شهر رمضان

اشارة

اسم الكتاب: شهر رمضان

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي لتحقيق و النشر

مكان الطبع: كربلاء

تاريخ الطبع: 1425 ق

الطبعة: اول

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

يعتبر شهر رمضان المبارك، شهر الإعداد الروحي للإنسان، فهو شهر البركة، وشهر المغفرة، وشهر الرحمة، وشهر التوبة، وشهر الإنابة، وشهر القرآن، وشهر الاستغفار، وشهر الدعاء، وشهر العبادة، وشهر الطاعة، وشهر المواساة، وشهر الصبر، وشهر العتق من النار، وشهر الفوز بالجنة.

فشهر رمضان ليس كبقية الشهور، أيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، الشياطين فيه مغلولة محبوسة، ويزيد الله فيه الأرزاق ويكتب الآجال ويختار وفد الحاج إلي بيته الحرام.

شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، العمل فيه مضاعف، والدعاء فيه مستجاب، والنوم فيه عبادة، والنفس فيه تسبيح، الحسنات فيه مقبولة، والسيئات فيه مغفورة، وقراءة آية فيه تعدل ختم القرآن في غيره، إنه سيد الشهور. ولو أردنا أن نذكر جميع صفات وفضائل شهر رمضان والتي وردت عن أئمة أهل البيت المعصومين عليهم السلام لطال بنا المقام.

وفي هذا الشهر أيضاً قد نزلت الكتب السماوية علي الأنبياء عليهم السلام من أجل هداية البشر، ونقلهم من الظلمات إلي النور، ففي أول ليلة منه نزلت صحف إبراهيم عليه السلام، والتوراة لست مضين منه، والإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت منه، والزبور لثماني عشرة منه، وأما القرآن فقد أنزل في ليلة القدر. لذا ينبغي الاستفادة من هذا الشهر في التبليغ وإرشاد الناس وهدايتهم إلي معالم الإسلام وأحكامه. فإن الملاحظ هو إقبال الجميع علي العبادة والطاعة، وتفتح النفوس لقبول الموعظة.

وكان الإمام الشيرازي رحمة الله عليه كثيراً ما يؤكد علي مسألة التبليغ في شهر رمضان واستغلال هذا الموسم في هداية الناس وإرشادهم، وكذلك عدم

بقاء طلبة العلوم الدينية في مراكزهم التعليمية وإنما الانتشار في المدن والقري كافة لأجل تبليغ رسالات الله، وذلك من خلال لقاءاته الشخصية بالطلبة وأحاديثه الخاصة معهم. ففي أحد أحاديثه الأسبوعية قال ?:

إذا ما تحرك خمس وعشرون ألف واعظ في خمس وعشرين ألف مدينة في الداخل والخارج يوعظون ويبلغون، فكم ستحصل أمواج من المعرفة، فيهدون الناس إلي تعاليم الدين الإسلامي والتي جميعها مطابقة لفطرة البشر حتي المسواك، فالناس يتلهفون لذلك خصوصاً إذا كان مبلغها شخصاً يحسن التعامل وكان متقياً.

وهذا الكتاب هو الجزء الأخير من سلسلة (الأشهر الثلاثة): رجب وشعبان ورمضان، كتبها الإمام الشيرازي الراحل رحمة الله عليه كلاً علي انفراد، مبيناً فضلها وأعمالها، وما حدث فيها من مناسبات، كولادات الأئمة عليهم السلام ووفياتهم، وكذلك العلماء ?، بالإضافة إلي الحوادث التاريخية، مما يجعله فريداً في بابه، لطيفاً في موضوعه.

وقد قامت مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر بطبعه ونشره، لما فيه من فائدة، وحفاظاً علي تراث هذا الإمام من الضياع، والذي سعي رحمة الله عليهجاهداً طوال فترة حياته المباركة للكتابة عن معالم الإسلام وأحكام الدين وفي شتي الأبواب.

نسأل الله أن ينفع به المؤمنين كما نفع بغيره، ويمن علي الإمام الراحل رحمة الله عليه بالمغفرة والرضوان إنه سميع مجيب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الناشر

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي محمّد وآله الطاهرين.

(الأشهر الثلاثة: رجب وشعبان ورمضان) هي من أفضل أشهر السنة، وقد دعا رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل البيت عليهم السلام إلي الاهتمام بها وإحيائها بالعبادة والتقرّب إلي الله عزّوجلّ، خاصّة شهر رمضان المبارك الذي اُنزل فيه القرآن وافترض فيه الصيام.

لذلك وجدت من المفيد أن اُشير إلي بعض الأمور المختصّة بهذه الأشهر

في كراريس مستقلة، مضافاً إلي ذكر بعض المناسبات، أما تفصيل ذلك من الأدعية والزيارات فقد ذكرناها في كتاب (الدعاء والزيارة) () والله المستعان.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

3شهر رمضان

شهر الله الأعظم

شهر رمضان المبارك هو شهر الله الأعظم الذي أنزل فيه القرآن علي النبي الأكرم صلي الله عليه و اله، قال تعالي: ?شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِيَ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًي لّلنّاسِ وَبَيّنَاتٍ مّنَ الهدَيَ

وَالْفُرْقَانِ? ().

وفي هذا الشهر العظيم فرض الله تعالي علي الأُمّة الإسلامية وغيرها من الأمم السابقة الصيام، حيث قال عزوجل: ? يَا أيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ? ().

وقال تعالي: ? فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَيَ سَفَرٍ فَعِدّةٌ مّنْ أَيّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ? ().

وخصّ الشهر بأُمور كثيرة منها:

1: الشياطين في هذا الشهر مغلولة، حيث قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?والشياطين مغلولة فاسألوا الله أن لا يسلّطها عليكم?().

2: أنفاس العباد في هذا الشهر تسبيح، بدليل قوله صلي الله عليه و اله: ?أنفاسكم فيه تسبيح?().

3: نوم العباد في شهر رمضان عبادة، حيث قال صلي الله عليه و اله: ?ونومكم فيه عبادة?()

4: اشتماله علي ليلة القدر أو ليالي القدر، ففي هذا الشهر الشريف تقع ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر كما في نص القرآن الحكيم()، وفي هذه الليلة تقدّر أعمال العباد خلال السنة وتعرض علي الإمام الحجّة عليه السلام وهو يقرها.

5: عظم الثواب ومضاعفة الأعمال، ففي شهر رمضان يضاعف للعباد طاعاتهم، خاصّة ما يرتبط بتلاوة القرآن، فعن رسول الله صلي الله عليه و اله في خطبته المعروفة في آخر جمعة من شعبان قال: ?ومن تلا فيه آية من

القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور?().

علاقة الإنسان بالرب

ومن اللازم علي الإنسان في هذا الشهر المبارك أن يحسن علاقته مع الله سبحانه، وذلك بأن يتدارك ما مضي من عمره ويستعدّ لما يأتي، ويتعاهد نفسه بتوجيهها إلي الطريق المستقيم والسبيل القويم، وإلاّ فإنّه يأتي يوم القيامة وهو ?يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدّمْتُ لِحَيَاتِي?() ويعضّ علي يديه كما قال تعالي: ?وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلَيَ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتّخَذْتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيلاً?().

وقد نقل أنّ آخر آية نزلت() علي رسول الله صلي الله عليه و اله هي قوله تعالي: ?وَاتّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَي الله?() وهو أعظم يوم، حيث عبّر عنه القرآن الكريم: ?يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً ? السّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً?().

علاقة الإنسان بالكون

بل ينبغي للإنسان أن يحسن علاقته حتّي مع الكون، وإلي ذلك يشير الإمام علي عليه السلام قائلاً: ?فإنّكم مسؤلون حتي عن البقاع والبهائم?().

وقد ورد عن الإمام الحسن عليه السلام قال: ?واعلم أنّ في حلالها حساباً، وفي حرامها عقاباً، وفي الشبهات عتاباً?()، فكلّ مثقال ذرة من خير أو شرّ يحاسب الإنسان عليه ?فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ ? وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ?().

وفي الحديث: إنّ رجلاً جاء إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وأسلم ثمّ أمر النبي صلي الله عليه و اله أحد المسلمين أن يعلّمه القرآن، فعلّمه الصحابي سورة ?إِذَا زُلْزِلَت?() ولعلّ وجهه أن يتنبّه المسلم الجديد لما ينتظره غداً ليأخذ حذره، ولمّا أتمّ السورة قام المسلم الجديد يريد الذهاب، فقال له المسلم المعلّم: هذه سورة من السور الكثيرة اجلس حتّي أُعلّمك سوراً أُخري.

فقال المسلم الجديد: اكتفيت بهذا القدر، فإني قد عرفت كلّ ما يريد منّي الإسلام.

قال المعلّم: من أين عرفت كلّ ذلك؟

قال المسلم الجديد: من قوله سبحانه: ?فَمَن

يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ ? وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ?() وهل أبقت الآية بعد ذلك شيئاً ()؟!

علاقة الإنسان بالمجتمع

كما ينبغي للإنسان في شهر رمضان المبارك أن يقوّي علاقته بالمجتمع من سائر بني جنسه، فإنّ علاقة الإنسان ببني نوعه من أكثر العلاقات تشابكاً.

أمّا إذا لم يعتن الإنسان بهذه الأُمور فإنّه يندم في الدنيا قبل الآخرة، ويجتذب لنفسه الحسرات الشديدة في الآخرة حينما يقف في عرصات يوم القيامة ويحاسب عن أُمور.. منها عمره فيما أفناه، ففي الحديث عن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّي يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وشبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت?().

بالطبع فإنّ العمر يشمل صغر الإنسان إلي يوم موته وإن كان البلوغ الشرعي يبدأ من نهاية السنة التاسعة في البنات والخامسة عشرة في البنين، إلاّ أنّه قبل ذلك هناك نوع من التكليف أيضاً فلا يحقّ للإنسان أن يأتي بالمنكرات مثل: القتل والجرح والزنا واللواط والسحق وإيذاء الناس وغيرها إذا كان مميّزاً، وقد فصّل الفقهاء ذلك في الكتب الفقهية، وذهبوا إلي أن المميّز يأتي بالصلاة والخيرات علي نحو التمرين بل والاستحباب أيضاً.

ثم إنّ العمر وإن كان يشمل مرحلة الشباب ولكن ذكره في الحديث كذكر الخاص بعد العام، فإن مرحلة الشباب بالذات يسأل الإنسان عنها، لأنّها وقت النشاط والحركة والابتداء في الخير أو النزوع إلي الشرّ والعياذ بالله.

كما يسأل الإنسان عن المال، حلاله وحرامه، اكتساباً وصرفاً، وقد ذكرنا في (الفقه) أن التشريع الإسلامي يشتمل علي أكثر من خمسين باباً حول المال وشؤونه المتنوّعة ومداخله ومخارجه المختلفة.

وأخيراً فإنّ الناس تسأل عن القيادة (وهم أهل البيت عليهم السلام)

حتّي لا يكونوا قد أخذوا بالأربع وتركوا الأصل، كما في الحديث().

فإنّ صحّة القيادة التي تبدأ بمحبّة أهل البيت عليهم السلام وتنتهي بطاعتهم في كلّ فعل وترك، صغيراً أو كبيراً، فهي شرط أساسي حتّي في قبول الصلاة والصيام كما دلّت عليه العديد من الروايات ولذا قال سبحانه: ?مّنْ يُطِعِ الرّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله?().

ثم إن القيادة الشرعية تبدأ بولاية الله سبحانه حيث قال: ?إِنّمَا وَلِيّكُمُ الله? ثم الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله ?وَرَسُوله? ثم الأئمة الطاهرين عليهم السلام ?وَالّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ? وَمَن يَتَوَلّ الله وَرَسُوله وَالّذِينَ آمَنُواْ فَإِنّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ?().

وتنتهي القيادة الشرعية والولاية الإلهية بالإمام المهدي عليه السلام.

مضافاً إلي لزوم الاعتقاد بسائر الأنبياء والأوصياء عليهم السلام الذين هم من أركان القيادة الشرعية، وقد دلّ علي ذلك متواتر الآيات والروايات.

التأكد من سلامة الدين

من أهمّ الأُمور في شهر رمضان المبارك هو فحص الدين ليكون المرء في سلامة من دينه، كما أشار إلي ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ?في سلامة من ديني?()؟

فإنّ الحسنة مع فساد الدين لا تقبل كما في الأحاديث بل في الآيات الشريفة، حيث قال عزوجل ?إِنّمَا يَتَقَبّلُ الله مِنَ الْمُتّقِينَ?().

وقال تعالي: ?قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لّن يُتَقَبّلَ مِنكُمْ إِنّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ? وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاّ أَنّهُمْ كَفَرُواْ بِالله وَبِرَسُوله وَلاَ يَأْتُونَ الصّلاَةَ إِلاّ وَهُمْ كُسَالَيَ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاّ وَهُمْ كَارِهُونَ?().

وينبغي أن يستفيد الإنسان من هذا الشهر علي أحسن وجه، فلا أحد يعلم فقد يكون هذا الشهر المبارك آخر شهر من عمره، والشقي كما في خطبة الرسول صلي الله عليه و اله في آخر جمعة من شعبان هو من حرم غفران الله

في هذا الشهر.

حرمة شهر رمضان

لشهر رمضان حرمة خاصة تمتاز بها عن سائر الشهور، ومن هنا ذكر الفقهاء في باب الحدود بأن من يرتكب كبيرة في شهر رمضان يعاقب أكثر لهتكه حرمة الشهر أيضاً().

قال الإمام الصادق عليه السلام: ?إن لرمضان حقا وحرمة، لا يشبهه شي ء من الشهور?().

وهذه بعض الروايات التي تدل علي عظمة شهر رمضان وحرمته:

غرة الشهور

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ? ? إِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السّمَاوَات وَالأرْضَ?() فغرة الشهور شهر الله وهو شهر رمضان، وقلب شهر رمضان ليلة القدر، ونزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان فاستقبل الشهر بالقرآن?().

قولوا شهر رمضان

قولوا شهر رمضان

عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): ?لا تقولوا رمضان ولكن قولوا شهر رمضان فإنكم لا تدرون ما رمضان?().

رمضان من أسماء الله

عن سعد عن أبي جعفر عليه السلام قال: كنا عنده ثمانية رجال فذكرنا رمضان، فقال: ?لا تقولوا هذا رمضان ولا ذهب رمضان ولا جاء رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله عزوجل لايجيء ولا يذهب، وإنما يجيء ويذهب الزائل، ولكن قولوا (شهر رمضان) فإن الشهر المضاف إلي الاسم، والاسم اسم الله، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن جعله الله تعالي مثلا وعيدا?().

الله الله في شهر رمضان

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ?الله الله في شهر رمضان فإن صيامه جُنة من النار?().

الشهر المختار

الشهر المختار

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إن الله عزوجل اختار من الأيام الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختارني علي جميع الأنبياء، واختار مني عليا عليه السلام وفضله علي جميع الأوصياء، واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين الأوصياء من ولده، ينفون عن التنزيل تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل المضلين، تاسعهم قائمهم، وهو ظاهرهم وهو باطنهم?().

شهر عظيم

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إن شهر رمضان شهر عظيم، يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع فيه الدرجات، من تصدق في هذا الشهر بصدقة غفر الله له، ومن أحسن فيه إلي ما ملكت يمينه غفر الله له، ومن حسن فيه خلقه غفر الله له، ومن كظم فيه غيظه غفر الله له، ومن وصل فيه رحمه غفر الله له?.

ثم قال عليه السلام: ?إن شهركم هذا ليس كالشهور، إنه إذا أقبل إليكم أقبل بالبركة والرحمة، وإذا أدبر عنكم أدبر بغفران الذنوب، هذا شهر الحسنات فيه مضاعفة، وأعمال الخير فيه مقبولة، من صلي منكم في هذا الشهر لله عزوجل ركعتين يتطوع بهما غفر الله له?.

ثم قال عليه السلام: ?إن الشقي حق الشقي من خرج عنه هذا الشهر ولم تغفر ذنوبه، فحينئذ يخسر حين يفوز المحسنون بجوائز الرب الكريم?().

الجُمَع من شهر رمضان

كان أبو جعفر عليه السلام يبكر إلي المسجد يوم الجمعة حين تكون الشمس قيد رمح، فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك، وكان يقول: ?إن لجمع شهر رمضان علي جمع سائر الشهور فضلا كفضل شهر رمضان علي سائر الشهور?().

الخطبة الشعبانية

الخطبة الشعبانية

عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال: إن رسول الله صلي الله عليه و اله خطبنا ذات يوم فقال:

?أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلي ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة، وقلوب طاهرة، أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا علي فقرائكم ومساكينكم، ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم، وتحننوا علي أيتام الناس يتحنن علي أيتامكم، وتوبوا إلي الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها أفضل الساعات ينظر الله عزوجل فيها بالرحمة إلي عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، يعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه. أيها الناس إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أن الله تعالي ذكره أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين، وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين. أيها الناس من فطر منكم صائماً

مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضي من ذنوبه.

قيل: يا رسول الله فليس كلنا يقدر علي ذلك؟

فقال صلي الله عليه و اله: اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشربة من ماء، أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازاً علي الصراط يوم تزل فيه الأقدام، ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءةً من النار، ومن أدي فيه فرضاً كان له ثواب من أدي سبعين فريضةً فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آيةً من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور، أيها الناس إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فاسألوا ربكم أن لايغلقها عنكم، وأبواب النيران مغلقة فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: فقمت فقلت: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟

فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله?().

خطبة أخري

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: ?خطب رسول الله صلي الله عليه و اله الناس في آخر جمعة من شعبان، فحمد الله وأثني عليه ثم قال:

أيها الناس، إنه قد أظلكم شهر فيه ليلة خير من ألف

شهر، وهو شهر رمضان، فرض الله صيامه، وجعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة كتطوع صلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدي فريضة من فرائض الله عزوجل، ومن أدي فيه فريضة من فرائض الله كان كمن أدي سبعين فريضة من فرائض الله فيما سواه من الشهور، وهو شهر الصبر وإن الصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وهو شهر يزيد الله في رزق المؤمن فيه، ومن فطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لذنوبه فيما مضي?.

قيل: يا رسول الله، ليس كلنا يقدر علي أن يفطر صائما؟

فقال: ?إن الله كريم يعطي هذا الثواب لمن لم يقدر إلا علي مذقة من لبن يفطر بها صائما، أو شربة من ماء عذب، أو تمرات لايقدر علي أكثر من ذلك، ومن خفف فيه عن مملوكه خفف الله عنه حسابه، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره الإجابة والعتق من النار، ولا غني بكم عن أربع خصال، خصلتين ترضون الله بهما، وخصلتين لا غني بكم عنهما، فأما اللتان ترضون الله عزوجل بهما، فشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأما اللتان لا غني بكم عنهما، فتسألون الله فيه حوائجكم والجنة، وتسألون العافية وتعوذون به من النار?().

سيد الشهور

عن أبي جعفر عليه السلام قال: ?قال رسول الله صلي الله عليه و اله لما حضر شهر رمضان وذلك في ثلاث بقين من شعبان قال لبلال: ناد في الناس، فجمع الناس، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال:

أيها الناس إن هذا الشهر قد خصكم الله به وحضركم، وهو سيد الشهور، ليلة فيه خير من ألف شهر،

تغلق فيه أبواب النار، وتفتح فيه أبواب الجنان، فمن أدركه ولم يغفر له فأبعده الله، ومن أدرك والديه ولم يغفر له فأبعده الله، ومن ذكرتُ عنده فلم يصل عليّ فلم يغفر الله له فأبعده الله?().

هل من مستغفر

عن أبي جعفر عليه السلام قال: ?كان رسول الله صلي الله عليه و اله يقبل بوجهه إلي الناس فيقول: يا معشر المسلمين إذا طلع هلال شهر رمضان غلت مردة الشياطين، وفتحت أبواب السماء وأبواب الرحمة، وغلقت أبواب النار، واستجيب الدعاء، وكان لله فيه عند كل فطر عتقاء يعتقهم الله من النار، وينادي مناد كل ليلة: هل من سائل، هل من مستغفر، اللهم أعط كل منفق خلفا، وأعط كل ممسك تلفا، حتي إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون أن اغدوا إلي جوائزكم، فهو يوم الجائزة?

ثم قال أبو جعفر عليه السلام: ?أما والذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير والدراهم?().

الصوم جُنة من النار

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?الصوم جنة من النار?().

من أهم العبادات في شهر رمضان هو الصوم، فإن العبد يصوم لله تعالي بنية صادقة، ويمسك نفسه عن المفطرات والمشتهيات من أذان الفجر إلي المغرب، فيكون ثوابه علي الله.

قال موسي عليه السلام: ?إلهي فما جزاء من صام شهر رمضان لك محتسباً، قال: يا موسي أقيمه يوم القيامة مقاماً لا يخاف فيه?().

أبشروا عباد الله

عن محمد بن مسلم الثقفي يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يقول: ?إن لله تبارك وتعالي ملائكة موكلين بالصائمين، يستغفرون لهم في كل يوم من شهر رمضان إلي آخره، وينادون الصائمين كل ليلة عند إفطارهم: أبشروا عباد الله فقد جعتم قليلاً وستشبعون كثيراً، بوركتم وبورك فيكم، حتي إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان نادوهم: أبشروا عباد الله فقد غفر الله لكم ذنوبكم وقبل توبتكم، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون?().

صوم رمضان وحدود الإيمان

عن عجلان أبي صالح قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أوقفني علي حدود الإيمان؟ فقال: ?شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وصلوات الخمس، وأداء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت، وولاية ولينا وعداوة عدونا والدخول مع الصادقين?().

بني الإسلام علي خمس

عن أبي جعفر عليه السلام قال: ?بني الإسلام علي خمس: الولاية، والصلاة، والزكاة، وصوم شهر رمضان، والحج?().

بنيان الإسلام

قال أبو جعفر عليه السلام: ?بني الإسلام علي خمس: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم شهر رمضان والولاية لنا أهل البيت، فجعل في أربع منها رخصة ولم يجعل في الولاية رخصة، من لم يكن له مال لم تكن عليه الزكاة، ومن لم يكن له مال فليس عليه حج، ومن كان مريضا صلي قاعدا وأفطر شهر رمضان، والولاية صحيحا كان أو مريضا أو ذا مال أو لا مال له فهي لازمة واجبة?().

إفطار رمضان من الكبائر

ثم إن صيام شهر رمضان من أهم الفرائض وتركه من غير عذر من أشد الكبائر، حيث ورد في الحديث: ?ومن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا خرج من الإيمان?().

صوم رمضان يكفيك

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إذا جئت بالخمس الصلوات لم تسأل عن صلاة، وإذا جئت بصوم شهر رمضان لم تسأل عن صوم?().

من آداب الصائم

عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله لجابر بن عبد الله: ?يا جابر هذا شهر رمضان، من صام نهاره، وقام وردا من ليله، وعف بطنه وفرجه وكف لسانه، خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر?.

فقال جابر: يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?يا جابر وما أشد هذه الشروط?().

توبة من الله

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?كان علي بن الحسين عليه السلام يصل ما بين شعبان ورمضان ويقول: صوم شهرين متتابعين توبة من الله?().

مع نفر من اليهود

روي عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: ?جاء نفر من اليهود إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فسأله أعلمهم عن مسائل، فكان فيما سأله أنه قال له: لأي شي ء فرض الله عزوجل الصوم علي أمتك بالنهار ثلاثين يوما وفرض الله علي الأمم أكثر من ذلك؟ فقال النبي صلي الله عليه و اله: إن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله علي ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله عزوجل عليهم، وكذلك كان علي آدم عليه السلام ففرض الله ذلك علي أمتي، ثم تلا هذه الآية ? كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ ? أَيّاماً مّعْدُودَاتٍ ?().

قال اليهودي: صدقت يا محمد فما جزاء من صامها؟

فقال النبي صلي الله عليه و اله: ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله تبارك وتعالي له سبع خصال، أولها يذوب الحرام في جسده، والثانية يقرب من رحمة الله عزوجل، والثالثة يكون قد كفر خطيئة آدم أبيه عليه السلام، والرابعة يهون الله عليه سكرات الموت، والخامسة أمان من الجوع والعطش يوم القيامة، والسادسة يعطيه الله براءة من النار، والسابعة يطعمه الله عزوجل من طيبات الجنة، قال صدقت يا محمد?().

الأنبياء عليهم السلام والصيام

عن حفص بن غياث النخعي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ?إن شهر رمضان لم يفرض الله صيامه علي أحد من الأمم قبلنا? فقلت له: فقول الله عزوجل: ? يَا أيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ ?() قال: ?إنما فرض الله صيام شهر رمضان علي الأنبياء دون

الأمم ففضل به هذه الأمة وجعل صيامه فرضا علي رسول الله صلي الله عليه و اله وعلي أمته?().

السحور مستحب

عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن السحور لمن أراد الصوم أواجب هو عليه؟ فقال: ?لا بأس بأن لا يتسحر إن شاء، وأما في شهر رمضان فإنه أفضل أن يتسحر، نحب أن لا يترك في شهر رمضان?().

من فطر صائما

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?من فطر صائما فله مثل أجره?().

أفضل من الصيام

عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: ?فطرك أخاك الصائم أفضل من صيامك?().

هاتوا القصاع

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?كان علي بن الحسين عليه السلام إذا كان اليوم الذي يصوم فيه أمر بشاة فتذبح وتقطع أعضاءً وتطبخ، فإذا كان عند المساء أكب علي القدور حتي يجد ريح المرق وهو صائم ثم يقول: هاتوا القصاع اغرفوا لآل فلان واغرفوا لآل فلان ثم يؤتي بخبز وتمر فيكون ذلك عشاءه صلي الله عليه وعلي آبائه?().

إفطارك أخاك المسلم

عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: ?دخل سدير علي أبي عليه السلام في شهر رمضان فقال: يا سدير هل تدري أي الليالي هذه؟

فقال: نعم فداك أبي هذه ليالي شهر رمضان فما ذاك؟

فقال له: أتقدر علي أن تعتق في كل ليلة من هذه الليالي عشر رقبات من ولد إسماعيل؟

فقال له سدير: بأبي أنت وأمي لا يبلغ مالي ذاك.

فما زال ينقص حتي بلغ به رقبة واحدة، في كل ذلك يقول: لا أقدر عليه.

فقال له: فما تقدر أن تفطر في كل ليلة رجلا مسلما؟

فقال له: بلي وعشرة.

فقال له أبي عليه السلام: فذاك الذي أردت يا سدير، إن إفطارك أخاك المسلم يعدل رقبة من ولد إسماعيل عليه السلام ?().

شهر رمضان ربيع القرآن

شهر رمضان المبارك هو ربيع القرآن، فعن أبي جعفر عليه السلام قال: ?لكل شي ء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان?().

ومن اللازم علي الإنسان في هذا الشهر أن يجدّد عهده بالقرآن العظيم، قراءةً وفهماً وتدبراً، وعملاً ونشراً بين الناس ودعوة إليه.

وينبغي الاهتمام بعقد ندوات ومؤتمرات وحلقات وهيئات حول القرآن الكريم، ومن أهمّ مصاديق الاهتمام بالقرآن هو السعي لنشره ثقافة وفكرا ومنهجاً بين الناس: المسلمين وغيرهم، فإنّ القرآن نزل لهداية المسلمين وغيرهم بنصّ القرآن نفسه حيث قال سبحانه: ?إِنّ هََذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ?().

وقال تعالي: ?شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِيَ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًي لّلنّاسِ?().

الآيات المنسية

وأخيراً لابدّ من العمل بكلّ أحكام القرآن، فإنّ بعض أحكامه تركت كلّياً، ومنها الأحكام التالية:

الأمة الواحدة

حكم (الأُمّة الواحدة)، قال تعالي: ? إِنّ هََذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ?().

فلا حدود جغرافية من أوّل بلاد الإسلام إلي آخرها، وعليه يمكن للمسلم أن يسافر من طنجة() إلي جاكرتا()، ومن داغستان إلي ليبيا() بدون رخصة أو إجازة أو تأشيرة أو ضريبة، كما كان الحال كذلك إلي ما قبل ستّين سنة ممّا أذكره أنا، فقد كان الناس يأتون إلي العراق من إيران والهند وأفغانستان، ومن مختلف بلاد الخليج والحجاز وسوريا وغيرها، ويرجعون كذلك إلي بلادهم وكأنّهم في قطر واحد.

آية الحرية

وحكم (الحرية) حيث كانت سابقاً وفي البلاد الإسلامية الأُمور كلها حرّة باستثناء الحرام، لكلّ من يريد عملاً أو حيازة أو تعمير أرض، إذ كانت الأرض آنذاك حسب ما قاله الإمام الصادق عليه السلام: ?الأرض لله عزّوجلّ ولمن عمرها?().

وقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله بالنسبة إلي الأراضي وما شابهها: ?ثمّ هي لكم منّي?().

إن الإسلام أباح الأرض لكلّ من أرادها بقدر أن لا يتعدّي علي الآخرين، كما جعل الماء والهواء والنور كذلك، بدون ضريبة أو رخصة أو إجازة. وحال المعادن حال الأرض، فلكلّ من أراد منها شيئاً أن يأخذ بقدر حقّه بدون تعدٍ.

وقد أتاح القرآن الحكيم الحرّية لكلّ إنسان في كلّ الأُمور ما عدا المحرّمات.

قال سبحانه: ?وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ?().

وقد رأيت بنفسي المسلمين قبل ستّين سنة تقريباً كيف كانوا يتمتّعون بحرّياتهم دون أيّة مضايقة من الدولة وما أشبه.

نعم عند ما تُركت أحكام القرآن في النصف القرن الأخير، (تغيّرت البلاد ومن عليها) وصار المسلمون عبيد جهل ومتخلفين عن الركب في جميع نواحي الحياة، علماً أنّ القرآن الحكيم أخبر بذلك فقال عزّ من قائل: ?وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنّ له مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ

يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَيَ?() ولا علاج لهذا التأخر والضيق والضنك إلاّ بالرجوع إلي أحكام القرآن من جديد.

فاللازم أن يتخذ الإنسان من شهر رمضان المبارك فرصة للرجوع إلي القرآن الكريم وقوانينه المنسية، كما يلزم أن يراجع الإنسان نفسه ليصفي باطنه من الرذائل، ويستغفر ربه حتي يخف ظهره من الآثام.

وقد ورد في خطبة رسول الله صلي الله عليه و اله ?فإنّ الشقي من حرّم غفران الله في هذا الشهر?.

ولا يخفي أنّ المسلمين حُرموا من اليسر والسعة الإلهية في مناهج الله في الأرض وذلك بتركهم القرآن والعترة الطاهرة عليهم السلام، وقد يحرمون أخيراً من نعيم الله في الآخرة والعياذ بالله، والتي يمكن تحصيلها في هذا الشهر العظيم بالإنابة والتوبة والرجوع إلي الكتاب والعترة والتمسك بهما فإنها لن يفترقا حتي يردا الحوض علي رسول الله صلي الله عليه و اله.

نسأل الله سبحانه أن يوفّقنا للعمل بمراضيه وتجنب معاصيه حتي نؤتي سعة الدنيا وثواب الآخرة وهو المستعان.

قراءة القرآن بتدبر

ثم ينبغي للمؤمن أن يتلو كتاب الله وخاصة في شهر رمضان بتدبر، وأن يرتله ترتيلا، وإذا مر بآية الجنان سألها الله عزوجل، وإذا مر بآية النيران استعاذ بالله منها.

ففي الحديث: ?كان أصحاب محمد صلي الله عليه و اله يقرأ أحدهم القرآن في شهر أو أقل، إن القرآن لا يقرأ هذرمة ولكن يرتل ترتيلا، فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها وسل الله الجنة، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها وتعوذ بالله من النار?().

قراءة سورتي العنكبوت والروم

عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?من قرأ سورتي العنكبوت والروم في شهر رمضان في ليلة ثلاث وعشرين فهو والله يا أبا محمد من أهل الجنة، لا أستثني فيه أبدا ولا أخاف أن يكتب الله عليّ في يميني إثما، وإن لهاتين السورتين من الله مكانا?().

نزول القرآن

ومن ميزات شهر رمضان نزول القرآن فيه، وهذا لا ينافي نزوله منجماً في أكثر من عشرين سنة.

عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عزوجل: ?شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن?() وإنما أنزل في عشرين سنة بين أوله وآخره؟

فقال أبو عبد الله عليه السلام: ?نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلي البيت المعمور، ثم نزل في طول عشرين سنة?().

نزول الكتب السماوية

كما نزلت سائر الكتب السماوية في شهر رمضان أيضاً.

عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?نزلت التوراة في ست مضت من شهر رمضان، ونزل الإنجيل في اثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، ونزل الزبور في ليلة ثماني عشرة مضت من شهر رمضان، ونزل القرآن في ليلة القدر?().

وقال النبي صلي الله عليه و اله: ?نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من شهر رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وأنزل الزبور لثمانية عشر خلون من شهر رمضان، وأنزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان?().

كثرة الاستغفار والدعاء

إن شهر رمضان هو شهر الدعاء والاستغفار وقيام الليل، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ?عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء، فأما الدعاء فيدفع به عنكم البلاء، وأما الاستغفار فتمحي به ذنوبكم?().

وروي أنه ?كان علي بن الحسين عليه السلام إذا كان شهر رمضان لم يتكلم إلا بالدعاء والتسبيح والاستغفار والتكبير?().

أبواب السماء مفتحة

قال علي عليه السلام: ?لما حضر شهر رمضان قام رسول الله صلي الله عليه و اله فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أيها الناس كفاكم الله عدوكم من الجن والإنس، وقال ادعوني أستجب لكم ووعدكم الإجابة، ألا وقد وكل الله عزوجل بكل شيطان مريد سبعين من ملائكته فليس بمحلول حتي ينقضي شهركم هذا، ألا وأبواب السماء مفتحة من أول ليلة منه، ألا والدعاء فيه مقبول?().

أجهدوا أنفسكم

عن المسمعي أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يوصي ولده ويقول: ?إذا دخل شهر رمضان فأجهدوا أنفسكم، فإن فيه تقسم الأرزاق، وتكتب الآجال، وفيه يكتب وفد الله الذين يفدون إليه، وفيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر?().

تسبيح الزهراء عليها السلام

عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث نافلة شهر رمضان قال: ?سبح تسبيح فاطمة عليها السلام وهو (الله أكبر) أربعا وثلاثين مرة و(سبحان الله) ثلاثا وثلاثين مرة و(الحمد لله) ثلاثا وثلاثين مرة، فو الله لو كان شي ء أفضل منه لعلمه رسول الله صلي الله عليه و اله إياها?().

إذا أهل الشهر

عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: ?كان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا أهل هلال شهر رمضان استقبل القبلة ورفع يديه فقال: اللهمَّ أَهِله عَلَيْنَا بِالأمْنِ وَالإيمَانِ، وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ، وَالْعَافِيَةِ الْمُجَلِّلَةِ، وَالرِّزْقِ الْوَاسِعِ، وَدَفْعِ الأسْقَامِ، اللهمَّ ارْزُقْنَا صِيَامَهُ

وَقِيَامَهُ، وَتِلاوَةَ الْقُرْآنِ فِيهِ، اللهمَّ سَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا وَسَلِّمْنَا فِيهِ?().

إلي غيرها من الأدعية الخاصة بالليلة الأولي وسائر الليالي واليوم الأول وسائر الأيام، والأدعية المشتركة في الأيام واليالي والأسحار وعلي رأسها دعاء أبي حمزة الثمالي عن مولانا زين العابدين عليه السلام، المذكورة في كتب الأدعية،وقد ذكرنا جملة منها في كتاب (الدعاء والزيارة).

قيام الليل

قال رسول الله صلي الله عليه و اله في خطبة له: ?وجعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة كمن تطوع الصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور?().

شهر الغفران

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلي مثله من قابل، إلا أن يشهد عرفة?().

الصلوات المندوبة

من المستحب في شهر رمضان: القيام بما ورد فيها من الصلوات المندوبة وهي كثيرة.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن استطعت أن تصلي في شهر رمضان وغيره في اليوم والليلة ألف ركعة فافعل فإن عليا عليه السلام كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة?().

صل ما استطعت

عن أبي بصير قال: دخلنا علي أبي عبد الله عليه السلام فقال له أبو بصير: ما تقول في الصلاة في شهر رمضان؟ فقال: ?لشهر رمضان حرمة وحق لا يشبهه شي ء من الشهور، صل ما استطعت في شهر رمضان تطوعا بالليل والنهار، فإن استطعت أن تصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة فافعل، إن عليا عليه السلام في آخر عمره كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة، فصل يا أبا محمد زيادة في رمضان? فقلت: كم جعلت فداك؟ فقال: في عشرين ليلة تصلي في كل ليلة عشرين ركعة، ثماني ركعات قبل العتمة واثنتا عشرة ركعة بعدها سوي ما كنت تصلي قبل ذلك، فإذا دخل العشر الأواخر فصل ثلاثين ركعة في كل ليلة، ثماني ركعات قبل العتمة واثنتين وعشرين ركعة بعدها سوي ما كنت تفعل قبل ذلك?().

مائة ركعة

قال عليه السلام: ?من صلي ليلة النصف من شهر رمضان مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة عشر مرات بقل هو الله أحد، فذلك ألف مرة في مائة، لم يمت حتي يري في منامه مائة من الملائكة، ثلاثين يبشرونه بالجنة، وثلاثين يؤمنونه من النار، وثلاثين تعصمه من أن يخطئ، وعشرة يكيدون من كاده?().

زيادة الصلوات المندوبة

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?كان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا جاء شهر رمضان زاد في الصلاة وأنا أزيد فزيدوا?().

صلاة ليلة النصف

وفي الوسائل: (باب استحباب صلاة ليلة النصف من شهر رمضان عند قبر الحسين عليه السلام وكيفيتها)().

عن الصادق عليه السلام إنه قيل له: فما تري لمن حضر قبره يعني الحسين عليه السلام ليلة النصف من شهر رمضان؟ فقال: ?بخ بخ من صلي عند قبره ليلة النصف من شهر رمضان عشر ركعات من بعد العشاء من غير صلاة الليل، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و?قل هو الله أحد? عشر مرات واستجار بالله من النار، كتبه الله عتيقا من النار، ولم يمت حتي يري في منامه ملائكة يبشرونه بالجنة وملائكة يؤمنونه من النار?().

الأغسال والطهارة الروحية

قد ورد في شهر رمضان عدة أغسال مستحبة، منها ما ورد في الروايات التالية:

قال عليه السلام: ?غسل أول ليلة من شهر رمضان يستحب?().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: ?الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله ثم يصلي ويفطر?().

وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام: ?الغسل في سبعة عشر موطنا: ليلة سبع عشرة من شهر رمضان، وليلة تسع عشرة، وليلة إحدي وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين وفيها يرجي ليلة القدر?() الحديث.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?يستحب الغسل في أول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف منه?().

وعن الصادق عليه السلام قال: ?من اغتسل أول ليلة من شهر رمضان في نهر جار ويصب علي رأسه ثلاثين كفا من الماء طهر إلي شهر رمضان من قابل?().

وعن الصادق عليه السلام: ?من أحب أن لا تكون به الحكة فليغتسل أول ليلة من شهر رمضان فإنه من اغتسل أول ليلة منه لا يصيبه حكة إلي شهر رمضان القابل?().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?كان رسول الله صلي الله عليه و اله يغتسل في شهر رمضان في العشر الأواخر في

كل ليلة?().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?غسل إحدي وعشرين من شهر رمضان سنة?().

عن عيسي بن راشد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الغسل في شهر رمضان؟ فقال: ?كان أبي يغتسل في ليلة تسع عشرة وإحدي وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين?().

وفي الفقيه: (باب الغسل في الليالي المخصوصة في شهر رمضان وما جاء في العشر الأواخر وفي ليلة القدر)().

مما أعطي هذه الأمة

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا لم تعطها أمة نبي قبلي، إذا كان أول يوم منه نظر الله إليهم، فإذا نظر الله عزوجل إلي شي ء لم يعذبه بعدها، وخلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله عزوجل من ريح المسك، تستغفر لهم الملائكة في كل يوم وليلة منه، ويأمر الله عزوجل جنته فيقول: تزيني لعبادي المؤمنين فيوشك أن يستريحوا من نصب الدنيا وأذاها إلي جنتي وكرامتي، فإذا كان آخر ليلة منه غفر الله عز وجل لهم جميعا?().

العجب كل العجب

نظر الحسن بن علي عليه السلام إلي أناس في يوم فطر يلعبون ويضحكون فقال لأصحابه والتفت إليهم: ?إن الله عزوجل جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلي رضوانه، فسبق فيه قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب كل العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخيب فيه المقصرون، وأيم الله لو كشف الغطاء لشغل محسن بإحسانه ومسيء بإساءته?().

العتقاء من النار

عن أبي جعفر عليه السلام قال: ?إن لله عزوجل عند فطر كل ليلة من شهر رمضان عتقاء يعتقهم من النار، إلا من أفطر علي مسكر، ومن شرب مسكرا لم تحتسب له صلاته أربعين يوما فإن مات فيها مات ميتة جاهلية?().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إن لله في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار إلا من أفطر علي مسكر أو مشاحن أو صاحب شاهين? قال: قلت: وأي شي ء صاحب شاهين؟ قال: ?الشطرنج?().

وفي آخر ليلة

عن محمد بن مروان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ?إن لله عزوجل في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء وطلقاء من النار، إلا من أفطر علي مسكر فإذا كان في آخر ليلة منه أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه?().

العطف علي الآخرين

يستحب العطف علي الآخرين وخاصة في شهر رمضان المبارك، قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء?().

وروي عن ابن عباس: ?كان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطي كل سائل?().

هكذا كان علي بن الحسين عليه السلام

إن رسول الله صلي الله عليه و اله وأئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا يهتمون بشهر رمضان اهتماماً بالغاً وهم أسوة لنا في ذلك.

عن أبي عبد الله عليه السلام: ?كان علي بن الحسين عليه السلام إذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبدا له ولا أمة الحديث وهو طويل وفيه : أنه كان يكتب جناياتهم في كل وقت ويعفو عنهم في آخر ليلة من الشهر، ثم يقول: اذهبوا فقد عفوت عنكم وأعتقت رقابكم?. قال: ?وما من سنة إلا وكان يعتق فيها في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين رأسا إلي أقل أو أكثر، وكان يقول: إن لله عزوجل في كل ليلة من شهر رمضان عند الإفطار سبعين ألف ألف عتيق من النار كل قد استوجب النار، فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه، وإني لأحب أن يراني الله وقد أعتقت رقابا في ملكي في دار الدنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار، وما استخدم خادما فوق حول كان إذا ملك عبدا في أول السنة أو في وسط السنة إذا كان ليلة الفطر أعتق واستبدل سواهم في الحول الثاني ثم أعتق،كذلك كان يفعل حتي لحق بالله،ولقد كان يشتري السودان وما به إليهم من حاجة،يأتي بهم عرفات فيسد بهم تلك الفرج والخلال فإذا أفاض أمر بعتق رقابهم وجوائز لهم من

المال?().

فصل: مناسبات شهر رمضان

فصل: مناسبات شهر رمضان

شهد شهر رمضان المبارك الكثير من المناسبات الدينية، وينبغي للمؤمنين الالتفات إليها والاهتمام بها، ونشير في هذا الكتاب باختصار إلي بعضها:

وفاة السيّدة خديجة عليها السلام

في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك في السنة العاشرة من البعثة النبوية توفيت أفضل نساء النبي صلي الله عليه و اله أم المؤمنين السيّدة خديجة بنت خويلد عليها السلام، علي بعض الروايات.

قال الشيخ البهائي في (توضيح المقاصد): إنّ وفاتها كانت في اليوم الأوّل من شهر رمضان في السنة العاشرة من البعثة الشريفة، وقد كان عمرها الشريف آنذاك 65 عاماً()، وكما في التاريخ: إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله نزل في قبرها وكفنها بعباءته.

وقيل: إنّ وفاتها كانت في العاشر من شهر رمضان.

وقيل: في شعبان().

وقد ورد أن السيدة خديجة بنت خويلد عليها السلام بعثت إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وذلك لما رأت من صدق حديثه، وعظيم أمانته، وكرم أخلاقه، وعرضت عليه مسألة الزواج، فقالت له: يا ابن عم، إني قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك، وسطتك فيهم، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك. وكانت خديجة عليها السلام امرأة حازمة لبيبة شريفة، وهي يومئذ أوسط قريش نسباً، وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً، وكل قومها قد كان حريصاً علي ذلك ولم يقدروا عليه. فلما قالت لرسول الله صلي الله عليه و اله ما قالت ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه منهم حمزة بن عبد المطلب، حتي دخل علي خويلد بن أسد، فخطبها إليه فتزوجها رسول الله صلي الله عليه و اله علي اثنتي عشرة أوقية ذهباً،

وهي يومئذ ابنة ثماني وعشرين سنة، وهو ابن خمس وعشرين سنة.

وقيل: كان لها أربعون سنة وله صلي الله عليه و اله خمس وعشرون سنة وقد أرجعها الله

شابة كرامة لرسوله الكريم صلي الله عليه و اله كما أرجع زليخا شابة لما تزوجها يوسف عليه السلام بأمر من الله عزوجل في قصة مفصلة.

كانت السيدة خديجة عليها السلام أول مؤمنة بالله ورسول الله صلي الله عليه و اله من بين النساء، وقد صدقت بما جاء الرسول صلي الله عليه و اله من الله وواسته بأموالها كلها، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله لا يسمع شيئاً يكرهه، من ردٍ عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله ذلك عن رسول الله صلي الله عليه و اله بها إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتهون عليه أمر الناس حتي ماتت رحمها الله.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أفضل نساء الجنة أربع: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون?().

وروي: أن جبرئيل عليه السلام أتي النبي صلي الله عليه و اله فسأل عن خديجة فلم يجدها، فقال: ?إذا جاءت فأخبرها أن ربها يقرئها السلام?().

وروي: أن جبرئيل عليه السلام أتي النبي صلي الله عليه و اله فقال: ?هذه خديجة قد أتتك معها إناء مغطي فيه أدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشّرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب?().

وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?إن جبرئيل قال لي ليلة أسري بي حين رجعت وقلت: يا جبرئيل هل لك حاجة؟ قال: حاجتي أن تقرأ علي خديجة من الله ومني السلام? وحدثنا عند ذلك أنها قالت حين لقاها النبي صلي الله عليه و اله فقال لها الذي

قال جبرئيل، فقالت: إن الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام وعلي جبرئيل السلام?().

وكانت السيدة خديجة عليها السلام قد ولدت لرسول الله صلي الله عليه و اله بنين وبنات، فكل أولاده صلي الله عليه و اله منها، ماعدا إبراهيم فإنه من مارية القبطية، فالذكور من ولده هم:

القاسم: وبه كان يُكنّي، وهو أكبر ولده صلي الله عليه و اله، ويدعي بالطاهر.

عبد الله: ويدعي بالطيّب.

وأما بناته منها فأربع:

زينب ورُقَية وأم كلثوم، وذهب بعض إلي أن بعضهنّ كنّ متبنيات للنبي صلي الله عليه و اله، وفاطمة عليها السلام وهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.

واختلف الرواة في تحديد وفاة السيدة خديجة عليها السلام بالضبط، ولكن الذي لا اختلاف فيه هو: أنها توفيت وأبو طالب في عام واحد فسمي رسول الله صلي الله عليه و اله ذلك العام عام الحزن لما دخله من الوجد عليهما.

وقبر السيدة خديجة عليها السلام معروف بمكة المكرمة في مقبرة الحجون (جنة المعلي) ويقع في سفح الجبل وقد قام الوهابيون بهدم القبر الشريف، ويلزم السعي لإعادة بنائه فإنه من تعظيم شعائر الله عزوجل.

ولاية العهد

في اليوم الثاني من شهر رمضان عام 201ه تم تفويض ولاية العهد للإمام الرضا عليه السلام.

وكانت هذه خطة من المأمون العباسي للسيطرة علي الأمور، فإن الناس عرفوا بعض منزلة أهل البيت عليهم السلام وأحقيتهم بالأمر، وأنهم خلفاء رسول الله صلي الله عليه و اله، فلم يتحملوا المزيد من ظلم بني العباس للعلويين وآل البيت عليهم السلام، فأراد المأمون أن يبقي علي ملكه بهذه الحيلة، ولذلك لم يقبل الإمام عليه السلام بولاية العهد، فأجبره المأمون وهدده بالقتل فقبل مكرهاً وشرط عدم التدخل في أي من شؤون الدولة فقال: (وأنا أقبل ذلك علي أني

لا أولي أحداً ولا أعزل أحداً، ولا أنقض رسماً ولا سنة) ().

وقبل ذلك قال المأمون للإمام الرضا عليه السلام: فإني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة، وأجعلها لك وأبايعك.

فقال له الرضا عليه السلام: ?إن كانت هذه الخلافة لك، والله جعلها لك، فلا يجوز لك أن تخلع لباساً ألبسك الله وتجعله لغيرك. وإن كانت الخلافة ليست لك، فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك?().

وقد استطاع الإمام عليه السلام أن يسلب الشرعية من المأمون بهذا القول وبتلك الشروط من عدم التدخل في شؤون الدولة.

عن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال: أشار الفضل بن سهل علي المأمون أن يتقرب إلي الله عزوجل وإلي رسوله صلي الله عليه و اله بصلة رحمه بالبقية، بالعهد لعلي بن موسي الرضا عليه السلام ليمحو بذلك ما كان من أمر أبيه فيهم، وما كان يقدر علي خلافه في شي ء. فوجه من خراسان برجاء بن أبي الضحاك وياسر الخادم ليشخصا إليه محمد بن جعفر بن محمد وعلي بن موسي بن جعفر عليه السلام، وذلك في سنة مائتين. فلما وصل علي بن موسي عليه السلام إلي المأمون وهو بمرو، ولاه العهد من بعده، وأمر للجند رزق سنة، وكتب إلي الآفاق بذلك، وضرب الدراهم باسمه، وأمر الناس بلبس الخضرة وترك السواد، وزوجه ابنته أم حبيب، وزوج ابنه محمد بن علي عليه السلام ابنته أم الفضل بنت المأمون، وتزوج هو ببوران بنت الحسن بن سهل، زوجه بها عمها الفضل، وكان كل هذا في يوم واحد، وما كان يحب أن يتم العهد للرضا عليه السلام بعده.

قال الصولي: وقد صح عندي ما حدثني به أحمد بن عبيد الله من جهات منها: أن عون بن

محمد حدثني عن الفضل بن سهل النوبختي، أو عن أخ له قال: لما عزم المأمون علي العقد للرضا عليه السلام بالعهد. قلت: والله لأعتبرن ما في نفس المأمون من هذا الأمر، أيحب إتمامه أو هو تصنع به؟. فكتبت إليه علي يد خادم له، كان يكاتبني بأسراره علي يده، وقد عزم ذو الرئاستين علي عقد العهد، والطالع السرطان وفيه المشتري، والسرطان وإن كان شرف المشتري، فهو برج منقلب لا يتم أمر ينعقد فيه، ومع هذا فإن المريخ في الميزان الذي هو الرابع، ووتد الأرض في بيت العاقبة، وهذا يدل علي نكبة المعقود له، وعرّفته ذلك لئلا يعتب عليَّ إذا وقف علي هذا من غيري.

فكتب إليَّ إذا: قرأت جوابي إليك فاردده إليَّ مع الخادم، ونفسك أن يقف أحد علي ما عرفتنيه، أو أن يرجع ذو الرئاستين عن عزمه، فإنه إن فعل ذلك ألحقت الذنب بك، وعلمت أنك سببه.

قال: فضاقت عليَّ الدنيا، وتمنيت أني ما كنت كتبت إليه، ثم بلغني أن الفضل بن سهل ذا الرئاستين، قد تنبه علي الأمر ورجع عن عزمه. وكان حسن العلم بالنجوم، فخفت والله علي نفسي وركبت إليه، فقلت له: أتعلم في السماء نجماً أسعد من المشتري؟.

قال: لا.

قلت: أفتعلم أن في الكواكب نجماً يكون في حال أسعد منها في شرفها؟.

قال: لا.

قلت: فأمض العزم علي ذلك إذ كنت تعقده، وسعد الفلك في أسعد حالاته، فأمض الأمر علي ذلك، فما علمت أني من أهل الدنيا حتي وقع العهد فزعاً من المأمون().

وعن أبي الصلت الهروي قال: إن المأمون قال للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله، قد عرفت علمك وفضلك وزهدك وورعك وعبادتك، وأراك أحق بالخلافة مني؟.

فقال الرضا عليه السلام: ?بالعبودية لله عزوجل أفتخر، وبالزهد في

الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله عز وجل?.

فقال له المأمون: فإني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة، وأجعلها لك وأبايعك.

فقال له الرضا عليه السلام: ?إن كانت هذه الخلافة لك، والله جعلها لك، فلا يجوز لك أن تخلع لباساً ألبسك الله وتجعله لغيرك. وإن كانت الخلافة ليست لك، فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك?.

فقال له المأمون: يا ابن رسول الله، فلا بد لك من قبول هذا الأمر. فقال: ?لست أفعل ذلك طائعاً أبداً?.

فما زال يجهد به أياماً حتي يئس من قبوله. فقال له: فإن لم تقبل الخلافة، ولم تجب مبايعتي لك، فكن ولي عهدي لتكون لك الخلافة بعدي.

فقال الرضا عليه السلام: ?والله لقد حدثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و اله: أني أخرج من الدنيا قبلك مسموماً مقتولاً بالسم مظلوماً، تبكي عليَّ ملائكة السماء وملائكة الأرض، وأدفن في أرض غربة إلي جنب هارون?.

فبكي المأمون() ثم قال له: يا ابن رسول الله، ومن الذي يقتلك أو يقدر علي الإساءة إليك وأنا حي؟.

فقال الرضا عليه السلام: ?أما إني لو أشاء أن أقول لقلت من الذي يقتلني?.

فقال المأمون: يا ابن رسول الله، إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك، ودفع هذا الأمر عنك، ليقول الناس إنك زاهد في الدنيا؟.

فقال الرضا عليه السلام: ?والله ما كذبت منذ خلقني ربي عزوجل، وما زهدت في الدنيا للدنيا، وإني لأعلم ما تريد?.

فقال المأمون: وما أريد؟.

قال: ?الأمان علي الصدق?. قال: لك الأمان.

قال: ?تريد بذلك أن يقول الناس: إن علي بن موسي الرضا عليه السلام لم يزهد في الدنيا

بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً في الخلافة?.

فغضب المأمون ثم قال: إنك تتلقاني أبداً بما أكرهه وقد أمنت سطوتي، فبالله أقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلا أجبرتك علي ذلك، فإن فعلت وإلا ضربت عنقك.

فقال الرضا عليه السلام: ?قد نهاني الله تعالي أن ألقي بيدي التهلكة، فإن كان الأمر علي هذا فافعل ما بدا لك، وأنا أقبل ذلك علي أني لا أولي أحداً ولا أعزل أحداً، ولا أنقض رسماً ولا سنة، وأكون في الأمر من بعيد مشيراً?. فرضي منه بذلك، وجعله ولي عهده علي كراهة منه عليه السلام بذلك().

ثم دس المأمون السم إلي الإمام عليه السلام فقتله مسموماً مظلوماً وأخذ يتظاهر بالبكاء والنحيب وإقامة الحزن والعزاء علي الإمام عليه السلام.

وفاة الشيخ المفيد رحمة الله عليه

في اليوم الثالث من شهر رمضان عام 413ه توفي الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رحمة الله عليه.

هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام العكبري الملقب بالشيخ المفيد. من أجل مشايخ الشيعة، ولد ? في عام 336ه بأطراف بغداد، في أسرة عريقة في التشيع معروفة بالإحسان والطهارة. وقد أنهي دراساته الابتدائية في أسرته ومسقط رأسه، ثم سافر إلي بغداد واشتغل بتحصيل العلم عند الأساتذة والعلماء ليصبح بعد ذلك المقدم في علم الكلام والفقه والأصول، وكان من تلامذة ابن عقيل. وفضله أشهر من أن يوصف، انتهت رئاسة الإمامية إليه في وقته.

من أساتذته: ابن قولويه القمي، والشيخ الصدوق، وابن وليد القمي، وأبو غالب الزراري، وابن الجنيد الإسكافي، وأبو علي الصولي البصري، وأبو عبد الله الصفواني.

ومن تلامذته: السيد المرتضي علم الهدي، والسيد الرضي، والشيخ الطوسي، والنجاشي، وأبو الفتح الكراجكي، وأبو يعلي جعفر بن سالار.

وتبلغ مؤلفات الشيخ المفيد طبقاً

لما ذكر تلميذه البارز الشيخ الطوسي 200 مؤلف، منها: المقنعة، الفرائض الشرعية، أحكام النساء، الكلام في دلائل القرآن، وجوه إعجاز القرآن، النصرة في فضل القرآن، أوائل المقالات، نقض فضيلة المعتزلة، الإفصاح، الإيضاح.

ومن لطيف ما يروي عن الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمة الله عليه أنه قال: رأيت في المنام سنة من السنين كأني قد اجتزت في بعض الطرق فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثيرة فقلت: ما هذا؟

قالوا: هذه حلقة فيها رجل يقص.

فقلت: من هو؟ قالوا: عمر بن الخطاب.

ففرقت الحلقة، فإذا أنا برجل يتكلم علي الناس بشي ء لم أحصله فقطعت عليه الكلام وقلت: أيها الشيخ أخبرني ما وجه الدلالة علي فضل صاحبك أبي بكر عتيق بن أبي قحافة من قول الله تعالي ?ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ? ()؟

فقال: وجه الدلالة علي أبي بكر من هذه الآية في ستة مواضع:

الأول: أن الله تعالي ذكر النبي صلي الله عليه و اله وذكر أبا بكر فجعله ثانيه فقال: ?ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ?.

والثاني: أنه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد لتأليفه بينهما فقال: ?إِذْ هُما فِي الْغارِ?.

والثالث: أنه أضافه إليه بذكر الصحبة ليجمع بينهما فيما تقتضي الرتبة فقال: ?إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ?.

والرابع: أنه أخبر عن شفقة النبي صلي الله عليه و اله عليه ورفقه به لموضعه عنده فقال: ?لا تَحْزَنْ?.

والخامس: أنه أخبره أن الله معهما علي حد سواء ناصرا لهما ودافعا عنهما فقال: ?إِنَّ الله مَعَنا?.

والسادس: أنه أخبر عن نزول السكينة علي أبي بكر لأن رسول الله صلي الله عليه و اله لم تفارقه السكينة قط قال: ?فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ? فهذه ستة مواضع تدل علي فضل أبي بكر من آية الغار لا يمكنك

ولا لغيرك الطعن فيها.

فقلت له: حبرت بكلامك في الاحتجاج لصاحبك عنه، وإني بعون الله سأجعل جميع ما أتيت به ?كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ?():

أما قولك: إن الله تعالي ذكر النبي صلي الله عليه و اله وجعل أبا بكر ثانيه، فهو إخبار عن العدد، لعمري لقد كانا اثنين فما في ذلك من الفضل فنحن نعلم ضرورة أن مؤمنا ومؤمنا أو مؤمنا وكافرا اثنان فما أري لك في ذكر العدد طائلا تعتمده.

وأما قولك: إنه وصفهما بالاجتماع في المكان، فإنه كالأول لأن المكان يجمع المؤمن والكافر كما يجمع العدد المؤمنين والكفار وأيضا، فإن مسجد النبي صلي الله عليه و اله أشرف من الغار وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار، وفي ذلك قوله عزوجل: ?فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ? عَنِ الْيَمِينِ وعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ?() وأيضا فإن سفينة نوح قد جمعت النبي والشيطان والبهيمة، والمكان لا يدل علي ما أوجبت من الفضيلة، فبطل فضلان.

وأما قولك: إنه أضافه إليه بذكر الصحبة، فإنه أضعف من الفضلين الأولين لأن اسم الصحبة يجمع المؤمن والكافر، والدليل علي ذلك قول الله تعالي: ?قالَ له صاحِبُهُ وهُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا?() وأيضا فإن اسم الصحبة يطلق بين العاقل وبين البهيمة، والدليل علي ذلك من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم لقول الله عزوجل: ?وما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسانِ قَوْمِهِ?() أنهم سموا الحمار صاحبا فقالوا: إن الحمار مع الحمار مطية فإذا خلوت به فبئس الصاحب

و أيضا فقد سموا الجماد مع الحي صاحبا فقالوا ذلك في السيف وقالوا:

زرت هندا وذاك غير اختيار ومعي صاحب كتوم اللسان

يعني السيف، فإذا كان اسم الصحبة تقع بين المؤمن والكافر وبين

العاقل والبهيمة وبين الحيوان والجماد فأي حجة لصاحبك فيه.

وأما قولك: إنه قال ?لا تَحْزَنْ? فإنه وبال عليه ومنقصة له ودليل علي خطائه، لأن قوله (لا تَحْزَنْ) نهي وصورة النهي قول القائل لا تفعل، فلا يخلو أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية، فإن كان طاعة فإن النبي صلي الله عليه و اله لا ينهي عن الطاعات بل يأمر بها ويدعو إليها، وإن كان معصية فقد نهاه النبي صلي الله عليه و اله عنها وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنه نهاه.

وأما قولك: إنه قال ?إِنَّ الله مَعَنا? فإن النبي صلي الله عليه و اله قد أخبر أن الله معه وعبر عن نفسه بلفظ الجمع كقوله ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا له لَحافِظُونَ?() وقد قيل أيضا في هذا: إن أبا بكر قال: يا رسول الله حزني علي أخيك علي بن أبي طالب عليه السلام ما كان منه، فقال له النبي صلي الله عليه و اله ?لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنا? أي معي ومع أخي علي بن أبي طالب عليه السلام.

وأما قولك: إن السكينة نزلت علي أبي بكر فإنه ترك للظاهر، لأن الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيده بالجنود كذا يشهد ظاهر القرآن في قوله ?فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها? فإن كان أبو بكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود ففي هذا إخراج النبي صلي الله عليه و اله من النبوة، علي أن هذا الموضع لو كتمته علي صاحبك لكان خيرا له لأن الله تعالي أنزل السكينة علي النبي صلي الله عليه و اله في موضعين كان معه قوم مؤمنين فشركهم فيها فقال في أحد الموضعين: ?فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلي رَسُوله

وعَلَي الْمُؤْمِنِينَ وأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوي?() وقال في الموضع الآخر: ?ثُمَّ أَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلي رَسُوله وعَلَي الْمُؤْمِنِينَ وأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها?() ولما كان في هذا الموضع خصه وحده بالسكينة فقال ?فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ? فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة كما شرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين، فدل إخراجه من السكينة علي إخراجه من الإيمان، فلم يحر جوابا وتفرق الناس واستيقظت من نومي)().

وقد ورد للشيخ المفيد رحمة الله عليه من الناحية المقدسة (حرسها الله ورعاها) في أيام بقيت من صفر سنة عشر وأربعمائة هذه الرسالة الشريفة:

للأخ السديد والولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (أدام الله إعزازه) من مستودع العهد المأخوذ علي العباد، بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد، سلام عليك أيها المولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ونسأله الصلاة علي سيدنا ومولانا نبينا محمد وآله الطاهرين، ونعلمك أدام الله توفيقك لنصرة الحق، وأجزل مثوبتك علي نطقك عنا بالصدق، أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤديه عنا إلي موالينا قبلك، أعزهم الله بطاعته وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته، فقف أمدك الله بعونه علي أعدائه المارقين من دينه علي ما نذكره، واعمل في تأديته إلي من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله نحن، وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالي لنا من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا يحيط علمنا بأنبائكم، ولا يعزب عنا شي ء من أخباركم، ومعرفتنا بالزلل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلي ما كان السلف الصالح عنه شاسعا، ونبذوا

العهد المأخوذ منهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء، واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا علي انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حم أجله، ويحمي عليه من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا والله مُتِمُّ نُورِهِ … ولَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، اعتصموا بالتقية من شب نار الجاهلية يحششها عصب أموية تهول بها فرقة مهدية، أنا زعيم بنجاة من لم يرم منها المواطن الخفية وسلك في الطعن منها السبل الرضية، إذا حل جمادي الأولي من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون من الذي يليه، ستظهر لكم من السماء آية جلية، ومن الأرض مثلها بالسوية، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق، ويغلب من بعد علي العراق طوائف عن الإسلام مراق، يضيق بسوء فعالهم علي أهله الأرزاق، ثم تتفرج الغمة من بعده ببوار طاغوت من الأشرار، يسر بهلاكه المتقون الأخيار، ويتفق لمريدي الحج من الآفاق ما يأملونه علي توفير غلبة منهم واتفاق، ولنا في تيسير حجهم علي الاختيار منهم والوفاق، شأن يظهر علي نظام واتساق، فيعمل كل امرئ منكم ما يقرب به من محبتنا، وليتجنب ما يدنيه من كراهيتنا وسخطنا، فإن امرأ يبغته فجأة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم علي حوبة والله يلهمك الرشد ويلطف لكم بالتوفيق برحمته، نسخة التوقيع باليد العليا علي صاحبها السلام، هذا كتابنا عليك أيها الأخ الولي، والمخلص في ودنا الصفي، والناصر لنا الوفي، حرسك الله بعينه التي لا تنام فاحتفظ به ولا تظهر علي خطنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحدا، وأد ما فيه إلي

من تسكن إليه، وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين().

توفي الشيخ المفيد رحمة الله عليه عام 413 ه ببغداد عن 75 عاماً قضاها بالعلم والعمل، ودفن في الحرم الكاظمي المطهر بجوار الإمام الجواد عليه السلام وبقرب قبر أستاذه ابن قولويه. وقد حظي بتعظيم الناس وتقدير العلماء والفضلاء. يذكر الشيخ الطوسي الذي حضر تشييعه: بأن يوم وفاته كان يوماً لا نظير له، لكثرة من حضر لأداء الصلاة علي جنازته، والبكاء عليه من الصديق والعدو، حيث شيّعه ثمانون ألفاً وصلي عليه السيد المرتضي علم الهدي عليه السلام.

البيعة للإمام الرضا عليه السلام

في اليوم السادس من شهر رمضان عام 201ه تم بيعة الناس مع الإمام الرضا عليه السلام.

وقد سبق أن المأمون أكره الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام بولاية العهد وهدده بالقتل إن لم يقبل، وأخذ يتظاهر بحب الإمام وتعظيمه.

فأمر الفضل بن سهل ليعلم الناس برأي المأمون في علي بن موسي، وأنه قد ولاه عهده، وأمرهم بلبس الخضرة والعود لبيعته في الخميس الآخر، علي أن يأخذوا رزق سنة. فلما كان ذلك اليوم ركب الناس علي طبقاتهم، من القواد والحجاب والقضاة وغيرهم في الخضرة. وجلس المأمون ووضع للرضا وسادتين عظيمتين، حتي لحق بمجلسه وفرشه، وأجلس الرضا عليه السلام عليهما في الخضرة، وعليه عمامة وسيف، ثم أمر ابنه العباس بن المأمون يبايع له أول الناس، فرفع الرضا عليه السلام يده فتلقي بها وجه نفسه، وببطنها وجوههم. فقال له المأمون: ابسط يدك للبيعة. فقال الرضا عليه السلام: ?إن رسول الله صلي الله عليه و اله هكذا كان يبايع?. فبايعه الناس ويده فوق أيديهم.

ووضعت البدر وقامت الخطباء والشعراء، فجعلوا يذكرون فضل الرضا عليه السلام وما كان من المأمون في

أمره.

ثم دعا أبو عباد بالعباس بن المأمون، فوثب فدنا من أبيه فقبل يده وأمره بالجلوس. ثم نودي محمد بن جعفر بن محمد وقال له الفضل بن سهل: قم، فقام فمشي حتي قرب من المأمون فوقف ولم يقبل يده، فقيل له: امض فخذ جائزتك. وناداه المأمون: ارجع يا أبا جعفر إلي مجلسك. فرجع ثم جعل أبو عباد يدعو بعلوي وعباسي، فيقبضان جوائزهما حتي نفدت الأموال.

ثم قال المأمون للرضا عليه السلام اخطب الناس وتكلم فيهم: ?فحمد الله وأثني عليه وقال: إن لنا عليكم حقاً برسول الله، ولكم علينا حقاً به، فإذا أديتم إلينا ذلك، وجب علينا الحق لكم?.

ولم يذكر عنه غير هذا في ذلك المجلس. وأمر المأمون فضربت له الدراهم، وطبع عليها اسم الرضا عليه السلام، وزوج إسحاق بن موسي بن جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد، وأمره فحج بالناس وخطب للرضا عليه السلام في كل بلد بولاية العهد. فروي أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثني يحيي بن الحسن العلوي قال: حدثني من سمع عبد الجبار بن سعيد يخطب في تلك السنة علي منبر رسول الله صلي الله عليه و اله بالمدينة فقال في الدعاء له: ولي عهد المسلمين علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام().

وفاة السيدة خديجة عليها السلام

علي بعض الروايات: توفيت أم المؤمنين السيدة خديجة عليها السلام أفضل نساء النبي صلي الله عليه و اله في اليوم العاشر من شهر رمضان عام 3 قبل الهجرة، وقيل كان وفاتها في اليوم الأول منه، وقيل في شهر شعبان()، وقد مر نبذة عن حياتها (صلوات الله عليها).

موت الحجاج

في اليوم الثالث عشر من شهر رمضان عام 95 ه مات الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي.

هو الحجاج بن يوسف() بن أبي عقيل بن() مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، ولد في سنة تسع وثلاثين، وقيل: في سنة أربعين، وقيل: في سنة إحدي وأربعين. وذكر المؤرخون:

أنه ولد ولا مخرج له حتي فتق له مخرج، وأنه لم يرتضع أياماً حتي سقوه دم جدي ثم دم سالخ() ولطخ وجهه بدمه فارتضع، وكان ولوعاً بسفك الدماء، لأنه أول ما ارتضع ذلك الدم الذي لطخ به وجهه. وكان في سيفه رهق، وكان كثير قتل النفوس التي حرمها الله بأدني شبهة، وكان يغضب غضب الملوك. أمه الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي.

كان الحجاج وأبوه يعلمان الغلمان بالطائف، ثم قدم دمشق فكان عند روح بن زنباع وزير عبد الملك، فشكا عبد الملك إلي روح أن الجيش لا ينزلون لنزوله ولا يرحلون لرحليه، فقال روح: عندي رجل توليه ذلك، فولي عبد الملك الحجاج أمر الجيش، فكان لا يتأخر أحد في النزول والرحيل، حتي اجتاز إلي فسطاط روح بن زنباع وهم يأكلون فضربهم وطوف بهم وأحرق الفسطاط، فشكا روح ذلك إلي عبد الملك، فقال للحجاج: لم صنعت هذا؟. فقال: لم أفعله إنما فعله أنت، فإن يدي يدك وسوطي سوطك، وما ضرك إذا أعطيت روحاً

فسطاطين بدل فسطاطه، وبدل الغلام غلامين، ولا تكسرني في الذي وليتني؟. ففعل ذلك وتقدم الحجاج عنده، فولاه الحجاز فقتل ابن الزبير، ثم عزله عنها وولاه العراق. وكان أول عمل وليه الحجاج هو تبالة، فسار إليها فلما قرب منها قال للدليل: أين تبالة وعلي أي سمت هي?. فقال: ما يسترها عنك إلا هذه الأكمة. فقال: لا أراني أميراً علي موضع تستره عني هذه الأكمة، أهون بها ولاية!. وكر راجعاً ولم يدخلها. فقيل هذا المثل: أهون من تبالة علي الحجاج().

قالوا: إن الحجاج دخل علي أسماء بنت أبي بكر بعد ما قتل ابنها عبد الله فقال: إن ابنك ألحد في هذا البيت، وإن الله أذاقه من عذاب أليم وفعل.

فقالت: كذبت، كان براً بوالديه، صواماً قواماً، والله لقد أخبرنا رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أنه يخرج من ثقيف كذابان الآخر منهما شر من الأول وهو مبير?. وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله نهي عن المثلة، وسمعته يقول: ?يخرج من ثقيف رجلان كذاب ومبير?. قالت: فقلت للحجاج: أما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت هو يا حجاج.

وقالوا: إن الحجاج خطب يوما فقال: أيها الناس الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر علي عذاب الله. فقام إليه رجل فقال له: ويحك يا حجاج ما أصفق وجهك وأقل حياءك، تفعل ما تفعل وتقول مثل هذا الكلام؟ خبث وضل سعيك.

فقال للحرس: خذوه، فلما فرغ من خطبته قال له: ما الذي جرأك عليَّ؟.

فقال: ويحك يا حجاج، أنت تجترئ علي الله ولا اجترئ أنا عليك، ومن أنت حتي لا أجترئ عليك وأنت تجترئ علي الله رب العالمين.

وأنكر يوماً أن يكون الحسين عليه السلام من ذرية

رسول الله صلي الله عليه و اله لأنه ابن بنته، فقال له يحيي بن يعمر: كذبت!

فقال الحجاج: لتأتيني علي ما قلت بينة من كتاب الله أو لأضربن عنقك.

فقال: قال الله: ?ومن ذريته داود وسليمان? إلي قوله ?وزكريا ويحيي وعيسي?() فعيسي من ذرية إبراهيم، وهو إنما ينسب إلي أمه مريم، والحسين ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و اله.

فقال الحجاج: صدقت، ونفاه إلي خراسان.

وكان الحجاج يلحن في حروف من القرآن، أنكرها يحيي بن يعمر، منها أنه كان يبدل إن المكسورة بأن المفتوحة وعكسه، وكان يقرأ: ?قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم? إلي قوله ?أحب إليكم?() فيقرأها برفع أحب.

هلك الحجاج في العاشر من شهر رمضان سنه خمس وتسعين من الهجرة، وكانت مدة حكومته في العراق عشرين سنة، وبلغ عدد من قتلهم بالظلم والعدوان مائة ألف وعشرين ألفاً، وكان في حبسه يوم موته خمسون ألف رجلاً وثلاثون ألف امرأة، وكان عمره ثلاثاً وخمسين سنة.

قتل المختار

في اليوم الرابع عشر من شهر رمضان عام 67ه قتل المختار الثقفي.

هو أبو إسحاق المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، من الزعماء الثائرين علي بني أمية، وأحد الشجعان الأفذاذ المطالبين بثارات الإمام الحسين عليه السلام من أهل الطائف، ولد في السنة الأولي للهجرة الشريفة. انتقل منها إلي المدينة مع أبيه في زمن عمر. توجه أبوه إلي العراق فاستشهد يوم الجسر، وبقي المختار في المدينة منقطعاً إلي بني هاشم. ثم كان مع أمير المؤمنين علي عليه السلام بالعراق، وسكن البصرة بعد علي عليه السلام. ولما قتل الإمام الحسين عليه السلام عدل عن عبيد الله بن زياد أمير البصرة فقبض عليه وجلده وحبسه ونفاه بشفاعة ابن عمر إلي الطائف.

لما مات يزيد (لعنه الله) سنة 64ه

توجه المختار إلي الكوفة وكان أكبر همه منذ دخل الكوفة أن يقتل من قاتلوا الحسين عليه السلام وقتلوه. فبايعه زهاء سبعة عشر ألف رجل سراً، فظهر بالكوفة ليلة الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة ست وستين فبايعه الناس علي كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه و اله والطلب بدم الحسين عليه السلام ودماء أهل بيته عليهم السلام والدفع عن الضعفاء. فتتبع قتلة الحسين عليه السلام، فقتل منهم شمر بن ذي الجوشن الذي باشر قتل الحسين عليه السلام، وخولي بن يزيد الذي سار برأسه إلي الكوفة، وعمر بن سعد بن أبي وقاص أمير الجيش الذي حاربه. وأرسل إبراهيم بن الأشتر في عسكر كثيف إلي عبيد الله بن زياد، الذي جهز الجيش لحرب الحسين عليه السلام، فقتل ابن زياد وقتل كثيرين ممن كان لهم ضلع في تلك الفاجعة.

وعلم المختار بأن عبد الله بن الزبير اشتد علي ابن الحنفية وابن عباس لامتناعهما عن بيعته في المدينة وأنه حصرهما ومن كان معهما في الشعب بمكة، فأرسل المختار عسكراً هاجم مكة وأخرجهما من الشعب، فانصرفا إلي الطائف، وحمد الناس له عمله. وعمل مصعب بن الزبير وهو أمير البصرة بالنيابة عن أخيه عبد الله، علي خضد شوكة المختار، فقاتله. استمرت إمارة المختار مدة ستة عشر شهراً، وانتهت باستشهاده بالكوفة ومن كان معه، ودخول مصعب بن الزبير سنة 67ه.

عن المنهال بن عمرو قال دخلت علي علي بن الحسين عليه السلام منصرفي من مكة فقال لي: يا منهال ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي؟

فقلت: تركته حيا بالكوفة.

قال: فرفع يديه جميعا ثم قال عليه السلام: اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر النار.

قال المنهال: فقدمت

الكوفة وقد ظهر المختار بن أبي عبيدة الثقفي وكان لي صديقا فكنت في منزلي أياما حتي انقطع الناس عني وركبت إليه فلقيته خارجا من داره فقال: يا منهال لم تأتنا في ولايتنا هذه ولم تهنئنا بها ولم تشركنا فيها؟

فأعلمته أني كنت بمكة وأني قد جئتك الآن، وسايرته ونحن نتحدث حتي أتي الكناس فوقف وقوفا كأنه ينظر شيئا وقد كان أخبر بمكان حرملة بن كاهل فوجه في طلبه فلم يلبث أن جاء قوم يركضون وقوم يشتدون حتي قالوا: أيها الأمير البشارة قد أخذ حرملة بن كاهل، فما لبثنا أن جي ء به فلما نظر إليه المختار قال لحرملة: الحمد لله الذي مكنني منك ثم قال: الجزار الجزار.

فأتي بجزار فأمره بقتل حرملة.

فقلت: سبحان الله.

فقال لي: يا منهال إن التسبيح لحسن ففيم سبحت؟

فقلت: أيها الأمير دخلت في سفرتي هذه منصرفي من مكة علي علي بن الحسين عليه السلام فقال لي: يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي، فقلت: تركته حيا بالكوفة، فرفع يديه جميعا فقال: اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار.

فقال لي المختار: أسمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول هذا؟

فقلت: والله لقد سمعته يقول هذا.

قال: فنزل عن دابته وصلي ركعتين فأطال السجود، ثم قام فركب وقد احترق حرملة وركبت معه وسرنا فحاذيت داري فقلت: أيها الأمير إن رأيت أن تشرفني وتكرمني وتنزل عندي وتحرم بطعامي؟

فقال: يا منهال تعلمني أن علي بن الحسين عليه السلام دعا بأربع دعوات فأجابه الله علي يدي ثم تأمرني أن آكل هذا يوم صوم شكرا لله عزوجل علي ما فعلته بتوفيقه().

ورود أنه بعث ابن الأشتر برأس ابن زياد إلي المختار وأعيان من كان معه، فقدم بالرؤوس والمختار

يتغدي فألقيت بين يديه فقال: الحمد لله رب العالمين، وضع رأس الحسين بن علي عليه السلام بين يدي ابن زياد وهو يتغدي وأتيت برأس ابن زياد وأنا أتغدي.

قال: وانسابت حية بيضاء تخلل الرؤوس حتي دخلت في أنف ابن زياد وخرجت من أذنه ودخلت من أذنه وخرجت من أنفه، فلما فرغ المختار من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله ثم رمي بها إلي مولي له وقال: اغسلها فإني وضعتها علي وجه نجس كافر.

وخرج المختار إلي الكوفة وبعث برأس ابن زياد ورأس حصين بن نمير ورأس شرحبيل بن ذي الكلاع مع عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي وعبد الله بن شداد الجشمي والسائب بن مالك الأشعري وهم من قتلة الحسين عليه السلام إلي محمد بن الحنفية عليه السلام بمكة وعلي بن الحسين عليه السلام يومئذ بمكة، وكتب إليه معهم:

أما بعد، فإني بعثت أنصارك وشيعتك إلي عدوك يطلبونه بدم أخيك المظلوم الشهيد فخرجوا محتسبين محنقين أسفين فلقوهم دون نصيبين فقتلهم رب العباد والحمد لله رب العالمين الذي طلب لكم الثأر وأدرك لكم رؤساء أعدائكم فقتلهم في كل فج وغرقهم في كل بحر فشفي بذلك صدور قوم مؤمنين وأذهب غيظ قلوبهم.

وقدموا بالكتاب والرؤوس إليه، فبعث برأس ابن زياد إلي علي بن الحسين عليه السلام فأدخل عليه وهو يتغدي فقال علي بن الحسين عليه السلام: اُدخلت علي ابن زياد (لعنه الله) وهو يتغدي ورأس أبي بين يديه فقلت: اللهم لا تمتني حتي تريني رأس ابن زياد وأنا أتغدي، فالحمد لله الذي أجاب دعوتي، ثم أمر فرمي به، فحمل إلي ابن الزبير فوضعه ابن الزبير علي قصبة فحركتها الريح فسقط فخرجت حية من تحت الستار فأخذت بأنفه فأعادوا القصبة فحركتها

الريح فسقط فخرجت الحية فأزمت بأنفه ففعل ذلك ثلاث مرات، فأمر ابن الزبير فألقي في بعض شعاب مكة.

ولما جيء برأس عمر بن سعد كان ولده حفص عند المختار، فقال المختار لحفص أتعرف هذا؟

قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.

قال المختار: يا أبا عمرة ألحقه به، فقتله، فقال المختار: عمر بالحسين وحفص بعلي بن الحسين ولا سواء.

قال: واشتد أمر المختار بعد قتل ابن زياد وأخاف الوجوه وقال: لا يسوغ لي طعام ولا شراب حتي أقتل قتلة الحسين بن علي عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام وما من ديني أترك أحدا منهم حيا، وقال: أعلموني من شرك في دم الحسين وأهل بيته، فلم يكن يأتونه برجل فيقولون إن هذا من قتلة الحسين أو ممن أعان عليه إلا قتله.

وأتي المختار بعبد الله بن أسيد الجهني ومالك بن الهيثم البداني من كندة وحمل بن مالك المحاربي فقال: يا أعداء الله أين الحسين بن علي؟

قالوا: أكرهنا علي الخروج إليه.

قال: أفلا مننتم عليه وسقيتموه من الماء.

وقال للبداني: أنت صاحب برنسه لعنك الله.

قال: لا.

قال: بلي.

ثم قال: اقطعوا يديه ورجليه ودعوه يضطرب حتي يموت فقطعوه، وأمر بالآخرين فضربت أعناقهما.

وأتي بقراد بن مالك وعمر بن خالد وعبد الرحمن البجلي وعبد الله بن قيس الخولاني فقال لهم: يا قتلة الصالحين ألا ترون الله برئ منكم لقد جاءكم الورس بيوم نحس، فأخرجهم إلي السوق فقتلهم.

وبعث المختار معاذ بن هانئ الكندي وأبا عمرة كيسان إلي دار خولي بن يزيد الأصبحي وهو الذي حمل رأس الحسين عليه السلام إلي ابن زياد، فأتوا داره فاستخفي في المخرج فدخلوا عليه فوجدوه قد ركب علي نفسه قوصرة فأخذوه وخرجوا يريدون المختار فتلقاهم في ركب فردوه إلي داره وقتله عندها.

وطلب المختار شمر بن

ذي الجوشن فهرب إلي البادية فسعي به إلي أبي عمرة فخرج إليه مع نفر من أصحابه فقاتلهم قتالا شديدا فأثخنته الجراحة فأخذه أبو عمرة أسيرا وبعث به إلي المختار فضرب عنقه وأغلي له دهن في قدر فقذف فيها فتفسخ، ووطئ مولي لآل حارثة بن مضرب وجهه ورأسه.

ولم يزل المختار يتبع قتلة الحسين عليه السلام وأهله حتي قتل منهم خلقا كثيرا وهرب الباقون فهدم دورهم، وقتلت العبيد ومواليهم الذين قاتلوا الحسين عليه السلام وأتوا المختار فأعتقهم().

عن أبي جعفر عليه السلام قال: ?لا تسبوا المختار فإنه قد قتل قتلتنا وطلب بثأرنا وزوج أراملنا وقسم فينا المال علي العسرة?().

وقال أبو جعفر عليه السلام لأبي محمد الحكم بن المختار: ?رحم الله أباك رحم الله أباك ما ترك لنا حقا عند أحد إلا طلبه قتل قتلتنا وطلب بدمائنا?().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت حتي بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين صلوات الله عليه?().

وفي الحديث: إن علي بن الحسين عليه السلام لما أتي برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمرو بن سعد خر ساجدا وقال: ?الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي وجزي المختار خيرا?().

وعن الأصبغ بن نباتة قال: رأيت المختار علي فخذ أمير المؤمنين عليه السلام و هو يمسح رأسه ويقول: ?يا كيس يا كيس?().

ولادة الإمام الحسن عليه السلام

في ليلة النصف من شهر رمضان عام 2 وقيل 3 من الهجرة ولد الإمام الحسن المجتبي عليه السلام بن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وقد أتت به أمه الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام إلي جده رسول الله صلي الله عليه و اله في خرقة من حرير الجنة كان جبرئيل نزل بها، فسمّاه الرسول صلي

الله عليه و اله حسناً وعقّ عنه كبشاً.

وكان (صلوات الله عليه) أشبه الناس بالنبي صلي الله عليه و اله خلقاً وسؤدداً.

كنيته عليه السلام: أبو محمد وأبو القاسم.

وألقابه: السيد والسبط والأمير والحجة والبر والتقي والأثير والزكي والمجتبي والسبط الأول والزاهد.

عاش عليه السلام مع جده صلي الله عليه و اله سبع سنين وأشهراً، وقيل: ثمان سنين، ومع أبيه عليه السلام ثلاثين سنة، وبعده تسع سنين وقالوا: عشر سنين.

كان عليه السلام ربع القامة، وله محاسن كثة، وأصحابه أصحاب أبيه، وبوابه قيس بن ورقاء المعروف بسفينة، ورشيد الهجري، ويقال: وميثم التمار.

بويع عليه السلام بعد أبيه يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان في سنة أربعين. وكان أمير جيشه عبيد الله بن العباس ثم قيس بن سعد بن عبادة. كان عمره لما بويع سبعاً وثلاثين سنة، فبقي في خلافته أربعة أشهر وثلاثة أيام، ووقع الصلح بينه وبين معاوية في سنة إحدي وأربعين.

أولاده علي ما ورد ثلاثة عشر ذكراً وابنة واحدة وقيل أكثر: عبد الله وعمر والقاسم أمهم أم ولد، والحسين الأثرم والحسن أمهما خوله بنت منظور الفزارية، وعقيل والحسن أمهما أم بشير بنت أبي مسعود الخزرجية، وزيد وعمر من الثقفية، وعبد الرحمن من أم ولد، وطلحة وأبو بكر أمهما أم إسحاق بنت طلحة التميمي، وأحمد وإسماعيل والحسن الأصغر، ابنته أم الحسن فقط عند عبد الله، ويقال: وأم الحسين وكانتا من أم بشير الخزاعية، وفاطمة من أم إسحاق بنت طلحة، وأم عبد الله وأم سلمة ورقية لأمهات أولاد.

قتل من أولاده مع الحسين عليه السلام يوم عاشوراء: عبد الله والقاسم وأبو بكر. والمعقبون من أولاده اثنان: زيد بن الحسن، والحسن بن الحسن.

وكان معاوية قد بذل لزوجة الإمام وهي جعدة بنت محمد بن

الأشعث الكندي، وهي ابنة أم فروة أخت أبي بكر بن أبي قحافة عشرة آلاف دينار، وإقطاع عشرة ضياع من سقي سوراء، وسواد الكوفة علي أن تسم زوجها الإمام الحسن عليه السلام، فسمته وقبض عليه السلام مسموماً شهيداً بالمدينة بعد مضي عشر سنين من ملك معاوية، فكان في سني إمامته أول ملك معاوية، فمرض أربعين يوماً، ومضي لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة، وقيل: سنة تسع وأربعين. وعمره سبع وأربعون سنة وأشهر، وقيل: ثمان وأربعون، وقيل: في سنة خمسين من الهجرة.

تولي الإمام الحسين عليه السلام تغسيله وتكفينه ودفنه، وقبره الشريف بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد عليها السلام وقد قام الوهابيون بهدم هذه الأضرحة المباركة، ويلزم علي المسلمين السعي لإعادة بنائها.

رسول الحسين عليه السلام إلي الكوفة

في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان عام 60 ه أرسل الإمام الحسين عليه السلام رسوله وسفيره وثقته: مسلم بن عقيل عليه السلام إلي الكوفة، وكتب له كتاباً جاء فيه: ? وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل?().

وكان مسلم بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، من ذوي الرأي والعلم والشجاعة. أمه أم ولد يقال لها حيلة، وكان عقيل اشتراها من الشام. كان مقيماً بمكة. تزوج رقية بنت أمير المؤمنين عليه السلام فولدت له عبد الله قتل بالطف وعلياً ومحمداً.

لمسلم جلالة وعظمة، فقد ذكره رسول الله صلي الله عليه و اله قبل ولادته، فعن ابن عباس قال: قال علي عليه السلام لرسول الله صلي الله عليه و اله: ?يا رسول الله، إنك لتحب عقيلاً؟?.

قال: ?إي والله، إني لأحبه حبين، حباً له وحباً لحب أبي طالب له، وإن ولده مقتول في محبة ولدك فتدمع عليه

عيون المؤمنين، وتصلي عليه الملائكة المقربون?.

ثم بكي رسول الله صلي الله عليه و اله حتي جرت دموعه علي صدره ثم قال: ?إلي الله أشكو ما تلقي عترتي من بعدي?().

كان مسلم بصفين في ميمنة أمير المؤمنين عليه السلام مع الحسن والحسين ? وعبد الله بن جعفر. ويعد من أصحاب الحسين عليه السلام وسفيره إلي أهل الكوفة وأول مستشهد في سبيله.

فقد كتب الإمام الحسين عليه السلام مع هاني بن هاني وسعيد بن عبد الله وكانا آخر الرسل إلي أهل الكوفة: ?بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلي الملا من المؤمنين والمسلمين أما بعد، فإن هانياً وسعيداً قدما عليَّ بكتبكم وكانا آخر من قدم عليَّ من رسلكم، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلكم أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك علي الحق والهدي، وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل?().

وجه به الحسين عليه السلام إلي الكوفة مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبد الله السلولي وعبد الرحمن بن عبد الله الأزدي ليأخذ له البيعة علي أهلها، فخرج من مكة في منتصف شهر رمضان سنة ستين للهجرة، ودخل الكوفة في اليوم السادس من شهر شوال. فنزل دار المختار بن أبي عبيدة وأقبلت الشيعة تختلف إليه، فبايعه ثمانية عشر ألفاً، وقيل: خمس وعشرون ألفاً. فكتب مسلم إلي الحسين عليه السلام يخبره بذلك ويأمره بالقدوم. وعلي الكوفة يومئذ النعمان بن بشير من قبل يزيد. فكتب عبد الله بن مسلم الحضرمي إلي يزيد بن معاوية: أن مسلم بن عقيل قدم إلي الكوفة، فبايعته الشيعة للحسين بن علي، فإن كان لك في الكوفة حاجة، فابعث إليها رجلاً قوياً، فإن

النعمان بن بشير رجل ضعيف.

لما سمع مسلم بن عقيل بمجي ء ابن زياد إلي الكوفة ومقالته التي قالها، خرج من دار المختار حتي انتهي إلي دار هانئ بن عروة، فأقبلت الشيعة تختلف إليه سراً ونزل شريك بن الأعور دار هانئ بن عروة. فاستطاع ابن زياد أن يكتشف مقر مسلم بمعونة جاسوس أوهم مسلم بن عوسجة أنه من شيعة أهل البيت عليهم السلام، فقبض ابن زياد علي هاني بن عروة المرادي. فاضطر مسلم إلي إعلان حركته قبل موعدها المقرر.

خرج (رضوان الله عليه) بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين، فحاصر عبيد الله بن زياد في قصر الإمارة، ولكن سرعان ما تفرق الجمع وبقي مسلم وحيداً فلجأ إلي بيت السيدة طوعة التي آوته، وحين علم ابنها بلال بذلك أخبر عبد الرحمن بن الأشعث الذي أخبر ابن زياد، فأرسل قوة هاجمت مسلماً فخاض معها معركة قاسية أسر علي أثرها، فأقبلوا به أسيراً حتي أُدخل علي عبيد الله فلم يسلم عليه.

فقال له بعض الحرس: سلم علي الأمير.

فقال: اسكت ويحك ما هو لي بأمير.

فقال عبيد الله: لا عليك، سلمت أم لم تسلم فإنك مقتول.

قال: إن قتلتني فلقد قتل من هو شر منك من هو خير مني، فإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة لا أحد أولي بها منك.

نظر مسلم (رضوان الله عليه) إلي عمر بن سعد، فقال: لي إليك حاجة، وبيني وبينك رحم.

قال عبيد الله: انظر إلي حاجة ابن عمك.

فتنحيا بحيث لا يراهما أحد، فقال: إن عليَّ ديناً مذ دخلت الكوفة فاقضه عني، واطلب جثتي من ابن زياد ووارها، وابعث إلي الحسين من يرده ويحذره من أهل الكوفة، فإني لا أراه إلا مقبلاً.

فأخبر عمر بن سعد، عبيد الله

بن زياد بما قال.

فأمر اللعين بقتله فأصعد علي القصر. فضرب عنقه بكير بن حمران الأحمري وألقي جسده إلي الناس. وقتل معه هاني بن عروة وأمر بهما فقطع رأساهما فأرسل بهما إلي يزيد بن معاوية لعنه الله، وشدت الحبال في أرجلهما وجرا في أسواق الكوفة.

قتل (رضوان الله عليه) يوم الأربعاء لتسع خلون من ذي الحجة الحرام يوم عرفة، ودفن بالكوفة جنب المسجد، وله ضريح معروف باسمه يقصده الملايين لزيارته والدعاء والصلاة إلي الله تحت قبته.

معراج النبي صلي الله عليه و اله

في ليلة 17 من شهر رمضان المبارك، ستة أشهر قبل الهجرة كان إسراء النبي صلي الله عليه و اله من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي ومن ثم المعراج إلي السماوات.

قال تعالي: ? سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَيَ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَيَ الْمَسْجِدِ الأقْصَي الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ البَصِيرُ?().

روي القطب الراوندي في (الخرائج والجرائح) عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه: ?لما كان بعد ثلاث سنين من مبعثه صلي الله عليه و اله أسري به إلي بيت المقدس وعرج به منه إلي السماء ليلة المعراج، فلما أصبح من ليلته حدث قريشاً بخبر معراجه?().

وقيل: كان المسري قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً.

وقيل: ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة، من شعب أبي طالب إلي بيت المقدس.

وقيل: ليلة سبع وعشرين من رجب.

وقيل: كان الإسراء قبل الهجرة بسنة وشهرين وذلك سنة ثلاث وخمسين من عام الفيل.

وعن العدد القوية قال: في ليلة إحدي وعشرين من رمضان قبل الهجرة بستة أشهر كان الإسراء برسول الله صلي الله عليه و اله.

وقيل: ليلة الاثنين من شهر ربيع الأول بعد النبوة بسنتين.

والظاهر أنه تكرر المعراج للنبي صلي الله عليه و اله فكان منها في ليلة

17 من شهر رمضان المبارك، حيث روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?عرج بالنبي صلي الله عليه و اله إلي السماء مائة وعشرين مرة ما من مرة إلا وقد أوصي الله عزوجل فيها النبي صلي الله عليه و اله بالولاية لعلي والأئمة عليهم السلام أكثر مما أوصاه بالفرائض?().

وقال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: ?من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا المعراج والمساءلة في القبر والشفاعة?().

قصة المعراج

كان النبي صلي الله عليه و اله بمكة، فصلي المغرب في المسجد الحرام، ثم أسري به في ليلته إلي بيت المقدس، ومنه عرج به إلي السماء، ثم رجع فصلي الصبح في المسجد الحرام.

وقد وردت روايات كثيرة في قصة المعراج، ورواه كثير من الصحابة وأئمة أهل البيت عليهم السلام.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله(): ?أتاني جبرائيل عليه السلام وأنا بمكة، فقال: قم يا محمد. فقمت معه وخرجت إلي الباب، فإذا بجبرائيل ومعه ميكائيل وإسرافيل. فأتي جبرائيل عليه السلام بالبراق، وكان فوق الحمار ودون البغل، خده كخد الإنسان، وذنبه كذنب البقر، وعرفه كعرف الفرس، وقوائمه كقوائم الإبل، عليه رحل من الجنة، وله جناحان من فخذيه، خطوه منتهي طرفه. فقال: اركب، فركبت ومضيت حتي انتهيت إلي بيت المقدس?.

إلي أن قال: ?فلما انتهيت إلي بيت المقدس، إذا ملائكة نزلت من السماء بالبشارة والكرامة من عند رب العزة، وصليت في بيت المقدس. ثم أخذ جبرائيل عليه السلام بيدي إلي الصخرة فأقعدني عليها، فإذا معراج إلي السماء لم أر مثلها حسناً وجمالاً، فصعدت إلي السماء الدنيا، ورأيت عجائبها وملكوتها، وملائكتها يسلمون عليَّ. ثم صعد بي جبرائيل إلي السماء الثانية، فرأيت فيها عيسي بن مريم، ويحيي بن زكريا. ثم صعد بي إلي

السماء الثالثة، فرأيت فيها يوسف. ثم صعد بي إلي السماء الرابعة، فرأيت فيها إدريس. ثم صعد بي إلي السماء الخامسة، فرأيت فيها هارون. ثم صعد بي إلي السماء السادسة، فإذا فيها خلق كثير، يموج بعضهم في بعض، وفيها الكروبيون. ثم صعد بي إلي السابعة فأبصرت فيها خلقاً وملائكة. ثم جاوزناها متصاعدين إلي أعلي عليين?.

إلي أن قال: ?ثم كلمني ربي وكلمته، ورأيت الجنة والنار، ورأيت العرش وسدرة المنتهي. ثم رجعت إلي مكة فلما أصبحت، حدثت به بالناس فكذبني أبو جهل والمشركون?.

قال مطعم بن عدي: أتزعم أنك سرت مسيرة شهرين في ساعة، أشهد أنك كاذب. ثم قالت قريش: أخبرنا عما رأيت. فقال: ?مررت بعير بني فلان، وقد أضلوا بعيراً لهم وهم في طلبه، وفي رحلهم قعب مملو من ماء() فشربت الماء، ثم غطيته كما كان، فسألوهم هل وجدوا الماء في القدح?.

قالوا: هذه آية واحدة.

قال: ?ومررت بعير بني فلان، فنفرت بكرة فلان فانكسرت يدها فسألوهم عن ذلك?.

فقالوا: هذه آية أخري.

قالوا: فأخبرنا عن عيرنا؟.

قال: ?مررت بها بالتنعيم، تقدمها جمل أورق، عليه قرارتان محيطتان، ويطلع عليكم عند طلوع الشمس?.

قالوا: هذه آية أخري. ثم خرجوا يشتدون نحو التيه وهم يقولون: لقد قضي محمد بيننا وبينه قضاءً بيناً. وجلسوا ينتظرون حتي تطلع الشمس فيكذبوه. فقال قائل: والله إن الشمس قد طلعت. وقال آخر: والله هذه الإبل قد طلعت يقدمها بعير أورق، فبهتوا ولم يؤمنوا. وكان كما أخبرهم رسول الله صلي الله عليه و اله بقصة العير().

وفي تفسير العياشي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?لما أسري برسول الله صلي الله عليه و اله إلي السماء الدنيا، لم يمر بأحد من الملائكة إلا استبشر، قال: ثم مر بملك حزين كئيب فلم يستبشر

به. فقال: يا جبرائيل، ما مررت بأحد من الملائكة إلا استبشر بي إلا هذا الملك، فمن هذا؟.

فقال: هذا مالك خازن جهنم، وهكذا جعله الله.

قال: فقال له النبي صلي الله عليه و اله: يا جبرائيل، اسأله أن يرينيها.

قال: فقال جبرائيل عليه السلام: يا مالك، هذا محمد رسول الله صلي الله عليه و اله وقد شكا إليَّ فقال: ما مررت بأحد من الملائكة إلا استبشر بي إلا هذا، فأخبرته أن هكذا جعله الله، وقد سألني أن أسألك أن تريه جهنم؟.

قال: فكشف له عن طبق من أطباقها.

قال: فما رئي رسول الله صلي الله عليه و اله ضاحكاً حتي قبض?().

وعن أبي بصير قال: سمعته يقول: ?إن جبرائيل احتمل رسول الله صلي الله عليه و اله حتي انتهي به إلي مكان من السماء ثم تركه وقال له: ما وطأ نبي قط مكانك?().

البراق

عن أبي جعفر عليه السلام قال: ?أتي جبرئيل عليه السلام رسول الله صلي الله عليه و اله بالبراق أصغر من البغل وأكبر من الحمار مضطرب الأذنين، عينه في حافره وخطاه مد بصره، فإذا انتهي إلي جبل قصرت يداه وطالت رجلاه، فإذا هبط طالت يداه وقصرت رجلاه، أهدب العرف الأيمن، له جناحان من خلفه?().

من همّ بالحسنة

عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ?قال الله تعالي لنبيه صلي الله عليه و اله ليلة المعراج: وكانت الأمم السالفة إذا نوي أحدهم حسنة ثم لم يعملها لم تكتب له، وإن عملها كتبت له حسنة، وإن أمتك إذا همّ أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له عشرة، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك?().

المقصر في صلاته

عن رسول الله صلي الله عليه و اله في حديث طويل في المعراج وفيه: ?ورأيت جماعة أخذوا رجالا ويرضخون رؤوسهم بالحجارة وكلما تشدخ رؤوسهم تصح، ثم يعودون فيرضخونها بالحجارة وهكذا، فقلت: يا جبرئيل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يقصرون في صلاة الفريضة ويؤدونها كسالي وينامون عن صلاة العشاء?().

حب الله

عن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: ?قال الله تعالي له ليلة المعراج: يا أحمد ليس كل من قال أحب الله أحبني، حتي يأخذ قوتا، ويلبس دونا، وينام سجودا، ويطيل قياما، ويلزم صمتا، ويتوكل علي، ويبكي كثيرا، ويقل ضحكا، ويخالف هواه، ويتخذ المسجد بيتا، والزهد جليسا، والعلماء أحباء، والفقراء رفقاء … ? الحديث().

نور القرآن

قال النبي صلي الله عليه و اله: ?رأيت ليلة المعراج لوحين في أحدهما فاتحة الكتاب وفي الثاني جملة القرآن وتضي ء منه ثلاثة أنوار، فقلت: يا جبرئيل ما هذه الأنوار؟ قال: نور ?قل هو الله أحد? وسورة يس وآية الكرسي?().

الصلاة علي النبي وآله

عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: ?أسري بي ليلة المعراج إلي السماء فرأيت ملكا له ألف يد، لكل يد ألف إصبع، وهو يحاسب ويعد بتلك الأصابع فقلت لجبرئيل: من هذا الملك وما الذي يحاسبه؟

قال: هذا ملك موكل علي قطر المطر يحفظها كم قطرة تنزل من السماء إلي الأرض.

فقلت للملك: أنت تعلم مذ خلق الله الدنيا كم قطرة نزلت من السماء إلي الأرض؟

فقال: يا رسول الله فو الله الذي بعثك بالحق إلي خلقه غير أني أعلم كم قطرة نزلت من السماء إلي الأرض أعلم تفصيلا كم قطرة نزلت في البحر وكم قطرة نزلت في البر وكم قطرة نزلت في العمران وكم قطرة نزلت في البستان وكم قطرة نزلت في السبخة وكم قطرة نزلت في القبور.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله فتعجبت من حفظه وتذكره حسابه.

فقال يا رسول الله: حساب لا أقدر عليه بما عندي من الحفظ والتذكر والأيدي والأصابع!

فقال: أي حساب هو؟

فقال: قوم من أمتك يحضرون مجمعا فيذكر اسمك عندهم فيصلون عليك فأنا لا أقدر علي حصر ثوابهم?().

غرس الجنة

في الخبر: إن إبراهيم عليه السلام قال لنبينا صلي الله عليه و اله ليلة المعراج: ?مر أمتك حتي يستكثروا من غرس الجنة، قال: وما هي؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم?().

أول العبادة

عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال في ليلة المعراج: ?يا رب ما أول العبادة؟ قال: أول العبادة الصمت والصوم، قال: يا رب وما ميراث الصوم؟ قال: يورث الحكمة، والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح بعسر أم بيسر?().

أعلي غرف الجنة

عن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?في ليلة المعراج رأيت غرفا في أعلي الجنة فقلت: لمن هي؟ قال: للكاظمين الغيظ وللعافين عن الناس وللمحسنين?().

التوكل والرضا

عن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و اله في خبر المعراج أنه قال: ?يا رب أي الأعمال أفضل؟ فقال الله عز وجل: يا أحمد ليس شيء أفضل عندي من التوكل علي والرضي بما قسمت?().

درجة الخشوع

عن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و اله في خبر المعراج: ?أن الله تعالي قال له: يا أحمد ما عرفني عبد إلا خشع لي، وما خشع لي عبد إلا خشع له كل شيء? إلي أن قال: ?يا أحمد إن أحببت أن تجد حلاوة الإيمان فجوع نفسك وألزم لسانك الصمت وألزم نفسك خشية وخوفا، فإن فعلت ذلك فلعلك تسلم، وإن لم تفعل فأنت من الهالكين?().

عليك بالورع

عن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و اله فيما أوحي إليه تعالي ليلة المعراج: ?يا أحمد عليك بالورع، فإن الورع رأس الدين ووسط الدين وآخر الدين، إن الورع يقرب العبد إلي الله عزوجل، يا أحمد إن الورع كالشنوف بين الحلي والخبز بين الطعام، إن الورع رأس الإيمان وعماد الدين، وإن الورع مثله كمثل السفينة كما أن من في البحر لا ينجو إلا بالسفينة وكذلك لا يقدر الزاهد أن ينجو من الدنيا إلا بالورع، يا أحمد إن الورع يفتح علي العبد أبواب العبادة فيكرم به العبد عند الخلق ويصل به إلي الله عز وجل?().

حب الدنيا

عن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و اله في خبر المعراج: ?قال الله تبارك وتعالي: يا أحمد لو صلي العبد صلاة أهل السماء والأرض ويصوم صيام أهل السماء والأرض ويطوي عن الطعام مثل الملائكة ولبس لباس العابدين ثم أري في قلبه من حب الدنيا ذرة أو سمعتها أو رئاستها أو صيتها أو زينتها لا يجاورني في داري ولأنزعن من قلبه محبتي ولأظلمن قلبه حتي ينساني ولا أذيقه حلاوة محبتي?().

طلب الحلال

عن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?قال الله تعالي في ليلة المعراج: يا أحمد إن العبادة عشرة أجزاء تسعة منها طلب الحلال?().

ضمان الجنة

في حديث المعراج قال الله عزوجل: ?يا أحمد وعزتي وجلالي ما من عبد ضمن لي بأربع خصال إلا أدخلته الجنة، يطوي لسانه فلا يفتحه إلا بما يعنيه، ويحفظ قلبه من الوسواس، ويحفظ عمله ونظري إليه، وتكون قرة عينه الجوع، يا أحمد لو ذقت حلاوة الجوع والصمت والخلوة وما ورثوا منها.

قال: يا رب ما ميراث الجوع؟

قال: الحكمة وحفظ القلب والتقرب إلي والحزن الدائم وخفة المئونة بين الناس وقول الحق ولا يبالي عاش بيسر أو بعسر، يا أحمد هل تدري بأي وقت يتقرب العبد إلي الله.

قال: لا يا رب.

قال: إذا كان جائعا أو ساجدا، يا أحمد إن العبد إذا جاع بطنه وحفظ لسانه علمته الحكمة، وإن كان كافرا تكون حكمته حجة عليه ووبالا?().

رجال في النار

قال رسول الله صلي الله عليه و اله في حديث المعراج: ?ثم التفت فإذا أنا برجال يقذف بهم في نار جهنم، قال: فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال: فقال: هؤلاء المرجئة والقدرية والحرورية وبنو أمية والناصب لذريتك العداوة هؤلاء الخمسة لا سهم لهم في الإسلام?().

مشاهدات في المعراج

في حديث المعراج عن أبي عبد الله عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيب ولحم خبيث وهم يأكلون الخبيث ويدعون الطيب فسألت جبرئيل من هؤلاء؟ فقال: الذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال من أمتك.

قال: ثم مررت بأقوام لهم مشافر كمشافر الإبل يقرض اللحم من أجسامهم ويلقي في أفواههم فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هم الهمازون اللمازون.

ثم مررت بأقوام ترضخ وجوههم ورؤوسهم بالصخر فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: الذين يتركون صلاة العشاء.

ثم مضيت فإذا أنا بأقوام يقذف بالنار في أفواههم فتخرج من أدبارهم فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا.

ثم مضيت فإذا أنا بأقوام يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر من عظم بطنه فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال: فهم الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس وإنهم لبسبيل آل فرعون يعرضون علي النار غدوا وعشيا يقولون ربنا متي تقوم الساعة ولا يعلمون أن الساعة أدهي وأمر.

ثم مررت بنساء معلقات بثديهن فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هن اللواتي يورثن أموال أزواجهن أولاد غيرهم?().

صخرة في جهنم

عن الصادق عليه السلام في خبر المعراج قال: قال النبي صلي الله عليه و اله: ?سمعت صوتا أفزعني فقال لي جبرئيل: أتسمع يا محمد، قلت: نعم، قال: هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنم منذ سبعين عاما فهذا حين استقرت، قالوا: فما ضحك رسول الله صلي الله عليه و اله حتي قبض?().

التواضع للعالم

عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و اله في حديث المعراج: ?قال الله تبارك وتعالي: يا أحمد إن عيب أهل الدنيا كثير فيهم الجهل والحمق لا يتواضعون لمن يتعلمون منه?().

شوق الملائكة إلي علي عليه السلام

عن أبي ذر رحمة الله عليه عن النبي صلي الله عليه و اله في خبر المعراج قال: ?ثم عرج بي إلي السماء السادسة فتلقتني الملائكة وسلموا علي وقالوا لي مثل مقالة أصحابهم، فقلت: يا ملائكتي تعرفوننا حق معرفتنا؟ فقالوا: بلي يا نبي الله لم لا نعرفكم وقد خلق الله جنة الفردوس وعلي بابها شجرة ليس فيها ورقة إلا عليها مكتوب حرفان بالنور: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب عروة الله الوثيقة وحبل الله المتين وعينه في الخلائق أجمعين وسيف نقمته علي المشركين، فأقرئه منا السلام وقد طال شوقنا إليه?().

وعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: لما أسري بي إلي السماء ما مررت بملأ من الملائكة إلا سألوني عن علي بن أبي طالب حتي ظننت أن اسم علي في السماء أشهر من اسمي، فلما بلغت السماء الرابعة نظرت إلي ملك الموت فقال لي يا محمد ما خلق الله خلقا إلا أقبض روحه بيدي ما خلا أنت وعلي فإن الله جل جلاله يقبض أرواحكما بقدرته، فلما صرت تحت العرش نظرت فإذا أنا بعلي بن أبي طالب واقفا تحت عرش ربي فقلت: يا علي سبقتني، فقال لي جبرئيل عليه السلام: يا محمد من هذا الذي يكلمك؟ قلت: هذا أخي علي بن أبي طالب، قال لي: يا محمد ليس هذا عليا ولكنه ملك من ملائكة الرحمن خلقه الله علي صورة علي بن أبي طالب

عليه السلام فنحن الملائكة المقرون كلما اشتقنا إلي وجه علي بن أبي طالب زرنا هذا الملك لكرامة علي بن أبي طالب علي الله سبحانه?().

وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: قال النبي صلي الله عليه و اله: ?ليلة أسري بي إلي السماء فبلغت السماء الخامسة نظرت إلي صورة علي بن أبي طالب فقلت: حبيبي جبرئيل ما هذه الصورة؟ فقال جبرئيل: يا محمد اشتهت الملائكة أن ينظروا إلي صورة علي فقالوا ربنا إن بني آدم في دنياهم يتمتعون غدوة وعشية بالنظر إلي علي بن أبي طالب حبيب حبيبك محمد وخليفته ووصيه وأمينه فمتعنا بصورته قدر ما تمتع أهل الدنيا به فصور لهم صورته من نور قدسه عزوجل فعلي عليه السلام بين أيديهم ليلا ونهارا يزورونه وينظرون إليه غدوة وعشية?().

علي أبواب السماء

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?لما عرج بي إلي السماء السابعة وجدت علي كل باب سماء مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، ولما صرت إلي حجب النور رأيت علي كل حجاب مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، ولما صرت إلي العرش وجدت علي كل ركن من أركانه مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين?().

الخليفة من بعدك

عن الصادق عليه السلام قال: ?لما أسري بالنبي صلي الله عليه و اله وانتهي إلي حيث أراد الله تبارك وتعالي ناجاه ربه جل جلاله فلما أن هبط إلي السماء الرابعة ناداه يا محمد، قال: لبيك ربي، قال: من اخترت من أمتك يكون من بعدك لك خليفة؟ قال: اختر لي ذلك فتكون أنت المختار لي، فقال: اخترت لك خيرتك علي بن أبي طالب?().

الأمر بزواج فاطمة عليها السلام

عن حمران قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل في كتابه: ?ثم دنا فتدلي ? فكان قاب قوسين أو أدني?() قال: أدني الله عز وجل محمدا نبيه صلي الله عليه و اله فلم يكن بينه وبينه إلا قفص من لؤلؤ فيه فراش يتلألأ من ذهب فأري صورة فقيل: يا محمد أتعرف هذه الصورة؟ فقلت: نعم هذه صورة علي بن أبي طالب فأوحي الله إلي أن أزوجه فاطمة وأتخذه وليا?().

إنها ثمرة الجنة

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?كان النبي صلي الله عليه و اله يكثر تقبيل فاطمة عليها السلام فعاتبته علي ذلك عائشة فقالت: يا رسول الله إنك لتكثر تقبيل فاطمة! فقال لها: ويلك لما أن عرج بي إلي السماء مر بي جبرئيل علي شجرة طوبي فناولني من ثمرها فأكلتها فحول الله ذلك إلي ظهري، فلما أن هبطت إلي الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة فما قبلت فاطمة إلا وجدت رائحة شجرة طوبي منها?().

إلي غيرها من روايات المعراج وهي كثيرة.

غزوة بدر الكبري

في السابع عشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثانية للهجرة وقعت غزوة بدر الكبري.

وكان خروج رسول الله صلي الله عليه و اله يوم السبت لإثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاًمن المهاجرين والأنصار، وكانوا علي سبعين بعيراً يعتقبونها، ولم يكن معهم من الخيل إلا فرَسان.

ولما بلغ أبا سفيان مسير المسلمين أحجم عن الإقتراب من بدر واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري بعشرة دنانير علي أن يأتي قريشاً بمكة فيستنفرهم ويخبرهم أن محمداً صلي الله عليه و اله قد اعترض لعيرهم في أصحابه، وقد وصل ضمضم إلي قريش وهو ينادي: يا معشر قريش، يا آل لؤي بن غالب، اللطيمة قد عرض لها محمد في أصحابه، الغوث الغوث، والله ما أري أن تدركوها.

فجهز الناس وشغل بعضهم عن بعض، وكان الناس بين رجلين إما خارج وإما باعث مكانه رجلاً، فأقامت قريش ثلاثاً تتجهز، وقيل: يومين، وأخرجت أسلحتها واشتروا سلاحاً، وأعان قويهم ضعيفهم. وكان لا يتخلف أحد من قريش إلا بعث مكانه بعثاً. وخرجت قريش سراعاً، وخرجوا بالقيان والدفوف، يغنين في كل منهل، وينحرون الجزر، وخرجوا بالجيش يتقاذفون بالحراب، وخرجوا بتسعمائة وخمسين مقاتلاً، وقادوا مائة

فرس.

هذا وقد أفلت أبو سفيان بالعير فلما رأي أن قد أحرزها وأمن عليها، أرسل إلي قريش قيس بن إمرئ القيس، وكان مع أصحاب العير خرج معهم من مكة، فأرسله أبو سفيان يأمرهم بالرجوع ويقول: قد نجت عيركم وأموالكم، فلا تحرزوا أنفسكم أهل يثرب.

فقال أبوجهل: لانرجع حتي نقدم بدراً فنقيم به، فننحر الإبل ونطعم من حضرنا من العرب الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف لنا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فتخافنا بعد ذلك.

ولما وصل رسول الله صلي الله عليه و اله بأصحابه قريباً من بدر بعث جماعة إلي ماء بدر يلتمسون الخبر، فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم غلام بني الحجاج وعريض بن يسار غلام بني العاص بن سعيد فأتوا بهما فسألوهما لمن أنتما؟ ورسول الله صلي الله عليه و اله قائم يصلّي.

فقالا: نحن سقاة قريش، بعثونا نسقيهم من الماء. فكره القوم خبرهما ورجوا أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما حتي قالا إنهما لأبي سفيان فتركوهما، وذلك علي عادتهم في الجاهلية حيث كانوا يأخذون الإعتراف بالتعذيب، فنهي الإسلام عنه نهياً باتاً وحرّمه أشد تحريم، ولذا انفتل رسول الله صلي الله عليه و اله من صلاته والتفت إلي أصحابه معترضاً عليهم وقال: إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما؟ صدقا والله، إنهما لقريش. ثم التفت إليهما وقال: أخبراني عن قريش.

قالا: هم وراء هذا الكثيب الذي تري بالعدوة القصوي، والكثيب: التلّ من الرمل.

فقال لهما رسول الله صلي الله عليه و اله: كم القوم؟

قالا: كثير.

قال صلي الله عليه و اله: ما عدّتهم؟

قالا: ما ندري.

قال صلي الله عليه و اله: كم ينحرون كل يوم؟

قالا: يوماً تسعاً ويوماً عشراً.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: القوم ما بين التسعمائة والألف.

ثم قال صلي الله عليه

و اله لهما: فمن فيهم من رؤوس قريش؟

قالا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر، وطعيمة بن عدي بن نوفل، والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبوجهل بن هشام، واُمية بن خلف، ونبيه ومنبّه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو.

فأقبل رسول الله صلي الله عليه و اله علي الناس فقال: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.

وفي صبيحة اليوم السابع عشر من شهر رمضان عام 2 من الهجرة انحدر المشركون من وراء الكثيب إلي وادي بدر، فلما رآهم رسول الله صلي الله عليه و اله ينحدرون من وراء الكثيب الذي جاؤوا منه إلي الوادي رفع يديه بالدعاء وقال:

?اللهمّ هذه قريش قد أقبلت بخُيَلانها وفخرها، تحادّك وتكذِّب رسولك، اللهمّ فنصرك الذي وعدتني به، اللهمّ أحِنهم الغداة?.

ثم عبّأ رسول الله صلي الله عليه و اله أصحابه وقال: غضّوا أبصاركم، ولا تبدأوهم بالقتال، ولا يتكلّمن أحد.

فلمّا نزل المشركون الوادي أقبل نفر منهم حتي وردوا حوض رسول الله صلي الله عليه و اله فأراد بعض المسلمين أن يمنعوهم. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: دعوهم، فشربوا منه.

وقال أبو جهل لما رأي قلّة المسلمين وبساطة أسلحتهم: ما هم إلا أكلة رأس، لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذاً باليد.

فقال عتبة بن ربيعة: أتري لهم كميناً ومدداً؟

فبعثوا عمرو بن وهب الجمحي وقالوا له: احزر لنا أصحاب محمد، وكان فارساً شجاعاً، فجال بفرسه حول العسكر، ثم صعد في الوادي وصوّب ثم رجع إلي قريش فقال: ثلاثمائة يزيدون قليلاً أو ينقصونه، ولكن أمهلوني حتي أنظر أللقوم كمين أو مدد، فضرب في بطن الوادي حتي أبعد فلم ير شيئاً، فرجع اليهم

فقال: ما رأيت شيئاً، ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، أما ترونهم خرس لا يتكلّمون، يتلمضون تلمض الأفاعي، إنهم قوم ليس لهم منعة إلا سيوفهم، والله ما أري أن يُقتل رجل منهم حتي يَقتل رجل منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك؟ فارتأوا رأيكم.

فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشي في الناس فأتي عتبة بن ربيعة فأشار عليه أن يرجع الناس ولا يكون بينهم حرب، فوافقه عتبة بن ربيعة، وقام عتبة في الناس خطيباً وأشار عليهم بالرجوع، فأبي أبو جهل ذلك وساعده عليه المشركون.

ولما كان من دأب الإسلام وسيرة رسوله العظيم صلي الله عليه و اله وأهل بيته المعصومين عليهم السلام، أن لا يبدأوا أحداً بالقتال، لذلك بعث رسول الله صلي الله عليه و اله إلي قريش من يقول لهم: يا معشر قريش ما أحد أبغض إليَّ من أن أبدأ بكم، فخلّوني والعرب، فإن أك صادقاً فأنتم أعلي بي عيناً، وإن أك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمري فارجعوا.

فقال عتبة: والله ما أفلح قوم قطّ ردّوا هذا.

ولكن أبا جهل لم يرض بذلك وحثهم علي الحرب.

ولما انتهي الأمر إلي ما انتهي إليه، نظر عتبة إلي أخيه شيبة وإلي ابنه الوليد وقال لهما: قوما ثم لبس درعه وتقدّم هو وأخوه وابنه حتي انفصلوا من الصف ونادوا: ليخرج إلينا أكفاؤنا من قريش.

فخرج إليهم فتية من الأنصار، فقالوا: ما لنا بكم من حاجة، ثم نادي مناديهم: يا محمّد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: قم يا عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب وكان له سبعون سنة، وقم يا حمزة بن عبدالمطلب، وقم يا علي

بن أبي طالب، وكان أصغرهم سنّاً، فقاموا بين يدي رسول الله صلي الله عليه و اله بسيوفهم. فقال لهم: اطلبوا بحقّكم الذي جعله الله لكم، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفيء نور الله ?وَيَأْبَي الله إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ?(). ثم قال: يا عبيدة عليك بعتبة، ويا حمزة عليك بشيبة، ويا علي عليك بالوليد بن عتبة.

فمرّوا حتي انتهوا إلي القوم.

فقال عتبة: من أنتم انتسبوا حتي نعرفكم؟

فعرّفوا أنفسهم.

فقالوا: أنتم أكفاء كرام.

فبارز عبيدة وكان أسنَّ القوم عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي عليه السلام الوليد.

فأمّا حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله.

وأمّا علي عليه السلام فلم يمهل الوليد أن قتله.

واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه، فكرّ حمزة وعلي بأسيافهما علي عتبة فدفّفا عليه، واحتملا صاحبهما حتي أتيا به رسول الله صلي الله عليه و اله وبه رمق، فلما نظر إليه رسول الله صلي الله عليه و اله استعبر.

فقال عبيدة: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ألستُ شهيداً؟

فقال صلي الله عليه و اله: بلي أنت أول شهيد من أهل بيتي.

ثم اصطف الجيشان وجاء إبليس إلي قريش في صورة سراقة بن مالك فقال لهم: أنا جار لكم ادفعوا إليَّ رايتكم، فدفعوها إليه وجاء بشياطينه يهول بهم علي أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله وتزاحف الناس علي أثره ودنا بعضهم من بعض.

فأمر رسول الله صلي الله عليه و اله أصحابه أن لايحملوا حتي يأمرهم، وأن يكتفوا برمي القوم بالنبال حتي لايقتربوا منهم، ثم رفع يده إلي السماء يناشد ربّه ما وعده من النصر ويقول فيما يقول: ?اللهمّ إن تهلك هذه العصابة اليوم فلن تُعبد في الأرض أبداً، وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد?.

فأنزل

الله تعالي: ?إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ? () فأمدّه الله بالملائكة، حتي سمع الناس قعقعة السلاح من الجوّ، وقائل يقول: اقدم حيزوم، اقدم حيزوم، وكان ذلك جبرئيل في ألف من الملائكة، فلما نظر إبليس إلي جبرئيل تراجع ونكص علي عقبيه ورمي باللواء، فأخذ منبه بن الحجاج بمجامع ثوبه ثم قال: ويلك يا سراقة تفتّ في أعضاد الناس، فركله إبليس ركلة في صدره وقال: إني أري ما لاترون، حيث إنه كان يري جبرئيل يلاحقه بحربة معه يريد أن يطعنه بها.

ثم حرض رسول الله صلي الله عليه و اله الناس علي المواجهة والثبات وقال: والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنّة.

فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة، وفي يده تمرات يأكلهنّ: بخ بخ، فما بيني وبين أنْ أدخل الجنّة إلاّ أن يقتلني هؤلاء؟ ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتي قتل رحمة الله عليه.

ثم إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله أخذ حفنة من الحصي فاستقبل بها قريشاً ثم قال: شاهت الوجوه، ثم نفحهم بها، وأمر أصحابه فقال: شدوا، فكانت الهزيمة.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله وقد رفع يديه إلي السماء: ?اللهمّ لا يفلتنّ فرعون هذه الاُمّة أبو جهل بن هشام?.

فقُتل فيها مع من قتل من صناديد قريش، واُسر فيها من اُسر من رؤوسهم، فكان الذين قُتلوا سبعين، والذين اُسروا سبعين أيضاً. وكان فيمن قُتل أبو جهل ولما سمع رسول الله صلي الله عليه و اله بقتله سجد لله شكرا.

ولما انقضت الحرب أقبل رسول الله صلي الله عليه و اله حتي وقف علي قتلي

المشركين فقال: جزاكم الله من عصابة شراً، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيّكم، كذّبتموني وصدّقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس.

ثم التفت صلي الله عليه و اله إلي أبي جهل فقال: ان هذا أعتي علي الله من فرعون، إنّ فرعون لما أيقن بالهلاك وحّد الله، وإنّ هذا لما أيقن بالهلاك دعا باللاّت والعزّي.

ثم أمر بهم فاُلقوا في القليب، فلما اُلقوا فيه وقف عليهم وقال: ?يا أهل القليب، يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا اُمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام? وذكر أهل القليب واحداً واحداً، ثم قال: ?هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّاً؟ فإنّي قد وجدتُ ما وعدني ربّي حقاً?.

فقال رجل من الصحابة: أتكلّم قوماً موتي؟

فقال صلي الله عليه و اله: ?ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يُجيبوني?.

ثم دفنوا شهداء المسلمين وكانوا تسعة رجال فيهم سعد بن خيثمة وكان من النقباء، بعد أن صلّوا عليهم، ثم صلّي رسول الله صلي الله عليه و اله بالناس صلاة العصر ورحلوا من بدر.

ليالي القدر

وهي ثلاث ليال، أوّلها ليلة التاسع عشر، ثمّ ليلة الحادي والعشرين، وآخرها ليلة الثالث وعشرين، وفي هذه الليالي تقدّر أمور الكون وتهبط الملائكة إلي الأرض لتلتقي ببقية الله الأعظم الإمام الحجّة المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشريف).

وقد ورد في هذه الليالي أعمال كثيرة وأدعية وصلوات … مذكورة في كتب الأدعية والزيارات، وذكرنا جملة منها في كتاب (الدعاء والزيارة)().

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير، وفي ليلة إحدي وعشرين القضاء، وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلي مثلها، لله جل ثناؤه يفعل ما يشاء في خلقه?().

غسل ليالي القدر

عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام كم أغتسل في شهر رمضان ليلة؟ قال: ?ليلة تسع عشرة وليلة إحدي وعشرين وثلاث وعشرين? قال: قلت: فإن شق علي؟ قال: ?في إحدي وعشرين وثلاث وعشرين? قلت: فإن شق علي؟ قال:

?حسبك الآن?().

فقد أدرك ليلة القدر

روي زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: ?أن النبي صلي الله عليه و اله لما انصرف من عرفات وسار إلي مني دخل المسجد فاجتمع إليه الناس يسألونه عن ليلة القدر، فقام خطيبا فقال بعد الثناء علي الله:

أما بعد فإنكم سألتموني عن ليلة القدر ولم أطوها عنكم … اعلموا أيها الناس أنه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سوي فصام نهاره وقام وردا من ليله وواظب علي صلاته وهجر إلي جمعته وغدا إلي عيده فقد أدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب?().

هي ليلة القدر

سأل حمران أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل: ?إنا أنزلناه في ليلة مباركة?() قال: ?نعم، هي ليلة القدر، وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر، قال الله عزوجل: ?فيها يفرق كل أمر حكيم?() قال: يقدر في ليلة القدر كل شي ء يكون في تلك السنة إلي مثلها من قابل، من خير أو شر، أو طاعة أو معصية، أو مولود أو أجل أو رزق، فما قدر في تلك الليلة وقضي فهو المحتوم، ولله فيه المشيئة?.

قال: قلت له: ?ليلة القدر خير من ألف شهر?() أي شي ء عني بها؟ فقال: ?العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، ولولا ما يضاعف الله للمؤمنين ما بلغوا ولكن الله عزوجل يضاعف لهم الحسنات?().

ما أيسر الليلتين

عن علي بن أبي حمزة قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له أبو بصير: جعلت فداك الليلة التي يرجي فيها ما يرجي أي ليلة هي؟ فقال: ?في ليلة إحدي وعشرين أو ثلاث وعشرين?.

قال: فإن لم أقو علي كلتيهما؟

فقال: ?ما أيسر ليلتين فيما تطلب?.

قال: فقلت: ربما رأينا الهلال عندنا وجاءنا من يخبرنا بخلاف ذلك في أرض أخري؟

فقال: ?ما أيسر أربع ليال فيما تطلب فيها?.

قلت: جعلت فداك ليلة ثلاث وعشرين ليلة الجهني()؟

قال: ?إن ذلك ليقال?.

قلت: جعلت فداك إن سليمان بن خالد روي أن في تسع عشرة يكتب وفد الحاج؟

فقال: ?يا أبا محمد وفد الحاج يكتب في ليلة القدر، والمنايا والبلايا والأرزاق وما يكون إلي مثلها في قابل، فاطلبها في إحدي وعشرين وثلاث وعشرين، وصل في كل واحدة منهما مائة ركعة وأحيهما إن استطعت إلي النور

واغتسل فيهما?.

قال: قلت: فإن لم أقدر علي ذلك وأنا قائم؟

قال: ?فصل وأنت جالس?.

قلت: فإن لم أستطع؟

قال: ?فعلي فراشك?.

قلت: فإن لم أستطع؟

فقال: ?لا عليك أن تكتحل أول الليل بشيء من النوم، إن أبواب السماء تفتح في شهر رمضان وتصفد الشياطين وتقبل الأعمال أعمال المؤمنين، نعم الشهر شهر رمضان كان يسمي علي عهد رسول الله صلي الله عليه و اله المرزوق?().

ليلة 23

عن سفيان بن السمط قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الليالي التي يرجي فيها من شهر رمضان؟

فقال: ?تسع عشرة وإحدي وعشرين وثلاث وعشرين?.

قلت: فإن أخذت إنسانا الفترة أو علة ما المعتمد عليه من ذلك؟

فقال: ?ثلاث وعشرين?().

وعن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال: ?من أحيا ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، وصلي فيه مائة ركعة، وسع الله عليه معيشته في الدنيا، وكفاه أمر من يعاديه، وأعاذه من الغرق والهدم والسرق، ومن شر السباع، ودفع عنه هول منكر ونكير، وخرج من قبره نور يتلألأ لأهل الجمع، ويعطي كتابه بيمينه، ويكتب له براءة من النار، وجواز علي الصراط، وأمان من العذاب، ويدخل الجنة بغير حساب، ويجعل فيها من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا?().

جرح أمير المؤمنين عليه السلام

في فجر اليوم العشرين من شهر رمضان سنة 40 للهجرة ضرب ابن ملجم المرادي (لعنه الله) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام علي رأسه بالسيف أثناء الصلاة، فهوي (عليه أفضل الصلاة والسلام) إلي الأرض مخضباً بدمه الطاهر وهو يقول: ?فزت ورب الكعبة?()، وسمع الناس صوت الأمين جبرئيل ينادي بين السماء والأرض هاتفاً: (تهدّمت والله أركان الهدي، قتل علي المرتضي).

عن أحدهما ? قال: ?أصيب أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في ليلة تسع عشرة وقبض في ليلة إحدي وعشرين صلوات الله عليه?().

قالت أم كلثوم بنت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): لما كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان قدمت إليه عند إفطاره، طبقاً فيه قرصان من خبز الشعير، وقصعة فيها لبن وملح جريش، فلما فرغ من صلاته، أقبل علي فطوره. فلما نظر إليه وتأمله، حرك رأسه وبكي بكاءً شديداً عالياً وقال: ?يا بنية، ما ظننت أن بنتاً تسوء

أباها كما قد أسأتِ أنت إليَّ?.

قالت: وما ذا يا أباه؟.

قال: ?يا بنية، أتقدمين إلي أبيك إدامين في فرد طبق واحد، أتريدين أن يطول وقوفي غداً بين يدي الله عزوجل يوم القيامة، أنا أريد أن أتبع أخي وابن عمي رسول الله صلي الله عليه و اله، ما قدم إليه إدامان في طبق واحد إلي أن قبضه الله. يا بنية، ما من رجل طاب مطعمه ومشربه وملبسه، إلا طال وقوفه بين يدي الله عزوجل يوم القيامة. يا بنية، إن الدنيا في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وقد أخبرني حبيبي رسول الله صلي الله عليه و اله أن جبرئيل عليه السلام نزل إليه ومعه مفاتيح كنوز الأرض، وقال: يا محمد، السلام يقرئك السلام، ويقول لك: إن شئت صيرت معك جبال تهامة ذهباً وفضة، وخذ هذه مفاتيح كنوز الأرض، ولا ينقص ذلك من حظك يوم القيامة. قال: يا جبرئيل، وما يكون بعد ذلك. قال: الموت. فقال: إذاً لاحاجة لي في الدنيا، دعني أجوع يوماً وأشبع يوماً، فاليوم الذي أجوع فيه أتضرع إلي ربي وأسأله، واليوم الذي أشبع فيه أشكر ربي وأحمده. فقال له جبرئيل: وفقت لكل خير يا محمد.

ثم قال عليه السلام: ?يا بنية، الدنيا دار غرور ودار هوان، فمن قدم شيئاً وجده. يا بنية، والله لا آكل شيئاً حتي ترفعين أحد الإدامين?.

فلما رفعته تقدم إلي الطعام، فأكل قرصاً واحداً بالملح الجريش، ثم حمد الله وأثني عليه.

ثم قام إلي صلاته، فصلي ولم يزل راكعاً وساجداً ومبتهلاً ومتضرعاً إلي الله سبحانه، ويكثر الدخول والخروج، وهو ينظر إلي السماء وهو قلق يتململ. ثم قرأ سورة يس حتي ختمها، ثم رقد هنيهة وانتبه مرعوباً، وجعل يمسح وجهه بثوبه، ونهض قائماً علي قدميه،

وهو يقول: ?اللهم بارك لنا في لقائك?، ويكثر من قول: ?لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم?. ثم صلي حتي ذهب بعض الليل، ثم جلس للتعقيب ثم نامت عيناه وهو جالس، ثم انتبه من نومته مرعوباً.

قالت أم كلثوم: كأني به وقد جمع أولاده وأهله وقال لهم: ?في هذا الشهر تفقدوني، إني رأيت في هذه الليلة رؤيا هالتني، وأريد أن أقصها عليكم?.

قالوا: وما هي؟.

قال عليه السلام: ?إني رأيت الساعة رسول الله صلي الله عليه و اله في منامي، وهو يقول لي: يا أبا الحسن، إنك قادم إلينا عن قريب، يجيء إليك أشقاها فيخضب شيبتك من دم رأسك، وأنا والله مشتاق إليك، وإنك عندنا في العشر الآخر من شهر رمضان، فهلم إلينا فما عندنا خير لك وأبقي?.

قالت: فلما سمعوا كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب، وأبدوا العويل فأقسم عليهم بالسكوت فسكتوا، ثم أقبل يوصيهم ويأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر.

قالت أم كلثوم: ولم يزل تلك الليلة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً ثم يخرج ساعة بعد ساعة، يقلب طرفه في السماء، وينظر في الكواكب، وهو يقول: ?والله ما كذبت ولا كُذبت، وإنها الليلة التي وعدت بها?، ثم يعود إلي مصلاه ويقول: ?اللهم بارك لي في الموت?، ويكثر من قول: ?إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم?، ويصلي علي النبي وآله، ويستغفر الله كثيرا.

قالت أم كلثوم: فلما رأيته في تلك الليلة قلقاً متململاً، كثير الذكر والاستغفار، أرقت معه ليلتي، وقلت: يا أبتاه، ما لي أراك هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد؟.

قال: ?يا بنية، إن أباك قتل الأبطال، وخاض الأهوال، وما دخل الخوف له جوف، وما دخل في قلبي رعب أكثر مما دخل في هذه الليلة? ثم

قال: ?إنا لله وإنا إليه راجعون?.

فقلت: يا أباه ما لك تنعي نفسك منذ الليلة؟.

قال: ?يا بنية، قد قرب الأجل وانقطع الأمل?.

قالت أم كلثوم: فبكيت، فقال لي: ?يا بنية، لا تبكين فإني لم أقل ذلك إلا بما عهد إليَّ النبي صلي الله عليه و اله ?. ثم إنه نعس وطوي ساعة ثم استيقظ من نومه، وقال: ?يا بنية، إذا قرب وقت الأذان فأعلميني?. ثم رجع إلي ما كان عليه أول الليل من الصلاة والدعاء والتضرع إلي الله سبحانه وتعالي.

قالت أم كلثوم: فجعلت أرقب وقت الأذان، فلما لاح الوقت أتيته ومعي إناء فيه ماء، ثم أيقظته فأسبغ الوضوء وقام ولبس ثيابه، وفتح بابه ثم نزل إلي الدار، وكان في الدار إوز قد أهدي إلي أخي الحسين عليه السلام، فلما نزل خرجن وراءه ورفرفن وصحن في وجهه، وكن قبل تلك الليلة لم يصحن فقال عليه السلام: ?لا إله إلا الله صوارخ تتبعها نوائح، وفي غداة غد يظهر القضاء?.

فقلت له: يا أباه هكذا تتطير؟.

فقال: ?يا بنية، ما منا أهل البيت من يتطير، ولا يتطير به ولكن قول جري علي لساني?.

ثم قال: يا بنية، بحقي عليك إلا ما أطلقتيه، فقد حبستِ ما ليس له لسان، ولا يقدر علي الكلام إذا جاع أو عطش، فأطعميه واسقيه وإلا خلي سبيله يأكل من حشائش الأرض?.

فلما وصل إلي الباب فعالجه ليفتحه، فتعلق الباب بمئزره فانحل مئزره حتي سقط فأخذه وشده وهو يقول:

اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت إذا حل بناديكا

ولا تغتر بالدهر وإن كان يؤاتيكا

كما أضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيكا

ثم قال: ?اللهم بارك لنا في الموت، اللهم بارك لي في لقائك?.

قالت أم كلثوم: وكنت أمشي خلفه فلما سمعته يقول ذلك، قلت:

وا غوثاه، يا أبتاه أراك تنعي نفسك منذ الليلة.

قال: ?يا بنية، ما هو بنعاء ولكنها دلالات وعلامات للموت تتبع بعضها بعضاً، فأمسكي عن الجواب?، ثم فتح الباب وخرج.

قالت أم كلثوم: فجئت إلي أخي الحسن عليه السلام فقلت: يا أخي، قد كان من أمر أبيك الليلة كذا وكذا، وهو قد خرج في هذا الليل الغلس فألحقه.

فقام الحسن بن علي عليه السلام وتبعه فلحق به قبل أن يدخل الجامع، فقال: ?يا أباه، ما أخرجك في هذه الساعة وقد بقي من الليل ثلثه?.

فقال: ?يا حبيبي، ويا قرة عيني، خرجت لرؤيا رأيتها في هذه الليلة أهالتني وأزعجتني وأقلقتني?.

فقال له: ?خيراً رأيت، وخيراً يكون فقصها عليَّ?.

فقال عليه السلام: ?يا بني، رأيت كأن جبرئيل عليه السلام قد نزل عن السماء علي جبل أبي قبيس، فتناول منه حجرين ومضي بهما إلي الكعبة وتركهما علي ظهرها، وضرب أحدهما علي الآخر فصارت كالرميم، ثم ذرهما في الريح فما بقي بمكة ولا بالمدينة بيت إلا ودخله من ذلك الرماد?.

فقال له: ?يا أبتِ، وما تأويلها?.

فقال: ?يا بني، إن صدقت رؤياي فإن أباك مقتول، ولا يبقي بمكة حينئذ ولا بالمدينة بيت إلا ويدخله من ذلك غم ومصيبة من أجلي?.

فقال الحسن عليه السلام: ?وهل تدري متي يكون ذلك يا أبتِ؟?.

قال: ?يا بني إن الله يقول: ?وما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ?()، ولكن عهد إليَّ حبيبي رسول الله صلي الله عليه و اله أنه يكون في العشر الأواخر من شهر رمضان، يقتلني ابن ملجم المرادي?.

فقلت له: ?يا أبتاه، إذا علمت منه ذلك فاقتله?.

قال: ?يا بني، لا يجوز القصاص إلا بعد الجناية، والجناية لم تحصل منه. يا بني، لو اجتمع الثقلان الإنس والجن

علي أن يدفعوا ذلك لما قدروا. يا بني، ارجع إلي فراشك?.

فقال الحسن عليه السلام: ?يا أبتاه، أريد أمضي معك إلي موضع صلاتك?. فقال له: ?أقسمت بحقي عليك إلا ما رجعت إلي فراشك، لئلا يتنغص عليك نومك ولا تعصني في ذلك?.

قال: فرجع الحسن عليه السلام فوجد أخته أم كلثوم قائمة خلف الباب تنتظره، فدخل فأخبرها بذلك وجلسا يتحادثان وهما محزونان حتي غلب عليهما النعاس، فقاما ودخلا إلي فراشهما وناما. وسار أمير المؤمنين عليه السلام حتي دخل المسجد والقناديل قد خمد ضوؤها، فصلي في المسجد ورده وعقب ساعة، ثم إنه قام وصلي ركعتين، ثم علا المئذنة ووضع سبابتيه في أذنيه وتنحنح، ثم أذن وكان عليه السلام إذا أذن لم يبق في بلدة الكوفة بيت إلا اخترقه صوته. ثم إن ابن ملجم (لعنه الله) بات في المسجد ومعه رجلان، أحدهما شبيب بن بجرة، والآخر وردان بن مجالد يساعدانه علي قتل علي عليه السلام، فلما أذن عليه السلام ونزل من المئذنة، وجعل يسبح الله ويقدسه ويكبره، ويكثر من الصلاة علي النبي صلي الله عليه و اله، وكان من كرم أخلاقه عليه السلام أنه يتفقد النائمين في المسجد، ويقول للنائم: ?الصلاة يرحمك الله الصلاة، قم إلي الصلاة المكتوبة عليك?، ثم يتلو عليه السلام: ?إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهي عَنِ الْفَحْشاءِ والْمُنْكَرِ?()، ففعل ذلك كما كان يفعله علي مجاري عادته مع النائمين في المسجد، حتي إذا بلغ إلي الملعون فرآه نائماً علي وجهه، قال له: ?يا هذا، قم من نومك هذا فإنها نومة يمقتها الله، وهي نومة الشيطان ونومة أهل النار، بل نم علي يمينك فإنها نومة العلماء، أو علي يسارك فإنها نومة الحكماء، وإلا نم علي ظهرك فإنها نومة الأنبياء?.

قال: فتحرك الملعون

كأنه يريد أن يقوم وهو من مكانه لايبرح.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ? لقد هممت بشي ء ?تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وتَنْشَقُّ الأَرْضُ وتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا?()، ولو شئت لأنبأتك بما تحت ثيابك?.

ثم تركه وعدل عنه إلي محرابه، وقام قائماً يصلي وكان عليه السلام يطيل الركوع والسجود في الصلاة كعادته في الفرائض والنوافل حاضراً قلبه، فلما أحس به فنهض الملعون مسرعاً، وأقبل يمشي حتي وقف بإزاء الأسطوانة التي كان الإمام عليه السلام يصلي عليها، فأمهله حتي صلي الركعة الأولي، وركع وسجد السجدة الأولي منها ورفع رأسه، فعند ذلك أخذ السيف وهزه ثم ضربه علي رأسه المكرم الشريف، فوقعت الضربة علي الضربة التي ضربه عمرو بن عبد ود العامري، ثم أخذت الضربة إلي مفرق رأسه إلي موضع السجود، فلما أحس الإمام عليه السلام بالضرب لم يتأوه، وصبر واحتسب ووقع علي وجهه وليس عنده أحد، قائلاً: ?بسم الله وبالله وعلي ملة رسول الله ثم صاح وقال : قتلني ابن ملجم، قتلني اللعين ابن اليهودية ورب الكعبة. أيها الناس، لا يفوتنكم ابن ملجم?.

وسار السم في رأسه وبدنه وثار جميع من في المسجد في طلب الملعون، وماجوا بالسلاح فما كنت أري إلا صفق الأيدي علي الهامات وعلو الصرخات.

وكان ابن ملجم ضربه ضربة خائفاً مرعوباً، ثم ولي هارباً وخرج من المسجد، وأحاط الناس بأمير المؤمنين عليه السلام وهو في محرابه يشد الضربة، ويأخذ التراب ويضعه عليها، ثم تلا قوله تعالي: ?مِنْها خَلَقْناكُمْ وفِيها نُعِيدُكُمْ ومِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْري?()، ثم قال عليه السلام: ?جاء أمر الله وصدق رسول الله?. ثم إنه لما ضربه الملعون ارتجت الأرض، وماجت البحار والسماوات، واصطفقت أبواب الجامع().

قال الراوي: فلما سمع الناس الضجة ثار إليه كل من كان

في المسجد وصاروا يدورون ولا يدرون أين يذهبون من شدة الصدمة والدهشة ثم أحاطوا بأمير المؤمنين عليه السلام وهو يشد رأسه بمئزره والدم يجري علي وجهه ولحيته وقد خضبت بدمائه وهو يقول هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله.

قال الراوي: فاصطفقت أبواب الجامع وضجت الملائكة في السماء بالدعاء وهبت ريح عاصف سوداء مظلمة ونادي جبرئيل عليه السلام بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ: تهدمت والله أركان الهدي، وانطمست والله نجوم السماء، وأعلام التقي، وانفصمت والله العروة الوثقي، قُتل ابن عم محمد المصطفي، قُتل الوصي المجتبي، قُتل علي المرتضي، قُتل و الله سيد الأوصياء، قتله أشقي الأشقياء، قال: فلما سمعت أم كلثوم نعي جبرئيل فلطمت علي وجهها وخدها وشقت جيبها وصاحت وا أبتاه وا علياه وا محمداه وا سيداه، ثم أقبلت إلي أخويها الحسن والحسين فأيقظتهما وقالت لهما لقد قتل أبوكما، فقاما يبكيان فقال لها الحسن عليه السلام يا أختاه كفي عن البكاء حتي نعرف صحة الخبر كيلا تشمت الأعداء فخرجا فإذا الناس ينوحون وينادون وا إماماه وا أمير المؤمنيناه قتل والله إمام عابد مجاهد()، الحديث.

فتح مكة

في اليوم العشرين من سنة 8 هجرية فتح رسول الله صلي الله عليه و اله مكة من دون إراقة دماء.

وذلك لأن رسول الله صلي الله عليه و اله لما أراد فتح مكة أمر الناس بالتهيئة، وقال: ?اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتي نبغتها في بلادها?. وكتب حاطب بن أبي بلتعة إلي قريش، فأتي رسول الله صلي الله عليه و اله الخبر من السماء، فبعث علياً عليه السلام والزبير حتي أخذا كتابه من المرأة. ثم استخلف رسول الله صلي الله عليه و اله أبا ذر الغفاري، وخرج عامداً

إلي مكة لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان في عشرة آلاف من المسلمين، ونحو من أربعمائة فارس، ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد.

فلما نزل رسول الله صلي الله عليه و اله مر الظهران وقد غمت الأخبار عن قريش، فلا يأتيهم عن رسول الله صلي الله عليه و اله خبر، خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، يتجسسون الأخبار.

وقد قال العباس ليلتئذ: يا سوء صباح قريش، والله لئن بغتها رسول الله في بلادها فدخل مكة عنوة، إنه لهلاك قريش إلي آخر الدهر. فخرج علي بغلة رسول الله صلي الله عليه و اله، وقال: أخرج إلي الأراك لعلي أري حطاباً أو صاحب لبن، أو داخلا يدخل مكة، فنخبرهم بمكان رسول الله، فيأتونه فيستأمنونه.

قال العباس: فو الله إني لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له، إذ سمعت صوت أبي سفيان، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، وسمعت أبا سفيان يقول: والله ما رأيت كالليلة قط نيراناً. فقال بديل: هذه نيران خزاعة. فقال أبو سفيان: خزاعة ألأم من ذلك. قال: فعرفت صوته، فقلت: يا أبا حنظلة، يعني أبا سفيان.

فقال: أبو الفضل؟.

فقلت: نعم.

قال: لبيك فداك أبي وأمي، ما وراك؟.

فقلت: هذا رسول الله وراءك قد جاء بما لا قبل لكم به، بعشرة آلاف من المسلمين.

قال: فما تأمرني؟.

فقلت: تركب عجز هذه البغلة، فأستامن لك رسول الله صلي الله عليه و اله، فو الله لئن ظفر بك ليضربن عنقك.

فردفني فخرجت أركض به بغلة رسول الله صلي الله عليه و اله، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين، قالوا: هذا عم رسول الله صلي الله عليه و اله علي بغلة رسول الله صلي الله عليه و

اله، حتي مررت بنار عمر بن الخطاب، فقال يعني عمر: يا أبا سفيان، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد. ثم اشتد نحو رسول الله صلي الله عليه و اله، وركضت البغلة حتي اقتحمت باب القبة، وسبقت عمر بما يسبق به الدابة البطيئة الرجل البطئ. فدخل عمر فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه. فقلت: يا رسول الله، إني قد أجرته.

ثم إني جلست إلي رسول الله صلي الله عليه و اله، وأخذت برأسه وقلت: والله لا يناجيه اليوم أحد دوني. فلما أكثر فيه عمر قلت: مهلاً يا عمر، فو الله ما يصنع هذا الرجل إلا أنه رجل من آل بني عبد مناف، ولو كان من عدي بن كعب ما قلت هذا. قال: مهلاً يا عباس، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليَّ من إسلام الخطاب لو أسلم. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إذهب فقد أمناه حتي تغدو به عليَّ في الغداة?. قال: فلما أصبح غدوت به علي رسول الله صلي الله عليه و اله، فلما رآه قال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟?.

فقال: بأبي أنت وأمي، ما أوصلك وأكرمك وأرحمك وأحلمك، والله لقد ظننت أن لو كان معه إله لأغني يوم بدر ويوم أحد.

فقال: ?ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟?.

فقال: بأبي أنت وأمي، أما هذه فإن في النفس منها شيئاً.

قال العباس: فقلت له ويحك، اشهد بشهادة الحق، قبل أن يضرب عنقك. فتشهد.

فقال صلي الله عليه و اله للعباس: ?انصرف يا عباس، فاحبسه

عند مضيق الوادي، حتي تمر عليه جنود الله?. قال: فحبسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي. ومر عليه القبائل قبيلة، قبيلة وهو يقول: من هؤلاء؟. وأقول: أسلم، وجهينة، وفلان، حتي مر رسول الله صلي الله عليه و اله في الكتيبة الخضراء من المهاجرين والأنصار في الحديد، لا يري منهم إلا الحدق. فقال: من هؤلاء يا أبا الفضل؟.

قلت: هذا رسول الله صلي الله عليه و اله في المهاجرين والأنصار.

فقال: يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً.

فقلت: ويحك إنها النبوة.

فقال: نعم إذاً.

وجاء حكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء رسول الله صلي الله عليه و اله وأسلما وبايعاه. فلما بايعاه بعثهما رسول الله صلي الله عليه و اله بين يديه إلي قريش يدعوانهم إلي الإسلام. وقال صلي الله عليه و اله: ?من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار حكيم فهو آمن، ومن أغلق بابه وكف يده فهو آمن?.

ولما خرج أبو سفيان وحكيم من عند رسول الله صلي الله عليه و اله عامدين إلي مكة، بعث في أثرهما الزبير بن العوام، وأمره علي خيل المهاجرين، وأمره أن يغرز رايته بأعلي مكة بالحجون. وقال له: ?لا تبرح حتي آتيك?. ثم دخل رسول الله صلي الله عليه و اله مكة، وضربت هناك خيمته، وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمته. وبعث خالد بن الوليد فيمن كان أسلم من قضاعة وبني سليم، وأمره أن يدخل أسفل مكة ويغرز رايته دون البيوت. وأمرهم رسول الله صلي الله عليه و اله جميعاً أن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم

وسعي أبو سفيان إلي رسول الله صلي الله عليه و اله، وأخذ غرزه أي ركابه فقبله. ثم قال: بأبي

أنت وأمي، أما تسمع ما يقول سعد؟، إنه يقول: اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبي الحرمة. فقال صلي الله عليه و اله لعلي عليه السلام: ?أدركه فخذ الراية منه، وكن أنت الذي يدخل بها، وأدخلها إدخالاً رفيقاً. فأخذها علي عليه السلام وأدخلها كما أمر.

ولما دخل رسول الله صلي الله عليه و اله مكة، دخل صناديد قريش الكعبة، وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم. ورسول الله صلي الله عليه و اله وقف قائماً علي باب الكعبة، فقال: ?لا إله إلا الله وحده وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ألا إن كل مال أو مأثرة ودم تدعي فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة الكعبة، وسقاية الحاج، فإنهما مردودتان إلي أهليهما. ألا إن مكة محرمة بتحريم الله، لم تحل لأحد كان قبلي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار، وهي محرمة إلي أن تقوم الساعة. لا يختلي خلاها، ولا يقطع شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد?.

ثم قال: ?ألا لبئس جيران النبي كنتم، لقد كذبتم وطردتم وأخرجتم وآذيتم، ثم ما رضيتم حتي جئتموني في بلادي تقاتلونني، فاذهبوا فأنتم الطلقاء?. فخرج القوم فكأنما أنشروا من القبور، ودخلوا في الإسلام، وكان الله سبحانه أمكنه من رقابهم عنوة، فكانوا له فيئاً، فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء.

وعن ابن مسعود قال: دخل النبي صلي الله عليه و اله يوم الفتح، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول: ?جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد، جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا?.

وقد أمر رسول الله صلي الله عليه و اله علياً عليه السلام بأن يصعد علي كتفه ويكسر الأصنام التي كانت علي الكعبة().

شهادة أمير المؤمنين عليه السلام

في اليوم

الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة 40 للهجرة استشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وصي رسول الله صلي الله عليه و اله بضربة ابن ملجم المرادي (لعنه الله) بعد ما أوصي الإمام بوصاياه، ومنها أن يحفروا له أربعة قبور في أربعة مواضع، في المسجد والرحبة والغري وفي دار جعدة بنت هبيرة كي لا يعلم أعداؤه بموضع قبره.

وبقي قبره الشريف مخفياً إلي عهد الإمام الصادق عليه السلام الذي كشف عنه في قصّة مفصّلة مذكورة في كتاب (فرحة الغري) لابن طاووس وغيره.

وكما في بعض الأخبار أنّهم مرّوا بجنازة أمير المؤمنين عليه السلام بقائم الغري() فانحني القائم تعظيماً لجثمان أمير المؤمنين عليه السلام واجلالاً له.

وقد بني مكان ذلك القائم مسجداً يسمّي بمسجد الحنّانة في شرق النجف الأشرف وهو موجود إلي عصرنا الحاضر.

أنا والله مفارقكم

عن أبي حمزة الثمالي، عن حبيب بن عمرو قال: دخلت علي أمير المؤمنين عليه السلام في مرضه الذي قبض فيه، فحل عن جراحته، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما جرحك هذا بشي ء، وما بك من بأس.

فقال لي: ?يا حبيب، أنا والله مفارقكم الساعة?.

قال: فبكيت عند ذلك، وبكت أم كلثوم وكانت قاعدة عنده.

فقال عليه السلام: ?لا، ما يبكيك يا بنية?.

فقالت: ذكرت يا أبة أنك تفارقنا الساعة فبكيت.

فقال عليه السلام لها: ?يا بنية، لا تبكين فو الله لو ترين ما يري أبوكِ ما بكيت?.

قال حبيب: فقلت له: وما الذي تري يا أمير المؤمنين؟.

فقال عليه السلام: ?يا حبيب، أري ملائكة السماء والنبيين بعضهم في أثر بعض وقوفاً إلي أن يتلقوني، وهذا أخي محمد رسول الله صلي الله عليه و اله جالس عندي يقول: أقدم فإن أمامك خير لك مما أنت فيه?.

قال: فما خرجت من عنده حتي توفي

عليه السلام، فلما كان من الغد. وأصبح الحسن عليه السلام قام خطيباً علي المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال: ?أيها الناس، في هذه الليلة نزل القرآن، وفي هذه الليلة رفع عيسي ابن مريم، وفي هذه الليلة قتل يوشع بن نون، وفي هذه الليلة مات أبي أمير المؤمنين عليه السلام، والله لا يسبق أبي أحد كان قبله من الأوصياء إلي الجنة ولا من يكون بعده، وإن كان رسول الله صلي الله عليه و اله ليبعثه في السرية، فيقاتل جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه، كان يجمعها ليشتري بها خادما لأهله?().

إنها والله الجنة

عن الأصبغ بن نباتة قال: لما ضرب ابن ملجم (لعنه الله) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عدونا نفر من أصحابنا، أنا والحارث وسويد بن غفلة وجماعة معنا، فقعدنا علي الباب فسمعنا البكاء فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن علي عليه السلام فقال: ?يقول لكم أمير المؤمنين عليه السلام: انصرفوا إلي منازلكم? فانصرف القوم غيري، فاشتد البكاء من منزله فبكيت، وخرج الحسن عليه السلام وقال: ?أ لم أقل لكم انصرفوا?.

فقلت: لا والله يا ابن رسول الله، لا تتابعني نفسي ولا تحملني رجلي أن أنصرف حتي أري أمير المؤمنين عليه السلام.

قال: فبكيت ودخل، فلم يلبث أن خرج فقال لي: ?ادخل?.

فدخلت علي أمير المؤمنين عليه السلام فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء، قد نزف واصفر وجهه، ما أدري وجهه أصفر أو العمامة، فأكببت عليه فقبلته وبكيت.

فقال لي: ?لا تبك يا أصبغ، فإنها والله الجنة?.

فقلت له: جعلت فداك إني أعلم والله أنك تصير إلي الجنة، وإنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين، جعلت فداك حدثني

بحديث سمعته من رسول الله صلي الله عليه و اله، فإني أراك لا أسمع منك حديثاً بعد يومي هذا أبداً.

قال عليه السلام: ?نعم يا أصبغ، دعاني رسول الله صلي الله عليه و اله يوماً، فقال لي: يا علي، انطلق حتي تأتي مسجدي، ثم تصعد منبري، ثم تدعو الناس إليك، فتحمد الله تعالي وتثني عليه وتصلي عليَّ صلاة كثيرة، ثم تقول: أيها الناس، إني رسولُ رسولِ الله إليكم وهو يقول لكم: أن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين، ولعنتي علي من انتمي إلي غير أبيه، أو ادعي إلي غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره. فأتيت مسجده صلي الله عليه و اله وصعدت منبره، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي، فحمدت الله وأثنيت عليه وصليت علي رسول الله صلي الله عليه و اله صلاة كثيرة، ثم قلت: أيها الناس، إني رسولُ رسولِ الله إليكم وهو يقول لكم: ألا إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين، ولعنتي إلي من انتمي إلي غير أبيه، أو ادعي إلي غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره.

قال: فلم يتكلم أحد من القوم إلا عمر بن الخطاب، فإنه قال: قد أبلغت يا أبا الحسن، ولكنك جئت بكلام غير مفسر.

فقلت: أبلغ ذلك رسول الله.

فرجعت إلي النبي صلي الله عليه و اله فأخبرته الخبر.

فقال: ارجع إلي مسجدي حتي تصعد منبري، فاحمد الله وأثن عليه وصل عليَّ، ثم قل: أيها الناس، ما كنا لنجيئكم بشي ء إلا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإني أنا أبوكم، ألا وإني أنا مولاكم، ألا وإني أنا أجيركم?().

اعهد عهدك

ثم جمع لأمير المؤمنين عليه السلام أطباء الكوفة، فلم يكن منهم أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السلولي، وكان

مطبباً صاحب الكرسي يعالج الجراحات، فلما نظر أثير إلي جرح أمير المؤمنين عليه السلام دعا برية شاة حارة فاستخرج منها عرقاً، ثم نفخه ثم استخرجه وإذا عليه بياض الدماغ، فقال: يا أمير المؤمنين، اعهد عهدك فإن عدو الله قد وصلت ضربته إلي أم رأسك().

وصية الإمام عليه السلام

عن عمرو بن اليسع قال: جاءني سعد الإسكاف فقال: يا بني تحمل الحديث؟. قلت: نعم. فقال: حدثني أبو عبد الله عليه السلام قال: ? لما أصيب أمير المؤمنين عليه السلام قال للحسن والحسين ?: غسلاني وكفناني وحنطاني واحملاني علي سريري، واحملا مؤخره تكفيان مقدمه فإنكما تنتهيان إلي قبر محفور، ولحد ملحود، ولبن محفوظ، فالحداني وأشرجا عليَّ اللبن، وارفعا لبنة مما عند رأسي، فانظرا ما تسمعان، فأخذا اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن، فإذا ليس بالقبر شي ء وإذا هاتف يهتف: أمير المؤمنين عليه السلام كان عبداً صالحاً فألحقه الله عز وجل بنبيه صلي الله عليه و اله، وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء، حتي لو أن نبياً مات في الشرق ومات وصيه في الغرب ألحق الله الوصي بالنبي?().

وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: ? هذه وصية أمير المؤمنين عليه السلام إلي الحسن عليه السلام وهي نسخة كتاب سليم بن قيس الهلالي دفعها إلي أبان وقرأها عليه. قال أبان: وقرأتها علي علي بن الحسين عليه السلام فقال: صدق سليم رحمه الله?.

قال سليم: فشهدت وصية أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصي إلي ابنه الحسن عليه السلام، وأشهد علي وصيته الحسين ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته، وأهل بيته وقال:

?يا بني، أمرني رسول الله صلي الله عليه و اله أن أوصي إليك، وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي، ثم أقبل عليه فقال: يا

بني، أنت ولي الأمر وولي الدم، فإن عفوت فلك، وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تأثم. ثم ذكر الوصية إلي آخرها فلما فرغ من وصيته قال: حفظكم الله، وحفظ فيكم نبيكم، أستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله. ثم لم يزل يقول: لا إله إلا الله، حتي قبض?().

وعن الفجيع العقيلي قال: حدثني الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: ?لما حضرت والدي الوفاة، أقبل يوصي فقال: هذا ما أوصي به علي بن أبي طالب، أخو محمد رسول الله صلي الله عليه و اله وابن عمه وصاحبه، أول وصيتي: أني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسوله وخيرته، اختاره بعلمه، وارتضاه لخيرته، وإن الله باعث من في القبور، وسائل الناس عن أعمالهم، عالم بما في الصدور. ثم إني أوصيك يا حسن وكفي بك وصياً بما أوصاني به رسول الله صلي الله عليه و اله، فإذا كان ذلك يا بني، الزم بيتك، وابك علي خطيئتك، ولا تكن الدنيا أكبر همك. وأوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها، والزكاة في أهلها عند محلها، والصمت عند الشبهة، والاقتصاد والعدل في الرضا والغضب، وحسن الجوار، وإكرام الضيف، ورحمة المجهود، وأصحاب البلاء، وصلة الرحم، وحب المساكين ومجالستهم، والتواضع فإنه من أفضل العبادة، وقصر الأمل، واذكر الموت وازهد في الدنيا، فإنك رهين موت، وغرض بلاء، وطريح سقم. وأوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيتك، وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل، وإذا عرض شي ء من أمر الآخرة، فابدأ به، وإذا عرض شي ء من أمر الدنيا فتأنه، حتي تصيب رشدك فيه، وإياك ومواطن التهمة، والمجلس المظنون به السوء، فإن قرين السوء يغر جليسه، وكن لله يا بني عاملاً، وعن الخنا زجوراً، وبالمعروف

آمراً، وعن المنكر ناهياً، وواخ الإخوان في الله، وأحب الصالح لصلاحه، ودار الفاسق عن دينك، وأبغضه بقلبك، وزايله بأعمالك، لئلا تكون مثله. وإياك والجلوس في الطرقات، ودع المماراة، ومجاراة من لا عقل له ولا علم. واقتصد يا بني في معيشتك، واقتصد في عبادتك، وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه، والزم الصمت تسلم، وقدم لنفسك تغنم، وتعلم الخير تعلم، وكن لله ذاكراً علي كل حال، وارحم من أهلك الصغير، ووقر منهم الكبير، ولا تأكلن طعاماً حتي تصدق منه قبل أكله، وعليك بالصوم فإنه زكاة البدن وجنة لأهله، وجاهد نفسك، واحذر جليسك، واجتنب عدوك، وعليك بمجالس الذكر، وأكثر من الدعاء، فإني لم آلك يا بني نصحاً، وهذا فراق بيني وبينك، وأوصيك بأخيك محمد خيراً، فإنه شقيقك وابن أبيك، وقد تعلم حبي له، وأما أخوك الحسين، فهو ابن أمك، ولا أريد الوصاة بذلك، والله الخليفة عليكم، وإياه أسأل أن يصلحكم، وأن يكف الطغاة البغاة عنكم. والصبر، الصبر حتي ينزل الله الأمر، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم?().

وعن إبراهيم بن إسحاق الأحمري رفعه قال: لما ضرب أمير المؤمنين عليه السلام حف به العواد، وقيل له: يا أمير المؤمنين، أوص فقال عليه السلام: ? اثنوا لي وسادة ثم قال : الحمد لله حق قدره، متبعين أمره. أحمده كما أحب، ولا إله إلا الله الواحد الأحد الصمد كما انتسب. أيها الناس، كل امرئ لاق في فراره ما منه يفر، والأجل مساق النفس إليه، والهرب منه موافاته، كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر، فأبي الله عز ذكره إلا إخفاءه، هيهات علم مكنون. أما وصيتي: فأن لا تشركوا بالله جل ثناؤه شيئاً، ومحمداً صلي الله عليه و اله فلا تضيعوا سنته،

أقيموا هذين العمودين، وأوقدوا هذين المصباحين، وخلاكم ذم ما لم تشردوا، حمل كل امرئ منكم مجهوده، وخفف عن الجهلة رب رحيم، وإمام عليم، ودين قويم، أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم، وغدا مفارقكم، إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك المراد، وإن تدحض القدم فإنا كنا في أفياء أغصان، وذري رياح، وتحت ظل غمامة، اضمحل في الجو متلفقها، وعفا في الأرض مخطها، وإنما كنت جاراً، جاوركم بدني أياماً، وستعقبون مني جثة خلاء، ساكنة بعد حركة، وكاظمة بعد نطق، ليعظكم هدوي، وخفوت إطراقي، وسكون أطرافي، فإنه أوعظ لكم، من الناطق البليغ، ودعتكم وداع مرصد للتلاقي، غدا ترون أيامي، ويكشف الله عز وجل عن سرائري، وتعرفوني بعد خلو مكاني، وقيام غيري مقامي، إن أبق فأنا ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربة، ولكم حسنة، اعفوا واصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم، فيا لها حسرة علي كل ذي غفلة، أن يكون عمره عليه حجة، أو يؤديه أيامه إلي شقوة، جعلنا الله وإياكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة، أو تحل به بعد الموت نقمة، فإنما نحن له وبه?. ثم أقبل علي الحسن عليه السلام فقال: ?يا بني، ضربة مكان ضربة ولا تأثم?().

وفاة صاحب الوسائل رحمة الله عليه

في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان عام 1104ه توفي المحدث الجليل الشيخ محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين الحر العاملي صاحب (وسائل الشيعة).

ينتهي نسبه إلي الحر بن يزيد الرياحي (رضوان الله عليه)، وهو من أسرة كريمة علمية عريقة ذات السوابق الكثيرة.

ولد في قرية مشغري من قري جبل عامل بلبنان، ليلة الجمعة ثامن شهر رجب سنة ثلاث وثلاثين وألف، وبها نشأ نشأته الأولي، وفيها قضي أيام

صباه وشبابه.

كان الشيخ صاحب الوسائل عالماً فقيهاً ومحدثاً ثقة ومحققاً ورعاً، وكان من الأساتذة البارزين في مشهد الإمام الرضا عليه السلام حيث استقر به المنزل في تلك البقعة المباركة، وكانت له حلقة عظيمة للتدريس ويحضره العديد من العلماء.

قال السيد علي صدر الدين المدني في حقه: علمُ علم لا تباريه الأعلام، وهضبة فضل لا يفصح عن وصفها الكلام، أرجت أنفاس فوائده أرجاء الاقطار، وأحيت كل أرض نزلت بها فكأنها لبقاع الأرض أمطار.

وقال المحدث الشيخ عباس القمي: محمد بن الحسن بن علي المشغري، شيخ المحدثين وأفضل المتبحرين، العالم الفقيه النبيه، المحدث المتبحر الورع الثقة الجليل، أبو المكارم والفضائل صاحب المصنفات المفيدة، منها الوسائل الذي من علي المسلمين بتأليف هذا الجامع الذي هو كالبحر، وغير ذلك.

ألف الشيخ الحر العاملي رحمة الله عليه ما يزيد علي خمسين مؤلفاً في شتي الأبواب، منها:

1: تفصيل وسائل الشيعة إلي تحصيل الشريعة، المشهور ب (وسائل الشيعة) و(الوسائل). 2: من لا يحضره الإمام، وهو فهرس تفصيلي لكتاب وسائل الشيعة. 3: تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة. 4: تعاليق علي وسائل الشيعة، وهو كتاب يشتمل علي بيان اللغات وتوضيح العبارات أو دفع الإشكال عن متن الحديث أو سنده أو غير ذلك. 5: إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات. 6: الفصول المهمة في أصول الأئمة عليهم السلام، وغيرها.

كان الشيخ ? يتمتع بشهرة كبيرة في الأوساط العلمية والاجتماعية، وكان له مكانة مرموقة أينما حل ونزل، وكان موضع احترام كافة الطبقات في البيئات المختلفة، وكان الناس ينظرون إليه بعين الإكبار والإجلال، وكان ذا شخصية لامعة عند المؤالف والمخالف، لم يذكره أحد من المترجمين له إلا وذكره بعبارات تدل علي عظمته وسمو مكانته. فقد أعطي منصب التدريس في الحضرة الشريفة في

القبة الكبيرة الشرقية، وهو مكان كان يختص بأكبر المدرسين في مشهد الإمام الرضا عليه السلام، والمقدم علي علماء خراسان. كما كان مجلس درسه غاصاً بالعلماء والفضلاء يؤمه الطلاب من سائر الأقطار.

توفي ? في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 1104ه في مشهد الإمام الرضا عليه السلام بخراسان، وصلي عليه أخوه العلامة الشيخ أحمد صاحب الدر المسلوك تحت القبة الشريفة جنب المنبر، واقتدي به الألوف من الناس، ودفن في أيوان حجرة من حجرات الصحن الشريف ملاصقة بمدرسة المرحوم الميرزا جعفر، وهو اليوم مشهور يزار، وعليه ضريح صغير من الصفر يقصده المؤمنون بقراءة القرآن والفاتحة والتبرك به.

رثاه وأرخ وفاته أحد الشعراء بقوله:

في ليلة القدر الوسطي وكان بها

وفاة حيدرة الكرار ذي الغير

يا من له جنة المأوي غدت نزلا

ارقد هناك فقلبي منك في سعر

طويت عنا بساط العلم معتلياً

فاهنأ بمقعد صدق عند مقتدر

تاريخ رحلته عاماً فجعت به

وأسري لنعمة باريه علي قدر

وفاة العلامة المجلسي رحمة الله عليه

في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان عام 1110ه توفي المحدث الكبير العلامة محمد باقر المجلسي (رضوان الله عليه).

هو العلامة المجلسي الثاني محمد باقر بن محمد تقي بن مقصود علي، ولد عام 1037 ه في مدينة اصفهان إيران. تعتبر أسرة العلامة المجلسي من أعظم الأسر التي يفتخر بها في القرون الأخيرة. فقد أنجبت هذه الأسرة ما يقرب من مائة عالم فاضل، منهم: العلامة الحافظ أبو نعيم الأصفهاني، صاحب كتاب حلية الأولياء، وهو من أجداد العلامة المجلسي. أبوه العلامة المولي محمد تقي المجلسي، المعروف بالمجلسي الأول (1003 - 1070 ه) كان محدثاً وفقيهاً كبيراً، وله مصنفات عديدة، وصاحب كرامات.

لقد اشتهر العلامة المجلسي الثاني في العلوم الإسلامية المختلفة، فكان كالشمس في سماء الفقه والاجتهاد. وامتاز بأنه كان من بين

أولئك العلماء الذين جمعوا مختلف العلوم. فلقد كان عالماً في التفسير والحديث والفقه والأصول والتاريخ والرجال والدراية. ويكفي لإثبات ذلك أن نلقي نظرة علي موسوعة بحار الأنوار.

ومن الخصائص المهمة في حياة العلامة المجلسي الزهد والبساطة في العيش.

عاش العلامة في عهد الصفويين وكان يلقب ب (شيخ الإسلام) في الحكم الصفوي، وقد كانت جميع الإمكانات متوفرة له، ومع هذا فقد عاش في نهاية الزهد والبساطة. يقول تلميذه السيد نعمة الله الجزائري: لم يغفل العلامة أبداً عن ذكر الله، وقام بجميع أعماله قربة إلي الله تعالي. كان العلامة قد طلب من الشاه عباس في مجلس تتويجه منع شرب الخمر وبيعه ومنع بعض المنكرات الأخري، وبالفعل فقد استجاب الشاه عباس الثاني لطلب العلامة وعمل بوصاياه. كما قلّده الشاه سليمان الصفوي في سنة 1098 منصب شيخ الإسلام في أصفهان. وكان هذا المنصب أفضل وأهم منصب ديني وتنفيذي في ذلك الزمان. فكان يقضي ويحكم في المنازعات والدعاوي وكانت الأمور الدينية تحت نظره وكانت تدفع إليه جميع الحقوق الشرعية وكان يتولي العاجزين والأيتام وغيرهم. علماً بأن العلامة لم يقبل هذا المنصب إلاّ بإصرار من الشاه، حيث أخذ يطلب منه ويكرر عليه الطلب حتي قبل العلامة. وقد بقي في هذا المنصب حتي آخر حياته.

من أساتذته ومشايخه: أبوه محمد تقي المجلسي المتوفي عام 1070 ه والذي كان أستاذه في العلوم النقلية. والمرحوم آقا حسين الخونساري المتوفي عام 1098 ه ابن آقا جمال، وكان أستاذ العلامة في العلوم العقلية. ومشايخه في النقل المولي محمد صالح المازندراني المتوفي عام 1086 ه والملا محسن الفيض الكاشاني المتوفي عام 1091. والسيد علي خان المدني صاحب الشرح المعروف علي الصحيفة السجادية المتوفي عام 1120 ه. والشيخ الحر العاملي مؤلف

كتاب وسائل الشيعة المتوفي عام 1104 ه. والجدير ذكره أن الأخيرين أعطيا للعلامة إجازة وأخذا منه الإجازة أيضا.

كانت حياة العلامة المجلسي حافلة بالبركات. فقد كان له اكثر من مائة مصنف باللغتين العربية والفارسية، وأحد هذه المصنفات هو (بحار الأنوار) في 110 مجلدات والآخر (مرآة العقول) في 26 مجلداً. وذكر أن أول مصنف له هو كتاب (الأوزان والمقادير) أو (ميزان المقادير) الذي كتبة سنة 1063 ه. وآخر كتاب له هو كتاب (حق اليقين) الذي ألّفه سنة 1109 ه، أي قبل وفاته بسنة واحدة.

توفّي العلامة المجلسي في ليلة 27 رمضان سنة 1110 ه في أصفهان عن ثلاثة وسبعين عاماً.

غزوة حنين

في اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان عام 8 ه خرج رسول الله صلي الله عليه و اله لغزوة حنين، وقيل كان خروجه أوائل شوال.

وكان سبب هذه الغزوة: أن الله لما فتح علي رسوله صلي الله عليه و اله مكة انصاعت له قبائل العرب كلها وأسلموا، إلاّ (هوازن) و(ثقيف) فإنهم عتوا عن أمر رسول الله صلي الله عليه و اله وفكّروا في اجتياح المسلمين والإغارة عليهم، فاجتمعوا وجمعوا الجموع والسلاح وقالوا: إن محمداً قاتله قوم لم يحسنوا القتال ولم يكن لهم علم بالحرب فغلب عليهم، ونحن اُولوا بصيرة في الحرب وتجربة في القتال، فسوف نغلبه. ثم عزموا علي قصده قبل أن يقصدهم، وقالوا: قبل أن يظهر ذلك منه سيروا إليه.

فقصدوا جانب المسلمين بعد أن اجتمعت هوازن وثقيف كلها، وكان علي هوازن رئيسهم مالك بن عوف النضري، وعلي ثقيف رئيسهم قارب بن الأسود، واتفق معهما نضر وجشم وسعد بن بكر وناس من بني هلال.

ثم خرجوا جميعاً بأموالهم وأولادهم ونسائهم لئلا يفروا وليكون ذلك أدعي لهم للحرب وللإستماتة من أجلها.

وخرج

إليهم رسول الله صلي الله عليه و اله بعد فتح مكة بعشرة آلاف ممن كانوا معه، وألف رجل من بني سليم، وألف رجل من مزينة، واتجه بهم الي منطقة حنين، وحنين واد جنب ذي المجاز علي مقربة من الطائف، وبينها وبين مكة ثلاث ليال.

وذلك بعد أن عقد اللواء الأكبر ودفعه الي علي عليه السلام إضافة الي الرايات التي كانت معهم حين دخول مكة وفتحها.

وكان دريد بن الصمة الجشمي شيخاً كبيراً من هوازن قد ذهب بصره من الكبر، فلمس الأرض بيده فقال: في أي واد أنتم؟.

قالوا: بوادي أوطاس.

قال: نعم مجال خيل، لا حزن ضرس، ولا سهل دهس، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهيق الحمير، وخوار البقر، وثغاء الشاة، وبكاء الصبي.

فقالوا له: إن مالك بن عوف ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم، ليقاتل كل امرئ عن نفسه وماله وأهله.

فقال دريد: راعي ضأن ورب الكعبة، ما له وللحرب.

ثم قال: ادعوا لي مالكاً.

فلما جاءه قال له: يا مالك، ما فعلت؟.

قال: سقت مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، ليجعل كل رجل أهله وماله وراء ظهره فيكون أشد لحربه.

فقال: يا مالك، إنك أصبحت رئيس قومك، وإنك تقاتل رجلاً كبيراً، وهذا اليوم لما بعده، ولم تضع في تقدمه بيضة هوازن إلي نحور الخيل شيئاً، ويحك وهل يلوي المنهزم علي شي ء، اردد بيضة هوازن إلي عليا بلادهم وممتنع محالهم، وأبق الرجال علي متون الخيل، فإنه لا ينفعك إلا رجل بسيفه ودرعه وفرسه، فإن كانت لك لحق بك من وراؤك، وإن كانت عليك لا تكون قد فضحت في أهلك وعيالك.

فقال له مالك: إنك قد كبرت وذهب علمك وعقلك، فلم يقبل من دريد.

فقال دريد: ما فعلت كعب وكلاب؟.

قالوا: لم يحضر منهم أحد.

قال: غاب الجد والحزم، لو

كان يوم علا وسعادة، ما كانت تغيب كعب ولا كلاب.

قال: فمن حضرها من هوازن؟.

قالوا: عمرو بن عامر، وعوف بن عامر.

قال: ذانك الجذعان لا ينفعان ولا يضران.

ثم تنفس دريد وقال: حرب عوان، ليتني فيها جذع، أخب فيها وأضع، أقود وطفاء الزمع، كأنها شاة صدع.

وبلغ رسول الله صلي الله عليه و اله اجتماع هوازن بأوطاس، فجمع القبائل ورغبهم في الجهاد، ووعدهم النصر، وأن الله قد وعده أن يغنمه أموالهم، فرغب الناس وخرجوا علي راياتهم، وعقد اللواء الأكبر ودفعه إلي أمير المؤمنين عليه السلام، وكل من دخل مكة براية أمره أن يحملها، وخرج في اثني عشر ألف رجل. فمضوا حتي كان من القوم علي مسيرة بعض ليلة. قال مالك بن عوف لقومه: ليصير كل رجل منكم أهله وماله خلف ظهره، واكسروا جفون سيوفكم، وأكمنوا في شعاب هذا الوادي وفي الشجر، فإذا كان في غلس الصبح فاحملوا حملة رجل واحد، وهدوا القوم فإن محمداً لم يلق أحداً يحسن الحرب.

فلما صلي رسول الله صلي الله عليه و اله الغداة انحدر في وادي حنين، وهو واد له انحدار بعيد، وكانت بنو سليم علي مقدمه، فخرجت عليها كتائب هوازن من كل ناحية، فانهزمت بنو سليم وانهزم من ورائهم، ولم يبق أحد من المسلمين إلا انهزم، وبقي أمير المؤمنين عليه السلام يقاتلهم في نفر قليل. ومر المنهزمون برسول الله صلي الله عليه و اله لايلوون علي شيء، وكان العباس أخذ بلجام بغلة رسول الله صلي الله عليه و اله عن يمينه، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عن يساره. فأقبل رسول الله صلي الله عليه و اله ينادي: يا معشر الأنصار، إلي أين المفر! ألا أنا رسول الله؟. فلم يلو أحد عليه.

فلم

يبقَ مع رسول الله صلي الله عليه و اله الاّ نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته، منهم وفي طليعتهم علي بن ابي طالب عليه السلام وأخوه عقيل والعباس وابنه الفضل وأبو سفيان بن الحارث ونوفل بن الحارث وربيعة بن الحارث واُسامة بن زيد وأيمن بن عبيد وقتل يومئذ ورسول الله صلي الله عليه و اله مصلت سيفه في المجتلد وهو علي بغلته البيضاء دلدل، وعلي عليه السلام بين يديه يضرب وجوه الناس ويردّهم عنه. وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو التراب في وجوه المنهزمين، وتقول: أين تفرون عن الله وعن رسوله؟. ومر بها عمر فقالت له: ويلك ما هذا الذي صنعت؟. فقال لها: هذا أمر الله.

فلما رأي رسول الله صلي الله عليه و اله الهزيمة، ركض يحوم علي بغلته قد شهر سيفه. فقال: ?يا عباس، اصعد هذا الطرب وناد: يا أصحاب سورة البقرة، ويا أصحاب الشجرة، إلي أين تفرون! هذا رسول الله صلي الله عليه و اله?.

ثم رفع رسول الله صلي الله عليه و اله يده، فقال: ?اللهم لك الحمد، وإليك المشتكي وأنت المستعان?. فنزل جبرئيل عليه السلام عليه، فقال له: ?يا رسول الله، دعوت بما دعا به موسي حين فلق الله له البحر، ونجاه من فرعون?. ثم قال رسول الله صلي الله عليه و اله لأبي سفيان بن الحارث: ?ناولني كفاً من حصي?. فناوله فرماه في وجوه المشركين، ثم قال: ?شاهت الوجوه?. ثم رفع رأسه إلي السماء وقال: ?اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد، وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد?.

فلما سمعت الأنصار نداء العباس، عطفوا وكسروا جفون سيوفهم وهم يقولون: لبيك. ومروا برسول الله صلي الله عليه و اله واستحيوا أن يرجعوا

إليه ولحقوا بالراية. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله للعباس: ?من هؤلاء يا أبا الفضل؟?. فقال: يا رسول الله هؤلاء الأنصار. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?الآن حمي الوطيس?. ونزل النصر من السماء وانهزمت هوازن، فكانوا يسمعون قعقعة السلاح في الجو، وانهزموا في كل وجه، وغنم الله رسوله أموالهم ونساءهم وذراريهم، وهو قول الله: ?لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ويَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ?().

مولد العلامة الحلي رحمة الله عليه

في اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان عام 648ه ولد الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي رحمة الله عليه المعروف بالعلامة الحلي في مدينة الحلة في بيت عرف بالفقاهة والدين، فقد كان والده من أجلّ فقهاء الشيعة في عصره.

عرف العلامة الحلِّي بالنبوغ مبكراً فقد نال درجة الإجتهاد في سن الصبا قبل أن يصل الي سنّ التكليف وتخرّج علي جهابذة العلماء في عصره منهم والده، والمحقق الحلي (خاله)، والخواجة نصير الدين الطوسي الذي قرأ عليه الكلام وغيره، كما قرأ المحقق الطوسي علي العلاَّمة الفقه.

انتهت إليه رئاسة الامامية في المعقول والمنقول ولقب بألقاب تعبّر عن غزارة علمه فمن ألقابه: آية الله، والعلامة، وجمال الدين، وعلاَّمة الدهر.

وقد وصفه عارفوه بأوصاف جليلة فقال عنه الجرجاني ?شيخنا المعظّم وإمامنا الأعظم سيد فضلاء العصر ورئيس علماء الدهر?.

وقال عنه الشهيد الأول: ?شيخنا الامام الأعظم حجة الله علي الخلق جمال الدين?.

وقال عنه السيد بحر العلوم: ?علاَّمة العالم وفخر بني آدم، أعظم العلماء شأناً وأعلاهم برهاناً?. تتلمذ علي العلامة نخبة كبيرة من فطاحل العلماء وصل عددهم إلي 500 مجتهد، منهم ولده فخر المحققين، وقطب الدين الرازي شارح الشمسية والمطالع.

وكان العلامة

رحمة الله عليه كثير التصانيف فقد كان يصنّف وهو راكب. ألف في الفقه والأصول والكلام والمنطق والفلسفة والرجال وغيرها منها: الإرشاد، تبصرة المتعلمين، القواعد، التحرير، تذكرة الفقهاء، المنتهي، منهاج الاستقامة، تلخيص الكشاف، الألفين، الباب الحادي عشر، كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد، مختلف الشيعة.

وفاته ومدفنه: توفي العلامة الحلي ? بعد عمر حافل بالجهد والسعي في إحياء الشريعة، في 11 محرم ليلة السبت أو يومه سنة 726 ه في الحلة المزيدية، وقد حمل نعشه الشريف علي الرؤوس إلي النجف الأشرف ودفن في جوار أمير المؤمنين عليه السلام في حجرة إيوان الذهب الواقعة علي يمين الداخل إلي الحضرة الشريفة العلوية من جهة الشمال بجنب المنارة الشمالية. وعند تعمير الروضة العلوية فتح باب ثان من الإيوان الذهبي يفضي الباب إلي الرواق العلوي، فصار قبر العلامة رحمة الله عليه في حجرة صغيرة مختصة به علي يمين الداخل ممراً للزائرين يقصدونها حتي اليوم، ولها شباك فولاذي، ويقابلها حجرة صغيرة أخري هي قبر المحقق الأدربيلي رحمة الله عليه مختصة به.

مناسبات أخري

وهناك مناسبات أخري في شهر رمضان، نشير إليها إشارة، رعاية للاختصار:

ففي بعض الروايات: أن الإمام الجواد عليه السلام ولد في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة().

وفي بعض الروايات: أن الإمام الحسن العسكري عليه السلام ولد في شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين ومائتين().

وورد أن في الليلة الأولي من شهر رمضان نزلت الصحف علي إبراهيم عليه السلام ().

وفي اليوم الأول من شهر رمضان 267 ه توفي عثمان بن سعيد رحمة الله عليه النائب الأول للإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

وفي السادس من شهر رمضان نزلت التوراة().

وفي الثامن من شهر رمضان نزل الإنجيل، وهو يوم ولادة الصديقة مريم عليها السلام. وفي بعض

الروايات أن نزول الإنجيل كان في 13 من شهر رمضان().

وفي اليوم 12 من شهر رمضان كانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في المدينة عام 2ه.

وفي الثامن عشر من شهر رمضان نزل زبور داود عليه السلام ().

وفي اليوم 24 من شهر رمضان هلك مروان بن الحكم الذي قال عنه رسول الله صلي الله عليه و اله: الوزغ بن الوزغ()، وقد قتلته زوجاته وجواريه.

وفي اليوم 25 من شهر رمضان وقع حرب النهروان سنة 38ه.

وفي اليوم 30 من شهر رمضان عام 208 ه توفيت السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي عليهم السلام.

نزول آية الزكاة

قال أبو عبد الله عليه السلام: ?لما أنزلت آية الزكاة ?خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها?() وأنزلت في شهر رمضان فأمر رسول الله صلي الله عليه و اله مناديه فنادي في الناس: أن الله فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض الله عزوجل عليهم من الذهب والفضة وفرض الصدقة من الإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب، فنادي فيهم بذلك في شهر رمضان?().

???

وهذا آخر ما أردنا بيانه في هذا الكتاب، والله الموفق للصواب.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() يقع الكتاب في 1072 صفحة قياس 24 × 17، وهو من تأليفات سماحته في كربلاء المقدسة، انتهي من تدوينه ليلة 6 رمضان المبارك 1375ه، وقد تناول فيه الأدعية والصلوات والزيارات المختلفة، كما ذكر بالتفصيل أعمال السنة وملحقاتها، ومنها: أعمال شهر رمضان وأدعيته. طبع الكتاب عدة مرات في لبنان والكويت وإيران. كما طبع باللغة الفارسية في إيران، وباللغة الأردية في باكستان، نقلها إلي الأردو آية الله الشيخ اختر عباس النجفي.

() سورة البقرة: 185.

() سورة البقرة: 183.

() سورة البقرة: 185.

() وسائل الشيعة: ج10 ص314 ب18 ح13494.

() وسائل الشيعة: ج10 ص314 ب18 ح13494.

() وسائل الشيعة: ج10 ص314 ب18 ح13494.

() سورة القدر: 3.

() وسائل الشيعة: ج10 ص314 ب18 ح13494.

() سورة الفجر: 24.

() سورة الفرقان: 27.

() قال الشيخ الطبرسي في (مجمع البيان): هذا آخر آية نزلت من القرآن. وقال جبرئيل: ضعها في رأس الثمانين والمائتين من البقرة. مجمع البيان: ج2 ص214.

() سورة البقرة: 281.

() سورة المزمّل: 17-18.

() نهج البلاغة: الخطب 167 ومن خطبة له عليه السلام في أوائل خلافته.

() مستدرك الوسائل:

ج12 ص52 ب63 ح13489.

() سورة الزلزلة: 7-8.

() وهي سورة الزلزلة.

() سورة الزلزلة: 7 و8.

() أشار إلي هذه الرواية الطبرسي في مجمع البيان: ج10 ص418.

() بحار الأنوار: ج7 ص258 ب11 ح1.

() راجع الكافي: ج2 ص18 باب دعائم الإسلام ح1.

() سورة النساء: 80.

() سورة المائدة: 55-56.

() راجع بحار الأنوار: ج28 ص55 ب2 ح22.

() سورة المائدة: 27.

() سورة التوبة: 53-54.

() راجع موسوعة (الفقه): كتاب الحدود والتعزيرات.

() الكافي: ج2 ص617 باب في كم يقرأ القرآن ويختم ح2.

() سورة التوبة: 36.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص99 باب فضل شهر رمضان وثواب صيامه ح1843.

() وسائل الشيعة: ج10 ص319 ب19 ح13504.

() بحار الأنوار: ج93 ص377 ب48 ح1.

() تهذيب الأحكام: ج9 ص177 ب6 ح14.

() كمال الدين: ج1 ص281 ب24 ح32.

() وسائل الشيعة: ج10 ص312-313 ب18 ح13493.

() تهذيب الأحكام: ج3 ص244 ب24 ح42.

() بحار الأنوار: ج93 ص356-358 ب46 ح25.

() الكافي: ج4 ص66-67 باب فضل شهر رمضان ح4.

() وسائل الشيعة: ج10 ص309 ب18 ح13487.

() تهذيب الأحكام: ج4 ص193 ب47 ح5.

() مصباح الكفعمي: ص646 ف2.

() مستدرك الوسائل: ج7 ص485 ب25 ح8712.

() بحار الأنوار: ج93 ص361 ب46 ح28.

() الكافي: ج2 ص18 باب دعائم الإسلام ح2.

() وسائل الشيعة: ج1 ص18 ب1 ح11.

() الخصال: ج1 ص277-278 الدعائم التي بني عليها الإسلام خمس ح21.

() بحار الأنوار: ج66 ص197 ب33 ح13.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص205 باب فرض الصلاة ح614.

() مصباح المتهجد: ص627 فصل فيما يقال عند الإفطار.

() الكافي: ج4 ص92 باب فضل صوم شعبان وصلته برمضان ح3.

() سورة البقرة: 183-184.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص73-74 باب علة فرض الصوم ح1769.

() سورة البقرة: 183.

() وسائل الشيعة: ج10 ص240 ب1 ح13316.

() الكافي: ج4 ص94 باب أنه يستحب السحور ح1.

()

تهذيب الأحكام: ج4 ص201 ب53 ح1.

() المحاسن: ج2 ص396 ب2 ح66.

() الكافي: ج4 ص68 باب من فطر صائماً ح3.

() وسائل الشيعة: ج10 ص139 ب3 ح13047.

() الكافي: ج2 ص630 باب النوادر ح10.

() سورة الإسراء: 9.

() سورة البقرة: 185.

() سورة الأنبياء: 92.

() مدينة مغربية علي مضيق جبل طارق.

() عاصمة إندونيسيا ومرفأ في جاوه.

() دولة عربية في شمال إفريقيا علي البحر الأبيض المتوسط بين مصر والسودان وتشاد ونيجر والجزائر وتونس.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص152 ب11 ح21.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص112 ب1 ح20906.

() سورة الأعراف: 157.

() سورة طه: 124.

() وسائل الشيعة: ج6 ص216 ب27 ح7771.

() تهذيب الأحكام: ج3 ص100 ب5 ح33.

() سورة البقرة: 185.

() الكافي: ج2 ص628-629 باب النوادر ح6.

() بحار الأنوار: ج11 ص59 ب1 ح64.

() الكافي: ج2 ص629 باب النوادر ح6.

() وسائل الشيعة: ج10 ص308-309 ب18 ح13485.

() بحار الأنوار: ج46 ص65 ب5 ح25.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص98 باب فضل شهر رمضان وثواب صومه ح1837.

() فضائل الأشهر الثلاثة: ص103 كتاب فضائل شهر رمضان ح90.

() وسائل الشيعة: ج6 ص445 ب10 ح8400.

() الكافي: ج4 ص70-71 باب ما يقال في مستقبل شهر رمضان ح1.

() بحار الأنوار: ج93 ص359 ب46 ح26.

() مستدرك الوسائل: ج7 ص437-438 ب11 ح8607.

() الاستبصار: ج1 ص461 ب287 ح7.

() الكافي: ج4 ص154 باب ما يزاد من الصلاة في شهر رمضان ح1.

() تهذيب الأحكام: ج3 ص62 ب4 ح14.

() وسائل الشيعة: ج8 ص22 ب2 ح10023.

() وسائل الشيعة: ج8 ص22 ب2.

() إقبال الأعمال: ص151 ب19.

() الكافي: ج3 ص40 باب أنواع الغسل ح2.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص156 باب الغسل في الليالي المخصوصة في شهر رمضان ح2017.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص77 باب الأغسال ح172.

() وسائل الشيعة: ج3 ص325 ب14

ح3770.

() بحار الأنوار: ج78 ص18 ب1 ضمن ح24.

() إقبال الأعمال: ص14 ب4 فصل فيما نذكره من فضل غسل أول ليلة منه.

() وسائل الشيعة: ج3 ص326-327 ب14 ح3779.

() وسائل الشيعة: ج3 ص327 ب14 ح3780.

() إقبال الأعمال: ص220 ب29.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص155.

() وسائل الشيعة: ج10 ص316-317 ب18 ح13501.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص511 باب صلاة العيدين ح1479.

() الكافي: ج6 ص401 باب آخر منه ح6.

() الأمالي للطوسي: ص690-691 المجلس39 ح1468.

() تهذيب الأحكام: ج4 ص193 ب47 ح6.

() غوالي اللآلي: ج1 ص361 المسلك الثاني في أحاديث تتعلق بمصالح الدين … ح42.

() وسائل الشيعة: ج10 ص315 ب18 ح13497.

() وسائل الشيعة: ج10 ص317-318 ب18 ح13502.

() توضيح المقاصد: ص22 الشهر التاسع شهر رمضان المبارك.

() انظر (شهر شعبان) للإمام المؤلف ?.

() بحار الأنوار: ج8 ص178 ب23 ح133.

() روضة الواعظين: ج2 ص269.

() كشف الغمة: ج1 ص508 فصل في مناقب خديجة ?..

() بحار الأنوار: ج16 ص7 ب5 ح11.

() وسائل الشيعة: ج17 ص204 ب48 ح22349.

() وسائل الشيعة: ج17 ص203 ب48 ح22349.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص147-148 ب40 ح19.

() أي تظاهر بالبكاء.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص139-140 ب40 ح3.

() سورة التوبة: 40.

() سورة إبراهيم: 18.

() سورة المعارج: 36-37.

() سورة الكهف: 37.

() سورة إبراهيم: 4.

() سورة الحجر: 9.

() سورة التوبة: 26.

() سورة الفتح: 26.

() بحارالأنوار: ج 27 ص329 ب2 ح1.

() الاحتجاج: ج2 ص496-497.

() الإرشاد: ج2 ص260-263.

() انظر (شهر شعبان) للإمام المؤلف ?.

() قال ابن خلكان: يوسف بن الحكم.

() قال ابن الأثير: بن عامر بن مسعود.

() السالخ: الأسود الخالص.

() معجم البلدان للحموي: ج2 ص9.

() سورة الأنعام: 84-85.

() سورة التوبة: 24.

() انظر بحار الأنوار: ج 45 ص332 ب49 ح1.

() راجع بحار الأنوار: ج

45 ص335-337 ب49 ح1.

() رجال الكشي: ص125. ورجال العلامة: ص168. ورجال ابن داود: ص513.

() بحار الأنوار: ج45 ص343 ب49 ح9.

() رجال ابن داود: ص513.

() بحار الأنوار: ج45 ص344 ب49 ح13.

() رجال الكشي: ص127.

() بحار الأنوار: ج44 ص334 ب37.

() الأمالي للصدوق: ص128-129 المجلس 27 ح3.

() بحار الأنوار: ج44 ص334 ب37.

() سورة الإسراء: 1.

() الخرائج والجرائج: ج1 ص141

() بصائر الدرجات: ص79 النوادر من الأبواب في الولاية ح10.

() روضة الواعظين: ج2 ص501.

() انظر بحار الأنوار: ج18 ص375-376 ب3.

() القعب: القدح الضخم الغليظ.

() للتفصيل عن قصة المعراج انظر بحار الأنوار: ج18 ص282 باب إثبات المعراج ومعناه وكيفيته وصفته وما جري فيه ووصف البراق.

() راجع تفسير العياشي: ج2 ص277.

() المناقب: ج1 ص179 فصل في معراجه ?.

() الكافي: ج8 ص376 ح567.

() مستدرك الوسائل: ج1 ص96 ب6 ح78.

() مستدرك الوسائل: ج3 ص140 ب23 ح3212.

() إرشاد القلوب: ج1 ص205-206 ب54.

() مستدرك الوسائل: ج4 ص334 ب44 ح4817.

() مستدرك الوسائل: ج5 ص355 ب35 ح6072.

() مستدرك الوسائل: ج5 ص373 ب39 ح6124.

() إرشاد القلوب: ج1 ص203 ب54.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص14 ب97 ح10070.

() بحار الأنوار: ج74 ص21 ب2 ح6.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص233 ب14 ح12836.

() بحار الأنوار: ج74 ص26 ب2.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص36 ب61 ح13446.

() إرشاد القلوب: ج1 ص203 ب54.

() مستدرك الوسائل: ج16 ص218-219 ب2 ح19647.

() اليقين: ص291 ب104.

() بحار الأنوار: ج6 ص239-241 ب8 ح59.

() بحار الأنوار: ج8 ص291 ب24 ح30.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص303 ب30 ح3100.

() بحار الأنوار: ج8 ص174 ب23 ح122.

() بحار الأنوار: ج18 ص300 ب3.

() بحار الأنوار: ج45 ص228-229 ب41 ح24.

() بحار الأنوار: ج27 ص12 ب10 ح28.

() الأمالي للصدوق: ص591-592 المجلس86 ح16.

() سورة النجم: 8-9.

() بحار الأنوار: ج18 ص302-303 ب3 ح6.

() تفسير العياشي:

ج2 ص212 سورة الرعد ح46.

() سورة التوبة: 32.

() سورة الأنفال: 9.

() الدعاء والزيارة، للإمام الشيرازي ?: ص445-463-2 ط1 عام 1414ه 1994م مؤسسة البلاغ، بيروت.

() الكافي: ج4 ص160 باب في ليلة القدر ح12.

() وسائل الشيعة: ج3 ص303 ب1 ح3709.

() بحار الأنوار: ج94 ص18 ب53 ح40.

() سورة القدر: 1.

() سورة الدخان: 4.

() سورة القدر: 3.

() ثواب الأعمال: ص67-68 باب فضل شهر رمضان وثواب صيامه.

() الجهني هو عبد الله بن أنيس الأنصاري وحديثه أنه قال لرسول الله ?: إن منزلي ناء عن المدينة، فمرني بليلة أدخل فيها، فأمره بليلة ثلاث وعشرين. انظر (من لا يحضره الفقيه): ج2 ص160-160 باب الغسل في الليالي المخصوصة في شهر رمضان ح2031.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص159-160 باب الغسل في الليالي المخصوصة في شهر رمضان ح2029.

() وسائل الشيعة: ج10 ص357-358 ب32 ح13597.

() بحار الأنوار: ج95 ص168 ب 7.

() بحار الأنوار: ج42 ص239 ب127. وخصائص الأئمة: ص63. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج9 ص207. والطرائف: ج2 ص519. والمناقب لابن شهر آشوب: ج2 ص119.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص155 باب الغسل في الليالي المخصوصة في شهر رمضان ح2015.

() سورة لقمان: 34.

() سورة العنكبوت: 45.

() سورة مريم: 90.

() سورة طه: 55.

() راجع بحار الأنوار: ج42 ص280 ب127.

() راجع بحار الأنوار: ج42 ص280 ب127.

() راجع بحار الأنوار: ج31 ص377. والمناقب: ج2 ص139.

() بناء عتيق يشبه العمود ويقال له العلم أيضاً.

() انظر الأمالي للصدوق: ص318-319 المجلس 52 ح4.

() انظر الأمالي للطوسي: ص123-124 ح191.

() بحار الأنوار: ج42 ص234 ب127.

() انظر جامع الأخبار: ص21-22.

() بحار الأنوار: ج42 ص212 ب127.

() بحار الأنوار: ج42 ص202-204 ب127 ح7.

() انظر الكافي: ج1 ص299-301 باب الإشارة والنص علي الحسن بن علي ?

ح6.

() سورة التوبة: 25.

() الكافي: ج1 ص492 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني عليه السلام.

() الكافي: ج1 ص503 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام.

() الكافي: ج2 ص628 باب النوادر ح6.

() الكافي: ج2 ص628 باب النوادر ح6.

() الكافي: ج2 ص629 باب النوادر ح6.

() الكافي: ج4 ص157 باب في ليلة القدر ح5.

() الكافي: ج8 ص238 حديث القباب ح324.

() سورة التوبة: 103.

() الكافي: ج3 ص497 باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق ح2.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.