندما أعلن ذلك المنع قام أتباعه بحملة علي أشجار العنب فأبادوا مليون شجرة عنب كانت تستغل لأجل تحضير الخمر، وذلك لأن القضاء علي تناول الخمر لابد له من القضاء علي جذوره وهي أشجار العنب.

ثانيهما: مقاطعة البضائع الإنجليزية، ومن أهمها الامتناع عن لبس الملابس الإنجليزية واستعمالها؛ ليُفهم الإنجليز بأنه لم يعد لهم في الهند مكان، وتحسباً من عرقلة ذلك القرار قرر أنه كل من لم يلتزم بهذا القرار واستعمل الملابس الإنجليزية مثلاً لا يحق له الاشتراك في المؤتمر الوطني الهندي.

لقد كان في قصة الهند وابتلائهم بالمحتلين البريطانيين، وكيفية تخلصهم من سلطتهم الجائرة واحتلالهم المشين، عبرة لمن اعتبر؛ فإن البريطانيين كانوا قد احتلوا بلاد الهند مدة ثلاثمائة سنة، ولم يتركوا الهنود يتقدمون في شيء من أبعاد الحياة، لكن الهنود لما استقلوا وذلك منذ خمسين سنة، نفضوا عن أنفسهم غبار الاحتلال والتبعية، وعملوا بجد واجتهاد حتي تقدموا في إنتاج كل شيء، من الذرة إلي غيرها من الصناعات، وزرعوا كل شيء يحتاجون إليه من الذرة إلي

غيرها من المزروعات، وبلغوا في كل ذلك درجة الاكتفاء الذاتي، علي الرغم من أن نفوس الهند تقرب من مليار نسمة، ومع أنه قد صادر المستعمرون البريطانيون في هذه القرون الثلاثة التي كانوا يحتلون فيها بلادهم، كل خيرات وموارد وثروات البلاد، حتي افتقروا أشد الفقر، لكنهم لما اهتموا وعملوا تمكنوا من التقدم وذلك بهذا الشكل من التقدم الهائل.

السعي إلي الاكتفاء الذاتي

لذا يلزم علي بلادنا الإسلامية أن تطبق برامج عديدة للاكتفاء الذاتي في جميع احتياجاتها اليومية نعم الضرورات تقدر بقدرها حسب تشخيص الخبراء فتوفر لنفسها جميع احتياجاتها الغذائية بدءً من البيض والدجاج واللحم والزيوت، وهكذا بالنسبة إلي الصناعات، وما إلي ذلك من المواد الأولية، من نفس أرضها وثروتها الحيوانية والزراعية، إلي استخراج المعادن الوفيرة المدفونة بأرضنا التي أنعم الله بها علينا، بحيث تبلغ درجة الاكتفاء الذاتي وتزيد كثيراً.

نعم، إذا التفت المسلمون الي أهمية الاكتفاء الذاتي من خلال برمجة دقيقة بإشراف الأخصائيين، وكذلك استغلال أوقات الفراغ أو الطاقات المعطلة في عملية البناء والتنمية، كان ذلك قطعاً يعود بالفائدة والرفاه علي المجتمع الإسلامي ككل.

فعلي سبيل المثال: إذا امتلكت كل عائلة ماكنة خياطة، وحقل صغير للدواجن تربي فيه الطيور والدجاج والأغنام والماعز، وحوض لتربية الأسماك، وزرعت حديقة البيت وإن كانت صغيرة بالخضروات وأشجار الفاكهة وما أشبه. فإن مثل هذه الأعمال مضافاً إلي واردها وانتاجها قادرة علي معالجة الكثير من المشكلات الاقتصادية وغيرها؛ فهي تحل مشكلة الفراغ، وأيضاً بعض مشكلة الغلاء، وأيضاً المشاكل النفسية التي تعاني منها الأسر بسبب الضائقة المالية.

علماً أن التعاون هو السبيل لحل معظم المشاكل الإجتماعية، ولا يقتصر هذا البرنامج علي الفرد والأسرة فقط بل يسري إلي المنظمة والهيئة وإلي المستويات الكبيرة الأخري من تشكلات المجتمع. فإذا كان بمقدور الفرد

الواحد أن يحقق قسطاً من الاكتفاء الذاتي فكيف بالمنظمة المشتملة علي الآف الأفراد، وقد ورد في الحديث الشريف عن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: كلوا جميعاً ولا تفرقوا؛ فإن البركة مع الجماعة ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: يد الله مع الجماعة ().

وهذا أمر تكويني قبل أن يكون غيبياً.

وإذا كان بمقدور المنظمة إنجاز أكبر الأعمال الممكنة في نطاق الاكتفاء الذاتي فإن بمقدور السلطات عمل ما هو أكبر من ذلك؛ لأنها تمتلك من الإمكانات التي تتيح لها إنجاز أعمال أكبر من الآخرين، بشرط أن تكون حكومة قائمة علي مبدأ الشوري المستندة إلي الأحزاب الحرة ذات المؤسسات الدستورية وبشكل تعددي بعيد عن أساليب الظلم والاستبداد.

وبغير ذلك فإن عدونا سيستفيد من نقطة ضعفنا هذه، وينفذ ويتسلل إلي داخل بلادنا الإسلامية تحت عناوين متعددة، مثل الإصلاح الاقتصادي وما أشبه؛ ليحطمنا ويهزمنا من الداخل.

لا لليأس

من أهم ما يلزم علي الأمة في التخلص من الهيمنة الاقتصادية الغربية إبعاد حالة اليأس والإحباط وضعف الأمل عن نفوس الأمة، فهي جميعها تعتبر من أهم عوائق التقدم والرقي، قال تبارك وتعالي في كتابه الكريم: ?وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ?().

وقد ذكر في تفسير الآية الكريمة: ?وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ? أي: لا تقنطوا من رحمته، ولعل الإتيان بلفظ الروح، لأجل أن المهموم المكظوم المحتبس النفس، يحتاج الي روح ونسيم ليروح عنه، ويخفف وطأ الأنفاس المحترقة الموجبة لخنقه واحتباس نفسه، و:

?إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ الله? ورحمته ?إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ? بالله وبفضله، أما المؤمن فإنه يرجو من الله الفرج من الشدة، والخلاص من الكربة().

قال أمير المؤمنين عليه السلام: كل قانط آيس ().

وقال عليه السلام: قتل القنوط صاحبه

().

وقال عليه السلام: للخائب الآيس مضض الهلاك ().

إن الشدة التي فيها انقطاع الأسباب وانسداد طرق النجاة؛ تشكل اختناقاً للإنسان، ويقابلها الخروج إلي فسحة الفرج والظفر، فالروح المنسوب إليه تعالي هو الفرج بعد الشدة، بإذن الله ومشيئته، وعلي من يؤمن بالله أن يعتقد بأن الله يفعل ما يشاء؛ ولذا قال الله تعالي حاكياً علي لسان يعقوب عليه السلام: ?إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ?().

وقال حاكياً علي لسان إبراهيم عليه السلام: ?وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ?().

وقد عد اليأس من روح الله من الكبائر الموبقة؛ كما يعتبر اليأس والتشاؤم من أهم عوالم التأخر.

قال رسول الله ?: الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله ().

وعن صفوان الجمال قال: شهدت أبا عبد الله عليه السلام واستقبل القبلة قبل التكبير وقال: اللهم، لا تؤيسني من روحك، ولا تقنطني من رحمتك، ولا تؤمني مكرك؛ فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. قلت: جعلت فداك، ما سمعت بهذا من أحد قبلك؟! فقال عليه السلام: إن من أكبر الكبائر عند الله اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله ().

إذن، ما دام المسلمون متشائمين ويائسين، وقانطين من رحمة الله، لا يمكنهم تجاوز مشاكلهم والتقدم ببلادهم نحو الأمام، وبالتالي هم عاجزون عن مواجهة الاستعمار وعملائهم الطغاة أمثال صدام() ولا يتمكنون من مواجهة الحصار الاقتصادي الذي فرضه الغرب علي المسلمين في العديد من البلاد الإسلامية كالعراق() وليبيا، والسودان، وأفغانستان، وغيرها().

لذا يلزم أن لا يوجد في قاموس حياتنا مفردات التشاؤم واليأس وما أشبه، وذلك انطلاقاً من أوامر وتوجيهات القرآن الكريم والسنة المطهرة كما في الأحاديث الشريفة.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: الفقيه كل

الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤيسهم من روح الله، ولم يؤمنهم من مكر

الله ().

قصة واقعية

عندما كنا في إحدي البلاد الإسلامية()، رغب أحد الأصدقاء في شراء شاتين، فطلب ذلك من أحد باعة الشياه. فقال: وأي نوع تريدون، شاة محلية أم أجنبية؟!

قال: وهل هناك فرق بينهما؟.

قال: نعم، الفرق واضح وكبير جداً.

قال: كيف ذلك؟!.

قال: سترون. وذهب وأحضر شاتين مستوردة من دولة هولندا، كأنهما وبدون مبالغة عجلان سمينان، وأحضر شاتين محليتين كان وزنهما لا يتجاوز نصف وزن الشاة الأجنبية، وبعد الاستفسار عن الثمن تبين أن قيمة الشاة المستوردة السمينة لا يزيد علي ثلث قيمة الشاة المحلية الضعيفة!! يعني: إن الشاة الأجنبية الواحدة تعادل شاتين محليتين أو أكثر من ناحية الوزن، في حين أن قيمتها لا تتعدي الثلث إن لم تكن أقل من ذلك.. ولماذا؟!

لأن الزراعة وتربية المواشي في البلاد الإسلامية دون مستوي الزراعة وتربية المواشي في الدول الأخري بدرجات كبيرة، مع أن المفروض أن يكون العكس، وأن تكون البلاد الإسلامية هي المتطورة والمتقدمة كما كانت عليه سابقاً. وذلك لاشتمالها علي مختلف الثروات في أراضيها ومياهها ومعادنها وغير ذلك، وهذا واضح وجلي عند أبسط مقارنة بين الثروات والنعم التي أنعم الله بها علي بلاد المسلمين من: المياه والأنهار، والتربة الخصبة الغنية، وكثرة الأيادي العاملة، وبين غيرها من البلاد، ولكننا نجد الفرق شاسعاً في الإنتاج ونوعيته.

وهو الحال نفسه بالنسبة إلي الثروات الحيوانية والمائية، وما أشبه ذلك من موارد الطاقة، وكل ذلك حدث نتيجة التقصير والتقاعس من قبل المسلمين، وبتخطيط من قبل دول الكفر والاستعمار، وقبول من دولنا، وتطبيق من قبل حكامنا العملاء. إذ لا يخفي أن إحدي المخططات التي اتخذها الغرب من أجل القضاء علي اقتصاد المسلمين،

هو سلب الحرية الاقتصادية التي أمر بها الإسلام، أي: حرية الكسب والتجارة والزراعة وحيازة المباحات وما أشبه، فأصبحت البلاد الإسلامية تعمل بقوانين غربية وشرقية لا إسلامية، الأمر الذي كان له أشد الأثر في تجميد السيولة المالية لدي المسلمين التي كانت ترد إلي بلاد الإسلام بشكل رئيسي من خلال الحريات الاقتصادية سابقاً وشعار الباب المفتوح وفق حدود الإسلام وشروطه السمحة اليسيرة.

العلاج الإسلامي الاقتصادي

إن العلاج الناجع لحل المشكلة الاقتصادية يكمن في العمل ضمن إطار القوانين الإسلامية في باب الاقتصاد، ففي نظر الإسلام الناس أحرار في أن يتاجروا ويعملوا أي عمل، ويقوموا بأي كسب باستثناء ما حرمه الله سبحانه وتعالي وفي أي زمان ومكان شاؤوا، ولا يحق لأي شخص، أو دولة، أن تضيق أو تمنع من ذلك أو تشترطه بأخذ موافقة أو إجازة أو دفع ضريبة أو ما أشبه.

إن منطق الإسلام يتجلي أكثر من خلال أحكامه العامة السمحة، وقواعده الفقهية السهلة التي لا تقبل التبديل أو التحول، وإحدي تلك القواعد الفقهية المسلم بها، والتي ذكر بعض العلماء أنها من ضروريات الدين الإسلامي ولوازمه هي: الناس مسلطون علي أموالهم وأنفسهم (). وهذه القاعدة تضمن حرية الإنسان الاقتصادية وتقدمه في مختلف جوانب الحياة كما أنها تعبر عن مجمل (حقوق الإنسان) في الإسلام.

ولقد سعي الاستعمار جاهداً من أجل إبعاد المسلمين عن هذا المنطق الواضح الصريح، بعد أن أدرك أن في إبعادهم السبيل الأقصر لتقويض دعائم بلادهم، ومحاصرة قواهم المالية.. فقام في سبيل ذلك بوضع قوانين وشرائط وقيود للكسب والتجارة، حتي لا يجد المسلمون حرية في معاشهم وكسبهم فيسلبوا بذلك فرصة التقدم والازدهار.

فاذا كان العجب يبطل بعد معرفة السبب كما يقولون؛ فإن: (الدواء لا يتعين إلا بتشخيص الداء)، فعلينا أن نتعرف علي الداء

في مجتمعاتنا، ثم تشخيص الدواء علي المنطق الإسلامي، فإن قوانين الإسلام الاقتصادية هي الدواء، كما يلزم علينا أن نتشبع بروح الإسلام ومبادئه أولاً، حتي يتسني لنا مقاومة خطط الأعداء والمستعمرين، والاستغناء عن سيطرتهم الاقتصادية علي بلادنا، وهو الداء المشخّص لنتحرر من أسر التبعية والحصار.

كذلك كان موقف الإسلام، وكذلك كان موقف من يؤمنون به، ويلتزمون بسننه وأحكامه؛ لذا لابد لنا من الابتعاد كل البعد عن الإسراف بكل معانيه فكرياً كان أم مادياً، وإذا كان إهدار الموارد وتضييع الثروات يعد ترفاً وإسرافاً؛ فإن من الإسراف الفكري إهمال الفكر وتعطيل العقول، واليأس من الوصول إلي الحلول.

وعلينا أن نفعل نفس ما فعله المجدد الشيرازي() (رضوان الله عليه)، حيث حرر إيران من الهيمنة الاقتصادية الإنجليزية بكلمة واحدة مختصرة، عندما أفتي بتحريم استعمال التنباك مطلقاً، ورغم أن كلمته وفتواه المشهورة كانت مختصرة، إلا أن محتواها كان عظيم الخطر في معناه وأثره. وفتواه هي:

بسم الله الرحمن الرحيم: استعمال الدخانيات اليوم في إيران في حكم محاربة الإمام صاحب الزمان عليه السلام.

نعم، قاد المجدد ثورة التنباك ضد الإنجليز وحكومة ناصر الدين شاه القاجاري()، بعد أن قادت بريطانيا جيوشاً جرارة علي إيران، وذلك في ربيع الثاني سنة (1309ه)، وكان قوامها (400 ألف مقاتل)، وكان هدفهم السيطرة علي اقتصاد إيران عبر أساليب عديدة، أهمها الحصول علي امتيازات التبغ زراعة وشراءً وتصديراً مقابل (250) ألف ليرة إنجليزية، تقدمها لندن لناصر الدين شاه القاجاري أحد ملوك ايران في العصر القاجاري. فأحبط المجدد الشيرازي رحمة الله عليه المؤامرة بعد أن أصدر فتواه الشهيرة، فاضطرت جيوش الإنجليز إلي حزم حقائبها، ثم الخروج من إيران تجر أذيال الخيبة والإنكسار.

كما أن المجدد الشيرازي رحمة الله عليه قام بدور آخر في إنقاذ المجتمع

الإسلامي وذلك بإيقاف الظلم الطائفي الذي قام به الحاكم المستبد (عبد الرحمن خان) في أفغانستان، الذي قام بقتل الشيعة وجعل من رؤوسهم منائر في كل مكان، فأوقف الفتنة الطائفية التي كان يريدها أعداء الإسلام، فكما قارع الاستعمار البريطاني في ثورته السلمية في قصة التبغ والتي أيقظت العالم الإسلامي وأعطته الوعي السياسي في تاريخه الحديث، كان ينبه المسلمين ويحفظهم من الأخطار التي يسببها النفوذ الأجنبي في بلادهم.

وهكذا يلزم أن يكون دور العلماء في إرشاد الناس نحو الخير والفضيلة في مختلف المجالات الاقتصادية وغيرها.

اقتصاد الدول المتقدمة

في إحدي الدول المتقدمة اقتصادياً وهي اليابان وعلي أثر النظام الاقتصادي الناجح الذي اتبعوه، باعتمادهم علي أنفسهم وتخلصهم من النفوذ الغربي، استطاعوا أن يستفيدوا حتي من قشور الباقلاء التي نعدها من الأوساخ وفضلات الطعام، فصنعوا منها ألواح الخشب المضغوط التي تستعمل في صنع الدواليب والصناديق والأدوات المنزلية الخشبية، وسائر الاستخدامات الاخري.

وإنني أتذكر قبل الحرب العالمية كيف كانت الصناعة اليابانية معروفة بعدم الإتقان، ولم يكن يرغب فيها الناس. أما بعد أن جعلوا في بلادهم التعددية الحزبية، وانتهجوا منهج الإتقان في أمورهم، واتخذوا سياسة اقتصادية ناجحة، وصلوا إلي ما وصلوا إليه من القوة الاقتصادية المنافسة لأقوي الدول، حتي اشتهرت الجودة في مختلف صناعتهم، وأصبح الإقبال عليها والمشترون لها أكثر حتي مما يصنعه الغرب. وهذا كله بسبب الإتقان في الأمور().

كما إنني أتذكر ذات مرة أن أعداد الفئران تكاثرت بشكل مخيف في الكويت، ومهما استعمل الناس من أنواع السموم والمبيدات لم ينفع، فقلت لأحد الخبراء المسلمين وقد التقيت به في تلك الفترة: ما هو الطريق لحل هذه المشكلة؟

فقال: سآتي لكم بشيء جئت به من الصين، فذهب وعاد ومعه وسيلة عجيبة، ولكن فكرتها سهلة، وكانت عبارة عن مصباح

كهربائي خاص، باستطاعته للخاصية الموجودة فيه أن يجذب الفئران نحوه كجذب المغناطيس للمعادن، ثم يقضي عليها!

الجد والاجتهاد في العمل

من أهم مقومات الاقتصاد الناجح هو الجد والاجتهاد في العمل، وعليه سار المسلمون فتقدموا، قال تعالي: ?وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَي اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ?().

وفي خبر الشيخ الشامي، قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا شيخ، من اعتدل يوماه فهو مغبون، ومن كان في الدنيا همته كثرت حسرته عند فراقها، ومن كان غده شراً من يومه فمحروم، ومن لم ينل ما يري من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوي، ومن كان في نقص فالموت خير له ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: طوبي لمن طال عمره، وحسن عمله، فحسن منقلبه؛ إذ رضي عنه ربه. وويل لمن طال عمره، وساء عمله، فساء منقلبه؛ إذ سخط عليه ربه عزوجل ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: اطلبوا المعروف والفضل من رحماء أمتي، تعيشوا في أكنافهم، والخلق كلهم عيال الله، وإن أحبهم إليه أنفعهم لخلقه، وأحسنهم صنيعاً إلي عياله، وإن الخير كثير وقليل فاعله ().

وعن جعفر بن محمد عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: بادر بأربع قبل أربع: بشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل مماتك ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما من يوم يمر علي ابن آدم إلا قال له ذلك اليوم: يا ابن آدم، أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فقل فيَّ خيراً، واعمل فيَّ خيراً، أشهد لك به يوم القيامة؛ فإنك لن تراني بعده أبداً ().

وعن أبي الحسن الثالث عليه السلام قال:

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

إياكم والإيكال بالمني! فإنها من بضائع العجزة ().

قصة من التاريخ

ولننظر أخيراً إلي هذه القصة، ونتعلم من صاحبها درس التدبير والجد والعمل، ولنتعرف علي بعض الأساليب الاقتصادية الناجحة عنده:

يذكر أن شخصاً يدعي (أبو البركات)، كان من التجار الكبار المشهورين بتجارة الجياد، بعد أن كان قد رباها ودربها بشكل تكون مفيدة للحرب ضد الكفار؛ لذلك كان من ينوي الذهاب إلي الحرب يأتي إليه ويشتري منه ما شاء من الجياد.

يقول أبو البركات: ذات يوم جاءني شخص وقال: أريد أن آتي إلي محل جيادك لأشتري عدة أفراس للمجاهدين، قلت له: لا مانع من ذلك، وتوجهنا بالمسير نحو الإصطبل، وفي الطريق لفت نظري عمل كان يقوم به هذا الشخص، حيث كان كثيراً ما يهوي إلي الأرض ويأخذ شيئاً منها ويضعه في كيس كان معه، حتي وصلنا الإصطبل، فاشتري مني عدة جياد أصيلة قوية وسريعة وبأثمان غالية، فسألته قائلاً: إني رأيت منك في الطريق شيئاً عجيباً، فما هذا العمل الذي كنت تعمله؟.

قال: هذا عملي وكسبي اليومي! حيث إني أطوف الشوارع والأزقة، فأينما عثرت علي قشر رمان، أو خشبة، أو قطعة حديد، أو ما أشبه ذلك أجمعها، ثم أجعل الحديد في جانب، والخشب في جانب، وهكذا، وبعد ذلك أبيعها، فالحديد للحداد، وقشور الرمان للدباغ، والخشب للخباز أو لمن يستعمله، وقد جمعت من هذا العمل هذا المال الذي اشتريت به منك هذه الجياد لإعانة المجاهدين في سبيل الله والإسلام.

وهذه القصة تدل علي أن العمل يثمر وإن كان في نظر البعض تافهاً.

لذا يلزم العمل والجد والاجتهاد حتي يرجع الاقتصاد الإسلامي إلي بلادنا، وتكون دفة الاقتصاد بيد المسلمين لا بيد أعدائهم، فقد ورد في وصايا الإمام الحسن عليه السلام: اعمل لدنياك كأنك

تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ().

كما يجب العمل لاستعادة ثروات الأمة المصادرة، حتي يعود للمسلمين عزهم وغناهم، كما كانوا عليه في العصور الأولي للإسلام(). وإلا فإن «من لا معاش له لا معاد له» علي ما ورد في الحديث.

اللهم صل علي محمد وآل محمد، وأسألك الربح من التجارة التي لا تبور، والغنيمة من الأعمال الخالصة الفاضلة في الدنيا والآخرة، والذكر الكثير لك والعفاف والسلامة من الذنوب والخطايا، اللهم ارزقنا أعمالاً زاكية متقبلة، ترضي بها عنا، وتسهل لنا سكرة الموت، وشدة هول يوم القيامة، اللهم إنا نسألك خاصة الخير وعامته لخاصنا وعامنا، والزيادة من فضلك في كل يوم وليلة، والنجاة من عذابك، والفوز برحمتك ().

من هدي القرآن الحكيم

لزوم العمل

قال تعالي: ?فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ?().

وقال سبحانه: ?وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْ ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً?().

الأنبياء عليهم السلام والعمل

قال عزوجل: ?وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَي عليهم السلام قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَي غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ

أُخْرَي?().

وقال جل وعلا: ?وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ?().

التقدير في المعيشة

قال سبحانه: ?وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَي عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً?().

وقال عزوجل: ?وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً?().

أسلوب الكفار والمستعمرين

قال تبارك وتعالي: ?وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلايُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِينا عليهم السلام وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً?().

وقال عزوجل: ?إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ

لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلي جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ?().

وقال جل وعلا: ?لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذَي كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ?().

من مقومات العزة

قال تعالي: ?وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً?().

وقال سبحانه: ?يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَي قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ?().

من هدي السنة المطهرة

لزوم العمل

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: طلب الحلال فريضة علي كل مسلم ومسلمة ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: أوصيكم بالخشية من الله في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والاكتساب في الفقر والغني، وأن تصلوا من قطعكم، وتعفوا عمن ظلمكم، وتعطفوا علي من حرمكم، وليكن نظركم عبراً، وصمتكم فكراً، وقولكم ذكراً، وإياكم والبخل، وعليكم بالسخاء، فإنه لا يدخل الجنة بخيل، ولا يدخل النار سخي ().

وقال رجل لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: إني لا أحسن أن أعمل عملاً بيدي ولا أحسن أن أتجر، وأنا محارف() محتاج؟.

فقال: اعمل فاحمل علي رأسك، واستغن عن الناس؛ فإن رسول الله صلي الله عليه و اله قد حمل حجراً علي عاتقه فوضعه في حائط من حيطانه، وإن الحجر لفي مكانه ولا يدري كم عمقه إلا أنه ثم بمعجزته ().

الأنبياء عليهم السلام والعمل

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: إن الله عزوجل حين أهبط آدم عليه السلام أمره أن يحرث بيده، ليأكل من كده بعد الجنة ونعيمها … ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: كان أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) يضرب بالمر() ويستخرج الأرضين، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يمص النوي بفيه ويغرسه فيطلع من ساعته، وإن أمير المؤمنين عليه السلام أعتق ألف مملوك من ماله وكد

يده ().

وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إني لأعمل في بعض ضياعي حتي أعرق وإن لي من يكفيني، ليعلم الله عزوجل أني أطلب الرزق الحلال ().

التقدير في المعيشة

قال أمير المؤمنين عليه السلام: حسن البشر بالناس نصف العقل، والتقدير نصف المعيشة، والمرأة الصالحة أحد الكاسبين ().

وعن داود بن سرحان قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام يكيل تمراً بيده، فقلت: جعلت فداك، لو أمرت بعض ولدك، أو بعض مواليك فيكفيك؟.

فقال: ياداود، إنه لا يصلح المرء المسلم إلا ثلاثة: التفقه في الدين، والصبر علي النائبة، وحسن التقدير في المعيشة ().

وقال عليه السلام: عليك بإصلاح المال؛ فإن فيه منبهةً للكريم واستغناءً عن اللئيم ().

وعن معتب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام وقد يزيد السعر بالمدينة كم عندنا من طعام؟.

قال: قلت: عندنا ما يكفينا أشهراً كثيرةً.

قال عليه السلام: أخرجه وبعه.

قال: قلت له: وليس بالمدينة طعام؟.

قال عليه السلام: بعه.

فلما بعته، قال عليه السلام: اشتر مع الناس يوماً بيوم وقال يامعتب اجعل قوت عيالي نصفاً شعيراً ونصفاً حنطة؛ فإن الله يعلم أني واجد أن أطعمهم الحنطة علي وجهها، ولكني أحببت أن يراني الله قد أحسنت تقدير المعيشة ().

آثار المال في المجتمع الإسلامي

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: إنما أتخوف علي أمتي من بعدي ثلاث خصال: أن تأولوا القرآن علي غير تأويله، أو يبتغوا زلة العالم، أو يظهر فيهم المال حتي يطغوا ويبطروا، وسأنبئكم المخرج من ذلك: أما القرآن فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه، وأما العالم فانتظروا فيئته ولا تتبعوا زلته، وأما المال فإن المخرج منه شكر النعمة وأداء حقه ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: المال للفتن سبب وللحوادث

سلب ().

من مقومات العزة

قال الإمام الصادق عليه

السلام: أتت الموالي أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: نشكوا إليك هؤلاء العرب، إن رسول الله صلي الله عليه و اله كان يعطينا معهم العطايا بالسوية، وزوّج سلمان وبلالاً وصهيباً، وأبوا علينا هؤلاء، وقالوا: لا نفعل.

فذهب إليهم أمير المؤمنين عليه السلام فكلمهم فيهم، فصاح الأعاريب: أبينا ذلك يا أبا الحسن، أبينا ذلك!.

فخرج وهو مغضب يجر رداءه، وهو يقول: يا معشر الموالي، إن هؤلاء قد صيروكم بمنزلة اليهود والنصاري، يتزوجون إليكم ولا يزوجونكم، ولا يعطونكم مثل ما يأخذون، فاتجروا بارك الله لكم؛ فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: الرزق عشرة أجزاء، تسعة في التجارة وواحدة في غيرها ().

وعن المعلي بن خنيس قال: رآني أبو عبد الله عليه السلام وقد تأخرت عن السوق، فقال لي: اغد إلي عزك ().

پي نوشتها

() سورة الإسراء: 20.

() سورة الفاتحة: 5.

() للمزيد ينظر كتاب (البلاغة) للإمام الراحل (أعلي الله درجاته) وهو عبارة عن مباحث موجزة في البلاغة، ومبسطة للمبتدئين في هذا العلم، ويدرس هذا الكتاب في بعض الحوزات العلمية قبل كتاب المختصر للتفتازاني، ألفه الامام الراحل في مدينة كربلاء المقدسة عام (1379ه) طبع عدة مرات.

() سورة الإسراء: 20.

() سورة آل عمران: 185.

() الكافي: ج3 ص222 باب التعزي ح8.

() سورة آل عمران: 185.

() انظر تقريب القرآن إلي الأذهان: ج4 ص81 سورة آل عمران: 185.

() لأن دول العالم الثالث ترزح تحت نير سيطرة الاستعمار المبطن بعد أن فضح الاستعمار السافر والاحتلال المباشر، فإن ظاهر الأوضاع الخارجية للدول الاستقلال، ولكن الواقع هو أن أكثر الحكومات والدول في العالم الثالث تدور إما في الفلك الغربي أو الشرقي، ولا تتحرك أو تخطو خطوة واحدة إلا بمعونتهم وموافقتهم، طبق الكلمة المعروفة: إن الاستعمار عندما خرج

من الباب دخل من الشباك.

() لأن الإنقلابات العسكرية عادة تحدث بسبب صراع النفوذ بين الاستعمار الغربي والشرقي، أو الغربي مع بعضه، مثل: أمريكا وبريطانيا، في البلدان الضعيفة لكسب السلطة وإدارة البلد في هذا الفلك أو ذاك. وهو عمل غير مشروع سياسياً ولا إنسانياً؛ إذ أن الإنقلاب لا يعبر إلا عن الانتهاك السافر لحقوق الشعب ومصادرة حرياته في أن يحكم نفسه بنفسه.

وعندما كانت شبه القارة الهندية تحت الاحتلال الإنجليزي وكان يطلق عليها درة التاج البريطاني عمل (محمد علي جناح) علي إقامة دولة إسلامية مستقلة، وذلك منذ عام (1940م)، وقد وافق البرلمان البريطاني عام (1947م) علي انفصال باكستان من الهند، فظهرت إلي الوجود رسمياً دولة باكستان في (15 آب 1947م). وبعد وفاة محمد علي جناح عام (1948م) تسلم السلطة ياقوت علي خان الذي اغتيل عام (1951م) وحدثت اضطرابات أدت إلي حرب أهلية بين البنجابيين الذين كانوا يسيطرون علي الجيش والمؤسسات المدنية، ويقودهم غلام محمد البنجابي، الذي أصبح فيما بعد الحاكم العام، وبين البنغاليين بقيادة خواجه نظام الدين البنغالي. واستمر الصراع بينهما طوال فترة إعداد دستور البلاد، حيث أعلن عنه في عام (1956م) فأُعلن عن باكستان بموجبه كجمهورية إسلامية بعد أن كانت مقاطعة تابعة لبريطانيا. وبعد تدهور الأوضاع تدخل الجيش الباكستاني فقام بانقلاب عام (1958م) فتسلم السلطة الجنرال محمد أيوب خان حتي عام (1969م) حيث استولي علي السلطة آغا محمد يحيي خان، الذي ألغي دستور البلاد وأعلن الأحكام العرفية. ثم انفصل القسم الشرقي من باكستان وهو ما يعرف اليوم ببنغلادش عن الباكستان بعد حرب أهلية تدخلت فيها الهند بشكل كبير لصالح الإنفصال وحسمت تقسيم باكستان عام (1971م)، فأُجبر محمد يحيي خان علي الاستقالة. وتسلم السلطة ذو الفقار علي

بوتو بعد ضغوط شديدة علي محمد يحيي خان، الذي أطيح به هو الآخر عام (1977م) وقيل (1976م) بانقلاب قام به الجنرال محمد ضياء الحق، فعطل النظام البرلماني وأعلن حالة الطواريء والحكم العسكري وأعدم ذا الفقار علي بوتو عام (1978م) الذي لم تنفعه الوساطات الدولية. فأعلن ضياء الحق نفسه رئيساً للجمهورية. قتل ضياء الحق بحادث طائرة عام (1985م) فتولت رئاسة الحكومة بعده بي نظير ذو الفقار علي بوتو حتي عام (1990م) حيث تولي رئاسة الحكومة نواز شريف واستمر تداول السلطة بينها وبين نواز شريف حتي عام (1999م) الذي أطيح به بإنقلاب عسكري قاده الجنرال برويز مشرف الرئيس الحالي للحكومة الباكستانية.

() هو آية الله العظمي المرحوم السيد ميرزا مهدي الحسيني الشيرازي رحمة الله عليه بن الميرزا حبيب الله بن السيد آقا بزرك بن السيد ميرزا محمود بن السيد إسماعيل الحسيني الشيرازي، فوالد السيد الميرزا مهدي هو ابن أخ المجدد الشيرازي صاحب ثورة التنباك الشهيرة، ولد في مدينة كربلاء المقدسة سنة (1304ه) وظل بها إلي سنين شبابه الأولي، حيث درس علي أساتذتها مقدمات العلوم من نحو وصرف وحساب ومنطق وسطوح الفقه والأصول، سافر إلي سامراء واشتغل فيها بالبحث والتحقيق والتدريس لفترة طويلة، ثم إلي مدينة الكاظمية، وسافر بعدها إلي مدينة كربلاء المقدسة وبقي فيها فترة من الزمن مواصلاً الدرس والبحث، إلي أن انتقل إلي النجف الأشرف، وأقام بها ما يقرب من عشرين عاماً. درس الخارج علي أيدي فحول العلماء والمراجع في عصره أمثال: السيد الميرزا علي آغا نجل المجدد الشيرازي، والمرجع الأعلي الشيخ محمد تقي الشيرازي، والعلامة الآغا رضا الهمداني صاحب (مصباح الفقيه)، والسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي صاحب (العروة الوثقي) وغيرهم.

كان يحضر في كربلاء المقدسة بحثاً علمياً

يسمي في الحوزة ببحث ال (كمباني) تحت رعاية المرحوم السيد الحاج آغا حسين القمي ? وكان البحث يضم جمعاً من أكابر ومشاهير المجتهدين في كربلاء المقدسة.

بعد وفاة السيد القمي سنة (1366ه) استقل بالبحث والتدريس واضطلع بمسؤولية التقليد والمرجعية الدينية ورجع الناس إليه في أمر التقليد. له مؤلفات عديدة منها: ذخيرة العباد، ذخيرة الصلحاء، الوجيزة، تعليقة علي العروة الوثقي، رسالة حول فقه الرضا ?، كشكول في مختلف العلوم، كما كان يجيد الشعر وله قصائد عديدة.

كان رحمة الله عليه أثناء فترة تنامي المد الشيوعي إبان حكومة عبد الكريم قاسم في العراق، يبادر إلي استنهاض همم مراجع الدين الكبار في النجف الأشرف لاتخاذ موقف جماعي قوي إزاء الخطر الإلحادي علي العراق، فالتقي بالمرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم ? حيث أصدر الأخير فتواه الشهيرة بتكفير الشيوعية.

توفي رحمة الله عليه في الثامن والعشرين من شهر شعبان سنة (1380ه) وشيع جثمانه في موكب مهيب قلما شهدت كربلاء مثله، ودفن في مقبرة العالم المجاهد الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليه في صحن الروضة الحسينية الشريفة، وأقيمت علي روحه الطاهرة مجالس الفاتحة والتأبين بمشاركة مختلف فئات وطبقات المجتمع استمرت لعدة أشهر.

() هي ثورة عارمة ضد الاستعمار الإنجليزي في العراق عام (1338ه/ 1920م)، حيث أصدر قائد الثورة الإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليه والذي كان المرجع الأعلي للطائفة، فتواه الشهيرة ضد التواجد الإنجليزي في العراق، فأنتجت ثورة نشبت من شمال العراق إلي جنوبه ضد الإنجليز المحتلين، الذين كانوا قد ادعوا أنهم جاؤوا محررين للعراق من الاستبداد العثماني لا فاتحين، وهذا نص الفتوي: مطالبة الحقوق واجبة علي العراقيين ويجب عليهم في ضمن مطالبتهم رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسل بالقوة

الدفاعية إذا امتنع الإنجليز عن قبول مطالبهم. انظر (الحقائق الناصعة في الثورة العراقية سنة 1920م ونتائجها): ص192- 195.

() هو الشيخ محمد تقي بن الميرزا محب علي بن أبي الحسن الميرزا محمد علي الحائري الشيرازي زعيم الثورة العراقية، ولد بشيراز عام (1256ه) ونشأ في كربلاء المقدسة، فقرأ فيه الأوليات ومقدمات العلوم، وحضر علي أفاضلها حتي برع وكمل، فهاجر إلي سامراء في أوائل المهاجرين، فحضر علي المجدد الشيرازي حتي صار من أجلاء تلاميذه وأركان بحثه، وبعد أن توفي أستاذه المجدد تعين للخلافة بالاستحقاق والأولوية والانتخاب، فقام بالوظائف من الإفتاء والتدريس وتربية العلماء. ولم تشغله مرجعيته العظمي وأشغاله الكثيرة عن النظر في أمور الناس خاصهم وعامهم، وحسبك من أعماله الجبارة موقفه الجليل في الثورة العراقية، وإصداره تلك الفتوي الخطيرة التي أقامت العراق وأقعدته لما كان لها من الوقع العظيم في النفوس. فهو رحمة الله عليه فدي استقلال العراق بنفسه وأولاده، وكان أفتي من قبل بحرمة انتخاب غير المسلم. وكان العراقيون طوع إرادته لا يصدرون إلا عن رأيه وكانت اجتماعاتهم تعقد في بيته في كربلاء. توفي رحمة الله عليه في الثالث عشر من ذي الحجة عام (1338ه) ودفن في الصحن الحسيني الشريف ومقبرته فيه مشهورة. راجع طبقات أعلام الشيعة، نقباء البشر: ج1 ص261 الرقم 561.

() الليرة عملة تركية كانت متداولة في العراق زمن الدولة العثمانية. (الروبية) عملة هندية أُدخلت الي العراق بعد احتلال القوات الإنجليزية للعراق.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص353 ق5 ب1 ف1 ح8052.

() الكافي: ج5 ص78 باب الحث علي الطلب والتعرض للرزق ح4.

() الكافي: ج5 ص76 باب الاقتداء بالأئمة ? في التعرض للرزق ح13.

() أعلام الدين: ص159 فصل في ذكر الغني والفقر.

() هو موهانداس كرامشاند، زعيم وفيلسوف

هندي قاوم احتلال الإنجليز لبلاده، ولد في الهند عام (1869م) اشتهر بلقب (المهاتما) أي: ذو النفس الرفيعة، دعا إلي تحرير الهند من سيطرة الإنجليز بالطرق السلمية واللاعنف بعيداً عن جميع أساليب العنف، درس القانون بجامعة لندن وعاد إلي الهند، ثم انتقل إلي جنوب أفريقيا سنة (1893م) حيث اشتغل بالمحاماة، ولم يلبث أن انصرف إلي قضية مواطنيه ضد قوانين التفرقة العنصرية، بدأ نشاطه السياسي عام (1911م) بالمظاهرات التي نظمها ضد القوانين التعسفية التي شُرعت ضد الآسويين، ونجح في إلغائها، وفي عام (1914م) سافر إلي لندن لتنظيم وحدة إسعاف هندية تشارك في الحرب العالمية الأولي.

تضمنت معالم سيرة غاندي منذ عودته إلي الهند عام (1915م) فقد نادي بوحدة الجنس البشري تحت نواميس الله داعياً الي المحبة والعدالة والإخاء بين جميع أفراد الأمة الهندية، واعتمد كثيراً علي توحيد الكلمة بإقامة الأواصر الطيبة بين الهندوس من جهة والمسلمين والمسيحيين من جهة أخري، انتهج سياسة (التسامح الطائفي) حيث نجح في ضم ملايين المسلمين إلي حزب المؤتمر الهندي، وذلك خلال عقده المؤتمرات الجماهيرية العديدة، ولكن هذه السياسة أثارت بعض غلاة الهندوس ودفعت أحد هؤلاء لاغتياله عام (1948م).

من أبرز معالم سيرته تزعمه حركة استقلال الهند من الاحتلال الإنجليزي، فقام بتنظيم حركة عدم التعاون عام (1919م) ثم حركة الإضرابات التي شملت كل الهند، وتلا ذلك تنظيم العصيان المدني ومقاطعة البضائع الأجنبية، قبض عليه مرات عدة وألقي في السجن، وفي عام (1930م) نظم المسيرة الكبري، وعارض قانون احتكار الملح فسجن علي أثرها، وفي عام (1942م) قاد حملة العصيان المدني الثانية التي أدت به إلي السجن أيضاً. استحدث غاندي في نضاله ضد الاستعمار عدة أساليب أبرزها المقاومة السلبية بدون عنف، ثم سياسة عدم التعاون بالامتناع عن

العمل، ثم (العصيان المدني) التي شملت الامتناع عن دفع الضرائب، ثم مقاطعة البضائع الأجنبية بإحراقها علناً، ركز في تلبية الحاجات المعيشية عبر الاكتفاء الذاتي والعودة إلي الإنتاج الوطني، ويعتبر غاندي من أبرز دعاة السلام في القرن العشرين. انظر القاموس السياسي، لأحمد عطية: ص834 حرف الغين، والمنجد في الأعلام: ص387 حرف الغين، وكتاب (تجاربي مع الحقيقة) وهو مذكرات غاندي.

() بحار الانوار: ج63 ص349 ب8 ح9.

() نهج البلاغة، الخطب: 127 من كلام له ? يبين فيه أحكام الدين..

() سورة يوسف: 87.

() تقريب القرآن إلي الأذهان: ج13 ص43 سورة يوسف.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص267 ق3 ب2 ف4 ح5807.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص83 ح1331.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص267 ح5809.

() سورة يوسف: 87.

() سورة الحجر: 56.

() نوادر الراوندي: ص16.

() الكافي: ج2 ص544 باب الدعاء قبل الصلاة ح3.

() صدام التكريتي، ولد عام (1939م) في العوجة قرية جنوب تكريت، طاغوت العراق في العصر الحديث وأتعس نموذج للطغاة، تلميذ الغرب، المطيع والمنفذ الأول لمخططات الصهيونية وأعداء الاسلام، انتمي إلي حزب البعث واشترك مع بعض عناصر الحزب في محاولة فاشلة لاغتيال عبد الكريم قاسم عام

(1959م) هرب إلي سوريا ومنها إلي مصر. خلال فترة بقائه في القاهرة كان يكثر التردد علي السفارة الأمريكية، فقد ذكر في صحيفة الشرق الأوسط عن أحد كبار المسؤولين العرب بأن الرئيس عبد الناصر قد أبلغه: أن صدام هو رجل أمريكا الأول في المنطقة في المستقبل، وأنه كان دائم التردد علي السفارة الأمريكية بالقاهرة، وأن المخابرات المصرية قد صورت ورصدت كل تحركاته واتصالاته بالسفارة الأمريكية.

اشترك في إنقلاب (17 تموز 1968م)، وبعد نجاح الإنقلاب كان صدام المنفذ الأول لتصفية مجموعة عبد الرزاق النايف المشتركة في الإنقلاب، وذلك بعد ثلاثة

عشر يوماً من إنقلابهم، حيث تمت تصفيتهم. أصبح صدام نائباً لمجلس قيادة الثورة في عام (1970م) ورئيساً للجمهورية حال غياب البكر عن البلاد. وفي عام (1979م) أصبح رئيساً للجمهورية بعد إقصاء البكر عن الحكم.

هاجم إيران عام (1980م) حيث ألغي اتفاقية الجزائر التي وقعها مع شاه ايران عام (1975) فاندلعت حرب استمرت ثمان سنوات أحرقت الاخضر واليابس، فراح ضحيتها من الشعبين مايزيد علي مليوني إنسان، وبعدما توقفت الحرب عاد صدام واعترف باتفاقية الجزائر التي الغاها!!

هاجم الكويت واحتلها عام (1990م) فاندلعت حرب الخليج الثانية، فقامت قوات الحلفاء بقيادة أمريكا بمهاجمة الجيش العراقي بغية إخراجه من الكويت وتم ذلك، فلم تضع تلك الحرب أوزاها حتي كان العراق يعاني من دمار شامل في جميع مرافق الحياة وفي كل بناه التحتية، وضحايا لم تعرف أعدادها، ووضع العراق تحت حصار طويل الأمد بقرار من مجلس الأمن بحجة تدمير أسلحة الدمار الشامل التي طالما تبجح الطاغية صدام بها متوعداً أميركا والكيان الصهيوني بحرقهم بها، والتي لم يستخدمها إلا مع شعبه في حلبجة وباقي مدن العراق إبان انتفاضة عام (1991م)، التي قمعها صدام بوحشية لا مثيل لها، حتي قدر عدد من قتل وأعدم واختفي بما يزيد علي 500 ألف وقيل مليون عراقي.

إنهار نظام صدام وأُحتل العراق بحرب شنتها أميركا عام (2003م) بالتحالف مع بريطانيا وبعض الدول الأخري، فهرب صدام وأعوانه من المعركة، ألقي القبض عليه مختبئاً في جحرٍ تحت الأرض كالجرذ بعد كل ذلك الجبروت والكبرياء والفرعنة التي اتسم بها طيلة حياته وفترة حكمه المشؤوم، وهذا حال الكثير من أركان نظامه الذين تم إلقاء القبض عليهم تباعاً، فاستراح الشعب منه ومن جرائمه، ونحن إذ نقوم بنشر هذا الكراس ينتظر صدام هدام العراق محاكمته

ذليلاً حقيراً مذموماً مدحوراً، والله أحسن الحاكمين، والحمد لله قاصم الجبارين، وبذلك تنتهي فصول مرحلة رهيبة عاشها الشعب العراقي والمنطقة بأسرها.

() جريمة أخري أُرتكبت بحق الشعب العراقي، وذلك بفرض حصار اقتصادي علي الشعب، حرم العراقيين من أبسط مستلزمات الحياة، الغذاء والدواء ولوازم العيش، حتي راح ضحية هذا الحصار من الأطفال مئات الآلاف فماتوا بسبب سوء التغذية وأمراض يمكن علاجها وتلوث نتج من أسلحة الدمار الشامل.

() فرضت عقوبات اقتصادية من قبل مجلس الأمن ودول الغرب علي كل من: ليبيا بحجة دعم الإرهاب وإسقاط طائرة مدنية فوق مدينة لوكربي الاسكتلندية وإقتناء الأسلحة النووية والكيميائية، وعلي السودان بحجة دعم الإرهاب وتنظيم القاعدة وصناعة أسلحة الدمار الشامل، وعلي أفغانستان بحجة إيواء التنظيمات الإرهابية كتنظيم القاعدة المسؤول عن تفجيرات 11 أيلول عام

(2001م) في أميركا وحركة طالبان المتشددة وتنظيمات أخري، وفرض عقوبات علي إيران لثنيها عن مواصلة برنامجها النووي، وعلي سوريا لإتهامها بدعوي دعم الإرهاب وصناعة واقتناء أسلحة دمار شامل، إلي غير ذلك من الذرائع والحجج، التي غايتها إحكام السيطرة علي المنطقة.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 90.

() وهي دولة الكويت: حيث أقام الإمام الراحل (أعلي الله مقامه) فيها ثمان سنين، بعد خروجه القسري من العراق عام (1391ه)، ثم هاجر بعدها إلي مدينة قم المقدسة عام (1399ه).

يقول الإمام الراحل رحمة الله عليه عن تلك الفترة من حياته الشريفة:

لقد كان في خروجنا من العراق إلي سوريا، ومنها إلي لبنان، ثم الكويت، وأخيراً إيران، نوع مواساة لإخوتنا الذين هجرهم الحكام الطغاة بعد ذلك. كما أنه كان نوعاً من الرحمة لي؛ إذ توفقت لزيارة كثير من مزارات أهل البيت ? والتشرف بمشاهدهم المباركة، وتوفقت أيضاً لأن أتعرف علي أخوة إيمانيين كثيرين، كما توفقت أيضاً وبتعاون

طيب من الأخوة البررة والأصدقاء الأوفياء، أن أؤسس المؤسسات الدينية والثقافية، والخيرية والاجتماعية، في عدد من البلدان، خاصة التي مررت بها. ففي الكويت مثلاً: توفقنا لتأسيس مدرسة، ومكتبة، وحسينية، ومساجد، وهيئات ومجلات، وغير ذلك، ولعل مجموعها يصل إلي أكثر من مائة مؤسسة كبيرة وصغيرة، وهي بحمد الله مستمرة وباقية حتي اليوم تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ما عدا بعض المجلات فإنها تعطلت مثل: (الفتاة التقدمية) وهي خاصة بالمرأة، ومثل (الإيمان) وهي مشتركة، لكن بعد ذلك أخذت المجلات الخاصة بالمرأة تصدر وتنتشر، كما وأخذت تزداد وتكثر، حتي إني رأيت قبل مدة ما يقارب عشر مجلات تصدر من هيئات نسوية، وما أشبه، وهذا مما يبشر بخير، إذ علي المرأة أن تواكب الرجل في المجال العلمي والثقافي مراعية حجابها وحشمتها وكرامتها. ثم إن المساجد التي وفقنا الله لتأسيسها في الكويت، بلغت ما يقرب من عشرة مساجد، وذلك في قصص طويلة ومفصلة، وفي نفس الوقت هي جميلة ولطيفة، وتجربة عملية وتطبيقية. ثم إنه لما سافرنا إلي إيران، وذهبنا إلي قم المقدسة، كان القصد هو الزيارة والإلتقاء بالإخوان والسادة المراجع ثم العودة، ولكن بإصرار من السادة المراجع، والعلماء الأعلام، والفقهاء العظام في الحوزة العلمية في قم المقدسة، عزمنا علي البقاء، كالسادة المراجع: السيد الشريعتمداري، والسيد الكلبايكاني، والسيد المرعشي، والشيخ مرتضي الحائري، والشيخ هاشم الآملي (قدس الله أسرارهم) وغيرهم، فعزمت علي البقاء استجابة لهم، وبقيت فيها حتي هذا اليوم، سائلاً من الله سبحانه وتعالي أن يجعل بقاؤنا في قم المقدسة مقروناً برضاه.

() وتسمّي بقاعدة السلطنة والتسلط وهي: (الناس مسلّطون علي أموالهم وأنفسهم). وفي موضع من الجواهر زيادة: (وحقوقهم). والقطعة الأولي رواية مشهورة في ألسنة الفقهاء قديماً وحديثاً، بحيث لا يحتاج

إلي البحث عن السند. حيث ورد عن رسول الله صلي الله عليه و اله قوله: الناس مسلطون علي أموالهم. كما في (غوالي اللئالي: ج1 ص222 ف9 ح99). و(أنفسهم) مستفاد من قوله تعالي: ?النَّبِيُّ أَوْلي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ? سورة الأحزاب: 6. و(حقوقهم) مستفاد من: لا يبطل حق امرء مسلم كما في (وسائل الشيعة: ج29 ص89 ب35 ح35223). بعد أخذ الموضوع من العرف، إن لم يتصرّف فيه الشرع بزيادة أو نقيصة. ويدل علي القاعدة: الأدلة الأربعة … للتفصيل راجع (القواعد الفقهية) للإمام الراحل (أعلي الله مقامه): الفصل السابع قاعدة التسلط.

() آية الله العظمي السيد محمد حسن الشيرازي المشهور بالمجدد، عميد أسرة الشيرازي، ولد في (15 جمادي الأولي 1230ه)، هاجر إلي النجف الأشرف سنة (1259ه) ثم إلي سامراء (1291ه). تتلمذ عند العلماء الأعلام كالسيد حسن المدرس والمحقّق الكلباسي وصاحب الجواهر والشيخ الأنصاري. كان عالماً وإماماً وفقيهاً ماهراً مدققاً، ورئيساً دينياً ورعاً تقياً، راجح العقل، ثاقب الفكرة، بعيد النظر، مصيب الرأي، حسن التدبير، واسع الصدر، طليق الوجه، صاحب فراسة، قوي الحفظ، علي جانب عظيم من كرم الأخلاق، وكان كثير الرفق بالطلاب والحنو عليهم وحسن العشرة معهم. بلغ من الرئاسة وجلالة الشأن مبلغاً لم يكن لأحد من الأمراء والملوك في أيامه. وكان في عصره من أكابر العلماء والمجتهدين، كالشيخ محمد طه نجف والسيد كاظم اليزدي وغيرهم، وقد اتفق العلماء علي تقديمه رحمة الله عليه بعد وفاة الشيخ الأنصاري رحمة الله عليه كزعيم للطائفة. خرج إلي سامراء سنة (1291ه) وبخروجه صارت إليها الرحلة، وتردد إليها الناس وأصحاب الحاجات من أقطار الدنيا، وأقيمت فيها الدروس العلمية وقصدها طلاب العلوم الدينية، وشيدت فيها المدارس والدور. توفي رحمة الله عليه في سامراء سنة (1321ه)

وحمل إلي النجف الأشرف، ودفن في الصحن العلوي الشريف، وأُقيمت له مجالس الفاتحة في جميع مدن العراق وإيران وغيرها من بلاد الشيعة. انظر أعيان الشيعة: ج5 ص304.

() ناصر الدين شاه بن محمد شاه بن عباس ميرزا بن فتح علي شاه القاجاري. ولد سنة 1247ه، وهو أحد أفراد السلالة القاجارية التي حكمت إيران فترة مائة وثلاثين عاماً. جلس علي سرير الملك سنة 1264ه. كتب المؤرخون عن حياته وآثاره كتباً مستقلة مثل: (ناسخ التواريخ مجلد القاجار) و (سفرنامه ناصري) و (تاريخ ناصري). له قصائد في رثاء الإمام الحسين الشهيد ? باللغة الفارسية، وشعره معروف ومتداول بين الوعاظ وأهل الذكر والرثاء. زار العراق في سنة 1287ه بدعوة رسمية من الحكومة العثمانية، فوصل إلي كربلاء المقدسة في 7 رمضان، وورد النجف الأشرف في 13 رمضان، ثم ذهب إلي زيارة سلمان الفارسي في 29 رمضان. وفي 2 شوال خرج إلي زيارة سامراء، فوصلها في 6 شوال وتشرف بالزيارة. عندما زار كربلاء المقدسة، أمر بتجديد الأبنية في المشهد الحسيني، وتبديل صفائح الذهب، وتذهيب القبة الطاهرة، واشتري دوراً فأضافها إلي الصحن الشريف من الجهة الغربية. وفي عهده حدثت قضية التنباك (التبغ) الشهيرة، حيث منح ناصر الدين شاه حق امتياز التبغ إلي إحدي الشركات البريطانية لبيعه في داخل إيران وخارجه، مما كان يسبب سيطرة الكفار علي بلاد المسلمين، وقد أصدر الميرزا الشيرازي الكبير رحمة الله عليه فتوي بتحريم استعمال التنباك، ونتيجة لهذه الفتوي اضطر الشاه ناصر الدين أن يذعن للفتوي ويلغي الاتفاقية بعد أن امتنع الناس عن التدخين وساروا في تظاهرات صاخبة عمَّت كل المدن الإيرانية للتنديد بالشاه وبالاتفاقية. وقد أدي ذلك إلي خروج الإنجليز من البلاد خائبين خاسرين. تعرض في 13 ذي

القعدة سنة 1313 ه إلي محاولة اغتيال علي يد الميرزا رضا الكرماني، في حرم السيد عبد العظيم الحسني في مدينة الري جنوب طهران توفي علي أثرها ودفن إلي جواره. ثم جلس علي أريكة السلطنة من بعده ابنه مظفر الدين شاه.

() لقد تجاوزت اليابان مرحلة خسارتها في الحرب العالمية الثانية، وعلي الرغم من الخسائر المادية والبشرية الهائلة التي تكبدتها نتيجة إسقاط القنبلة الذرية عليها، تجاوزت كل ذلك بروح عالية وثابة نحن أحوج ما نكون إليها اليوم، فقد انطلقت اليابان إلي تطوير سائر قطاعات الحياة وعلي الأخص في مجال الصناعات الأساسية وبنسبة عالية، حيث انبثق برنامج سياسي واجتماعي تنظيمي يستغل حوافز التوسع في القطاع الحديث، ويستغل الآثار الممكنة للانطلاق إلي الاقتصاد الخارجي، وهي نقطة تحول في البناء الإقتصادي والاجتماعي للبلاد. فاندفعت اليابان بكل قوة إلي التقدم، واهتمت بالتنمية اهتماماً كثيراً، وأزالت الحكومة معظم القوانين التي تقيد المجتمع من خلال الطبقية التي كانت مستشرية فيه، حيث سهل هذا انتقال الفرد من مركز شخصي إلي مركز آخر يتطلب المهارة، واهتموا كذلك بجانب التعليم اهتماماً شديداً، وقام اليابانيون بسلسلة من الإصلاحات الأساسية المهمة التي أدت إلي انتعاش الاقتصاد، ثم اندفاعه المراحل المتقدمة بين اقتصاديات الدول المتقدمة، حتي أصبح من أقوي اقتصاديات العالم اليوم، فغزت الأسواق العالمية بسلع تستحيل مزاحمتها من حيث الجودة والكفاءة.

() سورة التوبة: 105.

() الأمالي للطوسي: ص435 المجلس15 ح974.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص396-397 ومن ألفاظ رسول الله صلي الله عليه و اله الموجزة ح5846.

() بحار الأنوار: ج93 ص160 ب16 ضمن ح38.

() الخصال: ج1 ص238-239 المبادرة بأربع قبل أربع ح85.

() روضة الواعظين: ج2 ص393 مجلس في ذكر الأوقات وما يتعلق بها.

() بحار الأنوار: ج68 ص188 ب64 ح53.

()

مستدرك الوسائل: ج1 ص146 ب25 ح220.

() انظر كتاب (القطرات والذرات) للإمام الراحل (أعلي الله مقامه) نشر مركز الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله للتحقيق والنشر.

() مصباح المتهجد: ص443 أدعية الأسبوع، دعاء ليلة الأحد.

() سورة الجمعة: 10.

() سورة الإسراء: 12.

() سورة طه: 17- 18.

() سورة الأنبياء: 80.

() سورة الاسراء: 29.

() سورة الفرقان: 67.

() سورة النساء: 38 - 39.

() سورة الأنفال: 36.

() سورة البقرة: 264.

() سورة نوح: 12.

() سورة هود: 52.

() جامع الأخبار: ص139 ف99.

() بحار الأنوار: ج1 ص141 ب4 ضمن ح29.

() المحارف بفتح الراء: المحروم الذي إذا طلب لا يرزق، أو يكون لا يسعي في الكسب، وهو خلاف قولك: المبارك، ومنه الحديث: لا تشتر من محارف فإن صفقته لا بركة فيها. والمحارف أيضا: المنقوص من الحظ لا ينمو له مال، والحرف بالضم اسم منه، وقد حورف كسب فلان: إذا شدد عليه في معاشه، كأنه ميل برزقه عنه. وفلان يحترف لعياله: أي يكتسب من هنا ومن هنا. مجمع البحرين: ج5 ص36 مادة حرف.

() الكافي: ج5 ص76 باب ما يجب من الإقتداء بالأئمة? في التعرض للرزق ح4.

() وسائل الشيعة: ج19 ص36 ب4 ح24096.

() المر: المعزق يعزق به الطين، يعني: المسحاة. انظر كتاب العين: ج8 ص261 مادة مرر.

() الكافي: ج5 ص74 باب ما يجب من الإقتداء بالأئمة ? في التعرض للرزق ح2.

() الكافي: ج5 ص77 باب ما يجب من الإقتداء بالأئمة ? في التعرض للرزق ح15.

() أمالي الطوسي: ص614 المجلس29 ح1269.

() الكافي: ج5 ص87 باب إصلاح المال وتقدير المعيشة ح4.

() وسائل الشيعة: ج17 ص63 ب21 ح21989.

() وسائل الشيعة: ج17 ص436 ب32 ح22932.

() الخصال: ج1 ص164 باب الثلاثة ح216.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص369 ق5 ب3 ف4 ح8341.

() الكافي:

ج5 ص318 باب النوادر ح59.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص192 باب التجارة وآدابها وفضلها وفقهها ح3719.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.