مقومات رجل الدين

اشارة

اسم الكتاب: مقومات رجل الدين

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1422 ق

الطبعة: اول

الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

سورة البقرة 156

كان هذا الكتاب ماثلاً للطبع، إذ تلقينا ببالغ الحزن والأسي نبأ ارتحال المرجع الديني الأعلي الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، حيث فجع العالم الإسلامي والحوزات العلمية بفقده، وهو في عز عطائه..

لا صوت الناعي بفقدك إنه يوم علي آل الرسول عظيم

بسم الله الرحمن الرحيم

وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً

فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ

لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ

وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ

لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ

صدق الله العلي العظيم

سورة التوبة: الآية 122

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

?يا أيها النبي أنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا ? وداعيا إلي الله بإذنه وسراجاً منيرا?().

من السمات الأساسية التي يتصف بها علماء الدين بما انهم ورثة الأنبياء عليهم السلام كما ورد في الحديث الشريف() ومن خلال ما أسبغت الآية الشريفة علي النبي محمد صلي الله عليه و اله هي:

الحضور في وسط الأمة.

والتبشير بالرحمة الآلهية.

والدعوة إلي الله.

والقدوة الحسنة في الخير.

مضافاً إلي العلم والتقوي والعمل الصالح.

إن الهدف من بعثة الأنبياء عليهم السلام وكما هو واضح، هو إنقاذ الإنسان من ظلمات الجهل وإخراجه من الضلالة إلي أنوار الهداية والمعرفة ليبصر طريقه علي هدي في الدنيا، وينال سعادة الآخرة.

ورجل الدين يعرف أن الشخصية الرسالية لا تنال بالأماني ولا تكون بالإنزواء في إحدي زوايا البيت، بل هي بالعمل الدؤوب والتفاني في سبيل خدمة الدين وتحمل الأذي في جنب الله، وذلك لأن الهدف المرجو كبير وعظيم جداً.

ولقد أشار القرآن الكريم مراراً إلي هذه المسألة من خلال عرضه لسيرة الأنبياء عليهم السلام مع أممهم وما لاقوه من الأذي وتحملهم

لذلك، وكان نبينا صلي الله عليه و اله أكثرهم أذية وتحملاً في ذات الله، ولقد صح عنه صلي الله عليه و اله قوله: «ما أوذي نبي مثل ما أوذيت» (). وكذلك كان أمير المؤمنين علي عليه السلام والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).

علماً بأن هذه المصاعب والعنت من القوم والأذي تجعل من رجل الدين أكثر صبراً ومقاومة في سبيل نصرة الحق، فإنه يعرف عاقبته الحسنة حيث يقول الله تعالي: ?سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَي الدَّارِ?().

ومن هنا فلا تسيطر عليه روح الإنهزامية والتخاذل، فإن العالم العامل لا يعرف للإنهزام والتخاذل معني في حياته، وذلك بما ورثه عن النبي صلي الله عليه و اله في تبليغ الرسالة الإلهية.

مضافاً إلي اتصاف رجل الدين بالعطف والرحمة، وحسن الخلق والمداراة للناس، والتعامل معهم بالحكمة والموعظة الحسنة، والدعوة إلي السلم وإرساء قواعد الأخلاق الطيبة واللاعنف في مختلف جوانب الحياة، وذلك من خلال تعامله اليومي وإرشاداته المستمرة، بعيداً كل البعد عن مبدأ العنف والخشونة، وما يوجب تشويه سمعة الإسلام والمسلمين.

إن نبذ العنف وإشاعة المحبة والسلام من أولويات المجتمع المدني المسالم، وقد ظهرت هذه الحقيقة جلية واضحة منذ أن وطئت قدما آدم وحواء وابنيهما علي هذه الأرض بعد ما خدع الشيطان قابيل حتي عادي أخاه هابيل حينما قربا قرباناً فتقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل، فطوعت نفس قابيل له قتل أخيه في مشهد مأساوي يحز في النفس

لا ينقضي أبد الدهور، قال تعالي: ?وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآَخَرِ قَالَ لاَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ? لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ

رَبَّ الْعَالَمِينَ ? إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ? فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ?().

فنري كيف يكلم هابيل أخاه الظالم بذلك القلب العطوف الرحيم مبيناً له خطأه وسوء فهمه وأن قبول الأعمال لا تأتي اعتباطاً وإنما ملاكها التقوي، ثم يرشده إلي أن التقوي هي التي تمنعه من المقابلة بالمثل وأن لاتعالج الأخطاء بأخطاء مثلها أو أفدح منها، وأن العنف لا يكون علاجاً للعنف، وكان هذا الموقف من هابيل موقف القوة بقوة الحق لا موقف ضعف واستسلام..

إن الدعوة إلي الله تتطلب من العالم أن يأخذ بأسباب العلم أولاً وأن يسخرها لخدمة الناس، فلقد عانت الأمة الإسلامية من مشاكل كثيرة تتطلب حضور العالم الرباني في أوساط الأمة لتصديها، فقد أصبح الأعداء بالقرب من مراكز القوة والقرار في الأمة واخذوا يثيرون الشبهات ويبثون الأفكار السامة في أوساط الشباب.

إن كل هذا يتطلب من العالم العامل أن يكون واعياً بما يحيط به ويدور حوله وأن يعي دوره ويعطيه حقه وهذا ما نلمسه جلياً في حياة الإمام الراحل المرجع الديني الأعلي السيد محمد الشيرازي (قدس سره الشريف) وكذلك في كتاباته القيمة التي تجاوزت 1250 كتاباً.

وجاء هذا الكتاب (مقومات رجل الدين) ليبين مهمات العالم الديني ودوره الرسالي في تبليغ الشرع المبين، مدعماً ذلك ببعض القصص والشواهد التاريخية من سيرة علمائنا الماضين (أعلي الله مقامهم الشريف) داعياً إلي الاقتداء بهديهم والتمسك بنهجهم بعد ما كان هو أول من عمل بها علي ما تدل عليه سيرته العطرة وآثاره القيمة.

ونحن في مؤسسة المجتبي وفي هذه المقدمة حيث وصلنا النبأ المفجع لرحيل هذا العالم الرباني الذي قلما رأي تاريخ العلماء مثله في الأوساط العلمية والتبليغية،

لانريد أن نضيف علي كلام الإمام الراحل (أعلي الله درجاته) شيئاً وإنما نترك للقارئ الكريم المجال ليطلع هو بنفسه علي ما سطرته أنامله الشريفة (قدس سره) آملين من الله العلي القدير أن ينفع بهذا الكتاب كما نفع بغيره، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص.ب: 6080 / 13

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

أما بعد: فقد كتبت هذا الكراس لرجال الدين الكرام، وسميته: (مقومات رجل الدين) وذكرت فيه بعض ما ينبغي لرجل الدين من الالتزام به، والتي من أهمها بعد التسلح بالتقوي والجدّ في تحصيل العلم أمور تالية:

1: التأليف.

2: المنبر.

3: التدريس.

4: المحراب.

5: التأسيس.

مضافاً إلي أمر آخر هو من أهم الأمور بالنسبة إلي رجل الدين، ألا وهو: (الاهتمام بالمعنويات والآخرة، والإعراض عن الماديات والدنيا).

إن الاهتمام بالمعنويات إذا التقت في رجل الدين مع الأمور الخمسة المزبورة، أثمرت ثماراً طيبة، وأنتجت نتاجاً حسناً، بينما لو اتقن رجل الدين كل هذه الأمور الخمسة بكاملها ولم يهتم بالمعنويات، لم يستطع بلوغ هدفه الأسمي، ولا نيل غرضه الأعلي، الذي هو: الفوز بالآخرة والجنة.

وإنما يكون الهدف الأسمي، والغرض الأعلي هو: الفوز بالآخرة والجنة، لأن الدنيا كما وصفها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام «دار ممر لا دار مقر..» () ولأن «الدنيا تضرّ وتغر وتمرّ» () ولأن الآخرة كما وصفها الله تعالي: ?لهي الحيوان?() ولأن الفوز الواقعي هو الفوز بالجنة كما قال سبحانه: ?فمن زُحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز?().

هذا ولا يخفي: أن المقصود بالإعراض عن الماديات والدنيا هو أن لا تكون هدفاً لرجل الدين، وإلا فهي خير وسيلة للآخرة، كما أن المقصود من الاهتمام بالمعنويات والآخرة هو: أن لا يجعلها

رجل الدين وسيلة، بل تكون له هدفاً، فيسعي في تحصيل رضا الله سبحانه وتعالي في كل حركاته وسكناته، وأفعاله وأقواله، ونومه ويقظته، وسفره وحضره، وفي كل أموره وأحواله، وذلك بأن يري الله تعالي عليه رقيباً، ومنه قريباً، وله حسيباً ولأعماله مجازياً، وان يعلم أنه يتقلب في قبضته وإراداته، وأن ناصيته بيده وبمشيئته، وأنه لا طاقة له علي الخروج من سلطانه، ولا يمكنه الفرار من حكومته.

ولقد قال لي بعض أساتذتنا وهو يوصيني بوصاياه وينصحني بنصائحه: أنه ينبغي لرجل الدين أن ينوي القربة لله تعالي وأن يقصد رضا الله سبحانه في كل صغيرة وكبيرة من أعماله، حتي في مثل الاستجمام والاستحمام، وحتي في مثل قضاء الحاجة والرفث إلي النساء، فكيف بالتأليف والتصنيف، والتدريس والتأسيس؟

نعم، إن المعنويات والاهتمام بها هي التي ينبغي لرجل الدين التحلي والتزيّن بها، والرعاية والقهر لها، إذ نفعها لا ينحصر في الآخرة فحسب، بل أن نفعها يعمّ الحياة الدنيا أيضاً، وذلك لأن الله تبارك وتعالي كما في الحديث الشريف: أمر الدنيا بأن تخدم من عمل لله وابتغي رضوانه، وان تتعب من عمل للدنيا وابتغي زبرجها وزخرفها.

وقال عزوجل في محكم كتابه: ?من عمل صالحاً من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون?().

فرجل الدين الذي يريد أن تطيب حياته الدنيوية ويسعد في حياته الأخروية، لابد له من الالتزام بالمعنويات، والاهتمام بها، وترويجها في المجتمع، ونشرها في أوساط الناس، حتي يفوز الجميع بحياة طيبة، وآخرة سعيدة.

كان والدي رحمة الله عليه ينقل عن ذكريات صغره: أن والدته (رحمها الله) كانت تعتني بتربيته وتأديبه غاية الاعتناء وقد كانت هي من الصالحات القانتات وعلي إثر ذلك كان لاتفوتها نافلة الليل وتلاوة القرآن بالأسحار،

وكانت إذا قامت لصلاة الليل والتهجد فيه أيقظته معها، واصطحبته إلي مصلاها وأقعدته إلي جنبها وكانت توصيه بالانتباه إليها وعدم النوم والغفلة عنها.

يقول الوالد رحمة الله عليه: وحيث كنت صغيراً يغلب علي النوم، ولم أكن في سن أقدر علي الصلاة معها، كانت تجعل أمامي ظرفاً وتجعل فيه شيئاً من الحمص والكشمش لأشتغل عن النوم بالأكل منها واللعب بها.

نعم، إن رجال الدين القدامي حيث كانوا يهتمون اهتماماً كبيراً بالمعنويات، ويجتهدون غاية الجهد في تحصيل العلم، كانوا قد حازوا علي قصب السبق في أمور الدنيا وأمور الآخرة معاً، حتي ذكر بعض العلماء: بأن مائة ألف عالم إسلامي بزغ في سماء الإسلام، ولمدة خمسة قرون ماضية، وفي مختلف العلوم الإسلامية والطبيعية من فقه وأصول، وعقائد وحقوق، وطب وهندسة، وحساب وهيئة، وما إلي ذلك.

لكنه من اليوم الذي قل الاهتمام بالمعنويات، وضعف الجد في تحصيل العلم، لم يبزغ في سماء العلم من يحوز علي قصب السبق في العلوم الإسلامية والعصرية من رجال الدين عدد يذكر إلا النزر القليل والنادر الضئيل، وقد أثر ذلك علي كافة مراحل الحياة الدينية والدنيوية، حتي أن هناك مجلة عربية تصدر في بلد عربي، تراها قد ذكرت في بعض أعدادها اللغات الحية في العالم، ولم تذكر من بينها اللغة العربية، ولم تصفها بكونها لغة حية.

هذا مع أن اللغة العربية هي لغة القرآن، ولسان الوحي وحوار أهل الجنة، وبها نزل آخر صيغة لقوانين السماء، وأعظم منشور لحقوق الإنسان، وأكمل دستور لحياة الفرد والمجتمع، والحاكم والرعية، وذلك في كل المجالات الفكرية والثقافية، والسياسية والاقتصادية، والاجتماعية وغيرها، مما يستدعي أن تكون اللغة العربية هي اللغة المشتركة، واللغة الحية علي مستوي العالم كله، وقد نوّه بذلك رسول الله صلي الله

عليه و اله حين دعا الناس إلي الإسلام قائلاً: «يا معشر العرب: ادعوكم إلي عبادة الله، وخلع الأنداد والأصنام، وادعوكم إلي شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فأجيبوني تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم، وتكونوا ملوكاً في الجنة» ().

نعم، إن قوله صلي الله عليه و اله: هذا، أي تكونوا سادة وقادة، ولقد كانوا كذلك، حيث ساد المسلمون في الدنيا، وأصبح كثير من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله ملوكاً علي كثير من مناطق العالم، ومن تتبع التاريخ استطاع أن يكتب كتاباً في الصحابة الذين حكموا الخليج وغيرها.

ولعله أراد صلي الله عليه و اله أيضاً من قوله، أن تكونوا سادة العلم وقادته، فإن العلماء ورجال الدين هم الحكام علي الملوك والرؤساء، وذلك كما جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام حيث يقول: «الملوك حكام علي الناس، والعلماء حكام علي الملوك» ().

أجل، إن العلماء حكام علي الملوك إذا اهتموا بالمعنويات، واجتهدوا في تحصيل العلم، وإذا قرنوا العلم بالعمل، والعمل بالتقوي، فان «التقوي مع العلم قوة» كما ورد، فنسأل الله أن يوفقنا للعلم والتقوي إنه خير موفق ومعين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

1 التأليف

1 التأليف

من مقومات رجل الدين: التأليف، فينبغي لرجل الدين أن يؤلف الكتب النافعة للدين والدنيا، فان الإسلام دين ودنيا معاً، وذلك كما قال سبحانه: ?فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق ? ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ? أولئك لهم نصيب مما كسبوا?().

أما أن يقتنع رجل الدين بإرشاد الناس في الأمور الدينية فحسب، أو يقتنع بإرشادهم في الأمور الدنيوية فقط، فليس ذلك حسب الموازين الواردة في الآيات

والروايات، ولا وفق السيرة التي سبق عليها الفقهاء المؤلفون.

ومن الواضح: أن التأليف هو فن خاص، إذ هو بالإضافة إلي احتياجه إلي العلم، يحتاج إلي الخبرة في كيفية بيان المطالب بفصاحة وبلاغة، وتصويرها بصورة جميلة وواضحة تستطيع إقناع الناس واستهواءهم ولكنه ليس بصعب ويمكن لكل أحد أن يبدأ به.

وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم، تكون تلك الورقة يوم القيامة سترا فيما بينه وبين النار، وأعطاه الله تبارك وتعالي بكل حرف مكتوب عليها مدينة أوسع من الدنيا سبع مرات، وما من مؤمن يقعد ساعة عند العالم إلا ناداه ربه عزوجل جلست إلي حبيبي فوعزتي وجلالي لأسكنتك الجنة معه ولا أبالي» ().

نشر العلم وعدم كتمانه

هذا وقد ورد الحث الكبير علي نشر العلم وعدم كتمانه، ومن الواضح أن التأليف من مصاديق النشر، وكذلك المنبر، وهكذا التدريس علي ما سيأتي.

قال تعالي: ?الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون?().

وقال سبحانه: ?إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدي من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون?().

وقال تعالي: ?إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم?().

?وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولاتكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون?().

التأليف وكثرة وسائل الإعلام

ثم إن التأليف من الأشياء المهمة جداً حتي في زمن كثرة وسائل الإعلام، كالراديو والتلفزيون والإنترنت والقنوات الفضائية وما أشبه، فان كل واحد من هذه الوسائل له أهميته الخاصة إلي جانب أهمية الكتاب والمجلة والنشرة وما أشبه، وقد اهتم بالتأليف ونشر الثقافة عبر الكتاب كل من الأديان والمبادئ الصحيحة والباطلة، وإليك بعض القصص وهي قطرة من بحر وفيض من غيض للدلالة علي ما ذكر وذلك بقدر ما يسعه هذا الكتاب.

عند مفترق الطريق

ذات مرة ذهبنا علي عادتنا لمهمة دينية إلي الكاظمية المشرفة، ثم رجعنا إلي كربلاء المقدسة، وفي طريقنا كان الرجوع من بغداد، وعندما وصلنا مفترق الطريق توقفت السيارة لأجل الإشارة الحمراء وذلك علي مقربة من الجسر، وتوقفت حوالينا سيارات كثيرة كما هي العادة حيث التوقف عند الإشارة الحمراء، وهنا عمدت إلي نافذة السيارة وأنزلت زجاجتها لأن الهواء كان حاراً جداً وإذا بي أري أن شيئاً حجيماً ألقي في سيارتنا، فنظرت فإذا هو مجموعة من الكتب ولعلها كانت عشرة أو عشرين كتاباً فتعجبت وتابعت بنظراتي إلي خارج السيارة لأري من الذي رمي بهذه الكتب في داخل سيارتنا، فإذا بي أري قساً مسيحياً بلباسه الخاص وأمامه عربة ممتلئة من الكتب يسوقها حمال معه وكلما وصل إلي سيارة مفتوحة نافذتها أخذ مجموعة من الكتب وألقاها فيها. ثم إني أخذت أتصفح تلك الكتب فكانت كتباً متنوعة تبلغ للمسيحية وتبشر بها، وكان من جملتها كتاب الإنجيل أيضاً.

هذا ولا يخفي أن هذه القصة قد اتفقت لي قبل خمس وأربعين سنة، أي: قبل نصف قرن تقريباً.

نعم إنهم عملوا ليلاً ونهاراً حتي استطاعوا أن يأتوا بعملائهم مثل عفلق إلي بغداد، ومثل صدام لغزو الكويت. ومثل الملا عمر لتسخير كابل، وغيرهم ممن عاثوا الفساد في

البلاد، وعرضوا المنطقة للدمار، وذلك بعدما سلبوا ثروات المنطقة، وبدّلوا دين الناس، وقد قال الشاعر:

لا تقولن مضت أيامه

إن من جد علي الدرب وصل

وقبل ذلك قال الله في القرآن الحكيم: ?كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا?() أي: أن الله تعالي يعطي في الدنيا المؤمنين والكافرين والمنافقين كلا بقدر عمله فإنها دار أسباب ومسببات.

ولقد حرض الله تعالي المؤمنين علي العمل في الدنيا بقوله سبحانه: ?وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون?().

في السوق الكبير

نقل لي أحد علماء النجف الأشرف القصة التالية:

قال: كنت أمرّ بسوق النجف الكبير في طريقي إلي البيت عائداً من زيارة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك في يوم العيد وإذا بي أسمع همهمة لجماعة من الناس ملتفين حول حمال يحمل فوق رأسه مجموعة من الكتب والي جانبه شخص مسيحي جاء من بغداد ليوزع تلك الكتب بين الأهالي والزائرين المتواجدين في طريقه، وكان من بين تلك الكتب كتاب العهدين، فكان ذلك القس المسيحي يعطي لكل واحد من المجتمعين حوله كتاب العهدين مع كتاب آخر مجاناً وكانت تلك الكتب مطبوعة بطباعة جيدة، وذات قيمة، ومن الواضح: أن كل إنسان يهوي الكتاب وخاصة إذا كان بالمجان، سواء أراد الكتاب للمطالعة أم لأجل وضعها في مكتبته فانه يأخذه ولا يعتني بكونه مستقيماً أو منحرفاً، مع أن الانحراف عادة سوف يؤثر علي القارئ ولو تأثيراً قليلاً ولو مستقبلاً.

كتاب ومائة دولار

قصّ عليّ أحد الأصدقاء من رجال الدين الذين ذهب إلي شمال العراق للتبليغ ما يلي:

قال: ذهبت إلي كردستان العراق لإلقاء المحاضرات في حسينية الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في شهر رمضان، وذلك في أيام محنة العراق والحظر الاقتصادي وإعلان المنطقة الآمنة، واحتياج الناس إلي لقمة الخبز، في هذه الظروف القاسية والصعبة، لفت نظري في يوم من الأيام وأنا في طريقي إلي الحسينية اجتماع من الناس قد علا الضوضاء من بينهم، فدنوت نحوهم لأري ما الخبر، وإذا بي أري في وسطهم قساً من قساوسة المسيح والي جنبه عربة مليئة بالكتب، وهو يقدّم لكل واحد من الذين التفوا حوله كتاباً من كتب التبشير بالمسيحية، ويقدم معه مائة دولار، والناس منقضون عليه ويأخذون ما يعطيهم بتلهّف، حتي نفذت الكتب

ورجع القس إلي محله.

وكان بين هذه القصة والقصة السابقة ما يقرب من خمسين عاماً من الزمان، يعني: أن المسيحيين قد انتبهوا إلي أهمية التأليف وأهمية الكتاب منذ زمن بعيد، وراحوا من ذلك الزمان يصرفون مبالغ طائلة علي التأليف وعلي نشر الكتاب لتغيير ثقافة الناس وتبديل فكرهم ودينهم، وطمعوا حتي في المسلمين الذين هم في أعلي مستويات الفكر الصحيح والثقافة البنّاءة، مما جعلهم وبكفاءة يعرفون بآباء العلم الحديث.

بنغلادش وحملات التنصير

كتبت أخيراً إحدي الصحف عن جمعية خيرية تنصيرية في أمريكا بأنها أرسلت إلي بنغلادش مائتي ألف كتاب، وقد وزعت تلك الكتب علي ما يقارب من أربعة آلاف إنسان أو أكثر، وذلك بغية تنصيرهم وتبديل دينهم وعقيدتهم، علماً بأن الكل يعلم بأن بنغلادش بلدة مسلمة وان شعبها شعب مسلم إلا ما شذّ وندر.

ومن المعلوم: أن ظاهرة توزيع الكتب التي دأبت عليها جمعيات التبشير والتنصير ليست ظاهرة بتراء، وإنما وراء هذه الظاهرة دعوة إلي الكنيسة، والي طقوسها العبادية، وإلي اعتناق المسيحية رأساً والانسلاخ عن الإسلام مستغلة جمعياتهم الخيرية فقر الناس وعدمهم، فتستهويهم بتوزيع المعونات عليهم من الأرز والطحين والطعام والخبز، بل والمال والنقود، مع إحداث المستشفيات والمستوصفات، والصيدليات والمدارس، وما إلي ذلك دعماً لحملات التنصير.

نشرات وكتب للمرضي

نقل لي أحد العلماء قصة طريفة حول معالجة عينه، قال: راجعت إحدي المستشفيات في كراجي لعلاج عيني فقالوا لي: هنا مستشفيان لمعالجة العين، مستشفي يكون العلاج فيها بدون أجرة مع تبليغ المسيحية في كل يوم للمرضي، ومستشفي آخر يكون العلاج فيه بأجرة ولكن من دون تبليغ للمسيحية، قال ذلك العالم: ساقني حب الإطلاع علي برامج التنصير والتبشير، ومعرفة مدي اهتمامهم وكيفية التزامهم بمهمتهم علي أن اختار المستشفي المجانية، فذهبت إليها، فكان في كل يوم يأتي القساوسة المسيحيون إلي غرف المستشفي في وقت مناسب ويلتقون بالمرضي ويعرضون المسيحية عليهم، ومعهم نشرات وكتب يجعلونها في متناول الأيدي، فمن أراد كتاباً أو نشرة أخذ منها مجاناً وبلا عوض، وكانت تلك الكتب والنشرات تحتوي علي الدعوة إلي المسيحية والتبليغ للنصرانية، وهي طبعاً لا تخلو من تأثير ولو مستقبلاً.

أرقام نجومية

وهنا لا بأس بأن ننقل بعض الأرقام النجومية التي تتحدث عن التبشير المسيحي في عالم اليوم، فقد توفرت إمكانات هائلة للحركة التبشيرية العالمية في كل النواحي ولتحقيق أغراضهم، ومن الواضح أن بعد التبشير والتنصير يكون الاستعمار، فقد ألف في ذلك أحد علماء لبنان كتاباً باسم (التنصيرية في العالم) وهذا ما نشاهده، فقد بلغ عدد المنظمات التنصيرية في عالم اليوم ما يقارب من: خمس وعشرين ألف منظمة.

بالإضافة إلي أكثر من: عشرين ألف منظمة تعمل في مجال الخدمات.

ويوجد في العالم حوالي مائة ألف معهد تنصيري لنشر الفكر المسيحي.

وبلغت تبرعات الكنائس الدولية لأجل التنصير مائة وواحداً وخمسين ملياراً من الدولارات.

ويوجد حوالي ألف وثلاثمائة منصّر منتشر فقط بالشرق الأوسط معظمهم يديرون مراكز طبية().

وعدد المؤسسات التي تشتغل في التنصير كثيرة مختلفة كالنوادي الاجتماعية مثل الدوتالي واليونز التي يوجد منه ست وأربعون نادياً في الوطن العربي().

ويوجد في

إندونيسيا فقط أكثر من: اثني عشر ألف كنيسة ومؤسسة تنصيرية يعمل بها ستة آلاف قسيس وأكثر من عشرين ألف منصّر متفرقين.

بالإضافة إلي مائة وعشرين منظمة إنجيلية وأربعين منظمة أوروبية تقوم بأعمال التنصير ويبلغ إنفاقها مائة مليون دولار سنوياً().

الإنجيل واللغات الحية

ولقد نقلت بعض المجلات اللبنانية التقرير التالي:

إن المسيحيين ترجموا الإنجيل إلي ألف لغة ونشروها في جميع أنحاء العالم، وقد صرفت في إحدي الدول الغربية في عام واحد مائة مليار دولار للإعلام بمختلف أنواعه.

بينما المسلمون لم يترجموا القرآن إلي أكثر من أربعمائة لغة فقط، مع أن عدد المسلمين اليوم ملياران وعدد المسيحيين اليوم هو أقل من ذلك رغم مبالغتهم في بيان عددهم، ولكنهم وزعوا أكثر من ملياري إنجيل في عام (1998م) وبمختلف اللغات().

وقد ذكرت إحدي المجلات العربية ما يلي:

إنه بلغ عدد الكتب التي ألّفت لأغراض التنصير اثنين وعشرين ألف كتاباً.

ويصدّر المنصّرون ألفين ومائتين وسبعين مجلة ونشرة تنصيرية.

ويجري توظيف مائة وتسعين محطة بث إذاعي وتلفزيوني لتبليغ دين المسيح عليه السلام علي اصطلاحهم.

ما كتب حول غاندي

لقد كتبوا حول غاندي() الزعيم الهندي إضافة إلي الكتب المتفرقة، موسوعة في ثلاثمائة مجلد() فهل كتبنا نحن المسلمين عن سيرة نبينا رسول الإسلام محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله أو عن حياة وصيه وابن عمه بطل الإسلام الخالد علي بن أبي طالب عليه السلام موسوعة تضم ثلاثمائة مجلد؟

وقد كتب حول (إقبال اللاهوري)() خمسة آلاف كتاب ومقال بمختلف اللغات().

وقد تم ترجمة كتاب مؤسس الصين الشيوعية وزعيم الحزب الأحمر في الصين (ماوتسي تونغ)() الذي يشرح فيه أسس الشيوعية؛ بمائة لغة من اللغات المعروفة في الدنيا.

وإن هناك مؤلفة مسيحية تدعي (آغاثا كريستي)() قد ألفت

علي ما قالوا مائة وأربعة عشر كتابا ترجمت إلي مائة وثلاث لغات، وقد طبع منها أكثر من ملياري نسخة وكان من مجموع هذا المقدار ستمائة وخمسة ملايين كتاب باللغة الإنجليزية فقط.

الطبع والنشر

نعم انه ينبغي لنا كرجال دين الاهتمام بالتأليف والإكثار من الكتب، والإسراع في الطبع والنشر، والتوزيع والتعميم، فقد قال سبحانه: ?كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك?().

وقد قال الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام: «ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلّوا» ().

علماً بأن الغزو الثقافي والفكري هو أسرع نفوذاً وأمض ألماً وأسرع نفوذاً في الشعوب من الغزو العسكري والسياسي.

لكن علينا نحن رجال الدين أن لا نيأس من قلة إمكاناتنا، وكثرة إمكانات غيرنا من المسيحيين وغيرهم، وان لا يكون ذلك سبباً لتوقفنا أو تباطئنا عن التأليف والتصنيف، وعن الطبع والنشر، وذلك لأن الله تعالي وعدنا العلو والتقدم علي غيرنا بقوله: ?ولاتهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون?() وقد ذكر المفسرون: انه كان في زمن رسول الله صلي الله عليه و اله أزمة حادة في العلم والثقافة، وكانت نسبة الأمية نسبة عالية بحيث

لم يكن في مكة من يستطيع الكتابة والقراءة إلا عشرة أشخاص فقط، بينما نشاهد أن الرسول صلي الله عليه و اله قال تشجيعاً للعلم والعلماء وكشفاً للحقيقة والواقع: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة جارية، وعلم ينتفع به» ().

وقد اقبل المسلمون علي ما كشفه لهم نبيهم صلي الله عليه و اله من حقيقة العلم وواقعه إقبالاً حسناً، حتي قبضوا بناصية العلم وصاروا بسببه سادة العالم، بينما ترك المسلمون اليوم العلم والعمل فتأخروا وأخذ بهما الآخرون فتقدموا، فقد بلغ حسب التقارير الرسمية عدد محطات الإذاعة والتلفزيون الموجّهة من المؤسسات المسيحية إلي العالم: ثلاثة آلاف وسبعمائة وسبعين محطة().

وقالوا: إن أوروبا وحدها وفي خلال السنوات العشر المقبلة يكون بإمكانها استقبال ثلاثة آلاف وخمسمائة قناة فضائية().

ومن الواضح: أن كلها تدعو إلي الفكر الغربي المسيحي، والي الحضارة الغربية المسيحية.

كما انه من الواضح أيضاً ما لهذه الإذاعات والتلفزيونات والصحف وما أشبه ذلك من التأثير الكبير في العالم، وهكذا الارتباطات وسرعة الاتصالات، فان لها أثراً بالغاً في إيصال المعلومات إلي أقصي العالم وأدناه، وها هو عندي الآن مجلتان مسيحيتان إحداهما تطبع منها ثمانية عشر مليون نسخة في كل شهر، والثانية تطبع منها أربعين مليون نسخة في كل شهر وذلك بلغات مختلفة، فهل عندنا نحن المسلمين مجلات كهذه؟

هذا وقد كان علماؤنا الأعلام (قدس الله أسرارهم) يهتمون بالكتابة والتأليف كثيراً وهذه آثارهم بين أيدينا().

مع صاحب الجواهر رحمة الله عليه

كان صاحب الجواهر رحمة الله عليه قد عهد علي نفسه أن يكتب في كل ليلة مقداراً من كتاب الجواهر، وفي ذات ليلة مات ولد له، قالوا: فأخذ القلم والقرطاس، وهو باك العين محترق القلب، فجاء وجلس عند جثمان ولده وأخذ يكتب وفاءً

بعهده.

وهكذا استطاع صاحب الجواهر بصبره وتجلده وثباته واستقامته أن يخلد كتاب الجواهر للحوزات الدينية والمجامع العلمية.

مع المحدث القمي رحمة الله عليه

يذكر في أحوال المحدث القمي الشيخ عباس رحمة الله عليه صاحب كتاب (مفاتيح الجنان) أنه سافر مع جماعة من التجار إلي سوريا، فكان رحمة الله عليه منكباً علي التأليف والمطالعة باستثناء وقت الصلاة والزيارة، وحين كان رفقته يخرجون للتنزه يصرون عليه بالخروج معهم، إلا انه كان يأبي ذلك. وكان رحمة الله عليه يسهر الليل، وهو يطالع ويؤلف.

في سوق الصفارين

لنرجع إلي ما ذكرناه سابقاً من أهمية الكتاب والتأليف فنقول: كان في الكاظمية المشرفة سوق يسمي: (سوق الصفارين) وكان يسمي سابقاً: (سوق الرياحين) وهذا الاسم هو بمناسبة تاريخية معروفة، ترجع إلي زمان الإمام موسي بن جعفر عليه السلام حيث أنه لما سمه هارون العباسي وقضي عليه السلام في السجن مسموماً، حمل جثمانه إلي خارج السجن وبعد تجهيزه شيع أهل بغداد جثمانه الطاهر ومرّوا به في هذا السوق فنثر أهل السوق هنا الورود والرياحين عليه، فسمّي بسوق الرياحين، وأما تسميته في هذا اليوم بسوق الصفارين فهو لأن الصفارين يعملون فيه، فعرف بهذا الاسم.

وكيف كان: فانه كان هناك قس مسيحي يأتي كل أسبوع إلي هذا السوق فيمر به من أوله إلي آخره ومعه حمال يدفع عربة مملوءة من الكتب التي تدعو إلي المسيحية وتبشر بها، فكان ذلك القس يوزّع تلك الكتب علي أفراد هذا السوق وغالب أهل هذا السوق كانوا أميين لا يقرؤون ولا يكتبون، فكانوا يأخذون منه الكتب، ولكن بمجرد ذهاب القس من السوق كانوا يلقون الكتب في النار ويحرقونها.

وكان هذا القس مستمراً علي عمله هذا في كل أسبوع، وفي يوم من الأيام لحقه أحد الصفارين وقال له: انك عندما تعطي الكتب لهؤلاء الصفارين، فانهم بمجرد خروجك من السوق يلقونها في النار ويحرقونها، فتبسم القس وقال: إني أعلم هذا

ولكن آمل أن يذهب أحدهم بواحد من هذه الكتب إلي داره وله ابن أو بنت فيقرؤون الكتاب، فيميلون بذلك إلي المسيحية وهذا الأمل يكفيني في بذل هذه الكتب علماً بأن الكتب ليست لي وإنما هي لمؤسسة خيرية مسيحية تقوم بطبع الكتب ونشرها.

وهكذا عمل المسيحيون وعملوا حتي سيطر الاستعمار علي العراق، وسخروا العراق الحرّ لمثل عفلق البعث وقزمه صدام المعروف بإجرامه وبطشه وفتكه، وإنه فاق حتي الحجاج ومن شاكله، إذ لم يكن الحجاج بهذه البشاعة من البطش والفتك وانتهاك الأعراض وسلب الأموال، وقد ذكر بعض المطّلعين: أن صدام بني لنفسه مائة قصر كل قصر يتراوح بين مليار ومليارين إلي ثلاثة مليارات، وقد بني أخيراً قصراً طوله سبعين كليومتراً()، بينما يعاني الشعب العراقي الذي يزيد عددهم علي عشرين مليون نسمة من الفقر والجوع، وقلة المياه وعسر المعيشة، وذلك من جراء الحصار الاقتصادي المفروض علي العراق.

من أنشطة الوهابيين

نقل لي أحد الأصدقاء الذين توفقوا للحج وتشرفوا إلي زيارة بيت الله الحرام قبل سنوات القصة التالية قائلاً: لقد التقيت بعضو من أعضاء إدارة توزيع الكتب في المدينة المنورة وطلبت منه شيئاً من الكتب.

فقال لي: أظنك رجل دين؟

قلت: نعم.

قال: اذهب إلي المخزن وخذ ما شئت من الكتب.

قال: فذهبت إلي المخزن وإذا بي أري بناية ضخمة، ومكاناً واسعاً جداً وهو يشتمل علي ردهات وصالات مملوءة من أرضها إلي سقفها بالكتب المتنوعة وباللغات المختلفة من العربية والفارسية والتركية والهندية والاندنوسية وغيرها.

قال: فأخذت جملة من تلك الكتب وبقدر ما يمكنني حمله وخرجت، ثم جئت بها إلي قم وقد قدرت سعرها بالعملة المحلية في ذلك الوقت فكانت ما يقارب من عشرين أو ثلاثين ألف تومان.

أقول: لقد رأيت أنا بعض تلك الكتب وطالعتها، فوجدتها تدعو إلي الوهابية

وتزرع الفرقة بين المسلمين، وتؤلّب بعض المسلمين ضد بعض، يعني: علي خلاف ما أمر الله به وبلغ له رسوله صلي الله عليه و اله من قوله تعالي: ?وان هذه أمتكم أمة واحدة?() وقوله سبحانه: ?واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا?().

نعم هكذا راحت المسيحية تنشر فكرها ومسيحيتها، والوهابية تبث سمومها وتفرقتها، كما راحت اليهودية تنشر الفساد والمبادئ المادية بمختلف صورها، وقد ذكرت بعض الإذاعات في عام 1998م خبر تشكيل مؤتمر لنشر الحضارة الجنسية في أوروبا وأمريكا واليابان وأضافت قائلة: بانه كان هناك يهودي قد اشترك في هذا المؤتمر وله ستون مركزا للفساد في هذه البلاد.

هذا ولا يخفي: أن ما ذكرناه هو بعض ما أطلعنا عليه وبعض ما دأب عليه المسيحيون واليهود والوهابيون من نشاطات فكرية وثقافية وبث ونشر، مع ان ما عندهم لا يضاهي ما عند المسلمين من ثقافة وفكر، إذ في القرآن وسنة النبي صلي الله عليه و اله وسيرة أهل البيت عليهم السلام ما يسعد حياة البشر، ويرغد عيشه، ويحقق أمانيه وآماله، فينبغي لرجال الدين الاهتمام بالتأليف والتصنيف، والبث والنشر، وإيصال ثقافة الإسلام الراقية، وفكره المنطقي الصحيح إلي كل العالم، ?لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً?().

2 المنبر

2 المنبر

كل رجل دين يحتاج مضافاً للتصنيف والتأليف إلي التضلع في فن الخطابة وارتقاء المنبر الحسيني الشريف، وتوجيه الناس بما يصلح دينهم ودنياهم مما استفاده من الكتاب، وسنة الرسول صلي الله عليه و اله وسيرة العترة الطاهرة (صلوات الله عليهم أجمعين)، وتذكير الناس بما يوافق القرآن والعترة، وتحذيرهم عما يخالفهما من الأحداث والأمور المشتبهة. هذا وقد ذكرت في كتاب سميته باسم (تجاربي في المنبر) بعض الأمور التي يمكن لخطيب المنبر الحسيني أن يستفيد منها إن شاء الله تعالي.

وكيف كان:

فانه لا شك في تأثير المنبر الحسيني في نفوس الناس تأثيراً بليغاً وقد ذكروا أن المبشرين المسيحيين الذين يرتبطون بالبابا القاطن في الفاتيكان يتجاوز عددهم عن خمسة ملايين فرد، ولكن نحن علي قلتنا إذا عملنا عملاً كما ينبغي كان الانتصار للحق وذلك من باب قوله سبحانه: ?كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله?().

المجالس الحسينية وبركاتها

نقل لي أحد علماء إيران ويدعي: السيد أحمد الروحاني قصة تحكي عن بعض ما للمنبر الحسيني من تأثير في النفوس، والقصة كالتالي:

قال: جئنا في أيام البهلوي الأول من طهران إلي قم المقدسة ونحن أربعة من الخطباء وكنا شباباً والسائق كان أيضاً شاباً، فأخذ بعض أصدقائي يتمازح مع السائق ويلاطفه بما لم يكن مناسباً لاحترام السائق، ودام المزاح طوال الطريق حتي وصلنا إلي قم، ولما نزلنا جميعاً من السيارة التفت إلي السائق وقلت له معتذراً: أرجو أن لا يبقي في خاطرك شيء من المزاح والملاطفة التي جرت بيننا وبينك في الطريق كما أرجو عفوك وأنت مأجور إن شاء الله تعالي.

فأجابني بكل طلاقة ورحابة: لا يهمكم ذلك أبداً، فان لرجال الدين وخطباء المنبر الحسيني عليّ فضلاً كبيراً، إذ كان أحدهم هو السبب في هدايتي.

قلت: وكيف كان أحدهم السبب في هدايتك.

قال: إني كنت مطرباً مغنياً، وعملي غالباً مع الشباب والشابات، وفي مجالس اللهو والطرب ومجالس الخمر والفجور، وكانت هذه عادتي ودأبي، فكنت علي إثرها أنتقل من مجلس إلي آخر ومن مخمر إلي ملهي، مع لعبي القمار وشربي الخمر.

وفي ذات يوم وأنا في طريقي إلي البيت رأيت باب دار مفتوحة قد فتحت علي مصراعيها وأناس جالسون داخل الدار، فسألت عنهم وعن مجلسهم؟

فقالوا: هذا مجلس الإمام الحسين عليه السلام.

قلت: وما معني ذلك، فإني كنت أجنبياً

عن هكذا مجالس، إذ ما جلست ولا ذهبت يوماً من الأيام في مجلس الإمام الحسين عليه السلام.

قالوا في جوابي: إن هذه الأيام هي أيام العشرة الأولي من المحرم، ومن المتعارف عندنا نحن الشيعة أن نقيم العزاء علي الإمام الحسين عليه السلام في هذه العشرة.

قال: فدخلت حتي أري ما هو مجلس الإمام الحسين عليه السلام وما هو كيفيته، فإذا بي أري أحد رجال الدين فوق المنبر وهو يخطب علي الناس، ويتكلم لهم عن وقائع اليوم التاسع من المحرم، والذي يعرف بيوم: تاسوعاء، ويختص بأبي الفضل العباس عليه السلام، فأخذ الخطيب يقرأ مقتل العباس عليه السلام حتي وصل في قراءته إلي قول أبي الفضل العباس عليه السلام عندما قطع الأعداء غيلة وغدراً يده اليمني مرتجزاً:

والله إن قطعتم يميني

إني أحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

نجل النبي الطاهر الأمين

قال: ولما فسّر الخطيب معني البيتين تألمت كثيراً وبكيت بكاءً شديداً، وقلت في نفسي: هل العباس عليه السلام وهو ابن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وأخو الإمام الحسين عليه السلام وبتلك المنزلة الرفيعة كما حدثنا بذلك هذا الخطيب، يفدي نفسه لأجل الدين ولأجل إمامه الإمام الحسين عليه السلام وأنا شاب مسلم أصرف وقتي في اللهو واللعب، والحرام والفساد، ثم خرجت من مجلس الإمام الحسين عليه السلام واتجهت نحو البيت، ولكن بقلب منكسر، وضمير متألم، وقبل أن أذهب إلي البيت، قصدت بيت عالم كان بجوارنا، وسألته عن التوبة، وعن أنه إذا تبت هل يتوب الله عليّ؟

فقال: نعم، وحبب إليّ التوبة وقال: إن الله يتوب علي من تاب إليه.

فقلت له: ماذا أفعل؟ وكيف أتوب؟

قال: اذهب إلي الحمام واغتسل غسل التوبة والبس ثياباً طاهرة وغير مغصوبة، وقل: استغفر الله وأتوب إليه، وأقم الصلاة

واجتنب هذه الأعمال جميعاً، ولا تقربها أبداً.

قال: ففعلت كل ما علمني ذلك العالم من عمل، وأخذت اصلي وأصوم واستغفر الله وكان لي أصدقاء منغمسون في هذه الأعمال فرأيت أني لو بقيت في ذلك الحي لالتفوا حولي وأبطلوا عزمي وأرجعوني إلي حالتي السابقة، لذلك غيّرت مسكني إلي منطقة أخري وكذلك غيّرت شغلي إلي سائق سيارة أقتنع بما يعطيني الله ويرزقني من فضله حتي جمعت قليلاً من المال وتزوجت وكونت لنفسي أسرة وبيتاً منذ ذلك اليوم وأقبلت علي عبادة الله والاستغفار، والصلاة والصيام وأنا سعيد بحياتي هذه، وأشعر براحة ورغد، حامداً وشاكراً لله تعالي علي أن هداني ولهذه الجهة إني أحترم الخطباء لأن أحدهم صار سبباً لهدايتي.

أقول: إني قد التقيت شخصياً بكثير من الشباب في الأيام التي كنت في العراق، وكذلك في الكويت وفي إيران وكلهم رجعوا إلي الله سبحانه بعد انصرافهم عنه وذلك عندما اشتركوا في المجالس الحسينية، وسمعوا من الخطباء المواعظ والإرشادات، فلذا ينبغي لرجل الدين مهما كان أن يكون خطيباً يرشد الناس إلي الدنيا الصحيحة والسعيدة، والي الآخرة المرضية والحميدة.

الشيخ الأنصاري رحمة الله عليه والمنبر الحسيني

يقال عن الشيخ مرتضي الأنصاري رحمة الله عليه رئيس الحوزة العلمية وزعيمها من يومه إلي هذا اليوم: انه كان يذهب في بعض الأيام إلي منبر الشيخ جعفر التستري رحمة الله عليه المعروف، ويشترك في المجلس الحسيني هو مع طلابه ويقول لهم: لنذهب إلي مجلس الإمام الحسين عليه السلام ولنستمع إلي منبر الشيخ التستري فانه يلين قلوبنا ويوجهنا إلي الآخرة، فما أحوجنا إلي استماع الموعظة، فقد مالت قلوبنا إلي القسوة وران عليها.

فإذا كان الشيخ مرتضي الأنصاري رحمة الله عليه علي زهده وتقواه، وإيمانه وورعه، محتاجاً إلي المشاركة في مجلس الإمام الحسين عليه السلام والي استماع

الوعظ والإرشاد من أهل المنبر، فهل لا يحتاج أحدنا إلي مثل ذلك؟.

من بركات المنبر والمجالس الحسينية

هناك قصة نقلها لي قبل أربعين سنة تقريباً واحد من أصدقائنا المؤمنين، وكان من تجار أفريقيا والقصة كالتالي:

قال: كنت أذهب كل عام في عشرة محرم إلي قرية من قري أفريقيا للإرشاد والهداية ولإلقاء المواعظ والنصائح، ولإقامة مجلس التعزية علي الإمام الحسين عليه السلام.

قال: فذهبت ذات مرة إلي احدي القري وسألت عن بعض من التقيت به من أهلها وقلت: هل عندكم هنا قارئ يقرأ لكم التعزية علي الإمام الحسين عليه السلام؟

فقال: لا.

فقلت: هل تحبون أن أقرأ لكم ذلك، علماً بأني لا أبتغي علي ما أقرا أجراً وإنما أفعل ذلك لمجرد الثواب.

قال: نعم.

فدخلت القرية، وكان اليوم الأول من المحرم وانتظرت الظهر لأصلي بهم جماعة، فما سمعت صوت الآذان ولم تكن عندي ساعة حتي أعرف الوقت، ولذلك سألت أحدهم وقلت: لماذا لم أسمع الآذان عندكم؟

قال بتعجب: وما هو الآذان؟

قلت: أذان الصلاة في وقت الظهر.

قال بتعجب أكثر: وما هي صلاة الظهر؟

قلت مستغرباً من جوابه: أليس عندكم مسجد؟

قال وبتعجب متزايد: وما هو المسجد؟

وعندها رجعت إلي نفسي وقلت: لعلهم لم يكونوا مسلمين، ولما تحققت عنهم تبين لي أن أهل القرية وثنيين وليسوا بمسلمين.

وبعد ارتقاء المنبر وكان المجلس غاصاً بأهله قلت لهم: إن الإمام الحسين عليه السلام جاء إلي هذه القرية حيث إنكم من عادتكم إقامة المجالس علي الإمام الحسين عليه السلام في كل سنة في العشرة الأولي من المحرم؛ لكن إله الإمام الحسين وجد الإمام الحسين وأبا الإمام الحسين ودين الإمام الحسين وقرآن الإمام الحسين لم يأتوا إلي هذه القرية، وها نحن الآن نجعل الإمام الحسين واسطة بأن يأتي بهؤلاء إلينا.

ثم إني شرحت لهم الدين الإسلامي، وتحدثت لهم عن

الله سبحانه وتعالي، وعن يوم القيامة وعن أحوال نبي الإسلام وأهل بيته المعصومين عليهم السلام واستمررت معهم علي ذلك طيلة الأيام العشرة من المحرم، حتي عرف أهل القرية الإسلام جيداً، واشتاقوا إلي أن يسلموا، فعلمتهم الشهادتين، فقالوها جميعاً ودخلوا في الإسلام، وأصبحوا مسلمين ببركة الإمام الحسين عليه السلام وهكذا حال المنبر الحسيني وحال المجالس الحسينية إذا أستفيد منها استفادة مطلوبة وجيدة.

الظلامة سلاح ماضٍ

نقل لي أحد العلماء الكبار الموجود في كراجي حين التقيت به في كربلاء المقدسة وكان قد جاء لزيارة الإمام الحسين عليه السلام القصة التالية:

قال: التقيت في كراجي قساً مسيحياً كبيراً في السن، طاعناً في العمر، له تجربة في مجال التبشير والعمل التنصيري، فجري بيني وبينه كلام حول التبليغ وعوامله ومحفزاته، فقال وبكل صراحة: انكم أيها المسلمون تملكون أرصدة قوية للتبليغ، فإنا لو غضضنا النظر عن نبيكم وعن إمامكم أمير المؤمنين وعن سائر أئمتكم، ولم يكن لنا إلاّ الإمام الحسين المظلوم، لاستطعنا أن نهدي باسمه جميع الناس وان نجعل كل العالم تحت لوائه، لكنكم لا تعرفون الاستفادة من هذه الموهبة الإلهية العظيمة.

ثم أضاف قائلاً: إن مثلنا نحن المسيحيين ومثلكم أنتم المسلمون كمثل بقالين اثنين متجاورين علي النحو التالي:

أحدهما: له فواكه كثيرة وجيدة ولكنه لا يعتني بها، فيجعلها مبعثرة علي الأرض، تداس بالأرجل، ويغطيها التراب ولا يرغب فيها أحد، وهذا مثلكم أنتم أيها المسلمون.

والثاني: لا يملك إلا صندوقاً واحداً من العنب، ولكنه اعتني به وجعله فوق الرف، وزيّنه بالأوراق المزينة، وجعل فوقه الورود، وسلط عليه الضوء القوي، فيرغب فيه كل راغب، ويميل إليه كل من يراه وهذا مثلنا نحن المسيحيين.

ثم واصل كلامه قائلاً: ان عيسي المسيح مع ما للمسيحيين من الشك في قتله واستشهاده، اختلقوا له

ظلامة خيالية، وجعلوه ضحية للدين، وصوروه في كل مكان، وبنوا حوله الكنائس ودعوا إلي الإيمان به كل العالم.

لكنكم أنتم المسلمون لا تهتمون بالنبي ولا بأمير المؤمنين ولا بالأئمة عليهم السلام الاهتمام الذي ينبغي ويستحق لهم، وخاصة الإمام الحسين عليه السلام الذي قُتِلَ وأهل بيته تلك القتلة الفظيعة، وصار رمزاً للإباء، ومثالاً للشهادة والتضحية من أجل الله والدين، والأخلاق والإنسانية، وقدوة لكل الأحرار والأبرار، وأسوة لجميع المظلومين والمستضعفين، مما يصلح أن يهيج العواطف، ويثير المشاعر، فيستهوي النفوس، ويستقطب الجماهير، ويسخر القلوب للإيمان بالإمام الحسين عليه السلام وبدينه وأهدافه.

بلاغة الخطيب والخطابة

ثم ان هناك قصصاً كثيرة حول المنبر وفي مجال المجالس الحسينية، مما تؤكد علي الخطيب أن يعتني بخطبه، وذلك بأن يصحح لفظه ويوضح معناه حتي يكون خطابه فصيحاً بليغاً، جاذباً للقلوب، وملفتاً للأنظار، ومستهوياً للنفوس، كي يتمكن الخطيب الحسيني من التأثير وبلوغ الهدف المنشود من الهداية والإرشاد.

نعم إن للإلقاء، وطريقة البيان، التأثير الكبير في نفوس السامعين، حتي قيل: إن أحد الملوك والرؤساء رأي في المنام انه قد سقطت كل أسنانه، فلما قام من النوم طلب أحد المعبّرين للرؤيا وأراد منه أن يعبر له رؤياه، وعندما حضر المعبر ذكر له الملك منامه واستفسر منه تأويله.

فقال المعبّر: معناه أن أقربائك سيموتون عن قرب.

فانزعج الملك من هذا التعبير وأمر جلاده بأن يضرب المعبر خمسين سوطاً.

ثم أنه طلب معبراً ثانياً وكان هذا المعبر الثاني بليغاً يعرف كيف يتكلم وكيف يلقي خطابه إلي السامع، لذلك لما قص عليه الملك رؤياه قال له: أطال الله عمر الملك، معناه: أن عمرك يكون أطول من أعمار أقربائك.

فسر الملك من تعبيره وأمر خازنه بأن يعطيه خمسين ألفاً.

هذا ومن المعلوم: ان التعبيرين يعنيان شيئاً واحداً، لكن الثاني عرف

كيف يصوغ التعبير بصورة لا تجرح عاطفة الملك، بينما الأول لم يعرف كيف يصوغه ولذلك انزعج الملك منه واشمأزت نفسه لتعبيره، وهكذا الخطيب فانه بإمكانه استخدام الألفاظ الجميلة وتأطيرها في إطار بليغ بحيث يؤثر في كل من يستمع إليه، وقد تكون ألفاظه وطريقته بصورة تنفّر كل من يستمع إليه ولا يستفاد منه أحد وفي القرآن الحكيم: ?وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب?().

3 التدريس

3 التدريس

من المقومات الأخري لرجل الدين: التدريس، وذلك بعد أن استوعب الدرس جيداً، فان التدريس بعد ذلك يوجب بالإضافة إلي تركيز الدرس وترسيخ المعلومات، إفاضتها ونقلها للآخرين فإن زكاة العلم نشره.

وقد اشتهر بين العلماء: أنه يلزم علي رجل الدين وطالب العلم أن يجعل الدرس عذراً لسائر الأشياء لا أن يجعل سائر الأشياء عذراً للدرس، بمعني: انه لو سئل لماذا لم تحضر المجلس الفلاني، أو الضيافة الفلانية، أو السفر الكذائي؟ فيقول: لأنه كان لي درس.

لا أن يذهب إلي السفر الفلاني، والضيافة الفلانية، أو المجلس الفلاني، فإذا قيل له: لماذا لم تأت إلي الدرس؟ يقول: لأني كنت مشغولاً بكذا وكذا.

فمن يجعل الأشياء عذراً للدرس لا يتقدم، وإنما التقدم نصيب من يجعل الدرس عذراً للأشياء، وهذا كما يصح بالنسبة إلي الطالب، يصح بالنسبة إلي المدرّس أيضاً، بل صحته بالنسبة إلي المدرس أقوي، لأنه يعطل نفسه ويعطل تلاميذه، بينما يعطل الأول نفسه فقط، ويكون المتضرر هو بنفسه لا بنفسه وتلامذته.

صاحب الجواهر واهتمامه بالتدريس

لقد ذكروا في أحوال صاحب الجواهر رحمة الله عليه: انه ذهب لإلقاء الدرس إلي تلاميذه في يوم من أيام الشتاء، وكان يوماً شديد المطر ولم يحضر من الطلاب إلا القليل منهم.

فقيل له: كيف حضرت الدرس مع ما عليه اليوم من شدة المطر وعدم إمكان السير؟

فقال: لقد استأجرت حمالاً فحملني في الزقاق الذي فيه داري لأنه كان قد امتلأ بماء المطر حتي صار كأنه الحوض، وذلك لئلا يتعطل الدرس ولا يُحرم منه من حضر من الطلاب.

من كلام الميرزا الكبير

وينقل عن الميرزا الكبير المجدد الشيرازي (قدس سره) انه كان يقول: إذا لم يحضر إمام الجماعة إلي الصلاة، فعلي المأمومين أن يذهبوا إلي تشيعيه، وإذا لم يحضر المدرس إلي الدرس، فعلي التلاميذ أن يذهبوا إلي عيادته، كناية علي لزوم حضور الإمام إلي الصلاة حتي في اشق أحواله، ماخلا الموت، وحضور المدرس إلي الدرس ما خلا المرض.

الآغا حسين القمي رحمة الله عليه

وكان المرجع الديني المعروف الحاج آغا حسين القمي (قدس سره) من دأبه أنه إذا سافر إلي مكان أصطحب معه أصحاب بحثه الخاص، ليشتغل معهم بالبحث طيلة الطريق والسفر.

وقد شاهدته مراراً كذلك.

وكان يقول: كيف آكل من السهم الشريف، سهم الإمام عليه السلام الذي هو للمشتغل، وأنا عاطل علي البحث.

التدريس ومعناه الشمولي

ثم إنه ليس معني الدرس والتدريس بالنسبة إلي رجال الدين هو: الاشتغال بالفقه والأصول، وعلوم الأدب والمنطق فقط كما عليه المتعارف في حوزاتنا العلمية اليوم، بل يلزم بالإضافة إلي ذلك درس وتدريس سائر العلوم المحتاج إليها من الحساب والهندسة، والتاريخ والجغرافيا، وغير ذلك من العلوم الإسلامية الأخري.

الطلاب والعالم المعاصر

هذا مضافاً إلي وجوب ربط الأستاذ والطلاب بالعالم المعاصر، والأحداث الجارية علي الساحة الإسلامية والعالمية ليكون طلبة العلوم الدينية، ورجال الدين علي بصيرة فيما يحتاجون إليه من الإرشاد والتبليغ والهداية والتوجيه، وبدون ذلك فان البلاد الإسلامية تكون عرضة لأطماع كلا من الغرب والشرق وغرضاً لمراميهم، حيث يوحون إلي شياطينهم في المنطقة بإحداث الانقلابات العسكرية في البلاد الآمنة، الانقلابات التي تسحق الشعوب، وتأتي علي الحرث والنسل، وقد حدث كل ذلك في النصف الأخير من القرن الماضي في كل من العراق وإيران ومصر وباكستان وأفغانستان وغيرها من دول المنطقة، وقد ذكرت جملة منها في كتاب مستقل، ولننقل هنا مقطعاً من كتاب (رياح الشمال) كي يعرف القارئ الكريم ماذا يجري خلف الستار، وكيف تعبث الأيدي الغربية بواسطة شياطينها في بلاد الإسلام.

أغراض وأهداف

يقول مؤلف الكتاب المذكور في بعض فصوله: «سعي الرئيس عبد الناصر لإيجاد صيغة تخرجه من اليمن وتحفظ الثورة والجمهورية في الوقت نفسه، فزار جدة لهذا الهدف واجتمع مع الملك فيصل في (24 آب 1965م) وتوصل الطرفان إلي (اتفاقية جدة) التي تعهّد فيها عبد الناصر بسحب قواته في مدة أقصاها (23 تشرين الثاني 1966م) بينما تعهّد الملك فيصل في المقابل بإيقاف المساعدة إلي الملكيين.

وما إن تم التوصل إلي هذا الاتفاق حتي حدث نزاع خطير انعكس علي مستقبل التطورات في المنطقة، فانه بعد «اتفاق عبد الناصر، فيصل في جدة» أعلنت بريطانيا في

(شباط 1966م) عن عزمها علي الانسحاب من شرق السويس، أي: من عدن واليمن الجنوبية ودول الخليج العربي قبل العام 1970، ووجد عبد الناصر أن في ذلك فرصة له ليملأ الفراغ الناتج من الانسحاب البريطاني مما يوفر له بسط نفوذه في الجزيرة العربية، فأعلن أنه سيبقي في اليمن خلافاً لاتفاق جدة.

والتداعي الآخر الأهم جاء في حرب (6 حزيران 1967م) عندما شنّت إسرائيل هجومها إثر إغلاق مصر مضيق تيران() في وجه الملاحة الإسرائيلية، وسحب القوات الدولية التي كانت تفصل بين مصر وإسرائيل في سيناء، وحدثت الهزيمة التاريخية في ستة أيام والقوات المصرية مازالت في اليمن.

وجاء التداعي السياسي الأخطر عندما تم عقد القمة العربية في الخرطوم في (آب 1967م) أي بعد ثلاثة أشهر من الحرب، فأصدر الزعماء العرب اللاءات الثلاثة الشهيرة: لا اعتراف، لا مفاوضات، لا صلح مع إسرائيل، واجتمع فيصل وعبد الناصر علي هامش القمة، فتعهّد عبد الناصر بفعل الهزيمة العسكرية والحاجة إلي المعونة المالية السعودية بسحب قواته من اليمن قبل نهاية (1967م)، وتعهد فيصل في المقابل بإنهاء المساعدة للملكيين.

وانتصر فيصل علي عبد الناصر بعد خمس سنوات بسبب حرب الأيام الستة، ونجح السعوديون في إخراج المصريين من اليمن بفضل إسرائيل.

أما انتصار فيصل فيعود إلي نجاحه في توريط عبد الناصر في حرب اليمن وحصاره هناك عسكرياً وسياسياً، فقد أدي الحصار السعودي العسكري السياسي لعبد الناصر في اليمن طوال ست سنوات بشكل مباشر إلي هزيمة (1967م) وكانت تلك بداية التركيع العربي.

بعدها جاءت لاءات الخرطوم الثلاثة، التي صادرت القرار العربي بالمناورة، وكان للسعودية سياسة داخل المؤتمر أوصلت بدورها إلي تفريغ العمل العربي من مضمونه، هذا التفريغ وانعدام المناورة السياسية أدّيا بدورهما إلي رفض مبادرة روجرز الأميركية، الذي أركع العرب لفترة

عشرين سنة أخري.

وكان سلاح فيصل في محاربة الشيوعية والتصدي للتيارات القومية هو الدين، فمن طريق الإسلام بني استراتيجيته، ومن طريق (التضامن الإسلامي) بني تكتيكه، وطرح خطة تأسيس (الحلف الإسلامي) التي أيدها شاه إيران بقوة، والتي أرادها فيصل نقيضاً للجامعة العربية، والتي تعاطفت معها واشنطن ولندن، وكانت وسيلته السياسية: المؤتمرات الإسلامية التي حاول من خلالها أن يحتوي المدّ القومي العربي اليساري كعقيدة من طريق عقيدة أخري هي الإسلام.

وللمرة الأولي في تاريخ الجزيرة العربية أخرج فيصل: الوهابية، وهو مذهب لا يتعايش مع أي مذهب إسلامي آخر، ويكفّر كل مسلم لا يتقبل تعاليمه إلي حيز أوسع من السيرة السعودية نفسها، ساعياً إلي التعاون السياسي خارج أراضي المملكة مع كل المسلمين علي اختلاف مذاهبهم، ووفّر إحراق المسجد الأقصي في (آب 1969م) الفرصة لفيصل لوضع سياسته موضع التنفيذ، فدعا إلي عقد أول قمة إسلامية في الرباط لبحث مستقبل القدس، ومنها انتقل إلي تأسيس (منظمة العالم الإسلامي) مقرّها جدة خلال اجتماع لوزراء خارجية الدول الإسلامية في جدة في (آذار 1970م).

وفي عام (1974م) انعقدت القمة الإسلامية في لاهور التي ضمت 24 دولة، وصالحت بين بنغلادش وباكستان، وأقرّت إنشاء أول بنك إسلامي للتنمية الذي استخدمته السعودية كقناة تدفع من خلالها المساعدات، وقد أصبحت (منظمة العالم الإسلامي) الذراع الأساسي للسياسة السعودية في الدول الإسلامية.

من طريق (منظمة العالم الإسلامي) بدأ فيصل اللعب بالإسلام كسلاح سياسي، من قبل أن يبرز علي السطح ما يسمي اليوم: (الأصولية الإسلامية)، وفي ما يشبه بداية ترسيخ دور أصولي إسلامي استدار فيصل إلي باكستان، وبدأ تشجيع الحركات الإسلامية فيها ويضخ الأموال إليها، فوقف وراء انقلاب الجنرال ضياء الحق في العام (1975م)، وعمل فيصل علي تقوية باكستان عسكرياً، وهي المحسوبة علي الولايات

المتحدة والغرب علي حساب الهند، إحدي أعمدة حركة عدم الانحياز، والمحسوبة علي الاتحاد السوفياتي، وساهم في تحويل (القنبلة الإسلامية) والمشروع الثوري الباكستاني في بداياته، ولعبت باكستان في عهد ضياء الحق دوراً كبيراً في تأصيل القوات المسلحة السعودية، فبعثت بالعسكريين والخبراء والطيارين وحتي الحرس الخاص وأصبح المرتزقة الباكستانيين نواطير النظام.

وبدأت الحركات الأصولية الإسلامية بمختلف تفرعاتها وميولها تتواجد في باكستان، حتي وجدت فرصتها الذهبية عندما غزا الاتحاد السوفياتي أفغانستان في العام (1979م) فبدأ تنظيمها بخبرات وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية وأموال السعودية، وأطلق عليها اسم: (المجاهدون) وأخذت السعودية تجمع لهؤلاء التبرعات في مدنها وسميت الحرب ضد السوفيات في أفغانستان (حرب الجهاد الإسلامي) وهنا كانت بداية الأصولية التي غذتها السعودية وروّتها أمريكا، وشبّعها الغرب».

أقول: نكتفي هنا بهذا القدر ليعرف منه مصير سائر البلاد الإسلامية، بينما نري ومنذ أكثر من خمسين سنة أي بعد: الحرب العالمية الثانية أن البلاد الغربية كلها تعيش في أمن وسلام واستقرار واطمئنان، ولا مهازل فيها كما في بلاد الإسلام.

التصدي للبدع والشبهات

ومما يجب علي رجل الدين أن يتصدي للبدع والانحرافات والشبهات المثارة من قبل الأعداء، وذلك بالإجابة عليها بالحكمة والموعظة الحسنة في منبره ودرسه وتأليفاته وما أشبه.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام: «إن العالم الكاتم علمه يبعث أنتن أهل القيامة ريحاً تلعنه كل دابة من دواب الأرض الصغار» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلي النار» ().

وقال علي عليه السلام: «من مشي إلي صاحب بدعة فوقره فقد سعي

في هدم الإسلام» ().

وعن يونس بن عبد الرحمن في حديث قال: روينا عن الصادقين ? أنهم قالوا: «إذا ظهرت البدع فعلي العالم أن يظهر علمه فإن لم يفعل سلب نور الإيمان» ().

عند ما جاء عبد الكريم قاسم

عند ما جاء عبد الكريم قاسم وأخذ بخرق القانون الشرعي والعرفي السائد وفتح ثغرة الانقلابات العسكرية في العراق، أراد أن يلتقي بالسيد الوالد والسيد الحكيم (قدس سرهما) عند زيارته لكربلاء المقدسة والنجف الأشرف، ولكنهما اشترطا عليه مقدمة لزيارته لهما أن يغير ما جاء به من القوانين المخالفة للإسلام، والتي من أهمها إلغاء قانون الاعتراف بالحزب الشيوعي وإلغاء قانون الإصلاح الزراعي المزعوم، وإلغاء قانون الأحوال الشخصية.

لكنه أصر علي عدم إجابته لهم وأصروا هم أيضاً علي عدم استقباله، فلم يتم اللقاء ولم يمض علي الحادث اكثر من ستة اشهر إلا وقد قامت الثورة ضده مما أودي بحكومته وحياته.

التضحية في سبيل الله

وكان يقول السيد الوالد (قدس سره) إبان سيطرة الشيوعيين علي العراق واشتغالهم بالنهب والهتك وسفك الدماء البريئة: إن الدم البريء لغم موقوت يتفجر فيدك عروش الظالمين، ويزيل حكمهم وملكهم، وإني أتمني أن لو كنت أقدر علي أن أكف القتل عن الجميع وأكون أنا المقتول علي أيديهم مكان من قتلوا، فيحدث قتلي ضجة في الأوساط ويكون ذلك سبباً في زوال سيطرتهم وخلاص الشعب العراقي المسلم من ظلمهم، وكان يحز ذلك في قلبه إلي أن استطاع علي عقد الاتفاق مع علماء النجف الأشرف في النهوض ضد الشيوعيين، وقد توفقوا للقضاء عليهم بإذن الله تعالي.

فرح الملائكة بإجابة الشبهة

وفي الحديث انه قد اختصم إلي فاطمة الزهراء عليها السلام امرأتان فتنازعتا في شي ء من أمر الدين، إحداهما معاندة والأخري مؤمنة، ففتحت علي المؤمنة حجتها فاستظهرت علي المعاندة، ففرحت فرحا شديدا، فقالت فاطمة عليه السلام: «إن فرح الملائكة باستظهارك عليها أشد من فرحك، وإن حزن الشيطان ومردته بحزنها أشد من حزنها، وإن الله تعالي قال لملائكته: أوجبوا لفاطمة بما فتحت علي هذه المسكينة الأسيرة من الجنان ألف ألف ضعف مما كنت أعددت لها، واجعلوا هذه سنة في كل من يفتح علي أسير مسكين فيغلب معاندا مثل ألف ألف ما كان معدا له من الجنان» ().

الربح الأكبر

وعن أبي محمد عليه السلام قال: قال الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وقد حمل إليه رجل هدية فقال له: «أيما أحب إليك أن أرد عليك بدلها عشرين ضعفا يعني عشرين ألف درهم، أو أفتح لك بابا من العلم تقهر فلان الناصبي في قريتك تنقذ به ضعفاء أهل قريتك، إن أحسنت الاختيار جمعت لك الأمرين، وإن أسأت الاختيار خيرتك لتأخذ أيهما شئت»، فقال: يا ابن رسول الله فثوابي في قهري ذلك الناصب واستنقاذي لأولئك الضعفاء من يده قدره عشرون ألف درهم، قال: «بل أكثر من الدنيا عشرين ألف ألف مرة» فقال: يا ابن رسول الله فكيف أختار الأدون بل أختار الأفضل، الكلمة التي أقهر بها عدو الله وأذوده عن أولياء الله، فقال الحسن بن علي عليه السلام: «قد أحسنت الاختيار» وعلمه الكلمة وأعطاه عشرين ألف درهم، فذهب فأفحم الرجل فاتصل خبره به، فقال له حين حضر معه: «يا عبد الله ما ربح أحد مثل ربحك ولا اكتسب أحد من الأوداء ما اكتسبت، اكتسبت مودة الله أولا، ومودة محمد

صلي الله عليه و اله وعلي عليه السلام ثانيا، ومودة الطيبين من آلهما عليهم السلام ثالثا، ومودة ملائكة الله تعالي رابعا، ومودة إخوانك المؤمنين خامسا، واكتسبت بعدد كل مؤمن وكافر ما هو أفضل من الدنيا ألف مرة فهنيئا لك هنيئا» ().

العلماء المرابطون

وقال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: «علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الذي يلي إبليس وعفاريته يمنعونهم عن الخروج علي ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة، لأنه يدفع عن أديان محبينا وذلك يدفع عن أبدانهم» ().

4 المحراب

4 المحراب

من المقومات الأخري لرجل الدين: المحراب وإمامة الجماعة بمعني: أن يصلي بالناس جماعة، فان رسول الله صلي الله عليه و اله هو أول من صلي جماعة منذ أول الإسلام حيث انه صلي الله عليه و اله كان يصلي مع خديجة عليها السلام خلفه، وعلي بن أبي طالب عليه السلام إلي يمينه في المسجد الحرام رغم انه كان موضع استهزاء الكفار والمشركين.

وذات يوم مر أبو طالب عليه السلام علي رسول الله صلي الله عليه و اله فرآه يصلي، وتصلي خلفه خديجة عليها السلام ويصلي إلي جناحه الأيمن ابنه علي عليه السلام فقال أبو طالب لابنه الآخر جعفر: صِل جناح ابن عمك، أي: صلّ خلف رسول الله صلي الله عليه و اله في الجناح الأيسر، فكان هناك رسول الله صلي الله عليه و اله الإمام، ومأمومان في طرفيه علي عليه السلام وجعفر وامرأة خلفه خديجة عليها السلام.

وهكذا ابتدأ رسول الإسلام صلي الله عليه و اله بصلاة الجماعة واستمرت صلاة الجماعة بإمامته صلي الله عليه و اله إلي قرب رحيله صلي الله عليه و اله حيث جاء إلي المسجد وهو مريض واتكأ علي وصيه علي عليه السلام وعلي ابن عمه الفضل بن العباس، وصلي بالناس وهو جالس وهذا من اختصاصاته صلي الله عليه و اله وذلك في قصة مشهورة.

مساجد المدينة المنورة

ثم إن النبي صلي الله عليه و اله لما هاجر من مكة إلي المدينة بني في المدينة المنورة سبع أو ثمان وأربعين مسجداً، وذلك بحسب الأحياء الموجودة في المدينة، أي: لكل حي مسجد أو أكثر.

أقول: إني احتمل بأن أحياء المدينة كانت منفصلة بعضها عن بعض كما يستفاد ذلك من التاريخ، ولذلك بني رسول الله صلي الله عليه و اله

لكل أهل حيٍ مسجداً للصلاة، وهناك رواية منقولة عن أبي عبد الله عليه السلام قد تكون مؤيدة لذلك قال: «هلك رجل علي عهد رسول الله صلي الله عليه و اله، فأتي صلي الله عليه و اله الحفارين، فإذا بهم لم يحفروا شيئاً، وشكوا ذلك إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فقالوا يا رسول الله: ما يعمل حديدنا في الأرض فكأنما نضرب به في الصفا.

فقال: «ولِمَ ان كان صاحبكم لحسن الخلق؟ ائتوني بقدح من ماء».

فأتوه به، فأدخل يده فيه ثم رشه علي الأرض رشاً ثم قال: «احفروا».

قال: فحفر الحفارون فكأنما كان رملاً يتهايل عليهم().

فصلابة الأرض وصيرورتها رخوة وهشة ببركة النبي صلي الله عليه و اله ربما تعبّر عن أن هذه الأرض غير أرض البقيع، مما يدل علي أنه كانت المدينة أحياءً متفرقة، وكان لكل حي من أحياءها مكاناً خاصاً لدفن موتاهم.

كما ويدل الحديث أيضاً علي أن حسن الأخلاق يؤثر تكويناً علي الإنسان وعلي حياته وموته، وعلي ما يحيط به من سماء وأرض وغير ذلك.

وكيف كان فالمحراب وصلاة الجماعة مبعث لكثير من الخيرات، لأن صلاة الجماعة توجب اجتماع المؤمنين، وتقترن غالباً وفي كثير من الأحيان بالخطابة والوعظ، وإرشاد الناس إلي الخير والتقوي، والفضيلة والأخلاق، والي التعاون بينهم، وحل مشاكلهم من تزويج عزابهم ومساعدات بعضهم لبعض، وتحتوي علي تعليم التوحيد والمعاد وفضائل الرسول صلي الله عليه و اله وآله الأطهار عليهم السلام وغير ذلك مما هو محسوس في صلوات الجماعة إلي هذا اليوم.

يقول الكاتب المسيحي جرجي زيدان، وهو لا يؤمن بنبينا كنبي، ولكن يعترف بعظمته كعظيم:

إن نبي الإسلام كان في غاية الذكاء، ويستدل لذلك بأن الحكومة تقوم علي أمرين: المال والرجال، وقد أقر نبي الإسلام الزكاة

لأجل توفير المال، كما أقر صلاة الجماعة لأجل جمع الرجال.

مراكز عبادة لجماعة النساء

نعم، إن النبي صلي الله عليه و اله كان أول إمام جماعة صلي بمن آمن معه في الإسلام في مكة، ثم في المدينة حيث توسعت صلاة الجماعة لكثرة المسلمين رجالاً ونساءً فكان الرجال يصلون خلفه، ثم النساء خلف الرجال، ولما نزلت آية الحجاب()، جعل بين الرجال والنساء حجاب يفصل النساء عن الرجال، بالإضافة إلي تعيين النبي صلي الله عليه و اله امرأة صالحة تسمي: أم ورقة، لتصلي بالنساء جماعة، وصلاة الجماعة النسوية موجودة ومتعارفة لحد الآن في بعض بلاد الخليج وغيرها من البلدان الإسلامية الأخري.

وقد ورد أيضاً انه كان في زمان أمير المؤمنين علي عليه السلام أربعة مساجد في الكوفة خاصة بالنساء، كما توجد في الحال الحاضر حسينيات خاصة بالنساء، وقد رأيت ذلك في الكويت، ولعل كون المساجد خاصة بالنساء وكذلك الحسينيات، لأن النساء يذهبن إليها لإقامة صلاة الجماعة، واستماع الوعظ والإرشاد والتوجيه الديني، وتعليم المسائل الشرعية الخاصة بالنساء، عن طريق امرأة عالمة بالمسائل والأحكام الشرعية، فان هذه المرأة العالمة تؤم النساء بالصلاة، وتخطب فيهن، وتلقي عليهن المواعظ والنصائح، وتعلمهن المسائل الشرعية، وذلك لأن النساء بعضهن أعرف ببعض، وأعلم بما يحتجن إليه من المسائل والأحكام الشرعية وهن أنسب لبيان ذلك.

ثم إن الفقهاء لم يكتفوا بتصحيح صلاة جماعة النساء، بل ذكروا صحة صلاة جماعة الأطفال أيضاً، وذلك بأن يكون أحدهم إماماً وبقية الأطفال مأمومين، وكان ذلك متعارفاً في الزمان السابق في مدارس الأطفال التي كانت تسمّي بالكتاتيب وكانت تنعقد في المساجد كما كان متعارفاً في صحن الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام وصحن أبي الفضل العباس عليه السلام وقد وفقت أيام طفولتي لأن أكون إماماً

للأطفال وذلك في الأيام التي كنت أذهب لتعلّم القراءة والكتابة، والقرآن والحديث إلي صحن الإمام الحسين عليه السلام عند المرحوم الشيخ علي أكبر النائيني رحمة الله عليه حيث كان معلماً ورعاً وقد وقف نفسه لتعليم الأطفال وتنشئتهم علي الأخلاق والآداب، وذلك في جانب من صحن الإمام الحسين عليه السلام.

صلاة الجماعة وأهميتها

أجل لقد اهتم الإسلام بصلاة الجماعة اهتماماً كبيراً حتي انه جعلها علامة من علامات العدالة للإنسان المسلم، فالمسلم المصلي جماعة يعرف بالعدالة، وحرّض علي حضور الجماعة، كما هدد تارك الجماعة ومن إصراره عليها: انه عد الجماعة قائمة حتي بعد موت الإمام في أثناء الصلاة أو ما أشبه الموت، فأمر بتقديم أحدهم إماماً للجماعة وليتم الصلاة بهم إذا حدث حادث أثناء الصلاة، والجماعة تتحقق في الصلوات الواجبة حتي ولو كانت صلاة الطواف أو الأموات، كما انها قد تتحقق في بعض الصلوات المستحبة وذلك علي ما ذكره الفقهاء في كتبهم المفصلة.

روايات في فضل صلاة الجماعة

عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما يروي الناس أن الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاةً؟ فقال: «صدقوا» فقلت: الرجلان يكونان جماعةً؟ فقال: «نعم ويقوم الرجل عن يمين الإمام» ().

وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من صلي الخمس في جماعة فظنوا به خيراً» ().

عن أبي جعفر عليه السلام قال: «ليكن الذين يلون الإمام أولي الأحلام منكم والنهي، فإن نسي الإمام أو تعايا قوموه، وأفضل الصفوف أولها، وأفضل أولها ما دنا من الإمام، وفضل صلاة الجماعة علي صلاة الرجل فرداً خمس وعشرون درجةً في الجنة» ().

عن الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا

عليه السلام قال: «إنما جعلت الجماعة لئلا يكون الإخلاص والتوحيد والإسلام والعبادة لله إلا ظاهراً مكشوفاً مشهوراً، لأن في إظهاره حجةً علي أهل الشرق والغرب لله وحده، وليكون المنافق والمستخف مؤدياً لما أقر به يظهر الإسلام والمراقبة، وليكون شهادات الناس بالإسلام بعضهم لبعض جائزةً ممكنةً، مع ما فيه من المساعدة علي البر والتقوي والزجر عن كثير من معاصي الله عز وجل» ().

وجاء نفر من اليهود إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فسأله أعلمهم عن أشياء، فأجابه صلي الله عليه و اله إلي أن قال: «أما الجماعة فإن صفوف أمتي في الأرض كصفوف الملائكة في السماء، والركعة في جماعة أربع وعشرون ركعةً، كل ركعة أحب إلي الله عز وجل من عبادة أربعين سنةً، وأما يوم الجمعة فإن الله يجمع فيه الأولين والآخرين للحساب، فما من مؤمن مشي إلي الجماعة إلا خفف الله عزوجل عليه أهوال يوم القيامة ثم يجازيه الجنة» ().

عن النبي صلي الله عليه و اله قال: «من صلي الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله عز وجل حتي تطلع الشمس كان له في الفردوس سبعون درجةً، بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنةً، ومن صلي الظهر في جماعة كان له في جنات عدن خمسون درجةً، بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد خمسين سنةً، ومن صلي العصر في جماعة كان له كأجر ثمانية من ولد إسماعيل كلهم رب بيت يعتقهم، ومن صلي المغرب في جماعة كان له كحجة مبرورة وعمرة مقبولة، ومن صلي العشاء في جماعة كان له كقيام ليلة القدر» ().

وقال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: «أول جماعة كانت أن رسول الله صلي الله عليه

و اله كان يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام معه إذ مر أبو طالب به وجعفر معه، فقال: يا بني صل جناح ابن عمك، فلما أحسه رسول الله صلي الله عليه و اله تقدمهما وانصرف أبو طالب مسروراً» إلي أن قال: «فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم» ().

5 التأسيس

5 التأسيس

من المقومات الأخري لرجل الدين تأسيس المؤسسات الخيرية، ذات النفع العام، وذلك بأن يؤسس كل رجل دين مؤسسة ثقافية، أو اجتماعية، أو صحية، أو اقتصادية، أو غير ذلك، مثل بناء المساجد والحسينيات، والمدارس والمكتبات، والمصارف ونحو ذلك مما يصلح دين المسلمين ودنياهم، فقد ذكرت بعض المجلات أن البابا يقدم توجيهات خاصة إلي كل المبشرين المسيحيين، الفائق عددهم علي خمسة ملايين مبشر، ويوصيهم بأن يقوم كل مبشر من المسيحيين ممن يبقي خمسة أعوام في محل ببناء مؤسسة مسيحية هناك، ولذا نري أن المؤسسات المسيحية كالكنائس ومراكز التبشير ونحو ذلك تزداد في كل خمسة أعوام إلي أعدادها السابقة خمسة ملايين مؤسسة.

المؤسسات الخيرية

نعم، هكذا يبني غير المسلمين من مسيحيين ويهود ومجوس وغيرهم المؤسسات الخيرية تبليغاً لدينهم، مع أن المسلمين أولي بالبناء والتأسيس منهم، ولذا ينبغي لرجل الدين الاهتمام بالتأسيس، تبليغاً للإسلام الحكيم الذي أراده الله أن يكون هو الدين المنقذ والمسعد لكل البشرية، والذي لم يقبل الله من أحد ديناً غيره كما قال تعالي: ?ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين?().

وعليه: فرجل الدين المسلم أولي من غيره بالتبليغ والتأسيس لأن الإسلام هو دين الله الحق، وإن كان الغير يبني ويؤسس أيضاً من باب الاشتغال بأنفسهم، واندفاع بعضهم ببعض كما ذكره الله سبحانه في القرآن الحكيم بقوله: ?ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً?() وهذه المذكورات في الآية من صوامع وبيع وصلوات ومساجد هي مؤسسات لليهود والنصاري والمجوس والمسلمين علي ما ذكروه في التفاسير.

هذا، وقد ذكرت إحدي الجرائد: أن القاديانية() بنوا في لندن مركزاً لهم علي مساحة خمسين كيلو متراً().

الاستشارة رمز التقدم

ثم إنه ينبغي لكل رجل دين بصورة خاصة أن يستشير أهل الفن والخبرة، وأهل الإطلاع والبصيرة حول كيفية عمله في التأليف والتدريس والتأسيس والمنبر والمحراب.

كما انه ينبغي لكل شاب مسلم، وشابة مسلمة بصورة عامة أن يستشير في عمله وأن يطبق في حياته ستة أمور: الزواج، والتقوي، والأخلاق الحسنة، وتأسيس المؤسسات لخدمة الناس، والتأليف إذا كان مثقفاً، والبيان الحسن، وذلك بأن يخطب خطاباً جميلاً وان لم يكن رجل دين، سواء كان طبيباً أم مهندساً أم محامياً أم أستاذاً، أم غير ذلك، إذ علي كل مسلم إبلاغ الإسلام إلي من يسعه الإبلاغ إليه، ليعم عدل الإسلام ورحمته الجميع، ويشملهم خيره وبركته.

ثقافة التعددية

كما ينبغي لرجال الدين بعد التحلي بالأمور السابقة: العمل علي رفع ثقافة الناس، ونشر الوعي السياسي بينهم بتعميم ثقافة التعددية عندهم، وتحذيرهم من الاستبداد الفردي والأنانية الشخصية، وحثهم علي تشكيل الأحزاب الحرة، لتكون لهم الأمن والأمان من الحكم الدكتاتوري الذي يحكمه الحزب الواحد كما يشاء، فان الرسول صلي الله عليه و اله جعل المسلمين الذين كانوا هم له بمنزلة الجناح والساعد، فريقين: المهاجرين والأنصار، مع العلم أن كليهما كانا في كل الأحكام سواء، حتي انه جاء اسمهما في القرآن الحكيم معاً، وفي السنة المطهرة أيضاً كذلك، كما ويفهم هذا المعني أيضاً، من رواية جاءت في كتاب السبق والرماية وقد ذكرها صاحب الجواهر، والمسالك، وجامع المقاصد، وغيرها من كتب الفقه والحديث: انه كان في زمان رسول الله صلي الله عليه و اله يشترك المسلمون في إقامة المسابقات المحللة علي شكل أحزاب لقوله صلي الله عليه و اله: «أنا في الحزب الذي فيه ابن الأدرع» ().

كما انه ينبغي لرجال الدين أيضاً نشر ثقافة الشوري والاستشارة في كل شيء،

وخاصة بالنسبة إلي الحكومة والحاكم، حيث ان الله تبارك وتعالي جعل حق الحاكمية لنفسه، ثم منحها لرسوله صلي الله عليه و اله، ثم للائمة المعصومين من أهل بيته عليهم السلام، ومنحها الإمام المهدي عليه السلام للمراجع الفقهاء جميعاً، وليس لواحد منهم دون آخر وأن يعملوا علي حث الناس للمطالبة بتشكيل شوري المرجعية، فانه مع تشتت المراجع لا تستقيم الأمور الدينية ولا الدنيوية للمسلمين، بل لكل الناس، وقد عمل المسيحيون وغيرهم شوري بينهم، وذلك منذ أكثر من خمسين سنة، ولذلك تقدموا في العديد من المجالات، وعلي المسلمين ان أرادوا التقدم أن يجتمع فقهاؤهم المراجع في صورة (شوري المرجعية) لإدارة الشؤون العامة الدينية والدنيوية، وما يرتبط بأمور الدين والدنيا معاً وما يتعلق بتقدم البلاد والعباد جميعاً، فانه بهذين الأمرين أي: الأحزاب الحرة وشوري المرجعية، تستقيم أمور الناس ديناً ودنيا، وقد ذكرنا هذين الأمرين في بعض كتبنا بتفصيل()، وإنما أردنا هنا الإشارة إلي ذلك فقط.

توصية أخيرة

وفي الختام: أوصي رجال الدين بما أوصي به الإسلام من خدمة الناس وإيصال النفع إليهم، فانه بالإضافة إلي ما ذكرناه: من التأليف، والمنبر، والتدريس، والمحراب، والتأسيس، ينبغي لرجال الدين أن يهتموا بحل مشاكل الناس حسب الإمكان، فإن ذلك هو منهج الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين)، وقد وردت عنهم في ذلك قصص كثيرة وروايات متواترة في كتب الأحاديث والتفاسير والتاريخ وغيرها، مما تفرض علي أهل العلم ورجال الدين أن يسعوا في حل مشكلة السكن، ومعضلة البطالة، وانخفاض نسبة الزواج، وارتفاع نسبة الطلاق، وكثرة المنكرات، وشيوع الفساد، وغير ذلك من المشكلات والويلات التي ابتليت بها الأمة الإسلامية جمعاء.

المشاكل: أسبابها وحلولها

لا يخفي: إن كل ذلك يرجع إلي سبب رئيسي واحد، وهو: عدم العمل بأحكام الله

تعالي، وعدم تطبيقها في حياتنا العملية..

إذ حكم الله في الأرض هو: «فإن الأرض لله ولمن عمرها» كما قاله الرسول صلي الله عليه و اله().

وحكم الله في المباحات الأصلية كالغابات والمعادن والمياه وصيد الحيوانات المباحة في البحر والبر والجوّ هو ملكية من سبق إلي حيازتها بقدر حصته.

وحكم الله في العمل والتجارة، والحضر والسفر، والدراسة والتعليم وغير ذلك هو الجواز لمن اختار شيئاً منها.

وحكم الله في الحكومة والحاكم هو الانتخاب الحر، والعدل في الرعية، وقلة الموظفين، وعدم استبداد الحاكم أو الحكومة، ورفع الحدود الجغرافية والحواجز النفسية، ووضع القيود عن أيدي الناس، والعراقيل عن طريق تقدمهم.

بينما نري اليوم أن كل ذلك صار علي العكس، فلا يستطيع المسلم أن يعمل شيئاً، ولا أن يرفع رجلاً عن رجل، إلا برخصة وإجازة وضريبة وشروط أخري.

إضافة إلي كثرة الموظفين الذين هم عالة علي الناس، بينما كان الواجب أن يكونوا هم أيضاً منتجين إذا كان النظام صحيحاً.

مضافاً إلي الحدود الجغرافية التي تحد من حرية المسلمين في الإقامة والسكني وتنقلهم أينما شاؤوا كما كان سابقاً، أي: قبل وضع هذه الحدود المصطنعة، والحواجز المفتعلة.

بالإضافة إلي القوانين الوضعية الكابتة للحريات، والخانقة للشعوب، والمدمّرة للكفاءات، والهادمة للمؤهلات، مما لم يكن لها عين ولا أثر، لا في الإسلام ولا عند العقلاء إلا بعد تقنين الغرب لهذه القوانين الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان.

فإذا أخذنا بقانون الإسلام وعملنا به، فانه عند ذلك تحل مشاكلنا، فترتفع مشكلة السكن لأن الناس يبنون الدور لقاعدة: «الأرض لله ولمن عمرها» وتتوفر فرصة العمل لقاعدة: «الناس مسلطون علي أموالهم وأنفسهم» () فتسبب عدم وجود البطالة، وهكذا ترتفع بقية المشاكل.

مثلاً: يعانون في اليابان من مشكلة قلة الأيادي العاملة وكثرة فرص العمل مع العلم

بأن نفوسهم مائة وثلاثون مليون نسمة، ولذلك صنعوا الإنسان الآلي بكمية كبيرة، للقيام بالأعمال التي ربما تبقي معطلة لولاها، لعدم وجود عمال وقلة الأيادي العاملة عندهم، كما نقلت ذلك الصحف والإذاعات المحلية والعالمية، كما أنه لم تكن عندهم هذه المشاكل التي نعاني منها وبشكل قاس وشديد: مشكلة السكن، والبطالة، وشيوع المنكرات، وكثرة الفساد، وقد رأيت أنا الرخاء وعدم وجود هذه المشاكل أيام ما كنا في العراق، فانه قبل نصف قرن تقريباً وعلي أثر العدالة الإسلامية لم تكن مشكلة للعيش والسكن، ولا بطالة ولا فساد ولا ما أشبه.

خاتمة

خاتمة

العلم والعلماء

في القرآن الكريم والروايات الشريفة

الآيات والروايات

هناك آيات وروايات كثيرة وردت في بيان فضل العلم والعلماء والحث علي تعلم العلوم ونشرها، مضافاً إلي ما ورد من التأكيد علي العقل واللب والتدبر وما أشبه، نشير إلي بعضها:

قال تعالي: ?الرحمن ? علم القرآن ? خلق الإنسان ? علمه البيان?().

وقال سبحانه: ?أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمي إنما يتذكر أولوا الألباب?().

وقال تعالي: ?قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب?().

وقال سبحانه: ? الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب?().

وقال تعالي: ?وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون?().

وقال سبحانه: ?يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولوا الألباب?().

وقال تعالي: ?هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر

إلا أولوا الألباب?().

وقال سبحانه: ?و ما كان المؤمنون لينفروا كافةً فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون?().

وقال تعالي: ?إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب?().

وقال سبحانه: ?أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون?().

وقال تعالي: ?كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون?().

وقال سبحانه: ?شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم?().

وقال تعالي: ?لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً?().

وقال سبحانه: ?اقرأ وربك الأكرم ? الذي علم بالقلم ? علم الإنسان ما لم يعلم?().

وقال تعالي: ?يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير?().

النهي عن تصدي غير العالم

قال تعالي: ?ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا?().

وقال سبحانه: ?ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد?().

وقال تعالي: ?إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم?().

وقال سبحانه: ?ثم جعلناك علي شريعة من الأمر فاتبعها ولاتتبع أهواء الذين لا يعلمون?().

من المستحبات الشرعية

ومن المستحبات علي ما ذكره الفقهاء والمحدثون الجلوس مع الذين يذكرون الله ومع الذين يتذاكرون العلم().

قال لقمان لابنه: «يا بني اختر المجالس علي عينك فإن رأيت قوماً يذكرون الله فاجلس معهم، فإن تكن عالماً ينفعك علمك وإن تكن جاهلاً علموك، ولعل الله أن يظلهم برحمة فتعمك معهم، وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإنك إن تكن عالماً لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا يزيدوك جهلاً ولعل الله أن يظلهم بعقوبة فيعمك معهم» ().

طلب العلم فريضة

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «طلب العلم فريضة علي كل مسلم ألا إن الله يحب بغاة العلم» ().

كمال الدين

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به، وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه سيفي لكم والعلم مخزون عليكم عند أهله وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه» ().

تفقهوا في الدين

وعن علي بن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «تفقهوا في الدين، فإنه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي، إن الله يقول في كتابه: ?ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون?()» ().

من لم يتفقه في دين الله

وعن مفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا أعراباً فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزك له عملا» ().

حتي يتفقهوا

وعن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لوددت أن أصحابي ضُربت رءوسهم بالسياط حتي يتفقهوا» ().

كيف

يتفقه هذا؟

وعن محمد بن عيسي عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال له رجل: جعلت فداك رجل عرف هذا الأمر لزم بيته ولم يتعرف إلي أحد من إخوانه، قال: فقال: «كيف يتفقه هذا في دينه» ().

خير الجلساء

عن ابن عباس قال: قيل: يا رسول الله أي الجلساء خير؟ قال: «من ذكركم بالله رؤيته وزادكم في علمكم منطقه وذكركم بالآخرة عمله» ().

أليس كان جليسهم؟

وعن الصادق عليه السلام أنه قال: «إن الله عز وجل يقول لملائكته عند انصراف أهل مجالس الذكر والعلم إلي منازلهم: أكتبوا ثواب ما شاهدتموه من أعمالهم، فيكتبون لكل واحد ثواب عمله ويتركون بعض من حضر معهم فلا يكتبونه، فيقول الله عزوجل: ما لكم لم تكتبوا فلاناً أليس كان معهم وقد شهدهم، فيقولون: يا رب إنه لم يشرك معهم بحرف ولا تكلم معهم بكلمة، فيقول الجليل جل جلاله: أليس كان جليسهم؟ فيقولون: بلي يا رب، فيقول: اكتبوه معهم إنهم قوم لا يشقي بهم جليسهم، فيكتبوه معهم، فيقول تعالي: اكتبوا له ثواباً مثل ثواب أحدهم» ().

لا خير في العيش إلا..

وعن موسي بن جعفر عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلي الله عليه و اله قال: «لا خير في العيش إلا لمستمع واع أو عالم ناطق» ().

مرحبا بوصية الرسول صلي الله عليه و اله

وكان علي بن الحسين عليه السلام إذا جاءه طالب علم قال: «مرحبا بوصية رسول الله صلي الله عليه و اله ثم يقول: إن طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجله علي رطب ولا يابس من الأرض إلا سبحت له إلي الأرضين السابعة» ().

استوصوا بهم خيرا

وعن أبي هارون العبدي قال: كنا إذا أتينا أبا سعيد الخدري قال: مرحبا بوصية رسول

الله صلي الله عليه و اله سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: «سيأتيكم قوم من أقطار الأرض يتفقهون وإذا رأيتموهم فاستوصوا بهم خيرا» قال: ويقول وأنتم وصية رسول الله صلي الله عليه و اله ().

استماع العلم

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أربع يلزمن كل ذي حجي وعقل من أمتي»، قيل: يا رسول الله ما هن؟ قال: «استماع العلم وحفظه ونشره عند أهله والعمل به» ().

من المروة

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه محمد بن الحنفية: «واعلم أن مروة المرء المسلم مروتان مروة في حضر ومروة في سفر أما مروة الحضر فقراءة القرآن ومجالسة العلماء والنظر في الفقه والمحافظة علي الصلاة في الجماعات، وأما مروة السفر فبذل الزاد وقلة الخلاف علي من صحبك وكثرة ذكر الله عز وجل في كل مصعد ومهبط ونزول وقيام وقعود» ().

الجلوس عند الفقهاء

عن محمد بن علي عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «المتقون سادة والفقهاء قادة والجلوس إليهم عبادة» ().

الجلساء ثلاثة

وروي عن بعض الصادقين عليهم السلام أنه قال: «الجلساء ثلاثة جليس تستفيد منه فالزمه وجليس تفيده فأكرمه وجليس لا تفيد ولا تستفيد منه فاهرب عنه» ().

خير من قيام ألف ليلة

عن أبي ذر رحمة الله عليه قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «يا أبا ذر الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إلي الله من قيام ألف ليلة، يصلي في كل ليلة ألف ركعة، والجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إلي الله من ألف غزوة وقراءة القرآن كله»، قال: يا رسول الله مذاكرة العلم خير من قراءة القرآن كله؟ فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «يا أبا ذر الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إلي الله من قراءة القرآن كله اثنا عشر ألف مرة، عليكم بمذاكرة

العلم، فإن بالعلم تعرفون الحلال من الحرام، يا أبا ذر الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم خير لك من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، والنظر إلي وجه العالم خير لك من عتق ألف رقبة» ().

العلم حياة للقلوب

قال لقمان لابنه: «يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتك، فإن الله عز وجل يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء» ().

مجالسة العلماء عبادة

عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «مجالسة العلماء عبادة، والنظر إلي علي عليه السلام عبادة، والنظر إلي البيت عبادة، والنظر إلي المصحف عبادة، والنظر إلي الوالدين عبادة» ().

وعن موسي بن جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «النظر في وجه العالم حبا له عبادة» ().

من هو العالم

وقال النبي صلي الله عليه و اله: «لا تجلسوا عند كل عالم إلا عالم يدعوكم من الخمس إلي الخمس، من الشك إلي اليقين، ومن الكبر إلي التواضع، ومن الرياء إلي الإخلاص، ومن العداوة إلي النصيحة، ومن الرغبة إلي الزهد» ().

جالس العلماء

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «من جالس العلماء وقر، ومن خالط الأنذال حقر» ().

لعلك تكون منهم

وقال لقمان لابنه: «أي بني صاحب العلماء وجالسهم وزرهم في بيوتهم لعلك أن تشبههم فتكون منهم» ().

افضل من عبادة ألف سنة

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «جلوس ساعة عند العلماء أحب إلي الله من عبادة ألف سنة، والنظر إلي العالم أحب إلي الله من اعتكاف سنة في البيت الحرام، وزيارة العلماء أحب إلي الله تعالي من سبعين طوافا حول البيت، وأفضل من سبعين حجة وعمرة مبرورة مقبولة، ورفع الله له سبعين درجة وأنزل الله عليه الرحمة وشهدت له الملائكة أن الجنة وجبت له» ().

بين مجلس العلم ومجلس الذكر

وخرج رسول الله صلي الله عليه و اله فإذا في المسجد مجلسان مجلس يتفقهون ومجلس يدعون الله ويسألونه، فقال: «كلا المجلسين إلي خير، أما هؤلاء فيدعون الله، وأما هؤلاء فيتعلمون ويفقهون الجاهل، هؤلاء أفضل بالتعليم أرسلت ثم قعد معهم» ().

إحياء العلم

وعن الباقر عليه السلام: «رحم الله عبدا أحيا العلم» فقيل: وما إحياؤه؟ قال: «أن يذاكر به أهل الدين وأهل الورع» ().

صلاة حسنة

وعنه عليه السلام قال: «تذاكر العلم دراسة والدراسة صلاة حسنة» ().

صفات الخير

وجاء في الزبور: «قل لأحبار بني إسرائيل ورهبانهم: حادثوا من الناس الأتقياء، فإن لم تجدوا فيهم تقيا فحادثوا العلماء، فإن لم تجدوا عالما فحادثوا العقلاء، فإن التقي والعلم والعقل ثلاث مراتب ما جعلت واحدة منهن في خلقي وأنا أريد هلاكه» ().

العلم نور من الله

ورد أن عنوان البصري وكان شيخا كبيرا قد أتي عليه أربع وتسعون سنة، قال: كنت أختلف إلي مالك بن أنس سنين، فلما حضر جعفر الصادق عليه السلام المدينة اختلفت إليه وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت من مالك، فقال لي يوما: إني رجل مطلوب، ومع ذلك لي أوراد في كل ساعة من آناء الليل والنهار، فلا تشغلني عن وردي … فاغتممت من ذلك وخرجت من عنده وقلت في نفسي: لو تفرس فيّ خيرا لما زجرني عن

الاختلاف إليه والأخذ عنه، فدخلت مسجد الرسول صلي الله عليه و اله وسلمت عليه ثم رجعت من الغد إلي الروضة وصليت فيها ركعتين وقلت: أسألك يا الله يا الله أن تعطف علي قلب جعفر، وترزقني من علمه ما أهتدي به إلي صراطك المستقيم.

ورجعت إلي داري مغتما ولم أختلف إلي مالك بن أنس لما أشرب قلبي من حب جعفر، فما خرجت من داري إلا إلي الصلاة المكتوبة حتي عيل صبري، فلما ضاق صدري تنعلت وترديت وقصدت جعفرا، وكان بعد ما صليت العصر، فلما حضرت باب داره استأذنت عليه، فخرج خادم له فقال: ما حاجتك؟

فقلت: السلام علي الشريف.

فقال: هو قائم في مصلاه. فجلست بحذاء بابه فما لبثت إلا يسيرا إذ خرج خادم فقال: ادخل علي بركة الله.

فدخلت وسلمت عليه، فرد عليّ السلام وقال: «اجلس غفر الله لك». فجلست، فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال: «أبو من»؟

قلت: أبو عبد الله.

قال: «ثبت الله كنيتك ووفقك لمرضاته»؟

قلت في نفسي: لو لم يكن لي من زيارته والتسليم غير هذا الدعاء لكان كثيرا.

ثم أطرق ملياً ثم رفع رأسه، فقال: «يا أبا عبد الله ما حاجتك»؟

قلت: سألت الله أن يعطف قلبك علي ويرزقني من علمك وأرجو أن الله تعالي أجابني في الشريف ما سألته.

فقال: «يا أبا عبد الله ليس العلم بالتعلم، إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالي أن يهديه، فإن أردت العلم فاطلب أولا من نفسك حقيقة العبودية، واطلب العلم باستعماله، واستفهم الله يفهمك».

قلت: يا شريف.

فقال: قل: «يا أبا عبد الله».

قلت: يا أبا عبد الله ما حقيقة العبودية؟

قال: «ثلاثة أشياء، أن لا يري العبد لنفسه فيما خوله الله ملكا، لأن العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال

الله، يضعونه حيث أمرهم الله تعالي به، ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرا، وجملة اشتغاله فيما أمره تعالي به ونهاه عنه، فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوله الله تعالي ملكا هان عليه الإنفاق فيما أمره الله تعالي أن ينفق فيه، وإذا فوض العبد تدبير نفسه علي مدبره هان عليه مصائب الدنيا، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالي ونهاه لا يتفرغ منهما إلي المراء والمباهاة مع الناس، فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاثة هان عليه الدنيا وإبليس والخلق، ولا يطلب الدنيا تكاثرا وتفاخرا، ولا يطلب ما عند الناس عزا وعلوا، ولا يدع أيامه باطلا، فهذا أول درجة التقي، قال الله تبارك وتعالي: ?تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوا في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين?()».

قلت: يا أبا عبد الله أوصني.

قال: «أوصيك بتسعة أشياء، فإنها وصيتي لمريدي الطريق إلي الله تعالي، والله أسأل أن يوفقك لاستعماله، ثلاثة منها في رياضة النفس وثلاثة منها في الحلم وثلاثة منها في العلم، فاحفظها وإياك والتهاون بها».

قال عنوان: ففرغت قلبي له.

فقال: «أما اللواتي في الرياضة فإياك أن تأكل ما لا تشتهيه، فإنه يورث الحماقة والبله، ولا تأكل إلا عند الجوع، وإذا أكلت فكل حلالا وسم الله، واذكر حديث الرسول صلي الله عليه و اله: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه فإن كان ولابد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه»، وأما اللواتي في الحلم فمن قال لك إن قلت واحدة سمعت عشرا، فقل إن قلت عشرا لم تسمع واحدة، ومن شتمك فقل له إن كنت صادقا فيما تقول، فالله أسأل أن يغفرها لي وإن كنت كاذبا فيما تقول فالله أسأل أن يغفرها لك، ومن وعدك بالجفاء فعده بالنصيحة والدعاء، وأما

اللواتي في العلم فاسأل العلماء ما جهلت، وإياك أن تسألهم تعنتا وتجربة، وإياك أن تعمل برأيك شيئا، وخذ بالاحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلا، واهرب من الفتيا هربك من الأسد، ولا تجعل رقبتك للناس جسرا، قم عني يا أبا عبد الله فقد نصحت لك ولا تفسد علي وردي فإني امرؤ ضنين بنفسي والسلام» ().

ويدل هذا الحديث علي الظروف القاسية والتقية الشديدة التي كان يعيشها الإمام عليه السلام.

تفرغ للعلم

عن النبي صلي الله عليه و اله: «إن موسي عليه السلام لقي الخضر عليه السلام فقال: أوصني.

فقال الخضر: يا طالب العلم إن القائل أقل ملالة من المستمع فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم، واعلم أن قلبك وعاء فانظر ما ذا تحشو به وعاءك، واعرف الدنيا وانبذها وراءك، فإنها ليست لك بدار ولا لك فيها محل قرار، وإنها جعلت بلغة للعباد ليتزودوا منها للمعاد، يا موسي وطن نفسك علي الصبر تلقي الحلم، وأشعر قلبك التقوي تنل العلم، ورض نفسك علي الصبر تخلص من الإثم، يا موسي تفرغ للعلم إن كنت تريده، فإنما العلم لمن تفرغ له، ولا تكونن مكثارا بالمنطق مهذارا، إن كثرة المنطق تشين العلماء وتبدي مساوئ السخفاء، ولكن عليك بذي اقتصاد، فإن ذلك من التوفيق والسداد، وأعرض عن الجهال واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فضل الحلماء وزين العلماء، إذا شتمك الجاهل فاسكت عنه سلما، وجانبه حزما، فإن ما بقي من جهله عليك وشتمه إياك أكثر، يا ابن عمران لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه، ولا تغلقن بابا لا تدري ما فتحه، يا ابن عمران من لا تنتهي من الدنيا نهمته ولاتنقضي فيها رغبته كيف يكون عابدا، ومن يحقر حاله ويتهم الله بما قضي له كيف يكون

زاهدا، يا موسي تعلم ما تعلم لتعمل به، ولاتعلم لتحدث به، فيكون عليك بوره، ويكون علي غيرك نوره» ().

أيتام آل محمد

عن أبي محمد العسكري عليه السلام قال: حدثني أبي عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: «أشد من يتم اليتيم الذي انقطع عن أبيه يتم يتيم انقطع عن إمامه، ولا يقدر علي الوصول إليه، ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه، ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلي» ().

العالم بشريعتنا

وعن أبي محمد العسكري عليه السلام أيضاً قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام: «من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلي نور العلم الذي حبوناه به، جاء يوم القيامة وعلي رأسه تاج من نور يضي ء لأهل جميع العرصات، وعليه حلة لا يقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها، ثم ينادي مناد: يا عباد الله، هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمد، ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلي نزه الجنان، فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيرا أو فتح عن قلبه من الجهل قفلا أو أوضح له عن شبهة» ().

مع الصديقة الطاهرة عليها السلام

قال أبو محمد العسكري عليه السلام: «حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء عليه السلام فقالت: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شي ء، وقد بعثتني إليك أسألك.

فأجابتها فاطمة عليها السلام عن ذلك.

فثنت، فأجابت، ثم ثلثت إلي أن عشرت، فأجابت، ثم خجلت من الكثرة فقالت: لا أشق عليك يا ابنة سول الله.

قالت فاطمة: هاتي وسلي عما بدا لك، أرأيت من اكتري يوما يصعد إلي سطح بحمل ثقيل وكراه مائة ألف دينار أيثقل عليه؟

فقالت: لا.

فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من مل ء ما بين الثري إلي العرش لؤلؤا، فأحري أن لا يثقل علي، سمعت أبي رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات علي قدر كثرة علومهم وجدهم في إرشاد عباد الله، حتي يخلع علي الواحد منهم ألف ألف حلة من نور، ثم ينادي منادي ربنا عزوجل: أيها الكافلون لأيتام آل محمد صلي الله عليه و اله

الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم، فاخلعوا عليهم كما خلعتموهم خلع العلوم في الدنيا، فيخلعون علي كل واحد من أولئك الأيتام علي قدر ما أخذوا عنهم من العلوم، حتي إن فيهم يعني في الأيتام، لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة، وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام علي من تعلم منهم، ثم إن الله تعالي يقول: أعيدوا علي هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتي تتموا لهم خلعهم وتضعفوها لهم، فيتم لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم ويضاعف لهم، وكذلك من بمرتبتهم ممن يخلع عليه علي مرتبتهم.

وقالت فاطمة عليها السلام: يا أمة الله إن سلكاً من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة وما فضل فإنه مشوب بالتنغيص والكدر» ().

من بركة العلم

وقال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام إن رجلا جاء إلي علي بن الحسين عليه السلام برجل يزعم أنه قاتل أبيه، فاعترف فأوجب عليه القصاص، وسأله أن يعفو عنه ليعظم الله ثوابه، فكأن نفسه لم تطب بذلك، فقال علي بن الحسين عليه السلام للمدعي للدم، الولي المستحق للقصاص: إن كنت تذكر لهذا الرجل عليك فضلا فهب له هذه الجناية واغفر له هذا الذنب.

قال: يا ابن رسول الله له علي حق ولكن لم يبلغ أن أعفو عن قتل والدي.

قال: فتريد ما ذا؟

قال: أريد القود، فإن أراد لحقه علي أن أصالحه علي الدية صالحته وعفوت عنه.

فقال علي بن الحسين عليه السلام: فما ذا حقه عليك؟

قال: يا ابن رسول الله لقنني توحيد الله ونبوة محمد رسول الله وإمامة علي والأئمة عليهم السلام.

فقال علي بن الحسين عليه السلام: فهذا لا يفي بدم أبيك، بلي والله هذا يفي بدماء أهل الأرض

كلهم من الأولين والآخرين سوي الأنبياء والأئمة عليهم السلام إن قتلوا فإنه لا يفي بدمائهم شي ء أن قنع منه بالدية.

قال: بلي.

قال علي بن الحسين عليه السلام للقاتل: أفتجعل لي ثواب تلقينك له حتي أبذل لك الدية فتنجو بها من القتل.

قال: يا ابن رسول الله أنا محتاج إليها وأنت مستغن عنها فإن ذنوبي عظيمة وذنبي إلي هذا المقتول أيضا بيني وبينه لا بيني وبين وليه هذا.

قال علي بن الحسين عليه السلام: فتستسلم للقتل أحب إليك من نزولك عن هذا التلقين.

قال: بلي يا ابن رسول الله.

فقال علي بن الحسين عليه السلام لولي المقتول: يا عبد الله قابل بين ذنب هذا إليك وبين تطوله عليك، قتل أباك حرمه لذة الدنيا وحرمك التمتع به فيها، علي أنك إن صبرت وسلمت فرفيقك أبوك في الجنان ولقنك الإيمان، فأوجب لك به جنة الله الدائمة وأنقذك

من عذابه الدائم، فإحسانه إليك أضعاف أضعاف جنايته عليه،

فإما أن تعفو عنه جزاء علي إحسانه إليك، لأحدثكما بحديث من فضل رسول الله صلي الله عليه و اله خير لك من الدنيا بما فيها، وإما أن تأبي أن تعفو عنه حتي أبذل لك الدية لتصالحه عليها، ثم أخبرته بالحديث دونك فلما يفوتك من ذلك الحديث خير من الدنيا بما فيها لو

اعتبرت به.

فقال الفتي: يا ابن رسول الله قد عفوت عنه بلا دية ولا شي ء إلا ابتغاء وجه الله ومسألتك في أمره، فحدثنا يا ابن رسول الله بالحديث.

فذكر علي بن الحسين عليه السلام له الحديث().

???

وهذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الكتاب، والله الموفق للصواب، وهو المستعان.

قم المقدسة

رجب / 1420ه

محمد الشيرازي

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة الأحزاب: 45-46.

() راجع الكافي: ج1 ص35 باب ثواب العالم والمتعلم، ح1، وفيه: «وإن العلماء

ورثة الأنبياء».

() بحار الأنوار: ج 39 ص 56 في مساواته يعقوب ويوسف عليه السلام.

() سورة الرعد: 24.

() سورة المائدة: 27 – 30.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 133.

() نهج البلاغة: قصار الحكم: 415.

() سورة العنكبوت: 64.

() سورة آل عمران: 185.

() سورة النحل: 97.

() إعلام الوري: ص39 ب3 ف1 في ذكر مبدأ المبعث.

() بحار الأنوار: ج1 ص183 ب1 ح92.

() سورة البقرة: 200202.

() وسائل الشيعة: ج27 ص95-96 ب8 ح33308.

() سورة البقرة: 146.

() سورة البقرة: 159.

() سورة البقرة: 174.

() سورة آل عمران: 187.

() سورة الإسراء: 20.

() سورة التوبة: 105.

() مجلة (الدعوة) السعودية.

() مجلة (الصلاح) الإماراتية.

() جريدة (الرأي العام) الكويتية.

() جريدة (الرأي العام) الكويتية.

() مهاتما غاندي (1869-1948م): زعيم سياسي وروحي هندي، لقب بالمهاتما أي النفس الكبيرة، نادي باللاعنف والمقاومة السلبية، عمل علي تحرير الهند من نير الاستعمار البريطاني فدعي (مهندس الاستقلال الهندي) دعا إلي إزالة الحواجز بين الطبقات الاجتماعية والي الوحدة بين الهندوس والمسلمين والسيخ، قتله هندوسي متعصب، أشهر آثاره سيرته الذاتية التي دعاها (قصة تجاربي مع الحقيقة) عام 1927.

() مجلة دعوة الحق المغربية.

() إقبال (1875 1938م) شاعر وفيلسوف مسلم، نظم باللغة الفارسية والأوردية، وكان أول من دعا إلي إنشاء دولة باكستان، أشهر آثاره الشعرية قصيدة طويلة عنوانها (أسراري خودي) أي أسرار النفس عام 1815م وأهم آثاره الفلسفية (إعادة بناء الفكر الديني في الإسلام) عام 1934.

() مجلة العربي الكويتية.

() ماو (1893-1976م) زعيم ومنظر سياسي صيني، نظم قوات حرب العصابات الشيوعية الصينية، انتصر علي قوات شيانغ كاي شيك وأسس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 وكان زعيماً للحزب الشيوعي الصيني.

() آغاثا كريستي (1891 – 1976م) روائية انكليزية، وضعت عدداً من الروايات البوليسية مسندة بطولتها إلي مفوض شرطة بلجيكي عدته هركول بوارو، وإلي

عانس دعتها الآنسة جين ماربل، بيع من آثارها مئات الملايين من النسخ، من أشهر هذه الآثار، رواية (مصرع روجر آكرويد) عام 1926.

() سورة الإسراء: 20.

() نهج البلاغة، الخطب: 27 ومن خطبه له عليه السلام وقد قالها يستنهض بها الناس حين ورد خبر غزو الأنبار.

() سورة آل عمران: 139.

() غوالي اللآلي: ج1 ص98 ف6 ح10.

() الرأي العام.

() جريدة البيان الإماراتية.

() راجع كتاب (الذريعة إلي تصانيف الشيعة)، للعلامة الشيخ آغا بزرك الطهراني.

() قصر جديد لصدام في بغداد كلف 45 مليون دولار، انظر مجلة (المجلة: العدد944

بتاريخ 15 مارس 1998م). وقد ذكرت بعض الجرائد أن كلفة بناء مسجد صدام في بغداد هي أربع مليارات دولار 1998م.

() سورة المؤمنون: 52.

() سورة آل عمران: 103.

() سورة الطلاق: 1.

() سورة البقرة: 249.

() سورة ص: 20.

() مضيق تيران: مضيق يصل البحر الأحمر بخليج العقبة، يقع بين المملكة العربية السعودية والطرف الجنوب الشرقي من شبه جزيرة سيناء، وهو منسوب إلي جزيرة تيران الواقعة عند الطرف الشمالي عند البحر الأحمر.

() وسائل الشيعة: ج16 ص269 ب40 ح21538.

() وسائل الشيعة: ج16 ص270 ب40 ح21539.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص572 باب معرفة الكبائر التي أوعد الله عزوجل عليها النار، ح4954.

() المحاسن: ج1 ص208 ب6 ح73.

() وسائل الشيعة: ج16 ص271 ب40 ح21546.

() بحار الأنوار: ج2 ص8 ب8 ح15.

() الاحتجاج: ج1 ص18-19 فصل في ذكر طرف مما أمر الله في كتابه من الحجاج والجدال بالتي هي أحسن وفضل أهله.

() غوالي اللآلي: ج1 ص18 فصل2 ح5.

() الكافي: ج2 ص101 باب حسن الخلق ح10.

() سورة الأحزاب: 59، ?يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَي أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ?.

() الكافي:

ج3 ص371 باب فضل الصلاة في الجماعة ح1.

() وسائل الشيعة: ج8 ص286 ب1 ح10678.

() تهذيب الأحكام: ج3 ص265 ب25 ح71.

() وسائل الشيعة: ج8 ص287 ب1 ح10683.

() الخصال: ج2 ص355 سبع خصال أعطاها الله عزوجل نبيه صلي الله عليه و اله ح36.

() وسائل الشيعة: ج8 ص288 ب1 ح10685.

() الأمالي للصدوق: ص508 المجلس76 ح4.

() سورة آل عمران: 85.

() سورة الحج: 40.

() القاديانية: فرقة حديثة أسسها في قاديان في البنجاب بالهند عام 1889 ميرزا غلام أحمد (1839-1908م) الذي زعم أنه المهدي المنتظر، وأتباعه يقولون إنه تظاهر بالموت ولجأ إلي الهند، وجماعته تعرف بالأحمدية أيضاً، ولهم عقائد باطلة.

() جريدة (المسلمون) التي تصدر في لندن.

() مستدرك الوسائل: ج14 ص79 ب2 ح16142.

() راجع موسوعة الفقه: كتاب القانون وكتاب السياسة.

() الكافي: ج5 ص279 باب في إحياء أرض الموات ح2.

() راجع موسوعة الفقه القواعد الفقهية (قاعدة السلطنة).

() سورة الرحمن: 1-4.

() سورة الرعد: 19.

() سورة الزمر: 9.

() سورة الزمر: 18.

() سورة النحل: 43.

() سورة البقرة: 269.

() سورة آل عمران: 7.

() سورة التوبة: 122.

() سورة آل عمران: 190.

() سورة البقرة: 44.

() سورة البقرة: 242.

() سورة آل عمران: 18.

() سورة النساء: 162.

() سورة العلق: 3-5.

() سورة المجادلة: 11.

() سورة الإسراء: 36.

() سورة الحج: 3.

() سورة النور: 15.

() سورة الجاثية: 18.

() انظر وسائل الشيعة: ج7 ص230. ب50 ط مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

() وسائل الشيعة: ج7 ص231 ب50 ح9198.

() الكافي: ج1 ص30 باب فرض العلم ووجوب طلبه والحث عليه، ح1.

() بحار الأنوار: ج1 ص175 ب1 ح41.

() سورة التوبة: 122.

() المحاسن: ج1 ص229 ب15 ح163.

() منية المريد: ص375 الفصل الأول في أقسام العلوم الشرعية.

() الكافي: ج1 ص31 باب فرض العلم ووجوب طلبه والحث عليه، ح8.

() وسائل الشيعة: ج15

ص354 ب51 ح20722.

() مستدرك الوسائل: ج5 ص395 ب42 ح6173.

() غوالي اللآلي: ج4 ص67-68 ح29.

() بحار الأنوار: ج1 ص168 ب1 ح13.

() الخصال: ج2 ص518 ح4.

() الأمالي للطوسي: ص478 المجلس17 ح1044.

() بحار الأنوار: ج1 ص168 ب1 ح14.

() بحار الأنوار: ج1 ص200 ب4 ح5.

() بحار الأنوار: ج1 ص201 ب4 ح9.

() غوالي اللآلي: ج4 ص79 ح73.

() بحار الأنوار: ج1 ص203-204 ب4 ح21.

() روضة الواعظين: ج1 ص11 باب الكلام في ماهية العلوم وفضلها.

() كشف الغمة: ج2 ص268.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص152 ب145 ح10528.

() الاختصاص: ص335 حديث في زيارة المؤمن لله.

() بحار الأنوار: ج1 ص205 ب4 ح30.

() كنز الفوائد: ج2 ص66.

() عدة الداعي: ص75.

() منية المريد: ص106 فصل2 فيما روي عن النبي صلي الله عليه و اله في فضل العلم.

() راجع الكافي: ج1 ص41 باب سؤال العالم وتذاكره ح7.

() بحار الأنوار: ج1 ص206 ب4 ح37.

() منية المريد: ص120 فصل5 في فضل العلم والكتب السالفة والحكم القديمة.

() سورة القصص: 83.

() مشكاة الأنوار: ص325-328 الباب التاسع في ذكر المواعظ.

() منية المريد: ص140- 141 فصل2 في لزوم الإخلاص من الآثار وكلام الأنبياء.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص317 ب11 ح21458.

() بحار الأنوار: ج2 ص2 ب8 ح2.

() تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص340-341 في أن اليتيم الحقيقي هو المنقطع عن الإمام عليه السلام ح216.

() تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص596-600 في عقاب من كتم شيئاً من فضائلهم عليه السلام ح356.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.