اللاعنف في الإسلام

اشارة

اسم الكتاب: اللاعنف في الإسلام

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1422 ق

الطبعة: اول

الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

سورة البقرة 156

كان هذا الكتاب ماثلاً للطبع، إذ تلقينا ببالغ الحزن والأسي نبأ رحيل المرجع الديني الأعلي الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، حيث فجع العالم الإسلامي والحوزات العلمية بفقده، وهو في عز عطائه..

لا صوت الناعي بفقدك إنه يوم علي آل الرسول عظيم

بسم الله الرحمن الرحيم

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ

وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ

لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ

فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ

وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ

فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَي

اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ

صدق الله العلي العظيم

سورة آل عمران: الآية 159

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي الهادي البشير والسراج المنير محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

أمّا بعد، فيوم بعد الآخر ومناوئو الإسلام يعمدون كعادتهم إلي إثارة شبهاتهم الضالّة الرامية إلي تشويه صورة الإسلام النقيّة والحطّ من قدر المسلمين الذين يمتلكون هكذا عقيدة سمحاء أعادت للبشرية صوابها وسعادتها.

فمن تلك الشبهات الغريبة التي أثارها مناوئو الإسلام وروّجها بعض الجهلاء من المسلمين هي أنّ الإسلام العزيز يدعو إلي العنف والقوّة ويحارب سبل السلام مع الآخرين.

ومع الأسف الشديد أنّ مثل هذه الشبهة لقيت رواجها وحظيت باقتناع البعض من الناس الذين انطلت عليهم المسألة فراحوا يتعاملون مع الآخرين بالبطش والعنف متجاهلين كلّ الآيات والأحاديث الشريفة المنادية إلي السلم والسلام.

يقول تعالي: ?فَبِما رَحْمَة مِنْ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ?().

فمثل هذه الآية الكريمة تكشف عن أهمّ سمات الإسلام التي تجسّدت في شخصية الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله ألا وهي اللين والسماحة وعدم الفظاظة،

خاصّة أنّ الآية ربطت إقبال الناس وإدبارهم عن دعوة الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله وشخصه بمثل هاتين الصفتين، الأمر الذي يكشف عن أهميّتهما ومدي اعتناء الشارع المقدّس بهما.

أجل، فالإسلام الحنيف جاء إلي البشرية ليخرجها من الاستبداد والجور ويأخذ بيدها نحو العدالة والأمان، لا أن يرمي بها في متاهات البطش والعنف التي لا يجني منها سوي الويل والآهات.

ويكفي المطّلع الواعي حتّي يدرك حقيقة هذا الكلام ومدي مصداقيّته أن يُلقي نظرة عابرة علي سيرة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله والأئمّة الأطهار عليهم السلاام ليتجلّي له كالشمس في وضح النهار أنّ الإسلام ليس فقط لا يدعو إلي العنف، وإنّما يذمّ الإنسان العنيف الخشن في كلّ اُمور حياته، ففي الحديث عن رسول الله صلي الله عليه و اله «انّ الله رفيق يحبّ الرفق ويعطي علي الرفق ما لا يعطي علي العنف» ().

من هذا المنطلق ومن أجل رفع هكذا شبهة عن أذهان الشعوب إزاء الإسلام العزيز فقد خطّ المرجع الأعلي الإمام الشيرازي (قدس سره) بيراعيه المباركين هذا الكتاب الغنيّ في مطالبه ومحتوياته، علّه يساهم في كشف الواقع وعكس الصورة الحقيقيّة عن الإسلام الأصيل الذي أسّسه رسول الله صلي الله عليه و اله بأتعابه المباركة وضحي الأئمّة الأطهار عليهم السلاام من أجله بكلّ غال ونفيس.

مركز الجواد للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص.ب: 5951 / 13

1422ه

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علي محمّد وآله الطاهرين.

أمّا بعد: ف (اللاعنف) سمة الأنبياء والأئمّة عليهم السلاام والعقلاء الذين يقدّمون الأهمّ علي المهم في شتّي حيثيات حياتهم.

وفي التاريخ: إنّ من أبرز صفات الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله انّه كان لا عنفاً إلي أبعد حدّ()، وقد دعا القرآن

الكريم المسلمين قاطبة أن يدخلوا تحت ظلّ هذا القانون، فقال عزّ من قائل: ?ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً?()، ولا يخفي أنّ السلم أقوي وأكثر دلالة من اللاعنف.

وبالتأكيد، فإنّ كلّ من يلتزم بقانون السلم واللاعنف لا مندوحة له إلاّ وينتصر في الحياة، وإن استلزمت الظروف أن يحفظ نفسه ومبادءه عبر التكتّم والتخفّي أحياناً، كما اختفي الإمام الحجّة (عجّل الله فرجه الشريف)، أو أن يرفعه الله إلي السماء كما فعل بعيسي بن مريم عليه السلام فانّه لو بقي لقتلوه وأحرقوا جثّته، ولكن الله تعالي حال دون ذلك فرفعه إليه، وقد أخبر القرآن الكريم عن نيّتهم هذه فقال: ?فلمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللهِ?()، أو أن تُحفظ نفسه عبر الإعجاز وغيره كما حفظ موسي عليه السلام نفسه عن فرعون بالليل والعصا، أو بالدفاع عن النفس كما فعله رسول الله صلي الله عليه و اله، فإنّ حروبه صلي الله عليه و اله كانت دفاعية وبأقلّ قدر ممكن، ومن هنا فإنّ عدد القتلي من الطرفين وفي عشرات الحروب لم يتجاوز الألف أو أكثر بقليل، مع إنّه صلي الله عليه و اله أقام حكماً وكوّن اُمّة وبيّن شرائع وتقدّم ذلك التقدّم الهائل الذي لم يشهد العالم مثله حتّي عصرنا الراهن.

والجدير بالذكر إنّ من منهجية الرسول صلي الله عليه و اله في اللاعنف تعلّم منها الكثير من شخصيات التاريخ، غرار (غاندي) و (مندلا) وغيرهما.

ومن جانب آخر فقد جنح الأئمّة الأطهار عليهم السلاام إلي السلم واللاعنف في جميع أحوالهم إلي أن آلت النوبة إلي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) فغاب عن الظالمين، وأمّا البقية منهم عليهم السلاام فقد بقوا حتّي قتّلوا إمّا بالسيف قسراً أو بالسمّ.

ولقائل أن يقول هنا: ماذا تقولون في حربي أمير المؤمنين

علي عليه السلام والإمام الحسن عليه السلام؟

فالجواب: إنّهما عليهما السلام حاربا دفاعاً وبقدر ضئيل، وقد حاربا بعد أن فشلت كلّ المحاولات وسدّت جميع الأبواب من أجل حلّ المشاكل سلميّاً.

وهكذا كان الأمر بالنسبة إلي الإمام الحسين عليه السلام حيث فرضوا عليه الحرب وقتلوه مظلوماً عندما لم يرض بمبايعة الظالمين، كما قال عليه السلام: «ألا ترون الحق لا يُعمل به، والباطل لا يُتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، وإني لا أري الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً» ().

ولا شكّ أنّ الإسلام لم يقم بالسيف كما هرّج له الذين داسوا علي ضمائرهم، ولعلّ خير شاهد علي ذلك ما أقرّه عقلاؤهم أنفسهم كما تجده في كتبهم، ومنها: (الدعوة إلي الإسلام) وغيره، كما ذكرناه في كتاب: (كيف انتشر الإسلام).

وفي الختام يبقي القول بأنّ البشر اليوم هم نفس البشر، وزماننا الراهن هو نفس الزمان بالنسبة إلي ضرورة تطبيق القوانين الإسلامية، فإذا أردنا إنهاض المسلمين وهداية غيرهم احتجنا إلي نفس منهج اللاعنف الذي ورد في بعض الروايات نصّاً، تارةً واُخري بلفظ السلم والرفق واللين ونحوها في جملة من الروايات الاُخر، ناهيك عن ذكره في الآيات القرآنية الكريمة كالآية المتقدّمة، والله الموفق المستعان.

قم المقدسة

ذي الحجّة / 1420ه ق

محمد الشيرازي

فصل

اللاعنف في القرآن

القرآن واللاعنف

إنّ الإسلام الذي جاء به رسول الإنسانية صلي الله عليه و اله وقدّمه ذلك التقدّم الملحوظ حمل بين طيّاته عدّة قوانين مهمّة عملت علي نشره في شتّي أرجاء العالم الأكبر.

فمن أشهر هذه القوانين المهمّة التي كان لها دور طائل في تقدّم المسلمين ونجاحهم في مختلف الميادين هو قانون: اللين واللاّعنف الذي أكّدت عليه الآيات المباركة فضلا عن الأحاديث الشريفة الواردة عن أهل البيت عليهم السلاام.

ففي القرآن هناك أكثر من آية تدعو

إلي اللين والسلم ونبذ العنف والبطش، ونحن نشير إليها باختصار:

آيات العفو

لا يخفي أنّ الآيات الداعية إلي العفو وعدم ردّ الإساءة بمثلها هي في نفس الوقت تدعو إلي اللاّعنف، فليس العفو إلاّ ضرب من ضروب اللاّعنف أو مصداق من مصاديقه البارزة.

قال تعالي: ?وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي وَلاَ تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ?().

وقال سبحانه: ?إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً?().

وقال عزوجل: ?وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ?().

وقال تعالي مخاطباً رسوله الأكرم بأن يعفو عن المسلمين: ?فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الاَْمْرِ?().

وقال سبحانه: ?فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ?().

وقال تعالي: ?فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّي يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ?().

وقال سبحانه: ?فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ?().

وقال تعالي: ?وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ?().

وقال سبحانه: ?خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ?().

آيات السلم

وهناك مصداق آخر للاّعنف الذي يؤكّد عليه الإسلام العزيز وهو السلم والسلام، حيث إنّ الإسلام هو دين السلم وشعاره السلام..

فبعد أن كان الجاهليون مولعين في الحروب وسفك الدماء جاء الإسلام وأخذ يدعوهم إلي السلم والوئام ونبذ الحروب والمشاحنات التي لا ينجم عنها سوي الدمار والفساد..

علي هذا الأثر فإنّ آيات الذكر جاءت لتؤكّد علي مسألة السلم والسلام، فقد قال عزّ من قائل مخاطباً عباده المؤمنين: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً?().

وقد دُعي الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله إلي الجنح للسلم إذا جنح إليه المشركون، فقال عزّ من قائل: ?وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَي اللهِ?().

وقال تعالي داعياً عباده المؤمنين إلي اعتزال القتال إثر جنوح المشركين إلي السلم: ?فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا?().

وقال عزّوجلّ في صفات المؤمنين: ?وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً?().

وقال الله تعالي مخاطباً رسوله الأكرم صلي

الله عليه و اله: ?وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ?().

وقد قال شيخ المفسّرين الطبرسي في تفسير هذه الآية: «وقيل: لا تستوي الخصلة الحسنة والسيّئة، فلا يستوي الصبر والغضب، والحلم والجهل، والمداراة والغلظة، والعفو والإساءة».

ثمّ بيّن سبحانه ما يلزم علي الداعي من الرفق بالمدعوّ، فقال: ?إدفع بالتي هي أحسن? خاطب النبي صلي الله عليه و اله فقال إدفع بحقّك باطلهم، وبحلمك جهلهم، وبعفوّك إساءتهم، ?فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم?، معناه: فإنّك إذا دفعت خصومك بلين ورفق ومداراة، صار عدوّك الذي يعاديك في الدين، بصورة وليّك القريب، فكأنّه وليّك في الدين، وحميمك في النسب» ().

وقد كان رسول الله صلي الله عليه و اله كراراً ومراراً يدعو أصحابه إلي الدفع بالتي هي أحسن، والإحسان إلي المسيئين، فقد وفد العلاء بن الحضرمي عليه صلي الله عليه و اله فقال: يا رسول الله، إنّ لي أهل بيت أحسن إليهم فيسيؤون، وأصلهم فيقطعون، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ? وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيم?().

فقال العلاء بن الحضرمي: إنّي قد قلت شعراً، هو أحسن من هذا!.

قال: «ما قلت»؟

فأنشده:

وحيِّ ذوي الأضغان تسبّ قلوبهم

تحيّتك العظمي فقد يرفع النغل

فإن أظهروا خيراً فجاز بمثله

وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل

فإنّ الذي يؤذيك منه سماعه

وإنّ الذي قالوا وراءك لم يقل

فقال النبي صلي الله عليه و اله: «إنّ من الشعر لحِكَماً، وإنّ من البيان لسحراً، وإنّ شعرك لحسن، وإنّ كتاب الله أحسن» ().

القرآن وقدسيّة الأديان

بالإضافة إلي الآيات الشريفة المنادية إلي العفو والصفح الجميل والجنوح إلي

السلم والسلام هناك آيات اُخر تدعو إلي احترام عقائد الآخرين حتّي ولو كانت فاسدة وغير صحيحة، وهذا إنّما يدلّ علي حرص الإسلام علي السماحة واللاّعنف في سلوك المسلمين حتّي مقابل أصحاب العقائد الضالّة التي لا قداسة لها في نظر الإسلام، نعم من واجب المسلمين السعي لهدايتهم بالحكمة والموعظة الحسنة كما قال تعالي: ?ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ? وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ? ().

وفي سورة الكافرين يقول تعالي: ?لَكُمْ دِينُكُمْ وَليَ دِينِ?().

وفي آية اُخري يدعو القرآن الكريم المؤمنين إلي عدم إيذاء الكافرين وإثارتهم عبر سبّ آلهتهم فقال سبحانه: ?وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم?().

وقد جاء في الأحاديث الشريفة توضيح ذلك حيث قال أبو جعفر عليه السلام في تفسير هذه الآية الشريفة:

«في التوراة مكتوب فيما ناجي الله جلّ وعزّ به موسي بن عمران عليه السلام: يا موسي اكتم مكتوم سرّي في سريرتك وأظهر في علانيّتك المداراة عنّي بعدوّي وعدوّك من خلقي، ولا تستسب لي عندهم بإظهار مكتوم سرّي فتشرك عدوّك وعدوّي في سبّي» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل يقول عليه السلام: «وإيّاكم وسبّ أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبّوا الله عدواً بغير علم» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام أيضاً قال: سئل عن قول النبي صلي الله عليه و اله: الشرك أخفي من دبيب النمل علي صفاة سوداء في ليلة ظلماء، فقال: «كان المؤمنون يسبّون ما يعبد المشركون من دون الله فكان المشركون يسبّون ما يعبد المؤمنون، فنهي الله المؤمنين عن سبّ آلهتهم

لكيلا يسبّ الكفّار إله المؤمنين فيكون المؤمنون قد أشركوا بالله من حيث لا يعلمون، فقال: ?وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فيسبوا الله عدواً بغير علم? ()» ().

وعن الإمام الرضا عليه السلام في حديث طويل قال عليه السلام في آخره: «إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها علي أقسام ثلاثة: أحدها الغلو، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا فإذا سمع الناس الغلو كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلي القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم سبّونا بأسمائنا، وقد قال الله تعالي: ?وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم?» ().

فضلا عن ذلك كلّه فإنّ الله تعالي في أكثر من آية من آيات القرآن الحكيم أورد نفس حديث الكافرين والملحدين وجعله بين طيّات الآيات الاُخر وأمر المسلمين أن يتطهّروا إذا أرادوا مسّه حيث إنه أصبح من القرآن الكريم وهذا يؤيد احترام الإسلام للآخرين وعدم اعتباره للعنف حتّي مع مخالفيه ومناوئيه.

آيات الصفح

إلي جانب كلّ ما ذكر من الآيات المؤكّدة علي نبذ العنف والبطش، فإنّ هناك آيات اُخري صريحة تحثّ المسلمين علي الصفح وغضّ النظر عن إساءة الآخرين.

فمن هذه الآيات الداعية إلي الصفح الجميل هو قوله تعالي: ?وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ?().

وقال سبحانه: ?وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ?().

وقال تعالي: ?فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ?().

وقال عزوجل مخاطباً الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله: ?وَإِنَّ السَّاعَةَ لاَتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ?().

وقال سبحانه: ?فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ?().

وقال عزّوجلّ: ?فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّي يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ?().

هذا بالإضافة إلي الآيات التي تدل علي الغفران والغض عن السيئة والمحبة والإحسان وما أشبه.

فصل

اللاعنف في الحديث الشريف

الأحاديث الشريفة واللاعنف

كما أشاد القرآن الحكيم بأهميّة اللاّعنف ومدي تأثيره في نشر الإسلام العزيز، كذلك رسول الله صلي الله عليه و اله والأئمّة الأطهار عليهم السلاام، فهم أخذوا يحثّون الناس باستمرار علي العفو واللين وعدم ردّ الاساءة بمثلها.

فالرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وأهل بيته عليهم السلاام من خلال أحاديثهم الشريفة الداعية إلي نبذ العنف وترك ردّ الاساءة للغير ربّوا المسلمين علي السماحة واللين، الأمر الذي أخذ بأيديهم نحو التقدّم والرقي بعد أن كانوا أذلّة خاسئين يخافون أن يتخطفّهم الناس من

حولهم.

أخبار اللاّعنف

إنّ الذي يتتبّع الأحاديث الشريفة الواردة عن رسول الله صلي الله عليه و اله والأئمّة الأطهار عليهم السلاام يجد أنّهم عليهم السلاام كانوا يؤكّدون علي اللاّعنف عبر أحاديثهم الشريفة وسيرتهم الطاهرة.

فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قام رجل يقال له همام وكان عابداً ناسكاً مجتهداً إلي أمير المؤمنين عليه السلام وهو يخطب، فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا صفة المؤمن كأنّنا ننظر إليه.

فقال عليه السلام: « … سهل الخليقة، لين العريكة، رصين الوفا، قليل الأذي، لا متأفّك ولا متهتّك، إن ضحك لم يخرق، وإن غضب لم ينزق، ضحكه تبسّم، واستفهامه تعلّم، ومراجعته تفهّم، كثير علمه، عظيم حلمه، كثير الرحمة، لا ينجل

ولا يعجل، ولا يضجر ولا يبطر، ولا يحيف في حكمه، ولا يجور في علمه، نفسه أصلب من الصلد، ومكادحته أحلي من الشهد، لا جشع ولا هلع، ولا عنف ولا صلف، ولا متكلّف ولا متعمّق، جميل المنازعة، كريم المراجعة، عدل إن غضب، رفيق إن طلب، لا يتهوّر ولا يتهتّك ولا يتجبّر، خالص الودّ، وثيق العهد، وفيّ شفيق، وصول حليم حمول، قليل الفضول، راض عن الله عزّوجلّ، مخالف لهواه، لا يغلظ علي من دونه» ().

وقد وصف

أبو سعيد الخدري رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: «هيّن المقولة، ليّن الخلقة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بسّاماً من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، شديداً من غير عنف» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ الله رفيق يحبّ الرفق ويعطي علي الرفق ما لا يعطي علي العنف» ().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه الله لبّه، واعلم أنّي ساُشير عليك برأي إن أنت عملت به تخلّصت ممّا أنت متخوّفه، واعلم أنّ خلاصك ونجاتك من حقن الدماء، وكفّ الأذي من أولياء الله، والرفق بالرعية، والتأنّي، وحسن المعاشرة، مع لين في غير ضعف، وشدّة في غير عنف» ().

ومن وصية لأمير المؤمنين عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله علي الصدقات قائلا له: «فان قال قائل فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو ترعده أو تعسفه أو ترهقه، فخذ ما آتاك من ذهب أو فضّة، فإن كانت له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلاّ بإذنه، فإنّ أكثرها له، فإذا أتيتها فلا تدخلها دخول متسلّط عليه، ولا عنيف به، ولا تنفّرن بهيمة ولا تفزعنّها، ولا تسوءنّ صاحبها فيها» ().

ومن عهد الإمام علي عليه السلام إلي مالك الأشتر لمّا ولاّه علي مصر قائلا: «فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك، وأنقاهم جيباً وأفضلهم حلماً، ممّن يبطئ عن الغضب، ويستريح إلي العذر، ويرأف بالضعفاء علي الأقوياء، ممّن لا يثيره العنف، ولا يقعد به الضعف» ().

أخبار الرفق

هناك مصداق آخر للاّعنف طالما دعت إليه الروايات الشريفة وأكّد عليه رسول الله صلي الله عليه و اله والأئمّة الأطهار عليهم السلاام عبر مواقفهم

الخالدة ألا وهو الرفق، فمن تلك الروايات الداعية إلي الرفق:

قول الإمام أبي جعفر عليه السلام: «إنّ لكلّ شيء قفل، وقفل الإيمان الرفق» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من زي الإيمان الفقه، ومن زي الفقه الحلم، ومن زي الحلم الرفق، ومن زي الرفق اللين، ومن زي اللين السهولة» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إنّ الله ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا رفق به» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «لو كان الرفق خلقاً يري ما كان ممّا خلق الله شيء أحسن منه» ().

وعن الإمام علي بن الحسين عليه السلام قال: «كان ممّا أوصي به الخضر عليه السلام موسي بن عمران عليه السلام انّه قال: لا تعيّرن أحداً بذنب فإنّ أحبّ الاُمور إلي الله ثلاثة: القصد في الجدة، والعفو في المقدرة، والرفق بعباد الله، وما أرفق أحداً بأحد في الدنيا إلاّ رفق الله به يوم القيامة» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ما زوي الرفق عن أهل بيت إلاّ زوي عنهم الخير» ().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «الرفق رأس الحكمة، اللهمّ من ولي شيئاً من اُمور اُمّتي فرفق فارفق به ومن شقّ عليهم فاُشقق عليه» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إنّ الله رفيق يحبّ الرفق ويعين عليه» ().

وقال أبو جعفر عليه السلام: «من قسم له الرفق قسم له الإيمان» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إنّ في الرفق الزيادة والبركة، ومن يحرم الرفق يحرم الخير» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «ما اصطحب إثنان إلاّ كان أعظمهما أجراً وأحبّهما إلي الله أرفقهما بصاحبه» ().

أخبار العفو

علاوة علي كلّ الروايات التي تنص علي

اللاّعنف والرفق هناك روايات اُخر تؤكّد علي العفو والتزام الصفح عن الغير، وعدم الاعتماد علي لغة العنف في التعامل مع الآخرين.

فقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله في خطبة له: «ألا اُخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة، العفو عمّن ظلمك وتصل من قطعك والإحسان إلي من أساء إليك وإعطاء من حرمك» ().

وعن رسول صلي الله عليه و اله: «من عفا عن أخيه المسلم عفا الله عنه» ().

وعن أبي الحسن عليه السلام قال: «ما التقت فئتان قطّ إلاّ نصر أعظمهما عفواً» ().

وعن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: سمعته يقول: «إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالي الأوّلين والآخرين في صعيد واحد ثمّ ينادي مناد: أين أهل الفضل، قال: فيقوم عنق من الناس فتلقاهم الملائكة فيقولون: وما كان فضلكم، فيقولون: كنّا نصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ونعفو عمّن ظلمنا، قال: فيقال لهم: صدقتم ادخلوا الجنّة» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «العفو عند القدرة من سنن المرسلين والمتّقين، وتفسير العفو أن لا تلزم صاحبك فيما أجرم ظاهراً وتنسي من الأصل ما أصبت منه باطناً، وتزيد الاختبارات إحساناً، ولن يجد إلي ذلك سبيلا إلاّ من قد عفا الله عنه، وغفر له ما تقدّم وتأخّر وزيّنه بكرامته وألبسه من نور بهائه، لأنّ العفو والغفران صفتان من صفات الله عزّوجلّ أودعهما في أسرار أصفيائه ليتخلّقوا مع الخلق بأخلاق خالقهم وجعلهم كذلك، قال الله عزّوجلّ: ?وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ?()، من لا يعفو عن بشر مثله كيف يرجو عفو ملك جبّار» ().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «من عفا عن أخيه المسلم عفا الله عنه»

().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «ثلاثة ينزلون الجنّة حيث يشاؤون، إلي أن قال: ورجل عفا عن مظلمة» ().

وعن سعدان، عن معتب قال: كان أبو موسي عليه السلام في حائط له يصرم فنظرت إلي غلام له قد أخذ كارة من تمر فرمي بها وراء الحائط فأتيته وأخذته وذهبت به إليه، فقلت: جعلت فداك إنّي وجدت هذا وهذه الكارة، فقال للغلام: يافلان.

قال: لبّيك.

قال: «أتجوع». قال: لا ياسيّدي.

قال: «فتعري»، قال: لا ياسيّدي.

قال: «فلأيّ شيء أخذت هذه»، قال: اشتهيت ذلك.

قال: «اذهب فهي لك».

وقال: «خلّو عنه» ().

وعن الإمام الصادق عليه السلام انّه قال لعبد بن جندب: «يابن جندب صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأحسن إلي من أساء إليك، وسلّم علي من سبّك، وأنصف من خاصمك، واعف عمّن ظلمك، كما إنّك تحبّ أن يُعفي عنك» ().

وقد شكا رجل إلي رسول الله صلي الله عليه و اله خدمه فقال له: «اعف عنهم تستصلح به قلوبهم»، فقال: يا رسول الله انّهم يتفاوتون في سوء الأدب، فقال: «اعف عنهم» ففعل().

وعن علي بن الحسين عليه السلام قال: «من بدأ بالشرّ زيّف أصله، ومن كافأ به شارك أهله» ().

وفي الحديث: «قد كان رسول الله صلي الله عليه و اله يأمر في كلّ مجالسه بالعفو وينهي عن المُثلة» ().

أخبار الحلم

وكما أنّ العفو يعدّ من أبرز مصاديق اللاّعنف، فإنّ هناك مصاديق اُخري لا تقلّ عنه أهميّة، منها: الحلم والدأب علي غضّ الطرف عن إساءة الآخرين، ومقابلة تصرّفاتهم العنيفة بالحلم والسماحة.

ففي الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثماني خصال: وقوراً عند الهزاهز، صبوراً عند البلاء، شكوراً عند الرخاء، قانعاً بما رزقه الله، لا يظلم الأعداء، ولا يتحامل

للأصدقاء، بدنه منه في تعب، والناس منه في راحة، إنّ العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل أمير جنوده، والرفق أخوه، والبرّ والده» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ الله عزّوجلّ … يحبّ الحيي الحليم، العفيف المتعفّف» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان فيقولان للسفيه منهما: قلت وقلت وأنت أهل لما ستجزي بما قلت، ويقولان للحليم منهما: صبرت وحلمت سيغفر الله لك إن أتممت ذلك، فإن ردّ الحليم عليه ارتفع الملكان» ().

وعن الربيع صاحب المنصور (في حديث طويل) إنّ المنصور قال للإمام الصادق عليه السلام: حدّثني عن نفسك بحديث أتّعظ به، ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات، فقال الإمام الصادق عليه السلام: «عليك بالحلم فإنّه ركن العلم، واملك نفسك عند أسباب القدرة، فإنّك إن تفعل ما تقدر عليه كنت كمن شفي غيظاً، أو تداوي حقداً، أو يحبّ أن يذكر بالصولة، واعلم بأنّك إن عاقبت مستحقّاً لم تكن غاية ما توصف به إلاّ العدل، ولا أعرف حالا أفضل من العدل، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر» ().

وعن أمير المؤمنين عليه السلام فيما أوصي به ابنه الحسن عليه السلام قال: «يا بني، العقل خليل المرء، والحلم وزيره، والرفق والده، والصبر من خير جنوده» ().

وعن الإمام علي عليه السلام قال: «ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: شريف من وضيع، وحليم من سفيه، ومؤمن من فاجر» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ألا اُخبركم بأشبهكم بي خلقاً» قالوا: بلي يا رسول الله، قال: «أحسنكم خلقاً وأعظمكم حلماً، وأبرّكم بقرابته» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «كلمتان غريبتان فاحتملوها: كلمة من سفيه فاقبلوها، وكلمة سفه

من حكيم فاغفروها» ().

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: «الحلم سراج الله يستضيء به صاحبه إلي جواره، ولا يكون حليماً إلاّ المؤيّد بأنوار المعرفة والتوحيد، والحلم يدور علي خمسة أوجه: أن يكون عزيزاً فيذلّ، أو يكون صادقاً فيتّهم، أو يدعو إلي الحقّ فيستخفّ به، أو أن يُؤذي بلا جرم، أو أن يطلب الحقّ ويخالفوه فيه، فإذا آتيت كلاًّ منهما حقّه فقد أصبت، وقابل السفيه بالإعراض عنه وترك الجواب تكن الناس أنصارك لأنّ من حارب السفيه فكأنّه قد وضع الحطب علي النار» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «مثل المؤمن كمثل الأرض، منافعهم منها إذا هم عليها، ومن لا يصبر علي جفاء الخلق لا يصل إلي رضي الله تعالي، لأنّ رضي الله تعالي مشوب بجفاء الخلق، إلي أن قال صلي الله عليه و اله: بعثت للحلم مركزاً وللعمل معدناً وللصبر مسكناً … » ().

أخبار كظم الغيظ

هذا وقد دعا الإسلام العزيز إلي مصداق آخر من مصاديق اللاّعنف وأكّد عليه بكلّ حثاثة، ألا وهو كظم الغيظ والتجاوز عن إساءة الغير مع التمكّن من ردّها.

ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام إنّه قال للإمام الحسين عليه السلام: «يا بني ما الحلم؟ قال: كظم الغيظ وملك النفس» ().

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «قال موسي بن عمران: إلهي فما جزاء من صبر علي أذي الناس وشتمهم فيك؟ قال: اُعينه علي أهوال يوم القيامة» ().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «ما من جرعة أحبّ إلي الله من جرعتين: جرعة غيظ يردّها مؤمن بحلم، وجرعة جزع يردّها مؤمن بصبر» ().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «ليس القوي من يصرع الفرسان، إنّما القوي من يغلب غيظه

ويكظمه» ().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله: «من كظم غيظاً ملأ الله جوفه إيماناً، ومن أعرض عن محرّم أبدله الله بعبادة تسرّه، ومن عفا عن مظلمة أبدله الله بها عزّاً في الدنيا والآخرة» ().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «ثلاثة يرزقون مرافقة الأنبياء، رجل يدفع إليه قاتل وليّه فعفا عنه، ورجل عنده أمانة لو يشاء لخانها فيردّها إلي من ائتمنه عليها، ورجل كظم غيظه عن أخيه ابتغاء وجه الله» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليه السلام يقول: «ما تجرّعت جرعة غيظ قطّ أحبّ إليَّ من جُرعة غيظ أعقبها صبراً، وما اُحبّ أنّ لي بذلك حمر النعم» ().

وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: «ما من جرعة يجرعها عبد أحبّ إلي الله عزّوجلّ من جرعة غيظ يردِّدها في قلبه فردّها بصبر أو ردّها بحلم» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ما من عبد كظم غيظاً إلاّ زاده الله عزّوجلّ به عزّاً في الدنيا والآخرة، وقد قال الله تبارك وتعالي: ?وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المحسنين?() وآتاه الله تبارك وتعالي الجنّة مكان غيظه ذلك» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من كظم غيظاً وهو يقدر علي إنفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً إلي يوم القيامة» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «نعمت الجرعة الغيظ لمن صبر عليها» ().

أخبار اللين

إحدي الخصال المهمّة للمؤمن كما نصّت عليه الروايات الشريفة عن رسول الله صلي الله عليه و اله والأئمّة الأطهار عليهم السلاام هي اللين وترك الفظاظة والغلظة والعنف وغيرها مما تنفّر الناس عمّن يبتلي بها.

ففي الحديث عن رسول الله صلي الله عليه و اله قال:

«ألا اُخبركم بمن تحرم عليه النار غداً، قالوا: بلي يا رسول الله، قال: الهيّن الليّن القريب اللين السهل» ().

وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت: إنّ قوماً إذا ذكروا شيئاً من القرآن أو حدّثوا به صعق أحدهم حتّي يري أنّ أحدهم لو قطّعت يداه ورجلاه لم يشعر بذلك، فقال عليه السلام: «سبحان الله ذلك من الشيطان ما بهذا نعتوا، إنّما هو اللين والرقّة والدمعة والوجل» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إنّ المؤمن ليدرك بالحلم واللين درجة العابد المتهجّد» ().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «المؤمن هيّن ليّن سمح، له خُلُق حسن، والكافر فظّ غليظ، له خُلُق سيئ وفيه جبرية» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ما كان جبرائيل يأتيني إلاّ قال: يا محمّد اتّق شحناء الرجال وعداوتهم» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «من زرع العداوة حصد ما بذر» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أتدرون من يحرم علي النار؟ كلّ هيّن ليّن سهل قريب» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام انّه قال للمفضّل بن عمر: « … وإن شئت أن تكرم فلِن، وإن شئت أن تهان فاخشن، ومن كرم أصله لاَن قلبه، ومن خشن عنصره غلظ كبده» ().

فصل

اللاعنف في سيرة الرسول صلي الله عليه و اله وأهل بيته عليهم السلاام

الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله واللاعنف

إحدي أهم الأدلة علي أنّ الإسلام يتّبع اُسلوب اللاّعنف هي منهجية الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وسيرته في تعامله حتي مع مناوئيه، حيث إنّه صلي الله عليه و اله قدّم للبشرية جمعاء خير شاهد علي أنّ الإسلام يدعو إلي اللاّعنف وينبذ البطش والعنف.

ونذكر هنا بعض الشواهد:

الإرفاق بالأسري

عندما فتح الإمام علي عليه السلام خيبر أخذ فيمن أخذ صفيّة بنت حييّ بن أخطب فدعا بلالا فدفعها إليه، وقال له: يا بلال لا تضعها إلاّ في يدي رسول الله صلي الله عليه و اله حتّي يري فيها رأيه.

فأخرجها بلال ومرّ بها في طريقه إلي رسول الله صلي الله عليه و اله علي القتلي، فكادت تزهق روحها جزعاً، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله لمّا علم بذلك: أنُزعت منك الرحمة يابلال؟

ثمّ عرض رسول الله صلي الله عليه و اله عليها الإسلام، فأسلمت، فاصطفاها لنفسه ثمّ أعتقها وتزوّجها، فكانت امرأة مؤدّبة().

من مكارم رسول الله صلي الله عليه و اله

إن رسول الله صلي الله عليه و اله لم يهدر دم أحد إلا إذا كان مستحقاً للقتل لعظيم جرمه، وكانوا قلة، كقاتل عمه حمزة، ومع ذلك فإن أكثرهم استأمن لهم بعض معارفهم، فأمنهم رسول الله صلي الله عليه و اله وخرجوا من استتارهم، وجاءوا إليه صلي الله عليه و اله وأسلموا علي يديه، فقبل إسلامهم وعفا عنهم.

وكان أحد هؤلاء: صفوان بن اُميّة، وقد فرّ يومئذ، فاستأمن له عمير بن وهب الجمحي رسول الله صلي الله عليه و اله، فأمنه، وأعطاه عمامته التي دخل بها مكّة.

فلحقه عمير وهو يريد أن يركب البحر فردّه وقال: ياصفوان، اذكر الله في نفسك أن تهلكها، فهذا أمان رسول الله صلي الله عليه و اله قد جئتك به.

فقال صفوان، وهو يستبعد ذلك حسب رأيه وحسب الموازين الحاكمة في الجاهلية سابقاً: اُغرب عنّي فلا تكلّمني.

فقال له عمير، وهو يريد أن يطمئنه: أي صفوان اُعلمك أنّ أفضل الناس وأبرّ الناس وخير الناس ابن عمّك، عزّه عزّك، وشرفه شرفك، وملكه ملكك.

فقال صفوان، وهو يبدي ما في قرارة نفسه وما انطوي عليه الجاهليون

من الغدر: إنّي أخافه علي نفسي.

فقال له عمير: انّه ليس كما تتصوّر، بل هو أحلم من ذلك وأكرم.

فاطمأنّ صفوان لما أراه عمير عمامة رسول الله صلي الله عليه و اله التي بعثها إليه علامة لأمانه.

فرجع معه حتّي وقف به علي رسول الله صلي الله عليه و اله، فقال: هذا يزعم أنّك أمّنتني؟

فقال صلي الله عليه و اله: صدق.

قال: فاجعلني بالخيار شهرين.

قال صلي الله عليه و اله: أنت بالخيار أربعة أشهر.

مع عكرمة بن أبي جهل

وكذلك من الأشخاص الذين أُستأمن لهم فآمنهم رسول الله صلي الله عليه و اله عكرمة بن أبي جهل، حيث استأمنت له زوجته اُمّ حكيم بنت الحارث بن هشام وأخبرت زوجها بذلك وهي تقول له: جئتك من عند أوصل الناس، وأبرّ الناس، وخير الناس، لا تهلك نفسك وقد استأمنت لك فآمنك.

فجاء معها إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وأسلم علي يديه، ثمّ قال: يا رسول الله مرني بخير ما تعلم فاعمله.

قال صلي الله عليه و اله: قل أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وجاهد في سبيل الله.

عفوه عن ابن الزبعري

ينقل إن عبد الله بن الزبعري كان يهجو رسول الله صلي الله عليه و اله ويعظم القول فيه والوقيعة في المسلمين، وعندما فتحت مكّة فرّ منها، وبعد أن عرف أنّ الرسول صلي الله عليه و اله رسول الرحمة والإنسانية رجع إلي مكّة واعتذر من الرسول صلي الله عليه و اله ممّا بدا منه.

فقبل الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله عذره وأمر له بحلّة، وعلي أثر ذلك أسلم، وأنشد شعراً يقول فيه:

ولقد شهدت أنّ دينك صادق

حقّاً وإنّك في العباد جسيم

والله يشهد أنّ أحمد مصطفي

مستقبل في الصالحين كريم

وقال أيضاً:

فالآن أخضع للنبي محمّد

بيد مطاوعة وقلب نائب

ومحمّد أوفي البريّة ذمّة

وأعزّ مطلوب وأظفر طالب

هادي العباد إلي الرشاد

وقائد للمؤمنين بضوء نور الثاقب

إنّي رأيتك يا محمّد عصمة

للعالمين من العذاب الواصب()

يهودي يحبس الرسول صلي الله عليه و اله

عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه قال: إنّ يهودياً كان له علي رسول الله صلي الله عليه و اله دنانير، فتقاضاه.

فقال صلي الله عليه و اله له: يا يهودي، ما عندي ما أعطيك.

فقال: فإنّي لا اُفارقك يا محمّد حتّي تقضيني.

فقال: إذن أجلس معك.

فجلس صلي الله عليه و اله معه حتّي صلّي في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخر والغداة، وكان أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله يتهدّدونه ويتواعدونه.

فنظر رسول الله صلي الله عليه و اله إليهم فقال: ما الذي تصنعون؟

فقالوا: يا رسول الله يهودي يحبسك؟

فقال: لم يبعثني ربّي عزّوجلّ بأن أظلم معاهداً ولا غيره.

فلمّا علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وشطر مالي في سبيل الله().

الإسلام والسجون

من الشواهد علي أنّ الإسلام يتبع أُسلوب اللاّعنف إنّه لم يكن للرسول الأعظم صلي الله عليه و اله سجن اطلاقاً، بل كان إذا أراد أن يودع أحداً في السجن ليوم أو لأيّام معدودات أقلّ من أصابع اليد كان يحفظه في دار كانت بباب المسجد.

وقد بقي هذا القانون حتّي زمان أبي بكر أمّا في زمان عمر فقد استأجر داراً وجعلها سجناً ليوم أو لبعض الأيّام لأشخاص قلّة().

بل حتّي الأُسراء لم يودعهم الإسلام في السجون أو المعسكرات وإنّما كانوا مطلقين، فمن شاء منهم أن يذهب إلي بلده ومن شاء منهم أن يبقي في المدينة المنوّرة، وهذا ما يستفاد من قوله تعالي: ?وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَي حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً?(). حيث كان الأسير يسير بحريته.

عفوه صلي الله عليه و اله عن الأعرابي

عن جابر بن عبد الله: إنّ النبي صلي الله عليه و اله نزل تحت شجرة فعلّق بها سيفه ثمّ نام، فجاء أعرابي فأخذ السيف وقام علي رأسه، فاستيقظ النبي صلي الله عليه و اله.

فقال الرجل: يا محمّد من يعصمك الآن منّي؟

قال: الله تعالي.

فرجف وسقط السيف من يده.

وفي خبر آخر: إنّه بقي جالساً زماناً ولم يعاقبه النبي صلي الله عليه و اله().

رحلته صلي الله عليه و اله إلي الطائف

لمّا اشتدّ بلاء قريش علي رسول الله صلي الله عليه و اله وعقيب وفاة ناصره وحاميه أبي طالب عليه السلام عاني الرسول صلي الله عليه و اله من سفهاء قريش ما عاناه، حيث إنّهم تجرّؤوا عليه وكاشفوه بالأذي ونالوا منه ما لم ينل قومه في مكّة.

وقد كان معه آنذاك زيد بن حارثة مولاه، فأقام بينهم في الطائف عشرة أيّام لا يدع أحداً من أشرافهم إلاّ جاءه وكلّمه.

فقالوا: أخرج من بلادنا، وأغرّوا به سفهاءهم، فأخذوا يرجمون عراقيبه صلي الله عليه و اله بالحجارة حتّي اختضبت نعلاه بالدماء.

وكان صلي الله عليه و اله إذا أذلقته الحجارة قعد إلي الأرض فيأخذونه بعضديه ويقيمونه، فإذا مشي رجموه وهم يضحكون، بينما كان زيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتّي لقد شجّ في رأسه شجاجاً، وما زالوا به حتّي ألجئوه إلي حائط لابنيّ ربيعة: عتبة وشيبة.

فعمد إلي الظلّ وانصرف عنه السفهاء، فأخذ صلي الله عليه و اله يناجي ربّه ويدعوه بالدعاء المأثور قائلا صلي الله عليه و اله: «اللهمّ إنّي أشكو إليك ضعف قوّتي، وقلّة حيلتي، وهواني علي الناس، أنت أرحم الراحمين، وربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إلي من تكلني؟ إلي عدوّ بعيد يتجهّمني، أو إلي عدوّ ملّكته أمري، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا اُبالي، غير أنّ عافيتك هي أوسع

لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك، أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبي حتّي ترضي، ولا حول ولا قوّة إلاّ بك».

فلم يدع علي القوم أبداً، بل كان يقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.

اللاّعنف في غزوة أُحد

عندما انكشف المسلمون يوم اُحد وانهزموا، عمد المشركون إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فرشقوه بالحجارة حتّي شجّ في وجهه وكلّمت شفته السفلي، وكادوا أن يقتلوه صلي الله عليه و اله لولا حفظ الله تعالي له.

فقام صلي الله عليه و اله رافعاً يديه نحو السماء وهو يقول: إنّ الله اشتدّ غضبه علي اليهود حين قالوا: عزير ابن الله، واشتدّ غضبه علي النصاري أن قالوا: المسيح ابن الله، وانّ الله اشتدّ غضبه علي من أراق دمي، وآذاني في عترتي.

وفي الحديث: انّه صلي الله عليه و اله كلّما سال الدم علي وجهه المبارك تناوله بيده فرمي به في الهواء، فلا يرجع منه شيء.

وقد قيل له صلي الله عليه و اله: ألا تدعو عليهم؟

فقال صلي الله عليه و اله: اللهمّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون.

ثمّ كان يقول صلي الله عليه و اله أسفاً عليهم: كيف يفلح قوم خضّبوا وجه نبيّهم بالدم وهو يدعوهم إلي الله.

عفوه عن هبّار

روي أنّ هبار بن الأسود كان ممّن عرض لزينب بنت رسول الله صلي الله عليه و اله حين خرجت من مكّة إلي المدينة، حيث روعها هبّار بالرمح وهي في الهودج وكانت حاملاً فلما رجعت طرحت ذا بطنها، وكانت من خوفها رأت دماً وهي في الهودج، فلذلك أباح الرسول صلي الله عليه و اله يوم فتح مكة دم هبّار بن الأسود، ففرّ هبّار.

ثمّ قدم علي رسول الله صلي الله عليه و اله بالمدينة ويقال أتاه بالجعرانة حين فرغ من حنين فمثّل بين يديه وهو يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك رسول الله صلي الله عليه و اله.

فقبل الرسول صلي الله عليه و اله إسلامه وعفا عنه().

مع ابنة الطائي

وفي التاريخ: انّه هجم جند الإسلام علي جبل طي وفتحوه وأخذوا الأسري إلي المدينة، فكانت بنت حاتم الطائي فيهم.

فمرّ بها رسول الله صلي الله عليه و اله فقامت إليه وقالت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنُن عليّ منّ الله عليك.

فلم يجبها الرسول صلي الله عليه و اله.

وفي اليوم الثالث أشار لها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أن تعيد طلبتها.

فقالت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليَّ منَّ الله عليك.

فعفي النبي صلي الله عليه و اله عنها وقال: لا تعجلي بخروج حتّي تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتّي يبلغك إلي بلادك.

ولمّا قدم من قومها من تثق بهم قالت لرسول الله صلي الله عليه و اله: قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ.

فكساها رسول الله صلي الله عليه و اله وأعطاها نفقة، فخرجت معهم حتّي قدمت الشام.

اللاّعنف مع الأعرابي

روي عن أنس أنّه قال: كنت مع النبي صلي الله عليه و اله وعليه برد غليظ الحاشية، فجذبه أعرابي بردائه جذبة شديدة حتّي أثّرت حاشية البرد في صفحة عاتقه صلي الله عليه و اله ثمّ قال: يا محمّد احمل لي علي بعيريَّ هذين من مال الله الذي عندك، فإنّك لا تحمل لي من مالك ولا مال

أبيك.

فسكت النبي صلي الله عليه و اله ثمّ قال: المال مال الله وأنا عبده.

ثمّ قال: ويُقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟

قال: لا.

قال: لِمَ؟

قال: لأنّك لا تكافئ بالسيّئة الحسنة.

فضحك النبي صلي الله عليه و اله ثمّ أمر أن يحمل له علي بعير شعير وعلي الآخر تمر().

مع عبدالله بن أبي اُميّة

جاء في تفسير قوله تعالي: ?وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّي تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأرض يَنْبُوعاً?() أنّها نزلت في عبد الله بن أبي اُميّة أخي اُمّ سلمة (رحمة الله عليها).

وذلك أنّه قال هذا لرسول الله صلي الله عليه و اله بمكّة قبل الهجرة، فلمّا خرج رسول الله صلي الله عليه و اله إلي فتح مكّة استقبله عبد الله بن أبي اُميّة فسلّم، فلم يردّ عليه السلام وأعرض عنه ولم يجبه بشيء، وكانت اُخته اُمّ سلمة مع رسول الله صلي الله عليه و اله فدخل إليها فقال: يا اُختي إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قد قبل إسلام الناس كلّهم وردّ إسلامي، فليس يقبلني كما قبل غيري.

فلمّا دخل رسول الله صلي الله عليه و اله علي اُمّ سلمة قالت: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله! سعد بك جميع الناس إلاّ أخي من بين قريش والعرب رددت إسلامه وقبلت إسلام الناس كلّهم.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا اُمّ سلمة إنّ أخاك كذّبني

تكذيباً لم يكذّبني أحد من الناس، هو الذي قال لي: «لن نؤمن لك حتّي تفجّر لنا من الأرض ينبوعاً».

فقالت اُمّ سلمة: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ألم تقل: الإسلام يجبّ ما كان قبله؟

قال: نعم.

فقبل رسول الله صلي الله عليه و اله إسلامه().

اليوم يوم المرحمة

إحدي الشواهد المهمّة الدالّة علي أنّ الإسلام يدعو إلي اللاّعنف هي المواقف المهمّة التي اتّخذها رسول الإنسانية صلي الله عليه و اله إثر فتح مكّة المكرّمة.

فلمّا دخل المسلمون مكّة كانت إحدي الرايات في يد سعد بن عبادة وهو ينادي برفيع صوته: اليوم يوم الملحمة.. اليوم تستحلّ الحرمة. يا معشر الأوس والخزرج، ثأركم يوم الجبل.

فأتي العبّاس النبي صلي الله عليه و اله وأخبره بمقالة سعد.

فقال صلي الله عليه و اله: ليس بما قال سعد شيء، ثمّ قال للإمام علي عليه السلام: أدرك سعداً فخذ الراية منه وأدخلها إدخالا رفيقاً.

فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام الراية منه وأخذ ينادي برفيع صوته: اليوم يوم المرحمة.. اليوم تصان الحرمة().

أخ كريم وابن أخ كريم

وبعد أن فتح الجيش الإسلامي مكّة المكرّمة تجلّت أيضاً عظمة الإسلام وانبرت حقيقته الناصعة الداعية إلي اللين واللاّعنف ونبذ العنف والبطش..

فبعد أن كان أسياد قريش يتفنّون في إيذاء النبي صلي الله عليه و اله وأصحابه دار فلك الزمان وانقلبت الموازين وإذا بنفس هؤلاء الأسياد يمتثلون بين يدي رسول الرحمة صلي الله عليه و اله وينظرون ما هو صانع بهم..

فيا تري ماذا صنع معهم رسول الله صلي الله عليه و اله؟

فهل ردّ إساءتهم بمثلها؟

أم ماذا؟

يقول المؤرخّون: لمّا دخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنّون أنّ السيف لا يرفع عنهم، أتي رسول الله صلي الله عليه و اله البيت وأخذ بعضادتي الباب ثمّ قال: لا إله إلاّ الله، أنجز وعده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده.

ثمّ قال: ما تظنّون؟

وما أنتم قائلون؟

فقال سهيل بن عمرو: نقول خيراً ونظنّ خيراً، أخ كريم وابن عمّ.

قال: فإنّي أقول لكم كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، ألا إنّ كلّ دم ومال ومأثرة

كان في الجاهلية فإنّه موضوع تحت قدمي().

هكذا كان رسول الله صلي الله عليه و اله

روي انّه بعد ما قتل وحشي حمزة سيد الشهداء عم النبي صلي الله عليه و اله بعث وحشي جماعة إلي النبي صلي الله عليه و اله انّه ما يمنعنا من دينك إلاّ أنّنا سمعناك تقرأ في كتابك أنّ من يدعو مع الله إلهاً آخر ويقتل النفس ويزني يلق آثاماً ويخلّد في العذاب ونحن قد فعلنا هذا كلّه؟

فبعث صلي الله عليه و اله إليهم بقوله تعالي: ?إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً?().

فقالوا نخاف أن لا نعمل صالحاً؟

فبعث إليهم صلي الله عليه و اله: ?إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ?().

فقالوا: نخاف ألاّ ندخل في المشيئة.

فبعث إليهم صلي الله عليه و اله: ?يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ

لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً?().

فجاءوا وأسلموا.

فقال النبي صلي الله عليه و اله لوحشي قاتل حمزة: غيّب وجهك عنّي فإنّني لا أستطيع النظر إليك.

وهذا منتهي ما قال له الرسول صلي الله عليه و اله.

الإمام علي عليه السلام واللاعنف

علي خطي رسول الله صلي الله عليه و اله وطبق منهجيته المؤكّدة علي اللاّعنف سار الإمام أمير المؤمنين عليه السلام واحتذي بخطاه المباركة حيث انّه عليه السلام راح يقدّم للبشرية جمعاء أعظم دروس في اللاّعنف التي بقي صداها يدوّي حتّي هذا اليوم في شتّي أنحاء العالم.

إنّ من يتمعّن في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام العطرة ويتأمّل مواقفه الخالدة يتجلّي له كالصبح لذي عينين، أنّه عليه السلام كان يدعو بشكل حثيث إلي اللاّعنف والعفو والسلام، وكان يعتمد علي اللين والصفح الجميل، فمن تلك المواقف الخالدة التي قدّمها أمير المؤمنين عليه السلام في مجال اللاّعنف هو:

الإمام علي عليه السلام وصاحب التمر

عن أبي مطر البصري: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرّ بأصحاب التمر فإذا هو بجارية تبكي فقال عليه السلام: يا جارية ما يبكيك؟

فقالت: بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمراً فأتيتهم به فلم يرضوه، فلمّا أتيته به أبي أن يقبله.

قال: يا عبد الله إنّها خادم وليس لها أمر، فاردد إليها درهمها وخذ التمر.

فقام إليه الرجل فلكزه()!.

فقال الناس: هذا أمير المؤمنين!.

فربي الرجل() واصفرّ وأخذ التمر وردّ إليها درهمها، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين ارضِ عنّي.

فقال عليه السلام: ما أرضاني عنك إن أصلحت أمرك().

مع ابن الكوّاء

هناك واقعة اُخري يتجلّي فيها مدي سماحة أمير المؤمنين عليه السلام وعدم عنفه التامّ حتّي في قبال من يرميه بالشرك الذي يعدّ من الكبائر.

ففي أحد الأيّام كان أمير المؤمنين عليه السلام يصلّي صلاة الصبح فقال ابن الكوّاء من خلفه: ?وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ?().

فأنصت الإمام علي عليه السلام تعظيماً للقرآن حتّي فرغ من الآية، ثمّ عاد عليه السلام في قراءته.

ثمّ أعاد ابن الكوّاء الآية، فأنصت الإمام علي عليه السلام أيضاً، ثمّ قرأ.

فأعاد ابن الكوّاء، فأنصت الإمام علي عليه السلام ثمّ قال: ?فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ?() ثمّ أتمّ السورة وركع().

قد عفونا عنك

بعث أمير المؤمنين عليه السلام إلي لبيد بن عطارد التميمي في كلام بلغه، فمرّ به أمير المؤمنين عليه السلام في بني أسد، فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدي فأفلته، فبعث إليه أمير المؤمنين عليه السلام فأتوه به، وأمر به أن يضرب، فقال له: نعم والله إنّ المقام معك لذلّ، وإنّ فراقك

لكفر.

فلمّا سمع ذلك منه قال عليه السلام: قد عفونا عنك إنّ الله عزّوجلّ يقول: ?ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ?().

أمّا قولك إنّ المقام معك لذلّ فسيّئة اكتسبتها، وأمّا قولك إنّ فراقك لكفر فحسنه اكتسبتها فهذه بهذه().

عفو عن ذنب

بلغ من التزام أمير المؤمنين عليه السلام باللاّعنف إنّه حتّي مع الخوارج لم يلجأ إلي القوّة معهم وإنّما عكف علي نصيحتهم وتذكيرهم بالحقّ ولكنّهم أبوا إلاّ محاربة المسلمين فحينذاك دافع الإمام عليه السلام عن الأمة.

ففي أكثر من مرّة يعاود متعصّبي الخوارج إساءتهم وتجاسرهم علي أمير المؤمنين عليه السلام إلاّ أنّه عليه السلام كان يلتزم باللاّعنف في قبالهم، فضلا عن ذلك كان يحثّ المسلمين إلي عدم التعرّض لهم.

فقد نُقل انّه مرّت امرأة جميلة في عهد أمير المؤمنين عليه السلام فرمقها القوم بأبصارهم فقال أمير المؤمنين عليه السلام إنّ ابصار هذه الفحول طوامح وإنّ ذلك سبب هناتها، فإذا نظر أحدكم إلي امرأة تعجّبه فليمس أهله، فإنّما هي امرأة كامرأة.

فقال رجل من الخوارج: قاتله الله كافراً ما أفقهه!

فوثب القوم ليقتلوه، فقال عليه السلام: رويداً إنّما هو سبّ بسبّ أو عفو عن ذنب().

ليس لك عندي إلاّ ما تحبّ

بين الفترة والاُخري كان أمير المؤمنين عليه السلام يشرع بنصيحة الذين تقمصوا الخلافة ويرشدهم إلي درب الصواب، ولكنهم غالباً لم يلتزموا.

يقول قنبر مولي أمير المؤمنين عليه السلام: دخلت مع أمير المؤمنين عليه السلام علي عثمان فأحبّ الخلوة فأومأ إليّ بالتنحّي فتنحّيت غير بعيد، فجعل عثمان يعاتبه، وهو مطرق رأسه، وأقبل إليه عثمان، فقال: ما لك لا تقول؟

فقال عليه السلام: ليس جوابك إلاّ ما تكره، وليس لك عندي إلاّ ما تحبّ، ثمّ خرج قائلا:

ولو أنّني جاوبته لأمضّه

نوافذ قولي واختصار جوابي

ولكنّني أغضي علي مضض الحشا

ولو شئت أقداماً لأنشبّ نابي

قل أستغفر الله وأتوب إليه

نُقل انّه جيء بموسي بن طلحة بن عبيد الله، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: قل: «أستغفر الله وأتوب إليه» ثلاث مرّات، وخلّي سبيله، وقال: اذهب حيث شئت، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه، واتّق الله فيما تستقبله من أمرك واجلس في بيتك().

عفوت وصفحت

جاء في التاريخ: إنّ الإمام علي عليه السلام كان إذا صلّي الفجر لم يزل معقّباً إلي أن تطلع الشمس، فإذا طلعت اجتمع إليه الناس، فيعلّمهم الفقه والقرآن، وكان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك.

فقام عليه السلام يوماً فمرّ برجل، فرماه بكلمة هجا فيها الإمام عليه السلام، فرجع عوده علي بدئه، وأمر فنودي: الصلاة جامعة.

ثمّ صعد عليه السلام المنبر فحمد الله وأثني عليه وقال: أيّها الناس إنّه ليس شيء أحبّ إلي الله ولا أعمّ نفعاً من حلم إمام وفقهه، ولا شيء أبغض إلي الله ولا أعمّ ضرراً من جهل إمام وخرقه، ألا وإنّه من لم يكن له من نفسه واعظ لم يكن له من الله حافظ، ألا وإنّه من أنصف من نفسه لم يزده الله إلاّ عزّاً، ألا وإنّ الذلّ في طاعة الله أقرب إلي الله من التعزّز في معصيته،

ثمّ قال: أين المتكلّم آنفاً؟

فلم يستطع الإنكار، فقال: ها أنذا يا أمير المؤمنين.

فقال: أما إنّي لو أشاء لقلت.

فقال الرجل: إن تعفو وتصفح فأنت أهل لذلك؟

فقال: عفوت وصفحت().

من أين الرجل؟

حاول معاوية بن أبي سفيان مراراً قتل أمير المؤمنين عليه السلام، فقد أسرّ إلي بعض خاصّته أنّ من قتل علياً فله عشرة آلاف دينار.

فانبري لذلك أحدهم، ولكنّه تراجع في اليوم التالي، معتذراً منه، وقال: أسير إلي ابن عمّ رسول الله، وأبي ولديه، وأقتله؟ لا والله.. لا أفعل!

فزيّد معاوية الأجر، فجعله عشرين ألف دينار.

فقبله أحدهم، لكنّه هو الآخر تراجع وامتنع.

فزيّده إلي ثلاثين ألف، فقبل المهمّة رجل من «حمير»، وخرج من الشام قاصداً الكوفة.

فجاء حتّي دخل علي أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة، وعليه ثياب السفر، فقال له الإمام: من أين الرجل؟

قال: من الشام.

وكانت عند الإمام عليه السلام أخباره، فاستنطقه، فاعترف، فقال

له الإمام عليه السلام: فما رأيك الآن؟ أتمضي إلي ما اُمرت به؟ أم ماذا؟

فقال الرجل: لا..

ولكنّي أنصرف.

فقال الإمام لقنبر: يا قنبر أصلح راحلته، وهيّئ له زاده، وأعطه نفقته().

يا أيّها المدّعي لما لا يعلم

روي أنّ قوماً حضروا عند أمير المؤمنين عليه السلام وهو يخطب بالكوفة ويقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فأنا لا أُسأل عن شيء دون العرش إلاّ أجبت فيه، لا يقولها بعدي إلاّ مدّع أو كذّاب مفتر.

فقام إليه رجل من جنب مجلسه، وفي عنقه كتاب كالمصحف، وهو رجل آدم ظربّ طوال جعد الشعر، كأنّه من يهود العرب، فقال رافعاً صوته للإمام علي عليه السلام: يا أيّها المدّعي لما لا يعلم والمتقدّم لما لا يفهم أنا سائلك فأجب.

قال: فوثب إليه أصحاب الإمام عليه السلام وشيعته من كلّ ناحية وهمّوا به.

فنهرهم الإمام علي عليه السلام وقال: دعوه ولا تعجلوه، فانّ العجل والطيش لا يقوم به حجج الله، ولا بإعجال السائل تظهر براهين الله تعالي.

ثمّ التفت إلي السائل فقال: سل بكلّ لسانك ومبلغ علمك اُجبك إن شاء الله تعالي بعلم لا تختلج فيه الشكوك، ولا تهيجه دنس ريب الزيغ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم().

مع أبي هريرة

جاء إلي أمير المؤمنين عليه السلام أبو هريرة وكان يكلّم فيه وأسمعه في اليوم الماضي() وسأله حوائجه فقضاها، فعاتبه أصحابه علي ذلك، فقال عليه السلام: إنّي لأستحي أن يغلب جهله علمي وذنبه عفوي ومسألته جودي().

أمنت عقوبتك

دعا أمير المؤمنين عليه السلام غلاماً له مراراً فلم يجبه، فخرج فوجده علي باب البيت، فقال: ما حملك علي ترك إجابتي؟

قال: كسلت عن إجابتك، وأمنت عقوبتك.

فقال: الحمد لله الذي جعلني ممّن تأمنه خلقه، امض فأنت حرّ لوجه الله().

هكذا هو اللاّعنف

عندما قاتل معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين عليه السلام وخرج عليه جائراً، استولي عسكر معاوية علي الماء وأحاطوا بشريعة الفرات، فقال له رؤساء الشام: اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشاً.

وبالفعل، حينما سألهم الإمام علي عليه السلام وأصحابه أن يسوّغوا لهم شرب الماء قالوا: لا والله ولا قطرة حتّي تموت ظمئاً كما مات ابن عفّان.

ولمّا رأي أمير المؤمنين عليه السلام أنّه الموت لا محالة تقدّم بأصحابه وحمل علي عساكر معاوية حملات كثيفة، حتّي أزالهم عن مراكزهم، وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلات لا ماء لهم.

فقال للإمام عليه السلام أصحابه وشيعته: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضاً بالأيدي، فلا حاجة لك إلي الحرب.

فقال: لا والله لا اُكافيهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة().

اللاّعنف حتي مع قاتله

حينما ضرب ابن ملجم (لعنه الله تعالي) أمير المؤمنين عليه السلام علي رأسه تلك الضربة التي انهدّت منها أركان السماوات، بقي الإمام عليه السلام يغشي عليه ويفيق، وفي تلك اللحظات الحرجة أفاق عليه السلام، فقال له الإمام الحسن عليه السلام: هذا عدوّ الله وعدوّك ابن ملجم قد أمكننا الله منه وقد حضر بين يديك.

ففتح أمير المؤمنين عليه السلام عينيه ونظر إليه وقال له بضعف وإنكسار صوت: يا هذا لقد جئت عظيماً وارتكبت أمراً عظيماً وخطباً جسيماً، أبئس الإمام كنتُ لك حتّي جازيتني بهذا الجزاء؟

ألم أكن شفيقاً عليك وآثرتك علي غيرك وأحسنت إليك وزدت في اعطائك؟

ألم يكن يقال لي فيك كذا وكذا فخلّيت لك السبيل ومنحتك عطائي وقد كنت أعلم أنّك قاتلي لا محالة؟ ولكن رجوت بذلك الاستظهار من الله تعالي عليك علّ أن ترجع عن غيّك، فغلبت عليك الشقاوة فقتلتني

يا شقي الأشقياء.

فدمعت عينا ابن ملجم (لعنه الله تعالي) وقال: يا أمير المؤمنين أفأنت تنقذ من في النار؟

فقال له: صدقت.

ثمّ التفت عليه السلام إلي ولده الحسن عليه السلام وقال له: ارفق يا ولدي بأسيرك وارحمه، وأحسن إليه وأشفق عليه، ألا تري إلي عينيه قد صارتا في اُمّ رأسه وقلبه يرجف خوفاً ورعباً وفزعاً.

فقال له الإمام الحسن عليه السلام: يا أبتاه قد قتلك هذا اللعين الفاجر وأفجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق فيه؟

فقال له: نعم يا بني! نحن أهل البيت لا نزداد علي المذنب إلينا إلاّ كرماً وعفواً، والرحمة والشفقة من شيمتنا، بحقّي عليك أطعمه يا بني ممّا تأكله، واسقه ممّا تشرب، فإن أنا متّ فاقتصّ منه ولا تحرقه بالنار، ولا تمثّل بالرجل، فإنّي سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور.

وإن أنا عشت فأنا أولي بالعفو عنه، وأنا أعلم بما أفعل به، فإن عفوت فنحن أهل البيت لا نزداد علي المذنب إلينا إلاّ عفواً وكرماً.

اللاّعنف عند أهل البيت عليهم السلاام

من الدروس المفيدة التي قدّمها أهل البيت عليهم السلاام للبشرية قاطبة هي مواقفهم العملية الداعية إلي اللاعنف والسلم، واللين والعفو، والتغاضي عن الإساءة وعدم ردّها بمثلها.

فالتاريخ الإسلامي كان وما زال يحتفظ ويفتخر بمواقف آل الرسول عليهم السلاام التي يستفاد منها مدي اعتنائهم بمسألة اللاّعنف، والشواهد التالية نماذج علي ما ذكر:

أيّها الشيخ أظنّك غريبا

روي: إنّ شامياً رأي الإمام الحسن عليه السلام راكباً فجعل يلعنه، والإمام الحسن عليه السلام لا يردّ.

فلمّا فرغ أقبل الإمام عليه السلام عليه وضحك، وقال: أيّها الشيخ أظنّك غريباً ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلي وقت إرتحالك كان أعود عليك لأنّ لك موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالا كبيراً.

فلمّا سمع الرجل كلامه بكي ثمّ قال: أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالاته، كنت أنت وأبوك أبغض خلق إليّ والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ، وحوّل رحله إليه وكان ضيفه إلي أن ارتحل وصار معتقداً لمحبّتهم().

شهيد اللاّعنف

كان الإمام الحسن عليه السلام ملتزماً باللاّعنف إلي أبعد الحدود، ففي كلّ حيثيات حياته المباركة بقي يؤكّد علي اللاّعنف حتّي عندما دسّت جعدة بنت الأشعث السمّ القتّال إليه وذلك بأمر من معاوية.

فبعد أن أحسّ الإمام عليه السلام أنّ السمّ أخذ يقطّع أحشائه، بعث إلي أخيه الإمام الحسين عليه السلام ولمّا جاءه عليه السلام سأله عن الذي دسّ إليه هذا السمّ الفتّاك، فلم يفصح باسم قاتله.

يقول الإمام علي بن الحسين عليه السلام: دخل الحسين علي عمّي الحسن عليهما السلام حدثان ما سقي السمّ، فقام لحاجة الإنسان ثمّ رجع فقال: سقيت السمّ عدّة مرّات، وما سقيت مثل هذه، لقد لفظت طائفة من كبدي ورأيتني أقلبه بعود في يدي.

فقال له الإمام الحسين عليه السلام: يا أخي ومن سقاك؟

قال: وما تريد بذلك؟ فان كان الذي أظنّه فالله حسيبه، وإن كان غيره فما اُحبُّ أن

يؤخذ بي بريء، فلم يلبث إلاّ ثلاثاً حتّي توفّي صلوات الله عليه().

الإمام الحسين عليه السلام واللاّعنف

من المؤسف حقّاً أنّ كثيراً من المسلمين وحتي في هذه العصور المتطورة نسبياً لا يطّلعون علي تاريخ أئمة أهل البيت عليهم السلاام الأمر الذي جعلهم يتخبّطون في مغالطات كثيرة.

ولعلّ خير شاهد علي ذلك هو أنّ كثيراً من المسلمين اليوم يجهلون أهمية قانون اللاّعنف الذي نصّ عليه رسول الله صلي الله عليه و اله والأئمّة الأطهار عليهم السلاام وجاهدوا من أجل تحقيقه ليل نهار.

فهذا الإمام الحسين عليه السلام عندما خرج إلي الكوفة اعترضه الحرّ ابن يزيد الرياحي مع رجاله البالغ عددهم نحو ألف فارس فجعجع به وبعياله ومنعهم عن مواصلة الطريق.

آنذاك وفي منتصف الظهيرة أخذ الظمأ من الحرّ وجيشه مأخذاً عظيماً، فقال الإمام الحسين عليه السلام لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشفّوا الخيل ترشيفاً، ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع والطاس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس، فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه، وسقي آخر، حتّي سقوها عن آخرها.

يقول علي بن الطعّان المحاربي: كنت مع الحرّ يومئذ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلمّا رأي الحسين عليه السلام ما بي وبفرسي من العطش قال: أنخ الراوية! والراوية عندي السقّا، ثمّ قال: يا ابن الأخ أنخ الجمل! فأنخته.

فقال عليه السلام: اشرب.

فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقّاء.

فقال الحسين عليه السلام: اخنث السقّاء: أي اعطفه، فلم أدر كيف أفعل، فقام عليه السلام فخنثه فشربت وسقيت فرسي().

وهكذا كان الإمام عليه السلام في يوم عاشوراء، حيث لم يبدأهم بالحرب، وإنما القوم بدؤه بالحرب والقتال حتي قتلوا جميع أهل بيته وأصحابه حتي الطفل الرضيع.

الإمام السجّاد عليه السلام واللاّعنف

إنّ الذي يلاحظ سيرة الإمام علي بن الحسين عليه السلام العطرة ويتأمّل في دقائقها ويحقّق في مواعظها الكثيرة يتجلّي كالشمس في وضح النهار

أنّه عليه السلام كان كأجداده الأطهار عليهم السلاام، فهم لا يقابلون العنف بمثله وإنّما يلتزمون باللين واللاّعنف حتّي مع مبغضيهم.

فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان بالمدينة رجل بطّال يضحك الناس منه، فقال: قد أعياني هذا الرجل أن اُضحكه يعني الإمام علي بن الحسين عليه السلام .

قال: فمرّ الإمام السجّاد عليه السلام وخلفه موليان له، فجاء الرجل حتّي انتزع رداءه من رقبته ثمّ مضي.

فلم يلتفت إليه الإمام عليه السلام فاتّبعوه وأخذوا الرداء منه، فجاءوا به فطرحوه عليه.

فقال لهم: من هذا؟

فقالوا له: هذا رجل بطّال يضحك منه أهل المدينة.

فقال: قولوا له: إنّ يوماً يخسر فيه المبطلون().

دعوه

وروي انّه شتم بعضهم الإمام زين العابدين عليه السلام فقصده غلمانه فقال: دعوه فإنّ ما خفي منّا أكثر ممّا قالوا.

ثمّ قال له: أ لك حاجة يا رجل؟

فخجل الرجل.

فأعطاه عليه السلام ثوبه وأمر له بألف درهم، فانصرف الرجل صارخاً: أشهد أنّك ابن رسول الله().

طب نفساً منا

ونقل أنّ هشام بن إسماعيل كان يؤذي الإمام علي بن الحسين في إمارته، فلمّا عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس فقال: ما أخاف إلاّ من علي بن الحسين.

فمرّ به الإمام السجّاد عليه السلام وقد وقف عند دار مروان، وكان الإمام عليه السلام قد تقدّم إلي خاصّته ألاّ يعرض له أحد منكم بكلمة، فلمّا مرّ ناداه هشام: الله أعلم حيث يجعل رسالته.

وقد أنفذ الإمام عليه السلام إليه وقال: انظر ما أعجزك من مال تؤخذ به فعندنا ما يسعك فطب نفساً منّا ومن كلّ من يطيعنا().

الموعظة الحسنة

وكذلك روي أنّ شخصاً شتمه عليه السلام فقال: يا فتي إنّ بين أيدينا عقبة كؤوداً فإن جزت منها فلا اُبالي بما تقول، وإن أتحيّر فيها فأنا شرّ ممّا تقول().

والكاظمين الغيظ

و روي انّه كانت جارية تسكب علي يدي الإمام السجّاد عليه السلام الماء، فنعست فسقط الإبريق من يدها فشجّه، فرفع رأسه إليها فقالت: إنّ الله تعالي يقول: ?وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ?.

قال: قد كظمت غيظي.

قالت: ?وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ?.

قال: عفا الله عنك.

قالت: ?وَاللهُ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ?().

قال: اذهبي فأنتي حرّة لوجه الله().

وعنك أغضي

وقد سبّه عليه السلام رجل فسكت، فقال: إيّاك أعني.

فقال عليه السلام: وعنك أغضي().

الإمام الباقر عليه السلام واللاّعنف

كذلك سار الإمام محمد الباقر عليه السلام علي نهج أجداده الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) حيث انّه عليه السلام راح يقدّم للبشرية جمعاء خير دروس يستفاد منها حرصه الشديد علي تربية المسلمين علي اللين واللاّعنف.

يقول محمّد بن سليمان عن أبيه قال: كان رجل من أهل الشام يختلف إلي أبي جعفر عليه السلام وكان مركزه بالمدينة ويقول له: يا محمّد ألا تري أنّي إنّما أغشي مجلسك حياءً منّي منك، ولا أقول إنّ أحداً في الأرض أبغض إليّ منكم أهل البيت، وأعلم أنّ طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم ولكن أراك رجلا فصيحاً لك أدب وحسن لفظ، فإنّما اختلافي إليك لحسن أدبك.

وكان أبو جعفر عليه السلام يقول له خيراً، ويقول: لن تخفي علي الله خافية.

فلم يلبث الشامي إلاّ قليلا حتّي مرض واشتدّ وجعه، فلما ثقل دعا وليّه وقال له: إذا أنت مددت عليّ الثوب فأت محمّد بن علي عليه السلام وسله أن يصلّي عليّ واعلمه أنّي أنا الذي أمرتك بذلك.

قال: فلمّا أن كان في نصف الليل ظنّوا انّه قد برد وسجّوه، فلمّا أن أصبح الناس خرج وليّه إلي المسجد، فلمّا أن صلّي محمّد بن علي عليه السلام وتورّك وكان إذا صلّي عقّب في مجلسه، قال له: يا أبا جعفر إنّ فلان الشامي قد هلك وهو يسألك أن تصلّي عليه.

فقال أبو جعفر عليه السلام: كلاّ إنّ بلاد الشام بلاد صرد() والحجاز بلاد حرّ لهبها شديد، فانطلق فلا تعجّلنّ علي صاحبك حتّي آتيكم.

ثمّ قام عليه السلام من مجلسه فأخذ وضوءً ثمّ عاد فصلّي ركعتين ثمّ مدّ يده تلقاء وجهه ما شاء الله، ثمّ

خرّ ساجداً حتّي طلعت الشمس، ثمّ نهض فانتهي إلي منزل الشامي فدخل عليه فدعاه، فأجابه، ثمّ أجلسه وأسنده ودعا له بسويق فسقاه وقال لأهله: املؤوا جوفه وبرّدوا صدره بالطعام البارد.

ثمّ انصرف عليه السلام فلم يلبث إلاّ قليلا حتّي عوفي الشامي، فأتي أبا جعفر عليه السلام فقال: أخلني فأخلاه، فقال: أشهد أنّك حجّة الله علي خلقه وبابه الذي يؤتي منه، فمن أتي غيرك خاب وخسر وضلّ ضلالا بعيداً().

اللاّعنف مع النصراني

لم يقتصر أهل البيت عليهم السلاام في تعاملهم اللين، علي المسلمين فحسب، بل حتّي مع ألدّ مناوئيهم من اليهود والنصاري والمشركين تجدهم (صلوات الله عليهم) ملتزمين باللاّعنف والسماحة قبال تجاسراتهم.

فقد روي أنّه جاء نصراني إلي الإمام الباقر عليه السلام وقال له: أنت بقر!.

فقال الإمام عليه السلام: لا، أنا باقر.

قال: أنت ابن الطبّاخة!

قال: ذاك حرفتها.

قال: أنت ابن السوداء الزنجية البذيّة.

قال: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك، فأسلم النصراني().

الإمام الصادق عليه السلام واللاّعنف

كما عكف الإمام الصادق عليه السلام علي نشر علوم الإسلام وترويج معارف آبائه الطاهرين عليهم السلاام كذلك وفي ذات الوقت فانّه عليه السلام ظلّ يؤكّد علي مسألة بيان قوانين الإسلام المهمّة التي حاربتها الحكومات الظالمة وعملت علي محو آثارها من بين المسلمين.

ومن أهمّ هذه القوانين التي دعا إليها الإمام الصادق عليه السلام هو قانون اللاّعنف حتي مع المناوئين والمخالفين.

فقد أتاه رجل وقال له: إنّ فلاناً ابن عمّك ذكرك فما ترك شيئاً من الوقيعة والشتيمة إلاّ قاله فيك!

فقال أبو عبد الله عليه السلام للجارية: ائتني بوضوء.

فتوضّأ عليه السلام ودخل، فقلت في نفسي يدعو عليه، فصلّي ركعتين، فقال: «يا ربّ هو حقّي قد وهبته، وأنت أجود منّي، فهبه لي، ولا تؤاخذ بي ولا تقايسه».

ثمّ رقّ، فلم يزل يدعو، فجعلت أتعجّب().

الإمام الكاظم عليه السلام واللاّعنف

كذلك كان للإمام موسي بن جعفر عليه السلام العديد من المواقف الخالدة التي لقّن من خلالها البشرية جمعاء دروساً بالغة الأهميّة في مسألة اللين واللاّعنف والدعوة إلي الإسلام بالتي هي أحسن، نذكر منها ما يلي:

إنّ العمريّ كان يؤذيه عليه السلام ويشتم الإمام علي عليه السلام، فقال له بعض حاشيته: دعنا نقتله، فنهاهم عن ذلك، فركب يوماً إليه فوجده في مزرعة فجالسه وباسطه، وقال له: كم غرمت في زرعك هذا؟

قال: مائة دينار.

قال: وكم ترجو أن تصيب؟

قال: مائتي دينار.

فأخرج له صرّة فيها ثلاثمائة دينار، فقال: هذا زرعك علي حاله يرزقك الله فيه ما ترجو.

فاعتذر العمري إليه وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالاته وكان يخدمه بعد ذلك().

وهكذا كان الإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري والإمام الحجة (عليهم صلوات الله).

الإمام الحجّة عليه السلام واللاّعنف

كثيراً ما يتردّد علي لسان البعض من الناس قولهم: إنّ الإمام الحجّة عليه السلام إذا ظهر وجاء، فإنّه سوف يجري أنهاراً من الدماء ليطهّر الأرض من المجرمين وينتقم من غير المؤمنين ويأخذ ثاراته.

مثل هذه الشبهة التي لا أصل لها في الأخبار لا يبعد أن يكون منشؤها ومروّجها هم مناوؤا الإمام الحجّة عليه السلام، فهم يريدون بذلك الحطّ من شأن الإمام فضلا عن إقصاء الناس عن إمامهم الغائب الذي طالما انتظروه ودعوا له بالفرج.

وفي واقع الأمر إنّ الذي يلاحظ الأخبار المتعلّقة بسيرة الإمام المهدي عليه السلام وما سيكون من أحداث ووقائع لدي ظهوره (عجّل الله تعالي فرجه) يجد أنّه علي نفس سيرة رسول الله صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فهو ينهض بالسيف ولكن ليس مع عامّة الناس ممّن

لا ذنب لهم ولا جرم، وإنّما هو عليه السلام يعمد إلي مغرضي الإسلام ومناوئيه ممّن يحاربونه

ويعدّون العدّة ضدّ المؤمنين.

وإلا فإن العالم بأجمعه عند ما يعرفون الإمام عليه السلام وحقانيته وحقانية الإسلام ومذهب أهل البيت عليهم السلاام فإنهم يدخلون في دين الله أفواجاً.

من جانب آخر فإن الإمام عليه السلام لا يلجأ إلي السيف والقوّة حتي مع الأعداء إلاّ بعد أن يتمّ الحجج والبراهين عليهم فيردّونها ويأبون إلاّ أن يفسدوا البلاد وإيذاء العباد، آنذاك يقاتلهم عليه السلام ويقيم فيهم السيف.

ومن هنا وردت الروايات التي تنص علي أنّه عليه السلام يسير بسيرة أجداده: رسول الله وأمير المؤمنين (عليهما الصلاة والسلام)، فهما عليهما السلام كانا لا يقاتلان أحداً أبداً إلاّ بعد اليأس من صلاحه والاطمئنان بعدم قابليته للهداية.

ففي الحديث عن المفضّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «إذا أذن الله عزّوجلّ للقائم في الخروج، صعد المنبر، ودعا الناس إلي نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلي حقّه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله صلي الله عليه و اله ويعمل فيهم بعمله» ().

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «المهدي من ولدي إسمه إسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقاً وخُلُقاً، تكون به غيبة وحيرة» ().

وعن الإمام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «المهدي من ولدي … أشبه الناس بي خلقاً وخُلُقاً» ().

وقال أبو جعفر عليه السلام: «في صاحب هذا الأمر سنّة من موسي عليه السلام وسنّة عيسي عليه السلام وسنّة من يوسف عليه السلام وسنّة من محمّد صلي الله عليه و اله … أمّا من محمّد فالقيام بسيرته وتبيين آثاره» ().

وقد سُئل أبو جعفر عليه السلام عن القائم إذا قام بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال عليه السلام:

«بسيرة رسول الله صلي الله عليه و اله حتّي يظهر الإسلام، قلت: وما كانت سيرة رسول الله صلي الله عليه و اله؟ قال: أبطل ما كانت في الجاهلية، واستقبل الناس بالعدل، وكذلك القائم عليه السلام إذا قام يبطل ما كان في الهدنة ممّا كان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل» ().

من بركات الإمام الحجّة عليه السلام

علي خلاف ما يصوره البعض من أنّ الإمام الحجّة (عجّل الله تعالي فرجه) إذا ظهر فإنه سينتقم من الناس ويقتلهم، فهناك العديد من الروايات التي تنص علي أنّ عهده عليه السلام سيكون عهد البركات والخيرات، إذ أنّ الفقر والظلم وغيرهما من المساوئ تنتفي آنذاك وتملأ الأرض قسطاً وعدلا.

وإلي هذا المعني يشير أمير المؤمنين عليه السلام في حديث له قائلا: «بنا يفتح الله، وبنا يختم الله، وبنا يمحو ما يشاء، وبنا يثبت، وبنا يدفع الله الزمان الكلب، وبنا ينزل الغيث، فلا يغرنّكم بالله الغرور، ما أنزلت السماء قطرة من ماء منذ حبسه الله عزّوجلّ ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتّي تمشي المرأة بين العراق إلي الشام، لا تضع قدميها إلاّ علي النبات، وعلي رأسها زبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه» ().

وروي علي بن عقبة، عن أبيه قال: «إذا قام القائم حكم بالعدل وارتفع في أيّامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، وردّ كلّ حقّ إلي أهله، ولم يبق أهل دين حتّي يظهر والإسلام، ويعترفوا بالإيمان، أما سمعت الله سبحانه يقول: ?وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ?» ().

التربية علي اللاّعنف

علاوة علي اعتناء رسول الله صلي الله عليه و اله والأئمّة الأطهار عليهم السلاام بمسألة اللاّعنف في تعاملهم الشخصي مع الآخرين، فانّهم عليهم السلاام في نفس الوقت أخذوا يؤكّدون علي قضية تربية الآخرين من شيعتهم وغيرهم علي اللين واللاّعنف.

فبين الفترة والاُخري يعمد أهل بيت الرسالة عليهم السلاام إلي الناس سيّما الحواريين من أتباعهم الخلّص ويلقّنوهم دروساً بالغة الأهمية في ذلك، ومن خلال تلك المواقف الخالدة التي كان يتّخذها الأئمّة عليهم السلاام

قبال مناوئيهم وغيرهم ممّن لا حظّ لهم بمعرفة قدر الإمام كان العديد من الناس يصلون إلي الحقيقة ويدركون عظمة الإسلام الذي يؤكّد علي نبذ العنف حتّي مع ألدّ الخصام.

ولعلّ خير شاهد علي هذا الاعتناء التربوي هو ما ضمّته طيّات التاريخ من مواقفهم الدالّة علي أنّهم (عليهم السلام) يولون مسألة تربية المجتمع الإسلامي علي اللاّعنف إهتماماً طائلا، وكان منها ما يلي:

يا علي اقطع لسانه

ينقل أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله أعطي العبّاس بن مرداس أربعاً من الإبل، فسخطها، وأنشأ يقول:

أتجعل نهبي ونهب العبيد

بين عيينة والأقرع

فما كان حصن ولا حابس

يفوقان شيخي في المجمع

وما كنت دون امرئ منهما

ومن تضع اليوم لم يرفع

فبلغ النبي صلي الله عليه و اله قوله فاستحضره وقال له: أنت القائل أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة؟

فقال أبو بكر: بأبي أنت واُمّي لست بشاعر.

فقال: وكيف؟

قال: قال بين عيينة والأقرع.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله لأمير المؤمنين عليه السلام: قم واقطع لسانه!.

قال: فقال العبّاس بن مرداس: والله لهذه الكلمة كانت أشدّ عليّ من يوم خثعم حين أتونا في ديارنا، فأخذ بيدي علي بن أبي طالب عليه السلام فانطلق بي ولو أدري أنّ أحداً يخلّصني منه لدعوته.

فقلت: يا علي إنّك لقاطع لساني؟

قال: إنّي لممض فيك ما أُمرت.

قال: ثمّ مضي بي، فقلت: يا علي إنّك لقاطع لساني؟

قال: إنّي لممض فيك ما اُمرت.

قال: فما زال بي حتّي أدخلني الحظائر، فقال لي: اعقل ما بين أربع إلي مائة.

قال: فقلت: بأبي أنت واُمّي ما أكرمكم وأحلمكم وأعلمكم.

قال: فقال رسول الله صلي الله عليه و اله أعطاك أربعاً وجعلك مع المهاجرين، فإن شئت فخذها وإن شئت فخذ المائة وكن مع أهل المائة.

قال: قلت: أشر عليَّ.

قال: إنّي آمرك أن تأخذ

ما أعطاك رسول الله صلي الله عليه و اله وترضي.

قال: فإنّي أفعل().

وعن جعفر بن محمّد عليه السلام قال: انّه جاء شاعر إلي النبي صلي الله عليه و اله فسأله وأطراه، فقال لبعض أصحابه: قم معه فاقطع لسانه، فخرج ثمّ رجع، فقال: يا رسول الله اقطع لسانه؟

قال: إنّما أمرتك أن تقطع لسانه بالعطاء().

مع اليهودي

وهناك موقف آخر يدلّ علي سماحة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله ومدي التزامه باللاّعنف قبال المتجاسرين عليه وحرصه الشديد علي تربية المسلمين علي هذا القانون العظيم.

فعن أبي جعفر عليه السلام قال: دخل يهودي علي رسول الله صلي الله عليه و اله وعائشة عنده، فقال: السام عليكم!.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: عليكم.

ثمّ دخل آخر فقال مثل ذلك.

فردّ عليه كما ردّ علي صاحبه.

ثمّ دخل آخر فقال مثل ذلك.

فردّ رسول الله صلي الله عليه و اله كما ردّ علي صاحبيه.

فغضبت عائشة، فقالت: عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود يا إخوة القردة والخنازير.

فقال لها رسول الله صلي الله عليه و اله: يا عائشة إنّ الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء، إنّ الرفق لم يوضع علي شيء إلاّ زانه، ولم يرفع عنه قطّ إلاّ شانه.

فقالت: يا رسول الله، أما سمعت إلي قولهم السام عليكم؟

فقال: بلي، أما سمعت ما رددت عليهم (عليكم) فإذا سلّم عليكم مسلم فقولوا سلام عليكم، وإذا سلّم عليكم كافر فقولوا عليك().

وقد ذكرنا حكم السلام علي الكافر في الفقه().

مهلا يا قنبر

عن جابر قال: سمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام رجلاً يشتم قنبراً وقد رام قنبر أن يردّ عليه، فناداه أمير المؤمنين عليه السلام قائلا: مهلا ياقنبر، دع شاتمك مهاناً ترضي الرحمان وتسخط الشيطان، وتعاقب عدوّك، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما أرضي المؤمن ربّه بمثل الحلم، ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت، ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه().

اسمعوا ردّي عليه

هناك درس آخر يدلّ بوضوح علي أنّ أهل بيت الرسالة (عليهم السلام) إنّما يعمدون إلي هكذا مواقف لعظمتهم ومدي فنائهم في ذات الله أوّلا، ولتعليم الآخرين علي اللين والرحمة والتمسّك باللاّعنف في شتّي مجالات الحياة ثانياً.

فهذا الإمام علي بن الحسين عليه السلام كما روي الشيخ المفيد رحمة الله عليه وقف علي رجل فأسمعه الرجل وشتمه، فلم يكلّمه الإمام عليه السلام.

ولمّا انصرف قال الإمام عليه السلام لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا اُحبّ أن تبلغوا معي إليه حتّي تسمعوا منّي ردّي عليه.

فقالوا له: نفعل، ولقد كنّا نحبّ أن تقول له ونقول، قال: فأخذ نعليه ومشي وهو يقول: ?وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ?().

فعلمنا انّه عليه السلام لا يقول له شيئاً.

قال: فخرج حتّي أتي منزل الرجل فصرخ به، فقال: قولوا له علي بن الحسين.

قال: فخرج إلينا متوثّباً للشرّ، وهو لا يشكّ انّه إنّما جاءه مكافياً له علي بعض ما كان منه.

فقال له الإمام السجّاد عليه السلام: يا أخي إنّك كنت قد وقفت عليّ آنفاً فقلت وقلت، فإن كنت قد قلت ما فيّ فأنا أستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس فيّ، فغفر الله لك.

قال الراوي: فقبّل الرجل بين عينيه، وقال: بلي قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحقّ به().

هل تعرف الصلاة؟

عن أبي حازم في خبر قال: قال رجل للإمام زين العابدين عليه السلام هل تعرف الصلاة؟

فحملت عليه، فقال عليه السلام: مهلا يا أبا حازم، فانّ العلماء هم الحلماء الرحماء ثمّ واجه السائل فقال: نعم أعرفها.

فسأله عن أفعالها وتروكها وفرائضها ونوافلها حتّي بلغ قوله: ما افتتاحها؟

قال: التكبير.

قال: ما برهانها؟

قال: القراءة.

قال: ما خشوعها؟

قال: النظر إلي موضع السجود.

قال: ما تحريمها؟

قال: التكبير.

قال: ما تحليلها؟

قال: التسليم.

قال: ما جوهرها؟

قال:

التسبيح.

قال: ما شعارها؟

قال: التعقيب.

قال: ما تمامها؟

قال: الصلاة علي محمّد وآل محمّد.

قال: ما سبب قبولها؟

قال: ولايتنا والبراءة من أعدائنا.

فقال: ما تركت لأحد حجّة.

ثمّ نهض يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته().

خاطبنا بمثل خطابه

جاء في كتاب توحيد المفضّل: عن المفضّل انّه قال:

كنت ذات يوم بعد العصر جالساً في الروضة بين القبر والمنبر وأنا مفكّر فيما خصّ الله تعالي به سيّدنا محمّداً صلي الله عليه و اله من الشرف والفضائل …

إذ أقبل ابن أبي العوجاء ثمّ تكلّم بكلمات الكفر فلم أملك نفسي غضباً وغيضاً وحنقاً، فقلت: يا عدوّ الله ألحدت في دين الله وأنكرت الباري جلّ قدسه الذي خلقك في أحسن تقويم وصوّرك في أتمّ صورة ونقلك في أحوالك حتّي بلغ إلي حيث انتهيت …

فقال: يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلّمناك، فإن ثبت لك حجّة تبعناك وإن لم تكن منهم فلا كلام لك، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمّد الصادق فما هكذا تخاطبنا، ولا بمثل دليلك تجادل فينا، ولقد سمع من كلامنا أكثر ممّا سمعت فما أفحش في خطابنا ولا تعدّي في جوابنا، وانّه الحليم الرزين العاقل الرصين، لا يعتريه خرق في جوابنا، ولا طيش ولا نزق، يسمع كلامنا ويصغي إلينا، ويتعرّف حجّتنا حتّي إذا استفرغنا ما عندنا وظننا إنّا قطعناه دحض حجّتنا بكلام يسير وخطاب قصير، يلزمنا به الحجّة ويقطع العذر ولا نستطيع لجوابه ردّاً، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه().

إنّهم تربّوا علي اللاّعنف

في رحاب مدرسة الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله وتحت أكناف الأئمّة الطاهرين عليهم السلاام نشأ العديد من القادة الأبرار والعلماء الأخيار الذين ملؤوا الدنيا بفضائلهم وكراماتهم وأخلاقياتهم الفاضلة.

ففي عهد كلّ معصوم تجد أنّ هناك الحواريين الذين أحدقوا بهم وجعلوا ينهلون من معين معارفهم ويقتبسون من بحر فضائلهم ويسيرون في سيرتهم علي طريقة أئمّتهم الأطهار عليهم السلاام الذين طالما لقّنوهم دروسهم العملية في الدعوة إلي الإسلام عبر القول والعمل..

ومن تلك الدروس المهمّة

التي تلقّاها الصفوة من حواري الأئمّة (عليهم السلام) هي مسألة اللين وعدم ردّ الاساءة بمثلها والتأكيد علي اللاّعنف في التعامل مع الآخرين، نشير إلي بعضها.

مَن أنت وما أنت؟

روي المفضّل عن الإمام الصادق عليه السلام انّه قال: وقع بين سلمان الفارسي (رضوان الله عليه) وبين رجل خصومة، فقال الرجل لسلمان: من أنت وما أنت؟

فقال سلمان: أما أوّلي وأوّلك فنطفة قذرة، وأمّا آخري وآخرك فجيفة منتنة، فإذا كان يوم القيامة ونصبت الموازين فمن ثقلت موازينه فهو الكريم ومن خفّت موازينه فهو اللئيم().

دخل المسجد ليدعو له

وروي أنّ مالك الأشتر (رضوان الله عليه) كان مجتازاً بسوق وعليه قميص خامّ وعمامة منه، فرآه بعض السوقة فأزري بزيّه فرماه ببابه تهاوناً.

فمضي الأشتر ولم يلتفت.

فقيل للرجل: ويلك تعرف لمن رميت؟.

فقال: لا.

فقيل له: هذا مالك صاحب أمير المؤمنين عليه السلام.

فارتعد الرجل ومضي ليعتذر إليه وقد دخل مسجداً وهو قائم يصلّي، فلمّا انفتل انكبّ الرجل علي قدميه يقبّلهما.

فقال: ما هذا الأمر؟

فقال: أعتذر إليك ممّا صنعت.

فقال: لا بأس عليك، فوالله ما دخلت المسجد إلاّ لأستغفرن لك().

اتّق الله ولا تعجل

عن جرير بن مرازم قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إنّي اُريد العمرة فأوصني.

فقال: اتّق الله، ولا تعجل.

فقلت: أوصني!

فلم يزدني علي هذا.

فخرجت من عنده من المدينة، فلقيني رجل شامي يريد مكّة فصحبني، وكان معي سفرة فأخرجتها وأخرج سفرته وجعلنا نأكل، فذكر أهل البصرة فشتمهم، ثمّ ذكر أهل الكوفة فشتمهم، ثمّ ذكر الصادق عليه السلام فوقع فيه.

فأردت أن أرفع يدي فأُهشّم أنفه، وأُحدّث نفسي بقتله أحياناً، فجعلت أتذكّر قوله عليه السلام: «اتّق الله ولا تعجل» وأنا أسمع شتمه، فلم أعدُ ما أمرني().

موقف آخر

وهناك موقف آخر من مرازم المذكور يدلّ علي أنّ مدرسة أهل البيت عليهم السلاام تربي أفرادها علي مبدأ اللين واللاّعنف.

ففي بعض الأيّام كان مرازم عند الإمام الصادق عليه السلام وهو بمكّة فقال عليه السلام له: يامرازم! لو سمعت رجلا يسبّني ما كنت صانعاً؟

قال: قلت: كنت أقتله.

قال عليه السلام: يامرازم! إن سمعت من يسبّني فلا تصنع به شيئاً.

قال: فخرجت من مكّة عند الزوال في يوم حارّ، فألجأني الحرُّ إلي أن صرت إلي بعض القباب وفيها قوم، فنزلت معهم، فسمعت بعضهم يسبّ أبا عبد الله عليه السلام، فذكرت قوله، فلم أقل شيئاً، ولولا ذلك لقتلته().

فصل

أسباب العنف

العنف وأسبابه

كما دعا الإسلام العزيز إلي اللين واللاعنف في شتّي المجالات، فهو في نفس الوقت أكّد علي تجنّب دواعي العنف وأسبابه الرئيسية التي غالباً ما تؤدّي إلي فساد العباد ودمار البلاد.

وحيث إنّ الإسلام يروم للبشرية سعادتها الأبدية التي لا تتحقّق إلاّ تحت ظلال اللين واللاعنف، فإنّه الإسلام أخذ يحذّر بشدّة من أسباب العنف والبطش التي لا تجني البشرية منها سوي الويل والضياع.

فمن أبرز تلك الأسباب المولّدة للعنف الصفات الذميمة التي ورد النهي عنها: كالغضب، والحسد، والعصبية، والبغي، والحقد، والغيبة والنميمة، والتنابز بالألقاب وما أشبه.

مفتاح كلّ شرّ

علي رأس الاُمور التي تجعل الإنسان يفقد صوابه ويهوي في أوحال العنف ويتخبّط في متاهاته هو الغضب والانفعال الشديد الذي غالباً ما يسوق الإنسان إلي اُمور لا تحمد عقباها..

فعندما يتخلّي الإنسان عن عقله ويترك المجال للغضب حتي يستولي علي كامل قواه، فإنّه حينذاك يضلّ جادّة الصواب ويتيه في سبل الضياع فيصل في نهاية المطاف إلي نتائج سلبية لا يحصد منها سوي الآهات والحسرات.

فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رجل للنبي صلي الله عليه و اله: يا رسول الله علّمني.

قال صلي الله عليه و اله: اذهب ولا تغضب.

فقال الرجل: قد اكتفيت بذاك.

فمضي إلي أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفاً ولبسوا السلاح، فلمّا رأي ذلك لبس سلاحه ثمّ قام معهم، ثمّ ذكر قول الرسول صلي الله عليه و اله: لا تغضب، فرمي السلاح ثمّ جاء يمشي إلي القوم الذين هم عدوّ قومه، فقال: يا هؤلاء ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر فعليّ في مالي أنا أوفيكموه.

فقال القوم: فما كان فهو لكم نحن أولي بذلك منكم.

قال: فاصطلح القوم وذهب الغضب» ().

ومن هنا فإنّ النبي صلي

الله عليه و اله وأهل بيته الأطهار عليهم السلاام حثّوا الناس علي عدم الغضب وذمّوا الغضب وأهله في أحاديثهم الشريفة.

ففي الحديث عن رسول الله صلي الله عليه و اله: «الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخلّ العسل» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم، وإنّ أحدكم إذا غضب احمّرت عيناه وانتفخت أوداجه ودخل الشيطان فيه، فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض، فإنّ رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «من كفّ غضبه عن الناس كفّ الله عنه عذاب يوم القيامة» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ما لإبليس جند أعظم من النساء والغضب» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعت أبي يقول: أتي رسول الله صلي الله عليه و اله رجل بدوي فقال: إنّي أسكن البادية فعلّمني جوامع الكلم، فقال: «آمرك أن لا تغضب».

فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرّات حتّي رجع الرجل إلي نفسه، فقال: لا أسأل عن شيء بعد هذا، ما أمرني رسول الله صلي الله عليه و اله إلاّ بالخير.

قال: وكان أبي عليه السلام يقول: «أي شيء أشدّ من الغضب، إنّ الرجل ليغضب فيقتل النفس التي حرّم الله ويقذف المحصنة» ().

وعن علي بن الحسين عليه السلام قال: «مرّ رسول الله صلي الله عليه و اله بقوم يتشايلون حجراً، فقال: ما هذا؟

فقالوا: نختبر أشدّنا وأقوانا.

فقال: ألا اُخبركم بأشدّكم وأقواكم؟

قالوا: بلي يا رسول الله.

قال: أشدّكم وأقواكم الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه من قول الحقّ وإذا ملك لم يتعاط ما ليس له بحقّ» ().

وقال النبي صلي الله عليه

و اله: «الغضب جمرة من الشيطان»، وقال إبليس عليه اللعنة: الغضب رهقي ومصيادي وبه أصدّ خيار الخلق عن الجنّة وطريقها ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «الغضب شرّ إن أطعته دمّر» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إيّاك والغضب فأوّله جنون وآخره ندم» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «بئس القرين الغضب يبدي المعائب ويدني الشرّ ويباعد الخير» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «الغضب ممحقة لقلب الحكيم. وقال عليه السلام: من لم يملك غضبه لم يملك عقله» ()

الحسد طريق الضياع

مثلما يأخذ الغضب بيد الإنسان نحو الهاوية كذلك هو الحسد، فهو لا يقلّ خطورة علي حياة البشرية من الغضب..

فإذا أتاح الإنسان المضمار للحسد كي يستولي علي نفسه وعقله وراح ينظر إلي الآخرين بالعين المريضة فإنّ حياته يوماً بعد آخر تتحوّل من السعادة إلي الجحيم.

ومن المسلّم أنّ الإنسان المبتلي بهكذا داء فتّاك إذا لم يتدارك نفسه ويخلّصها منه فإنّه في آخر المطاف يلوذ عادة إلي العنف والقوة في تعامله مع الآخرين.

ولعلّ القصّة التالية هي خير شاهد علي ذلك، فقد نقل العلاّمة المجلسي رحمة الله عليه في بحار الأنوار:

إنّ رجلا من أهل النعمة ببغداد في أيّام موسي الهادي حسد بعض جيرانه وسعي عليه بكلّ ما يمكنه فما قدر عليه، فاشتري غلاماً صغيراً فربّاه، فلمّا شبّ واشتدّ أمره، أمَرَهُ بأن يقتله علي سطح جاره المحسود ليؤخذ جاره به ويُقتل!.

وبالفعل فقد عمد إلي سكّين فشحذها ودفعها إليه وأشهد علي نفسه أنّه دبّره ودفع إليه من صلب ماله ثلاثة آلاف درهم وقال: إذا فعلت ذلك فخذ في أي بلاد الله شئت، فعزم الغلام علي طاعة المولي بعد الامتناع والالتواء وقوله له: الله الله في نفسك يا مولاي وأن تتلفها للأمر الذي لا يدري أيكون

أم لا يكون، فإن كان لم تر منه ما أمّلت وأنت ميّت.

قال: أراك عاصياً، وما أرضي حتّي تفعل ما أهوي.

فقال: إذا صحّ عزمك علي ذلك فشأنك وما هويت، فلمّا كان في آخر ليلة من عمره قام وجه السحر وأيقظ الغلام فقام مذعوراً وأعطاه المدية وجاء حتّي تسوّر حائط جاره برفق فاضطجع علي سطحه فاستقبل القبلة ببدنه وقال للغلام: ها وعجّل.

فترك السكّين علي حلقه وفري أوداجه ورجع إلي مضجعه وخلاّه يتشحّط في دمه، فلمّا أصبح أهله خفي عليهم خبره، فلمّا كان في آخر النهار أصابوه علي سطح جاره مقتولا.

فاُخذ جاره فحبس، ولمّا ظهر الحال أمر الهادي بإطلاقه().

قال الإمام الصادق عليه السلام: «الحاسد يضرّ بنفسه قبل أن يضرّ بالمحسود، كإبليس أورث بحسده لنفسه اللعنة ولآدم الاجتباء والهدي والرفع إلي محلّ حقائق العهد والاصطفاء، فكن محسوداً ولا تكن حاسداً، فإنّ ميزان الحاسد أبداً خفيف بثقل الميزان المحسود والرزق مقسوم، فماذا ينفع الحسد الحاسد؟ وماذا يضرّ المحسود الحسد؟ والحسد أصله من عمي القلب والجحود بفضل الله تعالي وهما جناحان للكفر، وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد وهلك مهلكاً لا ينجو منه أبداً، ولا توبة لحاسد لأنّه مصرّ عليه معتقد به مطبوع فيه يبدو بلا معارض له ولا سبب، والطبع لا يتغيّر عن الأصل وإن عولج» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لمّا هبط نوح عليه السلام من السفينة أتاه إبليس فقال له: ما في الأرض رجل أعظم منّة عليَّ منك، دعوت الله علي هؤلاء الفسّاق فأرحتني منهم، ألا اُعلّمك خصلتين إيّاك والحسد فهو الذي عمل بي ما عمل، وإيّاك والحرص فهو الذي عمل بآدم ما عمل» ().

وقد ذمّت الروايات بشدّة الحسد وأهله حيث جاء:

عن أبي جعفر عليه السلام

قال: «إنّ الرجل ليأتي بأي بادرة فيكفر، وإنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله ذات يوم لأصحابه: «ألا انّه قد دبّ إليكم داء من قبلكم وهو الحسد، ليس بحالق الشعر لكنّه حالق الدين، وينجي فيه أن يكفّ الإنسان يده ويخزن لسانه ولا يكون ذا غمر() علي أخيه المؤمن» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إنّ المؤمن يغبط ولا يحسد والمنافق يحسد ولا يغبط» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «اُصول الكفر ثلاثة: الحرص والاستكبار والحسد» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله في خطبته يوم الغدير: «معاشر الناس إنّ إبليس أخرج آدم من الجنّة بالحسد، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم وتزلّ أقدامكم، فإنّ آدم أُهبط إلي الأرض لخطيئة واحدة، وإنّ الملعون حسده علي الشجرة، وهو صفوة الله عزّوجلّ فكيف بكم وأنتم أنتم» ().

العصبية

فور ما بعث رسول الإنسانية صلي الله عليه و اله إلي الناس شرع بمحاربة الأخلاق والطبائع الجاهلية التي غالباً ما كانت تسوق الناس نحو العنف والمشاحنات الطويلة التي لم يجن منها المجتمع سوي الويل والدمار.

ومن تلك الطبائع الجاهلية المذمومة التي سلّط الإسلام عليها الأضواء وعكف الرسول صلي الله عليه و اله وأهل بيته الأطهار عليهم السلاام علي محاربتها هي العصبية والحميّة الجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان.

ففي العهد الجاهلي كانت الحميّة والتعصّب العنصري هما الحاكمان علي رقاب الناس، الأمر الذي غالباً ما كان يجلب لهم الحروب والمشاجرات الدامية التي يذهب ضحيّتها العديد من الأبرياء.

وامتدّت هذه الحالة عند البعض حتّي بعد اعتناقه للإسلام الداعي إلي نبذ

الأخلاق الجاهلية المربيّة علي الفضاضة والعنف.

وفي التاريخ أنه حدث بعض المشادة في الكلام بين الأوس والخزرج في قصة الأفك المشهورة، فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.

وقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج وكان رجلا صالحاً ولكن اجتهلته الحميّة، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر علي قتله.

فقام أسيد بن حضير وهو ابن عمّ سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: لعمر الله لنقتله، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين.

فثار الحيّان الأوس والخزرج حتّي همّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلي الله عليه و اله قائم علي المنبر، فلم يزل رسول الله صلي الله عليه و اله يخفّضهم حتّي سكتوا وسكت().

من هنا فانّ الإسلام وضمن منهجيته الداعية إلي اللين واللاعنف ظلّ يؤكّد بكلّ حثاثة علي نبذ العصبية والحمية الجاهلية.

قال أبو عبد الله عليه السلام: «كان رسول الله صلي الله عليه و اله يتعوّذ في كلّ يوم من ست: من الشكّ، والشرك، والحمية، والغضب، والبغي، والحسد» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «أهلك الناس اثنان: خوف الفقر وطلب الفخر» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «ثلاثة من عمل الجاهلية: الفخر بالأنساب، والطعن في الأحساب، والاستسقاء بالأنواء» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من تعصّب عصّبه الله عزّوجلّ بعصابة من نار» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من كان في قلبه حبّة من خردل من عصبية بعثه الله تعالي يوم القيامة مع أعراب الجاهلية» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «ثلاث إذا كنّ في المرء فلا تتحرّج أن تقول انّه في جهنّم: البذاء والخيلاء والفخر» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«إنّ الله عزّوجلّ يعذّب ستّة بستّ: العرب بالعصبية، والدهاقنة بالكبر، والاُمراء بالجور، والفقهاء بالحسد، والتجّار بالخيانة، وأهل الرستاق بالجهل» ().

النفاق والعنف

إحدي العلائم الواضحة التي تميّز شخصيات المنافقين علي مرّ التاريخ هو ميلهم الشديد إلي العنف ودأبهم المستمرّ علي خلق الفتن وإشعال نيران الحروب الطاحنة التي عادة ما كان يذهب ضحيتها العديد من الأبرياء.

ففي صدر الإسلام عكف المنافقون بكلّ ما أُوتوا من قوّة من أجل صدّ منهجية الرسول صلي الله عليه و اله الداعية إلي اللين واللاعنف وذلك عبر إفشاء الحروب العنيفة التي كانت تشغل المسلمين وتستنزف طاقاتهم.

وقد بقي المنافقون يعملون ليل نهار من أجل إفشاء العنف والبطش بين أوساط المسلمين علّهم يوفّقون إلي زعزعة كيان الدولة الإسلامية التي أقامها رسول الله صلي الله عليه و اله علي كيان اللاعنف.

لذلك، فانّهم عمدوا إلي اغتيال الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله عبر خطّة مدبّرة تآمر عليها جمع من المنافقين، ولكن رسول الله لم يعاقبهم، وتغاضي عنهم.

يقول أبو الأسود عن عروة قال: لمّا رجع رسول الله صلي الله عليه و اله قافلا من تبوك إلي المدينة حتّي إذا كان ببعض الطريق مكر به ناس من أصحابه، فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق أرادوا أن يسلكوها معه، فأُخبر رسول الله صلي الله عليه و اله بخبرهم، فقال صلي الله عليه و اله: من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنّه أوسع لكم.

فأخذ النبي صلي الله عليه و اله العقبة، وأخذ الناس بطن الوادي إلاّ النفر الذين أرادوا المكر به، استعدّوا وتلثّموا.

وأمر رسول الله صلي الله عليه و اله حذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر فمشيا معه مشياً، وأمر عمّاراً أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة بسوقها، فبيناهم

يسيرون إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم قد غشوه.

فغضب رسول الله صلي الله عليه و اله وأمر حذيفة أن يراهم، فرجع ومعه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم وضربها ضرباً بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثّمون.

فرعبهم الله حين أبصروا حذيفة وظنّوا أنّ مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتّي خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتّي أدرك رسول الله صلي الله عليه و اله.

فلمّا أدركه قال صلي الله عليه و اله: اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمّار فأسرعوا فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس.

فقال النبي صلي الله عليه و اله: يا حذيفة هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب أحداً؟

فقال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان، وكان ظلمة الليل غشيتهم وهم متلثّمون.

فقال صلي الله عليه و اله: هل علمتم ما شأن الركب وما أرادوا؟

قالوا: لا يا رسول الله.

قال: فانّهم مكروا ليسيروا معي حتّي إذا أظلمت بي العقبة طرحوني منها.

فقالوا: أفلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاؤوك الناس فتضرب أعناقهم؟

قال: أكره أن يتحدّث الناس ويقولون: إنّ محمّداً قد وضع يده في أصحابه، فسمّاهم لهما ثمّ قال: اكتماهم().

وقد وردت الآيات والروايات تذم بشدّة هذه الخصلة المذمومة، خصلة النفاق وما يتبعها، قال تعالي:

?وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخر وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ? يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ? فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ? وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأرض قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ? أَلاَ إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ ? وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لاَ يَعْلَمُونَ?().

وقد وصف أمير المؤمنين عليه السلام المنافقين في

خطبة له فقال: «اُوصيكم عباد الله بتقوي الله واُحذّركم أهل النفاق، فإنّهم الضالّون المضلّون، والزالّون المزلّون، يتلوّنون ألواناً، ويفتنون افتناناً، ويعمدونكم بكلّ عماد، ويرصدونكم بكلّ مرصاد، قلوبهم دويّة، وصفاحهم نقيّة، يمشون الخفاء، ويدبّون الضرّاء وصفهم دواء وقولهم شفاء، وفعلهم الداء العياء، حسدة الرخاء، ومؤكّدوا البلاء، ومقنطوا الرجاء، لهم بكلّ طريق صريع، وإلي كلّ قلب شفيع، ولكلّ شجو دموع يتقارضون الثناء، ويتراقبون الجزاء، إن سألوا ألحفوا، وإن عذلوا كشفوا، وإن حكموا أسرفوا» ().

وعن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: كتبت إليه أسأله عن مسألة فكتب إليّ إنّ الله يقول: ?إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ? إلي قوله?سَبِيلاً?() ليسوا من عترة رسول الله، وليسوا من المؤمنين، وليسوا من المسلمين، يظهرون الإيمان ويسرّون الكفر والتكذيب لعنهم الله().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «خُلّتان لا تجتمعان في منافق: فقه في الإسلام، وحسن سمت في الوجه» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «أربع من علامات النفاق: قساوة القلب، وجمود العين، والإصرار علي الذنب، والحرص علي الدنيا» ().

فصل

اللاعنف في المجتمع

المجتمع الإسلامي واللاعنف

أعوام طويلة والمجتمع الجاهلي يئنّ من ويلات العنف ومآسي البطش الذي يصبّه عليه أوباش المشركين ممّن لم تعرف الرأفة والرحمة إلي قلوبهم سبيلا.

فقد كانت الحرب الضروس والغارات الدامية هي الشغل الشاغل للناس آنذاك، فلا تكاد تنقضي فترة من الزمن تخلو من المناوشات المشجية والحروب الطاحنة التي عادةً ما كان يذهب ضحيّتها المئات من الأبرياء.

في مثل تلك الظروف الحالكة ومع تأزّم أوضاع الناس جاء الإسلام العزيز ونادي باللاعنف في المجتمع ودعا إلي اللين في التعامل السلمي الاجتماعي..

فكيف كانت دعوة الإسلام إلي اللاعنف في المجتمع؟

وما هي آثار هذه الدعوة؟

هذا ما سيأتي البحث عنه في المباحث الآتية بإذن الله تعالي.

اللاعنف مع الأفراد

كما هي عادة الإسلام العزيز إزاء أيّة مشكلة، فهو يطرح الحلّ الجذري لها ويتناول كلّ شاردة وواردة تتعلّق بها.

والسؤال هنا: ما هي حلول الإسلام مقابل مشكلة العنف والقوة التي ألفها المجتمع الجاهلي وعاش تحت تأثيراتها؟

الجواب: لقد عمد الإسلام إلي تربية أفراد المجتمع وإعدادهم بالشكل المؤاتي بحيث أصبح الكثير منهم آية في اللين والرفق حتّي مع ألدّ مناوئيه، وقد تطرّقنا إلي بعض شواهد ذلك().

نعم إنه قد بالغ الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله والأئمّة الأطهار عليهم السلاام في تأكيداتهم علي مسألة اللين واللاعنف مع الأفراد حتّي أنّهم راحوا يتّخذون المواقف الحكيمة إزاء كلّ من يتجاسر علي الآخرين ويضايق حرّياتهم عبر العنف وما شابه.

فعن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار، وكان منزل الأنصاري بباب البستان، وكان يمرّ به إلي نخلته ولا يستأذن، فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء، فأبي سمرة، فلمّا تأبّي جاء الأنصاري إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فشكا إليه وأخبره الخبر.

فأرسل إليه رسول

الله صلي الله عليه و اله وخبّره بقول الأنصاري، وما شكا وقال: إن أردت الدخول فاستأذن.

فأبي.

فلمّا أبي، ساومه حتّي بلغ به من الثمن ما شاء الله.

فأبي أن يبيع.

فقال صلي الله عليه و اله: لك بها عذق يمدّ في الجنّة.

فأبي أن يقبل.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله للأنصاري: اذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنّه لا ضرر ولا ضرار» ().

لا تضرّ أخاك المؤمن

ومما يدل علي ما ذكرنا من نبذ العنف والضرر علي الآخرين، ما ورد من أنّ محمّد بن الحسين قال: كتبت إلي أبي محمّد عليه السلام رجلٌ كانت له قناة في قرية فأراد رجل أن يحفر قناة اُخري إلي قرية له كم يكون بينهما في البعد حتّي لا يضرّ بالاُخري في الأرض إذا كانت صلبة أو رخوة؟

فوقّع عليه السلام: علي حسب أن لا يضرّ إحداهما بالاُخري إن شاء الله.

وقال: كتبت إليه عليه السلام: رجل كانت له رحي علي نهر قرية والقرية لرجل فأراد صاحب القرية أن يسوق إلي قريته الماء في غير هذا النهر ويعطّل هذه الرحي أله ذلك أم لا؟

فوقّع عليه السلام يتّقي الله ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضرّ أخاه المؤمن().

وقد سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن قوم كانت لهم عيون في أرض قريبة بعضها من بعض فأراد الرجل أن يجعل عينه أسفل من موضعها التي كانت عليه بعض العيون وإذا فعل ذلك أضرّ بالبقيّة من العيون وبعض لا يضرّ من شدّة الأرض؟

قال: فقال عليه السلام: ما كان في مكان شديد فلا يضرّ وما كان في أرض رخوة بطحاء فإنّه يضرّ.

وإن عرض علي جاره أن يضع عينه كما وضعها وهو علي مقدار واحد؟

قال: إن تراضيا فلا يضرّ، وقال: يكون بين العينين ألف

ذراع().

اللاعنف مع الصغار

من مصاديق التربية الاجتماعية علي اللاعنف: الروايات الشريفة التي يستفاد منها أنّ الإسلام يحرص بشدّة علي رحم الصغار والعطف عليهم، ففي الحديث عن رسول الله صلي الله عليه و اله انّه قال: «ليس منّا من لم يوقّر كبيرنا ويرحم صغيرنا» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقّر كبيرنا ولم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر» ().

وقال الإمام علي بن الحسين عليه السلام: «.. وحقّ الصغير رحمته في تعليمه والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له» ().

اللاعنف مع الكبار

مقابل تأكيدات الشارع المقدّس علي رحم الصغار والتعامل باللاعنف معهم فقد دعت الكثير من الأخبار إلي توقير الكبار والتعامل باللاعنف واللين معهم سيّما الطاعنين منهم في السنّ ممّن قد ذهبت قواهم وضعفت حيلتهم في هذه الحياة الدنيا.

ففي الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «عظّموا كبراءكم، وصلوا أرحامكم، وليس تصلونهم بشيء أفضل من كفّ الأذي عنهم» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «وقّروا كباركم، يوقّركم صغاركم» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله في خطبته لاستقبال شهر رمضان المبارك: «وقّروا كباركم وارحموا صغاركم» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من عرف فضل شيخ كبير فوقّره لسنّه آمنه الله من فزع يوم القيامة، وقال: من تعظيم الله عزّوجلّ إجلال ذي الشيبة المؤمن» ().

اللاعنف مع الأيتام

ومن مصاديق اللاعنف الاجتماعي في الإسلام التأكيد الكبير علي رعاية الأيتام والفقراء والمساكين وذوي الحاجة والسعي في قضاء حوائجهم:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده علي رأس اليتيم ترحّماً له إلاّ كتب الله له بكلّ شعرة مرّت يده عليها حسنة» ().

وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: «ما من عبد يمسح يده علي رأس يتيم رحمة له إلاّ أعطاه الله بكلّ شعرة نوراً يوم القيامة» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من أنكر منكم قساوة قلبه فليدن يتيماً فيلاطفه وليمسح رأسه يلين قلبه بإذن الله» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إنّ اليتيم إذا بكي اهتزّ له العرش، فيقول الربُّ تبارك وتعالي: من هذا الذي أبكي عبدي الذي سلبته أبويه في صغره؟ فوعزّتي وجلالي لا يسكته أحد

إلاّ أوجبت له الجنّة» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «حثّ الله عزّوجلّ علي برّ اليتامي لانقطاعهم عن آبائهم، فمن صانهم صانه الله، ومن أكرمهم أكرمه الله، ومن مسح يده برأس يتيم رفقاً به جعل الله له في الجنّة بكلّ شعرة مرّت تحت يده قصراً أوسع من الدنيا بما فيها، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين، وهم فيها خالدون» ().

قضاء الحوائج

عن المفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: «يا مفضل اسمع ما أقول لك واعلم أنه الحق وافعله وأخبر به علية إخوانك، قلت: جعلت فداك وما علية إخواني؟ قال: الراغبون في قضاء حوائج إخوانهم، قال: ثم قال: ومن قضي لأخيه المؤمن حاجةً قضي الله عز وجل له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أولها الجنة، ومن ذلك أن يدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنة بعد أن لا يكونوا نصاباً وكان المفضل إذا سأل الحاجة أخاً من إخوانه قال له: أما تشتهي أن تكون من علية الإخوان» ().

وعن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن الله عزوجل خلق خلقاً من خلقه انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا ليثيبهم علي ذلك الجنة، فإن استطعت أن تكون منهم فكن، ثم قال: لنا والله رب نعبده لا نشرك به شيئاً» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة وخير من حملان ألف فرس في سبيل الله» ().

وعن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «لقضاء حاجة امرئ مؤمن أحب إلي الله من عشرين حجةً كل حجة ينفق فيها صاحبها مائة ألف» ().

وعن إسماعيل بن عمار الصيرفي قال: قلت لأبي عبد الله

عليه السلام: جعلت فداك المؤمن رحمة علي المؤمن؟

قال: نعم.

قلت: وكيف ذاك؟

قال: «أيما مؤمن أتي أخاه في حاجة فإنما ذلك رحمة من الله ساقها إليه وسببها له، فإن قضي حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها، وإن رده عن حاجته وهو يقدر علي قضائها فإنما رد عن نفسه رحمة الله جل وعز ساقها إليه وسببها له وذخر الله عزوجل تلك الرحمة إلي يوم القيامة حتي يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها إن شاء صرفها إلي نفسه وإن شاء صرفها إلي غيره، يا إسماعيل فإذا كان يوم القيامة وهو الحاكم في رحمة من الله قد شرعت له فإلي من تري يصرفها؟

قلت: لا أظن يصرفها عن نفسه.

قال: «لا تظن ولكن استيقن فإنه لن يردها عن نفسه، يا إسماعيل من أتاه أخوه في حاجة يقدر علي قضائها فلم يقضها له سلط الله عليه شجاعاً ينهش إبهامه في قبره إلي يوم القيامة مغفوراً له أو معذباً» ().

وعن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في حديث: «وقضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف وطواف حتي عد عشراً» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ما قضي مسلم لمسلم حاجةً إلا ناداه الله تبارك وتعالي علي ثوابك ولا أرضي لك بدون الجنة» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من طاف بهذا البيت طوافاً واحداً كتب الله له ستة آلاف حسنة ومحا عنه ستة آلاف سيئة ورفع الله له ستة آلاف درجة حتي إذا كان عند الملتزم فتح له سبعة أبواب من أبواب الجنة.

قلت: جعلت فداك هذا الفضل كله في الطواف؟

قال: نعم، وأخبرك بأفضل من ذلك، قضاء حاجة المسلم أفضل من طواف وطواف حتي بلغ عشراً» ().

وروي انه

«كان النبي صلي الله عليه و اله يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل مع العبد، ويجلس علي الأرض، ويركب الحمار ويردف، ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجته من السوق إلي أهله، ويصافح الغني والفقير، ولا ينزع يده من يد أحد حتي ينزعها، ويسلم علي من استقبله من كبير وصغير، وغني وفقير، ولا يحقر ما دعي إليه ولو إلي حشف التمرة، وكان خفيف المئونة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بشاشاً من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، متواضعاً من غير مذلة، جواداً من غير سرف، رقيق القلب، رحيماً بكل مسلم، ولم يتجشأ من شبع قط، ولم يمد يده إلي طمع، وكفاه مدحاً قوله تعالي: ?وإنك لعلي خلق عظيم?()» ().

وعن ابن مسعود عن رسول الله صلي الله عليه و اله: «أنه رأي ليلة الإسراء هذه الكلمات مكتوبةً علي الباب الثاني من الجنة: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله، لكل شيء حيلة وحيلة السرور في الآخرة أربع خصال: مسح رأس اليتامي والتعطف علي الأرامل والسعي في حوائج المؤمنين وتعهد الفقراء والمساكين» ().

من حقوق المؤمن علي أخيه

ومن مصاديق اللاعنف الاجتماعي الإسلامي هو الحث الكبير علي لزوم المحبة بين المؤمنين والتزاور بينهم، وقد جعلهم إخوة حيث قال تعالي: ?إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم?().

وعن شعيب العقرقوفي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأصحابه: «اتقوا الله وكونوا إخوةً بررةً متحابين في الله متواصلين متراحمين، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «تواصلوا وتباروا وتراحموا وكونوا إخوةً بررةً كما أمركم الله عز وجل» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن المؤمن ليخرج إلي أخيه يزوره فيوكل الله عز وجل به ملكاً فيضع

جناحاً في الأرض وجناحاً في السماء يظله، فإذا دخل إلي منزله نادي الجبار تبارك وتعالي: أيها العبد المعظم لحقي المتبع لآثار نبيي حق علي إعظامك، سلني أعطك، ادعني أجبك، اسكت أبتدؤك، فإذا انصرف شيعه الملك يظله بجناحه حتي يدخل إلي منزله ثم يناديه تبارك وتعالي: أيها العبد المعظم لحقي حق علي إكرامك قد أوجبت لك جنتي وشفعتك في عبادي» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لزيارة المؤمن في الله خير من عتق عشر رقاب مؤمنات، ومن أعتق رقبةً مؤمنةً وقي كل عضو عضواً من النار حتي أن الفرج يقي الفرج» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لقاء الإخوان مغنم جسيم وإن قلوا» ().

وعن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من سر مؤمناً فقد سرني ومن سرني فقد سر الله» ().

وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: «تبسم الرجل في وجه أخيه حسنة، وصرف القذي عنه حسنة، وما عبد الله بشيء أحب إلي الله من إدخال السرور علي المؤمن» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن أحب الأعمال إلي الله عز وجل إدخال السرور علي المؤمن شبعة مسلم أو قضاء دينه» ().

وعن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لا يري أحدكم إذا أدخل علي مؤمن سروراً أنه عليه أدخله فقط، بل والله علينا، بل والله علي رسول الله صلي الله عليه و اله» ().

اللاعنف مع الجار

ومن المسائل التي حظيت باعتناء الشارع المقدّس هي مسألة اللاعنف مع الجار، والحرص الشديد علي أداء حقوقه التي طالما أكّدت عليها الروايات الشريفة.

ففي الحديث: «إنّهم قالوا لرسول الله

صلي الله عليه و اله: فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وتتصدّق وتؤذي جارها بلسانها، قال صلي الله عليه و اله: لا خير فيها هي من أهل النار، قالوا: وفلانة تصلّي المكتوبة وتصوم شهر رمضان ولا تؤذي جارها، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: هي من أهل الجنّة» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من آذي جاره فقد آذاني، ومن حاربه فقد حاربني» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «إذا ضربت كلب جارك فقد آذيته» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «ليس حسن الجوار كفّ الأذي، ولكن حسن الجوار صبرك علي الأذي» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «المؤمن من آمن جاره بوائقه» قلت: ما بوائقه؟ قال: «ظلمه وغشّه» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: «إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله أتاه رجل من الأنصار، فقال: إنّي اشتريت داراً من بني فلان، وإنّ أقرب جيراني منّي جواراً من لا أرجو خيره ولا آمن شرّه قال: فأمر رسول الله صلي الله عليه و اله علياً وسلمان وأبا ذرّ.. أن ينادوا في المسجد بأعلي أصواتهم بأنّه: لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه، فنادوا بها ثلاثاً، ثمّ أومأ بيده إلي كلّ أربعين داراً من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «تحشر عشرة أصناف من اُمّتي أشتاتاً

قد ميّزهم الله تعالي من بين المسلمين وبدّل صورهم، فبعضهم علي صورة القردة» إلي أن قال صلي الله عليه و اله: «وبعضهم مقطّعة أيديهم وأرجلهم»، وساق الحديث إلي أن قال: «والمقطّعة أيديهم وأرجلهم الذين يؤذون الجيران» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «من كان

يؤمن بالله فلا يؤذينّ جاره» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «ليس يدخل الجنّة من يؤذي جاره ومن لم يأمن جاره بوائقه» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ملعون ملعون من آذي جاره» ().

وعن النبي صلي الله عليه و اله قال: «من مات وله جيران ثلاثة كلّهم راضون عنه غُفِرَ له» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتّي ظننت أنّه يُورّث بشيء» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «حرمة الجار علي الجار كحرمة اُمّه» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «من آذي جاره بقتار قدره فليس منّا» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «من خان جاره بشبر من الأرض طوّقه الله يوم القيامة إلي الأرض السابعة حتّي يدخل النار» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «هل تدرون ما حقّ الجار؟ ما تدرون حقّ الجار إلاّ قليلا، ألا لا يؤمن بالله واليوم الآخر من لا يأمن جاره بوائقه، فإذا استقرضه أن يقرضه، وإذا أصابه شرّ عزّاه، لا يستطيل عليه في البناء يحجب عنه الريح إلاّ بإذنه، وإذا اشتري فاكهة فليهد له فإن لم يهد له فليدخلها سرّاً ولا يعطي صبيانه منها شيئاً يغايظون صبيانه، ثمّ قال رسول الله صلي الله عليه و اله: الجيران ثلاثة: فمنهم من له ثلاثة حقوق، حقّ الإسلام وحقّ الجوار وحقّ القرابة، ومنهم من له حقّان، حقّ الإسلام وحقّ الجوار، ومنهم من له حقّ واحد، الكافر له حقّ الجوار» ().

وعن النبي صلي الله عليه و اله قال: «إذا طبخت فأكثر المرق وقسّموا علي الجيران، ومن آذي جاره فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» ().

اللاعنف الاُسري

من أهم قواعد اللاعنف الاجتماعي الإسلامي هو التأكيد علي اللاعنف

في الأسرة، سواء بالنسبة إلي الزوجين أم الأولاد أم الأبوين أم سائر الأرحام والأقارب.

فإن الاُسر كانت في عهد الجاهلية الاُولي تئنّ من ويلات البطش والعنف الذي يصبّه بعض الرجال علي عيالهم، فجاء الإسلام الحنيف ورفع قيود العنف من علي الاُسر وأخذ يدعو إلي اللين والرفق في التعامل الاُسري، فالإسلام جاء وطرح اُسلوبه الإلهي في تنظيم الاُسرة، الأمر الذي أخذ بيدها نحو التكامل والسداد، والرأفة والمحبة، بعد أن كانت غارقة في أوحال الرذيلة والفساد، والخشونة والعنف..

ففي العهد الجاهلي وكما ورد في التاريخ لم يكن هناك شيء اسمه النظام الاُسري بالشكل الصحيح، أو الحقوق المتبادلة بين أعضاء العائلة، وإنّما كانت أزمّة الاُمور قاطبة بيد الرجل وكان عادة خشناً في تعامله، عنيفاً في مواقفه، أما البقية فكانوا كالعبيد الذين لا مولي لهم ولا حامي يذود عن حقوقهم المهدورة.

ولعلّ خير شاهد علي أنّ النظام الاُسري قبل الإسلام لم يكن يمتلك أيّة مبادئ أو قيم تقوده نحو الكمال هي مسألة وأد البنات وما كان يحلّ بالمرأة من امتهان للحقوق وسحق للكرامة.

بين الإسلام والجاهلية

وبعد أن جاء الإسلام وأخرج الناس من ظلمات الجاهلية إلي نور الهداية حدثت في تاريخ الاُسر تحوّلات عظيمة علي خلاف ما كانت عليه في العهد الجاهلي البائد.

ففي العهد الجاهلي كانت المرأة لا تمتلك أيّة حقوق وإنّما هي مجرّد آلة ووسيلة للاستمتاع وقضاء الوطر وما أشبه، أمّا بعد أن أشرقت شمس الإسلام فوق أرجاء الجزيرة العربية أصبحت المرأة تمتلك الكثير من الحقوق، نشير إلي بعضها:

الرأفة بها

فضلا عن الحقوق الشرعية التي افترضها الشارع المقدّس للزوجة علي الزوج، فإنّ هناك حقوقاً اُخري أكّد عليها الإسلام بكلّ حثاثة، منها مسألة الرأفة بالزوجة والعفو عن أخطائها والتعامل معها بالتي هي أحسن، فإنّها وكما تعبّر الروايات ريحانة وليست بقهرمانة، وهي أسيرة المرء فلا يليق بها أن يكون الرجل عليها جبّاراً يمتهن حقوقها ويبطش بها كيف شاء وكما يشاء.

ففي الحديث عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام قال: « … وأمّا حقّ الزوجة فأن تعلم أنّ الله عزّوجلّ جعلها لك سكناً واُنساً، فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عزّوجلّ عليك، فتكرمها وترفق بها وإن كان حقّك عليها أوجب، فإنّ لها عليك أن ترحمها لأنّها أسيرك، وتطعمها وتكسوها، وإذا جهلت عفوت عنها» ().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتّي تعينه وترضيه وإن صامت الدهر وقامت وأعتقت الرقاب وأنفقت الأموال في سبيل الله وكانت أوّل من ترد النار»، ثمّ قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «وعلي الرجل مثل ذلك الوزر والعذاب إذا كان لها مؤذياً، ومن صبر علي سوء خُلُق امرأته واحتسبه أعطاه الله بكلّ مرّة يصبر عليها من الثواب مثل ما أعطي أيّوب علي بلائه،

وكان عليها من الوزر كلّ يوم وليلة مثل رمل عالج فإن مات قبل أن تعتبه وقبل أن يرضي عنها حشرت يوم القيامة منكوسة مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار، ومن كانت له امرأة لم توافقه وصبر علي ما رزقه الله وشقّت عليه وحملته ما لم يقدر عليه لم يقبل الله لها حسنة تتّقي بها النار وغضب الله عليها ما دامت كذلك» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «اتّقوا الله في الضعيفين، يعني بذلك اليتيم والنساء» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «عيال الرجل اُسراؤه، وأحبّ العباد إلي الله عزّوجلّ أحسنهم صنعاً إلي اُسرائه» ().

الإحسان إليها

فضلا عن الروايات الداعية إلي مطلق الإحسان إلي الإنسان رجلاً كان أو امرأة، مسلماً كان أو كافراً، فقد وردت روايات عديدة في الإحسان إلي الزوجة وعدم الإساءة إليها.

فإنّ رسول الله صلي الله عليه و اله راح يوضّح للبشرية علي مرّ التاريخ مَن هو خير الناس، فقال صلي الله عليه و اله: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «ألا خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «أحسن الناس إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله وأنا ألطفكم بأهلي» ().

مداراتها

لا يخفي إنّ للمداراة أثراً كبيراً في حفظ النظام الاُسري، فالاُسرة التي تسودها المداراة تجدها غالباً ما تتجاوز المشاكل والمشاحنات … من هنا، فإنّ الروايات راحت تؤكّد علي مسألة المداراة في الاُسرة خاصّة مع الزوجة.

فعن أبي عبد الله عليه السلام انّه قال: شكا رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام نساءه فقام عليه السلام خطيباً فقال في حديثه: «فداروهنّ علي كلّ حال، وأحسنوا لهنّ المقال، لعلّهنّ يحسن الفعال» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ومن صبر علي خُلُق امرأة سيّئة الخُلُق واحتسب في ذلك الأجر أعطاه ثواب الشاكرين» ().

المغفرة لها

إنّ الإسلام أكّد علي أن يتعامل الزوج مع زوجته باللين والرحمة وترك العنف وأساليبه، كما دعاه إلي التغاضي عن أخطائها والمغفرة لها حتّي وإن كانت سيّئة الخلق، فانّ اللاعنف واللين يقودانها في النهاية إلي التراجع نحو الخير والمحبة.

فعن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما حقّ المرأة علي زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال: «يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «كانت امرأة عند أبي تؤذيه فيغفر لها» ().

لا يضربها

ومن أبرز المصاديق الجليّة الدالّة علي أنّ الإسلام يذمّ العنف في التعامل الاُسري هي تأكيداته الكثيرة الداعية إلي عدم التجاسر علي الزوجة عبر الخشونة أو الضرب الذي يهدّ أركان الاُسرة ويذهب بمودّتها وصفائها.

فقد روي أنّ امرأة معاذ قالت: يا رسول الله، ما حقّ الزوجة علي زوجها؟ قال: «أن لا يضرب وجهها، ولا يقبّحها، وأن يطعمها ممّا يأكل ويلبسها ممّا يلبس ولا يهجرها» ().

فضرب الزوجة من المحرمات الشرعية، أما قوله تعالي: ?وَاللاَتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً?()، فهذا تفسيره:

?وَاللاَتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ? من نشز إذا ارتفع، أي عصيانهن، فكأنها ارتفعت عن حدها ?فَعِظُوهُنَّ? من الوعظ، بالنصح والإرشاد، وما أشبهها ?وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ? إن لم يفد الوعظ، والمضاجع جمع مضجع، وهو محل النوم وفراشه، وذلك بتحويل الظهر، أو بعزل فرشه عن فرشها ?وَاضْرِبُوهُنَّ? وفي بعض الأخبار أن الضرب بالسواك، ولا يخفي أن هذه المراتب بالتدرج، ?فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ? ومن المقرر في الشريعة أن الإطاعة الواجبة علي المرأة ليست إلا عدم الخروج بدون إذنه واستعدادها لتلبية الاستمتاعات متي أراد ? فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً? أي لا تطلبوا لضررهن

طريقاً، بإيذائهن وعدم القيام باللطف والعطف المترتب من الزوج، بل سامحوهن، فقد قال الرسول صلي الله عليه و اله:» إن من حق المرأة علي الرجل أن يغفر لها إذا جهلت «?إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً? فلا يتعال عليه أحد بقوته ?كَبِيراً? فلا أكبر منه().

ومن هنا وصف رسول الله صلي الله عليه و اله بأن من يضرب أهله فإنه شر الرجال.

شرّ الرجال

روي أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «ألا اُخبركم بشرّ رجالكم؟

فقلنا: بلي.

فقال: إنّ من شرّ رجالكم البهّات البخيل الفاحش، الآكل وحده، المانع رفده، الضارب أهله وعبده، الملجئ عياله إلي غيره، العاقّ بوالديه» ().

روايات أخري

مضافاً إلي عشرات الروايات الواردة في تكريم الأم والبنت والأخت ومن أشبه من النساء.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «نعم الولد البنات ملطفات مجهزات مونسات مباركات مفليات» ().

وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إن الله تبارك وتعالي علي الإناث أرأف منه علي الذكور وما من رجل يدخل فرحةً علي امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرحه الله تعالي يوم القيامة» ().

وعن الجارود بن المنذر قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: «بلغني أنه ولد لك ابنة فتسخطها وما عليك منها ريحانة تشمها وقد كفيت رزقها وقد كان رسول الله صلي الله عليه و اله أبا بنات» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة.

فقيل: يا رسول الله صلي الله عليه و اله واثنتين؟

فقال: واثنتين.

فقيل: يا رسول الله وواحدةً؟

فقال: وواحدةً» ().

وعن الحسن بن سعيد اللخمي قال: ولد لرجل من أصحابنا جارية فدخل علي أبي عبد الله عليه السلام فرآه متسخطاً، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: «أرأيت لو أن الله تبارك وتعالي أوحي إليك أن أختار لك أو تختار لنفسك ما كنت تقول؟

قال: كنت أقول يا رب تختار لي.

قال: فإن الله قد اختار لك.

قال: ثم قال: إن الغلام الذي قتله العالم الذي كان مع

موسي عليه السلام وهو قول الله عز وجل ?فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً?() أبدلهما الله به جاريةً ولدت سبعين نبياً» ().

وفي فقه الرضا عليه السلام: «واعلم أن حق الأم ألزم الحقوق وأوجب، لأنها حملت حيث لا يحمل أحد أحداً ووقت بالسمع والبصر وجميع الجوارح مسرورةً مستبشرةً بذلك فحملته بما فيه من المكروه الذي لا يصبر عليه أحد، ورضيت بأن تجوع ويشبع، وتظمأ ويروي، وتعري ويكتسي، ويظل وتضحي، فليكن الشكر لها والبر والرفق بها علي قدر ذلك، وإن كنتم لا تطيقون بأدني حقها إلا بعون الله» ().

وقال رجل لرسول الله صلي الله عليه و اله: «إن والدتي بلغها الكبر وهي عندي الآن أحملها علي ظهري وأطعمها من كسبي وأميط عنها الأذي بيدي وأصرف عنها مع ذلك وجهي استحياءً منها وإعظاماً لها، فهل كافأتها؟

قال: لا لأن بطنها كان لك وعاءً وثديها كان لك سقاءً وقدمها لك حذاءً ويدها لك وقاءً وحجرها لك حواءً وكانت تصنع ذلك لك وهي تمني حياتك وأنت تصنع هذا بها وتحب مماتها» ().

وعن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: «الجنة تحت أقدام الأمهات» ().

قال صلي الله عليه و اله: «تحت أقدام الأمهات روضة من رياض الجنة» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «إذا كنت في صلاة التطوع فإن دعاك والدك فلا تقطعها وإن دعتك والدتك فاقطعها» ().

وعن الباقر عليه السلام أنه قال: «قال موسي بن عمران عليه السلام: يا رب أوصني.

قال: أوصيك بي.

قال: فقال: رب أوصني.

قال: أوصيك بي، ثلاثاً.

قال: يا رب أوصني.

قال: أوصيك بأمك.

قال: رب أوصني.

قال: أوصيك بأمك.

قال: رب أوصني.

قال: أوصيك بأبيك.

قال: فكان يقال لأجل ذلك: إن للأم ثلثي البر وللأب الثلث» ().

وعن الصادق عليه السلام قال:

«جاء رجل وسأل النبي صلي الله عليه و اله عن بر الوالدين، فقال: ابرر أمك، ابرر أمك، ابرر أمك، ابرر أباك، ابرر أباك، ابرر أباك، وبدأ بالأم قبل الأب» ().

وعن مهني بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت للنبي صلي الله عليه و اله: «يا رسول الله من أبرر؟

قال: أمك.

قلت: ثم من؟

قال: ثم أمك.

قلت: ثم من؟

قال: ثم أمك.

قلت: ثم من؟

قال: ثم أباك، ثم الأقرب فالأقرب» ().

وقال رجل لرسول الله صلي الله عليه و اله: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟

قال: أمك.

قال: ثم من؟

قال: أمك.

قال: ثم من؟

قال: أبوك» ().

وفي رواية أخري: «أنه جعل ثلاثاً للأم والرابعة للأب» ().

وفي الحديث انه قيل للنبي صلي الله عليه و اله: «يا رسول الله ما حق الوالد؟

قال: أن تطيعه ما عاش.

قيل: وما حق الوالدة؟

فقال: هيهات هيهات لو أنه عدد رمل عالج وقطر المطر أيام الدنيا قام بين يديها ما عدل ذلك يوم حملته في بطنها» ().

وروي: «أن رجلا قال للنبي صلي الله عليه و اله: يا رسول الله أي الوالدين أعظم؟

قال: التي حملته بين الجنبين وأرضعته بين الثديين وحضنته علي الفخذين وفدته بالوالدين» ().

وقيل للإمام زين العابدين عليه السلام: «أنت أبر الناس ولا نراك تؤاكل أمك؟ قال: أخاف أن أمد يدي إلي شيء وقد سبقت عينها عليه فأكون قد عققتها» ().

اللاعنف مع الأولاد

من وصايا الإسلام الخالدة في مسألة اللاعنف في الاُسرة هو أن تتعامل الاُسر مع أطفالها بالمودّة والرحمة وما أشبه من أساليب اللين التي غالباً ما تربّي الصغار علي الطريق السليم وتأخذ بيدهم نحو الصواب والسداد.

فمن الطبيعي جدّاً أنّ الأطفال إذا شعروا أنّ الوالدين يكنّان لهم خالص العطف والحنان، وهم لا يلجؤون إلي الأساليب العنيفة في ردعهم

والحدّ من أخطائهم فإنّهم الأطفال سوف ينسجمون مع اُسرهم ويتفاعلون مع الأجواء السائدة فيها ويتقبلون الكلام من والديهم ويتربون تربية حسنة.

أمّا إذا لجأ الوالدان إلي أساليب العنف والقوّة في تعاملهم مع أطفالهم، فانّ ذلك عادة ما يخلق للاُسرة مشاكل لا أوّل لها ولا آخر، كما يشاهد ذلك في بعض الأسر في مختلف البلاد، وخاصة الغربية منها.

من هنا فانّ الشارع المقدّس دعا إلي اللاعنف في التعامل مع الأطفال.

ففي الحديث عن رسول الله صلي الله عليه و اله: «أحبّوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم، فإنّهم لا يدرون إلاّ أنّكم ترزقونهم» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام في بيان الكبائر: «والذي إذا دعاه أبوه لعن أباه، والذي إذا أجابه ابنه يضربه» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «لا تضربوا أطفالكم علي بكائهم فإنّ بكائهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأربعة أشهر الصلاة علي النبي صلي الله عليه و اله وآله عليهم السلاام، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه» ().

فصل

اللاعنف السياسي

سياسة اللاعنف

بين الحين والآخر يعاود البعض تساؤلاته حول سياسة الإسلام قائلا: يا تُري هل للإسلام سياسة خاصّة؟

وإذا كانت له فما هي؟

وما هو الفارق بين سياسة الإسلام والسياسة الغربية أو الشرقية؟

وهل إنّ سياسة الإسلام تختلف عن سائر سياسات الرسالات السماوية السابقة؟

والجواب: نعم الإسلام يشتمل علي أفضل برنامج في المجال السياسي وفي إدارة البلاد والعباد، علي تفصيل ذكرناه في بعض كتبنا ()، ومن مقومات السياسة الإسلامية: السلم واللاعنف في مختلف مجالات الحياة، ومع مختلف الأطراف.

سياسة السماء

يكفي الإنسان أن يلقي نظرة سريعة علي الآيات والروايات الشريفة المتطرّقة إلي منهجية الرسالات السالفة في إدارة البلاد وهداية العباد، فيتجلّي له واضحاً أنّ كافة الرسالات السماوية كانت لها سياسة واحدة قد دعا إليها جميعها.

والسؤال هنا: ما هي تلك السياسة التي اتّفقت عليها رسالات السماء؟

الجواب: إنّها سياسة اللين واللاعنف والغضّ عن إساءة الآخرين.

فهذا هابيل عندما هدّده أخوه بالقتل أجابه مباشرةً بجواب يكشف عن التزامه بسياسة السماء الداعية إلي اللين واللاعنف حيث قال: ?لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِط يَدِي إِلَيْكَ لاَِقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ? إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ?().

وقال الطبرسي رحمة الله عليه في مجمع البيان في تفسير هذه الآية: وقيل إنّ معني الآية: «لئن بسطت إليّ يدك» علي سبيل الظلم والابتداء لتقتلني، ما أنا بباسط يدي إليك علي وجه الظلم والابتداء().

ثمّ علّل التزامه باللين واللاعنف قبال تهديدات أخيه قائلا: ?إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ?.

وقد ورد في الحديث: إنّ نبي الله إبراهيم عليه السلام كان ملتزماً باللين واللاعنف إلي أبعد حدّ، ففي أحد الأيّام جاءه رجل وآذاه كثيراً وشتمه! فقال له: هداك الله().

وعندما أمر الله تعالي نبيه موسي عليه السلام

ووصيّه هارون عليه السلام بالذهاب إلي فرعون الطاغية، أوصاهما بالتزام اللين واللاعنف إبّان دعوته إلي الله، فقال عزّ من قائل: ?فَقُولاَ لَهُ قَوْلا لَيِّناً?().

وعن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام في سؤال محمّد بن أبي عمير حول هذه الآية قال: «أمّا قوله ?فَقُولاَ لَهُ قَوْلا لَيِّناً? أي كنّياه وقولا له يا أبا مصعب، وكان كنية فرعون أبا مصعب» ().

والكناية نوع احترام ولين في الكلام.

وكذلك التزم نبيّ الله عيسي عليه السلام بقانون اللين واللاعنف في دعوته، بل كان يوصي أتباعه به حيث قال لبعضهم يوماً: «ما لا تحبّ أن يفعل بك فلا تفعله بأحد وإن لطم خدّك الأيمن فأعط الأيسر» ().

سياسة الإسلام

جولة سريعة في رحاب الآيات الكريمة والروايات الشريفة يتجلّي بوضوح أنّ الإسلام العزيز ليس فقط لا يدعو إلي العنف وأساليبه في شتّي المجالات، وإنّما سياسته علي خلاف ذلك تماماً حيث إنّها تؤكّد علي اللين واللاعنف.

فمن أبرز معالم سياسة الإسلام الداعية إلي اللاعنف هو:

حرمة الدماء

إنّ الإسلام أخذ يؤكد علي مسألة حرمة الدم والدماء، وعدم إراقتها تأكيداً بالغاً قلما تراه في مسائل أخري، فهناك العديد من الآيات والروايات سلّطت الأضواء علي قداسة الدماء وحرمتها.

قال أمير المؤمنين عليه السلام في عهده إلي مالك الأشتر: «وإيّاك والدماء وسفكها بغير حلّها، فإنّه ليس شيء أدعي لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحري بزوال نعمة وانقطاع مدّة من سفك الدماء بغير حقّها، والله سبحانه وتعالي مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوّين سلطانك بسفك دم حرام، فانّ ذلك ممّا يضعفه ويوهنه ويزيله وينقله ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لأن فيه قود البدن، وإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك سوطك أو يدك بالعقوبة فإنّ في الوكزة فما فوقها مقتلة فلا تطمحنّ بك نخوة سلطانك عن أن تؤدّي إلي أولياء المقتول حقّهم» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أوّل ما يحكم الله فيه يوم القيامة الدماء، فيوقف إبنا آدم فيفصل بينهما، ثمّ الذين يلونهما من أصحاب الدماء حتّي لا يبقي منهم أحد، ثمّ الناس بعد ذلك حتّي يأتي المقتول يقاتله فيتشخّب في دمه وجهه، فيقول: هذا قتلني، فيقول: أنت قتلته؟ فلا يستطيع أن يكتم الله حديثاً» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لا يدخل الجنّة سافك للدم، ولا شارب الخمر، ولا مشّاء بنميم» ().

وفي القرآن الحكيم

قال تعالي: ?مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً?().

حرمة الأعراض

هناك مسألة اُخري نالت اعتناء الشارع المقدّس وتأكيداته الكثيرة الداعية إلي اللاعنف.. ألا وهي مسألة حفظ الأعراض، فانّ للأعراض عند الإسلام قداسة خاصّة وحرمة شديدة بالغت الآيات والروايات في بيان حرمتها وقداستها.

ومن هذا المنطلق فانّ العديد من الأخبار كشفت عن عظمة عقاب من يسمح لنفسه بممارسة العنف إزاء أعراض الآخرين عبر الاغتصاب وما أشبه.

فعن عبد الله بن طلحة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل سارق دخل علي امرأة ليسرق متاعها فلمّا جمع الثياب تابعته نفسه فكابرها علي نفسها فواقعها فتحرّك إبنها فقام فقتله بفأس كان معه فلمّا فرغ حمل الثياب وذهب ليخرج حملت عليه بالفأس فقتلته، فجاء أهله يطلبون بدمه من الغد؟

فقال أبو عبدالله عليه السلام: «اقض علي هذا كما وصفت لك»، فقال: يضمن مواليه الذين طلبوا بدمه ديّة الغلام، ويضمن السارق فيما ترك أربعة آلاف درهم بمكابرتها علي فرجها، إنّه زان وهو في ماله غريمة، وليس عليها في قتله إيّاه شيء، قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من كابر امرأة ليفجر بها فقتلته فلا ديّة له ولا قود» ().

اللاعنف مع الرعية

علي رأس المسائل المهمّة التي نالت اعتناء الشارع المقدّس وتأكيدات الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله والأئمّة الأطهار عليهم السلاام هي مسألة اللاعنف مع الرعية، فبين الفترة والاُخري تجد أنّ الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلاام يوصون الولاة فضلا عن السلاطين والحكّام بالرفق برعيتهم وعدم البطش بهم.

فلمّا اُستُخلف عثمان بن عفّان آوي إليه عمّه الحكم بن العاص وولده مروان والحارث بن الحكم ووجّه عمّاله في الأمصار وكان فيمن وجّه عمر بن سفيان بن المغيرة بن أبي العاص بن اُميّة إلي مُشكان، والحارث

بن الحكم إلي المدائن، فأقام فيها مدّة يتعسّف أهلها ويسيء معاملتهم، فوفد منهم إلي عثمان وشكوا إليه وأعلموه بسوء ما يعاملهم به وأغلظوا عليه في القول، فولّي حذيفة بن اليمان عليهم وذلك في آخر أيّامه، فلم ينصرف حذيفة بن اليمان من المدائن إلي أن قتل عثمان واستخلف الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فأقام حذيفة عليها وكتب إليه:

«بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلي حذيفة بن اليمان، سلام عليكم، فإنّي ولّيتك ما كنت تليه لمن كان قبل حرف المدائن..» إلي أن يقول عليه السلام: «وإنّي آمرك بتقوي الله وطاعته في السرّ والعلانية فاحذر عقابه في المغيب والمشهد، وأتقدّم إليك بالإحسان إلي المحسن والشدّة علي المعاند، وآمرك بالرفق في اُمورك واللين والعدل في رعيتك فإنّك مسؤول عن ذلك، وانصاف المظلوم والعفو عن الناس وحسن السيرة ما استطعت فالله يجزي المحسنين» ().

وقد بعث أمير المؤمنين عليه السلام إلي بعض عمّاله كتاباً يأمره فيه بالتزام اللين واللاعنف في التعامل مع الرعية حيث قال فيه عليه السلام: «أمّا بعد، فإنّك ممّن استظهر به علي إقامة الدين، وأقمع به نخوة الأثيم، وأسدّ به لهاة الثغر المخوف، فاستعن بالله علي ما أهمّك، وأخلط الشدّة بضغث من اللين، وارفق ما كان الرفق أرفق، واعتزم بالشدّة حين لا تغني عنك إلاّ الشدّة، واخفض للرعية جناحك، وابسط لهم وجهك، وألن لهم جانبك، وآس بينهم في اللحظة والنظرة، والإرشاد والتحيّة، حتّي لا يطمع العظماء في حيفك،

ولا ييأس الضعفاء من عدلك، والسلام» ().

عهد الإمام عليه السلام إلي مالك الأشتر

وفي عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلي مالك الأشتر لمّا ولاّه مصر قال:

«وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبّة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فانّهم

صنفان، إمّا أخ لك في الدين وإمّا نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتي علي أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنّك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاّك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم، ولا تنصبن نفسك لحرب الله فإنّه لا يد لك بنقمته، ولا غني بك عن عفوه ورحمته، ولا تندمنّ علي عفو،

ولا تبجحنّ بعقوبة،ولا تسرعنّ إلي بادرة وجدت عنها مندوحة ولا تقولنّ إنّي مؤمّر أمر فأطاع، فإنّ ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين وتقرّب من الغير» ().

اللاعنف إزاء المعارضة

بلغت سياسة الإسلام في اللاعنف والسلم، قدراً من القداسة بحيث إنّها أتاحت المضمار لشتّي الطوائف علي مختلف مشاربهم وأفكارهم في أن يبدوا آراءهم واعتراضاتهم إزاء كلّ شاردة وواردة تطرأ علي الساحة، وهذا ما يسمي بحرية المعارضة وحقوقها.

ففي عهد رسول الله صلي الله عليه و اله ممثّل الإسلام الأوّل ورافع راية النبوّة الخاتمة كان المعارضون حتي من غير المسلمين، يبدون اعتراضاتهم بكلّ صراحة ودون أيّة مخافة، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يتقبّل ذلك بصدر رحب ويتعامل معهم بكلّ حفاوة واحترام ولم يلجأ يوماً ما إلي العنف والبطش معهم أبداً.

وكذلك الحال بالنسبة إلي أمير المؤمنين عليه السلام إذ أنّه عليه السلام عندما انتهت إليه الخلافة أخذ البعض يبدي اعتراضاته ومخالفته، إلاّ أنّه عليه السلام لم يعاقب أحداً بذلك، بل كان في بعض الأحيان يخبرهم بما يضمرون ويغضّ الطرف عنهم.

إنّما أردتما الغدر

روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لطلحة والزبير حين استأذناه في الخروج إلي العمرة: لا والله ما تريدان العمرة وإنّما تريدان البصرة، فكان الأمر كما قال.

وقال عليه السلام لابن عبّاس وهو يخبره عن استئذانهما له في العمرة: إنّني أذنت لهما مع علمي بما قد انطويا عليه من الغدر واستظهرت بالله عليهما، وإنّ الله تعالي سيردّ كيدهما ويظفرني بهما().

وقال عليه السلام في خطبة له في ذي القار مصرّحاً عن سماحة الإسلام وعظمة سياسته اللاعنفية الداعية إلي إتاحة الحرّيات للآخرين حتّي للمعارضة:

وبايعني طلحة والزبير وأنا أعرف الغدر في وجهيهما والنكث في عينيهما، ثمّ استأذنا في العمرة فأعلمتهما أنّ ليس العمرة يريدان، فسارا إلي مكّة واستخفا عائشة وخدعاها وشخص معها أبناء الطلقاء فقدموا البصرة وقتلوا بها المسلمين وفعلوا المنكر، ويا عجباً لاستقامتهما لأبي بكر وعمر وبغيهما عليَّ

وهما يعلمان أنّي لست دون أحدهما ولو شئت أن أقول لقلت، ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتاباً يخدعهما فيه فكتما عنّي وخرجا يوهمان الطغام أنّهما يطلبان بدم عثمان().

يا قاتل الأحبّة!

وقد ورد انّه بعد واقعة الجمل قالت صفيّة بنت الحارث زوجة عبدالله بن خلف الخزاعي للإمام علي عليه السلام: يا قاتل الأحبّة، يا مفرّق الجماعة!، فقال الإمام عليه السلام: إنّي لا ألومك أن تبغضيني يا صفيّة وقد قتلت جدّك يوم بدر وعمّك يوم اُحد وزوجك الآن، ولو كنت قاتل الأحبّة لقتلت من في هذه البيوت، ففتّش فكان فيها مروان وعبدالله بن الزبير().

ولا يخفي أن القتل كان في ميدان الحرب ودفاعاً عن المسلمين.

من نولّي أمر الجنود؟

ربما يتصوّر البعض أنّ القائد العسكري حتّي يكون موفّقاً فلابدّ أن يكون عنيفاً بحيث لا تعرف الرأفة والرحمة إلي قلبه سبيلا.

ولكن هذا التصوّر ليس بصحيح، فليس العنف والبطش هما سر نجاح القائد العسكري الموفّق، بل علي العكس تماماً ينبغي للقائد العسكري أن يكون ليّناً رؤوفاً مضافاً إلي لزوم كونه شجاعاً وقوياً وحكيماً، فالقائد يميل دائماً إلي الرفق واللاعنف خصوصاً مع الجنود الذين يدافعون عن ثغور البلاد الإسلامية.

فمن وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام إلي مالك الأشتر قائلا: «ولِّ أمر جنودك أفضلهم في نفسك حلماً، وأجمعهم للعلم وحُسن السياسة وصالح الأخلاق، ممّن يبطئ عن الغضب، ويسرع إلي العذر ويراقب الضعيف ولا يُلحّ علي القوي، ممّن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف، والصق بأهل العفّة والدين والسوابق الحسنة، ثمّ بأهل الشجاعة منهم، فإنّهم جُمّاع الكرم وشعبه من العزّ ودليل علي حسن الظنّ بالله والإيمان به، ثمّ تفقّد من اُمورهم ما يتفقّده الوالد من ولده، ولا يعظمنّ في نفسك شيء أعطيتهم إيّاه، ولا تحقّرن لهم لطفاً تلطفهم به، فإنّه يرفق بهم كلّ ما كان منك إليهم وإن قلّ، ولا تدعنّ تفقّد لطيف اُمورهم اتّكالا علي نظرك في جسيمها … » ().

اللاعنف في الحروب

إحدي الدلائل المهمّة الدالّة علي أنّ الإسلام لا يدعو إلي العنف والبطش هي مسألة الحروب والمعارك التي خاضها رسول الله صلي الله عليه و اله والأئمّة الأطهار عليهم السلاام:

ففي التاريخ: أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله لمّا كان في مكّة المكرّمة لم يجهّز جيشاً للقتال أصلا، ولمّا هاجر إلي المدينة المنوّرة وبعد أن فرض علي المسلمين الجهاد بشرائطه التامّة المذكورة في كتب الفقه المفصّلة()، قاتل رسول الله صلي الله عليه و اله المشركين ولكن قتاله

لم يكن هجومياً وإنما معاركه كانت دفاعية.

من جانب آخر الوصايا السمحة التي كان يؤكّد عليها الرسول صلي الله عليه و اله والأئمّة الأطهار عليهم السلاام قبل خوض كلّ حرب تكشف بوضوح أنّ الإسلام لا يستخدم القوّة والعنف إلاّ في أشد حالات الضرورة ومع القلّة من الناس ممّن لا تجدي معهم المواعظ الحسنة.

فمن تلك الوصايا المهمّة الداعية إلي اللاعنف في الحروب:

لا للدمار

عن أبي عبد الله عليه السلام إنّه قال: «كان رسول الله صلي الله عليه و اله: إذا أراد أن يبعث سريّة دعاهم فأجلسهم بين يديه ثمّ يقول:

سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلي ملّة رسول الله

لا تغلّوا

ولا تمثّلوا

ولا تغدروا

ولا تقتلوا شيخاً فانياً

ولا صبيّاً

ولا امرأة

ولا تقطعوا شجراً إلاّ أن تضطرّوا إليها.

وأيّما رجل من أدني المسلمين أو أفضلهم نظر إلي رجل من المشركين فهو جار حتّي يسمع كلام الله

فإن تبعكم فأخوكم في الدين

وإن أبي فأبلغوه مأمنه، واستعينوا بالله عليه» ().

وصايا قبل الحرب

وفي وصيّة لأمير المؤمنين عليه السلام أوصي بها عسكره قبل لقاء العدو قال فيها:

«لا تقاتلوهم حتّي يبدؤوكم، فإنّكم بحمد الله علي حجّة، وترككم إيّاهم حتّي يبدؤوكم حجّة اُخري لكم عليهم.

فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً

ولا تصيبوا معوراً

ولا تجهّزوا علي جريح

ولا تهيجوا النساء بأذي، وان شتمن أعراضكم، وسببن اُمراءكم، فانّهنّ ضعيفات القوي والأنفس والعقول، إنّا كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ وإنّهنّ مشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالقهر أو الهراوة فيعيّر بها وعقبه من بعده» ().

إعطاء الأمان

عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام انّه قال: قلت له: ما معني قول النبي صلي الله عليه و اله «يسعي بذمّتهم أدناهم»؟

قال عليه السلام: «لو أنّ جيشاً من المسلمين حاصروا قوماً من المشركين فأشرف رجل فقال: أعطوني الأمان حتّي ألقي صاحبكم واُناظره، فأعطاه أدناهم الأمان وجب علي أفضلهم الوفاء به» ().

وعن أبي عبد الله أو عن أبي الحسن عليهما السلام قال: «لو أنّ قوماً حاصروا مدينة فسألوهم الأمان، فقالوا: لا، فظنّوا أنّهم قالوا: نعم، فنزلوا إليهم كانوا آمنين» ().

العطف علي الأسري

علي خلاف سيرة معظم الاُمم في تعاملهم مع الأسري جاء الإسلام العزيز وحثّ المسلمين علي الرفق بهم والعطف عليهم والتعامل معهم باللين واللاعنف.

يقول الإمام علي بن الحسين عليه السلام: «إذا أخذت أسيراً فعجز عن المشي وليس معك محمل فأرسله ولا تقتله فإنّك لا تدري ما حكم الإمام فيه» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام إنّه قال: «إطعام الأسير حقّ علي من أسره وإن كان يراد من الغد قتله، فإنّه ينبغي أن يطعم ويسقي ويظلّ ويرفق به، كافراً كان أو غيره» ().

وعن الشعبي قال: لمّا أسر علي عليه السلام الأسري يوم صفّين وخلّي سبيلهم أتوا معاوية وقد كان عمرو بن العاص يقول لأسري أسرهم معاوية اقتلهم فما شعروا إلاّ بأسراهم قد خلّي سبيلهم علي عليه السلام، فقال معاوية: يا عمرو لو أطعناك في هؤلاء الأسري لوقعنا في قبيح من الأمر، ألا تري قد خلّي سبيل أسرانا فأمر بتخلية من في يديه من أسري علي عليه السلام وقد كان علي عليه السلام إذا أخذ أسيراً من أهل الشام خلّي سبيله إلاّ أن يكون قد قتل من أصحابه أحداً ().

الدعوة إلي الإسلام

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: بعثني رسول الله صلي الله عليه و اله إلي اليمن قال: يا علي لا تقاتل أحداً حتّي تدعوه إلي الإسلام وأيم الله لئن يهدي الله علي يديك رجلا خير لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت ولك ولاؤه يا علي» ().

وعن الزهري أنّه قال: دخل رجال من قريش علي علي بن الحسين عليه السلام فسألوه كيف الدعوة إلي الدين؟

قال: «تقول: بسم الله الرحمن الرحيم أدعوكم إلي الله عزّوجلّ وإلي دينه وجماعه أمران: أحدهما معرفة الله عزّوجلّ والآخر

العمل برضوانه وإنّ معرفة الله عزّوجلّ أن يعرف بالوحدانية والرأفة والرحمة والعزّة والعلم والقدرة والعلوّ علي كلّ شيء، وانّه النافع الضارّ، القاهر لكلّ شيء، الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، القاهر لكلّ شيء، الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وأنّ محمّداً عبده ورسوله وأنّ ما جاء به هو الحقّ من عند الله عزّوجلّ وما سواه باطل، فإذا أجابوا إلي ذلك فلهم ما للمسلمين وعليهم ما علي المسلمين» ().

فصل

من معالم اللاعنف

مظاهر اللاعنف

هناك عدّة اُمور تتجلّي فيها حقيقة اللاعنف الذي طالما أكّد عليه الشارع المقدّس ودعا إليه الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وأهل بيته الأطهار عليهم السلاام، فمن أبرز هذه الاُمور هو:

اللاعنف في القول

عندما يطبّع الإنسان نفسه علي اللين واللاعنف، فإنّ آثار ذلك يوماً بعد آخر ستنعكس علي سائر جوارحه وجوانحه …

ومن تلك الجوارح المهمّة التي طالما أكّد الإسلام علي تطبيعها باللاعنف هو اللسان، ذلك العضو الذي كثيراً ما يأخذ بيد الإنسان إمّا إلي الهلاك والضياع المحتوم أو إلي السعادة والفلاح في الدارين.

لذلك ومن هذا الباب فإنّ العديد من الروايات أخذت تؤكّد علي مسألة اللين في القول، وعدم التهجّم علي الآخرين عبر اللسان سواء أكان من خلال السباب والفحش أم بغيرهما من أساليب العنف باللسان.

لا تكونوا فحّاشين

عن رسول الله صلي الله عليه و اله: «إنّ الله حرّم الجنة علي كلّ فحّاش بذي قليل الحياء، لا يبالي ما قال ولا ما قيل له، فانّك إن فتّشته لم تجده إلاّ لغية أو شرك شيطان.

فقيل: يا رسول الله وفي الناس شرك شيطان؟

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أما تقرأ قول الله عزّوجلّ: ?وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال والأولاد?()».

قال: وسأل رجل فقيهاً هل في الناس من لا يبالي ما قيل له؟

قال: من تعرّض للناس يشتمهم وهو يعلم أنّهم لا يتركونه فذلك الذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ الله يبغض الفاحش المتفحّش» ().

وعن عمر بن نعمان الجعفي قال: كان لأبي عبد الله عليه السلام صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذّاءين ومعه غلام سندي يمشي خلفهما إذا التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرّات فلم يره، فلمّا نظر في الرابعة قال: يا بن الفاعلة أين كنت؟

قال: فرفع أبو عبد الله عليه السلام يده فصكّ بها جبهة نفسه، ثمّ قال: «سبحان الله تقذف اُمّه قد كنت أري لك ورعاً فإذا

ليس لك ورع».

فقال: جعلت فداك اُمّه سندية مشركة.

فقال: «أما علمت أنّ لكلّ اُمّة نكاحاً، تنحّ عنّي».

قال: فما رأيته يمشي معه حتّي فرّق الموت بينهما().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كان في بني إسرائيل رجل فدعا الله أن يرزقه غلاماً ثلاث سنين، فلمّا رأي أنّ الله لا يجيبه قال: ياربّ أبعيد أنا منك فلا تسمعني أم قريب منّي فلا تجيبني، قال فأتاه آت في منامه، فقال: إنّك تدعو الله عزّوجلّ منذ ثلاث سنين بلسان بذي وقلب عات غير تقي ونيّة غير صادقة فاقلع عن بذائك وليتّق الله قلبك ولتحسن نيّتك، قال: ففعل الرجل ذلك ثمّ دعا الله فولد له غلام» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «إنّ الفحش والبذاء والسلاطة من النفاق» ().

وعن سماعة قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام، فقال لي مبتدئاً: «يا سماعة ما هذا الذي كان بينك وبين حمّالك؟ إيّاك أن تكون فحّاشاً أو صخّاباً أو لعّاناً».

فقلت: والله لقد كان ذلك أنّه ظلمني.

فقال: «إن كان ظلمك لقد أربيت عليه() إنّ هذا ليس من فعالي ولا آمر به شيعتي، استغفر الله ولا تعد».

قلت: أستغفر الله ولا أعود().

احفظوا ألسنتكم

عن أبي علي بن الجوّاني قال: شهدت أبا عبد الله عليه السلام وهو يقول لمولي له يقال له سالم ووضع يده علي شفتيه وقال: «يا سالم احفظ لسانك تسلم، ولا تحمل الناس علي رقابنا» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «نجاة المؤمن في حفظ لسانه» ().

وعن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «كان أبوذر رحمة الله عليه يقول: يا مبتغي العلم إنّ هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شرّ، فاختم علي لسانك كما تختم علي ذهبك وورقتك» ().

وعن الإمام علي

بن الحسين عليه السلام قال: «إنّ لسان ابن آدم يشرف علي جميع جوارحه كلّ صباح، فيقول كيف أصبحتم؟ فيقولون: بخير إن تركتنا، ويقولون الله الله فينا، ويناشدونه ويقولون: إنّما نثاب ونعاقب بك» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «اللسان سبع عقور إن خلّي عنه عقر» ().

عن سليمان بن مهران قال: دخلت علي الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام وعنده نفر من الشيعة فسمعته وهو يقول: «معاشر الشيعة كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً، قولوا للناس حسناً واحفظوا ألسنتكم وكفّوها عن الفضول وقبح القول» ().

وعن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «يا فضيل بلّغ من لقيت من موالينا السلام وقل لهم إنّي لا اُغني عنهم من الله شيئاً إلاّ بورع، فاحفظوا ألسنتكم وكفّوا أيديكم وعليكم بالصبر والصلاة إنّ الله مع الصابرين» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام في رسالته إلي أصحابه قال: «فاتّقوا الله وكفّوا ألسنتكم إلاّ من خير» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «يعذّب اللسان بعذاب لا يعذّب به شيء من الجوارح، فيقول أي ربّ عذّبتني بعذاب لم تعذّب به شيئاً من الجوارح، قال: فيقال: خرجت منك كلمة بلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفك بها الدم الحرام، واُخذ بها المال الحرام، وانتهك بها الفرج الحرام، فوعزّتي لاُعذّبنّك بعذاب لا اُعذّب به شيئاً من جوارحك» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «رحم الله عبداً تكلّم فغنم أو سكت فسلم، إنّ اللسان أملك شيء للإنسان، ألا وإنّ كلام العبد كلّه عليه إلاّ ذكر الله تعالي أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو إصلاح بين المؤمنين».

فقال له معاذ بن جبل: يا رسول الله صلي الله عليه و اله أنؤاخذ بما تتكلّم؟

فقال

له: «وهل تكبّ الناس علي مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم، فمن أراد السلامة فليحفظ ما جري به لسانه» ().

اللاعنف مع الحيوان

لم تقتصر دعوة الإسلام العزيز علي اللاعنف فيما بين بني البشر وحسب، وإنّما تعدّت وصاياه عن ذلك لتشمل تعامل الإنسان مع سائر الموجودات الاُخري.

فمن خلال الروايات يتجلّي واضحاً أنّ الإسلام يدعو إلي اللاعنف واللين حتّي مع الحيوانات، ففي الحديث عن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «للدابّة علي صاحبها خصال، يبدأ بعلفها إذا نزل، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به، ولا يضرب وجهها فإنّها تسبّح بحمد ربّها.. ولا يحمّلها فوق طاقتها ولا يكلّفها من المشي إلاّ ما تطيق» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام في الدواب: «لا تضربوا الوجوه، ولا تلعنوها، فانّ الله عزّوجلّ لعن لاعنها» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «لا تتورّكوا علي الدواب ولا تتّخذوا ظهورها مجالس» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «إنّ الله يحبّ الرفق ويعين عليه، فإذا ركبتم الدواب العجف فأنزلوها منازلها، فإن كانت الأرض مجدبة فأنجوا عنها، وإن كانت مخصبة فأنزلوها منازلها» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «للدابة علي صاحبها خصال، حتّي قال: ولا يضرب وجهها فإنّها تسبّح بحمد ربّها ولا يقف علي ظهرها إلاّ في سبيل الله عزّوجلّ ولا يحمّلها فوق طاقتها ولا يكلّفها من المشي إلاّ ما تطيق» ().

وعن النبي صلي الله عليه و اله انّه أبصر ناقة معقولة وعليها جهازها، فقال: «أين صاحبها؟ مروه فليستعد غداً للخصومة» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «حجّ علي بن الحسين عليه السلام علي راحلته عشر حجج ما قرعها بسوط، ولقد بركت به سنة من سنواته فما قرعها بسوط» ().

وعن الإمام الصادق

عليه السلام قال: «للدابّة علي صاحبها سبعة حقوق: لا يحمّلها فوق طاقتها، ولا يتّخذ ظهرها مجلساً يتحدّث عليه، ويبدأ بعلفها إذا نزل، ولا يسمها في وجهها، ولا يضربها في وجهها فإنّها تسبّح، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به، ولا يضربها علي النفار، ويضربها علي العثار، لأنّها تري ما لا ترون» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «لا تسبّوا الديك فانّه يوقظ للصلاة» ().

وفي حديث آخر قال صلي الله عليه و اله: «لا تسبّوا الديك فانّه يدلّ علي مواقيت الصلاة» ().

وقال صلي الله عليه و اله في حديث ثالث: «لا تسبّوا الديك فانّه صديقي، وأنا صديقه، وعدوّه عدوّي، والذي بعثني بالحقّ لو يعلم بنو آدم ما في قترته لاشتروا ريشه ولحمه بالذهب والفضّة وانّه يطرد مذمومة من الجنّ» ().

وروي: أنّ صبيين توثّبا علي ديك فنتفاه، فلم يدعا عليه ريشه، وشيخ قائم يصلّي لا يأمرهم ولا ينهاهم قال: فأمر الله الأرض فابتلعته().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض» ().

وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام عن أبيه عن جدّه عليهم السلاام، قال: «لا تأكلوا القنبرة ولا تسبّوها ولا تعطوها الصبيان يلعبون بها فإنّها كثيرة التسبيح لله تعالي وتسبيحها لعن مبغضي آل محمّد صلي الله عليه و اله» ().

وعن جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قتل الخطّاف وإيذائهنّ في الحرم، فقال: «لا يقتلن، فإنّي كنت مع علي ابن الحسين عليه السلام فرآني وأنا اُوذيهنّ، فقال لي: يا بني لا تقتلهنّ ولا تؤذهنّ، فإنّهنّ لا يؤذين شيئاً» ().

وعن علي بن جعفر قال: سألت أخي موسي عليه السلام عن

الهدهد وقتله وذبحه، فقال: «لا يؤذي ولا يذبح، فنعم الطير هو» ().

وعن علي بن الحسين عليه السلام انّه نظر إلي حمام مكّة قال: «أتدرون ما سبب كون هذا الحمام في الحرم؟»

قالوا: ما هو يا بن رسول الله؟

قال: «كان في أوّل الزمان رجل له دار فيها نخلة قد آوي إلي خرق في جذعها حمام، فإذا فرّخ صعد الرجل فأخذ فراخه فذبحها، فأقام بذلك دهراً طويلا لا يبقي له نسل، فشكا ذلك الحمام إلي الله عزّوجلّ ممّا ناله من الرجل، فقيل له: إن رقي إليك بعد هذا فأخذ لك فرخاً صرع عن النخلة فمات، فلمّا كبرت فرخ الحمام رقي إليها الرجل ووقف لينظر إلي ما يصنع، فلمّا توسّط الجذع وقف السائل بالباب فأعطاه شيئاً ثمّ ارتقي فأخذ الفراخ ونزل بها فذبحها ولم يصبه شيء، فقال الحمام: ما هذا يا ربّ، فقيل له: إنّ الرجل تلافي نفسه بالصدقة فدفع عنه وأنت فسوف يكثر الله في نسلك ويجعلك وإيّاهم بموضع لا يهاج منهم شيء إلي أن تقوم الساعة، واُتي به إلي الحرم فجعل فيه» ().

إلي غيرها من الروايات، وقد ذكرنا بعض حقوق الحيوان وأحكامه في كتاب (الفقه: حقوق الحيوان).

البيئة واللاعنف()

من خلال تأكيدات الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وأهل بيته الأطهار عليهم السلاام قبل كلّ حرب كان يخوضها المسلمون يتجلّي واضحاً أنّ الإسلام العزيز يحرص بشدّة علي حفظ البيئة وعدم تلويثها عبر الأعمال العنيفة غرار إلقاء السموم في المياه أو قلع الأشجار أو غيرها من الاُمور المؤثّرة في تلويث البيئة.

لا تقطعوا شجراً

قبل أن يبعث رسول الله صلي الله عليه و اله أيّة سرية إلي القتال كان يدعوهم ويجلسهم بين يديه ويوصيهم بوصايا مهمّة تكشف للبشرية علي مدي الزمان مدي اعتنائه صلي الله عليه و اله باللاعنف وعنايته بالبيئة.

ففي الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه ثمّ يقول: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلي ملّة رسول الله … حتّي يقول: ولا تقطعوا شجراً إلاّ أن تضطرّوا إليها» ().

وفي وصيّة اُخري لرسول الله صلي الله عليه و اله لبعض السرايا قائلا فيها: «ولا تحرقوا النخل ولا تغرقوه بالماء ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولاتحرقوا زرعاً» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «نهي رسول الله صلي الله عليه و اله أن يلقي السمّ في بلاد المشركين» ().

إماطة الأذي

إحدي الآثار الجليّة الكاشفة عن سماحة الإسلام ومدي حرصه علي اللاعنف في حياة البشرية هي وصاياه المتعدّدة المنادية إلي قضاء حوائج الناس والسعي لإيصال النفع إليهم حتي بمقدار إماطة الأذي عن دربهم.

أجل، إنّ منهجية الإسلام السمحة تحثّ المسلمين بأن يكونوا غير عنيفين إلي أبعد الحدود ومما يدل علي ذلك الروايات المنادية إلي إماطة الأذي عن الدرب حيث إنّ الإسلام لا يقبل أذيّة الناس حتي بهذا المستوي.

فقد قال النبي صلي الله عليه و اله: «الإيمان بضعة وسبعون] ستّون [شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلاّ الله وأدناها إماطة الأذي عن الطريق» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «دخل عبد الجنّة بغصن من شوك كان علي طريق المسلمين فأماطه عنه» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لقد كان علي بن الحسين عليه السلام

يمرّ علي المدرة في وسط الطريق فينزل عن دابته حتّي ينحّيها بيده عن الطريق» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من أماط عن طريق المسلمين ما يؤذيهم كتب الله له أجر قراءة أربعمائة آية كلّ حرف منها بعشر حسنات» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «مرّ عيسي بن مريم بقبر يعذّب صاحبه، ثمّ مرّ به من قابل فإذا هو ليس يعذّب، فقال: يا ربّ مررت بهذا القبر عام أوّل فكان صاحبه يعذّب ثمّ مررت به العام فإذا هو ليس يعذّب؟ فأوحي الله عزّوجلّ إليه: يا روح الله إنّه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقاً وآوي يتيماً فغفرت له بما عمل إبنه» ().

وعن النبي صلي الله عليه و اله قال: «إنّ علي كلّ مسلم في كلّ يوم صدقة، فقيل له: ومن يطيق ذلك، قال صلي الله عليه و اله: إماطتك الأذي عن الطريق صدقة، وإرشادك الرجل إلي الطريق صدقة» ().

اللاعنف مع الموالي والعبيد

العديد من الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلاام تحثّ المسلمين خاصّة في صدر الإسلام إلي العطف والتعامل بالتي هي أحسن مع العبيد والموالي.

أجل، إنّ الإسلام العزيز يريد من المسلمين أن يتطبّعوا علي خصال الإيمان الواقعي التي منها اللين واللاعنف وأن لا يركنوا إلي البطش والعنف اللذين عادة ما يخرجان الإنسان عن حدود الإيمان ويدخلانه في متاهات لا أوّل لها ولا آخر.

فقد روي أنّ الإمام علي بن الحسين عليه السلام كان إذا دخل عليه شهر رمضان يكتب علي غلمانه ذنوبهم، حتّي إذا كان آخر ليلة دعاهم ثمّ أظهر الكتاب وقال: يا فلان فعلت كذا ولم أُؤذيك، فيقرّون أجمع، فيقوم وسطهم ويقول لهم: ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا علي بن الحسين ربّك قد أحصي

عليك ما علمت كما أحصيت علينا، ولديه كتاب ينطق بالحقّ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، فاذكر ذلّ مقامك بين يدي ربّك الذي لا يظلم مثقال ذرّة وكفي بالله شهيداً، فاعف واصفح يعفُ عنك المليك لقوله تعالي: ?وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ?() ويبكي وينوح» ().

وهناك موقف آخر للإمام الصادق عليه السلام يتّضح منه مدي اعتنائه عليه السلام بمسألة اللين واللاعنف مع الموالي والعبيد حيث يقول أبو سفيان الثوري: دخلت علي الإمام الصادق عليه السلام فرأيته متغيّر اللون فسألته عن ذلك، فقال: كنت نهيت أن يصعدوا فوق البيت، فدخلت فإذا جارية من جواريّ ممّن تربّي بعض ولدي قد صعدت في سلّم والصبي معها، فلمّا بصرت بي ارتعدت وتحيّرت وسقط الصبيّ إلي الأرض فمات، فما تغيّر لوني لموت الصبي وإنّما تغيّر لوني لما أدخلت عليها من الرعب، وكان الإمام عليه السلام قد قال لها: «أنتِ حرّة لوجه الله لا بأس عليك مرّتين» ().

وعن حفص بن أبي عائشة، قال: بعث أبو عبد الله عليه السلام غلاماً له في حاجة له فأبطأ، فخرج أبو عبد الله عليه السلام علي أثره لمّا أبطأ فوجده نائماً، فجلس عند رأسه يروّحه() حتّي انتبه، فلمّا انتبه قال له أبو عبد الله عليه السلام: «يا فلان! والله ما ذلك لك، تنام الليل والنهار، لك الليل ولنا منك النهار» ().

فصل

اللاعنف والمرأة

المرأة قبل الإسلام

كانت المرأة قبل الإسلام ضحية العنف وكانت مضطهدة بأنواع الاضطهاد في مختلف أنحاء الأرض، من غير فرق بين المرأة في الحضارات اليونانية أو المصرية أو الهندية أو الفارسية أو غيرها، فكيف عند الذين لم تكن لهم حضارة أصلا كالجاهليين.

عنف الحضارات

جاء في التاريخ: بأنّ المرأة في اليونان القديم كانت تعدُّ كالبضائع والسلع التجارية لا أكثر، فكانت تباع وتشتري في الأسواق، مضافا إلي أنه لم يكن لها حق الحياة بعد وفاة الزوج فإنّهم كانوا يقتلون زوجة الرجل بعد موته.

وكان المجوس بعد انحراف دينهم حيث كانوا من أهل الكتاب فقتلوا نبيهم وأحرقوا كتابهم إذا مات الملك أو الأمير أو ما أشبه ذلك قتلوا زوجته ثمّ أحرقوها مع الزوج، وفي بعض الأحيان تجدهم لا يحرقون أيّاً منهما وإنّما يدفنوهما معاً.

وكان قد شاهد بعض أصدقائنا بعض أموات المجوس وهم في مقبرة جماعية مع زوجاتهم في قصّة لسنا الآن بصددها.

وقد حقّ للأب في حضارة الرومان بيع بناته بينما لا يحقّ له بيع الولد، بل كان يحقّ للأب القضاء عليها وقتلها عندما يري ذلك، وكذلك حقّ له بيع زوجته أو تبديلها بزوجة اُخري أو بسلعة ثانية، ويحقّ للأب ذلك ما دامت البنت غير مزوّجة فإذا زوّجت ينقل هذا الحقّ إلي زوجها باعتباره يصبح مالكاً لها بحكم القانون.

أمّا في حضارة الهند فقد كانت الزوجة تحرق مع جثمان زوجها وأحياناً تحرق وهي علي قيد الحياة كي تخلّص روحها من العزلة والإنفراد وقد أشارت إلي ذلك بعض التواريخ المتطرّقة إلي سيرة المرأة في الهند.

أمّا في الجزيرة العربية فقد كان بعض العرب يئدون البنات خشية أن يقعن بيد العدو وينجبن له الأطفال، وكانت البنت آنذاك تتعرّض للوئد بشكل غريب حتّي إنّ الآية الشريفة أشارت إلي حال

أحدهم إذا بُشّر بالاُنثي قائلة: ?وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالاُْنثَي ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ ? يَتَوَارَي مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَي هُون أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ?().

قال الطبرسي في تفسير هذه الآية: ?وإذا بشّر? واحد منهم بأنّه ولد له بنت ?ظلّ وجهه مسوّداً? أي: صار لون وجهه متغيراً إلي السواد لما يظهر فيه من أثر الحزن والكراهة، فقد جعلوا لله ما يكرهونه لأنفسهم، وهذا غاية الجهل ?وهو كظيم? أي: ممتلئ غيظاً وحزناً ?يتواري من القوم من سوء ما بشّر به? يعني أنّ هذا الذي بشّر بالبنت، يستخفي من القوم الذين يستخبرونه عمّا ولد له استنكافاً منه، وخجلا وحياءً من سوء ما بشّر من الاُنثي وقبحه عنده ?أيمسكه علي هون أم يدسّه في التراب? يعني: يميل نفسه، ويدبّر في أمر البنت المولودة له، أيمسكه علي ذلّ وهوان، أم يخفيه في التراب ويدفنه حيّاً، وهو الوأد الذي كان من عادة العرب ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام مشيراً إلي هذه الحالة في حديث له: «البنات حسنات والبنون نعمة، فالحسنات يثاب عليها والنعمة يسأل عنها» ().

وقال عليه السلام: «انّه بُشّر النبي صلي الله عليه و اله بفاطمة عليها السلام فنظر في وجوه أصحابه فرأي الكراهية فيهم، فقال: ما لكم ريحانة أشمّها ورزقها علي الله» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتي رجل النبي صلي الله عليه و اله و عنده رجل فأخبره بمولود له، فتغير لون الرجل، فقال له النبي صلي الله عليه و اله: ما لك؟

قال: خير.

قال: قل.

قال: خرجت و المرأة تمخض فأخبرت أنها ولدت جارية!.

فقال له النبي صلي الله عليه و اله: الأرض تقلها والسماء تظلها والله يرزقها وهي ريحانة تشمها» ().

ومن الجاهليين

من كان يقتل البنات خشية الإملاق كما قال سبحانه: ?وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَق نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ?() ?نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ?() ولم يكن هذا مقتصراً علي البنات وإنّما كان الغالب أن يحصل ذلك مع البنات وأحياناً يشمل حتّي الأولاد.

أمّا مسألة حرمان المرأة من الإرث عند بعض العرب، فهذا أمر كان شائعا في الجاهلية، وبقي عند بعض الجاهليين حتّي زماننا وقد رأيناه في بعض أهل القري والأرياف.

بل أكثر من ذلك فبعضهم كان يجعل النساء إرثاً ويعتبرونها قسماً من تركة المتوفّي، كما إنّ البعض كانوا يكرهون النساء علي البغاء ليجلبن لهم المال، وما زال هذا الأمر جار حتّي عصرنا الراهن وقد رأيناه في بعض البلاد وان كان القانون والدين يمنعان ذلك، وقد أشارت الآية الشريفة إلي ذلك حيث قال عزّ من قائل: ?وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَي الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً?()، ولا يخفي أنّ كلمة الفتاة تشمل البنات والوصائف أيضا.

المرأة في المجتمعات الأوروبية

من جانب آخر كانت المرأة عند مختلف الشعوب الأوروبية والغربية أيضاً تعدّ من الحيوانات الأعاجم وقد بلغ الأمر بهم أنّ بعض عقلائهم كان يناقش المسألة التالية وهي: هل أنّ المرأة حيوان من الحيوانات أم أنّها من الشيطان الرجيم وليست نوعاً من الإنسان؟

ويذكر أنه قد اكتشف في أمريكا وغيرها بعض المياه العميقة الممتلئة بعظام الفتيات حيث كانوا يلقون النساء في الماء، إمّا عند مجيء العيد أو غير ذلك كما هو مشروح في الكتب.

وقد ذكر طبيب فرعون (سنوه) الذي وجدوا في مذكّراته الشيء الكثير من هذه الاُمور في العهد الفرعوني.

إلي غير ذلك ممّا هو كثير جدّاً.

إذن، فإهانة المرأة والتعامل معها بالعنف والقهر، لم يكن خاصّاً بالجاهلية وبفئة خاصّة كالعرب مثلا بل كان عامّا، وبقي ذلك إلي يومنا هذا في الغرب وما

أشبه().

الإسلام واحترام المرأة

وعلي كلّ حال كان الأمر علي إهانة المرأة وتضييع حقوقها والتعامل معها بالعنف، حتّي جاء الإسلام وساوي بين الرجل والمرأة في جميع الأمور والأحكام إلا ما خرج بالدليل وكان الاستثناء لمصلحة المرأة نفسها، قال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيراً وَنِسَاءً?().

وفي آية اُخري هناك دلالة جليّة علي أصل المساواة إلا ما خرج بالدليل حيث قال سبحانه: ?ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ?().

وفي آية ثالثة ذكر الرجل والمرأة أحدهما إلي جنب الآخر، فقد قال سبحانه: ?إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً?().

كما إنّه تعالي ذكر كثيراً المؤمنين والمؤمنات أحدهما إلي جنب الآخر ولم يفرّق بينهم:

مثل قوله عزوجل: ?وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَي اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلا مُبِيناً?().

وقوله سبحانه: ?وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أكبر ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ?().

وقوله تعالي: ?لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً?().

وقال سبحانه: ?وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً?().

وقال تعالي: ?لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً?().

وقال سبحانه: ?فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ?().

وقال تعالي: ?رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَ تَبَاراً?().

وقال سبحانه: ?إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ

ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ?().

وقال تعالي: ?يَوْمَ تَرَي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَي نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ?().

إلي غير ذلك من الآيات الكريمة.

وقد سبق بعض الروايات الدالة علي كرامة المرأة في الإسلام ولزوم احترامها ورعاية حقوقها.

المرأة وأهل الكتاب

وقد كان بعض أهل الكتاب والمشركين يري أنّ المرأة لا يصحّ أن يكون لها دين، حتّي إنّهم كانوا يحرّمون عليها قراءة الكتب المقدّسة، والبعض الآخر كانوا يعتقد أنّ المرأة لا تبلغ حتّي تصل إلي سنّ الأربعين بينما يبلغ الرجل قبل ذلك..

حتّي جاء الإسلام وأقرّ أصل المساواة بينهما إلا ما خرج بالدليل الشرعي وبين أنّ الفارق الجوهري بينهما هو الأعمال الصالحة حيث قال سبحانه: ?وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنثَي وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً?().

وفي قضيّة المباهلة جعل سبحانه وتعالي نساء المؤمنين كرجالهم ونساء غير المؤمنين كرجالهم حيث قال سبحانه: ?فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ?().

وفي آية اُخري ذكر أنّ حال المرأة المنافقة حال المنافق، فجعل النساء مع الرجال في الخير والشرّ سواء().

وفي سورة المسد قال تعالي: ?تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب وَتَبَّ ? مَا أَغْنَي عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ? سَيَصْلَي نَاراً ذَاتَ لَهَب ? وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ? فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَد?() حيث كانا كافرين.

تعذيب النساء

وقد بلغت مسألة العنف مع النساء مرحلة بحيث إنّ بعض الرجال كانوا يعذّبون النساء كي يتنازلنّ عن صداقهنّ ويحرّرن أنفسهنّ وقد شاهدنا في بعض العشائر مثل ذلك الأمر والحال إنّ الله سبحانه يقول: ?وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة?()، والعضل إنما يكون كما في الآية لأجل فاحشتهنّ لا لأجل الذهاب ببعض أموالهنّ.

وفي مجمع البيان في شأن نزول هذه الآية:

قيل: إنّ أبا قيس بن الأسلت، لمّا مات عن زوجته كبيشة بنت معن، ألقي ابنه محصن بن أبي قيس ثوبه عليها، فورث

نكاحها، ثمّ تركها ولم يقربها، ولم ينفق عليها، فجاءت إلي النبي صلي الله عليه و اله فقالت: يا نبي الله لا أنا ورثت زوجي، ولا أنا تركت فأنكح! فنزلت الآية.

وقيل: كان أهل الجاهلية إذا مات الرجل جاء ابنه من غيرها، أو وليّه، فورث امرأته، كما يرث ماله، وألقي عليها ثوباً، فإن شاء تزوّجها بالصداق الأوّل، وإن شاء زوّجها غيره، وأخذ صداقها، فنهوا عن ذلك.

وقيل: نزلت في الرجل تكون تحته امرأة، يكره صحبتها، ولها عليه مهر، فيطول عليها، ويضارّها لتفتدي بالمهر، فنهوا عن ذلك.

وقيل: نزلت في الرجل يحبس المرأة عنده، لا حاجة له إليها، وينتظر موتها حتّي يرثها ().

وقد كان بعض الرجال في الجاهلية إذا أراد استبدال زوجته التي سأمها ولا يرغب فيها قذفها بالفحشاء حتّي تُرغم وتتنازل عن صداقها ويكون له عذر أمام المجتمع في طلاقها وتركها، وإلي ذلك يشير سبحانه وتعالي: ?وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْج مَكَانَ زَوْج وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً?().

وقد كانت بعض المجتمعات تحتقر المرأة فلا تعتبرها أهلا للاشتراك مع الرجال في النشاط، وهذا موجود إلي هذا اليوم حتي بين بعض المسلمين علي الرغم من أنّ الإسلام أثبت للمرأة حقّها في ممارسة نشاطها ودورها مشروطا بالعفة والكرامة، في شتّي المجالات سواء أكان في المجال الاجتماعي أم الاقتصادي، بل حتّي في المجال السياسي كما قال سبحانه: ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ?().

قال الطبرسي رحمة الله عليه في تفسيره لهذه الآية: أي بعضهم أنصار بعض، يلزم كلّ واحد منهم نصرة صاحبه وموالاته.

ثمّ قال: وفي الآية دلالة علي أنّ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، من فروض الأعيان، لأنّه جعلهما من صفات جميع المؤمنين، ولم يخصّ

قوماً منهم دون قوم().

ولعلّ خير شاهد علي أنّ للمرأة حقّاً في أن تمارس دورها ونشاطها السياسي هو أنّ الرسول صلي الله عليه و اله أمر النساء بالبيعة له، وقد أشار القرآن إلي ذلك في قوله تعالي: ?فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ?().

قال الإمام الصادق عليه السلام في كيفية بيعة النساء لرسول الله صلي الله عليه و اله لسعدان بن مسلم: أتدري كيف بايع رسول الله صلي الله عليه و اله النساء؟

قلت: الله أعلم وابن رسوله.

قال: جمعهن حوله ثمّ دعا بتور برام فصبّ فيه ماءً نضوحاً ثمّ غمس يده فيه ().

كما أمر رسول الله صلي الله عليه و اله النساء بالبيعة للإمام علي عليه السلام بعد نصبه خليفة له في يوم الغدير.

وعلي أي حال، ففي القرآن الحكيم وفي آيات متعدّدة جعل المرأة كالرجل وساوي بينهما، فمثلا قال سبحانه: ?هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ?(). وقال سبحانه: ?وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ?().

بل جعل في بعض الروايات خير الناس من كان خيراً لنسائه، كما قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ألا خيركم خيركم لنسائه» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «ما أكرم النساء إلاّ كريم ولا أهانهنّ إلاّ لئيم».

وفي حجّة الوداع قال صلي الله عليه و اله: «أمّا بعد أيّها الناس فإنّ لكم علي نسائكم حقّاً ولهنّ عليكم حقّاً … واستوصوا بالنساء خيراً فإنهنّ عندكم عوان() وإنّكم إنّما أخذتموهنّ بأمانة الله» ().

من جانب آخر فانّ السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام قدوة النساء وسيّدتهنّ لمّا رأت أنّ القوم راحوا يبتعدون عما أمر به الرسول صلي الله عليه و اله انبرت لهم واتخذت موقفها السياسي الحكيم، فخطبت خطبتها المفصّلة المشهورة علي تفصيل ذكرناه في كتاب (من فقه

الزهراء عليها السلام).

نعم

إنّ ظاهر قوله تعالي: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ?()، هو أنّ من يكون أتقي من الآخر هو خير من الآخر سواء أكان رجلا أم امرأة، فإذا فرض أنّ هناك أخاً واُختاً وكانت الاُخت أتقي من الأخ فهي بمنظار الشارع المقدّس أفضل من الأخ، وهكذا بين الزوج والزوجة وما أشبه ذلك.

قال الشيخ الطبرسي رحمة الله عليه في تفسير الآية: والمعني أنّكم متساوون في النسب، لأنّ كلّكم يرجع في النسب إلي آدم وحوّاء().

وعن ابن عبّاس أنّ النبي صلي الله عليه و اله قال: «إنّما أنتم من رجل وامرأة كجمام الصاع، ليس لأحد علي أحد فضل إلاّ بالتقوي» ().

وفي حديث آخر قال صلي الله عليه و اله: «كلكم بنو آدم طف الصاع إلا من أكرمه الله بالتقوي، إن أكرمكم عند الله أتقاكم» ().

بل يستفاد من بعض الروايات مدي تأكيد الإسلام علي محبّة النساء وإلي ذلك يشير رسول الله صلي الله عليه و اله في حديثه قائلا: «حبّب إليّ من دنياكم ثلاث: النساء والطيب وجعل قرّة عيني في الصلاة» ().

فانّ الطيب يقوّي الأعصاب كما ثبت طبّياً وينشّط الإنسان لمختلف الأعمال، وذكر النساء تنبيهاً بلزوم الاهتمام بشأنهنّ وإخراجهنّ من تلك الحقارات التي كانت في الجاهلية. وأمّا الصلاة فهي ارتباط بين الإنسان وبين الله عزوجل.

وفي حديث مذكور في اُصول الكافي() وغيره إنّه عليه السلام قال: «كلّما ازداد العبد إيماناً كلّما ازداد حبّاً للنساء».

إلي غيرها من الآيات والروايات التي لو جمعت لكانت كتاباً ضخماً.

لماذا بعض الاختلاف؟

ولسائل يسأل فيقول: إذا لم يكن هناك أفضليّة للرجل علي المرأة فلماذا بعض الاختلاف بينهما؟

الجواب: إنّ ذلك من أجل إدارة الحياة علي أكمل وجه، فالمرأة زيدت

في عاطفتها والرجل زيد في عقله().

فالمرأة تحتاج في التربية وإدارة الشؤون الزوجية وكيان الأسرة وما أشبه إلي العاطفة، وهي لا تجتمع عادة مع زيادة العقل بخلاف الرجل الذي يحتاج في إدارته إلي زيادة العقل.

أمّا ما ذكر فيها من نقص العقل:

فيراد به الأقلّية لا النقص في مقابل الكمال، كما يقال نقص السيارة الصغيرة عن بعض عجلات السيارة الكبيرة، فإنه الأقلية لا النقص، بل لوكانت لها نفس العجلات لكان نقصاً كما هو واضح،

هذا وقد قال تعالي بالنسبة إلي جميع مخلوقاته، رجالاً ونساءً وغيرهما: ?مَا تَرَي فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُت فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَي مِنْ فُطُور ? ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ?().

وقد كرّرت الآية ذلك للتأكيد علي عدم النقص في شيء من مخلوقات الله سبحانه حيث إنّه أعطي الله عزوجل كلّ شيء خلقه ثمّ هداه.

ولعلّ هذا هو المراد بنقص الإيمان والحظ والعقل في كلام الأمير عليه السلام حيث إنّها لو كانت كالرجل كان النقص حقيقيّاً فيهما.

أمّا إنّها لا تُعطي بقدر الرجل في الإرث غالباً وفي الدية كذلك، فهذا يتلائم مع الاُمور الاقتصادية الجارية إلي عصرنا الراهن بل حتّي الذين يرون التساوي في كلّ شيء بينهما فانّهم يقدّمون الرجل علي المرأة في الاُمور الاقتصادية، فليس الأمر بملاحظة أصل الإنسانية والكرامة وما أشبه، إذ أنّهما في أصل الإنسانية والكرامة لا يختلفان، بل ذلك من باب القوة الاقتصادية.

هذا بالإضافة إلي أنّ الإمام علي عليه السلام في كلامه: «نواقص العقول والإيمان والحظوظ» () إنّما أشار إلي واقعة خاصّة في تنقيص المرأة المعهودة، وليس المقصود به كل النساء، حيث إنّ كلامه هذا كان بعد فراغه من حرب الجمل().

وهذا شأن الكبار ونوع من البلاغة، حيث إنّهم لا يذكرون الشخص غالباً إلاّ بلفظ الجمع أو

يذكرون أشياء عامّة، مثل قوله سبحانه: ?الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ?()، والحال أنّ المراد به ابن مسعود كما ذكره بعض المفسّرين().

فقول أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ النساء نواقص الإيمان» كما في نهج البلاغة() لا يؤخذ به علي إطلاقه، بل هو مثل ما ورد في ذمّ أهل الكوفة أو البصرة أو ما أشبه ذلك، فهي قضايا وقتية، ولذا نجد له عليه السلام بالنسبة إلي الكوفة والبصرة مدحاً أيضاً في كلام آخر.

لا ذمّ للمرأة في الآيات

أمّا ما يتصور من ذمّ المرأة في بعض الآيات فلا دلالة له علي ذلك، كقوله سبحانه: ?زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالاَْنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ? قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْر مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ?().

فانّه ذمّ للرجل الذي يتبع الشهوات ويضع عقله وشأنه بما يرتبط بالنساء من الأمور الشهوية، وليس ذماً للنساء كما لا يكون ذماًَ للبنين وما أشبه.

وإلاّ فالمرأة كالرجل في كلّ شيء سوي في بعض المستثنيات، كما استثني الرجل عنها أيضاً في أماكن متعدّدة، مثل شؤون القتال فإنها ريحانة وليست بقهرمانة كما ورد في الحديث، ولذا قالوا:

كتب القتل والقتال علينا

وعلي الغانيات جرّ الذيول

واستثني بعض ما يرتبط بشأن المال لإدارة العائلة حيث لا يمكن أن يكون للعائلة مديران رجل وامرأة معاً مع رعاية أنّه من اللازم إعطاء الإدارة لأحدهما وهو يستشير الآخر،ولا يخفي أنّ الرجل في الإدارة أقوي أخذاً وعطاءً، كما أنّ المرأة بالعاطفة أقوي إظهاراً وإدارة.

وإلي ما ذكر من المعني يشير رسول الله صلي الله عليه و اله

في حديث له فيقول: «أوّل ما عصي الله بستّ خصال: حبّ الدنيا، وحبّ الرئاسة، وحبّ الطعام، وحبّ النساء، وحبّ النوم، وحبّ الراحة» ().

فإنه ذم للرجل الذي يتبع الشهوات، لا ذم للنساء.

وقد نهي الإسلام الرجل من الإفراط في حب النساء كما نهاه من التفريط فيهنّ، حيث قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «النكاح سنّتي فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ().

وقال صلي الله عليه و اله: من ترك بنته فزنت يكون الإثم عليه.

وقال صلي الله عليه و اله: «ركعتان يصلّيهما متزوّج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «ركعتان يصلّيهما متزوّج أفضل من سبعين ركعة يصلّيها أعزب» ().

ولا يخفي أنّ العزب يشمل الرجل والمرأة معاً.

وقد زوّج رسول الله صلي الله عليه و اله بنته المفضّلة سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام ولم يتجاوز عمرها تسع سنوات لا لتكاسل عن نفقتها أو غير ذلك، وإنّما ليعلّم المسلمين كيف يتعاملون مع بناتهم.

ثم إنّ تحديد الإسلام للمرأة في بعض الأمور، كلزوم الحجاب وما أشبه، ففيه مصلحة المرأة نفسها وللرجل أيضاً، أمّا لنفسها فحفظاً لكرمتها وشرفها وعزها وحتّي لا تصير ألعوبة رخيصة كما جعلها الغرب، وأمّا المنفعة للرجل فحتّي لا تستضعف الرجال الضعاف فيكونوا ألعوبة الشهوات، ولذا قال سبحانه: ?وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ?(). وقال تعالي: ?فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ?().

الرسول صلي الله عليه و اله يسلم علي النساء أيضاً

ومما يدل علي مدي اهتمام رسول الله صلي الله عليه و اله بالمرأة، ما ورد في الحديث من أنّه صلي الله عليه و اله كان يسلّم علي الرجال والنساء، الكبار والصغار.

فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كان رسول الله صلي الله عليه و

اله يسلّم علي النساء ويرددن عليه» ().

وكان أمير المؤمنين عليه السلام كما في اُصول الكافي فإنّه عليه السلام كان يسلّم علي النساء وكان يكره أن يسلم علي الشابة منهن، فسئل عن ذلك فأجاب: «إنّي أتخوّف أن يعجبني صوتها ويدخل عليّ أكثر ممّا أطلب من الأجر» ().

وقد أراد بذلك تعليم المسلمين حتّي لا يقعوا في الشهوات المحرّمة.

تعدد الأزواج

وقد يقال: إذا كانت المرأة كالرجل فلماذا حقّ للرجل بالتعدّدية دونها؟

الجواب: لو لم تكن تعدّدية لبقين النساء عوانس كما هو المشاهد الآن، ولم يشاهد أنّ رجلا تزوّج امرأة الغير وهي متزوجة، وإنّما ينكح امرأة خلية، علماً أنّ الرجل بطبعه يميل إلي النساء ويرغب فيهنّ.

نعم سبق الإشارة إلي أنّ الفرق بين الرجل والمرأة إنّما هو من جهة العلل الخارجية مثل البنية الجسديّة وما أشبه، ولا فرق في الكرامة والإنسانية، ولذا فرض القتال علي الرجال دونهن، وحلل التعدد للرجل دونها وذلك من جهة الكثرة و ما أشبه، حيث إنّ النساء أكثر من الرجال، قال سبحانه: ?فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَي وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ?()، والزيادة عليها في باب الإرث والدية للحصّة الاقتصادية وما أشبه لكونه مديراً ولجانب خشونته العملية، ولذا يكون المال والنفقة عليه لا عليها.

أما الأصل في الإسلام فهو قوله سبحانه: ?ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ?() والخروج عن هذا التساوي لدليل خاص ولأمر عارض خلقةً وما أشبه ذلك.

وقد ذكر القرآن الكريم علّة أن تكون إثنتان في شهادة المرأة في قوله سبحانه: ?أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَي?().

بينما نشاهد أنّ في الوصيّة تقبل شهادة المرأة الواحدة والمرأتين والثلاث والأربع علي تفصيل ذكره الفقهاء وذلك تبعاً للروايات.

كما أن هناك أمور لا تقبل فيها إلا شهادة المرأة علي تفصيل مذكور في الفقه.

مشاورة النساء

وأمّا النهي عن مشاورة النساء فلأنّ الغالب عليهنّ إدخال العواطف في الاُمور، ولهذا نجد أنّ الغربيين والشرقيين رغم إصرارهم علي التساوي في كلّ الشؤون، غالباً ما لا تصل المرأة في بلادهم إلي مثل رئاسة الجمهورية وما أشبه، ففي الاتّحاد السوفيتي مثلا منذ أن صار الحكم بيد الشيوعيين الذين لا يؤمنون بالله ويقولون بالتساوي المطلق بين الرجل والمرأة لم

تصل المرأة إلي رئاسة الحكم لا في عهد لينين ولا ستالين ولا خرشوف ولا غيرهم إلي اليوم، حيث يمضي عليهم أكثر من ثمانين سنة، وفي الغرب كذلك، فالرئاسة تكون في أمريكا وأوروبا وغيرهما للرجل بالانتخابات وإن وصلت المرأة أحياناً إلي وزارة أو ما أشبه.

والمرأة لمّا كانت عواطفها غالباً ما تتغلب علي عقلها وأنّها تتأثّر كثيراً بالظواهر بدون التعمّق لم يحسّن الإسلام التشاور معهنّ، وقد بيّن الإمام الصادق عليه السلام العلّة في ذلك حيث قال: «إيّاكم ومشاورة النساء فانّ فيهنّ الضعف والوهن والعجز» () والكل يعلم أنّ الحكم غالباً للأغلب لا مطلقاً، وإلاّ فقوله سبحانه: ?وَأَمْرُهُمْ شُورَي بَيْنَهُمْ?() يشمل المشورة في اُمور الرجال مع الرجال وفي اُمور النساء مع النساء، بل وفي اُمور الرجال المشورة مع النساء، وفي اُمور النساء المشورة مع الرجال، ولهذا شاور رسول الله صلي الله عليه و اله النساء مرّات كما في قصّة إرادته الزواج بعد خديجة حيث شاور بعض النساء وأخذ بقولهنّ.

وقد قال الإمام علي عليه السلام كما في رواية في البحار: «إّياك ومشاورة النساء إلاّ من جرّبت بكمال عقل» ().

كذلك شاور رسول الله صلي الله عليه و اله اُمّ سلمة مكرّراً كما ذكرناه في بعض كتبنا، ومنها ما ورد في صلح الحديبية حيث اقترحت اُمّ سلمة علي رسول الله صلي الله عليه و اله بعد ما أمر النبي صلي الله عليه و اله الناس بالنحر والتقصير والإحلال، فلم يستجيبوا.

قالت اُمّ سلمة: يا رسول الله قم وانحر قربانك وسيتّبعك الناس.

فتناول الرسول صلي الله عليه و اله السكّين ونحر هديه وحين رأي الناس ما يفعله رسول الله صلي الله عليه و اله أقبلوا علي هديهم ينحرونها().

وكذلك ورد في قصّة حلق رسول الله

صلي الله عليه و اله رأسه.

النساء والعمل الصالح

ثمّ لا يخفي إنّ الكرامة عند الله بالتقوي والعمل الصالح وهذا لا فرق فيه بين الذكر والاُنثي، فقد صرّح القرآن الكريم ورسول الله صلي الله عليه و اله والأئمّة الأطهار عليهم السلاام أنّ ذلك لا يرتبط بجنس الفرد ذكراً كان أو اُنثي أو خنثي إذا قيل إنّه قسم ثالث بل وكذلك بالنسبة إلي الاستنساخ البشري كما حدث في هذا الزمان. وقد سمعت أنّ العلماء في العديد من البلدان آخذة في تحقيقه()..

والدليل علي ما ذكر قوله سبحانه: ?مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَر أَوْ أُنثَي وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً?().

وفي آية اُخري: ?وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَي وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب?().

إلي غير ذلك.

كرامة المرأة في الإسلام

ومن ضمن الاُمور التي يستدلّ بها علي قداسة المرأة في الإسلام ومدي قابليتها لنيل المراتب العليا عند الله تعالي مضافاً إلي ما مر سابقاً هو ما أشارت إليه بعض الآيات المباركة من بيان قداسة بعض النساء كاُمّ موسي عليهما السلام حيث أوحي الله إليها كما قال تعالي: ?وَأَوْحَيْنَا إِلَي أُمِّ مُوسَي أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلاَتَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ?().

وكذلك بالنسبة إلي اُمّ عيسي (عليهما الصلاة والسلام) كما قال سبحانه: ?وَإِذْ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَي نِسَاءِ الْعَالَمِينَ?().

وقال تعالي: ?إِذْ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ ? وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَمِنْ الصَّالِحِينَ ? قَالَتْ رَبِّ أَنَّي يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَي أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ?().

وقال سبحانه في

قصّة آسية امرأة فرعون: ?وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ?().

وقد وصلت خديجة الكبري عليها السلام إلي قمة من مراتب الكمال كما في الروايات، فإن جبرائيل كان يبلغها تحية خاصة من الله عزوجل.

أما ابنتها الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وقد وصلت مرتبة عظيمة من الفضل والشرف فهي دون رسول الله صلي الله عليه و اله وفوق الأئمّة الطاهرين عليهم السلاام ما عدا زوجها أمير المؤمنين عليه السلام الذي يعادلها في المرتبة، حيث جاء في الأحاديث كما في (معالم الزلفي) أنّها (صلوات الله عليها) كانت تعادل أمير المؤمنين علياً عليه السلام، وفي بعض الروايات أنّها حجّة علي الأئمّة من أولادها عليهم السلاام ().

فصل

ماذا عن العنف؟

من أسباب تأخر المسلمين

عندما يتأمّل الإنسان في تاريخ الإسلام العزيز يجد أنّ معظم المصائب والرازيا التي عاني منها المسلمون علي امتداد التاريخ هي ناجمة عن سياسة العنف التي كان يستخدمها الحكام خلافاً لسيرة رسول الله صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة الطاهرين عليهم السلاام، وعلي عكس ما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة.

فالحكام المستبدون الذين استولوا علي المسلمين من دون شرعية لم يلتزموا بتعاليم الإسلام الداعية إلي اللين واللاعنف وكانوا من وراء ضعف المسلمين علي تفصيل ذكرناه في بعض كتبنا().

ومن هذا الباب لا بأس ببيان بعض المواقف العنيفة التي سوّد بها بعض الحكام وغيرهم صفحات التاريخ البيضاء، ليعرف براءة الإسلام منها، والتي سببت تأخّر حضارة الإسلام التي طالما دعمها رسول الإنسانية صلي الله عليه و اله وأهل

بيته الأطهار عليهم السلاام بجهودهم المباركة.

في عهد الرسول صلي الله عليه و اله

علي الرغم من أنّ الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله عكف علي تربية المسلمين علي اللين واللاعنف وبذل كلّ ما بوسعه من أجل إخراجهم من نزعات الجاهلية الاُولي، إلاّ أنّ البعض منهم لا سيما المنافقين، لم تؤثّر فيه تلك التربية حيث بقيت أنفسهم تميل إلي طبائعها القديمة التي منها العنف والبطش.

ولعلّ خير شاهد علي ذلك هو ما نقله العديد من المؤرخين حيث قالوا: إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله بعد فتح مكّة أخذ يرسل البعض من المسلمين فيما حول مكّة ليدعوا إلي الله عزّوجلّ ولم يأمرهم بقتال …

وممّن بعثه رسول الله صلي الله عليه و اله إلي بني جذيمة بن عامر هو خالد بن الوليد، وقد كانوا أصابوا في الجاهلية من بني المغيرة نسوة، وقتلوا عمّ خالد فاستقبلوه وعليهم السلاح، وقالوا: يا خالد إنّا لم نأخذ السلاح علي الله وعلي رسوله، ونحن مسلمون فانظر فإن كان بعثك رسول الله صلي الله عليه و اله ساعياً فهذه إبلنا وغنمنا فاغد عليها.

فقال: ضعوا السلاح.

فقالوا: إنّا نخاف منك أن تأخذنا بإحنة الجاهلية، وقد أماتها الله ورسوله صلي الله عليه و اله.

فانصرف عنهم بمن معه فنزلوا قريباً، ثمّ شنّ عليهم الخيل فقتل وأسر منهم رجالا، ثمّ قال: ليقتل كلّ رجل منكم أسيره فقتلوا الأسري!

وجاء رسولهم إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فأخبره بما فعل خالد بهم.

فرفع رسول الله صلي الله عليه و اله يده إلي السماء وقال: «اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا فعل خالد» وبكي صلي الله عليه و اله ثمّ دعا عليّاً عليه السلام فقال: «اخرج إليهم وانظر في أمرهم»، وأعطاه سفطاً من ذهب، ففعل ما أمره

صلي الله عليه و اله وأرضاهم.

وقد روي أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله لمّا بعث إليهم عليّاً عليه السلام أمره أن ينظر في أمرهم فودّي لهم النساء والأموال حتّي أنّه ليدي ميلغة() الكلب، ففضل معه من المال فضلة، فقال لهم الإمام علي عليه السلام: «هل بقي لكم مال أو دم لم يؤدّ»؟

قالوا: لا.

فقال عليه السلام: «إنّي اُعطيكم هذه البقيّة احتياطاً لرسول الله صلي الله عليه و اله».

ففعل ثمّ رجع إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فأخبره. فقال صلي الله عليه و اله: «أصبت وأحسنت» ().

أعظم رزيّة بعد الرسول صلي الله عليه و اله

وبعد أن ارتحل الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله من بين المسلمين وبينما كان أهل بيت الرسالة عليهم السلاام مشغولين في تجهيز جثمان الرسول الطاهر صلي الله عليه و اله تآمر بعض المسلمين في سقيفة بني ساعدة ليتقمصوا الخلافة بالعنف.

وريثما تسلّموا مقاليد الخلافة شرعوا بمزاولة سياسة العنف والبطش إزاء آل الرسول عليهم السلاام الذين لم يقرّوا أحقّيتهم في الخلافة، وكذلك مع المسلمين الذين قالوا إن الإمام علي عليه السلام هو خليفة رسول الله صلي الله عليه و اله بالتعيين الإلهي().

الحوزة الخشناء

وهكذا استمرت الحوزة الخشناء إلي هذا اليوم، ومن أفضع صور العنف ما ارتكبوه ضد الإمام الحسين عليه السلام وأولاده ونسائه في كربلاء حيث قتلوهم عن آخرهم عطاشي مظلومين.

قال أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة وهو يصف سياسة بعض من تقمص الخلافة قائلا: فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها ().

يزيد ومآسي التاريخ

بعد أن آل أمر الخلافة إلي يزيد بن معاوية تجلّت مساوئ العنف والطغيان في أوضح مصاديقها وأبشع معانيها، إذ أنّ التاريخ علي مرّ العصور لم يشهد وقائع مؤلمة تمضّ القلوب كالوقائع الدامية التي ارتكبها يزيد بن معاوية في يوم عاشوراء..

ففي بداية حكمه عمد إلي قتل سبط الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله الإمام الحسين عليه السلام بتلك الصورة المأساوية المقرحة للعيون فضلا عن سبيه لعياله وذرّيته في شتّي البلاد الإسلامية.

ولم يكتف هذا الطاغية العنيف بقتل أهل البيت عليهم السلاام وسفك دمائهم الطاهرة حتّي أباح مدينة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله لجيشه ثلاثة أيّام. وفي غضون هذه الأيّام الثلاثة عمد جيشه العنيف إلي التنكيل بأهل المدينة والنيل منهم. فقد نقل في التاريخ أنّ عدد القتلي في واقعة الحَرّة فقط من أبناء الأنصار والمهاجرين بلغ ألفاً وسبعمائة ومن سائر الناس عشرة آلاف سوي النساء والأطفال.

وممّا نقل في هذه الواقعة المؤلمة انّه: دخل رجل من جند مسلم ابن عقبة علي امرأة نفساء من الأنصار ومعها صبي لها، فقال: هل من مال؟

فقالت: لا والله ما تركوا لنا شيئاً.

فقال: والله لتخرجنّ إليّ شيئاً أو لأقتلنّك وصبيّك هذا.

فقالت له: ويحك انّه ولد ابن أبي كبشة الأنصاري صاحب رسول الله صلي الله عليه و اله.

فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من

حجرها وضرب به الحائط فانتشر دماغه علي الأرض!.

عنف بني العبّاس

وعندما تلاشت قدرة بني اُميّة وضعفت شوكتهم جرّاء تعاملهم العنيف مع الرعيّة خلافاً للقرآن الكريم والسنة المطهرة، نهض بنو العبّاس بأعباء الرئاسة وعمدوا إلي إدارة بلاد المسلمين وفق منهجيتهم البعيدة كلّ البعد عن سماحة الإسلام ومنهجيّته الرشيدة الداعية إلي اللين واللاعنف.

فلمّا خضع العباد لهم وبعد أن استتبّت الأوضاع راحوا يصبّون شتّي ضروب العذاب فوق رؤوس الرعيّة حتّي إن الناس أخذوا يترحّمون علي عهد بني اُميّة.

نعم، فقد بالغ حكّام بني العبّاس في الاساءة إلي الناس والنيل منهم حتّي انّهم أصبحوا مضرباً للمثل في الظلم والعنف علي مرّ العصور المختلفة.

فقد نقل أنّ هارون العباسي دخل عليه أحد المنجّمين وقال له: إنّي رأيت في المنام أنّك في هذه السنّة تموت!.

فاغتمّ هارون غمّاً كبيراً، وكان (جعفر البرمكي) حاضراً، فسأله هارون عن علاج الأمر؟

فقال جعفر: إنّ العلاج سهل وهو أن تسأل من هذا المنجّم انّه في أي وقت يموت هو؟

فكذّبه في دعواه بقتله، حتّي يظهر انّه يكذب أيضاً بالنسبة إلي تحديد حياتك.

فسأل هارون المنجّم: عن مدّة عمره هو؟

فقال المنجّم: عشر سنوات ويموت بعدها.

فأمر جعفر هارون أن يقتله الآن حتّي يظهر كذبه في عمره ممّا يلزم أن يظهر كذبه في عمر هارون أيضاً.

عندها أمر هارون الجلاّد أن يقطع رأسه فضرب عنق المنجّم في نفس المجلس.

ثمّ قال هارون لجعفر: قد فرّجت عنّي بهذا التقدير!.

ونقل أنّه كان للمتوكّل العبّاسي كيس مليء بالحيّات والعقارب كان يضعه دائماً قريباً منه. وكلّما أراد أن يضحك علي الحاضرين كان يفتح رأس الكيس وينفضه في وسط المجلس الأمر الذي يجعل الوزراء وسائر الحاضرين في المجلس يهربون في كلّ اتّجاه، وأحياناً تصيبهم لدغات العقارب والحيّات.

وقد نقل (عبد الله البزار النيشابوري) قائلا:

كانت لي صداقة وطيدة مع (حميد بن قحطبة) أحد الاُمراء في دولة (هارون العبّاسي)، قال: فدخلت عليه في شهر رمضان نهاراً وكان مشغولا بالأكل فلمّا سألته عن السبب؟

أخذته العبرة وشرع بالبكاء وانحدرت دموعه علي خدّيه.

فقلت له: ما يبكيك يا أمير؟

قال: استدعاني هارون العبّاسي في إحدي الليالي، ولمّا حضرت رأيت عنده شمعة مشتعلة، وفي مقابله سيفاً مسلولا، فلمّا رآني سألني: كيف يكون ولاءك لأمير المؤمنين؟

قلت: فداه نفسي ومالي ولا قيمة لنفسي ومالي عند رضاه.

فتبسّم من كلامي وأذن لي بالرجوع.

فما أن وصلت إلي الدار إلاّ أتاني مبعوثه ثانية وقال لي: أمرني الخليفة بإحضارك ثانية.

فرجعت إليه مرّة اُخري..

وكرّر عليّ السؤال السابق..

فأجبته: في سبيل الخليفة لا ثمن لنفسي ومالي وأولادي وديني (فداه نفسي ومالي وأولادي وديني).

فسرّه كلامي وضحك وقال لي: إذن خذ هذا السيف ونفّذ ما يأمرك هذا الحارس.

فذهبنا معاً إلي دار مغلقة بابها، ففتح الحارس الباب وكان في وسط الدار بئر وكان في الدار ستّون سجيناً وهم ما بين طاعن في السنّ وشاب في عنفوان شبابه غبر شعث الشعور مكبّلين كلّهم كانوا علويين من أولاد وأحفاد الإمام علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام فأمرني الحارس بقطع رؤوسهم. وكلّما قطعت رأس أحدهم رمي الحارس بجسده في البئر، وكان آخر من أردت قطع رأسه شيخاً طاعناً في السنّ، التفت إليّ وقال: قاتلك الله بم تجيب جدّنا رسول الله صلي الله عليه و اله يوم القيامة إذا وردت عليه؟

آنذاك ارتعد جسمي من هذا الكلام، ولكن الحارس نظر إليّ بغضب، عند ذلك قطعت رأسه، وبذلك أكون قد قتلت ستّين علويّاً في يوم واحد، فبعد هذه الجريمة ما فائدة الصلاة والصيام، وأنا بلا شكّ من المخلّدين في النار.

وهكذا كانت خلافة العثمانيين مليئة بالظلم

والجور والعنف ضد المسلمين وغيرهم، وقد أشرنا إلي ذلك في كتاب حول تاريخ الخلافة العثمانية().

وفي الختام نؤكد علي ضرورة اتخاذ سياسة السلم واللاعنف في جميع مجالات الحياة كما أمر الله عزوجل ورسوله صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرون عليهم السلاام بذلك، وكما هو واضح في سيرتهم العطرة().

وقد ذكرنا في الفقه بأنه لا يجوز فعل ما يوجب تشويه سمعة الإسلام أو المسلمين من أعمال العنف.

واللازم اتخاذ سياسة السلم واللاعنف في كافة مجالات الحياة، مضافاً إلي تطبيق سائر القوانين الإسلامية والتي منها الأمة الواحدة، والأخوة الإسلامية، والحريات والشوري وما أشبه ليستعيد المسلمون بذلك عزهم وينقذوا العالم أيضاً من الظلمات إلي النور، وما ذلك علي الله بعزيز.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين.

قم المقدّسة محمّد الشيرازي

إصدارات جديدة

من مؤلفات الإمام الشيرازي رحمة الله عليه

1. من أسباب ضعف المسلمين

2. الشيعة والتشيع

3. من الآداب الطبية

4. العقل يري هذه القوانين

5. فاطمة الزهراء عليها السلام أفضل أسوة للنساء

6. مقومات رجل الدين

7. قبس من شعاع الإمام الحسين عليه السلام

8. الدولة الإسلامية رؤي وآفاق

9. إنشاء الجمعيات

10. هل للشعوب قيمة

11. الأقصي المبارك

12. خطر المخدرات

13. والدي

14. قم المقدسة رائدة الحضارة

15. كيف يمكن علاج الغلاء

16. تسعون مليار نسمة

17. الاستفتاءات الدمشقية

18. كيف ولماذا أخرجنا من العراق

19. الشيعة والحكم في العراق

20. هكذا الزواج في الإسلام

21. كلمات حول نهضة المسلمين

22. من خطي الأولياء

23. المنهل العذب

24. الأمة الواحدة

25. أقسام الجهاد

26. مساوئ الفرقة

27. العمل الصالح طريق التغيير

28. لا للحسد

29. معالجة الأمراض النفسية

30. الأخ الشهيد

ويمكنكم وفي كل وقت قراءة مؤلفات الإمام الشيرازي رحمة الله عليه علي الانترنيت باللغة العربية والانكليزية والفارسية والأوردية علي العنوان التالي:

WWW.alshrazi.com

قال الإمام الصادق عليه السلام في حديث():

وكن رفيقاً في أمرك بالمعروف

وشفيقاً في

نهيك عن المنكر

ولا تدع النصيحة في كل حال

قال الله تعالي:

?وقولوا للناس حسناً?()

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة آل عمران: 159.

() بحار الأنوار: ج72 ص56 ب42 ح22.

() سيأتي في بحث «اللاّعنف في الحديث» وصف أبي سعيد الخدري لرسول الله صلي الله عليه و اله حيث قال عنه صلي الله عليه و اله: «شديداً من غير عنف».

() سورة البقرة: 208.

() سورة البقرة: 91.

() بحار الأنوار: ج44 ص192 ب26 ح4.

() سورة البقرة: 237.

() سورة النساء: 149.

() سورة النور: 22.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة المائدة: 13.

() سورة البقرة: 109.

() سورة البقرة: 178.

() سورة البقرة: 219.

() سورة الأعراف: 199.

() سورة البقرة: 208.

() سورة الأنفال: 61.

() سورة النساء: 90.

() سورة الفرقان: 63.

() سورة فصّلت: 34.

() مجمع البيان: ج9 ص23.

() سورة فصّلت: 34 35.

() أمالي الشيخ الصدوق: ص619 المجلس 90 ح6.

() سورة النحل: 125-126.

() سورة الكافرون: 6.

() سورة الأنعام: 108.

() تفسير نور الثقلين: ج1 ص757 ح236.

() تفسير نور الثقلين: ج1 ص757 ح 238.

() سورة الأنعام: 108.

() تفسير القمي: ج1 ص213.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج1 ص303 ب28 ح63.

() سورة التغابن: 14.

() سورة النور: 22.

() سورة المائدة: 13.

() سورة الحجر: 85.

() سورة الزخرف: 89.

() سورة البقرة: 109.

() الكافي: ج2 ص227 228 باب المؤمن وعلاماته وصفاته ح1.

() بحار الأنوار: ج70 ص208.

() وسائل الشيعة: ج15 ص269 ب27 ح20478.

() بحار الأنوار: ج75 ص272 ب23 ح112.

() نهج البلاغة، الرسائل: 25 ومن وصية له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله علي الصدقات.

() نهج البلاغة: الرسائل: 53 من كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه علي مصر.

() الكافي: ج2 ص118 باب الرفق ح1.

() وسائل الشيعة: ج12 ص159 ب106 ح15945.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص292 ب27 ح13063.

() الكافي:

ج2 ص120 باب الرفق ح13.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص294 ب27 ح13072.

() وسائل الشيعة: ج15 ص271 ب27 ح20487.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص295 ب27 ح13074.

() وسائل الشيعة: ج15 ص271 ب27 ح20489.

() الكافي: ج2 ص118 باب الرفق ح2.

() وسائل الشيعة: ج15 ص271 ب27 ح20486.

() وسائل الشيعة: ج15 ص271 272 ب27 ح20490.

() الكافي: ج2 ص107 باب العفو ح1.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص8 ب95 ح10046.

() بحار الأنوار: ج68 ص402 ب93 ح8.

() الكافي: ج2 ص107 باب العفو ح4.

() سورة النور: 22.

() بحار الأنوار: ج68 ص423 ب93 ح62.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص8 ب95 ح10046.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص8 ب95 ح10047.

() الكافي: ج2 ص108 باب العفو ح7.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص11 ب96 ح10055.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص7 ب95 ح10041.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص8 ب95 ح10048

() مستدرك الوسائل: ج9 ص7 ب95 ح10042.

() الكافي: ج2 ص47 باب خصال المؤمن ح1.

() أمالي الشيخ الصدوق: ص254 المجلس 44 ح4.

() الكافي: ج2 ص112 باب الحلم ح9.

() أمالي الشيخ الصدوق: ص613 المجلس 89 ح9.

() أمالي الشيخ الطوسي: ص146 المجلس5 ح240.

() أمالي الشيخ الطوسي: ص614 المجلس 29 ح6.

() وسائل الشيعة: ج15 ص267 ب26 ح20471.

() وسائل الشيعة: ج15 ص267 ب26 ح20472.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص289 ب26 ح13052.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص289 ب26 ح13052.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص11 ب97ح10056.

() أمالي الشيخ الصدوق: ص208 المجلس 37 ح8.

() أمالي الشيخ المفيد: ص11 المجلس 1 ح8.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص12 ب97 ح10061.

() أمالي الشيخ الطوسي: ص182 المجلس 7 ح8.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص12 ب97 ح10062.

() أمالي الشيخ الطوسي: ص673 المجلس 36 ح26.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص11 ب97 ح10057.

() سورة آل عمران: 134.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص11 ب97 ح10058.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص12 ب97 ح10059.

() مستدرك

الوسائل: ج9 ص12 ب97 ح10059.

() وسائل الشيعة: ج12 ص158 ب106 ح15943.

() وسائل الشيعة: ج6 ص213 ب25 ح7761.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص288 ب26 ح13047.

() وسائل الشيعة: ج12 ص159 ب106 ح15946.

() الكافي: ج2 ص301 باب المراء والخصومة ومعاداة الرجال ح9.

() الكافي: ج2 ص302 باب المراء والخصومة ومعاداة الرجال ح12.

() جامع السعادات: ج2 ص340.

() الكافي: ج1 ص27 كتاب العقل والجهل ح29.

() راجع بحار الأنوار: ج21 ص22 ب22.

() مناقب آل أبي طالب: ج1 ص167.

() أمالي الشيخ الصدوق: ص465 المجلس 71 ح6.

() جاء في كتاب تاريخ الإسلام السياسي: «ولم يكن السجن بمعناه المعروف الآن موجوداً في زمن الرسول صلي الله عليه و اله، ولا في عهد أبي بكر، وإنّما استحدث في زمن عمر بن الخطاب، إذ كان الحبس لا يتعدّي في عهد الرسول صلي الله عليه و اله منع المتّهم من الاختلاط بغيره، وذلك بوضعه في بيت أو مسجد، وملازمة الخصم، أو ينيبه عنه له فلم يكن السجن إذن مكاناً يحبس فيه المجرم كما كانت عليه الحال في عهد عمر، ومن جاء بعده من الخلفاء. (تاريخ الإسلام السياسي) حسن إبراهيم حسن: ج1 ص451 طبعة مصر.

() سورة الإنسان: 8.

() بحار الأنوار: ج18 ص60 ب8 ح19.

() راجع بحار الأنوار: 59 ص350-351 ب10.

() قريب منه في بحار الأنوار: ج16 ص230 ب9 ح35.

() سورة الإسراء: 90.

() راجع تفسير القمّي: ج2 ص26-27 سورة الإسراء: 90 93.

() مناقب آل أبي طالب: ج1 ص208 فصل في غزواته صلي الله عليه و اله.

() بحار الأنوار: ج21 ص132.

() سورة الفرقان: 70.

() سورة النساء: 48 و116.

() سورة الزمر: 53.

() اللكز: هو الدفع بالصدر بالكف. لسان العرب: ج5 ص406 مادة (لكز).

() أي أخذه الربو، وهو علّة تحدث في الرئة فيصير النفس

صعباً.

() بحار الأنوار: ج41 ص48 ب104 ح1.

() سورة الزمر: 65.

() سورة الروم: 60.

() بحار الأنوار: ج41 ص48 ب104 ح1.

() سورة المؤمنون: 96.

() بحار الأنوار: ج41 ص49 ب104 ح1.

() مناقب آل أبي طالب: ج2 ص113.

() مناقب آل أبي طالب: ج2 ص114.

() بحار الأنوار: ج41 ص132 133 ب107 ح45.

() السياسية من واقع الإسلام: ص171 172.

() بحار الأنوار: ج10 ص126 ح6.

() أي تكلّم عليه في الليلة التي قبلها في مسمع من الإمام عليه السلام.

() مناقب آل أبي طالب: ج2 ص114.

() مناقب آل أبي طالب: ج2 ص113.

() راجع بحار الأنوار: ج41 ص145 146 ب107.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص19.

() بحار الأنوار: ج44 ص148 ب22 ح15.

() بحار الأنوار: ج44 ب37 ص376.

() أمالي الشيخ الصدوق: ص220 المجلس 39 ح6.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص157.

() بحار الأنوار: ج46 ص94 ب5 ح84.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص157.

() سورة آل عمران: 134.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص157.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص157.

() الصرد: البرد، لسان العرب: ج3 ص248 مادة (صرد).

() بحار الأنوار: ج46 ص233 234 ب5 ح1.

() بحار الأنوار: ج46 ص289 ب6ح12.

() مشكاة الأنوار: ص218 ب4 فصل11.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص319.

() بحار الأنوار: ج52 ص337 ب27 ح78.

() كمال الدين: ص286 ب25 ح1.

() كمال الدين: ص287 ب25 ح4.

() كمال الدين: ص329 ب32 ح11.

() بحار الأنوار: ج52 ص381 ب27 ح192.

() بحار الأنوار: ج52 ص316 ب27 ح11.

() بحار الأنوار: ج52 ص338 ب27 ح83.

() بحار الأنوار: ج21 ص160 161 ب28.

() دعائم الإسلام: ج2 ص323 كتاب العطايا ف2 ح1219.

() الكافي: ج2 ص648 باب التسليم علي أهل الملل ح1.

() انظر كتاب: (رسالة في التحية والسلام) و(الفقه: مسائل السلام) للإمام الشيرازي (قدس سره الشريف).

()

أمالي الشيخ المفيد: ص118 المجلس 14 ح2.

() سورة آل عمران: 134.

() راجع الإرشاد للشيخ المفيد: ج2 ص145 146 باب ذكر طرف من الأخبار لعلي ابن الحسين عليه السلام.

() بحار الأنوار: ج81 ص244 245 ب16 ح35.

() توحيد المفضّل: ص39 محاورة المفضل مع ابن أبي العوجاء.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص404 باب ومن الفاظ رسول الله صلي الله عليه و اله الموجزة التي لم يسبق إليها ح5874.

() بحار الأنوار: ج42 ص157 ب124 ح25.

() العوالم: ج20 ص133 ح1.

() العوالم: ج20 ص134 ح2.

() الكافي: ج2 ص304 باب الغضب ح11.

() الكافي: ج2 ص302 باب الغضب ح1.

() الكافي: ج2 ص304 305 باب الغضب ح12.

() الكافي: ج2 ص305 باب الغضب ح15.

() الكافي: ج5 ص515 باب قلة الصلاح في النساء ح5.

() وسائل الشيعة: ج15 ص359 ب53 ح20737.

() وسائل الشيعة: ج15 ص361 ب53 ح20744.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص9 ب53 ح13367.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص12 ب53 ح13376.

() مستدرك الوسائل: ج12 ب53 ص12 ح13376.

() مستدرك الوسائل: ج12 ب53 ص13 ح13376.

() الكافي: ج2 ص305 باب الغضب ح13.

() راجع بحار الأنوار: ج70 ص259 ب131.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص18 ب55 ح13390.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص18 ب55 ح13391.

() الكافي: ج2 ص306 باب الحسد ح1.

() الكافي: ج2 ص306 باب الحسد ح2.

() الغمر: الحقد والغل. الصحاح للجوهري: ج2 ص773، مادّة غمر.

() وسائل الشيعة: ج15 ص367 ب55 ح20768.

() الكافي: ج2 ص307 باب الحسد ح7.

() وسائل الشيعة: ج15 ص367 ب55 ح20765.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص16 ب55 ح13385.

() راجع الطرائف: ج2 ص386.

() بحار الأنوار: ج70 ص289 ب133 ح8.

() بحار الأنوار: ج70 ص290 ب133 ح12.

() بحار الأنوار: ج70 ص291 ب133 ح15.

() بحار الأنوار: ج70 ص291 ب133 ح18.

() بحار الأنوار: ج70 ص284 ب133 ح2.

() بحار الأنوار:

ج70 ص292 ب133 ح21.

() بحار الأنوار: ج70 ص289 ب133 ح9.

() بحار الأنوار: ج21 ص247 ب29.

() سورة البقرة: 8 13.

() نهج البلاغة: الخطبة 194، ومن خطبة له عليه السلام يصف المنافقين.

() سورة النساء: 142-143.

() بحار الأنوار: ج69 ص175 ب103 ح1.

() بحار الأنوار: ج69 ص176 ب103 ح2.

() بحار الأنوار: ج69 ص176 ب103 ح4.

() راجع التربية علي اللاّعنف.

() الكافي: ج5 ص292 293 باب الضرار ح2.

() الكافي: ج5 ص293 باب الضرار ح5.

() الكافي: ج5 ص293 باب الضرار ح3.

() الكافي: ج2 ص165 باب إجلال الكبير ح2.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص185 ب1 ح13836.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص625 باب الحقوق ح3214.

() وسائل الشيعة: ج12 ص98 ب67 ح15745 وح15746.

() غرر الحكم: ص482 ق6 ب6 ح11132 متفرقات اجتماعي.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج1 ص295 ب28 ح53.

() الكافي: ج2 ص165 باب إجلال الكبير ح1.

() ثواب الأعمال، للشيخ الصدوق: ص189 ثواب من عرف فضل شيخ كبير فوقره.

() بحار الأنوار: ج72 ص4 5 ب31 ح9.

() بحار الأنوار: ج72 ص5 ب31 ح10.

() بحار الأنوار: ج72 ص5 ب31 ح11.

() بحار الأنوار: ج72 ص5 ب31 ح12.

() بحار الأنوار: ج72 ص12 ح44.

() الكافي: ج2 ص192 باب قضاء حاجة المؤمن ح1.

() بحار الأنوار: ج71 ص323 ب20 ح91.

() وسائل الشيعة: ج16 ص373 ب26 ح21768.

() الكافي: ج2 ص193 باب قضاء حاجة المؤمن ح4.

() بحار الأنوار: ج71 ص324 ب20 ح94.

() وسائل الشيعة: ج16 ص363 ب26 ح21770.

() قرب الإسناد: ص19.

() وسائل الشيعة: ج16 ص364 ب26 ح21771.

() سورة القلم: 4.

() إرشاد القلوب: ج1 ص115 ب32.

() مستدرك الوسائل: ج2 ص474 ب78 ح2411.

() سورة الحجرات: 10.

() الكافي: ج2 ص175 باب التراحم والتعاطف ح1.

() وسائل الشيعة: ج12 ص216 ب124 ح16120.

() وسائل الشيعة: ج14 ص589 ب99 ح19877.

() الكافي:

ج2 ص178 باب زيارة الإخوان ح13.

() بحار الأنوار: ج71 ص350 ب21 ح16.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص394 ب24 ح14393.

() الكافي: ج2 ص188 باب إدخال السرور علي المؤمنين ح2.

() بحار الأنوار: ج71 ص290 ب20 ح20.

() وسائل الشيعة: ج16 ص349 ب24 ح21735.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص423 ب72 ح9877.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص424 ب72 ح9879.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص423 ب72 ح9874.

() مشكاة الأنوار: ص213 ب4 ف10 في حق الجار.

() مشكاة الأنوار: ص213 ب4 ف10 في حق الجار.

() وسائل الشيعة: ج12 ص125 ب86 ح15837.

() مستدرك الوسائل: ج3 ص469 ب20 ح4018.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص421 ب72 ح9865.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص421 ب72 ح9866.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص421 ب72 ح9867.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص422 ب72 ح9868.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص422 ب72 ح9869.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص422 ب72 ح9870.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص422 ب72 ح9871.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص422 ب72 ح9872.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص424 ب72 ح9878.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص425 ب72 ح9883.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص621 باب الحقوق ح3214.

() وسائل الشيعة: ج20 ص163 ب82 ح25315.

() وسائل الشيعة: ج20 ص170 ب88 ح25331.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص555 باب النوادر ح4909.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص443 باب حق المرأة علي الزوج ح4538.

() وسائل الشيعة: ج20 ص171 ب88 ح25340.

() وسائل الشيعة: ج12 ص153 ب104 ح15928.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص554 باب النوادر ح4900.

() وسائل الشيعة: ج20 ص174 ب90 ح25348.

() وسائل الشيعة: ج20 ص169 ب88 ح25330.

() وسائل الشيعة: ج20 ص169 ب88 ح25330.

() غوالي اللآلي: ج2 ص142 المسلك الرابع ح396.

() سورة النساء: 34.

() راجع تفسير تقريب القرآن إلي الأذهان، لسماحة الإمام الشيرازي (قدس سره): ج5 ص26 ط1 سورة النساء الآية 34.

() وسائل

الشيعة: ج20 ص34 ب7 ح24958.

() وسائل الشيعة: ج21 ص362 ب4 ح27306.

() الكافي: ج6 ص6 باب فضل البنات ح7.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص481 باب فضل الأولاد ح4692.

() وسائل الشيعة: ج21 ص361 ب4 ح27305.

() سورة الكهف: 81.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص116 ب4 ح17711.

() فقه الرضا عليه السلام: ص334 ب86.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص180 ب70 ح17932.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص180 ب70 ح17933.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص180 ب70 ضمن ح17933.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص180 ب70 ضمن ح17933.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص181 ب70 ح17934.

() الكافي: ج2 ص162 باب البر بالوالدين ح17.

() مشكاة الأنوار: ص159 ب3 ف14.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص182 ب70 ح17938.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص182 ب70 ضمن ح17938.

() غوالي اللآلي: ج1 ص269 ف10 ح77.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص182 ب70 ح17939.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص182 ب70 ح17940.

() الكافي: ج6 ص49 باب بر الأولاد ح3.

() الكافي: ج2 ص281 باب الكبائر ح15.

() وسائل الشيعة: ج21 ص447 ب63 ح27544.

() انظر: (الفقه: السياسة) و(الفقه: القانون) و(الفقه: طريق النجاة) و(السبيل إلي إنهاض المسلمين) و(ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) و(المقدمة العقائدية) و(إلي حكم الإسلام).

() سورة المائدة: 28 29.

() مجمع البيان: ج3 ص317، سورة المائدة: 28.

() بحار الأنوار: ج12 ص20 ب2 قصص ولادته عليه السلام إلي كسر الأصنام.

() سورة طه: 44.

() تفسير نور الثقلين: ج4 ص415 416.

() بحار الأنوار: ج14 ص287 ب21 ح10.

() نهج البلاغة، الرسائل 53: من كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه علي مصر وأعمالها.

() وسائل الشيعة: ج29 ص12 ب1 ح35026.

() وسائل الشيعة: ج29 ص13 ب1 ح35029.

() سورة المائدة: 32.

() وسائل الشيعة: ج29 ص62 ب23 ح35155.

() بحار الأنوار: ج28 ص87 88 ب3 ح3.

() نهج البلاغة، الرسائل 46: من كتاب له عليه

السلام إلي بعض عماله.

() نهج البلاغة، الرسائل 53: من كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه علي مصر وأعمالها.

() الإرشاد: ج1 ص315.

() الجمل، للمفيد: ص268 خطبة أخري لأمير المؤمنين عليه السلام بذي قار.

() بحار الأنوار: ج31 ص310 ب114.

() نهج البلاغة، كتاب 53: من كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه علي مصر وأعمالها.

() راجع موسوعة الفقه: ج47-48 كتاب الجهاد.

() الكافي: ج5 ص27 28 باب وصية رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام في السرايا ح1.

() نهج البلاغة، الرسائل 14: من وصية له عليه السلام لعسكره قبل لقاء العدد بصفين.

() الكافي: ج5 ص30 31 باب إعطاء الأمان ح1.

() الكافي: ج5 ص31 باب إعطاء الأمان ح4.

() الكافي: ج5 ص35 باب الرفق بالأسير وإطعامه ح1.

() الكافي: ج5 ص35 باب الرفق بالأسير وإطعامه ح2.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص50 ب21 ح12406.

() الكافي: ج5 ص28 باب وصية رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام في السرايا ح4.

() الكافي: ج5 ص36 باب الدعاء إلي الإسلام قبل القتال ح1.

() سورة الإسراء: 64.

() الكافي: ج2 ص323 باب البذاء ح3.

() الكافي: ج2 ص323 باب البذاء ح4.

() الكافي: ج2 ص324 باب البذاء ح5.

() الكافي: ج2 ص324 325 باب البذاء ح7.

() الكافي: ج2 ص325 باب البذاء ح10.

() أربيت: إذا أخذت أكثر ممّا أعطيت.

() الكافي: ج2 ص326 باب البذاء ح14.

() الكافي: ج2 ص113 باب الصمت وحفظ اللسان ح3.

() الكافي: ج2 ص114 باب الصمت وحفظ اللسان ح9.

() الكافي: ج2 ص114 باب الصمت وحفظ اللسان ح10.

() الكافي: ج2 ص115 باب الصمت وحفظ اللسان ح13.

() وسائل الشيعة: ج12 ص192 ب119 ح16057.

() وسائل الشيعة: ج12 ص193 ب119 ح16063.

() وسائل الشيعة:

ج12 ص195 ب119 ح16067.

() وسائل الشيعة: ج12 ص195 ب120 ح16073.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص23 ب102 ح10096.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص32 ب103 ح10123.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص286 باب حق الدابة علي صاحبها ح2465.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص287 باب حق الدابة علي صاحبها ح2469.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص287 باب حق الدابة علي صاحبها ح2471.

() الكافي: ج2 ص120 باب الرفق ح12.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص286 باب حق الدابة علي صاحبها ح2465.

() بحار الأنوار: ج61 ص203 ب8 ح5.

() بحار الأنوار: ج61 ص204 ب8 ح6.

() بحار الأنوار: ج61 ص202 ب8 ح2.

() بحار الأنوار: ج62 ص9 ب2 ح13.

() مكارم الأخلاق: ص130 ب6 ف9 فيما يتعلق بالمسكن.

() مكارم الأخلاق: ص130 ب6 ف9 فيما يتعلق بالمسكن.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص184 ب1 ح13833.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص303 ب44 ح9505.

() الكافي: ج6 ص225 باب القنبرة ح1.

() الكافي: ج6 ص224 باب الخطاف ح3.

() الكافي: ج6 ص224 باب الهدهد والصرر ح2.

() مستدرك الوسائل: ج7 ص174 ب8 ح7959.

() راجع موسوعة الفقه كتاب البيئة، للإمام الشيرازي رحمة الله عليه حيث فصّل (قدس سره) البحث حول تلوّث البيئة وشخّص الأسباب في ذلك وطرح الحلول المناسبة لها.

() الكافي: ج5 ص27 باب وصية رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام في السرايا ح1.

() الكافي: ج5 ص29 باب وصية رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام في السرايا ح8.

() الكافي: ج5 ص28 باب وصية رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام في السرايا ح2.

() غوالي اللآلي: ج1 ص431 ب1 المسلك الثالث ح130.

() بحار الأنوار: ج72 ص49 ب41 ح1.

() بحار الأنوار: ج72 ص50 ب41

ح4.

() بحار الأنوار: ج72 ص50 ب41 ح3.

() بحار الأنوار: ج72 ص49 ب41 ح2.

() بحار الأنوار: ج72 ص50 ب41 ح4.

() سورة النور: 22.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص158 فصل في علمه وحلمه وتواضعه عليه السلام.

() بحار الأنوار: ج47 ص24 ب4 ح26.

() روّح عليه بالمروحة: حرّك يده بها ليستجلب له الريح.

() العوالم: ج2 ص193 ح2.

() سورة النحل: 58 59.

() مجمع البيان ج6 ص168.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص481 باب فضل الأولاد ح4692.

() ثواب الأعمال: ص202 ثواب أب البنات.

() ثواب الأعمال: ص202 ثواب أب البنات.

() سورة الإسراء: 31.

() سورة الأنعام: 151.

() سورة النور: 33.

قيل: إنّ عبد الله بن اُبي كانت له ستّ جواري يكرههنّ علي الكسب بالزنا، فلمّا نزل تحريم الزنا أتين رسول الله صلي الله عليه و اله فشكون إليه فنزلت الآية. مجمع البيان: ج7 ص246.

وجاء في تفسير علي بن إبراهيم القمي لهذه الآية: كانت العرب وقريش يشترون الإماء ويضعون عليهم الضريبة الثقيلة ويقولون: اذهبن وازنين واكتسبن، فنهاهم الله عزّوجلّ عن ذلك فقال: ?وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَي الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ? أي يؤاخذهنّ الله تعالي بذلك إذا اُكرهن عليه. تفسير علي بن إبراهيم القمّي: ج2 ص102.

() وفي الغرب القريب كان رجال دينهم يمنعون المرأة من قراءة الكتاب المقدس، وكانت المرأة تحرم من التعليم في أوربا، وأول امرأة تقدمت لامتحان الثانوية في فرنسا عام 1861م فلم يقبل طلبها إلا بعد تدخل زوجة نابليون الثالث، والوزير رولان، وأول جامعة فتحت أبوابها للمرأة في ألمانيا عام 1840م جامعة زيوريخ، وأن المرأة في نظرهم هي التي تحمل الخطيئة والمسؤولية الأبدية عن إخراج آدم من الجنة، وأن

أهلية المرأة في المال والتصرفات لم تثبت كاملة في فرنسا وأوروبا إلا في القرن العشرين.

انظر: حقوق الإنسان في الإسلام: ص226

وعند مراسم دفن الرئيس الفرنسي السابق ميتران 1996م كشف النقاب عن وصيته، بأنه كانت له صديقة، وله منها بنت، وليس لهما من حقوق رسمية في حياته، واكتفي في وصيته بأن يتم الاجتماع بينه وبين زوجته عند قبره، وبنته تبلغ 21 سنة، ولم تتمتع بذرة مما كان له قبل رئاسة الجمهورية وبعدها، وكذا صديقته وخليلته.

المصدر: ص221 الهامش

وقال القسيس سان يونان يونافنتور لتلاميذه: إذا رأيتم امرأة فلا تظنوا أن أبصاركم قد وقعت علي إنسان بل ولا علي وحش وإنما الذي وقع بصركم عليه هو الشيطان نفسه والصوت الذي تسمعونه منها هو فحيح الثعبان.

انظر حقوق المرأة: ص10

وفي فرنسا سنة 586م عقد مؤتمر للبحث في موضوع المرأة وهل تعد إنساناً أم غير إنسان. وبعد مناقشة طويلة وجدال عنيف تقرر أنها إنسان ولكنها إنسان خلق لمجرد خدمة الرجل. والمادة 217 من القانون الفرنسي قررت أن المرأة المتزوجة حتي لو كان زواجها قائماً علي أساس الفصل بين ملكيتها وملكية زوجها فإنه لا يجوز لها أن تهب ولا تنقل ملكيتها ولا ترهن ولا أن تستبدل بدون موافقة زوجها علي ذلك كتابة.

وفي إنجلترا صدر أمر ملكي من هنري الثامن أنه يحظر علي المرأة قراءة الكتاب المقدس. ولم يكن للمرأة حتي سنة 1882م الحق في التملك.

حقوق المرأة: ص83

ونقلت مجلة (النبأ) الصادرة عن المستقبل للثقافة والإعلام في بيروت في عددها 17-18 رجب وشعبان 1418ه ص37 تحت عنوان (المرأة البريطانية إذا حكت): في استفتاء شمل 500 امرأة بريطانية تبيّن أن نصف البريطانيات اعترفن بعلاقات مع الرجال خارج حياتهن الزوجية، وغالبيتهن كشفن أنهن غير نادمات علي ذلك، الاستفتاء

الذي أعلن عنه في حفلة توزيع جوائز (امرأة العالم) في لندن شمل نساء يمارسن السياسة والصحافة والرياضة والتجارة والإدارة والطب والمحاماة والمقاولة والجمعيات الخيرية، وكشف الاستفتاء ان 42/ اعترفن بالزنا وأعمارهن بين 51 و 64 سنة، و 39/ مطلقات، و60/ لديهن أولاد، الثلثان منهن اعترفن بأنهن لسن أمهات جيدات لأسباب عدة منها: غياب الوقت الكافي للجلوس مع العائلة، والأنانية، والتعب في العمل الذي ينعكس سلبا علي البيت، وفقدان الوقت لبحث قضايا مهمة مع الأزواج.

ويذكر (كريس دي ستووب) في كتابه (تجارة النساء في أوروبا): في الوقت الحالي تعد إيطاليا إحدي اكثر الدول المتأثرة بالدعارة، حيث تزرع العاهرات الإفريقيات والمخنثون البرازيليون الشوارع المحيطة بروما وتيران وبولون وفلورانس وبادم.. وهناك اكثر من تسعة آلاف عاهرة سوداء قدمن علي الاخص من نيجيريا، لقد أتوا دون توقف منذ منتصف الثمانينات حينما انهار الاقتصاد النيجري، إن تسعين بالمائة من الفيز الممنوحة من السفارة الإيطالية بنيجيريا هي لفتيات تتراوح أعمارهن بين 18 و30 عاما، كما تملك إيطاليا شبكة كبيرة من نوادي الجنس وراقصات التعري، ولكن العاهرات النيجيريات يمثلن الشكل الأسوأ: فقد كن يقتلن ويعذبن ويغتصبن كل أسبوع، كما اكتشفت جثة مومس مقتولة بطعنة سكين تحت جسر في لنزا، واكتشف قبر فيه جثث خمس نيجيريات في نابولي، كما اكتشف في تورين جثث أربع فتيات مخنوقات ومرميات في بئر.. وقامت المومسات البيض في ربيع 1992م في بيللا شمال تورين باحتجاج ضد أسعار السوداوات المنخفضة، إن بعض العاهرات واقعات تحت نير الديون وإذا قمن بخرق الاتفاق فإنهن يتعرضن للضرب الوحشي أو الإهانات الشديدة بحسب الطريقة المتبعة، ولكن المافيا الإيطالية تدخل أيضا في هذه التجارة التي تقدر عائداتها بالمليارات، وحسب بعض التقديرات فان هذه التجارة تجلب

ما يقارب مليار فرنك فرنسي سنويا، ان ممارسة الدعارة في إيطاليا لا تعد جريمة ولكنها بالطبع ممنوعة علي المهاجرات غير النظاميات.

وفي إسبانيا كما في إيطاليا، ثمة عشرات الآلاف من الفيليبينيات اللواتي قدمن إلي البلاد كخادمات أو للعمل مقابل إقامتهن وطعامهن فقط، واللواتي يعشن بشكل مزر وبرواتب زهيدة، وقد تم مؤخرا استبدالهن بالدومينيكانيات اللواتي يتقن اللغة الإسبانية، ويمكن اليوم رؤية المئات منهن في منطقة مونكلو وغيرها، وقد تم تدمير منزل تعيش فيه ثمانون امرأة منهن بسبب شكاوي الجيران. والتوافد الحالي والمتزايد للدومينيكانيات الي البلاد يعود إلي وجود نواد للجنس حتي في اصغر القري الإسبانية، ويقدر عدد العاهرات في هذا البلد بحوالي خمسمائة ألف امرأة!! وفي عام 1992م تم الكشف عن عصابة ترغم الغواتيماليات علي الدعارة في ملاهي برشلونة.

وفي باريس يمكن مشاهدة العاهرات يذرعن شارع سان دنيس و المخنثين القادمين من جنوب أمريكا وهم متوزعون في غابة بولونيا، بينما أصبحت منطقة البيجال مملوءة بالسوداوات اكثر فاكثر. كما يقبض (مركز مكافحة الاتجار بالجنس البشري) في فرنسا كل عام علي 1500 شخص من المتورطين في هذه التجارة و25/ منهم من النساء، فان الدعارة بحد ذاتها في فرنسا غير ممنوعة، ولكن كل من يستغل أو يشغل امرأة لحسابه يلاحقه القانون ويتعرض للعقوبة. كما تشكل فرنسا أحيانا محطة ترانزيت لفتيات جنوب أمريكا وإسبانيا والبرتغال، حيث يدربن ويرسلن لاحقا إلي بلجيكا واللوكسمبورغ وهولندة، فغالبا ما يستعمل تجار النساء في غانا، فرنسا مركزا أوليا لنقل نسائهم إلي أوروبا.

أما سويسرا فتدعي (جنة فتيات الملاهي) التي تقدم رقص التعري… وهن غالبا آتيات من جمهورية الدومينيكان والبرازيل وتايلاند، مع أن الأيدي العاملة الأجنبية غير مسموح لها بالدخول للبلاد إلا إذا كانت من أمريكا الشمالية أو كندا

أو أوروبا، ولكن هنالك استثناء للعاملات في الكاباريهات وتعطيهن الدولة إذن العمل الصالح لمدة ثمانية اشهر في السنة، وإذا استمرت الواحدة منهن بالعمل مدة سنتين متواصلتين فإنها تحصل علي إذن جديد لثمانية عشر شهرا.. وهنالك حوالي 800 فتاة ملهي بشكل دائم في سويسرا، وبالإضافة إلي هؤلاء النسوة هناك الكثير من المقيمات بشكل غير شرعي ممن يعملن في تجارة الجنس المنظمة والتي تدر للدولة سنويا ما يقارب 2 الي3 مليون فرنك سويسري …

ان قمة الدعارة في اوروبا هي في ريبرباهن في هامبورغ، حيث يبلغ عدد التايلانديات العاملات في الكاباريهات وبيوت الهوي المئات.

وفي فرانكفورت تصارع منظمة آجسترا منذ عام 1983 تجارة النساء، ويقع مكتبها في المنطقة التي تعد مملكة العاهرات، حيث تقف التايلانديات والكولومبيات علي باب عمارة فيها مئات الشقق المخصصة (كبيوت هوي) لجلب الزبن وهن يصفرن ويصطدن الرجال الذين يأتون ليختاروا إحداهن، ويراوحون بين الشباب الصغار إلي رجال الأعمال. فان هناك في ألمانيا بحدود 200 إلي 400 ألف مومس.

كما قدرت الشرطة عدد بنات الليل في بلجيكا لعام 1980م بأربعة عشر ألف امرأة!!. ويقدر عدد البغايا في هولندة بعشرين ألف امرأة.

وفي خلال الثمانينات عرفت تجارة الجنس في أوروبا تطورا وانتشارا واسعا، حيث أصبحت النساء موادا للتفاوض والاستثمار في صناعة بلا حدود، وهذا الأمر يسير بشكل دائري: فالفتيات يذهبن من ناد ليلي إلي آخر، ومن مدينة إلي أخري ومن بلد لآخر. للتفصيل الأكثر راجع كتاب (تجارة النساء في أوروبا) لمؤلفه كريس دي ستووب.

() سورة النساء: 1.

() سورة البقرة: 228.

قال شيخ المفسّرين الطبرسي رحمة الله عليه في تفسير هذه الآية: وهذا من الكلمات العجيبة الجامعة للفوائد الجمّة. وإنّما أراد بذلك ما يرجع إلي حسن العشرة، وترك المضارّة، والتسوية في

القسم والنفقة والكسوة، كما أنّ للزوج حقوقاً عليها مثل الطاعة التي أوجبها الله عليها له، وأن لا تُدخل فراشه غيره، وأن تحفظ ماءه فلا تحتال في إسقاطه. مجمع البيان: ج2 ص100.

() سورة الأحزاب: 35.

() سورة الأحزاب: 36.

() سورة التوبة: 72.

() سورة النور: 12.

() سورة الأحزاب: 58.

() سورة الأحزاب: 73.

() سورة محمد: 19.

() سورة نوح: 28.

() سورة البروج: 10.

() سورة الحديد: 12.

() سورة النساء: 124.

() سورة آل عمران: 61.

() هذه إشارة إلي قوله تعالي: ?الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْض? سورة التوبة: 67. وقوله تعالي: ?وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ? سورة التوبة: 68. وقوله: ?لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ? سورة الأحزاب: 73. وقوله: ?وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ? سورة الفتح: 6.

() سورة المسد: 1 5.

() سورة النساء: 19.

() تفسير مجمع البيان: ج3 ص46 47.

() سورة النساء: 20.

() سورة التوبة: 71.

() مجمع البيان: ج5 ص87 88.

() سورة الممتحنة: 12.

() تفسير نور الثقلين: ج7 ص12.

() سورة البقرة: 187.

() سورة النساء: 19.

() وسائل الشيعة: ج20 ص171 ب88 ح25340.

() العوان: جمع عانية، وهي الأسيرة.

() السيرة النبوية، لابن هشام: ج3 ص151.

() سورة الحجرات: 13.

() مجمع البيان: ج9 ص229.

() مجمع البيان: ج9 ص229.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص267 ب20 ح12963.

() الخصال: ج1 ص108 باب الثلاثة ح218 حبب إلي النبي في الدنيا ثلاث.

() راجع الكافي: ج5 ص320 باب حب النساء ح 2. وفيه: (عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما أظن رجلاً يزداد في الإيمان خيرا إلا ازداد حبا للنساء).

() لعلّ هذا يستفاد من الحديث التالي: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: عقول النساء في جمالهنّ، وجمال الرجال في عقولهم. بحار الأنوار: ج100 ص224 ح3.

() سورة الملك: 3 4.

() نهج البلاغة:

الخطبة 80، ومن خطبة له عليه السلام بعد فراغه من حرب الجمل في ذم النساء وبيان نقصهن.

() فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام بعد حرب الجمل في ذمّ النساء: معاشر الناس إن النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول، فأمّا نقصان إيمانهنّ فقعودهنّ عن الصلاة والصيام في أيّام حيضهنّ، وأمّا نقصان عقولهنّ فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد وأما نقصان حظوظهن فمواريثهن علي الأنصاف من مواريث الرجال، فاتّقوا شرار النساء وكونوا من خيارهنّ علي حذر، ولا تطيعوهنّ في المعروف حتّي لا يطمعن في المنكر.

وقال ابن أبي الحديد في شرح هذه الكلمة: «ولا تطيعوهنّ في المعروف» ليس بنهي عن فعل المعروف، وإنّما هو نهي عن طاعتهنّ، أي لا تفعلوه لأجل أمرهنّ لكم به، بل افعلوه لأنّه معروف … ثم قال ابن أبي الحديد: وهذا الفصل كلّه رمز إلي عائشة، ولا يختلف أصحابنا في أنّها أخطأت فيما فعلت ثمّ تابت وماتت تائبة. شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ج6 ص214.

() سورة آل عمران: 173.

() قال الطبرسي في مجمع البيان لدي ذكره لشأن نزول هذه الآيات: نزلت هذه الآية في غزوة بدر الصغري، وذلك أنّ أبا سفيان قال يوم أُحد، حين أراد أن ينصرف: يا محمّد! موعد بيننا وبينك موسم بدر الصغري القابل إن شئت. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ذلك بيننا وبينك. فلمّا كان العام المقبل خرج أبو سفيان في أهل مكّة، حتّي نزل (مجنة) من ناحية (الظهران) ثمّ ألقي الله عليه الرعب. فبدا له، فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي، وقد قدم معتمراً، فقال له أبو سفيان: إنّي واعدت محمّداً وأصحابه أن نلتقي بموسم بدر الصغري، وأنّ هذه عام جدب، ولا يصلحنا إلاّ عام نرعي

فيه الشجر، ونشرب فيه اللبن، وقد بدا لي أن لا أخرج إليها، وأكره أن يخرج محمّد، ولا أخرج أنا، فيزيدهم ذلك جرأة. فألحق بالمدينة فثبّطهم ولك عندي عشرة من الإبل أضعها علي يد سهيل بن عمرو.

فأتي نعيم المدينة، فوجد الناس يتجهّزون لميعاد أبي سفيان، فقال لهم: بئس الرأي رأيكم، أتوكم في دياركم وقراركم، فلم يفلت منكم إلاّ شريد، فتريدون أن تخرجوا، وقد جمعوا لكم عند الموسم، فوالله لا يفلت منكم أحد! فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: والذي نفسي بيده، لأخرجنّ ولو وحدي! فأمّا الجبان فإنّه رجع، وأمّا الشجاع فإنّه تأهّب للقتال.

ثمّ قال الطبرسي في معني الآية: وإنّما عبّر بلفظ الواحد عن الجميع في قوله «قال لهم الناس» لأمرين، أحدهما: انّه قد جاءهم من جهة الناس فأُقيم كلامه مقام كلامهم، وسمّي باسمهم، والآخر: انّه لتفخيم الشأن. مجمع البيان: ج2 ص449 450.

() انظر نهج البلاغة: الخطبة80، ومن خطبة له عليه السلام بعد فراغه من حرب الجمل في ذم النساء وبيان نقصهن.

() سورة آل عمران: 14 15.

() بحار الأنوار: ج100 ص225 226 ب2 ح12.

() مستدرك الوسائل: ج14 ص153 ب1 ح16347.

() وسائل الشيعة: ج20 ص19 ب2 ح24914.

() وسائل الشيعة: ج20 ص18 ب2 ح24913.

() سورة النور: 31.

() سورة الأحزاب: 32.

() الكافي: ج5 ص535 باب التسليم علي النساء ح3.

() الكافي: ج5 ص535 باب التسليم علي النساء ح3.

روي الشيخ الصدوق رحمة الله عليه هذا الحديث مرسلا في من لا يحضره الفقيه: ج3 ص469 وقال: إنّما قال عليه السلام ذلك لغيره وان عبّر عن نفسه، وأراد بذلك أيضاً من التخوّف من أن يظنّ به ظانّ أنّه عليه السلام يعجبه صوتها فيكفر.

() سورة النساء: 3.

() سورة البقرة: 228.

() سورة البقرة: 282.

()

الكافي: ج5 ص517 باب في ترك طاعتهن ح8.

() سورة الشوري: 38.

() بحار الأنوار: ج100 ص253 ب4 ح56. ومن هذا الحديث يمكن استفادة السر في عدم مشورتهن حيث إنّ الغالب في النساء هو الميل إلي العاطفة والحكم بها، لذلك يشير أمير المؤمنين عليه السلام باستشارة من جرّبت بكمال العقل.

() انظر بحار الأنوار: ج20 ص353 ب20 ح4. وقد ذكر ذلك الإمام المؤلّف في كتابه لأوّل مرّة في تاريخ العالم: ج2 ص17.

() كما قالوا في استراليا.

() سورة النحل: 97.

() سورة غافر: 40.

() سورة القصص: 7.

() سورة آل عمران: 42.

() سورة آل عمران: 45 47.

() سورة التحريم: 11.

() راجع كتاب من فقه الزهراء عليها السلام وكتاب (فاطمة الزهراء افضل أسوة للنساء) للإمام الشيرازي رحمة الله عليه.

() راجع كتاب (من أسباب ضعف المسلمين) للإمام المؤلف (قدس سره الشريف).

() الميلغ والميلغة: الإناء يلغ فيه الكلب أو يسقي فيه.

() بحار الأنوار: ج21 ص140-141 ب27 ح2 و3.

() انظر بحار الأنوار: ج53 ص18 19 ب28، وكتاب الإحتجاج، في احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام ج1 ص92.

() نهج البلاغة: الخطبة رقم 3. يقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج6 ص327: (كان عمر شديد الغلظة، وعر الجانب، خشن الملمس، دائم العبوس) وقال أيضاً: في ج20 ص217: (وكان سريعاً إلي المساءة كثير الجبه والشتم والسبّ).

وقال ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ: ج3 ص58 عن زيد بن حارثة قال: إنّ

أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلي عمر يستخلفه فقال الناس: تستخلف علينا فظّاً غليظاً فلو قد ولّينا لكان أفظّ وأغلظ، فما تقول لربّك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر؟ فقال أبو بكر: أبربّي تخوّفني؟ أقول: استخلفت عليهم خير أهلك..

وقال ابن الأثير أيضاً في وصفه: خطب اُم

أبان بنت عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت: يغلق بابه، ويمنع خيره، ويدخل عابساً، ويخرج عابساً. انظر الكامل في التاريخ: ج3 ص55.

وقال ابن الأثير أيضاً: إنه خطب اُمّ كلثوم ابنة أبي بكر إلي عائشة، فقالت اُمّ كلثوم: لا حاجة فيه، انّه خشن العيش، شديد علي النساء. الكامل في التاريخ: ج3 ص54.

() انظر كتاب (موجز عن الدولة العثمانية) و(تلخيص تاريخ الإمبراطورية العثمانية) للإمام الشيرازي (قدس سره الشريف).

() للتفصيل انظر كتاب (الفقه: طريق النجاة) و(السبيل إلي إنهاض المسلمين) و(ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) و(الفقه: القانون) للإمام الشيرازي (قدس سره الشريف).

() مستدرك الوسائل: ج8 ص318 ب2 ح9541.

() سورة البقرة: 83.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.