لماذا تأخر المسلمون؟

اشارة

اسم الكتاب: لماذا تأخر المسلمون؟

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه الوعي الاسلامي

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1420 ق

الطبعة: اول

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علي أشرف الخلق محمد «صلي الله عليه وآله وسلم» وعلي آله الطاهرين.

وبعد.. ممّا يؤسف له حقاً حال العالم الاسلامي اليوم، بسبب الهيمنة والتسلط الاستبدادي الذي يخيم علي ربوعه، وما نجم عن ذلك من تمزّق وصراع، وانقسامات طالت كتلته الجغرافية والاجتماعية.

إنّ أنظمة الحكم المنحرفة والمتسترة بشعارات الوطنية والقومية وما أشبه ذلك، إنما جاءت واستمدت سياساتها الجائرة، من نفس سلوك وسياسات تلك الأنظمة التي استبعدت المسلمين باسم الإسلام، لتخلق عبر كل تلك القرون الطويلة من التاريخ الإسلامي، مناهج الظلم والتفرقة والتجزئة، ولنا في حكام بني أمية وبني العباس وآل عثمان، وصولاً إلي صور الاستعمار الحديث، وصنيعته الأنظمة الحالية، أمثلة تشهد علي انحرافها وممارساتها الظالمة حيال الشعوب.

ولا يفوتنا من إنّ الجهل وعدم الوعي من لدن قطاعات واسعة من أبناء الأمة، كانا جملة عوامل ساهمت بوضوح في تمكين الطغاة والظلمة من التلاعب بمقدرات الشعوب المسلمة والتحكّم بمصائرها وفق نزواتهم ونزعاتهم، والسير بها بعيداً عن خط الإسلام الصحيح، ومبادئ رسالته السمحاء وسنة نبيه الكريم محمد «صلي الله عليه وآله وسلم» وتعاليم أهل بيته «عليهم السلام».

إنّ الاستعمار لعب دورٌ واسعٌ في تمزيق وحدة العالم الإسلامي، علي الأصعدة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإضعافه كقوّة عالمية تقف بالمرصاد لمخططاته ومشاريعه التوسعية والعدوانية.

ولا سبيل للمسلمين للرجوع إلي عزّهم ومجدهم العريق، إلا بالعودة إلي الإسلام الصحيح، والانتهال من ينابيع المعرفة والعلم التي أفاض بها القرآن الكريم، وما رسمته السيرة النبوية الشريفة، وأحاديث ووصايا أئمة أهل البيت «عليهم السلام».

وأول ما ينبغي علي

المسلمين فعله هو الوحدة روحاً ومضموناً، وتجسيد شعاراتها بالعمل وكيان الواقع، فالوحدة أساس القوة والمنعة.

وقد دعي الإمام الشيرازي في هذا الكتاب المسلمين للعودة إلي جوهرهم وفطرتهم الإيمانية وروح الإسلام، ولأهمية هذا الموضوع ومدي اتصاله بحياة المسلمين ومستقبلهم، فقد ارتأينا طبع هذا الكتاب القيم، عسي أن تنتفع به الأمة، ويسترشد به المسلمون.

والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.

مؤسّسة الوعيّ الإسلامي

مقدّمة المؤلّف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علي سيّد المرسلين محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

لقد عَبرَت طلائعُ المسلمين بلاد الأندلس، ووصلت إلي الصين، وفتحت أبوابَ العالم، وخفقت راياتها علي بقعة كبيرة من الكرة الأرضية.

كان ذلك في أوائل ظهور الإسلام وانتشاره، لكنّه بعد ذلك وحتّي القرن الأخير فَقَدَ المسلمون مكانتهم، وابتعدوا عن دينهم، وتفرّقوا عن قيمهم ومبادئهم، وتركوا وراء ظهورهم أهمّ وأكبر حضارةٍ سماوية عرفها الإنسان والتأريخ.

تري لماذا أنفضّ الناسُ عن الإسلام في هذا القرن، في حين التفوا حوله في أوّل ظهوره؟!

سؤالان متعاكسان مطروحان في طرفي القضيّة، والإجابة عن أيّ منهما تعدّ إجابة عن الآخر أيضاً، كما هو الشأن في كلّ ضدّين لا ثالث لهما، أو في النقيضين.

إنّ الإجابة قد تكون متعدّدة ومختلفة، إلاّ أنّها ترجع إلي شيء واحد، وقد لا تكون أجابتنا متطابقة بالدقّة الفلسفية في كلا طرفي القضيّة، لكنّها مقبولة بالتسامح العرفي، وتتطابق مع المقام بكلّ تأكيد؟

مثلاً إذا أقبل الليل تسأل: لماذا الليل؟

يقال لَكَ في الجواب: لأنّه لا نهار.

وإذا سألت لماذا النهار؟

كان الجواب عنه: لأنّه لا ليل، مع أنّ الدقّة العقليّة تقول: إنّ النهار مستندٌ إلي الشمس، فحيث لا، لا، لا أنّه حيث لا ليل، فهو نهار، أو لا نهار، فهو ليل.

نعم لا إشكال في التلازم، والتلازم غير العلميّة.

وكيف كان: فالمسلمون إنّما التفوا حول

الإسلام لأنّهم وجدوا فيه تلبية لحاجاتهم الجسديّة والروحيّة والعقليّة والعاطفيّة وما أشبه ذلك.

وإنّما تفرّقوا عنه لأنّهم فقدوا هذه الحاجات، وتصوّروا أنّ الإسلام عاجزٌ عن توفيرها! فتلك طبيعة البشر يلتفّون حول الماء العذب أو الذي يتصوّرونه عذباً يروي ضمأهم وينفضّون عن الماء الأجاج.

ومن الطبيعي أنّنا لا نقصد بهذا الجواب أنّ الإسلام هو المسؤول!

فثمة فرق كبير بين الإسلام وبين المسلمين، لأنّ الواقع أنّ أسباب الهزيمة لا تتعلّق بالإسلام كدين، وإنّما ترتبط بالمسلمين حكّاماً ومحكومين.

وهذه الحقيقة أشار إليها القرآن الكريم بقوله:

?يضع عنهم إصرَهُم والأغلالَ التي كانَت عليهِم?.

فالإصر: ما يثقل الظهر والكاهل، والأغلال: ما يقيّد اليدين والرجلين، ومن مصاديقهما الجليّة ما يضعه المسلمون علي أنفسهم من الرسومات التي تشدّد عليهم، وتحول دون انطلاقهم، ورسومات الولادة، والاختتان، والزواج، والأموات.. وما إلي ذلك.

وكذلك القوانين الظالمة، التي تضعها الأنظمة الاستبدادية علي شعوبها، لتقهرها وتجبرها علي الركون إليها والقبول بما لا ترضاه.

وحيث أنّ الإسلام كلّما حلّ عملياً، لا شعاراً صورياً في مكان رفع الإصر عن الكواهل، والأغلال عن الأيدي والأرجل، التف الناس حوله، واعتنقوه ديناً لهم ونظاماً لأمرهم، كما حدث ذلك للناس عند مجيئ الإسلام وبزوغ شمسه عليهم.

وكلّما ارتحل الإسلام عملياً عن مكان، وحلّ مكانه غيره وجدت هذه المظالم والضغوط، وعاد الإصر والأغلال، وانتشر الفقر والحرمان، فتفرّق الناس عن دينهم، واعتنقوا مبادئ أخري، ورضوا بقوانين البشر بدلاً من أحكام الله.

ولا علاج إلاّ بالرجوع إلي الإسلام الواقعي الموجود في الكتاب والسنّة الذي تركوه وراء ظهورهم أو في بطون الكتب، بعيداً عن التطبيق.

ومن المؤكّد: إنّه بمجرّد تطبيق الإسلام، سيعود الناس للالتفاف حوله من جديد، كما حدثَ ذلك عند بزوغ فجر الإسلام، وكما حدثَ علي طول الخطّ في أيّة بقعة عمل فيها بالإسلام.

إذن فنحن بحاجة إلي

من يكشف للعالم عن الحقائق الإسلامية المهجورة، وينفض عنها غبار الزمن ويشعل عود ثقاب ليضيء به مصابيح الإسلام، التي أطفأت منذ أمدٍ بعيد.

فمن الطبيعي أن يجتمع الناس حول المصباح المضيء، وأن يتفرّقوا عن المصباح المطفأ الذي لا نور له.

وبكلمة واحدة: إنّ كلّ ما نراه من اجتماع الناس حول دينٍ، أو مبدأ، أو قانون، أو نظام، له أصل سماوي، أو يفتقد ذلك الأصل كالماديّة إنّما هو قائم لأنّه يلبّي بعض حاجات الناس، أو يوهم بأنّه يلبّي حاجاتهم كما في الشيوعيّة، مع فارق هو: أنّه في الأوّل يطالب الناس بالمزيد، وفي الثاني يتفرّق الناس عنه بمجرّد أن يكتشفوا منفذاً يتسلّلون منه، كما حدث للشيوعيّة التي أنفضّ الناس عنها، وتلاشت إمبراطوريتهم، وتقسّمت بلادهم إلي دول عديدة، كما كانت في عهدها السابق.

وقد سبق أن تنبّأت بسقوط الشيوعية سنة «1400ه» في بعض مؤلّفاتي.

كما إنّي أري الآن وحسب موازين العلّة والمعلول وإن كان المستقبل بيد الله سبحانه، ولا يعلم الغيب إلاّ الله وأولياؤه أنّ الغرب سيضطر، وربّما في غضون عقد من الزمن إذا أراد أن لا تتحطّم حضارته إلي إصلاح مناهجه، وتعديل الكثير من قوانينه، وخاصّة التي تتعلّق بحقوق الإنسان، وبالإنسانية المعذّبة والمحرومة علي ظهر هذا الكوكب الأرضي وذلك لأنّ نمو الإنسانيّة وتطوّر أفكارها وتطلعاتها المستقبليّة، سيكشف للعالم العديد من مفاسد الغرب وديمقراطيته المشوّهة، وإذا لم يستعد الغرب لاحتواء هذا النمو الفكري، بإصلاح مناهجه، فإنّه هو الآخر سيتعرّض إلي السقوط كما سقط الاستعمار الشرقي.

نعم، إنّ الإسلام أنزله الله علي رسوله موجودٌ أمامنا لكنّنا لا ننظر إليه، ومكتوب في كتبنا لكنّنا لا نطالعه، ويواكب حركة الإنسان والزمن، لكنّنا أطفأنا سرجه ومصابيحه حيث تركناه، وشوّهنا بعض حقائقه بتطبيقنا السيئ له.

فإذا طَبّقَ المسلمون الإسلام

كما جاء به الرسول الأعظم «صلي الله عليه وآله وسلم» وسار علي نهجه أهل البيت «عليهم السلام» في زاوية من زوايا الأرض التفّ الناس حوله، كما التفّوا حوله في اليوم الأوّل، حيث أنّه دين الفطرة، وبمقدوره أن يلبي جميع حاجات الإنسان الروحيّة والجسديّة.

إنّ الحاجة الروحيّة لا يسدّها إلاّ الإسلام، ولا يشبعها إلاّ مبادئه وقيمه، ذلك أنّ الإسلام وحده الذي يعترف بالآخرة اعترافاً، ويري أن للكون خالقاً عادلاً وحكيماً، وللحياة هدفاً وغاية، ولله رُسُلاً وسفراء، وأنّ مهمّتهم تحديد ذلك الهدف، والسير بالناس نحو السعادة، كما يري: إنّ للمحسن جزاءً جزيلاً، وللمجرم عقوبة صارمة، وبذلك يحدّد حاجة الإنسان ويضبط جشعه وميوله اللامتناهية في المأكل والملبس، وحبّ العلو والسيطرة، فالشريعة الإسلامية تعيد الإنسان إلي وضعه الطبيعي، وتعرّف له أهدافه، وتنظّم له متطلّباته.

ولهذا كان الإسلام دين الفطرة: ?فطرت الله التي فَطَرَ النّاسَ عليها لا تبديلَ لخلقِ الله?.

والفطرة لا تتبدّل مثلها كمثل سائر ما خلقه الله تعالي من المعادلات الكونية الثابتة التي لا تقبل التغيير، وذلك ابتداءً من الذرّة وانتهاءً بالمجرة.

نعم، من قوانين الله: التحويل والتبديل في ضمن إطار خاصّ جعله سبحانه كما بَيّنَه تعالي في كتابه: ?قالتا أتينا طائعين?.

أمّا كيف أنّ الآثار تدلّ علي أن الغرب يتغيّر؟ فهو لما يلي:

أولاً: إن الغرب بات منطوياً علي أمور مخالفة للعقل، ومناقضة للإنسانيّة، فبعض تلك الأمور كان منشؤها: الجهل، وأخري: الجشع، وثالثة: ردود الفعل عن محاكم التفتيش، ورابعة: ردود فعل الناس عن الكنيسة التي وقفت في وجه العلم بدلاً من أن تحتويه وتستثمره في خدمة الدين، فتجرّد العلم عن الدين، والدين عن العلم، وحصل الافتراق بينهما ممّا أدّي إلي نشوء مدرستين: مدرسة الدين، ومدرسة العلم، ولكلّ واحد أتباعه وأنصاره!

ثانياً: إنّ سنّة الله

في الحياة حكومة العقلاء للبلاد ولو بعد حين، إمّا مباشرة وإمّا تسبيباً.

من أجل هذه السنّة وتلك المخالفة للعقل، علت في سماء الغرب صرخات منذرة من بعض علمائهم تنادي بالتغيير، وتعرب عن انزعاجها من الوضع القائم، الذي تحكّمت فيه المادّية البحتة، حتّي أصبح الإنسان آلة صناعية أشبه بالإنسان الآلي.

فهناك الخواء الروحي، واستغلال المرأة، وتفشي البطالة، واستشراء العنف الجنسي، وانتشار الأمراض الزهرية وتفسّخ النظام الاجتماعي «العائلي»، وانتشار الرذيلة والفقر والمرض، وتطوّر الأسلحة الفتّاكة التي يعاني منها المجتمع الغربي، رغم الإنجازات العلميّة الهائلة والتقدّم الصناعي الكبير.

فإذا دققنا النظر في جسم المجتمع الغربي، وجدناه جسماً مشوّهاً غير متناسق في أعضائه، فإنّه قد طال فيه الأنف علي حساب اليد، وتضخّمت الرجل علي حساب الرأس، ووضعت العين مكان الأذُن، والأذُن مكان العين، وهكذا، في حين أنّ الحكمة تكمن في تناسق الجسد وانسجام أعضائه، ووضع كلّ شيء في مكانه، وحسب مقداره ونسبته.

إذن فالغرب اليوم عليه أن يتدارك نفسه، ويستعيد تناسقه، فيضع كلّ شيء موضعه، في القانون والسياسة والاجتماع والاقتصاد …، وبالمقدار المتلائم مع طبيعته وفطرته، كما أنّ عليه إذا أراد أن لا تتحطّم حضارته، أن يبدأ مسيرة العودة إلي الفطرة والعقل، كما تشير بعض القرائن إلي عودته في المستقبل القريب، وربّما لا يتجاوز ذلك العقد الواحد من الزمن إذا شاء الله تعالي.

وهذه الفترة الزمنيّة للتغيير بمقدار ما يبذله المسلمون من جهود في مساعدة شعوب الغرب علي تحقيق هذا النهوض، والعودة إلي منهج الإله الحكيم، الذي أوضحه ورسمه الدين الإسلامي الحنيف، وذلك يتم بأمرين:

الأوّل: أن يطبّقوا الإسلام علي أنفسهم، ليري عقلاء الغرب عقلانية القوانين الإسلامية وجمالها، فيقتدوا بها، وهذا ليس محالاً، فقد حدث مثله سابقاً، حيث أخذ الغرب من المسلمين العلم والثقافة والنظافة

والنظام والحرّية والإتقان.. وحيث دخل بلاد الغرب شيء من موازين الإسلام، وقد أشار الإمام علي عليه السلام إلي ذلك بقوله: (الله الله في القرآن لا يسبقنّكم بالعمل به غيركم).

الثاني: أن يعمل المسلمون الذين هاجروا إلي الغرب، علي تحطيم الحواجز النفسيّة والفكريّة، التي تعيق أذهان بعض المسلمين، وأذهان الغربيين عن تقبّل الإسلام كمنهج متكامل للحياة، والتي تعمّقت جرّاء الحروب الصليبيّة. وتحطيم الحواجز يتمّ عبر وضع برنامج ثقافي، فكري، إعلامي متكامل يعكس صورة صحيحة عن الإسلام بما يتضمّن من القوانين الإلهيّة، التي تكفّل للأمّة «الحياة» بما للحياة من معني، قال الله تعالي: ?إذا دعاكُم لما يُحييكُم …?.

وإنّي أري أنّ المسلمين يمتلكون أرضية صالحة للوصول إلي تلك الأهداف، فعددهم في أمريكا وحدها يقارب العشرة ملايين حسب بعض الإحصاءات، بينما لا يصل عدد اليهود الذين احتكروا الإعلام والثقافة والمال إلي خمسة ملايين. والفارق بينهم: أن اليهود في الغرب أمة واحدة، والمسلمين طوائف شتي متناحرة!

والذي يقوّي من رصيد المسلمين في الغرب: أنّ الإسلام يحترم المسيحيّة والمسيح عليه السلام، بعكس اليهوديّة التي تجرح المسيح وتتّهم أمّه: ?وقولهم علي مريم بُهتاناً عظيماً وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسي ابن مريم …?.

فهناك فرق كبير بين أولئك اليهود، وبين من يري المسيح نبيّاً من أولي العزم، ويري أمّه صدّيقة، ?إنّ الله اصطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصطَفاكِ علي نساءِ العالمين?، ويخصّص لهما سورة قرآنية كاملة تتحدّث عن طهارتهما ونزاهتهما.

وعليه: فهذا الموقف الإسلامي من المسيحيّة لَهُوَ مكسب كبير للمسلمين علي طريق هداية الشعوب الغربية نحو «الإسلام»، دين الرحمة والحقيقة والسلام، ليعيش العالم بسلام …

وسنتطرّق في هذا الكتاب إلي ذكر عناوين العديد من العوامل الرئيسيّة، التي تساعد المسلمين علي العودة إلي عزّهم وسيادتهم، كما تساعدهم علي التعريف النظري والعملي الأكمل

بالنسبة إلي الدين الإسلامي للشعوب الأخري، والله المستعان.

قم المقدّسة

محمّد الشيرازي

النظم

الإسلام أهدي إلي المجتمع أفضل وأشمل النظم الحيوية تطبيقاً للتشريع علي التكوين، وشملت النظم جميع مرافق الحياة من الذرّة إلي المجرة، فقد ورد في كتاب الله: ?من كلّ شيءٍ موزون?، وفي الحديث عن الإمام علي «عليه أفضل التحيّة والسلام»: (الله الله في نظم أمركم) وقوله سبحانه: ?يسئلونك عن الأهِلَّةِ قُل هي مواقيتُ للنّاسِ والحَجّ?.

إذن فكلّ شيء عند الله له وقت وزمان، فهناك مواقيت زمانية، كما هنالك مواقيت مكانية، فللحج توقيت سنوي، وللصوم ميقات في شهر خاصّ، وللصلاة توقيت شمسي، وللخمس توقيت حسب الشهور القمريّة في أرباح المكاسب، وفي الزكاة توقيت حسب الشهور القمرية في الذهب والفضّة، وحسب الشمسيّة في الغلاّة والأنعام.

وهكذا في سائر مرافق الحياة يجري قانون النظم، ولا يدع للفوضي مجالاً، فحتّي أشهر الحمل، والبلوغ، والعادة الشهرية، وسن اليأس وأيّام العدّة في الوفاة والطلاق، ونجوم الديّة، لها مواقيت وساعات تنظّم مكانتها في هذه الحياة، كما هنالك أدعية خاصّة لكلّ ساعة ساعة، وهكذا هلمّ جرّاً.

وعندما يقول القرآن: ?والسّماء ذات البُروج?، فربّما يراد منها: البروج الإثني عشر كما هنالك تفسير في ذلك لا ما إذا أريد منها الارتفاعات وهكذا في سائر الآيات و?عدد السنينَ والحِسابَ?، و?بحُسبانٍ? إلي غير ذلك.

ومن الواضح: إنّ الإنسان يميل بفطرته إلي التوقيت في أعماله وديونه وعقوده ومعاملاته وشتي جوانب حياته، والإسلام حينما بزغ نوره لم يترك أمر الناس فوضي بل أهتمّ بالنظم، لانطباق التشريع علي التكوين، ولذلك مال الناس إليه واعتنقوه. لكنّ المسلمين لم يستفيدوا من تلك المواقيت والنظم في التطوّر العلمي، وتركوا ذلك للغرب الذي اعتمد في تطوّره التقني والحضاري والاقتصادي والعسكري علي مبني تلك النظم والمواقيت والسنن الإلهيّة الثابتة، فانفضّ

الناس عن الإسلام، وتجمّعوا حول الغرب.

وإذا أراد المسلمون الرجوع إلي أصالتهم وسيادتهم، فلابدّ من الرجوع إلي النظم والسنن الإلهيّة في جميع أمورهم: السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، علماً بأنّها هي الصورة الحقيقيّة لما أقرّه الله سبحانه لإدارة أمور العباد في المعاش والمعاد.

عن النعمان قال: كان رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» يسوّي صفوفَنا حتّي كأنّما يسوّي بها القداح حتّي رأي أنّا قد غفلنا عنه ثمّ خرج يوماً فقام حتي كاد أن يكبّر، فرآي رجلاً بادياً صَدرَهُ فقال:

(عباد الله لتسوّون صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين وجوهكُم).

من وصيّة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لابنيه الحسن والحسين «عليهما السلام» لما ضربه ابن مُلجم لعنه الله:

(أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغَهُ كتابي، بتقوي الله ونظم أمركم).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في صفة القرآن:

(ألا إنّ فيه علمُ ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم، ونظم ما بينكم).

وعن الإمام علي عليه السلام أنّه قال:

(نظامُ الدّينِ خصلتان: إنصافك من نفسك، ومواساة إخوانك).

قال الإمام الباقر عليه السلام:

(حبّنا أهل البيت نظام الدّين).

قال الإمام الرضا عليه السلام:

(إنّ الإمامةَ زمام الدّين، ونظام المسلمين، وصلاح الدّنيا).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

(نظام الدّين مخالفة الهوي والتّنزّه عن الدنيا).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

(مكان القيم من الأمر مكان النّظام من الخرز، يجمعه ويضمّه فإنّ انقطع النظام تفرّق وذهب، ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبداً).

الحرّية

الحرّية في النظام الإسلامي كالقلب بالنسبة للجسد، ففي الإسلام أوسع الحرّيّات وأشملها، فالأصل في كلّ شيء الحرّية إلاّ المحرّمات المعدودة.

فمن حقّ الإنسان أن يسافر أينما شاء، وأن يقيم حيثما أراد، وأن يتاجر ويكتسب المال، وأن يزرع، وأن يعمّر، وأن يحوز المباحات حسب ما يسمح به الشرع وفي إطار «لكم».

ولما بزغ فجر الإسلام كان همّه الأوّل

القضاء علي الاستبداد والقهر والظلم.. وهذه الأمور لا تتحقّق إلاّ بالحرّية. ولذا حارب الإسلام كلّ عوامل الفساد، وعاني من أجل أن يرفع عن الناس الإصر والأغلال: ?ويضعُ عنهُم إصرَهُم والأغلالَ التي كانَت عليهِم?.

نعم كان الناس قبل الإسلام يعيشون الفوضي، يغتصبون النساء، ويحتسون الخمر، ويلعبون الميسر، ويأكلون المحرّمات من اللحوم.. لكنّ الشريعة الإسلامية منعت كلّ ذلك رعاية لمصالح الفرد والمجتمع، فالحظر عنها كان لصالح الإنسان، مثل: تحريم القتل والوأد والاغتصاب والسرقة وما أشبه.

ولذا نجد عقلاء الغرب ينادون اليوم بلزوم منع تلك المنكرات قانوناً في مجتمعاتهم.

ثمّ إنّ كثيراً من حكّام المسلمين جنحوا إلي الكبت والإرهاب ووضع القوانين والقيود الكابتة للحرّيّات جهلاً أو غروراً أو استعلاءاً في الأرض، أو لأكل أموال الناس بالباطل فأخذ الناس ينفضوّن من حولهم، ويلجأ كثير منهم إلي بلاد الغرب، حيث أنّ الغرب اعترف ببعض الحرّيات الإنسانيّة وأخذ بها وسنّ لها قوانين: كحرّية الصحافة والسفر والتجارة، لكنّه بقيت فيه حرّيات عديدة ومهمّة مفقودة، وإلي جانبهما قوانين كابتة لحقوق الناس، مثل: الحدود الجغرافية والجنسية والهوية وبطاقة العمل.. وما أشبه ذلك.

وممّا يؤسّف له: أنّ أنظمتنا تبرّر إلغاء الحرّيات: بالفوضي.

لكنّ السؤال: لماذا لم تستلزم الحرّيات الفوضي في بلاد الإسلام طيلة قرون وقرون؟، وإذا فرض الاضطرار إلي وضع بعض القوانين الاستثنائيّة، فهي نماذج قليلة ومؤقّتة، وهي ليست للتشريع الدائم بل استثناءات اقتضتها الضرورة، والضرورات تقدّر بقدرها، زماناً ومكاناً، كمّاً وكيفاً، ولا يجوز الإفراط.

قال الإمام علي عليه السلام: (لا تكُن عبدَ غيرك وقد جعلَكَ الله حُرّاً).

عن الإمام علي عليه السلام إنّه قال:

(من أراد أن يعيشَ حرّاً أيّام حياته فلا يسكنُ الطمع قلبه).

قال الإمام الصادق عليه السلام:

(خمس خصالٍ من لم تكن فيه خصلةٌ منها فليس فيه كثير مستمتع، أوّلها: الوفاء،

والثانية: التدبير، والثالثة: الحياء، والرابعة: حُسنُ الخُلق، والخامسة وهي تجمع هذه الخصال: الحرّية).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (أيّها الناس إنّ آدم لم يَلد عبداً ولا أمة وإنّ الناس كلّهم أحرار …).

قال الإمام الكاظم عليه السلام: (أولا حرٌّ يدع هذه اللّماظة لأهلها يعني الدنيا فليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنّة فلا تبيعوها بغيرها).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (ليس بلدٌ أحقّ بك من بلد، خير البلاد ما حملَكَ).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام إنّه قال: (الحرّية منزّهة من الغلّ والمكر).

الشوري

لقد كان من أهمّ أسباب التفاف الناس حول الدين الإسلامي الحنيف هو: ما وجدوا فيه من الشوري، حيث قال سبحانه: ?وأمرُهُم شَورَي بَينَهُم? و?شاوِرهُم في الأمرِ? و?تشاوُر…?، ومن المعلوم: إنّ المجتمعات تهتم بآرائها كما تهتم بأجسامها وسمعتها وبشؤونها الأخري، ولربّما تهتم بآرائها أكثر ممّا تهتم بغيرها، ليس هناك دين كالدين الإسلامي وَفَّرَ للناس الحرّية في آرائها حيث جعل الشوري، وأوكل الأمر في مثل زماننا الذي هو زمن غيبة المعصوم إلي أهل الخبرة، وذوي الكفاءة، وذلك بانتخاب الناس لهم، وإلي هذا المعني أشار علي عليه السلام بقوله:

(أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً عالماً ورعاً عارفاً بالقضاء والسنّة) كما تطرّقنا إلي بعض ذلك في كتاب: «الشوري في الإسلام» و «الفقه: السياسة»، و «الفقه الاجتماع» وكتب أخري عديدة.

والشوري التي نصّ الإسلام عليها جاريةٌ في جميع الأمور الصغيرة منها والكبيرة باستثناء النبوّة والإمامة والأحكام، لأسباب وعلل عقليّة كثيرة ذكرها العلماء في علم الكلام.

وإذا توفّرت الشوري، توفّر أمران:

الأوّل: مشاركة الناس في شؤون الدولة ومشاطرتها مصاعبها ومشكلاتها.

الثاني: صعود المؤهلين وأصحاب الكفاءات إلي مرافق الحكم والإدارة، ممّا يسبّب تقدّم البلاد والعباد، وذلك أنّ الشوري تأتي بالأفضل فالأفضل.

قال الإمام علي عليه السلام: (من شاور الرجّال شاركها

في عقولها).

وقال أيضاً: (من استبدَّ برأيه هلك)، لكن المسلمين تركوا هذا الأمر في أغلب شؤونهم، وعلي رأسها الحكم، واختيار المدير والمدبّر لإدارة البلاد، وركنوا إلي الاستبداد بالرأي في أغلب شؤونهم حتي بالنسبة إلي الحكم والإدارة، فكانت النتيجة: هذا التأخّر الذي نراه اليوم.

وربّما يعترض علي ملزمية رأي المنتخبين: بأنّ الانتخاب وكالة، وهي غير لازمة.

والجواب عنه بما يلي:

أوّلاً: يمكن الإلزام فيها بالشرط في ضمن عقد لازم.

ثانياً: من الممكن أن يقال أنّ الانتخاب بهذه الكيفيّة عقد جديد، و?أوفُوا بالعُقُود? يشمله من دون أن يكون وكالة حتّي يكون جائزاً غير لازم.

وقد ذكر الفقهاء: إنّ أدلّة المعاملات إمضائية لما يُقرّه عرف العقلاء، فإذا وجد عقد جدي يعدّه العقلاء معاملة صحيحة فإنّه يمضيها الشارع حسب العمومات المذكورة، إلاّ إذا نهي عنها بالخصوص، مثل الرّبا، ويؤيّده قول الإمام علي عليه السلام: (أن يختاروا)، وقوله عليه السلام: (فإنّه رضي) كما في نهج البلاغة.

لقد ترك المسلمون الشوري، فيما تظاهر الغربيون بها وادّعوها بصورة أو بأخري، وبذلك تقدّموا علي المسلمين، ولذا تري رؤساءهم يتغيّرون بين فترة وأخري، وإن كانت هناك ملاحظات عديدة علي طريقتهم في الانتخاب، غيّر أنّ أمور الناس السياسيّة والاقتصاديّة والصناعيّة تسير بهم إلي الأمام عادة، فتري المجتمع يلتف حولهم، في حين انفضّوا من حول الإسلام، بما فيهم المسلمون أنفسهم.

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (إنّما حضّ علي المشاورة لأنّ رأي المُشير صِرفٌ، ورأي المُستشير مشوبٌ بالهوي).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (لا ظهير كالمشاورة).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: (الحزمُ أن تَستَشير ذا الرّأي وتطيع أمرَهُ).

روي عن رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» إنّه قال: (ما من رَجُلٍ يُشاوِر أحداً إلاّ هدي إلي الرشد).

قال الإمام علي عليه السلام: (من

شاوَرَ الرّجال شاركَها في عُقُولِها).

في باب وعظ الإمام الحسن بن علي عليه السلام:

قال: (ما تشاوَرَ قومٌ، إلاّ هُدوا إلي رُشدِهم).

قال الإمام علي عليه السلام: (ما ضلّ من استشار).

عن أبي عبد الله «عليه أفضل الصلاة والسلام» قال: (لن يُهلك امرء عن مشورةٍ).

قال الإمام علي عليه السلام: (الاستشارة عَينُ الهِداية).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(مشاورَة العاقِل الناصح رُشدٌ ويُمنٌ وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك الناصحُ العاقِلُ فإيّاكَ والخلافَ فإنّ في ذلك العطبُ).

قال الإمام الصادق عليه السلام:

(لا تستصغِرنّ عندك الرأي الخطير إذا أتاك به الرّجلُ الحَقير).

قال الإمام علي عليه السلام:

(عليك بالمشاورة فإنّها نتيجة الحزم).

وقال أيضاً: (أفضل من شاورت ذو التجارب وشرّ من قارنت ذو المعايب).

وقال أيضاً: (من استشار ذوي النهي والألياف فاز بالحزم والسداد).

وقال أيضاً: (وشاوروا فالنجح في المشاورة).

وقال أيضاً: (لا يستغني العاقل عن المشاورة).

وقال أيضاً: (أمخضوا الرأي مخض السقاء ينتج سديد شديد الآراء).

وقال أيضاً: (لا رأي لمن انفرد برأيه).

قال النبي الأكرم «صلي الله عليه وآله وسلم»: (ما من رجل يشاور أحد إلاّ هدي إلي الرشد).

الوحدة

كلّ إنسان يطمح إلي توسيع دائرة تحركه وانطلاقه بلا قيد أو شرط، والإسلام وحده الذي وفّر ذلك الطموح للمجتمع بأقصي حدّ عقلائي، حيث جعل المسلمين كلّهم أخوة متحابين، وجعل بلادهم كلّها بلداً واحداً، فقال عزّ من قائل: ?إنّ هذه أمّتكُم أُمّة واحدَة وأنا ربّكم …?.

فكان المسلم يرحل من أقصي جنوب البلاد الإسلامية إلي أقصي شمالها وبالعكس، ومن أقصي شرقها إلي غربها وبالعكس من دون أن يشعر بالغربة، بل كان المسلم يسافر أيضاً إلي بلاد الكفر من دون حدود إذا أمِنَ شرّ الكفّار وكيدهم، وبالعكس أيضاً، فكان الكافر يسافر إلي بلاد المسلمين بذمّة، أو عهد، وما أشبه.

كان ذلك جارياً حتّي

مع تعدّد الحكّام في الدول الإسلاميّة، حيث كان وضع الدول الإسلاميّة المتعدّدة إلي حدّ بعيد يشبه وضع محافظين في عدّة محافظات تابعة لدولة واحدة في عرف هذا اليوم، ولكن المسلمين أساءوا إلي حظّهم حينما تخلّوا عن هذه النعمة الكبيرة «الوحدة» وبدؤوا بتجزئة البلاد الإسلامية ليتحوّلوا إلي كتل متناحرة ودويلات ضعيفة وشعوب متخاصمة.

فتفرّقوا شيعاً فكلّ قبيلة فيها أمير المؤمنين ومنبرُ

فتحوّلت كلّ مجموعة أميال من الأرض، وعليها جماعة قليلة من المسلمين إلي دولة تحارب من أجل حدودها الجغرافيّة، وقد قال سبحانه: ?ولا تنازَعُوا فتفشَلُوا وتذهَبَ ريحُكُم …?، بينما عمل غيرنا يوحّد أراضي شاسعة، وقوميّات مختلفة، تحت أسماء مشتركة، فاجتمعت علي أثرها دول القارة الأوربية تحت اسم دول السوق الأوربية المشتركة، ثمّ في إطار وحدوي أوسع، بالرغم من تضارب الأديان و الحدود والعملات والقوميّات والمناخات الجغرافية والسياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، لكنّهم مع هذا التباعد الكبير أخذوا يجمعون هذه الدول ويوحّدونها باسم «السوق»، ومن قبل هؤلاء توحّدت الهند والصين.

أمّا نحن المسلمين وبالرغم من القواسم المشتركة الكثيرة بيننا حيث الديانة الواحدة والثقافة الواحدة والحدود الجغرافية الواحدة وأحياناً اللغة الواحدة أصبحنا اليوم نرفض الاتّحاد ونميل إلي التجزئة، وذلك بعد أن كنّا أمّة واحدة، وكانت أراضينا الإسلاميّة موحّدة، وقد شاهدت شخصيّاً كثيراً من الناس يسافر من العراق إلي الكويت، ثمّ إلي البحرين والجزيرة العربيّة وإيران وسوريا ولبنان، وأقصي بلاد الإسلام، دون تأشيرة وجواز أو هويّة أو ترخيص، كما أنّهم كانوا يأتون إلي العراق لزيارة العتبات المقدّسة كذلك.

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(خياركم أحسنكم أخلاقاً الذين يألفون ويؤلفون).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

(قلوب الرجال وحشيّة فمن تألّفها أقبلت عليه).

عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال:

(إزالة الرّواس أسهلُ من تأليفِ القلوب المتنافرَة …

).

قال الإمام الباقر عليه السلام:

(صلاح شأن الناس التعايش والتعاشر ملء مكيال: ثلثاه فطن، وثلث تغافل).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لشيعته:

(كونوا في الناس كالنحلة في الطير ليس شيء من الطير إلاّ وهو يستخفّها، ولو يعلمون ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها، خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم، لكلّ امرئ ما أكتسب وهو يوم القيامة مع من أحب).

سُأل الإمام الصادق عليه السلام عن قوله تعالي: ?كان الناس أمّة واحدة …? فقال: (كان هذا قبل نوح أمّة واحدة …).

وورد عن علي عليه السلام: (إصلاح حال التعايش والتعاشر ملء مكيال ثلثاه فطنة وثلثه تغافل).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (إنّه لم يجتمع قوم قطّ علي أمر واحد إلاّ اشتدّ أمرهم واستحكمت عقدتهم …).

عن الإمام علي عليه السلام إنّه قال: (ألزموا السوادَ الأعظم، فإنّ يد الله علي الجماعة، وإيّاكم والفرقة، فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان، كما أنّ الشاذ من الغنم للذئب).

الأخوة

كانت القبائل العربية تغزوا بعضها البعض، القوي يأكل الضعيف، والكبير لا يعطف علي الصغير، والصغير لا يحترم الكبير، حتّي جاء الإسلام فجمع الناس تحت ظلّه ودعاهم إلي الأخوة والتضامن، فقد ورد في القرآن الكريم: ?إنّما المؤمنون أخوة …?، وهذه الحقيقة كرّسها الرسول الأعظم «صلي الله عليه وآله وسلم» عملياً في حياته، حيث آخي بين أصحابه مرّتين: مرّة في مكّة، ومرّة في المدينة، ليتعوّد المسلمون علي الأخوة، ويواسي أحدهم الآخر إذا أصابته نكبة أو كارثة، أو هاجر من مسقط رأسه.

ومعني الأخوة: أنّ كلّ مسلم في أيّ بلد من بلاد الإسلام أخ لإخوانه المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، فله الحقّ في التجارة والكسب والزواج والتزويج والامتلاك وحيازة المباحات وما إلي ذلك من الحقوق، وهكذا

كان المسلمون سابقاً.

لكن مع مرور الزمن ظهر حكّام مرتبطون بالغرب عطّلوا القوانين الإسلاميّة واسقطوا الأخوّة، فصار كلّ مسلم لا يهمّه سوي نفسه، ولا علاقة له بأخيه المسلم في أي بقعة كان من العالم.

وهذه الظاهرة بدأت تتكرّس حتّي عُدّ من يعيش ضمن كتلة جغرافية واحدة مواطناً وإن كان كافراً، ومن يعيش خارج البلد أجنبياً وإن كان مسلماً.

ولهذا بدأ الناس يتفرّقون عن الإسلام ويفرّون عن البلاد الإسلاميّة، فما قيمة المسلم الذي لا تحترمه البلاد الإسلاميّة وتزعم أنّه أجنبي، وتحترم غيره وتوفّر له فرص العمل وإن كان معادياً للإسلام؟

علماً أنّ الإنسان لا يتمكّن أن يري نفسه مواطناً من الدرجة الثانية، بل كثيرٌ من هؤلاء الذين يعتبرون من الدرجة الأولي أقل كفاءةً ممّن يُعَدّون من الدرجة الثانية، بل ربّما لا تجد أيّة كفاءة للدرجة الأولي، مع أنّ للدرجة الثانية الكفاءة العليا.

انظر إلي الغرب، إنّهم يقيمون الدنيا ويقعدونها إذا أصيب أحد منهم بسوء، ومعلوم أنّ هذا الاهتمام الكبير بالمواطن الغربي يدعو المواطن للاحتفاظ بهويّته والالتفاف حول بلاده وحكّامه.

إنّ إسرائيل الغاصبة جمعت اليهود من جميع أنحاء العالم وآخت بينهم، فإذا دخلت إسرائيل الحرب وظّف اليهود كلّ إمكاناتهم وإعلامهم وأموالهم لخدمة إسرائيل، وتري اليهودي الغربي والشرقي، والعربي والأعجمي، والأسود والأبيض، كلّهم يداً واحدة للدفاع عن مبادئهم الواهية.

بينما لو دخلت العراق مثلاً لوجدت النّاس علي درجات:

العرب منهم مقسّمين إلي درجات ومراتب، وغيرهم أيضاً له مراتب ودرجات مختلفة، مع أنّهم مسلمون جميعاً ومواطنون جميعاً، وأوفياء لبلادهم جميعاً، ومع كلّ هذا يدّعي صدّام زمرته إنّهم مسلمون!

وكذلك الأمر بشدة أو ضعف في سائر بلاد الإسلام.

فلا عجب بعد ذلك إذا رأينا سقوط المسلمين وتفرّقهم عن بلادهم، بل العجب كلّ العجب إن رأينا سيادتهم أو تقدّمهم!

ألم يقل الله

سبحانه: ?ولا تنازَعُوا فتفشَلُوا وتذهَبَ ريحُكُم?، وألم يقل عزّ مِن قائل: ?ومَن أعرَضَ عَن ذِكري فإنّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكاً …?.

من وصيّة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام لكميل:

(يا كميل المؤمنون أخوة، ولا شيء آثر عند كلّ أخٍ من أخيه).

عن رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» أنّه قال:

(ومن جدّد أخاً في الإسلام، بني الله له بُرجاً في الجنّة من جَوهَرةٍ).

عن رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» أنّه قال:

(ألا وإنّ المؤمنين إذا تحابّا في الله عزّ وجلّ، وتصافيا في الله، كانا كالجسدِ الواحد إذا اشتكي أحدُهما من جسده موضعاً وَجَدَ الآخر ألم ذلك الموضع).

وكان رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيّام سأله عنه، فإن كان غائباً دعا له، وإن كان شاهداً زارَهُ، وإن كان مريضاً عادَهُ.

قال الإمام الكاظم عليه السلام: (من قَصَدَ إليه رجلٌ من إخوانه مستجيراً به في بعض أحوالهِ فلم يُجرهُ بعد أن يقدِرَ عليه فقد قطعَ ولاية اللهِ عزّ وجل).

قال الإمام العسكري عليه السلام: (أعرف الناس بحقوقِ إخوانه وأشدّهم قضاءً لها أعظمُهُم عند الله شأناً).

قال الإمام الصادق عليه السلام: (اختبروا إخوانكم بخصلتين فإنّ كانتا فيهم وإلاّ فأعزِب ثم أعزِب: المحافظة علي الصلوات في مواقيتها، والبرّ بالإخوان في العُسر واليُسر).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(إنّ المؤمن ليسكن إلي المؤمن كما يسكن قلب الظمآن إلي الماء البارد).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

(عليك بإخوان الصدق فأكثر من اكتسابهم، فإنّهم عدّة عند الرخاء، وجُنّة عند البلاء وشاور في حديثك الذين يخافون الله وأحب الإخوان علي قدر التقوي).

التفاضل والتمايز

من الأمور التي تسبّب التفاف الناس حول الإسلام انعدام التفاضل والتمايز والطبقيّة، فالدين الإسلامي لا يفرّق بين الأسود والأبيض، والأصفر والأحمر،

ولا بين الغني والفقير، والقوي والضعيف، فالناس كلّهم سواسية كأسنان المشط، لا فضل لإنسان علي آخر إلاّ بالتقوي:

?إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم?، وكلّهم سواسية أمام القانون وفي فرص العمل والتحرّك.

وفي شعر منسوب للإمام علي عليه السلام:

الناسُ من جهة التمثال أكفاءُ أبوهُمُ آدمُ والأمُّ حوّاءُ

وكما أنّ المسلمين في نظر الإسلام أمّة واحدة، كذلك جميع الكفّار أمّة واحدة، ولذا قالوا: «الكفر كلّه ملّة واحدة»، فلا فرق بين أصناف الكفّار إلاّ المحارب منهم، فإنّه يختلف الكافر المعاهد والمحايد والذّمي عن المحارب في بعض الأحكام الشرعية، فكلّ كافر غير محارب مأمون علي ماله ونفسه وعرضه، وكلّ كافر حتّي المحارب منهم إذا أسلم، أصبح يتمتع بجميع الحقوق والامتيازات الإسلاميّة، فيكون له ما للمسلمين، وعليه ما علي المسلمين.

لكن المسلمين اليوم غضّوا الطرفَ عن هذا القانون الإلهي، وعملوا بالطبقيّة والتفرقة والتمييز حتّي بين أنفسهم، ولذلك نشاهد اليوم التقسيم الجغرافي والقومي متجلياً عبر الهويّة والجنسية وشهادة الجنسية و….

وهذا الظاهرة تبدو بوضوح في العراق الذي يحكمه النظام البعثي الجائر حيث وضع الجنسية «أ» والجنسية «ب» والجنسية «ج»، وبعد الجنسية شهادة الجنسية والشهادة لا يحصل عليها الملايين من المواطنين العراقيين، وهكذا بعض الدول الإسلاميّة الأخري تنتهج هذا المنهاج من قريب أو بعيد.

وربّما يقال صحيحٌ أنّ الإسلام لا يؤمن بالتمييز والطبقيّة والتفرقة، ولكنّه يؤمن باختلاف الأحكام بين المسلم والكافر، وهذا ما يجعل البعض يعترض علي الإسلام ويصفه بكونه قانوناً ناقصاً، ويعتبر الغرب الذي يؤمن بتساوي المسلم والكافر أمام القانون، ذا نظام أشمل وأصلح من النظام الإسلامي.

ولدفع هذا الالتباس نقول:

أوّلاً: إنّ الغرب لم يجعلهم طبقة واحدة، ولذا فإنّ قوانين الغرب تفرّق بين المواطن الأصلي والمواطن الأجنبي.

ثانياً: إنّ الإسلام يمنح المساواة لمن يدخل في الإسلام من أيّ جنس

كان، وفي أيّ بلد عاش، أو يعيش، أو يختاره للعيش فيما بعد، حتّي لو كان مسافراً فإنّ له الحقّ في أن يشتري العقارات وأن يتزوّج و… كأيّ مواطن عادّي.

وليس من يدخل بلداً من بلاد الغرب كذلك، بل هناك قيود متعدّدة تفرض علي سفر الإنسان أو هجرته إلي بلادهم، ثمّ بعد ذلك نجد المسافر أو المهاجر بحاجة إلي فترة زمنيّة يقيم فيها هناك، وشرائط أخري عديدة، كتعلّم اللغة و….

ثالثاً: في الإسلام قسمان من القوانين: قسم يتساوي فيه الجميع، المسلم والكافر كقانون المرور والحرّية وحِيازة المباحات، وقسم من القوانين لا يتساوي فيها المسلم والكافر وتعدّ لصالح الكافر، مثل قانون «الإلزام» ممّا يفرض علي المسلم الشدّة دون الكافر، أو يكون للكافر حكمه علي حدّة، وللمسلم حكمه علي حدّة، وذلك حسب عقيدتهما ومنهاجهما.

ومن الملاحظ أنّ التمييز في القوانين بين الكفّار في بلادهم حتّي أشدّها ديمقراطية أكبر من التمييز بين المسلمين والكفّار في البلاد الإسلاميّة وأعقد منها.

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(إنّ الله تبارك وتعالي قد أذهب بالإسلام نخوةَ الجاهليّة وتفاخرها بآبائها، ألا إنّ الناس من آدم، وآدمُ من تراب، وأكرمهُم عند الله أتقاهم).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (الناسُ في الحقِّ سواءٌ).

إنّ امرأتين أتتا عليّاً عليه السلام إحداهما من العرب، والأخري من الموالي فسألتاه، فدفع إليهما دراهم وطعاماً بالسواء، فقالت إحداهما: إنّي امرأة من العرب، وهذه من العجم؟!

فقال عليه السلام: (إنّي والله لا أجدُ لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً علي بني إسحاق).

روي إنّ موسي بن جعفر «عليهما السلام» مرّ برجل من أهل السواد دميم المنظر، فسلّم عليه ونزل عنده وحادثه طويلاً ثم عرض عليه السلام عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت له. فقيل له: يا

بن رسول الله أتنزل إلي هذا ثمّ تسأله حوائجه، وهو إليك أحوج؟! فقال عليه السلام: (عبدٌ من عبيدِ الله، وأخٌ في كتاب اللهِ، وجارٌ في بلاد الله، يجمعنا وإيّاه خيرُ الآباء آدم عليه السلام وأفضل الأديان الإسلام، ولعلّ الدهر يردّ من حاجاتنا إليه فيرانا بعد الزّهو عليه متواضعين بين يديه).

عن رجل من أهل بلخ قال: كنت مع الرضا عليه السلام في سفرهِ إلي خراسان فدعا يوماً بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم فقلت: جعلتُ فِداكَ لو عزلت لهؤلاء مائدة؟ فقال: (مَه! إنّ الرّبّ تبارك وتعالي واحد، والأمَّ واحدة، والأبُّ واحد، والجزاء بالأعمال).

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام لعمر بن الخطّاب: ثلاث إنّ حفظتهنّ وعملت بهنّ كفتك ما سواهنّ، وإن تركتهنّ لم ينفعك شيء سواهنّ، قال: وما هنّ يا أبا الحسن؟ قال: إقامةُ الحدود علي القريب والبَعيد، والحكم بكتاب الله في الرضا والسخط، والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود، فقال له عمر لعمري: لقد أوجزت وأبلغت).

وقال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» يوم فتح مكّة: (يا أيّها الناس إنّ اللهَ قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهليّة وتفاخرها بآبائها، إنّ العربيّة ليست بأب والد، وإنّما هو لسان ناطق، فمن تكلّم به فهو عربي، ألا إنّكم من آدم وآدم من تراب، وإنّ أكرمكم عند الله أتقاكم).

السلام

رفع الإسلام شعار السلام منذ الوهلة الأولي من نزوله، فتحيته السلام، وشعاره السلام، وآخر الصلاة السلام، وقد ورد في الدعاء:

(اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وإليك يرجع ويعود السلام، وحيّنا ربّنا بالسلام).

وفي الآية الكريمة: ?وإن جَنَحُوا للسّلم فاجنح لها وتوكّل علي الله?، وفي آية أخري: ?ادخلُوا في السِّلم كافّةً ولا تتّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيطان?، و?سلّمُوا علي

أنفُسِكُم …?، إلي غير ذلك.

وقد كانت حروب الرسول «صلي الله عليه وآله وسلم» كلّها دفاعية كما ذكرته في كتاب «في ظلّ الإسلام».

وكان الرسول «صلي الله عليه وآله وسلم» يمتنع عن الحرب والقتل إلاّ في حالة الضرورة القصوي، ولذا فقد أسلم الناس، وانضمت إلي حكومته «صلي الله عليه وآله وسلم» العادلة رقعة شاسعة من الأرض يربو مساحتها علي مساحة القارة الأوربية باستثناء روسيا أو أكثر من مليون ميل مربّع، ولم يتجاوز مجموع القتلي في جميع هذه الحروب من الطرفين المتخاصمين ألف وثمانية أشخاص علي ما ذكره بعض المؤرّخين.

وقد خاطب «صلي الله عليه وآله وسلم» أشدّ الكفّار الذين حاربوه أكثر من عشرين عاماً قائلاً: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، إلي غير ذلك ممّا هو مذكور في التواريخ.

والغرب رفع شعار السلام ظاهراً، لكنّه في الحقيقة رفع لواء الحرب تحت غطاء السلام، ولذا لمّا عرف الناس أنّهم غير صادقين، انفضّوا من حولهم، وحرب الأفيون وفيتنام وهيروشيما وناكازاكي والحربان العالميتان من أبرز الشواهد علي أنّ شعارهم كان بلا محتوي.

وإذا أرادت البشريّة الخلاص من هذه الطامّة، فاللازم أن ينضووا تحت لواء الإسلام الصحيح الذي ذكر في الكتاب والسنّة وطبّقه الرسول الأعظم «صلي الله عليه وآله وسلم» وعلي عليه السلام، وربّما يكون بمقدور الباحث أن يري أنّ حروب الإمام علي عليه السلام بعد الرسول «صلي الله عليه وآله وسلم» المفروضة عليه كانت قد استغرقت منه سبعة وسبعين يوماً فقط وهي: يوم في الجمل، ويوم في النهروان، وشهران ونصف في صفّين، والقتلي الذين قتلوا في حروب الإمام الثلاثة لم يكونوا إلاّ بقدر الدفاع فقط، ولمّا انتهت الحرب عفي الإمام عن الجميع حتّي عن أعتي المجرمين أمثال «مروان» و «موسي بن طلحة» وغيرهما، والكلّ يعلم أنّ

«عائشة» قادت حرب الجمل ومع ذلك عفي الإمام عنها وأرسلها إلي المدينة معزّزة مكرّمة، كما في التواريخ.

وإذا أراد العالم الخلاص من شرّ الحروب فاللازم أوّلاً وبالذات أن يوفّر ثلاثة أمور:

الأوّل: تغيير القوانين التي تهتف بالحرب وتحفِّز عليها.

الثاني: تغيير مصانع السلاح وميزانياتها إلي مصانع البناء لخدمة الإنسان والحياة، وتلقائياً يكون عمالها عمال بناء بدلاً عن كونهم عمّال حرب.

الثالث: إلغاء الأسلحة الفتاكة والمدمّرة، والمنع من إنتاجها وادخارها واستخدامها بالمرّة، وتبديلها بالأسلحة البدائية، حتّي إذا وقعت حرب لا سمح الله تكون أقلّ ضرراً علي الإنسان وإنجازاته.

وإذا تساءل أحدنا: وهل يمكن ذلك؟

فالإجابة تكون نعم: أمّا الأوّل ففي غاية السهولة، لأنّ الأوّل يرجع إلي المقنّنين، ويفرض من العقلاء المحبّين للبشر ولإنجازاته.

والثاني: بحاجة إلي عقد مؤتمرات، ودعوة عدد كبير من الخبراء الذين يحبّون المصلحة العامّة مع جدولة زمنية للتغيير بحيث لا يوجب بطالة العمّال، ولا توقّف في الإنتاج والتطوّر.

وأمّا الثالث: فيُعرَف إمكانه من وقوف العالم ضدّ الأسلحة المحرّمة دوليّاً، وضدّ توسعة الحروب الحالية، وضدّ انتشار الأسلحة، وضدّ العدوان وإضرام الحروب ومسبّبيها.

وهذه الرّوح هي التي تفرض منع الأسلحة الفتاكة، واستبدالها بالأسلحة البدائية الأقل ضرراً، فإنّه ليس للإنسان روحان: روح تمنع الأوّل، وروح تسمح بالثاني، والأمر يحتاج إلي البلورة والتطبيق.

وقد اهتمّ جماعة من المفكّرين بإنشاء الأمم المتّحدة، وجامعة الدول العربيّة، وجامعة الدول الإسلاميّة، وجامعة الدول الإفريقيّة.. وما أشبه ذلك مع قطع النظر عمّا يرد عليها من المؤاخذات فما المانع من أن يهتم جماعة من المصلحين، بإنشاء منظّمة إصلاحيّة عالميّة للمنع عن إنتاج وامتلاك واستخدام الأسلحة الحديثة، وبذلك يتوفّر عامل من أهم عوامل إحلال السلام في ربوع العالم، ويستطيع أن يعيش الإنسان كما أراده الله سبحانه: ?في السّلم كافّة …?، آمناً مطمئناً ….

قال الإمام

الصادق عليه السلام: (المُسلمُ من سلم النّاسُ من يده ولسانه، والمؤمنُ من ائتمنه النّاس علي أموالِهم وأنفسِهم).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة: (إنّ الله تعالي خصّكُم بالإسلام واستخلصكُم له، وذلك لأنّه اسمُ سلامةٍ وجماعُ كرامةٍ اصطفي الله منهجَه وبيّن حجّجه، من ظاهر علمٍ، وباطن حُكمٍ، لا تُفني غرائبه، ولا تنقضي عجائبه).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: (ما كان جبرائيل يأتيني إلاّ قال يا محمّد اتّق شحناء الرجال وعداوتهم).

قال الإمام الصادق عليه السلام: (من زرع العداوة حصد ما بذر).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: (أتدرون من يحرمُ علي النّار؟ كلُّ هيّنٍ ليّن سهل قريب).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: (ألا أُخبركُم بخير أخلاق أهل الدُّنيا والآخرة؟) قالوا: بلي يا رسول الله، فقال: (إفشاء السَّلام في العالم).

الإدارة

لقد حقّق الإسلام نجاحاً باهراً في نظامه الإداري، حيث استطاع أن يجمع بين ضبط معتنقيه، وبين أن يطلق الحرّيّات في كلّ شيء إلاّ المحرّمات.

فقد كانت الإدارة الإسلاميّة نموذجاً بسيطاً لا يقبل التعقيد، وليس لها أيّ ثقل علي الناس.

فكان جهاز الدولة التنفيذي عبارة عن أفراد قلائل، وكان القاضي وأفراد معدودون يشغلون مناصب النظام الإداري، فلم تكن هناك أيّة دوائر إضافيّة كابتة للحرّياّت، كإدارة الهجرة والجوازات ومختلف الدوائر الحالية التي تقيّد حرّيّات الناس وتفرض عليهم رسوماً وشروطاً في البناء والتجارة والزراعة والصناعة، وإلي آخره.

ولقد كانت «الإدارة» في الإسلام مزيجاً: من الثقة والأخلاق والتسامح والإيمان الذي يتحلّي به الناس، والبساطة في القانون، وفي هيكليّة النظام، وفي المعيشة و…، ولم يكن الفضل في ذلك كلّه إلاّ للرسول الأعظم «صلي الله عليه وآله وسلم» بأمر الله الذي فرض منهجاً لم يستطع حتّي أسوء الخلفاء تجاوزه إلاّ في

دائرة محدودة.

ولقد كان المسلمون جميعاً يشتركون في الجهاد والحرب ضد العدو للدفاع عن حياض الإسلام، باستثناء من لا يجب عليه الجهاد كالمرأة ونحوها، كما ذكرنا ذلك في كتاب: «الجهاد»، وذكرنا في كتب أخري حرّيّة الناس في كلّ شيء باستثناء المحرّمات، فإنّ للناس حريّتهم في مزاولة شؤون الحياة، والحركة كيف يشاؤون، ومتي يشاؤون، وأنّي يشاؤون.

أمّا الحكومة فليس لها إلاّ شيئان وظّفت من أجلهما:

الأوّل: الإشراف علي إجراء وتنفيذ العدالة بين الناس.

الثاني: دفع الأمّة نحو الأمام والتقدّم والرّقي.

وقد طبق النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» هذه البساطة في الحكم، حيث نصب شاباً حاكماً علي مكّة المكرّمة من دون معاون أو حماية أو ما أشبه، رغم أنّ مكّة كانت هي العاصمة الرئيسيّة المعاديّة بل المعارضة والمحاربة للنبيّ «صلي الله عليه وآله وسلم» طوال أكثر من عشرين عاماً.

كما أرسل سلمان المحمدي إلي المدائن «العاصمة الفارسية»، وأرسل إلي الكوفة رجلين فقط، وما إلي ذلك من الأمثلة.

وقد رأيت بنفسي بقايا هذه البساطة موجودة في العراق قبل خمسين عاماً.

ونتيجة لهذه البساطة في الحكم والإدارة الإسلاميّة، أقبل الناس علي الإسلام زرافات ووحداناً واعتنقوه برحابة وشوق، وعندما ترك المسلمون تلك الميزة والنعمة الإلهيّة، تخلّي الناس عن الإسلام وتوجّهوا نحو دول أخري وأنظمة أخري تحمل بعض تلك الأنواع من الإدارة الإسلاميّة وبساطتها، والآن في الهند تري شيئاً من ذلك، فهذا الكابوس الذي يسمّي بالحكومة في بلاد الإسلام ليس منه في الهند إلاّ بعض الشيء.

ولم تكتف أنظمتنا بالتعقيد فقط، بل أضافت إلي ثقل الإدارة الاستبداد والجهل والغرور والأنانيّة والدجل وتكديس الأموال لمصالحها الخاصّة، وهذا ما أثار حالة استياء واسعة في أوساط المسلمين الذين التحقوا بركب الحضارة الغربيّة بحثاً عن فتات الخبز وفتات الحرّيّة!

ولا علاج لمأساة المسلمين إلاّ

بالرجوع إلي الإسلام الواقعي الذي ذكر في الكتاب والسنّة.

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: (خَيرُ الأمورِ أوسطُها).

قال الإمام علي عليه السلام: (التدبيرُ قبل العمل يؤمّنُكَ من النَدَم).

قال الإمام الحسن عليه السلام: (والعجلة سفهٌ والسفهُ ضعفٌ).

قال الإمام الباقر عليه السلام (في شرح قوله تعالي: ?ليس البرِّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها? يعني أن يأتي الأمور من وجهها، أيّ الأمور كان).

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: يا أيّها الناس: أقيمُوا صفُوفكم وامسحُوا بمناكِبكُم لئلاّ يكون بينكم خللٌ. ولا تَخالفُوا فيخالف الله بين قلوبكم. ألا وإنّي أراكم من خلق).

قال الإمام الرضا عليه السلام: (من طلب الأمر من وجهه لم يزل فإن زل لم تخذله الحيلة).

قال الإمام الجواد عليه السلام: (من لم يعرف الموارد أعيته المصادر).

من كلمات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في فوائد الإدارة: (أدلُّ شيءٍ علي غزارة العقل حُسنُ التدبير).

(صلاح العيش التدبير).

(طولُ التفكير يصلحُ عواقبَ التدبير).

(قِوامُ العيش حسنُ التقدير وملاكُه حسنُ التدبير).

(سبب التدمير سوءُ التدبير).

(حسن التدبير ينميّ قليل المال وسوء التدبير يفني الكثرة).

(لا عقل كالتدبير).

(لا فقر مع حسن التدبير).

(آفة المعاش سوء التدبير).

(سوء التدبير مفتاح الفقر).

(من ساء تدبيره تعجّل تدميره).

(من ساء تدبيره كان هلاكه في تدبيره).

(يستدل علي الأدبار بأربع سوء التدبير وقبح التبذير وقلّة الاعتبار وكثرة الاعتذار).

الجيش

كان الجيش في الإسلام يتمتّع بميّزتين ممّا سبّب حبّ الناس للإسلام:

الأولي: إنّ الجيش إسلاميّ وليس حكومياً، وإذا افترضنا أن ليس بالإمكان أن يكون الجيش جماهيرياً نظراً لتطوّر النظام العسكري والأسلحة الحديثة إلاّ أنّه يمكن الجمع بين الأمرين الشعبي والحكومي، بأنّ نوظّف جماعة من الناس للتدريب علي الأسلحة المتطوّرة والمعقّدة، وأن نترك الميدان عامّة لتدريب الجيش الشعبي.

أمّا الخدمة العسكريّة الإجبارية أو التعويض

«دفع بدل» ممّن لا يريد، أو لا يتمكّن من أداء الخدمة الإجباريّة، فهو يعدّ من أكبر المنفرّات عن الإسلام، إذ قد جُعل الجيش بذلك وسيلة لتحقيق المصالح الشخصيّة، ونزوات وأطماع الحكّام المستبدّين.

الثانية: كان الجيش يضطلع بمهمّة حماية الحرّيات وحماية المجتمع وحركة الأمّة نحو الأفضل.

ولذلك فقد كان المسلمون أحراراً في كلّ شيء ما عدا المحرّمات، وكانوا دائمي التقدّم إلي الأمام في مختلف ميادين الحياة، وكان الجيش حارساً لهذين الأمرين، ولذا التفّ الناس حول الإسلام.

أمّا اليوم فإنّ الجيش يوظّف غالباً للاعتداء وكبت الحرّيات والحيلولة بين الأمّة وبين التقدّم، ومن نظر إلي الجيش في عهد بهلوي الأوّل والجيش في عهد حكومة البعث في العراق يري ذلك جليّاً.

لقد أضحي الجيش بسبب تلك الحكومات العميلة خادماً للأجنبيّ ووسيلة لضرب المواطنين العزّل بمختلف أنواع الأسلحة، ولم نجد وللأسف الجيش في هاتين الفترتين، في هذين البلدين كنموذج يدافع عن البلاد حتّي مرّة واحدة، وإنّما دافع عن الأجانب في مواجهة أبناء بلده مرّات عديدة بشكل أو بآخر.

كما أنّ كلّ الكبت والإرهاب والجهل والتأخّر الذي سبّبته الحكومات العميلة كان أساساً بمساعدة الجيش، وهناك قصص مذكورة في تاريخ البلدين.

بينما نري الجيش الغربي علي العكس من ذلك كلّه، فهو بالنسبة لبلادهم آلة التقدّم، ووسيلة لحفظ المقدار المتوفّر عندهم من الحرّيات. طبعاً غير خاف علي المراقب ما هناك من الفرق الكبير بين الجيش الغربي اليوم والجيش الإسلامي في الأمس، وما كان يتمتّع به الجيش الإسلامي من امتيازات، وما قد اشتمل عليه الجيش الغربي من نواقص وأمراض وما يردُ عليه من مؤاخذات.

فاللازم أن يرجع الجيش في بلاد الإسلام إسلامياً، وذلك لا يتحقّق إلاّ بتطبيق المنهج الإسلامي بحذافيره، والذي منه: الاستشارية والتعدّدية حتّي يرجع الجيش إلي حالته الصحيحة، ويعمل

بوظائفه الواقعيّة.

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (فالجنود بإذن الله حُصونُ الرعيّة، وزينُ الولاة وعزّ الدين، وسبل الأمن، وليس تقوم الرعيّة إلاّ بهم، ثمّ لا قِوام للجنود إلاّ بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به علي جهاد عدوّهم، ويعتمدون عليه فيما يصلهم ويكون من وراء حاجتهم).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (الجنود عزّ الدّين وحصون الولاة).

عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (إنّ النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» بعث سريّة فلمّا رجعوا قال: مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، فقيل: يا رسول الله ما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النَّفس).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (من خذل جُندَهُ نصر أضداده).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (آفة الجُند مخالفة القادة).

قال الإمام الصادق عليه السلام: (إنّ الله ? بعث رسوله بالإسلام إلي النّاس عشر سنين فأبوا أن يقبلوا حتّي أمره بالقتال، فالخير في السيف وتحت السيف والأمرُ يعود كما بدا).

الاكتفاء الذاتي

اعتمد الإسلام علي «الاكتفاء الذاتي» في توفير كلّ ما يحتاجه الناس، وحضّ المسلمين عليه، وحذّرهم من الاعتماد علي الآخرين وخاصّة الأجانب، وفي التأريخ الإسلامي إنّ الرسول الأعظم «صلي الله عليه وآله وسلم» دخل دار أم أيمن، فقال:

(مالي لا أري في بيتك البركة؟)

فقالت: أوليس في بيتي البركة؟

قال: (لست أعني لك ذاك شاة تتخذيها تستغني ولدك من لبنها وتطعمين من سمنها وتصلين في مربضها).

وفي حديث آخر: أنّه «صلي الله عليه وآله وسلم» قال: (إذا كان في الدار شاة واحدة صلّت الملائكة علي أهل تلك الدار كلّ يوم مرّة، وإذا كانت شاتان صلّت الملائكة عليهم كلّ يوم مرتين، وإذا كانت ثلاث شياه صلّت الملائكة عليهم كلّ يوم ثلاث مرّات).

وقال: (لو كان في يد أحدكم

فسيله وقامت القيامة فليغرسها وليمت)، إلي غير ذلك.

وقد ذكرنا جملة منها في: «الفقه: آداب المال».

وإنّي أذكر إبّان الحرب العالميّة الثانية: إنّه لم يدخل في العراق تحت التموين إلاّ القماش والسُكر الأبيض، حيث أنّهما كانا يؤمَّنان من الخارج، فلم نكن نحتاج في شؤوننا المنزليّة إلاّ إليهما فقط، وإلاّ فكلّ شيء كان يصنع وينتج في داخل العراق.

أمّا اليوم فالعراق يحتاج إلي كلّ شيء حتّي التبن!! وذلك علي أثر ما دمّره حكّام البعث من ثروات العراق الطبيعيّة، كما أنّه في إيران رَدَمَ البهلوي الأوّل «32 ألف» قناة حتّي يحتاج الناس إلي الغرب، ولذا ورد في التاريخ أنّ الأراضي بين طهران ومشهد كانت تضم «12 ألف» نهراً، تمتدّ هذه الأنهار من مقاطعة خراسان إلي أفغانستان وتضم طهران ونواحي مازندران، وتزوّد هذه المناطق بالمياه فتجعل منها مزارع جميلة وقري أنيقة مزوّدة بمختلف المحاصيل الزراعية واللحوم.

ولكن بعد سيطرة الحكّام الظالمين المرتبطين بالحكومات الغربية وتسلّطهم علي رقاب المسلمين، أصاب الفقر كلّ شيء فصارت بلادنا أسواقاً لمنتوجات الغرب والشرق تحت ألف اسم واسم وألف قانون وقانون.

ومن يخالف هذه القوانين الوضيعة يحاكم، تارة باسم مجلس الأمّة، وأخري باسم مجلس الوزراء، وثالثة باسم مجلس قيادة الثورة، ثمّ يودع السجن، ويمارس بحقّه أشدّ أنواع التعذيب، وتصادر أمواله ويتّهم بأخسّ التهم، وأخيراً يكون مصيره الإعدام.

وقد ذكرت بعض الصحف: أنّ البلد الفلاني يستورد من الخارج مائتي ألف نوع من البضائع والأجناس ابتداءً من اللحم وانتهاءً إلي الطائرة.

ولا يخفي أنّ من أسباب تخلّف المسلمين هذا التخلّف الذريع عدم اهتمامهم بقانون «الاكتفاء الذاتي»، وعندما اعتمد الغربيون في توفير حاجاتهم علي أنفسهم، وطبّقوا قانون الاكتفاء الذاتي في بلادهم، تقدّموا علي المسلمين، وصاروا أمراءهم، وأضحي المسلمون أسراءهم، ومادامت بلاد الإسلام محتاجة إلي

الغرب ستظلّ أسيرة تابعة، ولقد قال علي عليه السلام: (احتج إلي من شئت وكن أسيره).

روي إنّ حواري عيسي عليه السلام: (كانوا إذا جاعوا قالوا: يا روح الله جعنا، فيضرب بيده علي الأرض سهلاً كان أو جبلاً فيخرج لكلّ إنسان منهم رغيفين يأكلهما، فإذا عطشوا قالوا يا روح الله عطشنا، فيضرب بيده علي الأرض سهلاً كان أو جبلاً فيخرج ماءً فيشربون، قالوا: يا روح الله من أفضل منّا؟ إذا شئنا أطعمتنا، وإذا شئنا سقيتنا، وقد آمنّا بك واتبعناك! قال: أفضل منكم من يعمل بيده، ويأكل من كسبه فصاروا يغسلون الثياب بالكراء).

(أوحي الله عزّ وجل إلي داود عليه السلام إنّك نِعمَ العبدُ لولا أنّك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئاً، فبكي داود عليه السلام أربعين صباحاً فأوحي الله عزّ وجل إلي الحديد: أن لِن لعبدي داود، فألان الله عزّ وجل له الحديد فكان يعمل في كلّ يوم درعاً فيبيعها بألف درهم … واستغني عن بيت المال).

مرّ داود عليه السلام باسكافٍ فقال: (يا هذا اعمل وكل، فإنّ الله يحبّ من يعمل ويأكل، ولا يحبّ من يأكل ولا يعمل).

البساطة

إنّ من أهمّ ما جمع الناس حول الإسلام وحبّبه في نفوسهم البساطة في العيش، فالإسلام ضدّ التعقيد، ويدعو إلي البساطة في المأكل والمشرب، والمسكن، والمنكح، وفي شؤون الحكم أيضاً، لأنّ التكلّف ثقل علي الإنسان، ولذا قال القرآن الحكيم: ?وما أنا من المتكلِّفين?، وقال سبحانه: ?يريدُ اللهُ بكمُ اليسرَ ولا يريدُ بكمُ العُسرَ …? إلي غير ذلك.

إنّ التعقيد يسبّب بالإضافة إلي ثقل الحياة، صرف الأوقات اعتباطاً وبلا طائل، كما ينتج الطبقيّة في المجتمع، ففقر مدقع في جانب، وبذخ مرهق في جانب آخر، كما هو المشاهد في عالم اليوم.

فنصف البشرية

اليوم كما تشير بعض الإحصاءات تعيش في فقر، وتفتقر لأبسط مستلزمات الحياة، فتري الفساد والمرض والجهل والتخلّف والبطالة، وما أشبه ذلك، تضرب كالإعصار في جسم المجتمع، وإلي جانبها الأسراف والبذخ، والزخارف والمباهج.

وقد شاهدت بعيني في إحدي الدول الإسلاميّة بنايات تناطح السحاب، وإلي جانبها بيوت طينيّة تلاصق الأرض، وحيث تتوفّر في الأبنيّة كلّ وسائل الحياة وإمكانات البذخ والإسراف، لا تجد في بيوت الطين أهمّ الضروريّات المعيشية.

وقد قال علي عليه السلام: (ما رأيتُ نعمةً موفورة إلاّ وإلي جانبها حقٌ مضيّعٌ).

فهذا البعد الشاسع بين هذين النموذجين لم يكن إلاّ لأسباب من جملتها عدم البساطة في العيش.

والدين الإسلامي الحنيف لم يؤكّد علي البساطة في جانب واحد فقط، بل قد عمّم البساطة في جميع جوانب الحياة، وقد كان الرسول الأعظم «صلي الله عليه وآله وسلم»: ينام علي الحصير حتّي يطبع أثره علي صفحات خدّه المبارك، وكان علي عليه السلام ينام علي التراب حتّي سمّي بأبي تراب، وقد كان فرشه عليه السلام والزهراء (عليها السلام) سنين عديدة جلد كبش ينامون عليه ليلاً ويعلفون إبلهم عليه نهاراً، إلي غير ذلك من القصص الكثيرة التي ملأت صفحات التاريخ.

والأهمّ من كلّ ذلك: أنّ الإسلام أوصي ببساطة الحكم واعتبره الشرط الموضوعي في سلامة الحكم والقيادة، قال الإمام علي عليه السلام: (أ أقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش فما خلقت ليشغلني أكل الطيّبات)، كما أمر القضاة بالبساطة لئلا يخاف الناس وتختفي الحقائق، ولذا كان كلّ واحد يصل إلي الحاكم والقاضي بكلّ سهولة، وقد قال الإمام علي عليه السلام لشريح القاضي: (يا شريح اجلس في المسجد فإنّه أعدل بين الناس).

ويحدثنا التاريخ أنّ رجلاً

جاء إلي رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» وهو يرتجف، فقال له الرسول: (مه لماذا تخاف؟ فإنّي ابن امرأة، كانت تأكلُ القديد في مكّة).

فمن أسباب ابتعاد الناس اليوم عن الإسلام تحوّل المسلمين من البساطة إلي التكلّف والتعقيد في العيش وفي كلّ مجالات الحياة، ويوم عمّت موجة التعقيد شؤون المسلمين وحياتهم، أفقدتهم عزّهم وسؤددهم، وجعلتهم يضيعون في متاهات الحضارة المادّية.

من حكمة سليمان عليه السلام:

(قد جرّبنا لين العيش وشدّته، فوجدنا أهنأه أدناه).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (أهنأ العيش إطراح الكُلف).

عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السلام) قال: قيل له … فما بال المؤمن قد يكون أشحّ شيء؟ قال: (لأنّه يكسب الرزق من حلّه ومطلب الحلال عزيز فلا يحب أن يفارقه شيئه لما يعلم من عُسر مطلبه وإن هو سخت نفسه لم يضعه إلاّ في موضعه …).

قال الإمام الباقر عليه السلام:

في قوله تعالي: ?يسألونك ماذا ينفقون قل العفو?، قال: (الكفاف).

من وصيّة الإمام أمير المؤمنين لابنه الحسن (عليهما السلام):

(ولا تعدو أجلك فإنّك في سبيل من كان قبلك فخفّض في الطلب وأجمل في المكتسب …).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: (من أصبح معافاً في جسده، آمنّا في شربه، عنده قوت يومه، فكأنّما حيزت له الدنيا … ).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (قليلٌ يكفي، خيرٌ من كثير يطغي).

إنّ علي بن أبي طالب عليه السلام اجتاز بسوق الكوفة فتعلّق به كرسي فتخرّق قميصه، فأخذه بيده، ثمّ جاء به إلي الخيّاطين فقال: (خيطوا لي ذا بارك الله فيكم).

عن ابن عبّاس قال: (كان رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» يجلس علي الأرض ويأكل علي الأرض ويعتقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك).

(ربّ يسير أنمي من كثير).

(قليل ينجي خير من

كثير يردي).

(يسير الدنيا خير من كثيرها وبلغتها أجدر من هلكتها).

(ربّ فقير أغني من كلّ غني).

(كم من منقوص رابح ومزيد خاسر).

الربا

لا ريب أنّ الإسلام وضع منهاجاً اقتصادياً سليماً، ممّا سبب التفات الناس حوله، ذلك لأنّ الاقتصاد يرتبط بحياة الناس ارتباطاً مباشراً حتّي ورد: (إنّ الفقرَ سوادُ الوجه في الدارين).

وكان من سلامة الاقتصاد الإسلامي تحريم الربا، لأنّ الربا يزيد الأغنياء غنيً والفقراء فقراً وفاقة، ولذلك لم يكتف الإسلام بمجرّد تحريمه، وإنّما بالغ في تحريمه وهدد الذين يتعاطونه، حيث قال:

?فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله? كما أنّه بالمقابل أكدّ علي القرض ورغّب في تعاطيه حيث قال: ?من ذا الذّي يقرضُ الله قرضاً حسناً …?، إلي غيرها من عشرات الآيات والأحاديث، التي تؤكّد علي ذلك.

لكنّ المسلمين أعرضوا عن اقتصادهم الذي أتحفهم الإسلام به، وراحوا يقلّدون الغرب، ويتعاطون الربا أضعافاً مضاعفة، حتّي تحطمت اقتصاديات الدول الإسلاميّة، وأصاب الفقر كلّ مرافقها في حين أنّها أثري بلاد العالم وأغناها.

وكنموذج علي ذلك نشير إلي ما جاء في بعض التقارير: من أنّ بعض دول الخليج أصبحت مدينة من جراء الحرب العراقيّة الإيرانيّة، والحرب العراقيّة الكويتيّة، مبلغاً يقرب من تسعين مليار دولار، بفائدة قدرها خمسة عشر مليار دولار، فإذا كانت نفوس الدول الخليجيّة عشرين مليون نسمة، تري كم يكون نصيب كلّ واحد منهم من الدَّين، وكم يحمل علي عاتقه من تبعات فائضة؟

وقد ذكرنا تفصيل الكلام حول ما يتمخّض عن الربا من المآسي في كتاب: «الفقه: التجارة»، و «الفقه: الاقتصاد»، وذكرنا هناك: أنّ حرمة الربا مؤكّدة عقلياً قبل أن تكون مؤكّدة شرعياً، وإنّ الربا أحد الأسباب المهمّة في إشعال فتيل الحرب بين الدول وإبادة بعض الأمم.

وقد جعل الإسلام والعقلاء بدل التعاطي بالربا، قانون «المضاربة» شريطة أن

تطبّق المضاربة عملاً لا اسماً وصورةً كما في بعض بلاد الإسلام فالمضاربة تعني: أن يحصل العامل علي أتعابه كما يحصل المالك علي أرباح رؤوس أمواله «الذي هو عمل متبلور».

وإذا أراد المسلمون الخروج من هذا المأزق، فعليهم أن يحرّموا الربا أشدّ تحريم كما فعله القرآن وأن يروّجوا القرض والمضاربة، واللازم أن تكون المضاربة غير مجحفة أيضاً.

وحينئذٍ يكونوا قد أقاموا لبنة أخري في بناء صرح الإسلام المنقِذ.

لكن المسلمون اليوم متورطّون في أوحال الرّبا ومبتلون بتبعاته وويلاته، ولا خلاص لهم منها إلاّ بإلغائه وتحريمه بالمرّة.

كما أنّ العالم إذا أراد النجاة من الفقر، ومن تبعاته المزرية من فساد ومرض وجهل وبساطة وما أشبه فإنّه يلزم عليه ما يلي:

أولاً: إلغاء الرّبا من قوانينه وتحريمه تحريماً باتاً، فإنّ إلغاء الربا من القوانين وإن لم يكن الوسيلة الوحيدة لصحة الاقتصاد لكنه من أسبابه الرئيسية.

ولا يخفي أنّ هناك جملة من الأسباب المؤدّية إلي تلك المفاسد، مثل: الرأسمالية المنحرفة التي تبيح تعاطي كلّ إثم ومنكر في سبيل المادة، كالاتجار بالمخدّرات والخمور، وفتح دور البغاء والشذوذ الجنسي، وكإعطاء العمال والفلاحين أقل من حقوقهم المشروعة، فإنّهم وإن ارتضوا تلك الأجور الزهيدة، إلاّ أن ذلك من باب الاضطرار والإكراه الفردي أو الأجوائي أو الجهل.

ومثل الاستعمار الظاهر أو الخفي المتستّر في أثواب القوميّة والشيوعيّة والوطنّية، وما أشبه.

ثانياً: إلغاء تجارة الأسلحة والتي تسبّب إشعال الحروب المدمّرة، والتي لا هدف من ورائها سوي قتل الإنسان والقضاء عليه.

نعم إنّ الاقتصاد والسياسة والاجتماع إذا خرجت عن مسارها السليم، أنتجت عنها كوارث مدمّرة منها: الفقر والمرض والجهل والفوضي.

ومن الممكن: وضع مخطّط لإلغاء الرّبا علي الصعيد العالمي تدريجياً عبر تحديد جدول زمني، وذلك حسب قانون «الأهم والمهم»، فيما إذا كان الإلغاء «الدفعي» يسبّب هزة

كبيرة ومضاعفات خطيرة.

كما أنّه من الممكن إلغاء سائر المفاسد بالإيجابيات، وطرح البدائل، والجدولة، وعلي سبيل المثال: ذكرت الصحف أنّ في البلد «الفلاني» مائة ألف امرأة بغيّة، فمن الممكن للدولة أن تشجّع الشباب للزواج بهنّ بعد إصلاحهن والتأكّد من عدم إصابتهنّ بالأمراض الجنسيّة الخطيرة وأن تخصِّص الدولة لهؤلاء الشباب خدمات ومكافآت وهدايا تشجيعيّة، كمنحهم المسكن والعمل وبعض الخدمات الحيوية، وبذلك يمكن إصلاح المجتمع بإنقاذهنّ من هذه الموبقة.

ومثل هذا المثال يطبّق في معالجة سائر المحرّمات الاجتماعيّة، للتخلّص منها والقضاء عليها نهائياً، والله سبحانه المستعان.

عن رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: (إنّه رأي ليلة أسري به رجالاً بطونهم كالبيت الضخم وهم علي سابلة آل فرعون فإذا أحسّوا بهم قاموا ليعتزلوا عن طريقهم فمال بكلّ واحد منهم بطنه فيسقط حتي يطأهم آل فرعون مقبلين ومدبرين فقلت لجبرائيل: من هؤلاء؟ قال آكلة الربا).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (معاشر الناس: الفقه ثمّ المتجر الفقه ثم المتجر، والله الربا في هذا الدنيا أخفي من دبيب النمل علي الصفا).

قال الإمام الصادق عليه السلام: (ثلاثة في حرز الله عزّ وجل إلي أن يفرغ الله من الحساب: رجلٌ لم يهمّ بزنا قط ورجل لم يشب ماله بربا قط، ورجل لم يسع فيهما قط).

قال الإمام الرضا عليه السلام:

عن علّة تحريم الرّبا: (إنّما نهي الله عزّ وجلّ عنه لما فيه من فساد الأموال لأن الإنسان إذا اشتري الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهماً وثمن الآخر باطلاً، فبيع الربا وشراؤه وَكسٌ علي كلّ حال علي المشتري وعلي البائع، فحظر الله تبارك وتعالي علي العباد الرّبا لعلّة فساد الأموال …).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(يأتي علي الناس زمان لا يبقي أحد إلاّ أكل الرّبا فإن

لم يأكله أصابه من غباره).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (لمّا أنزل الله سبحانه قوله: ?ألم ? أحَسِب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون? علمت أنّ الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» بين أظهرنا، فقلت: يا رسول الله ما هذه الفتنة التي أخبرك الله بها، فقال يا علي إنّ أمّتي سيفتنون بعدي، فقلت يا رسول الله أو ليس قد قلت لي يوم أُحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين وحيزت عنّي الشهادة فشقّ ذلك عليّ، فقلت لي أبشر فإنّ الشهادة من وراءك فقال لي أنّ ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذن، فقلت يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشري والشكر وقال إنّ القوم سيفتنون بأموالهم، ويمنّون بدينهم علي ربّهم ويتمنّون رحمته ويأمنون سطوته ويستحلّون حرامه بالشبهات الكاذبة، والأهواء الساهية، فيستحلّون الخمر بالنبيذ، والسّحت بالهديّة، والربا بالبيع …).

سأل رجل الإمام الصادق عليه السلام: عن قول الله عزّ وجل: ?يمحق الله الربا ويربي الصدقات? وقد أري من يأكل الربّا يربو ماله؟

قال: (فأي محق أمحق من درهم رباً يمحق الدين وإن تاب منه ذهب ماله وافتقر).

قال الإمام الصادق عليه السلام:

(إذا أراد الله بقوم هلاكاً ظهر فيهم الرّبا).

الثروة

المال قيامٌ للإنسان، كما ورد في القرآن الكريم: ?ولا تُؤتُوا السُفهاءَ أموالكُمُ التي جعل اللهُ لكُم قياماً..?، وفي الحديث: (نِعمَ العونُ علي الدِّين الغني)، وفي الآية الكريمة: ?ذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء?.

ويوضّح لنا الحديث التالي خطورة وضرورة توجه الإنسان لمصادر أمواله ومواردها حيث قال: (من أين اكتسبه وفيم أنفقه)، وتطبيق المسلمين لهذا المقياس دفع الناس للالتفاف حول المسلمين، لأنّهم باستثناء الخلفاء والأمراء المنحرفين ومن إليهم طبّقوا مقاييس الإسلام

في الثروة، فليس في الإسلام ما في الرأسمالية المنحرفة من الإسراف المرهق، ولا الفقر المدقع، وقد قال علي عليه السلام: (ما رأيت نعمةً موفورةً إلاّ والي جانبها حقٌ مضيّع).

أمّا اليوم وبسبب تخلّي المسلمين عن التمسّك بالإسلام، وتظاهر الغرب بشيء من مناهج الإسلام وقوانينه في الثروة، مثل الصناديق الخيرية والمعونات والاقراض و(دعوا الناس يرزق الله بعضهم لبعض)، وما أشبه ذلك، دفع ذلك الناس إلي الابتعاد عن المسلمين والالتفاف حول الغرب.

نعم الغرب قد أخطأ في الرّبا، والاحتكار، والرأسماليّة المنحرفة، وتنافسه في الاستعمار المقارن لهباته وقروضه، إلي غير ذلك، فإنّ هذه واحدة من أهمّ الأسباب التي قادت العالم إلي الاستعمار والحروب والأزمات الإنسانية الشديدة وعلي أيّ: فالمطلوب عدم احتكار الثروة، كما تصنعه الشيوعيّة والاشتراكية بتركيز ثروات البلاد في الحكومة والحاكم، وكما تصنعه الرأسماليّة بتركيز الثروات في كبار الرأسماليين بألف خطّة وخطّة، كما أنّ المطلوب إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، فلا إفراط ولا تفريط، ?وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً?، (وخير الأمور أوسطها)، و?أنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتّبعوا السُبل فتفرّق بكُم عن سبيله?.

وهذا بحاجة إلي أمرين:

الأوّل: وضع القوانين العادلة المطابقة للإسلام لا بالشعارات ترسم تلك القوانين حدود المكسب والمصرف، وتعيّن مواردها المشرعة.

الثاني: التربية الصحيحة التي من شأنها أن تحول دون استبداد فئة قليلة بالمال عن طريق الاحتيال والخدعة، علي حساب الآخرين.

والظاهر أنّ الاستقامة والاعتدال في الثروة، لا يكون من دون وجود الأحزاب الحرّة المتنافسة، وشوري المرجعيّة، وإلاّ فالقانون يوضع ويطبق حتّي في الصحيح منه منحرفاً.

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

(أمسك من المال بقدر ضرورتك، وقدّم الفضل ليوم حاجتك).

قال الإمام السجّاد عليه السلام:

(أنّ من أخلاق المؤمن الإنفاق علي قدر الإقتار).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(يقول ابن آدم: مالي

مالي، هل لك من مالك إلاّ ما تصدّقت فأبقيت، أو أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت).

قال الإمام علي عليه السلام:

(أفضل المال ما قضيت به الحقوق).

قال الإمام الصادق عليه السلام:

(ليس من شيعتنا من مَلَكَ عشرة آلاف درهم إلاّ من أعطي يميناً وشمالاً وقدّام وخلف).

قال الإمام الصادق عليه السلام:

(المسلم أخو المسلم، وحقّ المسلم علي المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه، ولا يروي ويعطش أخوه، ولا يكتسي ويعري أخوه فما أعظم حقّ المسلم علي أخيه المسلم).

المجانية

في الإسلام كلّ شيء مجانيّ فالأرض والماء والصيد، وما أشبه، حتّي أنّ عليّاً «عليه الصلاة والسلام» أمر ببناء دكاكين في الكوفة وأعطاها للناس مجاناً، وكان ذلك سبباً في انخفاض الأسعار، والازدهار الاقتصادي، لأنّ الكاسب إذا أعطي أجرة أو ثمناً مقابل المحل، رفع أسعار بضائعه بقدرها لكي يعوّض ما ينفقه للأجرة، وبذلك يقع ثقل الأمر علي الناس.

فكان ما فعله عليه السلام من دواعي الرضي عند الناس، ولهذه الأمور وأشباهها التفّ الناس حول الدين الإسلامي، وتقدّم المسلمون ذلك التّقدّم الهائل.

أما اليوم فإنّ بلاد المسلمين تعمل بعكس ذلك، فالدكّان لا يخضع للإيجار فقط بل تفرض عليه ضرائب قاسية أيضاً.

ومن المعلوم أنّ من يدفعها بحسب الأرباح المضاربية وكثيراً ما الربويّة، يضيفها علي أسعار البضائع ممّا يسبّب غلاءاً مضاعفاً في الأسواق.

وكذلك صار كلّ شيء بثمن وأجرة وضريبة، فبناء الدار وترميمها، وفتح المحلاّت التجارية، وبناء المصانع وتربية الدواجن، وكذا السفر والإقامة والعمارة والزراعة والصناعة والثقافة والنقل والانتقال والإرث، وألف شيء وشيء، كلّها أمور تفرض عليها ضرائب ورسوم وجمارك، فلم يبق إلاّ أن تحوز الدولة الهواء لتبيعه علي الناس! أو أن تفرض الضرائب علي من يستظل بشجرة، أو من يستفيد من أشعة الشمس وحبّات المطر، أو أن تفرض الضرائب علي

من يتزوّج أو ينجب أطفالاً، وألف شيء وشيء.

ومن يضمن عدم قيامها بذلك في المستقبل، لو استمرت الأوضاع والمخطّطات الماكرة علي ما هي عليه في عالمنا المعاصر؟

وبعد كلّ هذا وذاك، فهل يا تري يوجد من يرغب في الإسلام ويدافع عنه؟

كلاّ.. إنّ هذه القيود كانت من أهمّ أسباب ابتعاد الناس عن الإسلام.

إنّ طبيعة المجتمعات السعي الحثيث وراء العدالة، فإذا وجدوها، أو تصورّوا أنّها في جانب التفوا حولها، لكن إذا اكتشفوا أنّ هذا التصوّر كان خيالاً ولو بعد حين انفضّوا عنها، كما حصل للمبادئ الأربعة الشيوعيّة والبعثيّة والقوميّة والوجوديّة حيث زعموا أنها منقذاً أوّلاً ثمّ علموا إنّها زيف وكذب، ولذا ابتعدوا عنها، وتذمّروا منها، وأعلنوا سخطهم عليها وعلي مؤسسيها ومبتدعيها.

ثمّ إنّ الغرب وإن كان مخطئاً ومجحفاً في ضرائبه، لكن ثمة فرقين بين بلاده وبلاد الإسلام:

الأوّل: إنّ الضرائب تجمع في الغرب بقوانين وضعها مسؤولون انتخبهم الناس ولو في الجملة وهؤلاء الوكلاء يضعون تلك القوانين حسب ما يرونه من المصلحة عادة، وليس كبلاد المسلمين حيث الناس بمعزل عن الحكم، وإنّما يستبدّ به قليل من الذين سيطروا علي مقاليد الحكم بقوّة السلاح لا بآراء الأكثرية، ولذا فإنّ مصالح الشعب آخر ما يراعيها بعض الحكّام في بلادنا.

الثاني: إنّ شعوب الغرب تري أنّ الحكّام يأتون بأمرها ويذهبون بأمرها، إضافة إلي وجود رقابة صارمة من الأحزاب المنافسة الأخري، ومحاسبة دقيقة من الصحافة للحكّام.

وبالتالي فلا يستطيع أن يتصرّف هؤلاء بأموال الشعب وينهبوا منها دون حدود، فدورهم لا يتعدّي حجم الموظّف البسيط.

فالرئيس الذي يصل إلي الرئاسة مثلاً لا يملك أن يسرق دون حدود كما يحدث في بلاد الديكتاتوريين، وإلاّ فإنّ الصحافة الحرّة والأحزاب الأخري تلاحقه وتفضحه، وتحرِّض الرأي العام عليه.

فالمجتمع الغربي يطمئن لحكّامه عادة بينما المسلمون

يكرهون حكّامهم ويسعون جاهدين لإسقاطهم.

وهذه الثقة في شعوبهم، وفقدانها من شعوبنا ناشئة من شكل الحكم ومنهجيته السياسية ….

ولذا تقدّم الغربيّون فوصلوا إلي القمر، بينما يتأخّر المسلمون بل يعجزون أحياناً عن صناعة ابرة الخياطة أو صابون الغسيل أو حلويّات الأطفال.

والمسلمون كثيراً ما يتركون بلادهم ويتوجّهون إلي الغرب لطلب اللجوء للعيش هناك، بعيداً عن ملاحقة رجال المخابرات، وفراراً من التخلّف الذي أصابهم، معلنين عجزهم عن حلّ أزمتهم بسبب أوضاعهم، وقد ورد عن علي عليه السلام:

دواؤك فيك وما تشعر وداؤك منك ولا تبصر

فصار حالهم كما يقول الشاعر:

المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرّمضاء بالنار

وهكذا أصبح حال بعض المسلمين اليوم أنهم لا يلدغون من جحر مرتين فحسب، بل ألف مرّة ومرّة.

نعم في الإسلام ضرائب أربع فقط، في حدود معقولة جدّاً ومصارف مقرّرة بدقّة حدّدها إله حكيم، وأوكل أمر التنفيذ في زمان غيبة الإمام المعصوم عليه السلام إلي الفقهاء العدول الذين ارتضتهم أكثريّة الأمّة إذا كانوا متعدّدين، حيث يشترط في الحاكم الإسلامي: رضي الله ورضي الناس، وهذه الضرائب الأربعة ليست كلاًّ علي المسلمين بل خدمة لهم، فهي تطهير وتزكية توجب النماء، فإنّ التكافل الاجتماعي يوجب قوّة المجتمع، وقوّة المجتمع تؤدّي إلي تقدّم الاقتصاد، ولذا قال سبحانه: ? تُطهّرُهُم وتُزكّيهِم بها?.

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك الأشتر: (تفقّد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإنّ في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم.. وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لبعض الجباة:

(إيّاك أن تضرب مسلماً، أو يهوديّاً، أو نصرانيّاً، في درهم خراج أو تبيع دابّة عملٍ في درهم، فإنّما أُمِرنا أن نأخذ منهم العفو).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (من عدل في

سلطانه وبذل إحسانه، أعلي الله شأنه وأعزّ أعوانه).

ومن كتاب للإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر لمّا ولاّه علي مصر: (الله الله في الطبقة السفلي من الذين لا حيلة لهم، من المساكين والمحتاجين وأهل البؤس والزمني … واجعل لهم قسماً من بيت مالك …).

سأل رجلٌ الإمام الحسن عليه السلام عن السياسة فقال عليه السلام:

(السياسة أن ترعي حقوق الله وحقوق الأحياء وحقوق الأموات فأمّا حقوق الله فأداء ما طلب والاجتناب عمّا نهي، وأمّا حقوق الأحياء فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك ولا تتأخّر عن خدمة أمّتك … ).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: (لا يدخل الجنّة.. عشارٌ ولا قاطع رحم..).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(من عمل بالعدل حصّن الله ملكه).

الروح

كان من أسباب التفاف الناس حول الإسلام، أنّهم وجدوا فيه برنامجاً روحيّاً يغذّي أرواحهم كما يغذّي الطعام أبدانهم، ذلك لأنّ الروح والبدن كلاهما له متطلبات، فروح الإنسان بحاجة إلي فهم المبدأ والمعاد والغرض من الخلقة، وما أشبه ذلك.

والإسلام يجيب عن كلّ هذا الأسئلة بأجوبة عقلية يستريح لها البال وتطمئن لها النفس.

علماً بأنّ القرآن الحكيم والسنّة المطهّرة زاخران به، لا من باب الشرع فقط، بل من باب العقل أيضاً وقد تطرق العلماء إلي تفصيل ذلك في كتبهم الكلاميّة.

ثمّ إنّ الغرب لمّا استغلّ رغبة الإنسان في المادّيات ومتطلّبات الجسم، وقوي جوانب المادّة والجسم، وساعده حاجة الناس الملحّة إليهما، فالتفّوا حوله، وتركوا المعنويّات ومتطلّبات الروح كأنّها أمور ثانويّة في منظار الناس العاديين، وقد ورد: (من لا معاش له لا معاد له)، وفي القرآن الحكيم: ?فليعبدُوا ربَّ هذا البيت الذي أطعمهُم من جوعٍ وآمنهُم من خوف?، إضافة إلي أنّ المسلمين تقهقروا حتّي في الجانب الروحي من

ملء الفراغ الروحي، ومن عرض الأجوبة والحلول الفكريّة والعقائديّة بشكل صحيح، وعلي أثر التقهقر في كلا المجالين: مجال الروح ومجال الجسم تفشّت أمراض الروح والجسم في المسلمين وعشعش فيهم المرض والفقر والجهل والاستبداد وانفضّ الناس عن الإسلام إلي من له شيء من المادّة.

والغرب بكنائسه وكتبه المقدّسة لم يتمكّن من ملء الفراغ الروحي حيث كان ما عرضه للناس ناقصاً مشوّهاً، ولذا انصرف كثير من الناس إلي الإلحاد الصريح كما في الشيوعيّة والوجوديّة والإباحيّة أو كان ما عرضه يفصل بين السماء والأرض، وتمسكوا بعبارة «دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»، ولهذا حصل الانفصام في الإنسان ممّا سبّب له عنتاً وإرهاقاً وقلقاً واضطراباً في داخله ونفسه.

ولا علاج إلاّ بأن ينهل المسلمون من المعين العذب للعقائد والأفكار والمعنويّات الإسلاميّة، وأن يعرضوا علي العالم ذلك، إضافة إلي الأخذ بما أكّده الإسلام من الاهتمام بجانب الجسم أيضاً، حتّي يفكر الناس في الجانب الروحي الصحيح، فيعود إلي الروح غذاؤها، ويكون الالتئام بين الروح والجسد، قال تعالي:

?ومنهم من يقولُ ربّنا آتنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النَّار أولئك لهم نصيب ممّا كسبوا …?.

ثمّ إنّ الدنيا لا تبقي سالمة لأصحابها من دون أن تجازيهم علي أعمالهم، فإنّ: ?من أعرض عن ذكري فإنّ له معيشةً ضنكا…?.

والحاصل: إنّ ما يدفع الناس إلي الالتفاف حول الغرب هو اهتمام الغرب بتوفير متطلّبات الجسم وإن كان علي حساب الروح وموت المعنويّات.

أمّا المسلمون فأوضاعهم اليوم أصبحت متردية للغاية، لأنّهم بقوا لا يستطيعون من توفير متطلّبات الروح والجسد علي ما يرتضيه الإسلام معاً إلاّ م،ا شذّ، ولذلك تجد في بلادنا القروض الدولية، وتكدس الأموال عند السلطات، والهبات الكبيرة من الغرب حتّي لبلاد الإسلام، بينما غالبية المسلمين يعيشون

في الفقر وتوابعه.

في حديث قدسي قال سبحانه وتعالي:

(أيّما عبد اطّلعتُ علي قلبه فرأيت الغالب عليه التمسّك بذكري، تولّيت سياسته وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

(مداومةُ الذّكر قوتُ الأرواح ومفتاح الصلاح).

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (مثل روح المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق إذا أخرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولم يعبأ به وقال: (إنّ الأرواح لا تمازج البدن ولا تداخله إنّما هو كالكلل للبدن محيطةٌ به).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(عليكم بذكر الله فإنّه شفاءٌ وإيّاكُم وذكر الناس فإنّه داءٌ).

قال الإمام السجّاد عليه السلام في الدعاء:

(إلهي فاجعلنا من الذين توشّحت أشجار الشوق إليك في حدائق صورهم … واطمأنّت بالرّجوع إلي ربّ الأرباب أنفسهم، وتيَقنت بالفوز والفلاح أرواحهم).

سئل الإمام الباقر عليه السلام عن قول رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: (إذا زني الرجل فارقه روح الإيمان)؟ قال: هو قوله عزّ وجلّ: ?أيّدهم بروحٍ منه? ذلك الذي يفارقه).

قلت لأبي عبد الله عليه السلام أرأيت قول النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» لا يزني الزاني وهو مؤمن؟

قال: (ينزع منه روح الإيمان.

قلت: فحدّثني بروح الإيمان.

قال: هو شيء، ثمّ قال: هذا أجدر أن تفهمه، أمّا رأيت الإنسان يهمّ بالشيء فيعرض بنفسه شيء يزجره عن ذلك وينهاه؟

قلت: نعم.

قال: هو ذلك).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

(إنّ للجسم ستّة أحوال: الصحّة والمرض والموت والحياة والنوم واليقظة، وكذلك الرّوح فحياتها علمُها، وموتُها جهلها، ومرضها شكّها، وصحّتها يقينها، ونومها غفلتها، ويقظتها حفظها).

قال الإمام علي عليه السلام:

(الذكر يشرح الصدر).

وقال أيضاً:

(ذكر الله جلاء الصدور وطمأنينة القلوب).

الفطرة

لقد خلق الله سبحانه وتعالي الكون بنظام خاص، وقرّر لكلّ شيء سلسلة من الملائمات والمنافرات والمقوّمات والعوائق وعوامل البناء والهدم، فالحيوان والنبات مثلاً وضع لهما

منهاجاً خاصّاً، قال سبحانه: ?إلاّ هو آخذٌ بناصيتها?، فسعادة الحيوان مثلاً تكمن في وجوده ضمن إطار خاص.

وأمّا في الإنسان فإنّ الأهم في قانون الحياة والخلقة، أن يتطابق التشريع مع التكوين، فإن تطابقا سعد الإنسان، وإن افترقا أصابه الشقاء، فتلك من: ?فطرت الله الّتي فطر الناس عليها?، والمهمّ أن لا يخرج الإنسان عن منهج الله ليوفّر لنفسه السعادة ويبعد عنها الشقاء. والإسلام حيث كان يطبّق كانت مسارب الإنسان ومجاريه مطابقة للفطرة، ولذلك وفّر له العيش الرّغيد والحياة الهانئة.

وحيث رأي الناس سعادة المسلمين التفوا حول الإسلام وانضووا تحت لوائه، فإنّ الفطرة من الداخل كانت تريهم المسير، مطابقة للشريعة في الخارج.

أمّا حين ترك المسلمون الإسلام تشريعاً، وقعوا في أشدّ الضنك وأضحوا تعساء، وتفرق الناس من حولهم، ولذا كان من أدلّة الأحكام: «العقل».

وقد أكثر القرآن الكريم من الحديث عن «العقل»، وكذلك ورد ذكره في الحديث الشريف: (إن لله علي الناس حجّتين، حجّة ظاهرة وحجّة باطنة فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة «عليهم السلام» وأمّا الباطنة فالعقول).

وقال العلماء: «كلّما حكم به العقل حكم به الشرع، وكلّما حكم به الشرع حكم به العقل».

وحيث أخذ الغرب بشيء من الفطرة التفّ الناس حولهم.

إنّ النظافة والنظام والحرّيّة والشوري والتعدديّة والتساوي أمام القانون وعدم الظلم وعدم الاستبداد وعدم أكل أموال الناس بالباطل، وألف شيء وشيء، كلّها مقرّرة في الإسلام، وقد تركها المسلمون علي الأغلب وأخذ بعضها الغرب فتقدّموا بقدر ما أخذوا.

ولا علاج في إرجاع المسلمين إلي سيادتهم، ولا إلي إرجاع العالم إلي رشده إلاّ برجوع المسلمين إلي دينهم ومبادئهم وفطرتهم، ثمّ دعوة العالم إليها بالحكمة والموعظة الحسنة.

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(لا تضربوا أطفالكم علي بكائهم فإنّ بكاءَهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله

إلاّ الله، وأربعة أشهر الصلوات علي النبي «صلي الله عليه وآله وسلم»، وأربعة الدعاء لوالديه).

عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:

سألته عن قول الله عزّ وجل: ?حنفاء لله غير مشركين به?؟ قال: الحنيفية من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، قال: فطرهم علي المعرفة به، قال زرارة: وسألته عن قول الله عزّ وجلّ: ?وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلي …? الآية؟ قال: أخرج من ظهر آدم ذرّيته إلي يوم القيامة، فخرجوا كالذّرّ فعرّفهم وأراهم نفسه ولولا ذلك لم يعرف أحدٌ ربّه وقال: قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: كلّ مولود يولد علي الفطرة، يعني المعرفة بأنّ الله عزّ وجل خالقه، كذلك قوله: ?ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ الله?.

عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: ?فطرت الله التي فطر الناس عليها? قال: (التوحيد، ومحمّد رسول الله، وعلي أمير المؤمنين).

عن أبي جعفر عليه السلام قال: (كانت شريعة نوح «صلوات الله عليه» أن يعبد الله بالتوحيد والإخلاص وخلع الأنداد، وهو الفطرة التي فطر الناس عليها).

سئل الإمام الصادق عليه السلام عن قول الله عزّ وجل: ?فطرة الله التي فطر الناس عليها? ما تلك الفطرة؟

قال: (هي الإسلام، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم علي التوحيد، قال ?ألستُ بربّكم? وفيه المؤمن والكافر).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(كلّ مولودٍ يولد علي الفطرة حتّي يكون أبواهُ يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه).

عن علي بن موسي الرضا، عن أبيه، عن جدّه محمّد بن علي بن الحسين «عليهم السلام» في قوله: ?فطرة الله التي فطر الناس عليها? قال: (هو لا إله إلاّ الله، محمّد

رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»، عليٌ أمير المؤمنين عليه السلام إلي ههنا التوحيد).

الإنسان

أعطي الإسلام الأولوية للإنسان حيث جعله المحور في كلّ شيء، وجعل المادّة في الهامش، وكان ذلك سبباً في توازن المجتمع الإسلامي ممّا أدّي إلي التفاف الناس حول الدين الإسلامي الحنيف.

لكنّ المسلمين اليوم تبعوا الغرب حيث جعلوا الإنسان في الهامش، والمادّة أصبحت هي المحور الأساسي عندهم غافلين عمّا يتظاهر به الغرب من تمسّكه بحقوق الإنسان المزعوم ممّا أدّي إلي انخداعهم.

وحيث أنّ الغرب أعطي بعض الحقوق للإنسان، والمسلمون علي الأغلب جرّدوه منها، فالتفّ الناس حول الغرب بدلاً من الإسلام.

ومراجعة سريعة للمنهج الإسلامي الأصيل يكشف الإنسان أنّ القرآن الحكيم قد سخّر الكون كلّه لخدمته، حيث قال تعالي:

?ولقد كرّمنا بني آدم …?، وقال سبحانه: ?وفضّلناهم علي كثير ممّن خلقنا تفضيلاً?، وقال: ?تبارك الله أحسن الخالقين?، إلي غير ذلك، حتّي جعل من قتل إنساناً واحداً كمن قتل الناس جميعاً، ومن أحيي إنساناً كما أحيي الناس جميعاً، قال تعالي: ?من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً?.

إنّ من يقتل إنساناً لأجل غاية يريد الوصول إليها يؤكّد علي أن نفسه متلوّثة بهذه الجريمة، بحيث لو توقّف تحقيق تلك الغاية علي قتل الناس جميعاً، وتمكن من ذلك لأقدم علي ذلك.

وكذلك حال بقية الناس، فأيّ جوهري بين من يرمي رصاصاً لتحقيق غاية دنيئة، وبين من يرمي قنبلة ذرّية تنسف ملايين البشر لتحقيق تلك الغاية، أو تقضي علي كلّ البشريّة كذلك؟

فإنّ من لا يتورّع عن إطلاق رصاصة في لحظة غضب جامح، أو لأجل رغبة شيطانية، لا يتورّع عن ضغط زر تنطلق إثره عشرات الصواريخ حاملة الرؤوس النووية فيما لو

كان الضغط علي ذلك الزّر يتم بنفس بساطة وسهولة الضغط علي زناد البندقيّة .

وحيث رأي الناس أنّ الإسلام يكنّ هذا الاحترام الكبير للإنسان أحبّوه والتفّوا حوله، وهناك احترامات أخري منها: (ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع)، وقول علي عليه السلام:

وحسبك داءً أن تبيت ببطنةٍ وحولك أكبادٌ تحنّ إلي القدّ

ومع مرور الزمن ترك المسلمون تلك المعاني السامية، وجعلوا المادّة هي المحور، ولذا قتل بعضهم بعضاً، وهجّر بعضهم بعضاً، ولم يهتمّ بعضهم ببعض، وصاروا كما قال تعالي: ?ثمّ أنتم هؤلاء تقتُلون أنفسكم وتخرجُون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرُون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتُوكُم أساري تُفادوهُم وهو محرّمٌ عليكم إخراجُهُم أفتُؤمنُون ببعض الكتاب وتكفُرُون ببعضٍ فما جزاءُ من يفعلُ ذلك منكُم إلاّ خزيٌ في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردُّون إلي أشدِّ العذاب?.

لمّا أسري برسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» حضرت الصلاة فأذّن وأقام جبرائيل فقال: يا محمّد تقدّم، فقال له رسول الله: (تقدّم يا جبرائيل، فقال له: إنّا لا نتقدّم الآدميين منذ أمرنا بالسجود لآدم عليه السلام)

عن عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام فقلت: الملائكة أفضلُ أم بنُو آدم؟ فقال: (قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: إنّ الله عزّ وجل ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوةٍ وركّب في البهائم شهوة بلا عقلٍ، وركّب في بني آدم كلتيهما، فمن غلب عقله شهوته، فهو خيرٌ من الملائكة، ومن غلب شهوته عقله فهو شرٌ من البهائم).

قال الإمام الباقر عليه السلام:

(وما خلق الله عزّ وجلّ خلقاً أكرم علي الله عزّ وجل من مؤمنٍ، لأنّ الملائكة خُدّام المؤمنين …).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: (أكثر الناس

قيمة أكثرهم علماً، وأقل الناس قيمة أقلّهم علماً).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

(غاية الأدب: أن يستحي الإنسان من نفسه).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

(المرآة التي ينظر الإنسان فيها إلي أخلاقه هي الناس لأنّه يري محاسنه من أوليائه منهم، ومساوئه من أعدائه فيهم).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (كمال الإنسان العقل).

(أعقل عقلك واملك أمرك وجاهد نفسك واعمل للآخرة جهدك).

(عنوان فضيلة المرء عقله وحسن خلقه).

(للإنسان فضيلتان، عقل ومنطق، فبالعقل يستفيد وبالمنطق يفيد).

الأخلاق

كانت الأخلاق الإسلامية من أهم أسباب التفاف الناس حول الإسلام واعتناق مذهبة، فالأخلاق تدخل في كلّ مفردة من مفردات الإسلام، وتمتزج بكلّ شأن من شؤونه: العبادات، والمعاملات، والحروب بالمعني الأعم والقضاء، والإمارة، والاجتماع … وغيرها.

ولذا قال النبي «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق).

وقد أشرنا إلي بعض ذلك في كتاب: «الأخلاق الإسلاميّة».

فالناس كلّهم سواسية أمام القانون، لا فرق بين أعلي شخصية في الدولة وأدني شخصية في السلّم الاجتماعي، فكلاهما يمتثلان أمام القضاء الإسلامي ويجري عليهما الحكم بلا تحيّز، حتّي ولو كان أحد الممتثلين غير مسلم.

وقد حضر الإمام علي عليه السلام عند شريح القاضي، «قاضي الإمام»، حينما اختلف مع رجل يهودي في درع كان يملكها الإمام عليه السلام، وادعي اليهودي انّه أيّ الإمام يملكها كذباً وزوراً، وكان الإمام عليه السلام يومئذٍ خليفة المسلمين والقائد الأعلي للدولة الإسلاميّة.

فسلوك الإمام عليه السلام وسيرته هذه من شأنها أن تجسد الأخلاق الإسلاميّة الفاضلة، التي لا تري أيّ تفاضل اجتماعي أمام القانون الإسلامي.

فكلّ رجال الدولة من الخليفة إلي الأمير إلي الوزير إلي القاضي إلي المرجع الديني إلي إمام الجمعة.. كلّهم متساوون أمام القانون، فلا تفاضل بينهم إلاّ بالتقوي، ولا محسوبيّة ولا منسوبيّة ?إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم?، و?أن ليس

للإنسان إلاّ ما سعي?، وبحسب ما حصل عليه من كفاءات ومؤهّلات، وإلاّ فالناس كلّهم سواء وقد أشار الإمام علي عليه السلام إلي هذه الحقيقة بقوله:

فإن يكن لهم من أصلهم شرفٌ يفاخرون به فالطين والماء

أمّا الأخلاقيّات في المعاملة والعبادة والعائلة والشركاء، وغيرها فحدّث عنها ولا حرج، وقد ألمعنا إلي جملة منها في كتاب الفقه: «الآداب والسنن».

ولمّا رأي الناس تلك الأخلاقيّات الرّفيعة، ابتداءً من النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» والوصي عليه السلام وانتهاءً بمراجع التقليد والقضاة وأئمّة الجمعة والجماعة، التفّوا حول الإسلام.

ولمّا أدبر كثير من حكّام المسلمين وكبرائهم عن تلك الأخلاقيّات كما هو الحال في الوقت الحاضر انفضوا عنهم، والتفّوا حول الغرب الذي فيه شيء من ذلك، ك «الديمقراطيّة»، و «حقوق الإنسان» وكون «الصحّة والثروة والعلم للجميع إلي حدّ ما »، وإن كان الفارق بين الإسلام والغرب من الثريا إلي الثري.

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(لمّا خلق الله تعالي الإيمان قال: اللهم قوّني فقوّاه بحسن الخلق والسخاء، ولمّا خلق الله الكفر قال: اللهم قوّني فقوّاه بالبخل وسوء الخلق).

قال الإمام الصادق عليه السلام: (إنّ الله تبارك وتعالي ليعطي العبد من الثواب علي حسن الخلق، كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه ويروح).

كان رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» خُلقَهُ القرآن، قوله عزّ وجل:

?خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين? ثمّ قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: (هو أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمّن ظلمك).

عن رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» أنّه قال للإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (ألا أخبركم بأشبهكم بي خلقاً؟ قال: بلي يا رسول الله، قال: أحسنكم خُلقاً، وأعظمكم حلماً، وأبرّكم لقرابته، وأشدّكم من نفسه

إنصافاً).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (حسن الخلق في ثلاث: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسع علي العيال).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

(إنّ أزين الأخلاق، الورع والعفاف).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: (أفضلكم أحسنكم أخلاقاً الموطؤون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم).

الجرائم والمشكلات

من أسباب التفاف الناس حول الإسلام في الزمن الأوّل قلّة الجرائم، وندرة المشاكل، فقد كان الإيمان بالله واليوم الآخر من أهمّ أسباب تنامي الفضيلة في النفوس، والفضيلة ضدّ الجريمة وتمنع عن وقوعها.

ولا زلت أتذكّر انّه قبل خمسين عاماً في العراق كانت الجرائم في النجف الأشرف وكربلاء المقدّسة المدينتين اللتين عشت فيهما أقلّ من القليل، فإذا سمع الناس بسرقة أو جرح إنسان أو امرأة منحرفة خلقياً، أثار ذلك دهشتهم وعجبهم، أمّا حوادث القتل فلم تكن تقع إلاّ نادراً، فالأموال كانت محترمة، والأعراض مصونة والدّماء محقونة، وكذلك الحال بالنسبة للمشاكل الاجتماعيّة مثل: حوادث الطلاق، والمنازعات، وانفصام العوائل، وطرد الأولاد وعقوقهم أو بالعكس.

وإذا حدث نزاع فإنّه كان يتمّ الفصل بين المتنازعين عند رجل الدين، ولا يستغرق ذلك أكثر من ساعات، ولا يصل الأمر إلي أيّام فضلاً عن الشهور والسنين.

أمّا المسلمون في هذه الأيّام فحيث ضعف الوازع الديني في نفوس الكثيرين منهم إلاّ من عصمه الله تعالي غرقوا في الجرائم والمشاكل.

وقد استوردوا من الغرب أنواع الرذائل، كما تعلّموا منهم بيع الخمور والقمار وتعاطي الرّبا والغناء والفجور وسائر الموبقات، بدلاً من أن يتعلّموا منهم سبل التقدّم الصناعي والزراعي والتجاري، فأصبحوا كما يقول المثل ممّن «ضيّع المشيتين» و «علي نفسها جنت براقش».

ولا علاج إلاّ بتطبيق الإسلام والالتزام بمنهاجه، وهو الذي يوفّر في النفس الخوف من الله كما كان في العهد السابق وليس الأمر بإطلاق الشعارات والادّعاءات، بل بالواقع

والحقيقة، قال «صلي الله عليه وآله وسلم»: (فاسألوا الله ربّكم بنيّاتٍ صادقة وقلوب طاهرة)، وقال علي عليه السلام: (فلمّا علم الله منّا الصدق أنزل علينا النصر).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: (إنّ أحبّكم إلي الله أحاسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكنافاً، الذي يألفون ويؤلفون، وأبغضكم إلي الله المشاؤون بالنميمة، والمفرّقون بين الإخوان، الملتمسون لأهل البراء العثرات).

من خطبة رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» في حجّة الوداع قال فيها:

(إنّ دماءكم وأموالكُم عليكُم حرامٌ كحرمة يومكُم هذا في شهركُم هذا في بلدكُم هذا إلي يوم تلقُونه فيسألكُم عن أعمالكم).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(إذا التقي المسلمان بسيفهما علي غير سنّة فالقاتل والمقتول في النار)

قيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟!

قال: (لأنّه أراد قتلاً).

قال الإمام الصادق عليه السلام:

(فاز والله الأبرار، تدري من هم؟ هم الذين لا يؤذون الذّر).

قال الإمام السجّاد عليه السلام:

(كفُّ الأذي من كمال العقل وفيه راحة البدن عاجلاً وآجلاً).

قال الإمام الصادق عليه السلام: (أنظر أن لا تكلمنّ بكلمة بغي أبداً وإن أعجبتك نفسك وعشيرتك).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

(إنّ الله سبحانه ليبغضُ الوقحَ المتجرّئ علي المعاصي).

قال الإمام علي عليه السلام: (لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلماً).

(إيّاك والإصرار فإنّه من أكبر الكبائر وأعظم الجرائم).

(التبجح بالمعاصي أقبح من ركوبها).

(إذا ضعفت فاضعف عن معاصي الله).

الرقابة النفسيّة

كان من أسباب التفاف الناس حول الإسلام: المواظبة الشديدة لدي المسلمين علي محاسبة النفس والرقابة النفسيّة، فقد التزم المسلمون بهذه الصفة الحميدة «محاسبة النفس»، لأنّ دينهم دعاهم إلي ذلك، فالمسلمون كانوا نموذجاً في أمانتهم وصدقهم وصحّة عملهم وإتقانهم وفي كلّ سلوكهم، ولذا التفّ الناس حولهم، إذ الإنسان يحبّ بفطرته أن يتعامل بثقّة وصدق وأمانة و.. مع أولاده وزوجته وأبويه

وعمّاله وشريكه وحاكمه وعالمه وجاره وصديقه.

لكنّ افتقاد كثير من المسلمين لهذه الثقّة وتلك الأمانة أدي إلي نفور الناس من الإسلام وابتعادهم عن مذهبه.

إنّ الثقّة والأمانة والصدق و.. لا تتوفّر عبر القانون، ذلك لأنّ القانون ظاهري فقط، والشرطة إنّما تحمي الظاهر من الأمر، أمّا الباطن فالأمر بحاجة إلي رقابة نفسيّة يقظه، وهي لا تحصل إلاّ بالإيمان بالله السميع البصير، العليم بسرائر خلقه وما تخفي الصدور.

أمّا اليوم فقد انسلخ المسلمون علي الأغلب من محاسن الصفات ومكارم الأخلاق، ولم يراعوا حتّي التظاهر به، وقد أخذ الغرب ببعضه، ولذا ابتعد الناس عن المسلمين والتفوا حول الغرب، فإنّك تري في الغرب الإتقان في العمل والاستشارة في الأمور والانضباط والنظام والنظافة والصحّة، ومع أنّها ليست كاملة ولكنّها متوفّرة إلي حدّ ما.

وهذه الأمور ولدت فيهم بسبب المنافسة والمراقبة والأحزاب الحرّة والنقابات ووسائل الأعلام لا من جهة الخوف من الله سبحانه وتعالي .

وقد كنّا نقرأ في أوائل بعض الكتب الدراسيّة حديثاً شريفاً يقول: (أوّل العلم معرفة الجبّار وآخر العلم تفويض الأمر إليه)، فإنّ العلم النافع، متوقّف علي معرفته سبحانه، والمعرفة الكاملة تستدعي تفويض الأمر إليه تعالي، إذ الإنسان ليس إلاّ جرماً صغيراً في هذا النظام الكوني الهائل، الذي لا يعرف أوّله ولا آخره، ولا طوله ولا عرضه، ولا عمقه، ولا شيء من خصوصيّاته الذاتيّة والعرضيّة إطلاقاً، وإنّما يكون الإنسان بالنسبة إليه كما قال سبحانه: ?يعلمون ظاهراً من الحياة والدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون? فالإنسان يعرف الظاهر من الأشياء فقط، وعن الدنيا فقط.

إنّ الفرد منّا يفوّض أمره ويولي زمامه في عملياته الجرّاحيّة، وفي تنقله من مكان إلي آخر إلي الطبيب والطيّار، فكيف بأمور حياته المصيريّة التي ترتبط بسعادته وشقاوته في هذه الدنيا وفي

الدار الآخرة، وهو لا يعلم منها شيئاً، والعالم بها هو الله تعالي وحده الذي بيده ملكوت كلّ شيء، ومن المعلوم أنّ الذي يفوّض أمره إلي الله تعالي خالق الكون ومدبّره، يهديه الله تعالي إلي ما فيه صلاحه وخيره.

وعليه فقوله تعالي: ?فوقاه الله سيّئات ما مكروا?،إشارة إلي مصداق من مصاديق أوّل الآية: ?وأفوّض أمري إلي الله إنّ الله بصيرٌ بالعباد?، وإلاّ فإنّ الله سبحانه يحفظ الإنسان دون شعور أو إحساس منه في أكثر الأحيان من الغرق والحرق والخسف والهدم والسقوط، ومختلف الأمراض والأوبئة والكوارث، وغيرها.

وعلي أيّ حال: فإنّ كثيراً من المسلمين انفضّوا عن تلك المعاني السامية، لأنّ خوف الله سبحانه لم يتجذّر أو يتوفّر فيهم، كما توفّر وتجذّر في المسلمين الأوائل.

هذا مع قطع النظر عن انقطاع الألطاف الإلهيّة الخاصّة عنهم، حيث إنّ هناك تجارة بين الإنسان وبين ربّه سبحانه وتعالي، قال تعالي: ?تجارةً لن تبور?، وقال سبحانه: ?إنّ الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم …?، ومادام المشتري لا يعطي الثمن، فهو لا يأخذ المثمن أيضاً.

ومن الواضح أن للعاقل فضلاً علي المؤمن الجاهل، إنّ كلّ شيء حسب الأدلّة العقليّة والنقليّة بيد الله سبحانه، وإنّه علي كلّ شيء قدير، قال تعالي: ?يا أيّها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هو الغنيّ الحميد ? إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديد ? وما ذلك علي الله بعزيز?، وكما يقول الملاّ هادي السبزواري:

أزمّة الأمور طرّاً بيده والكلّ مستمدٌّ من مدده

قال سبحانه: ?قل اللهمَّ مالك الملك …?.

وقال تعالي: ?فإنّ العزّة لله جميعاً?.

وقال تعالي: ?ولله خزائن السّماوات والأرض …?.

وقال جلّ ذكره: ?يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذّكور?.

إلي غير ذلك من عشرات الآيات ومئات الأحاديث الواردة بهذا الشأن.

فمن أين العزّة؟ فمن أين

الصحّة؟ ومن أين الأمن؟ ومن أين الجمال؟ ومن أين الثروة؟ ومن أين الأولاد؟ ومن أين السعادة في الحياة؟ ومن أين؟ ومن أين؟ إلاّ منه تعالي.

والإنسان مهما حلّق نحو الأقمار أو غاص في أعماق البحار، فإنّه عاجز عن منح الحياة والروح حتّي لذبابة واحدة، فكيف له بتوفير الحياة السعيدة، والعيش الهنيء والعزّة والمنعة لنفسه، من دون الاستمداد من الله تعالي وطلب العون منه؟ قال تعالي ?لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له?.

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(من عرضت له فاحشةً أو شهوةً فاجتنبها من مخافة الله عزّ وجلّ حرّم الله عليه النار، وآمنه من الفزع الأكبر، وأنجز له ما وعده في كتابه في قوله: ?ولمن خاف مقام ربّه جنّتان?).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

(رحم الله امرء سَمعَ حُكماً فوعي، ودعا إلي رشاد فدنا، وأخذ بحجزة هادٍ فنجا، وراقب ربّه، وخاف ذنبه …).

قيل للإمام الحسين عليه السلام: ما أعظم خوفك من ربّك؟ قال: (لا يأمن يوم القيامة إلاّ من خاف الله في الدنيا).

قال الإمام الصادق عليه السلام: (في قوله تعالي ?ولمن خاف مقام ربّه جنّتان?: من علم أنّ الله يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شرّ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال، فذلك الذي خاف مقام ربّه ونهي النفس عن الهوي).

قال الإمام الكاظم عليه السلام:

(ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم فإنّ عمل حسناً استزاد الله وإنّ عمل سيّئاً استغفر الله منه وتاب إليه).

قال الإمام السجاد عليه السلام:

(ابن آدم: لا تزال بخير ما كان لك واعظٌ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همّك، وما كان الخوف لك شعاراً والحزن لك دثاراً …).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

(خف الله خوف من

شغل بالفكر قلبه، فإنّ الخوف مظنّه مطيّة الأمن وسجن النفس عن المعاصي).

قال الإمام الرضا عليه السلام:

(من لم يخف الله في القليل لم يخفّه في الكثير …).

قال الإمام الحسن عليه السلام:

(من عَبَدَ الله عبّد الله له كلّ شيء).

قال الإمام الهادي عليه السلام:

(من اتّقي الله يُتّقي …).

(خف ربّك خوفاً يشغلك عن رجائه وأرجه رجاء من لا يأمن خوفه).

(خف الله يؤمنك، ولا تأمنه فيعذبك).

(من خاف الله آمنه الله سبحانه من كلّ شيء ومن خاف الناس أخافه الله سبحانه من كلّ شيء).

(الخشية شيمة السعداء).

(فاتّقوا الله تقيّة من أنصب الخوف بدنه واسهر التهجّد غرار نومه واظمأ الرجاء هواجر يومه).

النظافة

أمر الإسلام بالنظافة، حتّي قال النبي الأكرم «صلي الله عليه وآله وسلم»: (النظافة من الإيمان).

وقد كان النبي شديد النظافة، بل إنّه كان فوق ذلك إذا مرّ من مكانٍ ترك فيه رائحة العطر، حتّي أنّ المارّ من ذلك المكان كان يعرف من رائحة العطر أنّ رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» قد مرّ من هنا، وذلك لشدّة نظافته، ولما كان يفوح من رأسه الشريف رائحة العطر لشدّة علاقته به.

وقد جعل «صلي الله عليه وآله وسلم» ثلث مهر الزهراء «عليها السلام» في العطر وهذا ما يشير إلي شدّة اهتمامه بالنظافة والتنظّف.

ويعرف اهتمام الإسلام بالنظافة من خلال تأكيده علي الوضوء لكلّ صلاة، سواء كانت فريضة أم نافلة، وهو غالباً يستلزم الوضوء ثلاث مرّات علي الأقلّ في اليوم الواحد.

وكذلك بغسل الجَنابة وطهارة النساء من الحيض، بالإضافة إلي أنواع أخري من الأغسال الواجبة أو المستحبّة.

كما أوصي الإسلام بنظافة الملبس والمأكل والمسكن، حتّي قال: «صلي الله عليه وآله وسلم»: (لا تبيّتوا القمامة في بيوتكم وأخرجوها نهاراً فإنّها مقعد الشيطان).

ولو أردنا إحصاء توصيات الإسلام في النظافة لبلغت

عدّة كتب ضخمة، وقد ورد: أنّ سبب عدم نزول الوحي علي النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» في شأن سورة «الضحي» أنّ جبرائيل عليه السلام قال للنبي: (كيف أنزل وفي براجم أصحابك الوساخة).

وهذا الحديث إن تمّ سنده، فهو باب التأكّد والتشديد علي النظافة وعدم التسامح في الوساخة شكلاً ورائحة، ويظهر هذا التأكيد بجلاء عندما يتحدّث لنا التاريخ عن أنّه «صلي الله عليه وآله وسلم»، كره أكل الثوم والبصل، فلم يأكلهما طيلة حياته.

وقال «صلي الله عليه وآله وسلم» في مجال آخر من النظافة: (لولا أن أشقّ علي أمّتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة).

وورد: (أنّ تحت كلّ شعرة جنابة) حتّي يلزم غسله ممّا يزيل آثار الوساخة عن كلّ جزء من أجزاء البدن.

ثمّ بعد ذلك الحثّ الكبير علي النظافة، أخذ كثير من المسلمين في الابتعاد عنها إلاّ في مثل الوضوء والغسل الواجبين، ولم يراعوا النظافة في الكثير من شؤون حياتهم، بينما أخذ الغرب في المزيد من الالتزام بها.

فيوم انتقل المسلمون من قذارة الجاهليّة إلي نظام الإسلام، التفّ الناس حولهم، ولكن يوم تركوها وراعي بعض أصولها الغرب، انفضّ من حولهم، واستبدلوا النظام الغربي بالنظام الإسلامي.

ثمّ إنّ المصانع الحديثة زادت في وساخة بلاد المسلمين، فالتلوّث البيئي الذي تحدثه المصانع ووسائل النقل مشهود بوضوح في بلاد المسلمين وخاصّة العواصم الإسلاميّة بينما العواصم الغربية أحاطت نفسها إلي حدّ ما بسياج من النظافة وبوسائل وقائية، سلامة لبلادهم من التلوّث البيئي.

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

(تنظّفوا بالماء من الريح المنتن الذي يتأذّي به، وتعهّدوا أنفسكم فإنّ الله عزّ وجلّ يبغض من عباده القاذورة الذي يتأنّف به من جلس إليه).

قال الإمام الرضا عليه السلام:

(من أخلاق الأنبياء التنظّف).

قال الإمام الباقر عليه السلام:

(كنس البيوت ينفي الفقر).

قال الإمام

أمير المؤمنين عليه السلام:

(نظّفوا بيوتكم من حوك العنكبوت فإنّ تركه في البيت يورث الفقر).

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(إنّ الله تعالي يحبّ من عبده إذا خرج إلي إخوانه أن يتهيّأ لهم ويتجمّل).

قال الإمام الصادق عليه السلام:

(البس وتجمّل فإنّ الله جميلٌ يحبّ الجمال، وليكن من حلال).

قال الإمام الصادق عليه السلام:

(قال الله عزّ وجلّ لإبراهيم عليه السلام: تطهّر، فأخذ شاربه..

ثمّ قال: تطهّر، فنتف من إبطه..

ثمّ قال: تطهّر فقلّم أظفاره..

ثمّ قال: تطهّر فحلق عانته..

ثمّ قال: تطهّر، فاختتن).

قال الإمام الصادق عليه السلام:

(إنّ الله يحبّ الجمال والتجمّل، ويكره البؤس والتباؤس فإنّ الله عز وجل إذا أنعم علي عبده نعمةٍ يحب أن يري أثر نعمته عليه.

قيل وكيف ذلك؟

قال: ينظّف ثوبه، ويطيّب ريحه ويجصّص داره، ويكنس أفنيته، حتّي أنّ السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق).

المرأة

كانت الجاهليّة بعربها وفرسها ورومها تحتقر المرأة أكبر احتقار، وبقيت المرأة علي حالتها المترديّة، حتّي جاء الإسلام فرفع شأنها، ووضعها في موضعها المناسب، وأعاد إليها كرامتها الإنسانيّة عمليّاً لا شعاراً .

فكان ذلك الاحترام من أسباب التفاف الناس حول الإسلام، حيث إنّ المرأة تمثل أكثر من نصف المجتمع، وهذا له دوره وانعكاساته علي أسلوب الحياة والمجتمع.

لكن المجتمع الإسلامي المعاصر احتقر المرأة، حينما حرمها من التعليم ومن حقّها في الإرث وحرم الكثير منهنّ من الزواج ومنعهنّ عن كثير من حقوقهن الأخري، فالتجأت المرأة إلي الثقافة الغربية كبديل عن الثقافة الإسلاميّة، متصوّرة أنّ الحضارة الغربيّة ستوفّر لها ما فقدته في البلدان الإسلاميّة من حقوق، لكنّها اكتشفت وبعد فترة قصيرة أنّ الغرب أساء لها إساءةً كبيرة، حيث أغراها بالتبرّج والخلاعة، وفتح في وجهها دور البغاء، وساقها إلي مستنقع الفساد والانحراف، وبؤرة المرض والرذيلة، وأحالها سلعة رخيصة

تتجاذبها الأهواء، وأهانها نفسيّاً واجتماعيّاً أيّما إهانة. وأصبحت معرضة للأمراض وكذا المتعاطون معها.

وكذلك أساء الغرب للمرأة بإباحة الشذوذ الجنسي، ممّا معناه حرمانها من الزواج، فكثرت علي أثره العوانس، وانتشر الأخلاء والخليلات وهدّمت العوائل، وتحوّلت النساء إلي عارضات للأزياء، ومروّجات للإعلانات، وأُدخلن بالتالي في المعامل والمصانع التي لا تتلائم وطبيعتها حيث عملت المرأة في المصانع والمناجم فأضرّ ذلك بها وبشعورها وعواطفها وبأنوثتها.

لكنّ الحقّ وبعد فشل المبادئ الأخري أنّ الإسلام هو الوحيد الذي يراعي في قوانينه الصلاح الحقيقي للمرأة، فلا سبيل لإسعادها إلاّ بالعودة إلي القوانين الإسلاميّة: ?إذا دعاكم لما يحييكم?. فبدلاً من ذلك الانحطاط الخلقي والضياع الاجتماعي، يري في الإسلام العلو الخلقي، والتكافل الاجتماعي، فإنّه يري المرأة ربّة البيت، ومديرة شؤونه، وشريكة الرجل في حياته، وأم أولاده، وأساس سعادته، بل وأساس سعادة المجتمع ورقيّه، وإليها أوكل حضانة الجيل الجديد وتربيته، وجعل الجنّة تحت أقدام الأمّهات، وأمر الرجل بالنفقة عليها، وتوفير ما يناسب شأنها من المسكن والملبس، والمأكل والمشرب للتفرّغ إلي إنجاز مهمّتها المتلائمة مع فطرتها، كما وأنّه يري ضرورة التعليم والتثقيف لها، والاشتغال بما يناسبها ويتناسب مع كرامتها وعفّتها، مثل حياكة السجّاد والخياّطة والتطريز ومزاولة الأعمال البيتيّة، وتعلم الطبّ، والتدريس الأكاديمي، والدراسة الدينيّة، حيث بلغت بعض النساء درجة الاجتهاد.

كما وأنّه يري لها أن تكون إماماً لجماعة النساء في الصلاة، وقد جعل الرسول «صلي الله عليه وآله وسلم» أم ورقة وغيرها، إمام جماعة يأممن النساء في بعض مساجد المدينة، وكانت بعض المساجد في زمن الإمام علي عليه السلام خاصّة بالنساء، وللمرأة أن تدير المؤتمرات والتجمّعات النسائية الكبري. وكانت المرأة في عهد الرسول «صلي الله عليه وآله وسلم» تهيئ الطعام للمحاربين وتقوم بإسعاف الجرحي والمصابين.

كما وأنّه يري ضرورة

فتح مدارس علميّة وتربويّة للنساء وفتح الدورات التدريبيّة المناسبة لشؤونها إسلاميّاً، وفتح معاهد التعليم العالي للنساء حتّي يصبحن طبيبات وممرضات وقابلات ومركبات أسنان ومديرات ومعلّمات وأساتذة جامعات.

كما وأنّه يري ضرورة تزويج العازبات والعانسات، وذلك حسب ما قرّره الإسلام، وقد ذكرنا ذلك في كتاب النكاح بتفصيل.

فإنّ المرأة كالرجل في كلّ شيء، إلاّ فيما استثناه الله سبحانه تكويناً أو تشريعاً، وسيرة الرسول «صلي الله عليه وآله وسلم»، وعلي عليه السلام خير هادٍ لكيفية سلوكهنّ في مختلف الحقول، حتّي أنّ رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» آخي بين النساء كما آخي بين الرجال. وأحياناً استشار المرأة كما في قصّته «صلي الله عليه وآله وسلم» مع زوجته أم سلمة، وأخذ البيعة منهنّ مرّتين: مرّة لنفسه، ومرّة لعليّ عليه السلام في غدير خم.

إذن فالإسلام يري أنّ المرأة حرّة بما للكلمة من معني، إلاّ فيما جعل الله من القواعد الخاصّة بها، وذلك لمصلحتها ومصلحة الرجال، كما أنّ الرجل حرّ بمعني الكلمة إلاّ في المحرّمات علي ما سبق، وكلّ إفراط أو تفريط في حقّ المرأة فإنّه يعني زيادة أو نقصاناً في طبيعة الحياة البشريّة ويؤول بالتالي إلي الوبال والزوال.

قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

(خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي).

وقال أيضاً:

(ما زال جبرائيل يوصي بالمرأة حتّي ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشةٍ مبيّنة).

قال الإمام السجّاد عليه السلام:

(وأمّا حقّ الزّوجة فأن تعلم أنّ الله عزّ وجل جعلها لك سكناً وأنساً فتعلم أنّ ذلك نعمةً من الله عليك فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقّك عليها أوجب، فإنّ لها عليك أن ترحمها …).

عن الحسن بن الجهم قال: (رأيت أبا الحسن عليه السلام اختضب، فقلت: جعلت فداك اختضب؟ فقال: نعم، إنّ التهيئة

ممّا يزيد في عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنّ التهيئة. ثمّ قال: أيسرّك أن تراها علي ما تراك عليه إذا كنت علي غير تهيئة؟ قلت: لا، قال: فهو ذاك …).

قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (ما حقّ المرأة علي زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال: يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها، وقال أبو عبد الله عليه السلام: كانت امرأة عند أبي عليه السلام تؤذيه فيغفر لها).

قال الإمام الصادق عليه السلام:

(إنّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلي ثلاث خصال يتكلّفها وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصّن).

عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال:

(لا غني بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته: وهي الموافقة لتجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها).

وأخيرا

إنّ السؤال المطروح بعد هذه الرحلة القصيرة، هو كيف يمكن إرجاع الإسلام إلي واقع المسلمين بما فيه من آيات «الأخوة» و «الحرّية» و «الأمّة»؟ ومن سائر الدعوات والأحكام الباعثة إلي الحياة: ?إذا دعاكم لما يحييكم?؟

كيف يمكن أن يعود الإسلام إلي الحياة؟ وما هي الطريقة المثلي لعودة المسلمي ن إلي دينهم؟

كيف يمكن نجاتهم من الوضع المرزي الذي وصلوا إليه في القرن الأخير؟

والجواب: بما أنّه لا يمكن الرجوع إلي كافّة مناهج الإسلام وتعاليمه مرّة واحدة ودفعة واحدة، فاللازم العودة تدريجياً، حتّي لا يختل النظام ولا تحدث فجوات أو زلازل تهز الدولة وتفرق صفوف المجتمع، والتدرّج في التغيير ليس هو ممّا يقتضيه العقل ويسير عليه العقلاء فحسب، بل هو ممّا انتهجه الإسلام أيضاً في أوّل ظهوره، كما فصلنا ذلك في بعض الكتب المعنية بهذا الأمر والمرتبط بهذا الخصوص، وأشرنا

إليه هنا، حتّي لا يكون التغيير المفاجئ موجباً للسقوط، لأنّ التغيير المفاجئ يوجب هزّة عنيفة، والهزات العنيفة توجب دائماً التفكك والسقوط والانحلال.

والذين ارتقوا سلّم الحضارة لم يرتقوها دفعة واحدة، بل كان ذلك نتيجة لجهود أجيال كاملة، بذلت من فكرها ودمها وأعصابها وضحّت بوقتها ومالها، حتّي وصلت إلي ما وصلت إليه من الرقي.

وهكذا الإسلام، فإنّه لا يرتضي أبداً بالتغيير المفاجئ الموجب للضرر الأكبر وإنّما يري التدرّج ومرحلية التغيير، حتّي تتهيئ الأجواء وتستعد النفوس لقبولها.

فمثلاً إذا أغلقت الدولة دفعة واحدة كلّ الدوائر المرتبطة بالهجرة والجوازات والجنسية والجمارك، أو عطلت كلّ الدوائر الروتينيّة التي تعرقل حركة البناء والتجارة والزراعة والصناعة، وكذا الجيش و..، كان ذلك سبباً في بطالة الملايين من الناس، ممّا سيوجب مفاسد كبيرة، فضلاً عن أنّه سيوجب هزّة اجتماعيّة كبري، وألواناً من الاضطرابات والمشاكل والمصادمات والقلاقل التي لا يمكن تحجيمها والخروج منها بسلام، وربّما تنقل حالة البطالة والنقمة هذه إلي بلاد أخري مجاورة، لإثارة مزيد من الاضطرابات والقلاقل.

ممّا سيؤدّي إلي أن يري الناس أنّ الإسلام دين الفوضي، وأنّ حال الناس في السابق أفضل من حالهم في الوقت الحاضر، فيوجب ردّة فعل في نفوس الناس، وينقلب الأمر إلي ضدّ المقصود فيخسر الإسلام سمعته، بالإضافة إلي خسارته الحكم أيضاً.

ولاشكّ أن الأضرار الناجمة لا تتحدّد بأولئك الموظّفين الذين تعطلوا عن العمل، وأُغلق باب ارتزاقهم، وسدّ عليهم مواردهم الاقتصادية فقط، بل تشمل أيضاً أناساً آخرين، يرتبطون بطريقة أو بأخري مع أولئك وهو واضح.

وكذلك الحال فيما أغلقت الدولة كلّ مرافق الباطل، وعطّلت كلّ الأعمال المنافية لنزاهة المجتمع وسلامته.

وكذلك الحال بالنسبة لتجّار الأسلحة الذين يرتزقون عن هذا الطريق، ويمرّرون معاشهم مقابل تدمير البشريّة وقتل الشعوب البريئة.

وكذلك الحال بالنسبة إلي إلغاء الجمارك والدوائر

الروتينيّة وبعض مكاتب شرطة الحدود ونحوها.

وكذلك الحال بالنسبة إلي إلغاء العدد الهائل من الموظّفين المرتبطين بالكبت والإرهاب وخنق الحرّيات «الأمن والمخابرات».

ولا سبيل إلي الحياة السعيدة المنتظمة إلاّ بالعودة إلي التدرّج والتعقّل وتأسيس لجان من ذوي الاختصاصات الدنيويّة والدينيّة، لدراسة العلاقة بين العمل الدنيوي ومدي ارتباطه بالدين والحياة الآخرة أو منافاته لها.

ومهمّة هذه اللجان توفير فرص العمل للموظّفين ومن إليهم، الذين فقدوا عملهم المخالف للإسلام، وفتح مجالات جديدة تتوافق مع الشريعة الإسلاميّة، تدرّ عليهم الرزق الحلال، وتضمن لهم مواردهم الاقتصاديّة.

ولابدّ أيضاً من تهيئة الأجواء النفسيّة، والظروف المناسبة للتغيير، فإنّه بدون هذه الأجواء والظروف لا يمكن التغيير، وسد ثغرة البطالة، وحسم الفوضي في المجتمع.

وقد كان ذلك سبباً في فشل الدكتور «شاخت» في خطته الاقتصاديّة في إندونيسيا، بينما نجحت نفس الخطّة في ألمانيا، لأنّ الأجواء النفسيّة كانت ملائمة للنجاح، وقد فصّلنا ذلك في بعض كتبنا.

ومن هنا فلابدّ من إعداد لجان حرّة ومستقلّة لدراسة «أوضاع المجتمع وطبيعة»، ودراسة «كيفية تطبيق الأمّة الواحدة» ودراسة «كيفية تطبيق الأخوة الإسلاميّة» ودراسة «كيفية علاج مشكلة الفساد وبائعات الهوي» ودراسة «كيفية علاج مشكلة الاقتصاد الرّبوي والاستغلال الرأسمالي»، وما إلي ذلك.

ولا يجوز القول بأنّ هذه التجربة «اللجان» فاشلة، لأنّها طبقت في الهند والصين وبقيت مظاهر الفقر والفساد شاخصة علي حالها.

لأنّه يجاب بأنّ الهند ورغم تحرّرها لقرن واحد، إلاّ أنّها بقيت تطبّق النظام الغربي في بعض الأبعاد.

والصين كذلك فإنّها رغم التغيير الهائل في البنيّة الأساسيّة، لكنّها أخطأت أكبر الخطأ في تلك المذابح الكبري التي أقامتها علي أراضيها والتي أسفرت عن مقتل «39 مليون» مواطن صيني حسب بعض الإحصاءات، كما أخطأت في محاولة تطبيق الشيوعيّة والاشتراكيّة، وفشلت علي أثرها صرخات التحرّر، والانفتاح علي الغرب، والإصلاح في كلّ

مرافق الحياة.

أمّا التجربة الإسلاميّة التي يراد تطبيقها فيجب عليها وجوباً أكيداً: أن تمنع من إراقة الدماء، وتحول دون وقوع الأضرار والخسائر المادّيّة والمعنويّة بالناس، ولم يستطع المسلمون تطبيق هذه التجربة وهذا النموذج من الحكم في العصر الحديث كما طبقها الرسول الأكرم «صلي الله عليه وآله وسلم» وكما طبقها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في عهده وخلافته. وبقيت هذه التجربة دون تطبيق باعتبار متطلّبات العصر الحاضر، فإنّ الكتاب والسنّة والسيرة العطرة وأن أوضحت المعالم، إلاّ أنّها في العديد من الجوانب تعدّ كبريات كلّية، تحتاج إلي لجان مشتركة من العلماء والأخصائيين، حتّي تدرس كيفية تطبيقها علي أرض الواقع، إضافة إلي أنّ الوسائل والمعدّات قد تغيّرت في هذا اليوم وتطوّرت بشكل كبير.

ولتوضيح لزوم دراسة تطبيق كلّيات الإسلام علي متطلّبات العصر نذكر نموذجاً لذلك ونقول: إنّ الرسول الأكرم «صلي الله عليه وآله وسلم» قد تمسّك بعنصر المباغتة والسريّة في الحروب، ولكن هل يمكن إجراء ذلك وبنفس تلك الطريقة في هذا اليوم، حيث امتلأت بلاد الإسلام وغيرها بالجواسيس والأمن والمخابرات، وحيث استخدمت أجهزة متطوّرة كالفاكس واللاسلكي والأقمار الصناعيّة والانترنيت، فإنّ هذا ممّا يحتاج إلي الأخذ بالكلّي من الأحكام والمسائل، ومعرفة تطبيقها جزئياً علي هذا الزمان.

وثمّة أمثلة عديدة في هذا الخصوص، فإذا أخذنا مثلاً فكرة، إلغاء الحدود الجغرافيّة بين الدول الإسلاميّة كما أشرنا إلي ذلك سابقاً فإنّ ذلك يوجب بطالة ملايين الموظّفين العاملين في هذه الوظائف، كما أنّه يوجب إلغاء القوانين المرتبطة بمن عبر الحدود بدون تأشيرة، وإلغاء السجون والغرامات المرتبطة بهؤلاء، وإلغاء موظّفي التأشيرات، وألف شيء وشيء.

إذن: فاللازم أوّلاً التفكير لهؤلاء بعملٍ، وموردٍ ماليٍّ، وجوٍّ نفسيٍّ، ثمّ الإقدام التدريجي علي التغيير.

والخلاصة أنّه ينبغي طرح البديل الإسلامي قبل كلّ شيء، والتمسّك

بالخيار الإسلامي كشرط أساسي في أيّ تغيير.

أمّا الملاحظة الأخري التي يجب أخذها بعين الاعتبار تحديد الأولويّات والضرورات التي يجب إلغاؤها.

بمعني هل تجنيد الطاقات لإلغاء ظاهرة الفحشاء والبغاء أهمّ، أو إلغاء ظاهرة القمار والخمور، وذلك فيما إذا لم يمكن الجمع بينهما فرضاً؟

وهل توفير الحرّيات مثلاً مقدّم علي تطبيق مبدأ الأخوة، أو العكس، وذلك فيما إذا حدث التزاحم بينهما؟

وقس علي ذلك غيرها من الأمثلة الكثيرة.

فإنّ من يلاحظ وضع الدول، أو يطالع الكتب والتقارير التي صدرت عن الأمم المتّحدة، وعن اجتماعات الجامعة العربيّة وغيرها، يلمس بوضوح حجم المشكلة الناشئة من طريقة الجمع بين المتضاربات والمتضادات القانونيّة في علاج المشاكل وتشخيص الأهم منها، ولذلك تجد الخلافات حادّة بين الأطراف المجتمعة حول المواضيع الأهم التي يجب أن تطرح علي جدول أعمال المؤتمر.

وكنموذج آخر نجد أنّ من المسائل الأخري التي تعترض تطبيق الإسلام، والتي يجب فهمها ودراستها قبل الإقدام عليها، مسألة فتح الحدود بين بلدين مسلمين أحدهما فقير والآخر غني، ممّا قد يستلزم هجرة الأمواج البشرية من البلد الفقير إلي البلد الغني.

فقبل فتح الحدود لابدّ من دراسة المشاكل التي تعترض هذه الخطوة الإيجابيّة، فهؤلاء النازحون ولنفرض أنّهم مليون إنسان بحاجة إلي أطبّاء ومستشفيّات للكبار والأطفال والولادة، وإلي محلاّت لبيع مختلف المستلزمات، وإلي مدارس للتعليم، وإلي الشرطة والمحاكم لحفظهم وحلّ مشكلاتهم، وإلي الماء والكهرباء والغاز والهاتف والمواصلات، والمساجد والحسينيّات، وإلي المكتبات، وإلي المعامل وفرص العمل، وإلي ألف شيء آخر.

فإذا كان في البلد المنزوح إليه مليون إنسان، لزم التخطيط لاحتواء مليوني إنسان، إذ ليس الأمر مجرّد هدم جدار يعزل بين بلدين مسلمين حتّي يتوهّم إنّه أمر يسير، بل يحتاج إلي توفير المناخ الملائم، وتوفير مجالات العمل، والجمع بين الأطراف.

هذا ولا يخفي أنّه لا

يكفي التخطيط إلي البلد المنزوح إليه فقط، بل لابدّ من التخطيط للبلد المنزوح منه أيضاً، لأنه هو الآخر الذي سيقع فيه الفراغ في جميع المرافق، وستعم المشكلات في ذلك البلد المهجور أيضاً، ولذلك فلو تمكن رؤساء البلدين من التفاهم والتنسيق ووضع الخطط الدقيقة وتهيئة الأجواء النفسيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة المناسبة، لكانت التجربة أقرب إلي النجاح منها إلي الفشل.

وإن لم يتمكّن رؤساء البلدين فشلت التجربة، وتصوّر الناس البسطاء أنّ الإسلام غير قابل للتطبيق، وأنّ ما كانوا عليه سابقاً من نظام كان خيراً لهم، فيحاول الناس التخلّص من التجربة والرجوع إلي سابق عهدهم، كما جري هذا التصوّر في بعض التجارب في هذا البلد أو ذاك.

ولذا فشلت تجربة وحدة مصر مع سوريا، والأخيرة مع العراق، لأنّ مشروع الوحدة لم يكن يرتكز علي أساس سليم من البحث والتخطيط، فأصبحت كلمة «الوحدة» لها مرارة في نفوس البلدين يومذاك.

نعم إنّ من السهل انتقاد الحاكم بمختلف الانتقادات ولنفرض أنّ الانتقاد صحيح وبحجم الواقع .

ومن السهل أيضاً التفاخر بأمجاد المسلمين الماضين، وبالقوانين المدوّنة في بطون الكتب الإسلاميّة.

ومن السهل أيضاً الوقوف عند الحرب علي التل، والجلوس علي مائدة معاوية والصلاة خلف علي عليه السلام، باعتبار أنّ الوقوف علي التل أسلم، والجلوس علي مائدة معاويّة أدسم، والصلاة خلف عليّ أتمّ.

ومن السهل أيضاً الاشتغال بهوامش الحياة، وكتابة كلمات المدح والإطراء، والأقوال الملفّقة التي تنشر يوميّاً في الصحف والمجلاّت، وتلقي عبر الإذاعات وشبكات التلفزة، والتي تروّج لبعض الصور والأفكار، أو ما أشبه.

ومن السهل أيضاً الارتماء في أحضان الغرب والاستجداء منه، لكنّه من الصعب جدّاً أن نجد طريقاً للحلّ العلمي، ثمّ العملي للمشاكل، يعتمد علي التعقّل والدقّة ونبذ العنف، وبعيداً عن الشعارات وتسليط الأضواء، وبشكل يوفّر الاستقلال الحقيقي

والكامل للدول الإسلاميّة.

وكنموذج آخر للتطبيق نجد أنّ الاكتفاء الذاتي والشوري والأخوّة، وغير ذلك، كلّه بحاجة إلي دراسة وتخطيط وجدولة زمنية، ويستدعي جمع المفكّرين والتنسيق فيما بينهم، وعقد مؤتمرات في أجواء حرّة، وتكوين مراكز دراسات، وإقرار نظام التعدّدية السياسيّة «الحزبيّة»، والتواضع المتزايد، والنيّة الصادقة، ورجاء ثواب الله سبحانه فقط، غير مشوب بالطمع في الثروة والمنصب والأبهّة والذِّكر الجميل والحياة الرّغيدة.

ولذا ورد: (وفي جميع الأحوال متواضعاً) وقال النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» وكذلك الإمام الصادق عليه السلام:

(من علامات المؤمن اللاعنف).

وفي الدعاء: (بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدّنيّة وزخرفها وزبرجها) و(القابض علي دينه كالقابض علي الجمر) و(إن حفظ الدين أشدّ من خرط القتاد) وإن المنحرف عن ذلك «شهيد حمار» و «شهيد أم جميل» و «مهاجر أم قيس» و?ماله في الآخرة من خلاق?.

وفي خطبة الزهراء «عليها السلام»: (تشربون حسواً في ارتغاء)، وفي الحديث القدسي قال الله تعالي: (أنا خير شريك)، وفي القرآن الحكيم: ?أذلّةٍ علي المؤمنين …? و?كزرعٍ أخرج شطئه فآزره فاستغلط فاستوي علي سوقه يعجب الزّرّاع …?، إلي عشرات الآيات ومئات الروايات، وكثرة التطبيقات في السيرة العطرة.

ثمّ إنّ من الضروري علي القائمين بالتغيير أن يتّخذوا موقف المداراة وعدم التعرّض السلبي لطائفتين من الناس، وهم المتزمتون، وأصحاب النفوذ والامتيازات، الذين يفقدون مواقعهم عند التغيير، قال تعالي:

?ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميم ? وما يلقّاها إلاّ الذين صبروا وما يلقّاها إلاّ ذو حظٍ عظيم?.

أمّا الطائفة الأولي: فيمكن تفاديها بالصبر والتقوي والموعظة الحسنة، قال سبحانه: ?ولتسمعنّ من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذيً كثيراً وإن تصبروا وتتّقوا فإنّ ذلك من عزم الأمور?، و?ادع إلي سبيل ربّك بالحكمة

والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي احسن?، فاللازم الصبر والتقوي في قبال إيذاءهم الكثير.

وأمّا الطائفة الثانية: فيمكن تفاديها بما فعله الرسول «صلي الله عليه وآله وسلم» من قوله: (فاذهبوا فأنتم الطلقاء)، وقد أمر الله النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» قبل ذلك بقوله: ?خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين?، وفي دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد خير تعليم لمقابلة أمثال هؤلاء.

ومن يتصفح كتب التاريخ يري أنّ رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» لم يقتل خلال تطبيقه منهاج الإسلام القويم عالماً ولا ثرياً ولا حاكماً، كما أنّه لم يصادر أموال أحد وإن استحقّوا كلّ ذلك، تفادياً من ردّ الفعل الذي هو قطعيّ.

ولذا نري أنّ ممارسة العنف بعد الرسول «صلي الله عليه وآله وسلم» بدءاً بقصّة مالك بن نويرة وغيرها، وانتهاءً بالفتوحات الهجوميّة في قبال ما فعله الرسول «صلي الله عليه وآله وسلم» من الفتوحات الدفاعيّة قد سبّب أسوء ردّة فعل في نفوس المسلمين وغيرهم، حيث بقيت آثارها إلي يومنا هذا.

وإنّنا نشاهد في قصص سائر المعصومين «عليهم السلام» كثيراً من نماذج السلوك الإنساني الرفيع الذي هو خير مدرسة لمن أراد التحرّك لإنقاذ المسلمين.

وقد ذكرنا في بعض كتبنا: «لزوم إلفات الغرب إلي واقع الإسلام وحركته السلميّة، ليتّخذ موقف الحياد تجاه هذه الحركة الإصلاحيّة، ولا يتعرّض بكلّ قواه وإمكاناته للحيلولة دون تحقّق ذلك الهدف المنشود».

ويتمّ ذلك عبر استخدام اسلوب السلم الذي فرضه الإسلام عليهم، وعبر تعريف عقلاء الغرب وشعوبه بالوجه الحقيقي الناصع للإسلام، وذلك بنشر مئات الملايين من الكتب والصحف والمجلاّت، وعبر استخدام محطاّت الراديو والتلفزة لأجل عرض الإسلام كما هو عليه وبما يحمله من مكارم الأخلاق، ورعاية لحقوق الإنسان وحتّي الحيوان والنبات وغير ذلك، والتفصيل ذكرناه في بعض

كتبنا الأخري.

وقد قال «صلي الله عليه وآله وسلم»: (أمرني ربّي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض) والأمر كلّه لله سبحانه.

نسأل الله تعالي أن يهيئ للمسلمين من أمرهم رشداً، ويهديهم سواء السبيل ليرجعوا إلي رحاب الإسلام من جديد، وينقذوا أنفسهم من ذلك الوادي السحيق، ويتمكّنوا بعدها من إنقاذ البشريّة المعذّبة، كما كان ذلك دورهم في بداية ظهور الإسلام، فإنّ في ذلك ثواب الدنيا والآخرة، وما ذلك علي الله بعزيز.

سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين، وصلي الله علي محمّد وآله الطاهرين.

محمّد الشيرازي

16/ جمادي الثانية / 1414ه

قم المقدّسة

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

_ سورة الأعراف: الآية 157.

_ أشار الإمام المؤلّف (دام ظلّه) إلي هذا التنبؤ في كتابه «ماركس ينهزم» وكتاب «أفغانستان را دريابيم» باللغة الفارسية.

_ تطرق الإمام المؤلّف (دام ظلّه) في الحديث عن هذا التنبؤ في كتابه «الغرب يتغيّر».

_ سورة الروم: الآية 30.

_ سورة فصّلت: الآية 11.

_ نهج البلاغة: الكتاب 47.

_ سورة الأنفال: الآية 24.

_ هناك إحصاءات أخري تشير إلي تراوح عددهم بين 5 8 ملايين.

_ سورة النساء: الآيات: 156 157.

_ سورة آل عمران: الآية 42.

_ سورة الحجر: الآية 19.

_ نهج البلاغة: الكتاب 47.

_ سورة البقرة: الآية 189.

_ سورة البروج: الآية 1.

_ سورة الإسراء: الآية 12.

_ سورة الرحمن: الآية 5.

_ راجع «موسوعة الفقه: كتاب الإدارة» وكتاب «السبيل إلي إنهاض المسلمين» للإمام المؤلّف.

_ تنبيه الخواطر: ص491. مجموعة درام: ج2 ص267.

_ نهج البلاغة: الكتاب 47.

_ نهج البلاغة: خطبة 158.

_ تصنيف غرر الحكم: ص394.

_ بحار الأنوار: ج75 ص183.

_ الكافي (أصول): ج1 ص200 ح1.

_ تصنيف غرر الحكم: ص241.

_ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج9 ص95 ب146.

_ مقصود المؤلّف من «لكم» الآية المباركة ? أحلّ لكم ما

في الأرض جميعاً? ولمزيد من التفصيل راجع كتاب: «الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرّية والرفاه والسلام»، و «الفقه: الاقتصاد»، و «الفقه: الدولة الإسلامية» للإمام المؤلّف.

_ سورة الأعراف: الآية 157.

_ تطرق الإمام المؤلّف إلي أشباه ذلك في كتاب: «الفقه: الحريّات».

_ راجع: «موسوعة الفقه ج100 كتاب: الحقوق» و «ج101 كتاب: الدولة الإسلامية» للإمام المؤلّف.

_ بحار الأنوار: ج74 ص216، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص93.

_ تنبيه الخواطر: ص40، مجموعة ورام: ج1 ص49 باب الطمع وغيره.

_ بحار الأنوار: ج71 ص175 ح7 ب11. الخصال: ص284.

_ جامع السعادات: ج1 ص198.

_ تحف العقول: ص292.

_ تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: ص325.

_ تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: ص291.

_ سورة الشوري: الآية 38.

_ سورة آل عمران: الآية 159.

_ سورة البقرة: الآية 233.

_ بحار الأنوار: ج86 ص196، سليم بن القيس: ص182.

_ موسوعة الفقه: ج105 106.

_ موسوعة الفقه: ج109 110.

_ تطرق الإمام المؤلّف لذلك في العديد من كتبه منها: «القول السديد في شرح التجريد».

_ نهج البلاغة: قصار الحكم ص161.

_ نهج البلاغة: قصار الحكم ص161.

_ سورة المائدة: الآية 1.

_ لقد فصّل الإمام المؤلّف الحديث عن العقود المستحدثة في «الفقه: البيع»، وغيره فليراجع.

_ بحار الأنوار: ج86 ص196، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج6 ص219.

_ نهج البلاغة: الكتاب 6.

_ هنالك أجوبة أخري تطرق لها الإمام المؤلّف في طيّات موسوعة الفقه فراجع: «الفقه: الحقوق» و «الفقه: الدولة الإسلامية» و «الفقه: الإدارة».

_ راجع: «الفقه: السياسة»، و «الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرّية والرفاه والسلام» للمؤلّف.

_ تصنيف غرر الحكم: ص441.

_ نهج البلاغة: حكم 54. وسائل الشيعة: ج8 ص425 ح5.

_ بحار الأنوار: ج72 ص105. أعلام الدين: ص294.

_ تفسير نور الثقلين: ج4 ص584.

_ تصنيف غرر الحكم: ص441.

_ بحار الأنوار: ج75 ص150. تحف العقول: ص233.

_

تصنيف غرر الحكم: ص442.

_ وسائل الشيعة: ج8 ص425.

_ وسائل الشيعة: ج5 ص425.

_ وسائل الشيعة: ج5 ص426.

_ غرر الحكم: ص441.

_ غرر الحكم: ص441.

_ غرر الحكم: ص442.

_ غرر الحكم: ص442.

_ غرر الحكم: ص 441.

_ غرر الحكم: ص 441.

_ غرر الحكم: ص 441.

_ مستدرك الوسائل: ح8 ص341 ح9 ب9.

_ مجمع البيان: ج3 ص133.

_ سورة الأنبياء: الآية 92.

_ سورة الأنفال: الآية 46.

_ التفصيل حول تجربة الهند راجع كتاب: «عند قدمي غاندي» لمؤلّفه لبراسات، وكتاب: «تجاربي مع الحقيقة» لمؤلّفه غاندي.

_ بحار الأنوار: ج74 ص150 ح1 ب7. مشكاة الأنوار: ص180 الفصل الثالث والعشرون.

_ تصنيف غرر الحكم: ص414.

_ بحار الأنوار: ج75 ص11 ح70 ب15.

_ بحار الأنوار: ج71 ص167 ح34 ب10.

_ بحار الأنوار: ج72 ص410 ح54 ب87.

_ تفسير نور الثقلين: ج1 ص208.

_ تحف العقول: ص359.

_ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج3 ص185 ب46.

_ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج8 ص112 ب127.

_ سورة الحجرات: الآية 10.

_ سورة الأنفال: الآية 46.

_ سورة طه: الآية 124.

_ تحف العقول: ص173.

_ الاختصاص: ص227 حديث في زيارة المؤمن لله.

_ كنز الفوائد: ج1 ص352 فصل من كلام رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم».

_ مكارم الأخلاق: ص19.

_ الكافي (أصول): ج2 ص326 ح4.

_ الاحتجاج: ص460.

_ وسائل الشيعة: ج8 ص503 ح103.

_ بحار الأنوار: ج71 ص280 ح6 ب18.

_ بحار الأنوار: ج71 ص186 ح7 ب13. الأمالي للشيخ الصدوق ص304 المجلس الخمسون.

_ سورة الحجرات: الآية 13.

_ ديوان الإمام علي عليه السلام ص13.

_ راجع موسوعة الفقه كتاب: «قواعد الفقهية» للإمام المؤلّف (دام ظله)، كما تطرق الإمام لقاعدة الإلزام في مواضع عديدة من «موسوعة الفقه»، فمثلاً للكافر أن يأكل لحم الخنزير ويشرب الخمر غير المتجاهر دون المسلم، وذلك حسب معتقدة، كما له أنّ يتزوّج محارمه

فيمن يبيح له دينه ذلك وهكذا فهو حرّ في إطار دينه وإن كان مخالفاً لقوانين الإسلام.

هذا إضافة إلي أن ما يوجد من التفاضل، إنّما هو علي أساس الفكر والعقيدة لا علي أساس جاهليّة يرفضها العقل والمنطق كالتفريق أو التفضيل علي أساس اللغة والقوميّة والثروة وشبه ذلك.

_ تطرق الإمام المؤلّف إلي هذا المطلب في كتاب «الفقه: الحقوق».

_ الوافي: ج4 في وصيّة النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» لعلي عليه السلام.

_ نهج السعادة: ج2 ص97.

_ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2 ص197 ب34.

_ تحف العقول: ص413.

_ الكافي (روضة): ج8 ص30 ح296 ب8.

_ المناقب: ج2 ص147.

_ تفسير نور الثقلين: ج5 ص96.

_ مفاتيح الجنان: ص390.

_ سورة الأنفال: الآية 61.

_ سورة البقرة: الآية 208.

_ سورة النور: الآية 61.

_ في ظلّ الإسلام: بحث السلم، هكذا الإسلام: ص113.

_ ذكر بعض المؤرّخون إحصاءات أخري عن عدد القتلي فبعضهم يقول «1400» وبعض آخر «1200» شخص.

_ تهذيب الأحكام: ج4 ص36.

_ سورة البقرة: الآية 208.

_ معاني الأخبار: ص239، باب معني المسلم والمؤمن.

_ نهج البلاغة: الخطبة 15.

_ الكافي (أصول): ج2 ص301 ح9 ب42.

_ الكافي (أصول): ح2 ص302 ح12.

_ جامع السعادات: ج2 ص340.

_ بحار الأنوار: ج73 ص12 ح50 ب97.

_ للمزيد من التفصيل راجع موسوعة الفقه: «ج47 48».

_ ذكرها الإمام المؤلف في كتاب «بقايا حضارة الإسلام كما رأيت» وكتاب «حياتنا قبل نصف قرن».

_ بحار الأنوار: ج69 ص60 ح3 ب95.

_ تحف العقول: ص70.

_ كشف الغمّة: ج2 ص30.

_ تفسير العيّاشي: ج1 ص85.

_ وسائل الشيعة: ج5 ص472.

_ الدرّة الباهرة: ص38.

_ الدرّة الباهرة: ص 40.

_ غرر الحكم: ص354.

_ غرر الحكم: ص354.

_ غرر الحكم: ص354.

_ غرر الحكم: ص354.

_ غرر الحكم: ص354.

_ غرر الحكم: ص354.

_ غرر الحكم: ص354.

_ غرر الحكم: ص354.

_ غرر الحكم: ص354.

_

غرر الحكم: ص354.

_ غرر الحكم: ص354.

_ غرر الحكم: ص354.

_ غرر الحكم: ص354.

_ تحف العقول: ص131.

_ تصنيف غرر الحكم: ص333.

_ وسائل الشيعة: ج11 ص122.

_ تصنيف غرر الحكم: ص333.

_ تصنيف غرر الحكم: ص333.

وسائل الشيعة: ج11 ص9.

_ المحاسن: ص641.

_ مستدرك الوسائل: ج13 ص460.

_ موسوعة الفقه: مخطوط، وكذا تطرق الإمام المؤلّف إلي ذلك في كتابه «الفقه: طريق النجاة».

_ كانت إيران وأفغانستان دولة واحدة.

_ غرر الحكم: ص367.

_ بحار الأنوار: ج14 ص276 ح7 ب20.

_ تفسير نور الثقلين: ج3 ص446.

_ تنبيه الخواطر: ص35.

_ سورة ص: الآية 86.

_ سورة البقرة: الآية 185.

_ بحار الأنوار: ج33 ص473 ح686 ب29.

_ دعائم الإسلام: ج2 ص534 كتاب آداب القضاء.

_ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج3 ص159 ب45.

_ تصنيف غرر الحكم: ص478.

_ علل الشرائع: ص557.

_ تفسير العيّاشي: ج1 ص106.

_ بحار الأنوار: ج74 ص208 ح1 ب8.

_ أمالي الطوسي: ج2 ص42.

_ تصنيف غرر الحكم: ص366.

_ المناقب: ج2 ص96.

_ مكارم الأخلاق: ص16.

_ غرر الحكم: ص366.

_ غرر الحكم: ص366.

_ غرر الحكم: ص366.

_ غرر الحكم: ص366.

_ غرر الحكم: ص366.

_ سفينة البحار: ج2 ص178.

_ لقد فصل الإمام المؤلّف الحديث عن هذا المطلب في كتابه: «الفقه: الاقتصاد».

_ سورة البقرة: الآية 279.

_ سورة البقرة: الآية 245.

_ الفقه: التجارة.

_ موسوعة الفقه: ج107 108.

_ تطرق الإمام المؤلّف إلي الحديث عن ذلك في كتابه القيّم «الفقه: الاقتصاد»، وأشار إليه في العديد من كتبه الأخري مثل «الاقتصاد الإسلامي المقارن».

_ مستدرك الوسائل: ج2 ص478.

_ روضة الواعظين: ص465، مجلس في ذكر الخمر والربي.

_ بحار الأنوار: ج76 ص20 ح8 ب69.

_ بحار الأنوار: ج100 ص119 ح23 ب5.

_ مستدرك الوسائل: ج2 ص478.

_ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج9 ص205، بحار الأنوار: ج69 ص138، ح26 ب1014.

_ تفسير نور الثقلين: ج1 ص293.

_ وسائل الشيعة: ج12

ص427.

_ سورة النساء: الآية 5.

_ جامع السعادات وفي وسائل الشيعة: ج12 ص49 «نعم العون علي تقوي الله الغني».

_ سورة المائدة: الآية 54.

_ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج20 ص259 الحكم المنسوبة إلي أمير المؤمنين، بحار الأنوار: ج74 ص162 ح1 ب7، ج77 ص162 ح1 ب7.

_ نهج الفصاحة: ص329.

_ سورة البقرة: الآية 143.

_ الكافي (فروع): ج6 ص540 ح18.

_ سورة الأنعام: الآية 153.

_ نهج البلاغة: محمّد عبده: ج3 ص23.

_ تحف العقول: ص282.

_ تنبيه الخواطر: ص127.

_ غرر الحكم: ص367.

_ مشكاة الأنوار: ص274.

_ سفينة البحار: ج1 ص13.

_ ديوان الإمام علي عليه السلام: ص73.

_ سورة التوبة: الآية 103.

_ شرح نهج البلاغة: ج17 ص70 ب53.

_ وسائل الشيعة: ج9 ص132 ب14 ح11683.

_ تصنيف غرر الحكم: ص340.

_ نهج البلاغة: كتاب 53.

_ سيرة الأئمّة الإثني عشر: ج1 ص525.

_ الخصال: ج2 ص54.

_ غرر الحكم: ص340.

_ راجع «كفاية الموحّدين» و «حقّ اليقين»، ومجموعة الكتب العقائديّة والكلاميّة للإمام المؤلّف.

_ سورة قريش: الآيات 3 4.

_ سورة البقرة: الآية 201.

_ سورة طه: الآية 124.

_ عدّة الداعي: ص249.

_ تصنيف غرر الحكم: ص189.

_ بصائر الدرجات: ص463.

_ تنبيه الخواطر: ص7.

_ الصحيفة السجّاديّة: مناجاة العارفين.

_ بحار الأنوار: ج66 ص190 ح5 ب33، ثواب الأعمال ص263 عقاب الزاني والزانية.

_ بحار الأنوار: ج66 ص192 ح7 ب33.

_ بحار الأنوار: ج58 ص40 ح10 ب42، التوحيد: ص300 باب إثبات حدوث العالم.

_ غرر الحكم: ص189.

_ غرر الحكم: ص189.

_ سورة هود: الآية 56.

_ سورة الروم: الآية 30.

_ تحف العقول: ص383، بحار الأنوار: ج1 ص137 ح30 ب4.

_ للمزيد أنظر كتاب «الأصول» وكتاب «الفقه: حول العقل» للإمام المؤلّف «دام ظله».

_ تفسير نور الثقلين: ج4 ص184.

_ الكافي (أصول) ج2 ص12 13.

_ سورة الروم: الآية 30.

_ اليقين: ص431، بحار الأنوار: ج3 ص278 ح9 ب11.

_ تفسير

نور الثقلين: ج4 ص185.

_ سورة الأعراف: الآية 172.

_ الكافي (أصول): ج2 ص12 ح2.

_ غوالي اللئالي: ج1 ص35، بحار الأنوار: ج3 ص281 ح22 ب11.

_ بحار الأنوار: ج3 ص277 ح3 ب11، تفسير القمي: ج2 ص154 في تفسير سورة الروم.

_ سورة الإسراء: الآية 70.

_ سورة الإسراء: الآية 70.

_ سورة المؤمنون: الآية 14.

_ سورة المائدة: الآية 32.

_ وسائل الشيعة: ج12 ص153.

_ نهج البلاغة: الخطبة 284.

_ سورة البقرة: الآية 85.

_ بحار الأنوار: ج18 ص404 ح108 ب3.

_ علل الشرائع: ص4.

_ بحار الأنوار: ج66 ص19 ح2 ب3.

_ روضة الواعظين: ص8، بحار الأنوار: ج1 ص163 ح1 ب1.

_ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج20 ب90 ص265.

_ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج20 ب128 ص271.

_ غرر الحكم: ص50.

_ غرر الحكم: ص50.

_ غرر الحكم: ص50.

_ غرر الحكم: ص50.

_ مكارم الأخلاق: ص8.

_ أشار الإمام المؤلّف إلي ذلك في كتابه «الحكومة الإسلاميّة في عهد أمير المؤمنين»، علماً أنّ حكومة الإمام أمير المؤمنين كانت تشمل 50 دولة وفق الخارطة الجغرافيّة الحالية.

_ سورة الحجرات: الآية 13.

_ سورة النجم: الآية 39.

_ ديوان الإمام علي عليه السلام: ص13.

_ موسوعة الفقه: ج94 97.

_ المحجّة البيضاء: ج5 ص90.

_ الكافي (أصول): ج2 ص101 ح12.

_ تنبيه الخواطر: ص72.

_ مكارم الأخلاق: ص442.

_ مجموعة ورام: ج1 ص90 باب العتاب.

_ تصنيف غرر الحكم: ص269.

_ الكافي (أصول): ج2 ص102 ح16.

_ الإمالي للشيخ الصدوق: ص93 المجلس العشرون.

_ نهج البلاغة: الخطبة 56.

_ غوالي اللئالي: ج1 ص100، بحار الأنوار: ج68 ص382 ح17 ب92.

_ وسائل الشيعة: ج19 ص3.

_ وسائل الشيعة: ج11 ص113.

_ تفسير القمي: المجلّد الثاني ص146 سورة القصص.

_ تحف العقول: ص283.

_ الكافي (أصول): ج2 ص327 ح3.

_ غرر الحكم: ص187.

_ عيون أخبار الرضا عليه السلام: ص70، بحار الأنوار: ج72 ص147 ح1 ب57.

_

غرر الحكم: ص187.

_ غرر الحكم: ص187.

_ غرر الحكم: ص187.

_ جامع المقدّمات كتاب الأمثلة: ص17.

_ سورة الروم: الآية 7.

_ سورة غافر: الآية 45.

_ سورة غافر: الآية 44.

_ سورة فاطر: الآية 29.

_ سورة التوبة: الآية 111.

_ سورة فاطر: الآيات 15 17.

_ شرح منظومة السبزواري: ص8.

_ سورة آل عمران: الآية 26.

_ سورة النساء: الآية 139.

_ سورة المنافقون: الآية 7.

_ سورة الشوري: الآية 49.

_ سورة الحج: الآية 73.

_ مجموعة ورام: ج2 ص261.

_ نهج البلاغة: خطبة76.

_ المناقب: ج4 ص69 فصل في مكارم أخلاقه.

_ الكافي (أصول): ج2 ص70 ح10.

_ الكافي (أصول): ج2 ص453 ح2.

_ بحار الأنوار: ج67 ص382.

_ تصنيف غرر الحكم: ص191.

_ بحار الأنوار: ج68 ص174 ب64 ح10. عيون أخبار الرضا عليه السلام: ص180.

_ تنبيه الخواطر: ص350.

_ التوحيد: ص60، باب التوليد ونفي التشبيه، كشف الغمة: ج2 ص386، بحار الأنوار: ج75 ص366 ح2 ب28.

_ غرر الحكم: ص191.

_ غرر الحكم: ص191.

_ غرر الحكم: ص191.

_ غرر الحكم: ص191.

_ غرر الحكم: ص191.

_ نهج الفصاحة: ص636 ح3161، مستدرك الوسائل: ج16 ص319 ب92 ح20016، بحار الأنوار: ج59 ص291 ب89 ح72.

_ بحار الأنوار: ج73 ص175 ح4 ب36.

_ مجمع البيان: ج10 ص405.

_ علل الشرائع: ص293.

_ فقه الرضا عليه السلام: ص81 باب الغسل من الجنابة.

_ الخصال: ص620.

_ بحار الأنوار: ج75 ص335.

_ وسائل الشيعة: ج3 ص571.

_ وسائل الشيعة: ج3 ص340.

_ مكارم الأخلاق: ص35.

_ وسائل الشيعة: ج3 ص340.

_ مكارم الأخلاق: ص60.

_ إرشاد القلوب: ص195 الباب الثاني والخمسون.

_ راجع موسوعة الفقه كتاب «النكاح: ج62 68».

_ سورة الأنفال: الآية 24.

_ راجع موسوعة الفقه كتاب «النكاح: 62 68».

_ للمزيد راجع كتاب «الغدير» للعلامة المحقّق الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني.

_ الوافي: ج12 ص117.

_ عدّة الداعي: ص91.

_ الخصال: ص567.

_ وسائل الشيعة: ج14 ص183.

_ الكافي (فروع): ج5 ص510

ح1.

_ تحف العقول: ص322.

_ تحف العقول: ص323.

_ مراد الإمام المؤلّف «دام ظلّه» من الآيات الثلاث: ?إنّما المؤمنون أخوة?، ?ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم?، ?إنّ هذه أمّتكم أمّة واحدةٌ وأنا ربّكم فاعبدون?.

_ سورة الأنفال: الآية 24.

_ وكنموذج يلاحظ التحريم التدريجي للخمر في 4 آيات قرآنية، والتدرّج في نزول الأحكام.

_ راجع موسوعة الفقه كتاب «الفقه: الاقتصاد» للإمام المؤلّف «دام ظلّه».

_ مفاتيح الجنان دعاء كميل: ص63 للشيخ عباس القمي. الدعاء والزيارة: ص124 للإمام المؤلّف «دام ظلّه».

_ الكافي (أصول): ج2 ص227.

_ مفاتيح الجنان: دعاء ندبة ص53.

_ مجمع البحرين.

_ سورة البقرة: الآية 200.

_ أنظر الاحتجاج للطبرسي وكتاب عوالم العلوم ومستدركاتها وكتاب من فقه الزهراء: ج2 ص30 الخطبة الأولي للسيدة الزهراء «سلام الله عليها».

_ جامع السعادات: ج2 ص388.

_ سورة المائدة: الآية 54.

_ سورة الفتح: الآية 29.

_ سورة فصّلت: الآيات 34 35.

_ سورة آل عمران: الآية 186.

_ سورة النحل: الآية 125.

_ تهذيب الأحكام: ج4 ص36، المناقب: ج1 ص209 فصل في غزوات الرسول.

_ سورة الأعراف: الآية 199.

_ انظر كتاب «الغرب يتغيّر» وكتاب «الوصول إلي حكومة واحدة إسلاميّة» للإمام المؤلّف «دام ظلّه».

_ أنظر كتاب: «الفقه: طريق النجاة» للإمام المؤلّف.

_ متشابه القرآن: ج1 ص209، الكافي (الأصول): ج2 ص117 ح4.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.