الاكتفاء الذاتي والبساطة في العيش

اشارة

اسم الكتاب: الاكتفاء الذاتي والبساطة في العيش

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

تمتاز الأمة الإسلامية بمقومات فريدة تنحصر بها، فلا توجد في غيرها من الأمم الأخري، مثل الفكر والعقيدة والتاريخ والأرض والماء والموارد والخيرات وغير ذلك، فهي متقومة بنفسها ومكتفية بما منحها الله عزوجل من ثروات، وليست بحاجة إلي ما عند الأمم الأخري بقدر ما تحتاج الأمم الأخري إلي ما عند الأمة الإسلامية.

وإن من أهم عوامل نجاح الأمم وتقدمها: هي مسألة الاكتفاء الذاتي، أي أن تكون الأمة معتمدة علي نفسها في بناء نفسها، فلاتنظر إلي ما عند الآخرين وتهمل ما عندها. وهذا الأمر ينطبق تماماً علي الأفراد أيضاً، فالفرد الناجح هو الذي يطبق قانون الاكتفاء الذاتي علي نفسه.

ومن أبرز مظاهر الاكتفاء الذاتي ما يتجلي في مسألة الفكر. فالفكر الإسلامي فكر غني ومتنوع وشامل ويرسم نظرة عامة عن الكون والحياة وما بعد الموت. ولقد ظل الغرب قروناً عديدة يقتات علي الفكر الإسلامي وعلي كتب المفكرين الإسلاميين، وأقاموا بذلك صرح مجدهم. فقد شهد العديد من الغربيين بهذه المسألة:

يقول الكونت دوري وكان وزير المعارف في فرنسا: (بينما أهل أوروبا تائهون في بيداء الجهالة لا يرون الضوء إلا من سم الخياط، إذ سطع نور قوي من جانب الأمة الإسلامية من علوم وأدب وفلسفة وصناعات وعمل يد. وكانت مدينة بغداد والبصرة وسمرقند ودمشق والقيروان ومصر وتونس وغرناطة وقرطبة مراكز عظيمة لدائرة المعارف ومنها انتشر في الأمم، اغتنم منها أهل أوروبا في القرون الوسطي مكتشفات وصناعات وفنوناً وأقاموا أساس ممالكهم علي شرائع الإسلام)().

ويقول آرثور ليونرد: (لولا مدنيّة الإسلام وعلومه وطرق تعاليمه المقدسة لما كنا نحن الغربيين بهذه الحالة الراقية، بل كنا لانزال في

دور التوحش والهمجية)()، إلي غير ذلك مما شهد به علماؤهم ومفكروهم علي طول التاريخ.

وقوة الفكر الإسلامي هذه وتنوعه وشموله بالإضافة إلي تعاليم الإسلام الحقة الفطرية والمفاهيم القرآنية النبيلة هي التي دفعت بالكثير من الغربيين إلي اعتناق الإسلام عن إيمان وعقيدة بأحقية هذا الدين، وأعلنوا صراحة بأن المستقبل لهذا الدين، وأن الإسلام هو دين المستقبل، وأنه الدين الوحيد الذي سيكون مقبولاً في أوروبا والغرب، وأنه لابد للغرب من اعتناق هذا الدين المجيد.

إن مسألة الاكتفاء الذاتي تنفي عن الأمم والأفراد مسألة التبعية للآخرين؛ لأنه مهما تكن قوياً ومتماسكاً فإذا ما احتجت إلي الآخرين فستكون أسيرهم ولو في أبسط الأشياء، وأنك مهما كنت مكتفياً عن الآخرين فستكون نظيرهم، وهذا ما قرره أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام بقوله: Sاحتج إلي من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأفضِل علي من شئت تكن أميرهR().

واليوم أخطر ما تواجهه الأمة الإسلامية هي مسألة التبعية للغرب في كل شيء، إذ أصبحت الأمة عاجزة عن مواكبة ركب التحضر ومسايرة العالم، بالرغم من كل ما تملكه من مقومات التقدم والتحضر، وذلك نتيجة الحكام العملاء الذين تسلطوا علي رقاب المسلمين وأذاقوهم ألواناً من الذل والقهر والكبت والعذاب، فساموا العباد وخربوا البلاد من أجل نزواتهم وشهواتهم العابرة، حتي جعلوا الفرد المسلم يشعر باليأس والإحباط لما يعانيه من أزمات تحل عليه وعلي أمته تباعاً.

لقد سعي الأعداء المستعمرون إلي قتل الروح الإسلامية لدي الفرد المسلم بكل ما أوتوا من قوة، ومحاربة الدين الإسلامي والعلماء ومطاردتهم والقضاء عليهم، ومن ثم التبشير بالدين المسيحي بعدما مهدوا الطريق إليه، وفي هذا المجال يقول أحد المبشرين في آخر مؤتمر عقده البروتستانت قبل الحرب العالمية:

(وعندي أنه يجب علينا قبل أن نبني

النصرانية في قلوب المسلمين أن نهدم الإسلام من نفوسهم، حتي إذا أصبحوا غير مسلمين سهل علينا أو علي من يأتي بعدنا أن يبنوا النصرانية في نفوسهم أو نفوس من يتربون علي أيديهم. إن عملية الهدم أسهل من عملية البناء في كل شيء إلا في موضوعنا هذا؛ لأن هدم الإسلام من نفس المسلم معناه هدم الدين علي العموم، وهي خطة مخالفة لما ندعو إليه لأنها خطة الإلحاد وإنكار للأديان جميعها، ولكن لا سبيل إلي تخليص المسلمين من الإسلام غير هذا السبيل، فانظروا ماذا أنتم فاعلون؟)().

والاكتفاء الذاتي وتقدم الأمة، كثيراً ما ركز عليه سماحة المرجع الراحل آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي H في كتاباته ولقاءاته ومحاضراته مع مختلف الطبقات الذين كان يلتقي بهم، فكان ? يؤكد علي ضرورة النهوض بالإسلام والمسلمين من خلال التوعية الجماهيرية العامة ونشر الكتب، بالإضافة إلي تأسيس الأحزاب الحرة وبناء المؤسسات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وكذلك العودة إلي المبادئ الإسلامية في الأخوة والأمة الواحدة وإطلاق الحريات الشاسعة التي منحها الإسلام للمسلمين واستمتاعهم بالمباحات وحيازتها مما يجعلهم خير أمة أخرجت للناس.

وفي هذا الكتاب (الاكتفاء الذاتي والبساطة في العيش) يلمس القارئ كيفية توجيه سماحة المرجع H أفراد الأمة الإسلامية إلي ضرورة الأخذ بمسألة الاكتفاء الذاتي حتي يتمكنوا من النهوض بواقعهم وانتشالها من الواقع المرير لتكون في مصاف الأمم الراقية.

ومؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر، يسرها أن تضع هذا الكتاب القيم بين يدي شباب الأمة ومفكريها، مساهمةً منها في الأخذ بيد الأمة لما فيه خير الإسلام والمسلمين، والعودة بها إلي سالف عزها ومجدها.

نسأل الله تعالي أن يمن علي الإمام الراحل بالمغفرة والرضوان، وأن ينفع بهذا الكتاب كما نفع بغيره من مؤلفاته، إنه سميع مجيب.

والحمد لله رب العالمين.

مؤسسة

المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

قانون الاكتفاء والبساطة

من أهم أسباب التقدم في الأمم وكذلك الأفراد: الاكتفاء الذاتي والبساطة في العيش، وهذا يوجب سعادة الدارين، ولاتختص السعادة المترتبة عليه بالأمور الدنيوية فحسب.

قال الباري تبارك وتعالي: ?وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَي لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَّشْكُوراً عليهم السلام كُلاًّ نُّمِدُّ هؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً?().

وهذه الآية المباركة تدل علي أنه لا فرق في عطاء قانون الاكتفاء وقانون البساطة، بين المسلم والكافر، والمؤمن والمنافق، فمن أخذ بهذين القانونين تقدم في الحياة، ومن تركهما تأخر.

العمل طريق الاكتفاء

إن الاكتفاء الذاتي بحاجة إلي العمل المستمر، والقضاء علي البطالة، وترك الكسل والضجر واليأس.

قال الإمام الرضا عليه السلام: ?إن رجلا أتي النبي صلي الله عليه و اله ليسأله، فسمعه وهو صلي الله عليه و اله يقول: من سألنا أعطيناه، ومن استغني أغناه الله. فانصرف ولم يسأله، ثم عاد إليه فسمع مثل مقالته فلم يسأله، حتي فعل ذلك ثلاثاً. فلما كان في اليوم الثالث مضي واستعار فأساً وصعد الجبل، فاحتطب وحمله إلي السوق فباعه بنصف صاع من شعير فأكله هو وعياله، ثم أدام علي ذلك حتي جمع ما اشتري به فأساً، ثم اشتري بكرين وغلاماً وأيسر. فصار إلي النبي صلي الله عليه و اله فأخبره، فقال صلي الله عليه و اله: أليس قد قلنا: من سأل أعطيناه ومن استغني أغناه الله?().

وجاء في فقه الرضا عليه السلام: ?وأروي عن العالم() عليه السلام أنه قال: وقوا دينكم بالاستغناء بالله عن طلب الحوائج، واعلموا أنه من خضع لصاحب سلطان جائر أو لمخالف، طلباً لما في يديه من دنياه، أهمله الله ومقت عليه ووكله إليه، فإن هو غلب علي شي ء من دنياه نزع الله منه البركة، ولم ينفعه بشي ء

في حجته، ولغيره من أفعال البر?().

البساطة في العيش

البساطة في العيش توجب أن يركز الإنسان في حياته علي الضروريات بعيداً عن الكماليات، وهي من أهم أسباب التقدم. أما إذا اشتغل الإنسان بالكماليات والمسائل الرفاهية وما أشبه، فإنه سيبتعد شيئاً فشيئاً عن الضروريات والأمور المهمة، وكثيراً ما يقع في الحرام ويرتكب الموبقات.

روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ?إن وَلِيَّ علي عليه السلام لايأكل إلا الحلال؛ لأن صاحبه عليه السلام كان كذلك، وإن وليَّ عثمان لا يبالي أحلالاً أكل أو حراماً؛ لأن صاحبه كذلك?. قال: ثم عاد إلي ذكر علي عليه السلام فقال: ?أما والذي ذهب بنفسه، ما أكل عليه السلام من الدنيا حراماً قليلاً ولا كثيراً حتي فارقها، ولا عرض له أمران كلاهما لله طاعة إلا أخذ بأشدّهما علي بدنه، ولا نزلت برسول الله صلي الله عليه و اله شديدة قط إلا وجّهه عليه السلام فيها ثقةً به، ولا أطاق أحد من هذه الأمة عمل رسول الله صلي الله عليه و اله بعده غيره عليه السلام، ولقد كان عليه السلام يعمل عمل رجل كأنه ينظر إلي الجنة والنار، ولقد أعتق ألف مملوك من صلب ماله، كل ذلك تحفّي فيه يداه وتعرق جبينه التماس وجه الله عزوجل والخلاص من النار، وما كان قوته عليه السلام إلا الخل والزيت، وحلواه التمر إذا وجده، وملبوسه الكرابيس، فإذا فضل عن ثيابه شيء دعا بالجلم() فجزه?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?كان علي عليه السلام أشبه الناس طعمة وسيرة برسول الله صلي الله عليه و اله، وكان يأكل الخبز والزيت ويطعم الناس الخبز واللحم قال: وكان علي عليه السلام يستقي ويحتطب، وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز وترقع، وكانت من

أحسن الناس وجهاً كأن وجنتيها وردتان، صلي الله عليها وعلي أبيها وبعلها ووُلدها الطاهرين?().

وهذه الروايات كلها تدل علي البساطة في العيش وهي من مقومات الاكتفاء الذاتي.

من سمات النجاح

إذن هناك سمات للإنسان الناجح، والمجتمع المتقدم في الحياة، وهي أمور عدة، من أهمها أمران:

الأول: الاكتفاء الذاتي، وذلك بأن يسد احتياجاته الصغيرة والكبيرة مهما أمكن بنفسه، ولا يتوقع أو ينتظر من الغير إسداء العون إليه.

الثاني: أن تكون حياته قائمة علي البساطة والزهد، بلا تكلف ولااهتمام بالكماليات والمسائل الرفاهية المختلفة والشكليات المعقدة، التي تهدر أوقاته وأمواله وعمره بالأمور التافهة مما يؤثر سلباً علي الأصول المهمة في العيش، وذلك إقتداءً وأسوة بالأنبياء والأئمة والصالحين عليهم السلام حيث اتخذوا الزهد في الدنيا وما فيها.

مقومات الاكتفاء

ويرد هنا سؤال هو: كيف يمكن أن نقوي فينا واقع الاكتفاء الذاتي؟.

وماذا يجب أن نعمل كي نكتفي ذاتياً؟.

وفي الجواب نقول:

هناك مقدمتان أساسيتان تشكلان مبدأ الاكتفاء الذاتي في كل إنسان وكل مجتمع وكل أمة:

الأولي: ثقافة الاكتفاء، أي الفكر والتوعية التي تبين لنا أهمية الاكتفاء وضرورته في سبيل تقدم الفرد والأمة.

والثانية: التخطيط العملي للاكتفاء وم ثم تطبيق تلك البرامج والأفكار في الحياة اليومية والواقع المعاش، وهذه المقدمة الثانية أصعب من الأولي.

خير أسوة

إن أفضل أسوة وأحسن مصداق عملي للبساطة والزهد في العيش نجده في حياة الإمام أمير المؤمنين علي وفاطمة الزهراء عليهما السلام؛ حيث جعلا فراشهما جلد شاة بدلاً من الفراش والرياش، واستعملا الأواني الخزفية التي كان يستخدمها أبسط الناس حينذاك، بدلاً من القوارير الفضية، وكانا يستعملان التراب في الغسل والتنظيف، حتي في غسل الأطفال وتنظيفهم.

قال الإمام الصادق عليه السلام: ?إن علياً عليه السلام تزوج فاطمة عليها السلام علي جرد بردٍ، ودرع، وفراش كان من إهاب كبش?().

وقال الإمام الباقر عليه السلام: ?لما تزوج علي فاطمة عليهما السلام بسط البيت كثيباً، وكان فراشهما إهاب كبش، ومرفقهما محشوة ليفاً، ونصبوا عوداً يوضع عليه السقاء فستره بكساء?().

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ?أدخل رسول الله صلي الله عليه و اله فاطمة علي علي عليه السلام وسترها عباءة، وفرشها إهاب كبش، ووسادتها أدم محشوة بمسد?().

وعنه عليه السلام قال: ?إن فراش علي وفاطمة عليهما السلام كان سلخ كبش يقلبه فينام علي صوفه?().

وعن جهاز أمير المؤمنين والصديقة الزهراء عليهما السلام يقول الإمام الصادق عليه السلام: ?وسكب الدراهم في حجره، فأعطي منها قبضة كانت ثلاثة وستين أو ستة وستين إلي أم أيمن لمتاع البيت، وقبضة إلي أسماء بنت عميس للطيب، وقبضة إلي أم سلمة للطعام،

وأنفذ عماراً وأبا بكر وبلالاً لابتياع ما يصلحها، وكان مما اشتروه قميص بسبعة دراهم، وخمار بأربعة دراهم، وقطيفة سوداء خيبرية، وسرير مزمل بشريط، وفراشان من خيش مصر حشو أحدهما ليف، وحشو الآخر من جز الغنم، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر، وستراً من صوف، وحصير هجري، ورحاء اليد، وسقاء من أدم، ومخضب من نحاس، وقعب للبن، وشن للماء، ومطهرة مزفتة، وجرة خضراء، وكيزان خزف وفي رواية ونطع من أدم، وعباء قطواني، وقربة ماء?().

من كتاب زهد أمير المؤمنين عليه السلام عن عقيل بن عبد الرحمن الخولاني قال: (كانت عمتي تحت عقيل بن أبي طالب عليه السلام فدخلت علي علي عليه السلام بالكوفة وهو جالس علي بَرذَعة() حمار مبتلة! قالت: فدخلت علي علي عليه السلام امرأة له من بني تميم فقلت لها: ويحك إن بيتك ممتلئ متاعا وأمير المؤمنين عليه السلام جالس علي برذعة حمار مبتلة؟ فقالت: لا تلوميني فو الله ما يري شيئاً ينكره إلا أخذه فطرحه في بيت المال)().

وقد كان كثير من الأصحاب المؤمنين يتبعون نفس هذا الأسلوب في الحياة الزوجية والاجتماعية، إقتداءً بهما عليهما السلام، وعملاً بما جاء به رسول الله صلي الله عليه و اله.

ولذا نري الأمة الأسلامية في عهد رسول الله ? وعهد أمير المؤمنين عليه السلام كانت من الأمم المتطورة والتي لا تحتاج إلي أي أمة أخري في زراعتها وصناعتها وسلاحها وسائر ما يرتبط بحياتها.

وفي البيت العائلي

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لرجل من بني سعد:

?ألا أحدثك عني وعن فاطمة عليها السلام، أنها كانت عندي فاستقت بالقربة حتي أثر في صدرها، وطحنت بالرحي حتي مجلت يدها، وكسحت البيت حتي اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتي دكنت ثيابها،

فأصابها من ذلك ضر شديد.

فقلت لها: لو أتيتِ أباكِ فسألته خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل؟.

فأتت النبي صلي الله عليه و اله فوجدت عنده حداثاً، فاستحيت فانصرفت.

فعلم النبي صلي الله عليه و اله أنها قد جاءت لحاجة، فغدا علينا ونحن في لحافنا، فقال: السلام عليكم، فسكتنا واستحيينا لمكاننا.

ثم قال: السلام عليكم، فسكتنا.

ثم قال: السلام عليكم، فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف، وقد كان يفعل ذلك فيسلّم ثلاثاً فإن أذن له وإلا انصرف، فقلنا: وعليك السلام يا رسول الله، أدخل.

فدخل وجلس عند رؤوسنا، ثم فقال: يا فاطمة، ما كانت حاجتكِ أمس عند محمد.

قال: فخشيت إن لم نجبه أن يقوم، فأخرجتُ رأسي فقلت: أنا والله أخبرك يا رسول الله، إنها استقت بالقربة حتي أثر في صدرها، وجرت بالرحي حتي مجلت يداها، وكسحت البيت حتي اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتي دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيتِ أباكِ فسألته خادماً يكفيك حر ما أنت فيه من هذا العمل.

قال: أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم، إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعاً وثلاثين تكبيرة، وسبّحا ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، واحمدا ثلاثاً وثلاثين تحميدة.

فأخرجت فاطمة عليها السلام رأسها، فقالت: رضيتُ عن الله وعن رسوله، رضيتُ عن الله ورسوله?().

وعن جابر الأنصاري قال: إنه رأي النبي صلي الله عليه و اله فاطمة عليها السلام وعليها كساء من أجلة الإبل، وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: ?يا بنتاه، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة. فقالت: يا رسول الله، الحمد لله علي نعمائه، والشكر لله علي آلائه. فأنزل الله: ?وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَيَ?()?().

سيرة الأنبياء والأئمة عليهم السلام

وهكذا كان أنبياء الله (صلوات الله عليهم أجمعين) كما أخبر

الصادق الأمين، حيث ورد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?وإن شئت نبأتك بأمر داود خليفة الله في الأرض كان لباسه الشعر وطعامه الشعير? إلي أن قال: ?وإن شئت نبأتك بأمر إبراهيم خليل الرحمن، كان لباسه الصوف وطعامه الشعير، وإن شئت نبأتك بأمر عيسي ابن مريم فهو العجب كان يقول: إدامي الجوع، وشعاري الخوف، ولباسي الصوف?().

وفي الحديث: دخل الإمام الصادق عليه السلام الحمام، فقال له صاحب الحمام: نخليه لك؟.

فقال: ?لا، إن المؤمن خفيف المئونة?().

وهذه الخفة والبساطة كانت السمة الغالبة لحياة المسلمين في الصدر الأول للإسلام، وهي التي جعلتهم يتقدمون ذلك التقدم الباهر والسريع علي سائر الأمم التي كانت معاصرة لبدء الإسلام، فاستطاعوا بذلك أن يفتحوا قسماً كبيراً من إمبراطورية الروم شمالاً، وبلاد فارس شرقاً، فضلاً عن بلاد النجاشي، والهند، وجزءً من الصين؛ لأن التقدم لا يحصل إلا بالهمة والنشاط والعمل، وهذه كلها لا تنسجم مع الحياة الناعمة والعيش المرفه الوثير، ولا تنسجم أيضا مع الكسل والضجر واليأس وما أشبه.

العمل الدءوب

أتذكر ذات مرة، ذهبنا مع جماعة من الأصدقاء لزيارة مرقد أولاد مسلم عليهما السلام() في المسيب، وبعد أن وصلنا إلي هناك وأتممنا زيارتنا ذهبنا إلي جسر المسيب وكان الجو حاراً جداً. فرأينا العمال منهمكين في تصليح وترميم الجسر علي الرغم من حرارة الجو اللاهبة، وعند الظهر حانت ساعة الاستراحة فتوقف جميع العمال عن العمل والتجئوا إلي الظل ليتناولوا غذاءهم ويحصلوا علي قسط من الراحة. ولكن الأمر الذي لفت انتباهنا هو حالة المهندس الذي كان مسئولاً عن ترميم الجسر فإنه الوحيد الذي لم يرفع يده عن العمل، بل استمر تحت وهج الشمس المحرقة، يباشر فحص مواد التعمير ودراستها والتأكد

من إتمام العمل فيها وعدم نقصه، ومع أن العرق كان يتصبب منه بغزارة لكنه لم يلتفت لذلك أبداً، ولم يسترح طوال الوقت حتي أنهي مهمته.

نعم، الذين يتقدمون في الحياة هم الذين لا يعرفون التعب، ويعملون ليل نهار بدون توقف، بالرغم من كل المشاكل والصعاب التي تعترض سبيلهم. قال أمير المؤمنين عليه السلام: ?من بذل جهد طاقته بلغ كنه إرادته?().

وقال عليه السلام: ?ما أدرك المجد من فاته الجد?().

وقال عليه السلام: ?ما أقرب النجاح ممن عجل السراح?().

العمل في فترة الاستجمام

نقل أحد الأدباء() قصة ذكر فيها ما لمسه من اهتمام الغربيين بالوقت حتي في أوقات استجمامهم، فقال:

سافرت مرة إلي تونس للاستجمام والترفيه عن النفس، وفي نفس الفندق الذي حجزت فيه غرفة، كان يقيم أيضاً شخص غربي، وبعد أن تعرفت عليه وحادثته، قال لي: بأنه جاء إلي تونس بحثاً عن معالم التراث والآثار القديمة، وكان هذا الشخص جاداً في عمله، فيومياً كان يخرج ويحمل معه مقداراً من الماء والخبز ومسحاة وفأساً، ويصطحب معه عاملاً، ويذهب إلي الصحاري المحيطة بتلك المنطقة، ويقوم بالحفر هنا وهناك، ويستخرج بعض الأحجار والآثار القديمة، ويأتي بها إلي الفندق ويجمعها.

وفي أحد الأيام، عندما كان خادم الفندق ينظف الغرف، ألقي بهذه الأحجار في سلة المهملات لجهله بها، فأخذتها سيارة القمامة والنفايات التابعة للبلدية، وألقتها خارج المدينة مع سائر النفايات التي جمعتها. وعندما أتي هذا الرجل السائح واطلع علي حقيقة الأمر تأثر تأثراً كبيراً، وقال بحزن وأسف شديدين: قد ضاعت جهود شهرين كاملين، فإن هذه الأحجار كانت من أهم ما عثرت عليه من الآثار المهمة في هذه المنطقة وبسبب جهل الخادم ضاعت مني.

نعم، هؤلاء حتي في السياحة والاصطياف لا يضيعون الوقت بل يستغلونه بالبحث والتنقيب والتدقيق.

وكم رأينا من السياح

والأجانب يأتون إلي كربلاء المقدسة من الأماكن البعيدة، فيقطعون المسافات الطويلة بواسطة الدراجات النارية مع بساطة الإمكانات، نراهم يقضون الأيام والليالي في الصحاري والمناطق القاحلة، بلا ماء أو غذاء، ويصل الأمر بهم في بعض الأحيان إلي أكل الحشائش والأعشاب الصحراوية، ويستريحون في المزارع والحدائق العامة، أو علي قارعة الطريق، ثم يستأنفون رحلتهم وجولتهم من أجل رؤية بلاد العالم عن كثب، ودراسة أوضاعها من قرب، ومعرفة أساليب معيشة الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم، وربما لأهداف أخري كالتجسس وما أشبه، حيث إن بعض هؤلاء كان هدفهم التجسس وتمهيد السبيل للاستعمار، ولكن البعض الآخر منهم كان من السياح الحقيقيين الذين تهمهم قضايا المعرفة والاستطلاع.

ومهما كانت الأهداف فالكلام في الجد والعمل وعدم الضجر والكسل والملل.

المسلمون بين الأمس واليوم

قال تبارك وتعالي: ?كُلاًّ نُّمِدُّ هؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً?().

إن حياة الدنيا ونعيمها ينالها عادة الذين يعملون ويجتهدون بلا ملل أو كلل، فيتعبون أنفسهم بكل عزيمة، جاعلين البساطة وعدم التعقيد شعارهم، كما أنهم يهتمون بالأمور الحقيقية المهمة ويتركون الجزئيات غير المهمة.

بينما في الوقت الحاضر، نجد أن كثيراً من المسلمين يقضون أوقاتهم في طلب الراحة والدعة، والجاه والمنصب الفارغ من محتواه الحقيقي، فلا يفكرون في استقلالهم وحريتهم، بل وحتي لايهتمون بحياتهم الخاصة وتقدمهم الاجتماعي والعلمي.

ولو ألقينا نظرة فاحصة علي تاريخ صدر الإسلام وذلك التقدم الكبير الذي حصل للمسلمين، لرأينا أن من أسبابه بساطة الحياة وعدم التعقيد.

ومن الشواهد التي يمكن أن نستشهد بها علي ذلك، ما ذكر من أحداث ووقائع إبان فتح المسلمين لإيران التي كانت تسمي بالإمبراطورية الساسانية ()، فكتب الله للمسلمين النصر لما اتصفوا به من همة عالية وإخلاص في النية وزهد في الدنيا، وتصميمهم القوي علي إنقاذ الناس من نير

حكام الجور والأنظمة الفاسدة. حيث ذكر أنه في ذلك اليوم عندما تحرك المسلمون من أجل تخليص بلاد فارس من القهر والظلم الكسروي، وبعد مناوشات عديدة مع جيش الفرس عسكروا في مقابل عسكرهم، فأرسل (رستم) قائد جيش الفرس رسولاً يسألهم: لماذا أتيتم إلي قتالنا؟.

فأرسل المسلمون رجلاً منهم إلي رستم، يرتدي ملابس خلقة، ويحمل معه سيفاً بلا غمد، قد علقه بكتفه بحبل من خوص النخيل، فعندما شاهد رستم هيئة ولباس ذلك الرجل المسلم، قال له: أنتم الأعراب لم تكونوا تحاربون من أجل هدف، وإنما من أجل تحصيل حمل بعير من التمر أو الحنطة، وأنا الآن أعطيكم هذه الأشياء، فارفعوا أيديكم عن الحرب وعودوا إلي أوطانكم!.

فقال له المسلم: كلامك صحيح سابقاً؛ إذ كنا أذلاء وضعفاء، وكنا نحارب لغرض السلب والنهب، ونبذل في ذلك دماءنا وأعراضنا، أما الآن فقد أعزنا الله وشرفنا بالإسلام، وجعلنا نفكر في إنقاذ المستضعفين من نير المستكبرين والطغاة، ولأجل ذلك جئنا إلي هذه الديار، فنحن نحارب لا لأجل الدنيا بل لأجل إنقاذ الناس ونشر الإسلام.

فأخرج رستم سيفاً مرصعاً بالجواهر والأحجار النفيسة وقال له: هذا هدية لك بشرط أن تعود!.

فقال المسلم: كلا، فإن هذا السيف لا ينفعنا، نحن نريد هداية الناس، ثم أخرج سيفه وضرب به سيف رستم فتطايرت بعض المجوهرات منه، فتحير رستم من هذه الجرأة والشجاعة وتعجب كثيراً لموقفه الحازم().

نعم، هكذا كان يطمح المسلمون في نصرة الإسلام، وإعلاء كلمة الله، وهداية الناس إلي الحق بهمم عالية، وبأرواح متفانية في سبيل الله عزوجل، ولذلك وصلوا إلي أهدافهم وأوصلوا الإسلام إلي مختلف آفاق المعمورة.

وفي بعض التواريخ:

أنه ركب (رستم) غداة تلك الليلة وصعد مع النهر وصوب حتي وقف علي القنطرة، وأرسل إلي زهرة فواقفه وعرض له بالصلح،

وقال: كنتم جيراننا وكنا نحسن إليكم ونحفظكم، ويقرر صنيعهم مع العرب، ويقول زهرة: ليس أمرنا بذلك وإنما طلبنا الآخرة، وقد كنا كما ذكرت إلي أن بعث الله فينا رسولاً دعانا إلي دين الحق فأجبناه وقال: قد سلطتكم علي من لم يدن به وأنا منتقم بكم منهم وأجعل لكم الغلبة.

فقال رستم: وما هو دين الحق؟.

فقال: الشهادتان، وإخراج الناس من عبادة الخلق إلي عبادة الله، وأنتم أخوان في ذلك.

فقال رستم: فإن أجبنا إلي هذا ترجعون؟.

فقال: إي والله.

فانصرف عنه رستم ودعا رجال فارس وذكر ذلك لهم، فأنفوا وأرسل إلي سعد قائد الجيش: أن ابعث لنا رجلاً نكلمه ويكلمنا.

فبعث إليهم ربعي بن عامر، وحبسوه علي القنطرة حتي أعلموا رستم، فجلس علي سرير من ذهب، وبسط النمارق والوسائد منسوجة بالذهب. وأقبل ربعي علي فرسه وسيفه في خرقة ورمحه مشدودة بعصب، وقدم حتي انتهي إلي البساط ووطئه بفرسه، ثم نزل وربطها بوسادتين شقهما وجعل الحبل فيهما، فلم يقبلوا ذلك وأظهروا التهاون، ثم أخذ عباءة بعيره فاشتملها، وأشاروا إليه بوضع سلاحه، فقال: لو أتيتكم فعلت كذا بأمركم وإنما دعوتموني.

ثم أقبل يتوكأ علي رمحه ويقارب خطوه حتي أفسد ما مر عليه من البسط، ثم دنا من رستم وجلس علي الأرض، وركز رمحه علي البساط، وقال: إنا لا نقعد علي زينتكم.

فقال له الترجمان: ما جاء بكم؟.

فقال: الله بعثنا لنخرج عباده من ضيق الدنيا إلي سعتها، ومن جور الأديان إلي عدل الإسلام، وأرسلنا بدينه إلي خلقه فمن قبله قبلنا منه وتركناه وأرضه، ومن أبي قاتلناه حتي نفيء إلي الجنة أو الظفر.

فقال رستم: هل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتي ننظر فيه؟.

قال: نعم، كم أحب إليك يوماً أو يومين؟.

قال: لا، بل حتي نكاتب أهل رأينا ورؤساء

قومنا؟.

فقال: إن مما سن لنا رسول الله صلي الله عليه و اله أن لا نمكن الأعداء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم واختر: إما الإسلام وندعك وأرضك، أو الجزية فنقبل ونكف عنك وان احتجت إلينا نصرناك، أو المنابذة في الرابع إن تنبذ، وأنا كفيل بهذا عن أصحابي.

قال: أسيدهم أنت؟.

قال: لا، ولكن المسلمين كالجسد الواحد يجيز بعضهم عن بعض، يجيز أدناهم علي أعلاهم.

فخلا رستم برؤساء قومه، وقال: رأيتم كلاماً قط مثل كلام هذا الرجل؟.

فأروه الاستخفاف بشأنه وثيابه، فقال: ويحكم، إنما أنظر إلي الرأي والكلام والسيرة، والعرب تستخف اللباس وتصون الاحساب.

ثم أرسل إلي سعد: أن ابعث إلينا ذلك الرجل. فبعث إليهم حذيفة بن محصن، ففعل كما فعل الأول ولم ينزل عن فرسه، وتكلم وأجاب مثل الأول.

فقال له: ما قعد بالأول عنا؟.

فقال: أميرنا يعدل بيننا في الشدة والرخاء وهذه نوبتي.

فقال رستم: والمواعدة إلي متي؟.

فقال: إلي ثلاث من أمس.

وانصرف وحاص رستم بأصحابه يعجبهم من شأن القوم، وبعث في الغد عن آخر فجاءه المغيرة، فلما وصل إليهم وهم علي زيهم وبسطهم علي غلوة من مجلس رستم، فجاء المغيرة حتي جلس معه علي سريره فأنزلوه.

فقال: لا أري قوماً أسفه منا معشر العرب لا نستعبد بعضنا بعضاً فظننتكم كذلك، وكان أحسن بكم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، مع أني لم آتكم وإنما دعوتموني، فقد علمت أنكم مغلوبون ولم يقم ملك علي هذه السيرة.

فقالت السفلة: صدق والله العربي.

وقالت الأساطين: لقد رمانا بكلام لا تزال عبيدنا ينزعون إليه، قاتل الله من يصغر أمر هذه الأمة.

ثم تكلم رستم فعظم من أمر فارس، بل من شأن فارس وسلطانهم، وصغر أمر العرب، وقال: كانت عيشتكم سيئة وكنتم تقصدونا في الجدب فنردكم بشيء من التمر والشعير،

ولم يحملكم علي ما صنعتم إلا ما بكم من الجهد، ونحن نعطي أميركم كسوة وبغلاً وألف درهم، وكل رجل منكم حمل تمر وتنصرفون، فلست اشتهي قتلكم.

فتكلم المغيرة وخطب فقال: أما الذي وصفتنا به من سوء الحال والضيق والاختلاف فنعرفه ولا ننكره، والدنيا دول والشدة بعدها الرخاء، ولو شكرتم ما آتاكم الله لكان شكركم قليلاً عما أوتيتم، وقد أسلمكم ضعف الشكر إلي تغير الحال، وإن الله بعث فينا رسولاً.

ثم ذكر مثل ما تقدم إلي التخيير بين الإسلام أو الجزية أو القتال وقال: يدخل من قُتل منا الجنة، ويظفر من بقي منا بكم.

فاستشاط رستم غضباً وحلف أن لا يقع الصلح أبداً حتي أقتلكم أجمعين، وانصرف المغيرة.

وخلا رستم بأهل فارس وعرض عليهم مصالحة القوم، وحذرهم عاقبة حربهم فلجوا، وبعث إليه سعد يعرض عليه الإسلام ويرغب، فأجابه بمثل ما كان يقول لأولئك من الامتنان علي العرب والتعريض بالمطامع، فلم يتفق شيء من رأيهم ().

ابن سينا

يمر حوالي ألف سنة علي وفاة ابن سينا() وهو من كبار علماء المسلمين وكان فريداً في زمانه، وقد كتب كتباً قيمة وكثيرة في الطب وباقي العلوم، فإن كتبه الغنية حتي في هذا الزمان موضع إقبال أهل العلم والمعرفة في شتي الفنون، مع أنه لم يكن من ورائه مال أو دولة تدعمه، وما ذلك إلا لأنه كان راسخ العزم في العمل المتواصل، وكان صاحب همة عالية من أجل التحقيق والتدقيق، وبذلك استطاع أن يحتل موقعاً رائعاً في التأريخ الإسلامي والإنساني.

يذكر ابن سينا في قصة حياته: إنه كان يقرأ ويراجع بعض المطالب أربعين مرة حتي يفهمها ويدرك مغزاها، وهذا الاستمرار عمل صعب جداً ولا يستطيع كل أحد أن يفعله، ولذلك نراه قد تقدم وترقي وقدّم للناس، بينما

كثير من العلماء والمحققين في العصر الحاضر لايتوصلون إلي ما توصل إليه ابن سينا.

ينقل القفطي في كتاب تاريخ الحكماء() عن ابن سينا قوله:

ثم عدت إلي العلم الإلهي وقرأت كتاب (ما بعد الطبيعة)، فما كنت أفهم ما فيه، والتبس عليَّ غرض واضعه، حتي أعدت قراءته أربعين مرة، وصار لي محفوظاً وأنا مع ذلك لا أفهمه ولا المقصود به، وأيست من نفسي، وقلت: هذا كتاب لا سبيل إلي فهمه. فإذا أنا في يوم من الأيام حضرت وقت العصر في الوراقين وبيد دلال مجلد ينادي عليه، فعرضه عليَّ فرددته رد متبرم معتقد أن لا فائدة في هذا العلم. فقال لي: اشتر مني هذا، فإنه رخيص أبيعكه بثلاثة دراهم، وصاحبه محتاج إلي ثمنه. فاشتريته فإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في أغراض ما بعد الطبيعة. فرجعت إلي بيتي وأسرعت قراءته، فانفتح عليَّ في الوقت أغراض ذلك الكتاب بسبب أنه قد صار لي علي ظهر القلب، وفرحت بذلك وتصدقت ثاني يومه بشيء كثير علي الفقراء شكرا لله تعالي().

وينقل عن ابن سينا أنه قال: إن مما كلفني استادي في الأدب حفظ ديوان ابن الرومي، فحفظته في ستة أيام ونصف يوم().

وقيل: إن أحداً من فحول علماء أصفهان المسمي بأبي منصور كان حاضراً في مجلس السلطان علاء الدولة، فبلغ الكلام إلي علم اللغة، فتصرف الشيخ أي ابن سينا فيه، فقال له أبو منصور: أنت حكيم وليس لك خبر وإطلاع باللغة، وهي محتاجة إلي السماع ولم تتبع في متن اللغة.

فاستنكف الشيخ من هذا الكلام، فواظب اللغة والمطالعة فيها ودرسها فضبطها في قليل من الزمان، فأنشد قصائد ثلاثة ورسائل كذلك، وأدرج فيها الألفاظ الغريبة واللغات العجيبة وسودها في قراطيس عتيقة وطلب من علاء الدولة مجمعاً

بين أبي منصور وبينه، وقال له: إني أريد الإطلاع علي مضامين هذه الأوراق وترجمتها.

فعمل بمقتضي سؤاله، فسئل من أبي منصور معاني تلك الألفاظ في الأوراق، فمهما اختفي عليه معني لغة منها بينها الشيخ، وكان يقول: إنها في الكتاب مسطور ومعناها كذا وكذا.

فالتفت أبو منصور من مزيد الكياسة والفطانة أن هذه القصائد والرسائل من مؤلفات الشيخ، فلا جرم قد قدم بالاعتذار وأقر بفضيلة الشيخ وتقدمه في كل العلوم.

وقد نقل أنه قد كتب رسالة في المنطق، فاتفق وقوعها في شيراز بيد علمائها، وقد اشتبه عليهم كثير من مواضعها لم ينكشف، فثبتوا موارد الاشتباه في جزء وأعطوه بيد من يحمله إلي الشيخ، وينحل عقدها ويرتفع الحجاب والستور عن وجوهها، فوصل إلي أصفهان عند غروب الشمس في فصل الحرارة، فلاقاه وأخذ الجزء.

فلما فرغ من صلاة العشاء الآخرة اشتغل بمطالعته وتدوين جوابه، وقد كتب في خمسة أجزاء كل جزء عشرة أوراق، ثم نام وصلي صلاة الصبح أداءً علي قانونه وطريقته، وأعطي الأجزاء بيد أبي القاسم وقال: استعجلت في الجواب، فتعجب أبو القاسم().

قال ابن سينا: ورغبت في الطب وبرزت فيه وقرؤوا عليَّ، وأنا مع ذلك أختلف إلي الفقه، وأناظر ولي ست عشرة سنة. ثم قرأت جميع الفلسفة، وكنت كلما أتحير في مسألة، أو لم أظفر بالحد الأوسط في قياس، ترددت إلي الجامع وصليت وابتهلت إلي مبدع الكل حتي فتح لي المنغلق منه. وكنت أسهر … إلي أن قال حتي استحكم معي جميع العلوم، وقرأت الكتاب (ما بعد الطبيعة)، فأشكل عليَّ حتي أعدت قراءته أربعين مرة، فحفظته ولا أفهمه، فأيست. ثم وقع لي مجلد لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب (ما بعد الحكمة الطبيعية)، ففتح عليَّ أغراض الكتب ففرحت وتصدقت بشيء كثير.

واتفق

لسلطان بخاري نوح مرض صعب، فأُحضرت مع الأطباء وشاركتهم في مداواته، فسألت إذناً في نظر خزانة كتبه، فدخلت فإذا كتب لا تحصي في كل فن فظفرت بفوائد إلي أن قال فلما بلغت ثمانية عشر عاماً فرغت من هذه العلوم كلها، وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ، ولكنه معي اليوم أنضج، وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي شيء، وصنفت (المجموع) فأتيت فيه علي علوم، وسألني جارنا وكان مائلاً إلي الفقه والتفسير والزهد، فصنفت له (الحاصل والمحصول) في عشرين مجلدة، ثم تقلدت شيئاً من أعمال السلطان، وكنت بزي الفقهاء إذ ذاك بطيلسان محنك، ثم انتقلت إلي نسا ثم أبا ورد وطوس وجاجرم ثم إلي جرجان().

قال ابن سينا: لما بلغت التميز سلمني أبي إلي معلم القرآن ثم إلي معلم الأدب، فكان كل شيء قرأ الصبيان علي الأديب احفظها، والذي كلفني أُستاذي كتاب (الصفات) و(غريب المصنف) ثم (أدب الكاتب) ثم (إصلاح المنطق) ثم (كتاب العين) ثم (شعر الحماسة) ثم (ديوان ابن الرومي) ثم (تصريف المازني) ثم (نحو سيبويه) فحفظت تلك الكتب في سنة ونصف سنة، ولولا تعويق الأستاذ لحفظتها بدون ذلك، وهذا مع حفظي وظائف الصبيان في المكتب، فلما بلغت عشر سنين كان في بخاري يتعجبون مني، ثم شرعت في الفقه فلما بلغت اثنتي عشرة سنة كنت أفتي في بخاري علي مذهب أبي حنيفة، ثم شرعت في علم الطب، وصنفت (القانون) وأنا ابن ست عشرة سنة، فمرض نوح بن منصور الساماني، فجمعوا الأطباء لمعالجته فجمعوني معهم، فرأوا معالجتي خيراً من معالجات كلهم فصلح علي يدي. فسألته أن يوصي خازن كتبه أن يعيرني كل كتاب طلبت ففعل، فرأيت في خزانته كتب الحكمة من تصانيف أبي نصر طرخان الفارابي، فاشتغلت بتحصيل الحكمة

ليلاً ونهاراً حتي حصلتها، فلما انتهي عمري إلي أربع وعشرين كنت أفكر في نفسي ما كان شيء من العلوم أني لا اعرفه().

وهذه نماذج من حياة الذين عملوا وأتعبوا أنفسهم وسهروا الليالي طلباً لما أرادوه فوصلوا إليه.

طعم الحياة

إن البساطة في العيش هي مسؤولية الحكام أولاً، فإن من تولي أمور الناس عليه أن يعيش بحال أضعفهم، وهكذا كان رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام في حكومتيهما العادلة.

جاء في نهج البلاغة: من كتاب لأمير المؤمنين عليه السلام إلي عثمان بن حنيف الأنصاري وكان عامله علي البصرة، وقد بلغه: أنه دُعي إلي وليمة قوم من أهلها، فمضي إليها، فقال له:

?أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَي مَأْدُبَةٍ، فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ لَكَ الأَلْوَانُ، وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَي طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ، وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ.

فَانْظُرْ إِلَي مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ، فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ، وَمَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِي ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ، أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَي مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ، أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَي ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ، وَعِفَّة وَسَدَادٍ، فَوَ اللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً، وَلاَ ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَلاَ أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً، وَلاَ حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً، وَلاَ أَخَذْتُ مِنْهُ إِلاَ كَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ، وَلَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَي وَأَوْهَنُ مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ(). بَلَي كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ() مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ، وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَغَيْرِ فَدَكٍ، وَالنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ، تَنْقَطِعُ

فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا، وَتَغِيبُ أَخْبَارُهَا، وَحُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا، وَأَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا، لاَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَالْمَدَرُ، وَسَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ، وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَي، لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الأَكْبَرِ، وَتَثْبُتَ عَلَي جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ.

وَلَوْ شِئْتُ لاَهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَي مُصَفَّي هَذَا الْعَسَلِ، وَلُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ، وَنَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَي تَخَيُّرِ الأَطْعِمَةِ، وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لاَ طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ، وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ، أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَي، وَأَكْبَادٌ حَرَّي، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:

وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ

وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَي الْقِدِّ

أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ، فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدًي، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ.

وَكَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ: إِذَا كَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الأَقْرَانِ، وَمُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ، أَلاَ وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً، وَالرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً، وَالنَّابِتَاتِ الْعِذْيَةَ أَقْوَي وَقُوداً، وَأَبْطَأُ خُمُوداً، وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ، وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ، وَاللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَي قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا، وَلَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا، وَسَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ، وَالْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ، حَتَّي تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ.

إلي أن قال عليه السلام: إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا، فَحَبْلُكِ عَلَي غَارِبِكِ، قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ، وَأَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ، وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ.

أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ؟.

أَيْنَ الأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ؟.

فَهَا هُمْ رَهَائِنُ

الْقُبُورِ وَمَضَامِينُ اللُّحُودِ.

وَاللَّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً، وَقَالَباً حِسِّيّاً، لاَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالأَمَانِيِّ، وَأُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي، وَمُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَي التَّلَفِ، وَأَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلاَءِ، إِذْ لاَ وِرْدَ وَلاَ صَدَرَ. هَيْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ، وَمَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ، وَمَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ، وَالسَّالِمُ مِنْكِ لاَ يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ، وَالدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْمٍ حَانَ انْسِلاَخُهُ. اعْزُبِي عَنِّي فَوَ اللَّهِ لاَ أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي، وَلاَ أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي.

وَايْمُ اللَّهِ، يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، لاَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَي الْقُرْصِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً، وَتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً، وَلاَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا، مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا، أَ تَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ() مِنْ رِعْيهَِا فَتَبْرُكَ! وَتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ! وَيَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ، قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَي بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ، وَالسَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ.

طُوبَي لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَي رَبِّهَا فَرْضَهَا، وَعَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا، وَهَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا، حَتَّي إِذَا غَلَبَ الْكَرَي عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا، وَتَوَسَّدَتْ كَفَّهَا، فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ، وَتَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ، وَهَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ، وَتَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ، ?أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?().

فَاتَّقِ اللَّهَ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ، وَلْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ لِيَكُونَ مِنَ النَّارِ خَلاَصُكَ?().

نعم، إن طعم الحياة ولذتها والمعاني الحقيقية فيها تكمن في خوض الصعوبات في سبيل الله، وفي تحمل المشاكل لوجه الله.

وجني الثمار المفيدة تتم عبر الاكتفاء الذاتي والبساطة في العيش، وليس عبر الرفل بالنعيم والراحة.

نعم، علي الإنسان أن يجعل اللذة في سبيل الوصول إلي الهدف الأسمي، لا لأجل صرف الوقت في الملذات والهوي وملء البطن والتمتع والأمور التافهة.

وهناك بعض القصص من حياتنا المعاصرة تدل علي الفرق بين من يعمل ومن لا

يعمل.

الفرق بين الشخصيتين

سافر اثنان من طلبة العلوم الدينية لأجل التبليغ خارج بلدتهم، وكان أحدهما يمتاز بروحية عالية، وقد ربي نفسه علي البساطة في العيش والاكتفاء الذاتي في أموره مهما أمكن؛ لذلك فقد أحرز نجاحاً واسعاً في مهمة التبليغ، وكان يشعر براحة نفسية كبيرة؛ لأنه قد قام بواجبه وأوصل رسالته ونال هدفه، فكان يتحدث عن تجربته الناجحة وما أنجزه بروحية عالية وسعادة بالغة، وكان علي أمل حصول الثواب الإلهي الذي وفق لأسبابه في مجال التبليغ وهداية الناس ونشر المذهب الحق، رغم الصعاب التي كان لاقاها والمشاق التي تحملها.

أما الثاني، حيث لم يكن قد ربي نفسه علي روح البساطة والاكتفاء، وكان يتصور بأنه متي ما يباشر في التبليغ فإن الناس سوف يهرعون إليه، ويستقبلونه بحرارة فائقة ويلبون جميع حوائجه ويقضونها له؛ لذلك عندما صدمه الواقع وخالف توقعاته عاد من التبليغ وهو ساخط علي الناس غير راض عنهم. فكان أينما يجلس يبدأ ببث آلامه وهمومه، ويقول: نحن في آخر الزمان، فالناس لاينفعهم التبليغ والإرشاد، إلي غير ذلك من الأعذار والعلل الضعيفة.

إن الفرق بين هذين الشخصين، إنما هو في الشخصية: فإن أحدهما كان قد ربي نفسه وبناها علي الاكتفاء الذاتي والبساطة في العيش، ووطنها علي العمل الجاد والمثابرة والمبادرة في كل شيء مما يرضي الرب عزوجل، بينما الثاني ترك نفسه ولم يربها علي الاكتفاء الذاتي والبساطة، بل رباها علي الاتكال علي الغير، والانتظار من الجميع ليهبوا في خدمته وإنجاز أعماله ووظائفه.

الحسينية العامرة

وفي قصة أخري، سُلمت إدارة حسينية من الحسينيات إلي أحد الأشخاص، وذلك للإشراف عليها وإقامة البرامج والأنشطة الدينية فيها.

فعندما حل شهر محرم الحرام وباشر بإقامة المجالس فيها، لوحظ الجمود والرتابة فيها وعدم الإقبال والتفاعل من قبل الناس علي هذه الحسينية

علي عكس سائر الحسينيات، وفي النهاية آلت إدارة هذا الفرد إلي الفشل، ولم يستطع أن يقدم شيئاً في هذا المجال، ولا أن يجمع الناس حوله لإنجاح الحسينية.

عند ذلك أوكلت مهام هذه الحسينية إلي فرد آخر لإدارتها، فأجاد في إدارتها وأقام فيها مأتماً ضخماً، بالرغم من أنه لم يكن من أهل العلم، فسألته عن سبب هذا التجمع الغفير والبرنامج الضخم في جميع المجالات من إقامة العزاء والطبخ وما أشبه، فقال: إنني استقبل كل من يدخل الحسينية بحرارة وأودعه بحفاوة وتقدير، وأقول له: أنت جئت إلي هذا المكان من أجل الإمام الحسين عليه السلام فماذا تهدي وتقدم للإمام عليه السلام؟. فأحدهم يهدي شاة والآخر أرزاً، والثالث سمناً، وهكذا، وكان هذا الأسلوب باعثاً شديداً علي قوة المجالس واستمرارها في هذه الحسينية.

ونفس هذا الفرد عند ما كان في كربلاء المقدسة أوكلت إليه إدارة مسجد خلف صحن مولانا أبي الفضل العباس عليه السلام، وكان خرباً ومفروشاً بالحصير. فعندما تسلمه هذا الفرد، عمد أولاً إلي تعميره تعميراً حسناً، ثم فرشه بفراش جيد، وأقام فيه صلاة الجماعة، وأعاد للمسجد رونقه المادي والمعنوي.

وكان السبب في هذا النشاط هو الروح الكبيرة والهمة العالية التي امتاز بها، مضافاً إلي الاعتماد علي المواهب الذاتية الكامنة في نفسه وفي نفوس إخوانه المؤمنين من جهة أخري.

الشكوي دائماًً

وهناك أفراد خاملون وقاعدون، تراهم يشكون دائماً وفي كل الأحوال، ويبثون شكواهم لهذا وذاك باستمرار، ومن دون سبب أو داعٍ مقبول، حتي أن أحدهم عندما كنت أسأله عن أحواله وصحته كان يشتكي ويتألم دائماً، حتي صار بث الهم والشكوي من سماته. فكان كثير الشكوي، وعندما لم تكن لديه أية مشكلة كان يشتكي حتي من الخدشة!، ففي مرة سألته عن حاله؟. فقال: في

الليلة الماضية آذتني ذبابة!!

ولذلك كان أصدقاؤه يتحاشون السؤال عن أحواله.. لأن جوابه كان الشكوي والتذمر من كل شيء للحالة النفسية التي يحملها.

استثمار الوقت

ذكروا في أحوال المحدث القمي() ? صاحب كتاب (مفاتيح الجنان) والكتب الأخري المفيدة:

إن أحد المؤمنين كان قادماً ذات يوم من مدينة آراك إلي مدينة قم المقدسة، وفي الطريق بين المدينتين يري الشيخ عباس القمي ? وحيداً في الصحراء، جالساً علي جانب الطريق، وهو منهمك في الكتابة والتأليف، فتعجب من ذلك، وأوقف سيارته عنده وسأله عن سبب وجوده في الصحراء؟!

فقال: إن السيارة التي كانت تقلني قد تعطلت في منتصف الطريق، وقال سائق السيارة: بأن حصول هذه النكبة وعطب السيارة إنما لحقنا بسببك!، ثم أنزلني من السيارة وتركني كما تري، وذهبوا بعدما أصلحوا السيارة، والآن مضي علي تواجدي هنا ساعتان تقريباً، ومن أجل الاستفادة من الوقت وعدم هدره أخذت بالكتابة والتأليف!

يقول هذا الشخص: فطلبت من الشيخ أن أوصله إلي قم المقدسة بسيارتي، فلم يمانع ?.

نعم، هكذا يجب أن يُستثمر الوقت ويُستفاد من فرص العمر في العمل حتي يتحقق الاكتفاء الذاتي والبناء والتقدم، كما يلزم التحلي بالبساطة في العيش والزهد في الدنيا، وبذلك يمكن التقدم في الحياة الشخصية والاجتماعية.

? اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَصُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ، وَلاَ تَبْتَذِلْ جَاهِي بِالإِقْتَارِ، فَأَسْتَرْزِقَ أَهْلَ رِزْقِكَ، وَأَسْتَعْطِيَ شِرَارَ خَلْقِكَ، فَأَفْتَتِنَ بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي، وَأُبْتَلَي بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي، وَأَنْتَ مِنْ دُونِهِمْ وَلِيُّ الإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ?().

من هدي القرآن الحكيم

حقيقة الزهد:

قال تعالي:

?لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَي مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ?().

وقال سبحانه: ?لِّكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَي مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَآ آتَاكُمْ?().

الحث علي العمل:

قال عزوجل: ?وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ?().

وقال سبحانه: ?قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَي مَكَانَتِكُمْ إِنِّي

عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ

الظَّالِمُونَ?().

وقال تعالي: ?وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ?().

وقال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا

الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ?().

وقال تعالي: ?اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ?().

وقال سبحانه: ?وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَي وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً?().

وقال تعالي: ?وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً?().

وقال سبحانه: ?فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ?().

من هدي السنة المطهرة

البساطة في العيش:

روي: أنه لما نزلت هذه الآية علي النبي صلي الله عليه و اله: ?وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ عليهم السلام لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ?()، بكي النبي صلي الله عليه و اله بكاءً شديداً وبكت صحابته لبكائه، ولم يدروا ما نزل به جبرائيل عليه السلام علي رسول الله صلي الله عليه و اله من الوحي، ولم يستطع أحدٌ من صحابته أن يكلمه، وكان النبي صلي الله عليه و اله إذا رأي فاطمة عليها السلام فرح بها. فانطلق بعض أصحابه إلي باب بيتها فوجد بين يديها شعيراً وهي تطحن فيه، وتقول: ?وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَي?()، فسلم عليها وأخبرها بخبر النبي صلي الله عليه و اله وبكائه.

فنهضت والتفت بشملة لها خلقة، قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل، فلما خرجت نظر سلمان الفارسي إلي الشملة وبكي، وقال: واحزناه، إن بنات قيصر وكسري لفي السندس والحرير، وابنة محمد صلي الله عليه و اله عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً!! فلما دخلت فاطمة عليها السلام علي النبي صلي الله عليه و اله قالت: ?يا رسول الله، إن سلمان تعجب من لباسي، فو الذي بعثك بالحق، مالي ولعلي منذ خمس سنين إلا مسك كبشٍ نعلف عليها بالنهار بعيرنا، فإذا

كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا لمن أدمٍ حشوها ليفٌ?. فقال النبي صلي الله عليه و اله: ?يا سلمان، إن ابنتي لفي الخيل السوابق?().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ?لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلي القرص إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?قال عيسي بن مريم عليه السلام في خطبة قام بها في بني إسرائيل: أصبحت فيكم وإدامي الجوع، وطعامي ما تنبت الأرض للوحوش والأنعام، وسراجي القمر، وفراشي التراب، ووسادتي الحجر، ليس لي بيت يخرب، ولا مالٌ يتلف، ولا ولد يموت، ولا امرأة تحزن. أصبحت وليس لي شيء، وأمسيت وليس لي شيء، وأنا أغني ولد آدم?().

وقال إسماعيل بن جابر: أتيت أبا عبد الله عليه السلام وإذا هو في حائط له، بيده مسحاة وهو يفتح بها الماء، وعليه قميص شبه الكرابيس، كأنه مخيط عليه من ضيقه?().

الزهد:

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?ما اتخذ الله نبياً إلا زاهداً?().

وقال صلي الله عليه و اله: ?ما يعبد الله بشيء مثل الزهد في الدنيا?().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?العجز آفة، والصبر شجاعة، والزهد ثروة،والورع جُنة()، ونعم القرين الرضا ?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?جعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا?().

ذم الطمع:

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إياكم واستشعار الطمع! فإنه يشوب القلب شدة الحرص، ويختم علي القلوب بطابع حب الدنيا، وهو مفتاح كل سيئة، ورأس كل خطيئة، وسبب إحباط كل حسنة?().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ?ما هدم الدين مثل البدع، ولا أفسد الرجال مثل الطمع. إياك والأماني! فإنها بضائع النوكي ?().

وقال الإمام الكاظم عليه السلام: ?الطمع سجية سيئة?().

وقال الإمام الباقر عليه السلام: ?بئس العبد عبد له طمع يقوده، وبئس

العبد عبد له رغبة تذله ?().

العمل:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ?الإخلاص خير العمل?().

وقال عليه السلام: ?قدموا الخير تغنموا، وأخلصوا أعمالكم

تسعدوا?().

وقال عليه السلام: ? أفضل العمل ما أريد به وجه الله?().

وقال عليه السلام: ?من نصح في العمل نصحته المجازاة?().

وقال عليه السلام: ?لا يدرك أحد رفعة الآخرة إلا بإخلاص العمل، وتقصير الأمل، ولزوم التقوي?().

وقال عليه السلام: ?تصفية العمل أشد من العمل?().

پي نوشتها

() الإسلام وشهادات الأغيار، لمؤلفه محمد الرضي الرضوي المطبوع ضمن كتابه (لماذا اخترنا الدين الإسلامي؟): ص213، مطبعة المعارف بغداد، عام 1384ه / 1964م.

() المصدر السابق: ص212.

() الإرشاد، للشيخ المفيد: ج1 ص303 ومن كلامه عليه السلام في وصف الإنسان.

() لماذا اخترنا الدين الإسلامي؟: الغلاف الأخير.

() سورة الإسراء: 19 20.

() بحار الأنوار: ج72 ص108 ب49 ح11.

() أي: عن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام.

() فقه الرضا عليه السلام: ص367 ب100.

() جَلَمَ الشيءَ يَجْلِمُه جَلْماً: قطعه. والجَلَمانِ: المِقْراضانِ، واحدهما جَلَمٌ للذي يُجَزُّ به. لسان العرب: ج12 ص102 مادة جلم.

() الكافي: ج 8 ص163 حديث الناس يوم القيامة ح173.

() الكافي: ج 8 ص165 حديث الناس يوم القيامة ح176.

() الكافي: ج5 ص377 باب ما تزوج عليه أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة ح1.

() بحار الأنوار: ج43 ص117 ب5 ح25.

() مكارم الأخلاق: ص131 الفصل العاشر في النجد والأثاث والفرش والتواضع فيها.

() مكارم الأخلاق: ص131 الفصل العاشر في النجد والأثاث والفرش والتواضع فيها.

() المناقب: ج3 ص352-353 فصل في تزويجها عليها السلام.

() البَرْذَعة: الحِلس الذي يلقي تحت الرحل، والجمع البراذع، وخص بعضهم به الحمار، وقيل هي برذعة وبردعة بالذال والدال. انظر لسان العرب مادة برذع.

() مكارم الأخلاق: ص132 الفصل العاشر في النجد والأثاث والفرش والتواضع فيها.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص320-321 باب وصف الصلاة

من فاتحتها إلي خاتمتها ح947.

() سورة الضحي: 5.

() المناقب: ج3 ص342 فصل في سيرتها عليها السلام.

() مستدرك الوسائل: ج3 ص254 ب15 ح3517.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص117 باب غسل يوم الجمعة ح 249.

() هما الشهيدان محمد وإبراهيم ابنا الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام اللذان قتلا علي يد أحد جلاوزة عبيد الله بن زياد، ومرقدهما يقع بالضواحي الغربية لمدينة المسيب التي تقع شمال مدينة كربلاء المقدسة حوالي (30 كم) علي ضفاف نهر الفرات، وما زال مرقدهما عامراً يؤمه المحبون والموالون لأهل البيت عليهم السلام، وتعلو المرقد الشريف قبتان ترمزان إلي القبرين الشريفين وتجري الآن عمليات إكسائهما بالذهب، وأمام المرقد صحن واسع تحوطه مجموعة من الغرف يقطنها الزائرون الذين يرومون المبيت في جوار المرقد الشريف.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص444 ق6 ب4 ف2 فوائد السعي والجد

ح10132.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص443 ق6 ب4 ف2 مدح السعي والجد والتحريض إليهما ح10120.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص444 ق6 ب4 ف2 فوائد السعي والجد ح10134.

() هو الكاتب المصري مصطفي محمود.

() سورة الإسراء: 20.

() مملكة فارسية قامت علي أنقاض الأرشاقيين الفرئيين، (224 651م) عاصمتها المدائن، انتهت علي يد المسلمين حين فتحوا بلاد فارس، أسسها أردشير الذي استولي علي طيسفون وقضي علي ارطبان الخامس أخر ملك أرشاقي، أشهر ملوكها: شابور أو سابور الأول والثاني، وبهرام الخامس، وكسري الأول والثاني، وبلغ من شهرة كسري أنه سميت باسمه الإمبراطورية الكسروية، امتدت حدودها من أرمينيا إلي سورية ومصر حتي وصلوا إلي اليمن، حاربها الروم البيزنطيون، فتحها المسلمون وكان آخر ملوكها يزدجرد الثاني.

() انظر تاريخ ابن خلدون ق2: ج2 ص91 باب أخبار القادسية، وتاريخ الطبري: ج3 ص15 وما بعدها السنة الرابعة عشر. وفتوح البلدان:

ج2 ص315 يوم القادسية.

() تاريخ ابن خلدون ق2: ج2 ص94-96 أخبار القادسية.

() الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا (370 428ه) الحسين بن عبد الله بن سينا، الفيلسوف الرئيس، صاحب التصانيف في الطب والمنطق والطبيعيات والإلهيات. ذهب إلي المكتب وعمره خمس سنين، فأكمل الأصول العربية والقواعد الأدبية وله من العمر عشر سنين، فتتلمذ عند محمود مساح في علوم الحساب والهندسة والجبر والمقابلة بإشارة والده، قرأ المنطق من أقسام مسائل الحكمة والإقليدس والمجسطي علي الحكيم عبد الله بابلي في بخاري، وبعد ذلك اشتغل في الحكمة الطبيعية والإلهية، ففتحت له أبواب العلوم. ثم اشتغل بتحصيل علم الطب، فترقي في زمان قليل، فصار وحيداً في ذلك الفن، ومع ذلك كان يدرس مسائل الفقه والأصول. فلما بلغ سن الثامنة عشر فرغ من جميع العلوم المنطقية والرياضية والطبيعية، فمال إلي علم ما بعد الطبيعة، فاشتغل بمطالعة ما كتب في ذلك العلم. صنف نحو مائة كتاب بين مطول ومختصر، ونظم الشعر الفلسفي الجيد، ودرس اللغة مدة طويلة حتي باري كبار اللغويين. أشهر كتبه (القانون) في الطب، يسميه علماء الفرنج (C عليه السلامnonmedicin عليه السلام) بقي معولاً عليه في علم الطب ستة قرون، ترجمه الفرنج إلي لغاتهم وكانوا يتدارسونه في مدارسهم، وطبعوه بالعربية في روما، ويسمون ابن سينا: (عليه السلامvicenn عليه السلام) وله عندهم مكانة رفيعة. ومن تصانيفه: (المعاد) رسالة في الحكمة، و(الشفاء) في الحكمة، و(السياسة)، و(أسرار الحكمة المشرقية)، وأرجوزة في (المنطق)، ورسالة (حي بن يقظان)، و(أسباب حدوث الحروف)، و(الإشارات) و(الطير)، و(أسرار الصلاة). قيل: كان الطب معدوماً فأوجده بقراط، وكان ميتاً فأحياه جالينوس، وكان متفرقاً فجمعه الرازي، وكان ناقصاً فأكمله ابن سينا.

() تاريخ الحكماء: ص 415-416.

() منية المريد، للشهيد الثاني: ص342 الهامش رقم

4.

() راجع الغدير، للعلامة الشيخ الأميني: ج3 ص30 الشاعر ابن الرومي.

() طرائف المقال للسيد علي البروجردي: ج2 ص493-494 ترجمة الشيخ ابن سينا.

() سير أعلام النبلاء للذهبي: ج17 ص531-533 ابن سينا.

() الكني والألقاب للمحدث الشيخ عباس القمي: ج1 ص320-321

ابن سينا.

() أي مرة، مقر الشيء بالكسر، أي صار مراً. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص207 عثمان بن حنيف.

() فدك: منطقة زراعية خصبة ذات حوائط عامرة سبعة، تبعد من خيبر بنحو

خمسين كيلومتراً، وعن المدينة المنورة بما يقرب من (140) كيلومتراً وكان يسكنها اليهود. فعندما فرغ رسول الله صلي الله عليه و اله من خيبر عقد لواءً ثم التفت صلي الله عليه و اله إلي علي عليه السلام وقال: ?يا علي، قم إليه فخذه?. فقام علي عليه السلام إلي اللواء فأخذه، فبعثه رسول الله صلي الله عليه و اله به إلي فدك. وكان أهل فدك قد سمعوا بما دمر الله علي أهل خيبر وبمسير علي عليه السلام فاتح خيبر إليهم، فامتلأت قلوبهم من ذلك خوفاً ورعباً، فأرسلوا إلي رسول الله صلي الله عليه و اله قبل وصول علي عليه السلام إليهم يصالحونه علي فدك، ويسألونه أن يسترهم بأثواب، ويحقن دماءهم، ويتركوا له أرضهم وأموالهم، وكان الذي مشي بينهم وبين رسول الله صلي الله عليه و اله في ذلك محيصة بن مسعود أحد بني حارثة، فصالحهم رسول الله صلي الله عليه و اله علي أن يحقن دماءهم. فكانت حوائط فدك ملكاً لرسول الله صلي الله عليه و اله خاصة خالصة، لأنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، فنزل جبرئيل عليه وقال: ?يا رسول الله، إن الله عزوجل يأمرك أن تؤتي ذا القربي حقه?. قال صلي الله عليه و

اله: ?يا جبرئيل، ومن قرباي وما حقه؟?. قال جبرئيل: ?فاطمة عليها السلام فاعطها حوائط فدك وما لله ولرسول الله فيها?. فدعا رسول الله صلي الله عليه و اله فاطمة عليها السلام وأعطي بأمر من الله تعالي فدكاً إليها عليها السلام نحلة لها وبلغة لابنيها، وملكاً خاصاً لها، وبقيت في ملكها وبيدها عليها السلام في حياة الرسول صلي الله عليه و اله حتي انتزعها منها أبو بكر. انظر بحار الأنوار: ج21 ص22 ب22 ضمن ح17.

ولما ورد أبو الحسن موسي بن جعفر عليه السلام علي المهدي العباسي رآه يرد المظالم فقال: ?ما بال مظلمتنا لا ترد؟?. فقال له: و ما ذاك يا أبا الحسن؟. قال: ?إن الله تبارك و تعالي لما فتح علي نبيه صلي الله عليه و اله فدكاً وما والاها لم يوجف عليه بخيلٍ ولا ركابٍ، فأنزل الله علي نبيه صلي الله عليه و اله: ?وَآتِ ذَا الْقُرْبَيَ حَقّهُ? سورة الإسراء: 26 فلم يدر رسول الله صلي الله عليه و اله من هم، فراجع في ذلك جبرئيل، وراجع جبرئيل عليه السلام ربه فأوحي الله إليه: أن ادفع فدكاً إلي فاطمة عليها السلام، فدعاها رسول الله صلي الله عليه و اله فقال لها: يا فاطمة، إن الله أمرني أن أدفع إليكِ فدكاً. فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك. فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله صلي الله عليه و اله، فلما ولي أبو بكرٍ أخرج عنها وكلاءها، فأتته فسألته أن يردها عليها فقال لها: ائتيني بأسود أو أحمر يشهد لكِ بذلك. فجاءت بأمير المؤمنين عليه السلام وأم أيمن فشهدا لها فكتب لها بترك التعرض فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر فقال: ما هذا معكِ

يا بنت محمدٍ؟. قالت: كتابٌ كتبه لي ابن أبي قحافة. قال: أرينيه؟. فأبت فانتزعه من يدها، ونظر فيه ثم تفل فيه ومحاه وخرقه فقال لها: هذا لم يوجف عليه أبوكِ بخيلٍ ولا ركابٍ، فضعي الحبال في رقابنا?. فقال له المهدي: يا أبا الحسن حدها لي؟. فقال: ?حد منها جبل أحدٍ، وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحد منها دومة الجندل?. فقال له: كل هذا؟!. قال: ?نعم يا أمير هذا كله، إن هذا كله مما لم يوجف علي أهله رسول الله صلي الله عليه و اله بخيلٍ ولا ركابٍ?. فقال: كثيرٌ وأنظر فيه. الكافي: ج1 ص534 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس ح5.

() السائمة: الأنعام التي تسرح.

() سورة المجادلة: 22.

() نهج البلاغة، الرسائل: 45 من كتاب له عليه السلام إلي عثمان بن حنيف الأنصاري وكان عامله علي البصرة.

() هو الشيخ عباس محمد رضا القمي، ولد في مدينة قم المقدسة عام 1294ه، عالم عامل، ثقة عدل متتبع، بحاثة عصره، أمين مهذب، زاهد عابد، صاحب المؤلفات المفيدة، تتلمذ علي العلامة الشيخ حسين النوري صاحب (مستدرك الوسائل)، من مؤلفاته: (هداية الأحباب)، و(الفوائد الرضوية) و(الكني والألقاب) و(مفاتيح الجنان) في الأدعية والزيارات، توفي ? في النجف الأشرف عام 1359ه.

() الصحيفة السجادية: دعاء رقم 20 وكان من دعائه عليه السلام في مكارم الأخلا ق ومرضي الأفعال.

() سورة آل عمران: 153.

() سورة الحديد: 23.

() سورة الأنبياء: 73.

() سورة الأنعام: 135.

() سورة التوبة: 105.

() سورة المؤمنون: 51.

() سورة سبأ: 13.

() سورة النساء: 124.

() سورة طه: 112.

() سورة الأنبياء: 94.

() سورة الحجر: 43 44.

() سورة القصص: 60.

() بحار الأنوار: ج43 ص87- 88 ب4 ح9.

() نهج البلاغة، الرسائل: 45 من كتاب له عليه السلام إلي

عثمان بن حنيف الأنصاري.

() معاني الأخبار: ص 252 باب معني الزهد ح5.

() وسائل الشيعة: ج17 ص40 ب9 ح21926.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص51 ب62 ح14.

() إرشاد القلوب: ج1 ص158 ب48 في فضيلة الفقر وحسن عاقبته.

() الجُنة بالضم: الوقاية.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 4.

() الكافي: ج2 ص128 باب ذم الدنيا والزهد فيها ح2.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص70 ب67 ح13539.

() كنز الفوائد: ج1 ص350 فصل من كلام أمير المؤمنين عليه السلام.

() بحار الأنوار: ج69 ص199 ب105 ضمن ح27.

() الكافي: ج2 ص320 باب الطمع ح2.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص155ق1 ب6 ف4 الإخلاص في العمل وآثاره ح2893.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص155ق1 ب6 ف4 الإخلاص في العمل وآثاره ح 2895.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص155ق1 ب6 ف4 الإخلاص في العمل وآثاره ح 2901.

() نفس المصدر: ح2918.

() نفس المصدر: ح2921.

() نفس المصدر: ح2903.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.