مقتطفات من تاريخ المدينة المنورة

اشارة

اسم الكتاب: مقتطفات من تاريخ المدينة المنورة

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: مركز الرسول الاعظم(ص)

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1419 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة

الأحزاب: 21

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

حيث ان شرف المكان بالمكين.. وبما ان المدينة المنورة عاصمة الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم).. وفي كل ناحية من نواحيها هناك عبرة وذكري للنبي الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم) وقد تجلت فيها سياسته الحكيمة وسيرته القويمة، فمن الضروري دراسة تاريخ هذه المدينة الطيبة..

وهذا الكتاب تلخيص ل (تاريخ المدينة المنورة) لأبي شبه النميري، اختار الإمام الشيرازي (دام ظله) ما هو المناسب من تاريخ عاصمة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) ومنطلق دولة الإسلام وحكومته العادلة، حتي يكون مدخلاً للتعرف علي سيرة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) والاقتباس من نوره والاقتداء بهديه بشكل اكثر واشمل حيث قال تعالي:

ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.

وقد ابتعد المسلمون بمختلف اتجاهاتهم عن سيرة نبيهم (صلي الله عليه وآله وسلم) الا من عصمه الله وكتبهم مليئة باخلاقياته وعظيم صفاته من العفو والسلم واللاعنف والتعامل الانساني حتي مع الأعداء (المعارضة) وما أشبه.

فعلي المسلمين ان يرجعوا الي سيرته (صلي الله عليه وآله وسلم) وسيرة أهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) وهذا الكتاب بيان لبعض اسلوبه (صلي الله عليه وآله وسلم) في الحكم، ونظراً لأهمية الموضوع قمنا بطبعه وقد غيرنا بعض العناوين وأضفنا بعضها، نسأل الله تعالي التوفيق والقبول.

مركز الرسول الأعظم (ص)

للتحقيق والنشر

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين.

وبعد: فهذه مقتطفات من(تاريخ المدينة المنورة) ل (أبي شبه النميري) اخترت منه ما كان من أخلاق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأسلوبه في الحكم، اسأله سبحانه أن ينفع به المؤمنين، والله المستعان.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

من أخلاقيات الرسول (ص)

إن أوّل ما قدم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان إذا احتضر منّا الميت آذنّا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فحضره واستغفر له، حتي إذا قبض انصرف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)…

وربما طال حبس ذلك علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فلما خشينا مشقة ذلك عليه، قال بعض القوم لبعض: لو كنا لا نؤذن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بأحد حتي يُقبض، فإذا قُبض آذناه فلم يكن عليه في ذلك مشقة ولا حبس، ففعلنا ذلك، وكنا نؤذنه بالميت بعد أن يموت فيأتيه ويصلي عليه، فربما انصرف وربما مكث حتي يدفن.

فكنا علي ذلك حيناً، فقلنا: لو لم نشخص رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وحملنا جنائزنا إليه حتي يصلي عليها عند بيته، كان ذلك أرفق به، ففعلنا، فكان ذلك الأمر إلي اليوم.

من أحكام المسجد

حدثنا أبو الوليد قال: قلت لابن عمر ما بدء الزعفران؟ يعني في المسجد فقال: رأي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) نخامة في المسجد فقال: ما أقبح هذا!… فجاء صاحبها فحكّها وطلاها بزعفران، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): هذا أحسن من ذلك.

وفي رواية أتانا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في معرضنا هذا وفي يده عرجون ابن طاب، فرأي في قبلة مسجدنا نخامة فحكها بالعرجون، ثم أقبل علينا فقال: أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟

قلنا: لا أينا يا رسول الله؟

قال: فإن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قِبَل وجهه، فلا يبصق قِبَل وجهه ولا عن يمينه وليبصق قبل يساره تحت رجله اليسري، فإن عجلت به بادرة فليفعل هكذا بثوبه، ثم طوي بعضه علي بعض. أروني عبيراً، فقام فتي من الحيّ

يشتد إلي أهله فجاء بخلوق في راحته، فأخذه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي رأس العرجون ثم لطّخ به علي أثر النخامة. قال جابر: فمن هنالك جعلتم الخلوق في مساجدكم.

وعن أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) رأي نخامة في قبلة المسجد فحكها بحصاة، ثم نهي أن يبصق الرجل بين يديه أو عن يمينه، وقال: يبصق عن يساره، أو تحت قدمه اليسري.

وعن الحضرمي: إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: إذا أبصر أحدكم القملة وهو يصلي في المسجد، فليصررها في ثوبه، ولا يقتلها في المسجد.

من آداب المسجد

عن أبي عبد الله مولي شداد، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا أدّاها الله إليك، فإن المساجد لم تبن لهذا.

وعن عمرو بن شبيب، عن أبيه، عن جده: إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) نهي أن يباع ويشتري في المسجد، أو تنشد فيه الأشعار، أو تعرف فيه الضالة، أو يتحلّق فيه قبل الصلاة.

وعن النعمان، عن مكحول: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) نهي أن ترفع الأصوات في المسجد بالحديث واللغو …

قال: ولا يسل فيه سيف، ولا يمر فيه بنبل إلا أن يقبض علي نصالها، ولا يتخذ طريقاً إلا لذكر أو صلاة، ولا تقام فيه الحدود، ولا ينطق فيه الأشعار ولا يمر فيه بلحم.

وعن وائلة بن الأسقع قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): جنبوا مساجدنا أو مساجدكم مجانينكم وصبيانكم، وشراءكم وبيعكم ورفع أصواتكم وخصوماتكم وإقامة حدودكم وسلِّ أسيافكم، وجمروها في الجمع، واتخذوا علي أبوابها المطاهر.

وحدثنا ابن جابر، أنه سمع مكحولاً.. يقول: نهي رسول

الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يبال بأبواب المساجد.

من فضائل علي عليه السلام

عن جابر بن عبد الله قال: أخرج رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أناساً من المسجد وقال: لا ترقدوا في مسجدي هذا.

قال: فخرج الناس، وخرج علي عليه السلام فقال لعلي عليه السلام: ارجع فقد أحل لك فيه ما أحل لي، كأني بك تذودهم علي الحوض، وفي يدك عصا عوسج.

وعن جابر قال: خرج رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي… في المسجد، فنهاهم أن يتخذوه بيوتاً أو نحو هذا فخرجوا منه، فأدرك عليّاً عليه السلام فقال: ارجع، فإن الله قد أحل لك فيه ما أحلّ لي.

وعن جسرة وكانت من خيارالنساء قالت: كنت مع أم سلمة فقالت: خرج النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من عندي حتي دخل المسجد فقال: يا أيها الناس، حرّم هذا المسجد علي كل جنب من الرجال أو حائض من النساء، إلا النبي وأزواجه وعليّاً وفاطمة بنت رسول الله، ألا بينت الأسماء أن تضلّوا.

مسجد قبا

وعن محمد بن إسماعيل، قال: قيل لعبد الله بن أبي حبيبة: ما أدركت من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: جاءنا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في مسجدنا بقباء، فجئت وأنا غلام حدث حتي جلست عن يمينه، وجلس أبوبكر عن يساره، ثم دعي بشراب، فناولني عن يمينه، ثم قام يصلي، فرأيته يصلي في نعليه.

وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): من توضأ فأحسن وضوءه، ثم جاء مسجد قباء فركع فيه أربع ركعات، كان له عدل عمرة.

وعن قتادة قال: لما نزلت: ?فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهّرين? قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): يا أهل قباء؛ للأنصار، إن الله قد أحسن عليكم الثّناء في

الطّهور، فماذا تصنعون؟ قالوا: انّا نغسل أثر الغائط والبول.

وعن شهر بن حوشب قال: لما نزلت هذه الآية: ?فيه رجال يحبون أن يتطهروا? مشي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي أهل ذلك المسجد فقال: إني رأيت الله يحسن عليكم الثناء، فما بلغ من طهوركم؟ قالوا: نستنجي بالماء.

وعن أبي جعفر الخطمي: أن عبد الله بن رواحة كان يقول وهم يبنون مسجد قباء: أفلح من يعالج المساجدا.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): المساجدا.

فقال عبد الله: ويقرأ القرآن قائماً وقاعداً.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): قاعداً.

فقال عبد الله: ولا يبيت الليل عنه راقدا.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): راقدا.

مسجد الضرار

عن سعيد بن جبير: ان بني عمرو بن عوف ابتنوا مسجدا، وأرسلوا إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فدعوه ليصلي فيه، ففعل، فأتاهم فصلي فيه، فحسدهم إخوتهم بنو فلان بن عوف فقالوا: ألا نبني نحن مسجداً وندعو النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيصلي فيه كما صلّي في مسجد اخوتنا، ولعل أبا عامر يصلي فيه وكان بالشام فابتنوا مسجداً وأرسلوا إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ليصلي فقام ليأتيهم، ونزل القرآن:

?والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسني والله يشهد انهم لكاذبون ? لا تقم فيه أبداً لمسجد أسس علي التقوي من أول يوم أحق أن تقوم فيه، فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ? أفمن أسس بنيانه علي تقوي من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه علي شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين ? لا يزال

بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم ?.

وعن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان موضع مسجد قباء لامرأة يقال لها ليّة، كانت تربط حماراً لها فيه، فابتني سعد بن خيثمة مسجداً، فقال أهل مسجد الضرار: نحن نصلي في مربط حمار ليّة!! لا، لعمر الله، لكنا نبني مسجداً فنصلي فيه حتي يجئ أبو عامر فيؤمنا فيه.

وكان أبو عامر فر من الله ورسوله فلحق بمكة، ثم لحق بعد ذلك بالشام فتنصّر، فمات بها، فأنزل الله: ?والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً? الآيات.

ومن دعائه (ص)

عن سالم أبي النضر قال: دعا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم الخندق: (اللهم منزل الكتاب، ومنشئ السحاب، اهزمهم وانصرنا عليهم).

وعن الحارث بن فضل: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بدأ فصلي أسفل من الجبل يوم الأحزاب، ثم صعد فدعا علي الجبل.

صلاته (ص) في المساجد

عن أسيد بن أبي أسيد، عن أشياخهم: ان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) دعا علي الجبل الذي عليه مسجد الفتح، وصلي في المسجد الصغير الذي بأصل الجبل علي الطريق حتي مصعد الجبل.

وعن جابر بن عبد الله قال: دعا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في المسجد المرتفع ورفع يديه مدّاً.

وحدثنا أبو غسان عن ابن أبي يحيي، عن شيخ من الأنصار: إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) صلي في مسجد بني خدارة، وحلق رأسه فيه.

وعن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب قال: بعثت عائشة إلي مروان بن الحكم حين قتل ذباباً وصلبه علي ذباب: تعست؛ صلي عليه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) واتخذته مصلباً!.

قال: وذباب رجل من أهل اليمن عدا علي رجل من الأنصار، وكان عاملاً لمروان علي بعض مساعي اليمن، وكان الأنصاري عدا علي رجل فأخذ منه بقرة ليست له، فتبع ذباب الأنصاري حتي قدم المدينة، ثم جلس له في المسجد حتي قتله، فقال له مروان: ما حملك علي قتله؟ قال: ظلمني بقرة لي، وكنت امرء خباث النفس فقتلته. فقتله مروان، وصلبه علي ذباب.

قال أبو غسان: وأخبرني بعض مشيختنا أن السلاطين كانوا يصلبون علي ذباب، فقال هشام بن عروة لزياد بن عبيد الله الحارثي: يا عجباً، أتصلبون علي مضرب قبة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ فكف عن ذلك زياد، وكفت الولاة بعده عنه.

وعن جابر

بن أسامة الجهني قال: لقيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في أصحابه بالسوق فقلت: أين تريدون ورسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ قالوا: يخط لقومك مسجداً. فرجعت، فإذا قومي قيام، وإذا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد خط لهم مسجداً، وغرز في القبلة خشبة أقامها فيها.

وعن سعيد بن معاوية بن عبد الله: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) صلي في مسجد جهينة.

وعن سعد بن إسحاق بن كعب: ان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) صلّي في مسجد بني ساعدة، الخارج من بيوت المدينة، وفي مسجد بني بياضة، ومسجد بني الحبلي، ومسجد بني عضية، ومسجد بني خدارة.

وعن أبي بكر بن يحيي بن النضّر الأنصاري، عن أبيه: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يصل في مسجد ما في جوبة المدينة، إلا في مسجد أبي بن كعب في بني جديلة وقال أبو زيد بن شبة: وفيها ولد عبد الملك بن مروان ومسجد عمرو بن مبذول، ومسجد جهينة، ومسجد بني دينار، ومسجد دار النابغة، ومسجد بني عدي، وأنه (صلي الله عليه وآله وسلم) جلس في كهف سلع، وجلس في مسجد الفتح ودعا فيه.

وعن هشام بن عمرو: ان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) صلي في مسجد عمرو بن مبذول، وفي دار النابغة، ومسجد بني عدي، ومسجد بني خدارة، ومسجد بني عضية، وبني الحبلي، وبني الحارث بن الخزرج، ومسجد السنح، وبني خطمة، ومسجد الفضيخ، وفي صدقة الزبير في بني محمّم، وفي بيت صرمة في بني عدي، وفي بيت عتبان.

وعن عبد الله بن الحارث بن الفضيل: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) صلي في مسجد بني خطمة.

وعن الحارث بن سعيد بن عبيد

الحارثي: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) صلي في مسجد بني حارثه، وفي بني ظفر، وفي بني عبد الأشهل.

وعن عثمان بن حكيم الأنصاري قال: أنبأنا عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه: أنه كان مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فمر بمسجد بني معاوية، فدخل (صلي الله عليه وآله وسلم) فركع فيه ركعتين، ثم قام فناجي ربه، ثم انصرف.

وعن كعب بن عجرة: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) جمّع في أول جمعة حين قدم المدينة في مسجد بني سالم في مسجد عاتكة.

وعن جابر: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) صلي في مسجد الخربة، ومسجد القبلتين، وفي مسجد بني حرام الذي بالقاع.

وعن يحيي بن إبراهيم بن محمد بن أبي ثابت: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) صلي في مسجد الفضيخ، وفي مشربة أم إبراهيم.

وعن جابر بن عبد الله قال: حاصر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بني النضير، فضرب قبته قريباً من مسجد الفضيخ وكان يصلي في موضع الفضيخ، ست ليال، فلما حُرِّمت الخمر خرج الخبر إلي أبي أيوب ونفر من الأنصار وهم يشربون فيه فضيخاً، فحلّوا وكاء السقاء، فهراقوه فيه، فبذلك سمي مسجد الفضيخ.

وعن علي بن رافع وأشياخ قومه: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) صلي في بيت امرأة من الخضر، فأدخل ذلك البيت في مسجد بني قريظة، فذلك المكان الذي صلي فيه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) شرقي مسجد بني قريظة عند موضع المنارة التي هدمت.

وعن سلمة بن عبيد الله الخطمي: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) صلي في بيت العقدة، عند مسجد بني وائل في مسجد العجوز في بني خطمة عند القبة، ومسجد العجوز

الذي عند قبر البراء بن معرور، وكان ممن شهد العقبة، فتوفي قبل الهجرة، وأوصي للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بثلث ماله، وأمر بقبره أن يستقبل به الكعبة.

وعن عتبان بن مالك: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أتاه في منزله، فلم يجلس حتي قال له: أين تحب أن أصلي لك من بيتك؟ قال: فأشرت له إلي المكان، فكبر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وصففنا خلفه نصلي ركعتين.

وعن ابن الربيع الأنصاري: أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمي، وأنه قال للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم): أنها تكون الليلة المظلمة والمطر والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصلّ يا رسول الله في بيتي مكاناً أتخذه مصلي.

قال: فجاء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: أين تحب أن أُصلّي؟ فأشار إلي مكان من البيت، فصلي فيه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).

وعن هشام بن عروة: أن الغار الذي ذكر الله تبارك وتعالي في القرآن، هو الغار الذي بمكة، وأن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) نزل علي أبي أيوب الأنصاري في بيته، ثم انتقل إلي علوه، وأن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) صلّي في مسجدة السجدة بالمعرّس.

وعن معاذ بن رفاعة: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) دخل مسجد بني زريق وتوضأ فيه، وعجب من قبلته، ولم يصل فيه، وكان أول مسجد قرء فيه القرآن.

وحدثنا هشام، عن الحسن: أن حيّاً من الأنصار يقال لهم بنو سلمة، شكوا إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعد منازلهم من المسجد، فقال لهم: يا بني سلمة، ألا تحتسبون آثاركم فإن بكل خطوة درجة؟.

جبل أحد

عن عقبة بن سويد الأنصاري، أنه سمع أباه وكان

من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) انه قال : قفلنا مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من غزوة خبير، فلما بدا له أحد قال: الله أكبر جبل يحبنا ونحبه.

وحدثنا كثير بن عبد الله قال: حدثني أبي، عن أبيه قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أربعة أجبل من جبال الجنة: أحد جبل يحبنا ونحبه، جبل من جبال الجنة، وورقان جبل من جبال الجنة، ولبنان جبل من جبال الجنة، وطور جبل من جبال الجنة.

وعن أبي قلابة قال: كان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إذا جاء من سفر فبدا له أحد قال: هذا جبل يحبنا ونحبه. ثم قال: آيبون تائبون، ساجدون لربنا حامدون.

وعن عبد الرحمن الأسلمي قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أحد علي باب من أبواب الجنة، وعير علي باب من أبواب النار.

وعن إسحاق بن يحيي بن طلحة: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: أحد، وورقان، وقدس، ورضوي، من جبال الجنة.

وعن عمرو بن عوف قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أربعة أجبال من أجبال الجنة، وأربعة أنهار من أنهار الجنة وأربعة ملاحم من ملاحم الجنة، قيل: فما الأجبال؟ قال: أحد يحبنا ونحبه، جبل من جبال الجنة، وورقان جبل من جبال الجنة، والطور جبل من جبال الجنة، ولبنان جبل من جبال الجنة، والأنهار الأربعة: النيل والفرات وسيحان وجيحان. والملاحم: بدر و أحد والخندق وحنين.

مقبرة البقيع

عن ابن أبي مويهبة، مولي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): قال: أهبّني رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من جوف الليل فقال: إني قد اُمرت أن أستغفر لأهل البقيع، فانطلق معي. فانطلقت معه، فلما وقف

بين أظهرهم قال: السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، الآخرة شرّ من الأولي، ثم استغفر لهم طويلاً.

وعن أبي مويهبة قال: أهبّني رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من جوف الليل فقال: يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع، فانطلقت معه، فلما أشرف عليهم قال: السلام عليكم يا أهل المقابر، لو تعلمون ما نجاكم الله منه، ليهن ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، الآخرة شرّ من الأولي، ثم استغفر لهم.

ثم قال: يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي ثم الجنة.

قلت: بأبي وأمي خذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة.

قال: لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي ثم الجنة. ثم رجع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فبدي به وجعه الذي قبض فيه.

وعن أم قيس بنت محصن قالت: لو رأيتني ورسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) آخذ بيدي في سكة من سكك المدينة كل البشر فيه حتي أتينا البقيع فقال: يا أم قيس، يبعث من هذه القبور سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، كأن وجوههم القمر ليلة البدر.

قالت: فقام رجل فقال: يا رسول الله، وأنا؟ قال: وأنت.

فقام أخر فقال: يا رسول الله، وأنا؟ قال: (سبقك عكّاشة).

قال سعد: فقلت لها: ما له لم يقل للآخر؟ قالت: أراه كان منافقاً.

في موت ابراهيم بن رسول الله(ص)

عن البراء قال: مات إبراهيم يعني ابن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو ابن ستة عشر شهراً، فقال رسول الله (صلي الله

عليه وآله وسلم): ادفنوه في البقيع؛ فإن له مرضعاً في الجنة تتم رضاعه.

وعن عطاء قال: لما دفن إبراهيم، رأي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في القبر جحراً، فقال: سدوا الجحر فإنه أطيب للنفس، وإن الله يحب إذا عمل العبد عملاً أن يتقنه.

وعن مكحول قال: توفي إبراهيم، فلما وضع في اللحد وصّف عليه اللبن، بصر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بفرجة من اللبن، فأخذ بيده مدرة فناولها رجلاً فقال: ضعها في تلك الفرجة، ثم قال: أما أنها لا تضر ولا تنفع، ولكنها تقر بعين الحي.

وعن عبد الله بن محمد بن عمر، عن أبيه: ان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) رش علي قبر ابنه إبراهيم، وأنه أول من رش عليه قال: ولا أعلم إلا أنه قال: وحثا عليه بيديه من التراب، وقال حين فرغ من دفنه عند رأسه: السلام عليكم.

وعن شيخ من بني مخزوم يدعي عمر، قال: كان عثمان بن مظعون من أول من مات من المهاجرين، فقالوا: يا رسول الله، أين ندفنه؟.

قال: بالبقيع، قال: فلحد له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وفضل حجر من حجارة لحده، فحمله رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فوضعه عند رجليه. فلما ولي مروان بن الحكم المدينة مر علي ذلك الحجر، فأمر به فرمي به وقال: والله لا يكون علي قبر عثمان بن مظعون حجر يعرف به. فأتته بنو أمية فقالوا: بئس ما صنعت؛ عدت إلي حجر وضعه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فرميت به. بئس ما عملت به فأمر به فليرد، قال: أم والله إذ رميت به فلا يرد.

في موت رقية بنت رسول الله(ص)

عن ابن عباس قال: لما ماتت رقية بنت رسول الله (صلي الله عليه

وآله وسلم) قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): الحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون.

قال: وبكي النساء، فجعل عمر يضربهن بسوطه، فأخذ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بيده وقال: دعهن يا عمر.

وقال: وإياكن ونعيق الشيطان، فإنه مهما يكن من العين والقلب فمن الله ومن الرحمة، ومهما يكن من اللسان ومن اليد فمن الشيطان.

قال: فبكت فاطمة(عليها السلام) علي شفير القبر، فجعل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يمسح الدموع عن عينيها بطرف ثوبه.

في شهادة فاطمة (ع)

عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: دفن علي عليه السلام فاطمة (عليها السلام) ليلاً في منزلها الذي دخل في المسجد، فقبرها عند باب المسجد المواجه دار أسماء بنت حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس.

وعن أبي غسان، عن عبد الله بن إبراهيم بن عبيد الله، أن جعفر بن محمد كان يقول: قُبرت فاطمة (عليها السلام) في بيتها الذي أدخله عمر بن عبد العزيز في المسجد.

ووجدت كتاباً كتب عنه يذكر فيه: أن عبد العزيز بن عمران كان يقول: أنها دفنت (عليها السلام) في بيتها، وصنع بها ما صنع برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، أنها دفنت في موضع فراشها، ويحتج بأنها دفنت ليلاً، ولا يعلم بها كثير من الناس.

وعن أم جعفر بنت محمد بن أبي طالب، عن جدتها أسماء بنت عميس قالت: غسّلت أنا وعلي بن أبي طالب عليه السلام بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).

وعن الحسن بن محمد: أن علياً عليه السلام دفن فاطمة (عليها السلام) ليلاً.

وعن عائشة: أن علياً عليه السلام دفن فاطمة (عليها السلام) ليلاً، ولم يؤذن بها أبابكر.

قبر والد النبي (ص)

عن أبي زيد النجاري قال: قبر عبد الله بن عبد المطلب في دار النابغة.

وقال عبد العزيز: وأخبرني فليج بن سليمان قال: قبره في دار النابغة.

قبر والدة رسول الله (ص)

عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن أمه (صلي الله عليه وآله وسلم) توفيت وهو ابن ست سنين بالأبواء بين مكة والمدينة، كانت قدمت به المدينة علي أخواله بني عدي بن النجار تزيره إياهم، فماتت وهي راجعة إلي مكة.

وعن عبد الله بن مسعود قال: كنا نمشي مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ذات يوم إذ مر بقبر فقال: أتدرون قبر من هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: قبر آمنة، دلني جبريل عليه السلام.

قبر إبراهيم ابن النبي (ص)

عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: لما توفي إبراهيم ابن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أمر أن يدفن عند عثمان بن مظعون، فرغب الناس في البقيع، وقطعوا الشجر، واختارت كل قبيلة ناحية، فمن هناك عرفت كل قبيلة مقابرها.

قبر ابن خديجة (ع)

قال عبد العزيز: وكان ابن خديجة في حجر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعد أمه، فلما توفي حفر له علي قارعة الطريق التي بين زقاق عبد الدار التي باب دارهم فيها، وبين بقيع الغرقد الذي يتدافن فيه بنو هاشم اليوم، وكفنه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، ونزل في قبره، ولم ينزل في قبر أحد قط إلا في خمسة قبور: منها قبور ثلاث نسوة، وقبرا رجلين، منها قبر بمكة، وأربعة بالمدينة: قبر خديجة زوجته، وقبر عبد الله المزني الذي يقال له: عبد الله ذو البجادين، وقبر أم رومان أم عائشة بنت أبي بكر وقبر فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي عليه السلام.

خبر ذي البجادين وقبره

فأما ذو البجادين، فإن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لما أقبل مهاجراً إلي المدينة، سلك ثنية الغابر وعرت عليه الطريق وغلظت، فأبصره ذو البجادين، فقال لأبيه: دعني أدلّهم علي الطريق، فأبي ونزع ثيابه فتركه عرياناً، فاتخذ عبد الله بجاداً من شعر فطرحه علي عورته، وعدا نحوهم فأخذ بزمام راحلة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأنشأ يرجز ويقول:

هذا أبو القاسم فاستقيمي تعرّضي مدارجاً وسومي

تعرّض الجوزاء للنجوم

قبر فاطمة بنت أسد (ع)

وأما فاطمة بنت أسد، أم علي بن أبي طالب عليه السلام فإن عبد العزيز حدّث عن عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة، عن عمرو بن ذبيان، عن محمد بن علي بن أبي طالب قال: لما استقر بفاطمة، وعلم بذلك رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: إذا توفيت فأعلموني فلما توفيت خرج رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فأمر بقبرها، فحفر في موضع المسجد الذي يقال له اليوم قبر فاطمة، ثم لحد لها لحداً، ولم يضرح لها ضريحاً، فلما فرغ منه نزل فاضطجع في اللحد وقرأ القرآن، ثم نزع قميصه، فأمر أن تكفَّن فيه، ثم صلي عليها عند قبرها فكبّر تسعاً وقال: ما أعفي أحد من ضغطة القبر الا فاطمة بنت أسد، الحديث.

وعن جابر بن عبد الله قال: بينما نحن جلوس مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إذ أتي آت فقال: يا رسول الله، إن أم علي وجعفر وعقيل قد ماتت. فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): قوموا بنا إلي أمي. فقمنا وكأن علي رؤوس من معه الطير، فلما انتهينا إلي الباب نزع قميصه فقال: إذا غسلتموها فأشعروها إياه تحت أكفانها. فلما خرجوا بها جعل رسول الله (صلي

الله عليه وآله وسلم) مرة يحمل، ومرة يتقدم، ومرة يتأخر، حتي انتهينا إلي القبر، وتمعّك في اللحد ثم خرج فقال: أدخلوها باسم الله، وعلي اسم الله. فلما أن دفنوها قام قائماً فقال: جزاك الله من أم وربيبة خيراً، فنعم الأم، ونعم الربيبة كنت لي.

قال: فقلنا له أو قيل له : يا رسول الله لقد صنعت شيئين ما رأيناك صنعت مثلهما قط. قال: ما هو؟ قلنا: بنزعك قميصك، وتمعّكك في اللحد.

قال: أمّا قميصي فأردت ألا تمسّها النار أبداً إن شاء الله، وأما تمعّكي في اللحد فأردت أن يوسّع الله عليها قبرها.

قبر حمزة بن عبد المطلب(ع)

عن الأعرج قال: لما قتل حمزة عليه السلام أقام في موضعه تحت جبل الرماة، وهو الجبل الصغير الذي ببطن الوادي الأحمر، ثم أمر به النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فحمل عن بطن الوادي إلي الربوة التي هو بها اليوم، وكفنه في بردة، وكفن مصعب بن عمير في أخري، ودفنهما في قبر واحد.

قال عبد العزيز: وقد سمعت من يذكر أن عبد الله بن جحش بن رئاب قتل معهما، ودفن معهما في قبر واحد، وهو ابن أخت حمزة، أمه أميمة بنت عبد المطلب.

قال عبد العزيز: والغالب عندنا أن مصعب بن عمير وعبد الله ابن جحش دفنا تحت المسجد الذي بني علي قبر حمزة، وأنه ليس مع حمزة أحد في القبر.

وعن سعد بن طريف عن أبي جعفر: أن فاطمة بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كانت تزور قبر حمزة عليه السلام، ترمه وتصلحه، وقد تعلمته بحجر.

قبر عمرو بن الجموح

عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة: أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريين ثم السلميين، كانا في قبر واحد، وكانا ممن استشهد يوم أحد، وكان قبرهما مما يلي السيل، فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما، فوجدا لم يتغيرا كأنما ماتا بالأمس، وكان أحدهما قد جرح فوضع يده علي جرحه، فدفن وهو كذلك، فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت. وكان بين يوم أحد ويوم حفر عنهما ست وأربعون سنة.

قبور الشهداء

وعن هشام بن عامر الأنصاري قال: جاءت الأنصار إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم أحد فقالوا: يا رسول الله، أصابنا قرح وجهد، فكيف تأمر؟

فقال: احفروا وأوسعوا واجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر.

قالوا: فأيهم نقدم؟

قال: أكثرهم قرآناً.

قال: فقدم أبي عامر بين يدي اثنين أو واحد من الأنصار، وكلّ قتل يوم أحد.

حدثنا أبو زيد وقال: ليس هذا مما في الكتاب حدثنا سعيد بن عامر عن هشام بن أبي عبد الله، عن أبي الزبير، عن جابر قال: صرخ بنا إلي قتلانا يوم أحد حين أجري معاوية العين، فأتيناهم فأخرجناهم رطاباً تتثنّي أجسادهم قال سعيد: وبين الوقتين أربعون سنة.

خروج النبي (ص) ورجوعه

عن ابن عمر: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أخذ يوم العيد في طريق ورجع في طريق آخر.

وعن أبي هريرة: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كان إذا خرج إلي العيد رجع في غير الطريق الذي أخذ فيه.

وعن جناح النجار قال: خرجت مع عائشة بنت سعد بن أبي وقاص إلي مكة فقالت لي: أين منزلك؟ فقلت لها: بالبلاط، فقالت لي: تمسك به، فإني سمعت أبي يقول: رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: ما بين مسجدي هذا ومصلاي روضة من رياض الجنة.

قال أبو غسان الكناني: ذرع ما بين مسجد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الذي عنده دار مروان بن الحكم، وبين المسجد الذي يصلي فيه العيد بالمصلي، ألف ذراع.

يوم العيد

قال: وقال الواقدي: في سنة ثنتين من مقدمه (صلي الله عليه وآله وسلم) صلي العيد، وحُمِلت له العنزة وهو يومئذ يصلي إليها في الفضاء، وكانت العنزة للزبير بن العوام، أعطاه إياها النجاشي، فوهبها للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، فكان يخرج بها بين يديه يوم العيد، وهي اليوم بالمدينة عند المؤذنين.

وعن جابر: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان يلبس في العيدين برده الأحمر.

وعن أبي سعيد قال: كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يخرج يوم العيدين: يوم الفطر ويوم النحر فيصلي بالناس ركعتين، ثم يقوم فيخطب علي رجليه، ويقول: تصدقوا؛ تصدقوا. فإن كانت له حاجة، أو ضرب علي الناس بعثاً أخبرهم و إلا انصرف.

وحدثنا القعنبي قال: حدثنا داود باسناده بنحوه، وزاد: فيكون أكثر من يتصدق النساء، بالقرط و الخاتم والشيء.

صلاة الاستسقاء

عن عبد الله بن زيد: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) خرج إلي المصلي يستسقي، وأنه لما دعا وأراد أن يدعو استقبل القبلة وحوّل رداءه.

وعن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) خرج يستسقي، فاستقبل القبلة وحول رداءه، وأومأ إلي الناس أن قوموا، فدعا قائماً والناس قيام.

قال محمد: فقلت لجعفر: ما أراد بتحويل ردائه؟

قال: أن يتحول القحط.

نينوي

وعن ابن شهاب قال: وجد قبر علي جمّاء أم خالد أربعون ذراعاً في أربعين ذراعاً، مكتوب في حجر فيه: أنا عبد الله من أهل نينوي، رسول رسول الله عيسي بن مريم إلي أهل هذه القرية، فأدركني الموت، فأوصيت أن أدفن في جمّاء أم خالد.

قال: فسألت عبد العزيز عن قوله: أهل نينوي.

قال: نينوي موضعان: فأحدهما: بالسواد بالطف حيث قتل الحسين ابن علي عليه السلام، والآخر: قرية بالموصل و هي التي كان فيها يونس النبي عليه السلام، ولسنا ندري أي الموضعين أراد.

ما جاء في النقيع

عن ابن عمر: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حمي النقيع لخيل المسلمين ترعي فيه.

وعن ابن عمر: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) حمي النقيع للخيل، وحمي الربذة للصدقة.

وعن رجاء بن جميل: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حمي وادي نخيل للخيل المضمرة.

المياه والآبار

عن أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاريّ بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بئر حاء، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فتصدق بها أبو طلحة.

وعن سعيد بن رقيش: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) توضأ من بئر الأغرس، وأهراق بقية وضوئه فيها.

قال: وقال محمد بن علي: شرب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) منها وغسل منها حين توفي.

ما جاء في أسماء المدينة

عن زيد بن أسلم قال: قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): للمدينة عشرة أسماء، هي: المدينة، وطيبة، وطابة، ومسكينة، وجبار، ومجبورة، ويندد، ويثرب.

وعن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: سمي الله المدينة: الدار والإيمان.

وعن جابر بن سمرة قال: كانوا يسمون المدينة يثرب، فسماها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) طيبة.

وعن عبد الرحمن قال: قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): من قال للمدينة يثرب فليقل: أستغفر الله، ثلاثاً؛ هي طابة، هي طابة، هي طابة.

وعن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: إن الله تعالي سمي المدينة طابة.

صدقات النبي (ص)

عن ابن شهاب قال: كانت صدقات رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أموالاً لمخيريق اليهودي قال عبد العزيز: بلغني أنه كان من بقايا بني قينقاع وأوصي مخيريق بأمواله للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وشهد أحداً فقتل به، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): مخيريق سابق يهود، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة.

قال: وأسماء أموال مخيريق التي صارت للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم): الدلال، وبرقة، والأعواف، والصافية، والميثب، وحسني، ومشربة أم إبراهيم.

تعامله (ص) مع اليهود

عن الضحاك قال: لما فتح الله علي نبيه (صلي الله عليه وآله وسلم) خيبر، قال له أهل خيبر: يا أبا القاسم، نحن عبيدك، فاستبقنا، وادفع إلينا أرضك نعطك ما شئت، ونأخذ ما شئت. قال: فدفعها (صلي الله عليه وآله وسلم) إليهم علي النصف.

وعن سعيد بن المسيب قال: قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لليهود يوم فتح خيبر: أقركم ما أقركم الله، علي أن التمر بيننا وبينكم. فكان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبينهم، ثم يقول: إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي، فكانوا يأخذونه.

وعن مقارضة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يهود أهل خيبر علي أن لنا النصف ولكم نصف. قال: يكفونا العمل. فلما طاب ثمرهم أتوا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فقالوا: ابعث خارصاً يخرص بيننا وبينك، فبعث عبد الله بن رواحة، فطاف في نخلهم فنظر إليه، ثم قال: والله ما أعلم ما يخرج عنكم، وإن شئتم أعطيناكم أربعين ألف وسق وتخرجون عنا. قال: فنظر بعضهم إلي بعض فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض، وبهذا يغلبونكم.

وعن الضحاك: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كان يبعث إلي أهل خيبر عبد الله بن رواحة خارصاً بين المسلمين

واليهود فيخرص عليهم، فإذا قالوا تعديت علينا قال: إن شئتم فلكم، وإن شئتم فلنا، فتقول اليهود: بهذا قامت السماوات والأرض.

وعن ابن عباس قال: أعطي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أهل خيبر خيبر بالنصف، ثم بعث إليهم عبد الله بن رواحة ليقاسمهم، وأتاهم فقال: إن شئتم فأقسموا ثم خيروني، وإن شئتم قسمت ثم خيرتكم. فقالوا قضيت بما في ناموس موسي عليه السلام.

من أخبار فدك

عن النميري بن حسان قال: قلت لزيد بن علي وأنا أريد أن أهجّن أمر أبي بكر: إن أبا بكر انتزع من فاطمة (عليها االسلام) فدك.

فقال: إن أبا بكر… أتته فاطمة (عليها السلام) فقالت: إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أعطاني فدك.

فقال لها: هل لك علي هذا بينة؟

فجاءت بعلي عليه السلام فشهد لها، ثم جاءت بأم أيمن فقالت: أليس تشهد أني من أهل الجنة؟ قال: بلي قال أبو أحمد: يعني أنها قالت ذاك لأبي بكر وعمر .

قالت: فأشهد أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أعطاها فدك.

فقال أبوبكر: فبرجل و امرأة تستحقينها أو تستحقين بها القضية؟.

وعن الحسن بن محمد بن علي: أن أبا بكر جعل سهم ذي القربي في سبيل الله، في الكراع والسلاح.

صدقات علي بن أبي طالب عليه السلام

عن كشد بن مالك الجهني قال: نزل طلحة بن عبيد الله وسعيد ابن زيد عليّ بالمنحار وهو موضع بين حوزة السفلي وبين منحوين، علي طريق التجار في الشام حين بعثهما رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يترقبان له عن عير أبي سفيان، فنزلا علي كشد فأجارهما.

فلما أخذ رسول الله ينبع، قطعها لكشد، فقال: يا رسول الله، إني كبير، ولكن اقطعها لابن أخي. فقطعها له، فابتاعها منه عبد الرحمن ابن سعد بن زرارة الأنصاري بثلاثين ألف درهم، فخرج عبد الرحمن إليها فرمي بها وأصابه سافيها وريحها، فقدرها، وأقبل راجعاً، فلحق علي بن أبي طالب عليه السلام بمنزل وهي بلية دون ينبع فقال: من أين جئت؟

فقال: من ينبع، وقد شنفتها، فهل لك أن تبتاعها؟

قال علي عليه السلام: قد أخذتها بالثمن، قال هي لك. فخرج إليها علي عليه السلام فكان أول شيء عمله فيها البغيبغة وأنفذها.

قال أبوغسان: وأخبرني عبد العزيز بن عمران،

عن سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: بشر علي عليه السلام بالبغيبغة حين ظهرت، فقال عليه السلام: تسر الوارث.

ثم قال عليه السلام: هي صدقة علي المساكين وابن السبيل وذي الحاجة الأقرب.

وحدثنا القعنبي قال: حدثنا سليمان بن بلال، عن جعفر، عن أبيه: أن عمر قطع لعلي عليه السلام ينبع، ثم اشتري علي عليه السلام إلي قطيعة عمر أشياء فحفر فيها عيناً، فبينما هم يعملون فيها إذا انفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء، فأتي علي عليه السلام عنه فبشر بذلك، فقال: يسر الوارث. ثم تصدق بها علي الفقراء والمساكين، وفي سبيل الله، وأبناء السبيل القريب والبعيد، في السلم والحرب، ليوم تبيضّ فيه وجوه وتسودّ فيه وجوه، ليصرف الله بها وجهي عن النار، ويصرف النار عن وجهي.

وعمل علي عليه السلام أيضاً بينبع(البغيبغات) وهي عيون، منها عين يقال لها: (خيف الأراك) ومنها عين يقال لها: (خيف ليلي) ومنها عين يقال لها: (خيف بسطاس)، فيها خليج من النخل مع العين. وكانت البغيبغات مما عمل علي عليه السلام وتصدق به، فلم تزل في صدقاته حتي أعطاها حسينُ بن علي عبدَ الله بن جعفر بن أبي طالب، يأكل ثمرها، ويستعين بها علي دينه ومؤونته علي ألا يزوج ابنته يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان، فباع عبد الله تلك العيون من معاوية، ثم قبضت حتي ملك بنو هاشم الصوافي، فكلم فيها عبد الله بن حسن بن حسن بن أبي العباس، وهو خليفة، فردها في صدقة علي عليه السلام عنه، فأقامت في صدقته حتي قبضها أبو جعفر في خلافته، وكلم فيها الحسن بن زيد المهدي، حين استخلف وأخبره خبرها، فكتب إلي زفر بن عاصم الهلالي، وهو والي المدينة، فردها

مع صدقات علي عليه السلام.

ولعلي عليه السلام أيضاً ساقي علي عين يقال لها: (عين الحدث) بينبع، وأشرك علي عين يقال لها: (العصيبة) موات بينبع.

وكان له أيضاً صدقات بالمدينة: (الفقيرين) بالعالية، و(بئر الملك) بقناة، و(الأدبية) بالأضم.

ولعلي عليه السلام في صدقاته(عين ناقة) بوادي القري يقال لها: (عين حسن) بالبيرة من العلا. كانت حديثاً من الدهر بيد عبد الرحمن ابن يعقوب بن إبراهيم بن محمد بن طلحة التميمي، فخاصمه فيها حمزة بن حسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بولاية أخيه العباس بن حسن الصدقة حتي قضي لحمزة بها، وصارت في الصدقة.

وله عليه السلام بوادي القري أيضاً عين موات، خاصم فيها أيضاً حمزة ابن حسن بولاية أخيه العباس رجلين من أهل وادي القري، كانت بأيديهما يقال لهما: (مصدر كبير مولي حسن بن حسن)، و(مروان بن عبد الملك بن خارست)، حتي قضي حمزة بها، فصارت في الصدقة.

ولعلي عليه السلام أيضاً حق علي عين سكر.

وله عليه السلام أيضاً ساقي علي عين بالبيرة وهو في الصدقة.

وله عليه السلام بحرة الرجلاء من ناحية شعب زيد واد يدعي الأحمر، شطره في الصدقة، وشطرة بأيدي آل مناع من بني عدي، منحة من علي عليه السلام، وكان كله بأيديهم حتي خاصمهم فيه حمزة بن حسن، فأخذ منهم نصفه.

وله عليه السلام أيضاً بحرّة الرجلاء واد يقال له: (البيضاء) فيه مزارع وعفا وهو في صدقته.

وله عليه السلام أيضاً بحرّة الرجلاء أربع آبر يقال لها: (ذات كمات)، و(ذوات العشراء) و(قعين) و(معيد) و(رعوان) فهذه الآبر في صدقته.

وله عليه السلام بناحية فدك واد بين لابتي حرة يدعي: (رعية) فيه نخل ووشل من ماء يجري علي بزرنوق فذلك في صدقته.

وله عليه السلام أيضاً بناحية فدك واد يقال له: (الأسحن)، وبنو

فزارة تدعي فيه ملكاً ومقاماً، وهو اليوم في أيدي ولاة الصدقة في الصدقة.

وله عليه السلام أيضاً بناحية فدك مال بأعلي حرة الرجلاء يقال له: (القصيبة).

قال أبو غسان: وهذه نسخة كتاب صدقة علي بن أبي طالب (عليه السلام) حرفاً بحرف نسختها علي نقصان هجائها وصورة كتابها، أخذتها من أبي، أخذتها من حسن بن زيد:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أمر به وقضي به في ماله عبد الله علي أمير المؤمنين، ابتغاء وجه الله ليولجني الله به الجنة، ويصرفني عن النار ويصرف النار عني يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه، إن ما كان لي بينبع من ماء يعرف لي فيها وما حوله صدقة ورقيقها، غير أن رباحاً وأبا نيزر وجبير أعتقناهم، ليس لأحد عليهم سبيل، وهم موالي يعملون في الماء خمس حجج، وفيه نفقتهم ورزقهم ورزق أهليهم. ومع ذلك ما كان بوادي القري، ثلثه مال ابني قطيعة، ورقيقها صدقة، وما كان لي بواد ترعة وأهلها صدقة، غير أي زريقا له مثل ما كتبت لأصحابه. وما كان لي باذنية وأهلها صدقة. والفقير لي كما قد علمتم صدقة في سبيل الله. وأن الذي كتبت من أموالي هذه صدقة وجب فعله حياً أنا أو ميتاً ينفق في كل نفقة ابتغي به وجه الله من سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم، وبني المطلب والقريب والبعيد، وأنه يقوم علي ذلك حسن ابن علي، يأكل منه بالمعروف وينفق حيث يريه الله في حل محلل لا حرج عليه فيه، وإن أراد أن يندمل من الصدقة مكان ما فاته يفعل إن شاء الله لا حرج عليه فيه، وإن أراد أن يبيع من الماء فيقضي به الدين فليفعل إن شاء الله لا حرج عليه فيه، وإن

شاء جعله يسير إلي ملك، وأن ولد علي وما لهم إلي حسن بن علي، إن كان دار حسن غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها، فإنه يبيع إن شاء لا حرج عليه فيه، فإن يبع فإنه يقسم منها ثلاثة أثلاث، فيجعل ثلثه في سبيل الله، ويجعل ثلثه في بني هاشم وبني المطلب، ويجعل ثلثه في آل أبي طالب، وأنه يضعه منهم حيث يريه الله.

وإن حدث بحسن حدث وحسين حي، فإنه إلي حسين بن علي وأن حسين بن علي يفعل فيه مثل الذي أمرت به حسناً؛ له منها مثل الذي كتبت لحسن منها، وعليه فيها مثل الذي علي حسن، وإن لبني فاطمة من صدقة عَليّ مثل الذي لبني علي، وإني إنما جعلت الذي جعلت إلي ابني فاطمة ابتغاء وجه الله وتكريم حرمة محمد وتعظيماً وتشريفاً ورجاء بهما، فإن حدث لحسن أو حسين حدث، فإن الآخر منهما ينظر في بني علي، فإن وجد فيهم من يرضي بهديه وإسلامه وأمانته فإنه يجعله أن شاء، وإن لم ير فيهم بعض الذي يريد، فإنه يجعله إلي رجل من ولد أبي طالب يرضاه، فإن وجد آل أبي طالب يومئذ قد ذهب كبيرهم وذوو رأيهم وذوو أمرهم، فإنه يجعله إلي رجل يرضاه من بني هاشم، وإنه يشترط علي الذي يجعله إليه أن ينزل الماء علي أصوله، ينفق تمره حيث أمر به من سبيل الله ووجهه، وذوي الرحم من بني هاشم، وبني المطلب، والقريب والبعيد، لا يُبَعْ منه شيء ولا يوهب ولا يورث، وإن مال محمد علي ناحية، ومال ابني فاطمة ومال فاطمة إلي ابني فاطمة. وإن رقيقي الذين في صحيفة حمزة الذي كتب لي عتقاء.

فهذا ما قضي عبد الله علي أمير المؤمنين

في أمواله هذه الغد من يوم قدم مكر ابتغي وجه الله والدار الآخرة، والله المستعان علي كل حال، ولا يحل لامرئ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء قبضته في مال، ولا يخالف فيه عن أمري الذي أمرت به عن قريب ولا بعيد.

أما بعدي فإن ولائدي اللاتي أطوف عليهن السبع عشرة منهن أمهات أولاد أحياء معهن ومنهن من لا ولد لها، فقضائي فيهن إن حدث لي حدث: أن من كان منهن ليس لها ولد، وليست بحبلي فهي عتيقة لوجه الله، ليس لأحد عليها سبيل، ومن كان منهن ليس لها ولد وهي حبلي فتمسك علي ولدها وهي من حظه، وأن من مات ولدها وهي حية فهي عتيقة، ليس لأحد عليها سبيل.

فهذا ما قضي به عبد الله علي أمير المؤمنين من مال الغد من يوم مكر.

شهد أبو شمر بن أبرهة، وصعصعة بن صوحان ويزيد بن قيس، وهياج بن أبي هياج.

وكتب عبد الله علي أمير المؤمنين بيده لعشرة خلون من جمادي الأولي سنة تسع وثلاثين ه.

ومنهن الدار التي يقال لها: (الدار الكبري) دار حميد بن عبد الرحمن بن عوف، بحشّ طلحة، وأنما سميت الدار الكبري لأنها أول دار بناها أحد من المهاجرين بالمدينة، وكان عبد الرحمن يُنزِلُ فيها ضيفان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فكانت أيضا تسمي: (دار الضيفان). فسرق فيها بعض الضيفان، فشكا ذلك عبد الرحمن إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). وقد بني فيها النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بيده، فيما زعم الأعرج، وهي اليوم بيد بعض ولد عبد الرحمن بن عوف.

من أخلاق الرسول(ص)

عن فطر بن خليفة، عن أبيه قال: سمعت عمرو بن حريث يقول: دخلت علي رسول الله (صلي

الله عليه وآله وسلم) مع أبي فأقطعني داراً بالمدينة، وقال: أزيدك، أزيدك؟.

ثم مررنا معه (صلي الله عليه وآله وسلم) فأتي علي صبيان قد جمعوا شيئاً يبيعونه كما يبيع الصبيان فقال لعبد الله بن جعفر: اللهم بارك له في صفقته.

وعن أسامة بن زيد: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أشرف علي أطم من آطام المدينة فقال: هل ترون ما أري؟ إني لأري مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر.

وعن عبد الله بن شقيق: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كان يحرسه أصحابه حتي نزلت هذه الآية:

?والله يعصمك من الناس ? فخرج إلي الناس فقال: أيها الناس الحقوا بملاحقكم، فإن الله جل وعز عصمني من الناس.

وحدثنا المسعودي، عن القاسم قال: كان عبد الله يلبس النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) نعليه، ثم يأخذ العصا فيمشي أمامه، حتي إذا جلس أعطاه العصا، ونزع نعليه فجعلهما في ذراعيه، ثم استقبله بوجهه. فإذا أراد أن يقوم ألبسه نعليه، ثم أخذ العصا فمشي قدامه، حتي يلج الحجرة أمام رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).

وعن محمد بن عبد الله بن حسن قال: تصدق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي المسلمين بأسواقهم.

مع أبي ذر الغفاري

عن أبي ذر قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): يا أباذر!

قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله.

قال: كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت في الدم؟

قال: قلت: ما خار الله لي ورسوله.

قال: عليك بمن أنت معه.

المهدي من آل محمد (ع)

عن أم سلمة، عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: يبايع لرجل بين الركن والمقام عدة أهل بدر، فتأتيه عصائب أهل العراق وأبدال أهل الشام. فيغزوهم جيش من أهل الشام، فإذا كانوا بالبيداء خسف بهم، ثم يغزوهم رجل من قريش أخواله كلب، فيلتقون فيهزمهم الله، فالخائب من خاب من غنيمة كلب.

وعن أبي هريرة قال: يجيء جيش من قبل الشام حتي يدخل المدينة، فيقتلون المقاتلة، ويبقرون بطون النساء، ويقولون للحبلي في البطن: اقتلوا صبابة الشر، فإذا علوا البيداء من ذي الحليفة خسف بهم، فلا يدرك أسفلهم أعلاهم ولا أعلاهم أسفلهم.

وعن بسر بن لخم المعافري قال: سمعت أبا فراس يقول: سمعت عبد الله بن عمر يقول: إذا خسف بالجيش بالبيداء فهو علامة خروج المهدي عليه السلام.

مع عبد الله بن أبي بن سلول

عن ابن شهاب قال: خرج عبد الله بن أبيُّ في عصابة من المنافقين مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في غزوة بني المصطلق، فلما رأي كأن الله قد نصر رسوله وأصحابه أظهروا قولا سيئا في منزل نزله رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).

وكان في أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) رجل يقال له: جعال وهم زعموا أحد بني ثعلبة، ورجل من بني غفار يقال له جهجاه، فعلت أصواتهما واشتد جهجاه علي المنافقين وردّ عليهم، وزعموا أن جهجاه خرج بفرس لعمر يسقيه وكان أجيراً لعمر ومع جعال فرس لعبد الله بن أبي، فأوردوهما الماء فتنازعوا علي الماء واقتتلوا.

فقال عبد الله بن أبيّ: هذا عبد الله بن أبي: هذا ما جاوزنا به؛ آويناهم ومنعناهم ثم هؤلاء يقاتلون.

وبلغ حسان بن ثابت الذي كان بين جهجاه الغفاري وبين الفتية الأنصاريين فغضب وقال وهو يريد المهاجرين من القبائل الذين يقدمون

علي رسول الله (صلي الله عليه وآله سلم) للإسلام :

أمسي الجلابيب قد عزوا وقد كثروا وابن الفريعة أمسي بيضة البلد

فخرج رجل من بني سليم مغضباً من قول حسان، فلما خرج ضرب حتي قيل قتله، ولا يراه إلا صفوان بن المعطل؛ فإنه بلغنا أنه ضرب حسان بالسيف، فلم يقطع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يده لضرب السلمي حسان فقال: خذوه، فإن هلك حسان فاقتلوه، فأخذوه، فأسروه، وأوثقوه.

وبلغ ذلك سعدة بن عبادة فخرج في يومه فقال: أرسلوا الرجل، فأبوا عليه؛ فقال عمر: أثم إلي قوم رسول الله تشتمون وتؤذونهم وقد زعمتم أنكم نصرتموهم؟! فغضب سعد لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ولقومه فنصرهم، وقال: أرسلوا الرجل. وأبوا عليه حتي كاد يكون بينهم القتال، ثم أرسلوه، فخرج به سعد إلي أهله فكساه حلة ثم أرسله فبلغنا أن السلمي دخل المسجد ليصلي فيه فرآه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: من كساك كساه الله من ثياب الجنة؟ قال: كساني سعد بن عبادة.

وقال عبد الله بن أبيّ: والله لولا نفقتكم علي هؤلاء السفهاء الذين ليس لهم إلا ما ركبوا رقابكم، وما خرج معهم رجل واحد منهم، وللحقوا بعشائرهم فالتمسوا العيش، ولو أنا قد رجعنا إلي المدينة لقد أخرج الأعز منها الأذل، فأحصي الله عز وجل عليه ما قال، وسمع زيد بن أرقم رجل من بني حارثة بن الخزرج قول عبد الله ابن أبيّ فأخبر عمر بن الخطاب، فأتي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله، هل لك في ابن أبيّ فانه يقول آنفاً: والله لولا نفقتكم علي هؤلاء السفهاء الذين ليس لهم شيء إلا ما ركبوا رقابكم وما اتبعه منهم رجل،

وللحقوا بعشائرهم فالتمسوا العيش، ولئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. أخبرني زيد بن أرقم أنه سمع هذا منه، فابعث إليه يا رسول الله عبّاد بن بشر أخا بني عبد الأشهل أو معاذ بن عمرو بن الجموح فليقتله.

فكره رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قوله، فلما رأي ذلك عمر سكت، وتحدث أهل عسكر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بكلمة عبد الله بن أبيّ وأفاضوا فيها، فأذّن مكانه بالرحيل ولم يتقار في منزله، ولم يكن إلا أن نزل فارتحل.

فلما استقل الناس قالوا: ما شأن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يتقار في منزله، لقد جاءه خبر، لعله أغير علي المدينة وما فيها؟ فبعث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي ابن أبيّ فسأله عما تكلم به، فحلف بالله ما قال من ذلك شيئاً، فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): إن كان سبق منك قول شيء فتب، فجحد وحلف، فوقع رجال بزيد بن أرقم وقالوا: أسأت بابن عمك وظلمته، ولم يصدقك رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فبينما هم يسيرون رأوا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يوحي إليه، فلما قضي الله قضاءه في موطنه وسري عنه نظر فإذا هو بزيد بن أرقم…

فقال: أبشر فقد صدق الله حديثك، فقرأ عليه سورة المنافقين حتي بلغ ما أنزل الله في ابن أبيّ إلي قوله: ?ولكن المنافقين لا يعلمون ?.

فلما نزل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بقباء من طريق عمق سرح الناس ظهرهم، وأخذتهم ريح شديدة حتي أشفق، وقال الناس: يا رسول الله ما شأن هذه الريح؟ فزعموا أنه قال: مات اليوم منافق عظيم النفاق ولذلك عصفت وليس عليكم منها

بأس إن شاء الله، وكان موته غائظاً للمنافقين.

قال جابر بن عبد الله: فرجعنا إلي المدينة فوجدنا منافقاً عظيم النفاق مات يومئذ، وسكنت الريح آخر النهار، فجمع الناس ظهرهم، وفُقِدَت راحلة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من بين الإبل، فسعي لها الرجال يلتمسونها، فقال رجل من المنافقين كان في رفقة من الأنصار: أين يسعي هؤلاء الرجال؟

قال أصحابه: يلتمسون راحلة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال المنافق: ألا يحدثه الله بمكان راحلته؟

فأنكر عليه أصحابه ما قال، وقالوا: قاتلك الله؛ نافقت، فلم خرجت وهذا في نفسك؟ لا صحبتنا ساعة. فمكث المنافق معهم شيئاً، ثم قام وتركهم، فعمد لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فسمع الحديث، فوجد الله قد حدثه حديثه، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) والمنافق يسمع: أن رجلاً من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول الله، وقال: ألا يحدثه الله بمكان ناقته، وإن الله قد أخبرني بمكانها، ولا يعلم الغيب إلا الله، وأنها في الشعب المقابل لكم، قد تعلق زمامها بشجرة.

فعمدوا إليها فجاءوا بها، وأقبل المنافق سريعاً حتي أتي الذين قال عندهم ما قال، فإذا هم جلوس مكانهم لم يقم منهم من مجلسه، فقال أنشدكم بالله هل أتي منكم محمداً فأخبره بالذي قلت؟

قالوا: اللهم لا، ولا قمنا من مجلسنا هذا بعد، قال: فإني قد وجدت عند القوم حديثي، والله لكأني لم أسلم إلا اليوم، وإن كنت لفي شك من شأنه، فأشهد أنه رسول الله.

فقال له أصحابه: فاذهب إليه فليستغفر لك، فزعموا أنه ذهب إليه فاعترف بذنبه، فاستغفر له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). ويزعمون أنه ابن اللصيت، ولم يزل زعموا يفسل حتي مات.

وعن موسي بن عقبة قال:

حدثنا عبد الله بن الفصل أنه سمع أنس بن مالك وقد سئل عن زيد بن أرقم فقال: هو الذي يقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): هو الذي أوفي الله بأُذُنه؛ سمع رجلاً من المنافقين يقول والنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يخطب : لئن كان هذا صادقاً لنحن شر من الحمير.

فقال زيد بن أرقم: فقد والله صدق، ولأنت شر من الحمير، ثم رفع ذلك إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فجحده القائل فانزل الله علي رسوله: ?يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم? وكان ما أنزل الله من هذه الآية تصديقاً لزيد.

وعن هشام بن عروة، عن أبيه: أن جلاس بن سويد قال: لئن كان ما يقول محمد حقاً لنحن شر من الحمير، فقال عمير بن سعد وكان ربيبة في حجره: والله إن الذي يقول حق، وأنك لشر من الحمار، ورفع ذلك إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فأتاه جلاس فرد قوله وكذبه وقال: والله ما قلت ذلك ولقد كذب عَليَّ فأنزل الله: ?يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ? الآية.

قال جلاس: صدق يا رسول الله، لقد قلت ذاك، وقد عرض الله علي التوبة وإني أستغفر الله وأتوب إليه مما قلت، وكان حَمَّل حمالة، أو عليه دين فأداه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، فذلك قوله: ?وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ? فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لعمير: (وَفَتْ أذُنك وصدَقك ربُّك) وقال عمير لجلاس: أم والله لولا أني خشيت أن ينزل في كتاب أو وحي بكتماني عليك لكتمت عليك.

وعن أسامة بن زيد: أن رسول الله

(صلي الله عليه وآله وسلم) ركب علي حمار عليه إكاف، فوقه قطيفة فدكية، وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر.

فسار حتي مر بمجلس فيه عبد الله بن أبيّ بن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبيّ فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين وعبدة الأوثان واليهود، وفي المسلمين عبد الله بن رواحة، فلما غشت المجلس عجاجة الدابة خمر ابن أبي أنفة بردائه، ثم قال: لا تغيروا علينا، فسلم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عليهم، ثم وقف فنزل فدعاهم إلي الله، وقرأ عليهم القرآن.

فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء إنه لا أحسن من حديثك هذا إن كان حقاً فلا تؤذنا في مجلسنا، ارجع إلي رحلك فمن جاءك فاقصص عليه.

فقال عبد الله بن رواحة: بلي يا رسول الله، فاغشنا في مجلسنا، فإنا نحب ذلك، فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتي كادوا يتشاورون، فلم يزل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يخفضهم حتي سكتوا، ثم ركب دابته فسار حتي دخل علي سعد بن عبادة فقال: يا سعد ألا تسمع إلي ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن بأبيّ قال: كذا وكذا.

فقال سعد: يا رسول الله، اعف عنه واصفح، فوالذي نزل الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحرة علي أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرفه فذلك فعل به ما رأيت، فعفي عنه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم).

عفو رسول الله (ص)

وكان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون علي الأذي قال: ?ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب

من قبلكم ومن الذين أشركوا أذي كثيراً? الآية، وقال الله: ? ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً?.

وكان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يتأول في العفو ما أمره الله به، حتي أذن الله فيهم فلما غزا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بدراً فقتل الله به من قتل من صناديد كفار قريش، قال ابن أبيّ بن سلول ومن معه من المشركين عبدة الأوثان: هذا أمر قد توجَّه له، فبايعوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي الإسلام وأسلموا.

وعن أسامة بن زيد قال: ركب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يوماً حماراً بإكاف عليه قطيفة فدكية وردفه أسامة بن زيد يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج، فذكر مثله إلي قوله: فرد الله ذلك بالحق الذي أنزل عليك.

وعن ابن عباس في قوله: ?وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ إلي أمر الله? قال: أقبل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي حمار له يسير حتي وقف علي عبد الله بن أبيّ بن سلول أخي بني الجبلي، فراث الحمار، فأمسك عبد الله علي أنفه فقال: إليك حمارك عن وجه الريح هكذا، فو الله لقد أنتنتني.

فقال عبد الله بن رواحة: أ لِحمار رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) تقول هذا؟ فو الله لهو أطيب عرفاً منك.

قال: ألي تقول هذا يا ابن رواحة؟

فقال: إي والله، ومن أبيك. فلم يزل الأمر بينهما حتي جاءت عشيرة هذا وعشيرة هذا، فكان بينهم وحي باللطام والنعال، فأراد رسول الله (صلي الله عليه و آله وسلم) أن يحجز بينهم حتي نزلت: ?وإن طائفتان

من المؤمنين اقتتلوا? إلي قوله: ?حتي تفيء إلي أمر الله? فلما نزلت عرفوا أنها الهاجرة، فكفوا.

وأقبل بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير وكان من رهط ابن رواحة متقلد السيف، فلما انتهي إلي القوم وقد تحاجزوا قال: أين أُبيَّ، يا ابن أبي سعد أعليّ تحمل السيف؟

فقال: والله لو أدركتكم قبل الصلح لضربتك به.

وحدثنا أبو عاصم قال: حدثنا ابن جريج قال: أخبرني عروة بن دينار، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: غزونا مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وناب ناس من المهاجرين حتي كثروا، وكان رجل من المهاجرين لَعَّاباً فكسع أنصارياً فغضب الأنصار غضباً شديدا حتي تداعوا، فقال الأنصاري: يا للأنصار، يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين يا للمهاجرين.

فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): ما بال دعوة الجاهلية، فقال: ما شأنهم؟ فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): دعوها فإنها خبيثة.

فقال عبد الله بن أبي بن سلول: قد تداعوا، أن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عمر: يا نبي الله ألا تقتل هذا الخبيث؟

فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): لا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه.

وعن هشام بن عروة عن أبيه: أن عبد الله بن عبد الله بن أبي قال: يا رسول الله أقتل أبي؟ فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): لا تقتل أباك.

وعن محمد بن سيرين: كان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، معتكراً، وكان بين رجلٍ من الأنصار وبين رجل من قريش كلام حتي اشتد بينهما، واجتمع إلي كل واحد منهما ناس من أصحابه، فبلغ عبد الله ابن أبي فنادي: غلبني علي قومي من لا قوم له، أم والله لئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها

الأذل.

فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فأخذ سيفه ثم خرج يسعي، ثم ذكر هذه الآية: ?يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ? ثم رجع إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال له النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): ما لك يا عمر: كأنك مغضب؟ فقال: لا، إلا أن هذا المنافق ينادي: غلبني علي قومي من لا قوم له، لئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فقال له النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): فأردت ماذا يا عمر؟ قال: أردت أن أعلوه بسيفي حتي يسكت. قال: لا تفعل ولكن ناد في الناس بالرحيل.

قال: ترحلوا وسيروا. حتي إذا كان بينه وبين المدينة يوم تعجل عبد الله بن عبد الله بن أبي حتي أناخ علي مجامع طرق المدينة، وجاء الناس يدخلون وتشعبوا في الطريق حتي جاء عبد الله ابن أبي فقال له ابنه: لا والله لا تدخلها حتي يأذن لك رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وتعلم اليوم من الأعز من الأذل، فقال له: أنت من بين الناس؟ فقال: نعم أنا من بين الناس. فانصرف عبد الله حتي لقي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فاشتكي إليه ما صنع به ابنه، فأرسل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي ابنه أن خل عنه، فدخل فلبث ما شاء الله أن يلبث).

وعن ابن شهاب قال: أخبرني ثابت بن عمرو الأنصاري: أنه أسر رجل يوم بدر من قريش وهو كافر، فكان أسيراً عند عبد الله بن أبي بن سلول، وكان عبد الله كافراً ثم أسلم فنافق، فطفق ذلك الأسير يريد وليدةً مسلمة تسمي معاذة لعبد الله بن أبي، فتمتنع الوليدة من أجل إسلامها

من الأسير القرشي، فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ضربها ليكرهها علي البغاء رجاء أن تحمل من القرشي رغبة في فداء ولده، فأنزل الله عزوجل: ?ولا تكرهوا فتياتكم علي البغاء? الآية.

وحدثنا عمرو بن عون قال: حدثنا هشيم، عن زكريا، عن عامر في(التي جادلت في زوجها): خولة بنت حكيم، وأمها معاذة؛ وكانت أمة لعبد الله بن أبي سلول، وكان يكرهها علي البغاء، وكانت التوبة لها دونه خاصة، يعني: ?فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ?.2

وإنك لعلي خلق عظيم!!

حدثنا عتبة بن أبي الصهباء، قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: مرض عبد الله بن أُبي فاشتد مرضه فقال لابنه: إني قد اشتهيت أن ألقي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأنت إن شئت جئت به.

فانطلق ابنه فقال: يا رسول الله، إن عبد الله بن أبيُّ وَجَع شَديد الوجع، ولا أظنه إلا لمآبه، وقد اشتهي أن يلقاك. فقال له النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (نعم وكرامة)!

فانطلق النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وانطلق معه نفر من أصحابه حتي دخلوا علي عبد الله بن أبي فقال: أجلسوني، فأجلسوه، فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): يا عبد الله، جزعاً، فقال يا رسول الله: إني لم أدعك لتؤنبني، ولكني دعوتك لترحمني.

فاغرورقت عين النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، ثم قال: حاجتك؟ قال: حاجتي إذا أنا مت أن تشهد عَليَّ وتكفنني بثلاثة أثوابٍ من ثيابك، وتمشي مع جنازتي وتصلي عليَّ.

قال: فعل ذلك النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كله، غير أني لا أدري أصلّي أم دخل القبر أم لم يدخله.

وعن سعيد بن جبير: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عاد عبد الله بن أبي فقال: يا أبا الحباب، ما

أغني عنك حب اليهود؟ فقال عبد الله: قد كان وَرَقةُ يُحبهم، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): إن ورقة كان يحب الله ورسوله. فقال للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم): أعطني ثوباً من ثيابك، فأعطاه ثوباً، قال: أعطني قميصك الذي يمس جلدك، فأعطاه.

وحدثنا أبو الأشهب، عن الحسن: أن عبد الله بن أُبيَّ سأل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قميصه، فأعطاه إياه، فقيل: يا رسول الله، أعطيت عبد الله بن أبيَّ قميصك؟ فقال: وما يدريكم لعل الله سيدخل في الإسلام من بني الخزرج كذا وكذا عدة كثيرة.

وعن قتادة قال: صلّي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي عبد الله ابن أبيَّ، وأعطاه قميصاً من قمصه. فقيل له: يا رسول الله، تصلي علي هذا المنافق وتلبسه قميصك؟ فقال: إني لأرجو أن يسلم بقميصي ألف من بني النجار.

ذكر اللعان

عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية، قال سعد بن عبادة: يا رسول الله أهكذا أنزلت؟ فلو وجدت لكاعاً يتفخذها رجل لم يكن لي أن أخبركم ولا أهيجه حتي آتي بأربعة شهداء؟ فو الله لا آتي بأربعة شهداء حتي يقضي حاجته.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): يا معشر الأنصار، ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟ قالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور، والله ما تزوج فينا قط إلا عذراء، ولا طلق امرأة له فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته. فقال سعد: والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق، وأنها من الله، ولكني عجبت من ذلك لما أخبرك الله فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): فإن الله يأبي إلا ذلك، فقال: صدق الله ورسوله.

قال: فإن رسول الله (صلي الله عليه

وآله وسلم) لكذاك إذ جاء هلال بن أمية الواقفي فقال: يا رسول الله، إني جئت البارحة عشاء من حائط لي كنت فيه فرأيت مع أهلي رجلاً، فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ما جاء به، وقيل: يجلد هلال وينكل في المسلمين. فقال هلال: يا رسول الله، إني أري في وجهك أنك تكره ما جئت به، وإني لأرجو أن يجعل الله لي فَرَجَاً، فإن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لكذاك إذ نزل عليه الوحي وكان إذا نزل عليه الوحي تربد لذلك وجهه وبرد جسده فلما رفع الوحي قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فَرَجَاً، ثم قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): ادعوها، فدعيت، فقال: إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ فقال هلال: يا رسول الله، ما قلت إلا حقاً، ولقد صدقت، فقالت هي عند ذلك: كذب، فقيل لهلال: أشهد، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، وقيل له عند الخامسة: يا هلال اِتقِ الله فإن عذاب الله أشد من عذاب الناس، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب. فقال هلال: لا والله لا يعذبني الله عليها أبداً كما لم يجلدني عليها، فشهد الخامسة(أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين).

وقيل لها: عند الخامسة: يا هذه اتقي الله فإن عذاب الله أشد من عذاب الناس وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب. قال: فبكت ساعة ثم قالت: والله لا أفضح قومي فشهدت الخامسة(أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) وقضي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أن لا تُرمَي ولا يُرمَي ولدها، ومن رماها

ورمي ولدها جُلِدَ الحد، وليس لها عليه قوت ولا سكني من أجل إنهما يتفرقان بغير طلاق ولا متوفي عنها.

وعن سعيد بن جبير قال: كنا إذا اختلفنا في شيء بالكوفة كتبته حتي أسأل عنه ابن عمر، وكان فيما سألته عن الملاعنة، فقال: فرق النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بين أخوي بني العجلان، وقال: (الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟) ثلاث مرار.

قال أيوب: فحدثينه به عمرو بن دينار فقال في المدينة شيء لا أراك تحدثينه، قال: يا رسول الله ما لي؟ قال: لا مال لك إن كنت صادقاً فقد دخلت بها، وإن كنت كاذباً فهو أبعد لك.

ذكر الظهار

عن أبي العالية الرياحي قال: كانت خولة بنت دليج عند رجل من الأنصار، وكان ضرير البصر سيئ الخلق فقيراً، وكان طلاق الناس إذا أراد الرجل أن يفارق امرأته قال: أنت عليّ كظهر أمي، فنازعته في شيء فغضب، فقال: أنت عليّ كظهر أمي، فاحتملت عيلاً لها، أو عيلين منه، ثم أتت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو في بيت عائشة، وعائشة تغسل شق رأسه، فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله، إن زوجي ضرير البصر سيئ الخلق، فقير، ولي منه عيل أو عيلان، فنازعته في شيء، فغضب، فقال: أنت عليّ كظهر أمي، ولم يرد الطلاق يا رسول الله.

فرفع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) رأسه فقال: (ما أعلمك إلا قد حرمت عليه) فقالت: أشكو إلي الله ما نزل بي وبأصبيتي، وتحولت عائشة إلي شق رأسه تغسله، وتحولت معها فقالت له مثل ذلك، وقال لها مثل ذلك، فقالت: أشكو إلي الله ما نزل بي وبأصبيتي، وتغير وجه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقالت لها عائشة:

وراءك وراءك، فتنحت، فمكث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيما هو فيه حتي إذا انقطع الوحي وعاد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كما كان، قال: (يا عائشة آتي امرأة) فدعتها فجاءت، فقال: اذهبي فجيئي بزوجك، فذهبت تسعي، فجاءت به كما قالت ضرير البصر سيئ الخلق فقيراً.

فلما انتهي إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: ? قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلي الله والله يسمع تحاوركما ? إلي آخر الآية.

فقال له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أتجد رقبة تعتقها؟ قال: لا يا رسول الله، قال: (أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟) قال: فأعتل، قال: (أفتستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟) قال: لا، إلا أن تعينني يا رسول الله، قال: فأعانه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وصرف الطلاق إلي الظهار، قال علي(عليه السلام): يعني أن الظهار كان طلاقهم فجعل ظهاراً.

وحدثنا زهير بن حرب قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة بن الزبير قال: قالت عائشة: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، أن خولة لتشتكي زوجها إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فيخفي علي أخبار بعض ما تقول، فأنزل الله عزوجل: ?قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها?.

وحدثنا هارون بن عمر قال: حدثنا علي بن الحسن قال: حدثنا خليد بن دعلج، عن قتادة قال: خرج عمر من المسجد ومعه الجارود العبدي، فإذا بامرأة برزة علي ظهر الطريق، فسلم عليها عمر فردّت عليه أو سلمت عليه فردّ عليها ثم قالت: هيه يا عمر، عهدتك

وأنت تسمي عميرا في سوق عكاظ تصارع الصبيان، فلم تذهب الأيام والليالي حتي سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب منه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، فبكي عمر، فقال الجارود: هيه، فقد أكثرت وأبكيت أمير المؤمنين، فقال له عمر: أو ما تعرف هذه؟ هذه خولة بنت حكيم امرأة عبادة بن الصامت التي سمع الله قولها من سمائه، فعمر والله أجدر أن يسمع لها.

وعن يزيد بن زيد في قول الله: ?قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها? فقال: هي خولة بنت الصامت، كان زوجها مريضاً فدعاها فلم تجبه، ثم دعاها فلم تجبه، فقال: أنتِ عليّ مثل ظهر أمي.

وعن يزيد بن زيد، عن خولة قال: كان زوجها مريضاً فدعاها وكانت تصلي فأبطأت عليه، فقال: أنت عليّ مثل ظهر أمي إن أنا وطئتك، فأتت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فشكت ذلك إليه، ولم يكن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بلغه في ذلك شيء.

ثم أتته مرة أخري، فدعاه، فجاء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: اعتق رقبة.

قال: ليس عندي مال.

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): فصم شهرين متتابعين.

قال: لا أستطيع.

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): أطعم ستين مسكيناً ثلاثين صاعاً.

قال: لست أملك ذلك إلا أن تعينني، فأعانه بخمسة عشر صاعاً وأعانه الناس حتي بلغ ثلاثين صاعاً.

فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): أطعم ستين مسكيناً.

فقال: يا رسول الله، ما أجد أحد أفقر إليه مني، وأهل بيتي.

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): خذه أنت وأهل بيتك. فأخذه.

قصة الدرع المسروقة

عن هشام بن عروة أن ابن أبيرق الظفري كان سرق درعاً من يهودي، فأخذه اليهودي بها، فرمي به غيره، فأغضبهم ذلك

فقالوا: أراد أن يعير أحسابنا، فكلموا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ليقوم بعذره، فلما رجعوا من عند رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أنزل الله علي رسوله(صلي الله عليه آله وسلم) فأخبره خبره:

? ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً? وما ذكر فيها من الشأن.

قال: ?ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً ? ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه علي نفسه وكان الله عليماً حكيماً ? ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً? فلو أنه مات قبل منه إن شاء الله، ولكنه حمي أنفه فخرج إلي قريش، فلبث فيهم. ثم عثروا عليه قد سرق ثياب الكعبة فقدموه فقتلوه.

وعن قتادة بن النعمان قال: كان أهل بيت منا يقال لهم: بنو أبيرق بشير وبشر ومبشر، وكان مبشر رجلاً منافقاً، وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، ثم ينحله بعض العرب، ثم يقول: قال فلان كذا، وقال فلان كذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الرجل الخبيث فقال:

أو كلما قال الرجال قصيدة أضموا وقالوا: ابن الأبيرق قالها؟

قال: وكانوا أهل بيت فاقة وحاجة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، فكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافحة من الشام بالدرمك ابتاع الرجل منها فخص به نفسه، فأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضافحة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملاً من الدرمك فجعله في مشربة له، وفي المشربة سلاح له: درعان

وسيفاهما وما يصلحهما، فعدي عليه من تحت الليل فنقبت المشربة فأخذ الطعام والسلاح، فلما أتاني عمي رفاعة قال: ابن أخي، تعلم أنه قد عدي علينا من ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا؟

قال: فتحسسنا في الدار وسألنا، فقالوا: قد رأينا بني أبيرق قد استوقدوا في هذه الليلة، ولا نري فيما نري إلا علي بعض طعامكم، قال: وقد كان بنو أبيرق قالوا: ونحن نسأل في الدار : والله ما نري صاحبكم إلا لبيد بن سهل؛ رجل منا له صلاح و إسلام، فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه وقال: أنا أسرق!! والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبين هذه السرقة، قالوا: إليك عنا أيها الرجل، فو الله ما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتي لم يشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فذكرت له ذلك؟

قال قتادة: فأتيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فذكرت ذلك فقلت: يا رسول الله، إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلي عمي رفاعة بن زيد، فنقبوا مشربة له فأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا به، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): سأنظر في ذلك.

فلما سمع ذلك بنو أبيرق أتوا رجلاً منهم يقال له أسيد بن عروة، فكلموه في ذلك، واجتمع إليه أناس من أهل الدار، فأتوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا رسول الله، إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلي أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: (عمدت إلي أهل بيت ذكر

منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة عن غير ثبت ولا بينة) قال: فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض ما لي ولم أكلم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في ذلك.

فأتاني عمي فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال: الله المستعان.

قال: فلم يلبث أن نزل القرآن: ?إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولاتكن للخائنين خصيماً? بني أبيرق.?وإستغفر الله? أي: مما قلت لقتادة ?إن الله كان غفوراً رحيماً ? ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم? أي: بني أبيرق ?إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً? يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضي من القول وكان الله بما يعملون محيطاً ? ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً ? ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً? أي: لو أنهم استغفروا الله لغفر لهم ?ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه علي نفسه وكان الله عليماً حكيماً ? ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئا ? قولهم للبيد ?فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً ? ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك? يعني أسيدا وأصحابه? وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً ? لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً?.

قال: فلما نزل

القرآن أتي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالسلاح فرده إلي رفاعة، قال قتادة: فلما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخا قد عسا في الجاهلية، وكنت أري أن إسلامه مدخولاً قال: يا ابن أخي هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً.

قال: فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين فنزل علي سلافة بنت سعد بن شهيد، فأنزل الله فيه: ?ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيراً ? إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً?.

فلما نزل علي سلافة رماها حسان بأبيات شعر، فأخذت رحله فوضعته علي رأسها ثم خرجت فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت إلي شعر حسان، قالت: والله لا يثبت في صدري، قد علمت أنك لم تأتني بخير أو قالت : أهديت إلي هجاء حسان، فأخذت رحله فألقته في البطحاء، فخرج يسير إلي الطائف فذهب ينقب بيتاً فانهدم عليه فمات، فقال أهل مكة: ما كان ليفارق محمداً رجل من أصحابه فيه خير.

خبر خالد بن سنان

عن أنس: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان يبايع النساء فجاءته امرأة تبايعه فسألها: بنت من أنت؟ فقالت: أنا بنت خالد بن سنان، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) هذه بنت نبي ضيعه قومه، أمرهم إذا هم دفنوه أن ينبشوا عنه فإنه سيخرج حياً، فلم يفعلوا، فهذه ابنة نبي ضيعه قومه.

عن ابن عباس: أن رجلاً من بني عبس يقال له: خالد بن سنان قال لقومه: أنا أطفئ عنكم نار الحدثان، فقال له عمارة بن زياد رجل من قومه : والله

ما قلت لنا يا خالد قط إلا حقاً فما شأنك وشأن نار الحدثان تزعم أنك تطفئها؟.

قال: فانطلق وانطلق معه عمارة بن زياد مع ناس من قومه حتي أتوها وهي تخرج من شق جبل من حرة يقال لها: حرة أشجع، قال: فخط لهم خطة فأجلسهم فيها وقال لهم: إن أبطأت عنكم فلا تدعوني باسمي. قال: فخرجت كأنها خيل شقر يتبع بعضها بعضاً، فاستقبلها خالد فجعل يضربها بعصاه ويقول بدا بدا، كل هدي مؤدي، زعم ابن راعية المعزي أني لا أخرج منها وثيابي تندي، حتي دخل معها الشعب قال: فأبطأ عليهم، فقال عمارة بن زياد: والله لو كان صاحبكم حياً لخرج إليكم بعد، فقالوا له: أنه قد نهانا أن ندعوه باسمه، قال: ادعوه باسمه، فو الله لو كان صاحبكم حياً لقد خرج إليكم بعد، قال: فدعوه باسمه، قال: فخرج وهو آخذ برأسه، فقال: ألم أنهكم أن تدعوني باسمي؟ قد والله قتلتموني، احملوني وادفنوني، فإن مرت بكم الحمر فيها حمار أبتر فانبشوني، فإنكم ستجدوني حياً فأخبركم بما يكون.

قال: فدفنوه فمرت بهم الحمر فيها حمار أبتر، فقالوا: ننبشه فإنه قد أمرنا أن ننبشه، فقال عمارة: لا تحدث مضر: أنا ننبش موتانا، والله لا تنبشونه أبداً.

قال: وقد كان خالد أخبرهم أن في عكم امرأته لوحين فإذا أشكل عليكم أمر فانظروا فيهما فإنكم سترون ما تسألون عنه، قال: ولا تمسهما حائض. فلما رجعوا إلي امرأته سألوها عنهما فأخرجتهما وهي حائض، فذهب ما كان فيهما من علم.

قال أبو يونس: فقال سماك بن حرب: سئل عنه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: (نبي أضاعه قومه).

قال: وقال سماك بن حرب: ان ابن خالد بن سنان، أو بنت خالد أتي، أو أتت النبي

(صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: مرحباً بابن أخي أو ابنة أخي.

وعن ابن القعقاع بن خليد العبسي، عن أبيه، عن جده قال: بعث الله خالد بن سنان نبياً إلي بني عبس، فدعاهم فكذبوه.

فقال له قيس بن زهير: إن دعوت فأسَلْتَ هذه الحرة علينا ناراً فإنك إنما تخوفنا بالنار إتبعناك، وإن لم تسل ناراً كذبناك، قال: فذلك بيني وبينكم، قالوا: نعم.

قال: فتوضأ ثم قال: اللهم إن قومي كذبوني ولم يؤمنوا برسالتي إلا بأن تسيل عليهم هذه الحرة ناراً، فأسلها عليهم ناراً.

قال: فطلع مثل رأس الحريش ثم عظمت حتي عرصت أكثر من ميل فسالت عليهم.

فقالوا: يا خالد ارددها فأنا مؤمنون بك، فتناول عصا ثم استقبلها بعد ثلاث ليال فدخل فيها فضربها بالعصا ويقول: هدا هدا كل خرج مؤدي، زعم ابن راعية المعزي أن لا أخرج منها وجبيني يندي. فلم يزل يضربها حتي رجعت. قال: فرأيتنا نعشي الإبل علي ضوء نارها ضلعا الربذة، وبين ذلك ثلاث ليال.

سرايا رسول الله(ص)

سرية القرطاء

عن أبي هريرة: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعث خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: (ما عندك يا ثمامة) قال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا ذنب، وإن تنعم تنعم علي شاكر، وإن كنت تريد المال، فسل تُعطَ منه ما شئت.

فتركه حتي كان الغد، ثم قال: (ما عندك يا ثمامة؟) قال: ما قلت، إن تنعم تنعم علي شاكر وإن تقتل تقتل ذا ذنب، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت.

فتركه حتي كان بعد الغد، ثم قال: (ما عندك يا

ثمامة؟) قال: عندي ما قلت، إن تنعم تنعم علي شاكر، وإن تقتل تقتل ذا ذنب، وإن كنت تريد المال، فسل تعط منه ما شئت.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (أطلقوا ثمامة) فانطلق إلي نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: (أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله) يا محمد والله ما كان علي الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك فأصبح دينك أحب الدين إليّ، والله ما كان بلد أبغض إليّ من بلدك فاصبح بلدك أحب البلاد إليّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا تري؟

فأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت؟ قال: لا، ولكني أسلمت مع محمد، ولا والله لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتي يأذن فيها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).

وعن عبد الله بن عبيد بن عمير وأبو زميل: أن أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أخذوا ثمامة وهو طليق، وأخذوه وهو يريد أن يغزو بني قشير، فجاءوا به أسيرا إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو موثق، فأمر به فسجن؛ فحبسه ثلاثة أيام في السجن ثم أخرجه فقال: (يا ثمامة إني فاعل بك إحدي ثلاث: إني قاتلك، أو تفدي نفسك، أو نعتقك) قال: إن تقتلني تقتل سيد قومه، وإن تفادي فلك ما شئت، وإن تعتقني تعتق شاكراً.

قال(صلي الله عليه آله وسلم): (فإني قد أعتقتك) قال: فأنا علي أي دين شئت؟ قال: (نعم) قال: فأتيت المرأة التي كنت موثقاً عندها فقلت: كيف الإسلام؟ فأمرت لي بصفحة ماء فاغتسلت، ثم علمتني ما أقول، فأتيت

النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، ثم قدمت مكة فقلت: يا أهل مكة إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، ولا تأتيكم من اليمامة تمرة ولا برة أبدا أو تؤمنوا بالله ورسوله، فكتب المشركون من مكة إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يسألونه بالله وبالرحم أن لا يحبس الطعام عن مكة حرم الله وأمنه، فقدم علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: (يا ثمامة لا يثأر المسلم بالكافر، ولكن ارجع إلي قومك فادعهم إلي الإسلام فمن أقر منهم بالإسلام وأتبعك فانطلق إلي بني قشير ولا تقاتلهم حتي تدعوهم إلي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن بايعوك حرمت عليك دماؤهم، وإن لم يبايعوك فقاتلهم). فدعا قومه فأسلموا معه، ثم غزا بني قشير فثأر بابنه.

وعن أبي هريرة قال: بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي ثمامة بن أثال الحنفي يُؤتَي به، قال عبد العزيز: فأخبرني جعفر عن أبيه قال: الذي جاء به محمد بن مسلمة الأنصاري، أصابه بنخلة فأسره وجاء به، ثم رجع حديث ابن غزية قال: فربط إلي سارية في المسجد. وقال إبراهيم بن جعفر في حديثه: إلي السارية التي ارتبط إليها أبو لبابة.

قال أبو هريرة: فخرج رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فوجده فقال: (يا ثمام، ما تظن أني فاعل بك؟) قال: إن تنعم تنعم علي شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن تسل مالاً تعطه، قال أبو هريرة: فقلت في نفسي اللهم ألق في نفسه أن يأخذ منه الفداء، فو الله لأكلة من لحم جزور أحب إليّ من دم ثمامة،

ثم مر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) رائحاً فأعاد عليه قوله الأول، فرد عليه مثل ما قال له، ثم أعاد ذلك الثالثة فرد عليه جوابه الأول، فجاءه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فأطلقه فخرج ثمامة إلي المناصع.

فاغتسل ورحض ثوبيه، ثم أقبل حتي وقف علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، ثم كتب أبو ثمامة إلي أهل مكة وهم يومئذ حرب للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وكان مادة أهل مكة من قبل اليمامة أم والله الذي لا إله إلا هو لا يأتينكم طعام ولا حبة من قبل اليمامة حتي تؤمنوا بالله ورسوله، فأضر ذلك بأهل مكة حتي كتبوا إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهم حرب فشكوا ذلك إليه، فكتب إلي أبي ثمامة أن لا تقطع عنهم موادهم التي كانت تأتيهم. ففعل.

غزوة ذي قرد

عن عمران بن حصين قال: كانت العضباء لرجل من عقيل، وكانت من سوابق الحاج فأسر الرجل وأخذت العضباء منه، فمر به رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو في وثاق ورسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي حمار عليه قطيفة فقال: يا محمد، علامَ تأخذونني وتأخذون سابقة الحاج؟

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (نأخذك بجريرة قومك وحلفائك ثقيف) قال: وكانت ثقيف قد أسروا رجلين من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقال فيما قال: إني مسلم، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (ولو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح).

قال: ومضي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمد، إني جائع فأطعمني، وإني ظمآن فاسقني، فقال رسول

الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (هذه حاجتك) ففدي بالرجلين، وحبس رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) العضباء لرحله، قال: ثم إن المشركين أغاروا علي سرح المدينة فذهبوا به، وكانت العضباء فيه، وأسروا امرأة من المسلمين، فكانوا إذا نزلوا أراحوا إبلهم بأفنيتهم، فقامت المرأة ليلاً بعد ما ناموا، فجعلت كلما أتت علي بعير رغا حتي أتت علي العضباء فأتت علي ناقة ذلول مجربة فركبتها، ثم وجهتها قِبَل المدينة، ونذرت إنِ الله أنجاها عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة وقيل: ناقة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأخبر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بنذرها، وأتته فأخبرته، فقال: (بئس ما جَزَتها أو بئس ما جزيتيها نذرت إن الله أنجاها عليها لتنحرنها)، ثم قال: (لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) قال عفان: وقال لي: وهيب: كانت ثقيف حلفاء بني عقيل، وقال عفان: وزاد حماد بن سلمة قال: وكانت العضباء إذا جاءت لا تمنع من حوض ولا نبت.

ويقال: إن نهيكا ركب إلي ثقيف فكلمهم، وإنه قال هذه الأبيات لأخيه أبي بن مالك و من معهما:

وكانوا هم المولي فنادوا بحملهم عليك وقد كادت بك النفس تيأس

سرية أبي قتادة إلي بطن أضم

عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرة الأسلمي، عن أبيه: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعثه، وأبا قتادة، ومحلم ابن جثامة سرية إلي أضم، فلقينا عامر بن الأضبط الأشجعي، فحياهم بتحية الإسلام فكف أبو قتادة و أبو حدرة، وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله، فسلبه بعيراً له ومتيعاً ووطباً من لبن.

فلما قدموا أخبروا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال: قتلته بعد ما قال آمنت بالله؟

ونزل القرآن: ?يا أيها

الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة?.

وعن خالد الحذاء عن أبي قلابة: أن جيشاً لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) غزوا قوماً من بني تميم، فحمل علي رجل منهم فقال: إني مسلم، فقتله، قال خالد: فحدثني نصر بن عاصم الليثي: أنه كان محلم بن جثامة الذي حمل علي الرجل الذي قال إني مسلم فقتله، فجاء قومه وأسلموا فقالوا: يا رسول الله، إن محلم بن جثامة قتل صاحبنا بعد ما قال إني مسلم، فقال: (أقتلته بعد ما قال إني مسلم؟) فقال: يا رسول الله إنما قالها متعوذاً، فقال: (فلولا شققت عن قلبه لتعلم ذلك) قال: فكنت أعلمه، قال: (فلم قتلته؟) ثم قال: (أنا آخذ من أخذ بكتاب الله، فاقعد للقصاص)، فلما أرادوا أن يقتلوه أشتد ذلك علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وكان من فرسان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، فكلم قومه فأعطاهم الدية، وأعطاهم محلم دية أخري، فأخذوا ديتين.

كلام اليهود حول الرسول ص)

عن عكرمة قال: قدم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب مكة، فقالت لهم قريش: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم فأخبرونا عنا وعن محمد، قالوا: ما أنتم وما محمد؟ قالوا: نحن ننحر الكوماء، ونفك العناء، ونسقي اللبن علي الماء، ونسقي الحجيج، ونصل الأرحام. قالوا: فما محمد؟ قالوا صنبور، قطع أرحامنا. وأتبعه سراق الحجيج بنو غفار، فنحن أهدي سبيلاً أم محمد؟ قالوا: أنتم، فانزل الله: ?ألم تر إلي الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدي من الذين آمنوا سبيلاً?.

سرية عبد الله بن أنيس

عن ابن شهاب قال: بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عبد الله بن أنيس السلمي إلي سفيان بن عبد الله بن نبيح الهذلي ثم اللحياني وهو بعرنة من وراء مكة أو بعرفة قد أجتمع إليه الناس ليغزوا فيهم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): وأمره أن يقتله، فقال عبد الله لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): ما صفته يا رسول الله؟ فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (إذا رأيته هبته وفرقت منه). قال: ما فرقت من شيء قط.

فانطلق عبد الله يتوصل بالناس ويعتزي إلي خزاعة، ويخبر من لقي أنما يريد سفيان ليكون معه، فلقي سفيان وهو ببطن عرنة وراءه الأحابيش من حاضرة مكة، قال عبد الله: فلما رأيته هبته وفرقت منه فقلت: صدق الله ورسوله، ثم كمنت حتي هدأ الناس، ثم اعتورته فقتلته، فزعموا أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أخبر بقتله قبل قدوم عبد الله، وحكموا والله أعلم أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أعطاه عصاه، قال: (تخضر بها، أو أمسكها) فكانت زعموا عنده حتي أمر بها فجعلت في كفنه بين جلده و

ثيابه.

قدوم عروة بن مسعود وإسلامه

عن ابن شهاب قال: لما صدر أبوبكر وقد أقام الناس حجهم فقدم عروة بن مسعود الثقفي علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فأسلم، ثم استأذن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يرجع إلي قومه، فقال: (إني أخاف أن يقتلوك) فقال: لو وجدوني نائماً ما أيقظوني.

فأذن له فرجع إلي الطائف، فقدم عشاء فجاءته ثقيف فحيوه فدعاهم إلي الإسلام، ونصح لهم، فعصوه واتهموه من الأذي ما لم يكن يخشاهم عليه، وخرجوا من عنده، حتي إذا أسحر وطلع الفجر قام علي غرفة له في داره فأذن بالصلاة وتشهد، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله، فزعموا أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال حين بلغه قتله: مثل عروة مثل صاحب ياسين؛ دعا قومه إلي الله فقتلوه،وكان صاحبهم رجلاً يقال له: حبيب وكان نجاراً فقال: ?يا قوم اتبعوا المرسلين? اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون? وقال: ?وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ? أ أتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون ? إني إذاً لفي ضلال مبين? إني آمنت بربكم فاسمعون ?.

فقاموا إليه فأخذوا قدومه من قفّته فضربوه به علي دماغه فقتلوه، فقيل له: (أدخل الجنة) فلما دخلها ذكر قومه قال: ?يا ليت قومي يعلمون ? بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين?.

سرية نخلة

كان المشركون ضربوا حول المدينة المنورة حصاراً اقتصادياً، فقابلهم الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) بالمثل، وهذه السرية كانت لأجل ذلك.

وعن ابن شهاب قال: لبث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالمدينة أربعة عشر شهراً، ثم بعث عبد الله بن جحش في ركب من المهاجرين، وكتب معه كتاباً فدفعه

إليه، وأمره أن يسير ليلتين ثم يقرأ الكتاب فيتبع ما فيه، وفي بعثه ذلك أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وعمرو بن سراقة، وعامر بن ربيعة، وسعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان، وواقد بن عبد الله وصفوان بن بيضاء.

فلما سار ليلتين فتح الكتاب فإذا فيه: أن أمض حتي تبلغ نخلة، فلما قرأه قال: سمعاً وطاعة لله ولرسوله، فمن كان منكم يريد الموت في سبيل الله فليمض، فإني ماض علي ما أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).

فمضي ومضي معه أصحابه ولم يتخلف عنه منهم أحد، وسلك علي الحجاز حتي إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له: بحران، أضل سعد ابن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما كانا يعتقبانه فتخلفا عليه في طلبه، ومضي عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتي نزل بنخلة، فمرت به عير لقريش تحمل زبيباً و إدماً وتجارة من تجارة قريش فيها عمرو بن الحضرمي.

قال ابن هشام واسم الحضرمي: عبد الله بن عباد ويقال: مالك ابن عباد أحد الصدف: واسم الصدف: عمرو بن مالك أحد السكون ابن أشرس بن كندة، ويقال: كندي، قال ابن إسحاق: وعثمان ابن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان، والحكم ابن كيسان، مولي هشام بن المغيرة؛ فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريباً منهم، فأشرف لهم عكاشة بن محصن وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه أمنوا وقالوا: عمار لا بأس عليكم منهم، وتشاور القوم فيهم، وذلك في آخر يوم من رجب، فقال القوم: والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم، فليمتنعن منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فتردد القوم، وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا أنفسهم عليهم، وأجمعوا علي

قتل من قدروا عليه منهم، وأخذ ما معهم، فرمي واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، وأفلت القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم، وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير وبالأسيرين حتي قدموا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) المدينة. وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش: أن عبد الله قال لأصحابه: إن لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مما غنمنا الخمس وذلك قبل أن يفرض الله تعالي الخمس من المغانم فعزل لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) خمس العير، وقسم سائرها بين أصحابه.

قال ابن إسحاق: فلما قدموا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) المدينة، قال: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام، فوقف العير والأسيرين، وأبي أن يأخذ من ذلك شيئاً، فلما قال ذلك رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) سقط في أيدي القوم، وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا.

وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال، فقال: يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة: إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان.

وقالت اليهود تتفاءل بذلك علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) : عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله، عمرو: عمرت الحرب، والحضرمي: حضرت الحرب، وواقد بن عبد الله: وقدت الحرب. فجعل الله ذلك عليهم لا لهم.

فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله علي رسوله (صلي الله عليه وآله وسلم): ? يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله

منه أكبر عند الله?.

ممن عذبوا في الله

عن سعيد بن المسيب قال: خرج صهيب مهاجراً إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فأتبعه نفر من المشركين فنثر كنانته وقال لهم: يا معشر قريش قد تعلمون أني من أرماكم، والله لا تصلون إليّ حتي أرميكم بكل سهم معي، ثم أضربكم بسيفي ما بقي منه في يدي شيء، فإن كنتم تريدون مالي دللتكم عليه. قالوا فدلنا علي مالك ونخلي عنك. فتعاهدوا علي ذلك، فدلهم ولحق برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): ربح البيع أبا يحيي.

وعن عمر مولي غفرة: أنه بلغه أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لما خرج مهاجراً إلي المدينة أخذ المشركون عمار بن ياسر وعبد الله بن سعد، فشرح بالكفر صدراً.

وأما عمار فلم يزالوا يعذبونه حتي كادوا يقتلونه، فلما رأوا أنه يأبي عليهم أن يكفر، قالوا: تسب النبي ونخلي سبيلك، فلما فعل فعلوا.

فخرج حتي قدم علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فلما رآه قال: (أفلح وجه أبا اليقظان؟) قال: ما أفلح وجهه ولا أنجح، قال: (ما لك أبا اليقظان؟) قال: بدروني حتي سببتك، قال: (فكيف تجد قلبك؟) قال: يحبك ويؤمن بك، قال: (فإن استزادوك من ذلك فزد).

وحدثنا عبد الله بن فاروق، عن أبيه، عن صفوان بن أمية أنه قيل له: إن الجنة لا يدخلها إلا من هاجر، قال: فقلت: لا أدخل منزلي حتي آتي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فأسأله، قال: فأتيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقلت: يا رسول الله، إنهم يقولون لا يدخل الجنة إلا من هاجر، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (لا هجرة بعد

فتح مكة، ولكن جهاد ونية إن استنفرتم فانفروا).

قال: أبو زيد بن شبة: كان نعيم بن عبد الله بن النحام يمون عالة بني عدي، فأراد الهجرة إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فسأله قومه المقام فيهم، وقالوا: إنه لا ينالك أحد بمكروه ومنا نفس حية، فأقام، فقال له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (قومك كانوا لك خيراً من قومي لي؛ أخرجني قومي وحبسك قومك) قال نعيم: يا رسول إن قومك أخرجوك إلي الهجرة وحبسني قومي عنها.

وحدثنا أبو الوليد القرشي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا أبو مهدي سعيد بن سنان، عن أبي الزاهرية حدير بن كريب، عن جبير بن نفير: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان إذا صلي بالناس فسلم قام فتصفح بوجهه الناس، فإذا رأي رجلاً لم يكن رآه قبل ذلك سأل عنه. قال جبير: فرأي يوماً رجلاً لم يكن رآه قبلها فقال: (من تكون يا عبد الله؟) فرفع رأسه فقال: أنا واثلة بن الأسقع الليثي، قال: (فما جاء بك؟) قال: مهاجراً إلي الله ورسوله، قال: (هجرة إقامة أم هجرة رجعة؟) قال: وكان منهم من يسلم ثم يرجع ومنهم من يسلم ويقيم قال: بل هجرة إقامة، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (أعطني يدك) فبسطها فصافحه علي: (شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وتطيع الله ورسوله فيما استطعت)، قال: نعم، فصافح رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي يده.

وعن أبي حرب يعني: ابن أبي الأسود الديلي، عن طلحة، قال أبو زيد: هذا طلحة بن عمرو النضري قال: كان من قدم المدينة، فكان

له بها عريف نزل علي عريفه، ومن لم يكن له بها عريف نزل الصفة، فكنت فيمن نزل الصفة، فوافقت رجلين فكان يجري علينا في كل يوم مد من تمر من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)؛ فانصرف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فناداه رجل من أهل الصفة: يا رسول الله، أحرق التمر بطوننا، وتخرقت علينا الخنف، فقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي منبره فحمد الله وأثني عليه، وذكر ما لقي من قومه، حتي أن كان ليأتي علي وعلي صاحبي بضعة عشر يوماً ما لنا طعام إلا البرير فقدمنا علي إخواننا من الأنصار وجل طعامهم التمر فواسونا ولو أجد لكم الخبز واللحم لأطعمتكم ولكن لعلكم ستدركون زماناً أو من أدركه منكم تلبسون فيه مثل أستار الكعبة ويغذي ويراح عليكم بالجفان.

فقّهه في الدين

وعن عبد الله بن مغفل المزني قال: كان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إذا هاجر أحد من العرب وكّل به رجلاً من الأنصار، فقال: (فقهه في الدين، وأقرئه القرآن) فهاجرت إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فوكل بي رجلاً من الأنصار ففقهني في الدين، وأقرأني القرآن، وكنت اغدوا عليه فأجلس ببابه حتي يخرج متي يخرج، فإذا خرج ترددت معه في حوائجه فأستقرئه القرآن، وأسأله في الدين حتي يرجع إلي بيته، فإذا دخل بيته انصرفت عنه.

هذه هي الاخوة الإسلامية

عن مالك بن أنس قال: لما قدم المهاجرون علي الأنصار المدينة قال لهم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): قاسموا الذين قدموا عليكم.

قالوا: نعم يا رسول الله نقاسمهم التمر.

قال: أو غير ذلك؟

قالوا: وما هو؟

قال: يكفونكم المؤنة وتقاسمونهم التمر.

قالوا: سمعنا وأطعنا، فكانوا يكفونهم المؤنة ويقاسمونهم التمر، حتي إن كان أحدهم ليكون له المرأتان فيخير أخاه المهاجر في إحداهما.

تقسيم أموال بني النضير

عن الكلبي قال: لما ظهر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي أموال بني النضير قال للأنصار: (إن إخوانكم من المهاجرين ليست لهم أموال فإن شئتم قسمت هذه الأموال بينهم وبينكم جميعاً وإن شئتم أمسكتم أموالكم فقسمت هذه فيهم خاصة؟) قالوا: لا، بل أقسم هذه لهم من أموالنا ما شئت. فنزلت: ?ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ?.

أم كلثوم بنت عقبة

حدثنا محمد بن يحيي أبو غسان قال: حدثني عبد العزيز بن عمران عن مجمع بن يعقوب الأنصاري، عن الحسن بن السالب بن أبي لبابة، عن عبد الله بن أبي أحمر قال: قالت أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط: أنزل فيّ آيات من القرآن، كنت أول من هاجر في الهدنة حين صالح رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قريشاً علي أنه من جاء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بغير إذن وليه رده إليه، ومن جاء قريشاً ممن مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يردوه إليه، قالت: فلما قدمت المدينة قدم عليّ أخي الوليد بن عقبة، قالت: ففسخ الله العقد الذي بينه وبين المشركين في شأني، فأنزل الله:

?يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ? إلي قوله: ?ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن?.

قالت: ثم أنكحني رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) زيد بن حارثة، وكان أول من نكحني فقلت: يا رسول الله، زوجت بنت عمك مولاك؟ فأنزل الله: ?وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ? قالت: فسلمت لقضاء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).

ثم قتل عني فأرسل إلي الزبير بن العوام أبي بن خالد فاحبسني

علي نفسه. فقلت نعم، فأنزل الله: ?ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً ولا تعزموا عقدة النكاح حتي يبلغ الكتاب أجله?. قالت: ثم حللت فتزوجت الزبير، وكان ضراباً للنساء فوقع بيني وبينه بعض ما يقع المرء وزوجه فضربني وخرج عني وأنا حامل في سبعة أشهر، فقلت: اللهم فرق بيني وبينه، ففارقني فضربني المخاض فولدت زينب بنت الزبير، فرجع وقد حللت فتزوجت عبد الرحمن بن عوف، فولدت عنده إبراهيم ومحمداً وحميداً بني عبد الرحمن بن عوف.

وعن عمرو بن ميمون بن مهران، عن أبيه: أن أم كلثوم بنت عقبة كانت تحت الزبير بن العوام، وكانت له كارهة، وكان شديداً علي النساء، فكانت تسأله الطلاق فيأبي، فضربها المخاض وهو لا يعلم، فألحت عليه يوماً وهو يتوضأ للصلاة فطلقها تطليقة، ثم خرج إلي الصلاة فوضعت، فأتبعه إنسان من أهله وقال: إنها وضعت، قال: خدعتني خدعها الله، فأتي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فذكر ذلك له، فقال: سبق فيها كتاب الله، اخطبها قال: لا، لا ترجع إلي..

الهجرتان

وعن عدي بن ثابت، عن أبي بردة، عن أبي موسي الأشعري قال: لقي عمر أسماء بنت عميس فقال: نعم القوم أنتم، لولا أنكم سبقتم بالهجرة، فنحن أفضل منكم. فقالت: كنتم مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يعلم جاهلكم ويحمل راجلكم، وفررنا بديننا ولست براجعة حتي أدخل علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فدخلَت عليه فقالت: يا رسول الله، إني لقيت عمر فقال: كذا وكذا.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (لكم هجرتكم مرتين؛ هجرتكم إلي الحبشة وهجرتكم إلي

المدينة).

الوفود

وفد ثقيف

عن غطيف بن أبي سفيان قال: أتت الأنصار رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا رسول الله، أدع الله علي ثقيف، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (اللهم اهد ثقيفاً) قالوا: يا رسول الله أدع عليهم، فقال: (اللهم اهد ثقيفاً) فعادوا فعاد، فأسلموا، فوجدوا من صالحي الناس إسلاماً، ووجد منهم أئمة وقادة.

وقدم وفدهم علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فضرب عليهم القبة في المسجد، فقال عمر: يا رسول الله إنهم لا يصلون.

فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): دعهم يا عمر فإنهم سيستحيون ألا يصلوا، فمكثوا يومهم لا يصلون والغد، حتي إذا كان عند العصر صلوا بغير وضوء، فقال عمر: يا رسول الله، صلوا بلا وضوء. فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): دعهم فإنهم سيتوضئون، حتي إذا كان اليوم الثالث غسلوا وجوههم ورؤوسهم وأعناقهم وأيديهم إلي المناكب، وتركوا الأرجل، فقال عمر: أنهم فعلوا كذا وكذا، فقال: دعهم فأنهم سيتوضئون، وغدوا اليوم الخامس فغسلوا البطون والظهور، فأتي عمر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فأخبره فقال: (دعهم عنك) فلم يذكر شيئاً من أمرهم بعد حتي قدمت عليهم هدية من الطائف؛ عسل وزبيب ورمان وشنان فرسك مربب، فأهدوا إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (صدقة أم هدية) فقالوا: بل هدية يا رسول الله، ففتح رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) سقاء من العسل قال: (ما هذا؟) قالوا: ضريب فأكل منه، ثم فتح الثاني فقال: (ما هذا؟) فقالوا ضريب يا رسول الله، قال: (ما أطيب ريحه وأطيب طعمه)، وأكل منه، ثم قاموا عنه وأهدي له رجل من بني ليث شاة مطبوخة بلبن، فالتمس العوض

فأعطاه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقال: (هل رضيت؟) قال: لا، فدخل فأعطاه وقال: (هل رضيت؟) قال: لا، قال: (ويحك لا تبخلني فإني لم أخلق بخيلاً ولا جباناً) فالتمس فجاءه بقبضة من شعير وسلت وتمر فأعطاه إياه، ثم قال: (هل رضيت؟) قال: نعم.

وعن ابن شهاب قال: أقبل وفد ثقيف بعد قتل عروة بن مسعود؛ بضعة عشر رجلاً هم أشراف ثقيف، فيهم كنانة بن عبد ياليل، وهو رأسهم يومئذ، وفيهم عثمان بن أبي العاص بن بشر، وهو أصغر الوفد، حتي قدموا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يريدون الصلح والقضية وهو بالمدينة، حين رأوا أن قد فتحت مكة وأسلم عامة العرب. فقال المغيرة بن شعبة: يا رسول الله: أنزل علي قومي فأكرمهم فإني حديث الجرم فيهم، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): لا أمنعك أن تكرم قومك، ولكن تنزلهم حيث يسمعون القرآن.

قال: وكان من جرم المغيرة في قومه أنه كان أجيراً لثقيف، فإنهم أقبلوا من مضر حتي إذا كانوا ببساق عدا عليهم وهم نيام فقتلهم، ثم أقبل بأموالهم حتي أتي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال: أخمس مالي هذا؟ قال: (وما نبأه؟) قال: كنت أجيراً لثقيف، فلما سمعت بك قتلتهم، وهذه أموالهم. فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (انا لسنا بغدر) وأبي أن يخمس ما معه.

وأنزل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وفد ثقيف في المسجد، وبني لهم خياماً لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا، وكان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إذا خطب لم يذكر نفسه، فلما سمعه وفد ثقيف قالوا: يأمرنا أن نشهد أنه رسول الله ولا يشهد هو به في خطبتهم. فلما

بلغه قولهم قال: (فأنا أول من شهد أني رسول الله) وكانوا يغدون عليه كل يوم ويخلفون عثمان بن أبي العاص في رحالهم لأنه أصغرهم، فكان عثمان كلما رجع إليه الوفد وقالوا بالهاجرة عمد لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فسأله عن الدين واستقرأه القرآن، فاختلف إليه عثمان مراراً حتي فقه وعلم، وكان يكتم ذلك من أصحابه، فأعجب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعثمان وأحبه، فمكث الوفد يختلفون إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو يدعوهم إلي الإسلام، فأسلموا.

فقال له كنانة بن عبد ياليل: هل أنت مقاضينا حتي نرجع إليك؟ قال: (نعم إن أنتم أقررتم بالإسلام قاضيتكم وإلا فلا قضية ولا صلح بيني وبينكم).

قالوا: أرأيت الزنا فإنا قوم نغترب؟ قال: (هو عليكم حرام، إن الله قال: ?لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً?.

قالوا: أرأيت الربا؟ قال: (والربا حرام) قالوا فإنها أموالنا كلها؟ قال: ?فلكم رؤوس أموالكم? فإن الله قال: ?يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين?.

قالوا: أفرأيت الخمر، فإنها عصير أعنابنا ولابد لنا منه؟ قال: فإن الله قد حرمها، فقال: ?يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ?.

فارتفع القوم وخلا بعضهم ببعض فقال سفيان بن عبد الله: ويحكم انا نخاف إن خالفناه يوماً كيوم مكة، انطلقوا فيه فلنكافئه علي ما سألناه، فأتوه (صلي الله عليه وآله وسلم) فقالوا: نعم لك ما سألت.

وقالوا: أرأيت الربّة، ماذا نصنع فيها؟ قال: (اهدموها) قالوا: هيهات، لو تعلم الربة أنك تريد هدمها قتلت أهلينا.

قال عمر: ويحك يا ابن عبد ياليل ما أحمقك، إنما الربة حجر لا يدري من عبده

ممن لا يعبده، قال: إنا لم نأتك يا ابن الخطاب.

قالوا: يا رسول الله أرسل أنت فاهدمها فإنا لن نهدمها أبداً، قال: (فسأبعث إليكم من يكفيكم هدمها) فكاتبوه فقال كنانة بن عبد ياليل: ائذن لنا قبل رسولك، ثم ابعث في آثارنا، فإني أعلم بقومي قأذن لهم وأكرمهم وحملهم، قالوا: يا رسول الله أمّر علينا رجلاً منّا، فأمّر عليهم عثمان بن أبي العاص، لما رأي من حرصه علي الإسلام، وقد كان علم سوراً من القرآن قبل أن يخرج، فقال كنانة ابن عبد ياليل: إنا أعلم الناس بثقيف، فاكتموهم القضية وخوفوهم بالحرب والفناء، وأخبروهم أن محمداً سألنا أموراً أبيناها عليه، وسألنا أن نهدم اللات، ونبطل أموالنا في الربا، ونحرم الخمر والزنا.

فخرجت ثقيف حين دنا الوفد منهم يتلقونهم، فلما رأوهم قد ساروا العنق، وقطروا الإبل، وتغشوا ثيابهم كهيئة القوم قد حزنوا وكربوا ولم يرجعوا بخير، فلما رأت ثقيف ما في وجوه القوم قال بعضهم لبعض: ما جاء وفدكم بخير، ولا رجعوا به. فدخل الوفد فعمدوا إلي اللات فنزلوا عندها، واللات بيت كان بين ظهري الطائف يستر ويهدي لها الهدي، ضاهوا به بيت الله، وكانوا يعبدونها، فيقول ناس من ثقيف حين نزل الوفد إليها كأنهم لا عهد لهم برؤيتها، ورجع كل رجل منهم إلي أهله، وأتي كل رجل منهم جانبه من ثقيف فسألوه: ماذا جئتم به، وما رجعتم به؟ قالوا: أتينا رجلاً غليظاً يأخذ من أمره ما شاء، قد ظهر بالسيف وأداخ العرب، وأدان له الناس، فعرض علينا أموراً شداداً: هدم اللات وترك الأموال في الربا إلا رؤوس أموالنا، وتحريم الخمر.

قالت ثقيف: فو الله لا نقبل هذا أبداً.

فقال الوفد: فأصلحوا السلاح وتيسروا للقتال، ورموا حصنكم.

فمكث بذلك ثقيف يومين أو ثلاثة

يريدون القتال، ثم ألقي الله في قلوبهم الرعب، فقالوا: والله ما لنا طاقة به، أداخ العرب كلها، فارجعوا إليه وأعطوه ما سأل وصالحوه عليه، فلما رأي الوفد أنهم قد رعبوا وخافوا واختاروا الأمن علي الخوف والحرب قال الوفد: فإنا قد قاضيناه، وأعطانا ما أحببنا وشرط لنا ما أردنا، ووجدناه أتقي الناس وأوفاهم، وأرحمهم وأصدقهم، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه، وفيما قاضيناه عليه. فانهوا القضية واقبلوا عاقبة الله. قالت ثقيف: فلم كتمتمونا هذا الحديث وغممتمونا به أشد الغم؟

قالوا: أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان. فأسلموا مكانهم واستسلموا، ومكثوا أياماً، ثم قدمت عليهم رسل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أميرهم خالد بن الوليد، وفيهم المغيرة بن شعبة، فلما قدموا عمدوا إلي اللات فهدموها.

وقد استكفت ثقيف الرجال منهم والنساء والصبيان حتي خرج العواتق من الحجال، لا تري عامة ثقيف أنها مهدومة، ويظنون أنها ممتنعة، فقام المغيرة بن شعبة فأخذ الكرزن وقال: لأضحكنكم من ثقيف، فضرب بالكرزن ثم سقط يرتكض، فارتج أهل المدينة بصيحة واحدة قالوا: أبعد الله المغيرة، قد قتلته الربة حين رأوه ساقطاً وقالوا: من شاء منكم فليتقرب وليجتهد علي هدمها فو الله لا يستطاع أبداً، فوثب المغيرة فقال: قبحكم الله يا معشر ثقيف، أنما هي لكاع حجارة ومدر، فأقبلوا عافية الله وأعبدوه، ثم ضرب الباب فكسره ثم علا علي سورها وعلا الرجال معه فمازالوا يهدمونها حجراً حتي سووها بالأرض، وجعل صاحب المفاتيح يقول: يا خالد، دعني أحفر أساسها، فحفروه حتي أخرجوا ترابها، وانتزعوا حليها، وأخذوا ثيابها، فبهتت ثقيف، وقالت عجوز منهم: أسلمها الرضاع وتركوا المصاع وأقبل الوفد حتي دخلوا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بحليها وكسوتها، وقسمها

من يومه، وحمد الله علي نصره وإعزاز دينه، فهذا حديث ثقيف.

وعن الأوزاعي: أن وفد ثقيف قدموا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقد وفروا أشعارهم وشواربهم وأظفارهم، فأمرهم أن يقيموا وأن يتعلموا القرآن، فأقاموا قريباً من سنة، ثم إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) استعرضهم ففضلهم أحدهم بسورة البقرة وسورة معها، فأمّره عليهم وقال:

إنك لأحدثهم، ولكني أمرتك عليهم لما فضلتهم من القرآن، فإذا صليت فصل بصلاة أصغرهم، فإن فيهم الضعيف والمملوك وذا الحاجة، وإذا خرجت ساعياً فلا تأخذن من الغنم الشافع ولا الربي ولا حرزة الرجل فإنه أحق بها، وخير منهم الجزعة والثنية، فإنها وسط من الغنم.

قصة عامر

عن عكرمة قال: جاء عامر إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فسأله الخلافة من بعده، وسأله المرباع وسأله أشياء، فقال له رجل من أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): زحزح قدميك لا تنزعك الرماح نزعاً عنيفاً، والله لو سألت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) سبيبة من سبيبات المدينة ما أعطاك.

فولي عامر غضبان، وقال: لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً.

فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (اللهم إن لم تهد عامراً فاكفنيه)، فأخذته غذة كغدة البكر، فجعل ينادي: يا آل عامر، غدة كغدة البكر!! حتي قتلت عدو الله.

وعن عبد الله بن وهب قال: سمعت ليث بن سعد يحدث: أن أربد بن ربيعة وعامر بن الطفيل أتيا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال أحدهما للآخر: أنا أشغله بالكلام حتي تقتله، فوقف علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يحدثه فلما طال عليه انصرف، قال له صاحبه: لقد رأيت عنده شيئاً أن رجليه لفي الأرض وأن رأسه لفي السماء، لو دنوت منه

لأهلكني. فأما أربد فأصابته صاعقة،

وأنزل الله: ?له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله?.

وأما عامر فإنه قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): اللهم اكفنيه، فأخذته غدة فقتلته.

وفد بني سعد بن بكر

عن ابن عباس قال: بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فأناخ بعيره علي باب المسجد ثم عقله، ثم دخل المسجد ورسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) جالس في أصحابه، وكان ضمام رجلاً أشعر ذا غديرتين، حتي وقف علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أنا ابن عبد المطلب.

فقال: محمد؟

قال: نعم.

قال: يا ابن عبد المطلب، إني سائلك ومغلظ في المسألة فلا تجدن في نفسك.

قال: لا أجد في نفسي، فسل عما بدا لك.

قال: فإني أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك، الله بعثك إلينا رسولاً؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): اللهم نعم.

قال: فأنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من بعدك، الله أمرك أن نعبده وحده لا شريك له؟ وأن نخلع هذه الأنداد التي كانت تعبد آباؤنا من دونه؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): اللهم نعم.

قال فأنشدك بإلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك، الله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): اللهم نعم.

قال: ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة: الزكاة والحج والصيام وشرائع الإسلام كلها، يناشده عند كل فريضة كما ناشده في التي قبلها، حتي إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا

أزيد ولا أنقص، ثم انصرف إلي بعيره.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): إن يصدق ذوالعقيصتين يدخل الجنة.

قال: فأتي إلي بعيره فأطلق عقاله حتي قدم علي قومه، فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم به أن قال: بئست اللات والعزي.

قالوا: يا ضمام أتق البرص والجنون وأتق الجذام.

قال: ويلكم، إنهما والله ما يضران ولا ينفعان، إن الله قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً فاستنقذكم مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه، فو الله ما أمسي من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً.

قال: يقول عبد الله بن عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة.

وعن ابن الزبير قال: قدم الأقرع بن حابس علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال أبوبكر: يا رسول الله، استعمله علي قومه، وقال عمر: لا تستعملنه يا رسول الله، فتكلما حتي ارتفعت أصواتهما، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي؟ قال: ما أردت خلافك، فنزلت: ?لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي? الآية.

قال: فكان عمر بعد ذلك إذا كلم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كلمه في مسمعه حتي يستفهمه مما يخفض صوته قال: ما ذكر حينه.

وعن محمد بن الزبير قال: قدم عمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فسأل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ابن الأهتم عن الزبرقان: كيف هو فيكم؟ ولم يسأل عنه قيساً لشيء قد علمه بينهما.

فقال له ابن الأهتم: مطاع في أذنيه، شديد العارضة، مانع لما وراء ظهره.

قال الزبرقان: والله

لقد قال ما قال وهو يعلم أني أفضل مما قال.

قال عمرو: فإنك لزمر المرؤة، ضيق العطن، أحمق الأب، لئيم الخال.

ثم قال: يا رسول الله، لقد صدقت فيهما جميعاً؛ أرضاني فقلت بأحسن ما أعلم فيه، وأسخطني فقلت بأسوأ ما أعلم فيه.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): وإن من البيان لسحراً.

وكان يقال للزبرقان قمر نجد لجماله، وكان ممن يدخل مكة متعمماً لحسنه، وولاه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) صدقات قومه بني عوف.

وقال محمد بن إسحاق: ولما قدمت علي رسول الله(صلي الله عليه وآله سلم) وفود العرب قدم عليه عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي في أشراف بني تميم منهم الأقرع بن حابس، والزبرقان ابن بدر التميمي أحد بني سعد وعمرو بن الأهتم، والحتحات بن يزيد، ونعيم بن يزيد، وقيس بن الحارث، وقيس بن عاصم أخو بني سعد في وفد عظيم من بني تميم.

قال ابن إسحاق: ومعهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، وقد كان الأقرع بن حابس وعيينة شهدا مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فتح مكة وحنين والطائف، فلما قدم وفد بني تميم كانا معهم، ولما دخلوا المسجد نادوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من وراء حجراته: أن أخرج إلينا يا محمد، فآذي ذلك رسول الله(صلي الله عليه وآله سلم) من صياحهم، فخرج إليهم فقالوا: يا محمد، جئناك نفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا.

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): قد أذنت لخطيبكم فليقل.

فقام عطارد بن حاجب فقال: الحمد لله الذي له علينا الفضل والمن وهو أهله، الذي جعلنا ملوكاً ووهب لنا أموالاً عظاماً نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعزة أهل المشرق وأكثره عدداً وأيسره عدة، فمن مثلنا

في الناس، ألسنا برؤوس الناس وأولي فضلهم، فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، وإنا لو نشاء لأكثرنا الكلام ولكن نخشي من الإكثار فيما أعطانا، وإنا نعرف بذلك، أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا، وأمر أفضل من أمرنا، ثم جلس.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لثابت بن قيس بن شماس أخي بني الحارث ابن الخزرج: قم فأجب الرجل في خطبته.

فقام ثابت فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وفي رواية فقال ثابت: وأيضاً والذي بعث محمداً بالحق، وأشار إلي رسول الله(صلي الله عليه وآله سلم)، لتسمعن أنت وصاحبك في هذا المجلس ما لم ينفذ بمسامعكما مثله قط، ثم تكلم ثابت وذكر من عظمة الله وسلطانه وقدرته ما الله أهله، ثم ذكر به وألحق، فساق الأمر حتي انتهي إلي مبعث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، ثم قال: والذي بعث محمداً بالحق لئن لم تدخل أنت وصاحبك وقومكما في دين الله الذي أكرم به رسول الله وهدانا له ليطأن بلادكم بالخيل والرجال نصرا لله ولرسوله ولدينه، ثم ليقتلن الرجال وليسبين النساء والذرية، وليأخذن المال حتي يكون فيئاً لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأصحابه.

فقال الأقرع: أنت تقول ذاك يا ثابت؟

قال: نعم، والذي بعث محمداً بالحق، ثم سكت.

ثم قالوا: يا محمد ائذن لشاعرنا، فأذن له، فقام الزبرقان بن بدر فأنشد، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لحسان: أنشدهم فأنشدهم حسان ثم سكت.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) للأقرع وعيينة: قد سمعنا ما قلتما وسمعتما ما قلنا، فخرجا، فلما دخلوا أخذ أحدهما بيد صاحبه، قال الأقرع لعيينة: أسمعت ما سمعت، ما سكت حتي

ظننت أن سقف البيوت سوف يقع علينا، فقال عيينة: أوجدت ذلك؟ والله لقد تكلم شاعرهم فما سكت حتي أظلم علي البيت وحيل بيني وبين النظر إليك، وقال الأقرع: إن لهذا الرجل لشأناً، ثم دخلا بعد ذلك في الإسلام وكانا من المؤلفة قلوبهم. فأعطي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الأقرع مائة ناقة. وأعطي عيينة مائة ناقة، فقال العباس بن مرداس فيما أعطاهما رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) شعراً.

وعن قيس بن عاصم المنقري قال: قدمت علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فلما رآني سمعته يقول: هذا سيد أهل الوبر. قال: فلما نزلت جعلت أحدثه، قال: يا نبي الله المال الذي لا يكون عليّ فيه تبعة من ضيف ضافي أو عيال ان كثروا. قال: نعم المال الأربعون، وإن كثر فستون، ويل لأصحاب المأين إلا من أعطي في رسلها ونجدتها وأفقر ظهرها ونحر سمينتها، فأطعم القانع والمعتر قال: قلت: يا نبي الله ما أكرم هذه الأخلاق وأحسنها، يا نبي الله إنه لا يحل الوادي الذي أنا به لكثرة إبلي، قال: فما تصنع في المنحة؟ قال: أمنح كل سنة مائة ناقة، قال: فما تصنع في المطروقة؟ قال: تغدو الإبل وتغدو الناس فمن شاء أخذ برأس بعير فذهب به، قال: فما تصنع في أفقار الظهر؟ قال: إني لا أفقر الصدع الصغير ولا الناب المدبرة، فقال: أفمالك أحب أم مال مواليك؟ قال: قلت: بل مالي أحب إليّ من مال موالي، قال: فإن لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت، وإلا فمواليك، وإلا فلموالي الله.

قال: قلت: يا رسول الله لئن بقيت لأدعن عددها قليلاً.

قال الحسن: ففعل رحمه الله.

وعن شيبان عن قتادة: أن

قيس بن عاصم قال: يا نبي الله إني وأدت ثماني بنات في الجاهلية، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أعتق عن كل واحدة رقبة، قال: يا نبي الله، إني ذو إبل، قال: فاهد لكل واحدة منهن إن شئت هدياً.

وفي رواية فلما حضرته الوفاة قال: يا بني خذوا عني، فإنه ليس أحد أنصح لكم مني، إذا أنا مت فسودوا كباركم لا تسودوا صغاركم فتستسغه الناس كباركم وتهونوا عليهم، وعليكم بإصلاح المال فإنه منبهة الكريم، ويستغني به عن اللئيم، وإياكم والمسألة؛ فإنها آخر كسب المرء، ادفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها… وادفنوني في مكان لا يعلم بي أحد؛ فإنه قد كان كون مني ومن هذا الحي ابن بكر ابن وائل كما نشأت في الجاهلية.

لا يُرحم من لا يَرحم

وحدثنا خلف بن الوليد، وأحمد بن معاوية قالا: حدثنا هشيم عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: دخل عيينة بن حصن علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو يقبل الحسن أو الحسين، فقال: أتقبله وقد ولد لي عشرة ما قبلت أحداً منهم!

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): إنه لا يُرحم من لا يَرحم.

وعن ابن عباس قال: دخل عيينة علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ومعه أم سلمة فقال: يا محمد من هذه؟ قال: هذه أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة، قال: ألا أنزل لك عن سيدة نساء مضر: حمرة؟ قال (صلي الله عليه وآله وسلم): أنت أحق بالحمرة.

وعن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي عليه السلام إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من اليمن بذهبية في أديم مقروط لم تحصل من ترابها فقسمها بين أربعة: الأقرع بن حابس الحنظلي ثم

أحد بني مجاشع، وعيينة بن حصن الفزاري، وعلقمة بن علاثة الجعفري، وزيد الخير الطائي، ثم أحد بني نبهان.

فقال قريش والأنصار: أتقسم بين صناديد أهل نجد وتتركنا؟

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): إنما أنا فيهم.

إذ أقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الأزار فقال: يا محمد، اتق الله.

فقال: من يطيع الله إذا عصيته، أيأمنني علي أهل الأرض ولا تأمنوني؟

قال: فسأله رجل من القوم قتله حسبته خالد بن الوليد وولي الرجل، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): إنه يخرج من ضئضئي هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

وفد كندة

عن بكر بن سوادة الجذامي، أن زياد بن مغنم الحضرمي حدثه: أن وفد كندة قدموا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وفيهم جمد. فبينا هم عنده أقبل رجل فقال: كلمت يا رسول الله. قال: أفلح المكلومون، فخرجوا فقالوا وقالوا، فأخذت جمداً اللقوة، فأتوا إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقالوا: سيد الناس يا رسول الله، أدع الله له. قال: لم أكن لأفعل، ولكن حدّوا فسلة، فاقلبوا ما في عينيه أو بشفرة فأكووه بها فهي شفاؤه وإليها مصيره، الله أعلم ما قلتم حين أدبرتم فصنعوه به فبرئ.

قالوا: أرأيت أكلتنا في الجاهلية؟ قال: وهي لكم حتي ينزعها الله منكم، قالوا: فديتنا، قال: ليأتين عليكم زمان ترضون بالكفاف، قالوا فنجيتنا.

قال: قد جاء الله بخير منها: الإسلام، وأرتد جمد بعد ذلك، فقتل كافراً بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).

قال عمرو: فحدثني كعب بن علقمة: أنهم قالوا: أتينا هذا الغلام المضيري فما سألناه

شيئاً إلا أعطانا، حتي لو أردنا أن نأخذ بأذنه لفعلنا.

وروي الكلبي أن وفد كندة قدموا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وفيهم الجفشيش أو الخفشيش وعمرو بن أبي الكيشم وابن أبي سهر بن جبلة والأشعث بن قيس وامرؤ القيس بن عابس. فقال الجفشيش: يا رسول الله، إنا نزعم أنكم من العمور عمور كندة، فيقال: إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: ذاك شيء كان يقوله العباس وأبو سفيان إذا قدما عليكم. نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفو أمّنا ولا ندع أبانا.

وعن الأشعث بن قيس قال: أتيت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في نفر كندة لا يروني أفضلهم، فقلت: يا رسول الله إنا نزعم أنكم منا، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (نحن بنو النضر ابن كنانة لا نقفو أمّنا، ولا ننتفي من أبينا) قال الكلبي: فصالحهم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي أن لهم ريع ما أخرجت حضر موت، وقال: ارجعوا إلي بلادكم مصاحبين، واستعمل عليهم وعلي الصدقات المهاجر بن أمية بن المغيرة.

خبر مسيلمة الكذاب

عن ابن أبي هلال: أنه بلغه أن مسيلمة الكذاب كتب إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): من مسيلمة رسول الله إلي محمد رسول الله، سلام عليك أما بعد: فإني قد أشركت في الأمر معك وان لنا نصف الأرض ولقريش نصفها؛ ذلك بأنهم قوم يعدلون.

فكتب إليه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): من محمد رسول الله إلي مسيلمة الكذاب، سلام علي من اتبع الهدي، أما بعد: ف ?ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين?.

وعن ابن عباس: أن مسيلمة قدم في جيش عظيم حتي نزل في نخل(رملة) بنت الحارث، فبلغ رسول

الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، فأقبل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ليس معه إلا ثابت بن قيس ابن شماس في يده جريدة حتي وقف عليه، فقال: (لو أنك سألتني هذه ما أعطيتك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وهذا ثابت يجيبك عني وإني لأحسبك الذي أريت).

قال: ابن عباس: فطلبت رؤيا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فحدثني أبو هريرة أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: بينا أنا نائم أريت كأن في يدي سوارين من ذهب فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان بعدي: العنسي صاحب صنعاء، ومسيلمة صاحب اليمامة.

عن يزيد بن أبي حبيب قال: تنبأ في عهد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) خمسة: مسيلمة، وامرأته، وطلحة، والأسود بن كعب، وعجرة.

وفد وائل بن جدر الحضرمي

قال ابن لهيعة: قدم وائل بن حجر علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فبايعه وهو بمكة يومئذ، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لمعاوية: (أخرج معه) قال: وذلك في يوم حار فركب وائل راحلته ومعاوية يمشي، فقال له معاوية: اردفني خلفك، فإن الحر شديد، قال: أنك لست من أرداف الملوك، قال: فاعطني نعليك ألبسهما، قال: ليس لمثلك لبس نعلي.

وفد نجران

عن الليث بن سعد، عمن حدثه قال: جاء راهبا نجران إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يعرض عليهما الإسلام فقالا: إنا قد أسلمنا قبلك. فقال: كذبتما، إنه يمنعكما الإسلام ثلاث: عبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير، وقولكما لله ولد.

فقال أحدهما: من أبو عيسي؟ فسكت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وكان لا يعجل حتي يكون ربه هو يأمره، فأنزل الله عليه: ?إن مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ? حتي بلغ: ?فلا تكن من الممترين ?.

ثم قال تعالي فيما قال الفاسقان: ?فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين? قال: فدعاهما النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي المباهلة وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فقال أحدهما للآخر: قد أنصفك الرجل، فقالا: لا نباهلك، وأقرا بالجزية وكرها الإسلام.

وعن أبي الفتح: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) صالح أهل نجران، وكتب لهم كتاباً:

(بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب محمد النبي رسول الله لأهل نجران إذا كان حكمه عليهم، أن في كل سوداء أو بيضاء وصفراء وتمرة ورقيق، وأفضل عليهم وترك ذلك لهم علي ألفي حلة، في كل صفر ألف حلة،

وفي كل رجب ألف حلة، مع كل حلة أوقية، ما زادت علي الخراج أو نقصت علي الأواقي فبحساب، وما قضوا من دروع أو خيل أو ركاب أو عرض أخذ منهم بحساب، وعلي نجران مثواة رسلي ومتعتهم بها عشرين فدونه، ولا يحبس رسول فوق شهر، وعليهم عارية ثلاثين درعاً، وثلاثين فرساً، وثلاثين بعيراً، إذا كان كيد باليمن ومعذرة، وما هلك مما أعاروا رسولي من دروع أو خيل أو ركاب فهو ضمان علي رسولي حتي يؤديه إليهم، ولنجران وحسبها جوار الله وذمة محمد النبي علي أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وتبعهم، وألا يغيروا مما كانوا عليه، ولا يغير حق من حقوقهم ولا ملتهم، ولا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا واقه من وقهيته، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، وليس عليهم ريبة ولا دم جاهلية، ولا يحشرون ولا يعشرون، ولا يطأ أرضهم جيش، ومن سأل منهم حقاً فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين، ومن أكل ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة، ولا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر، وعلي ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله حتي يأتي الله بأمره ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير منقلبين بظلم).

وفد عبد القيس

عن شهاب بن عباد: أنه سمع من بعض وفد عبد القيس وهم يقولون: قدمنا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فاشتد فرحهم بنا، فلما انتهينا إلي القوم أوسعوا لنا فقعدنا، فرحب بنا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لنا، ثم نظر إلينا فقال: من سيدكم وزعيمكم؟ فأشرنا بأجمعنا إلي المنذر بن عائذ، فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): أهذا الأشج، فكان أول يوم وضع عليه

هذا الاسم بضربة لوجهه بحافر حمار، فقلنا: نعم يا رسول الله، فتخلف بعد القوم فعقل رواحلهم، وضم متاعهم، ثم أخرج عيبته فألقي عنه ثياب السفر ولبس من صالح ثيابه ثم أقبل إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وقد بسط النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) رجله واتكأ، فلما دنا منه الأشج أوسع القوم له وقالوا: ها هنا يا أشج، فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، واستوي قاعداً وقبض رجله: ها هنا يا أشج، فقعد عن يمين النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فرحب به وألطفه وعرف فضله عليهم، فأقبل القوم علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يسألونه ويخبرهم.

وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: حدثني أشج عبد القيس قال: قال لي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): إن فيك لخلتين يحبهما الله: الحلم والحياء، قال: قلت: يا رسول الله، أقديماً كان ذلك أو حديثاً؟ قال: لا، بل قديماً، فقال: الحمد لله الذي جعلني علي خلتين يحبهما.

وفد بني نمير

عن أبي معاوية يزيد بن عبد الملك بن شريك النميري قال: زعم عائذ بن ربيعة بن قيس وكان قد لقي الوفد الذي قدموا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من بني نمير قال: لما أرادت بنو نمير أن تسلم قال لهم مضرس بن جناب: يا بني نمير لا تسلموا حتي أصيب مالاً فأسلم عليه. قال: وإنه انطلق زيد بن معاويه القريعي قريع نمر وبنو أخيه قرة بن دعموص والحجاج بن نبيرة حتي قدموا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). وقد رووا أنه جاء شريح وصديق له حتي قدما علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال له جلساؤه: وهذان الرجلان النميريان، قال:

وأدركا خالداً؟ قالوا: نعم، قال: (أبي الله لبني نمير إلا خيراً) ثم دعا شريحاً واستعمله علي قومه، وأمره أن يصدقهم ويزكيهم، ويعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيهم.

فلما انصرفوا قالوا: يا رسول الله، ما تأمرنا أن نعمل؟ قال (صلي الله عليه وآله وسلم): آمركم أن لا تشركوا بالله شيئاً، وأن تحجوا البيت، وتصوموا رمضان فإن فيه ليلة قيامها وصيامها خير من ألف شهر. قالوا: يا رسول الله متي نبتغيها؟ قال: ابتغوها في الليالي البيض. ثم انصرفوا.

فلما كان بعد ذلك أتوه فصادفوه في المسجد الذي بين مكة والمدينة، وإذا هو يخطب الناس ويقول في كلامه: المسلم أخو المسلم، يرد عليه من السلام ماحيّاه أو أحسن من ذلك، فإذا استنعت قصد البسيل نعت له ويسره، وإذا استنصره علي العدو نصره، وإذا استعاره المسلم الحد علي المسلم لم يعره، وإذا استعاره المسلم الحد علي العدو أعاره، ولم يمنعه الماعون.

قيل: يا رسول الله وما الماعون؟

قال: الماعون في الماء والحجارة والحديد.

قيل: أي الحديد؟

قال: قدر النحاس، وجديد الناس الذين يمتهنون به، قال: ولم يزل شريح عامل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي قومه، وعامل أبي بكر، فلما قام عمر أتاه بكتاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فأخذه فوضعه تحت قدمه وقال: لا، ما هو إلا ملك، انصرف.

وفد بني كلاب

حدثنا محمد بن إسحاق، عن مشيخة بني عامر: أنه قدم علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من بني كلاب خمسة وعشرون رجلاً من بني جعفر وبني أبي بكر وغيرهم من بطون بني كلاب، فيهم: عامر بن مالك بن جعفر، وأنه نظر إليهم فقال: قد استعملت عليكم هذا وأشار إلي الضحاك بن سفيان، فقال له عامر بن مالك: أفتخرجني من

الأمر؟ قال: فأنت علي بني جعفر. ثم أوصي به الضحاك.

قال: وكان الضحاك فاضلاً شريفاً، ثم أقبل عليهم فقال: يا بني عامر إياكم والخيلاء، فإنه من اختال أذله الله، يا بني عامر أسلموا تسلموا، وأعلموا أن الله لا ينسي من ذكره، ولا يخذل من نصره، قال: فلم يزل الضحاك عليهم إلي زمن عمر بن الخطاب.

وعن سعيد بن المسيب: أتت امرأة عمر بن الخطاب تطلب ميراثها من زوجها، فقال عمر: ما أعلم لك شيئاً، إنما الدية للعصب الذين يعقلون عنه، فقال الضحاك بن سفيان: كتب إليّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أن أورث امرأة أشم الضبابي من عقل زوجها أشيم، فورثها عمر.

وفد اليمامة

عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي قال: خرجنا وفداً إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فبايعناه وصلينا معه، وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا، واستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء فتوضأ منه وتمضمض، ثم صب لنا في إداوة، ثم قال (صلي الله عليه وآله وسلم): عليكم بهذا الماء فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم، وانضحوا مكانها من هذا الماء، واتخذوا مكانها مسجداً.

قلنا: يا نبي الله، البلد بعيد والماء ينشف. قال: فمدوه من الماء فإنه لا يزيده إلا طيباً، قال: فخرجنا وتشاححنا علي حمل الإداوة أينا يحملها، فجعلها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بيننا نوباً، فخرجنا حتي قدمنا بلدنا، وفعلنا الذي أمر به رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وراهبنا ذلك اليوم رجل من طيئ قارئاً، فلما سمع الراهب الأذان قال: دعوة حق، ثم هرب فلم ير بعد.

صفة النبي (ص)

عن نافع بن جبير: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يكن بالطويل ولا بالقصير، وكان ضخم الرأس واللحية، شئن القدمين والكفين، مشربا حمرة، طوي المسربة، ضخم الكراديس، إذا مشي تكفأ تكفياً كأنما ينحط من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثله (صلي الله عليه وآله وسلم).

وعن نافع بن جبير قال: كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مشربا حمرة، طويل المسربة، عظيم الرأس واللحية، عظيم الكراديس، شئن الكفين والقدمين، لا طويل ولا قصير، إذا مشي تكفأ كأنما ينزل من صبب، لم نر قبله ولا بعده مثله، (صلي الله عليه وآله وسلم).

وعن يوسف بن مازن: أن رجلاً سأل علياً عليه السلام فقال: انعت لنا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: كان ليس بالذاهب طولاً وفوق الربعة، إذا

قام مع القوم غمرهم، أبيض شديد الوضح، ضخم الهامة، أغر أبلج، ضخم القدمين والكفين، إذا مشي يتقلع كأنما ينحدر من صبب، كأن العرق في وجهه اللؤلؤ، لم أر قبله ولا بعده، (صلي الله عليه وآله وسلم).

وعن إبراهيم بن محمد من ولد علي، قال: كان علي عليه السلام إذا نعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال:

لم يكن بالطويل الممغط ولا القصير المتردد، وكان ربعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط ولا البسط، كان جعدا رَجِلاً، ولم يكن بالمطهّم ولا المكلثم، وكان في الوجه تدوير، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش، أجرد ذو مسربة، شئن الكفين والقدمين، إذا مشي تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت معا، بين كتفيه خاتم النبوة وهو خاتم النبيين، أجود الناس كفاً، وأرحب وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفي الناس بذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله (صلي الله عليه وآله وسلم).

وعن أشعث بن أبي الشعثاء قال: سمعت شيخاً من بني كنانة قال: رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في سوق ذي المجاز، قال: فقلنا: صفه لنا، قال: رأيته وعليه بردان أحمران، جعدا مربوعاً، أبيض، شديد سواد الرأس واللحية، كأحسن الرجال وجهاً.

وعن زبيد، عن أبيه، قال: جاء رجل إلي علي عليه السلام وهو في مسجد الكوفة يحتبي بحمائل سيفه فقال: يا أمير المؤمنين، صف لي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، صفه كأني أنظر إليه.

فقال: كان (صلي الله عليه وآله وسلم) أبيض اللون، مشرباً حمرة، أدعج العينين، سبط الشعر، دقيق المسربة، سهل الخد، كث اللحية، ذا وفرة، كأن عنقه إبريق

فضة، وكان له شعر من لبته إلي سرته يجري كالقضيب، لم يكن في صدره ولا في بطنه شعر غيره، كان شئن الكف والقدم، إذا التفت التفت جميعاً، لم يكن بالقصير ولا بالطويل، كأن عرقه في وجهه اللؤلؤ، وريح عرقه أطيب من ريح المسك الأذفر، لم أر مثله قبله ولا بعده.

وعن يزيد الفارسي قال: رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في النوم زمن ابن عباس وكان يزيد يكتب المصاحف قال: فقلت ابن عباس: إني رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في النوم.

فقال: أما إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان يقول: إن الشيطان لا يستطيع أن يتشبه بي، فمن رآني في النوم فقد رآني، فهل تستطيع أن تنعت لي هذا الرجل الذي رأيت؟

قلت: نعم، رأيت رجلاً بين الرجلين جسمه، ولونه أسمر إلي البياض، حسن الضحك، أكحل العينين، جميل دوائر الوجه، قد ملأت لحيته من هذه إلي هذه حتي كادت تملأ نحره قال عوف: لا أدري ما كان مع هذا من النعت قال ابن عباس: لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا.

وعن البراء قال: ما رأيت أحداً من خلق الله أحسن في حلة حمراء من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إن جمته لتضرب قريباً من منكبيه.

وحدثنا مسعر قال: سمعت عوناً يعني ابن عبد الله يقول: كان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لا يضحك إلا تبسماً، ولا يلتفت إلا جميعاً.

وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: سمعت أنس بن مالك يقول: بعث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أربعين عاماً، وقبض علي رأس ستين عاماً، وما رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.

وعن أبي إسحاق، عن عكرمة قال:

قال أبوبكر: يا رسول الله أراك قد شبت، قال (صلي الله عليه وآله وسلم): شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتسائلون، وإذا الشمس كورت.

وعن أبي عبد الله الجدلي قال: سألت عائشة: كيف كان خلق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في أهله؟ قالت: أحسن الناس خلقاً، لم يك فاحشاً ولا متفحشاً، ولا صخّاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح.

وعن عمرة قالت: سألت عائشة: كيف كان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إذا خلا بنسائه؟ قالت: كان رجلاً من رجالكم، كان أحسن الناس خلقاً، وكان ضحاكاً بساماً، وكان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما تعمل الرجال في بيوتهم.

وعن عبد الله بن السائب قال: كنت شريكاً لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فلما قدمت عليه قال: أتعرفني؟ قلت: كنت شريكك فنعم الشريك لا تماري ولا تداري.

اهل بيت النبي (ص)

عن أبي الأزهر قال: قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): إن بني هاشم فضلوا علي الناس بست خصال: هم أعلم الناس، وأشجع الناس، وهم أسمح الناس، وهم أحلم الناس، وهم أصفح الناس، وأحب الناس إلي نسائهم.

وعن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله، إن قريشاً إذا لقي بعضها بعضاً لقوا ببشر حسن، وإذا لقونا بوجوه لا نعرفها، فغضب غضباً شديداً فقال: والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب عبد الإيمان حتي يحبكم لله ولرسوله، ثم قال (صلي الله عليه وآله وسلم): أيها الناس، من آذي عمي فقد آذاني، وإنما عم الرجل صنو أبيه.

وعن علي عليه السلام قال: قدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فدعا به رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فجعل في المسجد، وألقي عليه ثوباً، وجعل يعطيه الناس، فأشار إلي عمه

العباس أن قم بنا إليه.

فقمنا فقلنا: يا رسول الله، أعطيت من هذا المال ولم تعطنا منه شيئاً؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): إنما هي صدقة، والصدقة أوساخ الناس يتطهرون بها من ذنوبهم، إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد. فقمنا فلما ولينا دعانا، فقال: ما ظنكم بي غداً إذا أخذت بباب الجنة، وهل تروني منادياً سواكم، أو مؤثراً عليكم غيركم.

وعن عبد الله بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: اجتمعت أنا والعباس وفاطمة بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وزيد بن حارثة: عند رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فسأل العباس فقال: يا رسول الله كبرت سني ورق عظمي، وقد ركبني مؤونة، فإن رأيت أن تأمر لي بكذا وكذا وسقاً من طعام فافعل، قال: فعل ذلك.

ثم قالت فاطمة: يا رسول الله، أنا منك بالمنزل الذي قد علمت، فإن رأيت أن تأمر لي كما أمرت لعمك فافعل، قال: قد فعل ذاك.

ثم قال زيد بن حارثه: يا رسول الله كنت أعطيتني أرض أعيش فيها، ثم منعتها مني، فإن رأيت أن تردها علي، قال: فعل ذاك.

قال: فقلت أنا: يا رسول الله، إن رأيت أن توليني حقنا من الخمس في كتاب الله فأقسمه في حياتك لئلا ينازعنيه أحد بعدك فافعل، قال: قد فعل ذاك.

وعن يزيد بن هرمز قال: كتب نجدة بن عامر إلي ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربي لمن هو؟

وعن النساء هل كن يحضرن الحرب مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)؟

وهل كان يضرب لهن بسهم؟

وعن قتل الولدان؟ ويخبره في كتابه: أن العالم صاحب موسي قد قتل الغلام.

قال يزيد: فأنا كتبت كتاب ابن عباس

إلي نجدة، كتب إليه:

(كتبت تسألني عن سهم ذوي القربي لمن هو؟ فهو لنا أهل البيت، وقد كان عمر دعانا إلي أن ننكح منه نساءنا، ونخدم منه عائلنا، ونقضي منه عن غارمنا فأبينا إلا أن يسلمه إلينا، فأبي ذلك فتركناه عليه، وكتبت تسألني عن النساء هل كن يحضرن مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ فقد كن يحضرن الحرب معه، فأما أن يضرب لهم بسهم فلا، وقد كان يرضخ لهن، وكتبت تسألني عن قتل الولدان، وتقول في كتابك: إن العالم صاحب موسي قتل الغلام ولم كنت تعلم منهم ما علم ذلك العالم، ولكنك لا تعلم فإجتنبهم، فإن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد نهي عن قتلهم.

وعن مجاهد في قوله: ?واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربي? قال: فكان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وذو قرابته لا يأكلون من الصدقة شيئاً لا تحل لهم، فللنبي خمس الخمس، ولذي قرابته خمس الخمس، ولليتامي مثل ذلك، وللمساكين مثل ذلك، ولابن السبيل مثل ذلك.

? ? ?

هذا آخر ما أردنا تلخيصه في هذا الكتاب..

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

صدر حديثاً للإمام الشيرازي (دام ظله)

1. من فقه الزهراء عليها السلام.

2. فضائل آل الرسول (ص)

3. العقائد الاسلامية

4. موجز تاريخ الاسلام

5. الحجاب الدرع الواقي

6. مائة سؤال حول الثالوث

7. حياتنا قبل نصف قرن

8. مشهد الامام الرضا عليه السلام والحضارة الاسلامية

9. احذروا اليهود

10. هذا هو النظام الاسلامي

11. نقد نظريات فرويد

12. اجوبة المسائل المالكية

13. من القانون الاسلامي في المال والعمل

14. تجارب في المنبر

15. شروط الانتصار

16. الاقتصاد الاسلامي في سطور

17. هل تعرف الصلاة

18. الاقتصاد الاسلامي في خمسين سؤالا وجوابا

19.

اجوبة المسائل الفرنسية

20. الي اخواني في الهند وباكستان وافغانستان

21. موجز عن الدولة العثمانية

22. منتخب المسائل الاسلامية

23. تحويل المعنويات الاسلامية

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

- الأحزاب: 21.

- أي: الكعبة في مقابله.

- أو بما يحمله من محارم وما أشبه.

- التوبة: 108.

- التوبة: 108.

- هو أبو عامر الراهب، كان بالمدينة قبل مقدم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وقد تنصر في الجاهلية، وقرأ علم أهل الكتاب، وله شرف في الخزرج كبير، فلما قدم الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) مهاجراً إلي المدينة، واجتمع المسلمون عليه، وصارت للإسلام كلمة عالية، وأظهرهم الله يوم بدر شرق اللعين أبو عامر بريقه وبارز للعداوة و ظاهر بها، وخرج فاراً إلي كفار مكة من قريش فألبهم علي حرب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وقدموا عام أحد، وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين فوقع في إحداها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأصيب ذلك اليوم، فجح وجهه وكسرت رباعيته وشج رأسه، ولما فرغ الناس من أحد ورأي أمر الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) في ارتفاع ذهب إلي هرقل ملك الروم يستنصره علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فوعده ومناه وأقام عنده، وكتب إلي جماعة من أهله من الأنصار من أهل النفاق والرياء يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به الرسول ويغلبه ويرده، وأمرهم أن يتخذوا له معقلاً يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده، ويكون مرصداً له، فشرعوا في بناء مسجد مجاوراً لمسجد قباء، فبنوه وأحكموه، وسألوا الرسول أن يأتي إليهم ويصلي فيه ليحتجوا بصلاته علي تقريره وإثباته، وذكروا إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية… القصة.

- التوبة: 110 - 107.

7- التوبة: 107.

- أي ما صدر

عن اللسان أو اليد مما يخالف حكم الله تعالي.

- في أسد الغابة ج1 ص13: توفي أبوه (صلي الله عليه وآله وسلم) وأمه حامل به، وقيل توفي وللنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ثمانية وعشرون شهراً، وقيل: كان له سبعة أشهر، والأول أثبت، وكانت وفاته بالمدينة عند أخواله بني عدي بن النجار، وكان أبوه عبد المطلب بعثه الي المدينة يمتار تمراً فمات، وقيل: بل أرسله الي الشام في تجارة فعاد من غزة مريضاً فتوفي بالمدينة، وكان عمره خمساً وعشرين سنة، ويقال: كان عمره ثماني وعشرين سنة، وكان عبد المطلب قد أرسل ابنه زبير بن عبد المطلب الي أخيه عبد الله بالمدينة فشهد وفاته، ودفن في دار النابغة، وكان عبد الله والزبير وأبو طالب اخوة لأب وأم، وأمهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وورث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من أبيه أم ايمن وخمسة أجمال وقطيع نخل وسيفاً مأثوراً وورقاً.

- المائدة: 67. ولا يخفي ان هذه الآية المباركة نزلت في يوم الغدير بعد ما اُمر (صلي الله عليه وآله وسلم) بإبلاغ الناس ولاية علي بن ابي طالب عليه السلام من بعده.

- المنافقون: 8.

- التوبة: 74.

- التوبة: 74.

- التوبة: 74.

-آل عمران: 186.

-البقرة: 109.

- الحجرات: 9.

- الحجرات: 9.

- الحجرات: 9.

- الحجرات: 1.

و2 - النور 33.

- أي آية اللعان.

- المجادلة: 1.

- المجادلة: 1.

- المجادلة: 1.

- النساء: 107.

- النساء: 112-110.

- النساء: 105.

- النساء: 110-106.

- النساء: 14-113.

- النساء: 116-115.

- أي انها مقضية.

- النساء: 94.

- النساء: 51.

- سورة يس: 21-20.

- يس: 25-22.

- يس: 27-26.

- البقرة: 217.

- الحشر: 9.

- الممتحنة: 10.

- الاحزاب: 36.

- البقرة: 235.

- الإسراء: 32.

- البقرة: 279.

- البقرة: 278.

- المائدة: 90.

- الرعد: 11.

- الحجرات: 2.

- الأعراف: 128.

-

آل عمران: 59.

- آل عمران: 60.

- آل عمران: 61.

- اشارة الي قوله تعالي:

- الانفال: 41.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.