كيف ينظر الإسلام إلي السجين؟

اشارة

اسم الكتاب: كيف ينظر الإسلام إلي السجين؟

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1420 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

الرحمن الرحيم

مالك يوم الدين

إياك نعبد و إياك نستعين

اهدنا الصراط المستقيم

صراط الذين أنعمت عليهم

غير المغضوب عليهم

ولا الضالين

صدق الله العلي العظيم

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الإسلام العظيم دين شامل لكل جوانب الحياة.. فلم يترك الإسلام جانباً من جوانب الحياة إلاّ وتكلم عنه وبين لنا كيفية السير فيه.

وقضية السجن والسجين هي من أهم القضايا التي تشغل العالم اليوم وخصوصاًً منظمات حقوق الإنسان وما اشبه..

فهناك الكثير من الدول وربما جميعها قد اخطأت في نظام السجون، ولم تراع حق السجين كاملة، ناهيك عن الدول التي جعلت من السجون مقابر جماعية، و …

ولكن الإسلام حيث ضمن الحريات الفردية والاجتماعية في مختلف جوانب الحياة فلم ير السجن الا في أقصي حالات الضرورة، ورسم للسجن والسجين افضل اسلوب يضمن كافة حقوق السجين بما للكلمة من معني.

اما ما نراه اليوم في بلادنا، وحتي في البلاد التي تدعي الحرية والديمقراطية، من التعذيب وتضييع حقوق السجين،فالإسلام بريء من كل ذلك، ومن كل مظاهر العنف واللاإنسانية مع السجين او غيره.

لقد رسم الإسلام لنا طريقاً سوياً نمشي عليه بالنسبة لموضوع السجناء..كما أعطي للسجين حقوقاً تقف أمامها متحيرةً منظمات حقوق الإنسان وغيرها ممن يدعون الديمقراطية.

لقد جعلوا السجن في بلادنا مركزاً لكبت الكفاءات وموتها وللتعذيب والاصابة بالأمراض الجسدية والنفسية.. فعندما يخرج السجين تري آثار التعذيب بادية علي جسده وروحه، بينما الإسلام يجعل السجن مركزاً لتربية السجين وإعادة تأهيله بل وتعليمه وتقدمه في مختلف المجالات،وحتي إتاحة الفرص الاقتصادية له.. فالسجين يخرج إلي المجتمع بأخلاق وتربية صالحة وبنظرة جديدة إلي الحياة مفعمة

بحب الناس وبالخير.

ومن هنا كان لا بد من تعريف العالم بما يحمله الإسلام من رحمة وإنسانية لا مثيل لهما للسجين، وإنطلاقاً من هذه النقطة كتب سماحة المرجع الديني آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) بحثه الفقهي القيم في هذا الموضوع ليشرح فيه حقوق السجين وما يجب علي الحكومة أن تقدم له من أسباب الراحة وبيّن أسلوب التعامل الصحيح مع السجين.

فهو بهذا يقدم لنا صورة ناصعة البياض عن ديننا الإسلامي العظيم الذي لم يترك صغيرةً ولا كبيرة إلاّ أحصاها.

نسأل الله عزّوجل أن يوفق الدول الاسلامية وغيرها لتطبيق هذه الحقوق،انه سميع مجيب.

مؤسسة المصطفي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص ب: 5951 /13

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

السجين إنسان له كرامته وحريته المقررة من قبل الله سبحانه وتعالي، فاللازم الاقتصار في السجن علي أقل قدر ممكن من الضيق مما يصدق عليه مسمّي «السجن»، فإن (الضرورات تقدَّر بقدرها) سواء كان السجن شرعياً إذ أن الشرع لا يسجن الاّ في موارد خاصة نادرة، وهي بالنسبة إلي السجون العرفية أو المتعارفة اليوم أقل من الواحد في الألف أو غير شرعي كما هو المتعارف في عالم اليوم، فمن الضروري علي الدولة إسلامية وغير إسلامية مراعاة السجين مراعاة تناسب كرامته.

فإن هناك في سجون اليوم غير الشرعية محرَّمين:

1 محرّم أصل السجن.

2 ومحرَّم كيفيته.

فإذا فعلت الدولة الحرام الأول لقوانينها الباطلة فيلزم أن لاتفعل الحرام الثاني.

وعلي أي.. فاللازم مراعاة السجين كأنه مطلق في الخارج باستثناء أصل السجن، وذلك إنما يكون بأمور نشير إلي بعضها وقد اقتبسناها من مختلف الأدلة الشرعية وبعض الاطلاقات، فإن (الناس مسلطون علي أموالهم وأنفسهم).

كما اقتبسنا بعضها من النظام العالمي للسجون مصداقاً وان كان

كلي القواعد الفقهية يشملها. والله هو الموفق المستعان.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

حرية المعاملات

الأول: حرية السجين في إجراء جميع المعاملات، من البيع والشراء والرهن والإجارة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والحوالة وحتي الكفالة في صورها الممكنة، وغيرها، سواء في داخل السجن أو خارجه، بواسطة الهاتف أو عبر الوكيل أو ما أشبه.

النكاح وما أشبه

الثاني: ممارسة عقد النكاح أو الطلاق بأقسامه المختلفة، لنفسه أو غيره ممن كان وكيلاً عنه أو وليّاً عليه، وسواء بالنسبة إلي السجناء أو الخارجين عن السجن، ويصح كونه شاهد الطلاق، أو النكاح حيث المستحب الاشهاد فيه، وكذلك بالنسبة إلي كونه وصيا أو موصيا، أو متوليا لوقف، أو ما أشبه ذلك.

الشهادة تحملاً وأداءً

الثالث: كونه شاهداً تحملاً أو أداءً، سواء لمن هو في السجن أو خارجه، إذ من الممكن تحمل الشهادة أو أداؤها بواسطة الهاتف بعد إحراز صحتها، نعم استشكلنا في (الفقه) في تحمل شهادة الطلاق من غير مجلسه إذا كان الشهود في غير محل المطلّق وارتبطوا بسبب التلفونات المتعددة الخطوط أو ما أشبه.

الخطابة والكتابة وما أشبه

الرابع: ممارسة الخطابة والتعليم والكتابة بمختلف أشكالها وحتي للجرائد والمجلات.. وإلقاء الخطب والمحاضرات وعرض التمثيليات لمن في داخل السجن أو خارجه، بواسطة الراديو أو التلفزيون أو ما إلي ذلك..

وكذلك لا يمنع عن مطالعة الكتب والجرائد والمجلات ومتابعة الأحداث عبر الإذاعة والتلفاز وما أشبه.

المهن المختلفة

الخامس: ممارسة المهن كالنجارة والحدادة والحياكة والنقش وصنع المصنوعات اليدوية وغيرها، وما أشبه.

الرياضة

السادس: توفير الأماكن الخاصة للرياضة، بالاضافة إلي ساحة واسعة يستطيع السجين من خلالها التمشي.

الهوايات الشخصية

السابع: السماح له بالاهتمام بهواياته الشخصية كتعليق اللوحات والزخرفات وجعل المزهريات وما أشبه، وحتي الحيوانات الأليفة وغير الأليفة مما تحفظ في الأقفاص، كالهرة والدجاجة والإوزة وطيور الحب والبلابل، بل وحتي مثل الفهد وما أشبه ذلك،مع

مراعاة الموازين.

اللقاء بالعائلة

الثامن: أن يسمح للسجين بزيارة عائلته له في أيّ وقت شاؤوا، وكذلك بالنسبة إلي المرأة زيارة زوجها لها، كما يسمح للسجين ببقاء عائلته معه.

وقد ورد أن أمير المؤمنين علياً عليه السلام أجاز لعائلة السجين ذلك. ففي الجعفريات بسنده إلي جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي i:

إن امرأةً استعدت علياً عليه السلام علي زوجها، فأمر علي عليه السلام بحبسه وكان الزوج لا ينفق عليها إضرارا بها فقال الزوج: احبسها معي، فقال علي عليه السلام: لك ذلك، انطلقي معه لا عليك أحداً).

الفصل في موارده

التاسع: فصل السجناء بعضهم عن بعض إذا أرادوا ذلك، كما يلزم الفصل بين الرجال والنساء والصبيان فيما إذا كان ذلك خوفاً الفتنة أو المشكلة، وكذلك فصل الخطرين منهم عن غيرهم، بل وفصل المؤذي للسجناء بسبب جنون أو نحوه.

أما إذا لم يكن محذور كما إذا شاءت العائلة أن تكون مع ولي أمرها فلا بأس بسجنهم جميعاً في مكان واحد.

الرعاية الصحية

العاشر: يلزم توفير الشروط الصحية للسجناء، من حيث السعة والهواء والإضاءة والتدفئة والتبريد والأدوات الصحية حتي لقضاء الحاجة مع لياقتها ونظافتها، وتهيئة حمامات كافية يراعي فيها الفصول السنوية، فيتوفر فيها الماء الحار والماء البارد وما أشبه، ويكون الذهاب إلي الحمام حسب رأي السجين نفسه، واللازم صيانة هذه الأماكن ونظافتها باستمرار من قبل الدولة.

ومن اللازم أيضاً أن يتوفر للسجين ما يلزمه من الأطباء والأدوية ويسهل عليه مراجعة أي طبيب شاء حتي في خارج السجن.

المأكل والمشرب المناسب

الحادي عشر: تزويد السجين بالمأكل والمشرب والملبس بما يناسبه ويناسب الفصول كالصيف والشتاء ونحوهما، كل ذلك في سعة ورفاه، نعم ورد في الشريعة التضييق علي بعض السجناء وذلك لرجاء أن الضيق يؤدي إلي الانقلاع كما هو الغالب

فيخرج من السجن بانقلاعه.

ويدل علي المستثني منه: بإلاضافة الي القواعد العامة، ما ورد عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام): أن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) لما ضربه ابن ملجم، قال: (احبسوا هذا الأسير وأطعموه وأسقوه وأحسنوا أساره فإن عشت فأنا أولي بما صنع بي، إن شئت استنقدت، وإن شئت عفوت، وإن شئت صالحت، وإن مت فذلك إليكم فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثلوا به).

لكن لا يخفي أن الامام عليه السلام أحب أن يعفو أولياؤه عن ابن ملجم من دون أن يلزمهم بذلك كما في كلام له في نهج البلاغة وفيه: (أنا بالأمس صاحبكم واليوم عبرة لكم وغداً مفارقكم، إن أبق فأنا ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة فاعفوا ?ألا تحبون أن يغفر الله لكم?) إلي آخر كلامه عليه السلام.

وأما المستثني فهو المولي إذا أبي أن يفيء أو يطلق وما اشبه، ففي خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أبي المولي أن يطلق، جعل له حظيرة من قصب وأعطاه ربع قوته حتي يطلق) ومن المعلوم أن هذا التشديد إنما هو من جهة أنه يطلق أو يرجع فيخرج من السجن.

وفي رواية أخري: (إنه إن فاء: وهو أن يرجع إلي الجماع، وإلا حبس في حظيرة من قصب وشدد عليه في المأكل والمشرب حتي يطلق).

تلامذة السجين

الثاني عشر: يسمح لتلاميذه إذا كان مدرِّسا، ولرواد منبره إذا كان خطيباً، في الحضور عنده لإلقاء الدرس عليهم أو إلقاء المواعظ، وكذلك يسمح لمن يتباحثون معه بارتياد السجن للمباحثة بشرط عدم إيذاء الآخرين.

الارتياح النفسي

الثالث عشر: إذا كان السجين في أزمة نفسية

لزم السماح له بمراجعة الطبيب النفسي، وكذا إذا لم يكن يشعر هو بذلك أحضرت له إدارة السجن الطبيب النفسي، واذا احتاج النقل إلي المستشفي للعلاج نقل إليه، كما يلزم في السجن توفير ما يوجب الارتياح النفسي للسجين وعدم ما يسبب الانزعاج وما أشبه.

من حقوق النساء

الرابع عشر: يلزم أن يكون في سجون النساء أماكن خاصة لرعايتهن ومداراتهن، فانهن ريحانه ولسن بقهرمانة كما في الحديث الشريف، وإذا كانت ولادة للمرأة ولم يكن تتيسر في السجن أو لم ترد ذلك نقلت إلي دار الولادة.. ويلزم علاجهن قبل وأثناء وبعد الولادة.

كما يسمح للأمهات الارتباط بأطفالهن، وتُهيأ أماكن خاصة للحضانة إذا كان الطفل معها، فلها حريتها كما إذا كانت في خارج السجن.

المفتش لصالح السجناء

الخامس عشر: يلزم أن يكون هناك مفتش عن أحوال السجناء، وأنه هل تطبق القوانين المرتبطة برعاية السجين في كل النواحي المذكورة أم لا؟.

ومن الضروري أن لا يكون المفتش من نفس خط إدارة السجن لإمكان تواطئهم علي السجين، بل يكون من خط آخر كحزب معارض أو ما أشبه ذلك..

وإذا رأي المفتش النقص وعلم بأن إدارة السجن لا تهتم بالتكميل رفع الأمر إلي الجهات العليا لإصلاح تلك النواقص.

تأديب السجناء

السادس عشر: لا يحق لإدارة السجن تأديب السجناء، بل اللازم عند إساءتهم مراجعة الشرطة، فيلزم أن يكون فصل بين السجن والشرطة.. وكأن السجين إنسان حر في خارج السجن كيف كان يُعامَل معه حينذاك.. كذلك يعامل داخل السجن.

ولا حق لإدارة السجن إعطاء الصلاحية لبعض السجناء في تأديب الآخرين.

نعم لا بأس بتدريس بعض السجناء بعضهم الأخلاق أو ما أشبه من العلوم الدينية والدنيوية، أو عقدهم حلقات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها.. يديرها بعض السجناء للآخرين.

إذا أجرم السجين

السابع عشر: إذا فعل السجين

ما يخالف القانون الشرعي أُجريت عليه عقوبات ونحوها كما يجري عند الشرطة والمحاكم في خارج السجن، فالجرائم التي يرتكبها المسجونون داخل السجون لها عقاب سائر الناس، والقوانين بالنسبة إليهم والي غيرهم واحدة.

اتخاذ المحامي

الثامن عشر: إذا أراد السجين أخذ محام للدفاع عنه كان له ذلك، وهكذا ان احتاج إلي مترجم، ثم إذا كان له مال صرف من مال نفسه وإلا فالصرف من مال السجن.

لا للتعذيب مطلقاً

التاسع عشر: يمنع منعاً باتاً العقوبات اللاإنسانية والقاسية بالنسبة إلي السجناء ولو كانت بذريعة التأديب، فلا يجوز وضع السجين في زنزانة منفردة، ولا في مكان مظلم، ولا ملء الزنزانة بالماء، ولا ربطه بالحائط، ولا ما أشبه ذلك من أساليب التعذيب..

كما يمنع مطلق وسائل الإكراه في أخذ الاعتراف، من السلاسل والأغلال والتثقيل بالحديد وغيرها.

التعليمات اللازمة

العشرون: يعطي لكل سجين تعليمات السجن ويعرّفوه حقوقه فيها وما له وما عليه، كتابة لمن يعرف القراءة، وبواسطة الأشرطة الصوتية أو ما أشبه لمن لا يعرف الكتابة.

من حقوق السجين

من حقوق السجين

الواحد والعشرون: يلزم تهيئة الفرص أمام كل سجين بتقديم شكاواه وما يطلبه ويريده في كل يوم وفي كل وقت أراد ذلك، إلي مدير السجن أو إلي المفتش الخاص أو إلي غيرهما ممن يهمه الأمر.

كما أنه يجب إخبار المسجونين بجواز الاتصال بأسرهم وأصدقائهم بمراسلة أو زيارة أو نحو ذلك..

وإذا جاء إنسان إلي السجين فلا يحق لإدارة السجن الإنصات إليهما أو جعل حاجز من زجاج أو ما أشبه فاصلا بينهما، من غير فرق بين أن يكون المسجون من أهل البلد أو من غير أهل البلد.

كما أنه إذا أراد الاتصال بمحام أو جمعية خيرية أو هيئة أو ما أشبه يجب تلبية طلبه، نعم إذا كان المسجون خطراً وذلك حسب تشخيص الحاكم الشرعي وحكمه كتابة،

كان لإدارة السجن تحديده في بعض الاتصالات بالقدر الذي قرره الحاكم في كتابة رسمية.

المكتبة العامة ومتابعة الأنباء

الثاني والعشرون: يسمح للسجناء بالإطلاع علي الأنباء بمختلف وسائلها.. كالصحف والمجلات والإذاعة والتلفاز والنشرات والفيديوهات وما أشبه.

كما انه يلزم إيجاد مكتبة حافلة لجميع السجناء رجالاً ونساءً وأطفالاً بحيث تكون مزودة بكل ما يحتاجونه من الكتب.

وإذا احتاج المسجون إلي كتاب آخر ليس في المكتبة يلزم علي إدارة السجن تحصيل الكتاب له سواء بماله إن كان له مال أو بمال إدارة السجن.

الشعائر الدينية

الثالث والعشرون: يلزم السماح لكل مسجون بممارسة شعائره الدينية من صلاة وصيام وما أشبه، وهكذا أن يكون عنده القرآن الكريم والكتب الدينية ككتب الأدعية والزيارات وما أشبه.

كما أنه إذا أراد السجين ممثلاً دينياً وعالم دين يسأله ويرجع إليه يلزم تلبية حاجته.

ويسمح للمسجونين بالقيام بصلاة الجماعة سواء أمَّ بعضهم بعضا أو جاء الإمام من الخارج، وفي أيام شهر رمضان يحضر لهم الطعام فطوراً وسحوراً بالنسبة إلي الصائمين، وفي أيام الحج يلزم السماح للمستطيع منهم بالحج مع أخذ كفالة أو ما أشبه لرجوعه إلي السجن، كما يلزم السماح له بوفاء نذره من زيارة بعض المراقد المقدسة مع أخذ الكفيل أو ما أشبه ذلك، وكذلك إذا كان نذره الاعتكاف، وإذا أراد مكاناً انفرادياً لنفسه لمطالعة أو حفظ أو عبادة أو ما أشبه وجب توفيره له.

وهكذا في غير المسلم إذا كانت له شعائر خاصة فيلزم التوفير له بأداء شعائره أيضاً.

مشاركة الأعياد وما أشبه

الرابع والعشرون: يسمح للسجين الخروج لحضور الأعياد الدينية وسائر المراسيم المهمة كيوم وفاة الرسول الاعظم (صلوات الله عليه وآله)، وسائر المعصومين (عليهم الصلاة والسلام).

كما يسمح له بحضور زيارة مرضاه وتشييع جنائزهم وحضور أعراسهم ونحو ذلك مع الكفيل أو نحوه.

فعن الجعفريات بسنده إلي جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام): (أن عليا عليه السلام كان يخرج أهل السجون من الحبس في دين أو تهمة إلي الجمعة فيشهدونها ويضمنهم الأولياء حتي يردونهم).

وعن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (علي الإمام أن يخرج المحبوسين في الدين يوم الجمعة إلي الجمعة ويوم العيد إلي العيد، فيرسل معهم فإذا قضوا الصلاة والعيد ردهم إلي السجن) إلي غيرهما من الروايات.

اختيار مكان السجن

الخامس والعشرون: للسجين أن يطلب نقل سجنه من مكان إلي مكان آخر، إذا لم يكن محذور للحاكم في ذلك، مثلاً: إن كان سجين في بغداد فمن حقه أن يطلب نقله إلي البصرة أو بالعكس، فإن (كلّي) السجن من حق الحاكم لا (خصوصياته).

بل احتملنا في (الفقه) صحة السجون الأقساطية، والسجون في بيت أو نحوه إذا أراد السجين ذلك ولو في دار نفسه، إذا لم يكن فيه تكليف زائد علي الدولة، أو كان السجين بنفسه يتحمل التكاليف الزائدة، هذا مع ضمان بقائه بحيث لا يمكن هروبه، كما إذا وعد بأن لا يهرب والحاكم يعلم أن كلامه صحيح، إلي غير ذلك.

حفظ ما يملكه السجين

السادس والعشرون: يلزم حفظ ما هو ملك السجين من نقوده وملابسه وساعته والأشياء الثمينة وغيرها، وإثباتها في قائمة يوقّع عليها توقيعاً رسمياً ويرجعها له عند الخروج، واستلام وصل منه.

الملابس الخاصة

السابع والعشرون: ليس من حق إدارة السجن الضغط علي السجين بأن يلبس ملابس خاصة وإنما هو حسب اختياره.

ما يرسل للسجين

الثامن والعشرون: ما يرسل للسجين من الخارج فهو علي الأصل من الإباحة، إلا إذا كان في ذلك محذور، كما إذا كانت هناك مواد مخدرة أو أدوية مضرة فلإدارة السجن المنع عنها، إلا إذا كانت من الضروريات للسجين حسب رأي الطبيب الأخصائي.

خبر الاعتقال وما أشبه

التاسع والعشرون: يلزم إخبار أُسرة السجين بحبسه ابتداءً، كما انه يلزم إخبارهم بمرض السجين أو موته أو نقله إلي سجن آخر أو ما أشبه ذلك.

كما يلزم إخبار السجين نفسه بموت أحد أقربائه أو مرضه، وقد تقدم انه يلزم الإذن للسجين بزيارة المريض وتشييع القريب إلي غير ذلك مما سبق.

وإذا أُريد نقله إلي مكان آخر يجب أن يكون النقل بواسطة مريحة، والمصارف علي نفسه إن أراد هو النقل وكان قادراً علي المصارف وإلا فعلي إدارة السجن.

موظفو السجن

الثلاثون: يلزم أن يكون موظفو السجن علي مستوي ثقافي واجتماعي لائق، ولهم أبدان سليمة وأذهان صحيحة، وأن يجتازوا تدريباً عاماً وتخصصاً قبل توظيفهم، وأن يحافظوا علي هذا المستوي بل يعملوا علي رفعه أثناء الخدمة، وان يمرنوا حتي يكونوا قدوة حسنة للمسجونين في سلوكهم، وأن يكونوا ذوي كفاءة وإنسانية وأخلاق.

كما أنه يلزم توعية السجانين والرأي العام بمهمة السجون والاهتمام بها، فتستخدم الوسائل المناسبة لذلك.

ويلزم أن يكون موظفو السجون متفرغين، وأن يتمتعوا بحقوق موظفي الدولة المدنيين، وتكون رواتبهم كافية نظراً لعملهم الشاق، بل فوق الكفاية حتي يسبب ذلك الرفاه لهم مما ينعكس علي أخلاقهم، كما يلزم أن يعطوا مكافئات نقدية وغير نقدية علي حسن خدمتهم، ومن تلك المكافئات السماح لهم بالغياب وما أشبه بما لايسمح لسائر الموظفين فإن عملهم الشاق يقتضي كل ذلك.

انضمام الأخصائيين

الواحد والثلاثون: يلزم أن ينضم إلي مدير السجن وسائر الموظفين أخصائيون بعلم النفس وعلم الاجتماع، وهكذا الخبراء في الصناعة والطب وما أشبه، وذلك بصورة مستمرة حتي يمكن تربية السجين وتعليمه والارتفاع بمستواه مما يجعله في المستقبل عضوا صالحاً في المجتمع.

واللازم أن يكون هناك مع المساجين طبيب علي صورة الخفر دائماً وذلك للطوارئ المحتملة.

سجن الرجال والنساء

الثاني والثلاثون: يلزم أن يكون مدير وموظف السجن للرجال رجالاً وللنساء نساءً، فلا يستخدم موظفات لإدارة سجون الرجال ولا موظفين لإدارة سجون النساء، كما يلزم أن يكون الرجال متزوجين والنساء متزوجات.

وإذا أراد كل واحد منهم الاجتماع مع عائلته في مكان من نفس ردهات السجن الخارجية يلزم توفير ذلك لهم.

وفي سجن الأحداث لا يختلط البنون والبنات، فإن ذلك ينتهي الي المفسدة، بل اللازم أن يكون للبنين سجن خاص وللبنات سجن خاص.

لو جن السجين

الثالث والثلاثون: لو جُن السجين يجب نقله للعلاج، فإن لم يمكن علاجه نقل الي دار المجانين أو ما أشبه.

كما انه إذا خيف عليه من الجنون أو الأمراض المستعصية يجب إعفاؤه من السجن.

لا للعنف

الرابع والثلاثون: يمنع كافة الموظفين المتواجدين في المؤسسات السجنية من استعمال القوة إلا في حالة الدفاع عن النفس، أو محاولة هرب السجين، أو محاولته أذية الغير، وإذا اضطروا لاستعمال القوة فبالقدر الضروري مع تبليغ الحادث لمدير المؤسسة فوراً.

كما يلزم تدريب موظفي السجن تدريباً بدنياً خاصاً لمقاومة السجناء المعتدين، ولا يجوز للموظف حمل السلاح إلا بإجازة خطية خاصة، بشرط أن يكون أيضاً مدرباً علي استعماله وضابطاً للنفس مما يؤمن من استعماله اعتباطا.

بناية السجن

الخامس والثلاثون: يلزم أن تكون بناية السجن الداخلية بناية محكمة غير قابلة للتخريب حتي لا يتمكن بعض السجناء من تخريب البناية من الداخل، كما يلزم أن لا تكون داخل السجن آلات يمكن التخريب بها، أو يمكن جرح بعضهم بعضا، أو جرح بعضهم لنفسه، أو شنق نفسه بسبب حبل أو ما أشبه.

معالجة السجين

السادس والثلاثون: يلزم علي إدارة السجن ومن فوقهم باعتبار ان السجين جزء من المجتمع وليس بمنبوذ منه معالجة السجين بالمعالجات التربوية والأخلاقية وفقا للعلاج الفردي والاجتماعي لكل سجين.

السجين بعد خروجه

السابع والثلاثون: يجب تجنيد المجتمع لتأهيل السجين اجتماعياً بعد خروجه، وأن يعهد لباحثين اجتماعيين بمهمة المحافظة علي صلات السجين بأُسرته أو بالهيئات التي تعمل علي إفادته باتخاذ الخطوات اللازمة لحماية حقوق السجين المدنية وحقوقه في الضمان الاجتماعي في حدود الشريعة المقدسة.

لجنة حقوق السجين

الثامن والثلاثون: كما أنه من المحبذ أن يكون هناك جماعات معترف بها من قبل الدولة لمتابعة حقوق السجناء وزيارتهم والترفيه عنهم وإصلاحهم لينتقلوا إلي المجتمع وهم أفراد صالحون.

من واجبات القاضي

التاسع والثلاثون: وبذلك يظهر أن واجب القاضي الذي يحكم بالسجن لا ينتهي بالحكم، بل يجب عليه متابعة أحوال السجناء بواسطة معاونيه أو بهيئات حكومية، لتأهيل المسجون اجتماعيا، ممن يكونون مرافقين له بين فترة وأخري بدون تحامل عليه أو إعادة تفكيره بذنبه، وإنما لتنظيف نفسه وتزكية روحه، ويخلق في السجناء الرغبة في أن يعيشوا في ظل القانون ويعولوا أنفسهم، وأن ينمّي فيهم الشعور بالمسؤولية واحترام النفس والمجتمع.

العمل داخل السجن

الأربعون: يلزم علي إدارة السجون إعداد ما يلزم السجين للعمل وفق استعداده الجسمي والعقلي، وتوفير العمل الكافي له مما يستوعب نشاطه، ويكون مساعداً لنفسه وعائلته في كسب أرزاقهم بطرق شريفة، ويوفر لهم التدريب المهني للقابلين، خصوصا صغار السن، علي أن يختاروا بأنفسهم نوع العمل لا أن يكون الأمر بالإكراه، ويكون العمل علي وفق عمل مثله في الخارج حتي يعد المسجون إعداداً مُرضياً للحياة الطبيعية، ومن اللازم تقديم مصلحة المسجونين علي ربح المؤسسة من صناعة ما.

الدراسة داخل السجن

الواحد والأربعون: يلزم إعداد الدراسة ومقوماتها بالنسبة إلي الدارسين والأميين والصغار وما أشبه حتي لا تضيع أوقاتهم بدون دراسة لمن يرغب فيها.

قانون العمل

الثاني والأربعون: يلزم تحديد ساعات العمل للعمال يومياً وأسبوعياً وشهرياً بنفس قانون العرف المحلي للعمال غير المسجونين، وتخصيص يوم للراحة أسبوعياً ووقت كاف للنشاطات الأخري التي يزاولها السجناء.

فرصة الأعياد داخل السجن

الثالث والأربعون: كما يجب أن يعطوا فرصة الأعياد وهم داخل السجون حتي يعيّدوا أنفسهم، فهم جزء من المجتمع في أفراحهم وأتراحهم.

المكافأة العادلة

الرابع والأربعون: إذا عمل السجين أعمالاً يدوية أو علمية كالتدريس أو ما أشبه، يكافأ مكافأة عادلة وفق النظام في الخارج، ويسمح له بإنفاق شيء من مكسبه علي حاجاته غير الممنوعة، وإرسال جزء لعائلته، وكما تحتفظ المؤسسة بجزء من مكاسبه له إذا أراد ذلك يتسلمها عند الخروج، سواء عندها أو عند مصرف من المصارف.

مستقبل السجين

الخامس والأربعون: يلزم علي إدارة السجن والهيئات المرتبطة بالسجين كالقاضي وغيره التفكير بمستقبل السجين والعناية بذلك منذ بدء سجنه، ويلزم عليهم تشجيع السجين حتي يكون علي اتصال بالهيئات المفيدة له ولأسرته وبتأهيله اجتماعيا.

لا يسجن المجنون

السادس والأربعون: يمنع سجن المجنون الاطباقي وهو الذي تلازمه حالة الجنون باستمرار ولا تنفك عنه وتطبق عليه إطباقاً بكل أقسامه حتي المعتوه وما أشبه.

أما المجنون أدواراً وهو الذي تنتابه حالة الجنون بين فترة وأخري، وفي غيرها يكون طبيعياً فإنه يجوز سجنه في حال دور إفاقته.

من لا تكليف عليه

السابع والأربعون: كما يمنع سجن من ارتكب الجريمة وهو مرفوع عنه التكليف: كالمكره، والمضطر، والملجأ ونحوهم..

إذا مات السجين

الثامن والأربعون: إذا مات السجين بسبب انهدام السجن عليه أو بسبب طغيان الماء أو الكهرباء أو بسبب سيل أو زلزال أو بركان أو ما أشبه ذلك، مما كانت إدارة السجن علي ظن بوقوعها أو ما أشبه، كانت ديته علي إدارة السجن، كما أن الأمر كذلك فيما إذا نقص عضو منه أو ذهبت قوة من قواه كما لو أنه عمي مثلاً.

أما في حالة الموت الطبيعي فليس علي إدارة السجن شيء.

ولا يخفي أن تحمل الإدارة دية من ذكرناه إنما هو فيما ينطبق علي الموازين المذكورة..

قال الشيخ الطوسي (قدس سره) في الخلاف: (إذا أخذ صغيراً فحبسه ظلماً فوقع عليه حائط أو قتله سبع أو لسعته حية أو عقرب فمات، كان عليه ضمانه، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: لاضمان عليه، دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضاً طريق الاحتياط تقتضيه، وأما إذا مات حتف أنفه فلا ضمان عليه بلا خلاف).

وقال العلامة الحلي (قدس سره) في القواعد: (لو حبسه ومنعه الطعام والشراب مدة لا يحتمل في مثله البقاء فيها، فمات، أو أعقبه مرض مات به، أو ضعف قوة حتي تلف بسببه، فهو عمد، ويختلف ذلك باختلاف الناس وقواهم واختلاف الأحوال والأزمان، فالريان في البرد يصبر ما لا يصبر العطشان في الحر، وبارد المزاج يصبر علي الجوع أكثر من حاره، ولو حبس الجائع حتي مات جوعاً، فإن علم جوعه لزمه القصاص كما لو ضرب مريضاً ضرباً يقتل المريض دون الصحيح، وإن جهله ففي القصاص إشكال، فإن نفيناه ففي إيجاب كل الدية أو نصفها إحالة للهلاك علي الجوعين إشكال).

أقسام السجن

أقسام السجن

التاسع والأربعون: كل أقسام السجن علي وتيرة واحدة من الأحكام التي ذكرناها، فإن السجن في الإسلام علي ثلاثة أقسام:

الأول: «السجن الاحتياطي» وهو يتخذ من

قبل الحاكم حول المتهم حتي يظهر براءته أو تجريمه كما ورد من أن رسول الله صلي الله عليه و اله كان يسجن في الدم بستة أيام.

وورد أن علياً (عليه الصلاة والسلام) حبس متهماً بالقتل حتي نظر في أمر المتهمين معه.

ولا يخص هذا الشيء الاتهام في القتل بل يسري في غيره حسب الملاك، فقد روي أن عليا (عليه الصلاة والسلام) قضي في الدين أنه يحبس صاحبه فإن تبين إفلاسه والحاجة فيخلي سبيله حتي يستفيد مالاً).

الثاني: «السجن الحقوقي» وهو الحبس من أجل ذهابه بحقوق الناس، وهو قسم من الجريمة أيضا، فقد روي أن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) كان يحبس ثلاثة: الغاصب ورجلاً أكل مال اليتيم ومن أُوتمن علي أمانة فذهب بها.

الثالث: «السجن الجنائي» وهو السجن الذي يسجن به الجناة وقد ذكرنا جملة من أمثلته في كتاب الحدود مثل ما روي أن علياً (عليه الصلاة والسلام) قضي في أربعة تباعجوا بالسكاكين وهم سكاري فسجنهم حتي يفيقوا، فمات منهم اثنان وبقي الاثنان فقضي بالدية علي الأربعة وأخذ جراحة الباقيين من دية المقتولين.

وإنما قلنا بأن السجن لكل هؤلاء علي قرار واحد، لأن الأدلة العامة تجري في كل أقسام هؤلاء المساجين.

من آداب القاضي الجديد

الخمسون: وفي خاتمة هذا المبحث نذكر أنه من آداب القاضي الجديد أن ينظر في حال المسجونين بأمر القاضي السابق، وذلك لأن لا يبقي في السجن شخص بريء أو من انتهي سجنه.

ففي المبسوط للشيخ الطوسي (قدس سره) قال: إذا جلس القاضي للقضاء فأول شيء ينظر فيه حال المسجونين في سجن معزول، لأن السجن عذاب فيخلعهم منه ولأنه قد يكون منهم من تمّ عليه الحبس بغير حق.

وفي شرائع الإسلام للمحقق الحلي (قدس سره): (ثم يسأل عن أهل السجون، ويثبت أسماءهم، وينادي

في البلد بذلك ليحضر الخصوم، ويجعل لذلك وقتاً، فإذا اجتمعوا أخرج اسم واحد واحد ويسأله عن موجب حبسه، وعَرَض قوله علي خصمه، فان ثبت لحبسه موجب أعاده، وإلا أشاع حاله بحيث إن لم يظهر له خصم أطلقه، وكذا لو أحضر محبوساً فقال: لا خصم لي، فإنه ينادي في البلد فإن لم يظهر له خصم أطلقه وقيل: يحلّفه مع ذلك).

وكذا ذكر غيرهما من الفقهاء..

وهكذا الأمر عند علماء السنة: فقد قال أبو إسحاق الشيرازي وهو من أعاظم فقهاء السنة: (ويستحب أن يبدأ القاضي في نظرة المسجونين لأن الحبس عقوبة وعذاب وربما كان فيهم من تجب تخليته).

الاصل حرية الانسان

ثم أن الأصل في الإنسان الحرية، فلا يجوز حبس المتهم قبل الإدانة إطلاقاً إلا إذا كان الضرر المحتمل أهم من ضرر الحبس، حيث يجوز الحبس بجهة الأهم والمهم من باب الضرورة ومن المعلوم أن الضرورات تقدر بقدرها..

كما انه يجوز الحبس لحفظ المجرم من أيدي الغوغاء بنفس هذا الدليل، فإذا كان إضطراراً لحفظ المجرم عن الغوغاء بأن لم يمكن حفظه إلا بذلك جاز الحبس من باب الأهم والمهم أيضاً، وبقدر الضرورة، نحو ما تقدم، ويدل علي المستثني والمستثني منه بالإضافة إلي ما ذكرناه من القواعد الأولية بعض الروايات:

فعن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ان النبي صلي الله عليه و اله كان يحبس في تهمة الدم ستة أيام، فإذا جاء أولياء المقتول ببينة وإلا خلي سبيله).

وعن دعائم الإسلام عن علي عليه السلام انه قال: (لا حبس في تهمة إلا في دم، والحبس بعد معرفة الحق ظلم).

وفي كتاب الغارات عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال: (إني لا آخذ علي التهمة، ولا أعاقب علي الظن، ولا أقاتل إلا من خالفني وناصبني

وأظهر لي العداوة).

وفيه أيضاً في قصة خروج الخريت بن راشد من بني ناحية علي أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) واعتراض عبد الله بن قعين عليه بعدم استيثاقه، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين فلم لا تأخذ الآن فتستوثق منه، فقال عليه السلام: إنا لو فعلنا هذا لكل من نتهمه من الناس ملأنا السجون منهم، ولا أراني يسعني الوثوب علي الناس والحبس لهم وعقوبتهم حتي يظهروا لنا الخلاف.

لكن مقتضي كون الأمر ضرورة انه إن تمكن من الاستيثاق بغير ذلك مثل أخذ الكفيل أو تجميد رصيده في البنك بقدر دين المدعي أو ما أشبه ذلك حتي إذا أثبت جعله للمدعي كان مقدماً علي الحبس، لكن مع ذلك قال في الشرائع: إذا اتهم والتمس الولي حبسه حتي يحضر البينة ففي اجابته تردد، ومستند الجواز ما رواه المسكوني، وفي السكوني ضعف.

وفي الجواهر بعد تلك العبارة قال: يمنع عن العمل به فيما خالف أصل البراءة وغيره، إذ هو تعجيل عقوبة، لامقتضي له، ولذا كان خيرة الحلي والفخر وجده وغيرهم علي ما حكي العدم.

وفي المختلف: التحقيق أن نقول إن حصلت التهمة للحاكم بسبب لزوم الحبس ستة أيام عملاً بالرواية وتحفظا للنفوس عن الأتلاف، وان حصلت لغيره فلا، عملاً بالأصل.

وحيث ذكرنا في كتابي الحقوق والواجبات والمحرمات وغيرهما جملة من موارد السجن في الإسلام لا داعي إلي تكراره.

ثم أن الحبس باستثناء بعض الموارد الشاذة المقررة في الإسلام يجب أن يتجنب مهما وجد السبيل إلي ذلك لما فيه من الأضرار الكثيرة:

الأول: الأضرار الاقتصادية، حيث أن السجين يتوقف عن العمل غالباً ويحمل خزانة الدولة نفقاته، وهي خزانة الأمة، كما أن إدارة السجن تحمل الأمة نفقاتها، فدينار يوقف من جهة توقف كسبه ودينار يصرف عليه ودينار يصرف

علي إدارة سجنه وهو ضرر ثلاثة أضعاف مرة.

الثاني: الأضرار الثقافية، حيث انه يمنع عن الثقافة التي كان يحصلها حال انطلاقه عادة .

الثالث: الأضرار السياسية، حيث لا يتمكن أن يشرك في النمو السياسي لنفسه أو لغيره عادة .

الرابع: الأضرار الاجتماعية، حيث تبقي عائلته مشردة عادة وذلك يوجب أضراراً اجتماعية كثيرة.

الخامس: الضرار الأخلاقية لنفسه حيث يتعقد هو عادة، وذلك يعطي مردوده في السجن وخارجه.

السادس: الأضرار الأخلاقية لعائلته، حيث في بعض الأحيان يوجب السجن انزلاق زوجته أو أولاده في أوحال الرذيلة بسبب عدم المعيل المراقب لهم.

السابع: الأضرار العمرانية، فيما إذا سجن بناء أو مهندس أما أشبه ذلك.

الثامن: الأضرار الصحية، فيما إذا سجن طبيب أو نحوه.

التاسع: الأضرار العدوانية، فإن السجين المجرم يعلم سائر السجناء كيفية الجريمة، كما انه إذا خرج السجين وقد تعلم الجريمة يفشيها في المجتمع.

العاشر: الأضرار الأخر، مثل: تحطم المسؤولية لدي السجين، حيث أن الإنسان غالباً يأخذه الحياء في أن يرتكب الموبقات، فإذا سجن علم أن الناس رأوه مجرماً، وبذلك يقل حيائه، ولا يري نفسه مسؤولاً، إلي غيرها.

ثم إنا ذكرنا في كتاب الحدود مسألة تأخير الحد والشفاعة فيه والكفالة وما أشبه ذلك مما لا داعي إلا تكرارها..

كما أن اللازم فيمن يحد أو يحبس أن لا يهتك هو وعائلته أكثر من القدر المقرر في الشريعة الإسلامية، إذ لا يجوز إهانة المسلم، أو إذلاله، أو تخويفه، أو إراقة ماء وجهه أو ما أشبه، خرج منه ما دلت الشريعة عليه، فلا وجه للزائد بعد الأصل المذكور، مثلاً امرأة زنت وثبت زناها بالإقرار أو البينة حسب الشروط الشرعية، فإذا صرح بأنها من عائلة فلان عند إجراء الحد عليها سبب ذلك خفتهم وإسقاط كرامتهم في المجتمع، فانه لا يجوز ذلك، وهكذا بالنسبة

إلي سائر الجرائم.

ومنه يظهر وجه التحريم في المقابلة الإذاعية أو التلفزيونية أو النشر في الصحف أو ما أشبه خصوصاً إذا أُخذ الإقرار ونحوه بالإكراه، فانه محرم مكرر.

فعن علي أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام): (من كشف حجاب أخيه انكشفت عورات بيته).

وعن عبد الله بن سنان قال: قلت له: (عورة المؤمن علي المؤمن حرام، قال: نعم، قلت: تعني سفليه، قال: ليس حيث تذهب، إنما هو إذاعة سره). وقد بينا وجه النفي والإثبات في هذا الحديث في كتاب الآداب والسنن.

وعن علي (عليه الصلاة والسلام) أيضاً: (شر الناس من لا يعفو عن الزلة ولا يستر العورة).

وعن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: (لا تتبعوا عثرات المسلمين فإنه من تتبع عثرات المسلمين تتبع الله عثراته، ومن تتبع الله عثراته يفضحه).

وفي رواية أخري عنه صلي الله عليه و اله (قال الله عزوجل: قد نابذني من أذل عبدي المؤمن).

بل من الأفضل بالنسبة إلي نفس المجرم، ومن رأي الجريمة، الستر إلا إذا كانت هنالك جهة أهم، ففي خبر أبي العباس، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (أتي النبي صلي الله عليه و اله رجل فقال إني زنيت إلي أن قال ثم قال صلي الله عليه و اله: لو استتر ثم تاب كان خيراً له).

وفي حديث الأصبغ بن نباته قال: (أتي رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني، فأعرض أمير المؤمنين (عليه السلام) عنه بوجهه، ثم قال له: اجلس، فأقبل علي (عليه السلام) علي القوم فقال: أيعجز أحدكم إذا قارف هذه السيئة أن يستر علي نفسه كما ستر الله عليه، فقام الرجل فقال: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني، فقال: وما دعاك إلي ما قلت، قال:

طلب الطهارة، قال: وأي طهارة أفضل من التوبة، ثم أقبل علي أصحابه يُحدثهم، فقام الرجل فقال: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني، فقال: أتقرأ شيئاً من القرآن، قال: نعم، قال: إقرأ، فقرأ فأصاب، فقال له: أتعرف ما يلزمك من حقوق الله في صلاتك وزكاتك، فقال: نعم فسأله، فأصاب، فقال له: هل بك من مرض يعروك أو تجد وجعاً في رأسك أو بدنك أو غماً في صدرك، قال: يا أمير المؤمنين لا، فقال: ويحك اذهب حتي نسأل عنك في السر كما سألناك في العلانية، فإن لم تعد إلينا لم نطلبك).

وفي رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الزاني الذي أقرّ أربع مرات انه قال لقنبر: (احتفظ به، ثم غضب وقال: ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه علي رؤوس الملأ، أفلا تاب في بيته، فوالله لتوبته فيما بينه وبين الله أفضل من إقامتي عليه الحد).

إلي غير ذلك من الروايات.

عدم ممارسة التعذيب

ان أي تعذيب مهما كان لونه ومهما قيل في مبرره، ممنوع ومحرم قطعاً، لم ينزل الله به من سلطان، فعلي الممارسين للحركة أن يتجنبوه مهما كلف الأمر، سواء في داخل الحركة أو خارجها، وسواء قبل وصولهم إلي الحكم أو بعد وصولهم اليه، وسواء بالنسبة إلا الأصدقاء أو الأعداء..

فإن من يهين كرامة الإنسان لا يتمكن أن يدافع عن كرامة الإنسان ومن يمارس التعذيب ولو لمرة واحدة ويقول إني أريد إيصال الإنسان إلي الكرامة لايكون كلامه إلا هراءً وسخفاً، فإنه لا يصل إلي الهدف أولاً، ويحاكم محاكمة المجرمين في المحاكم الإلهية ثانياً، وتهدر كرامته في المجتمع الذي يطلع علي ممارسته ثالثاً..

وهناك قسم من أصحاب القدرات يتصورون أنهم لو مارسوا التعذيب لا تصل أنباؤه إلي

المجتمع، ناسين قوله تعالي: ?وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلي عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون?.

التعذيب ظاهرة غير إسلامية

التعذيب ظاهرة غير إسلامية

لا شك انه من الممكن أن يستظهر الإنسان الحق الذي يريد بعض استظهاره لا بسبب التعذيب ويتوصل إلي الواقع، بواسطة الأدلة والشواهد وتكثير الأسئلة والأجوبة أو ما أشبه ذلك من القضايا المعروفة في قضاء أمير المؤمنين عليه السلام.

فلا يقال: إنه اذا لم يمارس التعذيب في حق المجرمين فسوف لايعترفون بالواقع، وبالتالي يبقي بعض الحق خافياً، كما هو منطق الدكتاتوريين.

فإنه يقال: أولاً: بقاء بعض الحق خافياً أفضل من إهانة الحق بالتعذيب.وثانياً: في التعذيب أيضاً يبقي ذلك، فبعض المعذبين يعترفون علي أنفسهم زوراً وكذباً للتخلص من آلام التعذيب وهو أيضاً تغطية للحق.

أساليب الكشف المشروعة

وبهذه المناسبة نلمح إلي بعض القضايا التي اتفقت وأمكن القضاة ومن إليهم من استظهار الحق فيها بدون تعذيب، مع أنها كانت قضايا معقدة وأحياناً في غاية التعقيد.

فمثلاً اتفق في بعض البلاد في زماننا أنه وجد إنسان مقتول علي قارعة الطريق ولم يعلم قاتله، لكن الخبير تمكن من الاطلاع علي القاتل بسبب النظر إلي عيني القتيل حيث أن مرآة العين تحتفظ بآخر صورة من الصور التي انتقشت فيها.

والتوصل إلي الواقع عبر هذه الأساليب وإن كان محتاجاً إلي الأجهزة والخبروية إلا أن ذلك متيسر في العالم الحاضر، بينما قد اتفق لحاكم في زماننا محاولة اغتياله حسب زعمه فأخذ يزج علي أثرها مجموعات كبيرة من الناس إلي السجن، حتي قال بعض الإحصاءات بأنه سجن ما يقارب المائتي ألف شخص، وأذاقهم أشد أنواع العذاب والتنكيل.

طريقة التحليل النفسي

وفي قضية ثانية اتفقت لحجة الإسلام السيد محمد باقر الشفتي الأصفهاني (رحمة الله عليه) حيث عثروا علي قتيل في الشارع أيام كان يحكم أصفهان، وكلما أراد سماحته الإطلاع علي قاتله لم يتمكن وأخيراً استعان بطبيب نفسي خبير، ففحص الجثة كاملاً ثم أمر بإحضار جميع القصابين، فلما حضروا أوقفهم صفاً واحداً بحيث يكون قفاهم إلي مجلس حجة الإسلام الشفتي ووجوههم إلي الطرف الآخر، وبعد لأي من الزمن قال الخبير لأولئك القصابين: اذهبوا حيث شئتم، فلما تحركوا للذهاب صاح فيهم وقال: أنت أيها القاتل إلي أين؟ وإذا بأحدهم يلتفت إلي الخلف فجأة من دون اختيار، فأمر الخبير بإلقاء القبض عليه ولما حقق عن الأمر تبين أنه القاتل، فقيل للخبير من أين عرفت ذلك؟ قال: إني لما فحصت الجثة رأيت آثار مسح السكين علي ملابس المقتول، وهذا لا يكون إلاّ من عادة القصابين حيث ينظفون سكين الذبح

علي جلد الخروف ومن حيث أن المجرم يعرف نفسه، ونفسه أيضاً تعترف بالجريمة وان أضمرها صاحبها، وأصر عليها لتنكره وتغطّي عليه، لكنها تفلت أحياناً عن الاحتفاظ بإنكار الجريمة إذا فوجئت بالإستجواب.وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: (ما نوي امرؤ شيئاً إلاّ وظهر في صفحات وجهه وفلتات لسانه).

قاعدة الدوران والترديد

وينقل عن سماحته أيضاً: انه جاءته امرأة وقالت: سيدنا إن أحد الأعيان اغتصب البستان المجاور لبستانه وحيث أن له المال والقدرة أشهد جماعة كبيرة من الناس علي أن البستان له في غياب مني والآن بعد اطلاعي علي ذلك، ليس لي علي الظاهر مستمسك يقاوم ادعاءه ويثبت حقي، فهل تتمكن من إنقاذ حقي؟

وهنا لما علم سماحته صدقها في قولها طلب ذلك الشخص وقال له أن هذه المرأة تدعي أن البستان لها فما تقول؟ فأنكر الرجل وأخرج الأوراق والأسناد التي تؤيد أن البستان له وقد شهد في الأوراق جماعة كبيرة من الشهود من مختلف الطبقات الذين تمكن الرجل من إرشائهم أو إغفالهم.

فقال حجة الإسلام: لا بأس، وتركه وهلة من الزمن ليستريح.ثم توجه إليه وقال له: بكم اشتريت هذا البستان؟ قال الرجل: لم اشتره، ثم تركه.. وبعد مدة سأله قائلاً: من وهب لك هذا البستان؟ قال الرجل: لم يهبه لي أحد، فتركه..

وبعد فترة قال له: هل ورثته من أبيك أو أحد المورثين لك؟ قال الرجل: لا لم يكن لي إرثاً.

وهكذا أخذ حجة الإسلام يسأل الرجل في فترات متقطعة عن كيفية تحصيله للبستان والرجل يجيبه في كل منها بلا التفات منه إلي نتيجة أجوبته بالنفي، حيث دل مجموع الأسئلة وأجوبة الرجل، علي نفي الملك عنه، آنذاك التفت إليه حجة الإسلام قائلاً: إنك قد نفيت عن نفسك كل أنواع الملك للبستان فمن أين

صار هذا البستان ملكا لك؟

وهنا لما رأي الرجل أنه سقط في يده، لم يحر جواباً وأخذ يتلجلج مما ظهر للجميع تزويره للأسناد والأوراق.

فأخذ حجة الإسلام الأوراق المزورة وأمر بإحراقها في المجلس، ثم حكم بالبستان للمرأة إلا أن يثبت غيرها أن البستان له.

بين اللف والدوران

ينقل في أحوال أحد القضاة أن إنساناً جاء إليه وقال له: كان لي شراكة مع صديق في مال فدفنا المال معاً تحت شجرة خارج المدينة، وبعد مدة احتجت إليه فذهبنا معاً لنأخذ المال فلم نعثر عليه فظننت ظناً قوياً بأن الصديق نفسه هو الذي ذهب وأخذ المال لأن غيرنا لايعلم بذلك إطلاقاً.

فقال له القاضي: ألك شاهد أو دليل علي ذلك؟

قال: كلا سوي أنه ليس أحد غيرنا يعلم بالمكان.

فطلب القاضي صديقه وسأله عن المال والشجرة، فأنكر علمه بشيء من ذلك.

فقال له القاضي: لا بأس، اجلس هنيئة فجلس.

ثم توجه القاضي إلي الشاكي وقال: اذهب إلي الشجرة التي دفنت المال تحتها وانظر ماذا تري فأخبرني به.

قال الرجل: وما فائدة ذهابي إلي الشجرة؟

قال: لعل الله سبحانه وتعالي يقذف في قلب من أخذ المال، فيرجعه إلي مكانه، أو تجده هناك والمال معه فتأخذه منه.

فلم يقتنع الرجل لذلك لكنه ذهب إطاعة لأمر القاضي.

وبعد فترة من ذهاب الشاكي توجه القاضي إلي هذا المجلس وقال له: أظن أن صديقك قد أبطأ؟

قال الرجل: لا، لم يبطئ.

قال القاضي: ولماذا؟

قال: لأن الشجرة بعيدة عن المدينة بمقدار تستدعي هذا البطء.

فتوجه إليه القاضي وقال: الآن اعترفت علي نفسك قم وائت بالمال، وإلا فما علمك بالشجرة المعينة، فلم ير الرجل بدا من الاذعان وتسليم المال، فقد اعترف علي نفسه من حيث لا يعلم.

ولما رجع الشاكي سلمه القاضي المال وقال له: إنما أمرتك بالذهاب إلي الشجرة حتي أفتح

طريق الإستجواب مع هذا الرجل وأستخلص منه الإعتراف، وكان كما أردت، فخذ المال وانصرف غانماً.

بين السبر والتقسيم

ينقل أن شخصاً جاء إلي عضد الدولة البويهي واشتكي له قائلاً: دفنت مالاً تحت شجرة خارج المدينة بغداد ولم يكن هناك أحد يراني فلما رجعت بعد مدة وحفرت الموضع لأستخرج المال لم أجد شيئاً.

فقال له عضد الدولة: هل تعرف نوعية تلك الشجرة؟

قال، نعم.

قال: وما كان نوعيتها؟

قال: شجرة الخروع.

عند ذلك طلب عضد الدولة أطباء بغداد، فلما حضروا سألهم قائلاً: أيكم وصف لمراجعيه من المرضي في هذه الفترة من الزمان جذور الخروع؟

قال أحدهم: أنا.

قال: أتعرف المريض الذي وصفت له هذا الدواء؟

قال الطبيب: نعم إنه أحد وزرائك فلان.

فأحضر عضد الدولة ذلك الوزير وقال له: هل عالجك هذا الطبيب بجذور الخروع؟

قال الوزير: نعم؟

قال: ومن أين حصلت عليها؟

قال: أرسلت أحد غلماني فجاءني بها.

قال: أحضر ذلك الغلام.

فأحضر الوزير غلامه، وعندما حضر توجه إليه عضد الدولة وقال: هل أنت جئت بجذور الخروع للوزير؟

قال الغلام: نعم.

قال: من أين جئت بها؟

قال: من شجرة في البرية.

قال: في أي موضع كانت الشجرة؟

قال: في موضع كذا خارج مدينة بغداد.

وهنا تطابقت المواصفات، واعترف الغلام علي نفسه من دون أن يشعر، بأنه اعترف ضمناً بأخذه المال المدفون هناك.

عندها قال له عضد الدولة: عليك أن تأتي بمال هذا الرجل فإنه ليس هناك أحد غيرك أخذ المال المدفون تحت الشجرة.

فلما رأي الغلام انه اعترف من حيث لا يعلم، لم ير بداً من الاقرار وإحضار المال بكامله، سوي مبلغ ضئيلٍ كان قد صرفه، عفا عنه صاحبه.

وهكذا تمكن عضد الدولة أن يستخرج خفايا تلك القضية الغامضة بهذا الأسلوب الذكي.

نباهة وذكاء

ينقل في قصة أخري عن عضد الدولة البويهي: انه جاء إليه تاجر قال له شاكياً: إني أردت الذهاب إلي الحج وكانت عندي دنانير ذهبية زائدة تبلغ ألف دينار، فأودعتها عند أحد التجار وذهبت إلي

الحج فلما رجعت من الحج، ذهبت إليه وطالبته بالوديعة، فأنكرها عليّ.

قال له عضد الدولة: ما عليك إلا أن تذهب إلي محل التاجر في الغد وتجلس أمام محله بحيث يراك، وإني سوف أجعل عبوري غداً من ذلك الطريق، ولما أراك اقبل عليك وأرحب بك وأطلب منك أن تصحبني وتنزل في ضيافتي، وكلما ظهرت لك شوقي ودعوتك إلي داري فأظهر أنت الامتناع وتسويف الزيارة إلي موعد آخر.

فذهب التاجر في الغد وجلس أمام محل ذلك التاجر فأنكر عليه التاجر جلوسه هناك فلم يعبأ به، وفي الأثناء وإذا بعضد الدولة يمر بموكبه الملكي من ذلك الشارع، ولما بصر بالشخص الجالس هناك توجه إليه ونزل عن فرسه احتراماً له، ورحّب به، وسلم عليه واعتنقه وهو يقول له: في أي وقت جئت إلي بغداد؟

قال الرجل: منذ أيام.

قال عضد الدولة: لماذا لم تنزل بنا؟

قال: لأعمال شغلتني عن ذلك.

فاخذ عضد الدولة يلح عليه بأن ينزل ضيفاً عنده والرجل يأبي من ذلك حسب الاتفاق المسبق بينهما .

وأخيراً قال له عضد الدولة: هل لك حاجة؟

قال الرجل: كلا، غير سلامتكم.

فودعه عضد الدولة وذهب.

ولما رأي التاجر هذا المنظر، ارتجف خوفاً، واصفرّ لونه، وأقبل بعد ذهاب عضد الدولة نحو الرجل مسرعاً وقال له: يا أخي ما هي علامة وديعتك فلعلي نسيتها؟.

فبين له الرجل علامة وديعته وأعلمه بمقدارها فذهب التاجر، وجاء بعد لأي من الزمن بالوديعة كاملة.

وهكذا تمكن عضد الدولة من أن يستخرج مال الرجل بهذه الصورة.

إلي غيرها من القصص الكثيرة المذكورة في الكتب المعنية بهذا الشأن مما لسنا بصددها وإنما كان القصد الإلماع إلي ذلك.

وقد ذكرنا في كتاب (الحدود) وكتاب (القضاء) حرمة التعذيب وعدم وجوده في نظام الإسلام إطلاقاً، وقد أشرنا إلي شيء من ذلك في بعض القصص

السابقة عن الرسول صلي الله عليه و اله.

ولا يتصور الإنسان أنه يتمكن أن يبني كشفه للحقائق علي التعذيب ثم يتمكن من الإقلاع عنه لمّا استتب له الأمر، فإن أمثال هذه الأمور حالها حال الشجرة كلما تقدم بها الزمان أخذت في النمو أكثر فأكثر.

لا.. للسجون والمعتقلات

وكما يلزم علي ممارسي التغيير عدم ممارسة التعذيب إطلاقاً علي ما ذكرناه، كذلك يلزم عليهم تقليص السجون والسجناء، إلي أقل قدر اضطراري، فانه بالإضافة إلي انه كبت حريات الناس محرم قطعي في الشريعة الإسلامية، فإن السجن من أبرز مصاديق كبت الحريات..

ولا يمكن أن يكون من يدعو إلي الإسلام يخالف الإسلام في حكم مهم من أحكامه، بالإضافة إلي ذلك كله فإن للسجن أضراراً كثيرة لا يجبرها شيء، ولا ينبغي للعاقل أن يلجأ إليه إلا في قصوي حالات الضرورة من جهة الأهم والمهم والضرورات تقدر بقدرها، فلا بد من ملاحظة ما يلي:

1. الكم: أي عدد الأيام.

2. السبب: أي أسباب السجن.

3. الكيف: أي شدة السجن وخفته.

4. الاستمرار: أي اتصال مدة السجن وتقطعه.

وقد قسمت بعض القوانين العالمية السجن إلي (المغلق) و(النصف المغلق) و (المنفتح).

ففي الأول: يبقي السجين طول المدة المحكوم فيها في السجن.

وفي الثاني: يقسط السجن شهراً مثلاً علي عشرة أشهر كل شهر ثلاثة أيام فلا يكون للمدة اتصال.

وفي الثالث: يذهب السجين وقت المنام إلي السجن أما في النهار فيذهب إلي مزاولة أعماله.

الذي يسجن في الإسلام

الذي يسجن في الإسلام

وقد أحصينا في بعض مباحث (الفقه) عدد الذين يسجنون في الإسلام، فلم يتجاوزوا عشرين شخصاً وكلهم قد أجرموا واقعياً لاجرماً قانونياً، حيث أن تسعين في المائة أو أكثر من هذه النسبة من هؤلاء السجناء في عالمنا الحاضر إنما يسجنون بحجة مخالفتهم للقوانين التي وضعها إما شخص المستبد، أو مجلس وزرائه، أو مجلس ثورته، أو علي أحسن الفروض مجلس الأمة فيما لو كانت الانتخابات حرة مما ليس لها وجود في العالم الإسلامي في الحال الحاضر .

السجن في عهد الإمام عليه السلام

وقد نقل كتاب الغارات عن أبي إسحاق بن مهران قال: رأيت عليا عليه السلام أسس مسجد الكوفة إلي قريب من طاق الزياتين قدر شبر شبر قال: ورأيت المحبس وهو (خص) وكان الناس يفرجونه ويخرجون منه، فبناه علي عليه السلام بالجص والآجر، قال فسمعته وهو يقول:

إلا تراني كيساً مكيسا بنيت بعد نافع مخيسا

باباً حصيناً وأميناً كيساً

فإن الإمام عليه السلام كان سجنه عبارة عن الجريد وما أشبه ذلك ولكن السجناء حيث كانوا يفرون من هذا السجن بإفراج القصب والجريد اضطر عليه السلام إلي أن يجدد بناءه ويجعل له باباً حصيناً، واميناً كيساً، حتي لا يفر المعتقلون منه وينالون جزاءهم العادل.

اضرار السجن

اضرار السجن

أما أضرار السجن فأقسام: سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وثقافية، وصحية، وغيرها.

الأضرار السياسية

أما الأضرار السياسية فكثيرة، منها:

تعقيد نفسية السجين وتنشيط نقمته علي الدولة والشعب.

أما علي الدولة فلأنه يعدّها ظالمة غاشمة تستحق الإبادة والزوال، ومن هذا المنطلق يعمل للتنقيص منها وإزالتها وتخريب ما يرتبط بها.

وأما علي الشعب فلأن الإنسان المعقد يكره الناس جميعاً حيث يراهم قاصرين أو مقصرين في حقه، فإنه قل ما يعترف مجرم حقيقي بجرمه ويري نفسه مقصراً ومجرماً، فكيف بالمجرم القانوني؟، حتي أن السارق في كثير من الأحيان يري انه قد اضطر إلي السرقة لعدم توفر المال له مثلاً، بينما يري الأغنياء يسرقون أموال الفقراء تحت مظلة القوانين المزيفة.

متي تنفذ العقوبات؟

ولذا نري أن الإسلام أجاز تنفيذ العقاب بعد تحقيق سلامة الاجتماع كما يستظهر ذلك من الآيات والروايات، فقد قال سبحانه: ?والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد?.

وقال تعالي: ?ويقولون متي هذا الفتح إن كنتم صادقين قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون?.

وقال سبحانه: ?ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها?.

وورد: (أن الحكم والحدود لإمام المسلمين) ومعني ذلك: انه في ظرف وزمان وجود إمام المسلمين تجري الأحكام، ومعني وجود إمام المسلمين كونه مبسوط اليد بقيام حكم الإسلام، ومن الواضح أن حكم الإسلام إنما يقوم إذا توفرت الحريات للناس وتمكن كل إنسان أن ينال من العلم والمال والجاه حسب كفاءته ومؤهلاته وذلك يوجب تمكنه من المكسب والمسكن والمنكح والي غيرها من شؤون حياة الإنسان المناسبة لكرامته..

فإذا لم يكن الجو إسلامياً، لم يتمكن الإنسان من المال الذي يدير أمور معاشه، فكيف تقطع يده لسرقة؟.

كما أنه لم يتمكن من المال الذي يوفر له الزواج، فكيف يجلد؟

وإذا كانت الخمور والفجور تملأ البلاد طولاً وعرضاً فكيف يجري الحد

علي متعاطيها؟ إلي غير ذلك.

وإذا أقر الرجل بالسرقة مرة، أخذ منه المال ولم يقطع يده إلي غير ذلك.

ولذا ورد في الحديث: (الإسلام يجبّ عما قبله) و (الإيمان يجبّ عما قبله) وكذا (وصول العادل إلي الحكم يجبّ عما قبله) كما دل عليه حديث الإمام الرضا عليه السلام وهذا بحث فقهي خارج عن مهمة الكتاب.

هذا بالإضافة إلي (رفع الإكراه) وقد ذكرنا في بعض كتب الفقه أنه شامل للإكراه الأجوائي كشموله للإكراه الفردي و(رفع الإضطرار) و(ما لا يعلمون) و(ما لا يطيقون) والمراد بما لا يطيقون العرفي كما قرر في محله، كما (أن الحدود تدرأ بالشبهات) والشبهة من قبل الحاكم موضوعاً وحكماً أو الشبهة من قبل المحكوم موضوعاً وحكماً، إلي غير ذلك.

ومنها أن السجناء كثيراً ما ينظّم بعضهم بعضاً للفساد، أو لسياسة منحرفة أو ما أشبه ذلك، وكذا يعلّم بعضهم بعضاً طرق الحيل والمكر والخداع وما أشبه، لأن المجرمين تبعاً للفراغ الموجود في السجن ينقل كل واحد منهم للآخر ما عمله في حياته من إجرام وجنايات، كما هو المشاهد في غالب سجون العالم، وذلك بدوره يؤدي إلي الأضرار السياسية.

الأضرار الاجتماعية

وأما الأضرار الاجتماعية، فكثيرة أيضاً، منها:

أولاً: السجين يتصور سقوطه في المجتمع ويري أن المجتمع قد نبذه وطرده، وبذلك يحاول أن يكون ضد المجتمع في كل تصرفاته وأعماله، فينقلب عن كونه عضواً صالحاً إلي عضو فاسد.

ثانياً: يتشتت أهل السجين وذووه من زوجة وأولاد وعائلة في المجتمع، لفقدهم من يلم شعثهم ويجمع شملهم فيسقطون عن كونهم أعضاء صالحين للمجتمع.

ثالثاً: يحتمل وقوع كلا الجانبين في الفساد الجنسي، أما السجين نفسه فلأنه بشر يحتاج إلي إشباع الغريزة فيمارس ألوان الشذوذ والانحراف، وأما أهل السجين وذووه فلفقدهم من يعولهم ويعتني بتربيتهم ويهتم بمراقبة أعمالهم، فيقعون

في الفساد أما لتأمين حياتهم أو لإشباع رغباتهم الجنسية.

الأضرار الاقتصادية

وأما الضرار الاقتصادية فهي تنشأ من كون السجين لا يتمكن من التكسب وتمشية أموره، فإذا فرضنا أن عائلة مكونة من خمسة أشخاص يحتاجون في كل يوم لامرار معاشهم إلي خمسة دنانير فإذا سجن من يعولهم ويكدّ لهم، فكيف يتمكنون من تحصيل هذا المال؟ وطبيعي أنهم يقعون بذلك في الضرر الاقتصادي والفقر وفي كل ما يسببه الفقر من المشاكل.

وقد ورد في الحديث الشريف: (الفقر سواد الوجه في الدارين) وقال أبو ذر (رحمه الله): (عجبت للفقراء كيف لا يخرجون علي الأغنياء بسيوفهم؟).

الأضرار الثقافية

وأما الأضرار الثقافية فهي تنتج من انقطاع السجين عن المدرسة وما اشبه، حيث لا يتمكن من مواصلة الدراسة والحصول علي الشهادة فيسبب ذلك تأخره في المجتمع، ومعلوم أن تأخره يؤثر في تأخر المجتمع من الناحية الثقافية، وحيث يري أن زملاؤه قد تقدموا وتفوقوا عليه يتعقد نفسياً ضد المجتمع وينقم عليهم ويخطط للإنتقام منهم، فيضر المجتمع ضررين: أولاً ضرر الثقافة، وثانياً ضرر تفشي الجهالة والرذيلة.

الأضرار الصحية

وأما الأضرار الصحية فهي تتولد من تراكم أفكار السجين وكثرة حزنه وهمه وتعقده، فإنها تسبب أمراضاً جسدية وأمراضاً روحية، وقد ثبت علمياً أن كل واحد من الروح والجسد يؤثر علي الآخر، فالمهموم روحياً يمرض جسدياً، والمريض جسدياً يكتئب روحياً ويتعقد نفسياً.

هذا بالإضافة إلي ما يذهب هدراً من أوقات ذوي السجناء في لقاءاتهم مع سجنائهم، ومقدماتها، مما كان يمكنهم صرفها في أمور تعود عليهم وعلي مجتمعهم بالخير والتقدم.

والي ما يسببه السجين من مضادة ذوي السجين للدولة والمجتمع بسبب نقل السجين كآبته وأحزانه وهمومه وأفكاره إلي ذويه عند الالتقاء به.

والي ما يكون من نشوب المشاكل والمخاصمات في داخل السجن للسجناء أنفسهم فإنهم ليأسهم عن الحياة وتأثرهم بضيق السجن يكثرون من المنازعات والمشاجرات مما يفسد الأخلاق ويربيهم علي الخشونة والغلظة.

والي تسرب المواد المخدرة إلي السجناء في أكثر الأحيان، وأضرارها المتعددة والمخطورة غير خفية.

والي تسرب القمار إليهم فإنهم لعدم الاشتغال بما يقضي عليهم الوقت يتعاطون القمار لسد الفراغ وتفويت الوقت، ومفاسد القمار كثيرة.

والي أن السجن لما كان غالباً من نصيب الشباب بنان وبنين، لأنهم المسرعين عادة إلي كل دعوة وانحراف، يتربي الجيل المستقبلي منحرفاً، كما وينعكس انحرافهم علي الاجتماع نفسه بعد خروجهم من السجن.

والي تضييع وقت جهاز الدولة في إدارة السجن والسجناء.

والي تضخيم جهاز الدولة

وتضخم الجهاز ضرر مزدوج علي ما ذكرناه في كتبنا السياسية والاقتصادية .

والي إضاعة أموال الأمة التي تصرف لأجل إدارة السجن والسجناء.

والي انه لما كان غالب من يدخل السجن وهو من الطبقة الفقيرة حيث أن الأغنياء أولاً: يتوفر لهم ما يريدون من المال والثروة، والبضاعة والخدمات فلا يرتكبون بعض أنواع الانحراف كالسرقة مثلاً التي توجب دخلوهم السجن بخلاف الفقراء، وثانياً: إذا ارتكبوا الإنحراف كانت أموالهم حائلة دون سجنهم بالرشوة والتحايل علي القانون وغير ذلك فإن السجن يكون ظلماً إضافياً علي الفقير حيث سبب له المجتمع أولاً: فقره، وثانياً: سجنه.

إلي غير ذلك من المفاسد الكثيرة للسجن، مما يحتاج تفصيلها إلي مجلد مستقل ولسنا نحن الآن بصدد ذلك في هذا الكتاب.

ولذا فاللازم أن يلاحظ كل ذلك في جانب ويقاس إلي فائدة السجن في جانب آخر ويؤخذ بالثاني بقدر أقصي مراتب الضرورة.

فضح التعذيب والحرمان والتجزُّؤ

وأخيراً نقول: إن من اللازم فضح:

1: التعذيب في السجون.

2: الحرمان الذي تعاني منه الأمة، في مختلف الأصعدة.

3: وتجزؤ بلاد الإسلام بسبب الحواجز النفسية والحواجز الجغرافية، كل ذلك بسبب عشرات الملايين من الكتب، وبمختلف وسائل الإعلام الممكنة.

1 فإن التعذيب في السجون، وقد شاع في سجون العالم الإسلامي، سواء في بلد يسمي بالإسلامي أو في غيره، جريمة شنعاء يندي لها جبين الإنسانية.

بالإضافة إلي أن التعذيب يسبب تثبيط عزائم الجماهير، وتحركهم لإسقاط الدكتاتور، فإن السجن قد لايكون له من الأهمية في لا وعي الإنسان، مثل ما للتعذيب من الأهمية، فإن الإنسان كثيراً ما لا يهتم بالسجن بل ولا بالإعدام بمثل ما يخاف من التعذيب النفسي والجسدي.

وقد استغلت الحكومات الاستعمارية، أمثال بريطانيا وأمريكا وفرنسا وروسيا والصين، وما يدور في فلكهم من العملاء، هذا التخوف للإبقاء علي سلطانهم في بلاد الإسلام، فإذا

تمكن المسلمون من فضحهم، نجم عن ذلك تمهد السبيل لإنقاذ المسلمين، إن عبدالناصر لما سقط، قام المسلمون في مصر بحملة متوسطة في فضحه بما كان يقترفه من التعذيب في سجونه، مما أثر في سقوط القومية في مصر، بل سقوط القومية العربية في كافة البلاد، فصارت كالأموية التي أسقطها المسلمون منذ ثلاثة عشر قرناً فلم تقم لهم قائمة.

وهكذا يلزم إسقاط السلاح الشائن من يد الدكتاتوريين في كل البلاد الإسلامية.

ومصر بعدها وإن كانت تستعمل التعذيب، لكن بنسبة أقل، بعد تلك الفضيحة التي مُني بها عبد الناصر.

2 أما الحرمان، فالعالم الإسلامي كله، حتي البلاد التي يتفجر في أراضيها النفط كشلال السيول، تعاني من اشد أنواع الحرمان والتأخر الزراعي والصناعي والثقافي و …، وحتي أن أكثرية الشباب لا يجدون إلي الزواج سبيلاً لفقرهم، بينما يمشون علي أرض الذهب، وتتدفق أموالهم إلي خزائن الغرب والشرق.

إن هذا الحرمان بحاجة إلي الفضح، حتي يسبب ذلك تحرك الأمة لأجل الإنقاذ، ومن الطبيعي أن حكام هذه البلاد يمارسون سياسة التجهيل للأمة، حتي ترضي بما تحصل من كسرة خبز العيش، فإذا وعت الأمة إمكانياتها الكبيرة جداً، لا بد وان تتحرك لأجل إنقاذ حقها، وهي خطورة في طريق تشكيل حكومة ألف مليون مسلم التي توفر للأمة الرفاه والتقدم والرخاء بإذن الله.

وهذا الفضح أيضاً بحاجة إلي عشرات الملايين من الكتب في مختلف المستويات واللغات.

3 وأخيراً يأتي فضح الدور الذي قام به المستعمرون وعملائهم، لتجزئة البلاد الإسلامية جغرافياً، وفضح السدود والحواجز التي خلقوها بين أنفس المسلمين حتي صار مسلم كل قطر ينظر إلي مسلم القطر الآخر بنظر انه أجنبي، بما تبع هذين العملين (تجزئة البلاد والحواجز) من تضعيف المسلمين وتشتيتهم والسيطرة عليهم.

فاللازم فضح الاستعمار وقوانينه أولاً، وفضح التجزئة

والحواجز النفسية ثانياً.

فهل من الأخوة الإسلامية أن يري العربي أخاه العجمي، والتركي أخاه الهندي، والإندونيسي أخاه الفليبني، وهكذا … أجنبياً؟.

أو هل من الأخوة الإسلامية أن يرفع الأخ في وجه أخيه الحواجز ويصطنع أمامه المشكلات إذا أراد السفر إلي قطر إسلامي؟ وهكذا في سائر الشؤون المنافية للأمة الواحدة.

وهذا آخر ما أردنا بيانه في هذا الكتاب والله الموفق المستعان.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

- قاعدة: فقهية مشهورة، راجع (موسوعة الفقه) كتاب القواعد الفقهية.

- أي غير مسجون.

- قاعدة فقهية صدرها رواية، انظر غوالي اللئالي: ج1 ص222 الفصل التاسع ونهج الحق: ص494 الفصل السابع، وراجع ايضا الفقه (القواعد الفقهية) قاعدة التسلط ص135.

- الجعفريات: ص108 باب حبس الزوج.

- راجع فقه الرضا: ص248 باب الإيذاء واللعان، فيمن آلي زوجته وأبي أن يرجع إليها فقال: (قيل له طلق فإن فعل وإلا حبس في حظيرة من قصب وشدد عليه =في المأكل والمشرب حتي يطلق). وكذا غوالي اللئالي: ج3 ص395 باب المواريث، وفيه: (والمرأة إذا ارتدت استتيبت فإن تابت ورجعت وإلا خلدت السجن وضيق عليها). وفي مستدرك الوسائل: ج6 ب17 ص27 ح6354: (إن علياً t كان يخرج الفساق إلي الجمعة وكان يأمر بالتضييق عليهم).

- قرب الإسناد: ص67.

- نهج البلاغة: الخطبة 149 الفقرة 4.

- سورة النور: 22.

- الكافي: ج6 ص133 ح13.

- الفقه: ج3 ص524 ح4824 ب2.

- الكافي: ج5 ص510 ح3 وفيه: عن علي t (فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة).

- الجعفريات: ص44 باب إخراج أهل السجون.

- من لا يحضره الفقيه: ج3 ص31 ح3265 ب2.

- راجع وسائل الشيعة: ج7 الباب 21، وكذا مستدرك الوسائل: ج6 الباب 17.

- راجع الكافي:

ج7 ص370 ح5 (وفيه: عن أبي عبد الله t قال إن النبي p كان يحبس في تهمة الدم ستة أيام فإن جاء أولياء المقتول ببينة وإلا خلي سبيله).

- تهذيب الأحكام: ج6 ب22 ص232 ح19.

- تهذيب الأحكام: ج6 ب22 ص299 ح43، وفيه: عن أبي جعفر t قال: (كان علي t لا يحبس في السجن إلاّ ثلاثة: الغاصب، ومن أكل مال يتيم ظلماً، ومن ائتمن علي أمانة فذهب بها وإن وجد له شيئاً باعه غائباً كان أو شاهداً).

- موسوعة الفقه: ج87 و88، كتاب الحدود والتعزيرات.

- تهذيب الأحكام: ج10 ب4 ص240 ح5، وفيه: عن أبي عبد الله t قال كان قوم يشربون فيسكرون فيتباعجون بسكاكين كانت معهم فرفعوا إلي أمير المؤمنين t فسجنهم فمات منهم رجلان وبقي رجلان، فقال أهل المقتولين يا أمير المؤمنين أفدهما بصاحبينا، فقال علي t للقوم: ما ترون، قالوا: نري أن تقيدهما، قال علي t: فلعل ذينك الذين ماتا قتل كل واحد منهما صاحبه، قالوا: لا ندري، فقال علي t: بل أجعل دية المقتولين علي قبائل الأربعة وآخذ دية جراحه الباقين من دية المقتولين، وذكر إسماعيل بن الحجاج بن ارطأة عن سماك بن حرب عن عبد الله بن أبي الجعد قال كنت أنا رابعهم فقضي عليt هذه القضية فينا.

- المبسوط في فقه الإمامية (للشيخ محمد بن الحسن الطوسي): ج8 ص91 كتاب آداب القاضي، وفيه: (فإذا جلس للقضاء فأول شيء ينظر فيه حال المحبسين في حبس المعزول لأن الحبس عذاب فيخلصهم منه، ولأنه قد يكون منهم من تمّ عليه الحبس بغير حق).

- شرائع الإسلام: ج2 ص320 كتاب القضاء في آداب القاضي.

- قال القاضي عبد العزيز ابن البراج الطرابلسي (400-481ه) في كتاب المهذب: باب آداب القضاء:

فإذا جلس للحكم كان أول ما ينظر فيه حال المحبوسين لأن الحبس عذاب فيخلصهم منه ولأنه قد يكون فيهم من تم عليه الحبس بغير حق).

وقال عماد الدين بن حمزة الطوسي في كتابه الوسيلة إلي نيل الفضيلة، فصل في بيان صفة القاضي وأدب الفضاء: (ثم يأخذ ديوان الحكم من الحاكم وينظر في حال المحبوسين مع خصومهم فإن حبسوا بحق تركهم وإن حبسوا بباطل ردّ إلي الحق).

وقال المحقق الحلي (602 – 676ه) في المختصر النافع النظر الثاني في الآداب (وأن يأخذ ما في يد المعزول من حجج وودائعهم، والسؤال عن أهل السجون وإثبات أسمائهم والبحث عن موج اعتقالهم ليطلق من يجب إطلاقه).

وقال العلامة الحلي (647 – 726ه) في قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام: كتاب القضاء والشهادات، المقصد الثاني في كيفية الحكم (الآداب): (ثم ينظر أول جلوسه في المحبوسين فيطلق كل من حبس بظلم أو تعزير، ومن اعترف أنه حبس بحق أقره، ومن قال: أنا مظلوم لأني معسر فإن صدقه غريمه أطلقه إلي أن قال ولو قال: لا خصم لي ولا أدري لم حبست؟ نودي علي= =طلب خصمه فإن لم يحضر أطلق، وإن ذكر غائباً وزعم أنه مظلوم ففي إطلاقه

أقربه أنه لا يحبس ولا يطلق ولكن يراقب إلي أن يحضر خصمه ويكتب إليه ليعجّل فإن لم يحضر أطلق).

وقال السيد محمد جواد الحسيني العاملي في مفتاح الكرامة: ج10 ص26 وفيه: (ينظر أول جلوسه في المحبوسين فينادي مناديه في البلد إلي ثلاثة أيام: ألا إن القاضي ينظر إلي أمر المحبوسين فمن كان له علي المحبوس حق فلينظره، وإنما يبتدئ بهم أولاً لان الحبس عذاب فيخلصهم ويجوز أن يكون فيهم المظلوم).

- اخذنا هذا الملحق من موسوعة الفقه: ج101 ص 197،

للإمام المؤلف (دام ظله).

- الكافي: ج7 ص370 ح5.

- دعائم الإسلام: ج2 ص539 كتاب آداب القضاة.

- الغارات: ص251.

- الغارات: ص223 خبر بني ناجية.

- راجع موسوعة الفقه: ج87 و88 كتاب الحدود والتعزيرات.

- كشف الغمة: ج2 ص157. وفي وصية جعفر الصادق (عليه السلام) لولده موسي (عليه السلام): (من كشف حجاب غيره انكشفت عورات نفسه) وفي مجموعة ورام: ج2 ص39: (من هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته). وكذلك في تحف العقول: ص88، ص93. وفي بحار الأنوار: ج72 ب79 ص321 ح50 عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (من هتك حجاب أخيه انهتكت عورات بيته)

- الكافي: ج2 ص358 ح2.

- راجع موسوعة الفقه: ج94-97.

- غرر الحكم ودرر الكلم: ص245 ح5016 الفصل الثاني.

- الكافي: ج2 ص355 ح4.

- الكافي: ج2 ص351 ح6.

- التهذيب: ج10 ص8 ب4 ح22.

- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص31 ب2 ح5017.

- الكافي: ج7 ص188 ح3.

- اخذنا هذا الملحق من كتاب (ممارسة التغيير لانقاذ المسلمين) للإمام المؤلف (دام ظله).

- سورة التوبة: 105.

- وقد الف العديد من العلماء كتبا خاصة في قضاء أمير المؤمنين (ع) أو افردوا له بابا مستقلا في كتبهم، مثل: بحار الأنوار للعلامة المجلسي، معادن الجواهر، لابن أبي الحديد المعتزلي، ومدينة المعاجز، للبحراني. واول من كتب في هذا الباب هو عبيد الله بن أبي رافع كاتب أمير المؤمنين ? مدة خلافته كلها، وهو أول من صنف في المغازي والسير، توفي بعد المائة الاولي الهجرية وعنوان كتابه (قضايا أمير المؤمنين). ومنها: كتاب قضاء امير المؤمنين، للشيخ محمد تقي كاظم التستري (1321-1410ه) الطبعة الأولي 1369ه. ومنها: كتاب القضايا العجيبة، لابن أبي الحديد المعتزلي.

راجع الذريعة الي تصانيف الشيعة: ج17 ص153.

- انظر نهج البلاغة، قصار الحكم: 526.

- انظر موسوعة الفقه: ج87 و88 كتاب الحدود

والتعزيرات.

- انظر موسوعة الفقه: ج84 و85 كتاب القضاء.

- انظر موسوعة الفقه: ج100 ص 348، للإمام المؤلف (دام ظله).

- الغارات: ص79.

- سورة الشوري: 16.

- سورة السجدة: 28 29.

- سورة الأعراف: 85.

- انظر وسائل الشيعة: ج18 ب13 ص7.

- بحار الأنوار: ج40 ص235، وكنز العرفان: ج1 ص166.

- هذا مضمون حديث استبصار المخالف (منه دام ظله).

- الخصال: ص417 ب التسعة ح9. وفي الوسائل ج11 ص295 ب56 ح1 عن أبي عبد الله ? قال: قال رسول الله (ص): (رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا اليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة).

- المستدرك: ج3 ص219 ب21 ح4.

- أي من الأضرار السياسية للسجن.

- بحار الأنوار: ج69 ص30.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.