كلمات حول نهضة المسلمين

اشارة

اسم الكتاب: كلمات حول نهضة المسلمين

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1422 ق

الطبعة: دوم

الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

سورة البقرة 156

كان هذا الكتاب ماثلاً للطبع، إذ تلقينا ببالغ الحزن والأسي نبأ ارتحال المرجع الديني الأعلي الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، حيث فجع العالم الإسلامي والحوزات العلمية بفقده، وهو في عز عطائه..

لا صوت الناعي بفقدك إنه يوم علي آل الرسول عظيم

بسم الله الرحمن الرحيم

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ

تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ

وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ

وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ

صدق الله العلي العظيم

سورة آل عمران: الآية 110

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

من السمات الأساسية التي تميزت بها الرسالة الإسلامية هي عالميتها وشموليتها، فقد قال تعالي ? وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لايعلمون ?()، كما ورد عنه (ص) قوله: «أعطيت خمساً لم يعطهن نبي كان قبلي: أرسلت إلي الابيض والأسود والأحمر و … » () ورسالة بهذه الصفة لابد وأن تحمل معها مقومات انتشارها وديمومتها وهي كذلك، فقد استطاع النبي الكريم محمد (ص) خلال فترة وجيزة من بسط نفوذ الرحمة الإسلامية في ربوع الجزيرة العربية ومن ثم البلاد المجاورة.

وتعتبر هذه الفترة قياسية بالنسبة إلي النتائج العظيمة، والمكاسب الجلية التي حققها الرسول العظيم (ص) فيها، وقد أستمر المسلمون علي هذا المنوال من نشر مبادئ الإسلام العالمية حتي استطاعوا من إيصال صوت الإسلام إلي شرق الأرض وغربها.

وأما بالنسبة إلي الأمم الأخري فقد تقبلوا الإسلام ودخلوا فيه طواعية وبرحابة صدر، تاركين ما كانوا عليه وراء ظهورهم لما وجدوا في الدين الإسلامي من العدل والرحمة، وما يتماشي مع الفطرة الإنسانية، قال الله تعالي: ?فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت

الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ?()، بالإضافة إلي سمو أخلاق المسلمين الأوائل الذين حملوا أعباء نشر الرسالة الإسلامية.

ولكن المتتبع لأحوال المسلمين في يومنا هذا يجد أنهم أصبحوا متخلفين عن ركب الحضارة، فبالرغم من اتساع رقعة البلاد الإسلامية والعدد الهائل للمسلمين الذين بلغوا ملياري نسمة، تري الجهل والتخلف ضارباً بجرانه فيهم، وقد تحكّم برقابهم أعداء الإسلام والمسلمين، وسيطر علي كل بلادهم واقعاً وعلي بعض بلادهم ظاهراً، من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله، فأصبحوا نهباً لغيرهم ولقمة سائغة يزدردها الظالمون، وطمع فيهم من لاعهد له بالطمع فيهم.

ولو أردنا أن نستقصي الأسباب التي أدت إلي هذه الحالة، حيث أصبح الأسياد عبيداً والعبيد سادة، فعلينا أولاً أن لاننسي السنن الكونية التي جعلها الله عزوجل نافذة في سير الأمور والتقدم، قال تعالي: ? إن الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءً فلا مرد له ومالهم من دون الله من وال? () فالأمم تتبع في سيرها التكاملي قانون النمو لدي الإنسان، فتراها تشيخ وتهرم كما يشيخ ويهرم الإنسان، ولكي تحافظ علي نظارتها عليها أن تعمل بقواعد السلامة الكونية..

والأمة الإسلامية حالها كحال بقية الأمم التي قصها الله علينا في القرآن الكريم كي نعتبر بها، فلا نخطئ كما أخطاؤوا من قبل فينالنا ما نالهم من بلاء وعذاب.

نعم إن السبب الأصلي لما حدث اليوم هو عدم العمل بالقوانين الإسلامية مثل: الأخوة الإسلامية، الأمة الواحدة، الشوري، الحرية، التعددية وغيرها.

وهذه كلها قد تكلم عنها الإمام الراحل آية الله العظمي الشيرازي (قدس سره) في هذا الكتاب، وأوضحها بأسلوب واضح بسيط يفهمه كل واحد من دون

لبس أو غبش، مبيناً سر عظمة الإسلام والأمة الإسلامية.

إن الإمام الراحل (قدس سره) في كتابه هذا (كلمات حول نهضة المسلمين) قد شخص الداء وأبان الدواء ووضع النقاط علي الحروف، فالأمة الإسلامية إذا أرادت أن تعيد عزها من جديد عليها أن تعمل بالقوانين التي أمرها الله تعالي بها من دون محاباة أو مداهنة، فمازال الخير فيها كما قال رسول الله (ص): «لاتزال أمتي بخير ماتحابوا وتهادوا وأدوا الأمانة واجتنبوا الحرام ووقروا الضيف وأقاموا الصلاة وآتو الزكاة، فإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين» ().

وها نحن نأمل بطبع هذا الكتاب أن نساهم في نشر الوعي الإسلامي بين صفوف الأمة كي تستعيد سالف عزها وكرامتها، والحمد لله أولاً وآخراً.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص.ب: 5951 / 13

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

أما بعد: فهذه كلمات حول نهضة المسلمين، كتبتها لينفع الله بها المسلمين، سائلاً من الله عزوجل أن يوفق الأمة لنهضة مباركة تستعيد بها عزها وكرامتها، ولا يكون ذلك إلا بالعمل بالقوانين الإسلامية التي بينها القرآن الحكيم وطبقها رسول الله (ص) والإمام أمير المؤمنين(ع) في حكومتيهما الإسلامية، وما ذلك علي الله بعزيز.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

1 عدم الوعي: مشكلة الشعوب

إن الانقلابات العسكرية التي رأيناها وعاصرنا أحداثها منذ نصف قرن تقريباً لم تكن حتي واحدة منها نابعة من ذات البلاد، بل كانت انقلابات شرقية أو غربية أو مزدوجة، وكلها أتت بالأسوأ مما قبل الانقلاب، حيث إن الاستعمار أحكم عبرها قبضته علي البلاد أكثر فأكثر..

والانقلاب العسكري مهما برر له أصحابه الذين جاؤوا إلي الحكم عبر الدبابات فإنه يحدث علي الأمة بدون رضاها واستشارتها.. بينما الحكم عقلاً وشرعاً يجب أن يكون مستنداً إلي اختيار الأمة، وهذا طبعاً في غير الأنبياء والأئمة(ع)، حيث إن هناك اختيار الله تعالي، وليس للإنسان الخيرة إذا قضي الله أمراً()، قال تعالي: ?وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً?().

وقال تعالي: ?وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالي عما يشركون?().

وقال تعالي: ?فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً?().

ثم انه كيف تعترف الدول بالحاكم الجديد؟

أليس ذلك لأن الغرب والشرق قسموا العالم، فإذا حدث انقلاب من أحدهما، تحت قناع الجيش وما أشبه اعترفوا به، لأنه يدور في فلكهم، ونصبوه ليحمي مصالحهم؟.

وهل يقر الشرق والغرب بأن ينصب إنسان

معلماً في مدرسة ليدرس أربعين طفلاً، بدون سوابق واختبارات وما أشبه؟

فإن قالوا: نعم، أجيب: بأن قوانين التعليم في كل العالم لا تسمح بذلك.

وإن قالوا: لا، يقال: كيف لا يسمح ذلك لمعلم أربعين طفلاً؟ ويسمح ذلك لحاكم علي عشرات الملايين أحياناً ؟

أليس ذلك دليلاً علي المؤامرة العالمية من قبل المستعمرين، ومن في فلكهما ضد شعوب العالم الثالث؟.

والمشكلة كلها لم تنشأ من الخارج، وإنما من داخل بلاد العالم الثالث (والتي منها العالم الإسلامي) وهي عدم الوعي، فلماذا يسلّم ملايين الناس أنفسهم لحفنة عسكريين، لا يتجاوزون أحياناً بضعة مئات، بل أقل؟

ولماذا لا يتساءل العالم نفسه: لماذا لا يحدث انقلاب عسكري في أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا أو ما أشبه؟! بل وحتي في إسرائيل ذات الملايين القليلة؟!

هل لأن هناك لا أطماع لأعدائهم؟!

أو لأنه لا مغامرين يحبون الحكم؟!

أو أنه لوعي تلك الأمم ضد هذه الانقلابات، حتي إذا غامرت جماعة واستندت إلي مؤامرة أعدائهم، رفضتها شعوبهم، وقدموا الانقلابيين إلي المحاكم، ليحكم عليهم بمثل ما يحكم علي قطاع الطرق والمجرمين؟

وستبقي هذه المشكلة، مشكلة الاستعمار المستغل، ومشكلة المغامرين المتآمرين مع الاستعمار في العالم الثالث، وستدوم إلي أن يحصل الوعي لشعوب هذا العالم، وآنذاك سوف يكون الحكم فيه تبعاً للانتخابات الحرة، وفي إطار الشروط المقبولة للحاكم (والتي منها استجماعه لشرائط الإسلام في العالم الإسلامي).

وقد عبر عن الوعي والعلم في بعض الروايات بالعقل أو الفهم مقابل الجهل، قال رسول الله (ص): «ما قسم الله للعباد شيئاً أفضل من العقل، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل، ولا بعث الله نبياً ولا رسولاً حتي يستكمل العقل، ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمته، وما يضمر النبي (ص) في نفسه أفضل من

اجتهاد المجتهدين، وما أدي العبد فرائض الله حتي عقل عنه، ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل، والعقلاء هم أولو الألباب الذين قال الله تعالي و ما يتذكر إلا أولو الألباب» ().

وعن الحسن بن الجهم قال: سمعت الرضا (ع) يقول: «صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله» ().

وعن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسي بن جعفر(ع): «يا هشام إن الله بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: ?فبشر عباد ? الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب?().

إلي أن قال: يا هشام إن لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس، وإن الكيّس لدي الحق يسير، يا بني إن الدنيا بحر عميق، قد غرق فيها عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوي الله، وحشوها الإيمان، وشراعها التوكل، وقيّمها العقل، ودليلها العلم، وسكانها الصبر، يا هشام إن لكل شيء دليلاً ودليل العقل التفكر ودليل التفكر الصمت، ولكل شيء مطيةً ومطية العقل التواضع، وكفي بك جهلاً أن تركب ما نهيت عنه.

إلي أن قال: يا هشام إن لله علي الناس حجتين حجةً ظاهرةً وحجةً باطنةً، فأما الظاهرة: فالرسل والأنبياء والأئمة، وأما الباطنة فالعقول.

إلي أن قال: يا هشام كيف يزكو عند الله عملك وأنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك، وأطعت هواك علي غلبة عقلك، يا هشام إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم، إن العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب؟ وترك الدنيا من الفضل وترك الذنوب من الفرض» ().

2 الجرائم وكثرتها

2 الجرائم وكثرتها

من مشاكل العالم الثالث: كثرة الجرائم، ويلزم السعي الجاد لحلها.

فالجريمة علي ما قالوا في تعريفها: هي الخروج عن المبادئ

وقواعد السلوك التي يحددها ويرسمها المجتمع لأفراده.

ولكن التعريف الشرعي للجريمة: هي مخالفة القوانين الإسلامية التي ألزم الله بها عباده فعلاً أو تركاً مما يعبر عنه بالواجبات والمحرمات، وعلي ذلك تكون النسبة المنطقية بين الجرم الشرعي وبين الجرم القانوني أو العرفي: عموم من وجه حسب المصطلح.

والجريمة هي من الوقائع الاجتماعية التي لا تخلو المجتمعات البشرية منها ولو بنسبة أو بأخري، وذلك منذ أقدم عصورها، ولقد عانت منها الإنسانية علي مر الأجيال، ولما جاء الإسلام أخذ بحل هذه المشكلة من جذورها، فأصبحت الجريمة في المجتمع الإسلامي نادراً أو أقل من النادر.

ولكن اليوم بعد ما تركت الأمة العمل بالإسلام، انتشرت الجرائم بمختلف أنواعها في البلاد.

من أسباب الجريمة

إن الجريمة وكثرتها تابعة لأمور، منها ما يلي:

1: عدم الإيمان، وغياب الرادع الداخلي للإنسان عن الجريمة.

2: الحرمان، مثل الفقر الموجب للمرض والجهل، ومثل العزوبة وعدم القدرة علي الزواج، وما أشبه.

3: المغريات الموجبة لسهولة ارتكاب الجريمة.

4: تمكن الإفلات من العقاب، لما في المحاكم من الالتواءات والمنعطفات.

والجريمة ستبقي، بل ستزداد يوماً بعد يوم، ما دامت هذه العوامل باقية، سواء كثر الموظفون بُغية الردع عن الجريمة، أم لا.

فالمهم إصلاح الجذور، لا قطع الفروع، فهو كمستنقع يولّد الأمراض والجراثيم، فليس الحل تكثير الأطباء، وتوفير الأدوية، وإنما الحل علاج المستنقع.

ويميل بعض علماء النفس إلي اعتبار الجريمة سلوكاً مكتسباً يتعلمه الفرد من محيطه، ويكون إجمالاً: نتيجة لأسلوب التربية الذي يمارس عليه، ولنوع التعاطي الذي يخضع له مع الآخرين، أو يشاهده تكراراً بين الآخرين، فيشكل لديه نموذجاً مقبولاً.

ومن العوامل المؤثرة في بروز الجرائم ونسبتها: الزمان والمكان، والثقافة والتعليم.

مضافاً إلي أن فعل الجريمة كثيراً ما يرتبط بنظام القيم وبسلّم الأولويات لدي الشخص.

فمن زعم أن المال هو كل شيء في الحياة، حتي

ولو حصل عليه من طرق غير شرعية، فقد يقدم علي السرقة أو قتل أحد أو يتاجر بالجنس أو المخدرات أو ما أشبه من الجرائم للحصول علي المال أو مزيد منه.

ومن أسباب الجريمة أيضاً ما يلي:

1: أمور وراثية بيولوجية: قالوا: إن الاختلال الذي يحصل عند تلقيح البويضة قد يكون ذا اتجاهات إجرامية، فيولد الإنسان عادة وهو يحمل روح العدائية والمشاكسة، يضاف إلي ذلك رغبتهم بالتفوق والسيطرة وما أشبه، ولا يخفي: إن هذا علي نحو المقتضي لا العلية التامة فإنه لا يسلب الإنسان اختياره.

2: التفكك الأسري: فقد أظهرت مجموعة أبحاث أعدها العلماء والأخصائيون في الأعمال الإجرامية التي قام بها المجرمون في مختلف الأعوام، أن لدي المجرمين قاسماً مشتركاً أو قواسم مشتركة عدة، من أهمها: التفكك الأسري، فإن المجرمين يكونون عادة من أبناء عائلات ممزقة، وإن أسباباً اقتصادية، مثل ارتفاع نسبة البطالة والفقر هي ذات شأن في الإجرام يفوق بكثير شأن التلفزيون والإعلام المنحرف.

3: الأسباب النفسية: مثل إقبال الشباب علي مشاهدة أفلام الحرب والعنف، وخصوصاً بالنسبة إلي المجتمعات التي عاش أبناؤها حروباً طال أمدها، أو شاهدت اقتتالاً مريراً بين شعوبها.

4: وسائل الإعلام المنحرفة، المسموعة والمقروءة والمرئية منها، وما تنقله يومياً من برامج وبحوث وحوادث يكون للجريمة والعنف المكان الأوسع فيها.

5: العامل الاقتصادي: من أهمها البطالة حيث يقوم الفرد العاطل عن العمل للحصول علي المال بشتي الطرق ومنها الجريمة والعنف.

ولكن الإسلام حل مشكلة الجريمة جذرياً، فلا فقر ولا بطالة ولا عزوبة ولا حرمان، بل إيمان ورفاه وسلام، وبعد ذلك تواعد المجرمين بالعقاب الدنيوي والأخروي الشديد، فعن أبي حمزة: عن أحدهما (ع) قال: «أتي رسول الله (ص) فقيل له: يا رسول الله قتيل في جهينة، فقام رسول الله(ص) يمشي حتي

انتهي إلي مسجدهم.

قال: وتسامع الناس فأتوه.

فقال(ص): من قتل ذا؟

قالوا: يا رسول الله ما ندري.

فقال: قتيل بين المسلمين لا يدري من قتله! والذي بعثني بالحق لو أن أهل السماء و الأرض شركوا في دم امرئ مسلم و رضوا به، لأكبهم الله علي مناخرهم في النار، أو قال: علي وجوههم» ().

وبالنسبة إلي مشكلة الفساد الجنسي: فقد حث الإسلام علي الزواج المبكر، وجعل المؤمن كفو المؤمنة، وبارك في المهر القليل ليتزوج الجميع بكل سهولة.

وقد ورد في التفسير: «إن قوله تعالي ?وما كان لمؤمن

ولا مؤمنة … ? () نزلت في زينب بنت جحش الأسدية، وكانت بنت أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله (ص) فخطبها رسول الله(ص) علي مولاه زيد بن حارثة، ورأت أنه يخطبها علي نفسه، فلما علمت أنه يخطبها علي زيد أبت وأنكرت وقالت: أنا ابنة عمتك فلم أكن لأفعل، وكذلك قال أخوها عبد الله بن جحش فنزل: ?وما كان لمؤمن ولا مؤمنة? الآية، يعني: عبد الله وأخته زينب، فلما نزلت الآية قالت: رضيت يا رسول الله، وجعلت أمرها بيد رسول الله (ص) وكذلك أخوها، فأنكحها رسول الله (ص) زيداً: فدخل بها وساق إليها رسول الله (ص) عشرة دنانير وستين درهما مهرا وخمارا وملحفة ودرعا وإزارا وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر» ().

وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة: قالت زينب: خطبني عدة من قريش فبعثت أختي حمنة بنت جحش إلي رسول الله (ص) أستشيره، فأشار بزيد فغضبت أختي وقالت: أتزوج بنت عمتك مولاك؟ ثم أعلمتني فغضبت أشد من غضبها فنزلت الآية، فأرسلت إلي رسول الله (ص) فقلت: زوجني ممن شئت، فزوجني من زيد.

وقيل: نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت وهبت نفسها للنبي

(ص) فقال: قد قبلت وزوجها زيد بن حارثة فسخطت هي وأخوها وقالا: إنما أردنا رسول الله (ص) فزوجنا عبده فنزلت الآية().

العنف جريمة

ولا يخفي إن العنف من مظاهر الجريمة، وقد أكد الإسلام علي سياسة اللاعنف والسلم في كافة الأمور علي ما فصلناه في بعض كتبنا.

3 الأنبياء وأوصياؤهم (ع) ساسة ربانيون

3 الأنبياء وأوصياؤهم (ع) ساسة ربانيون

إن الأنبياء وخلفاءهم (ع) كانوا ساسة ربانيين مصلحين، يديرون البلاد والعباد بالعدل والقسط، ويضحون بمصالحهم بل حتي بأنفسهم من أجل مصلحة الأمة، إنهم يجوعون لكي يشبع الناس، ويفتقرون لكي يغني الناس، ويخافون لكي يأمن الناس، وهكذا.

فقد ورد التعبير عنهم (ع) بالساسة في جملة من الروايات() كما يراها الطالب في كتب الحديث وغيرها في هذه المادة، بالإضافة إلي دلالة بعض الآيات عليه كما في قوله تعالي: ?إني جاعل في الأرض خليفة?().

وقوله سبحانه: ?يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض?().

مضافاً إلي قول رسول الله (ص): «اللهم ارحم خلفائي، قيل: يا رسول الله ومن خلفائك؟ قال: الذين يأتون من بعدي ويروون حديثي وسنتي» ().

ومما تقدم ظهر أن السياسة بمعناها الصحيح الذي هو: إدارة العباد والبلاد بما يضمن لهما التقدم والرقي، والسعادة والسيادة، هي من صميم الإسلام، وان كل محاولة لفصل الدين عن السياسة، هي من قبيل محاولة فصل العبادة عن الإسلام..

وقد كان دأب الأنبياء والأئمة (ع) والعلماء الربانيين أخذ زمام السياسة بأيديهم ما استطاعوا، فان لم يتمكنوا من ذلك وجهوا الناس إلي وجوب ذلك مهما قدروا، وكانوا (ع) يرجعون الناس إلي علماء الأمة ونواب الأئمة، كقوله (ع): «فإني قد جعلته عليكم حاكماً» ().

وقوله(ع): «أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم» () وغير ذلك.

وقد وقع الخصام بين أهل الحق من أنبياء وأئمة (ع) وفقهاء ومراجع في جهة، وبين أصحاب الأهواء من أمويين وعباسيين ومن حذي حذوهم في جهة أخري، علي التصدي لمرجعية الأمة، وأخذ زمام السياسة، وذلك منذ

رحيل الرسول (ص)، فتارة حكم أهل الحق، وتارة غصب حقهم، حتي جاء دور المستعمر، فأدخل في قاموس الرأي العام عنصراً جديداً هو: عنصر (فصل الدين عن السياسة) وأشاع بواسطة عملائه (إن العالم الديني الخير هو الذي يشتغل بالعبادة والإرشاد، ولا يتدخل في شؤون السياسة)، وذلك لأنهم رأوا أن العلماء هم السد القوي أمام استعمارهم للبلاد وتسلطهم علي رقاب العباد..

وأقل نظرة إلي المذكرات المعنية بهذا الشأن أمثال: (مذكرات المس بل)() و(مذكرات كينياز دالجور كي)() و(مذكرات مستر همفر)() وغيرها يجلي هذه الحقيقة.

من وظائف رجل الدين

وعلي هذا، فالواجب الشرعي علي رجل الدين ووظيفته الشرعية، كوجوب الصلاة والصيام، أن يهتم لتصحيح الرأي العام، حتي يعرف الناس أن السياسة من صميم الإسلام، وأن الساسة الربانيين هم الفقهاء المراجع في زمن الغيبة، فيعملوا جميعاً لإبعاد الحكام الظلمة عن الساحة الإسلامية، وليقبض زمام الأمة شوري الفقهاء المراجع فيسيروا بالأمة كما أراد الله سبحانه.

وهذا ما فعله رجال الدين والفقهاء المراجع في القرن الأخير مع الغض عن القرون السابقة أمثال: السيد المجاهد().

والميرزا الكبير الشيرازي().

والآخوند الخراساني صاحب الكفاية().

والميرزا الثاني() وغيرهم.

فإن في ترك الأمر بيد الحكام الظلمة، هدم الإسلام كله، وإحياء الكفر والفسق كله.

قال أمير المؤمنين علي (ع): «لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله علي العلماء أن لا يقاروا علي كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها علي غاربها» ().

وقال (ص): «إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله» ().

وفي الحديث عن عبد العزيز بن مسلم قال: «كنا مع مولانا الرضا (ع) بمرو فاجتمعنا وأصحابنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة الاختلاف فيها، فدخلت علي سيدي (ع) فأعلمته خوض الناس في ذلك.

فتبسم

(ع) ثم قال: «يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إن الله تبارك لم يقبض نبيه (ص) حتي أكمل له الدين، فأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء، بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً فقال عز وجل: ?ما فرطنا في الكتاب من شيء?().

وأنزل عليه في حجة الوداع وهي آخر عمره (ص): ?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً? () وأمر الإمامة من تمام الدين.

ولم يمض (ص) حتي بيّن لأمته معالم دينهم ووضح لهم سبيلهم وتركهم علي قول الحق وأقام لهم علياً (ع) علماً وإماماً وما ترك لهم شيئاً يحتاج إليه الأمة إلا بيّنه.

فمن زعم أن الله لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله ومن رد كتاب الله، وهو كافر به.

هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ إن الإمامة أجلّ قدراً وأعظم شأناً وأعلي مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم.

إن الإمامة خصّ الله عز وجل بها إبراهيم الخليل (ع) بعد النبوة والخلة مرتبةً ثالثةً وفضيلةً شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال: ?إني جاعلك للناس إماماً? فقال الخليل (ع) سروراً بها: ?ومن ذريتي? قال الله تبارك وتعالي: ?لا ينال عهدي الظالمين?().

فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلي يوم القيامة، وصارت في الصفوة.

ثم أكرمه الله تعالي بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال: ?ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً وكلا جعلنا صالحين? وجعلناهم أئمةً يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين?().

فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتي ورثها النبي (ص) فقال عزوجل: ?إن

أولي الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين?().

فكانت له خاصةً فقلدها (ص) علياً (ع) بأمر الله عز اسمه علي رسم ما فرضه الله، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله عزوجل: ?وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلي يوم البعث? () فهي في ولد علي (ع) خاصةً إلي يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمد (ص) فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟.

إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء.

إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول (ص) ومقام أمير المؤمنين(ع) وميراث الحسن والحسين عليهما السلام.

إن الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين.

إن الإمامة أس الإسلام النامي وفرعه السامي.

بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفي ء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف.

الإمام يحل حلال الله ويحرم حرام الله ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعو إلي سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة.

الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار.

الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجي وأجواز البلدان والقفار ولجج البحار.

الإمام الماء العذب علي الظمأ، والدال علي الهدي والمنجي من الردي.

الإمام النار علي اليفاع الحار لمن اصطلي به والدليل في المهالك من فارقه فهالك.

الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل والشمس المضيئة والسماء الظليلة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة.

الإمام الأنيس الرفيق والوالد الشفيق والأخ الشقيق والأم البرة بالولد الصغير ومفزع العباد في الداهية النآد.

الإمام أمين الله في خلقه وحجته علي عباده وخليفته في بلاده والداعي إلي الله والذاب عن حرم الله.

الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ عن العيوب المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم نظام الدين وعز

المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين.

الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب» الحديث().

4 كيف يمكن إنقاذ المسلمين؟

4 كيف يمكن إنقاذ المسلمين؟

أما انه كيف يمكن إنقاذ المسلمين؟

الظاهر: إنه لا يمكن ذلك إلاّ بإيجاد حكومة عالمية واحدة لهم، وتكون بالاختيار الحر لرئيسها المرضي لله تعالي، مبتنية علي الحريات الإسلامية والشوري والتعددية، وتكون الأحكام إسلامية بحتة لا مستوردة من الغرب أو الشرق، ليعيش المسلمون تحت ظلها في أمن ورفاه، وسيادة وسعادة، وتقدم وازدهار.

ومن مقومات هذه الحكومة الأمور التالية:

1: التنظيم الإسلامي العالمي، سواء في بلاد الإسلام أم غيرها، وذلك بعد نشر ثقافة التنظيم والتعددية التي أرادها الإسلام وأمر بها، ولعل ما يحتاج إليه من التنظيم، في إقامة مثل هذه الحكومة، هو عشرون مليون منظم، يدخل فيه مختلف الأحزاب والتنظيمات الإسلامية، كأجنحة عاملة لأجل ذلك الهدف السامي المتفق عليه.

2: التوعية الإسلامية العالمية، توعية سياسية اقتصادية اجتماعية إسلامية شاملة (إيجاباً)، وضد الاستعمار والتجزئة عالمية عامة (سلباً).

3: السلم في الحركة ونبذ العنف بكل أشكاله ووسائله، حتي يمكن الأخذ بالزمام، قال سبحانه: ?ادخلوا في السلم كافة?()، وقال تعالي: ?كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة? ().

4: الجماهيرية، بأن لا يصبح التنظيم صنماً، وإلا فان ذلك يسوقه نحو السقوط.

5: الاستغناء عن البضائع والأفكار الشرقية والغربية المستوردة، كل ذلك وإن طالت المدة، والله الموفق المستعان.

العفو والتسامح من أركان الإنقاذ

ومن أهم القواعد الإسلامية والتي لها الدور الكبير في إنقاذ الأمة هي قاعدة العفو والتسامح، فقد عاهد رسول الله (ص) في المدينة المنورة اليهود وغيرهم من أعداء الإسلام، وكفل لهم التمتع بما للمسلمين من الحقوق ما وفوا بالعهد ولم يقدموا علي الغدر والخيانة بالمسلمين.

وقد كان الرسول الكريم (ص) يرفق باليهود ولم يحاربهم إلا بعد ما نقضوا عهده وبدؤوا بمحاربته، فلما كان (ص) ينتصر عليهم كان لايعاقبهم إلا بمقدار ما يكف أيديهم عنه، وكان يحكّم فيهم من يختارونه بأنفسهم، كما نجد ذلك في تعامله

مع يهود بني قينقاع، ويهود بني النضير، حيث تآمروا مع قريش ضد المسلمين، ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله (ص).

وفي غزوة خيبر وجد المسلمون صحائف متعددة من التوراة فجاء اليهود يطلبونها فأمر (ص) بدفعها إليهم.

وقد سمح (ص) لبني النضير بعد غزوة أحد، بحمل صحفهم عند جلائهم عن المدينة المنورة، حتي قال أحد علماء الغرب() في هذا المجال: لم يتعرض النبي (ص) بسوء لصحفهم المقدسة، ويذكرون إزاء ذلك ما فعله الرومان حيث تغلبوا علي أورشليم وفتحوها، إذ أحرقوا الكتب المقدسة وداسوها بأرجلهم، وما فعله المتعصبون من النصاري في حروب اليهود في الأندلس، حيث احرقوا أيضاً صحف التوراة ().

والتاريخ خير شاهد لوفاء رسول الله (ص) لعهود اليهود وغيرهم من أعداء الإسلام حتي دفع دية من قتل منهم خطأ، وعفوه عن كل معتد مسيء منهم جاءه تائباً، وأنه (ص) كان يشيع جنائزهم، ويحضر ولائمهم، ويعود مرضاهم، ويقترض منهم حتي رحيله(ص) عن الدنيا، مع إنه كان في الصحابة من يقرض رسول الله(ص) بل ويؤثره علي نفسه.

قال بعض علماء الغرب() عن المعاهدات التي وقعها المسلمون مع الذميين: منحت تلك الشعوب حرية الاحتفاظ بأديانها القديمة وتقاليدها القديمة، شرط أن يدفع الذين لايرضون الإسلام ديناً ضريبة عادلة إلي الحكومة تعرف بالجزية، لقد كانت هذه الضريبة أخف من الضرائب التي كان المسلمون ملزمين بدفعها إلي حكوماتهم نفسها، ومقابل ذلك، منح أولئك الرعايا (المعروفون بأهل الذمة) حماية لا تختلف في شيء عن تلك التي تمتعت بها الجماعة الإسلامية نفسها، وكانوا يقولون: (ادفعوا جزية يسيرة نسبغ عليكم حماية كاملة، أو اتخذوا الإسلام ديناً، وادخلوا في ملتنا فتمتعوا بالحقوق نفسها التي نتمتع بها نحن) ().

ويقول (غوستاف لوبون)(): جزية زهيدة تقل عما كانت تدفعه إلي

سادتها السابقين من الضرائب().

وفي المقابل تري غير المسلمين ماذا فعلوا بالمسلمين؟

مثلاً: لما سقطت حصون مدينة الجزائر ودخلت القوات الفرنسية في الخامس من تموز 1830م المدينة محتلين، لم يراعوا البند الخاص من المعاهدة التي نصت علي احترام الشعائر الدينية، وذلك حينما حوّلوا الفرنسيين المسجد الكبير إلي كتدرائية.

أجل لقد كان أول عمل قاموا به هو: هدم المساجد الأثرية الرائعة وتحويلها إلي كنائس، ووقف الجنرال روفيجو يشير إلي الفرنسيين باختيار مسجد من مساجد الجزائر ليصير كنيسة لهم، فأشاروا عليه بجامع (القشاوة)، وهو من أجمل مساجد البلاد وأروعها، وكان في المسجد أربعة آلاف مسلم، فانقض عليهم الفرنسيون وذبحوهم عن آخرهم، وهم يعتصمون ببيت من بيوت الله، وفي 18 كانون الأول (ديسمبر) من عام 1832، كان المسجد كتدرائية الجزائر، ولقد حولوا مساجد أخري غير هذا المسجد إلي كنائس، مثل مسجد (القصبة) وهو من المساجد التي ترتبط بها ذكريات إسلامية مجيدة.

وقد شجعت الإدارة الفرنسية بناء المعابد اليهودية، والكنائس المسيحية، حتي صار في الجزائر 327 كنيسة للمسيحيين و 45 معبداً لليهود إلي جانب 166 مسجداً فقط للمسلمين ()، مع ان المسلمين كانوا هم أهل البلاد والأغلبية الساحقة من حيث العدد.

5 المستقبل للإسلام

5 المستقبل للإسلام

لقد ذكرنا فيما سبق كلاماً حول كيفية إنقاذ المسلمين، والآن نريد أن نبحث حول كيفية إنقاذ العالم حتي غير الإسلامي منه؟ علماً بأن العالم أصبح يعيش اليوم الأزمات والمشاكل الكثيرة، منها:

مشكلة الاقتصاد:

حيث أصبح العالم اليوم يعاني من الطبقية البغيضة، فقلّة من الناس يمتلكون أكبر حصة من ثروات الأرض، بينما الأكثرية الباقية يمتلكون الأقل الباقي، حيث ملايين الفقراء والمعدمين الذين لا يملكون حتي قوت يومهم ويموتون جوعاً كل يوم بحسب الإحصاءات الرسمية.

مشكلة الأخلاق:

حيث اصبح العالم اليوم يقاسي من أزمة أخلاقية حادة، فثلّة من

تجار الأسلحة ومولّدي التقنية العسكرية المدمرة، راحوا ينبهون ثروات العالم الثالث من الذهب الأسود وغيره، ويخلقون بينهم الحروب والصدامات الكاذبة، ليصنعوا لاسلحتهم سوقاً مربحة علي حساب قتل الأبرياء، وترميل النساء، ويُتم البراعم والأطفال، ودمار الحرث والنسل، وإيجاد بحار من الدم والدموع.

مشكلة العقيدة:

حيث أصبح العالم اليوم يئن تحت وطأة الفراغ العقيدي، وهو أكبر داء وأعظم بلاء يمكن أن يصاب به البشر، إن العقيدة الصحيحة للروح والعقل كالطعام والشراب للجسم والبدن، وكما أن فقدان الطعام والشراب يودي بحياة الإنسان المادية، فكذلك غياب العقيدة الصحيحة يقضي علي حياة الإنسان المعنوية، فالفراغ العقيدي يعني: الموت المعنوي.

وقد جرّب العالم مرارة هذا الداء، وذاق شدة هذا البلاء،

ولم يشفه ما وضعه المقنّنون من لائحة حقوق الإنسان، ومقررات مجلس الأمم وغير ذلك، لأنها قوانين وضعية، لا تستوعب ما جاء به الإسلام من قانون السماء الشامل، ومنهج الأنبياء الكامل، وحيث قد عجز العالم اليوم من القوانين الوضعية من ناحية، ومن الإلحاد من ناحية ثانية، ومن المادية من ناحية ثالثة، أخذ يتوجه إلي الدين، مما يحتم أن يكون المستقبل للدين، والإسلام بصورة خاصة() حيث إن الإسلام يعطي كل متطلبات الإنسان وفي أنظف إطار، فالمستقبل له، لكن يشترط أن يعرضه القائمون عليه عرضاً صحيحاً مناسباً للعصر الحاضر، والمراد بالمناسب للعصر الحاضر كون الحلول للمشاكل تناسب عصر الصناعة، إذ للدين الإسلامي كليات وقواعد عامة قابلة للتطبيق في كل عصر ومصر.

مثلاً: في الإسلام (الحرية).

وفيه: (انتخاب الحاكم بالاستفتاء العام).

وفيه: (الفقيه أو شوري الفقهاء() الذي هو في قمة الحكم).

وفيه: (الاقتصاد).

وفيه: (المجتمع السليم).

وفيه: (خدمة الناس).

وفيه: (قاعدة لا ضرر).

وفيه: (الناس مسلطون علي أموالهم وأنفسهم).

وفيه: (الأرض لله ولمن عمرها).

وفيه: (قانون السبق إلي ما لم يسبق إليه أحد).

وفيه: (قانون التنافس نحو الخير).

وفيه: (قانون الأهم

والمهم).

وفيه: (التعددية).

وفيه: (الأمة الواحدة).

وفيه: (الأخوة الإسلامية).

فاللازم:

أن تُنظم الحريات، بحيث يكون كل أحد حراً في جميع أموره باستثناء المحرم (إذ في المحرم إضرار نفسه وإضرار الآخرين).

وأن تجعل الأحزاب السياسية في إطار القوانين الإسلامية، مما لهم الحق الكامل في اختيار الحاكم المؤهل للحكم.

وأن تجعل شوري الفقهاء المراجع، ممن تقلدهم الأمة، رأس الحكم، حتي يديروا الأمور بأكثرية الآراء، ويكونوا هم السلطة العليا للدولة حيث يكون تحت نظرهم وإشرافهم كل من السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية (أي: التطبيقية) والقضائية .

وأن يُعدّل قانون الاقتصاد والاجتماع، حتي لا يكون استغلال الإنسان للإنسان بالأسلوب الرأسمالي، أو الشيوعي، أو الاشتراكي، أو التوزيعي، وحتي يكون المجتمع سليماً في الأسرة والعائلة.

وأن يُعدل قانون ارتباط الأحزاب والمنظمات بعضها ببعض، وكذلك بالنسبة إلي سائر الأمور الاجتماعية من المعاملات وغيرها.

إلي غير ذلك من المناهج اللازمة، مثل كيفية التعامل مع الأقليات وحفظ حقوقهم المشروعة، وقانون الترابط والتعامل بين دولة الإسلام وبين سائر الدول.

وحينذاك، لا يكون استعمار بمختلف أشكاله: العسكري والفكري والثقافي والاقتصادي والسياسي، فلا قواعد ولا أحلاف في بلاد الإسلام، كما لا تسلط لعسكر المستعمر علي بلاد الإسلام بالغزو، ولا تشتت، ولا فرقة، بل دولة واحدة ذات ألف مليون مسلم().. ولا اتجاه فكري مستورد من بلاد الاستعمار كما هو الحال، حيث إن شباب المسلمين الذين يذهبون إلي بلاد الأجانب يأتون بالأفكار والعادات غير الإسلامية في كيفية إدارة أمورهم الشخصية والاجتماعية والسياسية وغيرها .

ولا تكون الثقافة في المدارس والمعاهد، والبث والإعلام، علي وفق الثقافة الاستعمارية كآراء دارون، وماركوز، وماركس، وفرويد، وسارتر، ودركايم، وغيرهم..

ولا يكون الاقتصاد علي نحو الرأسمالية الغربية أو الشيوعية الشرقية أو ما أخذ منهما من الألوان، بل اقتصاد إسلامي مما يجعل المال مقابل خمسة أشياء: (العمل، والفكر، والمواد، والشرائط،

والعلاقات الاجتماعية) وحينئذ لا يكون استغلال من قبل الدولة للإنسان، كما في الشيوعية، ولا من الرأسمالي للإنسان، كما في الرأسمالية، وتكون سائر المعاملات طبق النظام الإسلامي العادل.

ولا تكون السياسة حسب رأي الشرق (الدكتاتور) ولا حسب رأي الغرب (المستعمر) والمتمثلة فيما يلي:

1: إنه يقنن القانون الوضعي مع عدم الإحاطة بمتطلبات الإنسان الروحية والجسمية، والمعنوية والمادية.

2: إنه يحكّم رأس المال علي الانتخابات بإعلامه وبجماعاته الضاغطة، وبغير ذلك.

3: إنه يحذف دور الناس عن المجال المرتبط بهم، بعد انتخاب النائب أو انتخاب رئيس الجمهور، فإنهم لا يعبؤون بآراء المنتخبين بعد ذلك، في كثير من القضايا المصيرية.

ولذلك ذهب بعض علماء الاجتماع إلي بيان كيفية أخري للانتخابات وهي: أن يجتمع الناس كل شهر مرة مثلاً في حلقات كخمسمائة مثلاً: ليدلوا بآرائهم في القضايا المهمة، بعد أن ينظّم أهم الأمور التي لها ارتباط في القضية جماعة من الحياديين، فيكون المجلس مقيداً بأخذ أكثرية هذه الآراء لا كيفما شاء المجلس بنفسه، ولا بأس بذلك إذا طوبق ما يوافق الصيغة الإسلامية ف «الحكمة ضالة المؤمن يأخذها حيث وجدها» ().

4: انه لا يجعل للطفل حق الانتخاب (عكس الإسلام الذي يعطي حتي للأطفال حق الانتخاب ناهيك عن الرجال والنساء، فإذا شاء أولياء الأطفال انتخبوا نيابة عن أطفالهم، لان المنتخَب يتصرف في شأن الطفل أيضاً فيلزم أن يكون للطفل حق الصوت عبر وليه، فإذا شاء وليه جعل له صوتاً أيضاً، يؤديه هو بالوكالة عن الطفل).

وبذلك ترجع إلي الإنسان إنسانيته، وتصرف الأموال في مصارفها اللائقة، ويذهب القلق والاضطراب، ويأخذ الأمن والاطمئنان مكانه، ويكون بلد الإسلام أسوة عملية لسائر بلاد العالم، فيأخذون منه، كما أخذوا منه عند ظهور الإسلام، وينعدم الفقر والجهل، ويتقلص الإجرام والمرض، إلي أقصي حد ممكن،

والله القادر المستعان.

التنظيم من الأصول الأساسية

إن مهمة إنقاذ المسلمين، بل مهمة إنقاذ العالم البشري، إلي رحمة الإسلام وعدله، مهمة كبيرة وصعبة، فلا بد من التهيؤ لها، ومن أهم مقدمات ذلك هو التنظيم.

فيلزم علي رجال الدين والمتدينين أن ينظموا أنفسهم حتي يستوعبوا مختلف مجالات الحياة، فلا يجد الانحراف الرأسمالي أو الدكتاتوري الشيوعي أو ما أشبه سبيلاً، ليأخذ في التخريب، كما وجد الفكر الشيوعي والقومي والبعثي والوجودي، وما أشبه ذلك إلي قلوب الشباب منفذاً فخرب تخريباً لا مثيل له.

فاللازم تنظيم كل شيء دينياً ودنيوياً:

من الروضة إلي ما بعد الجامعة.

ومن الثكنة إلي ساحة الميدان.

ومن الزوجين إلي العائلة الكبيرة.

ومن الأعمال الفردية إلي المؤسسات الكبيرة.

وهكذا..

كما إن المهم تنظيم أمور النساء بحيث يقدرن علي المشاركة في كل ميدان يصلح لهن مع حفظ الموازين الشرعية، سواء في السياسة (غير الإمارة والقضاء) أو الثقافة، أو الصناعة، أو التجارة، أو الزراعة، أو الإدارة، أو الوظيفة أو غيرها مع الالتزام الكامل بشؤون البيت وتربية الأطفال وما أشبه ذلك، فيكون لهن المجلات والجرائد اليومية الخاصة بهن، ويكون لهن المساجد والحسينيات والندوات الفكرية والمؤتمرات الثقافية وما أشبه.

ويجب أن يكون التنظيم الديني الدنيوي، غير ضار بالحريات المشروعة، لأن الأصل في الإنسان الحرية، فالناس مسلطون علي أموالهم وأنفسهم، ثم تأخذ سائر الأمور بعد ذلك مجراها.

ولا يتوهم أن بين الأمرين تناقضاً، إذ من الممكن أن يكون جعل النظام علي أساس التنافس الحر.

بالإضافة إلي جعل برامج خاصة للسمو الروحي مما يوجب العمل الدائب تلقائياً، بدون جبر وإكراه.

والمحفز الروحي، والمنافسة في تحصيل رضي الله، هو الذي أوجب تلك الانطلاقة الفريدة في تاريخ المسلمين أول ظهور الإسلام، ومن الممكن إعادة كل ذلك إذا وعي القائمون بالأمر كيفية العمل، وكانت القدرات موزعة بحيث لم يتمكن أحد

من الدكتاتورية، والله المستعان.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة سبأ: 28.

() بحار الأنوار: ج89 ص14 ب1ح7.

() سورة الروم: 30.

() سورة الرعد: 11.

() وسائل الشيعة: ج15ص254ب23ح20434.

() مضافاً إلي أن النبي أو الإمام هو خليفة الله علي الأرض ولا يختار خليفة الله إلا الله، بالإضافة إلي لزوم توفر شروط خاصة في النبي والإمام من العصمة والأعلمية والأورعية وما أشبه مما لا يعلم بذلك إلا الله عزوجل، فيأتي الاختيار من الله لا من غيره، وفي الحديث الشريف عن أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام قال: «للإمام علامات يكون أعلم الناس وأحكم الناس وأتقي الناس وأحلم الناس وأشجع الناس وأسخي الناس وأعبد الناس ويولد مختونا ويكون مطهرا ويري من خلفه كما يري من بين يديه ولا يكون له ظل وإذا وقع علي الأرض من بطن أمه وقع علي راحتيه رافعا صوته بالشهادتين ولا يحتلم وتنام عينه ولا ينام قلبه ويكون محدّثا ويستوي عليه درع رسول الله صلي الله عليه و اله ولا يري له بول ولا غائط لأن الله عز وجل قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك ويكون أولي بالناس منهم بأنفسهم وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم ويكون أشد الناس تواضعا لله عز وجل ويكون آخذ الناس بما يأمر به وأكف الناس عما ينهي عنه ويكون دعاؤه مستجابا حتي أنه لو دعا علي صخرة لانشقت بنصفين ويكون عنده سلاح رسول الله صلي الله عليه و اله وسيفه ذو الفقار ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلي يوم القيامة وصحيفة فيها أسماء

أعدائه إلي يوم القيامة وتكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر: إهاب ماعز وإهاب كبش فيهما جميع العلوم حتي أرش الخدش وحتي الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة ويكون عنده مصحف فاطمة?». من لا يحضره الفقيه: ج4 ص418-419 ومن ألفاظ رسول الله صلي الله عليه و اله الموجزة التي لم يسبق إليها.. ح5914.

وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع قال: «عشر خصال من صفات الإمام: العصمة والنصوص وأن يكون أعلم الناس وأتقاهم لله وأعلمهم بكتاب الله وأن يكون صاحب الوصية الظاهرة ويكون له المعجز والدليل وتنام عينه ولا ينام قلبه ولا يكون له في ء ويري من خلفه كما يري من بين يديه». الخصال: ج2 ص428 باب العشرة ح5.

() سورة الأحزاب: 36.

() سورة القصص: 68.

() سورة النساء: 65.

() الكافي: ج1 ص12 كتاب العقل والجهل ح11.

() وسائل الشيعة: ج15 ص205 ب8 ح20289.

() سورة الزمر: 17-18.

() وسائل الشيعة: ج15 ص206 ب8 ح20291.

() الكافي: ج7 ص272 باب القتل ح8.

() سورة الأحزاب: 36.

() بحار الأنوار: ج22 ص177 ب2.

() بحار الأنوار: ج22 ص177 ب2.

() ورد في زيارة الجامعة لجميع الأئمة عليهم السلام: «قادة الأمم وأولياء النعم وعناصر الأبرار ودعائم الأخيار وساسة العباد وأركان البلاد … » من لا يحضره الفقيه: ج2 ص609 ح3213.

() سورة البقرة: 30.

() سورة ص: 26.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص420 ومن ألفاظ رسول الله الموجزة التي لم يسبق إليها ح5919.

() الكافي: ج1 ص67 باب اختلاف الحديث ح10.

() بحار الأنوار: ج53 ص180 ب31 ح10.

() الجاسوسة البريطانية في العراق.

() الجاسوس الروسي في البلاد الإسلامية، مؤسس الفرقة البهائية.

() الجاسوس البريطاني في البلاد الإسلامية. وقد شجع محمد

بن عبد الوهاب علي تأسيس الفرقة الوهابية.

() آية الله السيد محمد المجاهد ? من العلماء المجاهدين الذين حاربوا الاستعمار الروسي.

() آية الله العظمي السيد محمد حسن الشيرازي، المشهور بالمجدد، عميد أسرة الشيرازي، ولد في 15 جمادي الأولي 1230ه، هاجر إلي النجف الأشرف سنة 1259ه ثم إلي سامراء 1291ه. تتلمذ عند العلماء الأعلام أمثال السيد حسن المدرس والمحقّق الكلباسي وصاحب الجواهر والشيخ الأنصاري. آلت إليه المرجعية سنة 1281ه بعد وفاة أستاذه الشيخ الأنصاري. قارع الاستعمار البريطاني في ثورته المعروفة «التنباك» والتي أيقظت العالم الإسلامي وأعطته الوعي السياسي في تاريخه الحديث، فقد تنبه المسلمون بفضلها إلي الأخطار التي يسببها النفوذ الأجنبي في بلادهم. ووقف كذلك بوجه الفتنة الطائفية التي أحدثها ملك أفغانستان عبد الرحمن خان حيث أخذ يقتل الشيعة ويجعل من رؤوسهم منائر في كل مكان. وقد تسالم المؤرخون علي وصفه: إماماً عالماً فقيها ماهراً محقّقا رئيساً دينياً عاماً وورعاً نقياً، ثاقب الفكر، بعيد النظر، مصيب الرأي، صائب الفراسة، يوقِّر الكبير ويحنو علي الصغير، ويرفق بالضعيف. وكان درسهُ عامراً بالعلماء المشتغلين النابهين، لذا كثر المقررون لدروسه وأبحاثه الفقهية والأصولية، فدّون تلامذته خمسة عشر كتاباً، كما ألّف هو ثمانية كتب. توفي ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من شهر شعبان عام 1312ه (شباط 1895م) في مدينة سامراء المشرفة.

() هو الشيخ ملا محمد كاظم بن ملا حسين الهروي الخراساني المعروف بالشيخ الآخوند، ولد بطوس سنة (1255ه)، تتلمذ علي الشيخ راضي النجفي وعلي الشيخ الأنصاري والميرزا السيد محمد حسن الشيرازي، توفي في النجف الأشرف عام (1329ه).

() هو الشيخ محمد تقي بن الميرزا محب علي بن أبي الحسن الميرزا محمد علي الحائري الشيرازي زعيم الثورة العراقية، ولد بشيراز عام 1256ه ونشأ في الحائر

الشريف، فقرأ فيه الأوليات ومقدمات العلوم، وحضر علي أفاضلها حتي برع وكمل، فهاجر إلي سامراء في أوائل المهاجرين، فحضر علي المجدد الشيرازي حتي صار من أجلاء تلاميذه وأركان بحثه، وبعد أن توفي أستاذه الجليل تعين للخلافة بالاستحقاق والأولوية والانتخاب، فقام بالوظائف من الإفتاء والتدريس وتربية العلماء. ولم تشغله مرجعيته العظمي وأشغاله الكثيرة عن النظر في أمور الناس خاصهم وعامهم، وحسبك من أعماله الجبارة موقفه الجليل في الثورة العراقية، وإصداره تلك الفتوي العظيمة التي أقامت العراق وأقعدته لما كان لها من الوقع العظيم في النفوس. فهو ? فدي استقلال العراق بنفسه وأولاده وكان أفتي من قبل بحرمة انتخاب غير المسلم. وكان العراقيون طوع إرادته لا يصدرون إلا عن رأيه وكانت اجتماعاتهم تعقد في بيته في كربلاء مرات عدة. توفي ? في الثالث عشر من ذي الحجة عام (1338ه) مسموماً ودفن في الصحن الشريف ومقبرته فيه مشهورة.

() نهج البلاغة، الخطب: 3 من خطبة له عليه السلام وهي المعروفة بالشقشقية.

() وسائل الشيعة: ج16 ص269 ب40 ح21538.

() سورة الأنعام: 38.

() سورة المائدة: 3.

() سورة البقرة: 124.

() سورة الأنبياء: 72-73.

() سورة آل عمران: 68.

() سورة الروم: 56.

() راجع غيبة النعماني: ص216 ب13 ح6.

() سورة البقرة: 208.

() سورة النساء: 77.

() ولفنسون.

() التسامح في الإسلام: ص14 نقلاً عن تاريخ اليهود ببلاد العرب: ص170.

() الكلام للمستشرقة الإيطالية (لورا فيشيا فاغليري) وهي أستاذة اللغة العربية في جامعة نابولي، لها كتاب مترجم إلي العربية، عنوانه: (دفاع عن الإسلام).

() التسامح في الإسلام: ص24 نقلاً عن (دفاع عن الإسلام) ص: 32.

() غوستاف لوبون (1841-1931) من فلاسفة علم الاجتماع الفرنسيين، من كتبه الهامة (حضارة العرب).

() التسامح في الإسلام: ص25 نقلاً من كتاب (حضارة العرب): ص 134.

() التسامح: ص29

نقلاً عن (الجزائر أرض المعارك) ص: 74.

() وقد صرح بذلك بعض علماء الغرب أيضاً: يقول (فانسان مونتيه) أستاذ اللغة العربية والتاريخ الإسلامي بجامعة باريس: اخترت الإسلام لأنه دين الفطرة، اخترته ديناً ألقي به وجه ربي، كنت في (سان سير) وقد وقع بين يدي لأول مرة في حياتي ترجمة لمعاني القرآن، قام بها (أندريه دورير) سنة (1947م) فأطلعت علي رأي الإسلام بمسألة السيد المسيح، وعرفت أنه بشر أوحي إليه، ومن أسباب إسلامي تسامح الإسلام تجاه أبناء الأديان الأخري وعلي العكس مما يقول (سوليناك): داء الجهاد العصبي المسيحي. انظر (التسامح في الإسلام): ص123.

لوي ماسنيون وهو مستشرق فرنسي كان يسمي الإسلام علي الصعيد الاجتماعي: حكومة المساواة الإلهية أو الثيوقراطية المحبة للمساواة. انظر (التسامح في الإسلام): ص123.

ويقول المستشرق الألماني أولرش هيرمان: الإسلام دين جذاب جداً، وهو يعود ربما إلي وضوح الرسالة الإسلامية ولأسباب لا أعرفها، وإذا نظرنا إلي أفريقية، حيث تقوم الجماعات الإسلامية والمسيحية كل علي حدة طبعاً بمجالات تستهدف تخليص الشعوب الإفريقية من الوثنية، نجد الغلبة والنصر للإسلام، وهذا كما أسلفت قد يكون سببه وضوح الرسالة الإسلامية وكذلك جاذبية الرسالة الأخلاقية الإسلامية. انظر (التسامح في الإسلام): ص124.

ويقول غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب): وساعد وضوح الإسلام وما أمر به من العدل والإحسان علي انتشاره في العالم، وبتلك المزايا نفسر سبب اعتناق كثير من الشعوب النصرانية للإسلام كالمصريين الذين كانوا نصاري أيام حكم قياصرة القسطنطينية فأصبحوا مسلمين حين عرفوا أصول الإسلام، كما نفسر به السبب في عدم تنصر أية أمة بعد أن رضيت بالإسلام ديناً سواء أكانت هذه الأمة غالبة أم مغلوبة.

وتقول المستشرقة الإيطالية (لورافيشيا فاغليري) عن روعة انتشار الإسلام: أية قوة عجيبة تكمن في هذا الدين؟ أية قوة

داخلية من قوي الإقناع تنصهر به؟ ومن أي غور سحيق من أغوار النفس الإنسانية ينتزع نداوة استجابة مزلزلة؟ انظر (التسامح في الإسلام): ص67.

() يري الإمام الشيرازي الولاية لشوري الفقهاء المراجع مع تعددهم، انظر كتاب (الفقه: البيع) المجلد الرابع والخامس.

()علماً بأن آخر الإحصاءات تشير إلي أنه بلغت نفوس المسلمين المليارين.

() بحار الأنوار: ج2 ص105 ب14 ح66.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.