اسم الكتاب: الأخلاق الإسلامية
المؤلف: حسيني شيرازي، محمد
تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش
اللغة: عربي
عدد المجلدات: 1
الناشر: ياس الزهراء
مكان الطبع: قم
تاريخ الطبع: 1424 ق
الطبعة: اول
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي الهادي البشير والسراج المنير محمّد وآله الطاهرين.
أمّا بعد، فإنّ الذي يلاحظ مسيرة الأنبياء العطرة، ويدقّق في حيثياتها المباركة، يتجلّي له كالشمس في وضح النهار أنّ كافّة الرسالات السماوية قد اتّفقت علي مسألة واحدة وإن اختلفت في الأدوار ألا وهي مسألة إحياء الأخلاق الفاضلة بين الناس ونشر الآداب الحميدة في أوساطهم.
نعم، لقد عكفت الرسالات السماوية علي نشر الأخلاق والقيم الأصيلة بين الشعوب علي مرّ الأزمان، وقد ضحّي أرباب الرسالات بالغالي والنفيس من أجل تحقيق هذه الغاية السماوية، خاصّة خاتم الأنبياء النبي الأكرم محمّد بن عبد الله صلي الله عليه و اله الذي تحمّل الكثير من المشاقّ والرزايا حتّي قال مقولته المعروفة: ?ما اُوذي نبي بمثل ما اُوذيت?().
وقد صرّح الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله بأهمية دور الأخلاق وجعل إحياءها، وإرساء قواعدها، وتشييد صرحها، الهدف من بعثته، والغاية من رسالته فقال صلي الله عليه و اله: ?إنّما بُعثت لاُتمّم مكارم الأخلاق?().
ومن جرّاء هذا التأكيد الكبير عن الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله بالنسبة إلي الأخلاق الإسلامية، خرجت الاُمّة الجاهلية من ظلمات الجهل المطبق الذي كان يجثم فوق عقول الناس ونفوسهم إلي نور العلم والأخلاق، وأخذت ترتقي في مدارج التقدّم والكمال حتّي نالت أسمي المراتب وأعلاها بحيث إنّ الباري تعالي مدحها في كتابه الكريم فقال: ?كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ?().
واليوم إذا أردنا إعادة ذلك المجد الأصيل الذي شيّده المسلمون في صدر الإسلام فلابدّ لنا من العودة إلي نفس الأخلاق
الإسلامية التي نادي إليها رسول الإنسانية وأكّد عليها الأئمّة الأطهار عليهم السلام في شتّي أحاديثهم الشريفة.
وهنا تتّضح أهمية مباحث الأخلاق التي يؤكّد عليها العلماء الأعلام في مباحثهم ومصنّفاتهم الأخلاقية.
ومن ضمن البحوث الأخلاقية القيّمة التي كان لها دور مشرق في ترويج الأخلاق الإسلامية بين الناس وإيصالها إلي مختلف الطبقات باُسلوب سهل يحاكي العقول ويخاطب الضمائر الحيّة هو هذا الكتاب ?الأخلاق الإسلامية? الذي ألّفه سماحة الإمام الشيرازي ? صاحب الأخلاق الفاضلة والآداب الإسلامية الرفيعة عندما كان في مدينة كربلاء المقدّسة.
ولا يخفي أنّ هذا الكتاب هو حلقة صغيرة من مصنّفات الإمام الشيرازي الكثيرة البالغ عددها أكثر من 1300 كتاب ومصنّف والتي تدلّ بوضوح علي سعة علمه ? وعمق إطّلاعه ومواصلة تتبّعه عن تراث أهل البيت عليهم السلام.
الناشر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي محمّد وآله الطاهرين.
أمّا بعد: فهذا عرض موجز للأخلاق الإسلامية، انتزعناه من الكتاب الكريم والسنّة الشريفة، موضّحين فيه مدي عمق الرصيد الضخم الذي يتميّز به هذا الدين الحنيف. فقد يتحيّر الإنسان تعجّباً حينما يري البون الشاسع بين القيادة المحمّدية صلي الله عليه و اله في الأخلاق، وبين المستوي الرديء الذي انحطّ إليه المسلمون في العصر الحاضر، وليس هذا لدي التدقيق إلاّ من خطط الاستعمار الذي سلب المسلمين كل شيء: من مبدأ ودين، وفضيلة وأخلاق.. فأبعد المسافة بينهم وبين الإسلام الحنيف، وأتي عليه، ثمّ دفنه بينهم وهو ينبض بالحياة، حتّي لا يقوم لهم عماد، ولا يتقدّم أحدهم بطلب دية هذا الموءود القتيل، الذي دفنه حقد الاستعمار الغاشم، القتيل الذي كان به عزّهم ورفعتهم، ودنياهم وآخرتهم، واستقلالهم وسيادتهم..
فقد ابتعد المسلمون عن دينهم حتّي أنّ بعضهم زعم وهم في أحضان الكتاب والسنّة أنّ سبب تأخّرهم
هو الإسلام!، وأنّ علّة الفقر والجهل، والفساد والكبت، والاستبداد والدكتاتورية، هي تمسّكهم بمبادئه الأصيلة، وبذلك أصبح المريض يفرّ من علاجه إلي حيث يكمن موته المحتوم، والاستعمار مستمر في تشويه الحقيقة، ودائب في عرض البديل المصطنع والسقيم، والمسلمون غافلون عمّا يراد بهم، سائرون علي المنهاج المصطنع، وكلّما ازداد المسير، ابتعدوا عن المقصد.
والمدهش حقّاً هو تهافت بعض شباب المسلمين علي فُتات من موائد الغرب أو الشرق، زاعمين أنّه غذاء الروح السليم، فإذا ما ظهر كتاب اجتماعي أخلاقي لأحد الغربيين، يحمل اسم: ?كيف تكسب الأصدقاء? تجدهم قد انقضّوا عليه مسرعين دون أن يعلموا أنّ ما فيه ليس إلاّ جزءً من ألف جزء من رصيدهم الثقافي العلمي العتيد، والاجتماعي الأخلاقي الضخم، الذي نثره بين أيديهم كتابهم وشريعتهم قبل أربعة عشر قرناً، ثمّ لا يبالون بأن ينسبوا شريعتهم إلي الرجعية والجمود، مع أنّ تقدّم الغرب إن كان هناك تقدّم هو مدين للإسلام العظيم.
إنّ من ينصف حقّاً لابدّ له أن يعترف بأنّ الإسلام أغني شرائع السماء، وأكمل من كل قوانين الأرض، وأتقن من كلمات الحكماء، وآداب الكتّاب، وقصائد الشعراء.. من جهة شمولها علي كنوز الفضيلة الممتعة، ومعادن الأخلاق الغنيّة، بل إنّنا إذا جمعنا كل الحكم والقصائد المنثورة والمنظومة، التي ورّثها الأنبياء والحكماء لوجدنا أنّ الإسلام أكثر منها جميعها غنيً من هذه الناحية.
إنّ الدين الإسلامي منذ أن أعلن نبيّه العظيم فقال صلي الله عليه و اله: ?بُعثتُ لاُتمم مكارم الأخلاق?() أبدي شيئاً لم يكن بالحسبان ألا وهو الارتباط الوثيق بين الدين والخُلُق، بحيث إنّ كل شعيرة من شعائر الإسلام تجدها متشابكة مع فضيلة من الفضائل، فلا الدين وحده هو المناط، ولا الأخلاق وحدها هي الملاك، بل الدين والأخلاق معاً. وسيأتي عرض النواحي
الأخلاقية لطائفة من الأحكام الشرعية المؤكّدة علي أواصر القرابة بين الإسلام والفضيلة.
فمن لا فضيلة له لا دين له، وإن صلّي وصام وزكّي وحجّ.. ومن لا دين له لا فضيلة له، وإن جاد وأعطي، وواسي ووفي..
وعلي كلّ حال، فإنّ الأخلاق لا يكفي فيها الاتّصاف المجرّد الفارغ عن الروح، مثلما لا يجدي العلم بمحاسن الصفات، ومساوي الملكات، وإن قدر العالم بها من ترصيفها ووصفها، وتقسيمها وجمعها، وعلم أنّ أيّها داخل في القوّة الشهوية؟ وأيّها مرتبط بالحالة السبعية؟
بل إنّ النافع هو الملكة الحاصلة من التكرّر، بحيث تنطبع في النفس علي أثرها الصفات الحميدة، وتنمحي عنها الخصال الفاسدة، ويصبح الرجل والكرم مثلا منتهي اُمنيته، والشجاعة رسم طبيعته، فتراه يجود في كل مناسبة، ويقدم في مظانّ الخوف والهول. وحينذاك يمكن أن يطمئن الإنسان بوجود الفضيلة في نفسه، وانمحاء الرذيلة عنها، إلاّ أنّ الوصول إلي ذلك يحتاج إلي تخطّي الكثير من العقبات الكأداء.
ولذلك وكما قال علماء الأخلاق إنّه ليس هناك وسيلة لتحصيل الملكة أجدي من دوام التذكّر، والاستمرار في العمل، فإنّ النفس كالورقة البيضاء، يؤثّر فيها المحيط والبيئة والتربية والتعليم.. وينطبع فيها الغالب من الصفات.
ولا يخفي أنّ الانطباع في النفس ليس أمر يسيراً، بل يحتاج إلي التكرار والمداومة. وبالمقابل فإنه لو انطبع فيها لون من ألوان الرذيلة، فالأمر أصعب بكثير. إذ حتّي يوفّق الإنسان إلي إزالة تلك الملكة، وإيجاد ملكة اُخري ربما يحتاج عمراً كاملا.
وممّا يجدر الإشارة إليه هو أنّ الإنسان مهما تعب لتحصيل الفضيلة، وإزالة الرذيلة لم يكن عمله عبثاً أو قليل الفائدة كما يزعمه البعض وذلك لأنّ مدار الرقي، والذكر الحسن.. ليس إلاّ الفضيلة. أمّا سائر الاُمور الاُخري: كالشرف الرفيع، والجاه العريض، والمال الغزير، بل والعلم الواسع لا تكاد
تعد شيئاً يذكر ما دام الشخص عارياً عن حلية الأخلاق الحسنة، وفاقداً لجمال الآداب الحميدة وإن احتاج إليه الناس وركعوا أمام شرفه أو جاهه.. فإنّه عرض زائل، لا بقاء له ولا دوام.
كربلاء المقدّسة
محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي
الطهارة من أوّليات الشرع الإسلامي، ومن ضروريات الدين الحنيف، ولذا تري أنّ أوّل كتاب يبحث في الفقه هو كتاب: (الطهارة). وليست الطهارة الظاهرية فقط بل الطهارة الباطنية أيضاً مقابل القذارة الظاهرية والقذارة الباطنية، فإنّ القذارة علي قسمين: معنوية وظاهرية، وكلتا القذارتين نقص يشين الشخص ويسقطه عن الكمال فيهبط به إلي هوّة الدناءة والخسّة وإن كانت القذارة المعنوية أهبط جهة وأخسّ درجة، فالقذارة هي هي، سواء لوّثت الباطن أو الظاهر. وقد يفرّق بينهما فيقال: إنّ الظاهرة منها تنكشف للعين بأوّل نظرة فيمجّها النظر وتزدري نفس صاحبها منها فيكون الاجتناب عنها أسرع والتخلّص من آثارها أسهل. أمّا الباطنة فلاتنكشف إلاّ عند التجربة حيث تنبري خفايا النفس وتظهر تعاريج الضمير.
وحيث إنّ الإسلام يحرص كلّ الحرص علي تطهير المجتمع من رواسب القذارة فإنّه أخذ يرشد الإنسان إلي مواضع الطهارة، ويؤكّد علي ضرورة النقاء، ولزوم التنظيف المستمر للقلب والجوارح وسائر الأعضاء، علي حدّ سواء. ويحذّر الإنسان من الغفلة في هذا المجال، ومن التجاهل وعدم الاعتناء بما يصيب جسده من القذارات، أو ما ينشب في قلبه من الرذائل، فقد توالت الإرشادات في القرآن الكريم والسنّة الشريفة إلي لزوم النظافة بشكل كبير. وما الرصيد الضخم من الأحاديث المنادية إلي تحصيل الفضيلة والتجلّي بها فضلا عن تسليط الأضواء علي الرذائل المنفّرة إلاّ لما ذكرناه.
والمسلمون في العهود السابقة حيث كانوا ملتزمين بأحكام الشريعة، ومستنّين بمناهجها السمحة، كانت أخلاقهم أجمل، ومشاعرهم أطهر، حتّي إذا ما جاء اليوم الذي
تخلّوا فيه عن قرآنهم وحديثهم، فارتكسوا في بؤرة القذارة، وارتطموا في أوحال الدناءة.
إحدي الصفات الحميدة للإنسان هي طهارة العين من الخيانة، وذلك بأن لا يمدّ عينه إلي حرمة من حرمات الله، ولا يتمنّي ما ليس له من أعراض الناس، وأموال الآخرين.
وقد نهي الله تعالي رسوله صلي الله عليه و اله عن ذلك تنبيهاً للاُمّة، وإرشاداً لما فيه صلاح القلب، فقال عزّ من قائل: ?وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَي مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا?().
إنّ الله تعالي حسب حكمته العادلة يُمتّع أصنافاً من الناس بمتع الحياة الدنيا، اختباراً لهم وامتحاناً للذين حُرموا منها، أو جزاءً علي سالف أعمال عملوها ابتغاء مرضاة الله، وليس ما يُمتّع به هؤلاء إلاّ كزهور الربيع التي لا تلبث طويلا حتّي تلفحها نفحات الصيف فتذويها وتذهب بزينتها، وتهشّم عودها فتصبح هشيماً تذروه الرياح.
ولذلك فإنّ الذي يمدّ العين إليها ليس إلاّ متمنّياً ما ليس له، وراغباً فيما لم ترَ الحكمة العليا صلاحه فيه، وربما كان نظره هذا مجلبة لحسرة دائمة، ومفسدة لقلب سليم.
ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ?النظر سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة?() فكما أنّ السهم يؤثّر في الجسم فيفسد أعضاءه كذلك النظر المسموم، فإنّه يؤثّر في الروح فيفسد القلب، بل ربما كان السم في النظر أفتك من السم في السهام المسمومة. إذ أنّ المفاسد التي تترتّب علي السهام المسمومة أقلّ من المفاسد التي تنطوي عليها النظرات الطائشة.
ولذا فإنّ الإمام الصادق عليه السلام يقول: ?النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة. وكفي بها لصاحبها فتنة?() وأي فتنة أعظم من ثمار هذا الزرع الخبيث ثمار النظر إلي المحرّمات الذي يعجز الأطباء عن قلع
جذوره فيبقي ينمو وينمو حتي يؤتي اُكله المرّ البشع.
فعن الصادقين عليهما السلام: ?ما من أحد إلاّ وهو يصيب حظّاً من الزنا: فزنا العينين النظر!، وزنا الفمّ القبلة!، وزنا اليدين اللمس!، صدّق الفرج ذلك أو كذب?() ولا غرابة في ذلك، فإنّ النظر شهوة محرّمة والزنا كذلك شهوة محرّمة. ولذلك شبّه الأوّل بالثاني وإن اختلفت المراتب، وتباعدت المقادير.
ونحن لو تساءلنا قائلين: ما هي غاية من ينظر إلي ما ليس له مع إنّه يجرّ إلي قلبه الاضطراب، وإلي أعصابه الهيجان؟ بل إنّه كمن يأكل ما يمرضه لمجرد أنّه حلو المذاق، أو شهوة لسان، ولو صبر قليلا، وكبح جماح نفسه، لوجد حلاوة الطهارة وراحة الأمن من المفسدة الموبقة. ولهذا يقول الإمام الصادق عليه السلام: ?النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها لله عزّوجلّ لا لغيره، أعقبه الله أمناً وإيماناً يجد طعمه?().
وكم في قوله: ?لله.. لا لغيره? من حكمة؟! إذ أنّ من يترك النظر لأمر يرجوه، أو غاية يخافها غير الله لا يلبث طويلا حتّي تحدّثه نفسه بأضعاف ما كانت تسوقه إليه عينه من الوسواس، ثمّ هو إن نجي من المزلقة هذه المرّة لبعض الاُمور، فلن ينجو منها مرّة اُخري، فهو عرضة للخطر، ومظنّة للإثم، وموضع زلّة وفساد.
وإلي ذلك يشير الإمام الرضا عليه السلام قائلا: ?وحرّم النظر إلي شعور النساء المحجوبات بالأزواج، وإلي غيرهنّ من النساء، لما فيه من تهييج الرجال، وما يدعو إليه التهييج من الفساد، والدخول فيما لا يحل ولا يجمل، وكذلك ما أشبه الشعور..?().
فالنظر وإن بدا بادئ الأمر تافهاً لا قيمة له في فساد أو إفساد، إلاّ أنه أوّل القطار، فلا يلبث طويلا حتّي تنجم عنه عواقب وخيمة، وتترتّب عليه هنات عظيمة.
وحيث إنّ من أدب الرسول
صلي الله عليه و اله التدرّج في بيان الفضائل وفق تلائم الظروف ولكي يكون الإرشاد بلسماً للجرح الذي يقاسيه المجتمع، فيقع موضع القبول والتسليم. فقد كانت عظاته صلي الله عليه و اله موقوتة، وتوجيهاته موزّعة حسب الظروف والأحوال..
ففي الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام قال: ?استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنّعن خلف آذانهنّ فنظر إليها وهي مقبلة، فلمّا جازت نظر إليها، ودخل في زقاق قد سمّاه ببني فلان، فجعل ينظر خلفها، واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة، فشقّ وجهه، فلمّا مضت المرأة، نظر فإذا الدماء تسيل علي ثوبه وصدره، فقال: والله لآتين رسول الله صلي الله عليه و اله ولأخبرنّه! فأتاه فلمّا رآه رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ما هذا؟ فأخبره، فهبط جبرئيل عليه السلام بهذه الآية: ?قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَي لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ?()?().
ولا يخفي أنّ للترتيب الموجود في الحديث بين غضّ البصر، وحفظ الفرج، ثمّ بعد ذلك بيان الزكاة التي هي الطهارة عقيب ذينك الأمرين، له حكمته المهمّة، فإنّ النظرة الخاطئة هي التي تثير بوادر الزنا، إلي أن يفقد الإنسان الطهارة والشرافة التي نادي إليها الإسلام. فكم حدّثنا التأريخ عن مآسي خيانة العين، فليس من الصدفة أن ينصّ القرآن علي علم الله تعالي بحركة العين الطائشة فيقول عزّوجلّ: ?يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ?() بل إنه تعالي يحيط عباده علماً ويخبرهم بأنّه سبحانه عالم بخيانة الأعين وبما تخفيه الصدور، وسوف يحاسبهم علي كل لمحة بصر، وكل وسوسة صدر.
هذا من جانب ومن جانب آخر: إنّ هناك شيئاً أسوأ من النظر المحرّم في الأزقّة والطرقات، ألا وهو النظر المحرّم للأعراض المحرّمة
في البيوت أو من فوق السطوح أو شقّ الباب أو كوّة البيت.. فهو خيانة ودناءة، يأباهما من شرفت نفسه، وطهرت سريرته.
وإلي ذلك يشير رسول الله صلي الله عليه و اله في حديثه قائلا: ?من اطّلع في بيت جاره، فنظر إلي عورة رجل أو شعر امرأة، أو شيء من جسدها، كان حقّاً علي الله أن يدخله النار، مع المنافقين الذين كانوا يتّبعون عورات النساء في الدنيا، ولا يخرج من الدنيا حتي يفضحه الله ويبدي للناس عورته في الآخرة، ومن ملأ عينيه من امرأة حراماً، حشاهما الله يوم القيامة بمسامير من نار، وحشاهما ناراً حتّي يقضي بين الناس، ثمّ يؤمر به إلي النار?().
نعم، فإنّ النظر إلي عرض محظور، أو إلي عورة محرّمة، والتطلّع في بيت محجور، ومدّ العين إلي خصوصيات الآخرين.. كلّها جنايات نفسية، تكشف عن خفّة الحجي، ودناءة الباطن.
المسلم نزيه اللسان، فهو لا يلمز، ولا يهمز، ولا يشتم، ولايهذر، ولا يستغيب، ولا ينمّ، ولا، ولا … فاللسان كثير الجريمة، إن لم تصدّه النزاهة، ولم يزمّه الرجل بزمام من الصمت، ربما أودي بصاحبه، وأورده موارد الهلكة، ولذا فإنّ الإنسان الثرثار عادةً ما يغلب عليه العطب، ويثقل علي الناس مجلسه. حيث إنّه يسيء إلي الغير وهو يظنّ أنّه يحسن.
فالقاذورات مهما كانت منتنة، وكان تنفّر الإنسان منها أكثر، فإنّها لا تبلغ عشر معشار ما يبلغه اللسان القذر، إذ أنّ القذارة إنّما تولد جراثيم تسبّب الأمراض البدنية وأخيراً تؤدّي إلي هلاك رجل أو رجال. أمّا اللسان فقد يجمح فيولد الجراثيم الروحية التي هي أفتك من جراثيم المرض بكثير حتّي يبلغ به الأمر أن يُهلك أجيالا وأجيالا.
من جانب آخر فإنّ أقلّ ما يناله كثير الكلام أن يعرف في المجتمع بالثرثرة
والهذر. كما إنّ أصغر حظّ الصموت هي الهيبة في القلوب وظنّ الناس فيه كلّ خير. فعن الإمام الرضا عليه السلام: ?من علامات الفقه: الحلم والعلم والصمت، إنّ الصمت باب من أبواب الحكمة، إنّ الصمت يكسب المحبّة إنّه دليل علي كل خير?().
فما أكثر ما يندم المتكلّم! وأقلّ ما يندم الصامت! إنّ الإنسان الثرثار إذا أرخي زمام لسانه تعرّض لذكر الرطب واليابس، وتوجّه إلي الصلاح والفساد، وذهب مسالك الحقّ والباطل، أمّا الساكت، فإنّه وإن قصّر في نصرة الحقّ من جانب، لكنّه لم يتكلّم بالباطل ولم يفسد في الأرض وكفي بذلك نفعاً.
فعن الإمام الباقر عليه السلام: ?إنّ داود قال لسليمان عليهم السلام: يا بني إيّاك وكثرة الضحك! فإنّ كثرة الضحك تترك العبد حقيراً يوم القيامة. يا بني عليك بطول الصمت إلاّ من خير. فإنّ الندامة علي طول الصمت مرّة واحدة، خير من الندامة علي كثرة الكلام مرّات. يا بني لو أنّ الكلام كان من فضّة كان ينبغي للصمت أن يكون من ذهب?().
وقد كان النبي صلي الله عليه و اله يتعهّد أصحابه من جهة الكلام كما كان يتعهّدهم من ناحية الصلاة والزكاة، فيشير في كل مناسبة إلي أضرار اللسان، ويؤكّد كل مرّة علي مساوئ الثرثرة وعواقبها الوخيمة.
فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ?أتي النبي صلي الله عليه و اله أعرابي فقال له: ألست خيرنا أباً واُمّاً وأكرمنا عقباً ورئيسنا في الجاهلية والإسلام؟ فغضب النبي صلي الله عليه و اله وقال: يا أعرابي، كم دون لسانك من حجاب؟! قال: اثنان: شفتان وأسنان. فقال صلي الله عليه و اله: فما كان في أحد هذين ما يردّ عنّا غرب لسانك هذا؟! أما إنّه لم يعط أحد في دنياه شيئاً هو أضرّ
له في آخرته، من طلاقة لسانه. يا علي قم فاقطع لسانه، فظنّ الناس أنّه يقطع لسانه، فأعطاه دراهم ?().
فعلي الرجل المسلم أن يتعهّد لسانه كما يتعهّد الزارع زرعه وإلاّ نبت من الطفيليات والأعشاب الضارّة، ما يهلك الحاصل، فتذهب أتعابه أدراج الرياح.
ويكفي المرء منّا أن يراقب يوماً واحداً ندوة من الأندية، ويلاحظ كلام الناس وهذرهم ليعرف عظم الجنايات التي يحتقبها اللسان، وحينذاك يدرك عظمة قول الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: ?ما عبد الله بشيء أفضل من الصمت، والمشي إلي بيته?().
ولسائل أن يسأل فيقول: ما هو الرابط بين الصمت والمشي إلي بيت الله؟ فيقال في جوابه: إنّ الصمت تهذيب فردي، والذهاب إلي بيت الله الحرام تهذيب اجتماعي، لما في ذلك من اجتماع المسلمين، وتعرّف بعضهم علي بعض، وما يعود إليهم بذلك من خير، فهما من أفضل العبادة.
وقد قال الإمام الصادق عليه السلام لسفيان: ?يا سفيان أمرني والدي عليه السلام بثلاث، ونهاني عن ثلاث، فكان فيما قال لي: يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يتّهم، ومن لا يملك لسانه يندم، ثمّ أنشدني():
عوّد لسانك قول الخير تحظ به إنّ اللسان لما عوّدت معتاد
موكّل بتقاضي ما سننت له في الخيروالشرّ فانظر كيف تعتاد
وقد نقل: أنّ لصّاً دخل بيت حائك، فإذا به يحوك بزّة قشيبة() وهو يقول إبان حياكته: (اللهمّ سلّم رأسي من حصيد لساني) ولمّا أتمّ الحياكة، أخذ البزّة وجاء بها إلي بيت الملك، فتبعه السارق، علّه يحصل فرصة يسلب منه البزّة، حتّي وصل الحائك بيت السلطان، وقدّم البزّة، فأعجب الملك بها، واستشار وزرائه عمّا تصلح له، فأشار كل بما يرتئيه، وحينذاك قال الملك: إنّ أعلم الناس بما تصلح له هو الحائك نفسه،
ولمّا استشاره عن ذلك، قال: إنّها تصلح للإلقاء علي جنازة الملك.
فتغيّر الملك، واستشاط غيظاً، وأمر بقتل الحائك، وإذا بالسارق يستمهل الجلاّد، ويبيّن قصّته، وما كان يتكلّم به حين الحياكة، فعفا عنه الملك بعد ما علم أنّه لم يقل ذلك عن عمد.
وما أروع المثال في الحديث المروي عن الإمام زين العابدين عليه السلام حيث قال: ?إنّ لسان ابن آدم يشرف كل يوم علي جوارحه، فيقول: كيف أصبحتم؟ فيقولون: بخير إن تركتنا، ويقولون: الله الله فينا! ويناشدونه ويقولون: إنّما نثاب بك ونعاقب بك?().
وعلي كل حال: فإنّ الكثير من العقوبات تحلّ علي الأعضاء، بما يجنيه اللسان من شرّ، فإذا تركها اللسان كانت سليمة، وإلاّ وقعت في أذي وخبال.
فأي داع إلي الهذر بعد العلم إنّ الكلام الكثير يؤدّي إلي الضرر الوخيم؟ وهل العاقل يجرّ إلي نفسه الويلات بمشتهي لفظ يلفظه أو كلمة يتكلّم بها؟ علماً أنّ هناك حفظة يحفظون حصائد الألسنة ليجزي الشخص بها يوم القيامة يوم العرض الأكبر حيث قال تعالي: ?مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْل إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ?().
وقد استخلص الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من هذه الآية الكريمة معناً بديعاً، فعن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام قال: ?مرّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام برجل يتكلّم بفضول الكلام، فوقف عليه، ثمّ قال: يا هذا! إنّك تملي علي حافظيك كتاباً إلي ربّك! فتكلّم بما يعنيك، ودع ما لا يعنيك?().
يا للهول! إنّ الكتاب الذي نمليه بحصائد ألسنتنا إنّما نمليه إلي الربّ! فلو كان الكتاب إلي ملك من الملوك، لتروّي الإنسان في تنميق الألفاظ، وتزويق المعاني، وتهذيب الوجوه. فكيف والكتاب إلي إله الكون ومن بيده البدء والمعاد؟!
إنّ كل شيء يرجّح فيه الوسط، فلا إكثار ولا إقلال،
ولا تفريط ولا إفراط. فالحقّ يلزم الجهر به، والإرشاد يجب تقديمه، والتربية والتأديب، والتعليم والهداية، كلّها مندوب إليها. والغالب أنّ هذه الاُمور تصبّ في قوالب الألفاظ. ولذا فإنّ الكلام في مثل هذه الموارد مرغوب فيه، وكما في المثل: (الساكت عن الحقّ شيطان أخرس). وقد سئل علي بن الحسين عليه السلام: عن الكلام والسكوت، أيّهما أفضل؟ فقال: ?لكل واحد منهما آفات. فإذا سلما من الآفات، فالكلام أفضل من السكوت. قيل: كيف ذلك يا بن رسول الله؟ قال: لأنّ الله عزّوجلّ ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، إنّما بعثهم بالكلام. ولا استحقّت الجنّة بالسكوت، ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت، ولا توقيت النار بالسكوت..?().
كما أنّ الأنبياء الكرام، والمصلحين العظام أرشدوا وهدوا، وأصلحوا ووجّهوا بالكلام، فمن الخطأ أن نظن أنّ الكلام في الإصلاح وإظهار الحقّ يعدّ هذراً. كما أنّ من الخبال ظنّ الحقّ باطلا، فطهارة اللسان لا يراد بها الإلجام، بل نزاهته تكون بتجنّب اللغو والباطل، وليس بترك الإرشاد والذكر، فالمسلم نزيه اللسان، طاهر الفم، نظيف اللهات.
إنّ المسلم طاهر اليد، فهو لا يسرق، ولا يخون، ولا يتّبع الشهوات الجنسية غير المشروعة.
فالاعتدال في حركات اليد والرجل وسائر الجوارح هو خير دليل علي الاعتدال في النفس، إذ أنّ النفس الأبيّة لا تهبط إلي مستوي الخسّة والانحطاط، وإنّما تحلّق في سماء الطهارة والعفّة.
ففي عهد الجاهلية الغابرة مع ما كانت عليه من وضاعة الأخلاق وانحراف السلوك كانت تعدّ نزاهة اليد والرجل فضيلة يحمد عليها صاحبها، وإن كان المجتمع مرتكساً في بؤرة القذارة والانحطاط، ولعلّ خير شاهد علي ذلك هي المفاضلة التي جرت بين جدّ النبي صلي الله عليه و اله وجدّ خصمه حيث قال فيهما شاعرهم:
?أبوك معاهر، وأبوه عفّ..?().
بل إنّ العرب كانت تُسمّي
النبي صلي الله عليه و اله: (الأمين)().
وعلي كل فإنّ السرقة جريمة، وكذا الخيانة، والزنا.. جريمة، تترفّع عنها نفوس الأكرمين، فضلا عن أمر الإسلام باجتنابها.
والجدير بالذكر أنّ الإسلام قيّد قبول إسلام المؤمنات اللواتي كنّ يبايعن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله بالعفّة والنزاهة، وإلي ذلك يشير قوله تعالي: ?يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَي أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوف فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ?().
فليس من الصدفة العابرة أن يقدّم الله تعالي في قوله المبارك اشتراط عدم السرقة والزنا، علي اشتراط عدم القتل، إذ أنّ القاتل قد يقتل لهيجان الأعصاب، ثمّ يندم، ولكن السارق والزاني، لا يفعلان الجريمة إلاّ ونفسهما ملوّثة، وضميرهما آثم أحاط به كدر القذارة! ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ?كان أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) يقول: أفضل العبادة العفاف?().
وقال الإمام الباقر عليه السلام: ?ما عُبد الله بشيء أفضل من عفّة بطن وفرج?().
أجل، فالإسلام الحنيف لا يمنع عن الطيّب من الأكل والزواج، بل يحرص كلّ الحرص علي إشباع هاتين الغريزتين بالموارد الطيّبة المشروعة، حتّي لا يتسوّل البطن، ويتلهّف الفرج، نحو المحرّم القذر. وحقّاً إنّ عفّة البطن والفرج هي من أفضل العبادة، وأيّ عبادة أفضل من التحصّن عن المفاسد الأخلاقية التي بها ينهار المجتمع، فالزنا مثلا والعياذ بالله، وكذلك مراودة الولدان، واقتناع الفتيات بالفتيات، تسبّب الأمراض الفتّاكة والمعدية، وهي أشدّ خطورة علي المجتمعات من وباء الطاعون.
ولذا فإنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال في حديث له: ?أكثر ما تلج به اُمّتي النار الأجوفان: البطن والفرج?().
وقال صلي
الله عليه و اله: ?ثلاث أخافهنّ من بعدي علي اُمّتي: الضلالة بعد المعرفة، ومضلاّت الفتن، وشهوة البطن والفرج?().
وفي واقع الأمر لو نظر الإنسان منّا إلي المجتمعات المنهارة، لوجد أنّ هاتين الشهوتين هما الطاغيتان عليه، ففي المجتمع المهزول، تتولّد جراثيم الفحشاء، ثمّ تطغي وتطغي حتّي تعمّ البيوت الشريفة. وحينذاك تستحقّ تلك الاُمّة اللعنة والبوار، وكذا في الاُمم المنحطّة تعمّ السرقة، وتفشو الشهوات، ولا تجد لأفرادها عملا غير امتلاء البطن من حلّ أو حرام، وقد كان رجل من (الشرفاء) يقول: (الحلال ما حلّ بالكفّ)!.
وبالمقابل فإنّ طابع الاُمّة المتقدّمة، والمجتمع الراقي، هو طهارة البطن وما حوي، وحفظ الفرج وما دني..
وإلي ذلك يشير الإمام الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالي: ?يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً?() حيث يقول: ?فأمّا اللباس فالثياب التي تلبسون، وأمّا الرياش فالمال والمتاع، وأمّا لباس التقوي فالعفاف. إنّ العفيف لا تبدو له عورة، وإن كان عارياً من الثياب، والفاجر بادي العورة وإن كان كاسياً من الثياب?().
ولعلّ معني ذلك هو: إنّ الفاجر مهتوك وإن ارتقي قمّة الجاه، وأحاط به تليد الأموال وطارفها، وستره جميل الثياب وناعمها، فإنّها سرعان ما تزول عنه جميعاً، وقريباً ما يجرّد عن ثيابه المزيّفة كلّها، فيبدو للناس كأبشع ما يكون، وأقبح ما يُتصوّر، تشير إليه الأصابع بالسوء، وتلحظه العيون بنظرات شزر. وإنّ العفيف مستور، وإن لم يكن له أيّ مقام وجاه، ولم يملك أي شيء من المال والمتاع، ولم يستره جميل الثياب واللباس، لكن واقعه العفيف سيجعله عند الناس محبوباً، وفي القلوب مهيباً، وفي الصدور معظّماً.
إنّ العفّة جهاد مع العدو الداخلي، وهو جهاد أكبر، فإنّ الآخذ بزمام نفسه الأمّارة بالسوء، وهواه الداعي للشرّ، هو أصعب بكثير من
الجهاد في ساحة الحرب، وميادين الوغي، ولذا قد يجاهد الجندي العدوّ الخارجي وسط الحديد والنار، لكن تراه يركع أمام مغريات الحياة، وعند مفاتن فتاة، وتجاه الدرهم والدينار.
وفي الحديث: ?إنّ رجلا جاء إلي الإمام الباقر عليه السلام وقال: إنّي ضعيف العمل، قليل الصلاة، قليل الصوم، ولكن أرجو أن لا آكل إلاّ حلالا، ولا أنكح إلاّ حلالا، فقال عليه السلام: وأيّ جهاد أفضل من عفّة بطن وفرج؟?().
يعني إنّ الإسلام يريد أن يكون الإنسان عفيفاً نزيهاً عفيف البطن والفرج، نزيه اليد والرجل، وكذلك يكون المسلم الحقيقي.
إنّ المسلم نقي السريرة، طيّب القلب، سليم النفس، طاهر الروح، فهو لا يحسد، ولا يرائي، ولا يتكبّر، ولا يعتلي، ولايحقد، ولا ينوي الشرّ.. فالإسلام يريد أن يكون ضمير الشخص وقلبه أشدّ بياضاً من الثلج، وأنقي من اللجين، وأصفي من الماء العذب، يطوي علي الخير، ويثني علي الحقّ، يسع الدنيا برحبها، ويشرق إشراق الشمس في رابعة النهار.
وكما قال تعالي: ?فَمَنْ يُرِدْ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَي الَّذِينَ لاَيُؤْمِنُونَ?().
ومن المعلوم: إنّ إرادة الله تعالي ليست كالطفيليات التي تنبت مع الزرع لا بذر لها ولا سابقة، فالحكمة العليا لا تأتي عبثاً، بل إنّ المرء إذا اتّبع عقله، ولبّي نداء فطرته، وكفّ نفسه عن الهوي، أخذ الله تعالي بيده، وشرح للحقّ صدره، بينما المرء إذا اتّبع شهواته، وتنكّب الطريق، ولوي عن الحقّ، وثني عطفه، تركه الله وهواه، ووكّله إلي نفسه، فلم يزدد عن الله إلاّ بعداً، وعن المنهج القويم إلاّ ضلالا، فيضيق صدره عن قبول الحقّ.
ولا يخفي أنّ المسلم الحقيقي يسعي دائماً لأنّ يكون طاهر النفس، سليماً في
سجاياه، وكما قال تعالي: ?وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُديً?().
فكيف يحسد المسلم أو بالأحري: العاقل وهو يعلم أنّ تفوّق الآخرين عليه، ليس إلاّ من فضل الله وحسن بلائه؟ ناهيك إنّه إذا شكر وصبر كان له الأجر، وإن حسد وأدبر، كانت عاقبة أمره شرّاً والعياذ بالله. بل إنّ العاقل لا يقصد الشرّ، لأنّه من يزرع الشرّ لا يحصد سوي الشرّ.
ولذا تجد أنّ صاحب الضمير النظيف في أكبر راحة، وخير سعادة، وذلك لأنّ سلامة الصدر تعود أولا وبالذات إلي الإنسان السليم، فتراه يعمل ويفرغ، ويذهب ويأتي، ويجتمع ويفترق.. مثلوج الفؤاد، فارغ البال، خفيف المنكب عن أعباء الحسد والحقد والغلّ والاعتلاء.
وذلك كما قال الشاعر:
اصبر علي حسد الحسود فإنّ صبرك قاتله
النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله()
فما أجمل هذا التعبير حيث شبّه الحسد بالنار التي تأكل صاحبها، وكذا الحال بالنسبة للغلّ والحقد والكبر إذ أنّ كلّها نيران محرقة، لا تبقي ولا تذر.
وكما قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?قلب المؤمن أجرد. فيه سراج يزهر، وقلب الكافر أسود منكوس?().
فالقلب السليم كالتربة النقيّة ينبت فيها كل خير، فيؤتي أكله الشهيّة. أمّا القلب المريض فهو كالتربة المالحة، لا تكون إلاّ عفنة مجّة، تتكوّن فيه الجراثيم، وتنتشر منه الأوبئة … ففساد الأعضاء وصلاحها ناجمة من صلاح القلب وفساده.
وكما قال الإمام الصادق عليه السلام: ?إنّ منزلة القلب من الجسد: بمنزلة الإمام من الناس الواجب الطاعة عليهم. ألا تري: إنّ جميع جوارح الجسد شُرط للقلب، وتراجمة له، ومؤدّية عنه: الاُذنان، والعينان، والأنف، والفم، واليدان، والرجلان، والفرج؟ فإنّ القلب إذا همّ بالنظر فتح الرجل عينيه، وإذا همّ بالاستماع حرّك اُذنيه وفتح مسامعه فسمع، وإذا همّ القلب بالشمّ استنشق بأنفه، فأدّي تلك الرائحة إلي القلب، وإذا
همّ بالنطق تكلّم باللسان، وإذا همّ بالحركة سعت الرجلان، وإذا همّ بالشهوة تحرّك الذكر. فهذه كلّها مؤدّية عن القلب بالتحريك..?().
ومن البديهي: أنّ سلامة القلب لا تحصل عبثاً واعتباطاً، بل تحتاج إلي مراقبة مستمرّة، وكدح دائم، ومواظبة طويلة، وتنقية إثر تنقية.
هذا وللقلب تعاريج ومنعطفات، ربما يظن الشخص: أنّها صفاء نفسه عن كدر الرذيلة، حتّي إذا طغي في القلب عرق الحسد أو الحقد أو.. أو.. حينها يصعب علي المرء امتلاك زمام نفسه. فقد تنبعث الحركة عن النفس عفواً، فيظنّ الشخص فيها خيراً، ولكنّها في واقع الأمر ليس إلاّ تنفّس حقد مكتوم، أو حب جاه مخمود، أو نوايا شرّ مكظوم.. وحقّاً إنّ مرض القلب من أخطر الأمراض، إذ أنّه إذا فسد يفسد الجسد كلّه، فهو كالسرطان الذي ينبت في اللحم ثمّ لا يزال يمدّ يده ورجله إلي سائر الأعضاء، حتّي إذا صادف موضعاً حسّاساً أهلك المريض وأودي بحياته العزيزة.
بل إنّ مرض القلب يفسد العاجلة والآجلة، فكل مرض لايعدّ شيئاً بالنسبة إليه، حتّي وإن أودي بروح الحي، فاُلحد مقبوراً.
ولذلك فإنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال في حديث له: ?في الإنسان مضغة، إذا هي سلمت وصحّت، سلم بها سائر الجسد، فإذا سقمت، سقم لها سائر الجسد وفسد، وهي القلب?().
وقد أوصي أمير المؤمنين عليه السلام ابنه، فقال: ?يا بني! إنّ من البلاء الفاقة، وأشدّ من ذلك مرض البدن، وأشدّ من ذلك مرض القلب، وإنّ من النعم سعة المال، وأفضل من ذلك صحّة البدن، وأفضل من ذلك تقوي القلوب?().
وعلي أي حال: فصاحب القلب السليم في أعظم النعم، فهو يرضي بالقسمة ولا يحزن، ويعلم أنّ ما آتي الله غيره لحكمة فلا يحسد، ويدري أنّ عزّ الدنيا لا ينفع فلا يتكبّر،
ويتيقّن بأنّ الأعمال الخالصة هي المقبولة فلا يرائي.
وكما أنّ مرض القلب الصنوبري يسبّب ضعفاً عاماً في جميع المشاعر، وصاحبه عادةً ما يكون معرّضاً لكارثة السكتة، كذلك مرض القلب الروحي، فهو يوجب خبالا شاملا في الأعضاء، إذ أنّ اضطراب الحواس دليل علي اضطراب القلب.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: ?لقد علّق بنياط هذا الإنسان بضعة هي أعجب ما فيه وذلك القلب، وذلك أنّ له موادًّ من الحكمة وأضداداً من خلافها، فإن سنح له الرجاء أذلّه الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الأسف، وإن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ، وإن أسعده الرضي نسي التحفّظ، وإن غاله الخوف شغله الحذر، وإن اتّسع له الأمر استلبته الغِرّة، وإن أفاد مالا أطغاه الغني، وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع، وإن عضّته الفاقة شغله البلاء، وإن جهده الجوع قعد به الضعف، وإن أفرط به الشبع كظّته البطنة، فكلّ تقصير به مضرّ، وكل إفراط له
مفسد?().
يبقي القول: إنّ سليم القلب سليم الأعضاء والمشاعر، ومريض القلب مريض الأعضاء والمشاعر. ولا يختلف اثنان أنّ السليم أي شخص كان أفضل من المريض.
ومن صفات المسلم الحميدة هي طهارة الجسد من المنفّرات، ونظافة البدن عن القاذورات.
فقد اهتمّ الإسلام بالنظافة أكبر اهتمام، حتّي قال النبي صلي الله عليه و اله: ?النظافة من الإيمان?().
نعم فالنظافة من الإيمان، والقذارة ليست منه، كما أنّ غير النظيف ليس بكامل الإيمان!
ولا يخفي أنّ النظافة علي شُعب منها: نظافة الجسد، ونظافة اللباس، ونظافة الدار، ونظافة البلد.. وكلّها مطلوبة قد ندب إليها الإسلام، وحثّ المسلمين عليها، بل إنّ الإسلام ربط بين الفطرة الإنسانية التي هي من مقوّمات الحياة وبينها().
ففي الحديث عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنّه قال: ?خمس
من الفطرة: تقليم الأظفار، وقصّ الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة والاختتان?().
إنّ من طبيعة الإنسان التنفّر من القذارة، وذلك مثلما يتنفّر من الجوع والعري، فهو أمر فطري قد فطر الله تعالي الناس عليه.
وقد أشار الإمام الكاظم عليه السلام إلي بعض موارد النظافة الجسدية فقال عليه السلام: ?خمس من السنن في الرأس، وخمس في الجسد، فأمّا التي في الرأس: فالسواك، وأخذ الشارب، وفرق الشعر، والمضمضة، والاستنشاق. وأمّا التي في الجسد: فالختان، وحلق العانة، ونتف الإبطين، وتقليم الأظفار، والاستنجاء?().
ومن الواضح: إنّ النظافة مظهر من مظاهر النفس، فالنفس النظيفة تبعث علي النظافة، والنفس القذرة تبعث علي القذارة، والنظافة هي جزء من أجزاء الجمال، فلا يتم الجمال إلاّ بها، وقد تكسب القبيح جمالاً ورونقاً.
ففي الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام: ?إنّ الله جميل، يحبّ الجمال?().
وعن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?بئس العبد القاذورة?().
وقد نهي نبي الإسلام صلي الله عليه و اله عن القذارة بعبارات مختلفة وألفاظ متنوّعة وأمثلة متعدّدة، وكان هو بنفسه مثالاً حيّاً للنظافة في حلّه ومرتحله.
فعن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?لا يطولن أحدكم شاربه، ولا عانته، ولا شعر إبطه، فإنّ الشيطان يتّخذها مخابئ يستتر بها?().
إذن وكما يستفاد من الحديث فإنّ الشيطان قذر وهو يأمر بالقذارة، ويسكن فيها، ويألفها، ولذا فإنّ كلّ عمل قذر وقول قذر ومظهر قذر، فهو منه.
وبالمقابل فإنّ الله تعالي جميل طاهر، يأمر بالجمال والطهارة، ويحبّهما، وقد نصّ بنفسه تعالي علي ذلك فقال في كتابه الكريم: ?إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ?().
ولقد جعل الإسلام النظافة من شرائط الإيمان، حتّي قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يترك حلق عانته فوق الأربعين
يوماً، فإن لم يجد فليستقرض بعد الأربعين ولايؤخّر?().
ولا يخفي ما في مقارنة رسول الله صلي الله عليه و اله بين النظافة وبين الإيمان بالله واليوم الآخر، من دلالة واضحة علي اهتمام الشارع المقدّس الشديد بها، رغم أنّ العيون لا تلمحها، فكيف بالنظافة في المواضع الظاهرة؟
ناهيك عن قوله صلي الله عليه و اله: فإن لم يجد فليستقرض، والحال أنّ القرض مكروه في الشريعة إلاّ عند الضرورة.
إنّها واقعاً تأكيدات تستجلب النظر، وتبعث علي التأمّل، ولا عجب بعد ذلك إن عدّ الإمام الرضا عليه السلام التنظيف من أخلاق الأنبياء عليهم السلام، حيث قال عليه السلام: ?من أخلاق الأنبياء: التنظّف والتطيّب وحلق الشعر وكثرة الطروقة?().
نعم، إنّ الأنبياء عليهم السلام إلي جانب كونهم مأمورين بتبليغ شرائع الله الروحية، وإنّهم من أكثر الناس تمسّكاً بالمعنويات، تجدهم متمسّكين بالجوانب الجسدية، بحيث إنّهم لا يغفلون عن أصغر صغيرة تزيد الإنسان نظافة وجمالا، حتّي لو كانت شعرة في الأنف.
فلقد ورد عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنّه قال: ?ليأخذ أحدكم من شاربه، والشعر الذي في أنفه، وليتعاهد نفسه، فإنّ ذلك يزيد في جماله?().
وقد اهتمّ الإسلام بشعر الرأس واللحية لمن كانت له اهتماماً كبيراً فأمر بتمشيطهما حتّي لا يبقي شعثاً كريه المنظر.
ففي الحديث الشريف ?أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله كان يتمشّط ويرجّل رأسه.. وتُرجّله نساؤه.. وكان يضع المشط تحت وسادته..?().
وعن الإمام الصادق عليه السلام: ?مشط الرأس يذهب بالوباء ومشط اللحية يشدّ الأضراس?(). وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?الشعر الحسن من كسوة الله تعالي فأكرموه?().
وقال صلي الله عليه و اله: ?من اتّخذ شعراً فليحسن ولايته أو لِيَجُزَّهُ?().
كان رسول الله صلي الله عليه و اله يؤكّد علي السواك تأكيداً بالغاً حتّي أنّه قال: ?في السواك اثنتا عشرة خصلة: مطهّرة للفم، ومرضاة للربّ، ويبيّض الأسنان، ويذهب بالحفر، ويقلّل البلغم، ويشهّي الطعام، ويضاعف الحسنات، وتصاب به السنة، وتحضره الملائكة، ويشدّ اللثة، وهو يمرّ بطريق القرآن، وركعتان بسواك أحبّ إلي الله عزّوجلّ من سبعين ركعة بغير سواك?().
فضلا عن ذلك فقد كان صلي الله عليه و اله يبالغ في تنظيف الفم، حتّي أنّه قال: ?أفواهكم طرق من طرق ربّكم، فنظّفوها بالسواك?().
وكما أنّ تنظيف الجسد محبوب مرغوب فيه، كذلك تطييبه، حتّي يرغب الناس في المجالسة، ولا يتنفّرون من رائحته الكريهة إثر الاجتماعات المهمّة غرار صلاة الجماعة وغيرها.
ففي الحديث أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله كان يتطيّب بالمسك والعنبر، وبالغالية، وربما تطيّبه بها نساؤه بأيديهنّ، وكان يكثر من الطيب حتّي أنّ الناس يعرفوه في الليل المظلم من ريحه الطيّب().
وقد حثّ الإسلام المسلمين أبلغ الحثّ علي ذلك، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ?لله حقّ علي كل محتلم في كل جمعة: أخذ شاربه وأظفاره، ومسّ شيء من الطيب?().
ومن المستحبّات الإسلامية المهمّة هو الاستحمام، لما فيه من إزالة الوسخ، والتطهّر من جميع الأدران، ولذا فإنّ الإسلام أوجب في كثير من الأحيان غسل جميع البدن، كما ندب إليه في العديد من الأوقات، وعند كثير من الأفعال، وليس ذلك إلاّ حفظاً للنظافة، وإزالة للقذارة. ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: ?نعم البيت الحمّام.. تذكّر فيه النار، ويذهب بالدرن?().
وقد بلغ من حرص الإسلام علي النظافة العامّة للجسد مبلغاً عظيماً بحيث ندب إلي الحمّام في العديد من الأحاديث الشريفة، ومنها ما عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: ?ثلاثة يسمن، وثلاثة يهزلن، فأمّا الذي يسمن: فإدمان الحمّام، وشمّ الرائحة الطيّبة، ولبس الثياب الليّنة … ? ().
وإلي جانب تأكيد الإسلام علي تنظيف الجسد وتجميله، كانت له تأكيدات اُخري علي تنظيف الثياب وتحسينها، فقد اهتمّ الإسلام بذلك اهتماماً بالغاً، وذلك حفظاً علي إناقة المسلم وجماله.
فعن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله إنّه قال: ?من اتّخذ ثوباً فلينظّفه?().
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ?النظيف من الثياب يذهب الهمّ والحزن، وهو طهور للصلاة?().
وفي حديث آخر عنه عليه السلام: ?غسل الثياب يذهب الهمّ والحزن، وهو طهور للصلاة?().
ولسائل أن يسأل هنا فيقول: ما هي علاقة الغسل بذهاب الهمّ والحزن؟ فيقال في جوابه: لعلّ الوجه في ذلك هو أنّ الشخص إذا نظر إلي ثوبه فرآه قذراً أسف وحزن، وذلك لانطواء فطرته علي الابتهاج بالنظيف، والكآبة من القذر، فإنّ العين تحتاج إلي المتعة، كما أنّ الاُذن وسائر الحواس تحتاج إليها. ومتعة العين في المناظر الحسنة، والمباهج الجميلة. وليس ما ورد في الحديث: ?ثلاثة يذهبن الحزن: الماء والخضرة والوجه الحسن?() إلاّ إشارة إلي هذا الأمر الفطري. إذاً فالثوب النظيف بنفسه، أو بالغسل، من مذهبات
الحزن، ومن أسباب الفرح والسرور.
مضافاً إلي ذلك ما ورد من الدليل علي أنّ الله تعالي لا يقبل من الصلاة إلاّ ما كانت في الثياب الطاهرة، بل إنّه تعالي يزيد ثواباً لمن صلّي في ثوب نظيف، بل تذهب الشريعة إلي أبعد من ذلك، ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ?الثوب النقي يكبت العدو?()، ولعلّ الوجه فيه هو أنّ العدو إذا نظر إلي الرجل، وهو قذر وسخ الثوب ازدراه، ومن ازدري شخصاً تجرّأ عليه، بخلاف الثوب النقي النظيف، فهو يعظّم الرجل في الأعين، وبذلك يتوازن الأكفّاء، إن لم ترجّح كفّة النظيف علي عدوّه.
بل وكما يستفاد من الأخبار أنّ الله يحبّ أن يري الثوب الثمين علي بدن عبده الذي أنعم عليه، يقول ابن القدّاح: كان أبو عبد الله عليه السلام متكئاً عليّ أو قال علي أبي فلقيه عباد بن كثير البصري وعليه ثياب مروية() حسان، فقال: يا أبا عبد الله عليه السلام! إنّك من أهل بيت النبوّة، وكان أبوك وكان! فما هذه الثياب المروية عليك فلو لبست دون هذه الثياب؟! فقال له أبو عبد الله عليه السلام: ويلك يا عباد! ?مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ?() إنّ الله عزوجل إذا أنعم علي عبد نعمة، أحبّ أن يراها عليه، ليس به بأس..().
وتصل النوبة بعد تنظيف الجسد والثياب إلي تنظيف البيوت والمساكن، والفنادق، والشوارع، والمدن، وما إليها، فقد رغّب الإسلام فيها، كما رغّب في تنظيف الجسد والثياب، لأنّ الملاك في الكل واحد. فعن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?لا تبيّتوا القمامة في بيوتكم، وأخرجوها نهاراً، فإنّها مقعد الشيطان?().
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ?نظّفوا بيوتكم من حوك العنكبوت، فإنّ تركه في
البيت يورث الفقر?().
أي: إنّ وجود القمامة، وحوك العنكبوت في البيت، يورثان الفقر في الدنيا، فضلا عن كونها مقعداً للشيطان.
وعلي أيّة حال: فإنّ الدين يحارب القذارة بجميع مظاهرها، ولو كان منديلا غمراً().
ولذا قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?لا تؤووا منديل اللحم في البيت، فإنّه مربض الشيطان، ولا تؤووا التراب خلف الباب، فإنه مأوي الشيطان?().
وفضلا عن ذلك كلّه فإنّ القذارة من عادات اليهود فلا ينبغي للمسلم وهو يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتشبّه بمن يعادي الله. ولذا قال رسول الله صلي الله عليه و اله:
?اكنسوا أفنيتكم ولا تشبّهوا باليهود?().
وقد أجمل الإمام الصادق عليه السلام الميزان الذي يلزم أن يزن الإنسان المسلم نفسه به، فقال عليه السلام:
?إنّ الله يحبّ الجمال والتجمّل، ويكره البؤس والتباؤس، فإن الله عزّوجلّ إذا أنعم علي عبد نعمة، أحبّ أن يري عليه أثرها. قيل: وكيف ذلك؟ قال: ينظّف ثوبه، ويطيّب ريحه، ويجصّص داره، ويكنس أفنيته، حتّي إنّ السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق?().
إلي غير ذلك من الأحاديث الكثيرة المؤكّدة علي النظافة والطهارة …
ولو جمعت الآثار التي وردت عن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله والأئمّة الأطهار عليهم السلام بصدد النظافة والجمال من غُسل ووضوء وغَسل وتطهير وتطيّب وتنوير وكنس وتنظيف.. لاحتاجت إلي العديد من المجلّدات().
إنّ الأعمال العبادية في الشريعة الإسلامية، ولو ظهرت بادي النظر اُموراً روحية لا علاقة لها بالفضيلة، فهي صلاة لله، وحجّ لبيت الله، وزكاة تعطي قربة إلي الله، وصوم يراد به وجه الله، إلاّ أنّها لدي الدقّة من أنبل الأخلاق السامية. وقد عيّن النبي صلي الله عليه و اله صبغتها العامّة التي شرعت لأجلها فقال: ?إنّما بعثت لاُتمم مكارم الأخلاق?(). فهي عبادة إلي
جنب كونها من مكارم الأخلاق. بل أزيد من ذلك، فهي تطهير روحي، وعبادة، وتنظيم للاجتماع.. والآن لنلقي نظرة خاطفة إلي حقائق العبادة، حتّي نري كيف أنّها من مكارم الأخلاق.
إنّ شرائع السماء كلّها تقصد شيئاً واحداً، وهو تهذيب النفس وتشذيبها، والتهذيب يكون بمثابة اللبنة الاُولي في بناء المجتمع الفاضل، فمن خلال التهذيب ترتقي النفس في مدارج الكمال، فينتظم الكون، ومن ثمّ تصلح الدنيا والاُخري.
وفي واقع الأمر إنّ التهذيب ليس إلاّ تطهيراً للروح، وتعديلاً لخطّ المسير كي لا ينحرف الإنسان يميناً وشمالا.
بل إنّ معرفة الله تعالي خالق الكون ومعرفة سفرائه البررة، والاعتقاد بالعدل والمعاد وسائر ما جاءت به الشرائع كلّها من مكارم الأخلاق التي حصر النبي الخاتم صلي الله عليه و اله بها حكمة بعثته المباركة فقال: ?إنّما بعثت لاُتمّم مكارم الأخلاق?().
وحيث بلغ بنا البحث حول دور العبادات في تهذيب النفس وتشذيبها، والصعود بها إلي قمم الكمال والجمال فلا بأس أن نتطرّق إلي البعض منها باختصار:
من الأهداف المهمّة التي شرّعت من أجلها الصلاة هو تطهير القلب وتهذيب النفس، والتذكير بالفضيلة، والتنزّه عن الرذيلة.
فهي تبتدأ بالتكبير لله المنعم، وتنتهي بالسلام علي البشر والملائكة، وهو فضيلة.
وهي أيضاً تذكير بنعم الخالق: ربّ العالمين الذي بيده ملكوت كل شيء، فضلا عن كونها تنزيهاً لله عزوجل.
فإنّ من يعلم هذا ويتوجّه إلي هذا الملك القدير ويكرّر اللقاء معه كل يوم خمس مرّات فإنّ نفسه بلا شكّ وريب ستنصهر وتخلص من الكدورات، وبذلك يستقيم مسلكه ويبتعد عن الآثام والرذيلة. ولذا ورد في القرآن الكريم: ?إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَي عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ?() وورد: ?وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَي الْخَاشِعِينَ?() وورد: ?وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ?().
وقد مثّل النبي الأكرم صلي الله عليه و اله الصلاة بالنهر الجاري الذي يغتسل الشخص فيه كل يوم خمس مرّات، فلا درن معها ولا قذارة، بل إنّها
طهارة ونظافة، وتعديل سلوك، ومعرفة حقائق().
إنّها حقّاً مكرمة من مكارم الأخلاق، وفضيلة من الفضائل. وإلي جنب ذلك كلّه فهي حسّ بالوحدة الإنسانية الكبري حيث يري المصلّي نفسه واحداً من البشر، يطلب لهم الخير من ربّ العالمين، ويسأل لهم الهداية من خالق الكون أجمعين، وذلك عندما يردّد المصلّي في كل صلاة يصلّيها: ?اهدنا الصراط المستقيم?() وعندما يقول في كل مرّة: ?السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين?.
إنّ الصوم قربة وتطهير … فهو قربة إلي الله تعالي، وزلفي لديه لأنه خاص به، وإلاّ فما يمنع الشخص من الأكل والشرب في الخلاء حيث لا يراه أحد، ولا يعلم به الآخرون؟
أليس أنّ الدافع الوحيد للالتزام بواجبات الصوم والاجتناب عن محرّماته هو الشعور بمراقبة الله تعالي ومحاسبته له؟ فمن خلال الصوم يبتعد الإنسان عن الرذيلة ويصل إلي غايته العظمي وهي رضا الله تعالي، وكما في الحديث القدسي: ?الصوم لي..?().
وهو تطهير للروح، وصقل له، لأنّ الصوم جهاد مع النفس، ورياضة تتقوّي بها النفس علي تحمّل المكاره، والصبر عند الشدائد.
وإلاّ فما معني أنّ الإنسان يمتنع عن الأكل وهو يشتهيه، ويرتدع عن الملامسة ونفسه تتوق إليها؟ وبالتأكيد فإنّ الصائم إذا تحمّل آلام الجوع والعطش فإنّ روحه تطهر ونفسه تسمو، ويقترب بكلّه من الفقراء فيحسّ بألمهم، ويدرك ما يدركون، فيرقّ لهم ويعطف عليهم، فعن حمزة بن محمد قال: كتبت إلي أبي محمّد عليه السلام لِمَ فرض الله الصوم، فورد الجواب: ?ليجد الغني مضض الجوع فيحنّ علي الفقير ?().
وكتب أبو الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام إلي محمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله فقال:
?علّة الصوم لعرفان مسّ الجوع والعطش، ليكون ذليلا مستكيناً مأجوراً محتسباً صابراً، ويكون ذلك دليلا له علي شدائد الآخرة،
مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات، واعظاً له في العاجل، دليلا علي الآجل ليعلم شدّة مبلغ ذلك من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة?().
جعل الله الحجّ مؤتمراً لبني البشر ومجمعاً لوحدتهم، فيقصدون بيت الله الحرام من كلّ الأقطار، تجمعهم كلمة التقوي وراية الهدي، فلا عرب ولا عجم، ولا شرق ولا غرب، ولا تفاضل ولا تمايز بينهم.
فهو كالعمود الفقري في الإنسان، وكما أنّ العمود الفقري يحفظ الإنسان من الزمانة والإقعاد، فكذلك الحج يحفظ المجتمع عن التصدّع والتفكّك، فضلا عن كونه سفراً يمتّع فيه الإنسان، ويطهّر نفسه فيه من الملذّات والذنوب، ويتذكّر خلاله يوم العرض الأكبر.
وفي الحج يجتمع الناس في صعيد واحد، قد أحرموا جميعاً واجتنبوا عن لوازم الجسم، كلّهم بلون واحد وفي مكان واحد: عرفات، ومزدلفة، ومني.. وكلّهم أمام ربّ واحد.
فهل هناك فضيلة أحسن منها؟!
ففي الحديث عن محمد بن سنان أنّ أبا الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله:
?إنّ علّة الحجّ الوفادة إلي الله تعالي، وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف، وليكون تائباً ممّا مضي، مستأنفاً لما يستقبل، وما فيه من استخراج الأموال وتعب الأبدان، وحظرها عن الشهوات واللذّات، والتقرّب في العبادة إلي الله عزوجل، والخضوع والاستكانة والذلّ، شاخصاً في الحرّ والبرد، والأمن والخوف دائباً في ذلك دائماً، وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع والرغبة والرهبة إلي الله سبحانه وتعالي، ومنه ترك قساوة القلب، وخساسة الأنفس، ونسيان الذكر، وانقطاع الرجاء والأمل، وتجديد الحقوق، وحظر الأنفس عن الفساد، ومنفعة من في المشرق والمغرب، ومن في البرّ والبحر، ممّن يحجّ وممّن لا يحجّ، من تاجر وجالب، وبائع ومشتري، وكاسب ومسكين، وقضاء حوائج أهل الأطراف والمواضع الممكن
لهم الاجتماع فيها كذلك ليشهدوا منافع لهم?().
إنّ في مقدّمة الاُمور المهمّة التي تشدّ أواصر المجتمع وتأخذ بيده نحو التقدّم والسداد هي الحقوق والواجبات المالية: مثل الزكاة والخمس والفطرة والكفّارة، فإنّها تنفي الطبقية البغيضة من المجتمع، وتقرّب بين الثري والمعدم، وتؤلّف بين الغني والفقير، وتنشر الحبّ والوئام بين الأفراد، وترفع المستوي المعيشي للناس، الأمر الذي يسدّ الأبواب في وجه بواعث الانحراف، وذلك كما في الحديث الشريف: ?من لا معاش له، لا معاد له?. من جانب آخر فإنّ مثل هذه الاُمور هي مدعاة لنبذ الشحّ، وطهارة النفس، وترقيق المشاعر الطيّبة، والسعي الدائب من أجل التحلّي بالسخاء والعطف علي المستضعفين. فقد ورد عن فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) في خطبتها المعروفة التي خطبتها بعد أبيها رسول الله صلي الله عليه و اله في المسجد وهي تطالب بحقّها المغصوب، وحقّ بعلها أمير المؤمنين عليه السلام المسلوب، أي: تطالب بفدك والخلافة، أنّها ? قالت فيما قالته: ?والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق?().
وقال أبو الحسن عليه السلام: ?إنّ الله عزّوجلّ وضع الزكاة قوتاً للفقراء وتوفيراً لأموالكم?().
وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال قيل لأبي عبد الله عليه السلام لأي شيء جعل الله الزكاة خمسة وعشرين في كل ألف ولم يجعلها ثلاثين فقال: ?إنّ الله عزّوجلّ جعلها خمسة وعشرين أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء ولو أخرج الناس زكاة أموالهم ما احتاج أحد?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?من منع قيراطاً من الزكاة فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً?().
وكتب الرضا علي بن موسي عليه السلام إلي محمّد بن سنان فيما كتب إليه من جواب مسائله: أنّ علّة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الأغنياء لأنّ الله
عزوجل كلّف أهل الصحّة القيام بشأن أهل الزمانة والبلوي كما قال الله تبارك وتعالي لتبلونّ في أموالكم وأنفسكم، في أموالكم إخراج الزكاة، وفي أنفسكم توطين الأنفس علي الصبر مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله عزّوجلّ والطمع في الزيادة مع ما فيه من الزيادة والرأفة والرحمة لأهل الضعف والعطف علي أهل المسكنة والحثّ لهم علي المواساة وتقوية الفقراء والمعونة لهم علي أمر الدين، وهو عظة لأهل الغني وعبرة لهم ليستدلّوا علي فقراء الآخرة بهم وما لهم من الحثّ في ذلك علي الشكر لله تبارك وتعالي لما خوّلهم وأعطاهم والدعاء والتضرّع والخوف من أن يصيروا مثلهم في اُمور كثيرة في أداء الزكاة والصدقات وصلة الأرحام واصطناع المعروف?().
وقد جُعل الجهاد دفاعاً عن الحقّ، وردّاً للاعتداء الغاشم، وتحطيماً للقيود والأغلال، وإطاحة بعروش الظالمين والمستبدّين، وتهديماً لأبنية الرذيلة والزيغ، وقد قال تعالي عن حكمة بعث الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: ?وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاَْغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ?().
وقال تعالي: ?وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً?(). وقال سبحانه: ?قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ?().
هذا هو الجهاد الدفاعي، وردّ الأعداء المهاجمين، وأمّا الأعظم من هذا الجهاد فهو الجهاد مع النفس، وذلك من خلال تنقيتها من الرذيلة، وتنميتها بالفضيلة، كي تتخلّي عن الكذب، والخيانة والرياء، والاستعلاء، وتتحلّي بالصدق، والأمانة، والإخلاص، والتواضع، وما أشبه ذلك.
ففي الحديث: أنّ النبي صلي الله عليه و اله بعث بسرية فلمّا رجعوا قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد
الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، فقيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس().
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: مجاهرة بالحقّ، ومناصرة للمظلوم، وصراحة في المنطق، وتهذيب للمجتمع، وشجاعة ضدّ الباطل. وبعبارة اُخري: أنّهما أمر بالخير، ونهي عن الشرّ، وكفي! وهما دعامة كلّ اجتماع، وعماد كل فضيلة، وامتداد كل خير. فإنّ مثل المجتمع كالقصر المشيد، فإذا رمم كلّما تفطّر منه جانب، وشيّد فيه كل دعامة لحقها الخراب، بقي أنيقاً قابلا للسكني، أمّا إذا ترك بحاله، فلا يمضي عليه حين من الزمن حتّي يخرب وينهدم، ويفقد جماله ونظارته، ولا يكون صالحاً للتوطّن والبقاء. وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهما يرمّمان المجتمع من الانهيار، ويحفظانه من الخراب والفناء، فهما فضيلة، وأساس كلّ فضيلة. ولذا فإنّ الإسلام الحنيف أكّد عليها بشدّة، فعن عمر بن عرفة قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: ?لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم?().
وعن الصادقين عليهما السلام: ?ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر?().
وقال أبو جعفر عليه السلام: ?بئس القوم قوم يعيبون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر?().
وعن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إنّ الله عزّوجلّ ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له، فقيل له: وما المؤمن الذي لا دين له؟ قال: الذي لا ينهي عن المنكر?().
ومن الاُمور المهمّة التي تساعد الإنسان علي تطهير نفسه من الرذائل، وتجميلها بالخصال الحسنة المحمودة هي: ولاية الأخيار ومحبّتهم، والبراءة من الأشرار ومعاداتهم.
وفي الحقيقة: إنّ التولّي لأولياء الله، والتبرّي من أعدائه، وقاية وعلاج: فهما وقاية عن استشراء الرذيلة وتوسّع القذارة، وعلاج لمن ترسّب في نفسه الشرّ، وعشعش الباطل في أعماقه.
ففي الحديث الشريف: أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?أي عري الإيمان أوثق?؟ فقالوا: الله
ورسوله أعلم، فقال بعضهم الصلاة، وقال بعضهم الزكاة، وقال بعضهم الصوم، وقال بعضهم الحجّ والعمرة، وقال بعضهم الجهاد، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?لكل ما قلتم فضل وليس به ولكن أوثق عري الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله وتولّي أولياء الله والتبرّي من أعداء الله عزّوجلّ?().
وعن أبي عبد الله عليه السلام: في قول الله عزّوجلّ: ?وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَاد بِظُلْم?() فقال: ?من عبد فيه غير الله عزّوجلّ أو تولّي فيه غير أولياء الله، فهو ملحد بظلم، وعلي الله تبارك وتعالي أن يذيقه من عذاب أليم?().
إنّ الفرد هو أوّل لبنة في المجتمع، فبصلاحه يصلح المجتمع، وبفساده يفسد المجتمع.
والاُمّة النشيطة، هي الاُمّة التي نشط أفرادها، وبخلافها الاُمّة الخاملة، فإنّها هي الاُمّة التي خمل أفرادها، فنشاط المجتمع يكون بنشاط الأفراد، وخمول الاُمّة هو من خمول أفرادها.
وعلي أيّة حال: فإنّ لأخلاق الفرد المدخلية التامّة في صنع أخلاق المجتمع، ولذا فإنّ كلّ مصلح يريد إصلاح المجتمع يشرع بتصقيل نفوس الأفراد، ويبدأ بتهذيب نفوسهم وتشذيبها فرداً فرداً.
وهذا شأن الكون، فبالقطرات تجتمع البحار، وبحبّات الرمال تتكوّن الصحاري، وبأفراد النجوم الزواهر، تتكوّن السماء الوضّاءة. وعلي هذا المبدأ تبتني الأحزاب والعساكر، فإنّها فرد، ثمّ فرد، ثمّ فرد، حتّي يتكوّن حزب قوي، أو جيش عرمرم.
وحيث إنّ للفرد شهوات وميولا، ونزوات ونزعات، فإنّ صلاحه يتوقّف علي إصلاحها، ومعالجتها يتم بالسير علي الطريقة الوسطي، بلا إفراط ولا تفريط، ولا سرعة ولا بطئ. فكل من الكبت المطلق، والحرّية المطلقة هو خروج عن الاعتدال.
ولذا فإنّ الإسلام في برنامجه التربوي للمجتمع توجّه أولاً وبالذات إلي الفرد: فأراه مواضع الزيغ والانحراف، وأرشده إلي العدل والنصفة، ثمّ دعمهما بترغيب وترهيب، وثواب وعقاب، حفظاً له وللمجتمع عن الانهيار
والبوار.
من الآفات الخطيرة علي الفرد هو الكسل، فهو يهدم الشخصية، ويذوي زهرة العمر النضر، ويؤدّي بصاحبه إلي الهلاك المحتوم، والتأخّر في ميدان الحياة الفسيح.
هذا والكسالة حِلق سلسلة متّصلة ومتعاقبة، يتبع بعضها بعضاً، فمن كسل عن شيء لا ينفكّ حتّي يكسل عن آخر، وهكذا دواليك، حتّي يلتحق بالأموات وهو يمشي علي ظهر الأرض، فيصبح في عدادهم وإن كان جسمه في الأحياء.
وعلي خلاف ذلك تماماً هو النشاط، فهو حياة وحياة.. وعمل وعمل.. فالنشيط كالنبت في الأرض الخصبة، فلا يلبث حتّي ينمو ويورق، ويزهر ويثمر، فيغدو متعة للعين، ولذّة في الروح، وفيض للحياة، ودفء وضياء.
وما الآثار التي نراها محيطة بنا، من زرع وعمران، ودور ومدن، ومصانع ومدارس، وآلات وأدوات، إلاّ آثار النشاط.
ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ?إياك وخصلتين: الضجر والكسل، فإنّك إن ضجرت لم تصبر علي حقّ، وإن كسلت لم تؤدّ حقّاً?().
وفي واقع الأمر إنّ الكسلان يعجز عن نفسه، فكيف لا يعجز عن الحقوق؟!
فهو كصاحب العبء الثقيل الذي يمرّ عليه الليل وكأنّه سنة، والنهار وكأنّه عام، بينما يمرّ الليل والنهار علي الإنسان النشيط مرور السحاب، فيري وكأنّ أعوامه ساعات، وأيّامه لحظات، أمّا الكسلان فهو يري ساعاته أعواماً، ولحظاته شهوراً، فيلبث ويلبث حتّي تمضي الأعوام والشهور عليه دقيقة دقيقة.
وكذا الحال بالنسبة إليه للساعة، ثمّ.. اليوم، ناهيك عن الأسابيع والأشهر والأعوام.
وإنّ أقلّ وصف للعام عند الكسلان هو كما قال الله تعالي: ?فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة?().
والملفت للانتباه أنّ الكسلان لا يضيّع نفسه فقط، بل يضيّع حقوق الآخرين، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام في كلامه حيث يقول: ?إيّاكم والكسل، فإنّه من كسل لم يؤدّ حقّ الله عزّوجلّ?().
وليس حقّ الله فحسب، بل الحقوق
أجمع، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً: ?من أطاع التواني ضيّع الحقوق، ومن أطاع الواشي ضيّع الصديق?().
وبالإضافة إلي ذلك تكون عاقبة الكسالة في العبادات هو الإثم، وذلك لأنّ الكسلان لا يؤدّي الطاعة، لأنّ الطاعة بحاجة إلي النشاط وهو لا نشاط له، ولذلك يتواني عنها ويدعها حتّي تفوت عن وقتها المفروض، وإلي ذلك يشير أمير المؤمنين عليه السلام قائلا: ?للكسلان ثلاث علامات: يتواني حتّي يُفَرِّط، ويُفَرِّط حتّي يُضَيِّع، ويُضَيِّع حتّي يَأثَم?().
وعن عمّار السجستاني عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبي جعفر عليه السلام: ?لا خير في الكسل، إذا كسل الرجل أن يتمّ ركوعه وطهوره، فليس فيه خير لأمر آخرته، وإذا كسل عمّا يصلحه بمعيشة دنياه فليس فيه خير لأمر دنياه?().
والكسول في الحقيقة عبء ثقيل علي كاهل المجتمع، لأنّه يعيش علي أكتاف الآخرين، فلا يلبث طويلا حتّي يلفظه المجتمع، فيهون عليهم وإن ضربت عليه سرادقات الأموال والأنساب، ولذلك قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?العجز مهانة?().
وقال عليه السلام في حكمة اُخري له: ?العجز آفة?().
وأيّة آفة أعظم من آفة الكسل التي تترك حيوية العين والاُذن واللسان، والقلب والدماغ والفكر شللا، لا تتحرّك بخير، ولا تدفع سوءً، فحقّاً إنّها آفة عجيبة. وقد كان نبي الإسلام صلي الله عليه و اله وعترته الأطهار عليهم السلام من أروع الأمثلة في النشاط والحيوية، فهم خير اُسوة حسنة لمن أراد الفوز والنجاح.
ومن الآفات الفردية الخطيرة: (الطمع والحرص) فهما أخوان رضيعا لبان ضعة النفس وانحطاط الباطن. فالنفس إذا خفّت طلبت شيئاً لتثقل معه، حتّي ترجّح الكفّة، فهي كالبضاعة إذا نقصت احتاجت إلي ثقل معها، لتعدل الميزان، أو ترجّح البضاعة.
وكذا هو الحال بالنسبة للطمّاع والحريص، إذ أنّهما يشعران بهذه الخفّة في أنفسهما، فيطلبان
ما يقع به التوازن، فالطمّاع فقير مهما كثر ماله، وكما يقولون: (إنّ الفقر فقر النفس، لا فقر الجيب واليد).
وقد أشار الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله إلي ذلك في حديث له فقال: ?أفقر الناس الطمِع?().
وفي الحقيقة إنّ الفقير مهما جاع أو عري تجده لا يطلب إلاّ ما يستر عورته ويشبع جوعته، أيّاماً، أو أشهراً، أو سنيناً، وهي غاية طلبه، أمّا ذو الطمع فهو لا يري أمداً لطلبه، وإنّما يطلب ويطلب، ويحرص ويحرص، حتّي يكون مصداقاً لقوله صلي الله عليه و اله: ?لو كان لابن آدم واديان من ذهب، لطلب وادياً ثالثاً?().
ولو سئل الطامع الذي جمع مالا وذهباً يكفيانه طيلة عمره: ما الذي تريد؟ لم يكن له جواب إلاّ الفقر في النفس، والخسّة في الروح، والخبث في القلب.
ولو كشف عن باطن الطمع، لرؤي فيه كلّ ذلّ ومنقصة، فهو يقود المرء إلي كل رذيلة، ولذا فإنّ الإمام الباقر عليه السلام حذّر منه بقوله: ?بئس العبد عبد له طمع يقوده، وبئس العبد عبد له رغبة تذلّه?().
بل إنّ الطمع عادةً ما يقود صاحبه إلي الذلّة والحقارة والحسد والحقد والعداوة والغيبة والوقيعة وظهور الفضائح والظلم والمداهنة والرياء والنفاق وعدم الرضا بالقسمة والاتّكال علي الباطل.
وإلي هذا المعني يشير الإمام علي بن الحسين عليه السلام حيث قال: ?رأيت الخير كلّه قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس?().
وعادةً ما يكون صاحب الطمع لا إيمان له! وأي إيمان له وهو يرتكب كل محظور لإشباع نهمة طمعه. إنّ الإسلام يريد للفرد أن يكون مثالا في الغني النفسي، قبل الغني المالي، فلا يطمع حتّي يسلك به الطمع مسالك الذلّة والمهانة، ويسأل الآخرين، ففي الحديث الشريف إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله
قال: ?من سألنا أعطيناه، ومن استغني أغناه الله?(). أجل فإنّ في قطع الطمع خير الدنيا والآخرة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: ?إن أردت أن تقرّ عينك، وتنال خير الدنيا والآخرة، فاقطع الطمع ممّا في أيدي الناس?().
وعن أبان بن سويد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قلت: ما الذي يثبت الإيمان في العبد؟ قال: ?الذي يثبته فيه: الورع، والذي يخرجه منه: الطمع?().
هنا سؤال في غاية الأهمية وكثيراً ما يردّده الناس إزاء اُولئك الذين يحبّون الظهور، ويبغون العلوّ علي الآخرين، يقول: لنفرض أنه اعتلا، واُشير إليه بالبنان علي أنّه أصبح ملكاً أو وزيراً أو عالماً و.. و.. ثمّ ماذا؟ فإنّ كلّ من يعمل ويكدّ، ويجدّ ويجتهد، ويحالفه القضاء والقدر السماوي لامتحان الناس واختبارهم، يأتيه كل شيء قُبلا، أحبّ أم كره.
إنّ حبّ الظهور نبت ينمو غالباً في النفوس المريضة، كما ينمو الزرع الخبيث في الأراضي العفنة، وكل من أحبّ الظهور يجرّه حبّه هذا في الأخير إلي المفاسد والرذائل.
وكم رأينا اُناساً ممّن يحبّون الظهور يدأبون ليلا ونهاراً، وسرّاً وجهاراً، وبكل وسيلة وضيعة، ومكر وخديعة لنيل كرسي الظهور، أو للإبقاء عليه، ولو أدّي ذلك إلي تلف النفوس والأموال، وهتك الحرمات والأعراض والعياذ بالله .
وعلي كل حال: فإنّ الدنيا وإن كانت بذلّة وخسّة، وعار وشنار موزّعة بين هؤلاء وغيرهم، إلاّ أنّ الآخرة تختصّ بالمتّقين الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، كما قال الله تعالي في القرآن الحكيم: ?تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ?().
وعليه وكما يستفاد من الآية فإنّ كل من أراد علواً في الأرض، أو أراد فساداً فيها، لا نصيب له من الآخرة.
أجل إنّ حبّ الظهور مفتاح كل الرذائل والمظالم،
ولو نظر أحدنا إلي الكثير من القادة رؤساء الحكومات الظالمة، لرأي أنّ كلّ فساد يصدر منهم من: قتل الأبرياء، واعتقال الناس بغير حقّ، وخيانة بالشعب، وابتزاز الأموال المحرّمة وغيرها، هي من آثار حبّ الظهور، واشتهاء كرسي الحكم، وركوب منصب القيادة والإمارة.
ولذلك فإنّ الإسلام بالغ في مذمّة طلاّب الرياسة، وذمّ أصحابها، فعن أبي الحسن عليه السلام أنّه ذكر رجلا فقال: إنّه يحبّ الرئاسة، فقال: ?ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرّق رعاؤها، بأضرّ في دين المسلم من طلب الرئاسة?()، ولعلّ ذلك لأنّ الذئبين يهلكان أغناماً معدودة علي أكثر الفروض وطلاّب الرئاسة يهلكون اُمماً بأكملها، ويفسدون الزرع والضرع.
وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?ملعون من ترأّس، ملعون من همّ بها، ملعون كل من حدّث بها نفسه?().
ومن المعلوم: إنّه ليس معني ذلك، أن يجتنب الأكفّاء مقامهم، ويخلوها للمفسدين، فإنّ هكذا فهم يعدّ عند المتشرّعة اعوجاجاً في فقه الدين، وزيغ عن مقصد الأحاديث، وإنّما المراد هو أن لا يطلب الرئاسة من ليس لها بأهل كما هو الحال في الكثرة من القادة والرؤساء أمّا أن يطلبها من يريد الإصلاح والإرشاد، دون رياء أو شهوة وسمعة، فإنه طلب حقّ لإقامة الحقّ.
وإلي هذا المعني أشار الحديث الشريف: ?من طلب الرئاسة لنفسه هلك، فإنّ الرئاسة لا تصلح إلاّ لأهلها?().
وقال سفيان بن خالد: قال أبو عبد الله عليه السلام: ?إيّاك والرئاسة، فما طلبها أحد إلاّ هلك، فقلت له: جعلت فداك قد هلكنا إذاً، ليس أحد منّا إلاّ وهو يحبّ أن يُذكر ويُقصد، ويُؤخذ عنه، فقال: ليس حيث تذهب، إنّما ذلك: أن تنصب رجلا دون الحجّة، فتصدّقه في كل ما قال، وتدعو الناس إلي قوله?().
وقد وصف الله تعالي خيار عباده الصالحين بأنّهم يقولون: ?وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً?().
إكبار النفس هو أن يري الإنسان نفسه كبيراً، وذلك خير دليل علي صغر النفس، وضعة الروح.
إنّ النفس يصيبها ما يصيب العين أحياناً من قصر النظر، فتري القريب، وتقصر عن تشخيص البعيد. ولا يخفي أنّ الإنسان مجبول علي إكبار نفسه، وتزيين عمله واستكثاره، مهما ضؤل وقبح. وكلّما قويت هذه النزعة في النفس انحطّت، وخفّ وزنها، وضعف عملها. وكلّما انعكس الأمر، فرأي الإنسان نفسه صغيراً، وعمله حقيراً، ثقلت وعظُمت همّتها، وبعُدت رؤيتها، وثقُب نظرها، فهو ينشد الكمال دائماً، ويطلب الرقي أبداً، حتّي يصل إلي مرامه المنشود، وكما يقولون: ?إنّ من جدّ علي الدرب وصل?. وقد حارب الإسلام هذه النزعة أشدّ المحاربة، حرصاً منه علي سلامة المجتمع، وتزكية الأفراد، فقال عزّ من قائل: ?أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ?(). وقال تعالي: ?هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَي?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?لا تحقّروا شيئاً من الشرّ وإن صغر في أعينكم، ولا تستكثروا الخير وإن كثر في أعينكم?().
وعن الإمام الصادق عليه السلام إنّه قال: ?قال إبليس لعنه الله لجنوده: إذا استمكنت من ابن آدم في ثلاث، لم اُبال ما عمل فإنّه غير مقبول منه: إذا استكثر عمله، ونسي ذنبه، ودخله العُجب?().
وليس إكبار النفس المسمّي بالعُجب مقتصراً علي العبادة فحسب كما يرتئيه الكثير بل إنّ العجب مذموم في كل مجال، سواء أكان في العبادة والابتهال، أم في العلم والثقافة، أم في الصنعة والاختراع، أم في غيرها من الاُمور. ولذا أطلق أمير المؤمنين عليه السلام كلمته الرائعة فقال: ?العُجب هلاك، والصبر ملاك?().
هذا ولا يخفي أنّ هناك فرقاً بين إكبار
النفس وعلو الهمّة، حيث إنّ الثاني من الفضائل ويصحبه الاعتزاز بالنفس، لا اعتزاز المُعجَب الخوّار، بل اعتزاز العامل العملاق، بخلاف الأول فإنه رذيلة مردية، تودي عادّةً بصاحبها، وتسقطه عن الحيوية والنشاط.
ولذا فإنّ الإمام السجّاد عليه السلام قال: في دعائه المسمّي ب (مكارم الأخلاق): ?اللهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد، وحلّني بحلية الصالحين، وألبسني زينة المتّقين، في بسط العدل، وكظم الغيظ، واستقلال الخير وإن كثر، من قولي وفعلي، واستكثار الشرّ وإن قلّ، من قولي وفعلي?(). إنّه طموح وعلو همّة، وتخلية للنفس عن شوائب زائفة، وفرق بينه وبين الإكبار الطائش.
العلم فضيلة، وإن نشأ الشخص في البيداء إلي حين مماته، والجهل رذيلة، وإن حفّت بالجاهل هالة من شرف الآباء، وكوكبة من حواشي المناصب والكراسي.
إنّ الجاهل خفيف الميزان، ثقيل المجلس، ضعيف المنطق.
والعالم قريب رحيب، وقور صبور رفيع، وإن نزلت به الأنساب، وتفرّقت عنه الأسباب، فهو ذو قيمة وإن لم يعرفه الجهّال، كالعسجد فإنّه ثمين وإن صار لعبة طفل، أو دُربة مجنون.
وما أروع كلمة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وأثمنها في وصف العلم حيث قال: ?قيمة كل امرئ ما يحسن?() وأعظم بها من كلمة، لا تقدّر بقدر ولا تثمّن بثمن.
وليس عجباً أن نري القرآن الكريم لم يعرّف العلم، بل جعله موضع سؤال فقال عزّ من قائل: ?هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ?().
إنّه سؤال مغزاه أكبر من كل تعريف، ولو وزنت هذه الجملة القصيرة، مع كل ما جاء في العلم من فضل ومنقبة، لوجد أنّها أثقل منه. ومن راجع شرائع السماء، وأنظمة الأرض فإنّه لن يجد عشر معشار ما يجده في الإسلام من الحثّ علي العلم، وإيجاب طلبه، وتعداد الثواب العظيم لطالبه.
فعن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله:
?اطلبوا العلم ولو بالصين?() إذ أنّ الصين آنذاك كانت في أواخر المعمورة، وكان طي المسافة إليها من أصعب الأسفار.
ولا يخفي أنّ العلم ليس آلة هدم وخراب، وقتل وحرق، كما يستخدمه بعض أفراد البشر في العصر الراهن، وإنّما هو آلة ضياء ونور، وقسط وعدل، وفضيلة وإنسانية، وسراج وهّاج يبدّد به ظلمات الظلم والاستبداد، والجهل والمرض، والفقر والحرمان.
ففي الحديث عن النبي صلي الله عليه و اله: ?طلب العلم فريضة?().
ونحن نقرأ في القرآن الكريم: ?إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَي وَيَنْهَي عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغي?().
فالعلم المفروض طلبه في نظر نبي الإسلام صلي الله عليه و اله هو الذي يخدم البشر، لا الذي يدمّرهم.
هذا ولا يخفي: أنّ بين العلم والجهل حالة ملاحقة ومطاردة، فكلّما اتّسعت دائرة العلم، تقلّصت آفاق الجهل، كما إنّه كلّما اتّسع الضياء انكمش الظلام.
وإلي هذا المعني يشير بعض العلماء فيقول: ?كلّما ازددت علماً، ازددت جهلا?.
وبعد ما يضع الإسلام اللبنة الاُولي في بناء المجتمع وهو الفرد، ويُحكم موقعه، يتوجّه إلي العائلة، فيبيّن لها حدودها، ويرشدها إلي خيرها وشرّها، ورقيّها وانحطاطها، ويهتمّ بها غاية الاهتمام، وذلك لأنّ دور العائلة يأتي في الدرجة الثانية من الاُمّة، فإنّ بصلاح العائلة تصلح الاُمّة وبفسادها تفسد.
فتزكية العائلة، وتوجيهها إلي الرشاد، في غاية من الأهمية، لأنّ صلاح العائلة حلقة وصل بين صلاح الفرد والمجتمع، فأوّلاً: صلاح الفرد، ثمّ العائلة، ثمّ المجتمع. ولمّا كان للعائلة أدب خاصّ، وميزات مخصوصة، أرصد لها الإسلام شطراً مهمّاً من التخطيط والتحديد، وعيّن لها توجيهات متميّزة، ووظائف خاصّة: من أب يعطف، وأولاد يبرّون، واُمّ تحن، واُخوة يتواصلون، وزوج يحسن، وزوجة تطيع … وإلي آخره.
وحيث إنّ العائلة في كثير من الأحيان تكون مهبّ عواصف الشقاق، وموضع نزوات
الميول الزائفة، كان تأكيد الإسلام في حقّها أكثر من تأكيده بالنسبة إلي الاُمّة.
والعائلة وإن كانت تتكوّن بادئ ذي بدء من الزوجين والأولاد، إلاّ أنّ الأرحام الذين اجتمعوا في رحم عليا، يكونون أيضاً مورد تحديد الإسلام وتخطيطه، تلك الحدود التي تخصّ العائلة خاصّة دون المجتمع، كالتأكيد علي مسألة الصلة فيها، فضلا عن مراعاة الحقوق وغيرها من الاُمور الاُخري التي أشار الإسلام إليها بالأصابع، وسلّط عليها الأضواء إثر بيانه لحدود العائلة().
يحتلّ الوالدان الصف الأول من بين صفوف القرابة والرحم، كما يتحمّلان في الأغلب النصيب الأوفر من التعب والعناء في سبيل حفظ العائلة وصيانتها من المخاطر المحدقة بها، فالاُمّ مثلا لها نصيبها المفروض من الحمل والرضاعة والمشقّة والسهر، كما أنّ للأب حصّته المعيّنة من الكدّ والمكسب، وتحمّل المشاق والمصاعب.
فالولد قد وزّع ثقله وقسّم أعباءه بين أب رحيم، واُمّ حنونة، وإن اُختصّ كل بشطر يغاير شطر أليفه.
والأبوان هما السبب الأول في وجود الأولاد حسب ما جرت الحكمة العليا في جعل الأشياء تابعة للأسباب.
إذن: فلا غرابة في أن يخصّهما الإسلام بكمّ كبير من آياته ورواياته المنادية إلي العطف عليهما والإطاعة لهما والإحسان إليهما.
إنّ القرآن الكريم جعل نصيب الوالدين من البرّ والإحسان، بعد تعظيم الله وطاعته، فقال عزّ من قائل: ?وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً?().
وليس هذا الأمر لبني إسرائيل فحسب، بل هو لاُمّة عيسي عليه السلام أيضاً، وقد دلّ عليه صريح القرآن حيث نقل عن لسان نبي الله عيسي عليه السلام فقال: ?وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً?().
ويمتدّ هذا التأكيد ليشمل اُمّة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله حيث قال تعالي: ?قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَاناً?().
بل إنّ برّ الوالدين مفروض علي الناس كافّة بصريح نصّ القرآن حيث قال تعالي: ?وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً?().
وقال تعالي: ?وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَي وَهْن وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ?().
وقد جمعت هذه الآية بين جانبي الاستعطاف والتهديد، بأبلغ بيان ترقيقاً للمشاعر، وتخويفاً للمتكاسلين.
وعلي الرغم من أنّ الإسلام لا يحترم المشرك، لأنّه أعظم الناس جرماً وظلماً، إلاّ أنّه في مورد الوالدين خصّصت هذه القاعدة حيث أكّد القرآن علي احترامهما وإن كانا مشركين، فقال عزّ من قائل: ?وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلي أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً?().
ومن المعلوم: إنّ الاُمّ أولي بالبرّ والرحمة من الأب، حيث إنّها تحمل وترضع، وتسهر وتتعب، وإلي ذلك يشير الإمام الصادق عليه السلام في حديث له يقول فيه: ?جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه و اله فقال: يا رسول الله من أبرّ؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ من؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ من؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ من؟ قال: أباك?().
وقال عماد بن حيّان: خبّرت أبا عبد الله عليه السلام ببرّ إسماعيل ابني بي فقال: ?لقد كنت اُحبّه، وقد ازددت له حبّاً، إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله أتته اُخت له من الرضاعة، فلمّا نظر إليها سرّ بها، وبسط ملحفته لها، فأجلسها عليها، ثمّ أقبل يحدّثها، ويضحك في وجهها، ثمّ قامت فذهبت، وجاء أخوها، فلم يصنع به ما صنع بها، فقيل له: يا رسول الله صنعت باُخته ما لم تصنع به وهو
رجل فقال: لأنّها كانت أبرّ بوالديها منه?().
وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?أتي رجل رسول الله، فقال: يا رسول الله إنّي راغب في الجهاد نشيط، فقال له النبي
صلي الله عليه و اله فجاهد في سبيل الله، فإنّك إن تقتل تكن حيّاً عند الله ترزق، وإن تمت فقد وقع أجرك علي الله، وإن رجعت، رجعت من الذنوب كما ولدت، قال: يا رسول الله إنّ لي والدين كبيرين، يزعمان أنّهما يأنسان بي، ويكرهان خروجي، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: فقرّ مع والديك، فو الذي صنعني بيده: لاُنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة?().
ولا يخفي إنّ البرّ غير مقتصر علي شيء خاص، بل يشمل حتّي النظر والكلام وما إليهما، بل وأبعد من ذلك ممّا يثير الدهشة، فقد قال الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالي: ?إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا?(): ?إن أضجراك فلا تقل لهما اُف، ولا تنهرهما إن ضرباك، قال ?وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيماً?(): إن ضرباك، فقل لهما: غفر الله لكما، فذلك منك قول كريم. قال: ?وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ?(): لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلاّ برحمة ورقّة، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما، ولايدك فوق أيديهما، ولا تقدّم قدّامهما?().
وقال معمّر بن خلاّد: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: أدعو لوالدي إذا كانا لا يعرفان الحقّ؟ قال: ?أدع لهما وتصدّق عنهما، وإن كانا حيين فدارهما، فإنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال: إنّ الله بعثني بالرحمة، لا بالعقوق?().
وعن أبي جعفر عليه السلام: ?ثلاث لم يجعل الله عزّوجلّ لأحد فيهنّ رخصة: أداء الأمانة إلي البرّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر، وبرّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين?().
وبعد ذلك كلّه فلا يبعد أن يكون البرّ من الأسباب الظاهرة لدخول الجنّة، والعقوق من العلل البارزة للاقتحام في النار.
فعن أبي الحسن عليه
السلام: ?قال رسول الله صلي الله عليه و اله: كن بارّاً واقتصر علي الجنّة، وإن كنت عاقّاً فاقتصر علي النار?().
وعن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إذا كان يوم القيامة، كشف غطاء من أغطية الجنّة، فوجد ريحها من كانت له روح، من مسيرة خمسمائة عام، إلاّ صنفاً واحداً، قلت: من هم؟ قال: العاقّ لوالديه?().
هذا وللعقوق مراتب أكبرها القتل، وأصغرها نظر المقت وقولة اُف، ولذا فإنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?فوق كلّ ذي برّ برّ، حتّي يقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ، وإنّ فوق كل عقوق عقوقاً، حتّي يقتل الرجل أحد والديه، فإذا فعل ذلك، فليس فوقه عقوق?().
وقال الإمام الصادق عليه السلام في حديث آخر: ?من نظر إلي والديه نظر ماقت وهما ظالمان له لم يقبل الله له صلاة?().
وقال عليه السلام: ?لو علم الله شيئاً أهون منه، لنهي عنه?().
وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ البرّ غير مختصّ بالحياة وحسب، بل يتعدّاها إلي ما بعد الممات، تحفّظاً علي أواصر الصلة حتّي بين الأحياء والأموات، فإنّ الروح باقية، والميّت يتطلّع علي أقربائه، وبالأخصّ الأولاد.
وإلي هذا المعني يشير أبو جعفر عليه السلام قائلا: ?إنّ العبد ليكون بارّاً بوالديه في حياتهما، ثمّ يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ولا يستغفر لهما، فيكتبه الله عزّوجلّ عاقّاً، وإنّه ليكون عاقّاً لهما في حياتهما غير بارّ بهما، فإذا ماتا، قضي دينهما واستغفر لهما، فيكتبه الله عزّوجلّ بارّاً?().
تنتظم الاُسرة أوّل انتظامها من زوجة وزوج، وكل واحد منهما يعدّ شقّاً ومصراعاً، فإذا اجتمعا توافق الشقّان، وكمل المصراعان. وبالتفاف أحدهما مع الآخر صد للنوازل، ودفع للحياة السامية.
وعجيب أمر الإسلام وحقيقة عجيب حيث
إنّه حدّ لهذا الأمر حدوداً، وخطّ له خطوطاً في غاية الدقّة، من البدو إلي الختم، وفي كل خطوة، وعلي كل حالة، فلم يغفل عن صغيرة أو كبيرة إلاّ أحصاها، استتباباً لنظام العائلة، وتهذيباً لنفوس الأولاد، وترقية لمستقبل الأجيال.
إنّ الإسلام يريد الهدوء، ودفء الحياة بالنسبة إلي الزوجين، وهو كذلك يريد سلامة الأولاد عن الأمراض والعاهات، وطهارة أنفسهم، ورقّة عواطفهم، وحسن أدبهم، ونشاط روحهم. ويريد رقي المحيط، وسلامة المجتمع عن الفقر والمرض والجهل، وحفظه عن الفساد والالتواء والزيغ.
وكلّ ذلك يتحقّق بالزواج أولاً، وبانتقاء كلّ من الزوجين ثانياً، فعلي سبيل المثال إنّ مرض الزهري، والفساد والالتواء الخُلُقي، تنشأ غالباً من العزوبة. والعيش الرغيد والحبّ والدفء، وسلامة الأولاد وطهارتهم، تنشأ في الحالات الكثيرة من جرّاء الانتقاء الحسن والكفاءة في الزوجين.
ثمّ إنّ الإنسان كلّما نظر إلي الآثار الواردة في النكاح، وتصفّح أبواب الروايات والأخبار الكثيرة فيه، امتلكته الدهشة: فبالرغم من أنّ الإسلام أرشد إلي جميع ما فيه الصلاح بالنسبة إلي هذه الناحية المهمّة من الحياة، فضلا عن تحذيره عن مواضع العطب والهلاك، والفساد والخبال، إلاّ أنّك تجد أنّ الإسلام بواد والمسلمون بواد آخر.
ولسنا الآن بصدد هذا البحث، فله موضع خاص، وكتاب منفرد، إنّما المهم بيان نظر الإسلام إلي كيفية التعايش الهنيء بين الزوجين، في جوّ من الأخلاق الفاضلة، والسماح الكريم().
فللمرأة احترامها البالغ، وللرجل احترامه المؤكّد، وكل منهما كما تعبّر الآية الكريمة مرتبط بالآخر ارتباط اللباس بالبدن، فقد قال تعالي: ?هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ?() أي: أنّ كلا منهما بالنسبة إلي الآخر كاللباس بالنسبة إلي الجسد، فهو يقيه الحرّ والبرد، ويحفظ سوأته، ويتمتّع به، ويلتذّ بملمسه، ويري من البدن ما لا يراه غيره.
ولذلك أمر الإسلام برعاية الحقوق بين الزوجين، ودعا
إلي حفظ حرمة الزوجة بالذات لأنّها عادةً ما تكون ضعيفة الحال مسلوبة الحقوق في شتّي المجالات. وقد استنكر أهل البيت عليهم السلام قسوة الجاهلية، حيث كانوا يضربون المرأة، في مواقف عديدة، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: ?أيضرب أحدكم المرأة، ثمّ يظلّ معانقها?().
والمرأة في نظر أمير المؤمنين عليه السلام: بمثابة الريحانة التي يستنشق منها الرحيق الطيّب، ولذا فإنّه عليه السلام قال لابنه الإمام الحسن عليه السلام أو محمّد بن الحنفية، علي الاختلاف : ?لا تملك المرأة من الأمر ما جاوز نفسها، فإنّ ذلك أنعم لحالها، وأرخي لبالها، وأدوم لجمالها، فإنّ المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة.. فدارها علي كل حال، وأحسن الصحبة لها ليصفوا عيشك?().
وقد استعطف الإسلام الرجال نحو النساء، في قوالب عاطفية، وعبارات رقيقة استجلاباً للرحمة، واستمطاراً للودّ والاُلفة، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي?().
وقال صلي الله عليه و اله: ?عيال الرجل اُسراؤه، وأحبّ العباد إلي الله عزّوجلّ أحسنهم صنعاً إلي اُسرائه?().
وقال الصادق عليه السلام: ?اتّقوا الله في الضعيفين، يعني بذلك اليتيم والنساء?().
وقال عليه السلام: ?أكثر أهل الجنّة من المستضعفين: النساء، علم الله ضعفهنّ فرحمهنّ?().
بل جعل الإسلام حبّ الزوجة من علائم الإيمان وأخلاق الأنبياء عليهم السلام وفي طليعتهم الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله الذي قال في حديث له: ?ما أحبّ من دنياكم إلاّ النساء والطيب?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?جعل قرّة عيني في الصلاة، ولذّتي في النساء?().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?من أخلاق الأنبياء عليهم السلام حبّ النساء?().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?كل من اشتدّ لنا حبّاً اشتدّ للنساء حبّاً?().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?ما أظنّ رجلا يزداد في هذا
الأمر خيراً، إلاّ ازداد حبّاً للنساء?().
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?كلّما ازداد العبد للنساء حبّاً، ازداد في الإيمان فضلا?().
نعم هذه وصايا الإسلام الذي يريد خير البشرية ديناً ودنياً، وروحاً وبدناً، وعلماً وعملا، وآخرة واُولي، إنّه الإسلام الذي لايغفل عن جانب ولا يترك أمراً إلاّ وأبدي فيه رأيه وأرشد الإنسان إلي خيره وحذّره من شرّه. إنّه الإسلام الذي يؤكّد علي حبّ النساء، كي لا تفتح المواخير، وتذهب الأعراض، وتسري الأمراض، وتذبل زهرة الفتيان والفتيات بالطرق الملتوية، ويسوء عيش العائلة، ويكدّر صفاءها الشقاق والفراق.
فلا غرابة إذاً من هذا التأكيد العجيب والتوصيات الملحّة والأكيدة، بل إنّ غير هذا عجيب.
وكما دعا الإسلام إلي المحبّة وأكّد عليها في مآثره، فكذلك بالغ في التأكيد علي إظهارها بشتّي الأساليب، فعن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?قول الرجل للمرأة: إنّي اُحبّك، لا يذهب من قلبها أبداً?().
ومن الاُمور المهمّة التي دعا إليها الإسلام إثر تعرّضه لذكر مقوّمات بناء الاُسرة الفاضلة هو: أنّ تتكافأ الحقوق، وتقسّم الواجبات في الاُسرة، فللرجل علي المرأة ما للمرأة علي الرجل، يقول الله تعالي: ?وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ?().
وعن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام: ?جهاد المرأة حسن التبعّل?(). وقال رسول الله صلي الله عليه و اله للنساء: ?لا تطولنّ صلاتكنّ لتمنعنّ أزواجكنّ?().
وعن الإمام الصادق عليه السلام: ?نهي رسول الله صلي الله عليه و اله النساء أن يتبتلن ويعطلن أنفسهنّ من الأزواج?().
وقال عليه السلام: ?أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حقّ لم تقبل منها صلاة، حتّي يرضي عنها?().
وقد حدّد الإسلام موقف كل من الزوجين تجاه الآخر، موضّحاً أنّ الأذية سواء صدرت عن الزوج أم الزوجة فإنّ لها من العقاب شدّة وقسوة، تصفية للجو، وإخلاءً للبيت عن
الأذي، وتبعيداً للعائلة عن الانفصال والافتراق. فقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من كان له امرأة تؤذيه، لم يقبل الله صلاتها، ولا حسنة من عملها، حتّي تعينه وترضيه، وإن صامت الدهر وقامت، وأعتقت الرقاب، وأنفقت الأموال في سبيل الله، وكانت أوّل من ترد النار. ثمّ قال رسول الله صلي الله عليه و اله: وعلي الرجل مثل ذلك الوزر والعذاب إذا كان لها مؤذياً?().
قال الله تعالي: ?وَأُوْلُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي بِبَعْض فِي كِتَابِ اللهِ?(). نعم.. إنّ الأرحام أولي بالإحسان، والمغفرة والصلة والإرث، بل إنّهم أولي بكل شيء. وهذه الأولوية منشؤها الرحم الواحدة التي جمعتهم، والحنين الخاص الذي يجذبهم إلي البعض وإن قامت العداوات، ونشبت المخاصمات بينهم، فمن أقرب من الأرحام، حتّي يخصّ بالرحمة دونهم؟ ولذا فإنّ القرآن الكريم أكّد علي الإحسان إليهم فقال عزّ من قائل: ?وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَي?().
وحيث إنّ الأرحام إذا صلحت استقام أمر الاُمّة، وأورقت أغصانها، وآتت ثمارها، فقد أكّد الإسلام كما هو شأنه في كلّ شيء علي شأنها، فجعل الثواب العظيم لصلة الرحم، حتّي ظنّ البعض إنّ هذا التأكيد يشوبه شيء من المحاباة. فقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من رعي حقّ قرابات أبويه أُعطي في الجنّة ألف ألف درجة، بعد ما بين كل درجتين حضر الفرس الجواد المضمر، مائة سنة?().
وصلة الرحم لا يثاب عليها في الدار الآخرة فقط، بل في الدنيا أيضاً، وهذا ما أشار إليه رسول الله صلي الله عليه و اله حيث قال: ?إنّ المعروف يمنع مصارع السوء، وإنّ الصدقة تطفئ غضب الربّ، وصلة الرحم تزيد في العمر، وتنفي الفقر?().
وقال أمير المؤمنين عليه
السلام لنوف البكالي: ?يا نوف، صل رحمك، يزيد الله في عمرك?().
وقد ضرب النبي صلي الله عليه و اله لنقص العمر وزيادته مثالا جليّاً، بحيث إنّه لا يحتمل المجاز والتأويل. فقال صلي الله عليه و اله: ?إنّ المرء ليصل رحمه، وما بقي من عمره إلاّ ثلاث سنين، فيمدّها الله إلي ثلاث وثلاثين سنة، وإنّ المرء ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة، فيقصرها الله إلي ثلاث سنين?().
ولا يخفي أنّ صلة الرحم هو عطف من ناحيتين: إنسانية، ورحمية، ففيها ملاك أجرين، ولذا قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?الصدقة بعشرة، والقرض بثمانية عشرة، وصلة الإخوان بعشرين، وصلة الرحم بأربعة وعشرين?().
وحقّاً أنّ هذا التدرّج الموجود في الرواية لهو جدير بالتأمّل، فالصدقة مثلا ترفع مستوي الفقير، لكن عدمها لا يورث ضغناً ولا إحناً، فلها ثوابها المعتاد الذي أشار إليه القرآن الكريم حيث قال تعالي: ?مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا?().
والقرض لمّا كان عن احتياج مقترن بماء وجه المقترض يكون فيه ثواب قضاء الحاجة، وثواب حفظ نضارة وجه المحتاج، فهو إذن: أعظم من الصدقة أجراً. وكذا الحال بالنسبة للإخوة المتحابّين، فإنّه قلّما لا يقع بينهم هنات، ولذا كانت الصلة هي أفضل رافع لها، إذ أنّ فيها قطع لجذور الضغائن، وغسل للكدورات التي لو بقيت كبرت، وسبّبت الهجران.
ومن هنا دعا الإسلام إلي الصلة التي تبقي الودّ، وتحصد الشرّ، فعن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?صلوا أرحامكم في الدنيا ولو بسلام?(). وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?صل رحمك ولو بشربة من ماء، وأفضل ما يوصل به الرحم: كفّ الأذي عنها، وصلة الرحم منسأة في الأجل، محبّبة في الأهل?().
ثمّ لا يخفي: أنّ الإسلام لا يخصّ بالعطف
والصلة الرحم الشفيق فحسب، بل يأمر بذلك حتّي للجافي منهم، بل حتّي للعدو اللدود، فعن سالمة مولاة أبي عبد الله عليه السلام قالت: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام حين حضرته الوفاة، واُغمي عليه، فلمّا أفاق قال: اُعطوا الحسن بن علي بن علي بن الحسين وهو الأفطس سبعين ديناراً، وأعط فلاناً كذا، وفلاناً كذا، فقلت: أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك؟ قال عليه السلام: تريدين أن لا أكون من الذين قال الله عزّوجلّ: ?وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ?() نعم: يا سالمة، إنّ الله خلق الجنّة فطيّبها، وطيّب ريحها، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام، فلا يجد ريحها عاقّ، ولا قاطع رحم?().
ولا عجب في ذلك، فإنّ الإسلام يأمر بالعفو عن غير ذي الرحم، حيث قال تعالي: ?خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ?() وقال تعالي: ?وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي?() فكيف بذي الرحم؟
إنّها تعاليم الإسلام الحكيمة، وقوانينه السمحة التي لا تريد إلاّ السلام والوئام، والحبّ والوداد بين الناس.
وقد بيّن رسول الإنسانية صلي الله عليه و اله حدود الرحم التي يجب صلتها فقال صلي الله عليه و اله: ?لمّا اُسري بي إلي السماء، رأيت رحماً متعلّقة بالعرش تشكو رحماً إلي ربّها، فقلت لها: كم بينك وبينها من أب؟ فقالت: نلتقي في أربعين أباً?().
يبقي القول بأنّ قطع الرحم، من الأعمال التي يعجّل وبالها في الدنيا قبل الآخرة، فعن أمير المؤمنين عليه السلام:
?ثلاث خصال لا يموت صاحبهنّ أبداً حتّي يري وبالهن: البغي، وقطيعة الرحم، واليمين الكاذبة يبارز الله بها، وإن أعجل الطاعة ثواباً لصلة الرحم?().
إنّ بني الإنسان رجالا ونساءً اُسرة واحدة، إذ هم يرجعون إلي أب واحد
واُمّ واحدة: آدم وحواء عليهما السلام وإنّ مثلهم فيما بينهم كمثل الأعضاء في الشخص الواحد، لا يستغني عضو منها عن العضو الآخر، كما لا غني للإنسان إلاّ بها أجمع.
فالاُذن مثلا لا تقوم مقام العين، والرجل لا تفعل ما تفعله اليد، والشخص بغير لسان يعدّ ناقصاً وإن اكتمل من سائر النواحي وهكذا. وكذا الحال بالنسبة إلي هذا الكون الفسيح حيث خلقه الباري تعالي وحدة متكاملة يرتبط بعض أجزائه ببعض، وإن ابتعدت المسافة بينها، فالشمس مثلا وإن ابتعدت عن الأرض ملايين الكيلومترات إلاّ أنّها تغمرها بنورها الوضّاء وتبعث الدفء والحياة إليها، ناهيك عن الماء وعلاقته بالهواء، والحرارة وارتباطها بالأحياء.
وليس الإنسان إلاّ أحد أجزاء هذا الكون الموحّد، فليكن بعضهم دعامة بعض، وأحدهم معيناً للآخر …
وبالفعل لا غني لأي فرد عن المشاركة مع بني نوعه، فهذا يزرع، وذاك يحصد، والآخر يعجن ويخبز.. وذاك يندف، وغيره ينسج، وآخر يخيط، وواحد يبني، وآخر يسكن … وهكذا.
نعم إنّ الإنسان محتاج إلي أبناء جلدته، في المشاعر والعواطف والحبّ والبغض، والفرح والغضب، والتعليم والتعلّم، والاُنس والتواصل، وكلّ هذه الاُمور تحتاج إلي أطراف يتجاذبونها، ويتبادلون أخذها وعطاءها، فهذا يحبّ ذاك، وذاك يعطف علي الآخر، وهكذا.
إذن: فلا مفرّ للإنسان عن التعاون والتشارك، حتي يتم النظام، وتسير الاُمور بيسر وسهولة. وببركة هذه الغرائز التي أودعها الله تعالي في البشر، شيّدت المدن، وازدهرت الحضارات، وبلغ الإنسان أرقي مراتب الكمال.
هذا من جانب، ومن جانب آخر إنّ التماسك بين أبناء المجتمع، يعطي قوّة في النفس، وقوّة في العمل، فإنّ الذي يعرف أنّ له معاوناً، تتقوّي نفسه، وتشتدّ عزيمته، وتنفذ إرادته، ثمّ تقوي عضلاته، ويفور دمه وبذلك يكون أقرب إلي النصر ونجاح الأمر.
ففي القرآن الحكيم أنّ نبي الله موسي عليه السلام
طلب من الله تعالي مشاركة أخيه: هارون عليه السلام في الرسالة معه بقوله: ?وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي?().
وهذا الأمر غير مقتصر علي الإنسان وحده، بل يشمل غير الإنسان من المخلوقات الاُخري أيضاً، فالظباء مثلا تدرك هذه الحقيقة، فتجتمع وتصير قطعاناً أثر بحثها عن الغذاء، والطيور التي نراها تحلّق في السماء، فهي لا تطير إلاّ أسراباً، ولا تعيش إلاّ مجتمعة، وكذا الحال بالنسبة للنحل والنمل، فهي تهيئ شؤونها، وتدير اُمورها بالاجتماع.
وينقل إنّ أحد الملوك ضرب لأولاده وكانوا عشرة وهو يحثّهم علي الاتّحاد والتماسك بينهم أروع الأمثلة، حيث طلب منهم أن يأتي كل واحد منهم بعود من قصب، فلما أتوه بذلك جمعها الملك في مكان واحد، وشدّ بعضها إلي بعض، ثمّ ناولها كلّ واحد منهم، وطلب منهم كسرها! فلم يتمكّن أحدهم من ذلك، ثمّ نثرها وأعطي كلّ واحد منهم قصبته، فكسرها بكل سهولة، آنذاك التفت الملك إليهم وقال: إنّكم إن اجتمعتم كان أمركم رشداً، ولم يقدر عليكم أحد، وإن تفرّقتم أبادكم العدو واحداً بعد واحد.
وقد اهتمّ الإسلام الحنيف بالاُلفة والوحدة أكبر اهتمام، فلمّا قدم النبي صلي الله عليه و اله إلي المدينة المنوّرة آخي بين أصحابه، وكانت هذه أوّل طلائع النصر والقوّة. وقد أمر القرآن المسلمين بالوحدة فقال عزّ من قائل: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً?(). وقال تعالي: ?هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ?().
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ?لا يرجع
صاحب المسجد بأقل من إحدي ثلاث خصال: إمّا دعاء يدعو به يدخله الله به الجنّة، وإمّا دعاء يدعو به فيصرف الله عنه بلاء الدنيا، وأمّا أخ يستفيده في الله عزّوجلّ?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?ما استفاد امرئ مسلم فائدة بعد فائدة الإسلام مثل أخ يستفيده في الله?().
فانضمام الرجل إلي الآخر في نظر نبي الإسلام صلي الله عليه و اله يتلو الإسلام في الأهمية، فكما أنّ الإسلام صلاح للدين والدنيا كذلك الأخ، فهو صلاح للدين والدنيا، لكن بشرط أن يكون: ?في الله?
لا في الشيطان. فعن الإمام الرضا عليه السلام: ?من استفاد أخاً في الله، فقد استفاد بيتاً في الجنّة?().
وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?المؤمنون في تبارهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكي تداعي له سائره بالسهر والحمّي?().
بل وأبعد من ذلك، فعن الإمام الصادق عليه السلام: ?لا والله لايكون المؤمن مؤمناً أبداً حتّي يكون لأخيه المؤمن مثل الجسد، إذا ضرب عليه عرق واحد، تداعت له سائر عروقه?().
وما أجمل هذا المثال، وأغور عمقه حيث يقول عليه السلام: ?إذا اشتكي تداعي له سائره بالسهر والحمّي? أي: أنّه ليس يسوؤه فحسب، بل يتداعي له بالسهر والحمّي، وكما يقول الإمام الصادق عليه السلام: ?من حبّ الرجل دينه، حبّه أخاه?().
وعن الإمام الباقر عليه السلام: ?قال جدّي رسول الله صلي الله عليه و اله: أيّها الناس، حلالي حلال إلي يوم القيامة، وحرامي حرام إلي يوم القيامة، ألا وقد بيّنهما الله عزّوجلّ في الكتاب، وبيّنتهما لكم في سيرتي وسنّتي، وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي، من تركها صلح له أمر دينه، وصلحت له مروّته وعرضه، ومن تلبّس بها ووقع فيها، واتّبعها كان كمن رعي غنمه قرب الحمي، ومن رعي ماشيته قرب
الحمي، نازعته نفسه إلي أن يرعاها في الحمي، ألا وإنّ لكلّ ملك حمي، وإنّ حمي الله عزّوجلّ محارمه، فتوقّوا حمي الله ومحارمه، ألا وإنّ ودّ المؤمن من أعظم سبب الإيمان، ألا ومن أحبّ في الله جلّ وعزّ، وأبغض في الله، وأعطي في الله، ومنع في الله عزّوجلّ، فهو من أصفياء المؤمنين عند الله تبارك وتعالي، ألا وإنّ المؤمنين إذا تحابا في الله عزّوجلّ، وتصافيا في الله، كانا كالجسد الواحد إذا اشتكي أحدهما من جسده موضعاً، وجد الآخر ألم ذلك الموضع?().
يبقي القول في إنّ الإسلام يضع من أجل التحفّظ علي هذا المعني النبيل: (الاُلفة والوحدة) نقاطاً ثلاثاً ألا وهي:
1 الحثّ البالغ علي الاُلفة والوحدة، والمحبّة والاُخوّة، وعلي الاعتصام بحبل الله جميعاً، وعدم التفرّق.
2 الإرشاد إلي منابع الاُلفة، وما يسبّبها: من برّ، وصلة، وهدية، وزيارة، وتحية، وما أشبه ذلك.
3 توجيه الإنسان إلي ما يبتر النظم، ويفسد الاُلفة كالغيبة، والنميمة، والحسد، والسباب، والعقوق، ثمّ ينهي عن ذلك نهياً صارماً لا هوادة فيه.
اشتقّ الإنسان كما قيل من الاُنس، فكلّ فرد منه يأنس بالآخرين، وإن اختلفوا في النوازع، وتباينوا في الأفكار، وتشاحّوا في العقائد.
ولذا لم يسمح الإسلام لأحد في قطر أن يسخر من قطر، أو يهمزه ويلمزه، وإلاّ لسخر بلد من بلد، وحي من حي، ودار من دار، وبالآخرة فرد من فرد. وبذلك ينفصم الاجتماع، ويسود الشقاق والنفاق، ويكثر ضياع الدم والمال، العلاج الناجع والوحيد هو: أن يترك الإنسان دواعي الخلاف والنزاع، ويأخذ بما يدعو للوفاق والوئام.
وهنا يبدو جليّاً حكمة الإسلام العظيم حيث إنّه سوّر المجتمع وحصّن الاُمّة بسياج من الأخلاق الرفيعة، حفظاً له عن عبث العابثين، وإفساد المفسدين، ولتبقي للاُمّة وحدتها، وودّها، واُلفتها فيتاح للإنسان اجتياز العقبات الكأداء، ويوفّق إلي بناء صرح مجيد، وحضارة إنسانية شاملة، يعيش في ظلّها هانئاً كريماً.
ومعه فلماذا يركن البعض إلي التفرقة؟ ولأي علّة يسود التباغض والتشاحن أجواءنا؟ أليس الجميع من أب واحد، واُمّ واحدة؟ ألم يقل الباري تعالي: ?إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ?().
علماً بأنّ هذه الآية الكريمة تفيد: بأنّ الإسلام حيث جعل ملاك التفاضل بين الناس: التقوي، جعل أيضاً ما يفتح علي الناس باب التقوي، وما يسهّل عليهم سلوك طريقه، والوصول إليه، والحصول عليه: من مناهج وبرامج تهدي إليه، إن هم أخذوا
بها فازوا وسعدوا، وأفلحوا ونجحوا، ونحن نستعرض بحسب وسعنا بعضاً من تلك المناهج والبرامج إن شاء الله تعالي().
إنّ من الاُمور التي تهدي إلي التقوي، وتساعد علي ائتلاف القلوب: حسن الخلق، وقد كان النبي صلي الله عليه و اله وأهل بيته عليهم السلام المثل الكامل فيه، ولذلك عندما يتأمّل الإنسان في سيرة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام يجد أنّهم جميعاً كانوا يبلّغون بأعمالهم وأقوالهم للفضائل، ويدلّون الناس علي الأخلاق الحسنة، وآداب الإسلام الحميدة التي ندب إليها القرآن الكريم.
وحيث إنّ حسن الخلق له تأثير خاصّ في تأليف النفوس، أكّدت عليه كثير من الآيات والروايات، حتّي أنّ الله تعالي اِمتنّ علي نبيه الأكرم صلي الله عليه و اله بأن جعله حسن الخُلق، فقال عزّوجلّ: ?فَبَِما رَحْمَة مِنْ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ?().
فكأنّه تعالي يخاطب النبي صلي الله عليه و اله ويخبره: بأنّه هو الذي وهبه حسن الخلق ومنحه الرفق واللين، وجعل ذلك سبباً لالتفاف الناس حوله وألفتهم به، ولولا هذه المنحة وتلك الموهبة، لأنفضّ الناس من حول النبي صلي الله عليه و اله ولم يستجب له أحد، ولم يؤمن به شخص، ولبقي وحيداً فريداً.
وعلي كل حال: فإنّ الأخلاق الحسنة ترفع من شأن الإنسان وتجعله ينال من التقوي ما يتألّق به في قمم العلي، فيصبح مقبولاً بين أوساط الآخرين فلا يطرأ ذكره في محفل إلاّ وأثني الجميع عليه، ولا يقدم علي عمل إلاّ وتكون نتيجته الموفّقية والسداد. وعلي العكس تماماً صاحب الأخلاق الذميمة، فإنّه عادةً ما ينال سخط الناس وغضبهم جرّاء سوء أخلاقه وفظاظة تعامله السيّئ مع الناس ممّا يجعلهم ينفضّون من حوله ويفرّون من
عنده.
ومن هنا فإنّ الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله والأئمّة الأطهار عليهم السلام كانوا يؤكّدون علي حسن الأخلاق ويدعون الناس إلي الالتزام بها موضّحين مدي تأثيرها علي موفّقية المرء في الدنيا والآخرة.
فعن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إنّ جبرئيل الروح الأمين، نزل عليّ من عند ربّ العالمين فقال: يا محمّد عليك بحسن الخُلق، فإنّه ذهب بخير الدنيا والآخرة، ألا وإنّ أشبهكم بي أحسنكم خُلقاً?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?خصلتان لا تجتمعان في مسلم: البخل، وسوء الخُلق?().
ثمّ إنّه ما فائدة سوء الخُلق؟ فهل إنّه يرفع مشكلة، أو يجلب منفعة، أو يدفع مضرّة؟ كلاّ، فلا هذا ولا ذاك، بل بالعكس فهو يجلب كل الويل علي الشخص نفسه قبل غيره.
فعن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من ساء خُلقه عذّب نفسه?().
وقال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفية: ?إيّاك والعجب، وسوء الخُلق، وقلّة الصبر، فإنّه لا يستقيم لك علي هذه الخصال الثلاث صاحب، ولا يزال لك عليها من الناس مجانب، وألزم نفسك التودّد?().
وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?لا مروّة لكذوب، ولا أخ لملوك، ولا راحة لحسود، ولا سؤدد لسيئ الخُلق?().
وقال أمير المؤمنين عليه السلام لأبي أيّوب الأنصاري: ?يا أبا أيّوب ما بلغ من كرم أخلاقك؟ قال: لا اُوذي جاراً فمن دونه، ولا أمنعه معروفاً أقدر عليه، ثمّ قال: ما من ذنب إلاّ وله توبة، وما من تائب إلاّ وقد تسلّم له توبته، ما خلا سيئ الخُلق، لا يكاد يتوب من ذنب، إلاّ وقع في غيره أشر منه?().
نعم، فمن ساء خُلقه تكدّرت أجواؤه، فيمكث يبثّ الشرّ، حتّي تحيط به هالة من الكلوح، فيمجّه كل من ينظر إليه، ويجانبه كل
صديق، ناهيك عن الحساب العسير الذي ينتظره يوم القيامة.
فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ?اُتي رسول الله صلي الله عليه و اله فقيل له: إنّ سعد ابن معاذ قد مات، فقام رسول الله صلي الله عليه و اله وقام أصحابه فحمل، فأمر بغسل سعد، وهو قائم علي عضادة الباب، فلمّا أن حنّط وكفّن وحمل علي سريره، تبعه رسول الله صلي الله عليه و اله بلا حذاء ولا رداء. ثم كان يأخذ يمنة السرير مرّة، ويسرة السرير مرّة، حتّي انتهي به إلي القبر، فنزل رسول الله صلي الله عليه و اله حتّي لحّده وسوّي عليه اللبن، وجعل يقول: ناولني حجراً، ناولني تراباً رطباً، يسدّ به ما بين اللبن. فلمّا أن فرغ وحثا التراب عليه وسوّي قبره، قال رسول الله صلي الله عليه و اله: إنّي لأعلم أنّه سيبلي ويصل إليه البلي، ولكنّ الله عزّوجلّ يحبّ عبداً إذا عمل عملا فأحكمه.
فلمّا أن سوّي التربة عليه، قالت اُمّ سعد من جانب: هنيئاً لك الجنّة. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا اُمّ سعد مه، لا تجزمي علي ربّك، فإنّ سعداً قد أصابته ضمّة.
قال: فرجع رسول الله صلي الله عليه و اله ورجع الناس، فقالوا: يا رسول الله، لقد رأيناك صنعت علي سعد، ما لم تصنعه علي أحد، إنّك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء.
فقال صلي الله عليه و اله: إنّ الملائكة كانت بلا حذاء ولا رداء فتأسّيت بها.
قالوا: فكيف تأخذ يمنة السرير مرّة، ويسرة السرير مرّة؟
قال: كانت يدي في يد جبرئيل، آخذ حيثما أخذ.
فقالوا: أمرت بغسله، وصلّيت علي جنازته، ولحّدته، ثمّ قلت: إنّ سعداً أصابته ضمّة!
فقال صلي الله عليه و اله: نعم، إنّه كان في
خُلقه مع أهله سوء?().
نعم، إنّ سوء خلق سعد أدّي به إلي الوقوع في أهوال ضمّة القبر، وعقوبات عالم البرزخ، رغم أنّ النبي صلي الله عليه و اله دعا له وصلّي عليه، وشيّعته الملائكة وجبرئيل، وكان له في الإسلام سوابق ناصعة، وصحائف بيضاء. ولا عجب في ذلك، فالله عدل، لاتجوزه مظلمة، وإن غُلّف صاحبها بأغلفة العبادة والطاعة.
خصلتان متقابلتان، إحداهما تجعل الإنسان محبوباً في المجتمع، والاُخري تجعله مبغوضاً.. فالجواد هو المحبوب، والبخيل هو المكروه.
وهما سجيّتان، فلا يلازم الجود الثروة، ولا البخل الفقر، فربّ بخيل غني، وربّ جواد فقير.
هذا ولا يخفي: إنّ هناك منزلة بين الإسراف والبخل، ألا وهي الجود المثني عليه عقلاً وشرعاً، فقد قال تعالي عن لسان لقمان الحكيم الذي أوصي ابنه فقال: ?وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَي عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً?().
ثم إنّ الملفت للانتباه هو: أنّ البخيل إنّما يضيّع علي نفسه المدح والراحة في الدنيا، والثواب والأجر في الاُخري، فقد قال تعالي: ?وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ الله فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ?().
أجل، إنّ الإنسان لو نظر إلي واقع المال في الدنيا، وعلم أنّه وديعة ?ولابدّ يوماً أن ترد الودائع? فإنّه لن يبخل أبداً بما عنده ولايمنّ بما يعطي قطّ.
فعن الإمام الصادق عليه السلام: ?إن كان الخلف من الله عزّوجلّ حقّاً، فالبخل لماذا?().
وعن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?خصلتان لا تجتمعان في مسلم البخل وسوء الخُلُق?().
وعن الفضل بن أبي قرّة قال: رأيت أبا
عبد الله عليه السلام يطوف من أوّل الليل إلي الصباح، وهو يقول: ?اللهمّ قني شحّ نفسي? فقلت: جعلت فداك، ما سمعتك تدعو بغير هذا الدعاء؟ قال: ?وأي شيء أشدّ من شحّ النفس؟ إنّ الله يقول: ?وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ?()? ().
يا للعجب! هذا إمام معصوم مقرّب عند الله يدعو بهذا الدعاء، في خير بقعة، طيلة ليلته، أفلا يستحقّ التأمّل، وأخذ الحيطة، والاعتبار.
إنّ الدنيا قد تقبل علي أقوام، وقد تدبر عن آخرين، فالمقبلة لاينقصها العطاء، والمدبرة لا يقيها البخل، وإنّما يبقي البخيل يتحسّر علي كل حال.
ولذا فإنّ الإمام الصادق عليه السلام يقول: ?عجبت لمن يبخل بالدنيا، وهي مقبلة عليه، أو يبخل بها، وهي مدبرة عنه، فلا الإنفاق مع الإقبال يضرّه، ولا الإمساك مع الإدبار ينفعه?().
وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في الأبيات المنسوبة إليه:
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها
علي الناس طرّاً قبل أن تتفلّت
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت
ولا البخل يبقيها إذا هي ولّت()
والبخيل بعيد عن الجنّة، قريب من النار، أو في النار لا محالة. فعن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?حرمت الجنّة علي المنّان، والبخيل والقتّات? وهو النمّام().
وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?لا يؤمن رجل فيه الشحّ والحسد والجبن، ولا يكون المؤمن جباناً ولا حريصاً ولا شحيحاً?().
بل إنّ الشحيح في نظر الإسلام أكبر جرماً من الظالم، وقد بيّن سبب ذلك الإمام الصادق عليه السلام فقال: ?إنّ علياً عليه السلام سمع رجلا يقول: الشحيح أعذر من الظالم، فقال: كذبت، إنّ الظالم يتوب ويستغفر الله، ويردّ الظلامة علي أهلها، والشحيح إذا شحّ منع الزكاة والصدقة، وصلة الرحم، وإقراء الضيف، والنفقة في سبيل الله، وأبواب البرّ، وحرام علي الجنّة أن يدخلها شحيح?().
وقد سُئل حاتم
الطائي: ممّن تعلّمت الجود؟ فقال: من البنّاء، رأيته ما لم يصرف ما في يده من جصّ وآجرة، لم يُعط جصّاً جديداً وآجرة اُخري.
وإذا فحصنا عن سبب البخل لوجدنا أنّه ليس إلاّ الجشع، وسوء الظنّ، ولذا قال الإمام الصادق عليه السلام: ?الشحّ المطاع: سوء الظنّ بالله عزّوجلّ?().
وقد حذّر الرسول صلي الله عليه و اله من مشاورة البخيل فقال: ?يا علي لاتشاور جباناً، فإنّه يضيّق عليك المخرج، ولا تشاور البخيل، فإنّه يقصر بك عن غايتك، ولا تشاور حريصاً، فإنّه يزيّن لك شرّها، واعلم يا علي: إنّ الجبن والبخل والحرص غريزة واحدة، يجمعها سوء الظنّ?().
أجل، فالظنّ الحسن يهدي إلي الإقدام، ويشجّع الإنسان علي الإعطاء وعدم الاكتراث بالمستقبل، فيرضي بالقسمة، إذ أنّه يري فيما يبذل النجاح والغني وضمان المستقبل، فلِمَ الجبن والبخل والحرص؟
وأخيراً، فإنّ السخي كما في الحديث: ?قريب من الله، قريب من الجنّة، قريب من الناس، بعيد من النار. والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنّة، بعيد من الناس، قريب من النار?().
إنّ أولي الناس بالبرّ والصلة، وكفّ الأذي عنه بعد الأقرباء، هما: الجار والصديق، فقد أفردهما الله بالذكر في الكتاب الحكيم فقال تعالي: ?وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَي وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَي وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُوراً?().
والجار الجنب: هو الجار الذي ليس بينك وبينه قرابة، والصاحب بالجنب: هو الصديق، أو الصديق في السفر.
فهما وصية الله وأهل البيت عليهم السلام.. يقول مروان الكلبي: أوصاني أبو عبد الله عليه السلام فقال: ?اُوصيك بتقوي الله، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، وحسن الصحابة لمن صحبت، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله?().
وأكثر من ذلك: فإنّ
الروايات قد هدّدت من لا يصحب مصاحبه بالحسني، بالسخط ونفي كونه من أهل البيت عليهم السلام، فعن أبي الربيع الشامي قال: كنّا عند أبي عبد الله عليه السلام والبيت غاصّ بأهله فقال: ?إنّه ليس منّا من لم يحسن صحبة من صحبه، ومرافقة من رافقه، وممالحة من مالحه، ومخالقة من خالقه?() أي: في الدين، إتّباعاً لقوله تعالي: ?لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ?().
وربما يتصوّر البعض أنّ الصديق هو المرافق المستمرّ فقط، فنقول لمن يذهب إلي ذلك: إليك الحديث التالي، فعن أبي جعفر عليه السلام: ?أخلص ودّك للمؤمن، وإن جالسك يهودي، فأحسن مجالسته?().
وقد ضرب لذلك أمير المؤمنين عليه السلام مثالا عمليّاً كما هو شأن الهداة من آل محمّد (صلوات الله عليهم أجمعين) وذلك عندما رافق يهودياً في إحدي الطرق..
فعن الإمام الباقر عليه السلام: ?إنّ علياً عليه السلام صاحب رجلا ذمّياً، فقال له الذمّي: أين تريد، يا عبد الله؟ قال: اُريد الكوفة، فلمّا عدل الطريق بالذمّي، عدل معه علي عليه السلام، فقال له الذمّي: أليس زعمت تريد الكوفة؟ قال: بلي، فقال له الذمّي: فقد تركت الطريق؟ فقال له: قد علمت، فقال له: فلِمَ عدلت معي وقد علمت ذلك؟ فقال له علي عليه السلام: هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيّع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبيّنا، فقال له: هكذا؟ قال: نعم، فقال له الذمّي: لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة، وأنا أُشهدك أنّي علي دينك، فرجح الذمّي مع علي عليه السلام فلمّا عرفه أسلم?().
والجار الذي أمر الرسول صلي الله عليه و اله بصلته يعرّفه الحديث التالي:
عن الإمام الصادق عليه السلام: ?إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله
أتاه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، إنّي اشتريت داراً في بني فلان، وإنّ أقرب جيراني منّي جواراً من لا أرجو خيره، ولا آمن شرّه، قال: فأمر رسول الله صلي الله عليه و اله علياً وسلمان وأبا ذرّ قال الراوي: ونسيت واحداً، وأظنّه المقداد فأمرهم أن ينادوا في المسجد بأعلي أصواتهم: ?إنّه لا إيمان لمن لم يؤمن جاره بوائقه? فنادوا ثلاثاً. ثمّ أمر صلي الله عليه و اله فنودي: ?إنّ كل أربعين داراً: من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، يكون ساكنها جاراً له?().
وقال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته عند وفاته: ?الله الله في جيرانكم، فإنه وصية نبيّكم، ما زال يوصي بهم، حتّي ظننا إنّه سيورّثهم?().
وعن الإمام الصادق عليه السلام: ?ملعون ملعون من آذي جاره? ().
وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?حسن الجوار يزيد في الرزق?().
المجتمع الحي هو المجتمع الذي بني أمره علي التعاون والتكاتف، فكل فرد منه يعاضد الآخر في حوائجه، ويشاركه في أحزانه وأفراحه، فتري إنّه إذا نزلت نازلة علي أحد هبّ الجميع لمنازلتها وعلاجها، وإذا احتاج فرد إلي حاجة سعي الكل لقضائها وإنجاحها().
ومن المعلوم: إنّ أمر المجتمع قائم علي التبادل، فمن سعيت له سعي لك، ومن شاركته همومه شاركك همومك.. وهكذا.
وفي الحقيقة إنّ الذي يهتمّ باُمور الآخرين إنّما يهتم باُموره، وكل من ينفرد بحوائج نفسه ويتخلّي عن الناس، فإنّما يتخاذل عن نفسه، إذ لا يعير له أحد أي اهتمام، ولا يسعي له في حاجة.
ومن جانب آخر فإنه كلّما زاد تعاون الاُمّة، زاد رقيّها، والعكس بالعكس، فإنّه كلّما انفمصت الأواصر بينهم، كثر الخمول والانحطاط.
ومن هنا فإنّ الإسلام أمر بالتعاون والتكاتف، فقال عزّ من قائل: ?وَتَعَاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَالتَّقْوَي وَلاَ
تَعَاوَنُوا عَلَي الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ?().
كما أنّ التعاون سمة الجماعة الناشطة، والتخاذل طابع الاُمّة الخاملة، ففي الحديث أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?أوحي الله تبارك وتعالي إلي داود عليه السلام: يا داود إنّ العبد ليأتيني بالحسنة يوم القيامة، فاُحكِّمه في الجنّة، قال داود: يا ربّ، وما هذا العبد الذي يأتيك بالحسنة يوم القيامة فتُحكِّمه بها في الجنّة؟ قال: عبد مؤمن سعي في حاجة أخيه المسلم، أحبّ قضاءها، قضيت له أم لم تقض?().
وقد أكّد الإسلام علي السعي الحثيث في قضاء الحاجات، ورغّب فيه بشدّة، وجعل لكل قضاء حاجة ثواباً كثيراً وجزاءً جميلا. فعن الإمام السجّاد عليه السلام قال: ?من قضي لأخيه حاجته، فبحاجة الله بدأ وقضي الله له بها مائة حاجة، في إحداهنّ الجنّة. ومن نفّس عن أخيه كربة، نفّس الله عنه كرب القيامة، بالغاً ما بلغت. ومن أعانه علي ظالم له، أعانه الله علي إجازة الصراط، عند دحض الأقدام. ومن سعي له في حاجته حتّي قضاها فسرّ بقضائها، فكان كإدخال السرور علي رسول الله صلي الله عليه و اله. ومن سقاه من ظمأ، سقاه الله من الرحيق المختوم. ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنّة. ومن كساه من عري، كساه الله من استبرق وحرير. ومن كساه من غير عري، لم يزل في ضمان الله ما دام علي المكسي من الثوب سلك. ومن كفاه بما هو يمتهنه، ويكفّ وجهه، ويصل به ولده، أخدمه الله الولدان المخلّدين. ومن حمله من رحله، بعثه الله يوم القيامة إلي الموقف علي ناقة من نوق الجنّة يباهي به الملائكة. ومن كفنه عند موته، فكأنّما كساه من يوم ولدته اُمّه إلي يوم يموت. ومن زوّجه زوجة يأنس بها،
ويسكن إليها، آنسه الله في قبره، بصورة أحبّ أهله إليه. ومن عاده عند مرضه، حفّته الملائكة، تدعو له حتّي ينصرف، وتقول: طبت وطابت لك الجنّة، والله لقضاء حاجته، أحبّ إلي الله من صام شهرين متتابعين باعتكافهما في الشهر الحرام?().
وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?ما قضي مسلم لمسلم حاجة إلاّ ناداه الله: عليّ ثوابك، ولا أرضي لك بدون الجنّة?().
إنّ الصدق واستقامة اللسان علامة علي استقامة القلب وصدقه، كما أنّ التواء اللسان، ليس إلاّ أثراً من آثار التواء القلب واعوجاجه.
إنّ كثيراً من الناس يزعم أنّه يتمكّن من الالتواء في قوله ثمّ إخفاؤه علي الناس، لكن لو انطلي عليهم ذلك مرّة أو مرّتين، فإنّه لن ينطلي عليهم مرّات ومرّات.
فالكذّاب يبقي يكذب ويكذب، حتّي تبدو عورته بين الناس، فلايصدّقه أحد في حديث، ولا يقبل له خبر.
بل إنّ الصدق والكذب لا يدوران مدار اللسان.. وإنّما يدوران مدار الأفئدة، فإذا صدقت الأفئدة صدق اللسان، وصدقت اليد والرجل، وهكذا، وإذا كذبت كذبت كلّها، فإنّ القلب الآثم إذا التاث بالانحراف يكذب، ويرائي، ويحبّ أن يحمد بما لم يفعل، ويخلف الوعد، ويخون، وإلي آخره.
وإلي هذا المعني يشير الإمام الباقر عليه السلام حيث يقول: ?إنّ الكذب هو خراب الإيمان?(). ناهيك عن أنّ الكذّاب عادةً لا يحصل علي بغيته، إذ أنّه يكذب ليكسب عزّاً أو مالاً أو جاهاً.. لكنّه لا يلبث طويلا حتّي يعرف عند الناس بالكذب، فلا يصدّق له قول ولا يوقّر له حديث، بل إنّه يخسر فوق ذلك أحاديثه الصادقة، ووعوده التي ينوي الوفاء بها.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: ?ينبغي للرجل المسلم أن يجتنب مواخاة الكذّاب، فإنّه يكذب حتّي يجيء بالصدق فلا يصدّق?().
وقد نُقل إنّ راعياً كان يكذب كلّما رعي غنمه، فيصيح: أيّها
الناس، الذئب، الذئب. فإذا اجتمع الناس لمساعدته سخر منهم وضحك عليهم وزعم أنّه كان يمازحهم بذلك، وفي يوم من الأيّام توجّه نحو غنمه ذئب، فأخذ يصيح الراعي حينئذ بكل صوته، ومن كل قلبه بحرارة وصدق، لكن الناس لم يأبهوا به، حتّي أخذ الذئب بعض أغنامه.
ويقال: إنّ شاباً كان إذا سبح مع زملائه، ابتعد عنهم قليلا، ثمّ صاح: الغرق الغرق، النجدة النجدة، فإذا أدركوه ليساعدوه وينقذوه، سبح وضحك عليهم وزعم أنّه يلاطفهم. وفي يوم من الأيّام أصابه الغرق حقيقة، فأخذ يصرخ ويستنجد زملاءه ليخلّصوه ولكن بلا جدوي، إذ لم يلتفت إليه أحد، ظنّاً منهم أنّه يكذب عليهم كالمرّات السابقة، فتركوه حتّي قضي الأمر وهلك غرقاً.
والظريف: إنّ الكذّاب قليل الذاكرة وهو طبيعي، لأنّ الذي يبقي في الذاكرة هو العمل، أمّا نسج اللسان فيتلاشي في الهواء فهو ينسي ما قال، حتّي يفتضح إذا استفسر. ولذا فإنّ الإمام الصادق عليه السلام يقول: ?إنّ ممّا أعان الله علي الكذّابين النسيان?(). وعن عيسي بن مريم عليهما السلام قال: ?من كثر كذبه ذهب بهاؤه?().
وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ الكذب هو كذب علي كل حال، وليس فيه جدّ وهزل، وهو يسقط المروءة، ويصادر كرامة الإنسان، ولذلك يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?لا يجد عبد طعم الإيمان، حتّي يترك الكذب، هزله وجدّه?().
إنّ لاستقامة اللسان طعماً خاصاً، كسائر ملكات النفس الفاضلة، فكما أنّ العلم والحلم، والإخلاص والرأفة، لها مذاق حلو، كذلك الصدق له مذاق حلو في كل شيء.
بل إنّ الكاذب والمخلف، لا يمضي عليه زمان، حتّي ينطبع علي تلوّن في القلب فيصبح له ظاهر وباطن متخالفان، وهذا هو النفاق بعينه.
إذن: فلا عجب أن يكون الكذب شرّاً من الخمر، مع أنّ الخمر هو مفتاح كلّ
شرّ، فعن الباقر عليه السلام: ?إنّ الله عزّوجلّ جعل للشرّ أقفالا، وجعل مفاتيح تلك الأقفال: الشراب، والكذب شرّ من الشراب?().
ولا يخفي أنّ للكذب مراتب ودرجات، منها: الافتراء علي الله، والبدعة في الدين، ودعوي ما ليس له من رسالة أو وصاية أو نحوها.
هناك في بعض الأحيان قد يفلت زمام اللسان من يد الإنسان، فيكذب كذبة ثمّ يندم، فإنّ مثل هذا ليس بكذّاب ولا يترتّب علي فعله هذا ما يترتّب علي فعلة الكذّاب، من ذهاب البهاء وعدم التصديق والعقاب. ولذا يقول الإمام الصادق عليه السلام في جواب من سأله عن الكذّاب قائلا: هل الكذّاب هو الذي يكذب في الشيء؟ فقال عليه السلام: ?لا، ما من أحد إلاّ ويكون ذاك منه، ولكن المطبوع علي الكذب?().
قلنا سابقاً: إنّ الكذب هو شرّ من شرب الخمر الذي هو مفتاح كل شرّ وباب كلّ رذيلة وسيّئة، وذلك لأنّ للكذب شُعُباً كثيرة ربما تفوق الإحصاء إلاّ أنّ أبرزها هو: الرياء، الذي معناه أنّ الرجل يعمل عملاً يريد به وجه الناس ورضاهم لغاية أو لغير غاية وهو يُظهر أنّه يريد وجه الله.
ومن المعلوم، إنّ الله تعالي لا ينطلي عليه هذا العمل، فهو الخبير بالسرائر والمحيط بالنوايا، والعامل كذلك يخسر ودّ الناس، ويخسر رضا الله تعالي الذي يعلم سريرته، ثمّ إنّه بمرور الزمن يظهر للناس قصده، فيسقط من أعينهم.
هذا مضافاً إلي ما ورد: من أنّ الله تعالي يترك المرائي ونفسه، ويترك له عمله ليأخذه أجره وثوابه ممّن جعل عمله رياءً له.
وإلي هذا المعني يشير الإمام الصادق عليه السلام في قوله لعباد بن كثير البصري: ?ويلك يا عباد؟ إيّاك والرياء، فإنّه من عمل لغير الله، وكله الله إلي من عمل له?().
وعن النبي صلي الله عليه
و اله: ?أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قيل: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله عزّوجلّ يوم القيامة إذا جازي العباد بأعمالهم : اذهبوا إلي الذين كنتم تراؤون في الدنيا هل تجدون عندهم ثواب أعمالكم?().
وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?قال الله عزّوجلّ: أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمله، لم أقبله إلاّ ما كان لي خالصاً?().
فكما أنّ الشريكين في متجر، أو في معمل، أو في أرض، أو ما شابه ذلك، إذا وهب أحدهما حصّته لشريكه كان خيراً، فكذلك الحال بالنسبة للباري تعالي، فإنّ العمل المشترك: إن كان خيراً، فالله يهب حصّته لشريكه، وإن لم يكن خيراً، فالله لا يجازي إلاّ علي الخير.
يبقي القول بأنّ المرائي إنّما يرائي ليحصل علي الذكر الحسن، والسمعة الطيّبة، والصيت المحمود، ولا يعلم أنّ الطريق إلي هذه لايكون إلاّ من خلال الإخلاص، فعن الإمام الصادق عليه السلام: ?ما من عبد يُسرّ خيراً، إلاّ لم تذهب الأيّام حتّي يظهر الله تعالي له خيراً، وما من عبد يُسرّ شرّاً، إلاّ لم تذهب الأيّام، حتّي يظهر له شرّاً?().
ومن الكذب أيضاً: شهادة الزور، وهي ذنب فضيع من خلالها تبتزّ الأموال من أصحابها، وتهدر الحقوق عن ذويها، وتلحق الأولاد بغير آبائهم، وتثبت المناصب لغير أهلها، وغير ذلك. ولذا فإنّ الله تعالي لما يصف عباده المؤمنين يصفهم بنزاهتهم عن هذه الرذيلة وذلك حيث يقول: ?وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ?().
والعجيب حقّاً أنّ شاهد الزور يقترف الوزر حتّي يهنأ غيره، ناهيك عن أنّه يجرّ إلي نفسه الويل والعذاب مرّتين: إذ أنّه غالباً ما يشهد مقابل الرشي، وبذلك يحتقب إثمين: إثم الزور، وإثم الرشوة.
وعلي كل حال: فإنّ الله جعل لكل شيء سبباً، فمن سعي
في طلب الرزق الحلال، من المورد الحلال، وذلك بأن مشي عدلاً، وقال صدقاً، سيق إليه الجاه والمال واكتسب محبّة المؤمنين، فلِمَ يسعي الإنسان في طلب الحرام، من المورد الحرام، فيملأ بطنه من السحت، ويريق ماء وجهه بالزور، ويكتسب صداقة خائن؟
ومن الكذب أيضاً: خلف الوعد، ويقابله الوفاء بالوعد، فقد مدح الله تعالي النبي إسماعيل عليه السلام بوفائه للوعد فقال: ?وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ?().
وإنّ الوفاء يدلّ علي عظمة الإيمان وشدّة الالتزام بمناهج السماء.. والذي لا يريد الوفاء فالأحري به أن لا يعد الناس، إذ خُلف الوعد أثقل من مجابهة الردّ.
هذا من جانب، ومن جانب آخر: إنّ الخلف من صفات المنافقين، فعن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أربع من كنّ فيه فهو منافق، وإن كانت فيه واحدة منهنّ، كانت فيه خصلة من النفاق، حتّي يدعها: من إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر?().
إنّ الإنسان الذي يعد أحداً وهو ينوي الوفاء ثمّ يقع في الحرج فلا يتمكّن من الوفاء إنّما نوي خيراً ولا يلام عليه، ولكن الذي يعد وهو ينوي الخلف، أو يعاهد وفي ضميره الغدر، أو لايبالي بالمواعيد، فإنه مذموم، بعيد عن الرفعة النفسية والخُلُق الجميل.
فعن أبي عبد الله عليه السلام: ?ثلاثة لا عذر لأحد فيها: أداء الأمانة إلي البرّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر، وبرّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين?().
ثمّ إنّ المجتمع السليم قائم علي الوفاء، فالمعاملات والعقود، والعهود والمواثيق، مع الدول وغيرها، والترابط بين البائع والمشتري، وغير ذلك من أشباه هذه الاُمور، كلّها تتوقّف علي الوفاء. ولذا قال الإمام علي بن الحسين عليه السلام في جواب سؤال أبي مالك حيث قال: أخبرني بجميع شرائع
الدين؟ قال: ?قول الحقّ، والحكم بالعدل، والوفاء بالعهد?().
بل إنّ الوفاء بالعهد من علائم العدالة التي هي مناط الإمامة والقضاء، إذ أنّ من يخالف قوله عمله لا يؤمن علي حدود الله وأحكامه.
ولذا فإنّ الإمام الصادق عليه السلام قال: ?ثلاث من كنّ فيه، أوجبت له أربعاً علي الناس، من إذا حدّثهم لم يكذبهم، وإذا خالطهم لم يظلمهم، وإذا وعدهم لم يخلفهم، وجب أن تظهر في الناس عدالته، وتظهر فيهم مروّته، وأن تحرم عليهم غيبته، وأن تجب عليهم اُخوّته?(). مضافاً إلي ذلك كلّه: إنّ الموفي بالعهد متقرّب في الآخرة إلي الله زلفي، فعن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أقربكم غداً منّي في الموقف أصدقكم للحديث وأداء الأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس?().
إنّها حقّاً خصال جميلة، تقرّب الشخص إلي الله ورسوله وإلي الناس، وتحبّبه لديهم، بل إنّها جوامع الخير، ومجامع الأخلاق، ومشاعل طرق الإنسانية الرفيعة.
ومن الكذب أيضاً: النفاق، بل إنّه من أسوأ شُعب الكذب، إذ أنّ الكاذب يكذب، حتّي تستولي خصال المنافقين عليه فيصبح بعيداً عن كل معني الشرف.
فعن الإمام الباقر عليه السلام: ?بئس العبد عبد يكون ذا وجهين، وذا لسانين، يطري أخاه شاهداً، ويأكله غائباً، إن أعطي حسده، وإن ابتلي خذله?().
نعم، إنّه بئس العبد، وإلاّ ما ذا يعني الإنسان من إظهاره بأنّه صديق للآخرين والحال أنّه من ألدّ أعدائهم؟
فالعدو عدو لا غير، والصديق صديق لا غير، وقد تلبّس هذا الإنسان بهما نفاقاً ودجلاً.
ولذا فإنّ الإمام الصادق عليه السلام يقول: ?من لقي الناس بوجه، وعابهم بوجه، جاء يوم القيامة وله لسانان من نار?().
وقد أوحي الله إلي عيسي بن مريم عليهما السلام: ?يا عيسي، ليكن لسانك في السرّ والعلانية لساناً واحداً وكذلك قلبك. إنّي اُحذّرك
نفسك، وكفي بي خبيراً. لا يصلح لسانان في فم واحد، ولا سيفان في غمد واحد، ولا قلبان في صدر واحد?().
إنّ أجمل شيء عند الإنسان، وأسهل أمر لديه وخاصّة فيما يطالب به ويدّعيه، هو العدل والنصفة. وهو في نفس الوقت أثقل شيء وأصعب أمر عليه في مجال الأخذ به، ومرحلة تطبيقه والعمل به، فتري كل إنسان يمدح العدل ويتشدّق به، لكنّه إذا وصل إلي مرحلة تطبيق العدل بنفسه أو عليه رأيته يتثاقل منه ويستعصي عليه.
وحيث إنّ بالعدل قامت السماوات والأرض، وبها حياة الإنسان وسعادته، وتقدّمه ورقيّه، أكّدت الآيات الكريمة والروايات الشريفة علي التحلّي به والانقياد إليه، حتّي وإن كان في مجال التطبيق علي النفس أو الأهل أو الأقربين.
وإلي هذا المعني يشير الباري تعالي قائلا: ?وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَي?(). وقال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِِ وَلَوْ عَلَي أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالاَْقْرَبِينَ … ?().
وقال تعالي: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْم عَلَي أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي?().
بل إنّ الله عدل، خلق العالم بالعدل، وقدّر أقوات الناس وأنصبتهم من السعة والضيق بالعدل، فهو لا يأمر إلاّ بالعدل، ولايجازي بالجور، وقد صرّح بذلك في كتابه الكريم فقال: ?قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ?()، وقال: ?وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمْ?()، وقال: ?وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ?()، وقال عزّ من قائل: ?لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ?().
من هنا يُعلم أنّ الذي لا يعدل يخرج عن قوانين الكون، ويخالف سنّة الله في الخلق.
ولا يخفي إنّ العدل علي مراتب ودرجات كثيرة، أصعبها هي النصفة، إذ أنّه قد يعدل الشخص حتّي مع أقربائه وأحبّائه، لكن أن يعدل
علي نفسه، فيعطي الحقّ لذويه ويحرم نفسه، فهو ثقيل ينوء به ذوو الهمم العالية، فكيف بسائر الناس؟
ففي الحديث عن الحذّاء قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ?ألا اُخبرك بأشدّ ما افترض الله علي خلقه؟ إنصاف الناس من أنفسهم، ومواساة الإخوان في الله عزّوجلّ: وذكر الله علي كل حال، فإن عرضت له طاعة الله عمل بها وإن عرضت له معصية تركها?().
أجل إنّ إنصاف الإنسان الناس من نفسه، وإذعانه بما لهم من حقّ عليه، سواء أكان في الجانب الاجتماعي أم المالي أم غيرهما فيعطيهم الحقّ ويحرم نفسه، بل ويذهب ماء وجهه، ويواسي الإخوان في الحزن والفرح والمال والجاه، يكون شديداً وصعباً جدّاً، وحتّي يصل الإنسان إلي هذا المقام العالي يحتاج إلي ذكر الله علي كل حال لا أن يلهج بالذكر فقط بل عليه أن يجعل الله أمام عينه، فلايحرّك يداً ولا رجلا، ولا تطرف له عين ولا تستشرف له اُذن، ولا يتحرّك له لسان، ولا يهيج له ملمس إلاّ في رضا الله تعالي.
هذا هو في الحقيقة معني ذكر الله المطلوب، لا أن يقول: (سبحان الله) أو (الحمد لله) أو (لا حول ولا قوّة إلاّ بالله) فقط، فعن أبي المنذر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ?سيّد الأعمال ثلاثة: إنصاف الناس من نفسك، حتّي لا ترضي بشيء إلاّ رضيت لهم مثله، ومواساتك الأخ في المال، وذكر الله علي كل حال، ليس سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله فقط، ولكن إذا ورد عليك شيء أمر الله عزّوجلّ به، أخذت به، وإذا ورد عليك شيء نهي الله عزّوجلّ عنه تركته?().
إنّ باستطاعة الإنسان أن يربّي نفسه علي الاستقامة، فيعدل في الحالات العادية والطبيعية في أعماله
وأقواله، لكن قد ينحرف عن الاستقامة ويخرج عن الاستواء في الأحوال الطارئة، كالغضب الشديد، والفرح البالغ.. ولذا ينبغي علي الإنسان أن يراقب نفسه في مثل هذه الأحوال كي تصفو نفسه وتصل إلي معالي الكمال الذي أراده الله تعالي لها.
ففي الحديث: ?إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله مرّ بقوم يرفعون حجراً، فقال: ما هذا؟ قالوا: نعرف بذلك أشدّنا وأقوانا، فقال صلي الله عليه و اله: ألا اُخبركم بأشدّكم وأقواكم؟ قالوا: بلي يا رسول الله، قال: أشدّكم وأقواكم الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحقّ، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له بحقّ?().
إنّ من يترك الحقّ والعدل ويركن إلي الظلم والجور لو رجع إلي نفسه وخاطبها قائلا: لماذا هذا الركون إلي الظلم والجور؟ أخشية من الفقر أم خوفاً من الضياع؟ ثم يذكّر نفسه: بأنّه ألم يكن الله عزّوجلّ قد ضمن هذين الأمرين لكل من يقول الحقّ والعدل ويعمل بهما؟ ألم يكن الإمام الصادق عليه السلام قد قال: ?ما ناصح الله عبد في نفسه، فأعطي الحقّ منها، وأخذ الحقّ لها، إلاّ اُعطي خصلتين: رزق من الله يسعه، ورضي عن الله ينجيه?().
وفضلاً عن ذلك كلّه فإنّ عاقبة الظلم وخيمة، وإنّ الله للظالم بالمرصاد، يريه نتيجة ظلمه في الدنيا قبل الآخرة، قال تعالي: ?وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا?()، ?وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ?()، ?وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً?()، ?إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إيّاكم والفحش، فإنّ الله عزّوجلّ لايحبّ الفاحش المتفحّش، وإيّاكم والظلم، فإنّ الظلم عند الله هو الظلمات يوم القيامة، وإياكم والشح، فإنّه دعا الذين من
قبلكم حتّي سفكوا دماءهم، ودعاهم حتّي قطعوا أرحامهم، ودعاهم حتّي انتهكوا واستحلّوا محارمهم?().
ناهيك عن أنّ الظلم هو قبل كل شيء دليل علي عدم الخوف من الله تعالي، إذ أنّ الظالم لو خاف الله، وحذر عقابه، ورجا ثوابه، لم يظلم. وإلي ذلك يشير الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: ?من خاف ربّه كفّ ظلمه?().
هذا والظالم معاقب علي كل حال.
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?دعوة المظلوم مستجابة?().
وفي بيت من الحكمة معروف:
تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم()
ثمّ إنّ أشدّ الظلم: ظلم من لا يجد له ناصراً إلاّ الله عزّوجلّ، فلا يزعم الظالم أنّه غير متدارك، وأنّه يفوت علي الله سبحانه، فعن رسول الله صلي الله عليه و اله أنّه قال: ?يقول الله عزّوجلّ: اشتدّ غضبي علي من ظلم من لا يجد ناصراً غيري?().
وهناك أمر مهم ينبغي الالتفات إليه والاتّعاظ به وهو: أنّه كما أنّ من يشرب الخمر يتسرّب ضررها إلي عقبه، ومن يتعاطي المخدّرات يتعدّي فسادها إلي أولاده، كذلك من يظلم أحداً فإنّه يعاقب ولو في أولاده، وهذه سنّة الله في الكون، وقد أشار إليها الإمام الصادق عليه السلام حيث قال لأحد أصحابه وهو: عبد الأعلي مولي آل سام مبتدئاً: ?من ظلم سلّط الله عليه من يظلمه، أو علي عقبه، أو علي عقب عقبه، قال: فذكرت في نفسي فقلت: يظلم هو فيسلّط الله علي عقبه أو علي عقب عقبه، فقال لي قبل أن أتكلّم: إنّ الله يقول: ?وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيداً?()?().
إنّ هذه الجارحة أعني اللسان مع صغرها تقوم بأعمال عظيمة، إنّها تحتل بعد القلب المقام الأول بالنسبة إلي
الأعضاء الرئيسية في الإنسان، ولذا يقال: ?إنّما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه?.
فمن اللسان يأتي الخير، ومنه يأتي الشرّ، وكلاهما عظيم.
فخيره: الإرشاد، والهداية، وقول الحقّ، والأمر بالحسني، وأمثال ذلك.
وشرّه: الغيبة، والنميمة، والسعاية، والاستهزاء، وما أشبه ذلك.
وحيث إنّ الإسلام يريد للإنسان أن يكون لسانه طاهراً عن الأقذار، نظيفاً عن الحصائد الخبيثة فقد دعاه إلي عدّة اُمور منها:
1 ترك الغيبة: بأن لا يذكر الإنسان الآخرين في غيابهم بسوء، إذ أنّ كل أحد ما خلا أفراد قلائل تحوطه النواقص، فما الداعي إلي أن يشغل المرء نفسه بنقائص غيره، والحال إنّه مليء بالنواقص، من قرنه إلي قدمه؟
ففي كل إنسان توجد محسّنات ونقائص، فلماذا لا يشتغل الإنسان بإصلاح نقائص نفسه؟
علماً بأنّه إذا ذكر الإنسان مساوئ الغير قابلوه بمثلها وذكروا مساوئه، وذلك كما جاء في هذا البيت المشهور:
لسانك لا تبدي به عورة امرئ فعندك عورات وللناس ألسن
ثمّ إنّ الغيبة مضافاً إلي المساوئ الماضية تملأ الأفئدة بغضاً، وتشحنها حقداً، وتكدّر صفاء الاُخوّة والمحبّة بين الناس، وقد نهي الله عن ارتكابها، فقال: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ?().
فما أعظم هذا التعبير وأدقّه، وألطف هذا التنظير وأبلغه في زجر الإنسان عن الغيبة، وإبعاده عنها، إذ نفس الإنسان تمجّ أكل لحم الإنسان مطلقاً، فكيف بأكل لحم الأخ الميّت؟
ثمّ إنّ الغيبة تهدم الدين بسرعة، كما يهدم المرض العضال البدن السليم، فعن الإمام الصادق عليه السلام: ?قال رسول الله صلي الله عليه و اله: الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم، من الآكلة في جوفه?().
والمؤلم حقّاً استسهال البعض وعدم تورّعهم من الوقوع في
أعراض الناس إثر اغتيابهم لهم، غير مراعين شدّة التحريم لمثل هذه الخصلة المذمومة، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال لنوف البكالي: ?اجتنب الغيبة، فإنّها إدام كلاب النار? ثمّ قال عليه السلام: ?يا نوف كذب من زعم أنّه ولد من حلال وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة?().
وهناك البعض ممّن يزعم أنّه لو رأي بعينه المغتاب يرتكب القبيح فقد جاز له الكلام حوله، ولمثل هذه المزاعم يقول الإمام الصادق عليه السلام: ?من قال في أخيه المؤمن، ما رأته عيناه، وسمعته اُذناه، فهو ممّن قال الله عزّوجلّ: ?إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ?()?().
2 ترك النميمة: بأن لا ينقل الإنسان كلام أحد إلي الآخرين من أجل التفرقة ونشر الفتنة، فإنّ هذا من أعمال المنافقين الذين لايخافون الله تعالي ويخالفون أمره بالتحبّب للآخرين والتآلف معهم، وإلي ذلك يشير قوله تعالي: ?وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّف مَهِين * هَمَّاز مَشَّاء بِنَمِيم?().
وقد أراح النبي صلي الله عليه و اله النمّام مرّة واحدة، وصبّ علي يديه ماء اليأس، فلا يترقّب الجنّة وهو نمّام ولم يتب، ففي مناهي النبي صلي الله عليه و اله أنّه نهي عن النميمة والاستماع إليها وقال: ?لا يدخل الجنّة قتّات، يعني: نمّاماً? وقال صلي الله عليه و اله: يقول الله عزّوجلّ: حرمت الجنّة علي المنّان، والبخيل والقتّات: وهو النمّام?().
وقال الإمام الصادق عليه السلام فيما قاله للمنصور الدوانيقي العبّاسي: ?لا تقبل في ذي رحمك، وأهل الرعاية من أهل بيتك، قول من حرّم الله عليه الجنّة، وجعل مأواه النار، فإنّ النمّام شاهد زور، وشريك إبليس في الإغراء بين الناس، فقد قال الله تعالي: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا
أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَي مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ?()?().
وعن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?المؤمن غرّ كريم، والمنافق خب لئيم، وخير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين، ولا خير في من لا يألف ولا يُؤلف?().
قال: ?وسمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: شرار الناس من يبغض المؤمنين، وتبغضه قلوبهم: المشّاؤون بالنميمة، والمفرّقون بين الأحبّة، الباغون للبراء العيب، اُولئك ?لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ? الله ?يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ?()، ثمّ تلا صلي الله عليه و اله: ?هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ?()?().
3 ترك السعاية إلي الظالمين: بأن لا يرفع الإنسان تقريراً عن أحد إلي الحكّام الظالمين واستخباراتهم، فيهلك نفسه أوّلا وبالذات، ويهلك المظلوم بأذاه له ثانياً، ويهلك الظالم أيضاً ثالثاً، ففي الحديث أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?إنّ شرّ الناس يوم القيامة المثلّث! قيل: وما المثلّث يا رسول الله؟ قال: الرجل يسعي بأخيه إلي إمامه فيقتله، فيهلك نفسه وأخاه، وإمامه?().
وروي أنّ رجلا جاء إلي أمير المؤمنين يسعي إليه برجل، فقال: ?يا هذا، نحن نسأل عمّا قلت؟ فإن كنت صادقاً مقتناك، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن شئت أن نقيلك أقلناك؟ قال: أقلني يا أمير المؤمنين?().
4 ترك البهتان: بأن لا ينسب الإنسان إلي الآخرين سوءً وهم عنه بُراء، ومن الطبيعي أن يتضاعف للباهت العذاب، لأنّه كذب ونميمة، ولذا يعظّمه الله تعالي في قوله: ?وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدْ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً?().
وقال تعالي في قصّة الإفك المشهورة، مهدّداً للأفّاكين والباهتين: ?إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمْ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من بهت مؤمناً أو مؤمنة، أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله تعالي يوم القيامة علي تل من نار، حتّي يخرج ممّا قاله فيه?().
5 ترك إفشاء العيوب: بأن لا يبوح الإنسان بما يراه أو يطلع عليه من عيوب الآخرين ونقائصهم، فإنّ المجتمع يبقي متماسكاً بالفضائل، حتّي يجاهر أحد برذيلة أو يفشي عيب أحد علي الآخرين، فيتجرّأ بذلك العاصي وغيره، فيؤثر المجتمع حينئذ الرذيلة علي الفضيلة، إلي أن يتفكّك ويسقط في بؤرة الفساد والانحلال.
ولذا فإنّ الله تعالي يقول: ?إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?ألا ومن سمع فاحشة، فأفشاها، فهو كالذي أتاها?().
هذا من جانب، ومن جانب آخر: إنّ من يعلن بعيوب الناس، أعلن الناس بعيوبه، ومن سكت سكتوا عنه، وإلي ذلك يشير النبي صلي الله عليه و اله في حديث له حيث يقول: ?كان بالمدينة أقوام لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس، فأسكت الله عن عيوبهم الناس، فماتوا ولا عيوب لهم عند الناس، وكان بالمدينة أقوام لا
عيوب لهم، فتكلّموا في عيوب الناس، فأظهر الله لهم عيوباً، لم يزالوا يعرفون بها إلي أن ماتوا?(). بل إنّ كشف عيوب الناس، أسوأ من كشف عورتهم، إذ أنّ الأوّل يحطّ من قدر المجتمع، بينما الثاني يحطّ من قدر الفرد، فعن حذيفة بن منصور قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: شيء يقوله الناس: عورة المؤمن علي المؤمن حرام؟ قال: ?ليس حيث تذهب، إنّما عورة المؤمن أن يراه يتكلم بكلام يعاب عليه، فيحفظه عليه ليعيره به يوماً إذا غضب?().
وفي حديث آخر: ?إنّما هو إذاعة سرّه?().
6 ترك السخرية، والهمز، واللمز، والغمز: بأن لا يسخر الإنسان من أحد، ولا يهمزه، ولا يلمزه، ولا يغمزه، لأنّ من يسخر من الناس سخروا منه، حتّي لو كان مهيوباً عندهم، فإنّ مكانته تسقط عن القلوب، وهذا أقلّ جزاء يلقاه الساخر، فضلا عن سخرية الله تعالي منه كما قال: ?الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?().
وقال تعالي: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْم عَسَي أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاء عَسَي أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالاَْلْقَابِ بِئْسَ
الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الاِْيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ?().
هذا مضافاً إلي أنّ المستهزئ سرعان ما يسقط عن الأنظار ويبغضه الناس، ولذا قال الإمام الصادق عليه السلام: ?لا يطمعنّ المستهزئ بالناس في صدق المودّة?().
وتكون المصيبة أعظم إذا كان المستهزأ به من أولياء الله تعالي، فعن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إنّ الله عزّوجلّ كتم ثلاثة في ثلاثة: كتم رضاه في طاعته، وكتم سخطه في معصيته، وكتم وليّه في خلقه، فلا يستخفنّ
أحدكم شيئاً من الطاعات فإنّه لا يدري في أيّها رضا الله تعالي، ولا يستقلّن أحدكم شيئاً من المعاصي فإنّه لا يدري في أيّها سخط الله، ولا يزرين أحدكم بأحد من خلق الله فإنّه لا يدري أيّهم ولي الله?().
من علائم استقامة الروح وسلامة النفس: أن يكون الإنسان مستودع صدق لكل ما يودع فيه أو عنده، فالصندوق المعيب يبخل بما أُودع فيه، أمّا الصندوق السالم والصحيح فيفرغ كل ما فيه متي شاء المودع.
ولذا فإنّ الله تعالي عدّ أداء الأمانة من صفات المؤمنين البارزة فقال: ?قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَي أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَي وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لاَِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ?().
إذن: وكما صرّحت به الآية الكريمة إنّه لا إيمان لمن لا أمانة له، كما لا إيمان لمن لم يرع حرمة المواثيق والعهود.
وربما يظنّ الإنسان الأمانة شيئاً طفيفاً، لكنّها لدي التجربة العينية، والواقع الخارجي، والتطبيق العملي أثقل من الجبال بكثير، ولذلك فإنّ الله تعالي يقول: ?إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولا?().
ياله من تشبيه بليغ، وتمثيل جميل، يوقف الإنسان علي مدي أهمية الأمانة وثقلها، إذ يعكس أنّ أقوي الموجودات وأرساها، تأبي قبول الأمانة، بينما الإنسان الضعيف يقبلها بلهفة، ويتعرّض لها برغبة وحرص، ثمّ يخون فيها بعلم وعمد، فيظلم نفسه بذلك، ويجهل عاقبة الخيانة الوخيمة.
إنّ من تتبّع أحوال المستأمنين، وقرأ قصص خيانة بعض من خان منهم، أو جرّب نفسه لدي استيداع الآخرين أماناتهم لديه
وإن كان بمكانة من التنزّه والاحتفاظ علم (علم اليقين) ثقل الأمانة، وأنّها تنوء بها الجبال الرواسي فكيف بالإنسان الضعيف؟
وإلي هذا الثقل يشير الإمام الصادق عليه السلام قائلا: ?أحبّ العباد إلي الله عزّوجلّ: رجلٌ صدوق في حديثه، محافظ علي صلاته، وما افترض الله عليه مع أداء الأمانة? ثمّ قال عليه السلام: ?من اُؤتمن علي أمانة فأدّاها فقد حلّ ألف عقدة من عنقه من عقد النار، فبادروا بأداء الأمانة، فإنّ من اُؤتمن علي أمانة، وكّل به إبليس مائة شيطان من مردة أعوانه ليضلّوه، ويوسوسوا إليه، حتّي يهلكوه إلاّ من عصم الله عزّوجلّ?().
وممّا ينبّه علي ثقل الأمانة، ما ورد في بعض الأخبار من أنّ ميزان صلاح الإنسان بنظر الإسلام هو أداء الأمانة، لا الصلاة والصيام، فعن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?لا تنظروا إلي كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحجّ والمعروف، وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلي صدق الحديث، وأداء الأمانة?().
فإنّ كل شيء دون المال لا يمكن أن يكون ميزاناً عادلاً، وخطّاً فاصلا لبيان جوهر الرجال، ومعرفة صدقهم من كذبهم، وصحّتهم من سقمهم، إذ قد يكون الصوم والصلاة وقراءة القرآن أوراداً وعادات اعتادوا عليها، يصعب عليهم تركها ومفارقتها، بينما المال والمال وحده هو في هذا المجال الميزان العادل، والخطّ الفاصل، وقليل من ينجح في هذا الامتحان.
ثمّ إنّ الملفت للانتباه أنّ المؤتمن عادةً ما يخلق لنفسه من الأعذار الواهية ما هو أعلم بسقمها، غافلاً عن إنّ الإسلام يأبي كل عذر في هذا المجال، ويعتبره خيانة وغدراً.
فعن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول لشيعته: ?عليكم بأداء الأمانة، فوالذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً، لو أنّ قاتل أبي الحسين بن علي عليه السلام ائتمنني علي السيف
الذي قتله به، لأدّيته إليه?().
وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?اتّقوا الله، وعليكم بأداء الأمانة إلي من ائتمنكم، فلو أنّ قاتل أمير المؤمنين عليه السلام ائتمنني علي أمانة، لأدّيتها إليه?().
وفي حديث آخر عنه عليه السلام: ?أدّوا الأمانة، ولو إلي قاتل الحسين بن علي عليه السلام ? ().
هذا والخائن كثيراً ما يخون لتوفير ماله، لكنّه قد غفل عن أنّ الله تعالي جعل الخيانة سبباً للفقر، وعاملا مهمّاً من عوامل المسكنة والحرمان، فعن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?الأمانة تجلب الغناء، والخيانة تجلب الفقر?().
إنّ من الاُمور المهمّة التي ندب إليها الإسلام الحنيف بإصرار، وأكّد عليها القرآن الكريم في بعض آياته بقوّة: هو المشاورة مع الآخرين والمشاركة لهم في الرأي، فقد مدح الله تعالي المؤمنين بكون أمرهم شوري بينهم، فقال: ?مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَي لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَي رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ … وَأَمْرُهُمْ شُورَي بَيْنَهُمْ?().
وليست المشورة فرض علي المؤمنين فحسب. بل إنّ الله تعالي يأمر النبي صلي الله عليه و اله بالتشاور أيضاً وهو المتصل بالوحي، المعصوم عن الزلل، ليتأسّي به المسلمون.
قال عزّ من قائل: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَي اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ?()، فكان النبي صلي الله عليه و اله أوّل الممتثلين لأمر ربّه، وأوّل من جعل ديدنه ذلك، حيث كان يشاور المسلمين في اُمور الحرب وغيرها ممّا لم ينزل فيه وحي خاصّ.
هذا من جانب، ومن جانب آخر: إنّ المستبدّ يعرّض نفسه للهلكة، وإلي ذلك يشير الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في حديث له قائلا: ?خاطر بنفسه، من استغني برأيه?().
ومن المعلوم: إنّه إذا كانت الاُمور العادية تحتاج إلي المشورة، فالاُمور المصيرية وخاصّة مثل القضاء والحكومة، والقيادة والرئاسة في زمن الغيبة هي أولي
الاُمور بها، وإلي هذا المعني يشير قول الإمام الصادق عليه السلام: ?لا يطمعنّ القليل التجربة المعجب برأيه في رئاسة?().
وإنّما لا يطمع فيها، لأنّه حتّي لو حصل عليها مكراً وغدراً فسرعان ما يفلت زمامها من يده بالاستبداد والاستئثار، وبما يجرّه علي مجتمعه واُمّته من الفساد والدمار، والخبال والخراب.
ثمّ إنّ المشورة ليست حيث وقعت تجلب الخير، فربّ شخص تكون استشارته أضرّ، وخصوصاً من شبّ علي صفة لئيمة، فمشورة الجبان في الحرب، والبخيل في العطاء، والسفيه في التصرّف.. لا تزيد إلاّ خبالاً.
ومن هنا نهي رسول الله صلي الله عليه و اله عن مشاورة أمثال هؤلاء فقال: ?يا علي، لا تشاور جباناً فإنّه يضيق عليك المخرج، ولا تشاور البخيل فإنه يقصر بك عن غايتك، ولا تشاور حريصاً فإنّه يزين لك شرهاً، واعلم يا علي أنّ الجبن والبخل والحرص غريزة واحدة، يجمعها سوء الظنّ?().
وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?لمّا ولاّني النبي صلي الله عليه و اله علي اليمن قال لي وهو يوصيني : يا علي ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار?().
نعم، إنّ من طلب الخير وجده، ومن شاور الناس عرف وجه الصواب، لكن بشرط أن تكون المشورة مع أصحاب العقول الرزينة، والأحلام الصحيحة، والفكر المستقيم، والرأي الصائب، وليس مع كل أحد، فعن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السلام، قال: ?قيل لرسول الله صلي الله عليه و اله حينما سئل: ما الحزم؟ قال: مشاورة ذوي الرأي واتباعهم?().
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: ?في التوراة أربعة أسطر: من لايستشير يندم، والفقر الموت الأكبر، وكما تُدين تُدان، ومن ملك استأثر?().
هذا وللمشورة شرط أساسي وهو أن يكون المستشار ممّن يحسب لله حسابه، ويخاف المعاد، وإلاّ أشار بما لا يرضي الله،
ويكون عاقبة أمرهما خسراً، فعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له: ?شاور في حديثك الذين يخافون الله?().
يبقي القول بأنّ المستشار مؤتمن، فيلزم أن يقول الحقّ، ولو علي نفسه، فعن الإمام الصادق عليه السلام: ?من استشار أخاه، فلم ينصحه محض الرأي، سلبه الله عزّوجلّ رأيه?().
يبني بعض الناس حياتهم علي اُسس تخالف الاُسس التي هي عليها واقعاً، وبعبارة أوضح: يبنون الحياة علي العفوية وعدم الالتزام بالاستقامة والسداد، ولكنّهم يظهرون الصلاح والسداد.
فتري الشخص مثلا يصرّ علي أن تظهر نفسه فوق مستواها، أو علي الأقل: يحبّ ذلك، فإذا بصاحب العلم الضئيل، أو الثروة الضعيفة، أو الجاه النكد.. يتظاهر في منطقه وحكايته ليري نفسه أنّه من العلماء الكبار، والأثرياء العظام، والوجهاء الفخام.
ومن البديهي إنّ الواقع يأبي دوام هذه الادّعاءات الفارغة، ففي أوّل مرّة من قيام هؤلاء بعرض عضلاتهم، وإظهار أنفسهم، ينكشف الركام المزعوم … وتتجلّي الحقيقة المستترة.
ثمّ لا يخفي أنّ هذا الأمر هو من آثار الكبر في النفس، وحب الاستعلاء والتفوّق لكن من غير طريقه المستقيم.
وفي قبال هذه الصفة المذمومة، هناك صفة جميلة وحميدة، ألا وهي التواضع، وذلك بأن يري الإنسان نفسه عند حدّه وعلي قدره،لاكذباً وخداعاً،بل حفظاً علي التوازن بين المقادير والحدود.
وقد مدح الإسلام التواضع، لما فيه من بيان الحقيقة، واُلفة القلوب، فضلا عمّا فيه من كسر نزوات النفس، وكبح جماحها.
قال الإمام أبو محمّد العسكري عليه السلام: ?أعرف الناس بحقوق إخوانه وأشدّهم قضاءً لها: أعظمهم عند الله شأناً، ومن تواضع في الدنيا لإخوانه، فهو عند الله من الصدّيقين من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام ?().
كما أنّ المتواضع محبوب عند الله وإن كان صغيراً، والمتكبّر مذموم وإن كان عظيماً.. وبالتواضع يرتفع الشخص عند الناس، ويصبح
مورد اهتمامهم واحترامهم، ولذا قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?ما تواضع أحد، إلاّ رفعه الله?().
وروي الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام: ?إنّ علياً عليه السلام قال: ما من أحد من ولد آدم، إلاّ وناصيته بيد ملك، فإن تكبّر جذبه بناصيته إلي الأرض، وقال له: تواضع وضعك الله، وإن تواضع جذبه بناصيته، ثمّ قال له: ارفع رأسك رفعك الله، ولا وضعك، بتواضعك لله?().
وقد كان النبي صلي الله عليه و اله والأئمّة الأطهار عليهم السلام يتواضعون، ويعلّمون الناس التواضع، في أعمالهم وأقوالهم، ففي الحديث: ?إنّ محمد بن مسلم كان رجلا شريفاً موسراً، فقال له أبو جعفر عليه السلام: تواضع يا محمد، فلمّا انصرف إلي الكوفة، أخذ قوصرة من تمر مع الميزان، وجلس علي باب مسجد الجامع، وصار ينادي عليه، فأتاه قومه، فقالوا له: فضحتنا، فقال: إنّ مولاي أمرني بأمر، فلن اُخالفه، ولن أبرح حتّي أفرغ من بيع ما في هذه القوصرة، فقال له قومه: إذا أبيت إلاّ أن تشتغل ببيع وشراء، فاقعد في الطحانين، فهيّأ رحي وجملا، وجعل يطحن?().
نعم، هكذا تكون القلوب العامرة بالإيمان، البعيدة عن مهاوي الكبر والاعتلاء، فقد امتثل محمّد بن مسلم صاحب المقام الرفيع أمر إمامه عليه السلام الذي فيه الصلاح والسداد إذ هم عليهم السلام لا يأمرون إلاّ بما فيه خير الإنسان وصلاحه، ولا ينهون إلاّ عمّا فيه ضرره وفساده فظنّ قومه أن سوف ينحطّ من مقامه بسبب هذه الفعلة، إلاّ إنّه ارتفع بذلك وارتفع، حتّي بلغ ما هو عليه اليوم من الجاه الرفيع، والمنزلة المنيفة، بحيث إنّ علماء المسلمين علي مرّ التاريخ أصبحوا ينظرون إليه بالعظمة، ويذكرونه بالتبجيل والإكرام.
هذا وللتواضع فروع عديدة، منها التواضع في الكلام، وفي
السلام، وفي المجلس، والمأكل، والمشرب، والملبس، والمركب، وقد تطرّق علماء الأخلاق إليها مفصّلا في مصنّفاتهم الكثيرة.
كان الإمام علي بن الحسين عليه السلام بعد ما قتل بنو اُميّة أباه الحسين عليه السلام يعيش في محيط خانق، وجوّ مكهرب، ووسط مملوّ من العيون والجواسيس الذين أوكلهم بنو اُميّة به عليه السلام للتضييق عليه حذراً من إثارته الناس علي سلطانهم الموبوء، فكان عليه السلام في حبس سياسي، وإن لم يكن في السجن.
ومن المعلوم: أنّ من يقيّد بهكذا قيود يصعب عليه الاتّصال بالناس، ولا يستطيع بحرّية من إرشاد المجتمع، وتبليغ الدين، ولذا فقد اختار هو عليه السلام أنجع الطرق، وأفضل الأساليب الحكيمة لدفع ظلم بني اُميّة، والقضاء علي طغيانهم، وإراحة الناس من شرّهم، مع نشر معالم الإسلام وأحكام القرآن، فضلا عن الإثارة علي قتلة والده عليه السلام. وكان ذلك عبر اُمور تالية:
1 البكاء المستمر الذي لم يفارقه قطّ حتّي آخر لحظات حياته عليه السلام إلي أن قضي عمره الشريف مسموماً شهيداً.
2 اتّخاذ العبيد والإماء، وتعليمهم شرائع الدين، ثمّ إعتاقهم في كل سنة، واستبدالهم بغيرهم، فأصبحت داره مدرسة للتوجيه والإرشاد تخرّج كل عام مجموعة كبيرة من المثقّفين الواعين، والمبلّغين المخلصين للقرآن ولعترة الرسول صلي الله عليه و اله وأهل بيته عليهم السلام.
3 الجنوح إلي الأدعية، وإيداعها معارف الإسلام، ولذا ورد عنه ما لم يستغن عنه مسلم من الدعاء والاستكانة.
إنّنا لسنا الآن بصدد بيان ذلك، وإنّما نريد إدراج فقرة من دعائه المعروف باسم دعاء: (مكارم الأخلاق) الذي هو أرفع وأنفع من كل كتاب يكتب بهذا الصدد، وذلك لما فيه من العبارات الشيّقة، والمضامين الرفيعة، والأساليب البليغة، ولنختم البحث، بهذا الختام المبارك.
قال عليه السلام في هذا الدعاء المذكور:
?اللهمّ صلّ علي محمّد
وآله، وبلّغ بإيماني أكمل الإيمان، واجعل يقيني أفضل اليقين، وانته بنيّتي إلي أحسن النيّات، وبعملي إلي أحسن الأعمال، اللهمّ وفّر بلطفك نيّتي، وصحّح بما عندك يقيني، واستصلح بقدرتك ما فسد منّي?().
يا لله، لقد جمع هذا الدعاء كل خير، ولم يترك شيئاً من الحكمة إلاّ وأتي به ودعا له، إذ ما يريد الإنسان بعد أكمل الإيمان، وأفضل اليقين، وأحسن النيّات والأعمال، وبعد النيّة الوافرة وصحّة اليقين، واستصلاح الفاسد من اُمور الدين والدنيا؟
ولو فرضنا أنّ هناك من يدعو الله وهو بعيد عن كل هذه الاُمور، بهذا الدعاء، فما يكون هدفه منه، وما هو معناه؟
إنّ معناه والهدف منه: هو أنّه طلب من الله كل الخير والبركة والطالب لابدّ وأن يصل إلي مطلوبه، أو بعضه، فإنّ من ?جدّ وجد، ومن لجّ ولج?.
لقد قال الإمام السجّاد عليه السلام في فقرة اُخري:
?اللهمّ صلّ علي محمّد وآله، واكفني ما يشغلني الاهتمام به، واستعملني بما تسألني غداً عنه، واستفرغ أيّامي فيما خلقتني له، واغنني وأوسع عليّ في رزقك، ولا تفتني بالنظر، وأعزّني ولاتبتليني بالكبر، وعبّدني لك ولا تفسد عبادتي بالعجب، وأجر للناس علي يدي الخير ولا تمحقه بالمنّ، وهب لي معالي الأخلاق، واعصمني من الفخر?().
وكأنّ الإمام عليه السلام يعلّم البشرية جمعاء بأن تواظب علي طلب العون والتسديد من الله تعالي ليأخذ بيدهم عند مزلاّت الأقدام، ويعينهم للخلاص من آفات الأعمال، والتي منها الافتتان بالعبادة، والعجب بالطاعات، والابتلاء بالكبر، والمنّ علي الآخرين، وما شابه ذلك.
ولقد أشار الإمام عليه السلام في فقرة اُخري من هذا الدعاء إلي مسألة معالي الأخلاق فقال:
?اللهمّ صلّ علي محمّد وآله، ولا ترفعني في الناس درجة، إلاّ حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزّاً ظاهراً، إلاّ أحدثتَ لي ذلّة باطنة
عند نفسي بقدرها?().
أجل، إنّ الإمام عليه السلام يناجي ربّه ويقول: إنّ العلو ونيل المراتب الرفيعة بيدك يا ربّ، وقد جعلت مفتاحه التواضع والذلّة في النفس، فجد عليّ ووفّقني كي أتواضع في نفسي كلّما رفعتني عند الآخرين.
ولقد قال عليه السلام في عبارة ثالثة: ?اللهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد، ومتّعني بهدي صالح، لا أستبدل به، وطريقة حقّ لا أزيغ عنها، ونيّة رشد لا أشكّ فيها، وعمّرني ما كان عمري بذلّة في طاعتك، فإذا كان عمري مرتعاً للشيطان فاقبضني إليك، قبل أن يسبق مقتك إليّ، أو يستحكم غضبك عليّ?().
إنّ الإمام عليه السلام من خلال هذه الفقرة العجيبة، يلقي علي البشرية درساً مفيداً وعظة بليغة، تتّعظ بها الأجيال، وتستفيد منه علي مرّ التاريخ، ألا وهو إنّ التوفيق لطاعة الله تعالي يحتاج إلي التوسّل إلي الله، والتضرّع ببابه، ومدّ اليد بالدعاء نحوه، والطلب منه، وإلاّ كان عمر الإنسان مرتعاً للشيطان، وحينئذ يكون الممات خير لابن آدم من البقاء، لأنّ في الموت حدّ للمعاصي التي يقترفها الإنسان العاصي في الحياة.
ثمّ يقول الإمام عليه السلام في دعائه: ?اللهمّ صلّ علي محمّد وآله، واجعل لي يداً علي من ظلمني، ولساناً علي من خاصمني، وظفراً بمن عاندني، وهب لي مكراً علي من كايدني، وقدرة علي من اضطهدني، وتكذيباً لمن قصبني، وسلامة ممّن توعّدني، ووفّقني لطاعة من سدّدني، ومتابعة من أرشدني?().
وبهذا يشير الإمام عليه السلام إلي أنّه ليس في الإسلام تحمّل للظلم، ولا استسلام أمام الظالم، وإنّما يسعي المظلوم وبكل جهده لإحقاق حقّه، ودفع ظلامته، وكفّ الظالم وردعه عن ظلمه، وذلك بحنكة وحكمة، وتدبير وتفكير.
وهنا نكتفي بهذا القدر البسيط من (مكارم الأخلاق) ومن (الأخلاق الإسلامية) سائلين من الله تعالي التأييد والقبول.
والحمد لله بدءً وختاماً،
والصلاة علي سيّد ولد آدم محمّد صلي الله عليه و اله وآله الكرام عليهم السلام أجمعين.
كربلاء المقدّسة
محمّد بن المهدي
محاضرة لآية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي ?
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين().
قال الله تعالي في كتابه الحكيم: ?وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَي?().
مقدمة: ثراء النص القرآني
هناك ظاهرة في كتاب الله التدويني (القرآن الكريم) جديرة بالبحث والتأمّل، كما هي كذلك في كتابه التكويني جلّ وعلا، ألا وهي ظاهرة اختزال معان كثيرة في كلمات قليلة. هل اتفق لك أن بلغت ينبوع ماء صغير في صحراء واسعة، تراه صغيراً في ظاهره، ولكن عندما تبحث وتنقّب قد تجد تحته بحراً عظيماً من الماء؟! هكذا هي كلمات الله في القرآن الكريم، تنطوي علي بحور من المعارف والحقائق.
وهذه الآية الكريمة التي تصدرت البحث لا تزيد علي بضع كلمات ولكنها تبيّن طبيعة هذه الدنيا كلها وطبيعة النشأة الآخرة، وتُجري مقارنة دقيقة بينهما.
1. الآخرة أبقي من الدنيا
من الفروق الرئيسية التي ذكرتها الآية الكريمة بين الدنيا والآخرة أن الآخرة أبقي من الدنيا، وهنا لابد من بيان أن الحقائق علي ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الحقائق المحدودة: ككل الأمور المادية، فالدار محدودة بجدرانها، والبلدان محدودة بجيرانها، وهكذا.
النوع الثاني: الحقائق اللامتناهية بقول مطلق، ومثالها معلومات الله تعالي. لقد خمّن العلماء أن معلوماتنا نحن البشر لو جُمعت من بداية حياتنا إلي نهايتها فإنها تبلغ تسعين مليون مجلداً لكل فرد منا، أما الله تعالي فليس لعلمه حد؛ لأنه تعالي غير محدود، وعلمه عين ذاته، فعلمه غير محدود أيضاً.
النوع الثالث: الحقائق اللامتناهية علي نحو اللاتناهي اللايقفي، ومثالها الدار الآخرة. الفرق بين النوعين الأخيرين أن النوع الثالث محدود
بالفعل ولكنه غير محدود بالقوة كالأعداد؛ فإنها وإن كانت بالفعل محدودة بالمعدودات الموجودة ولكنها لاتقف عند حد معيّن في التصوّر أما النوع الثاني فهو لامتناه بالفعل. والآخرة من النوع الثالث، فهي باقية ما شاء الله سبحانه. لقد روي عن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: ?وإنا خُلقنا وإياكم للبقاء لا للفناء?(). إن عدد السنين التي سنبقي فيها في الآخرة غير متناه، كما أن العدد نفسه غير متناه أيضاً، فإذا استطعت أن تقف بالعدد عند حد، فقف عند ذلك علي سنيّ الآخرة، إذن نحن باقون في الآخرة بإبقاء الله سبحانه لنا، أما الله سبحانه فهو باق بذاته. مهما ذهب بك الخيال ومهما استطعت أن تضع أصفاراً في يمين عدد ما، فإن الأمر لا يتوقف عند حد، بل يمكن أن تضيف أيضاً، وكذلك حال البقاء في الآخرة. أما الدنيا فمحدودة ولابد من يوم نرحل منها جميعاً، بل ما أسرع أن يرحل أحدنا منها! كان السيد الوالد رحمة الله عليه إذا شاهد إعلاناً بوفاة أحد، يقول: سيأتي يوم يري الآخرون صورنا في إعلان كهذا. وهكذا ينتهي كل شيء، لتبدأ مسيرة الآخرة.
2. الآخرة خير من الدنيا
الميزة الأخري للآخرة أنها خير من الدنيا. ولكي تتضح الفكرة نأتي بمثال: إن من الشهوات القوية عند الإنسان في هذه الحياة شهوة الملك والحكم، حتي لقد عُدّت إحدي العوامل المهمة في حركة التاريخ البشري؛ فهي التي كانت وراء كثير من الحروب التي ربما غيّرت وجه التاريخ. هاهنا نسأل: ما هو أقصي ما يمكن لشخص أن يحققه في هذا المجال؟ إنه بلا شك لا يتعدي حكم الكرة الأرضية، وهل هي بالقياس إلي هذا الكون المترامي إلا كذرة أو دونها؟!
هذا عن مساحة الحكم، فما
هي أقصي المدة الزمنية التي يمكن لإنسان أن يحكم فيها إن استطاع؟ لاشك أن ذلك أيضاً لايتجاوز بضعة عقود، لا تشكل شيئاً من عمر الدنيا فكيف بالآخرة! ناهيك عما سيتخلل هذا الحكم من منغصات ومكدرات ومحن وهزائم وقلق دائم لخوف الزوال والانتقال إلي الغير! ولذلك ورد في المأثور: أن الرئاسة أولها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها عذاب يوم القيامة. هذا حال مُلك الدنيا، فتعال الآن لنسمع عن ملك الآخرة، يقول الله تعالي: ?وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكًا كَبِيرًا?(). ولكي يتضح لنا الفرق أكثر يكفي أن نعرف أن الله تعالي عبّر عن الدنيا ونعيمها بقوله سبحانه: ?قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ?(). ولقد روي ما مضمونه أن جبرئيل عليه السلام طلب من الله تعالي أن يريه أبعاد الجنة، فقال الله له: طر، فطار جبرئيل فوق الجنة واستمر يطير ثلاثين ألف عام، فضعف عن الطيران، وطلب من الله المدد، وأتاه المدد الإلهي فطار ثلاثين ألف أخري، وتعب فطلب المدد وأتاه، وهكذا حتي ثلاثين ألف مرة، في كل منها يطير ثلاثين ألف عام (أي ما مجموعه تسعمائة مليون عام)، وبعد كل هذه المدة الطويلة إذا بحورية تخاطبه: إنك منذ بدأت بالطيران وحتي الآن لازلت تطير فوق جنتي! فعجب جبرئيل منها وسألها: ومن تكونين؟ فأجابت: حورية أعدّني الله تعالي لمؤمن واحد من المؤمنين!
فهل يعد ملك الدنيا بعد هذا شيئاً إذا ما قيس إلي هذا الملك وما فيه من الخدم والحشم والحوريات التي لو أشرفت إحداهن علي أهل الدنيا لماتوا بأجمعهم من رؤية جمالها! فكيف إذن بالمؤمنات ومقامهن أعلي من الحور العين؟! وهن المقصودات من قوله تعالي: ?فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ?(). كما أنه ليس في ملك الجنة كدر ولا قلق ولا خوف
من زوال النعمة. أفلا تكون نعم الدنيا بالنسبة إلي نعم الآخرة بعد هذا كقطرة بالنسبة إلي بحر أو أقلّ؟! وإذا كان الأمر كذلك، أفليس الخاسر الحقيقي من يخسر الآخرة؟ قال الله تعالي في كتابه الكريم: ?إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ?سورة الزمر: 15. أرأيتم ماذا فعل صدام من أجل حوالي ثلاثة عقود من الحكم والرئاسة؟ وكم سيأخذ معه من أهليه ومن تبعه إلي نار جهنم؟!
أجل هذه هي الخسارة التي ما بعدها خسارة. وأعظم من كل النعم في الآخرة شعور المؤمن برضا الله تعالي عنه، تري كم سيسرّ أحدنا إذا علم أن أباه راض عنه، فكيف سيكون الإحساس برضا الله تعالي؟!
وفي قضية معروفة لا مجال لذكرها الآن، قال الإمام الحجة (عجل الله تعالي فرجه الشريف) لأحد علمائنا وهو الشيخ طه نجف رحمة الله عليه: أنت مرضيّ عندنا. ففي يوم القيامة يشعر المؤمنون بلذة (رضوان الله) وهي لذة تفوق كل لذة وكل ما سواها من نعم الجنة؛ يقول الله تعالي: ?وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ?. سورة التوبة: 72.
وقد روي عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام قال: إذا صار أهل الجنة في الجنة ودخل وليّ الله إلي جنانه ومساكنه، واتكأ كل مؤمن منهم علي أريكته، وحفّته خدامه، وتهدّلت عليه الثمار، وتفجّرت حوله العيون، وجرت من تحته الأنهار، وبسطت له الزرابي، وصففت له النمارق، وأتته الخدام بما شاءت شهوته من قبل أن يسألهم ذلك.. وخرج عليهم الحور العين من الجنان فيمكثون بذلك ما شاء الله … ثم إن الجبار يشرف عليهم فيقول لهم: أوليائي وأهل طاعتي وسكان جنتي في جواري! ألا هل أنبئكم بخير مما أنتم فيه؟ فيقولون:
ربنا وأي شيء خير مما نحن فيه؟ نحن فيما اشتهت أنفسنا ولذت أعيننا من النعم في جوار الكريم. قال: فيعود عليهم بالقول. فيقولون: ربنا نعم فأتنا بخير مما نحن فيه. فيقول لهم تبارك وتعالي: رضاي عنكم ومحبتي لكم خير وأعظم مما أنتم فيه، قال: فيقولون: نعم يا ربنا رضاك عنا ومحبتك لنا خير لنا وأطيب لأنفسنا?().
وقد نقل السيد الوالد رحمة الله عليه عن السيد الميلاني رحمة الله عليه أنه نقل عن أستاذه الشيخ مرتضي الطالقاني رحمة الله عليه أنه فتح عينيه وهو في حالة الاحتضار (وهذه من نعم الله حيث يعود المحتضر إلي وعيه قبل أن يفارق الحياة، لعله يوصي بوصية أو يستغفر الله تعالي في اللحظات الأخيرة من عمره) وقال لمن حوله: لو علم المؤمن ما أعدّه الله تعالي له في الآخرة لما عوّض نصف ساعة من الآخرة بكل الدنيا. ثم أغمض عينيه وتوفي رحمة الله عليه.
تركيز القرآن علي موضوع الآخرة والعيش في أجوائها
من الأمور المثيرة للعجب أنّا عندما نطالع التوراة المتداولة اليوم نري غلبة الطابع المادي عليها ولا نري ذكراً للآخرة علي ما نقل إلا في آية واحدة تشير إلي الموت والحياة وأن الرب يحيي ويميت!
وفي الإنجيل المتداول فعلياً هنالك ذكر للآخرة إلا أنه قليل.
أما القرآن الكريم فإن الطابع العام فيه هو تذكير المؤمنين بالآخرة، ونقلهم للعيش في أجوائها، حتي نقل عن بعض الأعلام أن ثلثي آيات القرآن تدور حول الآخرة، أي أكثر من ألفي آية. أما كيف نعيش أجواء الآخرة، فإن ذلك يتحقق من خلال أمور، منها: المواظبة علي قراءة القرآن الكريم ولو بمعدل صفحة في اليوم الواحد. وكذلك مطالعة نهج البلاغة وأحاديث أهل البيت عليهم السلام، فهي الأخري تنقل الفرد إلي
عوالم الآخرة، قال ابن أبي الحديد المعتزلي عن إحدي خطب الإمام في نهج البلاغة حول الآخرة:
?وأقسم بمن تقسم الأمم كلها به، لقد قرأت هذه الخطبة منذ خمسين سنة وإلي الآن أكثر من ألف مرة، ما قرأتها قط إلا وأحدثت عندي روعة وخوفاً وعظة وأثّرت في قلبي وجيباً وفي أعضائي رعدة، ولا تأمّلتها إلا وذكرت الموتي من أهلي وأقاربي وأرباب ودي وخيلت في نفسي أني أنا ذلك الشخص الذي وصف عليه السلام حاله?().
ومن الأمور الأخري التي تزيد من ارتباط الإنسان بالآخرة وتقلل من اهتمامه وتعلقه بالدنيا: تشييع الجنائز وزيارة القبور؛ فإن الإنسان عندما يذهب إلي المقابر ينتقل من عالم الجلبة والضوضاء إلي عالم السكون والهدوء، ويبدأ يفكّر في حال من سبقوه وكان فيهم من هو أعقل منه وأكبر وأعظم وأكثر دهاءً وحيلة، ومع ذلك لم تنفعه إمكاناته وصار رهين القبر!
ومما ينقل عن أحوال الجد رحمة الله عليه() أنه كان يذهب إلي المقابر ويدخل قبراً مفتوحاً ثم يضطجع ويتصور نفسه ميتاً، فيبدأ الطلب من الله ويقول: ?رَبِّ ارْجِعُونِ ? لَعَلِي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيما تَرَكْتُ?()، ثم يجيب نفسه بالقول: ?كلا? لقد أعطيناك الفرص فضيعتها! ويظل يلحّ حتي يأتيه الخطاب: قد أرجعناك يا مهدي، قم واستأنف العمل.
ومن الأمور الأخري النافعة في مجال تذكّر الآخرة: النظر إلي الدنيا علي حقيقتها وأنها جسر وقنطرة للآخرة فقط، فإذا كنت تنوي الوصول إلي مكان ما وكانت في طريقك قنطرة لابد من عبورها، فهل ستفكّر في لون القنطرة مثلاً، أم لا تفكر سوي في اجتيازها بلوغاً للهدف المنشود؟ هكذا هو حال الدنيا بالنسبة للآخرة.
ومما يذكّر الإنسان بالآخرة: مطالعة أحوال الصالحين والتائبين وكيف أعرضوا عن هذه الدنيا الفانية واتجهوا نحو الآخرة الباقية.
? فإبراهيم بن أدهم
مثلاً ترك الملك دفعة وهام بوجهه في الصحراء، ولم يكن ذلك باستطاعته لولا أنه حقّر الدنيا وملكها في نظره!
? ويروي في أحوال السيد المسيح (علي نبينا وآله وعليه السلام) أنه التقي حطاباً فقيراً، فحوّله في قصة طويلة ملكاً، فقال الحطّاب: لم لا تصنع لنفسك مثل هذا؟ فأجابه السيد المسيح عليه السلام: شُغلنا عن ذلك بما هو أغلي!
? عندما أثار موقف الحر بن يزيد الرياحي الشجاع والفريد من نوعه، عجب من شاهده، قال في جوابه: إني أخيّر نفسي بين الجنة والنار، ووالله ما كنت لأختار علي الجنة شيئاً!
? تخلي أحد ولاة بني أمية عن الولاية وزهد في الدنيا وتاب إلي الله تعالي، حتي أنه تخلي عن ثيابه، ليتطهّر من المال الحرام، وعندما دخل عليه أحد أصحابه حدّثه من وراء الباب، ولم يلبث قليلاً حتي مات!
عندما يعيش الإنسان أجواء الآخرة يتحوّل تحوّلاً عجيباً، ويترفّع عن سفاسف الدنيا ويسمو نحو آفاق الآخرة الرحيبة.
مسؤوليتنا ثقيلة في هذا المجال
كان السيد الوالد رحمة الله عليه يؤكّد علي الخطباء الكرام أن لا ينسوا هذا الموضوع المهم أبداً، وأن يكون التذكير بالآخرة أحد خمس خطب يخطبونها، لأن التذكير بالآخرة هو الطريق الوحيد لتحريك الإنسان وتخليصه من الانشداد إلي الأرض. إن الموعظة والتذكير بالآخرة كانا جزءً ثابتاً من مادة المنبر في السابق، وينبغي لهذه الحالة أن تعود، ليس من علي المنابر المتعارفة وحدها، بل من خلال كل منبر إعلامي ممكن، وهذه الحاجة غدت اليوم أكثر ضرورة، إذا أخذنا بنظر الاعتبار حالة الشباب المسلم المتأثر بالغرب لاسيما الذين يعيشون منهم في بلاد الغرب، فكيف سيقاومون كل تلك الإغراءات؟ لا شك أنهم لايستطيعون المقاومة إلا إذا كان عندهم إيمان حقيقي بالآخرة. وعلي كل حال يجب أن
نستثمر هذه الأعوام القليلة المتبقية من أعمارنا في هذه الدنيا، والتي لا تشكل إلا جزءً صغيراً ضئيلاً من أعمارنا الحقيقية، فما أقصر الفترة القصيرة التي نقضيها في هذه الحياة، إذا ما قارناها بما لا نتذكره من الأعوام السابقة (في عالم الذر)، وبالسنوات التي لا نهاية لها في عالم الآخرة!
وما أقلّ ما نعمله من أجل حياتنا الحقيقية والخالدة!
لو أن شخصاً بني ألف مسجد وحسينية مثلاً فسيكتشف يوم القيامة أن عمله كان قليلاً؛ لما سيري من عظمة الدار الآخرة وأن الزاد المطلوب لها كثير كثير. ومن هنا يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق?(). إذن علينا أن لا نقنع بالقليل من أعمالنا، بل لابد من الاستزادة قبل أن يدركنا الأجل.
نقل أن الشيخ (عبد الزهراء) الكعبي رحمة الله عليه جاء إلي المرحوم الجد ? وقال له: أحمل إليك رسالة وأعتذر إليك من نقلها. فقال له الجد: قل ما هي؟ قال: رأيت الإمام موسي بن جعفر عليه السلام في عالم الرؤيا فقال لي: قل لمهدي فليستعد لسفر الآخرة. فأخذ الجد يبكي ويقلب كفيه وهو يقول: كيف أقدم علي الله ويداي خاليتان؟ لا مجاملة في هذا الكلام، بل هو واقع يدركه أولياء الله تعالي. ألم يأمر الإمام علي عليه السلام أن يُكتَب علي قبر سلمان (رضوان الله عليه): وفدتُ علي الكريم بغير زاد إننا مهما نفعل فهو قليل، وهناك سنفهم حقيقة هذا الأمر ونندم حيث لا ينفع الندم. نسأل الله سبحانه وتعالي أن ينبهنا من نومة الغافلين.
وصلي الله علي سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
رجوع إلي القائمة
() بحار الأنوار: ج39 ص55، كشف الغمّة: ج2 ص537، المناقب: ج3 ص247.
() مستدرك الوسائل: ج11 ص187
ح12701، بحار الأنوار: ج68 ص382، مكارم الأخلاق: ص8.
() سورة آل عمران: 110.
() بحار الأنوار: ج67 ص372 ح18، مستدرك الوسائل: ج11 ص187 ح12701.
() سورة طه: 131.
() الكافي: ج5 ص559 ح12، بحار الأنوار: ج101 ص40 ح46، المحاسن: ج1 ص109 ح101.
() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص18 ح4970، وسائل الشيعة: ج20 ص192 ح25400.
() وسائل الشيعة: ج20 ص191 ح25396.
() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص18 ح4969، وسائل الشيعة: ج20 ص192 ح25399.
() وسائل الشيعة: ج20 ص193 ح25406، بحار الأنوار: ج101 ص34 ح12، علل الشرائع: ج2 ص564 ح1.
() سورة النور: 30.
() الكافي: ج5 ص521 ح5، وسائل الشيعة: ج20 ص192 ح25398.
() سورة غافر: 19.
() وسائل الشيعة: ج20 ص194 ح25410.
() الكافي: ج2 ص113 ح1، وسائل الشيعة: ج12 ص182 ح16023، بحار الأنوار: ج2 ص48 ح6، الخصال ج1 ص158 ح202.
() بحار الأنوار: ج14 ص35 ح8.
() بحار الأنوار: ج22 ص86 ح38، معاني الأخبار: ص171.
() وسائل الشيعة: ج11 ص79 ح14290، بحار الأنوار: ج68 ص278 ح15، الخصال: ج1 ص35 ح8، روضة الواعظين: ج2 ص336.
() بحار الأنوار: ج68 ص278 ح17.
() القشيب: هو الجديد. لسان العرب مادّة قشب.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص25 ح10105، بحار الأنوار: ج68 ص278 ح14، الاختصاص: ص230، الخصال: ج1 ص5 ح15.
() سورة ق: 18.
() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص396 ح5841، الأمالي للصدوق: ص32 ح4، وسائل الشيعة: ج12 ص197 ح16074، روضة الواعظين: ج2 ص370، بحار الأنوار: ج68 ص276 ح4.
() وسائل الشيعة: ج12 ص188 ح16045، بحار الأنوار: ج68 ص274 ح1، الاحتجاج: ج2 ص315.
() شرح نهج البلاغة: ج15 ص207.
() الخرائج والجرائج: ج2 ص885، بحار الأنوار: ج15 ص383.
() سورة الممتحنة: 12.
() الكافي: ج2 ص79 ح3، وسائل الشيعة: ج15 ص250 ح20419، مستدرك الوسائل: ج11 ص275 ح12989، بحار الأنوار: ج68 ص269 ح3.
()
الكافي: ج2 ص79 ح1، وسائل الشيعة: ج15 ص249 ح20415، بحار الأنوار: ج68 ص268 ح1.
() الكافي: ج2 ص79 ح5، وسائل الشيعة: ج15 ص249 ح20416، مستدرك الوسائل: ج11 ص274 ح12985، بحار الأنوار: ج68 ص269 ح5.
() الكافي: ج2 ص79 ح6، من لا يحضره الفقيه: ج4 ص407 ح5881، وسائل الشيعة: ج15 ص249 ح20417، مستدرك الوسائل: ج11 ص276 ح12995، بحار الأنوار: ج10 ص368 ح15.
() سورة الأعراف: 26.
() بحار الأنوار: ج80 ص168، تفسير القمّي: ج1 ص225.
() بحار الأنوار: ج68 ص273 ح18، المحاسن: ج1 ص292 ح448.
() سورة الأنعام: 125.
() سورة محمد: 17.
() بحار الأنوار: ج70 ص258.
() بحار الأنوار: ج67 ص59 ح39.
() بحار الأنوار: ج58 ص304 ح9، علل الشرائع: ج1 ص109 ح8.
() بحار الأنوار: ج67 ص50 ح4، روضة الواعظين: ج2 ص413.
() بحار الأنوار: ج67 ص51 ح8، أمالي الطوسي: ص146 ح240.
() نهج البلاغة: ص487 ق ح108.
() مستدرك الوسائل: ج16 ص319 ح20016، بحار الأنوار: ج59 ص291، طب النبي: ص21.
() راجع كتاب (فقه النظافة) للمؤلّف رحمة الله عليه.
() وسائل الشيعة: ج2 ص133 ح1718، بحار الأنوار: ج73 ص67 ح2، الخصال: ج1 ص310 ح86.
() وسائل الشيعة: ج2 ص11 ح1322، بحار الأنوار: ج73 ص67 ح1، الخصال: ج1 ص271 ح11.
() الكافي: ج6 ص438 ح1، وسائل الشيعة: ج4 ص455 ح5704.
() الكافي: ج6 ص439 ح6، وسائل الشيعة: ج5 ص6 ح5743.
() وسائل الشيعة: ج2 ص140 ح1742، مستدرك الوسائل: ج1 ص405 ح999، الجعفريات: ص29.
() سورة البقرة: 222.
() وسائل الشيعة: ج2 ص72 ح1517، بحار الأنوار: ج73 ص89 ح4، الخصال: ج2 ص538 ح5.
() بحار الأنوار: ج11 ص66 ح13، قصص الأنبياء: ص10.
() وسائل الشيعة: ج2 ص118 119 ح1664، بحار الأنوار: ج73 ص109 ح1، قرب الإسناد: ج1 ص32.
() بحار الأنوار: ج16 ص248، مكارم الأخلاق: ص33.
() وسائل الشيعة: ج2
ص124 ح1684، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص128 ح319، بحار الأنوار: ج73 ص117 ح4، مكارم الأخلاق: ص70.
() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص129 ح327، وسائل الشيعة: ج2 ص129 ح1704، مستدرك الوسائل: ج1 ص412 ح1022.
() الكافي: ج6 ص485 ح2، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص129 ح326، وسائل الشيعة: ج2 ص129 ح1703.
() وسائل الشيعة: ج2 ص20 ح1358، بحار الأنوار: ج73 ص129 ح13، الخصال: ج2 ص48 ح52.
() بحار الأنوار: ج73 ص130 ح19، صحيفة الإمام الرضا عليه السلام: ص54 ح64.
() راجع مستدرك الوسائل: ج1 ص419 ح1047 و1048، دعائم الإسلام: ج2 ص166 ح596، مكارم الأخلاق: ص41.
() بحار الأنوار: ج56 ص33 ح8، الخصال: ج2 ص392 ح91.
() الكافي: ج6 ص496 ح1، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص115 ح237، وسائل الشيعة: ج2 ص30 ح1386، بحار الأنوار: ج73 ص77.
() وسائل الشيعة: ج2 ص32 ح1394، بحار الأنوار: ج63 ص59 ح8، الخصال: ج1 ص155 ح194.
() الكافي: ج6 ص441 ح3، وسائل الشيعة: ج5 ص14 ح5764، مستدرك الوسائل: ج3 ص238 ح3476.
() الكافي: ج6 ص444 ح14، وسائل الشيعة: ج5 ص14 ح5763.
() وسائل الشيعة: ج5 ص14 ح5765، مكارم الأخلاق: ص 40.
() بحار الأنوار: ج59 ص144 ب57 ح1. روضة الواعظين: ج2 ص308.
() الكافي: ج6 ص441 ح1، وسائل الشيعة: ج5 ص14 ح5762، مستدرك الوسائل: ج3 ص238 ح3474.
() مروية: مرو بلدة من بلاد خراسان والثوب منسوب لها. مجمع البحرين: مادّة مري.
() سورة الأعراف: 32.
() الكافي: ج6 ص443 444 ح13، وسائل الشيعة: ج5 ص16 ح5769، بحار الأنوار: ج47 ص361 ح73.
() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص3 ح4968، وسائل الشيعة: ج5 ص318 ح6663، أمالي الصدوق: ص422 ح1.
() وسائل الشيعة: ج5 ص322 ح6674، بحار الأنوار: ج73 ص175 ح3، قرب الإسناد: ص25.
() أي الدسم، راجع لسان العرب:
مادّة غمر.
() وسائل الشيعة: ج5 ص318 ح6664، بحار الأنوار: ج60 ص199 ح15، علل الشرائع: ج2 ص582 ح23.
() الكافي: ج6 ص531 ح5، وسائل الشيعة: ج5 ص317 ح6657، المحاسن: ج2 ص624 ح76.
() وسائل الشيعة: ج5 ص7 ح5746، بحار الأنوار: ج76 ص300 ح8، مكارم الأخلاق: ص41.
() راجع كتاب (فقه النظافة) للمؤلّف رحمة الله عليه.
() مستدرك الوسائل: ج11 ص187 ح12701، بحار الأنوار: ج68 ص382، مكارم الأخلاق: ص8.
() بحار الأنوار: ج68 ص382، مستدرك الوسائل: ج11 ص187 ح12701.
() سورة العنكبوت: 45.
() سورة البقرة: 45.
() سورة الأنبياء: 73.
() راجع مستدرك الوسائل: ج3 ص15 ح2898، أمالي الشيخ المفيد: ص189 ح16.
() الفاتحة: 6.
() الكافي: ج4 ص63 ح6، من لا يحضره الفقيه: ج2 ص75 ح1773.
() الكافي: ج4 ص181 ح6، من لا يحضره الفقيه: ج2 ص73 ح1768، وسائل الشيعة: ج10 ص8 ح12700.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص73 ح1767، وسائل الشيعة: ج10 ص8 ح12699، علل الشرائع: ج2 ص378 ح1.
() علل الشرائع: ج2 ص404 ح5، بحار الأنوار: ج96 ص32 ح8، عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام: ج2 ص90.
() بحار الأنوار: ج29 ص223، الاحتجاج: ج1 ص97.
() الكافي: ج3 ص498 ح6، وسائل الشيعة: ج9 ص211 ح11860.
() الكافي: ج3 ص507 ح1، وسائل الشيعة: ج9 ص146 ح11712.
() الكافي: ج3 ص505 ح14، بحار الأنوار: ج93 ص20 ح47.
() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص8 ح1580، وسائل الشيعة: ج9 ص12 ح11393، بحار الأنوار: ج93 ص18 ح38.
() سورة الأعراف: 157.
() سورة النساء: 75.
() سورة التوبة: 29.
() الكافي: ج5 ص12 ح3.
() الكافي: ج5 ص56 ح3، مستدرك الوسائل: ج12 ص181 ح13827.
() الكافي: ج5 ص57 ح4، التهذيب: ج6 ص176 ح2، وسائل الشيعة: ج16 ص117 ح21127.
() الكافي: ج5 ص57 ح5، التهذيب: ج6 ص176 ح3، وسائل الشيعة: ج16 ص117 ح21128.
()
الكافي: ج5 ص59 ح15، وسائل الشيعة: ج16 ص122 ح21139.
() معاني الأخبار: ص398 ح55، الكافي: ج2 ص125 ح6، وسائل الشيعة: ج16 ص177 ح21284.
() سورة الحج: 25.
() الكافي: ج8 ص337 ح533.
() بحار الأنوار: ج69 ص192 ح8، أمالي الصدوق: ص543 ح3، مستدرك الوسائل: ج12 ص65 ح13520.
() سورة المعارج: 4.
() وسائل الشيعة: ج1 ص246 ح636، مستدرك الوسائل: ج12 ص65 ح13520، الخصال: ج2 ص620.
() نهج البلاغة: ص510 ح239، بحار الأنوار: ج70 ص160 ح7.
() مستدرك الوسائل: ج12 ص65 ح13521، الجعفريات: ص232.
() مجموعة ورّام: ج1 ص303.
() بحار الأنوار: ج66 ص379 ح35، الخصال: ج2 ص505 ح3.
() نهج البلاغة: خ4 ص469، بحار الأنوار: ج70 ص160 ح7، روضة الواعظين: ج2 ص422.
() بحار الأنوار: ج70 ص168 ح1، أعلام الدين: ص322، أمالي الصدوق: ص20 ح4، كنز الفوائد: ج1 ص299.
() روضة الواعظين: ج2 ص429، مجموعة ورّام: ج1 ص163.
() الكافي: ج2 ص320 ح2، وسائل الشيعة: ج16 ص24 ح20865، بحار الأنوار: ج70 ص170 ح9.
() الكافي: ج2 ص320 ح3، وسائل الشيعة: ج16 ص24 ح20866، بحار الأنوار: ج70 ص171 ح10.
() الكافي: ج2 ص138 ح2، وسائل الشيعة: ج9 ص443 ح12453، مستدرك الوسائل: ج7 ص224 ح8094.
() مستدرك الوسائل: ج12 ص68 ح13530، بحار الأنوار: ج68 ص279 ح21، الخصال: ج1 ص122.
() وسائل الشيعة: ج20 ص358 ح25824، بحار الأنوار: ج67 ص304 ح19، الخصال: ج1 ص9 ح29.
() سورة القصص: 83.
() بحار الأنوار: ج70 ص145 ح1، الكافي: ج2 ص297 ح1، وسائل الشيعة: ج15 ص350 ح20707.
() بحار الأنوار: ج70 ص151 ح5، الكافي ج2 ص298 ح4، وسائل الشيعة: ج15 ص351 ح20712.
() مستدرك الوسائل: ج11 ص381 ح13311، بحار الأنوار: ج2 ص308 ح64.
() وسائل الشيعة: ج27 ص129 ح33396، مستدرك الوسائل: ج17 ص309 ح21430، بحار الأنوار: ج2 ص83 ح6، معاني الأخبار: ص179.
() سورة الفرقان:
74.
() سورة النساء: 49.
() سورة النجم: 32.
() وسائل الشيعة: ج15 ص312 ح20610، بحار الأنوار: ج69 ص314 ح11.
() بحار الأنوار: ج69 ص315 ح15، الخصال: ج1 ص112 ح86، روضة الواعظين: ج2 ص381.
() بحار الأنوار: ج66 ص379 ح35، الخصال: ج2 ص505 ح3.
() الصحيفة السجّادية: دعاء مكارم الأخلاق ص92.
() نهج البلاغة: ق ح81 ص482، بحار الأنوار: ج1 ص182 ح77.
() سورة الزمر: 9.
() وسائل الشيعة: ج27 ص27 ح33119، بحار الأنوار: ج1 ص177 ح55، روضة الواعظين: ج1 ص11.
() الكافي: ج1 ص30 ح2، وسائل الشيعة: ج27 ص25 ح33114، مستدرك الوسائل: ج17 ص244 ح21237.
() سورة النحل: 90.
() راجع كتاب (العائلة) للمؤلّف رحمة الله عليه.
() سورة البقرة: 83.
() سورة مريم: 32.
() سورة الأنعام: 151.
() سورة العنكبوت: 8.
() سورة لقمان: 14.
() سورة لقمان: 15.
() الكافي: ج2 ص159 160 ح9، وسائل الشيعة: ج21 ص491 ح27670، بحار الأنوار: ج71 ص49 ح9.
() الكافي: ج2 ص161 ح12، وسائل الشيعة: ج21 ص488 ح27665، بحار الأنوار: ج71 ص55 ح12.
() الكافي: ج2 ص160 ح10، وسائل الشيعة: ج15 ص20 ح19929، مستدرك الوسائل: ج11 ص22 ح12328.
() سورة الإسراء: 23.
() سورة الإسراء: 23.
() سورة الإسراء: 24.
() الكافي: ج2 ص157 ح1، من لا يحضره الفقيه: ج4 ص407 ح5883، وسائل الشيعة: ج21 ص487 ح27663.
() الكافي: ج2 ص159 ح8، وسائل الشيعة: ج21 ص490 ح27667، بحار الأنوار: ج71 ص47 ح8.
() الكافي: ج2 ص162 ح15، وسائل الشيعة: ج21 ص490 ح27669، بحار الأنوار: ج71 ص56 ح15.
() الكافي: ج2 ص348 ح2، وسائل الشيعة: ج21 ص500 ح27692، بحار الأنوار: ج71 ص60 ح23.
() الكافي: ج2 ص348 ح3، وسائل الشيعة: ج21 ص501 ح27694، مستدرك الوسائل: ج15 ص195 ح17990.
() الكافي: ج2 ص348 ح4، تهذيب الأحكام: ج6 ص122 ح4، وسائل الشيعة: ج15 ص16 ح19921.
() مستدرك الوسائل: ج15
ص195 ح17989، مشكاة الأنوار: ص164.
() الكافي: ج2 ص348 ح1، وسائل الشيعة: ج21 ص500 ح27693، مستدرك الوسائل: ج15 ص191 ح17971.
() الكافي: ج2 ص163 ح21، وسائل الشيعة: ج18 ص371 ح23874، بحار الأنوار: ج71 ص59 ح21.
() راجع كتاب (كيف نزوج العازبات) للمؤلّف رحمة الله عليه.
() سورة البقرة: 187.
() الكافي: ج5 ص509 ح1، وسائل الشيعة: ج20 ص167 ح25323.
() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص392 ح5834، مكارم الأخلاق: ص218.
() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص555 ح4908، وسائل الشيعة: ج20 ص171 ح25337، مكارم الأخلاق: ص216.
() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص555 ح4909، وسائل الشيعة: ج20 ص171 ح25338، مكارم الأخلاق: ص217.
() الكافي: ج5 ص511 ح3، من لا يحضره الفقيه: ج3 ص392 ح4379، وسائل الشيعة: ج20 ص167 ح25325.
() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص468 ح4628، وسائل الشيعة: ج20 ص168 ح25326، مكارم الأخلاق: ص235.
() الكافي: ج5 ص321 ح6.
() الكافي: ج5 ص321 ح7، وسائل الشيعة: ج20 ص22 ح24926.
() تهذيب الأحكام: ج7 ص403 ح19، وسائل الشيعة: ج20 ص22 ح24923، بحار الأنوار: ج100 ص236 ح24.
() وسائل الشيعة: ج20 ص24 ح24933، بحار الأنوار: ج63 ص287 ح11، المستطرفات: ص636.
() الكافي: ج5 ص321 ح5، من لا يحضره الفقيه: ج3 ص384 ح4351، وسائل الشيعة: ج20 ص22 ح24924.
() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص384 ح4350، وسائل الشيعة: ج20 ص23 ح24931.
() الكافي: ج5 ص569 ح59، وسائل الشيعة: ج20 ص23 ح24930.
() سورة البقرة: 228.
() الكافي: ج5 ص9 ح1، من لا يحضره الفقيه: ج3 ص439 ح4518.
() وسائل الشيعة: ج20 ص164 ح25316، غوالي اللآلي: ج3 ص310 ح138.
() الكافي: ج5 ص509 ح1، مستدرك الوسائل: ج14 ص248 ح16614.
() الكافي: ج5 ص507 ح2، من لا يحضره الفقيه: ج3 ص439 ح4519.
() وسائل الشيعة: ج20 ص163 ح25315.
() سورة الأنفال: 75.
() سورة
البقرة: 83.
() بحار الأنوار: ج71 ص90 ح8، مستدرك الوسائل: ج12 ص378 ح14341.
() مستدرك الوسائل: ج7 ص158 ح7908، بحار الأنوار: ج71 ص88 ح2، قرب الإسناد: ص37.
() بحار الأنوار: ج71 ص89 ح4، أعلام الدين: ص187.
() بحار الأنوار: ج4 ص121 ح66، تفسير العياشي: ج2 ص220 ح75.
() الكافي: ج4 ص10 ح3، تهذيب الأحكام: ج4 ص106 ح36.
() سورة الأنعام: 160.
() بحار الأنوار: ج71 ص104 ح62، نوادر الراوندي: ص6.
() الكافي: ج2 ص151 ح9، بحار الأنوار: ج71 ص117 ح78.
() سورة الرعد: 21.
() مستدرك الوسائل: ج14 ص138 ح16313، غيبة الطوسي: ص196.
() سورة الأعراف: 199.
() سورة البقرة: 237.
() عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام: ج1 ص254 ح5.
() الكافي: ج2 ص347 ح4، الخصال: ج1 ص124 ح119.
() سورة طه: 29 32.
() سورة آل عمران: 103.
() سورة الأنفال: 62 63.
() وسائل الشيعة: ج5 ص193 ح6309، بحار الأنوار: ج71 ص275 ح3.
() راجع وسائل الشيعة: ج12 ص233 ح16170،مجموعة ورّام: ج2 ص179.
() وسائل الشيعة: ج12 ص16 ح15521، مستدرك الوسائل: ج8 ص323 ح9555، بحار الأنوار: ج71 ص276 ح4.
() مستدرك الوسائل: ج12 ص424 ح14506، بحار الأنوار: ج71 ص234 ح30، المؤمن: ص39 ح92.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص42 ح10154، بحار الأنوار: ج71 ص233 ح30.
() مستدرك الوسائل: ج12 ص235 ح13979، بحار الأنوار: ج71 ص279 ح3، الاختصاص: ص31.
() بحار الأنوار: ج71 ص280 ح7، كنز الفوائد: ج1 ص352.
() سورة الحجرات: 13.
() راجع كتاب (الفضيلة الإسلامية) للمؤلّف رحمة الله عليه.
() سورة آل عمران: 159.
() وسائل الشيعة: ج12 ص151 ح15919، بحار الأنوار: ج68 ص387 ح35، روضة الواعظين: ج2 ص377.
() وسائل الشيعة: ج9 ص39 ح11471، بحار الأنوار: ج70 ص301 ح9، الخصال: ج1 ص75 ح117.
() مستدرك الوسائل: ج12 ص74 ح13546، تحف العقول: ص363.
() بحار الأنوار: ج74 ص398 ح16، الخصال: ج1 ص147
ح178.
() بحار الأنوار: ج69 ص261 ح33.
() مستدرك الوسائل: ج12 ص75 ح13551، بحار الأنوار: ج70 ص296 ح4.
() بحار الأنوار: ج70 ص298 ح11، أمالي الصدوق: ص384 ح2، روضة الواعظين: ج2 ص377.
() سورة الإسراء: 29.
() سورة محمد: 36 38.
() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص393 ح5836، الخصال: ج2 ص450 ح55.
() وسائل الشيعة: ج9 ص39 ح11471، بحار الأنوار: ج70 ص301 ح9، الخصال: ج1 ص75 ح117.
() سورة التغابن: 16.
() مستدرك الوسائل: ج7 ص30 ح7565، بحار الأنوار: ج70 ص301 ح7، تفسير القمّي: ج2 ص372.
() روضة الواعظين: ج2 ص443، مشكاة الأنوار: ص231، بحار الأنوار: ج70 ص300 ح3.
() بحار الأنوار: ج44 ص191، إرشاد القلوب: ج1 ص138، ديوان أمير المؤمنين عليه السلام: ص62.
() بحار الأنوار: ج72 ص264 ح4، أمالي الصدوق: ص431.
() وسائل الشيعة: ج9 ص40 ح11473، بحار الأنوار: ج64 ص364 ح68، الخصال: ج1 ص82 ح8.
() قرب الإسناد: ص35، بحار الأنوار: ج70 ص302 ح13، المستطرفات: ص626.
() وسائل الشيعة: ج9 ص41 ح11476، بحار الأنوار: ج70 ص302 ح11، الخصال: ج1 ص84 ح11.
() بحار الأنوار: ج72 ص99 ح11، علل الشرائع: ج2 ص559 ح1.
() انظر بحار الأنوار: ج68 ص356 عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ح18.
() سورة النساء: 36.
() الكافي: ج2 ص669 ح1، بحار الأنوار: ج71 ص160 ح16.
() الكافي: ج4 ص286 ح4، من لا يحضره الفقيه: ج2 ص274 ح2423، مستدرك الوسائل: ج8 ص316 ح9536.
() سورة المجادلة: 22.
() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص404 ح5872، وسائل الشيعة: ج12 ص201 ح16087، بحار الأنوار: ج71 ص152 ح11.
() بحار الأنوار: ج41 ص53 ح5، قرب الإسناد: ص7.
() بحار الأنوار: ج71 ص152 ح12.
() بحار الأنوار: ج71 ص153 ح16، نهج البلاغة: ق47، من وصية له عليه السلام للحسن والحسين لمّا ضربه ابن ملجم (لعنه الله).
() وسائل
الشيعة: ج16 ص280 ح21555، مستدرك الوسائل: ج8 ص421 ح9867، بحار الأنوار: ج71 ص153 ح17.
() الكافي: ج2 ص666 ح3، وسائل الشيعة: ج12 ص123 ح15831، بحار الأنوار: ج71 ص153 ح14.
() راجع كتاب (فقه الاجتماع) للمؤلّف رحمة الله عليه.
() سورة المائدة: 2.
() وسائل الشيعة: ج16 ص368 ح21784، بحار الأنوار: ج14 ص36 ح11، أمالي الطوسي: ص515 ح1127.
() وسائل الشيعة: ج16 ص343 ح21716، بحار الأنوار: ج71 ص303 304 ح47.
() الكافي: ج2 ص194 ح7، وسائل الشيعة: ج16 ص358 ح21756، مستدرك الوسائل: ج2 ص403 ح14422.
() الكافي: ج2 ص339 ح4، وسائل الشيعة: ج12 ص244 ح16207، بحار الأنوار: ج69 ص247 ح8.
() الكافي: ج2 ص341 ح14، وسائل الشيعة: ج12 ص244 ح16209، بحار الأنوار: ج69 ص250 ح17.
() الكافي: ج2 ص341 ح15، وسائل الشيعة: ج12 ص245 ح16210.
() الكافي: ج2 ص341 ح13، وسائل الشيعة: ج12 ص244 ح16208، بحار الأنوار: ج14 ص330 ح69.
() الكافي: ج2 ص340 ح11، وسائل الشيعة: ج12 ص250 ح16222، تحف العقول: ص216.
() الكافي: ج2 ص338 ح3، وسائل الشيعة: ج12 ص244 ح16206، ثواب الأعمال: ص244.
() الكافي: ج2 ص340 ح12، وسائل الشيعة: ج12 ص245 ح16212، بحار الأنوار: ج69 ص250 ح15.
() الكافي: ج2 ص293 ح1، وسائل الشيعة: ج1 ص65 ح143، بحار الأنوار: ج69 ص266 ح1.
() بحار الأنوار: ج69 ص266 ح1، مستدرك الوسائل: ج1 ص106 ح108.
() الكافي: ج2 ص295 ح9، وسائل الشيعة: ج1 ص61 ح131.
() الكافي: ج2 ص295 ح12، وسائل الشيعة: ج1 ص57 ح119، بحار الأنوار: ج69 ص289 ح12.
() سورة الفرقان: 72.
() سورة مريم: 54.
() بحار الأنوار: ج69 ص261 ح34، الخصال: ج1 ص254 ح129.
() الكافي: ج5 ص132 ح1، التهذيب: ج6 ص350 ح109، بحار الأنوار: ج71 ص70 ح46، الخصال: ج1 ص123 ح118.
() مستدرك الوسائل: ج11 ص316 ح13139، بحار الأنوار: ج72 ص26
ح10، الخصال: ج1 ص13 ح90.
() بحار الأنوار: ج67 ص1 ح2، الخصال: ج1 ص208 ح29.
() بحار الأنوار: ج66 ص375 ح22، الأمالي للطوسي: ص229 ح403.
() الكافي: ج2 ص343 ح2، مستدرك الوسائل: ج9 ص96 ح10326.
() وسائل الشيعة: ج12 ص256 ح16241، بحار الأنوار: ج72 ص203 ح3، مشكاة الأنوار: ص174.
() الكافي: ج2 ص343 ح3، وسائل الشيعة: ج12 ص258 ح16244.
() سورة الأنعام: 152.
() سورة النساء: 135.
() سورة المائدة: 8.
() سورة الأعراف: 29.
() سورة الشوري: 15.
() سورة الحجرات: 9.
() سورة الحديد: 25.
() وسائل الشيعة: ج15 ص285 ح20532، بحار الأنوار: ج72 ص27 ح13، الأمالي للمفيد: ص317 ح1.
() بحار الأنوار: ج72 ص31 ح24، الكافي: ج2 ص144 ح3.
() معاني الأخبار: ص366، من لا يحضره الفقيه: ج4 ص407 ح5882.
() بحار الأنوار: ج72 ص28 ح17، المحاسن: ج1 ص28 ح11، وسائل الشيعة: ج15 ص286 ح20534.
() سورة يونس: 13.
() سورة الشعراء: 227.
() سورة الفرقان: 37.
() سورة المائدة: 51.
() بحار الأنوار: ج70 ص303 ح16، وسائل الشيعة: ج9 ص42 ح11478.
() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص406 ح5880، بحار الأنوار: ج72 ص309 ح3، الأمالي للصدوق: ص320 ح8.
() وسائل الشيعة: ج7 ص130 ح8922، بحار الأنوار: ج72 ص310 ح11، الأمالي للطوسي: ص310 المجلس11 ح628.
() ديوان أمير المؤمنين عليه السلام: ص406.
() وسائل الشيعة: ج16 ص50 ح20955، بحار الأنوار: ج72 ص329 ح60، الأمالي للطوسي: ص405 ح908.
() سورة النساء: 9.
() مستدرك الوسائل: ج12 ص98 ح13625، تفسير العياشي: ج1 ص223 ح37.
() سورة الحجرات: 12.
() الكافي: ج2 ص356 ح1، وسائل الشيعة: ج12 ص280 ح16306، بحار الأنوار: ج72 ص220 ح1، كشف الريبة: ص10.
() وسائل الشيعة: ج12 ص283 ح16315، الأمالي للصدوق: ص209 ح9، مجموعة ورّام: ج2 ص164.
() سورة النور: 19.
() بحار الأنوار: ج72 ص248 ح14، الأمالي للصدوق: ص337 ح16، الكافي: ج2
ص357 ح2.
() سورة القلم: 10 11.
() بحار الأنوار: ج72 ص264 ح4، من لا يحضره الفقيه: ج4 ص3 ح4968.
() سورة الحجرات: 6.
() بحار الأنوار: ج47 ص168 ح9 وج72 ص263 ح3.
() وسائل الشيعة: ج12 ص18 ح15528، مستدرك الوسائل: ج8 ص450 ح9970.
() سورة آل عمران: 77.
() سورة الأنفال: 62 63.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص149 ح10517، بحار الأنوار: ج72 ص265 ح9.
() مستدرك الوسائل: ج18 ص214 ح22537، بحار الأنوار: ج72 ص266 ح14، قرب الإسناد: ص15.
() بحار الأنوار: ج72 ص270، كشف الريبة: ص45.
() سورة النساء: 112.
() سورة النور: 15 17.
() بحار الأنوار: ج72 ص194 ح5، جامع الأخبار: ص148.
() سورة النور: 19.
() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص15 ح4968.
() وسائل الشيعة: ج15 ص292 ح20547، الأمالي للطوسي: ص44 ح49.
() بحار الأنوار: ج72 ص214 ح8، معاني الأخبار: ص255 ح3.
() كما في الكافي: ج2 ص358 ح2?عن عبد الله بن سنان قال قلت له: عورة المؤمن علي المؤمن حرام، قال: نعم، قلت: تعني سُفْلَيهُ قال: ليس حيث تذهب إنّما هي إذاعة سرّه?.
() سورة التوبة: 79.
() سورة الحجرات: 11.
() بحار الأنوار: ج72 ص144 ح9.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص103 ح10352.
() سورة المؤمنون: 1 8.
() سورة الأحزاب: 72.
() بحار الأنوار: ج66 ص384 ح46، الأمالي للصدوق: ص295 ح8، مشكاة الأنوار: ص53، وسائل الشيعة: ج19 ص69 ح24172.
() بحار الأنوار: ج68 ص9 ح13، عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام: ج2 ص51 ح197.
() وسائل الشيعة: ج19 ص75 ح24188، بحار الأنوار: ج72 ص114 ح3، الأمالي للصدوق: ص246 ح6.
() بحار الأنوار: ج72 ص114 ح2، الأمالي للصدوق: ص245 ح5.
() مشكاة الأنوار: ص52، وسائل الشيعة: ج19 ص75 ح24187، مستدرك الوسائل: ج14 ص10 ح15954.
() بحار الأنوار: ج72 ص171 ح4.
() سورة الشوري: 36 38.
() سورة آل عمران: 159.
() من
لا يحضره الفقيه: ج4 ص388 ح5834، وسائل الشيعة: ج12 ص40 ح15589،بحار الأنوار: ج74 ص385 ح10، الأمالي للصدوق: ص446 ح9.
() بحار الأنوار: ج72 ص98 ح2، الخصال: ج2 ص434 ح20.
() بحار الأنوار: ج70 ص304 ح21، علل الشرائع: ج2 ص559 ح1.
() مصباح الكفعمي: ص393 الفصل الخامس والثلاثون.
() وسائل الشيعة: ج12 ص39 ح15582، بحار الأنوار: ج72 ص100 ح16، المحاسن: ج2 ص600 ح14، مكارم الأخلاق: ص319.
() وسائل الشيعة: ج12 ص39 ح15584، بحار الأنوار: ج13 ص357 ح62، المحاسن: ج2 ص601 ح16.
() وسائل الشيعة: ج12 ص42 ح15593، مستدرك الوسائل: ج8 ص343 ح9614، بحار الأنوار: ج72 ص101 ح21، الاختصاص: ص226.
() وسائل الشيعة: ج12 ص44 ح15599، بحار الأنوار: ج72 ص102 ح29، المحاسن: ج2 ص602 ح27.
() مستدرك الوسائل: ج11 ص295 ح13076، الاحتجاج: ج2 ص460.
() مستدرك الوسائل: ج11 ص297 ح13083، بحار الأنوار: ج72 ص120 ح7، الأمالي للطوسي: ص56 ح80.
تواضع تكن كالبدر لاح لناظر علي صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه علي طبقات الجو وهو وضيع
() وسائل الشيعة: ج15 ص376 ح20790، بحار الأنوار: ج72 ص120 ح11، ثواب الأعمال: ص176.
() مستدرك الوسائل: ج11 ص297 ح13082، بحار الأنوار: ج72 ص121 ح13، رجال الكشي: ص164 ح278.
() الصحيفة السجّادية: دعاء مكارم الأخلاق.
() الصحيفة السجّادية: دعاء مكارم الأخلاق.
() الصحيفة السجّادية: دعاء مكارم الأخلاق.
() الصحيفة السجّادية: دعاء مكارم الأخلاق.
() الصحيفة السجادية: دعاء مكارم الأخلاق.
() ألقيت هذه المحاضرة بتاريخ 9 جمادي الأولي 1424ه.
() سورة الأعلي: 17.
() بحار الأنوار: ج68 ص214.
() سورة الإنسان: 20.
() سورة النساء: 77.
() سورة الرحمن: 70.
() بحار الأنوار: ج8 ص140.
() شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج11 ص153.
() المرحوم آية الله العظمي السيد الميزرا مهدي الشيرازي رحمة الله عليه.
() سورة المؤمنون: 99-100.
() شرح نهج البلاغة: ج18 ص225.