موجز عن النهضة الحسينية

اشارة

اسم الكتاب: موجز عن النهضة الحسينية

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1423 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

وَلا تَحْسَبَنَّ

الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً

بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ

صدق الله العلي العظيم

سورة آل عمران: الآية 169

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد أدرك سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي عليه السلام وحجة الله علي خلقه خطر اعتلاء رجل فاسق كيزيد علي منبر الخلافة الإسلامية والذي كان يسعي طبقاً لما رسم له للقضاء علي ما تبقي من الإسلام وآثار الرسول صلي الله عليه و اله، كما كان لتغلل طغاة بني أمية في أوساط المجتمع وبسرعة واتخاذهم مال الله دولاً وعباده خولاً، عوامل إضافية عجلت في قيام أبي عبد الله الحسين عليه السلام في وجههم من أجل الحفاظ علي الإسلام والمسلمين وإن استلزم الأمر التضحية بنفسه عليه السلام.

نعم، إن دين الله والعقيدة الإسلامية صارت في معرض خطر الفناء والزوال … فلم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه وعادت شجرة الإسلام يابسة بعد موت جذورها وسقوط أوراقها، فلم يكن هناك أمل بإحيائها وإعادة الحياة إليها من جديد سوي ذلك الدم الزاكي لأبي عبد الله الحسين عليه السلام.

فلقد أحيا الدم الطاهر لسيد الشهداء عليه السلام سبط النبي وابن علي والزهراء (صلوات الله عليهم أجمعين) وأصحابه الأبرار تلك الشجرة العظيمة وأعاد لها الحياة وملأها بهجة ونضارة بحيث صار المسلمون وغير المسلمين يقطفون ثمارها المباركة وإلي يومنا هذا.

إن نهضة سيد الشهداء عليه السلام المباركة كانت فقط من أجل رضا الله وإحياء واستقامة العقيدة الإسلامية والمحافظة عليها من خطر الانحراف والزوال، فلم يكن الإمام الحسين عليه السلام له طمع في الحكومة والرئاسة

الدنيوية، بل سعي مخلصاً في سبيل الله وضحي بنفسه وأهل بيته وأصحابه (رضوان الله عليهم أجمعين) من أجل الدين وبقاء شريعة سيد المرسلين صلي الله عليه و اله وكانوا يعلمون بأنهم سينالون الشهادة في سبيل الله وقد ضحّوا بحيث تعجبت ملائكة السماء من تضحيتهم، حتي قتل الطفل الرضيع الذي لا ذنب له، وقد أصاب قلب الإمام الحسين عليه السلام المقدس سهم محدد ذو ثلاث شعب وكان جسده الطاهر مأوي للسهام والسيوف ومن ثم قطع رأسه المبارك وأخيراً داست الخيول جسده الشريف ورفع رأسه ورؤوس أصحابه علي الرماح وسير بهم من بلد إلي بلد، كل ذلك كان في سبيل الله وحفاظاً علي الإسلام.

لقد كانت فاجعة كربلاء بحق شديدة علي أهل السماوات والأرضين والإنسانية جمعاء، ولقد فاقت كل فاجعة منذ خلق الله الأرض ومن عليها إلي قيام الساعة، ولذا فإن صرخات ونداءات الإمام الحسين عليه السلام ستترد في كل جيل فيستجيب لها كل أبي وغيور كما سيبقي اسم الحسين عليه السلام مظهراً للاستقامة والشجاعة والتضحية في سبيل الحرية يقض مضاجع الظالمين.

إن الحديث عن الإمام الحسين عليه السلام والنهضة الحسينية في كافة جوانبها له أول وليس له آخر، ولكن يمكن أن نستخلص النتيجة التالية وهي:

إن الإمام الحسين عليه السلام أصبح فداء للعقيدة الإسلامية، وإن الإسلام قد استقام بقيام الإمام الحسين عليه السلام وشهادته، وكان سبباً لوصوله إلينا اليوم بهذه العظمة والقدرة وبعد مضي أكثر من ألف وأربعمائة سنة علي البعثة النبوية الشريفة، فلولاه لما كان هذا.

ومن هنا يلزم السعي من أجل المحافظة علي نهضة الإمام الحسين عليه السلام ونشر أهدافها وأفكارها دائماً، فإن المحافظة علي نهضة الإمام الحسين عليه السلام تضمن لنا بقاء الدين حياً، وذلك من خلال

إقامة مجالس العزاء والمآتم والشعائر الحسينية، فالبكاء علي الشهيد يصنع الحماسة في النفوس وهكذا بقية الشعائر المقدسة، ونحن نأمل أن تزداد وتنتشر هذه الشعائر الحسينية ومجالس العزاء يوماً بعد يوم وبصورة أفضل كي تعطي ثمارها في نشر الثقافة والوعي في صفوف الأمة وتبقي أهداف الإمام الحسين عليه السلام حية ماثلة أمام العيون، عندها تكون الحماسة الحسينية كالدم الفوار يفور في عروق المجتمع فلا يبقي مجال للظلم والظالمين.

إن هذا الكتاب الذي بين يديك (موجز عن النهضة الحسينية) هو من مؤلفات سماحة آية الله العظمي الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف) ويتضمن بشكل موجز أهداف قيام وشهادة الإمام الحسين عليه السلام ويشتمل علي محتو عال ومواضيع مفيدة بالرغم من صغر حجمها.

وإن مؤسسة المجتبي إذ تقوم بطبعه ونشره تأمل من الله تعالي أن ينفع به المسلمين وغيرهم ويجعل منه منار هداية للأجيال القادمة وأن يمن علي صاحبه الإمام الراحل بالمغفرة والرضوان، إنه سميع مجيب، والحمد لله أولاً وآخراً.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص.ب: 5951 / 13

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

لماذا استشهد الإمام الحسين عليه السلام؟

هناك عدة أسئلة حول شهر محرم وواقعة عاشوراء ونهضة الإمام الحسين عليه السلام المباركة، ينبغي الإجابة عليها.

فلماذا استشهد الإمام الحسين عليه السلام؟

مع أن المسلمين كانوا قريبي عهد بنبي الإسلام صلي الله عليه و اله وقد اشتركوا في الجهاد وضحوا في سبيل الله تعالي، فكيف اشتركت عدة منهم في قتل الإمام الحسين عليه السلام؟ وعدة أخري منهم بقيت ساكتة ولم تعترض علي جرائم يزيد؟

وكيف استطاع النظام الحاكم لبني أمية من قتل سبط النبي صلي الله عليه و اله بتلك الصورة الفجيعة مع ما للإمام الحسين عليه السلام من الفضائل الكثيرة التي كان يؤكد عليها رسول الله صلي الله عليه و اله؟

للجواب علي هذه الأسئلة ينبغي من تمهيد مقدمة.

الدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و اله

بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية وإقبال الناس علي الدين الإسلامي أخذ بعض الحكام بالابتعاد عن السيرة النبوية الشريفة حيث ورد التأكيد علي اتباع القرآن الكريم والعترة الطاهرة فأخذوا بمخالفة أهل البيت عليهم السلام ومحاربتهم وكان معاوية بن أبي سفيان قد هيأ الأجواء للقيام بمثل هذا العمل الفجيع وهو قتل الإمام الحسين عليه السلام منذ عشرين سنة، فإن عمر قام بتنصيب معاوية والياً علي قسم من بلاد الشام، وكانت تلك البلاد تقسم إلي أربع ولايات هي:

الأولي: لبنان.

والثانية: فلسطين.

والثالثة: دمشق.

والرابعة: حلب.

أما الأردن فكانت جزءً من الشام ولم يكن لها والٍ مستقل، وكان المفروض أن يبعث لها أربعة ولاة.

فسيطر معاوية علي بلاد الشام وجعلها في قبضته ولم يتظاهر بالعصيان ضد عمر.

وبعد أن مات عمر استولي عثمان علي الخلافة، وكان هذا الرجل كما جاء في التواريخ أخذ يوزع الولايات والمناصب الحكومية علي أقربائه من قومه وعشيرته من دون ملاحظة الكفاءة، فمثلاً قد أعطي منصب الأمانة العامة للدولة الإسلامية والتي يعبر عنها اليوم

ب(الأمين العام) إلي مروان بن الحكم، وكان مروان معروفاً ب(طريد رسول الله)، يعني أن نبي الإسلام صلي الله عليه و اله قد طرده وأبعده عنه.

كما أن عثمان أخذ يقرب إلي نفسه (الحكم) والد مروان، وهذا أيضاً كان إنساناً غير صالح، وقد قام بأعمال قبيحة وغير لائقة، حتي أن رسول الله صلي الله عليه و اله علي شدة صبره وتحمله رأي أن من الصلاح عدم بقاء مروان ووالده في المدينة، فقام بنفي الاثنين من المدينة.

وهذان الاثنان كانا في المنفي إلي أن توفي رسول الله صلي الله عليه و اله وأصبح أبو بكر حاكماً فعند ذلك جاءه عثمان ليشفع لمروان وأبيه ويعيدهما من المنفي، فلم يقبل أبو بكر وقال: (لا آوي من طرده رسول الله).

وبعد أن مات أبو بكر وتصدي عمر، جاءه عثمان مرة أخري ليشفع لهما ويرجع الاثنين من المنفي فلم يقبل عمر كذلك.

إلي أن صارت الخلافة إلي عثمان، فقام فوراً باعادة هؤلاء المخرجين وتسليمهما المناصب الحساسة في الدولة الإسلامية!.

الحكم وأولاده

وقد وردت روايات عديدة في ذم الحكم وأولاده حتي من كتب العامة، نشير إلي بعضها:

أخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول لأبيك وجدك: «إنكم الشجرة الملعونة في القرآن».

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ولد الحكم ملعونون».

وقال السيوطي في تفسير قوله تعالي: ?والشجرة الملعونة?: (يعني الحكم وولده).

ثم إن مروان كان بعيداً تمام البعد عن التعاليم الإسلامية، فإنه عندما نُفي هو وأبوه كان عمره سبع سنوات فلم يتخلق بالأخلاق الإسلامية ولم يتأدب بآدابها حيث كان بعيداً عن مشاهدة أخلاق رسول الله صلي الله عليه و اله وتعامله وكذلك عن أصحابه الكرام، بالإضافة إلي أن

أباه الحكم الذي كان عدواً شديداً للإسلام قد تولي تربية هذا الطفل.

ولهذا السبب فقد كان الناس يتنفرون من مروان لما ورد عن رسول الله صلي الله عليه و اله في ذمهم، ولكن مع كل هذه السوابق السيئة فإن عثمان عندما سيطر علي الخلافة قام بإعادة مروان من المنفي والعطف عليه ولم يكتف بذلك، بل عينه في منصب الأمين العام للدولة الإسلامية، فأصبحت الدولة الإسلامية الكبيرة بعد مقام الخليفة تدار تحت رأي ونظر مروان!.

وهكذا كانت سياسة عثمان تنص علي توزيع المناصب والولايات علي أقربائه من قومه وعشيرته، فقد أقر معاوية بن أبي سفيان علي الولايات الأربعة وبلاد الشام فأصبحت زمام الأمور بيد معاوية ولما قام المسلمون بقتل عثمان وجاءوا إلي أمير المؤمنين علي عليه السلام وبايعوه فإنه قام بعزل معاوية عن ولاية الشام ولكن معاوية تمرد عليه، وهذا ليس بأول تمرد له فقد تمرد علي رسول الله صلي الله عليه و اله من قبل، حيث ذكر صاحب كتاب (شواهد التنزيل):

عن حذيفة بن اليمان قال: (كنت والله جالسا بين يدي رسول الله صلي الله عليه و اله وقد نزل بنا غدير خم، وقد غص المجلس بالمهاجرين والأنصار، فقام رسول الله صلي الله عليه و اله علي قدميه فقال: «يا أيها الناس إن الله أمرني بأمر فقال: ?يا أيهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ?» ثم نادي علي بن أبي طالب فأقامه عن يمينه ثم قال: «يا أيها الناس ألم تعلموا أني أولي منكم بأنفسكم»، قالوا: اللهم بلي، قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله». فقال حذيفة: فو الله لقد رأيت معاوية قام وتمطي وخرج

مغضبا واضعاً يمينه علي عبد الله بن قيس الأشعري ويساره علي المغيرة بن شعبة ثم قام يمشي متمطيا وهو يقول لا نصدق محمدا علي مقالته ولا نقر لعلي بولايته، فأنزل الله تعالي: ?فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّي ? وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّي ? ثُمَّ ذَهَبَ إِلي أَهْلِهِ يَتَمَطَّي? فهم به رسول الله صلي الله عليه و اله أن يرده فيقتله فقال له جبرئيل: ?لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ? فسكت عنه).

بنو أمية

بنو أمية

هناك آيات شريفة وروايات عديدة وردت في ذم بني أمية وقد ذكرتها مصادر العامة أيضاً، نشير إلي بعضها:

ففي (تاريخ بغداد): قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أريت بني أمية في صورة القردة والخنازير يصعدون منبري، فشق عليّ ذلك فأنزلت: ?إنا أنزلناه في ليلة القدر?».

وقال الآلوسي في تفسيره: وأخرج ابن جرير عن سهل بن سعد قال: رأي رسول الله صلي الله عليه و اله بني أمية ينزون علي منبره نزو القردة، فساءه ذلك فما استجمع ضاحكا حتي مات عليه الصلاة والسلام، وأنزل الله تعالي هذه الآية: ?وما جعلنا الرؤيا التي أريناك الا فتنة للناس?،.

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «شر قبائل العرب بنو أمية».

وقال صلي الله عليه و اله: «أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية».

وقال صلي الله عليه و اله: «ويل لبني أمية» ثلاث مرات.

وعن ابن مسعود قال: (إن لكل دين آفة، وآفة هذا الدين بنو أمية).

وأخرج ابن أبي حاتم عن يعلي بن مرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أريت بني أمية علي منابر الأرض وسيتملكونكم فتجدونهم أرباب سوء».

وعن البراء بن عازب قال: أقبل أبو سفيان ومعه معاوية، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «اللهم

العن التابع والمتبوع».

ورأي رسول الله صلي الله عليه و اله أبا سفيان مقبلاً علي حمار ومعه ابنه معاوية يقوده ويزيد يسوقه فقال: «لعن الله الراكب والقائد والسائق».

وفي (كنز العمال) عن قيس بن أبي حازم، قال: سمعت علي ابن أبي طالب عليه السلام علي منبر الكوفة يقول: «ألا لعن الله الأفجرين من قريش، بني أمية وبني مغيرة».

وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: «لكل أمة آفة، وآفة هذه الأمة بنو أمية».

وقال القرطبي في تفسير قوله تعالي: ?والشجرة الملعونة في القرآن? عن ابن عباس: هذه الشجرة بنو أمية.

وقال الطبري عند ذكر قوله تعالي: ?والشجرة الملعونة في القرآن?: ولا اختلاف بين أحد أنه أراد بها بني أمية.

معاوية يمهّد الطريق

لقد سعي معاوية إلي تهيئة الأجواء للقيام بمحاربة أهل البيت عليهم السلام وكان ذلك من أسباب جريمة قتل الإمام الحسين عليه السلام، فلقد استفاد معاوية من فرصة توليه علي الشام منذ أن نصبه عمر وهكذا في زمن عثمان وفي فترة تمرده علي أمير المؤمنين علي عليه السلام في بسط ملكه علي الناس، فكان يظهر للناس بأنه هو الكل في الكل في الدولة الإسلامية، ولا يحق لأحد أن يعترض علي أعماله، فكان مستبداً جائراً يواجه من يخالفه بأشد العقوبة.

وبما أن بلاد الشام كانت بعيدة عن مركز الدولة الإسلامية، ولم يكن للناس آنذاك المعرفة الكاملة بالأحكام الشرعية والآداب والسنن الإسلامية، لذا فإن كثيراً منهم كان يتقبل كل ما يسمعه من معاوية. ولهذا السبب تمكن معاوية من إعداد جيش كبير من هؤلاء الناس الذي عمل عليهم مدة عشرين سنة ليقاتل به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأن يشعل نار الفتنة في حرب صفين، فقد تمكن طيلة هذه الفترة الطويلة من أن

يخدع الناس ويبعدهم عن حقيقة أهل البيت عليهم السلام وعدالتهم وفضيلتهم وتقواهم وأخلاقهم الإسلامية.

وبعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام، استمر معاوية عشرين سنة أخري في سيطرته علي كرسي الخلافة الإسلامية، طبعاً الخلافة الصورية، والتي يمكن القول عنها بأنها (حكومة المراسم) والتي تعبر عنها النصوص التاريخية ب(الملك العضوض)، وهذه كناية عن الوحشية والاستبداد التي تميزت بها سياسة حكام بني أمية.

فتبين مما ذكر:

أ: أن معاوية خلال هذه الأربعين سنة يعني عشرين سنة من الولاية وعشرين سنة من الخلافة المغتصبة، تمكن من تغيير أفكار الناس وجرها إلي ما يريد وأن يجري عليهم عملية (غسيل المخ) بحسب اصطلاح اليوم.

ب: وأنه تمكن بواسطة أنواع الحيل والخداع والمكر أن يجر الأمة الإسلامية إلي طريق الانحراف والضلال ويبعدهم عن تعاليم الكتاب والعترة.

ج: وأخيراً تهيأ الجو المساعد لإجراء أهداف ونوايا معاوية.

المخطط المشؤوم

ومن أقبح ما أقدم عليه معاوية خلال فترة وجوده بالشام هو الأمر بلعن وسب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأصحابه علي منابر المسلمين!، مدعياً بأنهم والعياذ بالله من قطاع الطرق، والكذابين، وأن علياً عليه السلام واحداً من هؤلاء، وكان معاوية يرسل خطباء خاصين إلي النواحي والبلدات ليلعنوا أمير المؤمنين علي عليه السلام ويفتروا عليه.

كما إن بعض المؤرخين نقلوا: بأن معاوية كان يأمر بشراء بعض الأغنام الصغيرة والجميلة ليعطوها إلي الأطفال بعنوان (هدية معاوية)!! حتي إذا تعلق الطفل بواحدة منها واشتغل باللعب بها، كان يأمر عدة من جلاوزته الخشنين بأن يذهبوا ويضربوا الأطفال ويأخذوا منهم هذه الأغنام ويقولوا: بأنهم من عمال علي بن أبي طالب.

فمعاوية بهذه الحيل والخدع السياسية كان يسعي لاستمالة الناس إلي محبته وجعلهم من أعداء علي بن أبي طالب عليه السلام، فهو يريد أن يصور للناس بأنه

مظهر المحبة!! وأن علياً عليه السلام والعياذ بالله مظهر الخشونة.

ومن عظيم ما قام به معاوية أنه حارب الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام في وقعة صفين المشهورة. وقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص مجتمعين ففرقوا بينهما، فإنهما لن يجتمعا علي خير».

كما قام معاوية أيضاً بقتل الإمام الحسن عليه السلام بالسم الذي دسه إليه عبر جعدة بنت الأشعث، فلما أتاه خبر وفاة الإمام الحسن عليه السلام أظهر معاوية فرحا وسرورا حتي سجد وسجد من كان معه.

وكذلك قتله الصحابي الجليل حجر بن عدي وأصحابه الأخيار.

كما قتل العديد من المؤمنين بالسم، وكان يقول: (إن لله جنوداً من عسل).

وأخيراً فإنه لم يكن يقاتل الناس في سبيل الله، بل لكي يتأمر عليهم، قال سعيد بن سويد: دخل معاوية الكوفة ثم خطبنا بالنخيلة يعني خارج الكوفة، فقال: ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، قد عرفت أنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون.

ومن ناحية أخري فقد سعي لبناء علاقات وثيقة في ذلك الوقت مع دولة الروم التي كانت تعادي الإسلام والمسلمين.

كفر معاوية وأبي سفيان

كفر معاوية وأبي سفيان

إن الارتباط بالروم كان ذا أهمية خاصة بالنسبة إلي معاوية، وكان له التأثير الكبير عليه، وربما كان ذلك من أسباب ما قام به من أعمال ضد الإسلام والمسلمين.

وفي أحد الأيام سمع معاوية صوت الأذان عالياً وكان المؤذن يقول: « … أشهد أن محمداً رسول الله … » فغضب وبان الشر في عينيه، فالتفت إلي جلسائه المقربين له وقال: (ألا ترون إلي هذا أي النبي محمد صلي الله عليه و اله يذكر اسمه خمس مرات في المآذن، فأقسم إلا أن أدفن هذا الإسم تحت التراب).

وهذا

إنما يدل علي شدة عداء معاوية وخصامه مع أصل الإسلام ونبيه صلي الله عليه و اله، ومع ذلك كله فقد كان يصور نفسه للناس بأنه خليفة رسول الله صلي الله عليه و اله، لا بل هو خليفة الله في أرضه.

وفي الواقع إن معاوية وأباه أبا سفيان لم يسلما منذ اليوم الأول عن رغبة، بل كان إسلامهما لنجاة أنفسهما من القتل حيث خافا من المسلمين أن يقوموا بقتلهم، فانهما كانا من جملة الأشخاص الذين ورد ذكرهم في الدعاء: «فإن قوماً آمنوا بألسنتهم ليحقنوا به دمائهم».

ولقد قال الإمام الحسن عليه السلام يوماً لمعاوية: اتنسي يا معاوية الشعر الذي كتبته إلي أبيك لما هم أن يسلم، تنهاه عن ذلك:

يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا

بعد الذين ببدر أصبحوا فرقاً

خالي وعمي وعم الأم ثالثهم

وحنظل الخير قد أهدي لنا الأرقا

لا تركنن إلي أمر تكلفنا

والراقصات به في مكة الخرقا

فالموت أهون من قول العداة لقد

حاد ابن حرب عن العزي إذا فرقا

حقيقة أبي سفيان

وأما أبو سفيان والد معاوية فقد ورد في التاريخ: أنه جاء إلي عثمان لما أصبح خليفة! فقال له: (تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب ولا من جنة ولا نار ولا بعث ولا قيامة).

والملاحظ هنا أن أبا سفيان لم يقسم بالله عزوجل بل قال: (والذي يحلف به أبو سفيان) أي بتلك الأصنام التي كانت في فترة الجاهلية، لماذا؟ لأنه كان وما زال يعتقد بها، ثم إنه أعلن وبصراحة بقوله هذا إنكاره للمعاد والقيامة وأظهر كفره.

أبو سفيان في كتب العامة

قال السيوطي: عن قتادة في قوله: ?أئمة الكفر? قال: أبو سفيان بن حرب وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وسهيل بن عمرو.

وقال ابن عساكر: عن مجاهد: ?فقاتلوا أئمة الكفر? قال: أبو سفيان.

وقال الطبري في تفسيره: ?فقاتلوا أئمة الكفر? أبو سفيان ونظراؤهم.

وروي عن ابن عباس ذلك أيضا.

وقال الزمخشري في تفسير قوله تعالي: ?إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله? قيل: إنها نزلت في أبي سفيان وقد استأجر ليوم أحد ألفين من الأحابيش سوي من استجاش من العرب وأنفق عليهم أربعين أوقية والأوقية اثنان وأربعون مثقالا.

وقال السيوطي: عن مجاهد في قوله تعالي: ?اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا? قال: أبو سفيان بن حرب أطعم حلفاءه وترك حلفاء محمد صلي الله عليه و اله.

وذكر الفخر الرازي في تفسير قوله تعالي: ?إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون?:

إنها نزلت في أبي سفيان فإنه أنفق مالاً كثيراً علي المشركين يوم بدر وأحد في عداوة النبي صلي الله عليه و اله.

ونقل ابن كثير عن ابن عباس قال: رأي أبو سفيان رسول الله صلي الله

عليه و اله يمشي والناس يطأون عقبيه، فقال بينه وبين نفسه: لو عاودتُ هذا الرجل القتال، فجاء رسول الله حتي ضرب بيده في صدره فقال: «اذاً يخزيك الله».

نعم، هؤلاء كبار أسرة بني أمية، فمعاوية لا يطيق سماع الأذان ويسعي لدفن الإسم المقدس للنبي صلي الله عليه و اله، وأبو سفيان منكر لله وليوم الجزاء، والحكم وابنه مروان هما طريدا رسول الله صلي الله عليه و اله، وبشكل عام فإن هؤلاء من عائلة كافرة معادية للإسلام والمسلمين ولأهل بيت العصمة والطهارة، وفي هذا يقول أحد الشعراء:

عبد شمس قد أضمرت لبني

هاشم ناراً يشيب منها الوليد

فأبن حرب للمصطفي وابن هند

لعلي وللحسين يزيد

لقد تمكن معاوية بن أبي سفيان من الحكم علي قسم من الدولة الإسلامية عشرين عاماً وعشرين عاماً أخري علي كل الدولة الإسلامية، فجند كل قواه لكي يحرض الناس ضد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام والعلويين، بل ضد روح الإسلام وجوهره، كما أراد أن يطبق منطق النصاري حيث يقولون: (ما لله لله وما لقيصر لقيصر). كما كان يزعم بأن بلاد الإسلام وثرواتها هي ملك له وأن القانون هو رأيه وتصوراته. فقد قال معاوية يوماً: (الأرض لله وأنا خليفة الله فما أخذت فلي وما تركته للناس فبالفضل مني).

وبذلك فقد هيأ معاوية الجو المساعد للحكم الجائر والاستبدادي لبني أمية، حيث قام بتنصيب ابنه الفاسق (يزيد) بعنوان الخليفة من بعده أولاً ثم أخذ البيعة له من الجميع بالإكراه ثانياً، فقد ورد في النصوص التاريخية: وأخذت البيعة ليزيد من الناس علي أنهم عبيد له، ومن أبي ذلك فجزاؤه السيف.

فقد كان شاباً نزقاً لم تصقله التجارب بعد، ولم يتربّ بتربية إسلامية ولم يتخلق بالأخلاق والآداب الشرعية، فلم يكن لائقاً للخلافة الإسلامية

أصلاً، بالإضافة إلي أنه كان عند معظم المسلمين والرأي العام الإسلامي ذا موقع سيئ وسمعة سيئة.

وفي المقابل كان الإمام الحسين بن علي عليه السلام هو الإمام من بعد أخيه الحسن عليه السلام حسب النص الوارد عن رسول الله صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن عليه السلام، وكان يتمتع بسابقة مضيئة وهو من عائلة طاهرة ومن بيت علم وتقوي وإجلال عند جميع المسلمين وكبار أصحاب النبي صلي الله عليه و اله والتابعين، فكان يتمتع بمكانة مرموقة وموقع مهم وقابل للاحترام والتقدير، فإنه عليه السلام من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة.

نعم، إن عظمة الإمام الحسين عليه السلام وطهارته اقتضت منه التضحية وأن لا يبخل بدمه الطاهر لأجل الدين الإسلامي، وبقاء القرآن والعقيدة الإسلامية وسيرة رسول الله صلي الله عليه و اله فاستشهد هو في سبيل الله وجميع أولاده وأصحابه وجعل شعاره قول الله تعالي: ?وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين?.

إن هذه الآية الكريمة توجب علي الإنسان أن يجاهد ويضحي في سبيل الله أولاً، ومن أجل نجاة الناس المستضعفين من قبضة الظالمين والمستبدين ثانياً، فكان الإمام الحسين عليه السلام خير قدوة وأسوة في ذلك.

أما يزيد، فقد شب في تلك العائلة التي كان شعارها الكفر والفسق، وقد انحدر من ذلك الأب والجد مع تلك السوابق المخزية، طبعاً كل ما وصل بأيدينا بالنسبة إلي يزيد وبني أمية فهو قليل بالنسبة إلي حقيقتهم، حيث خفي علي الناس الكثير من أعمالهم، فإنهم كانوا يمنعون من كتابة الحقائق، وهناك العديد من الكتب التي ضاعت أو أحرقت ولم تصل بأيدي الأجيال.

من هو يزيد؟

يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الفاسق الفاجر، الذي كان يرتكب أكبر المعاصي كشرب الخمور

وقتل النفس المحرمة والزنا بالمحارم.

? جده: أبو سفيان، وكان منكراً لله وليوم الجزاء، ففي أحد الأيام وبعدما أصبح ضريراً قال لغلامه: خذني إلي قبر حمزة، فأخذه الغلام من المدينة حتي أوصله إلي قبر حمزة، والذي كان يبعد فرسخاً واحداً عن المدينة، فعندما وقف علي قبر حمزة سيد الشهداء عليه السلام ضرب قبره برجله وخاطبه مستهزئاً: (يا أبا عمارة كنية حمزة إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسي في يد غلماننا اليوم يتلعبون به)، إلي غير ذلك مما مر ذكر بعضه آنفاً.

? جدته: هند بن عتبة، هذه المرأة كانت في الجاهلية يعني قبل أن يظهر الإسلام من البغايا المشهورات، ومن ذوات الاعلام، ولما جاءت إلي رسول الله صلي الله عليه و اله لتسلم ظاهراً خوفاً علي نفسها، شرط النبي صلي الله عليه و اله عليها أن لا تزني فيما بعد، وتلا عليها هذه الآية المباركة: ?إذا جاءك المؤمنات يبايعنك علي أن لايشركن بالله ولا يسرقن ولا يزنين?.

وفي التاريخ: إن نساء من قريش مشت إلي هند بنت عتبة في قصة بدر فقلن: ألا تبكين علي أبيك وأخيك وعمك وأهل بيتك؟ فقالت: حلأني أن أبكيهم فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بنا ونساء بني الخزرج حتي أثأر محمدا وأصحابه والدهن عليّ حرام إن دخل رأسي حتي نغزو محمدا، ولو أعلم أن الحزن يذهب عن قلبي لبكيت ولكن لا يذهبه إلا أن أري ثأري بعيني من قتلة الأحبة، فمكثت علي حالها لا تقرب الدهن ولا قربت فراش أبي سفيان حتي كانت وقعة أحد.

وكانت هند بنت عتبة أول من مثل بأصحاب النبي صلي الله عليه و اله وأمرت النساء بالمثل وبجدع الأنوف والآذان فلم تبق امرأة إلا عليها معضدان ومسكتان وخدمتان.

وكان من

الشعر الذي ارتجزت به هند بنت عتبة يوم أحد:

شفيت من حمزة نفسي بأحد

حين بقرت بطنه عن الكبد

أذهب عني ذاك ما كنت أجد

من لوعة الحزن الشديد المعتمد

و الحرب تعلوكم بشؤبوب برد

نقدم إقداما عليكم كالأسد

وقد أمر رسول الله صلي الله عليه و اله بقتلها لكنها جاءت إلي رسول الله صلي الله عليه و اله مع نساء قريش متنكرة متنقبة لحدثها الذي كان في الإسلام وما صنعت بحمزة حين جدعته وبقرت بطنه عن كبده، فكانت تخاف أن يأخذها رسول الله صلي الله عليه و اله بحدثها ذلك، فلما دنت منه وقال حين بايعنه: «علي ألا يشركن بالله شيئا»، قلن: نعم.

قال: «ولا يسرقن».

فقالت هند: والله أنا كنت لأصيب من مال أبي سفيان الهنة والهنيهة فما أعلم أحلال ذلك أم لا؟

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «وإنك لهند»؟.

قالت: نعم أنا هند وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فاعف عما سلف عفا الله عنك.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ولا يزنين».

فقالت هند: وهل تزني الحرة!.

فقال: «لا، ولا يقتلن أولادهن».

فقالت هند: قد لعمري ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا ببدر فأنت وهم أعرف.

? أبوه: معاوية بن أبي سفيان، الذي كان لا يتورع عن أي معصية في سبيل الوصول إلي الرئاسة والحكومة، فمثلاً أرسل والياً له علي اليمن فقام بقتل الناس حتي الأطفال منهم، ليزرع في قلوب الناس الخوف، وكان الوالي اسمه (بسر بن إرطاة) وكان شقياً وقاسي القلب وما أسال كل تلك الدماء إلا إرضاءً لشهوة معاوية وإرساءً لقواعد حكمه الجائر. وقد كان الفساد متفشياً حتي في داخل قصر معاوية. ينقل (الدميري) أحد علماء العامة في كتابه (حياة الحيوان) في باب الفيل: بأن معاوية سمع بأن

فيلاً جاءوا به ويريدون أن يمروا به من جانب قصره، فصعد معاوية علي سطح القصر لمشاهدة الفيل، عند ذلك وقع نظره علي إحدي الغرف فلاحظ رجلاً أجنبياً وهو يزني بإحدي جواريه، فنزل معاوية، وقال للرجل: ما جرأك علي ذلك؟

فقال في جوابه: حلمك!.

فعفي عنه ثم وهب له تلك الجارية، مع العلم بأن الشرع الإسلامي لا يجيز ذلك فإذا زني شخص بامرأة ذات بعل تحرم المرأة علي الزاني حرمة مؤبدة. وبغض النظر عن الإسلام فإن قيم الشرف والغيرة ليست لها معني عند معاوية.

كذلك فقد جاء في بعض التواريخ بأن معاوية كان يأتي بالجارية فيجردها عن ثيابها بحضرة جلسائه. يقول خديج الخصي مولي معاوية: اشتري معاوية جارية بيضاء جميلة فأدخلتها عليه مجردة، وبيده قضيب، فجعل يهوي به إلي متاعها يعني فرجها ويقول: هذا المتاع لو كان لي متاع، اذهب بها إلي يزيد بن معاوية، الخبر.

وقد استمع معاوية يوما علي يزيد ذات ليلة، فسمع عنده غناء أعجبه، فلما أصبح قال له: من كان ملهيك البارحة؟ قال: سائب خاثر، قال: فأكثر له من العطاء.

? أمه: امرأة نصرانية تدعي (ميسون) لا تعتقد بوحدانية الله ولا برسوله أصلاً، وكانت كثيرا ما تصطحبه إلي البادية حول تدمر حيث تقيم قبيلتها، وهناك شرب الخمر وانغمس في اللذات وأخذ منها ما شاء له هواه وفسقه وقد كانوا يسمونه يزيد القرود ويزيد الخمور.

وقد ذكر المؤرخون أن ميسون بنت بجدل أمكنت عبد أبيها عن نفسها، فحملت بيزيد (لعنه الله).

قال الشاعر:

فإن يكن الزمان أتي علينا

بقتل الترك والموت الوحي

فقد قتل الدعي وعبد كلب

بأرض الطف أولاد النبي

هذه هي أسرة يزيد وشجرته، فذلك الجد والأب، وهذه الجدة والأم.

وكان يقضي أكثر أوقاته في المصايف والمنتزهات التي كانت حول دمشق، وكان مشغولاً بطلب

اللذة المحرمة والفساد، وشرب الخمر ولعب القمار، واللعب بالكلاب والقردة، واتيان الفحشاء والمنكر وغيرها من المفاسد، بالإضافة إلي إهانته للمقدسات الإسلامية، وعندما قيل له مرة: لِمَ لا تصلي؟ ضحك متساخراً وقرأ هذين البيتين:

دع المساجد للعباد تعبدها

وقف علي دكة الخمار واسقينا

ما قال ربك ويل للذي شربوا

بل قال ربك ويل للمصلينا

فإنه قرأ نصف الآية القرآنية ولم يقرأها كاملة، مثله مثل من يدعي بأن القرآن يقول: (لا إله) ولا يكمل (إلا الله)، فالآية الشريفة هي قوله تعالي: ?فويل للمصلين ? الذين هم عن صلاتهم ساهون?.

وقد ذكر بعض المؤرخين: بأن يزيد كان يزني حتي بمحارمه خصوصاً عمته، والتي يقول عنها في إحدي قصائده:

ولو لم تمس الأرض فاضل ذيلها

لما جاز عندي بالتراب التيمم

بمعني أن شرف الأرض من شرف ذيل عمته، وهو يفضل شرف ذيل تلك المرأة الزانية علي شرف الأشياء الأخري.

كما ذكروا عنه: بأنه قام يوماً فعض عمته فشرعت بالبكاء من شدة الألم، فوصف يزيد تلك الحالة بهذا البيت من الشعر:

فأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت

ورداً وعضت علي العناب بالبرد

وروي صاحب (الأغاني) وقال: كان يزيد بن معاوية أول من سن الملاهي في الإسلام من الخلفاء وآوي المغنين وأظهر الفتك وشرب الخمر، وكان ينادم عليها سرجون النصراني مولاه والأخطل الشاعر النصراني .

وقال البلاذري: وكان يزيد أول من أظهر شرب الشراب.

وقال ابن كثير: اشتهر يزيد بالمعازف وشرب الخمر والغناء.

وعلي كل حال فإن ما ورد في ذم بني أمية في مختلف مصادر المسلمين هو كثير، وفي المقابل فقد ورد في كتب المسلمين جميعاً من الفضائل والصفات الحسنة في حق بني هاشم وأهل بيت النبي صلي الله عليه و اله الكثير الكثير مما لا يسع المقام لبيانه.

فمثلاً: إن معاوية كان قد أرسل بسر بن ارطاة

ليهجم علي اليمن فقام بمجزرة عظيمة وقد قتل ابني عبيد الله بن العباس الذي كان والياً هناك من قبل أمير المؤمنين علي عليه السلام فضرب أعناقهما بالسيف.

وعلي عكسه فقد كان أمير المؤمنين علي عليه السلام عطوفاً ورحيماً، ففي أحد الأيام شاهد يتيماً في أحد أزقة الكوفة وهو يبكي، فتألم عليه السلام كثيراً حتي جرت دموعه علي خديه ثم أخذ يمسح بيده الكريمة علي رأس اليتيم وقرأ هذين البيتين:

ما أن تأوهت من شيء رزئت به

كما تأوهت للأيتام في الصغر

قد مات والدهم من كان يكفلهم

في النائبات وفي الأسفار والحضر

من هو الإمام الحسين عليه السلام؟

الإمام الحسين عليه السلام هو حجة الله علي الأرض.

? جده: نبي الإسلام العظيم محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله، الطاهر، المجاهد، العابد، الزاهد، التقي، النقي، المعصوم عن كل رجس ونجس، والموصوف بجميع الصفات الإنسانية العالية.

? جدته: أم المؤمنين السيدة الجليلة خديجة عليها السلام، التي كانت من سيدات نساء العالمين، وهي أول امرأة اختارت الإسلام وضحت بجميع أموالها في سبيل الدين الإسلامي، حتي أنها لما ماتت لم تكن تملك سوي جلد غنم كفراش تحت رجليها وجرة ماء، وأما تلك الثروة العظيمة فقد أنفقتها في سبيل الله عزوجل.

? والده: الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والذي كان قمة في الفضيلة، والإيمان، والتقوي، والجهاد في سبيل الله، والسخاء والكرم، وبكلمة واحدة كان الشخصية الأولي بعد نبي الإسلام صلي الله عليه و اله فلم يكن له مثيل في عالم البشرية ولا يوجد، فإن النبي الأكرم صلي الله عليه و اله هو أفضل خلق الله ومن بعده الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه نفس النبي صلي الله عليه و اله كما صرح به القرآن الكريم.

?

أمه: الصديقة الكبري فاطمة الزهراء عليها السلام، سيدة نساء الدنيا والآخرة، العابدة، الزاهدة، القائمة، الصائمة، المجاهدة، الصابرة، الطاهرة، المعصومة، النزيهة، وبكلمة واحدة فهي غير قابلة للوصف والتصور لعظمتها وجلالتها (صلوات الله عليها).

? أخوه: الإمام الحسن المجتبي (صلوات الله عليه) ذلك الإمام الطاهر، ذو الخلق السامي، والحنكة السياسية الرفيعة، الجامع لكافة الفضائل الإنسانية.

هذه هي أسرة الإمام الحسين عليه السلام الشريفة، مضافاً إلي سائر أقربائه الكرام من الأعمام والعمات والأخوال والخالات والذين كانوا جميعاً من أهل الطهر والفضيلة. وبشكل عام فإن عائلة بني هاشم، كانت عائلة طاهرة، تخاف الله، وتخدم الناس، وملتزمة بالعهود والمواثيق الإسلامية والإنسانية.

ومثل الإمام الحسين عليه السلام لا يمكنه بأي وجه أن يبايع يزيد، ولا أن يسكت علي ظلمه وجوره، حيث إن يزيد اتخذ دين الله لعباً واستخف بالمسلمين وجعلهم تحت الضغط والقهر، ولقد صرح الإمام الحسين عليه السلام في إحدي خطبه بأنه لم يخرج أشراً ولا بطراً

ولا مفسداً وإنما خرج لطلب الإصلاح في أمة جده رسول الله صلي الله عليه و اله.

فقال في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية عليه السلام: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا ما أوصي به الحسين بن علي بن أبي طالب إلي أخيه محمد المعروف بابن الحنفية أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمداً عبده و رسوله جاء بالحق من عند الحق و أن الجنة و النار حق ?وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ?، وأني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً و إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلي الله عليه و اله أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر

وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولي بالحق ومن رد عليَّ هذا أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ?وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ?، وهذه وصيتي يا أخي إليك ?وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ?».

المسلمون في عهد يزيد

كان المسلمون في عهد يزيد يعيشون في جو من الإرهاب والضغط السياسي والعقائدي، فإن معاوية ويزيد وبني أمية بصورة عامة كانوا قد حبسوا الأنفاس في الصدور، وخنقوا الأصوات المنادية بالحرية وكموا الأفواه، فكانت سياستهم السجن والقتل والضرب والتعذيب وكم الأفواه وتصفيد الأيادي بالقيود، بالإضافة إلي مصادرة الأموال وحرق البيوت، فمعاوية قام بقتل المسلمين، وأطاف برؤوسهم من بلد إلي بلد، وقد تعلم يزيد هذا العمل من أبيه.

فأول شخص قام بهذا العمل القبيح في الإسلام كان معاوية، واستمرت مسيرة الظلم والجور بحكومة يزيد، وكان الهدف ظلم العباد وطمس آثار النبوة ومن هنا فقد نهض الإمام الحسين عليه السلام ضد هذه الأعمال الشنيعة وهذه الحكومة الجائرة.

هكذا حارب يزيد الإمام الحسين عليه السلام

لقد تمكن يزيد بن معاوية من محاربة الإمام الحسين عليه السلام وتهيئة جيش كبير ضده عبر الإعلام المضلل والإغراء بالجهل ونشر جو الإرهاب والخوف.

فقد حكم أبوه معاوية 40 سنة علي بلاد الشام، وأخذ بإبعاد أهلها عن الإسلام الحقيقي، فسيطر علي البلاد بالظلم والجور، ثم جاء من بعده ابنه يزيد ليستولي علي المسلمين بالقوة والقهر، مضافاً إلي ما أوجدوه من جو الإرهاب والخوف فكان من لا يخرج إلي محاربة الإمام الحسين عليه السلام يُقتل أو يُسجن، وكان كثير من الناس لايعرفون الهدف من نهضة الإمام الحسين عليه السلام، وكانت مجموعة كبيرة منهم تقبع في السجون، فقد ورد في التاريخ: إن في زمان ولاية ابن زياد كان هناك اثنا عشر ألف شخص تم إلقاء القبض عليهم وسجنهم في الكوفة.

نعم، إن الإمام الحسين عليه السلام عند ما امتنع من بيعة يزيد وصمم علي الشهادة، كانت هناك مجموعة كبيرة من شيعته قد قُتلت بأيدي جلادي بني أمية، ومجموعة أخري كانت تقبع في السجون، فخرج الإمام الحسين

عليه السلام بأصحابه المعروفي.

أما الذين جاءوا لمحاربة الإمام الحسين عليه السلام فقد جاءوا إما من باب الخوف والإكراه وإما من باب الجهل والإغواء، فإن كثيراً منهم كانوا من أهل الدنيا الذين خدعهم بنو أمية، بإعطائهم الأموال والمناصب، ووعدوهم بذلك إن خرجوا لمحاربة الإمام الحسين عليه السلام، فهؤلاء خلال أربعين سنة لا يوم واحد ولا شهر واحد ولا سنة واحدة وعن طريق إعلام معاوية قد تم تغيير أفكارهم وإجراء عملية غسيل المخ عليهم فتغيروا.

ومن هنا يتضح كيف تمكن بنو أمية من الإقدام علي مثل هذه الجريمة النكراء بقتلهم الإمام الحسين عليه السلام.

الهجوم علي مدينة رسول الله صلي الله عليه و اله

لم يقتصر يزيد بن معاوية علي محاربة الإمام الحسين عليه السلام وقتله بتلك الطريقة المفجعة فقط، بل هجم علي المدينة المنورة ومكة المكرمة وأثبت شقاءه وجوره بذلك أيضاً، فقد جهز جيشاً سفاكاً وأرسله لإخماد ثورة المدينة المنورة، وقد استباح هذا الجيش المدينة لمدة ثلاثة أيام، فقتل أهل المدينة حتي سال الدم كالسيل في مسجد النبي صلي الله عليه و اله وبالقرب من القبر الشريف وقد وصل الدم إلي الركب، هذا من ناحية القتلي.

وأما هتك الأعراض، فقد اغتصبوا النساء والبنات العذاري، فكان بعد هذه الوقعة المخزية عندما يتقدم أحد لخطبة فتاة ما، فإن أباها كان يقول: لا أضمن بكارة ابنتي.

إن يزيد بعث مسلم بن عقبة علي مدينة رسول الله صلي الله عليه و اله وقال له: أنت أمير الجيش، فإذا وردت المدينة فادع الناس، فإن أجابوك وإلا فقاتلهم، فإن ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا، فما كان بها من مال أو سلاح أو طعام فهو للجند، فأباح المدينة ثلاثة أيام يقتلون ويأخذون المتاع ويعبثون بالإماء ويفعلون ما لا يحبه الله.

وهذا ما رواه المسلمون بأجمعهم، وقد ذكره البلاذري

في (أنساب الأشراف).

وقال ابن الجوزي: إن القتلي يوم الحرة كانوا سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي، وأما من لم يعرف من عبد أو حر أو امرأة فعشرة آلاف، وخاض الناس في الدماء حتي وصلت الدماء إلي قبر رسول الله صلي الله عليه و اله وامتلأت الروضة والمسجد، قال مجاهد: التجأ الناس إلي حجرة رسول الله ومنبره والسيف يعمل فيهم.

وقال المسعودي: سيّر يزيد بن معاوية الجيوش من أهل الشام عليهم مسلم بن عقبة الذي أخاف المدينة ونهبها وقتل أهلها، وبايعه أهلها علي أنهم عبيد ليزيد، وسماها نتنة وقيل: خبيثة وقد سماها رسول الله صلي الله عليه و اله طيبة.

وقال الشبراوي: إن يزيد بعث مسلم بن عقبة إلي المدينة فظفر بها وأباحها للجند ثلاثة أيام وقتل فيها نحوا من عشرة آلاف إنسان، وافتض فيها نحو ألف بكر، وحمل فيها من النساء اللاتي لا أزواج لهن نحو من ألف امرأة، ثم سار إلي مكة وحاصر

عبد الله بن الزبير وحرق الحرم.

وفي التاريخ: أنه دخل أحد جنود يزيد في بيت امرأة من الأنصار في المدينة المنورة وكان وليدها في حجرها، فطلب منها أثاث البيت وشيئاً من أموالها، فقالت المرأة: أقسم بالله لم يبق لنا شيء وقد أخذوا كل ما عندنا.

فقال الجندي: يجب أن تعطيني شيئاً وإلا قتلتك وطفلك هذا.

قالت: ويحك هذا الطفل من ذرية ابن أبي كبشة الأنصاري من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله.

لكن الجندي هجم علي الطفل فنظرت الأم إلي طفلها وقالت: أي بني أقسم بالله لو كنت أملك شيئاً لفديتك به.

وقام هذا الجندي القاسي القلب بجر الطفل من رجله وكان قد تعلق بثدي أمه فضربه بالحائط فتناثر مخه علي الأرض.

رمي الكعبة المشرفة

وكذلك

هجم جيش يزيد علي مكة المكرمة ونصبوا المنجنيق علي جبل أبي قبيس وأرادوا رمي الكعبة وهدمها.

قال البلاذري: في عهد يزيد بن معاوية نصب حصين بن نمير مبعوث يزيد المنجنيق علي الكعبة ليرميها، فارتفعت سحابة فاستدارت علي أبي قبيس ثم رعدت وأصعقت فأحرقت المنجنيق ومن تحتها فلم يعيدوا الرمي.

وذكر المسعودي: أنه رمي البيت، فتواردت أحجار المجانيق والعرادات علي البيت ورمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتان وغير ذلك من المحرقات وانهدمت الكعبة واحترقت البنية ووقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المنجنيق أحد عشر رجلاً، وقيل: أكثر من ذلك.

كفر يزيد

كفر يزيد

من خلال معرفة هذه الوقائع وغيرها يتضح لنا بأن يزيد كان لا يعتقد بالله ولا بالقرآن ولا بالكعبة المشرفة، وكان كجده وأبيه قد أظهر كفره، فعندما وصل الرأس المقدس للإمام الحسين عليه السلام وبقية رؤوس شهداء كربلاء مع أسري بني هاشم إلي أطراف دمشق، كان يزيد جالساً علي سطح القصر ينظر إلي مرتفعات جيرون بالقرب من دمشق، فعندما لاحت له قافلة الأسري والرؤوس المرفوعة علي الرماح من علي جيرون، أنشد هذا الشعر غروراً وفرحاً:

لما بدت تلك الرؤوس وأشرقت

تلك الشموس علي ربي جيرون

صاح الغراب فقلت صح أو لا تصح

فلقد قضيت من النبي ديوني

يعني: إن نبي الإسلام صلي الله عليه و اله كان قد قتل من أسرتي في الجاهلية وها أنا ذا اقتص منه بقتل ذريته.

وفي شعر آخر له عندما أخذ ينكث ثنايا أبي عبد الله الحسين عليه السلام بخيزرانة كانت في يده، قال:

ليت أشاخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلّوا واستهلوا فرحاً

ثم قالوا: يا زيد لا تشل

قد قتلنا القرن من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

فهو يتمني حضور الكفار زمن الجاهلية والأشخاص الذين اشتركوا في غزوة

بدر ضد نبي الإسلام صلي الله عليه و اله، ليشاهدوا آهات الخزرج من رماحه، فترتفع هلاهل النساء فرحاً وطرباً لهذه الواقعة، ثم ليقولوا له: لا شلت يمينك يا يزيد، بأن قتلت ساداتهم وشجعانهم في مقابل قتلانا، فأدركنا بأخذ الثأر للكفار من آبائنا الذين قتلوا في بدر بالانتقام من آل محمد.

وفي البيت الأخير من شعره يعلن كفره بقوله: بأن بني هاشم قد لعبوا بالملك والحكومة، فليست هناك نبوة ولا خبر من الله ولم ينزل وحي علي النبي صلي الله عليه و اله.

من هنا يتضح أنه كيف ولماذا استشهد الإمام الحسين عليه السلام؟

وكيف تمكن يزيد من الإقدام علي مثل هذه الجريمة النكراء؟

نعم هكذا تمكنت بنو أمية من تشكيل جيش لمحاربة الإمام الحسين عليه السلام، بالكبت والقهر، والظلم والطغيان، والتضليل والإغواء، فسياستهم هي: إراقة الدماء وسجن الأبرياء وسحق الحقوق، ورفض الفضيلة، وظلم العباد والبلاد.

عمر بن عبد العزيز

ويمكن القول، بأن كافة حكام بني أمية كانوا ضد الإسلام والإنسانية، وأعداءً لأهل بيت النبي صلي الله عليه و اله، وحتي (عمر بن عبد العزيز) كان يتظاهر بالدين رياءً، وبحب أهل البيت عليهم السلام مصلحة وحفظاً للنظام الأموي من الانهيار، فقد قتل عمر بن عبد العزيز عدداً من الأخيار ومن أهل الفضل، كما قام بهدم بيت أمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام، وفي نهاية الأمر عندما نزل به الموت عمل علي خلاف القرآن والسنة النبوية، فنصب واحداً من الأمويين لخلافته في الحكم يدعي (الوليد بن يزيد) وعندما ذهبت مجموعة من المسلمين وتباحثوا معه، لماذا أقدمت علي هذا العمل؟ اعتذر بأعذار واهية كانت أشد من فعله، فحتي عمر بن عبد العزيز الذي يزعم البعض بصلاحه كانت أعماله للرياء والمصلحة.

الحجاج بن يوسف الثقفي

وكان من ثمار حكومة بني أمية: الحجاج بن يوسف الثقفي، وقد كان سفاكاً جائراً، حكم الكوفة بعد ابن زياد من قبل الأمويين، وكان في الظلم وإراقة الدماء بحيث قلما يذكر التاريخ شخصاً مثله، ويوم نزل به الموت، كان قد مات في سجونه أكثر من ثمانين ألف إنسان بسبب رداءة المكان وسوء التغذية وما أشبه، بحيث تكدست عظامهم فوق بعض، وقد ملأت رائحة تفسخ أجسادهم السجون، لأنه عندما كان يموت أحد هؤلاء المساكين كان الحجاج يأمر بتركه بين السجناء إلي أن يتفسخ، ولذا كان يصاب الباقون بأنواع الأمراض ويموتون تدريجياً، وهؤلاء غير الكثير من الأبرياء الذين كانوا يقتلون بضرب رقابهم بالسيوف إرضاءً لشهوات للحجاج.

فصل: الولاية في الإسلام

فصل: الولاية في الإسلام

ومن الأسئلة المطروحة أنه: لماذا اتبع بنو العباس من بعد بني أمية نفس الأسلوب في الاستبداد والظلم والطغيان بل عملوا أسوء من ذلك؟

في الجواب ينبغي القول: بأن من أهم الأركان والقواعد الإسلامية التي تركتها الأمة هي قضية الولاية والإمامة، فإن مؤهلات وشرائط الولاية كانت متوفرة في الأئمة المعصومين من أهل البيت عليهم السلام وقد نص رسول الله صلي الله عليه و اله عليهم بالاسم واحداً بعد واحد ولكن الأمة تجاهلت كل ذلك، فابتلوا بأمثال بني العباس علماً بأن قانون الولاية يعد روح القانون الأساسي في الإسلام، وهو من أهم العوامل في ثبات الدين، ونظام الحكم واستمرار سعادة البشر.

وبالرغم من اعتراض بعض الصحابة منذ الأيام الأولي بعد وفاة الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله علي ما حدث في مسألة الخلافة وإبعاد أهل البيت عليهم السلام عن التصدي للحكم، وكان علي رأس المعترضين الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام، ولكن وللأسف فإن الرواسب الجاهلية التي كانت قبل الإسلام، وتأثير الامبراطورية الفارسية والامبراطورية الرومية

علي نفوس بعض المسلمين كان سبباً في دعم جبهة الباطل وإبدال خلافة الله والرسول بالسلطنة والملك.

إن نظرة الإسلام بالنسبة إلي مسألة الولاية لا تتماشي مع سيرة حكام بني أمية ولا بني العباس، بل إن الإسلام يعتبر الخلافة بعد النبي صلي الله عليه و اله هي للأئمة المعصومين عليهم السلام والمنصوبين من قبل الله تعالي.

كما يشترط في الإمام عليه السلام أن يكون قمة في الطهارة والإيمان والعلم والتقوي لكي يستحق منصب خلافة رسول الله صلي الله عليه و اله لأن الإمام يجب أن يكون معصوماً ومنزهاً عن كافة الأرجاس، أما في عصر الغيبة فتكون النيابة العامة للفقهاء، وتكون الولاية لشوري الفقهاء المراجع.

إذن يشترط في موضوع الولاية في هذا العصر شرطان:

الأول: يجب أن يكون حاكم المسلمين فقهياً جامع لشرائط التقليد، ومع تعددهم فشوري الفقهاء المراجع.

الثاني: يلزم أن يكون انتخاب الولي في زمن الغيبة وكذلك شوري الفقهاء من قبل أكثرية الأمة أو أكثرية أهل الخبرة منهم، وبذلك يتم انتخاب الحاكم الإسلامي أو شوري المرجعية للمجتمع الإسلامي عبر انتخابات حرة يحق للجميع المشاركة فيها، الصغار والكبار، الرجال والنساء.

وبالنسبة إلي أهمية الشوري والاستشارة فقد تطرق القرآن الكريم إلي ذلك في آيتين هما قوله تعالي: ?وشاورهم في الأمر?، وقوله سبحانه: ?وأمرهم شوري بينهم?.

كما إن أمير المؤمنين عليه السلام أكد في أحاديثه الشريفة علي مبدأ الاستشارة.

قال عليه السلام: «لا غني كالعقل، لا فقر كالجهل، لا ميراث كالأدب، لا ظهير كالمشاورة».

وقال عليه السلام: «من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها».

وقال عليه السلام: «الاستشارة عين الهداية».

وقال عليه السلام: «خاطر بنفسه من استغني برأيه».

ولا يخفي أن الإمامة إنما تكون بالنص من الله ورسوله ومشروطة بالعصمة، أما الذين تقمصوا الخلافة فلم يأتوا بنص

ولا شوري، لذا يؤثر عن أمير المؤمنين عليه السلام شعراً، يخاطب به أحد الذين سبقوه في الخلافة يقول:

فإن كنت بالشوري ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيّب

وإن كنت بالقربي حججت خصيمهم

فغيرك أولي بالنبي وأقرب

ففي هذين البيتين يخاطبه الإمام ويقول: بأي وجه شرعي وصلت إلي الحكومة والخلافة؟

فإن قلت: عن طريق الشوري وانتخاب الأمة، فكيف تمت هذه الانتخابات وأصحاب الرأي من المسلمين والأصحاب كانوا غائبين؟

وإذا كنت تدعي قرابة النبي صلي الله عليه و اله فغيرك أقرب للنبي صلي الله عليه و اله منك؟

ومعني قول الإمام عليه السلام هذا: إن الحاكم يلزم أن يكون من أهل بيت النبي صلي الله عليه و اله ومنصوباً من قبله وبأمر من الله تعالي، ولو سلمنا غير ذلك فيلزم أن يكون منتخباً من قبل أكثرية الأمة في استشارة جماعية صحيحة بشرط أن يكون جامعاً لكافة الشرائط الإسلامية المقررة.

إذن فالإمام الذي يستحق الخلافة والولاية هو المنصوب والمعين من قبل الله تعالي ورسوله صلي الله عليه و اله وأما في زمن الغيبة فيكون هو من اجتمعت فيه الشروط المذكورة من الفقاهة والعدالة التي أكدت عليها الروايات الشريفة عن أهل البيت عليهم السلام.

ففي رواية عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: «الواجب في حكم الله وحكم الإسلام علي المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل، ضالاً كان أو مهتدياً، أن لا يعملوا عملاً، ولا يقدموا يداً ولا رجلاً قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً عالماً ورعاً، عارفاً بالقضاء والسنة، يجبي فيئهم، ويقيم حجهم وجمعهم، ويجبي صدقاتهم».

ففي هذه الرواية يقول الإمام عليه السلام: بأن الإمامة من الضروريات حسب القانون الإسلامي، فعلي المسلمين فيما إذا ما مات أو قتل واليهم سواء كان ضالاً أم

علي الحق أن لا يعملوا شيئاً ولايتحركوا خطوة قبل أن ينتخبوا والياً وإماماً ذا عفة وسداد، وعلم وتقوي، عارفاً بالقضاء والسنة وعالماً المسائل الفقهية، حتي يجمع لهم غنائمهم، ويعين لهم أميراً للحج وأئمة لصلاة الجمعة، ويأخذ الحقوق من زكاة وصدقات، ويقوم بإدارة البلاد والعباد …

وللأسف لم تتحقق هذه الشرائط اللازمة فيمن تصدي للحكم علي الأمة الإسلامية من بني أمية وبني العباس ومن أشبه، وقد تم إبعاد الأئمة المعصومين من أهل بيت النبي صلي الله عليه و اله ووضعهم جانباً، يعني: أن تسعة أئمة بعد الإمام الحسين عليه السلام هم: الإمام زين العابدين، الإمام محمد الباقر، الإمام جعفر الصادق، الإمام موسي الكاظم، الإمام علي الرضا، الإمام محمد الجواد، الإمام علي الهادي، الإمام الحسن العسكري، والإمام صاحب الزمان عليهم السلام فإنهم أصبحوا جلساء البيوت واستشهدوا ظلماً وعدواناً واحداً تلو الآخر ما عدا الإمام المهدي ? وذلك كأنبياء بني إسرائيل الذين أبعدتهم الأمة عن التصدي لقيادة الأمة وجعلتهم جلساء البيوت أو قتلوهم.

أما الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) فقد غاب عن الأنظار، وذلك من أجل المصلحة الإلهية ولكي لا تخلو الأرض من الحجة، وأنه سوف يظهر في يوم من الأيام إن شاء الله تعالي ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

وعلي كل حال فإنه لم تحصل الحكومة الشرعية بعد رسول الله صلي الله عليه و اله فلم يستلم الحكم الإمام المعصوم عليه السلام إلا لعدة سنوات فقط، وذلك في حكومة أمير المؤمنين علي والإمام الحسن عليهما السلام وقد سعي الإمام عليه السلام جاهداً إلي إصلاح المجتمع ولكن بقاء آثار الجاهلية في نفوس البعض أدي إلي أن لا تعمل الأمة بالنص في أمر الولاية والخلافة التي كانت تصرح بخلافة

أهل البيت عليهم السلام دون غيرهم، ولا عملت بمسألة الشوري والاستشارة، بل عم المجتمع الظلم والاستبداد والجور والطغيان، فوصل الأمر إلي مجيء معاوية إلي الحكم بقوة السيف والدعوة المضللة ثم نصب من بعده يزيد وارثاً له، ومن بعده جاء مروان بالوراثة، وأخيراً فإن الحكام الأمويين واحداً بعد الآخر كانوا قد استلموا الخلافة بل الملك والسلطنة بالتوارث لا بالموازين الشرعية، ثم إن جميعهم قد عملوا ضد الإسلام والمسلمين بل وضد الإنسانية، وكذلك كان الحكام العباسيون، فأولهم أبو العباس السفاح جاء إلي الحكم بقوة السيف ومن بعده سائر العباسيين ورثوا الحكم، اللاحق من السابق بقوة السيف أيضاً، إلي أن جاء دور المأمون وهو أيضاً تسلّم الحكم بقوة السيف وقتل أخاه الأمين، ثم ورثه هكذا بعده بقية الحكام العباسيين.

وخلاصة الأمر أن الخلافة والولاية حرّفت عن مواضعها فلم يستلمها الإمام المعصوم عليه السلام، ولم تتحقق حتي حكومة الأكثرية والاستشارة، بل كانت حكومة الحراب والسيوف وهؤلاء الطغاة هم الذين تولوا قيادة المسلمين، لأن الحكومة الوراثية من دون مراعاة الموازين الشرعية هي نفسها حكومة السيف فالحاكم هو الذي يعين وارثه لتصدي الحكم بالقهر والاستبداد، وكل من لايقبل ذلك ويخالف فإنه يضرب عنقه بالسيف، وهذا ما عمله معاوية عندما أراد أن ينصب يزيد لخلافته، فأعد مجلساً من الشعراء والخطباء ووعاظ السلاطين وفرق عليهم الأموال الكثيرة وطلب من كل واحد منهم أن يقول خطبة أو شعراً في مدح يزيد وأنه الخليفة من بعد معاوية، فقام أحد الحاضرين ومن الذين باع دينه بدنيا غيره (معاوية)، بحضور الجميع وقادة الجيش ورجال الحكم والبلاط واقفاً، وأشار إلي معاوية وقال: (أمير المؤمنين هذا)، ثم بعدها أشار إلي يزيد وقال: (فإن مات فهذا)، وبعدها قبض علي سيفه وسله

من غلافه وقال: (ومن أبي فهذا) يعني من لا يقبل بذلك فجزاءه القتل.

من هنا تركت الأمة حكومة الله وخلفاء رسول الله صلي الله عليه و اله فصارت الحكومة لغير المؤهلين، وبما أن (الناس علي دين ملوكهم) كما في الحديث والمثل المشهور فإن أكثر الناس متبعون طريقة حكامهم وسيرة ولاتهم في القول والعمل.

فإن كان القادة والولاة من أهل التقوي والدين والفضيلة فالناس يسيرون علي هداهم ويقلدونهم.

وإذا كانوا علي العكس فكانت القادة من أهل الخمور وارتكاب الزنا والفحشاء، ولعب القمار وتربية الكلاب والقردة، فإن الناس يسيرون علي خطاهم في ارتكاب المنكرات.

ومن هنا فإن كثيراً من الناس في حكم يزيد وبني أمية أخذوا يتبعون سبل الشيطان، فأصبح الإسلام والمسلمون في خطر عظيم.

نتائج استبداد الحكام

كان من نتائج حكومة الأمويين والعباسيين أن رحلت التعاليم والآداب الإسلامية من أوساط المجتمع بشكل ملحوظ، ولولا وجود الأئمة الأطهار عليهم السلام لما بقي من الإسلام شيء وقد تصدي أئمة أهل البيت عليهم السلام لنشر المعارف الإسلامية، وأخذوا بإرشاد الناس وهدايتهم حسب المتيسر لهم، فإنهم كانوا يسعون حتي في إصلاح السلطة الحاكمة في الجملة، والصد عن ظلمهم للعباد. وبعد غيبة الإمام المهدي ? حيث أصبحت الولاية للفقهاء المراجع مع مراعاة مسألة الشوري والاستشارة، كان اللازم الالتفاف حولهم ولكن استمرت حكومة العباسيين والعثمانيين ومن أشبه، فأصيب المسلمون بالتخلف وشدة المعاناة والضنك في الحياة لتخليهم عن القيادة الشرعية، ففي تلك الأيام تم فصل وعزل أراضي الأندلس الكبيرة يعني دولة إسبانيا اليوم عن الإسلام وقُتل الآلاف من المسلمين، كما تعرضت الأراضي الإسلامية المقدسة لحملات الصليبين فقتلوا من المسلمين الكثير الكثير وهتكوا الأعراض، حتي الأطفال الأبرياء لم يسلموا من القتل، وتم حرق آلاف البيوت، ومن ثم تسلط الصليبيون مائتي عام

علي بيت المقدس، وبقوا هناك.

ومن ناحية أخري فإن جيوش المغول بقيادة (جنكيز خان) و(هولاكو) و(تيمور لنك) قد هجمت علي الأراضي الإسلامية في الشرق، فقتلوا وأغاروا وسفكوا الدماء وأشعلوا الحرائق، وقد ورد في التاريخ أنه عندما دخل المغول إلي مدينة سبزوار الإسلامية كان تعداد نفوسها مائة ألف نسمة وعندما خرجوا منها لم يبق فيها سوي أربعين شخصاً وأما الباقون فقد قتلوا أو فروا، وكان القتل يتم بشكل وحشي مثل حرقهم وهم أحياء أو خنقهم أو دفنهم وهم أحياء، وهكذا أشاعوا الرعب والخوف في النفوس ودمروا البلاد والعباد.

وأما مدينة بغداد فيذكر المؤرخون أن نهر دجلة كان يموج بالدم سبعة أيام في أثناء هجوم المغول والتتار عليها.

إن كل ما جري من ويلات علي المسلمين كان نتيجة لتعدي القوانين الإلهية والابتعاد عن الخلافة الشرعية وعن أئمة أهل البيت عليهم السلام ووكلائهم، ونتيجة تشكيل الحكومات الظالمة والدول الاستبدادية والدكتاتورية، وعدم الانصياع لكلام الله والرسول صلي الله عليه و اله وأهل بيته عليهم السلام والابتعاد عن العقيدة الإسلامية المقدسة وقوانينها الحيوية.

وبالنتيجة فقد جزئت البلاد الإسلامية الكبيرة، وقد أهين المسلمون أشد الإهانة وإلي اليوم، حيث نشاهد أي ذلة ألقت بظلالها علي مسلمي العالم، مثلاً:

في دولة أفغانستان دخل الشيوعيون الكفرة علناً هذه البلاد وقتلوا أكثر من مليون مسلم وشردوا أكثر من خمسة ملايين مسلم.

كما أن الأعداء الكفرة من الغربيين حركوا عملائهم من أمثال صدام وأصدروا له الأوامر بالاعتداء علي الشعب العراقي ومحاربة الدول المجاورة، فبعد مضي سنتين من الحرب العراقية الإيرانية بلغ عدد القتلي والجرحي نصف مليون من الطرفين، وثلاثة إلي أربعة ملايين مشرد بسبب هذه الحرب المدمرة.

كما أن فلسطين بقيت في أيدي الصهاينة المغتصبين وقد أخرجوا المسلمين منها بذلة.

وأما لبنان ذلك البلد

الإسلامي فقد تم السيطرة عليه من قبل عملاء الصهيونية وقاموا بقتل المسلمين في مجزرة عامة.

كما إن الأراضي الكبيرة من البلاد الإسلامية للجمهوريات الستة: آذربايجان، أرمينيا، قزاخستان، تركمنستان، الطاجيك، وازبكستان، صارت بأيدي كفرة الاتحاد السوفيتي من الشيوعيين الملحدين حيث أصبح مائة مليون مسلم تقريباً أسيراً في أيديهم.

وفي الصين أكثر من مائة مليون مسلم هم كالأسري بأيدي الملاحدة الشيوعيين.

وفي الفلبين الذي يبلغ تعداد نفوسها ثمانية وأربعين مليوناً فإن ربعهم مسلمون وهم في ضيق وشدة.

مضافاً إلي عشرات الآلاف من القتلي الجزائريين.

وعشرات الآلاف من المسلمين الأردنيين والسوريين والمصريين الذين قتلهم اليهود في الكيان الصهيوني خلال الحروب المتعددة.

وعشرون عاماً من قتل المسلمين في أثيوبيا وارتيريا وغيرها..

إن السبب في كل هذه الذلة وقتل المسلمين الأبرياء هو الإعراض عن القوانين الإسلامية التي من أهمها القيادة الشرعية وولاية أهل البيت عليهم السلام وقد ذكر القرآن في الآية الكريمة: ?ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً?.

وخلاصة الأمر: إن نتيجة عدم إجراء القوانين الإلهية خاصة في مسألة الولاية والحكومة الإسلامية التي يجب أن يحكمها الإمام المعصوم عليه السلام والفقهاء المراجع، كانت هذه الجنايات، وإراقة الدماء، وإشعال الحرائق والتعاسة والذلة.

فصل: واجبنا تجاه القضية الحسينية؟

فصل: واجبنا تجاه القضية الحسينية؟

ومن الأسئلة المطروحة: ما هو واجبنا تجاه القضية الحسينية؟

وما هي مسؤوليتنا في الوقت الحاضر؟

الجواب: يلزم الاهتمام بالشعائر الحسينية بمختلف أنواعها والسعي لنشر ثقافة عاشوراء والنهضة الحسينية مضافاً إلي التبليغ الديني فإن أفضل فرصة لخدمة العقيدة الإسلامية والتبليغ الديني علي مستوي العالم، وإيقاظ وتوعية المسلمين، هو شهر محرم وصفر، وكذلك شهر رمضان وموسم الحج، وإن كانت أيام الحج قليلة ولكنها فرصة مناسبة.

ويلزم علينا إقامة مجالس العزاء في المساجد، الحسينيات، الطرقات، المكتبات، النوادي، المستشفيات، وحتي في منازلنا الشخصية طيلة أيام السنة ونجعل منها محلاً للتحرك والتوعية الصحيحة

للناس.

ويلزم أن يبلغ عدد هذه المجالس الملايين، توزع خلالها ملايين الكتب الإسلامية والتوعوية وأشرطة الكاسيت المفيدة بين مختلف الناس، كي تتفهم الأمة الإسلامية قضاياها ومسائلها قليلاً قليلاً، فيرتفع مستوي الثقافة عند الجميع.

تنظيم الشباب

كما يلزم علينا حد الإمكان تنظيم الشباب المسلم، هذه القوة العظيمة في كافة البلاد الإسلامية، عن طريق ملايين المنابر ومجالس الوعظ والخطابة، وتوزيع الكتاب وأشرطة الكاسيت، وإرشادهم نحو التطور والاكتفاء الذاتي في كافة المجالات، يعني أن لا نستورد شيئاً من الشرق ولا الغرب، وتشكيل السوق الإسلامية المشتركة، وبذلك يمكن القيام بتأمين وإنتاج كافة احتياجاتنا من البلاد الإسلامية.

يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: «احتج إلي من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأفضل علي من شئت تكن أميره».

فعلي مسلمي العالم أن يدركوا هذا الأمر فإنهم ما داموا بحاجة إلي الشرق أو الغرب فهم أسراؤهم، وما لم يتم تشكيل منظمة إسلامية عالمية تضم ملايين المسلمين في العالم فلا يمكننا النجاة من الشرق أو الغرب.

إن مجالس الإمام الحسين عليه السلام في شهر محرم وصفر وشهر رمضان وغيرها من أيام السنة هي من أفضل الطرق للدعوة إلي تشكيل البرامج الدينية والحركات الفكرية والهيئات التنظيمية والدعوة للاكتفاء الذاتي وما أشبه.

ينقل أحد كبار علماء الإسلام إنه التقي بأحد القساوسة المسيحيين، فأخبره ذلك القسيس وقال له: لو كنا نملك الإمام الحسين عليه السلام الذي عندكم لجعلنا الدنيا كلها تؤمن بالمسيح عليه السلام، وذلك عن طريق نصب الأعلام السوداء في كل مكان ونشر مظلوميته، وجمع الناس حول هذا العلم وهدايتهم إلي الدين المسيحي.

ثم قال القس المسيحي لذلك العالم المسلم: إنكم لا تدركون قدر الإمام الحسين عليه السلام وعظمته، ولا تعرفون مدي أهمية هذه القوة المعنوية التي بأيديكم أيها المسلمون.

نعم

إن ذلك المسيحي قد قال الحقيقة، فنحن المسلمين لحد الآن لم ندرك القوة المعنوية لنهضة الإمام الحسين عليه السلام ولم نستفد من ذلك، فإن أحد الألقاب التي تطلق علي الإمام الحسين عليه السلام هي (يا رحمة الله الواسعة، ويا باب نجاة الأمة) فإذا كنا من أتباع الإمام الحسين عليه السلام وهو باب نجاة الأمة الواسعة، فلماذا تسلط علينا الصهاينة والمسيحيون والشيوعيون، والبعثيون والقوميون والغربيون ومن أشبه.

إذن يلزم علينا أن نتمسك بأهداف الإمام الحسين عليه السلام وتعاليمه، بحيث يظهر في أعمالنا أننا قد اعتمدنا علي رحمة الله الواسعة وباب نجاة الأمة، كما علينا أن نعمل بالقرآن الكريم والقوانين الإسلامية التي ضحي من أجلها الإمام الحسين عليه السلام في نهضته المباركة، عندئذ يمكن استعادة قدرة الإسلام وقوة المسلمين وما ذلك علي الله بعزيز.

من عوامل قوة الغرب

إن التطور الحاصل في الغرب له عدة أسباب، وما دام العدو متمسكاً بأسباب القوة فإنه يكون دائماً في المقدمة، وما دام نحن قد تركنا أسباب القوة فسنبقي في مكاننا المتأخر، فإن السنة الإلهية في الأمور التكوينية هي قانون الأسباب والمسببات، فقد جاء في الرواية: «أبي الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها».

يعني: إن الله تعالي خلق الدنيا وجعل لها عللاً وأسباباً، فتجري الأمور وفق تلك الأسباب، إلا في بعض الحالات النادرة حيث تقع المعجزة بأمر الله تعالي وإرادته.

يقول تعالي في القرآن المجيد بالنسبة إلي سبب تسلط ذي القرنين علي الشرق والغرب: ?ثم أتبع سببا? يعني: كان يتبع الأسباب والعلل، حتي وصل إلي النتيجة.

أما أسباب وعوامل تقدم الغرب وسيطرتها علي العالم، فمنها:

أولاً: تجمع الثروة من عدة قرون ماضية، فثروة السيطرة علي العبيد ثم ثروة الأراضي والإقطاع، ثم إلي الرأسمالية، وأخيراً احتكار الاقتصاد والأموال.

ثانياً: إضاعة وسرقة الحقوق

والمصادر الطبيعية للعالم الثالث.

ثالثاً: تشكيل أكبر قوة عسكرية علي مستوي العالم، فمثلاً تملك أمريكا فقط ما بين ألفين وخمسمائة إلي ألفين وثمانمائة قاعدة عسكرية في العالم.

رابعاً: التطور السريع للتكنولوجيا والصناعة.

خامساً: إغفال الشباب من الجنسين بواسطة استعمال المواد المخدرة وإشاعة الفحشاء والمنكرات وبيوت الدعارة فيما بينهم.

هذه العوامل اجتمعت في الغرب وسببت سيطرتهم علي الشعوب.

وفي المقابل نحن المسلمين لا نملك تلك القدرة العسكرية ولا المالية، ولا القوة الصناعية، ولا التكنولوجيا المتطورة، بحيث نتمكن من تحجيم العدو.

نعم، المسلمون يملكون الإيمان بالله وهذا من أكبر القدرات وإن كان بعضهم ضعيف الإيمان، ولكن الإيمان بوحده لا يكفي، بل يجب أن يكون مقروناً بمعرفة السنن الكونية والقوانين الإلهية التي سنها الباري عزوجل، فالقرآن المجيد يقول: ?وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم?، يعني: يلزم إعداد كافة عناصر القوة في مقابل العدو … كي تتمكن الأمة من الصمود والمقاومة في مقابل الهجمات المحتملة.

اتحاد الأعداء

إن أعداء الإسلام في المعسكر الشرقي والغربي متحدون، فإنه يوجد في المعسكر الغربي ألف مليون شخص متحد، ستمائة وخمسون مليوناً في الدول التسعة لمنظمة السوق الأوربية المشتركة، والبقية في دول أمريكا وكندا، هؤلاء ألف مليون.

وهكذا بالنسبة إلي المعسكر الشرقي.

فيلزم علينا أن ندرك قوة العدو وقدرته، ونسعي لنكون أقوياء مثلهم بل أقوي منهم، وذلك للحفاظ علي الأمة من الاعتداءات.

كان نبي الإسلام صلي الله عليه و اله يسأل دائماً عن قوة العدو ومحل اجتماعهم ومراكز قواهم، وذلك لكي يتمكن من الدفاع عن الإسلام والمسلمين.

وعلينا اليوم أيضاً بالسعي لوحدة الكلمة وتوحيد الصف كي نتحرر من قيود أسر الأعداء، إن شاء الله تعالي.

خاتمة

ولإنقاذ المسلمين من هيمنة الأعداء يلزم توفر الشروط التالية:

الشرط الأول: إصلاح نظام الحكم، بحيث تكون الحكومة شرعية، فيلزم علي كافة المسلمين أن يعرفوا الأسلوب الشرعي للحكم الإسلامي والقيادة الإسلامية في عصر الغيبة، بحيث أن يكون علي رأس الدولة، الفقيه العادل أو شوري الفقهاء المتشكلة من مراجع التقليد المنتخبين من قبل الأمة، علي أن تكون هذه الشوري أعلي مجلس لإدارة ألف مليون مسلم.

الشرط الثاني: التعددية السياسية المشروعة، مضافاً إلي لزوم إنجاز أعمال أخري تكون تحت إشراف مراجع التقليد، ومن مصاديقها تشكيل الأحزاب الإسلامية الحرة، وإذا ما تحققت هذه المسألة فإنها ستؤدي إلي بروز وظهور الكفاءات بصورة طبيعية، وستكون المنافسة السليمة والنافعة بين أوساط الأمة، لأن الله تعالي جعل المنافسة حتي في طلب الوصول إلي الجنة، حيث يقول عزوجل: ?وفي ذلك فليتنافس المتنافسون?.

وإذا ما حصلت المنافسة، فإنها ستؤدي إلي تطور التجارة والزراعة والصناعة والاختراعات والاكتشافات، ونشر الثقافة والوعي، وبالنتيجة في مدة قصيرة ستعود عزة وعظمة الإسلام كما كانت في أيام صدر الإسلام، وهذا من أفضل الطرق للنجاة من

أسر الغرب والشرق، بإذن الله تعالي.

«اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة، تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلي طاعتك، والقادة إلي سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة».

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

ذي الحجة 1402ه

محمد الشيرازي

پي نوشتها

) راجع النزاع والتخاصم للمقريزي: ص21 و52، تحقيق السيد علي عاشور.

) راجع أسد الغابة: ج2 ص34، نشر اسماعيليان طهران.

) راجع شرح نهج البلاغة: ج1 ص335، نسب معاوية بن أبي سفيان وذكر بعد أخباره.

) فتح القدير للشوكاني: ج3 ص240، نشر عالم الكتب.

) كنز العمال للمتقي الهندي: ج11 ص358 باب أمر بني الحكم ح31735، تحقيق بكري حياني والشيخ صفوة السقا، نشر مؤسسة الرسالة بيروت.

) سورة الإسراء: 60.

) الدر المنثور: ج4 ص191 ط1 عام 1365، مطبعة الفتح جدة، نشر دار المعرفة.

) راجع تحفة الأحوذي للمباكفوري: ج3 ص25 باب في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب، ط1 عام 1410ه، نشر دار الكتب العلمية بيروت.

) انظر كنز العمال للمتقي الهندي: ج11 ص358 باب أمر بني الحكم ح31735، تحقيق بكر حياني والشيخ صفوة السقا، نشر مؤسسة الرسالة بيروت.

) راجع كتب ورسائل أمير المؤمنين عليه السلام إلي معاوية في نهج البلاغة، الكتاب رقم 6 و9 و10 و17 و28 و30 و32 و37 و48 و49 و55 و64 و75 وغيرها.

) سورة المائدة: 67.

) سورة القيامة: 31-33.

) سورة القيامة: 16.

) شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج2 ص391-392 ح1041، ط1 عام 1411، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي.

) سورة القدر.

) تاريخ بغداد: ج9 ص45 ط1 عام 1417ه، تحقيق: مصطفي عبد القادر عطا، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

) سورة الإسراء: 60.

) تفسير روح المعاني

للآلوسي: ج15 ص107 طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت.

) ينابيع المودة للقندوزي: ج2 ص76 ب56 ح66.

) كنز العمال للمتقي الهندي: ج11 ص167 كتاب الفتن والأهواء ف3 ح31063، نشر مؤسسة الرسالة بيروت.

) الإصابة لابن حجر: ج2 ص104 ح1825، ط1 عام 1415ه، نشر دار الكتب العلمية بيروت.

) كنز العمال للمتقي الهندي: ج14 ص87 باب في فضائل القبائل ح38013.

) الدر المنثور للسيوطي: ج4 ص191 ط1 عام1365، مطبعة الفتح جدة، نشر دار المعرفة.

) وقعة صفين لنصر بن مزاحم: ص217-218 ما ورد من الأحاديث في شأن معاوية، ط2 عام 1382ه، تحقيق عبد السلام محمد هارون، نشر المؤسسة العربية الحديثة.

) شرح نهج البلاغة: ج15 ص175، نشر دار إحياء الكتب العربية.

) كنز العمال للمتقي الهندي: ج11 ص363 فتن بني أمية ح31753.

) كتاب الفتن للمروزي: ص72 باب آخر من ملك بني أمية، طبع 1414ه، تحقيق: د. سهيل زكار، نشر دار الفكر _ بيروت.

) سورة الإسراء: 60.

) تفسير القرطبي: ج10 ص286 طبع 1405ه، نشر مؤسسة التاريخ العربي _ بيروت.

) تاريخ الطبري: ج8 ص185.

) العَضُّ: الشد بالأسنان علي الشيء وكذلك عض الحية وملك عضوض: شديد فيه عسف وعنف (لسان العرب: ج7 ص188 و191 مادة عضض).

) انظر كتاب وقعة صفين: ص202 إعلان الحرب.

) وقعة صفين: ص218-219 ما ورد من الأحاديث في شأن معاوية، وفي مصادر العامة كنز العمال: ج11 ص353 ح31723.

) بحار الأنوار: ج44 ص147-148 ب22 ح14.

) الإمامة والسياسة: ج1 ص196 موت الحسن بن علي عليه السلام.

) راجع البداية والنهاية: ج6 ص252 ما روي في إخباره عن مقتل حجر بن عدي وأصحابه.

) منهم: مالك الأشتر. انظر بحار الأنوار: ج33 ص589-591 ب30 ح734. وفيه: عن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين قال: لما جاء علي بن أبي

طالب (صلوات الله عليه) مصاب محمد بن أبي بكر حيث قتله معاوية بن حديج السكوني بمصر جزع عليه جزعا شديدا وقال: «ما أخلق مصر أن يذهب آخر الدهر فلوددت أني وجدت رجلا يصلح لها فوجهته إليها» فقلت: تجد، فقال: «من»؟ قلت: الأشتر، قال: «ادعه لي» فدعوته، فكتب له عهده وكتب معه: «بسم الله الرحمن الرحيم من علي بن أبي طالب إلي الملأ من المسلمين الذين غضبوا لله حين عصي في الأرض وضرب الجور بأرواقه علي البر والفاجر فلا حق يستراح إليه ولا منكر يتناهي عنه، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فقد وجهت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف ولاينكل عن الأعداء حذار الدوائر أشد علي الفجار من حريق النار، وهو مالك بن الحرث الأشتر أخو مذحج، فاسمعوا له وأطيعوا فإنه سيف من سيوف الله لا نابي الضريبة ولا كليل الحد، فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، وإن أمركم أن تحجموا فاحجموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم إلا بأمري وقد آثرتكم به علي نفسي لنصيحته لكم وشدة شكيمته علي عدوكم، عصمكم ربكم بالهدي وثبتكم باليقين»، ثم قال له: «لا تأخذ علي السماوة فإني أخاف عليكم معاوية وأصحابه ولكن الطريق الأعلي في البادية حتي تخرج إلي أيلة، ثم ساحل مع البحر حتي تأتيها» ففعل، فلما انتهي إلي أيلة وخرج منها صحبه نافع مولي عثمان بن عفان فخدمه وألطفه حتي أعجبه شأنه، فقال: ممن أنت؟ قال: من أهل المدينة، قال: من أيهم؟ قال: مولي عمر بن الخطاب، قال: وأين تريد؟ قال: مصر، قال: وما حاجتك بها؟ قال: أريد أن أشبع من الخبز فإنا

لانشبع بالمدينة، فرق له الأشتر وقال له: الزمني فإني سأجيبك بخبز، فلزمه حتي بلغ القلزم وهو من مصر علي ليلة فنزل علي امرأة من جهينة فقالت: أي الطعام أعجب بالعراق فأعالجه لكم، قال: الحيتان الطرية، فعالجتها له فأكل وقد كان ظل صائما في يوم حار، فأكثر من شرب الماء فجعل لا يروي فأكثر منه حتي نعر يعني انتفخ بطنه من كثرة شربه، فقال له: نافع إن هذا الطعام الذي أكلت لا يقتل سمه إلا العسل، فدعا به من ثقله فلم يوجد، قال له: نافع هو عندي فآتيك به، قال: نعم فأتني به، فأتي رحله فحاضر شربة من عسل بسم قد كان معه أعده له، فأتاه بها فشربها، فأخذه الموت من ساعته وانسل نافع في ظلمة الليل فأمر به الأشتر أن يطلب فطلب فلم يصب، قال عبد الله بن جعفر: وكان لمعاوية بمصر عين يقال له مسعود بن رجرجة فكتب إلي معاوية بهلاك الأشتر، فقام معاوية خطيبا في أصحابه فقال: (إن عليا كان له يمينان قطعت أحدهما بصفين يعني عمارا، والأخري اليوم، إن الأشتر مر بأيلة متوجها إلي مصر فصحبه نافع مولي عثمان فخدمه وألطفه حتي أعجبه واطمأن إليه فلما نزل القلزم حاضر له شربة من عسل بسم فسقاها له فمات ألا وإن لله جنودا من عسل).

) البداية والنهاية: ج8 ص140 ترجمة معاوية، ط1 عام 1408ه، تحقيق: علي شيري، نشر دار إحياء التراث العربي بيروت.

) راجع تفصيل القصة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج5 ص129-130 أخبار متفرقة عن معاوية.

) أنساب الأشراف: ج5 ص27 معاوية بن أبي سفيان، ط1 عام 1417ه / 1996م، تحقيق د. سهيل زكار ود. رياض زركلي، نشر دار الفكر _ بيروت.

)

راجع سبل السلام لابن حجر العسقلاني: ج1 ص71، ط4 عام 1379ه القاهرة، مطبعة مصطفي البابي الحلبي.

) إقبال الأعمال: ص72 ب4 فصل فيما نذكره من أدعية تتكرر كل ليلة منه وقت السحر.

) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج6 ص289 مفاخرة بين الحسن بن علي ورجالات من قريش.

) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج9 ص53 من أخبار يوم الشوري وتولية عثمان.

) سورة التوبة: 12.

) الدر المنثور: ج3 ص214 ط1 عام 1365ه، مطبعة الفتح _ جدة، نشر دار المعرفة.

) تاريخ مدينة دمشق: ج23 ص438، تحقيق: علي شيري، طبع عام 1415ه، نشر دار الفكر.

) تفسير الطبري: ج10 ص87، طبع عام 1405ه، نشر دار الفكر.

) تفسير التبيان للشيخ الطوسي: ج5 ص183، ط1 عام 1409، تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي.

) سورة الأنفال: 36.

) الكشاف: ج2 ص156 نشر دار الفكر _ بيروت.

) سورة التوبة: 9.

) الدر المنثور: ج3 ص214 ط1 عام 1365ه، مطبعة الفتح _ جدة، نشر دار المعرفة.

) سورة آل عمران: 116.

) التفسير الكبير: ج8 ص192-193 ط2، نشر دار الكتب العلمية _ طهران.

) السيرة النبوية لابن كثير: ج3 ص576 محاولة أبي سفيان المقاومة، تحقيق: مصطفي عبد الواحد، ط1 عام 1396ه، نشر دار المعرفة _ بيروت.

) هند: زوجة أبي سفيان آكلة الأكباد والتي مثلت بالبدن الطاهر لحمزة سيد الشهداء عليه السلام عم النبي صلي الله عليه و اله لاكت كبده بأسنانها فجعله الله تعالي حجراً فلفظته من فمها.

) تقوية الإيمان لمحمد بن عقيل: ص200، طبع عام 1414ه، نشر دار البيان العربي الرويس _ بيروت.

) أنساب الأشراف: ج5 ص27 معاوية بن أبي سفيان: ج1 عام 1417ه / 1996م تحقيق د. سهيل زكار، ود. رياض زركلي نشر دار الفكر _ بيروت.

) انظر

مروج الذهب: ج3 ص79 نشر المكتبة الإسلامية _ بيروت تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، وفيه: (وبايع الناس علي أنهم عبيد ليزيد، ومن أبي ذلك أمره مسرف علي السيف).

) سورة النساء: 75.

) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص136 ذكر بعض ما دار بين علي ومعاوية من الكتب.

) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص336 نسب معاوية بن أبي سفيان وذكر بعض أخباره.

) سورة الممتحنة: 12.

) كتاب حياة الحيوان: ج2 ص182، طبع القاهرة عام 1390ه _ 1970م، مطبعة مصطفي البابي الحلبي.

) رسائل الجاحظ: م1 ج2 ص155، كتاب القيان، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط1 عام 1399ه-1979م.

) البداية والنهاية: ج8 ص149 ترجمة معاوية، ط1 عام 1408ه، تحقيق: علي شيري، نشر دار إحياء التراث العربي _ بيروت.

) العقد الفريد: ج6 ص49 طبع عام 1403ه _ 1983م، نشر دار الكتاب العربي _ بيروت.

) العوالم، الإمام الحسين عليه السلام: ص601. للشيخ عبد الله البحراني، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام قم.

) سورة الماعون: 4-5.

) انظر معالم المدرستين للعسكري: ج3 ص21، طبع عام 1410ه _ 1990م، نشر مؤسسة النعمان _ بيروت عن الأغاني.

) أنساب الأشراف: ج4 ص299، ط1 عام 1417ه _ 1996م، نشر دار الفكر _ بيروت.

) البداية والنهاية: ج8 ص258 ترجمة يزيد بن معاوية، ط1 عام 1408ه، تحقيق: علي شيري، نشر دار إحياء التراث العربي _ بيروت.

) راجع تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج10 ص154 بسر بن أبي أرطأة، طبع عام 1415ه، تحقيق: علي شيري، نشر دار الفكر.

) راجع بشارة المصطفي للطبري: ص121، ط1 عام 1420ه، تحقيق جواد القيومي الأصفهاني، نشر مؤسسة النشر الإسلامي قم.

) قوله تعالي: ?فمن حاجك فيه من بعد

ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكافرين? سورة آل عمران: 61.

) سورة الحج: 7.

) سورة يونس: 109.

) سورة هود: 88.

) بحار الأنوار: ج44 ص329-330 ب37.

) أنساب الأشراف: ج5 ص340 ط1 عام 1417ه / 1996م، نشر دار الفكر بيروت.

) تذكرة الخواص: ص259 طبع عام 1401ه / 1981م، نشر مؤسسة أهل البيت? بيروت.

) انظر مروج الذهب: ج3 ص78، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، نشر المكتبة الإسلامية بيروت.

) الإتحاف بحب الأشراف: ص62.

) أنساب الأشراف: ج5 ص360، ط1 عام 1417ه / 1996م، نشر دار الفكر بيروت.

) مروج الذهب: ج3 ص81 تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، نشر المكتبة الإسلامية بيروت.

) العوالم، الإمام الحسين عليه السلام للشيخ عبد الله البحراني: ص417، ط1 عام 1407 ه، مطبعة أمير / قم.

) راجع ينابيع المودة للقندوزي: ج3 ص31 و41 و244، ط1 عام 1416 ه، نشر دار الأسوة، تحقيق: سيد علي جمال اشرف الحسيني.

) الخزرج: اسم أنصار النبي صلي الله عليه و اله، وبما إن الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه قد ولدوا في المدينة لذا يطلق عليهم الخزرج.

) راجع الكافي: ج1 ص527 باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم ? ح3.

) سورة آل عمران: 159.

) سورة الشوري: 38.

) نهج البلاغة، قصار الحكم: 54.

) نهج البلاغة، قصار الحكم: 161.

) غرر الحكم ودرر الكلم: ص442 ق6 ب4 ف1 فوائد المشاورة ح10066.

) الأمالي للصدوق: ص447 المجلس 68 ح9.

) شرح نهج البلاغة: ج18 ص416.

) مستدرك الوسائل: ج6 ص14 ب5 ح6309.

) راجع الإمامة والسياسة للدينوري: ج1 ص193، ط1 عام 1413ه تحقيق: علي شيري قم.

) كشف الخفاء ومزيل الألباس للعجلوني: ج2 ص311 ح2790، ط2 عام

1408ه، نشر دار الكتب العربية بيروت، مجمع الأمثال للميداني: ج2 ص358، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، ط3 عام 1393ه / 1972م نشر دار الفكر بيروت.

) جنكيز خان (1167-1227م) أنشأ الإمبراطورية المغولية وأخضع جميع الدول بين الصين والبحر الأسود. اسمه الأصلي تيمور جين بن يشوكي اشتهر من سلالته باتوخان وهولاكو وتيمورلنك.

) هولاكو (نحو 1217-1265م) مؤسس دولة المغول الإيلخانية في إيران (1251م)، حفيد جنكيز خان، قطع نهر أمودريا وأخضع أمراء الفرس والإسماعيلية في (ألمَوت) (1256م)، قضي علي الخلافة العباسية في بغداد (1258م) واحتل سورية، عاد إلي إيران بعد موت أخيه منكو، فهاجم الممالك جيشه في (عين جالوت) وأبادوه (1260م) خلفه ابنه أباقا.

) تيمور لنك أو تيمور الأعرج (1336-1405م) ملك المغول، حفيد جنكيز خان، اعتلي العرش في عام (1370م)، أخضع إيران وآسيا من دلهي إلي بغداد، اجتاح العراق وسورية وغزا روسيا والهند، خرب بغداد عام (1392 و1401م) انتصر علي بايزيد الأول في أنقرة عام (1402م)، اتخذ سمرقند عاصمة له وجمع فيها العمال الماهرين والفنانين والعلماء من كل بلاد دخلها فازدهرت فيها الفنون والعلوم.

) مدينة تقع في الشمال الشرقي من إيران تابعة لمحافظة خراسان عدد نفوسها تقريباً 100.000 نسمة تشتهر بصناعة السجاد كانت قاعدة السربدارية في القرن الرابع عشر.

) أفادت تقديرات إيرانية أن الحرب أسفرت عن 300 ألف قتيل إيراني وأكثر من 500 ألف جريح بينهم 380 ألف معوق. ولكن الأرقام الحقيقية أكثر من ذلك بكثير، أما خسائر الحرب فقد قدروها أكثر من ألف مليار دولار.

) سورة طه: 124.

) الإرشاد للشيخ المفيد: ج1 ص303 ومن كلامه في وصف الإنسان.

) راجع الكافي: ج5 ص373 باب خطب النكاح ح6.

) سورة الكهف: 89 و92.

) وفي بعض الإحصاءات: أن أمريكا تسيطر علي

55% من تجارة السلاح الدولية. ومن المتوقع أن الولايات المتحدة تصبح في القرن الواحد والعشرين البائع الأول لأنظمة التسليح ذات التكنولوجيا العالية. كما أن أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا يمتلكون70 ألف سلاح نووي منتشر في قواعد عسكرية حول العالم. وأن هناك 40 ألف طن من السلاح الكيماوي في حوزة روسيا، بالإضافة إلي آلاف الأطنان في مخازن أمريكا.

) سورة الأنفال: 60.

) بلغ نفوس المسلمين ملياري نسمة حسب الإحصاءات الأخيرة.

) سورة المطففين: 26.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.