مع الحرس والشرطة

اشارة

اسم الكتاب: مع الحرس والشرطة

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي للتحقيق و النشر

مكان الطبع: كربلاء

تاريخ الطبع: 1426 ق

الطبعة: اول

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ

الْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ

الرّحْمَنِ الرّحِيمِ

مالِكِ يَوْمِ الدّينِ

إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ

اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

صِرَاطَ الّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم

وَلاَ الضّآلّينَ

صدق الله العلي العظيم

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

تُشغل مسألة أمن الفرد والمجتمع الحيز الأكبر من تخطيط وتفكير الدول والشعوب، وقد أشبعت هذه المسألة بالدراسات والأطروحات العديدة للوصول للصيغة الأمثل في تأمين الأمن والاستقرار.

ونحن إذا نظرنا إلي أن استقرار الدول والشعوب قائم بالدرجة الأساس علي الأمن، نري حساسية هذه المسألة وخطورتها من ناحية، وأهميتها من ناحية أخري. والإسلام كنظام شمولي لم يغفل عن هذه المسألة الحساسة، بل أولاها عناية خاصة وأشعبها فكراً ورسم معالمها ووضع أسسها المتينة علي تقوي الله والإيمان، وجعلها من ضروريات الإدارة وحسن سيرة النظام الحاكم. فكانت الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة ووصايا أهل البيت عليهم السلام تشكل الجوهر الأساس لنظام أمن الفرد والمجتمع.

يقول الحق تبارك وتعالي: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً?()، وقال تعالي: ?وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْري لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذيً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضي أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً?().

فالآية الأولي تطلب من المؤمنين توخي اليقظة والحذر والاستعداد للأعداء والهجوم عليهم بعد التوكل علي الله والانقياد لأمره، حتي لا يفكروا بالاعتداء عليهم ومن ثم القضاء

عليهم.

أما الآية الثانية فهي تشير إلي إقامة الصلاة حتي لو كان المؤمنون بإزاء العدو مع أخذ الحيطة والحذر وعدم إلقاء السلاح، حتي لا يهجم العدو عليهم ويقضي عليهم.

إن الدول الحديثة الفقيرة منها والغنية تنفق المبالغ الطائلة والتي تصل أحياناً إلي أرقام خيالية من أجل تقوية الأجهزة الأمنية وتجهيزها باللوازم والمعدات علي حساب باقي برامجها وخططها، فقد زادت ميزانية الإنفاق العسكري لدي هذه الدول من أجل شراء الأسلحة والمعدات الحربية وغيرها، إذ بلغ إجمالي الإنفاق العالمي علي التسلح في عام 2003م حوالي 956 مليار دولار أمريكي بزيادة 11% عن عام 2002م، ومثَّل الإنفاق العسكري الأمريكي 9ر39% من نفقات التسلح العالمي.

إن كل هذه المبالغ تصرف في كثير من الأحيان وربما أكثرها من أجل حفظ أمن الأنظمة الحاكمة فقط من أعداء وهميين يضخمون من قبل دوائر المخابرات! في الوقت الذي لم تصرف عُشر هذه الأرقام من أجل بناء الفرد والمجتمع بناءً قويماً وصحيحاً علي أساس من الإيمان والأخلاق والتقدم، وحمايتهما من عوامل الهدم والفساد كالدعارة، والخمور، والمخدرات، والإيدز، والسرقة وغيرها وهي كثيرة، فيكون الفرد في المجتمع أسير المؤامرات والمخططات التي تحيكها دوائر المخابرات.

إن الإسلام دعا أولاً إلي بناء الذات الإنسانية بناءً سليماً يقوم علي الأخلاق والتقوي، والفضيلة والخير، ومن ثم بناء المجتمع الإنساني ثانياً. فنبذ العنف وحرّمه بجميع مصاديقه، ولعن الآمر به والقائم عليه والراضي به، ودعا إلي السلام وحبّبه إلي النفوس؛ لأن (السلام) اسم من أسماء الله الحسني، والله أمرنا أن ندعوه بأسمائه الحسني، يقول سبحانه: ?وَلِلَّهِ الأَْسْماءُ الْحُسْني فَادْعُوهُ بِها?().

فهو تبارك وتعالي (السلام) ومنه (السلام)، وإليه يعود (السلام)()، وهو يدعو إلي (دار السلام)، يقول تعالي:

?وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلي دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلي صِراطٍ

مُسْتَقِيمٍ?()، وهكذا..

لأن الإسلام

هو دين السلام والمحبة، ويؤثر السلام والتعايش السلمي علي الحرب والقتال والعداء بكل وسيلة ممكنة، ولذا تري الإسلام لا يترك وسيلة تقرب من السلام، إلا أمر بها واستعملها لإنهاء حالة الحرب والقتال لينعم الفرد والمجتمع بالأمن والأمان، والراحة والاستقرار.

وفي هذا الكتاب (مع الحرس والشرطة) () للمرجع الديني الراحل آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلي الله مقامه) يلمس القارئ توجيهات سماحته إلي الحرس والشرطة المكلفين بحماية أمن الفرد والمجتمع، وهو يذكّرهم بالله والموت وبناء النفس ومساعدة الناس وغيرها من المواضيع التي تهم رجال الشرطة والحرس في هذا الوقت العصيب الذي تمر به الأمة الإسلامية، فهو دعوة لبناء قواعد أمنية متينة علي أسس الإيمان والتقوي.

ومؤسسة المجتبي إذ يسرها نشر وطبع الكتاب، تسأل من الله العلي القدير أن يساهم هذا الكتاب في بناء النخبة الواعية والمسئولة من قوات الحرس والشرطة في بلدنا الحبيب، العراق الجريح الذي عاني ما عاني في الفترة البائدة من ظلم وقسوة من مثل هذه القوات وأسيادها، كما تسأله تعالي أن يمنَّ علي الإمام الراحل بالمغفرة والرضوان، إنه سميع مجيب.

والحمد لله رب العالمين.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

العراق / كربلاء المقدسة

1426ه 2005م

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

الاستخلاف في الأرض

قال تعالي: ?وَنُرِيدُ أَنْ نَّمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ عليهم السلام وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُوا

يَحْذَرُونَ?(). صدق الله العلي العظيم.

في الآيتين المباركتين يشير الباري عزوجل إلي سنة كونية جعلها تبارك وتعالي: وهي (أنه يرفع المستضعفين دائماً، ويضع المستكبرين كذلك) وهذه سنة الحياة، فإن للحق دولة() وللباطل جولة()، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.

ومن الواضح أن هذه هي سنة الحياة

ولا تتخلف في مصداق دون مصداق، فإذا انقلب المستضعف مستكبرا كان مصيره الذل والهوان.

من هنا يلزم علي المستضعف بعد أن منَّ الله عليه ورفعه أن لا يتحول شيئا فشيئاً الي مستكبر لا سمح الله ولا ينحرف عن سبيل الله، ولا يأخذ بالسير في سبيل الطاغوت والراحة والرفاه علي حساب الآخرين دون خدمة الناس، فعندئذ تتجلي هذه الرواية: ?ويهلك ملوكاً ويستخلف آخرين?().

ونأمل أن لا يحدث ذلك بكم وقد من الله عليكم بالخلاص من الطاغوت().

ضمان عدم الطغيان

ومما يضمن عدم الانقلاب إلي الاستكبار والطغيان، الأمور الأربعة التالية():

وهي: ذكر الله، وذكر الموت، والمزيد من الثقافة والوعي، وخدمة الناس.

من هنا يلزم علي كل من تَسلّم زمام الأمور من القيادة العليا فما دونها، وكذلك الشرطة والحرس أن لا تغيب عنهم هذه الأمور:

1 ذكر الله دائماً

1 ذكر الله دائماً

الأول: الله تعالي، فعلي الكل وخاصة من يعمل في الدولة، ومنهم الشرطة والحرس أن يتذكروا الله دائماً، قال تعالي: ?هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ?()، ففي أي مكان كان الإنسان، في الدائرة، في السيارة، في وسط الناس، في الحسينية، في الدكان، في المنزل، في مقرات الحرس والشرطة، عند التصدي وأداء الواجب، فإن الله معه، وينظر إليه، ويحاسبه في يوم القيامة أشد الحساب.

نظرك، سمعك، يدك، رجلك، وحتي النفس التي تتنفسها، فإنك محاسب عليها، بل حتي ما يخطر ببال الشخص وفكره، سواء كان فكراً حسناً أم سيئاً، فإنه محاسب عليه، نعم قد لا يُعاقب علي الفكرة ولكنه يُحاسب عليها.

شدة الحساب في يوم القيامة

توفي أحد علماء كربلاء المقدسة، فرأوه في المنام بعد سنتين من وفاته، فقالوا له: كيف أنت؟.

قال: نجوت بحمد الله تعالي، ولكن الله قد حاسبني حساباً عسيراً، حتي أنه في أحد الأيام كانوا يعبرون بحمل حطب في الشارع، فسقط بعض العود من الحمل، فأخذت ذلك العود لأتخلل به، فحوسبت عليه: لماذا أخذت ذلك العود من حمل الناس؟

إلي هذه الدرجة يكون الحساب دقيقاً وعسيراً في يوم القيامة.

فكل كلمة ينطق بها الشخص فإنه محاسب عليها، وكل كلام يصغي إليه فإنه محاسب عليه، بل كل حركة يقوم بها يحاسب عليها.

فالله، الله.. بذكر الله.

لا تنسوا ذكر الله أبداً، وفي كل الأحوال.

لقّنوا أنفسكم عند صباح كل يوم: الله، الله، الله.

وكذلك عند المساء: الله، الله، الله.

واعلموا بأن الإنسان الذي مع الله، فإن الله معه.

لقد شاهدتم بأنفسكم كيف أسقط الله الطغاة في إيران()؛ لأنهم لم يكونوا مع الله، فلم يكن الله معهم.

وكيف أن الله قد ملَّك القدرات الضعيفة؛ والمستضعفين من الناس، لأن الله كان معها.

فالذي يكون مع الله ينتصر ويرتفع، والذي لم يكن مع الله يزول ويخسر.

فالأمر

الأول: هو ذكر الله دائماً، في كل حال وفي كل مكان، في الشارع وفي السوق، في الدكان وفي المدرسة، في مقر العمل، في أثناء الدوام، في الكلام والخطابة، في المحراب والمنزل، وفي كل مكان ومكان، لا يغيب ذكر الله عنكم.

آيات وروايات في ذكر الله

قال تعالي: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ?().

وقال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً

كَثِيراً?().

وقال جل جلاله: ?الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ?().

وقال تعالي: ?فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ?().

وعن السكوني، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليه السلام، قال:

?أوحي الله تبارك وتعالي إلي موسي عليه السلام: لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع ذكري علي كل حال؛ فإن كثرة المال تنسي الذنوب، وترك ذكري يقسي القلوب?().

وعن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: ?يا علي، سيد الأعمال ثلاث خصال: إنصافك من نفسك، ومواساة الأخ في الله، وذكر الله تبارك وتعالي علي كل حال?().

وفيما أوصي به رسول الله صلي الله عليه و اله علياً عليه السلام قال: ?يا علي، ثلاث لا تطيقها هذه الأمة: المواساة للأخ في ماله، وإنصاف الناس من نفسه، وذكر الله علي كل حال، وليس هو: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولكن إذا ورد علي ما يحرم عليه خاف الله عزوجل عنده وتركه?().

وعن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ?إن في التوراة مكتوباً: يا ابن آدم، اذكرني حين تغضب، أذكرك عند غضبي، فلا أمحقك فيمن أمحق، وإذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك؛ فإن انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك?().

وعن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي

الباقر عليه السلام، قال: ?لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله عزوجل، قائماً كان أو جالساً أو مضطجعاً، إن الله تعالي يقول: ?الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلي جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ?()?().

امرأة من بني إسرائيل

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?خرجت امرأة بغي علي شباب من بني إسرائيل فافتتنتهم، فقال بعضهم: لو كان العابد فلاناً رآها فتنته، وسمعت مقالتهم. فقالت: والله لا أنصرف إلي منزلي حتي أفتتنه، فمضت نحوه في الليل فدقت عليه، فقالت: آوي عندك. فأبي عليها، فقالت: إن بعض شباب بني إسرائيل راودني عن نفسي؛ فإن أدخلتني وإلا لحقوني وفضحوني.

فلما سمع مقالتها فتح لها، فلما دخلت عليه رمت بثيابها، فلما رأي جمالها وهيئتها وقعت في نفسه، فضرب يده عليها ثم رجعت إليه نفسه، وقد كان يوقد تحت قدر له، فأقبل حتي وضع يده علي النار.

فقالت: أي شي ء تصنع؟.

فقال: أحرقها؛ لأنها عملت العمل.

فخرجت حتي أتت جماعة من بني إسرائيل، فقالت: الحقوا فلاناً فقد وضع يده في النار.

فأقبلوا فلحقوه وقد احترقت يده?().

هكذا يكون ذكر الله سببا للتوبة وللردع عن الحرام.

من بركات ذكر الله دائما

قال الإمام الصادق عليه السلام: ?إن النبي صلي الله عليه و اله صلي علي سعد بن معاذ، وقال: لقد وافي من الملائكة للصلاة عليه تسعون ألف ملك، وفيهم جبرئيل يصلون عليه. فقلت: يا جبرئيل، بما استحق صلاتكم عليه؟. قال: يقرأ ?قل هو الله أحد? قائماً وقاعداً، وراكباً وماشياً، وذاهباً وجائياً?().

ومن يتق الله يجعل له مخرجا

عن أمير المؤمنين عليه السلام: ?إن ثلاثة نفر كانوا يمشون في صحراء إلي جبل، فأخذتهم السماء فألجأتهم إلي غار كانوا يعرفون، فدخلوه يتوقون به من المطر، وكان فوق الغار صخرة عظيمة تحتها مدرة هي راكبتها، فابتلت المدرة فتدحرجت الصخرة، فصارت في باب الغار فسدت وأظلمت عليهم المكان.

وقال بعضهم لبعض: قد عفا الأثر ودرس الخبر، ولا يعلم بنا أهلونا، ولو علموا ما أغنوا عنا شيئاً؛ لأنه لا طاقة للآدميين بقلب هذه الصخرة عن هذا الموضع، هذا والله قبرنا الذي فيه نموت ومنه نحشر.

ثم قال بعضهم لبعض: أوليس موسي بن عمران ومن بعده من الأنبياء عليهم السلام أمروا أنه إذا دهمتنا داهية أن ندعو الله بمحمد صلي الله عليه و اله وآله الطيبين عليهم السلام؟.

قالوا: بلي.

قالوا: فلا نعرف داهية أعظم من هذه.

فقالوا: ندعو الله بمحمد وآله الطيبين، ويذكر كل واحد منا حسنة من حسناته التي أراد الله بها، فلعل الله أن يفرج عنا.

فقال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم أني كنت رجلاً كثير المال حسن الحال، أبني القصور والمساكن والدور، وكان لي أجراء، وكان فيهم رجل يعمل عمل رجلين، فلما كان عند المساء عرضت عليه أجرة واحدة فامتنع. وقال: إنما عملت عمل رجلين، فأنا أبغي أجرة رجلين. فقلت له: إنما شرطت عليك عمل رجل، والثاني فأنت به متطوع لا أجرة لك. فذهب وسخط ذلك وتركه عليَّ، فاشتريت بتلك

الأجرة حنطة، فبذرتها فزكت ونمت، ثم أعدت بعد ما ارتفع من الأرض، فعظم زكاؤها ونماؤها، ثم أعدت بعد مرتفع من الثاني في الأرض، فعظم الزكاء والنماء، ثم ما زالت هكذا حتي عقدت به الضياع والقصور، والقري والدور، والمنازل والمساكن، وقطعان الإبل والغنم، وصوار العنز والدواب، والأثاث والأمتعة، والعبيد والإماء، والفراش والآلات، والنعم الجليلة، والدراهم والدنانير الكثيرة، فلما كان بعد سنين مر بي الأجير، وقد ساءت حاله وتضعضعت، واستولي عليه الفقر وضعف بصره. فقال لي: يا عبد الله، أما تعرفني أنا أجيرك الذي سخطت أجرة واحدة ذلك اليوم، وتركتها لغنائي عنها، وأنا اليوم فقير، وقد رضيت بها فأعطنيها. فقلت له: دونك هذا الضياع، والقري والدور، والقصور والمساكن، وقطعان الإبل والبقر والغنم، وصوار العنز والدواب، والأثاث والأمتعة، والعبيد والإماء، والفراش والآلات، والنعم الجليلة، والدراهم والدنانير الكثيرة، فتناولها إليك أجمع، مباركة لك فهي لك. فبكي وقال: يا عبد الله، سوفت حقي ثم الآن تهزأ بي. فقلت: ما أهزأ بك وما أنا إلا جاد مجد، فهذه كلها نتائج أجرتك تلك تولدت عنها، فالأصل كان لك فهذه الفروع كلها تابعة للأصل فهي لك، فسلمتها أجمع.

اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت هذا رجاء ثوابك، وخوف عقابك، فافرج عنا بمحمد الأفضل الأكرم، سيد الأولين والآخرين، الذي شرفته بآله أفضل آل النبيين، وأصحابه أكرم أصحاب المرسلين، وأمته خير الأمم أجمعين.

قال عليه السلام: فزال ثلث الحجر، ودخل عليهم الضوء.

وقال الثاني: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي بقرة أحتلبها، ثم أروح بلبنها علي أمي، ثم أروح بسؤرها علي أهلي وولدي، فأخرني عائق ذات ليلة، فصادفت أمي نائمة، فوقفت عند رأسها لتنتبه لا أنتبهها من طيب وسادها، وأهلي وولدي يتضاغون من الجوع والعطش، فما

زلت واقفاً لا أحفل بأهلي وولدي، حتي انتبهت هي من ذات نفسها، وسقيتها حتي رويت، ثم عطفت بسؤرها علي أهلي وولدي.

اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء ثوابك وخوف عقابك، فافرج عنا بحق محمد الأفضل الأكرم، سيد الأولين والآخرين، الذي شرفته بآله أفضل آل النبيين، وأصحابه أكرم صحابة المرسلين، وأمته خير الأمم أجمعين.

قال عليه السلام: فزال ثلث آخر من الحجر، وقوي طمعهم في النجاة.

وقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أني هويتُ امرأة في بني إسرائيل فراودتها عن نفسها، فأبت عليَّ إلا بمائة دينار ولم أكن أملك شيئاً، فما زلت أسلك براً وبحراً، وسهلاً وجبلاً، وأباشر الأخطار، وأسلك الفيافي والقفار، وأتعرض للمهالك والمتالف، أربع سنين حتي جمعتها وأعطيتها إياها، وأمكنتني من نفسها، فلما قعدت منها مقعد الرجل من أهله، ارتعدت فرائصها، وقالت لي: يا عبد الله، إني جارية عذراء فلا تفض خاتم الله إلا بأمر الله عزوجل، وإنما حملني علي أن أمكنك من نفسي الحاجة

والشدة.

فقمت عنها وتركتها وتركت المائة الدينار عليها، اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء ثوابك وخوف عقابك، فافرج عنا بحق محمد الأفضل الأكرم، سيد الأولين والآخرين، الذي شرفته بآله أفضل آل النبيين، وأصحابه أكرم أصحاب المرسلين، وأمته خير الأمم أجمعين.

قال: فزال الحجر كله وتدحرج، وهو ينادي بصوت فصيح بين يعقلونه ويفهمونه: بحسن نياتكم نجوتم، وبمحمد الأفضل الأكرم، سيد الأولين والآخرين، المخصوص بآله أفضل آل النبيين، وبخير أمته سعدتم ونلتم أفضل الدرجات?().

2: ذكر الموت

2: ذكر الموت

الأمر الثاني: ذكر الموت دائماً، إذا أردنا أن نعرف من هو أذكي الناس، فهل هو الذي يملك مالاً كثيرا؟. أم صاحب العلم الكثير؟. أم الخطيب الذي يجلس تحت منبره آلاف الناس؟.

ليس هؤلاء بأذكي الناس، بل الأذكي ما

عرّفه لنا رسول الله صلي الله عليه و اله حيث قال: ?إن أكيس الناس من كان أشد ذكراً للموت?().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أكثروا من ذكر هادم اللذات?.

فقيل: يا رسول الله، وما هادم اللذات؟.

قال صلي الله عليه و اله: ?الموت؛ فإن أكيس المؤمنين أكثرهم ذكراً للموت، وأحسنهم للموت استعداداً?().

علينا أن لا نغفل عن الموت أبداً، ففي يوم ما كل واحد منا يموت، وكلنا نصبح تحت الأرض، فلا تبقي أنت، ولا أبقي أنا، ولا يبقي أحد ممن يعرفنا أو يقربنا.

فيلزم علي الإنسان أن يفكر بالموت في كل يوم..

ويعلم بأنه سيموت، ويتذكر ذلك في كل عمل يقوم به.

سُئل رسول الله صلي الله عليه و اله: كم مرة يلزم علي الإنسان أن يتذكر الموت في اليوم؟. قال النبي صلي الله عليه و اله: لا أقل ثلاثين مرة.

وسأله بعضهم فقال: يا رسول الله، هل يحشر مع الشهداء أحد؟.

قال: ?نعم، من يذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرة?().

وهذا يعني: أن يتذكر الإنسان الموت من الصباح إلي الليل، ومن الليل إلي الصباح: عند ما ينهض من النوم صباحا يتذكر أنه يموت، وكذلك عند ما يصلي، وعند ما يخرج من البيت، وعندما يذهب الي السوق، وعند ما يكون في الوظيفة، وعند ما يخرج للواجب، وعندما، وعندما.. إلي عشرين مرة أو ثلاثين أو أكثر، عند ذلك يمكنه أن يكون في الخط الصحيح، المرضي عند الله عزوجل.

والإنسان الذي هو دائماً في ذكر الله سبحانه، ولا ينسي الموت، يكون من الذين لا يقدر عليهم الشيطان عادة.

قال تعالي: ?كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ?().

وقال سبحانه: ?كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ

عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ?().

وعن أبي عبيدة الحذاء، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: حدثني بما أنتفع به؟. فقال: ?يا أبا عبيدة، أكثر ذكر الموت؛ فإنه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلا زهد في الدنيا?().

وعن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?من أكثر ذكر الموت أحبه الله?().

وعن أبي بصير قال: شكوت إلي أبي عبد الله عليه السلام الوسواس. فقال: ?يا أبا محمد، اذكر تقطع أوصالك في قبرك، ورجوع أحبائك عنك إذا دفنوك في حفرتك، وخروج بنات الماء من منخريك، وأكل الدود لحمك؛ فإن ذلك يسلي عنك ما أنت فيه?.

قال أبو بصير: فو الله ما ذكرته إلا سلا عني ما أنا فيه من هم الدنيا ().

وعن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام قال: ?رأي الصادق عليه السلام رجلاً قد اشتد جزعه علي ولده، فقال: يا هذا جزعت للمصيبة الصغري وغفلت عن المصيبة الكبري، لو كنت لما صار إليه ولدك مستعداً لما اشتد عليه جزعك، فمصابك بتركك الاستعداد له أعظم من مصابك بولدك?().

وفي كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلي محمد بن أبي بكر وأهل مصر، قال: ?وأكثروا ذكر الموت عندما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات وكفي بالموت واعظاً، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله كثيراً ما يوصي أصحابه بذكر الموت، فيقول: أكثروا ذكر الموت؛ فإنه هادم اللذات، حائل بينكم وبين الشهوات?().

إخلاص العبودية

ومن ثمار ذكر الله دائما وذكر الموت دائماً هو الحصول علي درجة الإخلاص، ومن أخلص لله العبودية، فإنه يصل إلي مراحل عالية تفوق درجات الملائكة.

يذكر أن سفينة قد أشرفت علي الغرق في البحر، فكان كل واحد من

أهلها مضطرباً بين باك ومتضرع وداع، إلا عبداً أسود ذا شفاه غليظة، فقد جلس لا يقول شيئاً، فقالوا له: يا عبد الله، لم لا تقول شيئاً؟.

ولما كرروا عليه القول، رفع رأسه نحو السماء، وقال: إلهي إذا عملت بشرطك فاعمل أنت بشرطي أيضاً.

وإذا بالسفينة استقرت، وأخذت تسير بكل هدوء في الماء، فأقبلوا نحوه، وقالوا له: من أنت؟.

قال: أنا عبد أسود، عاهدت الله علي أن أسمع كلامه وفي المقابل أن يستجيب لي ويسمع كلامي أيضا، وقد سمعت كلام الله إلي الآن، ثم عندما خاطبت الله قائلا: إلهي اسمع كلامي واستجب لي، سمع كلامي واستجاب دعائي.

إذن كونوا مع الله دائماً. ولا تغفلوا عن ذكر الموت.

هذان موضوعان يلزم علي كل إنسان أن يتحلي بهما، وخاصة من كان في سلك الشرطة والحرس وما أشبه.

قال سبحانه: ?بَلي مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ?().

وقال جل جلاله: ?قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ عليهم السلام لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ?().

وقال تعالي: ?فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً?().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?يا أيها الناس، إنما هو الله والشيطان، والحق والباطل، والهدي والضلالة، والرشد والغي، والعاجلة والآجلة، والعاقبة والحسنات والسيئات، فما كان من حسنات فلله، وما كان من سيئات فللشيطان لعنه الله?().

وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام: أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: ?طوبي لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشغل قلبه بما تري عيناه، ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه، ولم يحزن صدره بما أعطي غيره?().

وعن السندي، عن أبي

جعفر عليه السلام قال: ?ما أخلص عبد الإيمان بالله أربعين يوماً أو قال: ما أجمل عبد ذكر الله أربعين يوماً إلا زهده الله في الدنيا، وبصّره داءها ودواءها، وأثبت الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، ثم تلا:

?إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ?()، فلا تري صاحب بدعة إلا ذليلاً، أو مفترياً علي الله عزوجل وعلي رسوله وأهل بيته عليهم السلام إلا ذليلاً?().

وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام، في حديث: ?وبالإخلاص يكون الخلاص?().

وعن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: ?الإبقاء علي العمل حتي يخلص أشد من العمل، والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل?().

3: الثقافة الإسلامية

3: الثقافة الإسلامية

الأمر الثالث مما يلزم الاهتمام به: الثقافة الإسلامية، فهناك الكثير من الأعداء الذين يتربصون بالأمة ويريدون تغيير ثقافتها لإزالة هذا النظام، فإننا اليوم بحاجة أكثر إلي الإعلام والتبليغ، للدفاع عن أنفسنا وعن أمتنا المظلومة.

وعلي أقل التقادير يلزم توزيع عشرات الملايين من الكتب التوعوية في شتي المجالات علي شعوبنا وعلي الأمة الإسلامية فرداً فرداً، حتي تكون حصة كل واحد من أفراد الأمة كتاباً واحداً. فإذا كان تعداد النفوس أربعين مليوناً يلزم طباعة أربعين مليون كتاب، حول نبي الإسلام صلي الله عليه و اله، وحول أمير المؤمنين عليه السلام، وحول فاطمة الزهراء عليها السلام، وحول الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام، وسائر الأئمة الطاهرين عليهم السلام، وكذلك حول الثقافة الإسلامية، والسياسة الإسلامية، والاقتصاد الإسلامي، وعلم الاجتماع في الإسلام، و …

ثورة الإمام الحسن عليه السلام

فإن هناك شبهات عديدة ينبغي التصدي لها، فربما يسمع الإنسان من البعض بأن الإمام الحسن عليه السلام لم يكن ثورياً علي سبيل المثال يريدون بذلك أن يثبطوا من عزم الأمة.

ولكن هذا الكلام كذب محض، وقد تناولنا الموضوع في كتاب تحت عنوان: (ثورة الإمام الحسن عليه السلام)().

إن الإمام الحسن عليه السلام كان ثورياً أكثر من الإمام الحسين عليه السلام إن صح التعبير علي تفصيل ذكرناه في الكتاب المذكور.

إذن يلزم نشر ثقافة الإسلام والقرآن وسيرة الرسول صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام في أوساط الأمة، وخاصة بين الشرطة والحرس حتي يكونوا علي بصيرة وثقافة إسلامية عالية.

نحن وأهل البيت عليه السلام

نحن بحمد الله تعالي من أتباع رسول الله صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وكذلك الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، والإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام، والإمام زين العابدين، والإمام الباقر، والإمام الصادق، والإمام الكاظم، والإمام الرضا، والإمام الجواد، والإمام الهادي، والإمام العسكري، والإمام المهدي المنتظر (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

فعلينا أن لا نحيد عن طريقهم وهديهم ولو بقدر شعرة، فإن في مخالفتهم الضلال والنار، وفي التمسك بهم والسير علي نهجهم السعادة والفوز بالجنة والرضوان.

وباتباع أهل البيت عليهم السلام يمكننا أن نهدي العالم إلي الصراط المستقيم، حتي يكون العالم تحت لواء هؤلاء الطاهرين. وهذا اليوم قريب جداً إن شاء الله تعالي.

إذن الأمر الثالث هو نشر الثقافة الإسلامية، فينبغي أن يسعي كل واحد منا بالسعي الحثيث من أجل نشر الثقافة الإسلامية الصحيحة وهي تعاليم القرآن والعترة، في كافة المدن وبين جميع الناس، وهذه مسؤولية ملقاة علي عاتقكم وعاتقنا.

قال سبحانه: ?وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ

كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الأَْلْبابِ?().

وقال جل جلاله: ?شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ?().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?طلب العلم فريضة علي كل مسلم، ألا إن الله يحب بغاة العلم?().

وعن أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: ?أيها الناس، اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسوم مضمون لكم، قد قسمه عادل بينكم وضمنه وسيفي لكم، والعلم مخزون عند أهله، وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه?().

وعن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

?عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا أعراباً؛ فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة، ولم يزك له عملاً?().

وعن ابن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: ?دخل رسول الله صلي الله عليه و اله المسجد، فإذا جماعة قد أطافوا برجل، فقال: ما هذا؟. فقيل: علاّمة. قال: وما العلاّمة؟. قالوا: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها، وأيام الجاهلية، وبالأشعار والعربية. فقال النبي صلي الله عليه و اله: ذاك علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه?().

وعن أبي البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ?العلماء ورثة الأنبياء، وذلك أن العلماء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا أحاديث من أحاديثهِم، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً، فانظروا علمكم عمن تأخذونه؛ فإن فينا أهل البيت عليهم السلام في كل خلف عدولاً

ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين?().

4: خدمة الناس ومساعدة الفقراء

4: خدمة الناس ومساعدة الفقراء

الأمر الرابع مما يلزم الاهتمام به: خدمة الناس وقضاء حوائجهم، ومساعدة الفقراء والمستضعفين، فلا تقولوا: لا نملك شيئاً، وإن راتبنا الشهري قليل ولا يكفينا، بل علي الإنسان أن يجعل حصة في أمواله للسائل والمحروم كما قال تعالي: ?وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ عليهم السلام لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ?().

فإذا كان يملك ألفاً ودفع مثلاً مائة منه في سبيل الله، فهذا (الإنفاق)، وإذا تصدق بنصفه تسمي هذه (المواساة) وهي من مكارم أخلاق المؤمنين، وإذا دفع تسعمائة وأبقي لنفسه مائة فقط، فهذا هو (الإيثار) وهو من أخلاق المخلصين، أما إذا لم يبق لنفسه شيئاً فهي الدرجة العالية من الإيثار، كما قال عزوجل:

?وَيُؤْثِرُونَ عَلَي أَنْفُسِهِمْ?().

يعني إذا ملكتَ قرصاً واحداً من الخبز وكنتَ جائعاً، وإذا بفقير سألك هذا القرص، فعند ما تتصدق به وتقدّمه علي نفسك فإنه الإيثار بعينه، والأئمة الطاهرون عليهم السلام هم خير أسوة في كل هذه الفضائل، حتي نزلت في حقهم السور والآيات القرآنية العديدة، كما ورد في شأن نزول سورة الدهر المباركة:

روي الشيخ الصدوق رحمة الله عليه في أماليه عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام في قوله عزَّوجل: ?يُوفُونَ بِالنَّذْرِ?():

قال: مرض الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيان صغيران، فعادهما رسول الله صلي الله عليه و اله مع بعض أصحابه، فقيل: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذراً إن الله عافاهما.

فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراً لله عزَّوجل.

وكذلك قالت فاطمة عليها السلام.

وقال الصبيان: ونحن أيضاً نصوم ثلاثة أيام.

وكذلك قالت جاريتهم فضة.

فألبسهما الله عافيته، فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام، فانطلق علي عليه السلام إلي جار له من اليهود يقال له: شمعون، يعالج الصوف، فقال: هل لك أن تعطيني جزة

من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع() من شعير؟.

قال: نعم، فأعطاه، فجاء عليه السلام بالصوف والشعير، وأخبر فاطمة عليها السلام فقبلت وأطاعت.

ثم عمدت فغزلت ثُلث الصوف، ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمس أقراص، لكل واحد قرصاً. وصلي علي عليه السلام مع النبي صلي الله عليه و اله المغرب، ثم أتي منزله، فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا مسكين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله علي موائد الجنة. فوضع عليه السلام اللقمة من يده ثم قال:

فاطم ذات المجد واليقين يا بنت خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين

جاء إلي الباب له حنين

يشكو إلي الله ويستكين

يشكو إلينا جائعاً حزين

كل امرئ بكسبه رهين

من يفعل الخير يقف سمين

موعده في جنة رهين

حرمها الله علي الضنين

وصاحب البخل يقف حزين

تهوي به النار إلي سجين

شرابه الحميم والغسلين

فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول:

أمرك سمع يا بن عم وطاعة ما بيَ من لؤم ولا وضاعة ()

غذيت باللب وبالبراعة

أرجو إذا أشبعت من مجاعة

أن ألحق الأخيار والجماعة

وأدخل الجنة في شفاعة

وعمدت عليها السلام إلي ما كان علي الخوان فدفعته إلي المسكين، وباتوا جياعاً وأصبحوا صياماً لم يذوقوا إلا الماء القراح.

ثم عمدت عليها السلام إلي الثلث الثاني من الصوف فغزلته، ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقرصة لكل واحد قرصاً..

وصلّي علي عليه السلام المغرب مع النبي صلي الله عليه و اله.. ثم أتي منزله، فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا يتيم من يتامي المسلمين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا

يتيم من يتامي المسلمين أطعموني مما تأكلون، أطعمكم الله علي موائد الجنة.

فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده ثم قال:

فاطم بنت السيد الكريم بنت نبي ليس بالزنيم

قد جاءنا الله بذا اليتيم

من يرحم اليوم هو الرحيم

موعده في جنة النعيم

حرمها الله علي اللئيم

وصاحب البخل يقف ذميم

تهوي به النار إلي الجحيم

شرابها الصديد والحميم

فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول:

فسوف أعطيه ولا أبالي و أؤثر الله علي عيالي

أمسوا جياعاً وهم أشبالي

أصغرهم يقتل في القتال

بكربلا يقتل باغتيال

لقاتليه الويل مع وبال

يهوي به النار إلي سفال

كبوله زادت علي الأكبال

ثم عمدت عليها السلام فأعطته جميع ما علي الخوان، وباتوا جياعاً لم يذوقوا إلا الماء القراح()، وأصبحوا صياماً.

وعمدت فاطمة عليها السلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف، وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصاً.

وصلّي علي عليه السلام المغرب مع النبي صلي الله عليه و اله.. ثم أتي منزله، فقرب إليه الخوان وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا أسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا؟.

فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده ثم قال:

فاطم يا بنت النبي أحمد بنت النبي سيد مسود

قد جاءكِ الأسير ليس يهتدي

مكبلا في غله مقيد

يشكو إلينا الجوع قد تقدد

من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلي الواحد الموحد

ما يزرع الزارع سوف يحصد

فاعطن() لا تجعليه ينكد

فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول:

لم يبق مما كان غير صاع قد دبرت كفي مع الذراع

شبلاي والله هما جياع

يا رب لا تتركهما ضياع ()

أبوهما للخير ذو اصطناع

عبل الذراعين طويل الباع ()

وما علي رأسي من قناع

إلا عباً نسجتها بصاع

وعمدوا إلي ما كان علي الخوان فآتوه() وباتوا جياعاً، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء.

قال شعيب في

حديثه: وأقبل علي عليه السلام بالحسن والحسين عليهما السلام نحو رسول الله صلي الله عليه و اله وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر بهم النبي صلي الله عليه و اله قال: يا أبا الحسن شد ما يسوؤني ما أري بكم، انطلق إلي ابنتي فاطمة عليها السلام.

فانطلقوا إليها عليها السلام وهي في محرابها، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها ()، فلما رآها رسول الله صلي الله عليه و اله ضمها إليه وقال: واغوثاه بالله، أنتم منذ ثلاث فيما أري.

فهبط جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك.

قال: وما آخذ يا جبرائيل؟.

قال: ?هَلْ أَتَي عَلَي الإِنْسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ? حتي إذا بلغ ?إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَّشْكُوراً?().

فوثب النبي صلي الله عليه و اله حتي دخل منزل فاطمة عليها السلام فرأي ما بهم، فجمعهم ثم انكب عليهم يبكي ويقول: أنتم منذ ثلاث فيما أري..

فهبط عليه جبرائيل عليه السلام بهذه الآيات:

?إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأَسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ? عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفجِيراً?.

قال: هي عين في دار النبي صلي الله عليه و اله يفجر إلي دور الأنبياء والمؤمنين.

?يُوفُون بِالنَّذْرِ? يعني علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجاريتهم.

?وَيَخَافُونَ يَوْمَاً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً? يقولون عابساً كلوحاً().

?وَيُطْعِمُونَ الطْعَامَ عَلَي حُبِّهِ? يقول: علي شهوتهم للطعام وإيثارهم له.

?مِسْكِيناً? من مساكين المسلمين ?وَيَتِيماً? من يتامي المسلمين ?وَأَسِيراً? من أساري المشركين.

ويقولون إذا أطعموهم: ?إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءٌ وَلاَ شُكُوراً? قال: والله ما قالوا هذا لهم ولكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضمارهم، يقولون: لا نريد جزاءً تكلِّفوننا() به ولا شكوراً تثنون علينا به، ولكنا إنما

أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه.

قال الله (تعالي ذكره): ?فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً? في الوجوه ?وَسُرُوراً? في القلوب ?وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً? يسكنونها ?وَحَرِيراً? يفرشونه ويلبسونه?مُتَّكِئينَ فِيهَا عَلَي الآرَائِكِ? والأريكة: السرير عليه الحجلة ?لاَيَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَزَمْهَرِيراً?().

قال ابن عباس: فبينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان، فيقول أهل الجنة: يا رب إنك قلت في كتابك: ?لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً?؟.

فيرسل الله جل اسمه إليهم جبرئيل فيقول: ليس هذه بشمس ولكن علياً وفاطمة عليهما السلام ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما، ونزلت ?هَلْ أَتَي? فيهم إلي قوله تعالي: ?وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَّشْكُوراً?().

اذن الموضوع الرابع، قضاء حوائج الناس ومساعدة المحتاجين، كالذين لا منزل ولا مأوي لهم، والشباب العزاب، والفتيات العازبات، والمرضي، ومن لا تصل يده إلي أحد.

فلا يقول الإنسان: ليست هذه مسؤوليتي، بل علي اللجان المختصة أن تهتم بأمر هؤلاء المساكين، نعم يلزم علي اللجان ذلك، كما يلزم علي كل شخص أن يساهم في قضاء حوائج الناس. عند ذلك يعم الخير والبركة، كما في الحديث الشريف:

?الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء?().

أما إذا قال الإنسان: هذه من مسؤولية الدولة، أو التجار، أو المراجع والحوزات العلمية، أو من أشبه، فإنه يخالف ما ورد عن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته?().

نعم، ينبغي للمسؤولين أن يقللوا من مصارفهم ويساعدوا الناس بذلك، كما ينبغي إلغاء الدوائر الزائدة التي لا فائدة فيها إلا عرقلة أمور الناس، فإن الدوائر في الإسلام قليلة جداً، والأصل هو حرية الإنسان في التصرف إلا فيما كان يخالف الشرع ويضر بالناس.

فأنت أيها المسؤول، حبذا لو أقللت من الموظفين ومن المصروفات غير

الضرورية وساعدت الناس.

وهذا لا يعني عدم مسؤولية كل فرد فرد منا.

روايات في قضاء الحوائج

عن المفضل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال لي: ?يا مفضل، اسمع ما أقول لك، واعلم أنه الحق وافعله، وأخبر به علية إخوانك?. قلت: جعلت فداك، وما علية إخواني؟. قال:

?الراغبون في قضاء حوائج إخوانهم?. قال: ثم قال: ?ومن قضي لأخيه المؤمن حاجة قضي الله عزوجل له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أولها الجنة، ومن ذلك أن يدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنة بعد أن لا يكونوا نصاباً?. وكان المفضل إذا سأل الحاجة أخاً من إخوانه، قال له: أما تشتهي أن تكون من علية الإخوان?().

وعن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ?إن الله عزوجل خلق خلقاً من خلقه انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا ليثيبهم علي ذلك الجنة؛ فإن استطعت أن تكون منهم فكن ثم قال لنا: والله رب نعبده ولا نشرك به شيئاً?().

وعن صدقة الأحدب، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ?قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة، وخير من حملان ألف فرس في سبيل الله?().

وعن جابر، عن محمد بن علي عليه السلام، قال: ?لقضاء حاجة مسلم أفضل من عتق عشر نسمات، واعتكاف شهر في

المسجد?().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?ما قضي مسلم لمسلم حاجة إلا ناداه الله عليَّ ثوابك، ولا أرضي لك بدون الجنة?().

المسلمون الأوائل

في واحدة من غزوات النبي صلي الله عليه و اله وهي غزوة تبوك، كان المسلمون في مضيقة اقتصادية، فكانوا يقسمون التمرة الواحدة نصفين، فالنصف الأول يأكله الشخص الأول، والنصف الثاني حصة الشخص الآخر، فكان المقاتلون وحتي في ميدان الحرب يساعدون المحتاجين ويواسونهم في صعوبة العيش.

مساعدة عموم الناس

كما يلزم أن تكون المساعدة لعموم الناس، لا لفئة دون فئة، بل تشمل الجميع الصغار والكبار، الرجال والنساء، السليم وذا العاهة وهكذا؛ لأن ديننا الحنيف أكد علي الرحمة والتراحم بين جميع الأفراد، فقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلي الله عليه و اله: ?الراحمون يرحمهم الرحمن يوم القيامة?()، وأن من لا يرحم لا يُرحم.

إن صفة الرحمة والتحلي بها ضرورية جداً للكل، بما فيهم الحرس والشرطة، حتي يتمكنوا بذلك من كسب ود ومحبة الناس لهم، وبذلك يتعاونون معهم في القضاء علي المجرمين ويقتلعون جذور الجريمة من المجتمع، وبدون ذلك فسوف لن يتمكنوا من أداء واجبهم بصورة مرضية عند الله والمجتمع.

كما أن التعامل الفظ والسيء مع الناس، وعلي أنهم متهمين حتي يثبتوا براءتهم، يسلبهم المحبة من القلوب ويوجب عدم التعاون معهم؛ لأن النفس الإنسانية جبلت علي حب من أحسن إليها، وهذا ما أثبتته التجارب أيضا.

لذا يلزم علي الحرس والشرطة اتباع تعاليم الإسلام وأهل البيت عليهم السلام في كيفية التعامل مع الناس بالحسني وترك الإساءة إليهم، وقضاء حوائجهم، ونبذ الأساليب الفظة التي تحط من كرامة الإنسان وتهدر حقوقه، وأما المجرم فينبغي التعامل معه علي أساس الشريعة والقانون، وعدم التهاون في أمره حتي لا يطمع ضعاف النفس في التفكير بالجريمة.

خلاصة الأمور الأربعة

وخلاصة ما ذكرنا من الأمور الأربعة والتي يلزم خاصة علي الحرس والشرطة الالتزام بها، هي: (ذكر الله) و(ذكر الموت) و(الثقافة العالية) و(خدمة الناس).

السلاح للخدمة

وهناك موضوع آخر يخص الشرطة والحرس ومن أشبه، وهو السلاح، إن السلاح من الأمور المهمة حتي قال رسول الله صلي الله عليه و اله:

?الجنة تحت ظلال السيوف?()، فالمسلح الذي يخدم بسلاحة الأمة هو من أهل الجنة، علي عكس المسلح الإرهابي الذي يخيف الناس ويرعب الآمنين فإنه من أهل النار.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من نظر إلي مؤمن نظرة ليخيفه بها، أخافه الله عزوجل يوم لا ظل إلا ظله?().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من أشار إلي أخيه المسلم بسلاحه، لعنته الملائكة حتي ينحيه عنه?().

فيلزم علي الشرطة والحرس حفظ أمن الناس وخدمتهم بما أمر به الإسلام، أما إذا أخافوا أحداً من غير استحقاق، أو

لا سمح الله قتلوا مظلوماً، فهو من أكبر الكبائر، قال تعالي:

?مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً?().

أصناف الناس في القيامة

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?يحشر الناس علي ثلاثة أثلاث: ثلث علي الدواب، وثلث ينسلون علي أقدامهم نسلاً، وثلث علي وجوههم?().

أيها الإخوة المسلحون، يأتي كل شخص يوم القيامة ومعه علامة تميزه، فالتجار لهم علامة خاصة، والعلماء لهم علامة خاصة، والشرطة ومن أشبه لهم علامة خاصة، فإياكم إياكم! أن تأتوا يوم القيامة وفي عنقكم ظلم أحد، أو قطرة دم ظلما أو عدوانا.

في الأحاديث أنه: يحشر يوم القيامة فوج وقد كتب علي جباههم: آيسون من رحمة الله!.

فهذا يكون مصيره إلي النار وبئس المصير.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من أعان علي قتل مسلم ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله?().

وشطر الكلمة أي جزء الكلمة، يعني أقل من الكلمة الواحدة.

فالسلاح قد يذهب بصاحبه الي الجنة، والسلاح نفسه

قد يذهب بصاحبه الي النار. وهذا كما لو أعطي شخص سكيناً، فإنه يمكنه أن يقطع به اللحم في المطبخ، ويساعد أهله في تهيئة الطعام، حيث يثاب علي ذلك، ويمكنه أن يطعن به شخصاً ويرديه قتيلاً، فيأخذ إلي حبل المشنقة قبل عذاب الآخرة.

عن أبي خالد القماط، عن حمران، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما معني قول الله عزوجل: ?مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلي بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً?()، قال: قلت: وكيف فكأنما قتل الناس جميعاً، فإنما قتل واحداً؟. فقال: ?يوضع في موضع من جهنم إليه ينتهي شدة عذاب أهلها، لو قتل الناس جميعاً إنما كان يدخل ذلك المكان?. قلت: فإنه قتل آخر؟. قال: ?يضاعف

عليه?().

وروي جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أول ما يحكم الله عزوجل فيه يوم القيامة الدماء، فيوقف ابنا آدم عليه السلام فيفصل بينهما، ثم الذين يلونهما من أصحاب الدماء، حتي لا يبقي منهم أحد من الناس بعد ذلك، حتي يأتي المقتول بقاتله فيشخب دمه في وجهه، فيقول: أنت قتلته؟. فلا يستطيع أن يكتم الله حديثاً?().

وعن أبي الجارود، عن محمد بن علي عليه السلام، قال: ?ما من نفس تقتل برة ولا فاجرة إلا وهي تحشر يوم القيامة متعلقاً بقاتله بيده اليمني، ورأسه بيده اليسري، وأوداجه تشخب دماً، يقول: يا رب سل هذا فبم قتلني؟. فإن كان قتله في طاعة الله عزوجل أثيب القاتل الجنة، وذهب بالمقتول إلي النار. وإن قال: في طاعة فلان. قيل له: اقتله كما قتلك. ثم يفعل الله فيهما بعد مشيته?().

وعن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليه السلام،

قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?لا يغرنكم رحب الذراعين بالدم؛ فإن له عند الله قاتلاً لا يموت?. قالوا: يا رسول الله، وما قاتلاً لا يموت؟. قال: فقال: ?النار?().

وعن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ?لايزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً، وقال: لا يوفق قاتل المؤمن متعمداً للتوبة?().

روايات حول الجند والشرطة

جنود الله

يصف أمير المؤمنين علي عليه السلام في نهج البلاغة () الجند والشرطة بأنهم جنود الله، ثم يبين صفاتهم وما يجب عليهم:

قال عليه السلام: ?وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ، لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ، وَلاَ غِنَي بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ، فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ، وَمِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَمِنْهَا عُمَّالُ الإِنْصَافِ وَالرِّفْقِ، وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ، وَمِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَي مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَكُلٌّ قَدْ سَمَّي اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ، وَوَضَعَ عَلَي حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ، أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلي الله عليه و اله عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً?.

لا قوام للرعية إلا بالجنود

ثم قال عليه السلام: ?فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللَّهِ، حُصُونُ الرَّعِيَّةِ، وَزَيْنُ الْوُلاَةِ، وَعِزُّ الدِّينِ، وَسُبُلُ الأَمْنِ، وَلَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِهِمْ.

ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلاَّ بِمَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ، الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَي جِهَادِ عَدُوِّهِمْ، وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ، وَيَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ.

ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلاَّ بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ: مِنَ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَالْكُتَّابِ لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ، وَيَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَيُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الأُمُورِ وَعَوَامِّهَا.

وَلاَ قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلاَّ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ، وَيُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، وَيَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ مَا لاَ يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ.

ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَي مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ، الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَمَعُونَتُهُمْ?.

ولّ من جنودك أنصحهم لله

?فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلإِمَامِكَ، وَأَنْقَاهُمْ جَيْباً، وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً، مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ، وَيَسْتَرِيحُ إِلَي الْعُذْرِ، وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ، وَيَنْبُو عَلَي الأَقْوِيَاءِ، وَمِمَّنْ لاَ يُثِيرُهُ الْعُنْفُ، وَلاَ يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ?.

الجند وذوي المروءات

?ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَالأَحْسابِ، وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ، ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ وَالسَّمَاحَةِ، فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ، وَشُعَبٌ مِنَ

الْعُرْفِ?.

تفقّد أُمور الجند

?ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا، وَلاَيَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ، وَلاَ تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَإِنْ قَلَّ، فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَي بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ، وَلاَ تَدَعْ تَفَقُّدَ لطِيفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالاً عَلَي جَسِيمِهَا، فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَلِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لاَ يَسْتَغْنُونَ عَنْه?ُ.

المواسي للجنود

?وَلْيَكُنْ آثَرُ رُءُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ: مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ، وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ، بِمَا يَسَعُهُمْ وَيَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ، حَتَّي يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ.

فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ، وَإِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلاَةِ: اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، وَظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ، وإِنَّهُ لاَ تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلاَّ بِسَلاَمَةِ صُدُورِهِمْ، وَلاَ تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلاَّ بِحِيطَتِهِمْ عَلَي وُلاَةِ الأُمُورِ، وَقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ، وَتَرْكِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ. فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ، وَوَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَتَعْدِيدِ مَا أَبْلَي ذَوُو الْبَلاَءِ مِنْهُمْ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ، وَتُحَرِّضُ النَّاكِلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَي، وَلاَ تَضُمَّنَّ بَلاَءَ امْرِئٍ إِلَي غَيْرِهِ، وَلاَ تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلاَئِهِ، وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلَي أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ صَغِيراً، وَلاَ ضَعَةُ امْرِئٍ إِلَي أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ عَظِيماً?().

ويؤكد أمير المؤمنين عليه السلام علي أن الشرطة والحرس ينبغي أن لا يمنعوا الناس من الوصول إلي القادة، حتي يمكنهم التكلم مع الولاة وبث الشكوي إليهم.

استماع شكوي الناس

وقال عليه السلام: ?وَاجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً، تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً، فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ، وَتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ، حَتَّي يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه و اله يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ: لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ?().

أهمية الجند

وفي كتاب (الغرر والدرر) () عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:

?الجنود حصون الرعية?.

وقال عليه السلام: ?الجنود عز الدين، وحصون الولاة?.

وقال عليه السلام: ?من خذل جنده نصر أضداده?.

آفة الجند

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ?الجبن آفة العجز سخافة?.

وقال عليه السلام: ?آفة الجند مخالفة القادة?.

وقال عليه السلام: ?الفرار أحد الذلين?.

وقال عليه السلام: ?استحيوا من الفرار؛ فإنه عار في الأعقاب، ونار يوم الحساب?.

وقال عليه السلام: ?عاودوا الكر واستحيوا من الفر؛ فإنه عار في الأعقاب، ونار يوم الحساب?.

وقال عليه السلام: ?إن في الفرار موجدة الله سبحانه، والذل اللازم، والعار الدائم. وإن الفار غير مزيد في عمره، ولا مؤخر عن يومه?.

وقال عليه السلام: ?وايم الله، لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلموا من سيوف الآخرة، وأنتم لهاميم العرب، والسنام الأعظم، فاستحيوا من الفرار؛ فإن فيه ادراع العار، وولوج النار?.

نكات حربية

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ?الأخذ علي العدو بالفضل أحد الظفرين?.

وقال عليه السلام: ?الاستصلاح للأعداء بحسن المقال وجميل الأفعال، أهون من ملاقاتهم ومغالبتهم بمضيض القتال?.

وقال عليه السلام: ?زكاة الظفر الإحسان?.

وقال عليه السلام: ?الرأي بتحصين الأسرار?.

وقال عليه السلام: ?أنجح الأمور ما أحاط به الكتمان?.

وقال عليه السلام: ?عثرة الاسترسال لا تستقال?.

وقال عليه السلام: ?قد يخدع الأعداء?.

وقال عليه السلام: ?من نام عن عدوه أنبهته [نبهته] المكايد?.

وقال عليه السلام: ?من أبغضك أغراك?.

وقال عليه السلام: ?لا تغترن بمجاملة العدو؛ فإنه كالماء وإن أطيل إسخانه بالنار، لا يمتنع [لم يمنع] من إطفائها?.

وقال عليه السلام: ?استعمل مع عدوك مراقبة الإمكان، وانتهاز الفرصة تظفر?.

وقال عليه السلام: ?كافل النصر الصبر?.

وقال عليه السلام: ?لا تغالب من لا تقدر علي دفعه?.

وقال عليه السلام: ?لا توقع بالعدو قبل القدرة?.

وقال عليه السلام: ?إن وقعت بينك وبين عدوك قصة عقدت بها صلحاً وألبسته بها ذمة، فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنة بينك وبين ما أعطيت من عهدك?.

وقال عليه السلام: ?رد الحجر من حيث جاءك؛ فإنه لا يرد الشر إلا بالشر?.

وقال

عليه السلام: ?من أظهر عداوته قل كيده?.

وقال عليه السلام: ?من داري أضداده أمن المحارب?.

وقال عليه السلام: ?لا تستصغرن عدواً وإن ضعف?.

وقال عليه السلام: ?لا تحارب من يعتصم بالدين؛ فإن مغالب الدين محروب?.

وقال عليه السلام: ?لا تغالب من يستظهر بالحق؛ فإن مغالب الحق مغلوب?.

وقال عليه السلام: ?لا تعرض لعدوك وهو مقبل؛ فإن إقباله يعينه عليك، ولا تعرض له وهو مدبر؛ فإن إدباره يكفيك أمره?.

وقال عليه السلام: ?الفرار في أوانه يعدل الظفر في زمانه?.

وقال عليه السلام: ?طيبوا عن أنفسكم نفساً وامشوا إلي الموت مشياً سجحاً?.

وقال عليه السلام: ?عضوا علي النواجذ؛ فإنه أنبا للسيوف عن الهام?.

وقال عليه السلام: ?غضوا الأبصار في الحروب؛ فإنه أربط للجأش، وأسكن للقلوب?.

وقال عليه السلام: ?قدموا الدارع، وأخروا الحاسر، وعضوا علي الأضراس؛ فإنه أنبا للسيوف عن الهام?.

وقال عليه السلام: ?نافحوا بالظبي، وصلوا السيوف بالخطي، وطيبوا عن أنفسكم نفساً وامشوا إلي الموت مشياً سجحاً?.

وقال عليه السلام: ?لا تدعون إلي مبارزة، وإن دعيت إليها فأجب؛ فإن الداعي إليها باغ، والباغي مصروع?.

وقال عليه السلام: ?لا تشتدن عليكم فرة [زفرة] بعدها كرة، ولا جولة بعدها صولة، وأعطوا السيوف حقوقها، وقصوا للحرب مصارعها، واذمروا أنفسكم علي الطعن الدعسي، والضرب الطلخفي [التلحفي]، وأميتوا الأصوات؛ فإنه أطرد للفشل?.

وقال عليه السلام: ?التووا في أطراف الرماح؛ فإنه أمور

للأسنة?().

شُرطة الخَميس لغة

الشُرْطَة بالضم والسكون والفتح: الجند، والجمع شُرَط مثل رُطَب.

والشُرَط علي لفظ الجمع أعوان السلطان والولاة، وأول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت، سموا بذلك لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها للأعداء، الواحدة شُرطة كغرف وغُرفة.

وصاحب الشُرطة: يعني الحاكم.

وإذا نسب إلي هذا قيل: شُرْطي بالسكون رداً إلي واحدة كتركي.

والخميس: الجيش().

وإذا أعجل إنسان رسولاً إلي أمر قيل: أشرطه وأفرطه، كأنه اشتق من الأشراط التي هي أوائل الأشياء.

والشرطي منسوب

إلي الشرطة، والجمع: شُرَط، وبعض يقول: شرطي ينسبه إلي الجماعة. والشرط سموا شرطاً؛ لأن شرطة كل شي ء خياره، وهم نخبة السلطان من جنده().

وأَشْرَط فلان نفسه لكذا وكذا: أَعْلَمها له وأَعَدَّها؛ ومنه سمي الشُّرَطُ لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يُعْرفون بها، الواحد شُرَطةٌ وشُرَطِيٌّ().

الخميس: الجيش، سمي به لأنه يقسم بخمسة أقسام: المقدمة، والساقة، والميمنة، والميسرة، والقلب. وقيل: لأنه تخمس فيه الغنائم().

شُرطة الخَميس اصطلاحا

كانت شرطة الخميس هي النخبة من قوات أمير المؤمنين عليه السلام، وهي أول كتيبة في مقدمة الجيش تلقي العدو.

جاء في كتاب (قواميس الرجال والدراية) للعلامة فاضل الدربندي رحمة الله عليه المتوفي عام 1286ه:

إن الأخبار الواردة في شأن المتصفين بكونهم من شرطة الخميس مما يفيد عدالتهم، بل شيئاً فوق العدالة كما لا يخفي علي المتدبر في فقه تلك الأخبار، بل يمكن أن يقال: إن شأن هؤلاء لاينقص عن شأن جمع من الوكلاء والسفراء. وجاء أيضاً: إن الأخبار الواردة في شرطة الخميس في غاية الاستفاضة، بل في حد التواتر المعنوي.

بلغ عدد أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الذين كانوا في شرطة الخميس كما في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام ستة آلاف رجل()، أو خمسة آلاف رجل(). وقال ابن عساكر في تاريخه: بايع أهل العراق الحسن بن علي عليه السلام، فسار حتي نزل المدائن، وبعث قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري علي المقدمات وهم اثنا عشر آلفاً، وكانوا يسمون شرطة الخميس().

سبب التسمية

هناك عدة أقوال حول تسميتهم بشرطة الخميس نذكر منها:

1. خاطب أمير المؤمنين علي عليه السلام عبد الله بن يحيي الحضرمي يوم الجمل، فقال: ?أبشر يا ابن يحيي، فإنك وأباك من شرطة الخميس حقاً، لقد أخبرني رسول الله صلي الله عليه و اله باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس، والله سماكم في السماء شرطة الخميس علي لسان نبيه صلي الله عليه و اله ?().

2. قال علي بن الحكم: أصحاب أمير المؤمنين الذين عليه السلام قال لهم: ?تشرطوا، إنما أشارطكم علي الجنة، ولست أشارطكم علي ذهب ولا فضة، إن نبينا صلي الله عليه و اله قال لأصحابه فيما مضي: تشرطوا؛ فإني لست أشارطكم إلا علي الجنة?().

3. عن جعفر بن

محمد بن مسعود، عن أبيه، قال: حدثني علي بن الحسين، عن مروك بن عبيد، قال: حدثني إبراهيم بن أبي البلاد، عن رجل، عن الأصبغ، قال: قلت له: كيف سميتم شرطة الخميس يا أصبغ؟. فقال: إنا ضمنا له الذبح، وضمن لنا الفتح().

أي ضمنوا له أن يفدوه بأنفسهم، وضمن هو عليه السلام لهم الجنة علي الله.

أسماء شرطة الخميس

لقد مر أن عدد شرطة الخميس ما بين خمسة آلاف إلي اثني عشر ألف رجل، وأنهم بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام تفرقوا في البلدان نتيجة متابعة معاوية (لعنه الله) لهم وإلقاء القبض وقتلهم، فربما تنكروا وغيروا أسماءهم، لذا لم يحفظ لنا التاريخ من أسمائهم إلا القليل، ومنهم:

1: جابر بن عبد الله الأنصاري.

2: عمار بن ياسر.

3: سهل بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي.

4: عثمان بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي.

5: ميثم بن يحيي التمار.

6: عمرو بن الحمق الخزاعي.

7: حبيب بن مظاهر الأسدي.

8: سليم بن قيس الهلالي.

9: مالك الأشتر.

10: الأصبغ بن نباتة.

11: عبد الله بن يحيي الحضرمي.

12: قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري.

13: أبو الرضي عبد الله بن يحيي الحضرمي.

14: عبيدة السلماني المرادي.

15: عبد الله بن نجي.

16: نعيم بن دجاجة.

17: عبد الله بن أسيد الكندي.

18: أبو يحيي حكيم بن سعيد الحنفي.

19: محمد بن أبي بكر.

20: الحصين بن المنذر يكني أبا ساسان الرقاشي.

21: بشر بن عمر الهمداني.

22: بشر بن عمار الخثعمي الكوفي.

23: سعد بن حارث الحرث الخزاعي.

قصص من شرطة الخميس

مع حبابة الوالبية

عن حبابة الوالبية قالت: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام في شرطة الخميس، ومعه درة لها سبابتان يضرب بها بياعي الجري والمارماهي والزمار، ويقول لهم: ?يا بياعي مسوخ بني إسرائيل وجند بني مروان?. فقام إليه فرات بن أحنف فقال: يا أمير المؤمنين، وما جند بني مروان؟.

قال: فقال له: ?أقوام حلقوا اللحي وفتلوا الشوارب

فمسخوا?.

فلم أر ناطقاً أحسن نطقاً منه، ثم اتبعته فلم أزل أقفو أثره حتي قعد في رحبة المسجد. فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما دلالة الإمامة يرحمك الله؟.

قالت: فقال: ?ائتيني بتلك الحصاة?، وأشار بيده إلي حصاة فأتيته بها، فطبع لي فيها بخاتمه، ثم قال لي: ?يا حبابة، إذا ادعي مدع

الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيتِ، فاعلمي أنه إمام مفترض الطاعة، والإمام لا يعزب عنه شي ء يريده?().

الإفطار العمدي في شهر رمضان

عن محمد بن عمران، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ?أُتي أمير المؤمنين عليه السلام وهو جالس في المسجد بالكوفة بقوم وجدوهم يأكلون بالنهار في شهر رمضان. فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: أكلتم وأنتم مفطرون؟.

قالوا: نعم.

قال: أيهود أنتم؟.

قالوا: لا.

قال: فنصاري؟.

قالوا: لا.

قال: فعلي شي ء من هذه الأديان المخالفين للإسلام؟.

قالوا: بل مسلمون.

قال: فسفر أنتم؟.

قالوا: لا.

قال: فيكم علة استوجبتم الإفطار ولا نشعر بها، فإنكم أبصر بأنفسكم منا؛ لأن الله عزوجل يقول: ?بَلِ الإِنْسانُ عَلي نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ?()؟.

قالوا: بل أصبحنا ما بنا من علة!.

قال: فضحك أمير المؤمنين عليه السلام، ثم قال: تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؟.

قالوا: لا نعرفه بذلك، إنما هو أعرابي دعا إلي نفسه.

فقال: إن أقررتم وإلا قتلتكم.

قالوا: وإن فعلت.

فوكل عليه السلام بهم شرطة الخميس، وخرج بهم إلي الظهر ظهر الكوفة، وأمر أن يحفر حفرتين، وحفر إحداهما إلي جنب الأخري، ثم خرق فيما بينهما كوة ضخمة شبه الخوخة. فقال لهم: إني واضعكم في أحد هذين القليبين، وأوقد في الآخر النار، فأقتلكم بالدخان.

قالوا: وإن فعلت ف ?إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا?().

فوضعهم في أحد الجبين وضعاً رفيقاً، ثم أمر بالنار فأوقدت في الجب الآخر، ثم جعل يناديهم مرة بعد مرة: ما تقولون؟.

فيجيبون: ?فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ?() حتي ماتوا.

قال: ثم انصرف فسار بفعله الركبان، وتحدث به الناس، فبينما هو ذات يوم في المسجد، إذ قدم عليه يهودي من أهل يثرب، قد أقر له من في يثرب من اليهود أنه أعلمهم، وكذلك كانت آباؤه من قبل.

قال: وقدم علي أمير المؤمنين عليه السلام في عدة من أهل بيته، فلما انتهوا

إلي المسجد الأعظم بالكوفة أناخوا رواحلهم، ثم وقفوا علي باب المسجد، وأرسلوا إلي أمير المؤمنين عليه السلام: إنا قوم من اليهود قدمنا من الحجاز، ولنا إليك حاجة، فهل تخرج إلينا أم ندخل إليك؟.

قال: فخرج إليهم وهو يقول: سيدخلون ويستأنفون باليمين، فما حاجتكم؟.

فقال له عظيمهم: يا ابن أبي طالب، ما هذه البدعة التي أحدثت في دين محمد؟.

فقال له: وأية بدعة!

فقال له اليهودي: زعم قوم من أهل الحجاز أنك عمدت إلي قوم شهدوا أن لا إله إلا الله، ولم يقروا أن محمدا رسوله فقتلتهم بالدخان.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: فنشدتك بالتسع الآيات التي أنزلت علي موسي عليه السلام بطور سيناء، وبحق الكنائس الخمس القدس، وبحق السمت الديان، هل تعلم أن يوشع بن نون أُتي بقوم بعد وفاة موسي شهدوا أن لا إله إلا الله، ولم يقروا أن موسي عليه السلام رسول الله فقتلهم بمثل هذه القتلة؟.

فقال له اليهودي: نعم، أشهد أنك ناموس موسي.

قال: ثم أخرج من قبائه كتاباً فدفعه إلي أمير المؤمنين عليه السلام، ففضه ونظر فيه وبكي.

فقال له اليهودي: ما يبكيك يا ابن أبي طالب، إنما نظرت في هذا الكتاب، وهو كتاب سرياني وأنت رجل عربي، فهل تدري ما هو؟.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: نعم، هذا اسمي مثبت.

فقال له اليهودي: فأرني اسمك في هذا الكتاب، وأخبرني ما اسمك بالسريانية؟.

قال: فأراه أمير المؤمنين اسمه في الصحيفة، وقال: اسمي إليا.

فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وأشهد أنك وصي محمد صلي الله عليه و اله، وأشهد أنك أولي الناس بالناس بعد محمد صلي الله عليه و اله. وبايعوا أمير المؤمنين، ودخل المسجد. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ?الحمد لله الذي

لم أكن عنده منسياً، الحمد لله الذي أثبتني عنده في صحيفة الأبرار?().

ما يكبيك؟

عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، أنه قال: ?دخل علي عليه السلام المسجد، فاستقبله شاب وهو يبكي، وحوله قوم يسكتونه. فقال علي عليه السلام: ما يبكيك؟.

فقال: يا أمير المؤمنين، إن شريحاً قضي عليَّ بقضية ما أدري ما هي، إن هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في سفر، فرجعوا ولم يرجع أبي، فسألتهم عنه، فقالوا: مات. فسألتهم عن ماله، فقالوا: ما ترك مالاً. فقدمتهم إلي شريح فاستحلفهم، وقد علمت يا أمير المؤمنين أن أبي خرج ومعه مال كثير.

فقال لهم: أمير المؤمنين عليه السلام: ارجعوا فردهم جميعاً والفتي معهم إلي شريح. فقال له: يا شريح، كيف قضيت بين هؤلاء؟.

فقال: يا أمير المؤمنين، ادعي هذا الفتي علي هؤلاء النفر أنهم خرجوا في سفر وأبوه معهم، فرجعوا ولم يرجع أبوه، فسألهم عنه فقالوا: مات. فسألهم عن ماله، فقالوا: ما خلف مالاً. فقلت للفتي: هل لك بينة علي ما تدعي؟. فقال: لا. فاستحلفتهم.

فقال علي عليه السلام: يا شريح، هكذا تحكم في مثل هذا؟.

فقال: كيف كان هذا يا أمير المؤمنين؟.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لأحكمن فيهم بحكم ما حكم به إلا داود النبي عليه السلام.. يا قنبر، ادع لي شرطة الخميس. فدعاهم فوكل بكل واحد منهم رجلاً من الشرطة، ثم نظر أمير المؤمنين عليه السلام إلي وجوههم. فقال: ما ذا تقولون، أ تقولون: إني لا أعلم ما صنعتم بأب هذا الفتي، إني إذا لجاهل. ثم قال: فرقوهم وغطوا رؤوسهم. قال: ففرق بينهم وأقيم كل واحد منهم إليأسطوانة من أساطين المسجد، ورؤوسهم مغطاة بثيابهم. ثم دعا عبيد الله بن أبي رافع كاتبه، فقال: هات صحيفة ودواة، وجلس علي عليه

السلام في مجلس القضاء، واجتمع الناس. فقال: إذا كبرت فكبروا، ثم قال للناس: أفرجوا. ثم دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه، وكشف عن وجهه، ثم قال لعبيد الله: اكتب إقراره وما يقول. ثم أقبل عليه بالسؤال، فقال: في أي يوم خرجتم من منازلكم، وأبو هذا الفتي معكم؟.

فقال الرجل: في يوم كذا وكذا.

فقال: في أي شهر؟.

فقال: في شهر كذا وكذا؟.

فقال: في أي سنة؟.

قال: في سنة كذا وكذا.

قال: وأين بلغتم من سفركم حين مات أبو هذا الفتي؟.

فقال: إلي موضع كذا وكذا.

قال: في منزل من مات؟.

قال: في منزل فلان بن فلان.

فقال: ما كان مرضه؟.

قال: كذا وكذا.

قال: كم يوماً مرض؟.

فقال: يكون في كذا وكذا يوماً.

قال: فمن كان يمرضه، وفي أي يوم مات، ومن غسله، وأين غسله، ومن كفنه، وبما كفنتموه، ومن صلي عليه، ومن نزل في قبره؟.

فلما سأله عن جميع ما يريد كبّر علي عليه السلام وكبر الناس، فارتاب أولئك الباقون، ولم يشكوا أن صاحبهم قد أقر عليهم وعلي نفسه. فأمر أن يغطي رأسه، وأن ينطلق به إلي الحبس، ثم دعا بالآخر فأجلسه بين يديه، وكشف عن وجهه، ثم قال: كلا، زعمت أني لا أعلم ما صنعتم؟.

فقال: يا أمير المؤمنين، ما أنا إلا واحد من القوم، ولقد كنت كارهاً لقتله، فأقر.

ثم دعا عليه السلام بواحد بعد واحد فكلهم يقر بالقتل وأخذ المال، ثم رد الذي كان أمر به إلي السجن فأقر أيضاً، فألزمهم المال والدم.

فقال شريح: فكيف كان حكم داود عليه السلام؟.

فقال: إن داود عليه السلام مر بغلمة يلعبون وينادون بعضهم مات الدين، فدعا منهم غلاماً، فقال: يا غلام، ما اسمك؟.

فقال: اسمي مات الدين.

فقال له داود عليه السلام: من سماك بهذا الاسم؟.

فقال: أمي.

فانطلق إلي أمه، فقال لها: يا امرأة،

ما اسم ابنك هذا؟.

فقالت: مات الدين.

فقال لها: ومن سماه بهذا الاسم؟.

قالت: أبوه.

قال: وكيف كان ذلك؟.

قالت: إن أباه خرج في سفر له ومعه قومه، وهذا الصبي حمل في بطني، فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي، فسألتهم عنه فقالوا: مات.

قلت: فأين ما ترك؟.

قالوا: لم يخلف مالاً.

فقلت: أوصاكم بوصية؟.

فقالوا: نعم، زعم أنك حبلي، فما ولدتِ من ولد ذكر أو أنثي فسميه مات الدين، فسميته.

فقال: وتعرفين القوم الذين كانوا خرجوا مع زوجك؟.

قالت: نعم.

قال: فأحياء هم أم أموات؟.

فقالت: بل أحياء.

قال: فانطلقي بنا إليهم.

ثم مضي معها فاستخرجهم من منازلهم، فحكم بينهم بهذا الحكم، فثبت عليهم المال والدم. ثم قال للمرأة: سمي ابنكِ عاش الدين.

ثم إن الفتي والقوم اختلفوا في مال أبي الفتي كم كان، فأخذ علي عليه السلام خاتمه وجمع خواتيم عدة، ثم قال: أجيلوا هذه السهام، فأيكم أخرج خاتمي فهو الصادق في دعواه؛ لأنه سهم الله عزوجل وهو لا يخيب?().

هذا أخي خضر عليه السلام

عن عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين عليه السلام: ?كان في مسجد الكوفة يوماً فلما جنه الليل أقبل رجل من باب الفيل عليه ثياب بيض، فجاء الحرس وشرطة الخميس. فقال لهم أمير المؤمنين: ما تريدون؟.

فقالوا: رأينا هذا الرجل أقبل إلينا، فخشينا أن يغتالك.

فقال: كلا، انصرفوا رحمكم الله، أتحفظوني من أهل الأرض، فمن يحفظني من أهل السماء.

ومكث الرجل عنده ملياً يسأله، فقال: يا أمير المؤمنين، لقد ألبستَ الخلافة بهاء وزينة وكمالاً ولم تلبسك! ولقد افتقرت إليك أمة محمد وما افتقرت إليها! ولقد تقدمك قوم وجلسوا مجلسك فعذابهم علي الله! وإنك لزاهد في الدنيا وعظيم في السماوات والأرض، وإن لك في الآخرة لمواقف كثيرة تقر بها عيون شيعتك، وإنك لسيد الأوصياء، وأخوك سيد

الأنبياء، ثم ذكر الأئمة الاثني عشر. فانصرف، وأقبل أمير المؤمنين علي الحسن والحسين عليهما السلام، فقال: تعرفانه؟.

قالا: ومن هو يا أمير المؤمنين؟.

قال: هذا أخي الخضر عليه السلام?().

ابن معز وابن نعج

عن عبد الله بن أسيد الكندي، وكان من شرطة الخميس، عن أبيه، قال: إني لجالس مع الناس عند علي عليه السلام إذ جاء ابن معز وابن نعج معهما عبد الله بن وهب، قد جعلا في حلقه ثوباً يجرانه. فقالا: يا أمير المؤمنين، اقتله ولا تداهن الكذابين.

قال: ?ادنه?.

فدنا، فقال لهما: ?فما يقول؟?.

قالا: يزعم أنك دابة الأرض، وأنك تضرب علي هذا قبيل هذا يعنون رأسه إلي لحيته .

قال: ?ما يقول هؤلاء؟?.

قال: يا أمير المؤمنين، حدثتهم حديثاً حدثنيه عمار بن ياسر.

قال: ?اتركوه فقد روي عن غيره، يا ابن أم السوداء إنك تبقر الحديث بقراً خلوا سبيل الرجل؛ فإن يك كاذباً فعليه كذبه، وإن يك صادقاً يصيبني الذي يقول?().

وفي الختام

وفي الختام أسأل الله عزوجل أن يوفقكم لمرضاته، ويجنبكم ما يسخطه، ويجعلكم سببا لأمن البلاد، وخدمة العباد.

وأذكر بضرورة الالتزام بما تقدم من الأمور الأربعة: (ذكر الله عزوجل دائما، وذكر الموت دائما، ومزيد من التوعية والثقافة، وخدمة الناس).

كما عليكم أيضاً أن تبينوا هذا الأمور لسائر زملائكم، فإن مسؤوليتكم كبيرة، وهذا السلاح الذي هو اليوم بأيدكم أمانة الله لأجل خدمة الناس، لأجل العدالة والإيمان، لأجل الفضيلة والخير، لأجل التقوي والعمل الصالح، لأجل الحفاظ علي الأمن والاستقرار، لا لأجل الظلم والتكبر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

21/ جمادي الآخرة / 1399ه

پي نوشتها

() سورة النساء: 71.

() سورة النساء: 102.

() سورة الأعراف: 180.

() الكافي: ج1 ص281 باب أن الأئمة عليهم السلام لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلا بعهد من الله عزوجل … ح4.

() سورة الأنعام: 127.

() كان هذا الكتاب في الأصل محاضرة قيمة ألقاها الإمام الشيرازي ? علي الشرطة وحرس الثورة في مدينة قم المقدسة، وذلك بتاريخ 28/ 2 / 1358 ه ش، المصادف: 21/ جمادي الآخرة / 1399ه، الموافق: 18/ 5 / 1979م، ثم تم مراجعتها والإضافة عليها من قبل سماحته رحمة الله عليه ليصبح كراسا تعم فائدته.

() سورة القصص: 5- 6.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص68 فضيلة الحق وآثاره ف14 ح924.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص71 ذم الباطل وآثارها ف14 ح1024.

() الدعاء والزيارة للإمام الشيرازي: ص370 ب3 في الأعمال المشتركة لشهر رمضان، مؤسسة البلاغ بيروت، الطبعة الأولي عام 1414ه/ 1994م.

() إشارة إلي زوال طاغوت البهلوي الشاه في إيران.

() هذا بالإضافة إلي العوامل السياسية من التعددية وحرية المعارضة و المؤسسات الدستورية واستقلالية القضاء وما أشبه مما أشار إليها بالتفصيل الإمام الشيرازي

الراحل رحمة الله عليه في العديد من مؤلفاته القيمة، مثل: (فقه السياسة) و(فقه القانون) و(السبيل إلي إنهاض المسلمين) و(ممارسة التغيير لانقاذ المسلمين) و(الصياغة الجديدة) و(طريق النجاة) و …

() سورة الحديد: 4.

() وهكذا بالنسبة إلي سقوط طاغية العراق. الناشر.

() سورة المنافقون: 9.

() سورة الأحزاب: 41.

() سورة الرعد: 28.

() سورة البقرة: 152.

() بحار الأنوار: ج90 ص150 ب1 ح1.

() مستدرك الوسائل: ج5 ص285 ب1 ح5865.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص358 باب النوادر ح5762.

() الكافي: ج2 ص304 باب الغضب ح10.

() سورة آل عمران: 191.

() الأمالي للشيخ المفيد: ص310 المجلس السابع والثلاثون ح1.

() قصص الأنبياء للجزائري: ج1 ص464 خاتمة الكتاب في نوادر أخبار بني إسرائيل.

() إرشاد القلوب: ج1 ص84- 85 ب21.

() بحار الأنوار: ج91 ص13- 15 ب28 ح11.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص394 ح5840.

() مستدرك الوسائل: ج2 ص100 ب17 ح1532.

() مجموعة ورام: ج1 ص268 بيان ذكر الموت.

() سورة البقرة: 28.

() سورة أل عمران: 185.

() وسائل الشيعة: ج2 ص434 ب23 ح2568.

() الكافي: ج2 ص122 باب التواضع ح3.

() وسائل الشيعة: ج2 ص434-435 ب23 ح2570.

() بحار الأنوار: ج79 ص74 ب16 ح6.

() وسائل الشيعة: ج2 ص436-437 ب23 ح2576.

() سورة البقرة: 112.

() سورة الأنعام: 162- 163.

() سورة الكهف: 110.

() الكافي: ج2 ص15- 16 باب الإخلاص ح2.

() وسائل الشيعة: ج1 ص59-60 ب8 ح125.

() سورة الأعراف: 152.

() بحار الأنوار: ج67 ص240 ب54 ح8.

() وسائل الشيعة: ج1 ص59 ب8 ح124.

() وسائل الشيعة: ج1 ص60 ب8 ح126.

() ثورة الإمام الحسن عليه السلام: من تأليفات سماحة الإمام الشيرازي (أعلي الله مقامه) في الكويت، ثم راجعه سماحته للطبعة الثانية في قم المقدسة فأضاف عليها إضافات هامة وقد طبعت ترجمة النسخة الأخيرة باللغة الفارسية عام 1410ه. يقع الكتاب في 96

صفحة قياس 17×12، من عناوين الكتاب:

الفصل الأول: جوانب من حياة الإمام المجتبي عليه السلام، السجايا الأخلاقية، محاربة الظلم والفساد، لماذا لم يحارب الإمام الحسن عليه السلام حتي الشهادة؟.

الفصل الثاني: دروس من حياة الإمام الحسن عليه السلام، الاستقامة في سبيل الهدف، الشهادة المفجعة، لماذا لم يعلموا الغيب؟. سؤالان.

الفصل الثالث: جوانب من حكومة معاوية، ولاية عهد يزيد، شوري فقهاء المراجع، تعدد الأحزاب، الأخوة الإسلامية، الحريات الإسلامية.

قامت بطبعه: منشورات مركز الثقافة الإسلامية، الكويت، مطابع دار الرأي العام التجارية، كما طبع الكتاب أخيرا في العراق عام 1426ه/ 2005م، دار صادق للطباعة والنشر كربلاء المقدسة.

ترجمه إلي الفارسية تحت عنوان: (بررسي كوتاهي از زندكي إمام حسن عليه السلام) العلامة السيد محمد باقر الفالي. ط2: كانون نشر انديشه هاي اسلامي قم، عام 1410ه.

() سورة آل عمران: 7.

() سورة آل عمران: 18.

() الكافي: ج1 ص30 باب فرض العلم ووجوب طلبه والحث عليه ح1.

() وسائل الشيعة: ج27 ص24- 25 ب4 ح33111.

() منية المريد: ص375 الخاتمة ف1.

() بحار الأنوار: ج1 ص211 ب6 ح5.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص299 ب8 ح21400.

() سورة المعارج: 24- 25.

() سورة الحشر: 9.

() سورة الإنسان: 7.

() الصاع: ما يقارب ثلاثة كيلوات.

() في بعض النسخ: ولا ضراعة.

() القراح، بفتح القاف: الماء الخالص.

() وفي بحار الأنوار: (فأعطيه)، وفي بعض النسخ: (فاعطنه).

() الضياع، بفتح الضاد: الهلاك.

() الباع: قدر مد اليدين. ويقال: فلان طويل الباع ورحب الباع: أي كريم وواسع الخلق ومقتدر.

() في بحار الأنوار: فأعطوه.

() غارت عينه: دخلت في الرأس وانخسفت.

() سورة الإنسان: 1-22.

() كلح وجهه: عبس فأفرط في تعبسه.

() في بحار الأنوار: تكافوننا.

() سورة الإنسان: 5 13.

() أمالي الصدوق: ص256 ح11، منه البحار: ج35 ص237.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص55- 56 ب107 ح10187.

() جامع الأخبار:

ص119 ف75.

() الكافي: ج2 ص192- 193 باب قضاء حاجة المؤمن ح1.

() بحار الأنوار: ج71 ص323 ب20 ح91.

() وسائل الشيعة: ج16ص363 ب26 ح21768.

() مستدرك الوسائل: ج7 ص569 ب12 ح8913.

() ثواب الأعمال: ص188 ثواب من قضي لمسلم حاجة.

() بحار الأنوار: ج74 ص169 ب7 ح4.

() شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج8 ص6.

() الكافي: ج2 ص368 باب من أخاف مؤمناً ح1.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص148 ب142 ح10512.

() سورة المائدة: 32.

() روضة الواعظين: ج2 ص353 مجلس في ذكر العيدين.

() غوالي اللآلي: ج2 ص33 باب الصيد وما يتبعه ح48.

() سورة المائدة: 32.

() الكافي: ج7 ص271 باب القتل ح1.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص96 باب تحريم الدماء والأموال بغير حقها ح5166.

() بحار الأنوار: ج101 ص376- 377 ب1 ح37.

() معاني الأخبار: ص264 باب معني القاتل الذي لا يموت ح1.

() تفسير العياشي: ج1ص267 من سورة النساء ح238.

() نهج البلاغة: الرسائل 53 ومن كتاب كتبه للأشتر النخعي لما ولاه علي مصر وأعمالها، حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر، وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن.

() نهج البلاغة: الرسائل 53 ومن كتاب كتبه للأشتر النخعي لما ولاه علي مصر وأعمالها، حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر، وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن.

() نهج البلاغة: الرسائل 53 ومن كتاب كتبه للأشتر النخعي لما ولاه علي مصر وأعمالها، حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر، وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص333-335 ق4 ب1 ف4 ح7670-7710.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص333-335 ق4 ب1 ف4 ح7670-7710.

() مجمع البحرين: ج4 ص257 مادة شرط.

() كتاب العين: ج6 ص235 مادة شرط.

() لسان العرب: ج7 ص329 مادة شرط.

() شرح أصول الكافي للمولي محمد صالح

المازندراني: ج6 ص286.

() الاختصاص للشيخ المفيد: ص2 المقدمة.

() رجال الكشي: ص6.

() تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج31 ص262.

() رجال العلامة الحلي: ص104 عبد الله بن يحيي الحضرمي.

() رجال البرقي: ص3.

() الاختصاص للشيخ المفيد: ص65 الأصبغ بن نباتة.

() الكافي: ج1 ص346 باب ما يفصل به بين دعوي المحق والمبطل في أمر الإمامة ح3.

() سورة القيامة: 14.

() سورة طه: 72.

() سورة طه: 72.

() بحار الأنوار: ج38 ص60-62 ب58 ح13.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص316-318 ب92 ح82.

() المناقب لابن شهر آشوب: ج2 ص247 فصل في مقاماته مع الأنبياء والأوصياء عليهم السلام.

() بحار الأنوار: ج53 ص108 ب29 ضمن ح137.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.