من معاناة الإسلام والمسلمين

اشارة

اسم الكتاب: من معاناة الإسلام والمسلمين

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

الموضوع: اسلام

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1424 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

الحمد لله رب لعالمين(2)

الرحمن الرحيم(3)

مالك يوم الدين(4)

اياك نعبد و اياك نستعين(5)

اهدنا الصراط المستقيم(6)

صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم والضالين(7)

رجوع إلي القائمة

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

يولد الإنسان حينما يولد علي الفطرة السليمة التي خلقها الله تبارك وتعالي معه، أي: أنه يولد علي التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد العادل: ?فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطرَ النَّاسَ عَلَيْها?() وفي هذا الشأن ورد الحديث النبوي الشريف: «كل مولود يولد علي الفطرة، وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه» () وهنا وبحكم التيارات والأهواء الضالة والمضلة التي يتبناها الظالمون تولد معه مشاكل كثيرة، منها ما يخص عقيدته ومعتقداته وهي الأهم، ومنها ما يخص حياته في البيئة والمجتمع، أي بما يرتبط بمعيشته، ومن هنا احتاج الإنسان إلي النظم والقوانين لمعالجة هذه المشاكل، وإيجاد الحلول لها بطريقة سهلة بسيطة …

وبما أن الدنيا دار اختبار وابتلاء، فمن السنن الكونية أن يلاقي الإنسان فيها من الشدائد والأهوال في كافة جوانب حياته، سواء المرتبطة بمعتقده أو الجوانب الأخري التي أشرنا إليها آنفاً، قال تعالي: ?أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لايُفْتَنُونَ? وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ?().

ورأفة بهذا الإنسان وبلطف من الباري جل وعلا، زود الإنسان بوسائل المعرفة لكي ينظم شؤونه؛ لأنه بطبيعة الحال ضعيف محتاج إلي من يكمل حياته، ويعطيها الدفع المعنوي، لأجل الوصول إلي الغاية المنشودة.

وعند التعارض بين ما أمر الله به أو ما يحكم به العقل والوجدان السليم، وبين ما يأمر به الشيطان أتباعه، تبدأ المشكلات والمعاناة التي تجر وتؤدي إلي

كل ما في هذه الحياة من مآسي وويلات. ولقد عاني الأنبياء والرسل عليهم السلام من أغلب هذه المآسي والتي جرّت عليهم الحرمان والقتل والتشريد من الأوطان لأجل أداء رسالة السماء التي كلفوا بها. ولأن هناك وحدة في الهدف والغاية التي تتمثل في طاعة الله، وإصلاح الناس، وهداية المنحرفين منهم، ومجابهة الطغاة والظالمين، فإنه تتعدد الأدوار بحسب المرحلة الزمنية.

ومن هنا نعلم عظمة معاناة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله والدور المثالي الذي لا يمكن للقلم مهما أسهب في وصف تلك المعاناة، فإنه لايمكن أن نعطي الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله حقه وأن نوضح حقيقة تلك المعاناة التي مر بها عنصره الأقدس، في فترة زمنية قد أطبق الجهل علي أهلها من كل صوب، حيث كان الطغاة يستخفّون بالضعفاء من الناس ويستغلونهم، لتمرير مآربهم وإشباع رغباتهم عن طريق الإرهاب، وتجنيد السذج منهم.

لذلك عاني رسول الله صلي الله عليه و اله عند إرساء تعاليم الإسلام خلال مراحله الأولي وفترة ولادته وانبثاقه، أشد ألوان الاضطهاد والتعسف، ولكن بقوة الإيمان وإرادة صاحب هذه الرسالة السمحاء صلي الله عليه و اله وبصبره الكبير استطاع أن يروض وحشية دعاة الجاهلية وهمجيتها وقادتها. وكان من أسمي دعائم هذا الجهاد هو ذلك الخُلق العظيم الذي تمتع به خير خلق الله صلي الله عليه و اله، فدخلت تلك الأمم في دين الله جل شأنه أفواجاً أفواجا من كل حدب وصوب.

ويعلمنا الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله أبلغ الدروس والعبر في أن من يسلك منهج الحق وصراط الهداية عليه تحمل الصعاب والشدائد؛ ولابد من سلوكها والصبر عليها؛ لأن النتيجة بالتالي تكون للمصلحين الصابرين مهما كانت قساوة الطريق وصعوبة المسير.

فإنه لابد أن تبزغ شمس

الهداية علي هذه المعمورة، وهي النتيجة الحتمية لِجَلدِ الدعاة إلي الله والسائرين نحوه، والمريدين ظله تعالي شأنه، فهذا أمير المؤمنين عليه السلام يخوض غمار الصعاب والذي لم يهن ولم يستسلم أبداً، فهو يعطينا أروع الدروس في التضحية، ويبين لنا بأفعاله العظيمة وأقواله الشريفة أن طريق الحق صعبٌ مستصعبٌ ولابد من سلوكه؛ لأنه غاية الشرفاء من أبناء البشر … ويعلمنا أن لا نسمح لليأس أن يدب إلي نفوسنا وتفكيرنا عندما يكون الإنسان مدافعاً عن قضية نبيلة وشريفة، بل لابد من الاستمرار والمثابرة من أجل الحصول علي النتائج الطيبة.

فالمسلمون الأوائل عانوا ما عانوا من المصاعب والشدائد، ولكن بصبر وحكمة صاحب الرسالة صلي الله عليه و اله وبسالتهم ثبت الإسلام كدين حق.

ولكن هل تنتهي المحن؟

كلا فمحنة المسلمين استمرت بعد غياب الرسول صلي الله عليه و اله والتحاقه بالرفيق الأعلي جل شأنه، حيث تسلط أئمةُ الجور وخلفاء السوء علي رقاب المسلمين، وحكموا في الناس باسم الإسلام، وباسم الخلافة لصاحب الرسالة صلي الله عليه و اله إذ اغتصبت الخلافة من علي أمير المؤمنين عليه السلام المنصوب من السماء ومن الرسول ?، وقتل بعض الصحابة وشرد البعض، وكان الحاكم يقرب إليه من يشاء، أو من يكون له صوت إعلامي ودعاية سياسية تثبت ملكه وسلطانه، حتي جاءت الدولة الأموية والدور البشع الذي لعبه رجال السلطة المتلبسون باسم الدين في تدعيم سلطان الحاكم الجائر، وتبرير مواقفه الظالمة ضد الشرفاء من أبناء الأمة، وإعطاء أفعاله صبغة شرعية، كما فعل شُريك القاضي عندما أفتي بجواز قتل الإمام الحسين عليه السلام سبط النبي الأعظم صلي الله عليه و اله، إلي غير ذلك من الأمثلة والشواهد الكثيرة علي المجازر الرهيبة والمعاناة المريرة، التي ارتكبها ملوك وأمراء بني

أمية، ومن تلاهم من بني العباس بحق المسلمين، باسم الإسلام وباسم خلافة رسول الله صلي الله عليه و اله.

واستمرت معاناة المسلمين إلي يومنا هذا، حيث نري حال الأمة وقد تسلط عليها الاستعمار العالمي والإمبريالية العالمية، فتنصب عملاءها من الحكام علي الشعوب الإسلامية؛ لأجل اضطهادها ونهب خيراتها وإذلال المسلمين، والبعض من الحكام لايدعي أنه يمثل الدين ولا يحكم باسم الإسلام، ولكن البعض منهم ومن أئمة الجور حكموا باسم الإسلام، فأساءوا للإسلام كدين وكمنهج حياة، فإن غير المسلم لما يري تلك المجازر التي ارتكبوها وتلك الأحكام التي يطلقها أولئك الحكام، ضد أبناء جلدتهم وإخوانهم في العقيدة، وبشاعة ما يقومون به، فإنهم يزعمون بأن هذا الدين دين باطل ودين ظلم وانتهاك حرمات، مع أن الإسلام بريء من ذلك تماماً؛ فإنه دين سماوي جاء من لدن غفور رحيم، رؤوف بالعباد، بواسطة رسول كريم يسمي بصاحب الخلق العظيم، فنري البعض ممن التبس عليه أمر الإسلام وحقيقته يقول: بأن دين الإسلام قام علي السيف؛ فهو لا يري تأريخ الإسلام إلا من خلال هؤلاء الخلفاء، أو بالأحري الملوك من بني أمية وبني العباس ومن سار بسيرتهم، ولكنه لو قرأ الفكر الإسلامي من خلال منهج أهل البيت عليهم السلام وسيرتهم الوضاءة، وكيف كانوا يدعون إلي الإسلام الحقيقي الذي أتي به جدهم الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله ويبينون المسائل العالقة في أذهان البشر، ويوجدون لها الحلول، يعرِف عظمة الإسلام ورحابته وأخلاقياته العالية.

وفي هذا الكتاب كما في غيره يبين الإمام الراحل آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلي الله مقامه) بعض تلك المعاناة التي ألمت بالمسلمين، وكيف يمكن إيجاد الحلول لها، ومجابهة أئمة الجور وحكام الظلم، الذين يستغلون الطاقات الإسلامية من أجل

مآربهم وخدمة أسيادهم من المستعمرين.

ونظراً لما نشعر به من مسؤولية كبيرة في نشر مفاهيم الإسلام الأصيلة قمنا بطبع ونشر هذه السلسلة القيمة من المحاضرات الإسلامية التي منها هذا الكتاب لسماحة المرجع الراحل رحمة الله عليه والتي ألقاها في فترة زمنية قد تتجاوز الأربعة عقود من الزمن في العراق والكويت وإيران..

نرجو من المولي العلي القدير أن يوفقنا لطبع ونشر ما يتواجد منها، وأملاً بالسعي من أجل تحصيل المفقود منها وإخراجه إلي النور، لنتمكن من نشر سلسلة إسلامية كاملة ومختصرة تنقل إلي الأمة وجهة نظر الإسلام، تجاه مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية الحيوية بأسلوب واضح وبسيط.. إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص.ب: 5955/ 13

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

الإسلام وأزمة العاملين له

جاء في الحديث الشريف: «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، فطوبي للغرباء» ().

لقد بدأ الإسلام يتنفس أنفاسه الأولي يوم ولد علي يد الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله غريباً، ففي بداية الأمر لم يكن المؤمنين بهذا الدين الجديد سوي الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله والسيدة خديجة ? وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقد ورد عن ابن عباس قال: أول من آمن برسول الله صلي الله عليه و اله من الرجال علي عليه السلام، ومن النساء خديجة ?().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «اكتتم رسول الله صلي الله عليه و اله بمكة مختفياً خائفاً خمس سنين ليس يظهر أمره، وعلي عليه السلام اكتتم معه وخديجة? ثم أمره الله أن يصدع بما أمر به، فظهر رسول الله صلي الله عليه و اله وأظهر أمره».()

وروي

عن أبي عبد الله عليه السلام أيضاً قال: «مكث رسول الله صلي الله عليه و اله بمكة بعد ما جاءه الوحي عن الله تبارك وتعالي ثلاث عشرة سنة، منها ثلاث سنين مختفياً خائفاً لا يظهر، حتي أمره الله أن يصدع بما أمر به فأظهر حينئذ الدعوة» ().

ثم بدأ الأفراد بالتفاعل مع هؤلاء الأطهار والدخول إلي الإسلام.

فالدعوة إذن مكية نسبة إلي مكة النشوء، والذين دخلوا إلي الإسلام كانوا مكيِّين، ولكنهم كانوا غرباء في مدينتهم وبين أهليهم حيث كانوا مهدَّدين بالقتل والاضطهاد والكره والعداوة من قبل طواغيت قريش وأعوانهم.

فكانت في البداية مظاهر التخفّي والسريّة غالبة علي أتباع الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله؛ وبما أن الإسلام رفض الشرك وعبادة الأصنام؛ لذلك جوبه بأنواع عديدة من الأساليب الوحشية التي لاتعرف الرحمة. وهكذا بدأت المعركة بين المسلمين من جانب والكفّار والمنافقين من جانب آخر. ولكن الحق دائماً يعلو ولا يُعلي عليه، حيث قال تبارك وتعالي: ?وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا?().

وقال الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: «الإسلام يعلو ولا يعلي عليه» ().

فوصل الإسلام إلي مشارق الأرض ومغاربها، وظلّ كصخرة صمّاء تتكسر عليها معاول الطغاة إلي أن رحل صاحب الرسالة إلي الرفيق الأعلي، وبموته بدأ البعض باقتناص الفرص، وتبديل معالم ومفاهيم الإسلام.

خلفاء الجور

لقد واجه الإسلام مشكلتين كبيرتين منذ رحلة الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله وإلي يومنا هذا، وعلي الذين يريدون عودة الإسلام ثانية إلي حياة المسلمين أن يرفعوا هاتين المعضلتين من البلاد الإسلامية.

المشكلة الأولي: هي خلفاء الجور، أو الحكام الظالمون الذين تسلَّطوا علي رقاب المسلمين وبلادهم بمساعدة الأيادي الاستعمارية، ولهؤلاء الحكام من مظاهر الاستبداد والطغيان ما شمل كل مظاهر الحياة في البلاد الإسلامية، مضافاً إلي ذلك استئثارهم

بثروات وأموال الشعوب، وهتك أعراض الناس وسفك دمائهم.

وهؤلاء الحكام علي قسمين:

القسم الأول: الحكام الذين يتصورون ويصورون أنفسهم خلفاء لرسول الله صلي الله عليه و اله، وهم يعرّفون الإسلام إلي الآخرين وفق ما يشتهون؛ لذا لابد من فضح مثل هؤلاء الحكام الظالمين، فالحكومة التي تدّعي الحرية والديمقراطية دون أن تطبق شيئاً من الحرية في تفاعلها مع الشعب يلزم فضحها. حتي لا يتصور بعض الناس بأن الحرية هي هذه وحسب، أي إنها تعني الاستبداد والدكتاتورية المعمول بها في أغلب البلاد الإسلامية والمبطنة بشعارات وتطبيقات ما أنزل الله بها من سلطان.

من هنا كان علي المسلمين الذين يريدون عودة نور الإسلام الساطع إلي حياة المسلمين مرة أخري أن يُفشوا وينشروا حقيقة هؤلاء الحكام الظالمين وإعلام العالم كلّه بأنهم لا يمثلون المسلمين، ولا يطبقون شيئاً من الإسلام الحقيقي أبداً، وهؤلاء ليسوا إلاّ عصابات قفزت علي كرسي الحكم. ويتم تمويه الأمور عبر الدعاية والإعلام المغرض وعبر تأليف الكتب وطبع الكثير منها ونشرها في كافة مناطق العالم أو عبر بعض المشاريع الخيرية التي يغلب عليها الطابع الدعائي وباطنها هدام().

والقسم الثاني: هم الحكام الذين عملوا وما زالوا يعملون علي محو الإسلام وإخماد ذكر الرسول الأعظم وأهل بيته عليهم السلام، وهم متكاتفون مع الغرب والشرق من أجل تشويه الإسلام، وإثارة الشكوك حول صاحب الرسالة وحول التشريع الإسلامي، وإثارة الشبهات حول الإسلام ورجاله المخلصين.

وهذا الأمر لم يغب عن بال الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله؛ ولذلك نراه كان يركز علي مسألة الولاية من بعده وقيادة الأمة الإسلامية، فكان يكرّر ويقول صلي الله عليه و اله: «فإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي وإن

اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض» ().

وورد عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لما نزلت هذه الآية: ?يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاس بِإِمَامِهِم?() قال المسلمون: يا رسول الله، ألست إمام الناس كلهم أجمعين؟

قال: فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أنا رسول الله إلي الناس أجمعين، ولكن سيكون من بعدي أئمة علي الناس من الله من أهل بيتي يقومون في الناس، فيُكذَّبون، ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم، فمن والاهم واتبعهم وصدَّقهم فهو مني ومعي وسيلقاني، ألا ومن ظلمهم وكذبهم فليس مني ولا معي وأنا منه بريء» ().

وهؤلاء الحكام الظلمة بقسمَيْهم لم يطبقوا شيئاً مما أمر به الرسول صلي الله عليه و اله أبداً؛ لهذا دخل المسلمون بسبب انحراف قياداتهم في متاهات كثيرة، وضلالات واضحة في العقيدة.

فنري الكثير من المسلمين اليوم يعتقدون بخلافة يزيد بن معاوية، والوليد بن عبد الملك بن مروان، وهارون العباسي، والمأمون العباسي، وغيرهم من خلفاء الجور() ويتصورون بأنهم خلفاء شرعيّون.

جاء عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: «من حكم في الدرهمين بحكم جور ثم أجبر عليه كان من أهل هذه الآية: ?وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ?()».

قلت: فكيف يجبر عليه؟

قال: «يكون له سوط و سجن فيحكم عليه، فإن رضي بحكومته، وإلا ضربه بسوطه وحبسه في سجنه» ().

وعن سعيد بن أبي الخضيب البجلي قال: كنت مع ابن أبي ليلي مزامله حتي جئنا إلي المدينة، فبينا نحن في مسجد الرسول صلي الله عليه و اله إذ دخل جعفر بن محمد عليه السلام فقلت لابن أبي ليلي: تقوم بنا إليه؟

فقال: وما نصنع عنده؟

فقلت: نسائله ونحدثه.

فقال: قم.

فقمنا إليه، فساءلني عن نفسي وأهلي، ثم قال: «من هذا

معك؟».

فقلت: ابن أبي ليلي قاضي المسلمين.

فقال له: «أنت ابن أبي ليلي قاضي المسلمين؟».

قال: نعم.

قال: «تأخذ مال هذا فتعطيه هذا، وتقتل، وتفرق بين المرء وزوجه، لا تخاف في ذلك أحداً؟».

قال: نعم.

قال: «فبأي شيء تقضي؟».

قال: بما بلغني عن رسول الله صلي الله عليه و اله وعن علي عليه السلام وعن أبي بكر وعمر.

قال: «فبلغك عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: إن علياً عليه السلام أقضاكم؟».

قال: نعم.

قال: «فكيف تقضي بغير قضاء علي عليه السلام وقد بلغك هذا، فما تقول إذا جيء بأرض من فضة وسماء من فضة، ثم أخذ رسول الله صلي الله عليه و اله بيدك فأوقفك بين يدي ربك فقال: يا رب، إن هذا قضي بغير ما قضيت؟».

قال: فاصفر وجه ابن أبي ليلي حتي عاد مثل الزعفران، ثم قال لي: التمس لنفسك زميلا، والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبداً ().

نعم، إن الانحرافات والضلالات إنّما جاءت نتيجة بذر الأفكار الضالة في المجتمع من قبل الحكام الظالمين، وتحريف أقوال الرسول والمعصومين عليهم السلام. وليت الأمر قد توقف عند هذا الحد، ولم يتعدَّه إلي أصول الدين والأمور الخطيرة في العقيدة، فنري البعض يتصور بأن الله سبحانه وتعالي جسم، أو ظالم (والعياذ بالله)()، مما حدا ببعض علمائنا رضوان الله عليهم بمواجهة مثل هذه الانحرافات والضلالات، أمثال المحقق الطوسي()..

وشيخ الطائفة() والعلامة الحلي() وغيرهم (رحمة الله عليهم) قولاً وفعلاً.

ترك القوانين الإلهية

المشكلة الثانية: وهي متفرِّعة عن المشكلة الأولي؛ إذ أن حكام الجور هم الذين مهدوا لها، هي مشكلة سن القوانين الغربية والاستعمارية وتطبيقها في كافة مجالات الحياة. وقد جاءت هذه القوانين إلي المسلمين بعد احتلال البلاد الإسلامية وغزوها عسكرياً وفكرياً، وبقاء المستعمر فيها سنين طويلة، ثم وَضْعِه للعُمَلاء

من بعد خروجه منها.

كل هذه الأمور أدّت إلي تلاشي وضياع القوانين والأحكام الإسلامية وهكذا ضاعت النداءات التي يصرّح بها القرآن الكريم دوماً في سبيل بناء الأمة الإسلامية الواحدة، وغرس الأخوة الإسلامية، ومن أجل تحقق الحرية الإسلامية في المجتمع وعمارة الأرض، وغيرها من الأحكام التي بيّناها في كتبنا().

وإذا ما نظر الآخرون إلي ديننا، وهو بهذه الصورة التي رسمها الحكام الجائرون وعملاء المستعمرين، وبهذه الصورة الخالية من المحتوي والمضمون والمملوءة بالجور والاستبداد والدكتاتورية. فهم يرون أن الكفر الذي عندهم أفضل من الدين الذي عندنا؛ فالحرية والأخوة الموجودة في البلاد الغربية أكثر بكثير من الحرية الموجودة في البلاد الإسلامية التي انسلخت عن حقيقة الإسلام، وهكذا الوحدة والرأفة والشفقة الموجودة فيما بينهم أكثر من الرأفة والرحمة الموجودة لدينا، لقد أدت هذه الظاهرة إلي تأخر الأمة الإسلامية، فإن بروز هاتين المشكلتين الكبيرتين وقف بوجه انتشار الإسلام وهما كما أشرنا سابقاً:

1 سيطرة خلفاء السوء وحكام الجور في المجتمعات الإسلامية.

2 تطبيق القوانين الغربية في البلاد الإسلامية المخالفة للموازين والأحكام الإلهية.

ولن ترتفع هاتان المشكلتان عن كاهل المسلمين وبلادهم، إلاّ بهمة رجال مخلصين، عاملين للإسلام والمسلمين بكل إخلاص وتفان، انطلاقاً من شعورهم بالمسؤولية الملقاة علي عاتقهم.

فالإسلام لا يعاني من أزمة في الأفكار أو المفاهيم أو التشريع، بل من أزمة المخلصين الذين يدافعون عن حريمه بكل صدق، ولانعني أن الساحة قد خلت منهم، ولكن نسبة العاملين المخلصين للإسلام مقارنة مع الاتجاهات الإلحادية والمشركة وإعلامهم وإضلالهم تعتبر أقل بكثير، والمطلوب مضاعفة الكم والكيف. ولعل القسم الأكبر من ذلك يقع علي عاتق طلبة الحوزات العلمية والعلماء والمفكرين والكتّاب؛ إذ أنهم الحصن الحصين للدفاع عن ثغور الإسلام ومبادئه، ومن ثم يأتي دور سائر الناس وباقي أفراد المجتمع؛ لأنّهم

أيضاً مسؤولون عن الرسالة المحمدية.

ولذا ورد في الحديث الشريف عن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو المسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في مال أبيه راع وهو مسؤول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» ().

وبذلك يخرج الإسلام من الغربة التي هو فيها الآن. فالمطلوب أن تصل كل مبادئ الإسلام إلي كل إنسان في العالم، وفي حالة عدم تحقق ذلك فإن الإسلام يبقي غريباً، كما في الحديث الشريف المذكور سابقاً .

العمل الإسلامي

قال الإمام الباقر عليه السلام: «لا شرف كبعد الهمة» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «إن العمل الدائم القليل علي اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير علي غير يقين» ().

إن الإسلام يؤكد دائماً علي العمل والإخلاص فيه وبعد الهمة. فعلي العاملين للإسلام، ومن أجل إعادة المجتمعات الإسلامية إلي التمسك بدينها وحمل مبادئه، أن يلتفتوا إلي هذه النقطة المهمة، وطالما أكد عليها النبي الأكرم صلي الله عليه و اله وحث المسلمين علي عدم اليأس، وعدم التوقف؛ فالإسلام دائماً وأبداً يؤمن بالحركة، ويؤكد علي العناصر الفعّالة؛ لذلك فهو يعتبر العمل عبادة، لأن العلم يعني تقدّم عجلة المجتمع الإسلامي، وبالتالي تكون الفائدة لكافة البشر.

فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: «أيها الناس، اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال؛ إن المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه وسيفي لكم، والعلم مخزون عند أهله وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه» ().

وقال أبو

عبد الله الصادق عليه السلام: «العلم مقرون إلي العمل، فمن علم عمل ومن عمل علم، والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه» ().

والرسول الأكرم صلي الله عليه و اله في اللحظات الحرجة الصعبة كان يؤكد علي المسلمين بعدم اليأس، ويبعث فيهم روح الأمل والنصر، فنراه في موقف الأحزاب وقد أحاطه الأعداء وتكاتفوا عليه، وحاول بعض المسلمين الهروب من الساحة، حيث قال تعالي: ?يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ?(). وبعض آخر منهم حاول أن يجد طريقاً للتوسل إلي المشركين، والحصول منهم علي أمان خاص له()، إضافة إلي الظروف المناخيّة القاسية التي كانوا يمرون بها … والحالة النفسية التي يمر بها الجيش الإسلامي، إلي درجة أن عمرو بن عبد ود العامري عندما دعا المسلمين إلي البراز لم يجبه أحد، وتراجع الجميع إلاّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، مع كل ذلك نري أن الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله كان يبشرهم بالفتوحات العظيمة كفتح بلاد كسري وبلاد الروم()، ليرفع من الروح المعنويّة فيهم، وليهدم الحاجز النفسي الذي لفّهم باليأس والخيبة.

قصة الأحزاب

روي أن قوله تعالي: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ? إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ? هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ? وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَ غُرُوراً?() نزل في قصة الأحزاب من قريش والعرب، الذين تحزبوا علي رسول الله صلي الله عليه و اله، وذلك أن قريشاً تجمعت في سنة خمس من الهجرة وساروا

في العرب وجلبوا، واستفزوهم لحرب رسول الله صلي الله عليه و اله فوافوا في عشرة آلاف، ومعهم كنانة وسليم وفزارة، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله حين أجلي بني النضير وهم بطن من اليهود من المدينة وكان رئيسهم حيي بن أخطب، وهم يهود من بني هارون عليه السلام فلما أجلاهم من المدينة صاروا إلي خيبر وخرج حيي بن أخطب وهم إلي قريش بمكة، وقال لهم: إن محمداً قد وتركم ووترنا، وأجلانا من المدينة من ديارنا وأموالنا، وأجلي بني عمنا بني قينقاع، فسيروا في الأرض واجمعوا حلفاءكم وغيرهم، حتي نسير إليهم؛ فإنه قد بقي من قومي بيثرب سبعمائة مقاتل وهم بنو قريظة، وبينهم وبين محمد عهد وميثاق، وأنا أحملهم علي نقض العهد بينهم وبين محمد صلي الله عليه و اله ويكونون معنا عليهم، فتأتونه أنتم من فوق، وهم من أسفل.

وكان موضع بني قريظة من المدينة علي قدر ميلين، وهو الموضع الذي يسمي بئر المطلب، فلم يزل يسير معهم حيي بن أخطب في قبائل العرب حتي اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش وكنانة، والأقرع بن حابس في قومه، وعباس بن مرداس في بني سليم، فبلغ ذلك رسول الله صلي الله عليه و اله فاستشار أصحابه وكانوا سبعمائة رجل، فقال سلمان الفارسي: يا رسول الله، إن القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة.

قال: «فما نصنع؟».

قال: نحفر خندقا يكون بيننا وبينهم حجابا فيمكنك منعهم في المطاولة، ولا يمكنهم أن يأتونا من كل وجه؛ فإنا كنا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم من عدونا نحفر الخنادق، فيكون الحرب من مواضع معروفة.

فنزل جبرئيل عليه السلام علي رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: «أشار سلمان بصواب».

فأمر رسول

الله صلي الله عليه و اله بحفره من ناحية أحد إلي رائح، وجعل علي كل عشرين خطوة وثلاثين خطوة قوما من المهاجرين والأنصار يحفرونه، فأمر فحملت المساحي والمعاول، وبدأ رسول الله صلي الله عليه و اله وأخذ معولا فحفر في موضع المهاجرين بنفسه، وأمير المؤمنين عليه السلام ينقل التراب من الحفرة حتي عرق رسول الله صلي الله عليه و اله وعيي، وقال: «لا عيش إلا عيش الآخرة، اللهم اغفر للأنصار والمهاجرين».

فلما نظر الناس إلي رسول الله صلي الله عليه و اله يحفر اجتهدوا في الحفر ونقلوا التراب، فلما كان في اليوم الثاني بكروا إلي الحفر، وقعد رسول الله صلي الله عليه و اله في مسجد الفتح، فبينا المهاجرون والأنصار يحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه، فبعثوا جابر بن عبد الله الأنصاري إلي رسول الله صلي الله عليه و اله يعلمه بذلك، قال جابر: فجئت إلي المسجد ورسول الله مستلق علي قفاه ورداؤه تحت رأسه، وقد شد علي بطنه حجراً، فقلت: يا رسول الله، إنه قد عرض لنا جبل لم تعمل المعاول فيه.

فقام مسرعا حتي جاءه، ثم دعا بماء في إناء، فغسل وجهه وذراعيه ومسح علي رأسه ورجليه، ثم شرب ومج من ذلك الماء في فيه ثم صبه علي الحجر، ثم أخذ معولاً فضرب ضربة، فبرقت برقة، فنظرنا فيها إلي قصور الشام، ثم ضرب أخري فبرقت برقة، نظرنا فيها إلي قصور المدائن، ثم ضرب أخري فبرقت برقة أخري نظرنا فيها إلي قصور اليمن.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أما إنه سيفتح الله عليكم هذه المواطن التي برقت فيها البرق» ثم انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل.

فقال جابر: فعلمت أن رسول الله

مقوي، أي جائع؛ لما رأيت علي بطنه الحجر، فقلت: يا رسول الله، هل لك في الغذاء؟

قال: «ما عندك يا جابر؟».

فقلت: عناق وصاع من شعير.

فقال: «تقدم وأصلح ما عندك».

قال: فجئت إلي أهلي، فأمرتها فطحنت الشعير وذبحت العنز وسلختها، وأمرتها أن تخبز وتطبخ وتشوي، فلما فرغت من ذلك جئت إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قد فرغنا فاحضر مع من أحببت.

فقام صلي الله عليه و اله إلي شفير الخندق ثم قال: «معاشر المهاجرين والأنصار، أجيبوا جابراً».

قال جابر: وكان في الخندق سبعمائة رجل فخرجوا كلهم، ثم لم يمر بأحد من المهاجرين والأنصار إلا قال: «أجيبوا جابراً».

قال جابر: فتقدمت وقلت لأهلي: والله قد أتاك محمد رسول الله صلي الله عليه و اله بما لا قبل لك به.

فقالت: أعلمته أنت بما عندنا؟

قال: نعم.

قالت: هو أعلم بما أتي.

قال جابر: فدخل رسول الله صلي الله عليه و اله فنظر في القدر، ثم قال: «اغرفي وأبقي»، ثم نظر في التنور، ثم قال: «أخرجي وأبقي» ثم دعا بصحنة فثرد فيها وغرف، فقال: «يا جابر، أدخل علي عشرة».

فأدخلت عشرة فأكلوا حتي نهلوا وما يري في القصعة إلا آثار أصابعهم.

ثم قال: «يا جابر، علي بالذراع»، فأتيته بالذراع فأكلوه.

ثم قال: «أدخل علي عشرة» فدخلوا فأكلوا حتي نهلوا وما يري في القصعة إلا آثار أصابعهم.

ثم قال: «عليَّ بالذراع»، فأكلوا وخرجوا.

ثم قال: «أدخل علي عشرة»، فأدخلتهم فأكلوا حتي نهلواً ولم ير في القصعة إلا آثار أصابعهم.

ثم قال: «يا جابر، علي بالذراع» فأتيته، فقلت: يا رسول الله، كم للشاة من ذراع؟

قال: «ذراعان».

فقلت: والذي بعثك بالحق نبيا لقد أتيتك بثلاثة!؟

فقال: «أما لو سكت يا جابر لأكلوا الناس كلهم من الذراع».

قال جابر: فأقبلت

أدخل عشرة عشرة، فدخلوا فيأكلون حتي أكلوا كلهم وبقي والله لنا من ذلك الطعام ما عشنا به أياما.

قال: وحفر رسول الله صلي الله عليه و اله الخندق وجعل له ثمانية أبواب، وجعل علي كل باب رجلا من المهاجرين ورجلا من الأنصار مع جماعة يحفظونه، وقدمت قريش وكنانة وسليم و هلال فنزلوا الرغابة.

ففرغ رسول الله صلي الله عليه و اله من حفر الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة أيام، فأقبلت قريش ومعهم حيي بن أخطب فلما نزلوا العقيق جاء حيي بن أخطب إلي بني قريظة في جوف الليل، وكانوا في حصنهم قد تمسكوا بعهد رسول الله صلي الله عليه و اله، إلي أن قال فقال أي حيي بن أخطب : ويلك يا كعب، انقض العهد الذي بينك وبين محمد ولاترد رأيي؛ فإن محمداً لا يفلت من هذا الجمع أبداً، فإن فاتك هذا الوقت لا تدرك مثله أبداً.

قال: واجتمع كل من كان في الحصن من رؤساء اليهود، مثل: غزال بن شمول وياسر بن قيس ورفاعة بن زيد والزبير بن ياطا، فقال لهم كعب: ما ترون؟

قالوا: أنت سيدنا والمطاع فينا وأنت صاحب عهدنا، فإن نقضت نقضنا وإن أقمت أقمنا معك، وإن خرجت خرجنا معك.

فقال الزبير بن ياطا، وكان شيخا كبيرا مجربا قد ذهب بصره: قد قرأت التوراة التي أنزلها الله في سفرنا، بأنه يبعث نبيا في آخر الزمان يكون مخرجه بمكة، ومهاجرته بالمدينة إلي البحيرة، يركب الحمار العربي ويلبس الشملة، ويجتزي بالكسيرات والتميرات، وهو الضحوك القتال، في عينيه حمرة، وبين كتفيه خاتم النبوة، يضع سيفه علي عاتقه، لا يبالي من لاقاه، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر، فإن كان هذا هو فلا يهولنه هؤلاء وجمعهم، ولو ناوته هذه الجبال الرواسي

لغلبها.

فقال حيي: ليس هذا ذلك، وذلك النبي من بني إسرائيل وهذا من العرب من ولد إسماعيل، ولا يكون بنو إسرائيل أتباعا لولد إسماعيل أبداً؛ لأن الله قد فضلهم علي الناس جميعاً وجعل منهم النبوة والملك، وقد عهد إلينا موسي ألا نؤمن لرسول حتي يأتينا بقربان تأكله النار، وليس مع محمد آية، وإنما جمعهم جمعاً وسحرهم، ويريد أن يغلبهم بذلك، فلم يزل يقلبهم عن رأيهم حتي أجابوه، فقال لهم: أخرجوا الكتاب الذي بينكم وبين محمد، فأخرجوه فأخذه حيي بن أخطب ومزقه، وقال: قد وقع الأمر، فتجهزوا وتهيئوا للقتال.

وبلغ رسول الله صلي الله عليه و اله ذلك فغمه غما شديداً وفزع أصحابه، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله لسعد بن معاذ وأسيد بن حصين، وكانا من الأوس، وكانت بنو قريظة حلفاء الأوس، فقال لهما: «ائتيا بني قريظة فانظروا ما صنعوا، فإن كانوا نقضوا العهد فلا تعلما أحداً إذا رجعتما إلي، وقولا عضل والفارة».

فجاء سعد بن معاذ وأسيد بن حصين إلي باب الحصن، فأشرف عليهما كعب من الحصن فشتم سعداً وشتم رسول الله صلي الله عليه و اله فقال له سعد: إنما أنت ثعلب في جحر، لنولين قريشاً وليحاصرنك رسول الله صلي الله عليه و اله ولينزلنك علي الصغر والقماع وليضربن عنقك.

ثم رجعا إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فقالا: عضل والفارة.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «لعناء، نحن أمرناهم بذلك» وذلك أنه كان علي عهد رسول الله صلي الله عليه و اله عيون لقريش يتجسسون خبره، وكانت عضل والفارة قبيلتان من العرب دخلا في الإسلام، ثم غدرا، فكان إذا غدر أحد ضرب بهذا المثل، فيقال: عضل والفارة.

ورجع حيي بن أخطب إلي

أبي سفيان وقريش فأخبرهم بنقض بني قريظة العهد بينهم وبين رسول الله صلي الله عليه و اله ففرحت قريش بذلك، فلما كان في جوف الليل جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وقد كان أسلم قبل قدوم قريش بثلاثة أيام، فقال: يارسول الله، قد آمنت بالله وصدقتك وكتمت إيماني عن الكفرة، فإن أمرتني أن آتيك بنفسي وأنصرك بنفسي فعلت، وإن أمرت أن أخذِّل بين اليهود وبين قريش فعلت؛ حتي لا يخرجوا من حصنهم؟

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «اخذل بين اليهود وقريش، فإنه أوقع عندي».

قال: فتأذن لي أن أقول فيك ما أريد؟

قال: «قل ما بدا لك».

فجاء إلي أبي سفيان فقال له: تعرف مودتي لكم ونصحي ومحبتي أن ينصركم الله علي عدوكم، وقد بلغني أن محمداً قد وافق اليهود، أن يدخلوا بين عسكركم ويميلوا عليكم، ووعدهم إذا فعلوا ذلك أن يرد عليهم جناحهم الذي قطعه لبني النضير وقينقاع، فلا أري لكم أن تدعوهم يدخلوا في عسكركم حتي تأخذوا منهم رهناً تبعثوا بهم إلي مكة، فتأمنوا مكرهم وغدرهم.

فقال أبو سفيان: وفقك الله وأحسن جزاك، مثلك أهدي النصائح، ولم يعلم أبو سفيان بإسلام نعيم، ولا أحد من اليهود.

ثم جاء من فوره ذلك إلي بني قريظة فقال: يا كعب، تعلم مودتي لكم، وقد بلغني أن أبا سفيان قال: تخرج هؤلاء اليهود فنضعهم في نحر محمد، فإن ظفروا كان الذكر لنا دونهم، وإن كانت علينا كانوا هؤلاء مقاديم الحرب، فلا أري لكم أن تدعوهم يدخلوا عسكركم حتي تأخذوا منهم عشرة من أشرافهم يكونون في حصنكم، إنهم إن لم يظفروا بمحمد لم يبرحوا حتي يردوا عليكم عهدكم وعقدكم بين محمد وبينكم؛ لأنه إن

ولت قريش ولم يظفروا بمحمد غزاكم محمد فيقتلكم.

فقالوا: أحسنت وأبلغت في النصيحة، لا نخرج من حصننا حتي نأخذ منهم رهنا يكونون في حصننا.

وأقبلت قريش، فلما نظروا إلي الخندق قالوا: هذه مكيدة، ما كانت العرب تعرفها قبل ذلك!

فقيل لهم: هذا من تدبير الفارسي الذي معه، فوافي عمرو بن عبد ود وهبيرة بن وهب وضرار بن الخطاب إلي الخندق، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله قد صف أصحابه بين يديه، فصاحوا بخيلهم حتي طفروا الخندق إلي جانب رسول الله صلي الله عليه و اله فصاروا أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله كلهم خلف رسول الله صلي الله عليه و اله وقدموا رسول الله صلي الله عليه و اله بين أيديهم، وقال رجل من المهاجرين وهو فلان لرجل بجنبه من إخوانه: أما تري هذا الشيطان عمرو، لا والله ما يفلت من يديه أحد، فهلموا ندفع إليه محمداً ليقتله ونلحق نحن بقومنا، فأنزل الله علي نبيه في ذلك الوقت قوله: ?قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ والْقائِلِينَ لإخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا ولا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا ? أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ إلي قوله وكانَ ذلِكَ عَلَي اللَّهِ يَسِيراً? () وركز عمرو بن عبد ود رمحه في الأرض، وأقبل يجول حوله ويرتجز ويقول:

ولقد بححت من النداء

بجمعكم هل من مبارز

ووقفت إذ جبن الشجاع

مواقف القرن المناجز

إني كذلك لم أزل

متسرعا نحو الهزاهز

إن الشجاعة في الفتي

والجود من خير الغرائز

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من لهذا..؟».

فلم يجبه أحد.

فقام إليه أمير المؤمنين عليه السلام وقال: «أنا له يا رسول الله» فقال: «يا علي، هذا عمرو بن عبد ود فارس يليل».

قال: «أنا علي بن أبي طالب».

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ادن

مني».

فدنا منه، فعممه بيده، ودفع إليه سيفه ذا الفقار، فقال له: «اذهب وقاتل بهذا»، وقال: «اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته».

فمر أمير المؤمنين عليه السلام يهرول في مشيه وهو يقول:

لا تعجلن فقد أتاك

مجيب صوتك غير عاجز

ذو نية وبصيرة

والصدق منجي كل فائز

إني لأرجو أن أقيم

عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقي

صوتها بعد الهزاهز

فقال له عمرو: من أنت؟.

قال: «أنا علي بن أبي طالب، ابن عم رسول الله صلي الله عليه و اله وختنه».

فقال: والله، إن أباك كان لي صديقاً قديماً، وإني أكره أن أقتلك، ما آمن ابن عمك حين بعثك إلي أن أختطفك برمحي هذا، فأتركك شائلاً بين السماء والأرض لا حي ولا ميت؟

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: «قد علم ابن عمي أنك إن قتلتني دخلتُ الجنة وأنت في النار، وإن قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنة».

فقال عمرو: وكلتاهما لك يا علي، تلك إذا قسمة ضيزي!

قال علي عليه السلام: «دع هذا يا عمرو، إني سمعت منك وأنت متعلق بأستار الكعبة، تقول: لا يعرضن علي أحد في الحرب ثلاث خصال إلا أجبته إلي واحدة منها، وأنا أعرض عليك ثلاث خصال فأجبني إلي واحدة».

قال: هات يا علي.

قال: «أحدها تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله».

قال: نح عني هذه فاسأل الثانية.

فقال: «أن ترجع وترد هذا الجيش عن رسول الله صلي الله عليه و اله فإن يك صادقاً فأنتم أعلي به عينا، وإن يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره».

فقال: إذاً لا تتحدث نساء قريش بذلك، ولا تنشد الشعراء في أشعارها أني جبنت ورجعت علي عقبي من الحرب وخذلت قوما رأسوني عليهم.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «فالثالثة أن تنزل

إلي فإنك راكب وأنا راجل حتي أنابذك».

فوثب عن فرسه وعرقبه وقال: هذه خصلة ما ظننت أن أحداً من العرب يسومني عليها.

ثم بدأ فضرب أمير المؤمنين عليه السلام بالسيف علي رأسه فاتقاه أمير المؤمنين بدرقته فقطعها وثبت السيف علي رأسه.

فقال له علي عليه السلام: «يا عمرو أما كفاك أني بارزتك وأنت فارس العرب حتي استعنت علي بظهير». فالتفت عمرو إلي خلفه فضربه أمير المؤمنين عليه السلام مسرعا علي ساقيه قطعهما جميعا وارتفعت بينهما عجاجة، فقال المنافقون: قتل علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم انكشف العجاجة، فنظروا فإذا أمير المؤمنين عليه السلام علي صدره قد أخذ بلحيته يريد أن يذبحه، فذبحه ثم أخذ رأسه، وأقبل إلي رسول الله صلي الله عليه و اله والدماء تسيل علي رأسه من ضربة عمرو، وسيفه يقطر منه الدم وهو يقول والرأس بيده :

«أنا علي وابن عبد المطلب

الموت خير للفتي من الهرب»

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «يا علي، ماكرته؟».

قال: «نعم يا رسول الله؛ الحرب خديعة».

وبعث رسول الله صلي الله عليه و اله الزبير إلي هبيرة بن وهب فضربه علي رأسه ضربة فلق هامته، وأمر رسول الله صلي الله عليه و اله عمر بن الخطاب أن يبارز ضرار بن الخطاب، فلما برز إليه ضرار انتزع له عمر سهما، فقال ضرار: ويحك يا ابن صهاك أترميني في مبارزة! والله لئن رميتني لا تركت عدويا بمكة إلا قتلته، فانهزم عنه عمر ومر نحوه ضرار وضربه علي رأسه بالقناة، ثم قال: احفظها يا عمر، فإني آليت أن لا أقتل قرشيا ما قدرت عليه، فكان عمر يحفظ له ذلك بعد ما ولي، فولاه.

فبقي رسول الله صلي الله عليه و اله يحاربهم في الخندق

خمسة عشر يوماً إلي أن قال فلما طال علي أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله الأمر واشتد عليهم الحصار، وكانوا في وقت برد شديد وأصابتهم مجاعة وخافوا من اليهود خوفا شديدا، وتكلم المنافقون بما حكي الله عنهم ولم يبق أحد من أصحاب رسول الله إلا نافق إلا القليل، وقد كان رسول الله صلي الله عليه و اله أخبر أصحابه أن العرب تتحزب ويجيئون من فوق وتغدر اليهود ونخافهم من أسفل، وأنه ليصيبهم جهد شديد، ولكن تكون العاقبة لي عليهم، فلما جاءت قريش وغدرت اليهود قال المنافقون: ?ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُوراً?().

وكان قوم لهم دور في أطراف المدينة فقالوا: يا رسول الله تأذن لنا أن نرجع إلي دورنا؛ فإنها في أطراف المدينة وهي عورة ونخاف اليهود أن يغيروا عليها؟

وقال قوم: هلموا فنهرب ونصير في البادية ونستجير بالأعراب؛ فإن الذي كان يعدنا محمد كان باطلا كله. وكان رسول الله صلي الله عليه و اله أمر أصحابه أن يحرسوا المدينة بالليل، وكان أمير المؤمنين عليه السلام علي العسكر كله بالليل يحرسهم، فإن تحرك أحد من قريش نابذهم، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يجوز الخندق ويصير إلي قرب قريش حيث يراهم، فلا يزال الليل كله قائماً وحده يصلي، فإذا أصبح رجع إلي مركزه، ومسجد أمير المؤمنين هناك معروف يأتيه من يعرفه فيصلي فيه، وهو من مسجد الفتح إلي العقيق أكثر من غلوة نشابة، فلما رأي رسول الله صلي الله عليه و اله من أصحابه الجزع لطول الحصار صعد إلي مسجد الفتح وهو الجبل الذي عليه مسجد الفتح اليوم، فدعا الله وناجاه فيما وعده وكان مما دعاه أن قال:

«يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين ويا كاشف الكرب

العظيم، أنت مولاي ووليي وولي آبائي الأولين، اكشف عنا غمنا وهمنا وكربنا، واكشف عنا شر هؤلاء القوم بقوتك وحولك وقدرتك».

فنزل عليه جبرئيل فقال: «يا محمد، إن الله قد سمع مقالتك وأجاب دعوتك، وأمر الدبور وهي الريح مع الملائكة أن تهزم قريشا والأحزاب».

وبعث الله علي قريش الدبور فانهزموا وقلعت أخبيتهم، ونزل جبرئيل فأخبره بذلك.

فنادي رسول الله صلي الله عليه و اله حذيفة بن اليمان، وكان قريبا منه فلم يجبه، ثم ناداه فلم يجبه، ثم ناداه الثالثة، فقال: لبيك يا رسول الله.

قال: «أدعوك فلا تجيبني؟».

قال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي من الخوف والبرد والجوع.

فقال: «ادخل في القوم وائتني بأخبارهم، ولا تحدثن حدثا حتي ترجع إلي؛ فإن الله قد أخبرني أنه قد أرسل الرياح علي قريش فهزمهم».

قال حذيفة: فمضيت وأنا انتفض من البرد، فوالله ما كان إلا بقدر ما جزت الخندق حتي كأني في حمام، فقصدت خباء عظيما فإذا نار تخبو وتوقد، وإذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلي خصيتيه علي النار وهو ينتفض من شدة البرد، ويقول: يا معشر قريش، إن كنا نقاتل أهل السماء، بزعم محمد، فلا طاقة لنا بأهل السماء، وإن كنا نقاتل أهل الأرض فنقدر عليهم، ثم قال: لينظر كل رجل منكم إلي جليسه لا يكون لمحمد عين فيما بيننا، قال حذيفة: فبادرت أنا فقلت للذي عن يميني: من أنت؟

فقال: أنا عمرو بن العاص.

ثم قلت للذي عن يساري من أنت.

قال: أنا معاوية.

وإنما بادرت إلي ذلك لئلا يسألني أحد من أنت، ثم ركب أبوسفيان راحلته وهي معقولة، ولولا أن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «لاتحدث حدثا حتي ترجع إلي» لقدرت أن أقتله.

ثم قال أبو سفيان لخالد بن الوليد يا أبا سليمان،

لابد من أن أقيم أنا وأنت علي ضعفاء الناس، ثم قال: ارتحلوا إنا مرتحلون، ففروا منهزمين.

فلما أصبح رسول الله صلي الله عليه و اله قال لأصحابه: «لا تبرحوا»، فلما طلعت الشمس دخلوا المدينة وبقي رسول الله صلي الله عليه و اله في نفر يسير.

وكان ابن فرقد الكناني رمي سعد بن معاذ رحمه الله بسهم في الخندق فقطع أكحله، فنزفه الدم، فقبض سعد علي أكحله بيده، ثم قال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها، فلا أجد أحب إلي محاربتهم من قوم حادوا الله ورسوله، وإن كانت الحرب قد وضعت أوزارها بين رسول الله صلي الله عليه و اله وبين قريش فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتي تقر عيني من بني قريظة، فأمسك الدم وتورمت يده. وضرب رسول الله له في المسجد خيمة وكان يتعاهده بنفسه، فأنزل الله: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً? إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ ومِنْ أَسْفَلَ مِنْكُم?ْ يعني بني قريظة حين غدروا وخافوهم أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله ?وإِذْ زاغَتِ الأَبْصارُ وبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ? إلي قوله: ?إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِراراً?() وهم الذين قالوا لرسول الله صلي الله عليه و اله: تأذن لنا نرجع إلي منازلنا؛ فإنها في أطراف المدينة ونخاف اليهود عليها؟

فأنزل الله فيهم: ?إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وما هِيَ بِعَوْرَة إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِراراً إلي قوله وكانَ ذلِكَ عَلَي اللَّهِ يَسِيراً?() ونزلت هذه الآية في فلان لما قال لعبد الرحمن بن عوف: هلم ندفع محمداً إلي قريش، ونلحق نحن بقومنا.

ثم وصف الله المؤمنين المصدقين بما أخبرهم رسول الله صلي الله

عليه و اله ما يصيبهم في الخندق من الجهد، فقال:

?ولَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ ورَسُولُهُ … وما زادَهُمْ إِلا إِيماناً?() يعني: ذلك البلاء والجهد والخوف. انتهي.()

إذن، علي من يعمل للإسلام أن يتذكر هذه المواقف جيداً ويعتبر بها، ولا يركن إلي اليأس، بل عليه أن لا يعطي لنفسه مجالاً كي يفكر باليأس والتراجع والفشل، وعليه أن يُقدم متأسياً بأمير المؤمنين عليه السلام حينما أحجم القوم وقام بها، حتي قال فيه الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: «أبشر يا علي، فلو وزن اليوم عملك بعمل أمة محمّد صلي الله عليه و اله لرجح عملك بعملهم وذلك أنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا وقد دخله وهن بقتل عمرو، ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا وقد دخله عز بقتل عمرو» ().

وروي عن عبد الله بن مسعود قال: وكفي الله المؤمنين القتال بعلي().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله أيضاً: «لضربة علي لعمرو بن عبد ود أفضل من عمل أمتي إلي يوم القيامة» ().

فالعاملون يجب أن يكونوا مصداقاً للآية الشريفة: ?مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضي نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً?() أي ثبتوا علي المبدأ، واستقاموا من أجل نشره والحفاظ عليه.

فقد روي عن حذيفة بن اليمان قال: لما دعا عمرو إلي المبارزة أحجم المسلمون كافة ما خلا علياً، فإنه برز إليه فقتله الله علي يديه، والذي نفس حذيفة بيده، لعمله في ذلك اليوم أعظم أجراً من عمل أصحاب محمد إلي يوم القيامة، وكان الفتح في ذلك اليوم علي يد علي عليه السلام، وقال النبي صلي الله عليه و اله: «لضربة علي خير من عبادة

الثقلين» ().

مقارعة الطاغوت

وليعلم العاملون، أن مقارعة الطاغوت ليس بالأمر الهيّن، ولكنها في الوقت نفسه ليست بالأمر المستحيل، غاية الأمر أن مسالة التغلب عليه تتوقف علي مجموعة من الأسباب التي يجب أن تكون سابقة علي تحقق النصر، وإلاّ فالنصر لا يُعطي لطالبيه بارزاً جاهزاً علي طبق من ذهب وفضة.

فالنبي موسي عليه السلام قبل أن يخوض الصراع الفعلي مع فرعون أعطاه الله آيتين، العصا ويده البيضاء، لتكونا برهاناً علي صدقه، لعل فرعون يرجع عن غيه وعساه أن يذعن للأمر، ولكننا نري موسي عليه السلام مع ذلك يطلب من الله أمراً آخر، وهو السند والوزير، فقال: ?قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي? وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي?وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي?يَفْقَهُوا قَوْلِي?وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي? هارُونَ أَخِي?اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي?() وذلك كما قال هو: لكي يتقوي أكثر علي مقارعة فرعون. فهو هنا يعمل علي تهيئة سبب ماديّ ومعنوي ضروري، وهنا تظهر كفاءته في الطلب وفي الاختبار، وإلي جانب ذلك يطلب أموراً أخري أيضاً، أي يعمل علي تهيئة أسباب بعضها مادي والآخر معنوي: ?قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي? وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي?وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي?يَفْقَهُوا قَوْلِي?().

تهيئة أسباب النصر

وهكذا، فالعاملون لابدّ أن يعملوا علي محورين:

أولهما: الثبات.

وثانيهما: تهيئة أسباب النصر.

وكلاهما يتخللهما العنصر الغيبي الذي لابدّ منه، ولكن حتي هذا العنصر الغيبي يتطلب سبباً أيضاً، وهو الدعاء والتوجه إلي الله بقلب سليم مطمئن، فقد قال تعالي: ?قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ?().

وهذا العنصر هو الفارق الرئيسي والجوهري بين العمل الإسلامي والعمل غير الإسلامي، ذلك لأن العمل الإسلامي دائماً يكون مؤطّراً به، وأما عمل الطواغيت فيكون عملاً مادّياً بحتاً، فتراه عندما يفشل ويسقط تتبدّد كل أعماله: ?كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف?()، فلا يبقي من القصور

والإمبراطوريات إلاّ رسمها، وشيء من الذكريات المرّة. بينما العمل الإسلامي الخالص لله تبارك وتعالي فإنه يبقي خالداً في الدنيا إلي آخر الدهر؛ لأن يد الغيب هي التي تحافظ عليه وتجعله مناراً وأُسوة حسنة يُقتدي به.

ثم إنه ليس هناك فرق بين طواغيت الأمس واليوم إلاّ في الصورة، ولازم ذلك أن تختلف بعض الأساليب التي استخدمها العاملون بالأمس. فالحكام سابقاً علي الرغم من سيطرتهم الفعلية علي دفّة الحكم وبطشهم وظلمهم ووضع الشرطة والجواسيس علي الناس، إلاّ أن ظاهرة اللا نظام كانت سائدة، أما حكام اليوم فحيلهم منظمة ومرتبة، ومواجهة ذلك يقتضي أن ينتظم العاملون ويكون عملهم منظماً أيضاً، لكي يصمد أمام المواجهات والتحديات المنظمة.

من واقع الطواغيت

قال تبارك وتعالي: ?إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ?().

إن عادة الطغاة إشاعة الفساد في الأرض بحرق النسل والحرث وما أشبه، وذلك من خلال قناتين:

1 الإرهاب، المتمثل بالقتل والسجن والتعذيب وبثّ الجواسيس وشراء الضمائر ومحاربة الدين.

2 التفرّد بالأموال وثروات الشعب وصرفها علي ما تشتهي أنفسهم، وحرمان الناس منها.

وبكلمة أخري: إنّهم يسيطرون علي الناس من خلال الجهاز السياسي والاقتصادي، أما الجانب الاجتماعي فهو مرتبط بذينك العاملين السابقين، فكلما فسد اقتصاد البلد وصودرت الثروات، عاش الناس في فقر مُدقع، وتكون عاقبة ذلك الفساد بالطبع الانحراف الأخلاقي.

وهكذا بالنسبة للجانب السياسي وتأثيره علي الوحدة الاجتماعية للناس، ومن أشد الأمور التي تجعل المجتمع متأثراً، وتسوده الفوضي، هو تلاعب الطغاة بالأموال يميناً وشمالاً، وحرق الملايين علي شهواتهم وملذاتهم وحرمان الشعب من ثرواته، فإن هذا النوع من السلوك يخلق لدي الجماهير سخطاً عاماً ربما يتبعه تصادم عنيف؛ لأن الجماهير تشعر بأن السلطة تسرق أموالها وخيراتها وتتمتع بها،

وهم يعيشون في أحوال تعيسة وظروف صعبة، وهذا من أسباب خلق المعارضة مما يضطر الطاغية لأن يجابه تحرك الجماهير بكل قوة وعنف وإرهاب، خوفاً علي كرسيه، فيكافح كل من يعترض علي سلوكه وتصرفاته بكل قساوة.

حكّام لا حكمة لهم

نقل عن خلافة الأمين بن هارون العباسي أنه عند ما ملك، وجّه إلي البلدان في طلب الملهين وأجري لهم الأرزاق، واقتني الوحوش والسباع والطيور واحتجب عن أهل بيته وأمرائه، واستخفّ بهم، ومحق ما في بيوت الأموال، وضيّع الجواهر والنفائس، وبني عدّة قصور للَّهو في أماكن مختلفة، وأجاز مرة أحد المغنين بأن ملأ له زورقه ذهباً. بينما كان الكثير من الجماهير في حكمه يعيش أسوء حالات الفقر().

وهكذا الحال مع الطاغية صدام() في العراق، فإنه يتمتع بمعيشة بذخ وإسراف، ويقضي كل شهواته الحيوانية، وملذاته الطائشة هو وأعوانه، بينما يعيش العراقيون في أوضاع مأساوية وظروف قاسية، فمئات الآلاف من المهجّرين والمهاجرين()، ومئات الآلاف يقبعون في قعر السجون، فضلاً عن الحالة التي يعيشها الملايين من الشعب العراقي المظلوم، وكثرة الصعوبات والمضايقات. وعندما يثور الشعب ويغضب ضد هذه الأساليب اللاإنسانية تري الطغاة كيف يقمعونها بوحشية نادرة قلّما نجد لها مثيلاً()، وأساليبهم معروفة للعالم كله.

وهكذا الحال في غيره من الرؤساء، الذين لا تراهم الشمس، ولا يعرفون للحر والبرد والجوع والفقر معني، بينما تعيش الملايين من شعوبهم حالة البطالة والفقر والانزلاق الأخلاقي، وتفشي كل أنواع الفاحشة والجريمة.

فهذا واقع الطغاة، وهذه أساليبهم، وهذا طراز حياتهم، لايختلف الواحد عن الآخر إلاّ في بعض الشكليات، وإلاّ فالمضمون والجوهر واحد، أي: إن الروح العدائية للجماهير موجودة في قلب كل منهم، ولكن كل يعرفها بشكل أو بآخر وهؤلاء الطغاة هم من أكثر مشاكل المسلمين ومعانة الأمة.

طغيان الحجّاج

كان الحجاج بن يوسف

الثقفي() من الطغاة الذين استولوا علي الحكم الإسلامي فإنه، الذي يعتبر واحد من أشهر طغاة التاريخ كان والياً لبني أمية الذين حكموا البلاد بالظلم والجور والاستبداد، عُرف الحجاج بأسلوبه البشع في تعذيب السجناء؛ حيث ذكر في كتب السيرة والتاريخ أنه كان قد صنع سجناً مكشوفاً يضم بداخله ما لا يقلّ عن مائة ألف سجين من الرجال والنساء بصورة مختلطة، يلاقون أشدَّ وأقسي الظروف المناخية كالحرِّ والبرد، ويعانون من صنوف التعذيب الجسدي والنفسي.

وفي التاريخ: أنه قد أحصي من قتله صبراً سوي من قتل في عساكره وحروبه، فوجد مائة وعشرين ألفاً، مات وفي حبسه خمسون ألف رجل، وثلاثون ألف امرأة، منهن ستة عشر ألفاً مجردة، وكان يحبس النساء والرجال في موضع واحد().

وكان الحاكم الأموي عبد الملك بن مروان يؤيِّد كل أعمال الحجاج، ويُمدّه بما يحتاج إليه؛ وكيف لا، وهو القائل حينما استلم مقاليد الخلافة: والله لا يأمرني أحد بتقوي الله بعد مقامي هذا إلاّ ضربت عنقه().

وهو الذي حين أفضي الأمر إليه، وكان المصحف في حجره فأطبقه وقال: هذا آخر العهد بك()، وليس هذا فحسب، بل إنه عندما حضرته الوفاة جعل يوصي ابنه الوليد بالحجاج خيراً، رغم علمه بوحشيته وولعه بالدماء، فيقول لابنه: وانظر الحجاج فأكرمه، فإنه هو الذي وطَّأ لكم المنابر، وهو سيفك، يا وليد، ويدك علي من ناواك، فلا تسمعنَّ فيه قول أحد، وأنت إليه أحوج منه إليك، وادع الناس إذا متُّ إلي البيعة؛ فمن قال برأسه هكذا فقل بسيفك هكذا().

ثم يعلِّق السيوطي فيقول: لو لم يكن من مساويء عبد الملك إلاّ الحجّاج، وتوليته إياه علي المسلمين وعلي الصحابة، يهينهم ويُذِلُّهم قتلاً وضرباً وشتماً وحبساً، وقد قتل من الصحابة وأكابر التابعين مالا يحصي، فضلاً عن غيرهم،

وختم في عنق

أنس وغيره من الصحابة ختماً، يريد بذلك ذُلّهم فلا رحمه الله ولا عفا عنه().

وقيل للشعبي: أكان الحجاج مؤمناً؟

قال: نعم بالطاغوت!

وكان الشعبي يقول: لو جاءت كل أُمة بخبيثها وفاسقها وجئنا بالحجاج وحده لزدنا عليهم(). ومما ينقل أن الحجاج كان في صغره لا يقبل الثدي، وأعياهم أمره، فيقال: إن الشيطان تصوّر له في صورة الحرث بن كلدة حكيم العرب، فسألهم عن ذلك، فأخبره مخبر من أهله، فقال لهم: إذبحوا له تيساً وألعقوه من دمه، وأولغوه فيه، ثم اطلوا به وجهه، ففعلوا ذلك، فقبل الثدي؛ فلأجل ذلك كان لا يصبر علي سفك الدماء، وكان يخبر عن نفسه أن أكبر لذَّاته سفك الدماء، وارتكاب أمور لا يقدر غيره عليها().

ومن ذلك ما روي: أن الحجاج بن يوسف الثقفي قال ذات يوم: أحب أن أصيب رجلا من أصحاب أبي تراب فأتقرب إلي الله بدمه! فقيل له: ما نعلم أحدا كان أطول صحبة لأبي تراب من قنبر مولاه.

فبعث في طلبه، فأتي به، فقال له: أنت قنبر؟

قال: نعم.

قال: أبو همدان؟

قال: نعم.

قال: مولي علي بن أبي طالب؟

قال: الله مولاي وأمير المؤمنين علي ولي نعمتي.

قال: ابرأ من دينه؟

قال: فإذا برئت من دينه تدلني علي دين غيره أفضل منه.

قال: إني قاتلك، فاختر أي قتلة أحب إليك؟

قال: قد صيرت ذلك إليك.

قال: ولم؟

قال: لأنك لا تقتلني قتلة إلا قتلتك مثلها، وقد أخبرني أمير المؤمنين عليه السلام أن ميتتي تكون ذبحا ظلما بغير حق.

قال: فأمر به فذبح().

ولكن مع كبريائه وجبروته وبطشه الشديد، نراه ذليلاً لشهوته، منقاداً لهواه، تعيس الحظِّ حتي مع النساء.

الحجّاج علي لسان إحدي زوجاته

فقد حكي أن هنداً إبنة النعمان كانت أحسن أهل زمانها. فوصِف للحجاج حسنها، فأنفذ إليها يخطبها، وبذل لها مالاً وافراً، وتزوج بها،

وشرط لها عليه بعد الصداق مائتي ألف درهم، ودخل بها، ثم دخل عليها في بعض الأيام وهي تنظر في المرآة وتقول:

وما هند إلاّ مهرةٌ عربيةٌ قصي

سليلة أفراسٍ تحلَّلَها بغل

فإن وَلَدت فحلاً فلله درُّها

وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل

فسمعها الحجاج فانصرف ولم يدخل عليها، ثم بعث عبد الله بن طاهر ليطلِّقها فأعطاها المائتي ألف درهم، فقالت: جئت بها بشارة بخلاصي من كلب بني ثقيف. ثم بعد ذلك بلغ عبد الملك بن مروان خبرها، فأرسل إليها يخطبها، فاشترطت عليه: أن يقود الحجاج محملي إلي بلدك التي أنت فيها، ويكون ماشياً حافياً، فلما علم عبد الملك شرطها ضحك وأنفذ إلي الحجاج وأمره بذلك، فامتثل الحجاج لذلك. فهذا هو الحجاج().

وكذلك هو واقع الظلمة والطغاة، الذين ينقضّون بكل قواهم علي المستضعفين، في حين أن قوتهم وجبروتهم هذه تذوب أمام النساء والملَذّات الأخري.

إن السلوك الذي يمارسه الجبابرة علي الأمم والشعوب، وإن أخضعها حيناً إلاّ أنها ما تلبث أن تفلت وتتمرد علي الطاغوت وتخرج من ربقته؛ لأن القوة والبطش والرعب والسجون كل ذلك لا يكون نظاماً للناس، أو منهاجاً لحياتهم، بل إنها تخلق جوّاً إرهابياً يخشاه الناس حيناً، ثم ينقلب الأمر علي الطاغوت.

نعم، إن من معاناة الإسلام والمسلمين هؤلاء الطغاة وسياستهم المنحرفة واللاعقلائية، فإنها تبعث في كثير من الأحيان في نفوس الأمة الخوف والهزيمة، وذوبان القيم الأخلاقية وانصهارها في اللاشعور، وتظهر أساليب وسلوكيات أخري تعكس واقعهم المزري، وضحالة الحالة الاجتماعية، أمثال المكر والرشوة والوشاية والتجسس، وغيرها.

الأسباب والمسببات

فعلي الأفراد والأمم أن يسألوا أنفسهم: لماذا يتسلط هؤلاء الطغاة عليهم؟

وما هي الأسباب التي دعت لذلك؟

ثم ما هي الأساليب التي بها يمكن إزالة حكم هؤلاء الظلمة؟

يقول الله تعالي: ?إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا

ما بِأَنْفُسِهِمْ?().

إذاً هناك منهج ربّاني تحكمه قوانين إلهية دقيقة لا بد أن يلتفت إليها الإنسان؛ ولهذا جاء التأكيد علي التدبر في آيات القرآن؛ لأن فيها بيان سنن الله في الحياة، ولكن الإنسان هو الذي لا يلتفت إليها.

إن قانون الأسباب والمسببات هو الذي يحكم الكون بنظامه الصارم، فلكل معلول علة، ولكل فعل ردّ فعل، ولكل عمل نتيجة أو نتائج.

قال الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام: «الذنوب التي تغير النعم: البغي علي الناس والزوال عن العادة في الخير واصطناع المعروف، وكفران النعم وترك الشكر، قال الله تعالي: ?إِنَّ اللهَ لايُغَيِّرُ ما بِقَوْم حَتَّي يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ? ().

والذنوب التي تورث الندم: قتل النفس التي حرم الله، قال الله تعالي في قصة قابيل حين قتل أخاه هابيل فعجز عن دفنه: ?فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِين?().

وترك صلة القرابة حتي يستغنوا، وترك الصلاة حتي يخرج وقتها، وترك الوصية ورد المظالم، ومنع الزكاة حتي يحضر الموت وينغلق اللسان.

والذنوب التي تنزل النقم: عصيان العارف بالبغي، والتطاول علي الناس، والاستهزاء بهم، والسخرية منهم.

والذنوب التي تدفع القسم: إظهار الافتقار، والنوم عن العتمة، وعن صلاة الغداة، واستحقار النعم، وشكوي المعبود عزوجل.

والذنوب التي تهتك العصم: شرب الخمر، واللعب بالقمار، وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح، وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب.

والذنوب التي تنزل البلاء: ترك إغاثة الملهوف، وترك معاونة المظلوم، وتضييع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والذنوب التي تديل الأعداء: المجاهرة بالظلم، وإعلان الفجور، وإباحة المحظور، وعصيان الأخيار، والانطياع للأشرار.

والذنوب التي تعجل الفناء: قطيعة الرحم، واليمين الفاجرة، والأقوال الكاذبة، والزنا، وسد طريق المسلمين، وادعاء الإمامة بغير حق.

والذنوب التي تقطع الرجاء: اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والثقة بغير الله، والتكذيب بوعد الله عزوجل.

والذنوب التي تظلم

الهواء: السحر، والكهانة، والإيمان بالنجوم، والتكذيب بالقدر، وعقوق الوالدين.

والذنوب التي تكشف الغطاء: الاستدانة بغير نية الأداء، والإسراف في النفقة علي الباطل، والبخل علي الأهل والولد وذوي الأرحام، وسوء الخلق، وقلة الصبر، واستعمال الضجر والكسل، والاستهانة بأهل الدين.

والذنوب التي ترد الدعاء: سوء النية، وخبث السريرة، والنفاق مع الإخوان، وترك التصديق بالإجابة، وتأخير الصلوات المفروضات حتي تذهب أوقاتها، وترك التقرب إلي الله عزوجل بالبر والصدقة، واستعمال البذاء والفحش في القول.

والذنوب التي تحبس غيث السماء: جور الحكام في القضاء، وشهادة الزور، وكتمان الشهادة، ومنع الزكاة والقرض والماعون، وقساوة القلب علي أهل الفقر والفاقة، وظلم اليتيم والأرملة، وانتهار السائل ورده بالليل» ().

الفضائل ازدهار الحياة

في المقابل عندما تكون هناك أمة صالحة يعيش أفرادها بوئام وسلام وتراحم، ستكون أعمالهم هذه أسباباً لازدهار الحياة وسعادتها؛ وهذا كله بحاجة إلي الإخلاص في العمل، فإن هكذا الإخلاص يزيد في العلم والحكمة، وفقاً لقول الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: «من أخلص لله أربعين يوماً فجر الله ينابيع الحكمة من قلبه علي لسانه» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «ما أخلص عبد الإيمان بالله أربعين يوما، إلا زهده الله في الدنيا، وبصره داءها ودواءها، وأثبت الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، ثم تلا: ?إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ?() فلا تري صاحب بدعة إلا ذليلاً، أو مفتريا علي الله عزوجل وعلي رسوله وأهل بيته (صلي الله عليهم أجمعين) إلا ذليلا» ().

ومن المعلوم أنه بواسطة العلم والحكمة تزدهر الحياة العامة، وينتفع الناس بذلك، وكذلك تعدّ صلة الرحم من الصفات المحببة التي يحثنا عليها أئمتنا عليهم السلام وهي من أسباب الزيادة في العمر؛ فعن الإمام الرضا عليه السلام

قال: «يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيّرها الله ثلاثين سنة، ويفعل الله ما يشاء» ().

وكلما ازداد العمر أمكن للإنسان أن ينتفع من ذلك.

وهكذا بقية الأعمال الصالحة، فالصدقة تدفع البلاء، قال الإمام الباقر عليه السلام: «الصدقة تدفع البلاء المبرم فداووا مرضاكم بالصدقة» ().

وحسن الخلق يزيد في الرزق، حيث ورد عن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله قوله: «حسن الخلق يزيد في الرزق» ().

وغير ذلك كثير من الأسباب والفضائل التي إذا هيّأها أبناء المجتمع فإنهم يكونون قد هيّأوا لأنفسهم أسباب العيش الهنيء والحياة الآمنة، البعيدة عن الحوادث والكوارث وغضب الله. ومن خلال هؤلاء الناس أنفسهم يظهر من فيه كفاءة القيادة، فيسوسهم بالرحمة والعطف والعدل وهذا يسبب نجاة المسلمين من معاناتهم.

الرذائل وهلاك المجتمع

ومن أسباب معاناة المسلمين ما نراه اليوم من تفش المحرمات والرذائل فإنها توجب هلاك المجتمع.

عن أبي جعفر عليه السلام قال: «وجدنا في كتاب رسول اللّه صلي الله عليه و اله إذا ظهر الزّنا من بعدي كثر موت الفجأة، وإذا طفّف المكيال والميزان أخذهم اللّه بالسّنين والنّقص، وإذا منعوا الزّكاة منعت الأرض بركتها من الزّرع والثّمار والمعادن كلّها، وإذا جاروا في الأحكام تعاونوا علي الظّلم و العدوان، وإذا نقضوا العهد سلّط اللّه عليهم عدوّهم، وإذا قطّعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار، وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يتّبعوا الأخيار من أهل بيتي سلّط اللّه عليهم شرارهم فيدعوا خيارهم فلا يستجاب لهم» ().

نعم، إذا اتصف أبناء المجتمع بالرذائل والصفات غير الأخلاقية فإن هذه الصفات نفسها تكون كافية لإهلاكهم وتسليط الجبابرة عليهم، لأن طبيعة الإنسان العاصي أن يكون مستغرقاً في الملذّات والهوي، ولا يعلم كيف تجري الأمور السياسية

والاقتصادية أو غيرها، فهو يجهل حتي هدفه في الحياة، فمثلاً عندما تستشري ظاهرة الزنا والعياذ بالله في المجتمع فالزنا فعل لابدّ له من نتائج، ومن نتائجه المعنوية قصر العمر، ومن نتائجه الماديّة شيوع الأمراض الجنسية الزهرية الخطيرة وهكذا الإيدز وغيره، وتفشي الانحلال الأخلاقي.

ثم إن بعض هذه الذنوب تكون نتائجها السيئة سريعة، أي أن ما يتبعها من مساوي تظهر مباشرة فتنعكس سلبياتها في المجتمع().

فمثلاً، الزنا ينشر الأمراض، وفساد السوق والميزان يوجب الجدب والقحط. وإذا منع الناس الزكاة أو الخمس منعت السماء ماءها.

وهكذا في المقابل، فإن الله قد جعل لكل صفةٍ أخلاقية حسنة نتائج معنوية إيجابية، ونتائج مادية إيجابية ينتفع الناس منها.

كما جعل الله لكل صفة لا أخلاقية، ولكل ذنب أو معصية نتائج سلبية تنعكس علي روح الإنسان، فتضعف إيمانه، ونتائج سلبية مادية تنعكس أضرارها في المجتمع، قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «خمس إن أدركتموهنَّ فتعوذوا بالله منهنَّ: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتي يعلنوها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ولم يمنعوا الزكاة إلاّ مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلاّ سلّط الله عليهم عدوّهم وأخذوا بعض ما في أيديهم، ولم يحكموا بغير ما أنزل الله (عز وجل) إلاّ جعل الله عز وجل بأسهم بينهم» ().

وهذا الحديث الشريف يكشف لنا عن نظام العليّة وقانون الأسباب والمسببات وبعض أسرار تسلط الظلمة علي الناس، لكنه يؤكد علي أن ذلك التسليط ليس من قبل الله (والعياذ بالله)، بل هو من جزاء أيدي الناس وأعمالهم.

قال عزوجل: ?ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ

بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ?().

الخروج من المأزق

ثم إن اللازم للخروج من هذا المأزق والتخلص من هذه المعاناة ولكي نصل إلي الحياة الطيبة والقيادة العادلة لابد لنا من أن نأخذ بعين الاعتبار قانون الأسباب والمسببات والسنن الكونية، ونعمل كل ما بوسعنا لكي تكون أعمالنا صالحة، حتي تأتي النتائج صالحة فتنعكس إيجابياتها علي مختلف الناس، كما إن من الضروري إيجاد التعددية السياسية لكي لا يكون مجال لتسلُّط الطغاة والجبابرة. فإذا استطعنا أن نبني ونُربّي أولادنا علي الفضيلة والأدب الإسلامي وسلوك أهل البيت عليهم السلام، نكون قد ضمنّا قيادة عادلة حكيمة في المستقبل؛ إذ عندما نجهل هذا الكون وما أودع الله فيه من السنن، ونهجر القرآن الذي فيه علم كل شيء، ولم نتبع سيرة رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام نكون قد تخلّينا عن حياتنا السعيدة وعن مصيرنا الموعود، فنذوب في العمل اليومي والقضايا الجانبية والثانوية، فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: «الله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم» ().

وكلما ازداد ابتعادنا عن القرآن وعن منهج أهل البيت عليهم السلام ازداد استغراقنا في المتاهات، لنفاجأ مَدهوشين بالطغاة واحداً تلو الآخر كدهشتنا بحاكم كالحجاج أو صدام وقد تسلط علينا.

وعندها نقول: لماذا سلّطه الله علينا؟ ونبتهل إلي الله بالدعاء والفرج، ولكن دون جدوي فعملنا هو في الواقع الذي فسح المجال لأن يأتي أمثال هؤلاء الطغاة، وبالعمل والسلوك أيضاً نستطيع أن نبدّل الواقع السيئ إلي واقع حسنٍ ومُرْضٍ، حيث قال تعالي: ?إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم?(). فإذا كان الإنسان دائماً في طاعة الله، مقيماً لشعائره ومجداً في سبيله، ومدافعاً عن الدين والمؤمنين، وباذلاً روحه وأمواله في سبيل شريعة

الله عز وجل، فإن هذا بحدّ ذاته نصر لدين الله، وسيكون سبباً لغلق الأبواب التي منها يتسلّل الانتهازيون وأشباههم ممّن يريدون الكيد بالإسلام العظيم، وكلما ازداد الدفاع عن الإسلام قويت قاعدة المسلمين التي تنتهي برسوخ وثبات الحكم الإسلامي.

حكومة أمير المؤمنين عليه السلام

إن لنا تجربة رائعة في الحكم وقدوة عظيمة نتأسي بها دوماً وهي دولة أمير المؤمنين عليه السلام، حيث جسَّد أروع صور العدل الإنساني فيقول عليه السلام: «إن هذا المال ليس لي ولك، وإنما هو فيء للمسلمين وجلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم، وإلا فجناة أيديهم لا يكون لغير أفواههم» ().

ويقول عليه السلام: «إن السلطان لأمين الله في الأرض، ومقيم العدل في البلاد والعباد ووزعته في الأرض» ().

وكتب عليه السلام للأشتر النخعي لما ولاه علي مصر وأعمالها وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن:

«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر، جباية خراجها وجهاد عدوها واستصلاح أهلها وعمارة بلادها:

أمره بتقوي الله وإيثار طاعته واتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها ولا يشقي إلا مع جحودها وإضاعتها، وأن ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه؛ فإنه جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره وإعزاز من أعزه، وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات ويزعها عند الجمحات؛ فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله.

ثم اعلم يا مالك، أني قد وجهتك إلي بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم، وإنما يستدل علي الصالحين

بما يجري الله لهم علي ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك؛ فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت، وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتي علي أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضي أن يعطيك الله من عفوه وصفحه؛ فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم. ولا تنصبن نفسك لحرب الله؛ فإنه لا يد لك بنقمته ولا غني بك عن عفوه ورحمته، ولا تندمن علي عفو ولا تبجحن بعقوبة، ولا تسرعن إلي بادرة وجدت منها مندوحةً ولا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع؛ فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين وتقرب من الغير. وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهةً أو مخيلةً فانظر إلي عظم ملك الله فوقك وقدرته منك علي ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن ذلك يطامن إليك من طماحك، ويكف عنك من غربك ويفيء إليك بما عزب عنك من عقلك.

إياك ومساماة الله في عظمته والتشبه به في جبروته؛ فإن الله يذل كل جبار ويهين كل مختال، أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوًي من رعيتك؛ فإنك إلا تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ومن خاصمه الله أدحض حجته، وكان لله حرباً حتي ينزع أو يتوب، وليس شيء أدعي إلي تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة

علي ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد. وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضي الرعية؛ فإن سخط العامة يجحف برضي الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضي العامة، وليس أحد من الرعية أثقل علي الوالي مئونةً في الرخاء وأقل معونةً له في البلاء وأكره للإنصاف وأسأل بالإلحاف وأقل شكراً عند الإعطاء وأبطأ عذراً عند المنع وأضعف صبراً عند ملمات الدهر من أهل الخاصة، وإنما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الأمة، فليكن صغوك لهم وميلك معهم، وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لمعايب الناس؛ فإن في الناس عيوباً الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك والله يحكم علي ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك. أطلق عن الناس عقدة كل حقد واقطع عنك سبب كل وتر وتغاب عن كل ما لايضح لك، ولا تعجلن إلي تصديق ساع؛ فإن الساعي غاش وإن تشبه بالناصحين، ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور، فإن البخل و الجبن والحرص غرائز شتي يجمعها سوء الظن بالله.

إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيراً، ومن شركهم في الآثام، فلا يكونن لك بطانةً؛ فإنهم أعوان الأثمة وإخوان الظلمة، وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم، وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم وآثامهم، ممن لم يعاون ظالماً علي ظلمه ولا آثماً علي إثمه، أولئك أخف عليك مئونةً وأحسن لك معونةً وأحني عليك عطفاً وأقل لغيرك إلفاً، فاتخذ أولئك

خاصةً لخلواتك وحفلاتك، ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك وأقلهم مساعدةً فيما يكون منك، مما كره الله لأوليائه، واقعاً ذلك من هواك حيث وقع. والصق بأهل الورع والصدق ثم رضهم علي ألا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله؛ فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو وتدني من العزة. ولا يكونن المحسن والمسي ء عندك بمنزلة سواء؛ فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة علي الإساءة، وألزم كلا منهم ما ألزم نفسه.

واعلم أنه ليس شي ء بأدعي إلي حسن ظن راع برعيته من إحسانه إليهم، وتخفيفه المئونات عليهم، وترك استكراهه إياهم علي ما ليس له قبلهم، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك؛ فإن حسن الظن يقطع عنك نصباً طويلاً، وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، وإن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده. ولا تنقض سنةً صالحةً عمل بها صدور هذه الأمة، واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعية، ولا تحدثن سنةً تضر بشي ء من ماضي تلك السنن؛ فيكون الأجر لمن سنها، والوزر عليك بما نقضت منها. وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك.

واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غني ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلي من ذوي الحاجة والمسكنة، وكل قد سمي الله له سهمه، ووضع علي حده فريضةً في كتابه أو سنة نبيه صلي الله عليه و اله عهداً منه

عندنا محفوظاً، فالجنود بإذن الله حصون الرعية، وزين الولاة وعز الدين وسبل الأمن، وليس تقوم الرعية إلا بهم، ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج؛ الذي يقوون به علي جهاد عدوهم، ويعتمدون عليه فيما يصلحهم، و يكون من وراء حاجتهم، ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتّاب؛ لما يحكمون من المعاقد ويجمعون من المنافع ويؤتمنون عليه من خواص الأمور وعوامها، ولا قوام لهم جميعاً إلا بالتجار وذوي الصناعات، فيما يجتمعون عليه من مرافقهم، ويقيمونه من أسواقهم، ويكفونهم من الترفق بأيديهم ما لا يبلغه رفق غيرهم، ثم الطبقة السفلي من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم، وفي الله لكل سعة، ولكل علي الوالي حق بقدر ما يصلحه، وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك إلا بالاهتمام والاستعانة بالله، وتوطين نفسه علي لزوم الحق والصبر عليه، فيما خفّ عليه أو ثقل، فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك، وأنقاهم جيباً وأفضلهم حلماً، ممن يبطئ عن الغضب، ويستريح إلي العذر ويرأف بالضعفاء، وينبو علي الأقوياء، وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف، ثم الصق بذوي المروءات والأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة، ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة؛ فإنهم جماع من الكرم وشعب من العرف، ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما، ولايتفاقمن في نفسك شي ء قويتهم به، ولا تحقرن لطفاً تعاهدتهم به وإن قل؛ فإنه داعية لهم إلي بذل النصيحة لك وحسن الظن بك، ولا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالاً علي جسيمها؛ فإن لليسير من لطفك موضعاً ينتفعون به، وللجسيم موقعاً لا يستغنون عنه، وليكن آثر رءوس جندك عندك

من واساهم في معونته، وأفضل عليهم من جدته بما يسعهم ويسع من وراءهم، من خلوف أهليهم؛ حتي يكون همهم هماً واحداً في جهاد العدو، فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك. وإن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية، وإنه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم، ولا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم علي ولاة الأمور، وقلة استثقال دولهم وترك استبطاء انقطاع مدتهم، فافسح في آمالهم وواصل في حسن الثناء عليهم، وتعديد ما أبلي ذوو البلاء منهم؛ فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع و تحرض الناكل إن شاء الله.

ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلي، ولا تضمن بلاء امرئ إلي غيره، ولا تقصرن به دون غاية بلائه، ولا يدعونك شرف امرئ إلي أن تعظم من بلائه ما كان صغيراً، ولا ضعة امرئ إلي أن تستصغر من بلائه ما كان عظيماً، واردد إلي الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور؛ فقد قال الله تعالي لقوم أحب إرشادهم: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي اللهِ وَالرَّسُولِ? فالرد إلي الله الأخذ بمحكم كتابه، والرد إلي الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة. ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم، ولايتمادي في الزلة، ولا يحصر من الفي ء إلي الحق إذا عرفه، ولاتشرف نفسه علي طمع ولا يكتفي بأدني فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرماً بمراجعة الخصم وأصبرهم علي تكشف الأمور وأصرمهم عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء، وأولئك قليل. ثم أكثر تعاهد قضائه وافسح له في

البذل ما يزيل علته، وتقل معه حاجته إلي الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك؛ ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظراً بليغاً؛ فإن هذا الدين قد كان أسيراً في أيدي الأشرار، يعمل فيه بالهوي وتطلب به الدنيا.

ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً ولا تولهم محاباةً وأثرةً؛ فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة؛ فإنهم أكرم أخلاقاً وأصح أعراضاً وأقل في المطامع إشراقاً وأبلغ في عواقب الأمور نظراً، ثم أسبغ عليهم الأرزاق؛ فإن ذلك قوة لهم علي استصلاح أنفسهم وغني لهم عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك، ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم؛ فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم علي استعمال الأمانة والرفق بالرعية وتحفظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلي خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهداً، فبسطت عليه العقوبة في بدنه، وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة. وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله؛ فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم؛ لأن الناس كلهم عيال علي الخراج وأهله، وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج؛ لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاً، فإن شكوا ثقلاً أو علةً أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش، خففت عنهم بما ترجو

أن يصلح به أمرهم، ولا يثقلن عليك شي ء خففت به المئونة عنهم؛ فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم، معتمداً فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم ورفقك بهم؛ فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبةً أنفسهم به، فإن العمران محتمل ما حملته، وإنما يؤتي خراب الأرض من إعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة علي الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء، وقلة انتفاعهم بالعبر، ثم انظر في حال كتّابك، فول علي أمورك خيرهم، واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكايدك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق، ممن لاتبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ، ولاتقصر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمالك عليك، وإصدار جواباتها علي الصواب عنك فيما يأخذ لك ويعطي منك، ولايضعف عقداً اعتقده لك، ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور؛ فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل، ثم لا يكن اختيارك إياهم علي فراستك واستنامتك وحسن الظن منك؛ فإن الرجال يتعرضون لفراسات الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم، وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شي ء، ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثراً، وأعرفهم بالأمانة وجهاً؛ فإن ذلك دليل علي نصيحتك لله ولمن وليت أمره، واجعل لرأس كل أمر من أمورك رأساً منهم، لا يقهره كبيرها ولا يتشتت عليه كثيرها، ومهما كان في كتّابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته. ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات، وأوص بهم خيراً المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفق ببدنه؛ فإنهم مواد المنافع

وأسباب المرافق، وجلابها من المباعد والمطارح في برك وبحرك وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها، ولا يجترءون عليها، فإنهم سلم لا تخاف بائقته، وصلح لا تخشي غائلته. وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك. واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً واحتكاراً للمنافع وتحكماً في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة، وعيب علي الولاة، فامنع من الاحتكار؛ فإن رسول الله صلي الله عليه و اله منع منه، وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع؛ فمن قارف حكرةً بعد نهيك إياه فنكل به وعاقبه في غير إسراف.

ثم الله الله في الطبقة السفلي من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين، وأهل البؤسي والزمني؛ فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم قسماً من بيت مالك، وقسماً من غلات صوافي الإسلام في كل بلد؛ فإن للأقصي منهم مثل الذي للأدني، وكل قد استرعيت حقه. ولا يشغلنك عنهم بطر؛ فإنك لا تعذر بتضييعك التافه لإحكامك الكثير المهم، فلا تشخص همك عنهم، ولا تصعر خدك لهم. وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم، ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال، ففرّغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم، ثم اعمل فيهم بالإعذار إلي الله يوم تلقاه؛ فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلي الإنصاف من غيرهم، وكل فأعذر إلي الله في تأدية حقه إليه. وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن، ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه، وذلك علي الولاة ثقيل، والحق كله ثقيل، وقد يخففه الله علي أقوام طلبوا العاقبة فصبّروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم. واجعل لذوي الحاجات

منك قسماً تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلساً عاماً، فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك؛ حتي يكلمك متكلمهم غير متتعتع، فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول في غير موطن: لن تقدس أمة لايؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع، ثم احتمل الخرق منهم والعي، ونح عنهم الضيق والأنف، يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته، ويوجب لك ثواب طاعته، وأعط ما أعطيت هنيئاً وامنع في إجمال وإعذار.

ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها، منها إجابة عمالك بما يعيا عنه كتّابك، ومنها إصدار حاجات الناس يوم ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك، وأمض لكل يوم عمله؛ فإن لكل يوم ما فيه، واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل تلك المواقيت، وأجزل تلك الأقسام وإن كانت كلها لله إذا صلحت فيها النية وسلمت منها الرعية، وليكن في خاصة ما تخلص به لله دينك إقامة فرائضه، التي هي له خاصةً، فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك، ووفِّ ما تقربت به إلي الله من ذلك، كاملاً غير مثلوم ولامنقوص، بالغاً من بدنك ما بلغ. وإذا قمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفراً ولا مضيعاً؛ فإن في الناس من به العلة وله الحاجة، وقد سألت رسول الله صلي الله عليه و اله حين وجهني إلي اليمن: كيف أصلي بهم؟ فقال: صل بهم كصلاة أضعفهم، وكن بالمؤمنين رحيماً.

وأما بعد، فلا تطولن احتجابك عن رعيتك؛ فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير، ويقبح الحسن ويحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل، وإنما

الوالي بشر لا يعرف ما تواري عنه الناس به من الأمور، وليست علي الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب؛ وإنما أنت أحد رجلين: إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه؟ أو فعل كريم تسديه، أو مبتلًي بالمنع، فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك، مع أن أكثر حاجات الناس إليك مما لامئونة فيه عليك، من شكاة مظلمة، أو طلب إنصاف في معاملة. ثم إن للوالي خاصةً وبطانةً، فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف في معاملة، فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال، ولاتقطعن لأحد من حاشيتك وحامتك قطيعةً، ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس، في شرب أو عمل مشترك، يحملون مئونته علي غيرهم، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك، وعيبه عليك في الدنيا والآخرة.

وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد، وكن في ذلك صابراً محتسباً، واقعاً ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع، وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فإن مغبة ذلك محمودة. وإن ظنت الرعية بك حيفاً فأصحر لهم بعذرك، واعدل عنك ظنونهم بإصحارك؛ فإن في ذلك رياضةً منك لنفسك ورفقاً برعيتك وإعذاراً، تبلغ به حاجتك من تقويمهم علي الحق. ولا تدفعن صلحاً دعاك إليه عدوك ولله فيه رضًا؛ فإن في الصلح دعةً لجنودك، وراحةً من همومك، وأمناً لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه؛ فإن العدو ربما قارب ليتغفّل، فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن. وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدةً أو ألبسته منك ذمةً، فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنةً دون ما أعطيت؛ فإنه ليس من فرائض الله شي ء الناس أشد عليه اجتماعاً

مع تفرق أهوائهم، وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين؛ لما استوبلوا من عواقب الغدر، فلا تغدرن بذمتك ولاتخيسن بعهدك ولا تختلن عدوك؛ فإنه لا يجترئ علي الله إلا جاهل شقي، وقد جعل الله عهده وذمته أمناً أفضاه بين العباد برحمته، وحريماً يسكنون إلي منعته ويستفيضون إلي جواره، فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فيه، ولا تعقد عقداً تجوز فيه العلل، ولا تعولن علي لحن قول بعد التأكيد والتوثقة، ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلي طلب انفساخه بغير الحق؛ فإن صبرك علي ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته، وأن تحيط بك من الله فيه طلبة لا تستقبل فيها دنياك ولا آخرتك.

إياك والدماء وسفكها بغير حلها؛ فإنه ليس شي ء أدعي لنقمة، ولا أعظم لتبعة، ولا أحري بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها، والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام؛ فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله، ولا عذر لك عند الله، ولا عندي في قتل العمد لأن فيه قود البدن، وإن ابتليت بخطأ، وأفرط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة، فإن في الوكزة فما فوقها مقتلةً، فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلي أولياء المقتول حقهم. وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها، وحب الإطراء؛ فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه، ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين. وإياك والمن علي رعيتك بإحسانك، أو التزيد فيما كان من فعلك، أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك؛ فإن المن يبطل الإحسان، والتزيد يذهب بنور

الحق، والخلف يوجب المقت عند الله والناس، قال الله تعالي: ?كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ?.

وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقط فيها عند إمكانها، أو اللجاجة فيها إذا تنكرت، أو الوهن عنها إذا استوضحت، فضع كل أمر موضعه، وأوقع كل أمر موقعه. وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة، والتغابي عما تعني به، مما قد وضح للعيون، فإنه مأخوذ منك لغيرك، وعما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور، وينتصف منك للمظلوم، املك حمية أنفك وسورة حدك وسطوة يدك وغرب لسانك، واحترس من كل ذلك بكف البادرة وتأخير السطوة حتي يسكن غضبك، فتملك الاختيار، ولن تحكم ذلك من نفسك حتي تكثر همومك بذكر المعاد إلي ربك، والواجب عليك أن تتذكر ما مضي لمن تقدمك من حكومة عادلة، أو سنة فاضلة، أو أثر عن نبينا صلي الله عليه و اله أو فريضة في كتاب الله، فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها، وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا، واستوثقت به من الحجة لنفسي عليك؛ لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلي هواها، وأنا أسأل الله بسعة رحمته، وعظيم قدرته علي إعطاء كل رغبة، أن يوفقني وإياك لما فيه رضاه، من الإقامة علي العذر الواضح إليه وإلي خلقه، مع حسن الثناء في العباد، وجميل الأثر في البلاد، وتمام النعمة وتضعيف الكرامة، وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة، إنا إليه راجعون والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الطيبين الطاهرين، وسلم تسليماً كثيراً والسلام» ().

والآن وقد فقد العدل في أغلب صوره في الدول التي أعقبت حكم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام؛ ولذا عاد الإسلام غريباً كما بدأ، وأصبحت مبادئه غريبة

في أغلب بلاد الإسلام، من جرّاء اللهاث وراء القوانين الوضعية الجائرة وقد استولي الطغاة علي البلاد وهذا من أكبر معاناة الإسلام والمسلمين.

اللهم صلّ علي محمّد وآل محمّد «ولا تبتلني بالكسل عن عبادتك، ولا العمي عن سبيلك، ولا بالتعرض لخلاف محبتك، ولا مجامعة من تفرّق عنك، ولا مفارقة من اجتمع إليك. اللهم اجعلني أصول بك عند الضرورة، وأسألك عند الحاجة، وأتضرع إليك عند المسكنة، ولا تفتنّي بالإستعانة بغيرك إذا اضطررت. ولابالخضوع لسؤال غيرك إذا افتقرت» () بحق محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

من هدي القُرآن الحكيم

من صفات الحاكم الإسلامي:

قال تعالي: ?فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ?().

وقال عزوجل: ?إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَماناتِ إِلي أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً?(). وقال سبحانه: ?إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبي وَيَنْهي عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ?().

وقال جل وعلا: ?لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ?().

الثبات علي المبدأ:

قال تبارك وتعالي: ?وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَي الْقَوْمِ الْكافِرِينَ?().

وقال سبحانه: ?يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ?().

وقال عزوجل: ?قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُديً وَبُشْري لِلْمُسْلِمِينَ?().

وقال جل وعلا: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ?().

لا للخوف.. فإنه أحد

أسباب تسلط الطغاة:

قال تعالي: ?إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ?().

وقال سبحانه: ? … فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ?().

وقال عزوجل: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَي الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ?().

وقال سبحانه: ?قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَري?().

الإخلاص في العمل:

قال عزوجل: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا للهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً ? إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ? إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً?().

وقال عز من قائل: ?قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ?().

وقال تبارك وتعالي: ?أَلا للهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَي اللهِ زُلْفي إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ?().

وقال سبحانه: ?قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي ? فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ?().

من هدي السنة المطهرة

من صفات الحاكم الإسلامي:

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من ولي عشرة فلم يعدل فيهم جاء يوم القيامة ويداه ورجلاه ورأسه في ثقب فاس» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «أول من يدخل النار أمير متسلط

لم يعدل … » ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «من تولي أمراً من أُمور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر في أمور الناس كان حقاً علي الله عزوجل يؤمن روعته يوم القيامة ويدخله الجنة» ().

الثبات والاستمرارية في العمل:

قال الإمام الصادق عليه السلام: «قال أبونا رسول الله صلي الله عليه و اله: المداومة علي العمل في اتباع الآثار والسنن وإن قلَّ أرضي لله وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع واتباع الأهواء» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته للإمام الحسين عليه السلام: «يا بني، أوصيك بتقوي الله في الغني والفقر، وكلمة الحق في الرضا والغضب، والقصد في الغني والفقر، وبالعدل علي الصديق والعدو، وبالعمل في النشاط والكسل، والرضا عن الله في الشدة والرخاء» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «أحب الأعمال إلي الله عز وجل ما داوم عليه العبد وإن قل» ().

التحذير من مؤازرة الحكّام الظالمين:

قال الإمام الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلي الله عليه و اله في حديث المناهي : «أنه نهي عن المدح وقال: احثوا في وجوه المداحين التراب» قال: وقال صلي الله عليه و اله: «من تولي خصومة ظالم أو أعان عليها، ثم نزل به ملك الموت قال له: أبشر بلعنة الله ونار جهنم وبئس المصير»، قال: وقال صلي الله عليه و اله: «من مدح سلطاناً جائراً وتحفف وتضعضع له طمعاً فيه كان قرينه في النار».

قال: «وقال صلي الله عليه و اله: قال الله عزوجل: ?وَلا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ? وقال عليه السلام: من ولي جائراً علي جور كان قرين هامان في جهنم» ().

وقال عليه السلام: «العامل بالظلم والمعين له والراضي

به شركاء ثلاثتهم» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إذا كان يوم القيامة نادي مناد: أين الظلمة وأعوانهم، من لاط لهم دواة، أو ربط لهم كيساً، أو مد لهم مرة قلم فاحشروهم معهم» ().

وقال الإمام الرضا عليه السلام: «من أحب عاصيا فهو عاص، ومن أحب مطيعا فهو مطيع، ومن أعان ظالما فهو ظالم، ومن خذل عادلا فهو ظالم» ().

الإخلاص في العمل:

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أخلص قلبك يكفك القليل من العمل» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «يستدل علي اليقين بقصر الأمل وإخلاص العمل والزهد في الدنيا» ().

وقال عليه السلام: «فضيلة العمل الإخلاص فيه» ().

وقال عليه السلام: «للمتقي ثلاث علامات: إخلاص العمل، وقصر الأمل، واغتنام المهل» ()

وقال أبو عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: ?لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً?()؟ قال: «ليس يعني أكثر عملاً، ولكن أصوبكم عملاً، وإنما الإصابة خشية الله والنية الصادقة والحسنة» ثم قال: «الإبقاء علي العمل حتي يخلص أشد من العمل والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عزوجل والنية أفضل من العمل ألا وإن النية هي العمل ثم تلا قوله عزوجل ?قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلي شاكِلَتِهِ?() يعني علي نيته» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ما أخلص عبد لله عزوجل أربعين صباحاً إلا جرت ينابيع الحكمة من قلبه ولسانه» ().

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة الروم: 30.

() عدة الداعي: ص332 خاتمة الكتاب.

() سورة العنكبوت: 23.

() بحار الأنوار: ج52 ص191 ب25 ح23.

() أمالي الطوسي: ص259 المجلس10 ح5.

() بحار الأنوار: ج18 ص176 ب1 ح2.

() بحار الأنوار: ج18 ص177 ب1 ح4.

() سورة التوبة: 40.

() بحار الأنوار: ج39 ص44 ب73 ح15.

() كما هو الحاصل في

بعض البلاد الإسلامية التي تدّعي الولاية علي المسلمين ووجوب طاعة كل المسلمين لهم وتسن القوانين وتشرع التشريعات التي ما أنزل الله بها من سلطان وتنسبها إلي الإسلام.

() معاني الأخبار: ص90 باب معني الثقلين ح2.

() سورة الإسراء: 71.

() الكافي: ج1 ص216 باب أن الأئمة في كتاب الله إمامان إمام يدعو إلي الله وإمام يدعو إلي النار ح1.

() كل واحد من هؤلاء هو علم من أعلام الطغاة الذين ابتلت بهم الأمة الإسلامية، ولهم تاريخ أسود في الظلم والاضطهاد والانحراف عن الشريعة المقدسة التي كانوا يدعون الحكم بها، والحال هم أبعد الناس عن تطبيقها، ولكل منهم علامة فارقة في الإجرام من خلال أعظم جرم ارتكبوه خلال تسلطهم علي رقاب المسلمين.

فهذا يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، صاحب التاريخ الأسود والسيرة البشعة، المليئة بالفسق والفجور، بشهادة أرباب السير والتاريخ، لم يكفه كل ذلك حتي ارتكب أبشع جريمة في تاريخ الإنسانية علي الإطلاق، حينما قتل سيد شباب أهل الجنة وسبط الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وسبي ذراري رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته. وهذا الوليد بن عبد الملك بن مروان فهو الذي قتل سيد الساجدين وزين العابدين الإمام علي بن الحسين ? هذا غير ما ارتكب من ظلم وانتهاك للشريعة المقدسة. أما هارون العباسي صاحب الليالي الحمراء وقد ازدهر في عصره الغناء والطرب والتجاهر بهما حتي عد من العلامات الفارقة لعاصمة ملكه، وأضاف إلي ذلك جريمة قتل الإمام الكاظم عليه السلام بعدما أذاقه عذاب السجن سنين عديدة، والانتقال به من سجن إلي سجن، حتي قتله علي يد جلاده السندي بن شاهك (عليه اللعنة)، أما ابنه المدعو

بالمأمون فهو لم يكن بأقل خبثا ودهاءً ومكراً من أسلافه، حيث كان بطل مسرحية إجبار الإمام الرضا عليه السلام في قضية ولاية العهد التي لم تنطلِ علي المطلعين، حتي أنه ما تورع عن سم الإمام الذي كان علي بصيرة تامة من كل دسائسه ومخططاته. نعم، بأمثال هؤلاء ابتلت أمة محمد صلي الله عليه و اله وكل منهم يسمي نفسه أمير المؤمنين، وكان الأليق بهم لقب أمراء الظالمين والفاسقين والمحرفين لشريعة سيد المرسلين، فحسبنا الله ونعم الوكيل.

() سورة المائدة: 44.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص222 ب87 ح16.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص221 ب87 ح13.

() التجسيم أو المجسمة: لفظ أطلق علي من يأخذ بظاهر ساذج للآيات القرآنية الشريفة، من دون تعمق وفهم؛ فقالوا أن له تبارك وتعالي يداً ورجلاً وعيناً، فجعلوا لله جسماً، فتعالي الله عن ذلك علواً كبيراً، وقد قامت الأدلة العقلية والنقلية علي بطلان هذا الرأي، ونفي التجسيم عنه تبارك وتعالي.

() هو المحقق المتكلم الحكيم المتبحر الجليل، محمد بن محمد بن الحسن الطوسي ? صاحب كتاب تجريد العقائد، وكتاب التذكرة النصيرية، وكتاب تحرير أقليدس وتحرير المجسطي وشرح الإشارات والفصول النصيرية والفرائض النصيرية والأخلاق الناصرية وكثير غيرها، ولد ? بمشهد طوس في سنة (597ه)، وتوفي في سنة (672ه) ودفن في مقابر قريش في الكاظمية. انظر روضات الجنات: ج6 ص300 باب ما أوله الميم.

() هو أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، شيخ الطائفة، جليل القدر، عظيم المنزلة، ثقة عين صدوق، عارف بالأخبار والرجال، والفقه والأصول، والكلام والأدب، وجميع الفضائل تنسب إليه. ولد في شهر رمضان سنة (385ه) وتوفي ? في شهر محرم سنة (460ه) ودفن بالمشهد الغروي المقدس، له ? مؤلفات كثيرة منها: المجالس المشتهر بالأمالي، الغيبة،

المصباح الكبير، المصباح الصغير، الخلاف، المبسوط، الفهرست، الرجال، وغيرها. انظر روضات الجنات: ج6 ص216 باب ما أوله الميم.

() العلامة الحلي (648 726ه) هو الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي، ويعرف بالعلامة، من كبار علماء الشيعة، نسبته إلي مدينة الحلة في العراق وفيها مولده ومسكنه ومدفنه، له كتب كثيرة منها: تبصرة المتعلمين في أحكام الدين، وتهذيب طريق الوصول إلي علم الأصول، والأحكام في معرفة الحلال والحرام، ومختلف الشيعة في أحكام الشريعة، وأنوار الملكوت في شرح الياقوت. انظر روضات الجنات: ج2 ص268 بالرقم (198)، والأعلام للزركلي: ج2 ص227.

() راجع كتاب (الصياغة الجديدة) و(السبيل إلي إنهاض المسلمين) و(ممارسة التغيير) وغيرها من المؤلفات القيمة للإمام المجدد الثاني (أعلي الله درجاته).

() غوالي اللآلي: ج1 ص129 الفصل8 ح3.

() تحف العقول: ص286 وصيته عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفي.

() الكافي: ج2 ص58 باب فضل اليقين ح3.

() الكافي: ج1 ص30 باب فرض العلم ووجوب طلبه ح4.

() الكافي: ج1 ص44 باب استعمال العلم ح2.

() سورة الأحزاب: 13.

() انظر تفسير القمي: ج2 ص188 سورة الأحزاب، وفيه: ونزلت هذه الآية في فلان لما قال لعبد الرحمن بن عوف: هلم ندفع محمداً إلي قريش ونلحق نحن بقومنا.

() انظر بحار الأنوار: ج20 ص189 ب17.

() سورة الأحزاب: 9 12.

() سورة الأحزاب: 18 19.

() سورة الأحزاب: 12.

() سورة الأحزاب: 9 13.

() سورة الأحزاب: 13 14.

() سورة الأحزاب: 22.

() تفسير القمي: ج2 ص176-188 سورة الأحزاب، وانظر بحار الأنوار: ج20 ص186 ب17 قريبا منه.

() بحار الأنوار: ج39 ص2 ب70 ضمن ح1.

() بحار الأنوار: ج39 ص2 ب70 ضمن ح1.

() بحار الأنوار: ج39 ص2 ب70 ضمن ح1.

() سورة الأحزاب: 23.

() بحار الأنوار: ج39 ص2 ب70 ضمن ح1.

() سورة طه: 2531.

() سورة طه:

25-28، وانظر تفسير (تقريب القرآن إلي الأذهان) للإمام الراحل: ج16 ص96 سورة طه، والتبيان في تفسير القرآن: ج7 ص170 سورة طه.

() سورة الفرقان: 77.

() سورة إبراهيم: 18.

() سورة القصص: 4.

() تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص301.

() صدام التكريتي، طاغوت العراق في العصر الحديث صنيعة الغرب ليلائم مطامعهم وينفذ مخططاتهم في المنطقة وفق ظروفها السياسية، ولد عام (1939م) في قرية العوجة جنوب تكريت، انتمي إلي حزب البعث واشترك مع بعض عناصر الحزب في محاولة فاشلة لاغتيال عبد الكريم قاسم عام (1959م) هرب إلي سوريا ومنها إلي مصر. وخلال فترة وجوده في القاهرة، تلقفته السفارة الأمريكية لتجنيده لمصلحة المخابرات الأمريكية، بعد أن كان مجنداً في الأصل لمصلحة المخابرات البريطانية كما روي عن مؤسس حزب البعث في العراق فؤاد الركابي، فقد ذكر في صحيفة الشرق الأوسط بأن الرئيس عبد الناصر قد أخبر ناقل الخبر للصحيفة في عام (1969م) وهو شخصية معروفة في الوطن العربي أن صدام حسين هو رجل أمريكا الأول في المنطقة، وأنه كان دائم التردد علي السفارة الأمريكية بالقاهرة، وأن المخابرات المصرية قد صورت ورصدت كل تحركاته واتصالاته بالسفارة الأمريكية.

اشترك في انقلاب (17 تموز 1968م)، وفي عام (1970م) أصبح صدام نائباً لمجلس قيادة الثورة ورئاسة الجمهورية في حال غياب البكر عن البلاد. وفي عام (1979م) أصبح رئيساً للجمهورية بعد أن أقصي البكر عن الحكم ومنح نفسه رتبة مهيب ركن. ووفق ماهو مخطط له من قبل أسياده هاجم إيران (1980م) فاندلعت حرب الخليج الأولي واستمرت ثمان سنوات، ثم احتل الكويت عام (1990م) فاندلعت حرب الخليج الثانية، فقامت قوات الحلفاء بقيادة أمريكا بإخراج الجيش العراقي من الكويت وتدمير العراق ووضع العراق تحت حصار طويل الأمد. انتفض الشعب العراقي ضد طاغيته

فقمع صدام انتفاضة الشعب العراقي بوحشية لا مثيل لها، وذلك بمعونة الغرب وأذنابهم في المنطقة، حتي قدرت أعداد من قتلوا وأعدموا واختفوا ما يزيد علي 300 ألف عراقي، وقيل 500 ألف.

() إشارة إلي جريمة التهجير القسري لمئات الآلاف من الأبرياء الذين هجّروا وشردوا في البراري والقفار والبلدان وذلك عبر قرارات إرهابية أصدرها النظام الحاكم في العراق منذ استيلائه علي كرسي الحكم، انظر كتاب (التهجير جناية العصر) للإمام الراحل?.

() كما حدث في قمع النظام الحاكم لانتفاضة الشعب العراقي عام (1991م) بوحشية لا مثيل لها.

() هو الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، وهو قسي بن منبه بن بكر بن هوازن، أبو محمد الثقفي. ولد سنة (45ه) أو بعدها بيسير ونشأ بالطائف، وكان أبوه من أتباع بني أمية وحضر مع مروان حروبه، ونشأ ابنه مؤدب كتاب ثم لحق بعبد الملك بن مروان وحضر معه قتل مصعب بن الزبير ثم انتدبه لقتال عبد الله بن الزبير بمكة فجهزه أميرا علي الجيش فحاصر مكة ورمي الكعبة بالمنجنيق إلي أن قتل ابن الزبير. وقال جماعة: إنه دس علي ابن عمر من سمه في زج رمح، ولاه عبد الملك الحرمين مدة، ثم استقدمه فولاه الكوفة وجمع له العراقين فسار بالناس سيرة جائرة واستمر في الولاية نحوا من عشرين سنة، وكان فصيحا بليغا فقيها، وكان يزعم أن طاعة الخليفة فرض علي الناس في كل ما يرومه ويجادل علي ذلك، وخرج عليه ابن الاشعث ومعه أكثر الفقهاء والقراء من أهل البصرة وغيرها فحاربه حتي قتله، وتتبع من كان معه فعرضهم علي السيف فمن أقر له أنه

كفر بخروجه عليه أطلقه ومن امتنع قتله صبرا. حتي قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم. وأخرج الترمذي من طريق هشام بن حسان: أحصينا من قتله الحجاج صبرا فبلغ مائة ألف وعشرين ألفا، وقال زاذان: كان مفلسا من دينه، وقال طاوس: عجبت لمن يسميه مؤمنا، وكفّره جماعة منهم سعيد بن جبير والنخعي ومجاهد وعاصم بن أبي النجود والشعبي وغيرهم، وقالت له اسماء بنت أبي بكر: أنت المبير الذي أخبرنا به رسول الله صلي الله عليه و اله. وقال القاسم بن مخيمرة: كان الحجاج ينقض عري الاسلام عروة عروة. مات سنة (95ه) بواسط وهو الذي بناها، وقيل إنه لم يعش بعد قتل سعيد بن جبير إلا يسيرا.

انظر البداية والنهاية، لابن كثير: ج 9 ص 136: وذكر صاحب العقد ان الحجاج كان هو وأبوه يعلمان الغلمان بالطائف، ثم قدم دمشق فكان عند روح بن زنباع وزير عبد الملك، فشكا عبد الملك إلي روح أن الجيش لا ينزلون لنزوله ولا يرحلون لرحليه، فقال روح: عندي رجل توليه ذلك، فولي عبد الملك الحجاج أمر الجيش، فكان لا يتأخر أحد في النزول والرحيل، حتي اجتاز إلي فسطاط روح بن زنباع وهم يأكلون فضربهم وطوف بهم وأحرق الفسطاط، فشكا روح ذلك إلي عبد الملك، فقال للحجاج: لم صنعت هذا؟ فقال: لم أفعله إنما فعله أنت، فإن يدي يدك، وسوطي سوطك، وما ضرك إذا أعطيت روحا فسطاطين بدل فسطاطه، وبدل الغلام غلامين، ولا تكسرني في الذي وليتني؟ ففعل ذلك وتقدم الحجاج عنده. قال: وبني واسط في سنة أربع وثمانين، وفرغ منها في سنة ست وثمانين، وقيل قبل ذلك، وذكر في حكايته ما يدل أنه كان أولا

يسمي كليبا، ثم سمي الحجاج. وذكر أنه ولد ولا مخرج له حتي فتق له مخرج، وأنه لم يرتضع أياما حتي سقوه دم جدي ثم دم سالخ ولطخ وجهه بدمه فارتضع، وكانت فيه شهامة وحب لسفك الدماء، لأنه أول ما ارتضع ذلك الدم الذي لطخ به وجهه، ويقال: إنه أمه هي المتمنية لنصر بن حجاج بن علاط، وكان كثير قتل النفوس التي حرمها الله بأدني شبهة، وكان يغضب غضب الملوك، وكان فيما يزعم يتشبه بزياد بن أبيه، وكان زياد يتشبه بعمر بن الخطاب فيما يزعم أيضا.

انظر تهذيب التهذيب: ج2 ص184 ح388 تمييز. والبداية والنهاية: ج9 ص136 ترجمة الحجاج بن يوسف الثقفي.

() مروج الذهب: ج3 ص175 ذكر أيام الوليد بن عبد الملك.

() تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص219 عبد الملك بن مروان.

() تاريخ بغداد: ج10 ص389 وفي خبر آخر قالوا: لما سلم علي عبد الملك بن مروان بالخلافة كان في حجره مصحف فأطبقه وقال: هذا فراق بيني وبينك.

() تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص220 عبد الملك بن مروان.

() تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص220 عبد الملك بن مروان.

() انظر ترجمته في تهذيب التهذيب: ج2 ص184 الرقم 388؛ وانظر البداية والنهاية: ج9 ص136 ترجمة الحجاج بن يوسف الثقفي.

() المستطرف: ج1 ص121، وانظر مروج الذهب: ج3 ص133 ذكر طرف من أخبار الحجاج وخطبه.

() بحار الأنوار: ج42 ص126 ب122.

() للمزيد راجع البداية والنهاية: ج9 ص136 ترجمة الحجاج بن يوسف.

() سورة الرعد: 11

() سورة الرعد: 11.

() سورة المائدة: 31.

() وسائل الشيعة: ج16 ص281 ب41 ح21556.

() عدة الداعي: ص232 ب4 ق3 خاتمة.

() سورة الأعراف: 152.

() بحار الأنوار: ج67 ص240 ب54 ح8.

() الكافي: ج2 ص150 باب صلة الرحم ح3.

() وسائل الشيعة: ج2 ص434 ب22 ح2565.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص445

ب87 ح9947.

() الكافي: ج2 ص374 باب في عقوبات المعاصي العاجلة ح2.

() ومن أخطر هذه الأمراض مرض نقص المناعة المكتسبة الذي يعرف بالإيدز، فقد ذكر في بعض التقارير حول هذا المرض، ما يلي:

يبدو أن مرض الإيدز الذي تسبب في وفاة أكثر من ثلاثة ملايين شخص وارتفع عدد المصابين به إلي (42 مليونا) في عام (2002م) أكثر خطورة بتقدمه بسرعة ليشمل قارات أخري غير أفريقيا إلي درجة يهدد معها استقرار الكرة الأرضية.

وحذر مدير برنامج منظمة الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز من أن التقديرات تثير مخاوف من إصابة (45 مليون) شخص آخرين حتي عام (2010م) في الدول أل(126) الأقل دخلا و40% منها في آسيا والمحيط الهادئ إذا لم تتخذ إجراءات فعالة. وأضاف: إن مكافحة المرض بفعالية تتطلب عشرة مليارات دولار سنويا مقابل ثلاثة مليارات حاليا. وبانتظار تحقيق ذلك لا يحصل غالبية المرضي في العالم علي العلاج وينتشر المرض بوتيرة خطيرة تبلغ (14 ألف شخص) يوميا (أي خمسة ملايين في عام 2002م).

وللمرة الأولي في تاريخ هذا المرض تشكل النساء 50% من مجمل المصابين مقابل 48% في العام الماضي. وتبقي القارة السوداء التي يبلغ عدد المصابين فيها (29،4 مليون) شخص الأكثر ضررا. فخلال العام الجاري توفي (2،4 مليون) من الأفارقة بالإيدز ويواجه أكثر من (14 مليوناً) خطر الموت بسبب المجاعة التي يزيد المرض من خطورتها لأنه يحصد القوي المنتجة.

وقال مدير إدارة مساندة الدول في بوتسوانا: لو لم ينتشر الإيدز في بوتسوانا لبلغ معدل الحياة (62 عاما) بدلا من (37 عاما) اليوم وأسس الأمن والاستقرار بحد ذاتها تأثرت في هذه المنطقة التي تبلغ نسبة العسكريين المصابين فيها بين 40 و50%".

أما الصين والهند حيث يمكن أن يبلغ عدد حاملي الفيروس عشرة ملايين شخص

مع انتهاء العقد الجاري إذا لم يتم الحد من انتشار المرض تشكلان قنبلتين موقوتتين حقيقيتين، بينما يستمر الإيدز في الانتشار بسرعة كبير في أوروبا الشرقية ووسط آسيا.

وإن التقديرات غير الرسمية تقدر عدد الحاملين لفيروس المرض بين أربعة ملايين إلي عشرة ملايين شخص في الهند، وتري أن عدد الإصابات سيتضاعف كل ثلاثة إلي أربعة أعوام. وأن ما بين (20 و25 مليون) هندي سيصابون بالمرض بحلول عام (2010م) إذا لم يتم فعل أي شيء لاقتلاع المرض، وسيشكل هذا العدد حوالي 2% من عدد السكان (مقارنة بأكثر من 20% بالنسبة لبعض الدول الأفريقية) ولكن الرقم بحد ذاته قد يشل عجلة التطور والتنمية في الهند.

ويري الأمين العام للاتحاد الدولي للهلال والصليب الأحمر استناداً لإحصائية معتمدة بأن هناك نصف مليون مولود يولدون وكأنهم مصابون بفيروس الإيدز، نتيجة لتخوف الأمهات من إجراء الفحوص الطبية الخاصة بمعرفة مدي إصابتهن أو حملهن للفيروس.

وسجل انتشار المرض في أوروبا الشرقية ارتفاعاً بنسبة بلغت حوالي (4.26%) خلال السنوات الخمس الأخيرة، يضاف لذلك نصف مليون مريض كما تشير لذلك قوائم المصابين بالإيدز في العالم سنوياً.

أما عن العالم العربي فتشير معلومات الاتحاد الدولي لجمعيات الهلال والصليب الأحمر، أن دوله ما تزال تتحفظ في الحديث عن مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، وقال مسؤولون في الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية: إن المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) يزيد عددهم في الدول العربية سنويا بمعدل ثمانين ألف مصاب ليصل مجموعهم حاليا إلي نحو (750 ألف) مصاب بالإيدز.

وفي تقرير آخر جاء فيه: بناء علي تقرير نشرته وزارة الصحة البريطانية جاء فيه: أن معدل الإصابة بالأمراض التي تنتقل عدواها بواسطة العلاقات الجنسية بلغ هذا العام أعلي مستوياته في السنوات العشر الماضية.

فقد سجلت معدلات

الإصابة بالكلاميديا في الأعضاء التناسلية وهو مرض تسببه مجموعة من المتعضيات المجهرية بنسبة 67% في السنوات الخمس الأخيرة، إذ ارتفع عدد المصابين بالمرض من(32.371 مصاباً) عام (1995م) إلي (56.855) في عام (1999م). كما ازدادت الإصابة بالسفلس بنسبة 54%، والسفلس مرض يصيب اللوطيين وثنائي الجنس، ممن يمارسون الجنس مع الرجال والنساء علي حد سواء.

وفي الولايات المتحدة الذي ولد هذه الأمراض، تشير بعض التقارير عن حدوث ارتفاع كبير في عدد حالات الإصابة بمرض الزهري بين الشواذ والرجال ثنائي الميول الجنسية في مدينة لوس أنجلس الأمريكية مما دفع منظمة للرعاية الصحية لمرض الإيدز لاتهام مسئولي الصحة بتجاهل المرض، فقد قال مسؤول الصحة في المنطقة: أن دراسة حديثة أظهرت أن عدد حالات الإصابة بالزهري قفز من (30) حالة عام (2000م) إلي (507 حالات) في عام (2002م)، وأضافت الدراسة أن 62% من الحالات الجديدة كانت بين الشواذ والرجال ذوي الميول الجنسية الثنائية، وأن ستاً من بين كل عشر حالات كانت لرجال مصابين بالفعل بفيروس (أتش أي في) (H.A.V) المسبب لمرض الإيدز. وأوضح أطباء في مؤسسة الرعاية الصحية لمرضي الإيدز وهي أكبر منظمة أمريكية تعني بالإيدز أن عدد حالات الزهري التي لم يتم تشخيصها في لوس أنجلس تفوق علي الأرجح عدد الحالات التي اكتشفت بنحو 13 إلي 1.

إن هذه التقارير تؤكد علي صحة وصواب التوجهات الأخلاقية للدين الإسلامي الحنيف، وكما تؤكد في الفرض نفسه علي زيف وعدم صحة الحضارة الغربية التي كانت ولا زالت هي السبب الحقيقي للأمراض والمشاكل الصحية والاجتماعية والنفسية التي يعاني منها عشرات الآلاف من شعوب تلك الأنظمة، وهي أخيراً السبب الأول والرئيسي لما تعانيه شعوب العالم الثالث من فقر وجهل وتمييز وروح عدم الاكتراث واللامبالاة من قبل

الدول الغربية التي كانت هي المسببة لمعاناة تلك الشعوب، ومنها ما تعانيه اليوم من انتشار لهذا الوباء الخطير وكأنه حرب جديدة يخوضها العالم الغربي ضد هذه الشعوب من أجل القضاء عليها تطبيقاً لنظرياتهم في الاقتصاد. إن الحياة الدولية والشخصية أيضاً تقدم إلينا في كل يوم الدليل تلو الآخر بعظمة ما جاء به خاتم الأنبياء محمد صلي الله عليه و اله، وما دعا إليه ديننا الإسلامي الحنيف. للتفصيل انظر شبكة النبأ المعلوماتية.

() الكافي: ج2 ص373 باب في عقوبات المعاصي ح1.

() سورة الروم: 41.

() نهج البلاغة، الكتب: 47 من وصية له عليه السلام للحسن والحسين ? لما ضربه ابن ملجم (عليه لعنة الله).

() سورة محمّد: 7.

() نهج البلاغة، الخطب: 232 من كلام له عليه السلام كلم به عبد الله بن زمعة وهو من شيعته، وذلك أنه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالاً.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص341 ق4 ب2 الفصل3 ح7797.

() نهج البلاغة، الكتب: 53 كتابه عليه السلام للأشتر النخعي.

() الصحيفة السجادية: 20 من دعائه عليه السلام في مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال.

() سورة المائدة: 42.

() سورة النساء: 58.

() سورة النحل: 90

() سورة الحديد: 25.

() سورة آل عمران: 147.

() سورة إبراهيم: 27.

() سورة النحل: 102.

() سورة الأنفال: 45.

() سورة آل عمران: 175.

() سورة المائدة: 44.

() سورة المائدة: 54.

() سورة طه: 46.

() سورة النساء: 144-146.

() سورة الأعراف: 29.

() سورة الزمر: 3.

() سورة الزمر: 14-15.

() ثواب الأعمال: ص260 كتاب عقاب الأعمال باب عقاب من ولي عشرة فلم يعدل فيهم.

() عيون أخبار الرضا: ج2 ص28 ب31 ح20.

() أمالي الصدوق: ص244 المجلس43 ح2.

() الكافي: ج8 ص8 ح1.

() تحف العقول: ص88 باب ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام وصيته لابنه الحسن

عليه السلام.

() الكافي: ج2 ص82 باب استواء العمل ح2.

() وسائل الشيعة: ج17 ص183 ب43 ح22306.

() الكافي: ج2 ص333 باب الظلم ح16.

() ثواب الأعمال: ص260 كتاب عقاب الظلمة باب عقاب الظلمة وأعوانهم.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص235 ب58 ح7.

() بحار الأنوار: ج70 ص175 ب 129 ضمن ح15.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص201 ب7 ضمن ح12738.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ق2 ب2 الفصل7 ح3908.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص274 ق3 ب2 الفصل5 ح5994.

() سورة الملك: 2.

() سورة الإسراء: 84.

() الكافي: ج2 ص16 باب الإخلاص ح4.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص69 ب31 ح321.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.