من أسباب ضعف المسلمين

اشارة

اسم الكتاب: من أسباب ضعف المسلمين

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1422 ق

الطبعة: اول

الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

سورة البقرة 156

تلقينا ببالغ الحزن والأسي نبأ ارتحال المرجع الديني الأعلي الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، حيث فجع العالم الإسلامي والحوزات العلمية بفقده، وهو في عز عطائه..

لا صوت الناعي بفقدك إنه يوم علي آل الرسول عظيم

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّ اللهَ

لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ

حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ

صدق الله العلي العظيم

سورة الرعد: الآية 11

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

?إن الدين عند الله الإسلام?() بهذه الآية القرآنية الكريمة يعلن الله تبارك وتعالي لكل الناس ولجميع الأجيال إلي يوم القيامة: بان الدين المقبول عند الله هو دين الإسلام فقط. ويؤكد تعالي هذا المعني بقوله سبحانه: ?ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين?().

ثم أرسل الله تعالي بهذا الدين خاتم أنبيائه وسيد رسله وأشرف بريته، وأكرمهم عليه من خلقه محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله وقال: ?هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله?().

فالمراحل التي تشير إليها هذه الآيات المباركات هي عبارة عن ثلاث مراحل:

1: مرحلة الإنشاء والتقنين، أي: إن الله تبارك وتعالي انشأ دين الإسلام وقنن أحكامه، ثم اختاره من بين الأديان.

2: مرحلة الإيصال والتبليغ، أي: إن الله عزوجل أوصل عبر رسوله صلي الله عليه و اله الإسلام إلي الناس، وبلّغ أحكامه إليهم.

3: مرحلة العمل والتنفيذ، أي: إن الله سبحانه وتعالي بعد ما قنّن الإسلام وأوصله إلي الناس، أراد منهم اعتناقه وتطبيق أحكامه، ورغّبهم في ذلك واصفاً له بأنه الهدي ودين الحق، وتوعّدهم علي

مخالفته: بأنهم يخسروا دنياهم وآخرتهم.

وتتلخص هذه المراحل الثلاث في معني واحد هو: ان الله تبارك وتعالي أراد ظهور الإسلام وغلبته، وانتشاره وكونيته، وأراد للمسلمين السعادة والسيادة، والسؤدد والقوة.

والحكيم إذا أراد شيئاً حفّه بمستلزماته، ووفّر له مقوماته، حتي يتحقق الشيء المراد، والله تبارك وتعالي الحكيم، أراد بحسب الآيات الكريمة للإسلام الظهور، وللمسلمين القوة، فما الذي أعده من المستلزمات والمقومات لهذا الهدف يعني: ظهور الإسلام وقوة

المسلمين؟

القرآن الكريم هو الذي يدلنا علي مستلزمات ظهور الإسلام، ومقومات قوة المسلمين، وذلك عندما استخلف النبي صلي الله عليه و اله وبأمر من الله تعالي علياً عليه السلام يوم غدير خم، وجعل الخلافة باقية في عقبه إلي يوم القيامة، نطق مصرّحاً: ?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا? ().

وهذه هي المرحلة الرابعة بعد تلك المراحل الثلاث، أي: بعدما قنّن الله تعالي الإسلام، وبلّغه إلي الناس، وأمرهم باعتناقه، شرّع الخلافة والإمامة لأهل بيت رسوله عليهم السلام: علي أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده الأحد عشر المعصومين عليهم السلام.

ويوم استخلف النبي صلي الله عليه و اله علياً عليه السلام وأخذ من الناس البيعة له، ارتضي الله تبارك وتعالي الإسلام ديناً للناس فأنزل قائلاً: ?اليوم.. رضيت لكم الإسلام ديناً? ومعناه: الإسلام بلا وجود من رسول الله صلي الله عليه و اله أو خلافة أحد من أهل بيته عليهم السلام غير مرضي عند الله، لأنه يفقد مستلزمات ظهور الإسلام، ومقومات قوة المسلمين.

وخلاصة المرحلة الرابعة وموجز معناها هو: إن الذي سيخلف رسول الإسلام، ويجلس مكانه، ليكون الحافظ للإسلام، والحاكم علي المسلمين، له الدور الكبير، والأثر العظيم في ظهور الإسلام وضموره، وقوة المسلمين وضعفهم.

فان كان الذي يخلف رسول الإسلام ويجلس مكانه هو الذي نصبه الرسول

ونص عليه بأمر من الله، ظهر الإسلام، وقوي المسلمون، وان كان غيره ضمر الإسلام، وضعف المسلمون.

وهذا المعني هو ما أثبته التاريخ طوال الأربعة عشر قرناً الماضية، وحققته التجارب طيلة حياة الإسلام بعد رسول الله صلي الله عليه و اله، وذلك انه بعدما رقي منبر الرسول صلي الله عليه و اله غير الذي استخلفه الله والرسول، وأقصي أهل البيت عليهم السلام عن مكان رسول الله صلي الله عليه و اله ومنبره، وتعقبهم حكام السوء، من أمثال بني أمية وبني مروان، وبني العباس وبني عثمان، في المسلمين، رأينا كيف ضمر الإسلام ولم يظهر علي الدين كله؛ وكيف ضعف المسلمون وخاصة في هذا اليوم، ولم يغلبوا الأرض كلها؟

وهذا الكتاب هو محاولة من المؤلف سماحة المرجع الديني الأعلي آية الله العظمي الإمام الشيرازي (قدس سره الشريف) لبيان أن الإسلام هو دين الله القويم الذي ليس فيه زيغ ولا ضعف، وانه هو آخر صيغة السماء لسعادة أهل الأرض وسيادتهم، وان الذي سبّب ضموره، وكان من وراء ضعف المسلمين، هم الحكام غير الكفوئين، والحكام الطغاة الإرهابيون.

وهو في نفس الوقت الذي يلفت أنظار العالم إلي متانة الإسلام وحكمته، وانه الدين الوحيد القادر علي تلبية أمنيات الإنسان وآماله، وتحقيق طموحه ومآربه، وتضمين سعادته في الدارين، وانه الدين الذي ينبغي للجميع إذا أرادوا السعادة والرفاه، والأمن والسلام، والخير والبركة، أن يعتنقوه ويطبقوا أحكامه.

فإنه في نفس الوقت الذي يلفت الأنظار إلي رقي أحكام الإسلام وتعاليمه، يحذّر المسلمين بل العالم كله من الحكام الظالمين الطغاة، ويحرض علي التخلص من شرهم وشنارهم، وكيدهم وضلالهم، ويري الحل في زمان غيبة الإمام المعصوم للحكم: هو شوري المراجع.

ونحن مساهمة منا في نشر هذا الفكر، وإزالة ما يدور في الأذهان حول

الإسلام بما سببه له الحكام الطغاة، والسعي علي تهذيب البلاد وإنقاذ العباد من هؤلاء الحكام، قمنا بطبع هذا الكتاب ونشره، علماً بأنا كنا مشتغلين بإعداد الكتاب للطبع، إذ وافنا الخبر المؤسف، والنبأ المفجع، نبأ ارتحال المؤلف القدير العالم الرباني الذي كتب للجميع، سماحة المرجع الديني الأعلي الإمام الشيرازي (قدس سره) النبأ الذي هز أركاننا من الأعماق، وأصاب المسلمين وأفجعهم، بل العالمين، بل الكون كله، حيث أن الشمس كانت قد انكسفت يوم الحادث، وشوهد الكسوف في بعض البلاد..

نسأل الله للفقيد الراحل رضوانه وفسيح جناته، ولذويه الثواب والأجر، والصبر والسلوان، وان يجبر ما فقدناه بخلفه البرّ، وأخيه الوفي، الفقيه المحقق سماحة آية الله العظمي الحاج السيد صادق الشيرازي (دام ظله الوارف) انه ولي التوفيق وهو خير معين.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص.ب: 6080 / 13

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

أما بعد، فقد رأي العالم كيف تموت المبادئ غير الصحيحة والتي تخالف فطرة الإنسان، فلم تنتشر إلا في ظروف خاصة يحكمها الجهل حتي إذا ما وعت الشعوب ولو بعد مضي سنوات أو قرون نبذوها وراء ظهورهم.

كما رأي العالم كيف أن الغرب المسيحي رفض المسيحية واستبدلها بالعلمانية والمادية، وذلك لأن الإنجيل المحرف لا يملك من القدرة والشمولية ما يستوعب الحياة في كافة مراحلها، حيث لم يبق منه سوي بعض الوصايا وقد بدلوها أيضاً ولم يعملوا بها، فقد روي عن السيد المسيح العظيم (علي نبينا وآله وعليه السلام) أنه قال لبعض أصحابه: «ما لا تحب أن يفعل بك فلا تفعله بأحد، وإن لطم أحد خدك الأيمن فأعطه الأيسر» ().

ولكنهم صيروها إلي قنابل

وصواريخ وحربين عالميتين وحروب لا تعد ولا تحصي في بلاد المسيحية وغيرها التي يقودها العالم الغربي، إلي ألف شيء وشيء.

كما رأينا ولادة الشيوعية قبل سبعين سنة وسقوطها ولما تكمل ثمانية عقود، لأنها لا تزيد عن أمر خيالي، والخيال لا يلائم الحياة وان قتل ستالين() لتثبيتها خمسة وعشرين مليوناً، وقتل ماو() لتطبيقها أربعين مليوناً، لكن الإسلام هو الدين الوحيد الذي بقي منذ خمسة عشر قرناً يواكب الحياة في كافة مراحل تطورها بالرغم من قسوة الحكام المتسلطين وأعداء الدين وسيبقي إلي يوم القيامة لأنه دين الفطرة كما قال سبحانه: ?فطرة الله التي فطر الناس عليها?() لكنه مع ذلك قد ضعف نسبياً بسبب من تسلط علي المسلمين ممن ادعوا أنهم خلفاء أو أمراء أو ما أشبه من مختلف ألقابهم، ولولا ان الله سبحانه أراد بقاء الإسلام كما قال: ?إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون?() وقال عزوجل: ?ليظهره علي الدين كله?() لم يبق منه حتي الاسم.

وهذا الكتاب وضعناه للإشارة إلي بعض أسباب ضعف المسلمين، وبيان قصص بعض الحكام الذين كانوا من أشد أسباب توقف زحف الإسلام، وتحجيم نفوذه في الضمائر والقلوب، وكسبه للمشاعر والعقول، وجعله خبر (كان) لولا عناية الله سبحانه وتعالي بهذا الدين الحنيف الذي شرعه سبحانه علي الفطرة التي فطر الناس عليها، ومن هذه الجهة فالأمل أن يعود الإسلام من جديد إلي الحياة عوداً كاملاً أمل كبير وصادق، وقوي وقريب، وذلك:

1و2: بأمته الواحدة وبدون حدود جغرافية، كما قال سبحانه: ?إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون?().

3: وبأخوته المتينة، كما قال سبحانه: ?إنما المؤمنون اخوة?()، بل بما يراه الإسلام من أخوة المسلم مع المسلم، وغير المسلم أيضاً ولذا قال سبحانه: ?وإلي عاد أخاهم هودا?() وقال: ?وإخوان

لوط?() وقال: ?والي ثمود أخاهم صالحا?().

4: وبحرياته الواسعة الشاملة للتعددية والأحزاب الحرة وغيرها من الحريات الكثيرة بحيث لا يستثني منها إلا المحرمات، والمحرمات هي معدودة جداً كما قال سبحانه: ?يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم?().

5: وبالشوري في كل شأن من شؤون الحياة ومع كل الأطراف والجهات، من الذي يعيش في القرية إلي الذي يعيش في العاصمة، ومن صاحب المعمل الصغير إلي المصنع الكبير، ومن إدارة البيت والأسرة إلي إدارة دولة وأمة، والتي في قمتها شوري الفقهاء المراجع كما قال سبحانه: ?وأمرهم شوري بينهم?().

6: وبصلحه وسلامه العام حتي بالنسبة إلي السلاح، فان في نظر الإسلام: لا يستعمل السلاح إلا لرد الاعتداء، من حكومة أو جماعة أو فرد، كالقاتل والسارق حيث قال سبحانه: ?ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان?() مما هو ظاهر في أن من لم يدخل في السلم يكون متبعاً لخطوات الشيطان.

7: وبإباحته كل أوّليات الحياة لجميع الناس في إطار ?لكم? قال سبحانه: ?خلق لكم ما في الأرض جميعاً?() والتي منها أن الأرض مباحة لكل من يعمرها كما قال الرسول صلي الله عليه و اله: «من أحيي أرضاً ميتةً فهي له» () وأن من حق الإنسان أن يستفيد من مختلف المباحاة الأصلية من معدن أو بحر، أو غابة أو صيد أو غير ذلك، كما قال صلي الله عليه و اله: «من سبق إلي من ما لا يسبقه إليه المسلم فهو أحق به» () وإلي غير ذلك من القوانين الإسلامية السهلة السمحة، وذلك لكي تنعم البشرية كلها مسلمها وغير مسلمها، وتفوز بكل خير وسعادة، ورفاه وسلام، وما ذلك علي الله بعزيز.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

الحكام الطغاة وراء ضعف المسلمين

إن ما نشاهده اليوم من حالة ضعف المسلمين هو نتيجة أمور

عديدة، من أهمها ما سببه الحكام الطغاة، غير الشرعيين، علي مر التاريخ من الأوائل والأواسط والأواخر، فإنهم من وراء حالة ضعف المسلمين التي نشاهده ونلمس آثاره حتي اليوم، فان الضعف السابق والوسط واللاحق يسبب ضعف المستقبل أيضاً كما هو في صحة الإنسان فان الإنسان الذي لا يراعي صحته في صغره لابد وأن يكون في كبره معرضاً للآفات والأسقام وما أشبه وهناك العديد من القصص التاريخية التي تدل علي ما ذكر.

ترك أسباب التقدم

لقد تقدم الغرب علينا عندما أخذوا بالعمل ببعض قوانين الإسلام، مثل حق الانتخاب والتصويت، وخلع الحكام الطغاة المستبدين، ومطالبة الحقوق والحريات، ومثل النظم في الأمور، والاتقان في العمل، وما أشبه ذلك، وقد أعلنت إذاعاتهم عن وصول علمائهم إلي الكواكب الأخري، وأنهم نزلوا من المركبة الكذائية ووطئوا أرض القمر أو ما أشبه ذلك بكل دقة وإتقان، كما أذاعوا وكتبوا في الجرائد والمجلات أنه كان من المقرر أن يصلوا إلي القمر في الساعة الخامسة مثلاً، لكنه تم ذلك في الساعة الخامسة وثلاثين ثانية، ويعتذرون من هذا التأخير!.

نعم ثلاثون ثانية، لا ثلاثون دقيقة، وهذا من مصاديق الدقة والإتقان، وأعلنوا أن السبب هو تغيير مكان النزول، حيث كان المقرر النزول في مكان معين من سطح القمر، ثم تبين أن المكان لم يكن صالحا لذلك، فهذه علة التأخير.

ويقال: إن القمر الصناعي الذي استخدموه متكون من ثلاثة ملايين جزء، وقد ساهم في إنجاز المشروع ثلاثمائة ألف عالم وخبير، وهو غير بعيد، لأن كل جزء منه يجرب عشرات المرات.

ونحن المسلمين وكذلك حكامنا قد تغيرنا بحيث لم نعر أية أهمية للإنسان الذي فضله الله وكرّمه، وحرم ماله وعرضه ودمه، ولذلك تري الحكام الطغاة يقتلون الناس كما يقتلون البق.

كما انا لا نري أهمية

للوقت، فمثلاً تري الصديق يواعد صديقه قائلا: سآتيك في الساعة الخامسة مثلاً، وينتظره الصديق في الساعة الخامسة، فلم يحضر!

وتتقدم الساعة لتشير إلي الخامسة وعشرة دقائق، ومن ثم الخامسة والربع، والخامسة والنصف، والخامسة وثلاثة أرباع، ثم السادسة أو أكثر، وإذا به يأتي وكأنه قد حضر قبل الموعد، فلما تسأله: لماذا تأخرت عني؟ يضحك ويقول وبكل بساطة: نعم انشغلت قليلاً ولم أتأخر كثيراً.

أهدر ساعة من وقت صديقه وكأن هذه الساعة عنده لا شيء، أما الذين وصلوا إلي القمر فيحسبون للثلاثين ثانية من التأخير حسابها.

تقدم الأمة وتأخرها

من سنن الله في هذا الكون انه لا تتقدم أمة إلا بسبب، ولاتتأخر أمة إلا بسبب أيضاً، وهذا من الواضح والثابت بالتجربة والامتحان، لكن الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر ذكر في كتابه عن رجل مستشرق مسيحي اسمه (ريبور) انه قال: إني أتعجب من تقدم المسلمين الأوائل، فهل أن الكرة الأرضية صغرت حتي قبضها المسلمون الأولون، أو أن الكرة الأرضية صارت كورق فطووها طيا؟ كيف إنهم تقدموا في الحياة وسيطروا علي الكون؟

أقول: لا الكرة الأرضية صغرت، ولا انها طويت كالصفحة، وإنما كان سبب ذلك هو: قوة إيمان المسلمين الأوائل وثبات عزمهم، وصدق نيتهم، وإخلاص عملهم، ومواصلة جدهم، وتفانيهم لله، وتوكلهم علي الله، وامتثالهم لأوامر الله ورسوله صلي الله عليه و اله، وهذا هو السبب الذي جعل الكرة الأرضية في أيديهم..

وهذه الأشياء هي التي فقدها المسلمون في هذا اليوم.

نعم إن المسلمين اليوم يصلّون ويصومون، ويزكون ويحجون، ولكنهم تركوا الكثير من القوانين الإسلامية.

مضافاً إلي إنه هل إن الكل يصلي ويصوم، ويزكي ويحج؟

وهل في بلادنا لا توجد محرمات ومنكرات؟

وهل نملك نحن المسلمين اليوم تلك العزيمة اللازمة، والفكر الكافي، والوعي الإسلامي، والإيمان الثابت، والجهاد الصادق، وبذل كل

الطاقات في سبيل الله كالذي كان عليه المسلمون الأوائل، وبحسب الذي يريده الإسلام منا، أم أن الإسلام شيء ونحن المسلمين شيء آخر؟

ولعل هذا هو من أهم علل تقدم المسلمين في صدر الإسلام وتأخرنا نحن في هذا اليوم.

إسلام عبد الله بن جحش

جاء في التاريخ أن شابا في عمر يقارب العشرين سنة، ويدعي: عبد الله بن جحش، اقبل إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وآمن به وذلك في مكة المكرمة، وحيث إن أهل مكة كانوا ضد الإسلام ويحاربون المسلمين، كان إسلام هذا الشاب أكبر جهاد حينذاك، وأعظم فخر في هذا اليوم، إذ في هذا اليوم الذي انفتحت فيه الأجواء ببركة الإسلام وذهبت عصبيات الجاهلية يتلقي الشاب الداخل في الإسلام الترحيب والتقدير، والإجلال والاحترام، فلا يكون جهاده وفخره بمثل ذلك اليوم وإن كان فيه الثواب العظيم، والأجر الجزيل.

نعم، في ذلك اليوم وكل أهل مكة مشركون ويتربصون برسول الله صلي الله عليه و اله وبمن آمن معه الدوائر، جاء هذا الشاب وهو في العشرين من العمر وأعلن إسلامه.

رحب به رسول الله صلي الله عليه و اله وقال له: إنك قد عرفت فضيلة الإسلام وصرت مسلماً، ولكن عليك أن تدعو أهلك إلي الإسلام.

فجاء عبد الله إلي البيت وأخذ يدعو أفراد أسرته كلهم إلي الإسلام، وكان يقرأ عليهم من آيات القرآن الكريم، ويذكر لهم أحاديث رسول الله صلي الله عليه و اله، مرة بعد مرة، حتي هداهم جميعاً إلي الإسلام.

كل هذا في الوقت الذي كان يلاقي المسلم الذي يتشهد بالشهادتين، ويعمل بقوانين الإسلام، أكبر الضغوط النفسية والجسدية من قبل المشركين، من الشتم والضرب، والتعذيب والإهانة، ومع كل ذلك كانوا يتحملون المشاق في سبيل الله عزوجل.

ولكن اليوم، عندما نقول لبعض الشباب من أصدقائنا:

خذوا بأيدي نظرائكم من الشباب وأتوا بهم إلي المساجد والحسينيات، والمواكب والمجالس الدينية، يقولون: انهم لا يأتون، ومعناه: انا تركنا شبابنا للشبهات والبدع تقودهم للغواية والضلالة، وللأهواء والشياطين يسوقونهم إلي المزالق والمهاوي، وإلي الشقاء والهلاك، وإلي خسران الدنيا وعذاب الآخرة.

إن علينا أن نعمل لكي تستوعب هذه المجالس المباركة، والهيئات الدينية، والحسينيات والمساجد هؤلاء الشباب الطيبين بأكبر عدد ممكن، إذ فيها يحصل الشاب علي سعادة الدنيا ونعيم الآخرة.

أجل، لقد كان الشاب المسلم في زمن رسول الله صلي الله عليه و اله يفعل ما يبدو انه مستحيل، ولكنا نقول: انه لا يمكن أن نأتي بالشباب، أو انهم لا يأتون.

هل تكلمنا معهم وأرشدناهم بالتي هي أحسن، حتي نعرف انهم يأتون إلي المجالس أو لا يأتون؟

هل قلنا للبنات المؤمنات اللاتي يحضرن المجالس الدينية: خذوا بأيدي البنات الآخريات إلي هذه المجالس من جاراتكن وقريباتكن وصديقاتكن، فلم يفعلن؟

هل دعوناهم بالطريقة المناسبة للحضور في المجالس الحسينية، فلم يستجيبوا الدعوة؟

إن هذه الهيئات والمجالس، والمساجد والحسينيات، مضافاً إلي اشتمالها علي الثواب العظيم، وتقوية إيمان الإنسان وترسيخه، توجب تقدمه في العلم والعمل، وفي كل المجالات: الاجتماعية وغيرها، وحتي في ما يرتبط بالصناعة والاقتصاد، لأنها تنشر ثقافة الدين الإسلامي، وهي تحث الإنسان علي جميع أنواع الخير، وتردعه عن جميع أنواع الشر.

المشركون يضطهدون المسلمين

إن النظام الحاكم في مكة زمن الجاهلية كان أرستقراطيا، يحكم فيه أمثال أبي جهل وأبي لهب وصفوان وغيرهم من العتاة المشركين، وكان الشعب يعبد الأصنام، فكان الجميع حكومة وشعباً ضد المسلمين، ومن هنا لاقي المسلمون أشد الاضطهاد في مكة المكرمة، فكانوا إذا جاءوا إلي المجتمع لم يُحترموا، بل يهانوا، وإذا أرادوا شراء شيء لا يباع لهم، وإذا أرادوا بيع شيء لا يشتري منهم، وإذا

كان لهم ولد يريد أن يتزوج منهم لم يزوجوه، وإذا كانت لهم بنت لا يتزوّجونها، وإلي غيرها مما سجله التاريخ وذكره في صفحاته بشكل قصص عن حياة رسول الله صلي الله عليه و اله وأصحابه واضطهاد المشركين لهم.

وبعد سنوات من تحمل هذه المضايقات والضغوطات مع العلم بان ذلك صعب جداً، فإنه قد يؤخذ الشخص الي السجن ويحكم عليه بأن يلبث فيها سنة مثلاً أو أكثر، فإنه كثيراً ما يتحمله الشخص، اما انه إذا دخل الشخص في مجلس وتلقي منهم السبّ والضرب، فهذا أصعب بكثير من السجن، وكذلك إذا جاء الإنسان إلي الناس فأعرضوا بوجوههم عنه، وهذا ما لا يتحمله الكثير من الناس.

وكيف كان: فقد جاء المسلمون ومنهم عبد الله بن جحش وبعد كل تلك المعاناة إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وشكوا إليه ما يلاقونه من أهل مكة المشركين، وطلبوا منه أن يشير عليهم بطريق فيه الخلاص والنجاة.

فقال لهم رسول الله صلي الله عليه و اله: «فرّوا بدينكم إلي الحبشة»، وكان ملك الحبشة بحيث يجيز لهم أن يمارسوا شعائر دينهم.

عزم المسلمون علي الخروج إلي الحبشة، وكان اللازم أن يخرجوا من مكة خفية، وذلك لأن المشركين إذا عرفوا منهم ذلك، منعوهم وربما قتلوهم، فجاءوا ليلاً إلي البحر وركبوا سفينة لا ترتبط بأهل مكة وفرّوا بدينهم إلي الحبشة، وكان النجاشي ملك الحبشة رجلاً طيب النفس، سليم القلب، فاستقبلهم وأسلم بسبب هؤلاء المهاجرين وأسلم معه جماعة، حتي أسلمت الحبشة من ذلك اليوم، ولكن اليوم وبعد أربعة عشر قرنا نري أن الحبشة بيد الكفار وإن كان غالب أهلها من المسلمين.

ثم إن النجاشي أقطع المسلمين المهاجرين أرضا لكي يزرعوها ويرتزقوا منها.

ثم إن عبد الله بن جحش كان من

المهاجرين إلي الحبشة أيضاً، فقد فر هو وثلاثة من إخوانه إلي أرض الحبشة، فقبلهم الملك كلاجئين سياسيين في اصطلاح هذا اليوم .

ولقد جاء في التاريخ أن هؤلاء المهاجرين أخذوا يعملون هناك في أرض المهجر بكل جهد وتواضع، في الحر والبرد، حتي خلِقت ثيابهم وتخرّقت مما اضطروا إلي ترقيعها، بحيث كانوا يستحيون من الناس أن يظهروا بثيابهم تلك، ونحن اليوم متنعمون والحمد لله بالثياب الناعمة، والملابس الجميلة، وهذا كله ببركة ما قدمه المسلمون الأوائل من الجهاد في سبيل الله والتضحية من أجل دينه، إذ لم يكن لهم أكل بمقدار الشبع، ولم يكن لهم ملبس بقدر التجمل، فتحملوا ذلك، وتحملوا الغربة، ولكن حيث إنهم كانوا قد تحلوا بإيمان راسخ صمدوا في أرض الحبشة عدة سنوات.

الهجرة الثانية

ثم انه لما هاجر رسول الله صلي الله عليه و اله إلي المدينة، وسمعوا بأن الوضع قد تحسّن، وان رسول الله صلي الله عليه و اله قد أسّس أول دولة إسلامية هناك، وصار المسلمون في أمن ورفاه نسبي ببركة التعاليم الإسلامية، غادروا بلاد الحبشة قاصدين المدينة المنورة، وكان من بين أولئك المغادرين للحبشة باتجاه المدينة المنورة عبد الله بن جحش وإخوانه الثلاثة، فوصلوا مدينة رسول الله صلي الله عليه و اله واستقبلهم المسلمون ورأوا في وجوهم آثار الحر والتعب، ثم التحقت بهم عوائلهم الذين كانوا قد بقوا في مكة ولم يتمكنوا من الهجرة إلي الحبشة.

الخديعة والمكر عند بني أمية

من صفات الطغاة الخديعة والمكر، كما يشاهد ذلك في حكومة بني أمية حيث ابتدأت دولتهم في بادئ أمرها بالخديعة والمكر وشراء الضمائر بالدنانير والدراهم ثم أحكمت سيطرتها بالقوة والسيف، فعندما أخذ معاوية البيعة ليزيد قام أحد الخطباء وقال: إن هلك هذا (أشار إلي معاوية) فهذا (وأشار إلي

يزيد) ومن أبي فهذا (وأشار إلي سيفه).

ودام عهد الإرهاب والتعسف إلي نهاية أيام هشام بن عبد الملك وبعدها دب الاضطراب والتفكك في أنحاء الدولة بسبب مجون الخليفة واستياء الناس من بني أمية وأفعالهم إلي أن آل الأمر إلي هلاك الخليفة وسقوط الدولة في سنة 132ه.

وقد شهدت دولتهم حروب وثورات عديدة من أشهرها:

1: حربهم مع سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي عليه السلام في كربلاء، واستشهاده عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام وأصحابه بها، وأسر عياله وبناته: بنات رسول الله صلي الله عليه و اله فيها.

2: ثورة أهل المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة.

3: ثورة أهل مكة بقيادة عبد الله بن الزبير.

4: ثورة أهل العراق بقيادة المختار بن أبي عبيدة الثقفي.

5: ثورة أهل العراق بقيادة مصعب بن الزبير.

6: ثورة أهل الكوفة بقيادة مصعب بن الزبير أيضاً.

7: ثورة أهل الكوفة بقيادة زيد بن علي عليه السلام.

8: وثورة أهل العراق بقيادة بني المهلب بن أبي صفرة.

ثورات أخري للخوارج.

وذهب ضحية هذه الثورات آلاف القتلي والجرحي، وأحرقت المدن الآهلة بالسكان.

كما إنه ضاع خلال العهد الأموي كثير من التراث النبوي الشريف بتعريض الرواة للقتل والتشريد، والكبت والاضطهاد، وإدخال التحريف والدس في الأحاديث النبوية الشريفة.

بنو أمية ومظالم العباد

ومن صفات الطغاة التلاعب بأموال الناس وثرواتهم، ونشر المجون والفساد بينهم.

وقد استأثر بنو أمية بشهادة التاريخ خلال سنوات حكمهم بأموال الناس المجتمعة في بيت المال، وبالمناصب الرئيسية والمهمة في البلاد.

ويعتبر بنو أمية أول من بث العصبية في الإسلام، وفرّق بين العرب والموالي، وبين العشائر وغيرها علي نطاق الدولة.

وأول من سن الملاهي والمناهي، والغناء والشراب في الإسلام.

وأول من كان يهب من بيت المال الأموال الطائلة للمغنين والمخنثين، والمتملقين والندماء.

وأول من قاتل أصحاب رسول

الله صلي الله عليه و اله وقتل خيارهم مثل عمار بن ياسر كما قتل حجر بن عدي وغيرهما.

وقد قتل بنو أمية في أيامهم الآلاف من الأبرياء والآمنين، والصلحاء والمصلحين، وفي مقدمتهم: الإمامان الهمامان، سيدا شباب أهل الجنة، الحسن والحسين عليه السلام وعشرين رجلاً من أهل بيت النبوة ما علي وجه الأرض لهم من شبيه، وقتل بعدهم زيد بن علي ابن الحسين عليهم السلام وغيرهم، وبلغ بهم الأمر أن كانوا يختمون في أعناق الصحابة والتابعين علي انهم عبيد وخول للخليفة كما تختم الحيوانات، وجعلوا الخليفة أعلي منزلة من رسول الله صلي الله عليه و اله.

تصريح هام لمعاوية

ومن صفات الطغاة عدم إيمانهم بالله واليوم الآخر.

روي الزبير بن بكار في الموفقيات وهو من المنحرفين عن علي بن ابي طالب عليه السلام قال: قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي علي معاوية وكان أبي يأتيه فيتحدث معه، ثم ينصرف إليّ فيذكر معاوية وعقله ويعجب بما يري منه، إذ جاء ذات ليلة، فأمسك عن العشاء ورأيته مغتماً.

فانتظرته ساعة وظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت: مالي أراك مغتماً منذ الليلة؟

فقال: يا بُني، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم.

قلت: وما ذاك؟

قال: قلت له وقد خلوت به: إنك قد بلغت سناً يا أمير فلو أظهرت عدلاً، وبسطت خيراً، فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلي اخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم شيء تخافه، وإن ذلك مما يبقي لك ذكره وثوابه.

فقال: هيهات، هيهات، أيّ ذكر أرجو بقاءه؟ مَلَكَ أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتي هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عدي، فاجتهد وشمر عشر سنين فما عدا أن هلك حتي هلك

ذكره، إلا أن يقول قائل: عمر، وإن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات: «اشهد أن محمداً رسول الله» فأي عمل يبقي؟ وأي ذكر يدوم بعد هذا؟ لا أبالك! لا والله إلا دفناً دفناً ().

لا شرعية لحكومة الظالمين

ومن صفات الطغاة أنهم يسعون لإعطاء صبغة شرعية لحكومتهم الجائرة، وذلك بشتي الوسائل وكل الطرق، ومنها: جعل أحاديث تؤكد علي لزوم طاعتهم العمياء وحرمة معارضتهم، وكذلك فعل معاوية، وحث الوضّاعين وشجعهم بإغداق الأموال عليهم مقابل ذلك.

فقد أخرجوا: (اسمعوا وأطيعوا وأن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة).

و: (عليك بالطاعة من منشطك ومكرمك..)

و: (أوصاني النبي صلي الله عليه و اله أن أسمع وأطيع ولو لعبد مجدع الأطراف).

و: (إن من قام بالخلافة ثلاثة أيام لم يدخل النار).

هذا، مع أن الله تعالي يحذّر من إتباع الظالمين ويحرّم طاعتهم، بل قد صرحت آيات القرآن الكريم بلزوم التصدي للظلم وعدم جواز الركون إلي الظلمة.

قال تعالي: ?ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار?().

وقال سبحانه: ?ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه?().

وقال تعالي: ?ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً?().

وقال سبحانه: ?والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ? وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره علي الله أنه لا يحب الظالمين ? ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل? إنما السبيل علي الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم?().

وقال تعالي: ?فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم?().

مضافاً إلي ما اشتهر عن رسول الله صلي الله عليه و اله من قوله في معاوية: «إذا رأيتم معاوية علي منبري، فابقروا بطنه» () وغير ذلك مما يدل علي عدم شرعية حكومة بني أمية وانه يجب علي المسلمين منابذتهم

وقتلهم، والتخلص منهم ومن شرهم.

الشجرة الملعونة في القرآن

تسلط بنو أمية علي الحكم بعد أن حارب معاوية ظلماً وعدواناً أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأغار علي بلاده الآمنة وقتل الناس الآمنين، ثم قاتل سبط رسول الله صلي الله عليه و اله الإمام الحسن عليه السلام وذلك في قصة معروفة، فملكوا رقاب الناس نيفاً وثمانين عاماً حكم خلالها أربعة عشر حاكماً منهم، وكان قد أخبر رسول الله صلي الله عليه و اله بذلك عندما رآهم في منامه ينزون علي منبره كالقردة، فاغتم كثيراً لذلك فأنزل الله تعالي: ?وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوّفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً?().

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام يصف بني أمية في خطبة له: «وأيم الله لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء بعدي كالناب() الضروس() تعذم() بفيها وتخبط بيدها وتزبن() برجلها وتمنع درها()، لا يزالون بكم حتي لا يتركوا منكم إلا نافعاً لهم أو غير ضائر بهم، ولا يزال بلاؤهم عنكم حتي لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد من ربه، والصاحب من مستصحبه ترد عليكم فتنتهم شوهاء() مخشية()، وقطعاً جاهلية، ليس فيها منار هدي، ولا علم() يري» ().

معاوية وأعماله الإرهابية

في التاريخ: إن معاوية دعا بسر بن أرطاة وكان فظاً غليظاً قاسي القلب، سفاكا للدماء، لا رأفة عنده ولا رحمة، فأمره أن يأخذ طريق الحجاز والمدينة ومكة حتي ينتهي إلي اليمن، وقال له: لاتنزل علي بلد أهله علي طاعة علي إلا بسطت عليهم لسانك حتي يُر أنهم لا نجاء لهم وأنك محيط بهم، ثم اكفف عنهم وادعهم إلي البيعة لي، فمن أبي فاقتله، واقتل شيعة علي حيث كانوا.

وروي إبراهيم بن هلال الثقفي

في كتاب الغارات عن يزيد بن جابر الأزدي قال: سمعت عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري يحدث في خلافة عبد الملك قال: لما دخلت سنة أربعين تحدث الناس بالشام أن عليا عليه السلام يستنفر الناس بالعراق فلا ينفرون معه، وتذاكروا أن قد اختلفت أهواؤهم ووقعت الفرقة بينهم، قال: فقمت في نفر من أهل الشام إلي الوليد بن عقبة فقلنا له: إن الناس لا يشكون في اختلاف الناس علي علي عليه السلام بالعراق فادخل إلي صاحبك فمره فليسر بنا إليهم، قبل أن يجتمعوا بعد تفرقهم، أو يصلح لصاحبهم ما قد فسد عليه من أمره.

فقال: بلي لقد قاولته في ذلك وراجعته وعاتبته، حتي لقد برم بي واستثقل طلعتي، وايم الله علي ذلك ما أدع أن أبلغه ما مشيتم إلي فيه.

فدخل عليه فخبره بمجيئنا إليه ومقالتنا له، فأذن لنا فدخلنا عليه فقال: ما هذا الخبر الذي جاءني به عنكم الوليد؟

فقلنا: هذا خبر في الناس سائر، فشمِّر للحرب، وناهض الأعداء، واهتبل الفرصة، واغتنم الغرة، فإنك لا تدري متي تقدر علي عدوك علي مثل حالهم التي هم عليها، وأن تسير إلي عدوك أعز لك من أن يسيروا إليك، واعلم والله أنه لو لا تفرق الناس عن صاحبك لقد نهض إليك.

فقال لنا: ما أستغني عن رأيكم ومشورتكم، ومتي أحتج إلي ذلك منكم أدعكم إن هؤلاء الذين تذكرون تفرقهم علي صاحبهم واختلاف أهوائهم، لم يبلغ ذلك عندي بهم أن أكون أطمع في استئصالهم واجتياحهم، وأن أسير إليهم مخاطرا بجندي لا أدري علي تكون الدائرة أم لي، فإياكم واستبطائي فإني آخذ بهم في وجه هو أرفق بكم، وأبلغ في هلكتهم، قد شننت عليهم الغارات من كل جانب، فخيلي مرة بالجزيرة ومرة بالحجاز وقد فتح

الله فيما بين ذلك مصر، فأعز بفتحها ولينا، وأذل به عدونا، فأشراف أهل العراق لما يرون من حسن صنيع الله لنا يأتوننا علي قلائصهم في كل الأيام، وهذا مما يزيدكم الله به وينقصهم، ويقويكم ويضعفهم، ويعزكم ويذلهم، فاصبروا ولا تعجلوا فإني لو رأيت فرصتي لاهتبلتها.

فخرجنا من عنده ونحن نعرف الفصل فيما ذكر فجلسنا ناحية، وبعث معاوية عند خروجنا من عنده إلي بسر بن أرطاة، فبعثه في ثلاثة آلاف وقال: سر حتي تمر بالمدينة فاطرد الناس، وأخف من مررت به، وانهب أموال كل من أصبت له مالا ممن لم يكن دخل في طاعتنا، فإذا دخلت المدينة فأرهم أنك تريد أنفسهم، وأخبرهم أنه لا براءة لهم عندك ولا عذر، حتي إذا ظنوا أنك موقع بهم فاكفف عنهم، ثم سر حتي تدخل مكة ولا تعرض فيها لأحد، وأرهب الناس عنك فيما بين المدينة ومكة، واجعلها شردا حتي تأتي صنعاء والجند فإن لنا بهما شيعة وقد جاءني كتابهم.

فخرج بسر في ذلك البعث حتي أتي دير مروان فعرضهم فسقط منهم أربعمائة فمضي في ألفين وستمائة، فقال الوليد بن عقبة: أشرنا علي معاوية برأينا أن يسير إلي الكوفة فبعث الجيش إلي المدينة، فمثلنا ومثله كما قال الأول: أُريها السها وتريني القمر.

فبلغ ذلك معاوية فغضب وقال: والله لقد هممت بمساءة هذا الأحمق الذي لا يحسن التدبير ولا يدري سياسة الأمور، ثم كف عنه.

محرقة ابن ارطاة في المدينة

قال إبراهيم بن هلال روي عوانة عن الكلبي ولوط بن يحيي: ان بسراً لما أسقط من أسقط من جيشه سار بمن تخلف معه وكانوا إذا وردوا ماء أخذوا إبل أهل ذلك الماء فركبوها وقادوا خيولهم حتي يردوا الماء الآخر، فيردون تلك الإبل ويركبون إبل هؤلاء، فلم يزل يصنع ذلك

حتي قرب إلي المدينة.

قال: وقد روي أن قضاعة استقبلتهم ينحرون لهم الجزر حتي دخلوا المدينة قال: فدخلوها وعامل علي عليه السلام عليها أبو أيوب الأنصاري صاحب منزل رسول الله صلي الله عليه و اله فخرج عنها هاربا.

ودخل بسر المدينة فخطب الناس وشتمهم وتهددهم يومئذ وتوعدهم وقال: شاهت الوجوه إن الله تعالي يقول ?وضرب الله مثلا قريةً كانت آمنةً مطمئنةً يأتيها رزقها?() الآية، وقد أوقع الله تعالي ذلك المثل بكم وجعلكم أهله، كان بلدكم مهاجر النبي صلي الله عليه و اله ومنزله وفيه قبره ومنازل الخلفاء من بعده فلم تشكروا نعمة ربكم، ولم ترعوا حق نبيكم، وقتل خليفة الله بين أظهركم، فكنتم بين قاتل وخاذل ومتربص وشامت، إن كانت للمؤمنين قلتم ألم نكن معكم؟ وإن كان للكافرين نصيب قلتم ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين؟

ثم شتم الأنصار فقال: يا معشر اليهود وأبناء العبيد بني زريق، وبني النجار، وبني سلمة، وبني عبد الأشهل، أما والله لأوقعن بكم وقعة تشفي غليل صدور المؤمنين وآل عثمان، أما والله لأدعنكم أحاديث كالأمم السالفة.

فتهددهم حتي ظن الناس أن يوقع بهم ففزعوا إلي حويطب بن عبد العزي ويقال: إنه زوج أمه، فصعد إليه المنبر فناشده وقال: عترتك وأنصار رسول الله وليسوا بقتلة عثمان، فلم يزل به حتي سكن.

ودعا الناس إلي بيعة معاوية فبايعوه، ونزل فأحرق دورا كثيرة منها: دار زرارة بن حرون أحد بني عمرو بن عوف، ودار رفاعة بن رافع الزرقي، ودار أبي أيوب الأنصاري، وتفقد جابر بن عبد الله فقال: ما لي لا أري جابرا يا بني سلمة لا أمان لكم عندي أو تأتوني بجابر، فعاذ جابر بأم سلمة (رضي الله عنها) فأرسلت إلي بسر بن أرطاة، فقال: لا أؤمنه

حتي يبايع، فقالت له أم سلمة: اذهب فبايع، وقالت لابنها: عمر اذهب فبايع فذهبا فبايعاه.

قال إبراهيم: وروي الوليد بن كثير عن وهب بن كيسان قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: لما خفت بسراً وتواريت عنه، قال لقومي: لا أمان لكم عندي حتي يحضر جابر.

فأتوني وقالوا: ننشدك الله لما انطلقت معنا، فبايعت فحقنت دمك ودماء قومك، فإنك إن لم تفعل قتلت مقاتلينا وسبيت ذرارينا، فاستنظرتهم الليل فلما أمسيت دخلت علي أم سلمة فأخبرتها الخبر فقالت: يا بني انطلق فبايع واحقن دمك ودماء قومك، فإني قد أمرت ابن أخي أن يذهب فيبايع.

قال إبراهيم: روي الوليد بن هشام قال: أقبل بسر فدخل المدينة فصعد منبر الرسول صلي الله عليه و اله ثم قال: يا أهل المدينة خضبتم لحاكم وقتلتم عثمان مخضوبا، والله لا أدع في المسجد مخضوبا إلا قتلته ثم قال لأصحابه: خذوا بأبواب المسجد وهو يريد أن يستعرضهم.

هذا وقد ورد اللعن عن رسول الله صلي الله عليه و اله في حق من أخاف أهل المدينة أو أحدث في المدينة حدثاً أو آوي محدثا، فعن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: «لعن رسول الله صلي الله عليه و اله من أحدث في المدينة حدثاً أو آوي محدثاً» قلت: ما ذلك الحدث؟ فقال: «القتل» ().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «من أخاف أهل المدينة ظالماً لهم أخافه الله، وكانت عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً» ().

مكة ومجزرة ابن ارطاة

قال إبراهيم: وقد روي عوانة عن الكلبي: ان بسر بن أرطاة لما خرج من المدينة إلي مكة قتل في طريقه رجالا، وأخذ أموالا، وبلغ أهل مكة خبره

فتنحي عنها عامة أهلها، وتراضي الناس بشيبة بن عثمان أميرا، لما خرج قثم بن العباس عنها.

وقال: ثم خرج بسر إلي مكة، فلما قرب منها هرب قثم بن العباس وكان عامل علي عليه السلام ودخلها بسر فشتم أهل مكة وأنّبهم، ثم خرج عنها واستعمل عليها شيبة بن عثمان.

وخرج إلي بسر قوم من قريش فتلقوه، فشتمهم ثم قال: أما والله لو تركت ورأيي فيكم لتركتكم وما فيكم روح تمشي علي الأرض.

وتفقد بسر سعيد بن العاص فطلبه فلم يجده وأقام أياما ثم خطبهم فقال: يا أهل مكة إني قد صفحت عنكم، فإياكم والخلاف، فو الله إن فعلتم لأقصدن منكم إلي التي تبير الأصل، وتحرب المال، وتخرب الديار. ثم خرج إلي الطائف.

ابن ارطاة في تبالة

وجه بسر بن ارطاة رجلا من قريش إلي تبالة وبها قوم من شيعة علي عليه السلام وأمره بقتلهم، فأخذهم وكلّم فيهم وقيل له: هؤلاء قومك فكف عنهم حتي نأتيك بكتاب من بسر بأمانهم، فحبسهم وخرج منيع الباهلي من عندهم إلي بسر وهو بالطائف يستشفع إليه فيهم، فتحمل عليه بقوم من الطائف فكلموه فيهم وسألوه الكتاب بإطلاقهم، فوعدهم ومطلهم بالكتاب حتي ظن أنه قد قتلهم القرشي المبعوث لقتلهم وأن كتابه لا يصل إليهم حتي يقتلوا، ثم كتب لهم.

فأتي منيع منزله وكان قد نزل علي امرأة بالطائف ورحله عندها فلم يجدها في منزلها، فوطئ علي ناقته بردائه وركب فسار يوم الجمعة وليلة السبت لم ينزل عن راحلته قط، فأتاهم ضحوة وقد أخرج القوم ليقتلوا واستبطئ كتاب بسر فيهم، فقدم رجل منهم فضربه رجل من أهل الشام فانقطع سيفه، فقال الشاميون بعضهم لبعض شمسوا سيوفكم حتي تلين فهزوها.

وتبصر منيع الباهلي من بُعد بريق السيوف فألمع بثوبه فقال القوم:

هذا راكب عنده خير فكفوا، وقام به بعيره فنزل عنه وجاء علي رجليه يشتد، فدفع كتابه إليهم فأطلقوا، وكان الرجل المقدم الذي ضرب بالسيف فانكسر السيف أخاه.

مذبحة ابن ارطاة للأطفال

قال إبراهيم: وروي علي بن مجاهد عن ابن إسحاق: ان أهل مكة لما بلغهم ما صنع بسر خافوه وهربوا، فخرج ابنا عبيد الله بن العباس وهما: سليمان وداود، وأمهما جويرية ابنة خالد بن قرظ الكنانية، وتكني أم حكيم، وهم حلفاء بني زهرة، وهما غلامان مع أهل مكة فأضلوهما عند بئر ميمون بن الحضرمي، وميمون هذا هو أخو العلاء بن الحضرمي، وهجم عليهما بسر فأخذهما وذبحهما.

فلما سمعت أمهما بقتل ابنيها قالت وهي ذعرة:

ها من أحس بابني اللذين هما

كالدرتين تشظّي عنهما الصدف

ها من أحس بابني اللذين هما

سمعي وقلبي فقلبي اليوم مختطف

ها من أحس بابني اللذين هما

مخ العظام فمخي اليوم مزدهف

نبّئت بسرا وما صدّقت ما زعموا

منوّلهم ومن الإفك الذي اقترفوا

أنحي علي ودجَي ابنيّ مرهفة

مشحوذة وان الإثم يقترف

من دل والهة حري مسلبة

علي صبيين ضلا إذ مضي السلف

وقد روي أن اسمهما: قثم وعبد الرحمن، وروي: انهما ضلا في أخوالهما من بني كنانة، وروي: ان بسرا إنما قتلهما باليمن وأنهما ذبحا علي درج صنعاء.

وروي عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن أبيه: ان بسرا لما دخل الطائف وقد كلمه المغيرة، قال: قد صدقتني ونصحتني، فبات بها وخرج منها وشيعه المغيرة ساعة ثم ودعه وانصرف عنه، فخرج حتي مر ببني كنانة وفيهم ابنا عبيد الله بن العباس وأمهما، فلما انتهي بسر إليهم طلبهما، فدخل رجل من بني كنانة وكان أبوهما أوصاه بهما، فأخذ السيف من بيته وخرج، فقال له بسر: ثكلتك أمك والله ما كنا أردنا قتلك، فلم عرضت نفسك للقتل؟

قال: أقتل دون جاري أعذر

لي عند الله والناس، ثم شد علي أصحاب بسر بالسيف حاسرا وهو يرتجز:

آليت لا يمنع حافات الدار

ولا يموت مصلتا دون الجار

فضارب بسيفه حتي قتل، ثم قدم الغلامان فقتلا، فخرج نسوة من بني كنانة فقالت امرأة منهن: هذه الرجال يقتلها فما بال الولدان؟ والله ما كانوا يقتلون في جاهلية ولا إسلام، والله إن سلطانا لا يشتد إلا بقتل الضرع الضعيف والشيخ الكبير ورفع الرحمة وقطع الأرحام لسلطان سوء.

فقال بسر: والله لهممت أن أضع فيكن السيف.

قالت: والله إنه لأحب إلي إن فعلت.

ابن ارطاة في نجران

قال إبراهيم: وخرج بسر بن ارطاة من الطائف فأتي نجران، فقتل عبد الله بن عبد المدان وابنه مالكا، وكان عبد الله هذا صهرا لعبيد الله بن العباس، ثم جمعهم وقام فيهم وقال: يا أهل نجران يا معشر النصاري وإخوان القرود، أما والله إن بلغني عنكم ما أكره لأعودن عليكم بالتي تقطع النسل، وتهلك الحرث، وتخرب الديار. وتهددهم طويلا.

ثم سار حتي بلغ أرحب فقتل أبا كرب وكان يتشيع، ويقال: إنه سيد من كان بالبادية من همدان فقدمه فقتله.

مجزرة ابن ارطاة لوفد مأرب

ثم أتي بسر صنعاء وقد خرج عنها عبيد الله بن العباس وسعيد بن نمران، وقد استخلف عبيد الله عليها عمرو بن أراكة الثقفي، فمنع بسرا من دخولها وقاتله، فقتله بسر ودخل صنعاء فقتل منها قوما، وأتاه وفد مأرب فقتلهم فلم ينج منهم إلا رجل واحد ورجع إلي قومه فقال لهم: أنعي قتلانا شيوخا وشبانا.

قال إبراهيم وهذه الأبيات المشهورة لعبد الله بن أراكة الثقفي يرثي بها ابنه عمراً:

لعمري لقد أردي ابن أرطاة فارسا

بصنعاء كالليث الهزبر أبي الأجر

تعز فإن كان البكا رد هالكا

علي أحد فاجهد بكاك علي عمرو

ولا تبك ميتا بعد ميت أجنه

علي وعباس وآل

أبي بكر

معاوية وتقريرات ابن ارطاة

ولما رجع ابن ارطاة من إغارته علي البلاد الآمنة، ومن قتله العشوائي للآمنين، دخل علي معاوية ليرفع إليه تقريراً عن الإرهاب الذي أمره به معاوية ونفذه هو في حق المسلمين القاطنين في المناطق المقدسة من بلاد أمير المؤمنين عليه السلام: مكة والمدينة، وقال: أحمد الله يا أمير أني سرت في هذا الجيش أقتل عدوك ذاهبا جائيا لم ينكب رجل منهم نكبة.

فقال معاوية مموّها للواقع، ومضللاً للرأي العام: الله قد فعل ذلك لا أنت.

وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا، وحرق قوما بالنار، فقال يزيد بن مفرغ يصف ما فعله بسر في زحفه هذا من إرهاب قائلاً:

تعلق من أسماء ما قد تعلقا

ومثل الذي لاقي من الشوق أرقا

سقي هزم الأرعاد منبعج الكلي

منازلها من مسرقان فسرقا

إلي الشرف الأعلي إلي رامهرمز

إلي قريات الشيخ من نهر أربقا

إلي دشت بارين إلي الشط كله

إلي مجمع السلان من بطن دورقا

إلي حيث يرفا من دجيل سفينه

إلي مجمع ارين حيث تفرقا

إلي حيث سار المرء بسر بجي

فقتل بسر ما استطاع وحرقا

ابن ارطاة عند معاوية

روي أبو الحسن المدائني قال: اجتمع عبيد الله بن العباس وبسر بن أرطاة يوما عند معاوية بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام فقال له ابن عباس: أنت أمرت اللعين السيئ الفدم أن يقتل ابنيّ؟.

فقال: ما أمرته بذلك ولوددت أنه لم يكن قتلهما.

فغضب بسر ونزع سيفه فألقاه وقال لمعاوية: اقبض سيفك، قلدتنيه وأمرتني أن أخبط به الناس ففعلت، حتي إذا بلغت ما أردت قلت: لم أهو ولم آمر.

فقال: خذ سيفك إليك، فلعمري إنك ضعيف مائق حين تلقي السيف بين يدي رجل من بني عبد مناف قد قتلت أمس ابنيه.

فقال له عبيد الله: أتحسبني يا معاوية قاتلا بسراً بأحد ابني؟ هو

أحقر وألأم من ذلك، ولكني والله لا أري لي مقنعا ولا أدرك ثأرا إلا أن أصيب بهما يزيد وعبد الله.

فتبسم معاوية وقال من باب المغالطة وطرح اللوم علي غيره: وما ذنب معاوية وابني معاوية؟ والله ما علمت ولا أمرت ولا رضيت ولا هويت، واحتمل معاوية هذه المصارحة من ابن عباس لشرف ابن عباس وسؤدده.

عاقبة ابن ارطاة

ومن أسباب مكافحة الظالمين والطغاة، والمستبدين والجناة، الدعاء عليهم، فقد اذن الله تعالي للمظلومين في الدعاء علي الظالمين، وضمن الإجابة لهم، وذلك نكالاً بهم، وجزاءً لأعمالهم، وعبرة لمن خلفهم.

وفي التاريخ أن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام دعا علي بسر فقال في دعائه عليه:

«اللهم إن بسرا باع دينه بالدنيا، وانتهك محارمك، وكانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده مما عندك، اللهم فلا تمته حتي تسلبه عقله، ولا توجب له رحمتك ولا ساعة من نهار، اللهم العن بسرا وعمرا ومعاوية، وليحل عليهم غضبك، ولتنزل بهم نقمتك، وليصبهم بأسك ورجزك الذي لا ترده عن القوم المجرمين».

فلم يلبث بسر بعد ذلك إلا يسيرا حتي وسوس وذهب عقله، فكان يهذي بالسيف ويقول: أعطوني سيفا أقتل به، ولا يزال يردد ذلك حتي اتخذ له سيف من خشب، وكانوا يدنون منه المرفقة فلا يزال يضربها حتي يغشي عليه، فلبث كذلك إلي أن مات.

هذا ولا يخفي: إن هناك إرهابيّاً آخر في زمن يزيد بن معاوية، يشبه هذا الارهابي، أعني: بسر بن ارطاة في زمن معاوية ابن أبي سفيان، ويدعي: مسلم بن عقبة، وفي التاريخ: انه كان مسلم بن عقبة ليزيد وما عمل بالمدينة في وقعة الحرة، كما كان بسر لمعاوية وما عمل في الحجاز واليمن، ومن أشبه أباه فما ظلم، وقد سمي (مسرف ابن عقبة) لكثرة إسرافه في

الدماء وعدم مبالاته بها، وسيأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالي.

معاوية والإرهابي ابن عوف الغامدي

عن سفيان بن عوف الغامدي قال: دعاني معاوية فقال: إني باعثك في جيش كثيف، فالزم لي جانب الفرات حتي تمر بهيت فتقطعها، فإن وجدت بها جندا فأغر عليهم، وإلا فامض حتي تغير علي الأنبار، فإن لم تجد بها جندا فامض حتي تغير علي المدائن، ثم أقبل إلي، واتق أن تقرب الكوفة، واعلم أنك إن أغرت علي أهل الأنبار وأهل المدائن، فكأنك أغرت علي الكوفة، إن هذه الغارات يا سفيان علي أهل العراق ترهب قلوبهم، وتجرّئ كل من كان له فينا هوي منهم، ويري فراقهم، وتدعو إلينا كل من كان يخاف الدوائر، وخرّب كل ما مررت به، واقتل كل من لقيت ممن ليس هو علي رأيك، وحرّب الأموال، فإنه شبيه بالقتل وهو أوجع للقلوب.

قال: فخرجت من عنده وعسكرت، وقام معاوية وندب الناس إلي ذلك، فما مرت بي ثلاثة حتي خرجت في ستة آلاف، ثم لزمت شاطئ الفرات فأسرعت السير حتي مررت بهيت، فبلغهم أني قد غشيتهم فقطعوا الفرات، فمررت بها وما بها عريب، كأنها لم تحلل قط، فوطئتها حتي مررت بصندوداء، فتنافروا فلم ألق بها أحدا، فمضيت حتي أفتتح الأنبار وقد أنذروا بي، فخرج إلي صاحب المسلحة فوقف لي، فلم أقدم عليه حتي أخذت غلمانا من أهل القرية فقلت لهم: خبروني كم بالأنبار من أصحاب علي؟.

قالوا: عدة رجال المسلحة خمسمائة، ولكنهم قد تبددوا ورجعوا إلي الكوفة ولا ندري الذي يكون فيها، قد يكون مائتي رجل.

قال: فنزلت فكتبت أصحابي كتائب، ثم أخذت أبعثهم إليه كتيبة بعد كتيبة، فيقاتلونهم والله ويصبرون لهم ويطاردونهم في الأزقة، فلما رأيت ذلك أنزلت إليهم نحوا من مائتين ثم أتبعتهم الخيل،

فلما مشت إليهم الرجال وحملت عليهم الخيل فلم يكن إلا قليلا حتي تفرقوا وقتل صاحبهم في رجال من أصحابه فأتيناه في نيف وثلاثين رجلا فحملنا ما كان في الأنبار من أموال أهلها ثم انصرفت، فوالله ما غزوت غزوة أسلم ولا أقر للعيون ولا أسر للنفوس منها، وبلغني والله أنها أفزعت الناس.

فلما أتيت معاوية فحدثته الحديث علي وجهه قال: كنت والله عند ظني بك.

نعم، هكذا يكون ظن معاوية بن أبي سفيان وظن بني أمية وغيرهم من الحكام الذي غصبوا حق أهل بيت نبيهم صلي الله عليه و اله في الحكم، بالنسبة إلي الإرهاب والإرهابيين، لأنهم كانوا هم إرهابيون، حيث نزوا علي منبر رسول الله صلي الله عليه و اله وجلسوا مكانه بلا إذن منه صلي الله عليه و اله بل مع نهيه لهم عن ذلك، كما قال صلي الله عليه و اله: «إذا رأيتم معاوية علي منبري فابقروا بطنه» ().

أهل البيت عليهم السلام وسياسة اللاعنف

وفي المقابل نري أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين عيّنهم رسول الله صلي الله عليه و اله خلفاء حق من بعده، وأئمة عدل للمسلمين، وفي مقدمتهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لم يتخذ إلا الأسلوب الأفضل في الحكم، فلم تر في سياسته ظلما ولا استبداداً، ولا عنفاً ولا إرهاباً، بل كان عليه السلام يتبع سياسة الحكمة والموعظة الحسنة، نعم أحياناً كان يتبع سياسة العتاب واللوم فقط، وذلك في أشد الحالات كالحرب وما أشبه.

فقد روي: أن سفيان بن عوف لما أغار علي الأنبار، قدم علج من أهلها علي أمير المؤمنين علي عليه السلام فأخبره الخبر.

فصعد عليه السلام المنبر فقال: «أيها الناس إن أخاكم البكري قد أصيب بالأنبار، وهو مغتر لا يظن ما كان، فاختار ما عند الله

علي الدنيا، فانتدبوا إليهم حتي تلاقوهم، فإن أصبتم منهم طرفا أنكلتموهم عن العراق أبدا ما بقوا» ().

ثم سكت عنهم رجاء أن يجيبوه أو يتكلموا أو يتكلم متكلم منهم بخير، لكنهم صمتوا ولم يجبه منهم أحد.

فلما رأي صمتهم علي ما في أنفسهم، خرج يمشي راجلا حتي أتي النخيلة، والناس يمشون خلفه حتي أحاط به قوم من الأشراف، فقالوا: ارجع يا أمير المؤمنين نحن نكفيك.

فقال: ما تكفونني ولا تكفون أنفسكم.

فلم يزالوا به حتي صرفوه إلي منزله فرجع وهو واجم كئيب.

ودعا سعيد بن مسلم الهمداني فبعثه من النخيلة في ثمانية آلاف وقال: اتبع هذا الجيش حتي تخرجهم من أرض العراق.

فخرج علي شاطئ الفرات في طلبه حتي إذا بلغ عانات، سرح سعيد أمامه هانئ بن الخطاب الهمداني فأتبع آثارهم حتي بلغ أداني أرض قنسرين وقد فاتوه ثم انصرف.

قال: فلبث علي عليه السلام تري فيه الكآبة والحزن حتي قدم سعيد، فكتب كتابا وكان في تلك الأيام عليلا، فلم يطق القيام في الناس بكل ما أراد من القول، فجلس بباب السدة التي تصل إلي المسجد ومعه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، فدعا سعيدا مولاه فدفع الكتاب إليه، فأمره أن يقرأه علي الناس، فقام سعيد حيث يسمع علي عليه السلام قراءته، وما يردّ عليه الناس، ثم قرأ الكتاب:

«بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين، إلي من قريء عليه كتابي من المسلمين.

سلام عليكم. أما بعد، فالحمد لله رب العالمين وسلام علي المرسلين، ولا شريك لله، الأحد القيوم، وصلوات الله علي محمد والسلام عليه في العالمين، أما بعد، فإني قد عاتبتكم في رشدكم حتي سئمت، وراجعتموني بالهزء من قولكم حتي برمت، هزءا من القول لا يعاد به، وخطلا لا يعز

أهله، ولو وجدت بداً من خطابكم والعتاب إليكم ما فعلت. وهذا كتابي يقرأ عليكم فردوا خيرا وافعلوه، وما أظن أن تفعلوا والله المستعان.

أيها الناس إن الجهاد باب من أبواب الجنة … » () إلي آخر كتابه عليه السلام.

موقف أمير المؤمنين عليه السلام من إرهاب معاوية

وهنا لما انتهي سعيد من قراءة كتابه عليه السلام في الناس، قام إليه رجل من الأزد يقال له: حبيب بن عفيف، آخذا بيد ابن أخ له يقال له: عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف، فأقبل يمشي حتي استقبل أمير المؤمنين عليه السلام بباب السدة، ثم جثا علي ركبتيه وقال: يا أمير المؤمنين، ها أنا ذا لا أملك إلا نفسي وأخي فمرنا بأمرك، فو الله لننفذن له ولو حال دون ذلك شوك الهراس وجمر الغضا حتي ننفذ أمرك أو نموت دونه. فدعا لهما بخير وقال لهما: أين تبلغان بارك الله عليكما مما نريد.

ثم أمر الحارث الأعور فنادي في الناس: أين من يشري نفسه لربه، ويبيع دنياه بآخرته، أصبحوا غدا بالرحبة إن شاء الله، ولا يحضرنا إلا صادق النية في المسير معنا والجهاد لعدونا.

فأصبح بالرحبة نحو من ثلاثمائة، فلما عرضهم قال: لو كانوا ألفا كان لي فيهم رأي.

قال: وأتاه قوم يعتذرون وتخلف آخرون، فقال: وجاء المعذرون وتخلف المكذبون.

قال ومكث عليه السلام أياما باديا حزنه، شديد الكآبة، ثم إنه نادي في الناس فاجتمعوا، فقام خطيبا فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أما بعد، أيها الناس فو الله لأهل مصركم في الأمصار، أكثر من الأنصار في العرب.

وعن أبي مسلم قال سمعت عليا عليه السلام يقول لو لا بقية المسلمين لهلكتم.

وعن إسماعيل بن رجاء الزبيدي أن عليا عليه السلام خطبهم بعد هذا الكلام فقال بعد أن حمد الله وأثني عليه:

«أيها الناس المجتمعة

أبدانهم المتفرقة أهواؤهم، ما عز من دعاكم، ولا استراح من قاساكم، كلامكم يوهن الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم، إن قلت لكم: سيروا إليهم في الحر، قلتم: أمهلنا ينسلخ عنا الحر، وإن قلت لكم: سيروا إليهم في الشتاء، قلتم: حتي ينسلخ عنا البرد، فعل ذي الدين المطول، من فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، أصبحت لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم، فرق الله بيني وبينكم، أيّ دار بعد داركم تمنعون؟ ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ أما إنكم ستلقون بعدي أثرة تتخذها عليكم الضلال سنة، فقر يدخل في بيوتكم، وسيف قاطع، وتتمنون عند ذلك أنكم رأيتموني وقاتلتم معي وقتلتم دوني» ().

وعن بكر بن عيسي: إنهم لما أغاروا بالسواد، قام علي عليه السلام فخطب إليهم فقال: أيها الناس ما هذا فو الله إن كان ليدفع عن القرية بالسبعة نفر من المؤمنين تكون فيها.

أمير المؤمنين عليه السلام يستنفر أصحابه

وعن ثعلبة بن يزيد الحماني أنه قال: بينما أنا في السوق إذ سمعت مناديا ينادي: الصلاة جامعة، فجئت أهرول والناس يهرعون، فدخلت الرحبة فإذا علي عليه السلام علي منبر من طين مجصص وهو غضبان، قد بلغه أن ناسا قد أغاروا بالسواد، فسمعته يقول: أما ورب السماء والأرض ثم رب السماء والأرض، إنه لعهد النبي صلي الله عليه و اله أن الأمة ستغدر بي.

وعن المسيب بن نجبة الفزاري أنه قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: «إني قد خشيت أن يدال هؤلاء القوم عليكم بطاعتهم إمامهم ومعصيتكم إمامكم، وبأدائهم الأمانة وخيانتكم، وبصلاحهم في أرضهم وفسادكم في أرضكم، وباجتماعهم علي باطلهم وتفرقكم عن حقكم، حتي تطول دولتهم وحتي لا يدعوا لله محرما إلا استحلوه، حتي لا يبقي بيت وبر ولا بيت مدر إلا

دخله جورهم وظلمهم حتي يقوم الباكيان: باك يبكي لدينه، وباك يبكي لدنياه، وحتي لا يكون منكم إلا نافعا لهم أو غير ضار بهم، وحتي يكون نصرة أحدكم منهم كنصرة العبد من سيده إذا شهد أطاعه وإذا غاب سبه، فإن أتاكم الله بالعافية فاقبلوا وإن ابتلاكم فاصبروا فإن العاقبة للمتقين» ().

وقال جندب بن عبد الله الوائلي: كان علي عليه السلام يقول: أما إنكم ستلقون بعدي ثلاثاً: ذلا شاملا، وسيفا قاتلا، وأثرة يتخذها الظالمون عليكم سنة، فستذكروني عند تلك الحالات فتمنون لو رأيتموني ونصرتموني وأهرقتم دماءكم دون دمي، فلا يبعد الله إلا من ظلم.

وكان جندب بعد ذلك إذا رأي شيئا مما يكرهه قال: لا يبعد الله إلا من ظلم().

يزيد العنف والإرهاب

روي: أن النبي صلي الله عليه و اله لعن من يحدث في المدينة حدثا، وجعلها حرما، بينما نري في التاريخ أن يزيد بن معاوية، ينتهك حرمة المدينة، ويحدث فيها ما يحدث، حيث انه يرسل مسلم بن عقبة إلي المدينة لنهبها وسبي أهلها وأن يبايعوه علي أنهم عبيد قن ليزيد بن معاوية، وقد أباحها مسلم بن عقبة ثلاثة أيام، حتي ذكر جماعة من أصحاب التواريخ: أنه ولد منهم في تلك المدة أربعة آلاف مولود لا يعرف لهم أب.

وكان في المدينة وجوه بني هاشم، والصحابة، والتابعين، وحُرم خلق عظيم من المسلمين.

وأتبع يزيد ذلك في وصيته لمسلم بن عقبة بإنفاذ الحصين بن نمير السكوني لقتال عبد الله بن الزبير بمكة، فرمي الكعبة بخرق الحيض والحجارة، وهتك حرمة حرم الله تعالي وحرم رسوله صلي الله عليه و اله، وتجاهر بالفساد في العباد والبلاد، وكان ذلك الدمار والفساد بسبب تسلط سفهاء بني أمية من أمثال يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، علي رقاب

الناس والحكم فيهم بالحديد والنار والعنف والإرهاب.

وفي الحديث: «لعن رسول الله صلي الله عليه و اله من أحدث في المدينة حدثاً أو آوي محدثاً» قلت: ما ذلك الحدث؟ فقال: «القتل» ().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «من أخاف أهل المدينة ظالماً لهم أخافه الله، وكانت عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً» ().

وقد روت العامة ذلك أيضاً، ففي مجمع الزوائد عن جابر بن عبد الله أن أميراً من أمراء الفتنة قدم المدينة وكان قد ذهب بصر جابر، فقيل لجابر: لو تنحيت عنه، فخرج يمشي بين ابنيه فنكب، فقال: تعس من أخاف رسول الله صلي الله عليه و اله، فقال ابناه أو أحدهما:

يا أبت وكيف أخاف رسول الله صلي الله عليه و اله وقد مات؟ قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: «من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنبي» رواه أحمد …، وعن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: «اللهم من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل» رواه الطبراني في الأوسط والكبير … وعن خالد بن خلاد بن السائب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من أخاف أهل المدينة أخافه الله يوم القيامة وغضب عليه ولم يقبل منه صرفاً ولا عدلاً» رواه الطبراني في الكبير().

ورووا عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «اللهم اكفهم من دهمهم ببأس، يعني أهل المدينة، ولا يريدها أحد بسوء إلا أذابه الله كما يذوب

الملح في الماء» ().

إلي غيرها من الروايات.

تعاليم إرهابية من يزيد

لما أرسل يزيد بن معاوية جيش الحرة إلي المدينة وعلي الجيش مسلم بن عقبة المري، أباح المدينة ثلاثا، واستعرض أهلها بالسيف جزرا كما يجزر القصاب الغنم، حتي ساخت الأقدام في الدم، وقتل أبناء المهاجرين والأنصار وذرية أهل بدر، وأخذ البيعة ليزيد بن معاوية علي كل من استبقاه من الصحابة والتابعين علي أنه عبد قن لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية.

هكذا كانت صورة المبايعة يوم الحرة من أهل المدينة ليزيد، وذلك خوفاً من بطشه وسيفه.

وهرب علي بن عبد الله بن العباس إلي أخواله من كندة، فحموه من مسلم بن عقبة وقالوا: لا يبايع ابن أختنا.

فأبي مسلم بن عقبة ذلك، وسفر السفراء بينه وبينهم حتي وقع الاتفاق علي أن يبايع ويقول: أنا أبايع لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية وألتزم طاعته ولا يقول غير ذلك.

فقال علي بن عبد الله بن العباس:

أبي العباس رأس بني قصي

وأخوالي الملوك بنو وليعة

هم منعوا ذماري يوم جاءت

كتائب مسرف وبنو اللكيعة

أراد بي التي لا عز فيها

فحالت دونه أيد منيعة

يزيد يقمع معارضيه

كان عبد الله بن الزبير من أعدي أعداء أهل البيت عليهم السلام وهو الذي صار سببا لعدول أبيه: الزبير عن معسكر أمير المؤمنين عليه السلام إلي معسكر الضلال الذي حارب أمير المؤمنين علياً عليه السلام، وذلك حيث يقول عليه السلام: «لا زال الزبير معنا حتي أدرك فرخه» ().

و المشهور أنه بويع له بالخلافة بعد شهادة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) لسبع بقين من رجب سنة أربع وستين في أيام يزيد.

وقيل: لما استشهد الإمام الحسين عليه السلام في سنة ستين من الهجرة دعا ابن الزبير بمكة إلي نفسه، وعاب يزيد بالفسوق والمعاصي وشرب الخمور، فبايعه أهل تهامة والحجاز، فلما بلغ يزيد ذلك ندب له الحصين بن نمير

وروح بن زنباع، وضم إلي كل واحد جيشا، واستعمل علي الجميع مسلم بن عقبة وجعله أمير الأمراء، ولما ودعهم قال: يا مسلم لا ترد أهل الشام عن شيء يريدونه لعدوهم، واجعل طريقك علي المدينة، فإن حاربوك حاربهم، فإن ظفرت بهم فأبحهم ثلاثا.

فسار مسلم حتي نزل الحرة، فخرج أهل المدينة فعسكروا بها وأميرهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة، فدعاهم مسلم بن عقبة ثلاثا فلم يجيبوا فقاتلهم، فغلب أهل الشام وقُتل عبد الله وسبعمائة من المهاجرين والأنصار، ودخل مسلم المدينة وأباحها ثلاثة أيام، ثم شخص بالجيش إلي مكة وكتب إلي يزيد بما صنع بالمدينة.

نعم، لقد أرسل يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لقتال المسلمين في المدينة المنورة، فجاء مسلم إلي المدينة وقتل من قتل من المهاجرين والأنصار والتابعين، وأباح المدينة ثلاثة أيام، ثم خرج إلي مكة فمات في الطريق. فتولي أمر الجيش الحصين بن نمير حتي وافي مكة، فتحصن منه ابن الزبير في المسجد الحرام في جميع من كان معه، ونصب الحصين المنجنيق علي أبي قبيس ورمي به الكعبة.

الإمام الحسين عليه السلام رمز الحرية والإباء

ومن كلام للإمام الحسين عليه السلام يوم الطف:

«ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبي الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية» ().

بهذا الكلام البليغ الوجيز، عرّف الإمام عليه السلام واقع بني أمية وحقيقتهم للناس، وكشفهم للتاريخ والأجيال، وعرّاهم علي الذي كانوا يضمرونه من إرهاب وإرعاب تجاه المعارضين، بل تجاه كل الناس الأبرياء.

معاوية من منظار ابن أبي الحديد

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: قد طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية ولم يقتصروا علي تفسيقه وقالوا عنه: إنه كان ملحدا لا يعتقد النبوة، ونقلوا عنه في فلتات كلامه وسقطات ألفاظه ما يدل علي ذلك().

ثم ذكر ما أسلفناه سابقاً من رواية الموفقيات في تصريح معاوية بما يضمره من كفر في قلبه، بقوله: وروي الزبير بن بكار في الموفقيّات وهو غير متهم علي معاوية، ولا منسوب إلي اعتقاد الشيعة لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي عليه السلام والانحراف عنه،

فذكر مقولة معاوية في «أشهد أن محمداً رسول الله»: لا والله إلا دفنا دفنا.

ثم قال: وأما أفعاله المجانبة للعدالة، الظاهرة من لبسه الحرير، وشربه في آنية الذهب والفضة، حتي أنكر عليه ذلك أبو الدرداء فقال له: إني سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: إن الشارب فيها ليجرجر في جوفه نار جهنم.

قال معاوية: أما أنا فلا أري بذلك بأسا.

فقال أبو الدرداء: من عذيري من معاوية أنا أخبره عن الرسول صلي الله عليه و اله وهو يخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أبدا.

ثم قال: نقل هذا الخبر المحدثون والفقهاء في كتبهم في باب الاحتجاج علي أن خبر الواحد معمول به في الشرع، وهذا الخبر يقدح في

عدالته كما يقدح أيضا في عقيدته، لأن من قال في مقابلة خبر قد روي عن رسول الله صلي الله عليه و اله: أما أنا فلا أري بأسا فيما حرمه رسول الله صلي الله عليه و اله ليس بصحيح العقيدة، ومن المعلوم ذلك أيضا من حالة استئثاره بمال الفي ء، وضربه من لا حد عليه، وإسقاط الحد عمن يستحق إقامة الحد عليه()، وغير ذلك.

قال أبو جعفر: وقد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتي يروي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب: ?ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألدّ الخصام ? وإذا تولّي سعي في الأرض ليفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد?().

وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي قوله تعالي: ?ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله? () فلم يقبل، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف فقبل، وروي ذلك.

قال: وقد صح أن بني أمية منعوا من إظهار فضائل علي عليه السلام وعاقبوا علي ذلك الراوي له، حتي أن الرجل إذا روي عنه حديثا لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر علي ذكر اسمه فيقول: عن أبي زينب.

وروي عطاء عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: وددت أن أترك فأحدّث بفضائل علي بن أبي طالب عليه السلام يوما إلي الليل وان عنقي هذه ضربت بالسيف.

قال: فالأحاديث الواردة في فضله لو لم تكن في الشهرة والاستفاضة وكثرة النقل إلي غاية بعيدة لانقطع نقلها للخوف والتقية من بني مروان مع طول المدة وشدة العداوة. ولو لا أن

لله تعالي في هذا الرجل سرا يعلمه من يعلمه لم يرو في فضله حديث ولا عرفت له منقبة، ألا تري أن رئيس قرية لو سخط علي واحد من أهلها ومنع الناس أن يذكروه بخير وصلاح لخمل ذكره ونسي اسمه وصار وهو موجود معدوما وهو حي ميتا.

ثم يواصل ابن أبي الحديد كلامه ويقول: هذه خلاصة ما ذكره شيخنا أبو جعفر (رحمه الله تعالي) في هذا المعني في كتاب التفضيل.

آل مروان وإرهابهم

ثم انه لما مات يزيد بن معاوية عن إرهاب لم يسبق له مثيل، واستقال ابنه من الجلوس مكان أبيه يزيد، جاء دور الإرهابيين من مروان وبنيه، فقد قال بكر بن عبد الله المزني: أسلم يهودي اسمه يوسف، وكان قد قرأ الكتب، فمر بدار مروان فقال: ويل لأمة محمد صلي الله عليه و اله من أهل هذه الدار.

فقلت له: إلي متي؟

قال: حتي تجيء رايات سود من قبل خراسان.

وكان هذا صديقاً لعبد الملك بن مروان، فضرب يوماً علي منكبه وقال: اتق الله في أمة محمد إذا ملكتهم.

فقال: دعني، ويحك ما شأني وشأن ذلك؟

فقال: اتق الله في أمره.

قال: وجهّز يزيد بن معاوية جيشاً إلي أهل مكة، فقال عبد الملك: أعوذ بالله أيبعث إلي حرم الله؟

فضرب يوسف منكبه وقال: جيشك إليهم أعظم!.

وهكذا كان، فقد جاء في التاريخ: أن عبد الملك بن مروان أرسل الحجاج بن يوسف الثقفي مع جيش فاتك إلي مكة للقضاء علي معارضة ابن الزبير، فتحصّن بالبيت فقصف بيت الله الحرام بالمنجنيق حتي هدمه ثم قضي علي الزبير وعلي معارضته.

الحجاج: الإرهابي الآخر

كان الحجاج بن يوسف الثقفي هو الإرهابي الآخر الذي واصل مسيرة الإرهاب التي سار عليها حكام بني أمية وبني مروان لقمع المعارضين وإبادة الأبرياء من الناس، فقد بعثه عبد الملك بن مروان علي رأس جيش جهّزه له في سنة ثلاث وسبعين هجرية إلي عبد الله بن الزبير، فحصره بمكة ورمي البيت بالمنجنيق، ثم ظفر به وقتله، واجتز الحجاج رأسه وصلبه منكساً، ثم أنزله ودفنه في مقابر اليهود.

ولما ورد الحجاج إلي العراق عاملاً من قبل عبد الملك عليها، خطب الناس أول وروده وقال:

يا أهل العراق، يا أهل الشقاق والنفاق، ومساوئ الأخلاق، أما والله لألحونكم لحو العصا، ولأعصبنكم عصب

السلم، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، إني أسمع لكم تكبيرا ليس بالتكبير الذي يراد به الترغيب، ولكنه تكبير الترهيب، ألا إنها عجاجة تحتها قصف، يا بني اللكيعة وعبيد العصا وأبناء الإماء إنما مثلي ومثلكم كما قال ابن براقة:

وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم

فهل أنا في ذا يال همدان ظالم

متي تجمع القلب الذكي وصارما

وأنفاً حميا تجتنبك المظالم

والله لا تقرع عصا عصا إلا جعلتها كأمس الذاهب.

وكانت هذه الخطبة عقيب سماعه تكبيرا منكرا في شوارع الكوفة فأشفق من الفتنة().

قال أبو عثمان الجاحظ: العلة في عصيان أهل العراق علي الأمراء وطاعة أهل الشام، ان أهل العراق أهل نظر وذووا فطن ثاقبة، ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث، ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء وإظهار عيوب الأمراء… وما زال العراق موصوفا أهله بقلة الطاعة وبالشقاق علي أولي الرئاسة().

من خطب الحجاج الإرهابية

ومن صفات الطغاة إرهاب الناس بمختلف الوسائل، وشتي السّبل، حتي ولو صار بالكلام والمخاطبة، وقد خطب الحجاج بن يوسف الثقفي أهل العراق وقال: (إني لأري رؤوساً قد أينعت وحان أوان قطافها، وإني لقاطفها، وكأني انظر إلي الدماء بين العمائم واللحي.. يا أهل العراق، يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق، إني والله يا أهل العراق ما يقعقع لي بالشنان، ولا يغم جانبي كنغماز التين.. وإن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه نثر كنانته بين يديه، فعجم عيدانها، فوجدني في أمرّها عوداً، وأصلبها مكسراً، فرماكم بي، لأنكم طالما أرضعتم في الفتنة وأضجعتم في مراقد الضلال، والله لأحزمنكم حزم السلمة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، وإني والله لا أقول إلا وفيت، ولا أهم إلا أمضيت، ولا أخلق إلا فريت، وإني أقسم بالله لا أجد رجلاً تخلف بعد أخذ عطائه بثلاثة أيام

إلا ضربت عنقه).

خطبته عندما أراد الحج

ومن خطبة للحجاج عند ما أراد الحج قال فيها:

يا أهل الكوفة: إني أريد الحج، وقد استخلفت عليكم ابني محمداً، وأوصيته بخلاف وصية رسول الله صلي الله عليه و اله في الأنصار، فإنه أمر أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، وإني قد أوصيته ألا يقبل من محسنكم ولا يتجاوز عن مسيئكم، ألا وإنكم ستقولون بعدي: لا أحسن الله له الصحابة، ألا وإني معجل لكم الجواب: لا أحسن الله لكم الخلافة.

خطبته في تهديد أهل الكوفة

ومن خطبة للحجاج خطبها يوماً علي أهل الكوفة فقال: يا أهل الكوفة إن الفتنة تلقح بالنجوي، وتنتج بالشكوي، وتحصد بالسيف، أما والله إن أبغضتموني لا تضروني، وإن أحببتموني لا تنفعوني، وما أنا بالمستوحش لعداوتكم، ولا المستريح إلي مودتكم، زعمتم أني ساحر وقد قال الله تعالي: ?ولا يفلح الساحر? () وقد أفلحت، وزعمتم أني أعلم الاسم الأكبر، فلم تقاتلون من يعلم ما لا تعلمون؟

خطبته لأهل العراق

خطب الحجاج فشكا سوء ضاعة أهل العراق، فقام إليه جامع المحاربي فقال: أيها الأمير دع ما يباعدهم منك إلي ما يقربهم إليك، والتمس العافية ممن دونك تعطها ممن فوقك، فلو أحبوك لأطاعوك، إنهم ما شنئوك بنسبك ولا لبأوك، ولكن لإيقاعك بعد وعيدك ووعيدك بعد وعدك.

فقال الحجاج: ما أراني أرد بني اللكيعة إلي طاعتي إلا بالسيف.

فقال جامع: أيها الأمير إن السيف إذا لاقي السيف ذهب الخيار.

فقال الحجاج: الخيار يومئذ لله.

فقال: أجل ولكنك لا تدري لمن يجعله الله.

فقال: يا هناه إيها فإنك من محارب.

وهكذا كان المستبدون كالحجاج وأمثاله، يستخفّون بالناس، ولا يرون لأحد قيمة ولا كرامة.

إرهاب الحاكم المرواني: عبد الملك

كان هذا بعض الشيء من إرهاب الحجاج بن يوسف الثقفي عامل عبد الملك بن مروان علي العراق، وأما عبد

الملك نفسه، فحدّث عن إرهابه ولا حرج، ففي التاريخ:

انه حج عبد الملك في سنة خمس وسبعين هجرية بعد مقتل ابن الزبير، فدخل المدينة المنورة فأمره بعض الصحابة بتقوي الله، فقام خطيباً وقال:

أما بعد فلست بالخليفة المستضعف (يعني: عثمان) ولا الخليفة المداهن (يعني: معاوية) ولا الخليفة المأبون (يعني: يزيد)، ألا وإن من كان قبلي من الخلفاء كانوا يأكلون ويطعمون من هذه الأموال، ألا وإني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف حتي تستقيم لي قناتكم، تكلفوننا أعمال المهاجرين ولا تعملون مثل أعمالهم، فلن تزدادوا إلا عقوبة حتي يحكم السيف بيننا وبينكم، هذا عمرو بن سعيد قرابته قرابته، وموضعه موضعه، قال برأسه هكذا، فقلنا بأسيافنا هكذا، إلا إنا نحتمل لكم كل شيء إلا وثوباً علي أمير أو نصب راية، ألا وإن الجامعة التي جعلتها في عنق عمرو بن سعيد عندي، والله لا يفعل أحد فعله إلا جعلتها في عنقه، والله لا يأمرني أحد بتقوي الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه. ثم نزل.

قال هذا متناسياً ومتجاهلاً قول الله تعالي: ?وإذا قيل له اتق الله أخذته العزّة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد?().

تولية المستهترين علي الناس

وكان عبد الملك بن مروان قد ولي الحارث بن خالد المخزومي مكة، فحج بالناس وحجت عائشة بنت طلحة عامئذ وكان يهواها، فأرسلت إليه: أخِّر صلاتك حتي أفرغ من الطواف، فأمر المؤذنين فأخروا الصلاة حتي فرغت من طوافها، ثم أقيمت الصلاة فصلي بالناس، وأنكر أهل الموسم ذلك من فعله وأعظموه، فعزله وكتب إليه يؤنبه فيما فعل.

فقال: ما أهون والله غضبه إذا رضيت، والله لو لم تفرغ من طوافها إلي الليل لأخرت الصلاة إلي الليل.

ومن المعلوم: أن هذا التصريح وهذه التصرفات، تصرفات من لا يؤمن بالله

ولا باليوم الآخر، فكيف صار هؤلاء ولاة للمسلمين وحكاماً عليهم إلا عبر الإرهاب والحديد والنار؟

عبد الملك يقتل صديقه القديم

ومما جاء في التاريخ من إرهاب بني مروان وعنفهم: قتل عبد الملك مصعب بن الزبير في مسكن بعد حرب دارت بينهما، وكان مصعب اختلف عليه أهل العراق وخذلوه، فاستقتل ووطن نفسه علي ذلك وقال: لي بالحسين بن علي أسوة حين أمتنع من الذلة وجعل ينشد:

وإن الأُلي بالطف من آل هاشم تأسّوا فسنّوا لِلكرام التأسيا

قال المدائني: وأرسل عبد الملك أخاه إلي مصعب يعطيه الأمان فأبي وقال: إن مثلي لا ينصرف عن هذا الموضع إلا غالباً أو مغلوباً، فقاتل حتي قتل.

ولما وضع رأس مصعب بين يدي عبد الملك قال عبد الملك: لقد كان بيني وبين مصعب صحبة قديمة وكان من أحب الناس إلي ولكن هذا الملك عقيم.

الملك عقيم: تصريح لعبد الملك

وقيل: انه لما وقع مصعب بن الزبير في المعركة علي الأرض، نزل إليه عبد الملك بن زياد بن ظبيان فاحتز رأسه وحمله إلي عبد الملك، فلما رأي عبد الملك رأس مصعب بكي وقال:

لقد كان أحب الناس إلي وأشدهم مودة لي ولكن الملك عقيم.

وهذا التصريح بهذه الكلمة قد نُقلت عن الكثير من الحكام الطغاة قبل عبد الملك وبعده، وهو معني آخر للكلمة المعروفة عند طغاة اليوم التي يردّدونها بينهم وهي: الهدف يُبرّر الوسيلة، علماً بأن هذا هو منطق مرفوض في الإسلام. ومتوعّد عليه بالنار، وقائلها ليس بمؤمن ولا بمسلم.

اعتراف عبد الملك بشرب الطلاء والدماء

قال يحيي الغساني: كان عبد الملك بن مروان كثيراً ما يجلس إلي أم الدرداء، فقالت له مرة: بلغني يا أمير المؤمنين أنك شربت الطلاء (الخمرة) بعد النسك والعبادة؟ قال: أي والله والدماء قد شربتها.

وكان عبد الملك بالإضافة إلي ولعه بشرب الخمرة وشرب دماء الناس، ولوعاً بجمع الجواري من أطراف البلاد ومختلف الأصقاع، وينفق من بيت المال في ذلك المبالغ الطائلة، ذكر محمد ابن واسع الهيتي: أن عبد الملك بن مروان بعث كتاباً إلي الحجاج بن يوسف الثقفي يقول فيه ما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الملك بن مروان إلي الحجاج ابن يوسف، أما بعد: فإذا ورد عليك كتابي هذا وقرأته فسيّر لي ثلاث جوار مولدات أبكار، يكون إليهن المنتهي في الجمال، واكتب لي بصفة كل جارية منهن ومبلغ ثمنها من المال.

فلما ورد الكتاب علي الحجاج دعا النخاسين وأمرهم بما أمره عبد الملك، فأعدوا له ثلاثة: إحداهن قيمتها ثلاثون ألف درهم، والأخري ستون ألف درهم، والثالثة ثمانون ألف درهم.

عبد الملك يوصي ابنه بالإرهاب

وقد أوصي عبد الملك بن مروان ابنه بوصايا إرهابية وهو في فراش الموت قائلاً:

إذا أنا مت إياك أن تجلس وتعصر عينيك كالمرأة الوكعاء، لكن ائتزر وشمر والبس جلد النمر وضعني في حفرتي وخلني وشأني، وعليك شأنك وادع الناس إلي بيعتك فمن قال: برأسه هكذا فقل له: بسيفك هكذا.

وكان قد بعث عبد الملك بن مروان قبل ذلك إلي محمد وخالد ابني يزيد بن معاوية وقال لهما: هل عندكما ندامة في بيعة الوليد؟

فقالوا: لا نعرف أحداً أحق منه بالخلافة.

فقال: أما إنكما لو قلتما غير هذا لضربت الذي فيه أعينكما، ثم رفع عن فراشه فإذا تحته سيف مسلول تحت يمينه، كل هذا وروحه تترد في حنجرته، ثم بعد ساعة

نفدت روحه ومات.

الوليد عندما علا منبر دمشق

قال ابن جرير: عندما رجع الوليد من دفن أبيه صعد علي منبر دمشق، فقال مما قال: أيها الناس عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة، فإن الشيطان مع الفرد.

أيها الناس، من أبدي لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه ومن سكت مات بدائه.

ثم نزل إلي ما كان من دواب الخلافة فحازه وكان جباراً عنيداً.

من إرهاب الوليد بن عبد الملك

قال المدائني: جلس الوليد بن عبد الملك علي المنبر يوم الجمعة حتي اصفرت الشمس، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إن الوقت لا ينتظرك وإن الرب لا يعذرك.

قال: صدقت، ومن قال مثل مقالتك فلا ينبغي له أن يقوم مثل مقامك، من ههنا من أقرب الحرس إليه يقوم فيضرب عنقه.

مع سليمان بن عبد الملك وإرهابه

ثم انه جاء بعد الوليد بن عبد الملك، أخوه سليمان بن عبد الملك، فكان لا يقل عن أخيه في الطغيان، وفي الإرهاب والعنف، والجفاء وقسوة القلب، فقد ذكر ابن جرير: أن سليمان كان في منتزه ومعه حُرمه، فسمع في بستان آخر صوت رجل يغني فدعا صاحب شرطته، فقال: عليّ بصاحب الصوت، فأتي به، فلما مَثل بين يديه قال له: ما حملك علي الغناء وأنت إلي جنبي ومعي حرمي؟ أما علمت أن الرمان إذا سمعت صوت الفحل حنت إليه؟ يا غلام جُبَّه.

فَجُبَّ الرجل، فلما كان في العام المقبل رجع سليمان إلي ذلك المنتزه فجلس مجلسه الذي فيه، فذكر الرجل وما صنع به، فقال لصاحب شرطته: عليَّ بالرجل الذي كنا جببناه

فأحضره، فلما مثل بين يديه، قال له: إما بعتَ فوفيناك، وإما وهبت فكافأناك.

قال: فوالله ما دعاه بألقابه وكناه بالخلافة ولكنه قال له: يا سليمان الله الله! إنك قطعت نسلي، فذهبت بماء وجهي، وحرمتني لذتي، ثم تقول: إما وهبت فكافأناك، وإما بعت فوفيناك، لا والله حتي أقف بين يدي الله.

لقاء بين سليمانين

قعد للناس يوماً الحاكم المرواني سليمان بن عبد الملك يعرض ويفرض، فأقبل فتي من بني عبس وسيم فأعجبه، فقال: ما اسمك؟

قال: سليمان.

قال: ابن من؟

قال: ابن عبد الملك.

فأعرض عنه وجعل يفرض لمن دونه.

فعلم الفتي أنه كره موافقة اسمه واسم أبيه فقال: يا أمير! لا عدمت اسمك، ولا شقي

اسم يوافق اسمك، فافرض فإنما أنا سيف بيدك إن ضربت به قطعت، وإن أمرتني أطعت، وسهم في كنانتك أشتد إن أرسلت، وأنفذ حيث وجهت.

فقال له سليمان وهو يروزه ويختبره: ما قولك يا فتي لو لقيت عدوا.

قال: أقول حسبي الله ونعم الوكيل.

قال سليمان: أ كنت مكتفيا بهذا لو لقيت عدوك دون ضرب شديد؟

قال الفتي: إنما سألتني يا أمير ما أنت قائل فأخبرتك، ولو سألتني ما أنت فاعل لأنبأتك: انه لو كان ذلك لضربت بالسيف حتي يتعقف، ولطعنت بالرمح حتي يتقصف، ولعلمت إن ألمت فإنهم يألمون، ولرجوت من الله ما لا يرجون.

فأعجب سليمان به وألحقه في العطاء بالأشراف.

وهكذا يكون الطغاة من بني أمية وبني مروان وغيرهم أنانيين، بحيث لا يتحملون من أحد حتي المشابهة الاسمية معهم، فكيف بالتشابه من جهات أخري؟

مع قتيبة الفاتح

إن في هذه القصة علي ما سوف تري لدليلاً علي عدم كفاءة حكام بني مروان كحكام بني أمية، حيث انهم كانوا يدنون المتملقين غير الكفوئين، ويقصون الأكفاء حسداً لهم فيأمرون بعزلهم، ويسبّبون قتلهم، ويحرمون الأمة من خيرهم، كما فعله هذا الحاكم المرواني: سليمان بن عبد الملك في القصة التالية:

في أواخر شتاء سنة ثلاث وتسعين من الهجرة النبوية المباركة انتهي قتيبة بن مسلم الباهلي الفاتح من فتح خوارزم()، وهو أقليم شاسع يقع معظمه في أراضي الاتحاد السوفياتي السابق والذي انهار أخيراً.

ثم تقدم قتيبة شرقاً فدخل أقليم فخارستان واحتل عاصمته بلخ، ثم اتجه إلي الشمال فعبر نهر جيحون واخترق اقليم الختل واقترب من حدود الصين.

وكان قتيبة يسير منذ حين في بلاد الترك بعد أن أتم فتح بلاد الفارس، ومكن لأقدام المسلمين في أقليم خراسان الشاسع وعاصمته (مرو)، وكان كل ذلك بفضل المعنويات العالية للمسلمين، فانه يذكر في

جنده أن الفصل كان شتاءاً وقارصاً، والثلوج تغطي الجبال الشاهقة، وهي جبال قرقورم التي يقع جزء منه اليوم في أفغانستان، فأذن قتيبة لجنده في شيء من الراحة في موضع قريب من (كاشغر) داخل حدود الصين، وكان الأتراك قوماً محاربين ولهم أجساد ضخمة وأصوات عالية جهورية، وكانوا يزعمون أن أحداً لن ينال أرضهم منالاً، حتي جاء قتيبة فاقتحم عليهم بلادهم اقتحاماً، وأقفل قواعدهم واضطرهم إلي الإسراع إليه للتفاهم معه، بعد أن كانوا يرون أنفسهم أقوي شعوب الأرض كافة، وانهم لهذا لا يتفاهمون مع شخص إلا بالسيف.

وكان للترك آنذاك ملك يقال له: (زمبيل) وكان رجلاً مهاباً يتبعه مائة ألف سيف من الأتراك، وكان يسيطر بقواته علي كل البلاد الممتدة من نهر المرغاب، الذي يجري جنوبي خراسان موازياً لنهر جيحون في مجراه، وكانت لهذا الملك القوي قواعد شتي في بلاد الترك مثل: (هرات) و(غزنة)، وكان قد غلب ملوك الترك أجمعين، وقهر جيوش الصين اكثر من مرة، حتي اضطر إمبراطور الصين إلي دفع الجزية له، وبلغ من خوف الصينيين منه أنهم أعادوا بناء السور الصيني، حتي لا يتمكن الترك من اقتحام البلاد عليهم.

بين قتيبة وزمبيل

عندما سمع (زمبيل) أن قتيبة اقتحم عليه بلاده من الغرب، أقسم ليأدبنه وليأخذنه أسيراً، فما كاد يلقاه أول مرة شمالي (مرف) غربي خراسان علي اصطلاح ذلك اليوم حتي فوجئ برجل لا يشبه في شيء من عرفهم بالرجال العسكريين، فوجد رجلاً شاباً يقارب الأربعين من عمره، ذا وجه وسيم في قامته العريضة، وصوته الجهوري، وثيابه العادية، وأكثر الملك زمبيل من قتيبة طاعة رجاله له، وتفانيهم في تنفيذ ما يؤمرون به دون تردد، وكان يحفزهم علي ذلك إيمانهم العميق بدينهم الإسلام، واعتصامهم بالله سبحانه وتعالي، فكانوا لا

يرون شيئاً أمامهم وإنما ينفذون أوامر الله في إنقاذ الناس من الطواغيت وهدايتهم إلي الصراط المستقيم.

وكان قتيبة يأمر رجاله بأن يستولوا علي جبل كان مغطيً بالثلوج فسارعوا إلي تنفيذ ما أمروا به فلم يلبثوا إلا استولوا عليه فكانت الانتصارات نتيجة إيمانهم بالله والعمل بقوانين الإسلام وإقامتهم للصلاة وكان العدل بينهم منتشراً فلا ظالم ولا مظلوم، ولا آكل ولا مأكول، وهذا هو الذي سبب التفافهم حول قادتهم فمن الداخل الإيمان بالله واليوم الآخر ومن الخارج العدالة الكاملة.

وحاول زمبيل أن يلاقي قتيبة مرة أخري حيث لم يكن رجاله يطيقون الصمود أمام المسلمين فلم يحاربوا إلا قليلاً ثم يولون الأدبار.

وفي مرة من المرات كاد يقع هو نفسه أسيراً في يد قتيبة ومن أكثر ما بهره من حزم قتيبة وشجاعته: أن الجيشين اصطفا مرة للقتال ثم نودي للصلاة، فقام قتيبة ورجاله يصلون الصلاة ولم يتراجعوا أمام العدو، والصلاة في الحرب تسمي بصلاة الخوف حيث ينقسمون إلي قسمين: قسم يصلي وقسم يحرس، فإذا انتهي الأولون من صلاتهم تولوا الحراسة وصلي الآخرون مقتدين بقتيبة، حيث أبي إلا أن يصلي مع القسمين معاً ليظهر للعدو أنه غير مكترث بهم ولا يهاب من سيوفهم، وقد بهت الترك وهم يرون أولئك الرجال وهم يؤدون صلاتهم بكل شجاعة في مواجهة العدو فأدركوا أنهم كالجبال بل أقوي منها وهم طراز جديد من الناس لم يعرفوا من قبل لأن الذين عرفوهم من قبل كانوا وثنيين لا قوة في باطنهم ولا قوة في ظاهرهم، فتأكدوا من ذلك عندما أتم المسلمون صلاتهم فكروا علي عدوهم كرة الشجعان والسيوف بأيديهم فأزالوهم من مواقعهم في بضعة دقائق واسروا منهم كثيراً فلما تم النصر سأل قتيبة أولئك الأسري إن كانوا يرغبون دخول

الإسلام فانه يتركهم وشأنهم كما هو قانون الإسلام، فانه إذا ما تم أسر الجند وأسلم الأسير تركه وشأنه فأطلق قتيبة سراحهم وسلم لهم سيوفهم.

وكان زمبيل قد هرب بعد تلك الواقعة إلي مخبأ له وهناك بلغته الأخبار فعلم أن لا طاقه له بهذا الرجل الذي يمثل الدين الواقعي وانتابته الهموم وفي تلك الحال إذا رسول من قتيبة يأتيه يعرض عليه الإسلام ويدعوه لأن يدخل مع قومه في هذا الدين الحنيف وأنه إذا أسلم تركه وشأنه، كما كان عادة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله فانه إذا أسلمت عشيرة تركهم وشأنهم، لأنه لم يحاربهم لكي يحكمهم ويسيطر عليهم بل كان يريد من الناس أن يدخلوا في الصراط المستقيم ويتركوا عبادة الأوثان إلي عبادة الله سبحانه وتعالي ويقيموا العدل بينهم.

فطلب زمبيل من الرسول أن يعلمه الإسلام، وكان الرسول عالماً جليلاً اسمه (ضحاك) الذي يلقب بصاحب التفسير، فلما سمع زمبيل كلام الضحاك شرح الله قلبه للإسلام، فدخل فيه وتشهد بالشهادتين وأقبل إلي قتيبة فلقيه عند بلخ() وأصبح من رجاله وأتباعه ولم يجد في ذلك حرجاً، لأن قتيبة كان مؤمناً وعرف كيف يتعامل مع هذا الملك الذي أسلم هو وجماعته عن قرب فقدرهم بتقدير واف واحترام كاف وأخوة وتساو حسب مبادئ الدين الإسلامي، فلهم ما لقتيبة وجماعته وعليهم ما علي قتيبة وجماعته.

دخول الإسلام في الصين

وبقي قتيبة بعد ذلك سيد بلاد خراسان وبلاد الترك وفي الفترة الأخيرة من حكمه سنة أربع وتسعين من الهجرة دخل قتيبة أرض الصين من ناحية (فرغانة) واحتل (كاشغر) غربي الصين وأرسل الدعاة لكي يدعوا الناس إلي الإسلام، فانتصر الإسلام في نواحي كاشغر وحوض نهر التاريم وهو الآن جزء من ولاية سنكيانج في غربي الصين وهي

ولاية صينية إسلامية إلي يومنا هذا.

وفي جمادي الآخرة من سنة ست وتسعين بعد تلك الفتوحات حسده الحاكم الأموي الجاهل الذي كان يسمي بسليمان بن عبد الملك فانه كان مشتغلاً بالخمر والقيان والفساد والإفساد ولا يهمه أمر الإسلام في شيء فعزله ولم يكن الأمر خاصاً بقتيبة فعزل جماعة من رجاله أيضاً، ومن سائر الفاتحين الذين دخلوا الهند في الشرق وأتموا فتح المغرب ثم فتحوا الأندلس في الغرب فجعل همه مطالبتهم وعزلهم، فلما عزل محمد بن القاسم فاتح الهند وعزل موسي بن نصير وطارق بن زياد اللذين فتحا الأندلس أحس قتيبة أن دوره قادم فأبي أن ينتظر حتي يعصف به الحاكم المغرور سليمان بن عبد الملك، ففي ليلة من الليالي في سنة ست وتسعين كان قتيبة في معسكره خارج مدينة فرغانة وكان مطمئناً إلي رجاله فسهر معهم بعض الوقت ليتدبر الأمور معهم ولكنه أحس أن شيئاً ما في معسكره قد تغيّر.

وبالفعل كان قد وصل الأمر من قبل سليمان بن عبد الملك مع رسوله بعزل قتيبة، ونصب وكيع بن أبي أسود التميمي كقائد علي جيوش الإسلام الفاتحة في المشرق وطلب الرسول من قتيبة أن ينفصل هو ورجاله عن القيادة وجعل يخوفه مغبة الخروج علي طاعة سليمان، فاستجاب وكيع لنداء الحاكم الجاهل سليمان بن عبد الملك وأراد الغدر بقتيبة، وفي الصباح اكتشف قتيبة الخيانة فخطب فيمن بقي معه من الرجال ثم وقع القتال وإذا بسهم أصاب قتيبة فأرداه قتيلاً.

وهكذا أنهي الحاكم الجاهل حياة هذا الرجل القائد الفاتح، وقبره اليوم في فرغانة بموضع يسمي (رباط سرهنك) أي رباط القائد بقرب قرية كاخ أي: القصر.

نعم حكم الأمة الإسلامية وبلادها طواغيت مستبدون لم يكن همهم إلا شهواتهم، وكانوا ينحون عن القدرة من

يرون فيه الكفاءة والإخلاص وذلك تقرباً إلي الشيطان وكان هذا من أهم أسباب ضعف المسلمين.

سليمان يأمر بإحراق المرضي

ذكر ابن قتيبة: أن سليمان بن عبد الملك مرّ بالمجذومين في طريق مكة فأمر بإحراقهم وقال: لو كان الله يريد بهؤلاء خيراً ما ابتلاهم هذا البلاء.

هذا وفي الأحاديث انه لا تطيلوا النظر إلي أهل البلاء فإن ذلك يؤذيهم().

تبذير بيت المال بيد سليمان

من صفات الطغاة تبذير بيت المال وصرفه علي شهواتهم الجنسية وشهواتهم البطنية، يعني: أن همهم فرجهم وبطنهم وليس أكثر، فقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني: أن سليمان بن عبد الملك أعطي مائة ألف دينار لسعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد لأنه وهب لموسي شهوات جارية قيمتها عشرة آلاف درهم بعدما أنشد فيه موسي شهوات أبيات.

وكان سليمان بن عبد الملك مغري بالنساء والأكل، قيل: أكل مرة سبعين رمانة وجدياً وست دجاجات وكثيراً من الزبيب ثم نام وانتبه فأتوه بالغداء فأكل علي عادته.

وذكر ابن عبد ربه أن سبب هلاك سليمان بن عبد الملك أن نصرانياً أتاه وهو بدابق بزنبيل مملوء بيضاً وآخر مملوء تيناً، قال: قشروا فجعل يأكل بيضة وتينة حتي أتي علي الزنبيلين، ثم أتوه بقصعة مملوءة مخاً بسكر فأكله فأتخم فمرض فمات.

جاء دور يزيد بن عبد الملك

ثم خلف سليمان، يزيد بن عبد الملك، فكان يزيد هو الآخر الذي لا يقل عن سلفه في العنف والإرهاب، بل يزداد عليه غلظة وشدة، ففي التاريخ انه أمر يزيد بن عبد الملك بقتل الأساري الذي يشهدون الشهادتين، وهم ثلاثمائة إنسان كانوا اسروا في قتال يزيد بن المهلب.

وقتل في مجلس تسعة من أحداث آل المهلب أمر بضرب رقابهم.

وصار قتل الأساري من بعده سنة للولاة والسلاطين الآخرين، فانطبع الإسلام في أذهان الأمم الأخري أنه دين العنف والقسوة، ودين الجفاء والغلظة، وطالما جاء المستشرقون وعابوا ذلك علي الإسلام مع ان الإسلام بريء

من أولئك الطغاة وما فعلوه.

يزيد بن عبد الملك ويزيد بن المهلب

في التاريخ: انه لما وصل يزيد بن عبد الملك إلي الحكم، خلعه يزيد بن المهلب، ونزع يده من طاعته، وعلم أنه إن ظفر به قتله وناله من الهوان ما القتل دونه، فدخل ابن المهلب البصرة وملكها عنوة، وحبس عدي بن أرطاة عامل يزيد بن عبد الملك عليها.

فسرح إليه يزيد بن عبد الملك جيشا كثيفا يشتمل علي ثمانين ألفا من أهل الشام والجزيرة، وبعث مع الجيش أخاه مسلمة بن عبد الملك، وكان أعرف الناس بقيادة الجيوش وتدبيرها، وأيمن الناس نقيبه في الحرب، وضم إليه ابن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك..

فسار يزيد بن المهلب من البصرة، فقدم واسط فأقام بها أياما، ثم سار عنها فنزل العقر، واشتملت جريدة جيشه علي مائة وعشرين ألفا.

وقدم مسلمة بجيوش الشام فلما تراءي العسكران، وشبّت الحرب، أمر مسلمة قائدا من قواده أن يحرق الجسور، التي كان عقدها يزيد بن المهلب، فأحرقها.

فلما رأي أهل العراق الدخان قد علا انهزموا.

فقيل ليزيد بن المهلب: قد انهزم الناس.

قال: ومم انهزموا؟ هل كان قتال ينهزم الناس من مثله؟.

فقيل له: إن مسلمة أحرق الجسور فلم يثبتوا.

فقال: قبحهم الله بق دخن عليه فطار.

ثم وقف ومعه أصحابه فقال: اضربوا وجوه المنهزمين، ففعلوا ذلك حتي كثروا عليه، واستقبله منهم أمثال الجبال.

فقال: دعوهم قبحهم الله غنم عدا في نواحيها الذئب.

ثم قتل يزيد بن المهلب، وقتل معه أخوه محمد بن المهلب، وكذلك قتل اخوه المفضل بن المهلب.

فلما اجتمع من بقي من آل المهلب بالبصرة بعد الكسرة أخرجوا عدي بن أرطاة عامل يزيد بن عبد الملك علي البصرة من الحبس فقتلوه، وحملوا عيالهم في السفن البحرية ولججوا في البحر فبعث إليهم مسلمة

بن عبد الملك بعثا عليه قائد من قواده فأدركهم في قندابيل، فحاربهم وحاربوه.

وتقدم بنو المهلب بأسيافهم فقاتلوا حتي قتلوا عن آخرهم، وحملت رءوسهم إلي مسلمة بن عبد الملك وفي أذن كل واحد منهم رقعة فيها اسمه، واستؤسر الباقون في الوقعة، فحملوا إلي يزيد بن عبد الملك بالشام وهم أحد عشر رجلا، فلما دخلوا عليه قام كثير ابن أبي جمعة فأنشد:

حليم إذا ما نال عاقب مجملا

أشد العقاب أو عفا لم يثرب

فعفوا أمير المؤمنين وحسبة

فما تأته من صالح لك يكتب

أساءوا فإن تصفح فإنك قادر

وأفضل حلم حسبة حلم مغضب

فقال يزيد أطت بك الرحم يا أبا صخر، لو لا أنهم قدحوا في الملك لعفوت عنهم، ثم أمر بقتلهم فقتلوا، وبقي منهم صبي صغير فقال: اقتلوني فلست بصغير.

فقال يزيد بن عبد الملك: انظروا هل أنبت.

فقال: أنا أعلم بنفسي قد احتلمت ووطئت النساء، فاقتلوني فلا خير في العيش بعد أهلي فأمر به فقتل.

من ولاة يزيد الإرهابيين

كان سعيد بن عمرو الحرشي كما جاء في التاريخ والي خراسان في عهد يزيد بن عبد الملك وكان إرهابياً عنيفاً، فقاتل أهل السغد وقتل أسراهم، فكان يختم في عنق الرجل ويخرج من حائط إلي حائط فيقتل وكانوا ثلاثة آلاف ويقال سبعة آلاف، ثم اصطفي أموالهم وذراريهم فأخذ منه ما أعجبه ثم قسم الأموال.

هشام بن عبد الملك ومصادرة الحريات

ولما جاء هشام إلي الحكم، لم يقصّر عن سلفه في العنف والإرهاب، بل ازداد عليه سرفاً وبذخاً، فان من صفات الطغاة كنز الأموال والإسراف في التجمل، من الثياب والقصور وما أشبه.

ومن المعلوم: أن الأموال لا تجتمع عند أحد إلا بعد منع الحقوق، والاستبداد بالفرص، ومصادرة حريات الآخرين في التجارة والعمران، والبيع والشراء، وغير ذلك، وكان هشام في هذا المجال كما قال الأصبغ بن الفرج: لم يكن في بني مروان من ملوكها أعطر ولا ألبس من هشام، خرج حاجاً فحمل ثياب طهره علي ستمائة جمل ودخل المدينة بها.

وقيل: إن هشام بن عبد الملك ترك بعد موته اثني عشر ألف قميص وشيٍ، وعشرة آلاف تكة حرير، وترك بعد وفاته أحد عشر ألف ألف دينار، ولم تأتِ دولة بني العباس إلا وجميع أولاده فقراء، لا مال لواحد منهم، وبين دولة بني العباس ووفاة هشام سبع سنين.

وكانت أملاك هشام الخاصة تصل إلي حد الملايين، فقد ذكر في تاريخ الطبري أن هشام كتب إلي خالد بن عبد الله واليه علي العراق: لا تبيعن من الغلات شيئاً حتي تباع غلات أمير المؤمنين حتي بلغت الكيلجة درهماً.

وكانت تبلغ غلة خالد بن عبد الله عشرين ألف ألف، فكيف بغلة هشام التي كانت تباع قبل جميع الغلات.

وقال محزم (كاتب يوسف بن عمرو والي العراق): بعثني يوسف بن عمرو بياقوتة حمراء تخرج

طرفاها من كفي، ولؤلؤ حبة أعظم ما يكون من اللؤلؤ، فدخلت عليه، فدنوت منه فلم أر وجهه من طول السرير وكثرة الفرش، فتناول الحجر والحبة، فقال هشام: اكتب معك بوزنهما.

قلت: يا أمير! هما أجل من أن يكتب بوزنهما، من أين يوجد مثلهما.

قال: صدقت، وكانت الياقوتة للرائقة جارية خالد بن عبد الله اشترتها بثلاثة وسبعين ألف دينار.

وهكذا كانوا يبذّرون أموال بيت المال، ويصرفونه في تأمين نزواتهم، وإشباع غرائزهم، مع ان الإسلام جعلها لتأمين مصالح المسلمين، وسد حاجياتهم، وكم في هذا وأمثاله تشويه لسمعة الإسلام وتأخير لحياة المسلمين؟

تسليط بعض الظالمين علي بعض

جاء في التاريخ: أن الترك حاصرت مدينة برذعة من أعمال آذربيجان في أيام هشام بن عبد الملك حصارا شديدا، واستضعفتها وكادت تملكها، وتوجه إليها لمعاونتها سعيد الحرشي من قبل هشام بن عبد الملك في جيوش كثيفة، وعلم الترك بقربه منهم فخافوا، وأرسل سعيد واحدا من أصحابه إلي أهل برذعة سراً، يعرّفهم وصوله ويأمرهم بالصبر خوفا ألا يدركهم، فسار الرجل ولقيه قوم من الترك، فأخذوه وسألوه عن حاله فكتمهم، فعذبوه فأخبرهم وصدقهم.

فقالوا: إن فعلت ما نأمرك به أطلقناك وإلا قتلناك.

فقال: ما تريدون؟

قالوا: أنت عارف بأصحابك ببرذعة وهم يعرفونك، فإذا وصلت تحت السور فنادهم: إنه ليس خلفي مدد، ولا من يكشف ما بكم، وإنما بعثت جاسوسا.

فأجابهم إلي ذلك فلما صار تحت سورها وقف حيث يسمع أهلها كلامه وقال لهم: أتعرفونني؟

قالوا: نعم، أنت فلان بن فلان.

قال: فإن سعيدا الحرشي قد وصل إلي مكان كذا في مائة ألف سيف وهو يأمركم بالصبر وحفظ البلد وهو مصبحكم أو ممسيكم، فرفع أهل برذعة أصواتهم بالتكبير، وقتلت الترك ذلك الرجل ورحلوا عنها، ووصل سعيد فوجد أبوابها مفتوحة وأهلها سالمين.

وهكذا ضحّي هذا الرسول بنفسه

ونجّي أمته من القتل والسبي، بينما يضحّي الحكام الطغاة بالأمة لبقائهم وحفظ مصالحهم الشخصية العابرة.

مع مجون الوليد بن يزيد بن عبد الملك

جاء في التاريخ: أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك كان كبقية بني أمية وبني مروان من الفسقة الفجرة وقد اتخذ ندماء، فأراد هشام أن يقطعهم عنه، فولاه الحج سنة مائة وتسع عشرة هجرية، فحمل الوليد معه كلاباً في صناديق، فسقط منها صندوق عن البعير وفيه كلب، فأجالوا علي الكريّ السياط فأوجعوه ضرباً، وحمل معه قبة عملها علي قدر الكعبة ليضعها علي الكعبة، وحمل معه خمراً، وأراد أن ينصب القبة علي الكعبة ويجلس فيها، فخوفه أصحابه وقالوا: لا نأمن الناس عليك ولا علينا معك، فلم يحرّكها، وظهر للناس منه تهاون بالدين واستخفاف به، وبلغ ذلك هشاماً فطمع في خلعه والبيعة لابنه مسلمة بن هشام.

وفي التاريخ أيضاً: انه واقع جارية يوماً وهو سكران، فما تنحي عنها حتي آذنه المؤذن بالصلاة، فحلف ألا يصلي بالناس غيرها، فخرجت متلثمة فصلت بالناس.

ومما جاء في التاريخ عن الوليد بن يزيد: انه تفأل بالمصحف الشريف يوماً فخرج قوله تعالي: ?واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد?() فرمي المصحف من يده وأمر أن يجعل هدفا ورماه بالنشاب وأنشد:

تهددني بجبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل يا رب مزقني الوليد

القسري أحد عمال هشام

إن العمال والولاة الذين كانوا يمثلون الحكام في البلاد، كانوا كالحكام أنفسهم طغاة مستبدين، وفجرة مستكبرين، لا يعرفون للدين حرمة، ولا لأهله كرامة، ويسخرون حتي من الأنبياء والأولياء، قال ابن الأثير في حوادث سنة تسع وثمانين: في هذه السنة ولي خالد بن عبد الله القسري مكة، فخطب أهلها، وقال:

أيها الناس أيهما أعظم خليفة الرجل علي أهله أو رسوله إليهم؟ والله لم تعلموا فضل الخليفة

… إن ابراهيم خليل الرحمن استسقاه فسقاه ملحاً أجاجاً، واستقي الخليفة فسقاه عذباً فراتاً يعني بالملح الاجاج: زمزماً، وبالفرات العذب: بئراً حفرها الوليد وكان خالد ينقل ماء البئر التي حفرها الوليد ويضعها في حوض إلي جنب زمزم، ليعرف فضله علي زمزم، فغارت البئر وذهب ماؤها.

وقال صاحب الأغاني: إن خالداً هذا كان يسمي ماء زمزم أم الجعلان، وأنه صعد المنبر وقال: إلي كم يغلب باطلنا حقكم؟! أما آن لربكم أن يغضب لكم.. لو أمرني الأمير نقضت الكعبة حجراً حجراً ونقلتها إلي الشام.. والله إن الأمير أكرم علي الله من

أنبيائه.

ثم قال صاحب الأغاني: كان خالد زنديقاً وأمه نصرانية، فكان يولّي النصاري والمجوس علي المسلمين، ويأمرهم بإمتهانهم وضربهم، وقد أباح للنصاري أن يشتروا الجواري المسلمات وينكحوهن.

مع الشهيد زيد بن علي بن الحسين عليه السلام

قال هشام لزيد الشهيد عليه السلام في لقاء تمّ بينهما: إنه بلغني أنك تذكر الخلافة وتتمناها ولست هناك لأنك ابن أمة.

فقال زيد: إن لك جوابا.

قال: تكلم.

قال: إنه ليس أحد أولي بالله ولا أرفع درجة عنده من نبي ابتعثه وهو: إسماعيل بن إبراهيم، وهو ابن أمة قد اختاره الله لنبوته، وأخرج منه خير البشر.

فقال هشام: فما يصنع أخوك البقرة؟

فغضب زيد حتي كاد يخرج من إهابه ثم قال: سماه رسول الله صلي الله عليه و اله الباقر وتسميه أنت البقرة، لشد ما اختلفتما، لتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا، فيرد الجنة وترد النار.

فقال هشام: خذوا بيد هذا الأحمق المائق فأخرجوه، فأخذ الغلمان بيده فأقاموه.

فقال هشام: احملوا هذا الخائن الأهوج إلي عامله.

فقال زيد: والله لئن حملتني إليه لا أجتمع أنا وأنت حيين وليموتن الأعجل منا.

فأخرج زيد وأشخص إلي المدينة ومعه نفر يسيرونه حتي طردوه عن حدود الشام، فلما فارقوه عدل إلي العراق ودخل الكوفة

وبايع لنفسه، فأعطاه البيعة أكثر أهلها، والعامل عليها وعلي العراق يومئذ يوسف بن عمر الثقفي، فكان بينهما من الحرب ما هو مذكور في كتب التواريخ، وخذل أهل الكوفة زيدا وتخلف معه ممن تابعه نفر يسير، وأبلي بنفسه بلاء حسنا وجاهد جهادا عظيماً، حتي أتاه سهم غرب فأصاب جانب جبهته اليسري فثبت في دماغه، فحين نزع منه مات عليه السلام.

ثم بعد موته صلبوه وبعد صلبه حرقوا جثمانه، ثم ذروا رماده في الهواء.

وهكذا كان حكام بني أمية وبني مروان يعاملون بني هاشم وذرية رسول الله صلي الله عليه و اله والعلماء والصلحاء والأعيان والأشراف من الناس، ويتجبرون في بطشهم بهم وبكل من يعارضهم ولو بكلمة كما قال تعالي: ?واذا بطشتم بطشتم جبارين?().

خروج الحسنيين ضد الطغاة

كان من أباة الضيم ومؤثري الموت علي الحياة الذليلة: محمد وإبراهيم ابنا عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ولما أحاطت عساكر عيسي بن موسي بمحمد وهو بالمدينة قيل له: أنج بنفسك فإن لك خيلا مضمرة ونجائب سابقة فاقعد عليها والتحق بمكة أو باليمن.

قال: إني إذاً لعبد، وخرج إلي الحرب يباشرها بنفسه وبمواليه.

فلما أمسي تلك الليلة وأيقن بالقتل أشير عليه بالاستتار، فقال: إذن يستعرض عيسي أهل المدينة بالسيف فيكون لهم يوم كيوم الحرة، لا والله لا أحفظ نفسي بهلاك أهل المدينة، بل أجعل دمي دون دمائهم.

نعم، هكذا يكون بنو هاشم، والصالحون من نسلهم، أباة الضيم، سراة النفس، يجودون بأنفسهم، ويضحّون بحياتهم، من أجل حياة الآخرين وضمان سلامتهم وسعادتهم الدنيوية والأخروية.

رابع الحكام الأمويين في الأندلس

إن عبد الرحمن الحكم، رابع حكام الأندلس من البيت الأموي كان له ابنان كبيران: محمد وعبد الله، وكانا يتنافسان علي ولاية العهد، ومع أن عبد الرحمن أبوهما قبل موته كان قد وقع اختياره علي محمد ورشحه للولاية من بعده، إلا أن أخاه الأصغر عبد الله كان طامعاً في الخلافة، وكانت تشجعه علي ذلك أمه، واستخدمت ما في وسعها من المكر والخداع في سبيل ذلك، فكانت هناك جارية جميلة أحبها الحاكم عبد الرحمن وفضلها علي بقية الجواري، فاستخدمت هذه لكي تجعل ولاية العهد لابنها عبد الله، واستعانت أيضاً علي ذلك بفتي اسمه نصر، وكان نصر هذا أقرب خدم الحاكم عبد الرحمن إلي نفسه.

لقد بلغ بهذه الأم الأمر إلي درجة أن دبرت مع نصر قتل عبد الرحمن بالسم، ولكنه اكتشف المؤامرة وأرغم نصر علي شرب السم الذي أعده له فشربه ومات.

وكان عبد الله بعيداً عن صفات الحكام المدبّرين، إذ كان كثير

اللهو واللعب، مدمناً علي شرب الخمر والسكر، مولعاً باللعب بالجواري والقيان، والفجور والفساد، وكان قد أرصد عيوناً علي أبيه بالقصر ليوافوه بالأخبار أولاً بأول، حتي انه إذا جاء الخبر بموت أبيه، كان هو أسرع من أخيه محمد إلي دخول القصر وجلوسه علي العرش.

ثم انه أخذ ينشر الأموال علي من في البلاط من الخدم والفتيان والمغنيات ومن أشبههم ليعاونوه علي مآربه، وكان قد اتفق أيضاً مع بعض خواص والده علي ذلك.

فلما مات عبد الرحمن أسرع إليه المتعاونون معه ليبلغوه الخبر، وأرسلوا له خاتم أبيه، وكانت هناك جارية يحبها الحاكم عبد الرحمن، فكان يبعث في طلبها بالليل ليأنس بها، وقد عرفها الخدم البواب بهيئتها والخادم الذي يأتي بها في الغالب، فبدا له أن يخرج بهيئة تلك الجارية حتي يفتح له البوابون الباب دون صعوبة، وهكذا دخل علي وجه أبيه الذي قد مات قبل لحظات، وأسرع الخازن فسلمه مفاتيح الخزائن، وبايعه رجال القصر بالتهديد والترغيب، والوعد والوعيد، وبعث الحاكم الجديد إلي أخيه محمد وبقية أخوته فبايعوه وكذلك كبار رجال الدولة، فلم يطلع الفجر حتي كانت البيعة قد تمت له، وأخذ بعد ذلك بالفساد والافساد، والاستبداد والدكتاتورية، والقتل والتبعيد، والسجن والتعذيب، ونشر المفاسد والمظالم في طول البلاد وعرضها، حتي سقطت دولتهم، وذهبت ريحهم وشوكتهم.

ومن الواضح: أن الدولة لا تسقط إلا بعد أن تمر بسلسلة من هذه الأمور الموهنة، والأخلاق الفاسدة، المؤدية إلي الضعف والتقهقر، فان الحكام الفاسدين قد صدّوا بتصرفاتهم الظالمة الإسلام عن انتشاره، والمسلمين عن طريق تقدمهم.

مراسلة طاغوتين: أموي وعباسي

كتب عبد الحميد بن يحيي، عن مروان بن محمد، إلي أبي مسلم كتابا حُمل علي جمل لعظمه وكثرته، وقيل: إنه لم يكن في الطول إلي هذه الغاية، وقد حمل علي جمل

تعظيما لأمره وقال لمروان بن محمد: إن قرأه خاليا نخب قلبه وإن قرأه في ملأ من أصحابه ثبطهم وخذلهم.

فلما وصل إلي أبي مسلم أحرقه بالنار ولم يقرأه وكتب علي بياض كان علي رأسه وأعاده إلي مروان:

محا السيف أسطار البلاغة وانتحت

إليك ليوث الغاب من كل جانب

فإن تقدموا نعمل سيوفا شحيذة

يهون عليها العتب من كل عاتب

ويقال: إن أول الكتاب كان لو أراد الله بالنملة صلاحا، لما أنبت لها جناحا.

من وصايا الطغاة: الإرهاب

ومما يذكر عن العباسيين في التاريخ: أن وصايا أول حكام بني العباس إبراهيم الإمام وكتبه كانت ترد إلي أبي مسلم بخراسان وفيها ما يلي:

إن استطعت ألا تدع بخراسان أحدا يتكلم بالعربية إلا وقتلته فافعل، وأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله، وعليك بمضر فإنهم العدو القريب الدار، فأبد خضراءهم، ولا تدع علي الأرض منهم ديارا.

أبو مسلم في طلب المقام والملك

كان أبو مسلم الخراساني شاباً متهوراً في مقتبل عمره، وكان يهوي المقام والملك، ويفكر في الوصول إليه، ويعمل من أجل تحقيقه، وقد كرس حياته لذلك، حتي استطاع أن يقود جيشاً عرمرماً، يزحف به من خراسان، علي مناطق الحكم الأموي، ويستخلصها لنفسه، ويقيم علي أنقاض ذلك الحكم البائد، الحكم العباسي الجديد.

ومما روي في ذلك: انه قيل لأبي مسلم في أيام صباه: نراك تنظر إلي السماء كثيرا كأنك تسترق السمع أو تنتظر نزول الوحي.

قال: لا ولكن لي همة عالية، ونفس تتطلع إلي معالي الأمور، مع عيش كعيش الهمج الرعاع، وحال متناهية في الاتضاع.

قيل: فما الذي يشفي علتك ويروي غلتك؟

قال: الملك.

قيل: فاطلب الملك.

قال: إن الملك لا يطلب هكذا.

قيل: فما تصنع وأنت تذوب حسرة وتموت كمدا؟

قال: سأجعل بعض عقلي جهلا وأطلب به ما لا يطلب إلا بالجهل، وأحرس بالباقي ما لا يحرس إلا

بالعقل، فأعيش بين تدبير ضدين، فإن الخمول أخو العدم، والشهرة أخت الكون.

مع الهادي العباسي

كان دور بني العباس في تشويه الإسلام وتأخر المسلمين، كدور بني أمية، إذ كانوا أيضاً حكاماً ظالمين، يتصرفون باستبداد، ويعبثون بالبلاد والعباد، ويعيثون في الأرض الفساد والدمار، وفي القصة التالية عرض لنموذج من أولئك المستبدين، ومن ذلك

الاستبداد:

قيل: انه عندما هلك الرجل العباسي الثالث محمد بن عبد الله المنصور، الملقب بالمحبس سنة مائة وتسع وستين هجرية، قام مكانه ابنه موسي، الرجل الجاف الملقب بالهادي، وكان في غاية الغلظة والسفاهة، وكان عمره آنذاك أربعاً وعشرين سنة، وهو صاحب قصة فخ المشهورة، وأول ما حكم عرف الناس أن الأمر قد تبدل إلي الأسوء، ورأوا أنفسهم أمام شاب قاس القلب، جريء علي الدماء، لا يعرف للدين حرمة، ولا للإنسان كرامة، متسرع في التصرف عن شهوة وهوي، وبظلم وقسوة.

وقد كان في الجسم ضخماً بديناً، وكان مولعاً بكثرة شرب الخمر، وحريصاً علي مخادنة النساء والجواري، ولذا عم الخوف في نفوس الناس، وهابوا جبروته واستبداده، فأخذوا يسايرونه في ما يخطر بباله حذراً من بطشه، وكان أخوف الناس منه أمّه: الخيزران بنت عطاء، وهي جارية كانت تنسب إلي بلاد اليمن، لأنها ولدت في اليمن، ثم صارت إلي المهدي فيما صار إليه من أسلاب حاكم طبرستان عندما ثار عليه، ثم قضي عليه المهدي قضاءً وحشياً غريباً.

هذا وكان الفرق في السن بين الأخوين الاثنين: الهادي وهارون، قليلاً جداً، بينما كان الفرق بينهما في الخلق الظاهري كبيراً جداً، فبينما كان الهادي ظاهر العنف والقساوة، كان هارون ظاهر اللين والرفق، منطوياً علي الخداع والمكر، وهارون هذا هو الذي قتل الإمام موسي بن جعفر عليه السلام، فان هارون كان علي درجة عالية من القساوة والفضاضة، وكانت

الخيزران امرأة ذكية، وقد تعلمت الكثير من الشؤون السياسية وأمور الدولة أيام زوجها المهدي، وكان زوجها يستشيرها في الأمور فتشير عليه بالرأي فيأخذ به، وكانت قد وثقت مكانتها لدي الوزير يحيي بن خالد البرمكي، الذي هو أيضاً كان رجلاً خداعاً غارقاً في الدنيا وملذاتها، فعظم مكانها في الدولة، وصارت تتظاهر بالخضوع للناس وتقضي حاجاتهم لتكسب قلوبهم، وصار جناحها في القصر محط الأنظار، ومجمع كبراء الناس يزورونها ويجدون منها كل بر وكرامة، مما لم يكن إلا إسرافاً وتبذيراً لأموال المسلمين في الفساد والإفساد، ومن أول الأمر شعر موسي الهادي بالغيرة من أخيه هارون وكان يحس أن الناس يقدرونه أكثر منه.

التنافس علي الحكم

وكان هارون محتالاً غريباً يظهر شيئاً ويبطن شيئاً آخر، وكانت الخيزران في لهفة علي ابنها هارون فخافت عليه من أخيه، وقد بدأ يفكر الهادي في خلع أخيه هارون عن ولاية العهد حتي تصير الأمور لابنه (ابن الهادي) وكان صبياً صغيراً يسمي باسم جعفر، فتحدث بالأمر إلي وزيره يحيي بن خالد البرمكي فنصحه بالعدول عن هذه الفكرة، فغضب عليه وأمر به إلي السجن، فلبث فيه زماناً، وبلغ من غضبه عليه أن هم بقتله وأخذ يعذبه في السجن.

فلما بلغ هذا الأمر إلي أمه الخيزران، أشفقت علي ابنها هارون ونصحته بأن يصانع أخاه الهادي ويستجيب له إذا هو طلب إليه التنازل عن ولاية العهد، وأرادت الخيزران بذلك أن تبعد هارون عن أخيه الهادي جملةً، فنصحته بأن يستأذن أخاه في السفر إلي المشرق للصيد، فأذن له، فلما استأذنه فرح بذلك وأجابه إلي ما طلب وأعطاه مليوناً ونصف المليون من دنانير بيت مال المسلمين، فابتعد هارون عن أخيه الهادي.

لكن تبيّن للهادي بعد ذلك أن ابتعاد أخيه لم يكن في صالحه، وأحس

أن أمه الخيزران تدعو الناس إلي أخيه وترعاه علي البعد، فانصرف غضبه نحوها وخاصة لما رأي بابها عامراً بكبراء الرجال والقادة وأن الرجلة لا تنقطع عنها، فدبر في نفسه أمراً وخطر بباله أن يزيحها عن الميدان، فاتخذ من زيارة رجال الدولة والقادة لها ذريعة، ومر إلي جناحها ذات اليوم وقال لها: ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلي بابك؟ أما لك بغزل يشغلك، أو مصحف يذكرك، أو بيت يصنك؟ لأَن بلغني أنه وفد علي بابك أحد لأضربن عنقه، فأدركت الخيزران أن المعركة قد بدأت، وأن ابنها لن يكتفي بذلك وهو غاضب لمكانتها من جهة، وحاقد عليها لتفضيلها هارون عليه من جهة أخري، كما وعلمت أنها إذا لم تبادره كانت هالكة لا محالة.

وأحكمت المرأة الغدارة أمرها، وفي ليلة النصف من ربيع الأول سنة مائة وسبعين هجرية دخل الهادي العباسي جناحه، واختلي بجواريه ومضي يسهر معهن ويشرب الخمر ويعبث بهن، فأكل وشرب حتي سكروا واسترخي بدنه وراح عقله..

وفي منتصف الليل عندما سكنت الحركة، دخلت جاريتان قويتان من جواري خيزران تحملان وسادتين، واقتربت أحدهما من الحاكم الشاب الغارق في السكر والنوم، والمستولي عليه الضعف من جهة كثرة الشرب والشهوة، فوضعتا الوسادة علي فمه حتي خمدت أنفاس موسي الهادي، وهناك نجحت مؤامرة الأم بقتل الولد، فتنفست الخيزران الصعداء علي خلاصها وابنها هارون من كيد الهادي.

جاء دور هارون

ثم جاء بعد ذلك دور هارون، فبدأ بالظلم والجور، والاستبداد والدجل، والقتل والتعذيب، حتي قتل في ليلة واحدة ستين علوياً، كما قتل الإمام موسي بن جعفر عليه السلام بالسم بعدما سجنه أكثر من عشر سنوات.

وهكذا كانت حياة الأخوين المنحرفين الهادي وهارون سلسلةً من التبذير والإسراف، والقتل والتعذيب، والخمور والفجور بما هو مذكور في

التاريخ، مما يعكس علي الإسلام عارهما وشنارهما، وعلي المسلمين ظلمها وجورهما.

سلاطين آل عثمان

ومن الذين حكموا البلاد الإسلامية وأساؤوا في حكمهم: سلاطين آل عثمان، الذين بدؤوا حكمهم بأمارة صغيرة ثم أصبحت أكبر إمبراطورية علي وجه الأرض وانتهت بالزوال وإلي اليوم، فقد عاشت الدولة العثمانية التي بلغت من العمر سبعة قرون علي نحوين:

فالأول كان قوةً وصعوداً وذلك نظراً لقوة الإسلام ومبادئه.

والباقي كان ضعفاً وهبوطاً، وتفككاً وانحلالاً، لضعف شخصياتهم وتحللها، وقد بلغ هذا الانحلال والتفكك في القمة سنة ألف ومائتين واثنين وتسعين هجرية، وذلك عندما خلف السلطان عبد الحميد سلفه السلطان عبد المجيد.

وكان عبد الحميد آنذاك شاباً في الثالثة والثلاثين من العمر، وقد تفاءل بعض الناس بمقدمه، وظنوا أنه بحكمه ستكون نهاية عصور الآلام، وبداية عصور الآمال لدولة آل عثمان.

بداية حكم عبد الحميد

وأخذ يتظاهر عبد الحميد الثاني في بداية حكمه وكان يلقب بلقب: خاقان البرين والبحرين وحامي الحرمين ببداية طيبة، فأعلن عن إصلاحاته الواسعة، وأنه سيعمل بالكتاب والسنة حسب ما عمله الرسول صلي الله عليه و اله، وقال: أنه سيركز علي دولة واسعة تشمل بلاد المسلمين كلها ويحكم فيها بالحكم الاستشاري العادل، وأنه سينشر الرخاء في بلاده، وسيساوي بين رعاياه، ويعود إلي أحكام الإسلام بدون حيف وميل، وقتل وتعذيب، وما أشبه ذلك مما كان عليه من قبله من خلفاء آل عثمان، وأصدر مشروع القانون الجديد، وأذن في إقامة رقابة صحيحة علي مالية الدولة، وأمر بتسديد الديون حيث أن السلاطين العثمانيين كانوا يصرفون الأموال في شهواتهم بغير حساب، ونظر في أمر الجيش مريداً تنظيمه وترتيبه، ثم أعلن قانون الحريات، وإقامة مجلس النواب لتمثيل كافة القوميات، واتجه في حكمه اتجاهاً صحيحاً تجاه مختلف القوميات الذين كان يحكمهم ومنهم العرب وغير العرب،

ودعي الجميع إلي التعاون.

ولكن ذلك كله كان تظاهراً وبدايةً، فكان عبد الحميد يدبر الأمور في الخفاء تدبيراً استبدادياً، حيث انكشف بعد ردح من الزمن أنه طاغية لم يسبق له مثيل في تاريخ آل عثمان..

فقد أخذ بالجور علي جميع مستشاريه ورعاياه، وألغي دور المستشاريين، ثم ألغي الدستور وأخذ يحكم بالحديد والنار، وأقام حكمه علي التجسس والتعذيب، والسجن والقتل، والعنف والإرهاب، وثقلت وطئته علي الفلاحين والمزارعين، والعمال والكادحين، وعلي سائر أفراد الشعب، فقل وارد الدولة من المال، ثم مع ذلك كله كان يصرف الأموال الطائلة علي شهواته وملذاته، في قصوره وبين جواريه، حتي أنه كان يفرش في قصوره سبعمائة مائدة لزوجاته وإمائه، وأخذ يقترض المال من الدول الأوروبية.

ثم اتخذ لنفسه حرساً قوياً وملأ قصوره بالجواسيس، حتي كان أهل القصر لا يجرئون علي الكلام خشية أن يصل الخبر للسلطان فلا يكون هناك محيص من الموت، ولقد قتل في حكمه مائة من أهل القصر من الرجال والنساء، واشتدت وطأته علي الجيش وضباطه، وكان يقتل الناس بالشبهة والظنة، وكان كثيراً ما يذبح الناس بيده، أو يخنقهم بالحبل، أو بتغطية انفه وفمه بما يمنعه من التنفس حتي يموت، وبعد القتل كان يلقي به في مياه البحر، وبلغ من كثرة من ألقي في مياه بحر البسفور من الجنود الأبرياء والعلماء وسائر الناس أن الأتراك أضربوا عن أكل السمك، لأنها كانت تتغذي علي أبدان أبنائهم المساكين، واستمر الأمر علي ذلك زمناً طويلاً.

المستبدون خائفون

وبما أن المستبد والدكتاتور يخاف علي نفسه يوماً بعد يوم أكثر من قبل، كان عبد الحميد قد بني لنفسه في قصوره نحو مائة غرفة مجهزة بكل شيء، وكان ينام كل ليلة في واحدة منها دون أن يعلم به أحد، وذلك حفظاً

لنفسه عن محاولات الاغتيال والمؤامرات التي تريد قتله والقضاء عليه، كان يفعل ذلك حتي لا يعرفوا مكانه بالضبط، وتحت ستار الخوف أخذت تتألف في الجيش مجموعة صغيرة من الضباط، وفي الشعب مجموعات صغيرة من سائر الناس بهدف تحرير بلادهم من هذه الطاغية.

وعندما خاف الضباط من جواسيس السلطان انتقل رؤساؤهم إلي البلاد الغربية، ومن هناك أعلنوا عن تأسيس حزب الاتحاد والترقي، وذلك تحت شعار: توحيد بلاد الدولة العثمانية التي أوهنتها الثورات والخلافات، ومنح الناس حرياتهم، وإعطاء حقوقهم، فأعلن الحزب برامجه لبناء دولة عثمانية تواكب العصر وبمنظمة قوية، وقد أنشأت هذه الجمعية أولاً في جنيف، وذلك بعد مرور خمسة عشر عاماً من مجيء عبد الحميد إلي الحكم، ثم انتقلت إلي باريس، ومنها إلي سالونيك، وكانت سالونيك مركزاً من مراكز الجيش الكبري، وفيها قاعدة عسكرية كبيرة، فلم يجرأ السلطان علي إيذاء أعضاء لجنة الاتحاد والترقي، لأن الجيش في سالونيك كان يؤيدهم، وإنما قتل من قتل منهم غيلةً.

وقد ضمت هذه اللجنة إلي جانب الضباط عدداً كبيراً من المحامين والأطباء، والمهندسين والمثقفين، وأخذت دعوة حزب الاتحاد والترقي تنتشر يوماً بعد يوم في مختلف صفوف رجال الجيش، وانتقلت من سالونيك إلي معسكر في مقدونيا، والي معسكر قرب الأستانة..

ولم تلبث الجمعية أن أسفرت عن وجهها، فأنذرت السلطان بالعزل إذا هو لم يغير سياسته، وطالبته بتنفيذ دستور كان مدوناً قبل ذلك، فتظاهر عبد الحميد بالاذعان لمطالب الحزب، ووعد بتطبيق الإسلام، وبإعطاء الحريات للشعب، فأعلن الدستور والبرلمان، وأنشأ مجلس النواب وأعلن أنه سينهي حكومة الجواسيس، وقال: إنه يؤيد الأحرار وأراد أن يستأصل فتنة العرب والأتراك من رعايا الدولة، فزاد من ميله إلي العرب، وأعلن عن إقامة الجامعة الإسلامية حسب ما اقترحه جمال الدين الأفغاني،

كما لجأ إلي محاولات ماكرة أراد بها أن يحافظ علي عرشه، ويفرّ بها من العمل بالإسلام وبحرياته الواسعة.

فعندما تصور الرجل أنه خدع الجميع عاد إلي عهده القديم، وأعلن منع ما أمره به أولاً، فأوقف الدستور وحل البرلمان وأعاد السجون، والقتل والتعذيب.

فكان عبد الحميد يفعل كل ذلك وهو يحسب أنه أكبر قوة في الدنيا، ولا يستطيع أن يناله أحد، حيث كان يقول للناس: إنه الخليفة والحاكم بأمر الله عزوجل، ولا يشير علي أحد بأي شيء إلا وجب امتثاله لأنه خليفة رسول الله صلي الله عليه و اله، وانه يلزم علي الناس اعتباره كرسول الله صلي الله عليه و اله من غير حساب، وغافلاً عن أن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله كان أيضاً مأموراً بالاستشارة حيث قال سبحانه: ?وشاورهم في الأمر?().

عبد الحميد ونهاية حكمه

نعم أخذ عبد الحميد يستمر في ظلمه وجوره وكان قد أمن إلي نفر من جواسيسه وحراسه، وجواريه وخدمه، وقد لجأ يوماً إلي جناح في القصر يتحصن فيه حاسباً أن أحداً لا يعلم به أين يكون، ولكن الأمر خانه وتغيّر عليه حتي حواشيه وجواسيسه، وزوجاته وجواريه، وخدمه وعبيده، فلما جنّ عليه الليل في يوم من أيام عام ألف وثلاثمائة وخمسة وعشرين هجرية ذهب السلطان الجاني إلي حصنه الخفي واطمئن فيه وكانت من عادته أن ينام في منتصف الليل، ولما أراد النوم سمع أصواتاً ووقع أقدام فوقف خائفاً وتساءل: ما هذا؟

قالت زوجته: لا أدري يا مولاي، وقبل أن يتحرك انفتح الباب بكل عنف وظهرت جماعة من الضباط وقال من كان في مقدمهم بغرور وعنف: عبد الحميد خان انا قد خلعناك عن السلطة والخلافة.

فهددهم عبد الحميد وقال: لا تهينوا سلطانكم.

فقالوا له: كنت سلطاننا قبل ذلك

ولكنك الآن مخلوع.

وبعد ذلك بايع الضباط محمد رشاد الخامس.

وهكذا خلعوا عبد الحميد وسجنوه بعد ثلاث وثلاثين سنة من الإرهاب، وكان خلعه في منتصف تلك الليلة المذكورة، وهؤلاء السلاطين من آل عثمان الذين ختم سلسلتهم السلطان عبد الحميد خان، كانوا من أهم أسباب ضعف المسلمين، حيث حكموا البلاد بالظلم والاستبداد، كما شوهوا سمعة الإسلام عند الغربيين وغيرهم، وقد كتبت كتابين() حول حكومة آل عثمان، وذكرت فيهما بعض التفصيل لما سببوه من سقوط المسلمين، وتشويه الإسلام، واستيلاء الغربيين علي بلاد المسلمين من ذلك اليوم والي هذا الحين، وهناك قصص غريبة يتحير منها الإنسان، نذكر قصة واحدة منها:

القانوني وملكات الجمال

كانت هناك كما في التاريخ امرأة مشهورة بالجمال في إيطاليا تسمي باسم: (جوليا) وهي الأرملة الإيطالية الشهيرة، التي عاشت بين عام تسعمائة وثمان وعشرين، و تسعمائة وأربع وثمانين هجرية، وكانت تعرف بلقب أجمل زهرة في الغرب من حيث الجمال كملكة الجمال في هذا اليوم، حتي أن السلطان العثماني سليمان القانوني طمع فيها، وعزم علي أن يضمّها في قصره إلي بقية جواريه اللاتي ملأن قصره بلا حساب، وحيث انه احتمل أن لا يحصل علي موافقتها، عزم علي خطفها.

قام القانوني بنفسه لإنجاز ما عزم عليه، فعبأ البحرية التركية وكان قوامها ألف سفينة وأرسلهم برجاله إلي إيطاليا للحصول علي تلك المرأة واختطافها حتي وان سبب ذلك لهم الحرب وسفك الدماء وقتل الأبرياء، فنزل الأتراك علي اليابسة ليلاً وتوجهوا مباشرة نحو القصر الذي كانت تلك المرأة تعيش فيه، ومن سوء حظ القانوني يضل قائد البحرية طريقه، فيسأل صبي الإصطبلات عن طريق القصر، فيلتفت الصبي إلي المؤامرة، وفور التفاته امتطي الصبي جواداً وأسرع يعدو إلي القصر، فوصل إليه قبل الأتراك وأيقظ تلك المرأة التي كانت

نائمة، وحملها علي جواده وفر بها من المعركة إلي حيث الأمان، وبهذا أنقذ هذا الصبي الشجاع المرأة، وخيّب مساعي السلطان وردّه خاسراً فاشلاً.

وأما المرأة المغرورة فانها من جفائها علي ما يذكر أنها بعدما أنقذها الصبي من الاختطاف وأنقذ حياتها أمرت وبكل وحشية في صباح اليوم التالي بقطع رأسه، ونفّذ الأمر علي الفور، وانطبق عليه الحكمة المعروفة: (اتق شر من أحسنت إليه).

وهكذا تكون النفوس الصغيرة التي لا إيمان لها بالله واليوم الآخر، فإنها تصبح حقودة وبلا سبب.

وكيف كان: فإن حاكماً مستهتراً كهذا، الذي لا يفكر إلا في شهواته، هل يستطيع أن يفكر في شعبه، أو في نشر الإسلام، كيف وهو وأعماله عار علي المسلمين؟

مصر ونهاية بني أيوب

في صباح يوم الاثنين من سنة ستمائة وثمانية وأربعين هجرية قام أربعة من زعماء المماليك البحرية بقتل السلطان توران شاه ابن الملك الصالح أيوب، وانتهي بذلك عصر دولة بني أيوب في مصر، وقد سبب قتل توران شاه موقفاً حرجاً وخطراً، إذ كان لابد من ملك يدير البلاد والعباد، والمماليك الذين قتلوا السلطان لا يزيدون عن كونهم مماليك أو خدماً للدولة وسلطانها ولا يمكن لهم أن يحكموا البلاد، ومن هنا كان المقترح أن يصير ملك مصر واحداً من أمراء البيت الأيوبي في الشام، وكان أكثرهم حظاً الناصر يوسف بن العزيز محمد بن الطاهر ملك حلب، ويليه صاحب الكرك، وبالفعل طُلب من الناصر يوسف ان يستعد للسير إلي مصر، ولم يكن المماليك البحرية مستعدين لقبوله سلطاناً علي مصر، لأنهم قتلوا ابن عمه توران شاه، فانه لو دخل مصر لكان أول ما يفعله هو قتل رؤساءهم الذين قتلوا السلطان، وبينما كانوا في حيرة من أمرهم إذ بدرت بينهم البادرة التالية:

حكومة شجرة الدر

نهضت فيهم «شجرة الدر» وهي امرأة أرملة الصالح أيوب وأم توران شاه وأقنعتهم بأن تكون هي الملكة علي البلاد، وذلك تعبيراً عن احترامهم للبيت الأيوبي، وأشارت بأن يكون اسمها الرسمي: والدة الخليل، وهو ابن للصالح أيوب أنجبته «شجرة الدر» ومات في حياة أبيه، إضافة إلي أنهم كانوا يستطيعون إقامة واحد من كبار المماليك أتابكاً بيناً للسلطنة، حتي يري الناس أن الملك ما يزال بيد رجل.

تم هذا الترشيح والانتخاب الفردي الاستبدادي فعلاً، وأخذت البيعة للسلطانة الجديدة، وذلك في اليوم العاشر من شهر صفر سنة ستمائة وثمانية وأربعين هجرية، وتولي العرش امرأة اسمها: «شجرة الدر» والدة الخليل وصارت ملكةً للمسلمين، وباستثناء «رضية الدين» سلطانة الدلفي فيما بين سنة ستمائة وثلاث

وثلاثين، وستمائة وسبع وثلاثين هجرية، تعتبر «شجرة الدر» أول سلطانة مسلمة ترأّست حكومة المسلمين، وتربعت علي عرش دولة إسلامية، وهناك أيضاً بعد ذلك يأتي دور أم الخليفة العثماني حيث صارت هي أيضاً ملكة في قصة طويلة.

وعلي أي حال: فان أحسن وصف لأخلاق السلطانة الجديدة: «شجرة الدر» هو قول بعضهم: أنها كانت امرأة صعبة الخلق، شديدة الغيرة، قوية البأس، ذات شهامة زائدة، سكري من خمر التيه والعجب، وهي بعقليتها الأنثوية الضعيفة منحرفة، أخذت تدير البلاد إدارةً منحرفة، غير أن الناس في مصر غضبوا من أن تملكهم امرأة، ورفض أيضاً الحاكم العباسي المستنصر، الاعتراف بها، فلجأت هذه المرأة إلي حيلة تحتفظ بسلطانها في مقابل التنازل في الظاهر، فعرضت أن تتزوج معز الدين ايبك نائب السلطنة وتتنازل عن الملك في الظاهر، وتم ذلك وتنازلت «شجرة الدر» عن ظاهر السلطان بعد أن حكمت ثمانين يوماً فقط وانتقل اللقب إلي معز الدين ايبك.

وكان المعز ايبك هذا السلطان الجديد شديد الخوف علي سلطانه من المماليك البحرية، وخاصة سيف الدين والبنداق دار، فدبّر مؤامرة أبعد علي إثرها البحرية إلي الشام، وأدخل بعضهم في خدمة صاحب الكرك الصغري، فظلوا يتربصون الفرصة للعودة إلي مصر والانتقام من المعز ايبك الذي أنشأ لنفسه حاشية كبيرة من المماليك عرفت بالمعزيه، وعلي الرغم من تنازل «شجرة الدر» عن السلطة، إلا إنها ضلت تراسل زعماء المماليك البحرية سراً تستعين بهم، إذ غدر بها المعز ايبك، فشعر هو بذلك وخافها علي نفسه، فترك مقامه في القلعة ونزل إلي القاهرة وسكن بمناظر اللوق قرب ما يعرف اليوم بباب اللوق في القاهرة، وأراد ايبك أن يستقوي علي زوجته وشريكته في السلطنة «شجرة الدر» فكتب إلي صاحب الموصل يخطب ابنته وهنا غضبت

«شجرة الدر» عليه، فما زالت به حتي تمكنت من قتله بحيلة، حيث قام غلمانها بقتله.

شجرة الدر ونهايتها

ثم عرضت «شجرة الدر» السلطنة علي اثنين من كبار المماليك المعزّية، فرفضوا ذلك، وقد غضب الناس علي «شجرة الدر» غضباً عظيماً لمؤامراتها التي لا تنتهي ضد هذا وذاك، فاجتمع أمراء المماليك المعزّية علي التخلص منها، ولكن المماليك البحرية ضلوا علي ولائهم لها واتفقوا علي أن تقيم في البرج الأحمر في القلعة معززة، وهنا فقدت «شجرة الدر» سلطانها، وقامت امرأة أخري للأخذ بثأرها، وكانت تلك هي: زوجة المعز ايبك الأولي، وأم ولده علي، فقد كانت «شجرة الدر» قد منعت المعز ايبك من زيارتها بعد زواجها منه، وما زالت توبخه حتي طلقها، وكتمت المرأة غيظها حتي أمكنتها الفرصة في ذلك، فبادرت إلي المماليك البحرية وأخذت تخوفهم غدر «شجرة الدر» حتي تخلوا عنها، بل حملوها مقيدة إلي دار غنيمتها، فحبستها في غرفة مظلمة، ومنعت عنها الماء والطعام، وجعلتها في ضيق شديد.

وفي منتصف ليلة من ليالي ربيع الأول سنة ستمائة وخمس وخمسون هجرية، دخل نفر من جواري أم علي علي السلطانة المعزولة، ووقعن عليها ضرباً بالقباقيب مبالغة في الإهانة والاحتقار حتي أثخنوها بالجراح إلي أن ماتت من الضرب بالقبقاب علي رأسها ثم ألقينها من سور القلعة إلي خندق وبقيت جثتها في الخندق أياماً ثم دفنت في القاهرة.

وهكذا تلاعب الحكام الجهلة بالحكم، وتحكّموا بمصير المسلمين، مما سبّب للمسلمين التأخر والتقهقر، وللإسلام التشويه والتمويه.

من أهم أسباب تولد الطاغوت

ثم إن من أهم أسباب تولد الطاغوت هو: الجهل وعدم الوعي الكافي، فان من يعلم بأن الله خلق الإنسان حراً، ومنحه حرياته الأساسية، وجعله حاكماً علي نفسه وماله، لا يرضخ للعبودية والظلم، ولا يعترف بالطغاة والظالمين.

ومن هنا يلزم السعي الجاد لتوعية

الشعوب وذلك بنشر الفكر الإسلامي عبر الكتب والنشرات والإذاعات والانترنيت وما أشبه.

كما ان من أسبابها أيضاً، فقدان ثقافة التعددية، وشيوع ظاهرة الاستبداد والأنانية، وفكرة الاستئثار والانحصارية، مع أن من ملك استأثر، كما قال تعالي: ?إن الإنسان ليطغي ? أن رآه استغني?().

فالإنسان بطبيعته كثيراً ما يميل إلي الطغيان والذي يردعه عن ذلك هو الإيمان بالله واليوم الآخر، مضافاً إلي نظام التعددية السياسية حيث تمنع الطاغوت عن طغيانه ولو نسبياً، وهذا ما نفقده في بلادنا.

الطغاة وأوصافهم

للطغاة أوصاف يذكرها الباحثون، فمنها:

1: يري نفسه المالك المطلق والمتصرف الوحيد في مقدرات الناس، كما قال القرآن الحكيم عن لسان فرعون: ?.. أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي?().

2: يري نفسه المقدم دائماً وغيره متخلف عنه، كما قال تعالي حاكياً ما قاله فرعون: ?أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين? ().

3: يحمل كثيراً من الصفات الدنيئة كالحسد والتكبر والعصبية والشك والريبة والبلادة والكذب والخوف والخيانة وعدم الوفاء.

4: يقدم مصلحته الشخصية وملذاته الشيطانية علي مصلحة الناس.

5: يتصف بالازدواجية في الشخصية.

6: ليس له قرار واطمئنان، بل يعيش في قلق دائم، واضطراب مستمر.

7: لا يقبل ولا يقتنع بآراء الآخرين ولا يستشيرهم.

8: لا يرحم حتي أصدقائه وأقربائه وأولاده.

9: يستهين بكفاءات الآخرين، بل يسعي في القضاء عليها.

10: لا يخاف الله عزوجل ويستهين باليوم الآخر.

11: يعشق القوة والجبروت.

12: يقضي أكثر أوقاته بالملذات النفسية حتي المحرم منها.

13: يسرف في مباهج الحياة.

14: يغدر ولا يفي بوعده.

15: لا يحفتظ لأحد بودّه.

16: لا يعول علي رفقة وأصحاب.

17: القضاء علي المعارضين بشتي الطرق اللا انسانية.

18: يستخدم القسوة والبطش بأشد انواعها.

19: يعاقب بالعقاب الشديد علي المخالفة البسيطة وربما عاقب البريء لتخويف غيره.

20: إنه يكافئ الإحسان بالإساءة.

21: يعتمد علي

الشعارات الفارغة.

22: يتلون في الأقوال والمواقف.

23: لا يري للإنسان أي قيمة فيقتل الآلاف بلا اكتراث.

24: يري أن الهدف يبرّر الوسيلة.

25: يري أن من لم يكن معه فهو عليه.

إلي غير ذلك.

الإرهاب وتصفية المعارضة

من أشهر صفات الطغاة محاولتهم القضاء علي المعارضة بمختلف الطرق الإرهابية: سجناً وتعذيباً وقتلا.

وربما استخدموا الغدر في ذلك، كما نراه في طغاة العراق.

ففي أعقاب صدور بيان آذار عام 1970م لحل المشكلة الكردية العراقية خطط النظام الحاكم لاغتيال الملا مصطفي البرازاني الزعيم الكردي، وذلك بإرسال مجموعة من رجال الدين وشيوخ الإسلام لمقابلته، حيث كان البرزاني لا يثق برجال الدولة، وقد أهدي صدام لأعضاء الوفد وهم أكثر من عشرة علماء، ملابس دينية كاملة علي أن يقدمها لهم مرافقو الوفد قبيل وصولهم الي مقر البارزاني.

وفي اليوم الثاني واذا بوكالات الأنباء قالت: ان البارزاني قد نجا من محاولة لاغتياله أثناء لقائه بأعضاء الوفد الإسلامي الذين قتلوا بالإجماع.

ثم تبين فيما بعد عن أن الملابس التي قدمت للعلماء كانت ملغومة، وقد تم تفجيرها باللاسلكي من قبل سواق السيارات التي أقلتهم، وقد تحدّث ابن البارزاني فيما بعد عن كيفية نجاة والده وقال: إن التفجير تم في اللحظة التي تقدم حامل أكواب الشاي لتسليم الكوب إلي والده، فأصبح حامل الشاي الذي تمزقت أوصاله حاجزاً بين الملا مصطفي وبين محدثيه الملغومين.

كما قتل طغاة العراق عشرات الآلاف من الشعب البريء وحتي من طاقم الدولة.

مثلاً: اعتقل وأعدم تشكيلين كاملين لطاقمين من مجلس الوزراء، وكان من بينهم اثنان من نواب رئيس الجمهورية، واثنان من رؤساء الوزارات وثلاثة وزراء خارجية، وثلاثة وزراء دفاع، ووزير للصحة، ووزير للتربية، ووزير للصناعة، ووزير للتخطيط، ووزير للتعليم العالي، وخمسة وكلاء وزارة وأمين العاصمة، ومدير الأمن العام المسؤول عن حماية أمن الدولة.

تصفية الأصدقاء والموالين

ومن صفات الطغاة أنهم يعمّون بغدرهم ليس المعارضين فقط، بل حتي الأصدقاء والموالين لهم، فقد انتهي رئيس مجلس قيادة (الثورة) في العراق والأمين القطري للحزب من تصفية أحد عشر عضواً من

أعضاء مجلس قيادة الثورة، والقيادة القطرية للحزب، وهو عدد يزيد عن عدد أعضاء الطاقم الكامل للمجلس الذي يتكون من تسعة أشخاص.

كما أعدم ثلاثة أشخاص كانوا من المحاور الرئيسية لأهم المنجزات التي يفتخر بها الجهاز الدعائي للنظام منذ خمسة عشر عاماً وهم كل من:

1 مرتضي الحديثي، الذي كان بطل التأميم أعدم في السجن 1981.

2 محمد محجوب، بطل محو الأمية، أعدم في السجن 1979.

3 عدنان الحمداني، بطل مشروع التنمية، أعدم عام 1979.

هذا بالإضافة إلي إعدام الآلاف من العلماء والكتاب والخطباء والمثقفين ومن أشبه.

وقد قام النظام الحاكم أيضاً بتهجير أكثر من مليون شخص عراقي، ولما سئل عن إمكانية عودتهم في يوم ما إلي ديارهم، قال: (لا … هذا غير ممكن) وأضاف: (هل إذا رمي أحدكم الأوساخ في برميل القمامة في الشارع، يعود إليها ويحملها إلي البيت؟).

هكذا تكون نظرة الحكام الطغاة إلي الإنسان الذي كرمه الله تعالي وسخر له ما في السماوات والأرض، وذلك لأنهم لم يشموا ريح الإنسانية ولم يكن لهم منها نصيب.

تهجير المواطنين وتشريدهم

ومن صفات الطغاة: زرع الخوف في الناس بالقتل والتعذيب، والتهجير والتشريد، وهذا ما شاهدناه في النظام العراقي الحاكم زمن العفالقة، فقد قال مدير الشرطة العام حينذاك: (فاضل البراك) في تصريح له: إن التهجير يشمل كل من يشك ولائه للحزب والثورة، حتي لو كان يملك شهادة الجنسية العراقية من الدرجة الأولي! وقد صدر قرار بتاريخ 6/5/1980 ينص علي ما يلي:

(تسقط الجنسية العراقية ويبعد عن القطر كل عراقي يعادي أهداف ثورة 17 تموز عام 1968).

وهؤلاء الطغاة هم المسؤولون عن ضعف المسلمين وعدم انتشار الإسلام وظهوره علي كل الأديان.

مكافأة الإحسان بالإساءة

ومن صفات الطغاة الظلمة أنهم يكافئون الإحسان بالإساءة، فقد جاء في التاريخ كثير من القصص الدالة علي ذلك، مثل: قصة غدر الحاكم العباسي المنصور، بأبي مسلم الخراساني الذي قضي علي الأمويين وجاء بالعباسيين إلي الحكم.

ومثل قصة الحاكم العفلقي: صدام، مع الذي دلهم علي الطريق، فقد نقل عن أحد زملاء صدام وكان معه حينما هرب صدام من العراق إلي سورية بعد محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، انه قال: حينما وصلنا قرب الأراضي السورية، وكنا نحاول عبور الحدود عبر الصحراء سألنا أحد سكان قرية عراقية، وكان عمره قد تجاوز الستين عاماً، عن الطريق فتبرع الرجل وجاء معنا ليدلنا عليه، ومشي قرابة ثلاث ساعات، حتي أوصلنا إلي خارج العراق، ودلنا علي الطريق، فودعناه وذهبنا عنه.

وما هي إلا خطوات، حتي أدار صدام وجهه نحو الرجل، وهو يقفل راجعاً إلي قريته، وأطلق عليه ثلاث رصاصات أصابت رأسه وظهره، فقلت له: ولم قتلته، وهو لم يقدم لنا إلا خدمة الإرشاد إلي الطريق؟.

فقال وببرودة القتلة المحترفين: لقد كان الشاهد الوحيد علي هروبنا، ولابد من اختفاء كل أثر يمكن أن يدل علينا.

فقلت له: أولاً إنه لم يعرفنا.

وثانياً:

انه من المستبعد أن يتعرض للتحقيق، وقريته من القري المنسية في هذه المنطقة.

وثالثاً: إننا قد تجاوزنا الحدود.

فقاطعني قائلاً: أتريد بكلامك هذا إعادة الحياة إليه؟

ولما أطلت معه العتاب شهر مسدسه عليّ وقال: هل ترغب في أن ألحقك بصاحبك؟

نعم، قتل المحسنين، وغدر الأوفياء الذين يقدّمون خدمة إنسانية للفرد والمجتمع هو شيمة الطغاة والإرهابيين، كما ينقل عن الحجاج أيضاً: من أنه كان يغرق يوماً في نهر الكوفة، فأنقذه من الغرق مستطرق لم يعرفه، فقال له الحجاج بعد أن نجي من الموت: هل تعرفني؟

قال الرجل: لا.

قال الحجاج: أظن انك لو عرفتني لما أنقذتني من الغرق، إني أنا الحجاج، ثم قال لجلاّده: أضرب عنقه.

وكلما حاول الرجل استعطافه لم ينفع في دفع القتل عنه، حتي قتل.

الطغاة لا يرحمون حتي الأقرباء

ومن صفات الطغاة انهم لا يرحمون حتي أقرب الناس إليهم، وفي التاريخ الكثير من قصص الطغاة الذين قضوا علي حياة أقربائهم لمجرّد أنهم عارضوهم، أو احتملوا معارضتهم لهم، وذلك بدءاً بطغاة بني أمية وبني العباس، وانتهاءً بطغاة عصرنا الحاضر أمثال صدام.

وفعلة صدام الشهيرة بالنسبة إلي صهره: حسين كامل، خير دليل علي ذلك، فان حسين كامل عارض صدام ثم ندم ورجع عن معارضته له، وعاد إلي العراق بعد أن طمأنه صدام علي أن لا يتعرض له بسوء، فاطمأن حسين كامل إلي أمان صدام ورجع إليه، لكنه فور وصوله إلي العراق، افتعل له صدام كيداً، وذلك بانتداب جماعة من الجلاوزة إلي مقارعته ومقاتلته.

وبالفعل، فان هؤلاء الجلاوزة الذين انتدبهم صدام لقتله، قصدوه إلي داره وهناك أبادوا الدار ومن فيها، وقتلوا حتي طفله الصغير، ولم يتركوا من أسرة حسين كامل أحداً يتنفس لا صغيراً ولا كبيراً، ولا أبناً ولا أباً، ولا أخاً ولا أختاً، بل اجتثّوهم جميعاً.

وهكذا يسلّط الله

الظالمين بعضهم علي بعض، كما في الحديث الشريف: «الظالم سيفي انتقم به وانتقم منه»، فان حسين كامل هو ذلك الطاغوت الذي أمره صدام بإخماد الانتفاضة الشعبية في كربلاء المقدسة، فجاءها بكامل أهبته وجلاوزته ووقف علي روضة الإمام الحسين عليه السلام الذي قد لجأ الناس إليها، وقال: أنت حسين، وأنا حسين، فلننظر لأينا الغلب؟

ثم هاجم الروضة المباركة بالحديد والنار، وقضي علي من كان قد لجأ فيها، ودمّر كل ما كان مانعاً في الروضة المباركة من تحقيق هدفه هذا من قمع الانتفاضة وقتل الثائرين، وتصور انه بهذا قد تحقق له الغلب، ولكن لم تمض علي هذه الجريمة إلا وظهر لحسين كامل اشتباه تصوره، وظهر للناس أيضاً، كيف أن الغلب والخلود للإمام الحسين عليه السلام ومن يلوذ به وليس لكامل وصدام وأشباهه، وان يوم صدام لقريب إن شاء الله تعالي.

القتل والإرهاب هواية الطغاة

ومن صفات الطغاة: انهم يهوون قتل الأبرياء، ويعشقون الظلم والجور في الحكم، وعلي هذه الصفة شواهد كثيرة في تاريخ الحكام الطغاة منذ زمن الأمويين والعباسيين والعثمانيين وحتي يومنا هذا.

ومن المعلوم: إن الإسلام منهم ومن هذه الصفة براء، ففي الحديث الشريف: «لو اشترك أهل الأرض في قتل مؤمن لعذّبهم الله جميعاً»، وفي القرآن الحكيم قبل الحديث: ?من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً?() لكن الحكام الطغاة المتطفلين علي المسلمين بما أنهم يدّعون الإسلام كذباً وزوراً، يغطي إرهابهم وظلمهم علي الإسلام والمسلمين ويشوّه من سمعتهم، وفي هذا وزر عظيم عليهم، وخاصة علي من هم أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي كان لا يهنأ بالأكل والشرب، إلا بعد أن يري إنساناً مذبوحاُ يتضرّج بدمه، ويتقلّب فيه، ويرفرف كالطير بين يديه، وكان لتعطشه بالدماء، وتلذّذه برؤية

المقتول المتقلب في دمه، قد أوصي جلاّده بأنه يحمي صحناً فلزّياً بالنار، حتي إذا ضرب عنق ذلك الإنسان المظلوم، الصق الصحن الفلزي المحمي برقبته، وعلي أوداجه، فتلتئم، فيبقي المقتول يرفرف لمدة أطول، ويتقلب في دمه زماناً أكثر، فيديم الحجاج أكله وشربه متلذذاً به وبالمنظر الذي يتفرّج عليه، وهذه الروح روح إرهابية، وهذا النمط من الناس أناس إرهابيون، قد أعلن الله ورسوله والمؤمنون براءتهم منهم، وقي الله الأمة والناس أجمعين شرهم وخطرهم.

لا قيمة للشعوب عند الطغاة

ومن صفات الطغاة انهم لا يرون أية قيمة للشعوب. ولذلك نسمع تصريحات كثيرة لحكام كثيرين: بأنهم للاحتفاظ بعروشهم مستعدّون لإبادة الشعب كله، كما أنهم طبقوا تصريحاتهم الإرهابية علي ساحة الواقع، عندما اصطدموا بالشعب أو توقف استمرار حكمهم عليه، كما اتفق ذلك لحكام العراق العفالقة.

مثلاً: في السابع عشر من مارس (آذار) 1988، ألقت الطائرات العسكرية العراقية بأمر الطاغية صدام عشرات القنابل الكيماوية المحتوية علي مادة (السيانيد) وغازات الخردل والأعصاب وغازات سامة أخري، علي مدينة حلبجة الواقعة شمال شرق مدينة بغداد وعلي بعد (260) كيلومتراً منها، وكان عدد سكان حلبجه يومها ثمانين ألفاً، تقول التقارير: إن آلافاً منهم احترقت أجسادهم أو تجمدت علي الفور، ولا يعرف إلي الآن كيف أثرت الإصابات الجانبية بالذين كانوا يستعدون لقضاء يوم عادي بين قطعانهم وبيوتهم ومزارعهم؟.

وما حصل في حلبجة تكرر في قرية شيخ وسانان التي تبعد ستين كيلومتراً عن جبهة الحرب العراقية الإيرانية، ودقائق بعد القصف المركّز تحولت القرية الوادعة الي مئات من القتلي والمشوهين والمصابين بالحروق والبقع الكيماوية، ونقل المئات الي مستشفيات أربيل العسكرية، وفي اليوم التالي صدرت الأوامر بإحراق الأموات لمحو آثار الجريمة، وبعض المصادر تؤكد أنه تم إحراق بعض الأحياء أيضاً من الضحايا في مناطق عسكرية خصصت

لذلك الغرض.

وأمثال هذه القصص وأشباه هذه الحوادث كثيرة جداً، ويحتاج استقصاؤها إلي مجلد ضخم، وإنما نكتفي منها بهذا القدر القليل للدلالة علي سبب تقدم الغرب وتأخر المسلمين، حيث استيقظ أولئك وغفل هؤلاء، فوقع بينهما ما وقع مما نشاهده من الهوّة السحيقة، والفجوة الكبيرة، وقد أصيب المسلمون في هذا اليوم ضعفاً غريباً نسأل الله عزوجل أن يعيد علي المسلمين قوتهم ومجدهم، وسيادتهم وعزهم، إن شاء الله تعالي.

الطغاة وجعل الاحاديث

ثم إن الطغاة حيث انهم يشعرون بانعزالهم عن الناس، واشمئزاز الناس عنهم وتنفرهم عنهم، وانه لا رصيد لهم في قلوب الناس، ولا شرعية لحكمهم وحكومتهم عند الشعوب، يحاولون بشتي الأساليب والطرق، إضفاء الشرعية الكاذبة علي حكومتهم ليغووا بها عامة الناس، ومن جملة تلك الأساليب الماكرة، والطرق الخادعة، اشتراء الضمائر وتسخيرها في خدمتهم بجعل الأحاديث التي تعطي صبغة شرعية علي ما يفعلونه من ظلم وجور.

ولذلك وضعوا روايات تقول: بأنه يجب الصبر عند جور الحاكم.

وروايات تقول: بان الخروج علي الحاكم المستخف بدين الله الجائر علي عباد الله حرام، مستدلين بان في الخروج تفريقاً لكلمة المسلمين.

وقد رووا: (من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصيته ولا ينزعن يدا من طاعة).

ورووا: تجب طاعة ملوك بني أمية وإن جاروا وان ظلموا.. والله لما يصلح بهم أكثر مما يفسدون.

وقال بعضهم: بأن البيعة لا تفتقر إلي الاجماع، بل تصح من الواحد والاثنين.

التنديد بالظلم والظالمين

هذا ما جاء في بعض المذاهب، ولكن في مذهب أهل البيت عليهم السلام تري الروايات تؤكد علي لزوم الإنكار علي الظالم والتنديد بظلمه، وحرمة إطاعته ووجوب الخروج عليه، ونصرة المظلوم والدفاع عنه في قبال الظالم، وذلك كما أمر القرآن به حيث يقول: ?ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار?().

وحيث يقول: ?قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلي ربه فيعذبه عذاباً نكراً?().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من مدح سلطاناً جائراً وتخفف وتضعضع له طمعاً فيه كان قرينه إلي النار» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «ألا ومن علّق سوطاً بين يدي سلطان جائر جعل الله ذلك السوط يوم القيامة ثعباناً من النار طوله سبعون ذراعاً يسلط عليه في نار

جهنم وبئس المصير» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «من دل جائراً علي جور كان قرين هامان في جهنم» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «من تولي خصومة ظالم أو أعان عليها ثم نزل به ملك الموت قال له: أبشر بلعنة الله ونار جهنم وبئس المصير» ().

وقال عليه السلام: «من أحدّ سنان الغضب لله قوي علي قتل أشداء الباطل» ()

وقال عليه السلام: «العامل بالظلم والراضي به والمعين عليه شركاء ثلاثة» ().

القرآن وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ومن هنا ورد التأكيد الكبير علي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من دون فرق بين أن يكون الطرف حاكماً أو محكوماً، فإن ذلك يقلع المنكر من ظلم وإرهاب، ويقمع أهل المنكر من الظالمين والإرهابيين، لكن المسلمين لما تركوا ذلك تسلط الطغاة وحكام الجور عليهم.

قال تعالي: ?ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون?().

وقال سبحانه: ?كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر?().

وقال تعالي: ?يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ?().

وقال سبحانه: ?لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون?().

وقال تعالي: ?كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون?().

وقال سبحانه: ?يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر?().

وقال تعالي في قصة أصحاب السبت: ?وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرةً إلي ربكم ولعلهم يتقون ? فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون?().

وقال سبحانه: ?وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين?().

وقال تعالي: ?المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف?().

وقال عزوجل: ?والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون

عن المنكر?().

وقال سبحانه: ?فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين?().

وقال تعالي: ?اذهبا إلي فرعون إنه طغي ? فقولا له قولا ليناً لعله يتذكر أو يخشي ? قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغي? قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأري?().

وقال سبحانه: ?وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها?().

وقال عزوجل: ?الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر?().

وقال تعالي: ?يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر علي ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور?().

وقال سبحانه: ?يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة?().

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الروايات

عن أبي الحسن عليه السلام قال: «لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليفتحن الله عليكم فتنة تترك العاقل منكم حيران ثم ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم ثم من وراء ذلك عذاب أليم» ().

وعن أبي سعيد الزهري عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام قالا: «ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» ().

وقال أبو جعفر عليه السلام: «بئس القوم قوم يعيبون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «أدني الإنكار أن تلقي أهل المعاصي بوجوه مكفهرة» ().

وقال الإمام الباقر عليه السلام: «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله فمن نصرهما أعزه الله ومن خذلهما خذله الله»

().

وعن محمد بن عرفة قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: كان رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: «إذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلتأذن بوقاع من الله تعالي» ().

النبي صلي الله عليه و اله يرشدنا لمجابهة الظالمين

عن أبي عبد الله عليه السلام: «أن رجلا من خثعم جاء إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: يا رسول الله أخبرني ما أفضل الإسلام؟

قال: الإيمان بالله.

قال: ثم ما ذا؟

قال: صلة الرحم؟

قال: ثم ما ذا؟

قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال: فقال الرجل: فأي الأعمال أبغض إلي الله عز وجل؟

قال: الشرك بالله.

قال: ثم ما ذا؟

قال: قطيعة الرحم.

قال: ثم ما ذا؟

قال: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف» ().

من علائم الجاهلية الثانية

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال النبي صلي الله عليه و اله: «كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر؟

فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟

فقال: نعم، وشر من ذلك، فكيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟

فقيل له: يا رسول الله! ويكون ذلك؟

فقال: نعم، وشر من ذلك، فكيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً» ().

كيف نقي مجتمعاتنا من النار؟

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لما نزلت هذه الآية ?يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً?() جلس رجل من المسلمين يبكي وقال: أنا قد عجزت عن نفسي كلفت أهلي؟

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عما تنهي عنه نفسك» ().

وعن أبي بصير في قول الله عز وجل: ?قوا أنفسكم وأهليكم ناراً? قلت: كيف أقيهم؟

قال: «تأمرهم بما أمر الله، وتنهاهم عما نهاهم الله، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد

قضيت ما عليك» ().

أهل البيت عليهم السلام يأمرون بالتصدي للطغاة

عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: «يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراءون يتقرءون ويتنسكون، حدثاء سفهاء، لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير، يتبعون زلات العلماء وفساد علمهم، يقبلون علي الصلاة والصيام وما لا يكلمهم في نفس ولا مال، ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أتم الفرائض وأشرفها.

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، هنالك يتم غضب الله عليهم فيعمهم بعقابه، فيهلك الأبرار في دار الفجار، والصغار في دار الكبار.

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصالحين، فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحل المكاسب، وترد المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر.

فأنكروا بقلوبكم، والفظوا بألسنتكم، وصكوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم، فإن اتعظوا وإلي الحق رجعوا فلا سبيل عليهم..

?إنما السبيل علي الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم?()، هنالك فجاهدوهم بأبدانكم، وأبغضوهم بقلوبكم، غير طالبين سلطاناً، ولا باغين مالا، ولا مريدين بالظلم ظفراً، حتي يفيئوا إلي أمر الله ويمضوا علي طاعته» ().

عواقب المداهنة مع الظالمين

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله بعث ملكين إلي أهل مدينة ليقلباها علي أهلها فلما انتهيا إلي المدينة وجدا رجلا يدعو الله ويتضرع إليه، فقال أحدهما للآخر: أما تري هذا الداعي.

فقال: قد رأيته ولكن أمضي لما أمرني به ربي.

فقال: ولكني لا أحدث شيئا حتي أرجع إلي ربي، فعاد إلي الله تبارك وتعالي فقال: يا رب إني انتهيت إلي المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك ويتضرع إليك.

فقال: امض لما أمرتك فإن ذلك رجل لم يتغير وجهه

غضبا لي قط().

وقال أبو جعفر عليه السلام: «أوحي الله إلي شعيب النبي عليه السلام: إني لمعذب من قومك مائة ألف أربعين ألفاً من شرارهم وستين ألفاً من خيارهم، فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحي الله عزوجل إليه: إنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي» ().

وروي عن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: «لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا علي البر والتقوي فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت عنهم البركات وسلط بعضهم علي بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «من ترك إنكار المنكر بقلبه ويده ولسانه فهو ميت بين الأحياء» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام في قوله ?كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون?(). قال: «أما إنهم لم يكونوا يدخلون مداخلهم ولا يجلسون مجالسهم ولكن كانوا إذا لقوهم ضحكوا في وجوههم وآنسوا بهم» ().

وفي تفسير الإمام العسكري عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ولقد أوحي الله فيما مضي قبلكم إلي جبرئيل فأمره أن يخسف ببلد يشتمل علي الكفار والفجار.

فقال جبرئيل: يا رب اخسف بهم إلا بفلان الزاهد؟ ليعرف ماذا يأمر الله به.

فقال الله عزوجل: بل اخسف بهم وبفلان قبلهم.

فسأل ربه فقال: رب عرفني لم ذلك وهو زاهد عابد؟

قال: مكنت له وأقدرته فهو لا يأمر بالمعروف ولا ينهي عن المنكر، وكان يتوفر علي حبهم وفي غضبي لهم.

فقالوا يا رسول الله وكيف بنا ونحن لا نقدر علي إنكار ما نشاهده من منكر.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليعمكم عقاب الله.

ثم قال صلي الله عليه

و اله: من رأي منكم منكرا فلينكره بيده إن استطاع فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، فحسبه أن يعلم الله من قلبه أنه لذلك كاره» ().

واجب العلماء تجاه الطغاة

عن ابن محمد عن الحارث بن المغيرة قال: لقيني أبو عبد الله عليه السلام في بعض طرق المدينة ليلا فقال لي: «يا حارث».

فقلت: نعم.

فقال: «أما ليحملن ذنوب سفهائكم علي علمائكم»، ثم مضي.

قال: ثم أتيته فاستأذنت عليه فقلت: جعلت فداك لم قلت ليحملن ذنوب سفهائكم علي علمائكم فقد دخلني من ذلك أمر عظيم؟

فقال لي: «نعم، ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهونه مما يدخل به علينا الأذي والعيب عند الناس أن تأتوه فتؤنبوه وتعظوه وتقولوا له قولا بليغا».

فقلت له: إذا لا يقبل منا ولا يطيعنا؟

قال: فقال: «فإذاً فاهجروه عند ذلك واجتنبوا مجالسته» ().

مجاري الأمور بيد العلماء

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال: «اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه علي الأحبار، إذ يقول ?لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم?() وقال: ?لعن الذين كفروا من بني إسرائيل علي لسان داود وعيسي بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ? كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون?()، وإنما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك، رغبة فيما كانوا ينالون منهم، ورهبة مما يحذرون، والله يقول: ?فلا تخشوا الناس واخشون?() وقال: ?المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر?() فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه، لعلمه بأنها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هيّنها وصعبها، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلي

الإسلام، مع رد المظالم، ومخالفة الظالم، وقسمة الفيء والغنائم، وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها.

ثم أنتم أيتها العصابة عصابة بالعلم مشهورة، وبالخير مذكورة، وبالنصيحة معروفة، وبالله في أنفس الناس مهابة، يهابكم الشريف، ويكرمكم الضعيف، ويؤثركم من لا فضل لكم عليه ولا يد لكم عنده، تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلابها، وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الأكابر، أليس كل ذلك إنما نلتموه بما يرجي عندكم من القيام بحق الله وإن كنتم عن أكثر حقه تقصرون فاستخففتم بحق الأئمة، فأما حق الضعفاء فضيعتم، وأما حقكم بزعمكم فطلبتم، فلا مالا بذلتموه، ولا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها، ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله.

أنتم تتمنون علي الله جنته ومجاورة رسله وأمانا من عذابه، لقد خشيت عليكم أيها المتمنون علي الله أن تحل بكم نقمة من نقماته، لأنكم بلغتم من كرامة الله منزلة فضلتم بها، ومن يعرف بالله لا تكرمون، وأنتم بالله في عباده تكرمون وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون، وذمة رسول الله صلي الله عليه و اله محقورة والعمي والبكم والزمني في المدائن مهملة لاترحمون، ولا في منزلتكم تعملون ولا من عمل فيها تعينون، وبالإدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون، كل ذلك مما أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون.

وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء، لو كنتم تشعرون ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام علي أيدي العلماء بالله، الأمناء علي حلاله وحرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق، واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة، ولو صبرتم علي الأذي وتحملتم المئونة في ذات الله، كانت أمور الله عليكم ترد، وعنكم تصدر،

وإليكم ترجع.

ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم، واستسلمتم أمور الله في أيديهم، يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات، سلطهم علي ذلك فراركم من الموت، وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم، فمن بين مستعبد مقهور، وبين مستضعف علي معيشته مغلوب، يتقلبون في الملك بآرائهم، ويستشعرون الخزي بأهوائهم، اقتداء بالأشرار، وجرأة علي الجبار، في كل بلد منهم علي منبره خطيب يصقع، فالأرض لهم شاغرة، وأيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول، لا يدفعون يد لامس، فمن بين جبار عنيد، وذي سطوة علي الضعفة شديد، مطاع لا يعرف المبدئ المعيد، فيا عجبا وما لي لا أعجب والأرض من غاش غشوم، ومتصدق ظلوم، وعامل علي المؤمنين بهم غير رحيم، فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا، والقائل بحكمه فيما شجر بيننا، اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان، ولا التماسا من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك، فإن لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيكم، وحسبنا الله وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير» ().

المعروف والمنكر: خليفتان

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «المعروف والمنكر خليفتان ينصبان للناس، فيقول المنكر لأهله: إليكم إليكم، ويقول المعروف لأهله: عليكم عليكم، وما يستطيعون له إلا لزوما» ().

وعن أحدهما عليه السلام أنه قال: «لا دين لمن لا يدين الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن الله فوض إلي المؤمن أموره كلها ولم يفوض إليه أن يكون ذليلا أما تسمع الله تعالي يقول: ?ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين?() فالمؤمن يكون عزيزاً ولا يكون ذليلا، قال: إن المؤمن أعز

من الجبل لأن الجبل يستقل منه بالمعاول والمؤمن لا يستقل من دينه بشيء» ().

وعن داود الرقي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه» ().

وعن مفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قلت: بما يذل نفسه؟ قال: يدخل فيما يعتذر منه» ().

ومن المعلوم: أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلي تسلّط الظالمين علي الناس، وتحكم الإرهابيين في رقابهم، وهو بالنتيجة إذلال لهم وخاصة المؤمنين منهم، فعلي المؤمن أن لا يذل نفسه، ولا يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

نسأل الله عزوجل أن يعيد إلي المسلمين مجدهم وينتشلهم من ضعفهم، ويأخذ بأيدينا جميعاً ويوفقنا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويجعلنا من المؤمنين المرضيين عنده، انه سميع مجيب.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة آل عمران: 19.

() سورة آل عمران: 85.

() سورة التوبة: 33، سورة الفتح: 28، سورة الصف: 9.

() سورة المائدة: 3.

() بحار الأنوار: ج14 ص287 ب21 ح10.

() جوزيف ستالين (1879/1953م): سياسي روسي ترأس الحزب الشيوعي (1922م) خلف لينين في زعامة الحرب والدولة قضي علي مناوئيه في محاكمات صورية واستبد بالسلطة.

() ماو تسي تونغ (18931976م): زعيم ومنظر سياسي صيني، قاد المسيرة الطويلة بين (1934 و1935م) انتصر علي قوات شيانغ كامي شيك وأسس جمهورية الصين الشعبية.

() سورة الروم: 30.

() سورة الحجر: 9.

() سورة التوبة: 33، سورة الفتح: 28، سورة الصف: 9.

() سورة الأنبياء: 92.

() سورة الحجرات: 10.

() سورة الأعراف: 65، سورة هود: 50.

() سورة ق: 13.

() سورة الأعراف: 73، سورة هود61.

() سورة الأعراف:

157.

() سورة الشوري: 38.

() سورة البقرة: 208.

() سورة البقرة: 29.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص111 ب1 ح20902.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص111 ب1 ح20905.

() شرح نهج البلاغة: ج5 ص129 أخبار متفرقة عن معاوية.

() سورة هود: 113.

() سورة الطلاق: 1.

() سورة الإسراء: 33.

() سورة الشوري: 3942.

() سورة البقرة: 194.

() حياة الإمام الحسين عليه السلام للقرشي: ج2 ص257.

() سورة الإسراء: 60.

() الناب: الناقة المسنة.

() الضروس: الناقة سيئة الخلق تعض حالبها.

() تعذم: من عذم الفرس: إذا أكل بجفاء أو عض.

() تزبن: تضرب.

() درها: لبنها، والمراد خيرها.

() شوهاء: قبيحة المنظر.

() مخشية: مخوفة مرعبة.

() عَلَم: دليل يهتدي به.

() نهج البلاغة: الخطبة 93.

() سورة النحل: 112.

() تهذيب الأحكام: ج10 ص216 ب16 ح5.

() نهج السعادة: ج8 ص494.

() حياة الإمام الحسين عليه السلام للقرشي: ج2 ص257.

() بحار الأنوار: ج34 ص54 ب31.

() بحار الأنوار: ج34 ص54-55 ب31.

() بحار الأنوار: ج34 ص57 ب31.

() بحار الأنوار: ج34 ص57 ب31.

() بحار الأنوار: ج34 ص59 ب31.

() تهذيب الأحكام: ج10 ص216 ب16 ح5.

() نهج السعادة: ج8 ص494.

() مجمع الزوائد: ج3 ص306.

() مجمع الزوائد: ج3 ص307.

() بحار الأنوار: ج68 ص123 ب63.

() اللهوف: ص97، المسلك الثاني في وصف حال القتال.

() شرح نهج البلاغة: ج5 ص129 أخبار متفرقة عن معاوية.

() شرح نهج البلاغة: ج5 ص130 أخبار متفرقة عن معاوية.

() سورة البقرة: 204-205.

() سورة البقرة: 207.

() شرح نهج البلاغة: ج1 ص343-344.

() شرح نهج البلاغة: ج1 ص343.

() سورة طه: 69.

() سورة البقرة: 206.

() خوارزم: منطقة تاريخية تقع علي ضفاف نهر أمو داريا (جيحون) في أراضي جمهوريتي تركمانستان وأوزبكستان، خضعت لحكم الأخيمينيين، فتحها المسلمين العرب في القرن السابع للميلاد، وفي ما بين القرن الحادي عشر والقرن الثالث عشر حكمتها سلالة مستقلة تعرف بالسلالة الخوارزمشاهية وبعد ذلك خضعت

لسطان المغول والتيموريين، ثم أصبحت قلب (خانية كيفا)، فتحها الروس وأخضعوها لحمايتهم عام 1873، وبعد الثورة السوفياتية ألغيت (الخانية) وأنشئت مكانها (جمهورية خوارزم الشعبية السوفياتية) (19201924).

() بلخ: مقاطعة في الجزء الشمالي من أفغانستان، مساحتها 15.626 كيلو متراً مربعاً، سكانها حوالي 40.000 نسمة عاصمتها: مزار شريف، وبلخ مدينة في هذه المقاطعة، تقع علي بضعة أميال إلي الغرب من العاصمة مزار شريف، كانت عاصمة مملكة باكتريا، ازدهرت في عهد العباسيين والسامانيين وكانت مركزاً ثقافياً مرموقاً، اجتاحها جحافل جنكيز خان ودمرتها عام 1220م.

() في بحار الأنوار: ج62 ص83 ب2: عن رسول الله ?: «لا تطيلوا النظر إلي المجذوم، وإذا كلمتموه فليكن بينكم وبينه قيد رمح».

() سورة إبراهيم: 15.

() سورة الشعراء: 130.

() سورة آل عمران: 159.

() كتاب (موجز عن الدولة العثمانية) و(تلخيص تاريخ الإمبراطورية العثمانية).

() سورة العلق: 6-7.

() سورة الزخرف: 51.

() سورة الزخرف: 52.

() سورة المائدة: 32.

() سورة هود: 113.

() سورة الكهف: 87.

() بحار الأنوار: ج72 ص369 ب82 ح3.

() المصدر.

() المصدر.

() المصدر.

() وسائل الشيعة: ج16 ص133 ب3 ح21168.

() وسائل الشيعة: ج16 ص139 ب5 ح21182.

() سورة آل عمران: 104.

() سورة آل عمران: 110.

() سورة آل عمران: 114.

() سورة المائدة: 63.

() سورة المائدة: 79.

() سورة الأعراف: 157.

() سورة الأعراف: 164-165.

() سورة الأعراف: 199.

() سورة التوبة: 67.

() سورة التوبة: 71.

() سورة هود: 116.

() سورة طه: 43-46.

() سورة طه: 132.

() سورة الحج: 41.

() سورة لقمان: 17.

() سورة التحريم: 6.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص176 ب80 ح1.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص86.

() الكافي: ج5 ص56 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ح4.

() وسائل الشيعة: ج16 ص117 ب1 ح21128.

() غوالي اللآلي: ج3 ص190 باب الجهاد ح29.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص181 ب1 ح13823.

() بحار الأنوار: ج97

ص92 ب1 ح84.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص176 ب80 ح4.

() مشكاة الأنوار: ص49 الفصل13 في الأمر بالمعروف.

() سورة التحريم: 6.

() مكارم الأخلاق: ص217 في حق المرأة علي الزوج.

() الكافي: ج5 ص62 ح2.

() سورة الشوري: 42.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص180-181 ب80 ح21.

() الزهد: ص64-65 ب11 ح171.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص181 ب80 ح21.

() بحار الأنوار: ج97 ص94 ب1 ح95.

() غوالي اللآلي: ج3 ص188 باب الجهاد ح24.

() سورة المائدة: 79.

() تفسير العياشي: ج1 ص335 من سورة المائدة ح161.

() تفسير الإمام العسكري عليه السلام: ص480 في ذم ترك الأمر بالمعروف ح307.

() بحار الأنوار: ج97 ص85 ب1 ح58.

() سورة المائدة: 63.

() سورة المائدة: 78-79.

() سورة المائدة: 44.

() سورة التوبة: 71.

() تحف العقول: ص237 من كلام الإمام الحسين عليه السلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

() بحار الأنوار: ج97 ص70 ب1 ح1.

() بحار الأنوار: ج97 ص86 ب1 ح59.

() سورة المنافقون: 8.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص179 ب80 ح16.

() وسائل الشيعة: ج16 ص158 ب13 ح21236.

() الكافي: ج5 ص64 باب كراهة التعرض لما لا يطيق ح5.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.