القوميات في خمسين سنه

اشارة

اسم الكتاب: القوميات في خمسين سنه

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة علي أعدائهم أجمعين.

.. وبعد خمسين سنة والقوميات تحكم بلاد الإسلام.. وقد تأخرت بلاد الإسلام من جراء ذلك أيما تأخر، فانطبق علي المسلمين في هذه البلاد قول الله سبحانه: ?نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ?()..

كما انطبق عليهم قوله سبحانه: ?وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً?().

فإن من ينسي الله فلا يعمل بقوانينه، معناه في الحقيقة أنه نسي نفسه، لأنه لا يعمل إلا في ضررها، فحاله حال من ينسي قوانين الصحة فلا يعمل بها، فإنه في الواقع قد نسي نفسه وعمل بما هو ضار بصحته، فمثلاً من ينسي قوانين الله في (الحرية) فلا يعمل بها لابد وأن يفقد الحرية فيعيش في الكبت والإرهاب والاختناق، وكذلك سائر قوانين الله سبحانه، والمراد بالنسيان (عدم العمل) كما قال سبحانه: ?وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا?().

ثم إن من غفل من ذكر الله واتبع هواه بأن لم يعمل بأوامر الله في الحياة لابد وأن ينفرط أمره، إذ لا نظام للهوي، فقد ترك صاحبه النظام إلي اللانظام، ومن المعلوم أن الإنسان كم يعاني من جراء عدم النظام.

ولا يتوهم أن للكفار أيضاً نظاما، فإن نظامهم في الحقيقة ليس بنظام، ولو كان لهم نظام صحيح لم تكثر الحروب والثورات والانقلابات، ولم يكثر المرض والأمراض، ولم يكثر الجهل والجهال، ولم يكثر الفقر والفقراء، ولم يكثر القلق والانتحار، وما إلي ذلك، ولقد صدق سبحانه حيث قال: ?وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً?().

إن من يقول كعكس مقالة الله لابد

وأن يعمل بعكس ما أمر الله، وحينذاك تكون هذه المآسي التي نشاهدها قد أخذت بأكظام العالم.

وعلي كل حال فالقوميات غزت بلاد الإسلام من الغرب، كما أن الشيوعيات (لكل قطر شيوعية بلون خاص) غزت بلاد الإسلام من الشرق، وبين تين ضاعت البلاد الإسلامية في دنياها وفي دينها، ولا خلاص للمسلمين من هذه المآسي التي تزداد كل يوم، كما قال الشاعر:

رب يوم بكيت فيه ولما

صرت في غيره بكيت عليه

إلا بالرجوع إلي الإسلام عقيدة وعملاً، ولا يكون ذلك إلا بطرد كل آثار الغرب ومنها (القوميات)، وكل آثار الشرق ومنها (الشيوعيات)، وفسح المجال للإسلام بكل قوانينه ودساتيره.

وهذا الكتاب (القوميات في خمسين سنة) مناقشات دارت (علي الأكثر) بيني وبين أنصار القوميات.. حيث قد وقعنا في مدها الهائل إبان حكم (عبد السلام عارف)() الذي كان من دعاة القومية إلي حد الهوس بتأثير من بساطته وجهله، مضافاً إلي تأثير (جمال عبد الناصر)() عليه.

والمناقشات وإن لم تكن خاصة بزمان (عارف) فقط، بل كانت صاعدة من أواخر الملكيين الذين أطيح بهم في (14تموز) علي يد (عبد الكريم قاسم)() وهابطة إلي أوائل حكم (البعثيين) حيث كتابة هذه الرسالة، إلا أن معظمها في أيام (عارف).

كما إن معظم المباحثات مع الشيوعيين دارت أيام (قاسم) حيث المد الشيوعي وصل إلي ذروته، لا المد الفكري والحكومي فقط، بل المد الفوضوي وصل إلي أقصاه، فقد كانوا يقتلون أعداءهم بأبشع أنواع القتل، مثل:

أن يربطوا إحدي رجلي الضحية بسيارة ويربطوا رجله الثانية بسيارة أخري ثم تتحرك السيارتان بسرعة كبيرة إلي اتجاهين متعاكسين فينشق الضحية وهو حي إلي نصفين..

ومثل أن يمدوا الضحية علي الأرض ويربطوه بها ثم يمروا عليه السيارة الثقيلة المعدة لتسوية الأرض (الرولة) فتستوي الضحية علي الأرض..

ومثل أن يعلقوا الضحية وهو

حي أو ميت علي قنارة القصابين ثم يقطعوا بالساطور ونحوه بعض أجزائه جزءاً جزءاً..

ومثل أن يحرقوا الإنسان وهو حي بصب النفط عليه ثم إحراقه..

إلي غيرها من المآسي التي يحتاج ذكرها إلي كتاب مستقل.

قال الشاعر الفارسي ما مضمونه():

كل من فرّ من خراجات الشام يضطر أن يكون حمالا في الصحاري..

فكان فرار المسلمين من أحكام الإسلام أورث إيقاعهم في حبائل الشرق والغرب مما جرت عليهم ما لا يتصور من الويلات والمشاكل والمآسي، فلم يكن مثالهم حسب ما قال الشاعر:

المستجير بعمرو عند كربته

كالمستجير من الرمضاء بالنار

فإن الإسلام لم يكن (رمضاءً) بل مثالهم: (كالمستجير من الجنات بالنار).

أما كيفية الخلاص من الغرب والشرق فهو وإن لم يكن مستحيلاً لكنه صعب وبحاجة إلي أكبر قدر من التصميم والتضحية والتخطيط والعمل..

ومن اللازم أن لا ييأس المسلمون فطالما كانت استعمارات في كثير من البلدان ثم تخلصت، فأمريكا كانت مستعمرة بريطانيا، والهند كانت مستعمرة بريطانيا، وإندونيسيا كانت مستعمرة هولندا، والجزائر كانت مستعمرة فرنسا، إلي غيرها وغيرها، ثم تخلصت كلها من المستعمر.

وأي مانع أن تتخلص بلاد الإسلام من المستعمر الشرقي والغربي إذا تظافرت جهود وقدمت تضحيات..

ولا ننسي إن الله سبحانه وعدنا النصر، قال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ?().

وقال تعالي: ?وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ?().

وقال عز شأنه: ?إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ?().

وقال جلت عظمته: ?الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ? فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ? إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ?().

وقد ذكرنا جانباً من (أسلوب النجاة) عن حبائل

الشرق والغرب في كتابنا (إلي حكم الإسلام) ()، فلا حاجة إلي تكراره في هذا الكتاب() والله الموفق المستعان.

كربلاء المقدسة / الكويت ()

محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

قوميّ يدافع عن القومية العربية

من الطبيعي أن يكون كل عالم وخطيب، بل كل متدين من دعاة الإسلام من مناوئي القوميات، وقد كان لنا (دلو من الدلاء) في هذا المضمار، وحيث كانت لنا كتلة من الخطباء والأصدقاء كلهم يجاهرون (بأن لا قومية ولا شيوعية في الإسلام) كان لابد وأن يقع الاصطدام بيننا وبين دعاة القومية، خصوصاً في عصر قوتهم حيث كان الحكم بيد (عبد السلام عارف).

فجاءني ذات مرة صديق هو جار لدارنا وكان من أشد المتحمسين للقومية العربية وقال بكل أدب: إني لا أري أن تكون ضد القومية العربية.

قلت: ولمَ؟

قال: لأنك تعلم أن الحكم بيد القوميين وأخاف أن يمسك سوء منهم.

قلت: تعني السوء بالنسبة إلي سمعتي أو السوء بالنسبة إلي عائلتي وداري ونفسي.

قال: من المحتمل كلا السوءين.

قلت: أما سوء السمعة فلا يمشي بالنسبة إليّ علي ما تعلم. وأما الضرر فإن الحكومة عليها أن تمنع من ذلك، إذ إني لا أنشر سوي الإسلام، ولا أناقش إلا في أمر فكري ومطلب علمي، والمناقشة حرة، ونفس (عبد السلام) يدعو إلي الحرية!.

قال: إن ما تقوله صحيح، لكن ليس كل أحد من القوميين فيلسوفاً يعمل حسب نظرك في العلم والثقافة.

قلت: فليكن كما كان، فقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إذا ظهرت البدع فعلي العالم أن يظهر علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله?()، والقومية بنظري بدعة فإذا لم أظهر رأي الإسلام فيها كنت مشمولاً للعن رسول الله صلي الله عليه و اله.

قال: وقد امتعض من كلامي أشدّ امتعاض كيف تقول (القومية بدعة) وقد مجدها الله تعالي

في القرآن؟

قلت: وفي أي مكان؟ قال: حيث يقول: ?وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ?(). ويقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

أخاك أخاك إن من لا أخا له

كساع إلي الهيجاء بغير سلاح()

إلي غيرها من الآيات والأحاديث الواردة في فضيلة القوم.

قلت: أي ربط بين الآية التي تلوتها والشعر المذكور وبين القومية العربية، فهل إن الآية تقول: (إن القرآن يوجب رفعة النبي صلي الله عليه و اله ورفعة العرب) أو تقول: (إن القرآن يوجب تذكيرك وتذكير قومك) فكيف تدل علي (القومية العربية)، ولو كان القرآن يمجد العرب لم يقل في آية أخري: ?الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَي رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ

حَكِيمٌ?().

قال وقد أشتد امتعاضه: هذه الآية منسوخة.

قلت: من قال إنها منسوخة.

قال: لا يلزم أن يقول ذلك أحد؟

قلت: فلنا أن نقول إن آية: ?وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ?() منسوخة فهل تقبل ذلك؟

قال: وهل من المعقول أن يذم الله العرب؟.

قلت: يا أستاذ مع احترامي لك، لم تفهم معني الآية! فإن (الأعراب) يراد به أهل البادية الذين لا يعرفون من الإسلام شيئاً، لا الذي يتكلم باللغة العربية، فالمراد من الآية (حسب الظاهر) إن سكان البوادي من الكفار والمشركين أشد كفراً ونفاقاً، وذلك لبعدهم من الحضارة والمدنية، وهذه قاعدة عقلية غالبية وجارية إلي الآن وإلي أن تقوم الساعة، ولذا كره الإسلام أن يسكن الإنسان (الرساتيق).

قال: إذن فآية (الأعراب) لا ترتبط بالعرب.

قلت: هو كذلك وإني ذكرتها من باب اللطيفة ولتعلم أنه لاحق لك في تفسير الآيات، بعد أن ظهر لك أنك لا تعرف معني الآيات، فجوابي كان من باب الجدل لا من باب البرهان (علي قول المنطقيين).

قال: إذن.

قلت: الآية الكريمة: ?وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ? لا ترتبط بالقومية العربية، كما أن الشعر المنسوب

إلي الإمام عليه السلام لا يرتبط بالقومية أصلاً، فإنه يدعو إلي مراعاة الأخ، كما أن بعض الآثار الأخر يدعو إلي مراعاة الأقرباء والأقوام من باب صلة الرحم و نحوها ولا ربط لها بالقومية أصلاً.

قال: لندع كل ذلك، أنت لماذا تحارب (القومية العربية)؟

قلت: لأن الإسلام حاربها.

قال: وفي أي مكان حاربها.

قلت: حيث قال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ?()، فالميزان عند الإسلام هو التقوي لا القوم ولاالإقليم ولا العِرق ولا غيرها من الامتيازات، وقد أشار الإمام عليه السلام في الشعر المنسوب إليه إلي هذه الحقيقة قال:

الناس من جهة التمثال أكفاء

أبوهم آدم والأم حواء

فإن يكن لهم من أصلهم شرف

يفاخرون به فالطين والماء()

قال: حسناً فماذا تفعل بالمسيحيين الذين يربوا عددهم علي عشرة ملايين في البلاد العربية؟

قلت: أحترمهم كما احترمهم الإسلام، فقد ورد عن الرسول صلي الله عليه و اله: ?من آذي ذمياً فقد آذاني?().

قال: أليس من الأفضل أن نترك إسم (الذمي)؟

قلت: ولمَ؟

قال: لأن هذا يوجب تشقيق المجتمع وتفتيت الوحدة.

قلت: إنك ترضي بتفتيت (الوحدة الإسلامية) إلي عرب وغير عرب، وتعلم أن المسلمين غير العرب ما يقارب (ستمائة مليون مسلم)() ولا ترضي بتوحيد المسلمين خوفاً من انفصال (عشرة ملايين مسيحيين)؟

قال: فما هو العلاج؟

قلت: العلاج الدعوة إلي الوحدة الإسلامية، حيث تضم بين جوانحها (ثمانمائة مليون مسلم).

قال: إذاً يتأذي المسيحيون؟

قلت: لا يتأذون، أليس من مبادئ العالم المتحضر (الأخذ برأي الأكثرية) فهل من الصحيح أن نخالف (الإسلام) ونخالف (العالم) ونأخذ حسب مقتضي (الأقلية المسيحية)؟

قال: أليس جمع العرب في (وحدة) تقوية للمسلمين؟

قلت: كلاّ بل هو هدم للمسلمين.

قال: كيف؟

قلت: لثلاثة أمور تترب علي القومية:

الأول: (تحطيم الكفاءات)، إذ أنت ترجح قومك

وإن لم يكن كفئا علي غير قومك وإن كان كفئا.

الثاني: (تحطيم الإسلام) إذ أنت تجعل فاصلاً بين (العرب) وبين (غير العرب).

الثالث: (تحطيم الإنسانية) إذ الناس كلهم أخوة، وأنت تجعل (العرب) فوق غيرهم.

قال: وأنت الذي تدعو إلي الإسلام (تحطم الإنسانية)؟

قلت: كلا وإنما الدعوة إلي الإسلام (تقديس للكفائة) فحاله حال (تقديس الطب) و (تقديس الهندسة) و (تقديس الفن).

قال: وكيف؟

قلت: لأن الإسلام عبارة عن (فهم الكون والحياة) وليس في ما عداه هذا الفهم، ولذا تري أن (ديننا دين العقل).

قال: لكن غير المسلمين لا يعتقدون ذلك؟

قلت: إن بيدي البرهان، قبله الغير أم لم يقبله، فهو مثل (أن ترجح في المجلس طبيباً علي غير طبيب) وإن لم يعترف ذلك الجاهل بأن من احترمته طبيب؟

قال: أليس من الأفضل أن نكون كبريطانيا وأمريكا وفرنسا لا نفرق بين المسلم وغير المسلم؟

قلت:

أولاً: أنت الذي تفرق بين العرب وغير العرب.

وثانياً: هذه الثلاثة أيضاً تفرق بين الأكثرية والأقلية في بلادها، فالتفرقة موجودة علي كل حال، لكن تفرقتنا بين المسلم وغير المسلم تابعة لميزان عقلي ومنطقي، بينما تفرقتهم ناشئة عن الجهل.

وثالثاً: لنسلم أنهم لا يفرقون لكن لابد لنا من الفرق لأمرين:

1: إن المسيحيين يلصقون بنا أكبر إهانة، حيث يقولون بأن نبيكم (كذاب)، أليس معني أنهم لا يعترفون به صلي الله عليه و اله بله تصريحاتهم في كتبهم أنهم ينسبونه إلي الكذب، فإذا انسحب المسيحيون عن هذا الكلام بان اعترفوا بمحمد صلي الله عليه و اله نجعلهم كأنفسنا.

2: إن المنطق والبرهان دلاّ علي صحة (الإسلام) عقيدة وشريعة، فلابد لنا من أن نقدّم من يسير علي الخط المستقيم علي من لا يسير علي الخط المستقيم، ومن أوليات العقلاء أنهم يفرقون بين المستقيم والمنحرف، وقد قال الإمام أمير المؤمنين عليه

السلام: (لا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء)()، وكيف كان فاحترامنا للمسيحيين شيء، وصب المسلمين وغير المسلمين في بوتقة الوحدة العربية شيء آخر؟

وهنا استأذن مني و انصرف، وقد صار هذا الحديث سبباً لمزيد عدائه مما أورث بعد ذلك لي مشاكل.

جابر حسن الحداد متصرف كربلاء

كان من القوميين متصرف لواء كربلاء (جابر حسن الحداد)، وقد كان مفرطاً في القومية، وقد عين في هذا المنصب في عهد (عبد السلام عارف) ولم يكن له مؤهلات (إدارة دكان حلاق) لكنها الثورة الفجائية تأتي بما تشاء.

فإن الثورة عبارة عن جماعة يأتون إلي الحكم بين عشية وضحاها بقوة السلاح، فالمؤهل الوحيد لهم هو السلاح، أما العلم، أما الكفاءة، أما الإدارة، أما الأخلاق، أما التجربة، أما عرفان الأشياء، وأما رضاية الله ورضاية الناس، فلا عين لهم فيها ولاأثر، كما شاهدناهم وشاهدهم غيرنا طيلة سنوات منذ حكم (عبد الكريم قاسم).

فبينما ينادي عقلاء العالم بأن من يصلح للسلم لا يصلح للحرب، ومن يصلح للحرب لا يصلح للسلم (إلا ما شذ) لوضوح أن الحرب تحتاج إلي روح العنف، بينما السلم تحتاج إلي روح اللين، ومن النادر جداً أن يتصف إنسان بالروحين، وقد كان هذا هو منطق الشعب البريطاني حين أزاح عن الحكم (تشرشل) () بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تشفع خدماته في الحرب وإنقاذه بريطانيا من أقسي حرب عالمية..

أقول: فبينما يري عقلاء العالم ذلك تري الحكومات الثورية تأتي بزمرة من العسكريين إلي كل المناصب فيعيثون في الأرض فساداً كما تشتهي أهوائهم.

كان جابر يقول: اسمي اسم مركب من (جاء) و (البر) أي (جاء البر) وكان يري أن كل غير عربي، مجرم بالذات إلا أن تثبت براءته، عكس القاعدة الإنسانية والإسلامية (كل شخص بريء إلا أن تثبت إدانته).

كان جابر يحارب كل

ما يسمي (بالإيراني) في العراق، أو في غير العراق، والويل له إذا كان مضافاً إلي (إجرامه في كونه إيرانياً!) إجرام كونه (من رجال الدين)!

فمنع من جراء ذلك التكلم باللغة الفارسية في حرم الإمام الحسين وحرم العباس عليهما السلام.

كما أمر برفع زيارات الحسين عليه السلام بحجة أن فيها (لعن الله أمة قتلتكم) وقد فسرها (المتصرف!) بأن المراد بالأمة (الأمة العربية).

كما أمر برفع لافتات في الشوارع والأسواق كانت مكتوبة عليها آيات القرآن بحجة أنها آثار الرجعية (ونحن قوميون تقدميون!!).

كما أمر برفع لافتة كتبت عليها: (نهنئ الأمة الإسلامية بحلول عيد الأضحي المبارك) قائلاً أن ذلك ينافي (الوحدة العربية)، فاللازم (الأمة العربية) لا (الأمة الإسلامية).

وكان هو ورئيس صحته يدوران في الأسواق، وقد أخفي رئيس الصحة وراء ظهره (مطرقة)، فإذا رأي (حب الماء) وما أكثره في كربلاء المقدسة لأجل إرواء العطشان من الزائرين، كسره رئيس الصحة بحجة أنه غير نظيف.

وقد جري بين (جابر) وبين أحد الأصدقاء بحث طريف قال جابر: يجب تأييد (القوميين العرب).

الصديق: لماذا؟

قال: لأنهم أفضل من غيرهم.

الصديق: بأي دليل.

جابر: لأنهم لو لم يكونوا أفضل لم يكن القرآن عربياً والرسول صلي الله عليه و اله عربياً.

الصديق: فلليهود أن يقولوا أن لغتهم أفضل وذلك لفضل موسي عليه السلام وأن الألواح نزلت بلغتهم.

جابر: لكن محمداً صلي الله عليه و اله والقرآن أفضل من موسي عليه السلام وكتابه أفضل من كتاب موسي عليه السلام.

الصديق: نسلّم بذلك لكن لليهود أن يروا فضلاً لأنفسهم علي سائر الأمم (غير العرب).

فلم يحر جابر جواباً.

الصديق: ثم كيف تقول بأن (العرب أفضل) ورسول الإسلام صلي الله عليه و اله بنفسه يقول: ?لا فضل لعربي علي عجمي إلا بالتقوي?().

جابر: هذا حديث مكذوب.

الصديق: ومن أين أنه كذب؟

جابر: لأن الرسول صلي

الله عليه و اله لا يقول ذلك.

الصديق: ومن أين الرسول صلي الله عليه و اله لا يقول ذلك؟

جابر: واضح.

الصديق: عندك واضح لا عند المسلمين.

فلم يحر جابر جواباً.

الصديق: دعنا عن الإسلام، فهل هناك دليل علي فضل العرب.

جابر: لماذا ندع الإسلام، ألسنا نحن مسلمين؟

الصديق: إذا أردت أن تناقش مع غير مسلم وتثبت له فضل العرب فهل تأتيه بالإسلام؟

جابر: لا.

الصديق: فكيف تثبت له فضل العرب؟

جابر: لا أثبت لهم.

الصديق: إذن فلا دليل من العقل علي فضل العرب.

فلم يحر جابر جواباً.

جابر: إنه لا علاج من توحيد العرب تحت لواء القومية، حتي نتمكن من محاربة إسرائيل.

الصديق: العلاج هو ما أمر به الإسلام والعقل من توحيد المسلمين عرباً وغير عرب، وقوة المسلمين كل المسلمين أكثر من قوة العرب فقط.

جابر: أنا لا أستعد للتوحيد مع العجم.

الصديق: ولماذا؟

جابر: لأني لا أحبهم.

الصديق: عدم حبك لهم لا يغير الواقع.

جابر: وعلي كل حال إني لا أعترف بالوحدة الإسلامية.

الصديق: لكن القرآن يعترف بذلك.

جابر: في أين؟

الصديق: حيث يقول الله: ?وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً?().

جابر: يريد الله به أمة العرب.

الصديق: إذا قال العجمي، يريد الله به أمة العجم، فماذا جوابك؟

لم يحر جابر جواباً.

ثم قال الصديق: وهناك آية ثانية تقول: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا?()، فهل تقول المراد من (جميعاً) العرب فقط؟

جابر: أنا رجل عملي وأنت تجعلني في متاهات علمية، وأنا غير مستعد للبحث.

الصديق: أردت أن أثبت لك (أن القومية باطلة) سواء في نظر الإسلام أو في نظر المنطق.

جابر: أنت ضد سياسة الدولة.

الصديق: كلا، وإنما أنا أبحث بحثاً علمياً فقط.

وجابر هذا سبب مشاكل جمة لكربلاء المقدسة والنجف الأشرف، كما هو شأن كل إنسان جاهل يأتي به القدر علي رأس دولة أو ما أشبه، وقد سفّر كثيراً من الإيرانيين وغير الإيرانيين

بدون مبرر، وكان في المسفّرين بعض العلماء والخطباء والتجار من أصدقائنا، لكن (حبل الظالم قصير وإن طال) وفي المثل: (إن الله يمهل ولا يهمل).

حتي إذا جاء حكم البعث فألقي القبض علي (جابر) وسيق إلي خشبة الإعدام، قال أحد الأصدقاء: رأيت جنازة جابر، وقد حمله (حمالون) إلي المقبرة، لأن كل الناس حتي (أهله) تبرئوا منه، لما كان من إساءته إليهم، فلم يحضر في تشييعه حتي أقرب أقربائه.

هذا ما أخذه (جابر) في الدنيا من جزاء، أما جزاء الآخرة فأسوء، فإن أمثال هذا الرجل هم الذين سببوا تأخر المسلمين، كما سببوا وجود إسرائيل، وبقاء إسرائيل، وما دام أمثال هؤلاء من الثوريين الفجائيين! والقوميين ومن إليهم من الديكتاتوريين في الحكم، تبقي إسرائيل وتتوسع، وتتأخر البلاد أكثر فأكثر.

أرادوا إحراق كربلاء

مرتان أرادوا إحراق كربلاء المقدسة، مرة في أيام (عبد الكريم قاسم) حيث المدّ الشيوعي، فإن كربلاء كانت قلعة صامدة ضد الشيوعيين، وكان الفضل في ذلك يعود إلي أهالي كربلاء المقدسة حيث ربوا علي الدين والفضيلة، ولذا كان عدد الشيوعيين فيها قليل جداً، وليس من المبالغة أن الشيوعيين العقائديين لايتجاوزون عشرين، في كل مدينة كربلاء المقدسة.

بل لا بأس أن نقول إن عدد الشيوعيين في كل العراق، قليلون، وإنما يظهرون أنفسهم بمظهر الكثرة، وذلك يعود إلي التكتيك الخاص والتهريج الفارغ والدعاية الواسعة والكذب والجدل، التي يتحلي بها الشيوعيون أينما كانوا، ولنفرض عشرة من الشيوعيين في بلد نفوسه مائة ألف، لكنهم يتلاقون كل يوم بمائة، ويركزون علي دعاية خاصة، فإنها لابد وأن تنتشر في ألف إنسان، وذلك يكفي في أن يأخذ العشرة بتيار ما يريدون من الدعاية، فإذا أضفت إلي ذلك نشرهم ألف عدد منشور في كل شهر خفية، ظن من لا خبرة له أن

جملة كبيرة من أهل البلاد منخرطون في سلك الشيوعية.

في إبان عبد الكريم، أعطي الزمام بيد الشيوعيين، وكان ذلك من أخطاء عبد الكريم السياسية، بزعم أن ذلك يقاوم (عبد الناصر) وزمرته القوميين حتي أن (مدير شرطة كربلاء) قال لأحد الأصدقاء: الأوامر من بغداد أتتنا بأن نأخذ ونسجن ونعذب كل معاد للشيوعية ولو كان الحق مع ذلك المعادي وضد الشيوعي.

وعبد الكريم إنما وقع في هذا الخطأ الذي أودي بحياته أخيراً، لأنه لم يكن سوي جندي جاهل، وقعت البلاد في يده بحكم أسياده (الإنكليز) وهذا هو شأن كل الحكومات العسكرية الانقلابية، فمن المستحيل أن ينعم بلد بالرفاه والاستقرار تحت حكم الانقلاب العسكري، لوضوح أن البلاد لا تدار إلا بأدق سياسة حازمة ومن قبل قادة أكفاء، والعسكري بما هو هو لا يعرف ألف باء السياسة.

ولذا ذكرنا في جملة من كتبنا وجوب شجب هذه الانقلابات وهؤلاء الانقلابيين ومقاومتهم حتي يشعر الناس بأنهم لصوص وقطاع الطرق، مهما كان لونهم وادعاءاتهم وسوابقهم في الجيش…

هذا بالإضافة إلي أنهم ليسوا إلاّ عملاء للشرق أو للغرب، فإن منهم التخطيط والعون، ومن هؤلاء العملاء طلاب الكراسي التنفيذ.. وويل للبلاد وألف ويل عند استيلائهم.

وعلي إي حال، حيث رأي الشيوعيون في كربلاء المقدسة أنها مدينة صامدة، لم يروا بداً من إغراقها في الدماء والحرائق، لتأديب أهلها حسب اصطلاحهم، فقرروا لذلك ثلاث خطط:

الأول: إحراق أسواقها، لكن ذلك لم ينجح بفضل يقظة الأهالي، حيث أخذوا يسهرون علي الأسواق المهمة، أمثال سوقي الأقمشة.

الثاني: قتل كل متنفذ مفكر له سهم كبير في كفاح الشيوعية، وقد خططوا لقتل مائة وستة عشر شخصاً، كان المرحوم والدي رحمة الله عليه() وأنا منهم، وهذا أيضاً فشل، لأن بعض أفراد الحزب أخبرونا بالأمر، وحيث ظهرت الخطة فشلت.

الثالث:

صنع معركة شكلية بين الأهالي، ثم سجن وتسفير من يشاؤون، وقد نجحت هذه الخطة، ووقعت معركة كبيرة، من جرائها سجنوا المئات وسفّروا المئات، وكان من جملتهم العلامة الخطيب السيد مرتضي القزويني، وقد حكم عليه بالإعدام، لكن وساطة والدي رحمة الله عليه أنقذته من حبل المشنقة.

هذه هي المرة الأولي التي أرادوا فيها إحراق كربلاء المقدسة.

أما المرة الثانية: فقد كانت في زمن القوميين، بقيادة (عبد السلام عارف) فقد حدث انقلاب علي قاسم، بخطة إنكليزية أيضاً، حيث إن قاسم أخذ ينحرف عن الإنكليز إلي أمريكا، فدبرت المخابرات البريطانية انقلاباً ضده، أدي إلي إسقاط حكمه بلونه الشيوعي المصطنع وجاءوا بالحكم إلي (عارف) القومي..

وقد بقيت كربلاء المقدسة قلعة صامدة أمام القوميين، كما كانت قلعة صامدة أمام الشيوعيين، ولم يرق هذا الشيء (عبد السلام) وكلما حاول جر كربلاء إلي عربته لم ينجح، وجاء ذات مرة إلي كربلاء. وقد هيئ لمجيئه أكبر قدر من الدعاية والإرهاب، حتي أن الطيارات النفاثة كانت ترهب المدينة من أول الصباح إلي الغروب، لكن الناس لم يستقبلوه بما كان متوقعاً، والعلماء لم يحضروا في حفل طعامه ولم يلتقوا به كما أراد كما أن جملة من الأشراف قاطعوه، مما أغضبه أيما إغضاب.

فقرر إحراق كربلاء المقدسة.. فجاءني ذات يوم صديق، يقول لي: إن في هذا الأسبوع تقع كارثة.

قلت: وما هي؟

قال: إحراق كربلاء.

قلت: ومن أين تقول؟ وكيف؟

قال: علمت بذلك من دائرة الأمن، دائرة الإرهاب والعمالة لبريطانيا منذ انقلاب (14 تموز) إلي اليوم، فإن الحكومة قررت أن تهاجم العشيرة الفلانية من كربلاء، في معركة مصطنعة، ثم تنهب الدور والبيوت والدكاكين، وبعد ذلك تحرقها، الخطة من (الأمن) والتنفيذ من (العشيرة الفلانية) القاطنة قرب كربلاء، مع جملة كبيرة من رجال الأمن جلبوا إلي

البلاد من بغداد وغيرها، ولما تيقنت بصدق القصة، استشرت الأصدقاء فيما يمكن أن نعمل أمام هذا العمل، وأخيراً قررنا أن أفضل طريقة لمنع هذه الخطة فضحها بسرعة، وكذلك فعلنا فانتشر الخبر في كل كربلاء انتشار النار في الهشيم، كما أن جماعة من الأشراف اتصلوا بتلك العشيرة وأخافوهم مغبة عملهم، وبذلك وقي الله كربلاء المقدسة من كارثة، ببركة الإمام الحسين عليه السلام ويقظة الأهالي..

والقومية وإن كانت باقية بعدُ في العراق،إلا أن الناس عرفوا حقيقتها ومآسيها، كما عرفوا عمالتها للغرب، وأنهم ليسوا إلا مخلب القط، ولذا سقطت شوكتهم، وذهب دورهم.

بين القومية واللغة

من اللازم علي المسلمين تعلم اللغة العربية، بل من الضروري أن يهتم المسلمون إلي جعل لغة العرب لغة عالمية، ليكون التفاهم العالمي بهذه اللغة، كما هو الآن بالنسبة إلي اللغة الإنكليزية، فإن اللغة العربية هي لغة القرآن والسنة، ولغة العبادات كالصلاة والتلبيات في الحج، والزيارات والأدعية وما أشبه، بالإضافة إلي أنها لغة النكاح والطلاق، إلي غير ذلك.

فعلي كل مسلم أن يتعلم هذه اللغة، كما أن من الضروري نسف اللغات العربية العامية، فإنها لغات جيء بها لنسف اللغة العربية الفصحي في بلاد العرب.

وكذلك اللازم أن يتعلم كل مسلم غير عربي كالإيراني والتركي والهندي وغيرهم إلي جنب لغتهم اللغة العربية، حتي يكون ذا لغتين، ويكون ذلك بأن يجُعل لهذه اللغة قسط وافر من المناهج الدراسية من أول الابتدائية، ثم يتكلم الأبوان والمحيط بهذه اللغة إلي جانب تكلمهم بلغتهم المحلية.

ومن اللازم نسف كل اللغات الأجنبية، إلا بقدر، فلا داعي أن تكون لغة العلم لغة إنكليزية أو ألمانية أو غيرها، كما لا وجه لأن يدرس الطالب لغة أجنبية إلا بقدر الضرورة.

وأحياء اللغات المحلية التي دعي إليها (رضا خان في إيران)() و(أتاتورك

في تركيا)() و (حزب المؤتمر في الهند) وغيرهم في سائر البلاد، لم يكن إلا حركة استعمارية، أريد بها القضاء علي اللغة العربية، بل في جملة من البلاد مثل (الجزائر) و (إرتريا) و(أوغادين) وغيرها حرم المستعمرون اللغة العربية، حتي إني ذات مرة قرأت في كتاب: إن من كان يتكلم باللغة العربية في البلد الفلاني كان جزاؤه السجن ستة أشهر.

ومن الواضح أنه فرق بين اللغة وبين القومية، فإن اللغة كما عرفت واجب التعليم والتعلّم.. بينما القومية محرمة في الشريعة الإسلامية، فحال لغة العرب حال اللغة الإنكليزية وحال قوميتهم، فالدعوة إلي تعلم اللغة الإنكليزية، ليست دعوة إلي تبني القومية الإنكليزية.

ثم من اللازم إحياء كل ما يرتبط باللغة العربية، مما قرره الإسلام، فإنه يكون تقوية للإسلام، مثل:

1: إحياء الكتب العربية.

2: وجعل الأشهر عربية، أي (محرم وصفر)، لا (كانون وتشرين)، ولا (فروردين وارديبشهت)، ولا غيرهما مما أحياه المستعمر في كل بلد إسلامي، للقضاء علي الأشهر الإسلامية، فإن الأعياد والمواليد والوفيات للمعصومين عليهم السلام، وشهر رمضان، وشهر الحج، والزيارات، والصلوات المندوبة، وغيرها، كلها مرتبطة بالأشهر العربية الإسلامية، بالإضافة إلي أنها الأشهر الطبيعية، التي ترتبط برؤية الهلال.

3: وجعل السنة هجرية، لا ميلادية أو غيرها، فإن الأحكام مرتبطة بالسنة الهجرية، وقد كان التاريخ مرتبطاً بها إلي قبل قرن، ثم جاء المستعمر وربطها بالميلادية.

4: وجعل الساعة عربية، أي غروبية، كما كانت إلي قبل نصف قرن، بل أقل، فإنها هي الساعة الطبيعية الواضحة لكل أحد، أما الزوالية فإنها غير واضحة لكل أحد.

5: وجعل أسامي البلاد والشوارع والمخازن والمدارس والمؤسسات وغيرها إسلامية عربية.

6: وجعل أسامي الأولاد بأسامي المعصومين عليهم السلام وأولادهم وأصحابهم، وأسامي الأنبياء عليهم السلام ومن إليهم، وأسامي فيها لفظ العبادة، مثل (عبد الله) ونحوه.

7:

وجعل الأوزان إسلامية، مثل (المد) و(الرطل) و(الصاع).

8: وجعل المسافات إسلامية، مثل (الفرسخ) و(الميل) ونحوهما.

9: وجعل اسم النقد وقدره إسلامياً، مثل (الدرهم) و(الدينار)، لا (التومان) و(الروبية) وغيرهما، كما أن اللازم أن يكون وزن الدرهم والدينار علي ما كان في زمن الإسلام.

10: وجعل الآثار إسلامية علي كل مرافق الحياة، مثل جعل الآثار الإسلامية علي السكة، وعلي الطابع، وعلي غيرها.

11: وأن تكون البرقية (التلغراف) بين البلاد العربية وبين البلاد غير العربية، باللغة العربية، لا باللغة الإنكليزية، كما هو المعمول الآن.

12: إلي غير ذلك من الأمور الكثيرة التي لا تخفي.

ولا خوف من أن يهاجم الشرق والغرب وأتباعهم هذه الأمور، فإن الاستعمار الفكري لا يزول إلا بزوال المظاهر الاستعمارية، وكل ما يخالف ما ذكرناه فهو تابع للاستعمار الفكري الذي أهتم المستعمر به، وخطط له، وعمل جاهداً لتثبيته في بلاد الإسلام، وكل ماعدا ما ذكرناه فهو ارتجاع واستعمار وبلادة في فهم الحياة.

كما أن من الضروري تحطيم كل ما أحياه الاستعمار، مثل القوميات، وإحياء فرعون في مصر، وكورش في إيران، ونمرود في العراق، وغيرها.. و غيرها.

إن العالمين المتحالفين الرأسمالي الغربي والشيوعي الشرقي، يتلقيان بكل ترحاب، إحياء اليهود لآثار دينهم المغرقة في الرجعية، والبدائية والخرافية واللاعقلانية، وكأنه شيء تقدمي، يلائم عصر الذرة والقمر الصناعي، ثم يأتي العالمان ليسما إحياء المسلمين دينهم وتراثهم ولغتهم، بسمة الرجعية والانحطاط، وإن كان دينهم وتراثهم تقدمياً إلي أبعد حد، وعقلانياً إلي أقصي درجة، أليس ذلك من أبشع أنواع الاستعمار؟

وأليس من يتبعهم في هذه الفكرة، غارقاً إلي قمة رأسه في أوحال الاستعمار الفكري، من حيث يعلم ولا يعلم..

وعلي كل حال، فاللازم إحياء التراث الإسلامي واللغة العربية، بكل قوة ودقة، كما إن اللازم إماتة التراث غير الإسلامي والقوميات ونسف اللغات

العربية العامية بكل قوة وصمود.

ثلاثة أخوة لنسف الإسلام

جاء الاستعمار بثلاثة أخوة لنسف الإسلام في بلادهم:

1: بهلوي رضا خان، أصله من كرجستان، وهو من الأرامنة، الذين جاءوا إلي إيران في فترة من زمن القاجار، وحيث كانت نساؤهم جميلات استخدمن في البيوت، وكان كثير منهن يتعاطين الأعمال الشائنة، كما كان بعض أولادهم يتعاطون العمل الشائن، وكانت أم رضا خان معروفة بالزنا، حتي اضطر زوجها إلي أن يطردها من تلك القرية التي سكنوها، حيث ظهرت الفضيحة، ولم يمكن سترها، وأخذت الألسن تنال أمه، وتقذف الولد بأنه من الزنا، وذلك بعد ما سافر الأب مدة سنة فلما رجع رأي زوجته حاملاً برضا خان في أشهرها الأولي.

ولم يكن (رضا خان) يلقب ب(البهلوي)، وإنما لقب (رضا خان) نفسه بهذا اللقب، إحياءً للفارسية القديمة..

كما أن ولده (محمد رضا)() كان هو الآخر مرمياً بأنه (لغير رشده) وقد لقب نفسه (آريامهر)، ولقب ولده (كورش)، وهذا الولد (كورش) أيضاً رمي بأنه لغير رشده كما تجد كل ذلك في نفس المجلات الإيرانية إحياءً للفارسية القديمة.

و(كورش) الذي أراد (بهلوي الابن) إحيائه في حفلات

(2500) سنة، كان أسوء حاكم عرفه العالم، فإنه بالاضافة إلي إمعانه في أبشع الدكتاتوريات، قتل زوجته وعشرة من أولاده ورئيس وزرائه، لأجل فتاة يهودية عشقها، ولم تستعد الفتاة أن تعطيه يدها إلا بهذا الشرط، ومثل هذا العمل الاجرامي لأجل شهوة عابرة، لم يعرف في تاريخ أحد من حكام العالم علي الإطلاق، فهل يقتل الإنسان زوجته وعشرة من أولاده، لأجل قضاء شهوة؟

2: و(أتاتورك) مصطفي كمال، أصلة من (بوستنة) وهو من (اليهود) أسلم أبوه كما زعم وسمي ولده (مصطفي)، ولما استولي الولد علي الحكم غير اسمه إلي (أتاتورك) كرها للإسلام واللغة العربية.

3: و(ياسين الهاشمي) الذي أخذ بالزمام، في فترة

قصيرة، في العراق وهو مطعون في دينه ونسبه.

كل هؤلاء الثلاثة، جاء بهم الإنكليز إلي الحكم في البلاد الإسلامية، (بهلوي) في إيران و(أتاتورك) في تركيا، و(الهاشمي) في العراق، لنسف الإسلام واللغة العربية، وإحياء القوميات وآثار الجاهلية التي كانت قبل الإسلام، سواء الآثار اللغوية أو الدينية أو غيرهما.

وكان كل الثلاثة متشابهين من حيث المجيء الانقلابي بدون رضاية الناس، وبدون توفر عنصر الكفاءة فيهم بله الإيمان والتقوي ومن حيث المعادات للدين وأهله، ومن حيث وضوح العمالة للأجنبي، ومن حيث تحطيم البلاد اقتصاديا وسياسياً وثقافياً، ومن حيث المصير المتشابه.

أما البهلوي، فقد جاء في أعقاب المشروطة، إذ عمل العلماء وعلي رأسهم المرجع الأعلي في زمانه (الشيخ محمد كاظم الآخوند الخراساني)() صاحب كتاب (كفاية الأصول)، لاسقاط الاستبداد والعمالة للأجنبي ونجحت الخطة، وفتح مجلس الأمة، المنتخب من قبل كل الشعب، حيث يكون مقراً لخبراء البلاد وعلمائها وأصحاب الكفاءات، ليقودوا البلاد إلي حكم الله سبحانه في إطار رضاية الناس.

قال تعالي: ?وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُون?().

وقال سبحانه: ?وَأَمْرُهُمْ شُورَي بَيْنَهُمْ?().

لكن المؤسف أن الآخوند رحمة الله عليه توفي ولما تكمل المشروطة، والمشهور أن البريطانيين دسوا إليه السم، فاستشهد من جراء ذلك، وتمزقت المشروطة، في أثر فقدان القائد، وإذا بيد الإنكليز تظهر من وراء الستار، وتأتي بعميلهم (رضا خان) إلي الحكم.

نزاع المشروطة والمستبدة

ولا يخفي أن النزاع الذي نشب بين (المشروطة) و(المستبدة) كان نزاعاً سطحياً بما يسمي في الاصطلاح العلمي (بالنزاع اللفظي) حيث إن أرباب المشروطة كانوا يقولون بوجوب المجلس والانتخابات، بينما أرباب الاستبداد كانوا يقولون بأن الأمة لم تصل بعدُ إلي الوعي الكافي ليمكن إعطاؤها الحريات واختيار الرأي، فإذا عملنا بالمشروطة في هذا الحال يمكن أن ينقلب الأمر ضد الأمة، مما لاتحمد عواقبه،

فكلا الطرفين كان يسلّم بواقع الأمر، وإنما كان النزاع في الوقت المناسب.

والنتيجة وإن تكشف عن رأي المستبدين، إلا أنها لم تكن نتيجة المشروطة، وإنما نتيجة قدر تدخل في الأمر بموت القائد، وكان مثال ذلك، مجيء بني أمية إلي الحكم، حيث إنهم جاءوا في أعقاب دعوة الرسول صلي الله عليه و اله وتوحيده البلاد تحت لواء الاسلام، لكن لم يكن ذلك بمسؤولية الرسول صلي الله عليه و الهٍ وإنما كان نتيجة قدر تدخل في الأمر، من جهة عدم وعي المسلمين، وعدم تنفيذهم لأوامر الرسول صلي الله عليه و اله حيث قال صلي الله عليه و اله: «إذا رأيتم معاوية علي منبري فاقتلوه» ().

وكيف كان فالمشروطة مفخرة علماء الدين، وعوا الأمر وغيروا إيران من: استبداد وعمالة الأجنبي إلي مسير حكم الله في إطار رضاية الأمة، وتأخير النتيجة لا يضر بصحة المقدمة..

ومن اللازم علينا أن نأخذ من انحراف مسير المشروطة درساً بوجوب نشر الوعي الإسلامي علي أكبر نطاق ممكن، حتي تعي الأمة كل الأمة المسلمة، لا إيران فحسب خيرها من شرها، بأن تعلم أن كل حكم يفقد عنصري كونه حكم الله كاملاً غير منقوص وكونه في إطار رضي المسلمين بالحاكم المؤهل للقيادة بسبب كونه عالماً عادلاً كفوءً، له مواصفات مرجع التقليد، فهو حكم باطل، سماه الله طاغوتاً، قال تعالي: ?فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَي لا انفِصَامَ لَهَا?() فإن (الطاغوت) مبالغة في الطغيان، ومن الواضح أن كل حاكم ليس يجمع الصفتين يكون في غاية الطغيان، أما من يفقد رضي الله، فواضح طغيانه، لأن كل حكم ما عدا حكم الله جائر، وأما من يفقد رضي الناس، فإنه ينتهي إلي المصادمة الموجبة لنشر الفوضي والطغيان.

ثم إن عدم

رضاية الناس يكون له وجهه، إذا لم يكن الحاكم بنص صريح من الله، مثل الأنبياء والأئمة عليهم السلام حيث عليهم نص صريح، فلا يحق لأحد أن لا يرضي بهم، أما إذا كان النص مطلقاً مثل: (من كان من الفقهاء حافظاً لدينه..)() فلا يجبر إنسان علي شخص خاص، بل كما أن له أن يقلّد أحدهم، كذلك له أن يحكم أحدهم، فإذا جاء أحدهم إلي الحكم بدون رضي الناس به، كان مجيئه خلاف أمر الله سبحانه: فالحاكم وإن كان بنظر نفسه صحيحاً لكنه غير صحيح بنظر الناس، وهنا يقع التصادم والطغيان، وهذا بحث طويل لسنا الآن بصدده().

الوعي العالمي

ثم إن الوعي الذي نقصده، هو الذي يكون بمستوي العالم وطبقاً لمتطلباته، بأن يكون في الإذاعات والتلفزيونات والصحف وما إلي ذلك.. فإن لم يمكن فبالكتب الكثيرة، ويكفي أن نبين لمدي عمل العالم في حقول الوعي الذي يقصدونه مما هو في اتجاههم الأسئلة التالية:

1: إن (ماو)() طبع من كتابه (الأحمر) ثمانمائة مليون نسخة.

2: والغربيون ألفوا حول ثورة (الجزائر) من وجهة نظرهم (خمسمائة كتاب) في حال أن العرب كلهم ألفوا حول الثورة من وجهة نظرهم (خمسة عشر كتاباً).

3: وقد رأيت في كتاب أحد كتّاب لبنان: أن الغرب ألف حول شخصية (أتاتورك) وقضيته في مدة نصف قرن (عشرة آلاف كتاب) فإن هذا العدد وإن كان لا يخلو من المبالغة حسب الظاهر إلا أنهم لا شك ألفوا كتباً كثيرة، حيث لم يكن بإمكانهم تحطيم إمبراطورية دامت قروناً إلا بعدد ضخم من الكتب، وشيء كبير من الدعاية.

4: وإسرائيل ذات ثلاثة ملايين()، وحدها تملك من الصحف أكثر من صحف الدول العربية ذات المائة وخمسين مليوناً ().

5: والاتحاد السوفيتي نشر من الكتب والنشرات في سنة واحدة عشرين

مليار، أي لكل إنسان من أربعة مليارات البشر() خمسة كتب أو نشرة.

6: وفي أمريكا عشرة آلاف مجلة، وما يقارب من ألفي جريدة يومية.

7: وفي إيران ذات الخمسة وثلاثين مليوناً ()، نشر الشيوعيون في سنة واحدة حسب إحصاء بعض الخبراء مائتين وخمسين كتاباً، وكان عدد كل كتاب مطبوع بين ستين ألف ومائة ألف، بما معدله التقريبي (عشرون مليون) لكل إنسانين كتاب تقريباً .

إلي غير ذلك من الأرقام المعروفة في عالم الدعاية والنشر.

ولنرجع إلي ما كنا بصدده.

تخطيط الغرب لتحطيم إيران

فقد جاء الغرب بالبهلوي (رضا خان) ليسلمه إيران، في حال قلة من الوعي وفوضي من أمر الأمة، وزوده بالخبراء والسلاح والتخطيط، لينسف الإسلام وليجعل إيران مستعمرة بريطانية، وقد قام رضا خان بالأمر كما عهدوا إليه.

1: فأحيي القومية الفارسية، كما أحيي دين زرادشت.

2: قوي البهائية، المذهب الاستعماري المختلق.

3: شجع الأقليات في قبال الأكثرية.

4: هدم المساجد والمدارس، وجعلها دوائر ومخازن واصطبلات.

5: حطم رجال الدين، بكل أنواع التحطيم.

6: نشر الخمر والزنا والقمار وفتح المواخير، وعقد الليالي الحمراء واحتفالات الجنس.

7: حطم الزراعة والصناعة والتجارة.

8: أجبر النساء علي خلع لباس الحشمة.

9: منع الأذان والقرآن ومجالس الوعظ والإرشاد والدعوة إلي الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

10: قتل الأبرياء من دعاة الإسلام والوطنية والمثقفين بالألوف، وقد قتل في حادثة (مسجد كوهر شاد) ما لا يقل من ثلاثة آلاف، حيث إن بعض الإحصاءات ينهونه إلي عشرة آلاف قتيل.

11: جعل الحكم ديكتاتورياً إرهابياً بوليسياً، وملأ السجون برجال الدين والأحرار.

12: نهب خيرات البلاد وأهداها إلي المستعمرين.

13: وأخيراً جعل ولده (محمد رضا خان) ملكاً علي البلاد، حيث أتم مسيرة أبيه في الكفر والطغيان وتحطيم البلاد وعمالة الأجنبي، في قصص طويلة تحتاج إلي عدة مجلدات تذكر مآسي هذين العميلين .

وأخيراً خلعته بريطانيا

أسياده من الحكم، وأرسلوا به إلي جزيرة (موريس) حيث الحر والوساخة والوحشة، وأصابه هناك لوث من الجنون، فكان قد نصب أمام غرفته مرآتاً، وكان يقف كل يوم أمام المرآة، ويقول: (أعلا حضرت، قدر قدرت، شاهنشاه، رضا شاه بهلوي) ثم يعفط عفطة طويلة، ويستغرق في ضحك هستيري، وكان يقضي أكثر أوقاته بهذه الكيفية.

ولما مرض طلب من ولده (محمد رضا خان) الطبيب لكن الإنكليز منعوه عن إرسال الطبيب إليه..

ولما جاء المتفقون (تشرشل، وروزفلت()، وستالين()) إلي إيران في أعقاب الحرب العالمية الثانية، طلب (محمد رضا خان) من ستالين، أن يطلب من تشرشل إرسال أبيه (رضا خان) إلي بعض (مصايف البحر الأسود) وطلب ستالين ذلك، وحيث إن تشرشل لم يجد بداً من تلبية طلب ستالين، أجابه بالإيجاب، لكنه أرسل بصورة مستعجلة إلي ممثل بريطانيا في جزيرة (موريس) برقية يأمره فيها بالقضاء علي (رضا خان) فقتله الممثل بسبب (إبرة) ولم تمض أيام إلا انتشر خبر موته، ويئس (محمد رضا خان) وستالين منه.

وهذه هي النتيجة الطبيعية للعملاء السفاكين ?وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَي وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ?().

قال لي (ثقة الإسلام الرشتي رحمة الله عليه): ذات مرة قلت (لسفير بريطانيا) بطرق الجد الممزوج بالمزاح: لماذا أنتم البريطانيون إلي هذا القدر من الخسة وخبث النفس، إن (بهلوي) خدمكم أكبر قدر من الخدمة، ثم كان مصيره علي يدكم هذا المصير الأسود.

فتضاحك السفير، وقال: جوابك هذا، وطرح عقب سيجارة كان يدخنها، وأردف: إن مثل الإنسان عندنا مثل السيجارة، نحتفظ به مادام ننتفع منه، فإذا انتهت فائدته، لفظناه ولا يهمنا مصيره بعد ذلك.

تخطيط الغرب لتحطيم تركيا

وأما (أتاتورك)، فقد فوض إليه الإنكليز، تحطيم الإمبراطورية العثمانية، وزودوه بأكبر قدر من الخبراء والسلاح والقوة والدعاية والتخطيط، ولأول مرة في تاريخ العالم يترك رئيس دولة

بعض بلاده للأجانب بحجة أنه لا يقدر من إدارتها، فقلص أتاتورك الإمبراطورية المستقلة المترامية الأطراف، إلي قطعة صغيرة مستعمرة (بالفتح) وهي تركيا الحالية لا تملك قوة ولا سلاحاً ولا ثقافة ولااقتصاداً ولا استقلالاً..

وقد أحيي القومية التركية وقتل من المسلمين عشرات الألوف، ومن العلماء الألوف وبدل الدين واللغة، وهدم المساجد والمدارس، وفتح المخامر والمباغي والمقامر، وحطم الاقتصاد والاستقلال، وجعل البلاد خائفة ذليلة، ترتطم في ويلاتها إلي هذا اليوم، وإلي يوم يشاء الله يقظة الشعب ليردوا تركيا إلي الإسلام والاستقلال.

وكان مصير (أتاتورك) مصير (بهلوي) حيث إنه لما قدم كل ما أمروه به من خدمات، واستغنوا عنه، زرقوه (إبرة الهواء) فأخذ ينتفخ جسمه وينتفخ، حتي وصل وزنه إلي (مائتي كيلو) تقريباً، ولم يتمكن من النوم والمشي والحركة، وأخيراً مات أبشع موتة، بعد أن ذُل أكبر قدر من الذلة وقد علم بعد موته أي منقلب انقلب فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ().

تخطيط الغرب لتحطيم العراق

وأما (ياسين الهاشمي) المجهول أصله ونسبه فقد جاء به البريطانيون إلي العراق، وأرادوا منه نفس ما أرادوه من الأخوين الآخرين له (بهلوي وأتاتورك) وأخذ يعد العدة ويطبق بعض البنود، مثل (إحياء القومية العربية) والسير بالعراق إلي الغرب ليربطه بعجلته، والازدراء بالإسلام ورجاله وتاريخه.. لكنه أراد قتل الملك فأخطأ، مما سبب إخراج الملك إياه من العراق، حتي إذا وصل إلي الحدود، زرقوه إبرة (بحجة أنه مريض بالكوليرا) فمات من أثر ذلك، ودخل في ?نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ ? الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَي الأَفْئِدَةِ?().

العجب كل العجب

وفي المقام تجدر الإشارة إلي شيء مهم، وهو أنه لا شك أن (الأخوة الثلاثة) المتقدمة كسائر إخوانهم في البلاد الإسلامية الذين جاء بهم المستعمر، عملاء للشرق أو الغرب، وليس هذا موضع

العجب إذ المستعمر بسببهم يروج مبادءه ويحطم منافسه ويقوي اقتصاده، كما أن هؤلاء الحكام بسبب المستعمر ينالون مالاً ومنالاً.. وإنما العجب كل العجب من المثقفين الذين يحشرون أنفسهم تحت ألوية هؤلاء ويكونون أعواناً لهم في هدم أنفسهم وهدم بلادهم وهدم أمتهم، بينما هم يعلمون أنهم لو كانوا مستقلين، لكان حالهم أفضل مادياً ومعنوياً، وهؤلاء المثقفون حسب تقديري علي قسمين:

الأول: من تكون في أنفسهم حالة العمالة، وقد قال سبحانه: ?كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَي شَاكِلَتِهِ?() وليس الكلام حول هؤلاء.

وإنما الكلام حول القسم الثاني: والظاهر أنهم إنما ينساقون في ركاب الحكام المستعمرين، من جهة الإرهاب الفكري، فإن غالب المسلمين أخذتهم بهرجة الغرب، من جهة الصناعة، والنظام، والنظافة، والأمانة، والجمال، والتعاون، ولذا لا تجد مجلساً، إلا فيه مدح الغرب من هذه الجهات، وينبهر الكل، والمنبهر منهزم لامحالة.

وأمام هذا الشيء المساعد للاستعمار يلزم أمور:

1: الاهتمام بالأمور السابقة في البلاد الإسلامية بأن تكون بلاداً صناعية منظمة نظيفة أمينة جميلة متعاونة، فإن كل هذه الأمور في دين الإسلام، ولو كان شيء منها في العالم فإنما هو من تأثير الإسلام كما هو معروف ويعترف به أمثال (برنارد شو)() و(غوستاف لبون)() و(راسل)() وغيرهم، وإذا عمل كل إنسان حسب قدرته وطاقته قفزت البلاد الإسلامية، في أقل من عشرين سنة إلي مصاف الدول الكبار.

2: الكف عن ذكر المحاسن للبلاد الأجنبية، فإن ذلك يزيد الاستعمار قوة، وتقوية الاستعمار لا يجوز شرعاً.

3: ذكر فضائح الدول الغربية والشرقية، ولا شك أن فضائحها أكثر من محاسنها بكثير، منها:

? استعمارها للبلاد والشعوب، بأبشع أنواع الاستعمار.

? وتحطيمها أجمل جزئي البشر، وهو الروح، حتي أصبح الإنسان بهيمة في نظر الغرب، وآلة في معمل كبير في نظر الشرق.

? وإشاعة الخمر والميسر والقمار في البلاد بما

لم يسبق لها مثيل.

? وإلقاء البشر في أتون الأمراض والقلق.

? وتحطيم العائلة تحطيماً شبه كامل.

? وسلب كل حريات الإنسان في الشرق، وكثير من الحريات في الغرب.

? وخلط العقيدة بأبشع أنواع الخرافة كالإلحاد في الشرق والتثليث في الغرب.

? والإسراع في تدمير البشر بصنع أهول وسائل الفتك والإبادة.

? وإقامة الثورات والحروب والانقلابات في كل مكان.

? والتسبب لإفقار أكثر أهل العالم..

كل ذلك لا يدع مجالا للمحاسن، بل حال المحاسن في الغرب حال الجسم الظاهر الجمال، بسبب التورم الناشئ من المرض، يظن الجاهل أنه جميل بينما هو مرض ووبال.

وعلي هذا، فإذا كان الإنسان في مجلس يذكر فيه (تعاون الغرب) يجب أن يذكرهم بأنه ما فائدة شيء من التعاون في قبال إقامتهم للثورات وإراقتهم دماء الأبرياء، أو إذا ذكر فيه (جمال مدنهم) يجب أن يذكرهم بأنه ما فائدة جمال ظاهري، والبشر تحت ذلك الجمال الظاهري يمزقه القلق والمرض، وإذا ذكر فيه (أمانتهم في البيع والشراء) يجب أن يذكرهم بأنه ما فائدة أمانة جزئية في قبال سرقتهم لخيرات الشعوب وخيانتهم للأمم.. إلي غير ذلك.

ولا يخفي أن هاتين الدعايتين،دعاية لأجل الغرب والشرق، والدعاية ضد البلاد الإسلامية، منشأهما نفس أولئك الحكام وعملائهم ثم يتلقاهما الببغاوات من المسلمين عن غفلة وجهل، وقد صرح بذلك (كينيار دالكوركي) في مذكراته().

كما أنه قد جاء إلي المرحوم (آية الله السيد أبو القاسم الكاشاني)() عند موت السيد، إنسان يستوهبه ما اقترف بحقه من الإثم؟

قال السيد: إني أهبك إن أخبرتني بنوعية الجريمة، وإلا لم أجعلك في حل.

وتردد الرجل، ثم لما لم ير بُداً من الأمر (وقد وعي ضميره الديني) قال: إني منذ ثورة العشرين في العراق حيث حاربتم الإنكليز، استخدمتني سفارة بريطانيا، في قبال أجرة شهرية محترمة، أن يكون ورد

لساني في كل مجلس ومحل هذه الجملة: (السيد أبو القاسم الكاشاني بريطاني).

فضحك السيد وقال له: أنت في حل مما عملت وقلت.

وهذه القصة وغيرها تدل علي مدي نشر عملاء الغرب ما يريدون في تحطيم بلاد الإسلام ورجاله.

عبد الناصر وقوميته

إذا أردنا أن نلخص أحوال (عبد الناصر) وإنجازاته، فهي كما يلي:

1: تبديل الإسلام إلي القومية العربية، وتبديل الاقتصاد الإسلامي إلي الاشتراكية.

2: ضرب الإسلام في داخل مصر وخارجه.

3: إقامة المجازر والثورات في جملة من البلاد.

4: إشاعة الكبت والإرهاب وزرعه السجون والمعتقلات، بما لم يسبق له مثيل حتي في عصر فرعون، فإنه كان ضد المؤمنين بموسي عليه السلام فقط، لا أنه كبت كل الشعب.

5: تحطيم اقتصاد مصر.

6: إحياء الفرعونية.

7: تقوية إسرائيل وتوسيع رقعتها، فسيناء، والضفة، والقدس، والجولان، وشيء من جنوب لبنان، كلها صارت بيد إسرائيل من جراء أعمال عبد الناصر.

8: نشر الشيوعية في الشرق الأوسط.

9: تبديل غطاء الديمقراطية إلي الديكتاتورية.

10: وأخيراً تهيئة الجو اللائم لأخذ (السادات) بالزمام، وصلحه مع إسرائيل.

وكل بند من هذه البنود بحاجة إلي كتاب أو كتب، وقد ألف المصريون كتباً حوله، بهذه الشئون لابد لمن يريد الاطلاع كاملاً علي أحوال (عبد الناصر) من مطالعتها، ومصر أو غير مصر إن أرادت النجاة من هذه الويلات لابد لها من الرجوع إلي الإسلام، وإلا فتزداد سوءً يوماً بعد يوم.

ولندع مصر، ولندع سوريا، ولندع العراق، ولندع حتي الأردن، إن ثلاثمائة ألف من المسلمين يكفون للقضاء علي إسرائيل في منطق القرآن الذي هو كلام أصدق الصادقين، يقول الله سبحانه: ?إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً?() و(الصابر) هو من يصبر، لصنع السلاح، والنظام، والأخذ بكل أسباب القوة.

ولو تنزلنا كان يكفي أمام إسرائيل (مليون ونصف) حيث قال سبحانه:

?الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنَِ?() إذن فما هو السر في أن إسرائيل ذات الثلاثة ملايين، غلبوا علي المسلمين العرب ذات المائة وخمسة وثلاثين مليونا () إذا سلمنا أن العرب المسيحيين خمسة عشر مليوناً؟

كل يجيب بجواب، لكن الجواب الصحيح هو ترك المسلمين الإسلام، والعرب لم يعزوا إلا بالإسلام، فحين تركوا الإسلام ذلوا، ولا يعزون مرة ثانية، إلا بما عزوا به أولاً، وهو الإسلام

?َلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لايَعْلَمُونَ?() ?أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً? ().

هذا، بالإضافة إلي أن الحرب إنما هي بين (اليهود) وبين (المسلمين) بينما جعل ناصر الحرب بين (الصهيونية) وبين (العرب) وهو غلط كبير وقع فيه كثير من المسلمين، تبعاً للمخطط الذي صنعه المستعمر، مقدمة لزرع إسرائيل في قلب البلاد الإسلامية، فاللازم إيجاد الوعي الكافي، لتأطير الحرب بإطارها الواقعي ثم إعداد العدة الكافية لنسف إسرائيل، وفي ذلك اليوم يظهر للمسلمين وللعالم، أن نسف إسرائيل، لا يحتاج إلي أزيد من أسبوع علي أبعد فرض .

من أخطار اليهود

واللازم علي المسلمين أن يفقهوا خطر إسرائيل الكبير علي كل البلاد، فإنهم يحطمون السياسة والاقتصاد والأخلاق والأديان وكل مقومات الحياة، في تخطيطات هائلة في الدقة والمكر والالتواء..

ومن بعض أعمالهم في تحطيم (الأخلاق) و(إشاعة الفحشاء والمنكر) و(نسف العائلة) إنهم يشكلون في كل بلد وقع في حبالتهم (وكالة للبغاء) عمل هذه الوكالة تهيئة أية فتاة أو ولد يريدهما المساهم في الوكالة، ولو كانت الفتاة شريفة متزوجة أو كان الولد شريفاً متديناً، وأسلوبهم في ذلك، أن يغروا الولد والبنت (المقصود إحضارهما للمساهم في الوكالة) بالمال، ثم الإرهاب، إن نفع فيه المال والإرهاب، وإلا جاءوا به

بسبب (الاختطاف) وإن عصي علي الاختطاف، سببوا إغماءه بواسطة بعض العقاقير الطبية، مما يسهل اختطافه.

هذا بالإضافة، إلي فتحهم المواخير، ومحلات اللواط، والمخامر، والمقامر، والملاهي، ودور السينما الخليعة، والنوادي المختلطة، وغيرها وغيرها.

ولا يخفي أن البلاد المقاطعة لإسرائيل أيضاً تقع تحت طاولة حبائل إسرائيل، بواسطة السفارات المتعاونة مع إسرائيل، فمثلاً تنشر سفارات إيران الشاهنشاهية جواسيس إسرائيل في كل البلاد العربية وغير العربية المقاطعة لإسرائيل، وهكذا.

وقد أخبرني أحد أصدقائي المتدينين، في سفارة إيران في الكويت، أنه كيف تكون السفارة مهبطاً لجواسيس إسرائيل بجوازات مزورة باسم (برويز) و(منوجهر) و(خسرو) وما إلي ذلك، وأنهم كيف يأتون من إسرائيل إلي إيران ثم إلي الكويت، ليتغلغلوا في مختلف مرافق الحياة، في الخليج وغير الخليج، وأحياناً تزرعهم السفارة في أماكن رفيعة من الدولة، وأنهم الواسطة لجلب الخمور والعواهر من الجاسوسات الإسرائيليات، إلي كل البلاد العربية، التي من أحدها الكويت، وإنما اختاروا سفارة إيران وإن كانت سفارة أمريكا وروسيا وإنكلترا وفرنسا وغيرها تقوم بنفس الدور لأنها أقرب إلي الشعب المسلم، بحسب الظاهر لدي كثير من الناس، ولذا فمن الضروري أن يحذر الحكومات والشعوب من هكذا سفارات، ويراقبوها بكل اهتمام ودقة، كما أن من الضروري أن تعامل (مصر السادات) بعد (الصلح!) نفس معاملة (إيران الشاهنشاه) في الحذر واليقظة.

طريق التخلص من إسرائيل

ثم إن طريق التخلص من إسرائيل هو شيء واحد وهو (الإسلام)، فإذا جاء الإسلام بدل الحكام الحاليين الديكتاتوريين وغير الديكتاتوريين الذين لا يعملون بالإسلام، ظهرت الكفاءات، وإذا ظهرت الكفاءات، قابلت كفاءة المسلمين بكفاءة إسرائيل وزاد المسلمون عليهم لا في العدد فحسب بل بالإيمان الذي إذا اشتد قابل كل مسلم عشرة إسرائيليين، وإذا لم يشتد قابل كل مسلم إسرائيليين، وعند ذاك يكفي علي أكثر فرض مليون ونصف مليون

مسلم لنسف إسرائيل ذات الثلاثة ملايين.

السعي لهداية اليهود

كما أن من الضروري اهتمام المسلمين بخطط دقيقة لتبليغ الإسلام إلي اليهود، فإن اليهود مهما كانوا فهم بشر يتأثرون بالحق إن عرض عليهم، كما دل الكتاب والسنة والتاريخ علي إسلام كثير منهم، فإذا تمكن المسلمون من (دعاية منظمة عصرية) لأجل إسلام اليهود، أسلم كثير منهم، سواء في داخل إسرائيل أو خارجه، وهو نصر كبير مزدوج، لا لتحطيم إسرائيل فحسب بل لتحطيم الصهيونية، وتقليب اليهود إلي مسلمين، وما ذلك علي الله بعزيز.

ولا بأس أن أنقل هنا قصة طريفة، نقلها لي صاحبها ترتبط بشأن إسلام اليهود :

كان في النجف الأشرف، رجل كبير، يسمي (محسن شلاش) وكانت له دكاكين وأملاك، قال لي وكيله علي أملاكه، ذات مرة أردنا إخلاء الدكاكين من المستأجرين، لأجل تعميرها، وأنذرت المستأجرين، فخرج كلهم، إلا يهوديا كان ساكناً في أحدها، وذلك قبل سنة 1948م حيث كانت اليهود في العراق بكثرة فلم يخرج، وكلما استعملت معه العطف لم ينفع حتي أنذرته بإخراج أثاثه بالقوة غداً إذا لم يخرج بنفسه..

وفي الليل رأيت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في المنام، فقال عليه السلام لي: يا فلان أترك الرجل وشأنه، إنه أسلم خفية، ولا أريد أن يصيبه مكروه من قبل المسلمين..

قال: وفي نهار ذلك اليوم أخبرت الرجل (المسلم الجديد) بالأمر فبكي كثيراً، وقال: هذا أقوي دليل لي بحقيقة الإسلام، لايعلم بإسلامي إلا الله وأنا، ثم أوصي بإخفاء إسلامه خوفاً من أقربائه، وإنه إذا مات جهّزه كما يجهز المسلمون.

القومية تحطيم للكفاءة

بني الإسلام الاجتماع علي أساس (الكفاءة) قال سبحانه:

?إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ?()، بينما تبني القومية الاجتماع علي أساس (القوم).

وفي إبان المد القومي زمن عبد السلام عارف كنا نناقش القوميين حول هذا الأمر، وكانت هذه المناقشة، في ذلك الزمان تساوي تعرض

النفس للمخاطر، إذ ما أسهل أن يتهم الإنسان بتهمة رخيصة مثل (العمالة لإسرائيل) مما يعلقه علي خشبة الإعدام. وقد حدث ذلك الاتهام بالفعل لأحد الأصدقاء ولا أسميه إذ لعله يكره ذكر اسمه.

فقد كنت ذات يوم جالساً، إذا جاءني إنسان ليقول: إن مدير الأمن رفع تقديراً ضد (فلان) علي أنه جاسوس إسرائيل، وأردف: أدرك قبل أن يحكم عليه بالإعدام، وفوراً أرسلت له الخبر، فأتاني، وأخذت له سيارة وكلفت صديقاً آخر أن يصاحبه إلي (سوريا) وبالفعل هرب إلي سوريا، وإلا كان اليوم من الأموات، ولم يكن ذنب الرجل، إلا أنه ما كان يخضع لفكرة القومية، إبان كانت الأرض والحيطان تمطر بالقومية إعلامياً.

وكيف كان فقد جاءني محام قومي ليناقشني حول رأيي في القومية، قال: هل إنك من أعداء القومية؟

قلت: إن رأيي أن (القومية) فكرة لا إنسانية، بله عن كونها

لا إسلامية.

قال: وكيف؟

قلت: لأن معناها تحطيم الكفاءة، والإسلام والمنطق الإنساني يؤيدان الكفاءة، لا القومية.

قال مع احترامي لك : هل المنطق أن يستغل الإيرانيون خيرات بلادنا بينما العرب يعيشون في فقر مدقع؟

قلت: كلا العربي والإيراني إنسان، ولكل أن يعيش عيشة حرة كريمة في أي بلد شاء، وماذا الذي يرجح العربي علي الإيراني أو يرجح الإيراني علي العربي، فالإيراني إذا كانت له كفاءة خير من العربي الذي لا كفاءة له، والعربي إذا كانت له كفاءة خير من الإيراني الذي لا كفاءة له.

قال: وهل حكومة إيران تقدم العربي الكفوء علي الإيراني غير الكفوء؟

قلت: أنا لا أتكلم عن حكومة منحرفة، وانما أتكلم عن الإسلام ومنطق الإنسان.

قال: أليس الإسلام يقول: الأقربون أولي بالمعروف() والعرب (أقربون).

قلت: الأقارب غير القومية بالمفهوم الغربي، والإسلام يعطي الحق للقريب، وإن لم يكن قوماً بأن كان مثلاً إيراني من أقربائك.

قال: ماذا

تقصد بالكفاءة؟

قلت: هنا أمران:

الأول: إن الإسلام يري أن المسلمين كلهم أمة واحدة، لافضل لعربي علي عجمي، ولا لأبيض علي أسود إلا بالتقوي، ويري أن الإيراني أخ العربي، والهندي أخ التركي، و.. قال سبحانه: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ?() وتبعاً لهذه النظرة، فالحدود الجغرافية، واللغات، والألوان، وسائر الأمور من هذا القبيل كلها مصطنعة وضد الإسلام، فلأي مسلم أن يسكن في العراق أو في إيران أو في تركيا أو في السعودية أو في مصر أو.. كما أن لأي مسلم أن يزاول كل أموره الشخصية والاجتماعية وغيرهما في أي مكان شاء.

قال: غريب قولك، فإن معناه أن تنهب الأجانب خيراتنا؟

قلت: وقولك أغرب.

أولاً: ما معني (خيراتنا)؟ الأرض والشمس والماء والمعدن كلها لله، والبشر عباد الله، فليس حق لأي بشر أن يمنع بشراً آخر عن الاستفادة من أي هذه الأمور، إلا إذا كان شيء ملكاً لإنسان آخر، ملكية يقرها الإسلام.

وثانياً: ما معني (الأجانب)؟ إن الأجانب في منطق الإسلام والمسلمين، هم من ليس بمسلم، أما المسلم فهو أخ المسلم شاء أو كره، إلا أن يخرج الإنسان عن الإسلام فحينذاك لا يكون المسلمون أخوة له، ولذا فالمحرم أن يعبر الإنسان عن المسلم بالأجنبي، وإنما روّج هذه العبارة الكفار المستعمرون، بقصد تبضيع المسلمين، ومن المؤسف أن جملة من المسلمين أيضاً أطلقوا هذه الكلمة (الأجانب) علي المسلمين ببغائياً؟

ثالثاً: إن الإسلام يري أن التفاضل بين المسلم والمسلم إنما هو بالتقوي، ومعني التقوي الكفاءة، إذ من كان أصح عقيدة وأعلم وأكثر عملاً كان أتقي، وهو مقدم علي الأقل علماً وعملاً، وإن كان الأقل علماً وعملاً قريباً لك، والأكثر علماً وعملاً بعيداً عنك، وهذا هو منطق الإنسان، فإذا كان طبيبان، أحدهما أكثر علماً وتجربة لكنه ليس من

قومك، والآخر أقل علماً وتجربة لكنه من قومك، واتفق لك مرض أو مريض، فهل تراجع الأفهم، أو الذي هو من قومك؟ قال: أراجع الأفهم.

قلت: وهذا هو معني أن المنطق الإنساني يبني الأمر علي الكفاءة لا علي القومية.

قال: إذا فتحنا أبواب العراق لكل المسلمين، صارت نفوسها مائة مليون، ولم يبق للعربي العراقي حتي رغيف الخبز؟

قلت: بالعكس إذا فتحنا أبواب العراق بوجه كل مسلم، كانت العراق، كأمريكا ولا مناقشة في المثال تجتمع فيه الكفاءات مما يوجب تقديم البلاد إلي الأمام.

ثم أردفت: ألم يكن كذلك في عصر الإسلام، فكانت نفوس بغداد وحدها عشرة ملايين، ونفوس العراق أكثر من أربعين مليونا، وكان الكل في نعمة ورفاه، كما يحدثنا التاريخ.

ثم قلت: إن أمريكا أخذت بهذه الخطة في أول نشوئها، ولذا ارتفع نفوسها إلي أكثر من مائتي مليون واجتمعت فيها الكفاءات ولذا تراها اليوم أقوي دولة في العالم.

قال: إن ما تذكره أمور مثالية لا يمكن تطبيقها في الخارج؟

قلت: أعطني العراق أطبق لك ما أقول في أقل من خمسة سنوات، ثم أردفت، ألم يطبقها الإسلام؟ وألم تطبقها أمريكا؟ ولا مناقشة في المثال، وهل الأمر المثالي قابل للتطبيق؟

قال: هل تقول هذا الكلام ضد القومية العربية فحسب؟

قلت: أنا ضد فكرة القومية، سواء كانت عربية أو فارسية أو غيرها، وذلك لأن الإسلام ومنطق الإنسان ضد القومية كما ذكرت لك.

القومية شرارة الحرب

منذ أن اندلعت حرب (الأكراد) في شمال العراق أيام حكم (قاسم) كانت الحكومات المتتالية علي الحكم تصر علي العلماء أن يفتوا بلزوم الحرب مع الأكراد، وكانت من قصة الأكراد، أنهم كانوا يطالبون بالاستقلال منذ زمن وقد أسسوا أول جمهورية لهم في بعض البلاد الإيرانية، برئاسة (ملا مصطفي برزاني)() لكن حكومة إيران تمكنت من القضاء علي الجمهورية،

وهرب (ملا مصطفي) إلي روسيا حيث استقبلته وأكرمته، لا لأجل كرم الضيافة، بل لمصالح أخري، وقد كانت الأكراد حاربت حكومة العراق الملكيين لكنهم آبوا بالفشل.

والأكراد حسب بعض الإحصاءات زهاء خمسة عشر مليون إنسان()، يقطنون في منطقة واحدة بين العراق وتركيا وإيران وسوريا والاتحاد السوفياتي، وكثيراً ما يحنون إلي توحيد أنفسهم تحت لواء حكومة كردية واحدة، ولما جاء (عبد الكريم قاسم) إلي الحكم اختلف مع الأكراد وشنت حروب مدمرة ذهب ضحيتها نفوس كثيرة من الجانبين وقد استمرت المشاكل حتي كتابة هذه السطور، بالإضافة إلي القري التي دمرت والمزارع التي أحرقت.

وذات مرة جاءني بعض أعضاء الحكومة يريد مني أن أفتي بوجوب حرب الأكراد، وكانت له ثقافة دينية في الجملة، قال لي: الواجب الوطني والواجب الديني يحتم عليك أن تفتي ضد الأكراد؟

قلت: لا الواجب الوطني، ولا الواجب الديني يحتم علي ذلك.

قال: وكيف؟

قلت: أنا عندكم أجنبي ولست عراقياً، إذن فالعراق ليس بوطني في منطقكم حتي يكون شيء واجباً عليّ وطنيا.

ارتبك الرجل من كلامي ارتباكاً كبيراً ولم يدر ماذا يقول، لكنه بلع ريقه وجمع قواه، وقال: علي كل حال إنا نعدك من أهل الوطن لا من الأجانب.

قلت: ماذا تقصد بكلمة (إنا) هل أنت كشخص؟ أو حكومتك؟

قال: حكومتي وأنا معها.

قلت: أما أنت فلا أثر لعدّك إياي وطنياً، لأن الشخص ليس بمعيار، وأما حكومتك فلا تحسبني وطنياً بدليل أنه ليس لي عند حكومتك حتي احترام (عامل عراقي) إذ العامل العراقي له أن يشتري ألف دار، وليس لي حق اشتراء حتي دار للسكني مع العلم أني لا أرغب في اشتراء دار إطلاقاً إلي غير ذلك من حقوق المواطنين، ثم أردفت فإذا كانت هذه منزلتي عند الحكومة كيف تتوقع الحكومة مني أن أصدر فتوي؟

قال:

منطق الحكومة معك إنك تستفيد من هذه الأرض فلابد وأن تخدمها.

قلت: أنا أخدمها أكثر من خدمة كثير من المواطنين، طبعاً المواطن في منطقكم، لكن هل لازم الخدمة أن أفتي ضد الأكراد؟

قال: الحكومة مستعدة أن تمنحك جنسية عراقية.

قلت: إني لا أؤمن بالجنسية (أولاً) والحكومة ليست مستعدة لمنحي الجنسية (ثانياً).

قال: ولم؟

قلت: أما اني غير مستعد لأخذ الجنسية، لأني أعتبر الجنسية أمراً استعمارياً باطلاً، لم توضع إلا لتمزيق المسلمين، فمنذ أن دخل الاستعمار بلاد الإسلام، وأراد تمزيق المسلمين ابتدع نظام الجنسيات، ولذا لم يكن للجنسية عين ولا أثر من عهد الرسول صلي الله عليه و اله إلي قبل خمسين سنة حين دخل الاستعمار بلاد الإسلام..، وأما أن الحكومة ليست مستعدة لمنحي الجنسية، فبدليل أن قبلي أناساً طلبوا الجنسية، ولم تعطهم الحكومة الجنسية.

قال: أما أن الجنسية أمر استعماري فهو شيء أسمعه لأول مرة، وأما أن الحكومة لا تعطيك الجنسية فأنا ضامن أن تعطيك، ثم إذا كنت تري أن الجنسية أمر استعماري فلماذا عندك جنسية إيرانية؟

قلت: عدم سماعك أن الجنسية أمر استعماري إنما ذاك لأنك لا تعرف لا موازين الإسلام ولا تاريخ المسلمين وطبعاً مع احترامي لك وأما إنك ضامن أن تمنحني الحكومة، إني لا أقتنع بضمانك، وأنت إما لا تدري أو تدري وتتجاهل أن حكومتك ضد الدين ورجاله، وضد الشيعة ورجالها، وأنا رجل دين شيعي، فكيف ترضي حكومتك أن تمنحني الجنسية، وأما أني أحمل الجنسية الإيرانية، فاسأل سفارة إيران أني لم أمدد جنسيتهم منذ زمان طويل من يوم عرفت أن الجنسية أمر استعماري، فإني لا أعترف بالجنسية لا جنسية إيران ولا جنسية العراق ولا جنسية أي بلد إسلامي آخر، وفي أول يوم تمكنت من إلغاء الجنسية ألغيها من كل

البلاد الإسلامية.

قال: ذلك يسبب الفوضي.

قلت: فلماذا لم يسبب عدم الجنسية الفوضي طيلة ثلاثة عشر قرناً منذ ظهور الإسلام إلي قبل زهاء خمسين سنة.

قال: لكن إذا لم يكن للإنسان جنسية لا يقدر أن يسافر إلي فرنسا وبريطانيا وأمريكا وغيرها، كما انه إذا لم يكن لك جنسية لا تقدر أن تسافر إلي الحج الواجب فهل تترك الواجب؟

قلت: إن من يريد السفر إلي بلاد الأجانب يمكنه أن يأخذ ورقة من سفاراتها لأجل السفر، كما إني إذا وجب علي الحج مع العلم اني حججت الحج الواجب أضطر إلي أخذ الجنسية مثل الاضطرار إلي أكل الميتة، والاضطرار شيء، واختيار الجنسية بدون الاضطرار شيء آخر.

قال: وعلي أي حال الفتوي بحرب الأكراد يكون واجباً دينياً.

قلت: هل أنت مفتٍ حتي تفتي بالوجوب؟

قال: لا لكني أعلم ذلك.

قلت: ومن أين تعلم؟

قال: لأنهم يطالبون بالاستقلال.

قلت: أعطوهم الاستقلال.

قال: يسبب ذلك تجزأ الوطن.

قلت: الآن كنت أنت تدافع عن الجنسية ومعناها تجزئة الوطن الإسلامي.

قال: أليس العراق دولة إسلامية وأليس من يطلب تجزئة الوطن الإسلامي يجب علي المسلمين حربه، وإلاّ فلماذا حارب علي بن أبي طالب عليه السلام معاوية؟

قلت: إن علياً عليه السلام حارب معاوية لأنه أراد تجزئة الوطن الإسلامي ولأسباب أخر أيضاً أما أن العراق دولة إسلامية فليس كذلك، ولو كانت دولة إسلامية لم تكن قوانينها كافرة، ثم أردفت لا شك أن القاطنين في العراق مسلمون، أما ان الحكومة إسلامية فلا، ألم يقل الله في كتابه: ?وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ?().

قال: إن سمعت الحكومة كلامك سفّرتك؟

قلت: أنا مستعد لأن تسفرني الحكومة. ثم أردفت إن الحكومة إذا كانت إسلامية لم تحارب الأكراد، لأن الحكومة الإسلامية تعطي كل ذي حق حقه، ويكون التركي والكردي والعربي والفارسي والهندي

وغيرهم متساويين في الحقوق والواجبات، فليس لأي إنسان حق مهدور حتي يريد الوصول إليه بالثورة والحرب، أما الآن حيث إن الحكومة قومية وترفع العرب فوق سائر الأقوام فالحرب أمر لا محالة، فإن القومية شرارة الحرب، وإني واثق من أن الأكراد ستحارب حكومة العراق وحكومة إيران وحكومة تركيا، مادامت هذه الحكومات قومية، حتي أنه إذا انتصرت الحكومة عليهم عسكرياً لم ينفع ذلك، إذ خميرة الثورة باقية في كوامنهم، حتي تجد المتنفس ليعيدوا الحرب، والعلاج الوحيد هو تحكيم قوانين الإسلام والتسوية بين الناس عرباً وكرداً وغيرهما، في الحقوق والواجبات، وحينذاك فقط تخمد الحرب إلي الأبد.

قال: لنفرض قامت حكومة إسلامية، ثم ثارت الأكراد ضدها، فماذا تعمل؟

قلت: ذاك اليوم وحين ساوي الكردي غيره في كل الحقوق والواجبات أفتي بوجوب محاربتهم، حيث إنه لا يحق لأحد أن يثور ضد الحكومة الإسلامية الصحيحة، كما قال سبحانه: ?وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَي الأُخْرَي فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّي تَفِيءَ إِلَي أَمْرِ اللهِ?() وهذه الحرب في فقه الإسلام يطلق عليها (حرب البغاة) ولهذا السبب وغيره حارب الإمام علي عليه السلام معاوية، وقال رسول الله صلي الله عليه و اله لعمار بن ياسر رحمة الله عليه: «تقتلك الفئة الباغية» ().

قال: وعلي أي حال لا تفتي؟

قلت: وعلي أي حال لا أفتي.

قال: وتلتزم بمغبة عدم فتواك؟

قلت: وألتزم بمغبة عدم الفتوي.

قال: فلم أفتي فلان؟

قلت: إنه ليس بمرجع ولا قيمة لكلامه.

قال: فكلام من له قيمة؟

قلت: كلام الإمام السيد محسن الحكيم (حفظه الله) وسائر المجتهدين.

القومية أحبولة الاستعمار

القومي لا يتمكن أن يتخذ الإسلام مبدءً، لأنه إذا اعترف بالإسلام مبدءً، لابد وأن ينسحب عن قوميته، لوضوح التصادم بين الإسلام وبين القومية، وإذا انسحب عن الإسلام، لابد له

أن يفتش عن مبدأ يستند إليه، لأنه لا يمكن أن يعيش الإنسان بدون مبدأ، فإن الروح كالمعدة يطلب طعاماً، وطعامه المبدأ، فإذا لم يجد في الإسلام مبدأ لابد له وأن يلتمس المبدأ من الشرق كما فعله (ناصر) أو من الغرب كما فعله (قاسم)، ولذا لا تجد حكومة قومية، إلا أن سمتها البارزة:

أولاً: رفض الإسلام عملاً، وإن تلفظت به تضليلا للجماهير.

ثانياً: ربط نفسها بالشرق أو الغرب.

هذا هو حاصل حوار جري بيني وبين جملة من أقطاب القومية العربية ومثقفيهم.

قال أحدهم: ولماذا تحارب القومية العربية؟

قلت: أولاً: إني لا أحاربها، بل أبين أنها غلط، وشأن أهل العلم أن يبين الصحيح والباطل من الأفكار والأعمال.

وثانياً: إني لا أحارب القومية العربية فقط بل أحارب (علي اصطلاحك) كل دعوة إلي القومية أي لون كانت تلك القومية.

قال: بأي دليل أن القومية غلط؟

قلت: لأنها ضد الإسلام، وضد الإنسانية، وأحبولة الاستعمار.

قال: أحدهم طاعناً : (خوش إتسطّر) وكيف ذلك؟

قلت: أما ضد الإسلام فكلكم تعلمون أن الإسلام يجعل الميزان (التقوي) لا اللغة والعرق.

قال: فلماذا ذكر القرآن أنه (عربي).

قلت: ذكر القرآن أنه بلغة العرب لا أكثر من ذلك.

قال أحدهم: إذا لم تكن لغة العرب أفضل فلماذا نزل القرآن بلغة العرب؟

قلت:

أولا: كون لغة العرب أفضل، لا تدل علي القومية العربية.

ثانياً: لايدل نزول القرآن علي لغة العرب أن لغة العرب أفضل، فلنفرض أن هناك عدة لغات متساوية، وكان الحاكم لابد له من أن يصدر أمره بلغة ما، فإذا أصدره، بإحدي تلك اللغات فهل يدل ذلك علي أن تلك اللغة أفضل؟..

قال أحدهم: لنفرض أن القومية ضد الإسلام لكنها كيف ضد الإنسان؟

قلت: لأنها تجزأ الإنسان، ولأنها تجعل من لا كفاءة له من القوم أفضل ممن له الكفاءة من غير القوم، والآن أنتم

تعلمون أن القوميين العرب يجعلون المسيحي العربي خيراً من المسلم العجمي.

قال أحدهم: هذا إدعاء؟

قلت: حسناً فلماذا تجعلني حكومة العراق أجنبياً، وتجعل عطاراً مسيحياً في بغداد مثلاً وطنياً؟

قال: أنا لست مكلفاً عن عمل الحكومة!

قلت: حسناً إنكم القوميين إذا وصلتم إلي الحكم، فهل تستعدون أن تجعلوني وزيراً وأنا إنسان في منطقكم أجنبي؟

ضحكوا، وقالوا: مستعدون.

قلت: لستم مستعدين عملاً، والدليل علي ذلك أنه ليس في إدارات كل البلاد العربية القومية حتي إنسان واحد غير عربي سواء كان فارسياً أو تركياَ او هندياً.

ثم قلت: إذاً ثبت باعترافكم، أن اليهودي والمسيحي والشيوعي العربي، لدي القوميين العرب أفضل من المسلم غير العربي.

وأردفت: أنا لا أقول ذلك بالنسبة إلي القومي العربي، فقط بل أقوله بالنسبة إلي كل قومي، اذهب إلي إيران تجد أن الشاه يفضل الفارسي المجوسي علي العربي المسلم العراقي مثلاً، وهكذا قل في تركيا والهند وغيرها.

قال أحدهم وكان صلفاً : نعم أنا اعترف بذلك!

قلت: إذاً ثبت ما قلت أنا من أن القومية ضد الإسلام وضد الإنسان، ثم أسأل منك يا أستاذ، إذا كان المعيار القوم، فلماذا تفضل الإمام الحسين عليه السلام علي يزيد، فكلاهما عربيان؟ ولماذا فضلت (قاسم) علي (نوري السعيد) و(جمال عبد الناصر) علي (فاروق) والكل عرب؟

قال: بعض العرب لا يفضل الحسين عليه السلام علي يزيد، بل يقول أبناء عم تحاربا، وغلب أحدهما علي الآخر.

قلت: وأنت تقول هذا؟

قال: لا.

قلت: إذا دعنا عن بعض العرب، أنت ماذا تقول؟

بالإضافة إلي أني أقول لأولئك العرب الذين لا يفضلون الإمام الحسين عليه السلام علي يزيد، أقول لهم هل تفضلون (قاسم وناصر) علي (نوري وفاروق)؟ والجواب طبعاً نعم لوضوح أن القوميين العرب ضد نوري وفاروق، وإذا فضلت أنت وغيرك هؤلاء علي هؤلاء نتساءل لماذا التفاضل؟

قال:

واضح لأن يزيد وفاروق ونوري السعيد خونة.

قلت: إذاً رددت نفسك بنفسك، وأدنت نفسك بفمك، فأنا من فمك أدينك.

قال: كيف؟

قلت: أنت جعلت ميزان التفاضل المبادئ لا العرق والقوم، لأنك قلت: أمانة قاسم وناصر، فضلتهما علي نوري وفاروق لأنهما خائنان.

قال: صحيح.

قلت: إذا فالمبدأ هو الميزان لا غيره.

قال أحدهم: أوضح كلامك؟

قلت: هنا أمران (القوم والمبدأ) فإما أن يكون ميزان التفاضل القوم، وعليه لا أفضلية للإمام الحسين عليه السلام وناصر وقاسم، علي يزيد وفاروق ونوري، لأن كليهما عرب، وأما أن يكون ميزان التفاضل (المبدأ) ولذا كان (ناصر) أفضل من (فاروق) مثلاً وعليه فلا يكون القوم ميزاناً، بل كلما كان المبدأ أحسن كان حامله أفضل، عرباً كان أو عجماً أو غيرهما.

سكت جميعهم، وأخذوا يتفكرون، ثم قطع أحدهم الصمت، وقال: لنفرض كلامك صحيحاً، وأن القومية ضد الإسلام وضد الإنسان، لكن من أين لك أن تثبت أن القومية أحبولة الاستعمار؟

قلت: واضح لأن هنا في بلادنا ثلاث مبادئ (مبدأ الإسلام) و(مبدأ الشيوعية الشرقية) و(مبدأ الرأسمالية الغربية) وحيث صارت القومية ضد الإسلام، لابد لها من أن تجد مبدءً تستند إليه، لوضوح أن القومية ليست مبدءً يملأ الروح والفكر فلابد وأن تستند إلي مبدأ الشرق كما فعله (ناصر) أو مبدأ الغرب كما فعله (قاسم)، إذًا فالقومية أحبولة الاستعمار من حيث تشعر أو لا تشعر.

لماذا إخراج الإيرانيين؟

في أوائل حكم البعث في العراق أمرت الحكومة بإخراج الإيرانيين من العراق.. والمشهور أن الإخراج كان تنسيقاً بين حكومتي الشاه والبعث، لأجل تخلص الشاه من عمق أعدائه من العلماء الساكنين في العراق، في توسعة نطاق كفاحهم لحكم الشاه.

وقد كان الإخراج يتم بصورة مثيرة جداً، حيث كانت السيارات تقف علي أبواب الصحن الشريف ومداخل السوق، فتكرف كل إيراني، بدون إمهال أن يذهبوا

إلي دورهم ويودعوا أهلهم (والقصة طويلة تحتاج إلي مجلد يذكر تفاصيل المأساة).

في تلك الأثناء جاء إليّ أحد الحزبيين الكبار، يستطلع رأيي حول الموضوع.

قلت له: لماذا تخرجون الإيرانيين؟

قال: لأنها بلادنا، وهم ضيوف ولصاحب البيت أن يخرج ضيفه متي استثقل وجوده.

قلت: كل جملة من كلامك بحاجة إلي التوقف والملاحظة:

1: (هذه بلادنا) أليست هي بلاد الإسلام؟ وبلاد الإسلام موطن لكل مسلم.

قال: هذه بلاد العرب.

قلت: إذا طرحت الإسلام، فهذه بلاد فارس.

قال متعجباً : بلاد فارس؟

قلت: نعم بلاد فارس، أليس قصر كسري ماثل إلي الآن في ضاحية بغداد؟ بل بغداد نفسها بلد فارسي، أصله (باغ داد) أي (بستان العدل) ولذا يجوز أن تلعب في التلفظ بها كما تشاء (علي القاعدة المعروفة: إذا كانت الكلمة فارسية فالعب بها ما شئت) فيتلفظ بها (بغدان)، (بغذاذ)، (بغداذ)، (بغذاذ).

قال متعجباً : بغدان؟

قلت: ألم تقرأ في الشعر (كما زهت ببني العباس بغدان)؟

قال: دعنا عن التاريخ القديم، وإنما نتكلم عن التاريخ الحديث.

قلت: في التاريخ الحديث، العراق أرض الإسلام.

قال: في التاريخ الأحدث، قلت: وما هو التاريخ الأحدث.

قال: تاريخ القومية العربية.

قلت: إذا اعتبرنا هذا التاريخ، فلإسرائيل الحق، لأنه أيضاً يقول اتركوا التاريخ القديم، وخذوا التاريخ الأحدث، وهو تاريخ الصهيونية.

قال: دعني عن الجدال.

قلت: إذا لم تتمكن من الجواب فهل يكون الأمر جدلاً؟

ثم قلت: إذا كانت العراق للعرب، فأين كان العرب يوم أخذ (السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي)() استقلالها من العثمانيين؟

وإذا كانت البلاد للعرب فأين كان العرب يوم أخذ (الشيخ محمد تقي الشيرازي)() استقلالها من الإنكليز؟

قال: هل أنت تقول البلاد للعجم؟

قلت: كلا، وإنما أنا أقول البلاد للمسلمين، لا فرق بين عجمهم وعربهم، كما أن بلاد إيران للمسلمين لا فرق بين عجمهم وعربهم، وتركيا وباكستان للمسلمين، لا فرق بين كردهم وتركهم

وهنديهم وسائر قومياتهم.

ثم قلت: إذا كان المقصود إخراج غير العرب، فلماذا لاتخرجون الأتراك والهنود وسائر القوميات؟

قال: ليس عندنا منهم أحد؟

قلت: اذهب في بغداد إلي قبر (أبي حنيفة) وقبر (عبد القادر) لتري منهم مئات وربما ألوف.. فلم يحر جواباً.

ثم قلت: وإذا كان المقصود إخراج الإيرانيين، ففي بغداد وغير بغداد مسيحيون إيرانيون فلماذا لم تخرجوهم؟

قال: لا أعلم بوجودهم.

قلت: حقق حتي تعلم.

قال: لنا الحق في أن نقابل الشاه بالمثل؟

قلت: وكيف؟

قال: لأن الشاه يضغط علي عرب خوزستان.

قلت:

أولاً: الشاه رجل عميل لأمريكا، فهل أنتم عملاء؟

ثانياً: الدين والمنطق يحكمان بأنه?لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي?() فإذا ضغط الشاه علي العرب أنقذوا العرب من يده، لا أن تضغطوا علي العجم الساكنين في العراق، فأي ذنب لهؤلاء، يقول الشاعر:

غيري جني وأنا المعاقب فيكم

فكأنني سبابة المتندم

قال: لأنك إيراني تدافع عن العجم؟

قلت: أولا: أنا سيد من آل الرسول صلي الله عليه و اله.

وثانياً: إني أسكن العراق منذ ما يقارب قرنين.

وثالثاً: فلماذا يدافع عنهم السيد الحكيم دام ظله؟

أعلم يا أستاذ، إن الإسلام لا يفرق بين الإيراني والعراقي وسائر اللغات، والواجب علي كل مسلم أن يدافع عن أي مسلم مظلوم، فقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من نادي يا للمسلمين فلم يجيبوه فليسوا بمسلمين» ولذا رأيت كيف دافع (السيد اليزدي والشيخ الشيرازي) عن عرب العراق، كما دافع (السيد الحكيم) عن الإيرانيين، وقبل سنوات دافع كل العلماء بما فيهم والدي() والسيد عبد الهادي الشيرازي()، عن العراق، إبان (المد القاسمي الأحمر).

2: ثم قلت، وأما قولك (وهم ضيوف) فبأي دليل تثبت هم ضيوف، وليسوا أصحاب البيت؟

هل بالمنطق.. أو بالإسلام؟

فإذا أردت المنطق، فالبشر كلهم عباد الله، والأرض كلها لله، فلأي من البشر أن يسكن أي بلد شاء، وإذا أردت

الإسلام فالإسلام يري أن لكل مسلم الحرية في أن يسكن أي بلد شاء.

قال: بعض قوانين الإسلام لا يصلح للتطبيق في هذا الزمان.

قلت: فلماذا ورد: «حلال محمد صلي الله عليه و اله حلال إلي يوم القيامة وحرام محمد صلي الله عليه و اله حرام إلي يوم القيامة» ()؟.

قال: إني لا أعرف الجدل.

قلت: وهل لا تعرف الحق أيضاً؟

قال: وأنت مهدّد أيضاً أن تُسفّر.

قلت: ليس تسفيري تهديداً لأنه لي في كل بلد أصدقاء، ولعلي أجد في بعض البلاد ترحيباً أكثر مما أجده في العراق.

قال: وأنت مستعد بأن تخرج؟

قلت: في أي يوم أخرجتني الحكومة، أسلم للأمر الواقع.

3: ثم قلت: وأما قولك (لصاحب البيت أن يخرج ضيفه) إذا سلمنا بالأمرين الأولين، نقول هل لصاحب البيت أن يخرج ضيفه بهذه الصورة البشعة، إن بإمكانكم أن تعلنوا لزوم خروج الإيرانيين وتعطوهم مهلة أن يجمعوا أثاثهم، ويبيعوا ممتلكاتهم ويذهبوا بأنفسهم إلي حيث يشاءون، ألم يكن ذلك أفضل لسمعتكم، وأقرب إلي الإنسانية؟

قال: هذه سياسة الدولة.

قلت: أنا أتكلم حول موازين المنطق والإسلام والإنسان، لاحول سياسات الدول المنحرفة.

القومية إلي التجزئة

جاءني مهندس، عرّف نفسه أنه من القوميين الحركيين، وهم فئة من القوميين، كان مبدئهم وجوب التحرك السريع حتي يصلوا إلي الحكم، مهما بلغت التضحية، وكانوا علي الأغلب ممن لا ثقافة لهم، وعندهم قلة من المثقفين، إني لم أكن أعرف هذا المهندس من قبل، وإنما جاء بمعرفة صديق، كنت أعتمد عليه، وصار القرار أن أتكلم معه بكل صراحة.

قال المهندس: أنت لا تحبذ القومية؟

قلت: نعم إني ضد القومية.

قال: اسمح لي، هل أنت ضد القومية العربية بالذات، أو ضد كل قومية؟

قلت: ضد كل قومية.

قال: فإني سمعت عنك (شعوبي) أي أن قوميتك الفارسية تدعوك إلي أن تحارب القومية العربية؟

قلت: إن الذي قال

لك ذلك إما جاهل أو متجاهل، وهل أنت طلبت منه الدليل؟

قال: لا، وإنما هذا مشهور عنك.

قلت: عند القوميين طبعاً، وفي المثل: رب مشهور لا أصل له.

قال: وعلي كل حال لماذا أنت ضد القومية؟

قلت: لأسباب إحداها أن الإسلام ضد القوميات.

قال: أعرف هذا، ثم ماذا؟

قلت: إذا تعرف أن الإسلام ضد القوميات، وأنت رجل مسلم فلماذا اخترت طريق القومية؟

قال: لأنها تنقذنا عن الاستعمار.

قلت: وكيف تنقذنا عن الاستعمار؟

قال: لأنها توحد العرب، فنكون مائة وخمسين مليونا، وعند ذاك نتمكن من مقابلة الاستعمار، ونسترد فلسطين.

قلت: نعم، قال شاعركم:

سلام علي كفر يوحد بيننا

وأهلا وسهلاً بعده بجهنم

قال: إنا لا نقول ذلك.

قلت: الآن قلته، ألست اعترفت بأنك مسلم، وبأنك تعلم أن القومية خلاف الإسلام، ومع ذلك اخترت طريق القومية؟

سكت ولم يحر جواباً.

قال: لنفرض أن القومية تخالف الإسلام، لكن أليس ما ذكرته من توحيد القومية للعرب، صحيحاً.

قلت: كلا، بل بالعكس فإن القومية تسبب التجزئة أكثر فأكثر، وتضعف القوي، وتجر أخيراً إلي استعمار أشد وأقسي.

قال: وكيف؟

قلت:

أولاً: التاريخ دل علي ذلك، فلماذا القبائل العربية قبل مبعث الرسول صلي الله عليه و اله كانوا بهذا الشكل الفظيع من التمزق والمحاربة؟ مع أنه لم تكن هناك قوي أجنبية تثير بينها القلائل، أليس ذلك دليلا علي أن القومية بنفسها تنتهي إلي التجزئة؟ ثم ألم تكن القومية العربية هي التي سببت تفرقة العرب في العصر الحديث، فإن البلاد العربية كانت وحدة واحدة في جسم الحكومة العثمانية، وبعد أن انفرط الجسم انفرطت وحدة العرب أيضاً، فصارت دويلات، ومنذ ذلك الحين فقدوا فلسطين.

وثانياً: المنطق يدل علي أن القوميات دائماً إلي التجزئة.

قال: وكيف؟

قلت: إذا لم يرتبط الإنسان بالله واليوم الآخر، حكمت فيه الأنانية، والأنانية تسبب التجزئة، والقومية لا ترتبط بالله واليوم الآخر (لما سبق

من أن القومية ضد الإسلام) إذن فهي معرضة للتجزئة، ويكون الأمر كما قال الشاعر:

قومي رؤوس كلهم

أرأيت مزرعة البصل؟

ولا أدل علي ذلك مما نشاهده، فمنذ خمسين سنة والقوميون يدعون إلي القومية وصارت بيدهم الحكومات والحول والطول، فلم يزدادوا إلا حروباً وتفرقة، ولم يتقدموا حتي شبراً واحداً.

قال: هذا من فعل الاستعمار.

قلت: ومن فعل القومية، ألم يكف نصف قرن للتجربة؟

قال: إذا كان عدم الإيمان بالله واليوم الآخر سبباً للتفرقة، فلماذا نري وحدة روسيا وأمريكا؟

قلت: أما روسيا فأممية كما تعرف، فسر وحدتها عدم اعترافها بالقومية، وأما أمريكا فالميزان عندهم الكفاءة، وهي سر وحدتها، صحيح أنهما لا يؤمنان بالله واليوم الآخر، لكن من الصحيح أيضاً أنهما يؤمنان بمبدأ قال الله هو سر وحدتهم.

قال: وما هو ذلك المبدأ قلت: بمبدأ (الأممية، والكفاءة) قال سبحانه: ?إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ?().

وثالثاً: إنه يقطن في بلاد الإسلام العربية عدة غير العرب، فإذا ناديتم بالقومية انفصل هؤلاء، كما حدث بالفعل بالنسبة إلي الأكراد، وهذا يسبب تضعيف الحكومة.

ثم أردفت: إن إيران لو نادت بالقومية الفارسية، ألم ينفصل عنها (خوزستان) و(الأكراد) و(الأتراك) و(البلوج) و(التركمان).

قال: فكيف نقاوم أمريكا؟

قلت: قل: وروسيا.

قال: لا أقول فإن الروس حلفاؤنا.

قلت: حلفاء؟ كيف يكون حلفاؤكم، وهم ثاني معترف بإسرائيل؟

قال: شيء انقضي.

قلت: لم ينقض، وإلا فالآن دعهم يسحبوا اعترافهم.

قال: لا يمكن.

قلت: ولم؟

ثم أردفت: في المثل: «صديق عدوك عدوك».. بالإضافة إلي أن الروس لو كان حليفاً للعرب، لم يزوّد إسرائيل بالخبراء؟

قال: ومتي؟

قلت: المهاجرون من الروس إلي إسرائيل أليسوا خبراء؟ فأمريكا تزود إسرائيل بالسلاح، وروسيا تزود إسرائيل بالخبراء.

قال: فلماذا يظهرون الصداقة لنا؟

قلت: لاستعماركم يقول الشاعر:

تلك الصداقة منفذ استعمارهم

لبلادنا وحمامهم كحمام

قال: وعلي أي كيف نقاوم أمريكا وروسيا إذا لم

نوحد صفوفنا تحت لواء القومية العربية؟

قلت: لنفرض أن العرب كلهم توحدوا تحت لواء القومية، فهم ليسوا بأكثر من مائة وخمسين مليون علي أكثر الفروض وإنك تعلم أن أمريكا وحدها أكثر من مائتي مليون، وهم في غاية التقدم التكنولوجي، فهل نتمكن من مقابلتهم بله التقدم عليهم، إن بريطانيا مع تقدمها التكنولوجي واليابان وألمانيا الغربية، لم يتمكنوا أن يصادموا أمريكا، ولذا هم خاضعون لأوامرها، فهل تتمكن العرب مع تخلفها وقلة عددها أن تقاوم أمريكا؟

قال: ألم تقرأ قوله سبحانه: ?كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ?().

قلت معني: (بإذن الله) الإيمان والأخذ بأسباب الحياة، لأن الله حينذاك يأذن، كما قال تعالي: ?أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ?()، وإذا توحدنا تحت لواء القومية، لم يكن لنا إيمان حتي يأذن الله، ثم إذا كانت الفئة القليلة تغلب بدون شرط الإيمان الصادق، فلماذا لم تغلب مصر علي إسرائيل وهي كتلة واحدة ونفوسها أربعون مليونا؟ أليس ذلك لأنها تحت لواء القومية لا تحت لواء الإسلام؟

إذن فاللازم إذا أردنا النصرة أمران:

الأول: أن نتسلح بالإيمان كما تسلح آباؤنا يوم غلبوا علي كل الدنيا.

الثاني: أن نأخذ بكل وسائل العصر، كما قال سبحانه:

?وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ?().

ومن أول أسباب القوة أن تظهر فينا الكفاءات، وذلك لايكون إلا أن تختفي الديكتاتوريات، مثلاً:

ما معني أن (أنور السادات)() يبقي في الحكم من سنة اثنين وخمسين إلي الحال؟ هل لأن مصر لا كفاءة لها، إلا بشخص أنور السادات؟

وما معني أن يبقي (الشاه) في إيران أكثر من ثلاثين سنة في الحكم، فهل إن إيران لا كفاءة لها، وكذلك قل في سائر بلاد الإسلام، يأتي فرد أو عائلة إلي الحكم، ثم يبقي في الحكم ويحطم الكفاءات، ويؤخر البلاد، إذ الديكتاتور شخصاً كان أو

عائلة، يكون الميزان عنده الموالاة، لا الكفاءة، والموالون عادة أناس لاكفاءة لهم، كما أن الفرد أو العائلة التي جاءوا إلي الحكم، تدريجياً، يفقدون كفاءاتهم إن كانت فيهم كفاءة لما يرون من عدم احتياجهم إلي إعمال الكفاءة ?إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَي ? أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَي?().

ولذا فإنه حسب المنطق رأس مشكلة البلاد الإسلامية هي الحكام سواء الحكام الانقلابيون انقلابات فجائية، أو الحكام الوراثيون، والإسلام والمنطق علي ضد هذه الانقلابات وعلي ضد الوراثة في الحكم.. مثلا إنك تجد أن أمريكا تتبدل حكامها كل أربع سنوات في حين تجد أن إيران في خمسين سنة لم يتبدل حاكمها، إلا تبدلاً وراثياً من أب إلي ابن، وكذلك لم يتبدل حاكم مصر (الناصر) إلا بالموت، وكذلك قل في سائر بلاد الإسلام.

والمهزلة، أنهم قد يريدون خداع الأمة بانتخابات صورية، فالرئيس السابق هو المرشح الوحيد، أو هناك مرشح ثان صديقه يأتي به صورياً، ثم يفوز الرئيس ب (99.99%) صوتاً.

وقد استظرف أحد الكتاب، قائلاً: لو أن الله عرض نفسه إلي الانتخابات لم يخرج ب (99،99%) صوتاً، وصحيح ما قال هذا الكاتب، فإن خُمس عالم اليوم شيوعيون، لا يعترفون بالله، فأكثر قدر من الصوت إلي جانب الله سبحانه (85%) فقط بينما تري الرئيس الديمقراطي! (السادات) يخرج ب (99،99%) وقد ورد في حديث إن موسي الكليم عليه السلام قال: «يا رب أسألك أن تتفضل علي بأن لا يكرهني الناس؟ قال الله تعالي له: اني ما فعلت ذلك لنفسي، فكيف أفعله لغيري» ().

والظاهر أن موسي عليه السلام إنما طلب ذلك، لإفادة الناس، أن رضي الناس لا يملك، فلا يتوقع مصلح أن يحبه الناس، فإذا رأي عدم حبهم له، ترك الإصلاح، ففي المثل طريق المصلحين مفروش بالأشواك، لا بالورود، والله

سبحانه إنما لم يفعل ذلك لنفسه، لأنه خلاف الاختيار، والاختيار هو ميزان الثواب والعقاب، وميزان إنسانية الإنسان، وبسببه يكون جماله، وإلا كان حاله حال الجدار والحجر مما لا اختيار له.

قال المهندس: إذاً؟

قلت: أن نحطم كل القوميات والديكتاتوريات، ونعمم الإيمان، وحين ذاك تظهر الكفاءات، وإذا ظهرت الكفاءات، فالأردن، وحدها كافية لنسف إسرائيل..

قال: لنسلم أن الأردن وحدها كافية لنسف إسرائيل، لكن ذلك إنما هو إذا لم يكن وراء إسرائيل أمريكا؟

قلت: إذا سارت الأردن في طريق الله سبحانه، أتخذت بعض الحكومات الكبار ظهيراً لنفسها، فالأردن لإسرائيل، وظهيرها في قبال ظهير إسرائيل.

قال المهندس: فماذا أعمل أنا؟

قلت: أترك القومية، وحاربها، وادع إلي الإسلام، وانضم إلي كتلة صحيحة تعمل للإسلام.

الاقتصاد العربي

جاء وفد اقتصادي من سوريا في أيام قاسم لأجل التنسيق بين اقتصاد سوريا واقتصاد العراق، ورأيت أنا بعض أعضاء الوفد (في مناسبة) وقلت لأحدهم: من أية جامعة تخرجت؟

قال: من جامعتي القاهرة ودمشق.

قلت: الدراسة في الجامعتين حول أي اقتصاد؟

قال: الاقتصاد الرأسمالي والاقتصاد الاشتراكي.

قلت: والاقتصاد الإسلامي؟

قال: ليس للعرب اقتصاد؟

قلت: لم أسألك عن الاقتصاد العربي، بل سألتك عن الاقتصاد الإسلامي؟

فاحمر وجهه خجلاً.

وقال: ليس للإسلام اقتصاد.

قلت: فكيف حكم الإسلام أكبر رقعة من الأرض، في ثلاثة عشر قرناً، بدون الاقتصاد؟

قال: عفواً، أنا لست رئيس الوفد، وإنما رئيس الوفد فلان، وهو ليس معنا الآن وانسحب عن الميدان.

إن من المؤسف أن تنظم الجامعات في بلاد الإسلام بحيث لا أثر للإسلام فيها، وإذا كان أثر منها، فهو أثر فرعي لا يرتبط بالحياة.

وذات مرة، قلت لرئيس معارف لواء كربلاء المقدسة: لماذا لاتدرسون في مدارسكم الإسلام؟

قال متعجباً : يظهر أنك غير مطلع علي منهاج الدروس؟

قلت: وكيف؟

قال: إنه مليء بالدروس الإسلامية من التاريخ والفقه وماعدا ذلك.

قلت: إني أعرف ذلك لكن لا أقصد،

بعض حروب رسول الله صلي الله عليه و اله، وبعض أحوال بني أمية والعباس، وشيئاً من الأخلاقيات والعبادات.

قال: فماذا تقصد؟

قلت: أقصد: منهاج الإسلام في السياسة، وفي الاقتصاد، وفي التربية، وفي العائلة، وفي فلسفة الكون والحياة، وفي الإصلاح الزراعي، وفي …

فضحك وقال: والله إني لا أعلم هذه الأشياء، فكيف بالمدرسين والطلاب.

قلت: وأنا كلامي حول ذلك، فلماذا أنتم لا تعلمون، وتسببون بذلك تأخر البلاد وتجميد الثقافة والمثقفين.

إن الجهل والتجاهل بموازين الإسلام ومناهجه أوجب أن تقع البلاد إما في أحضان الغرب والشرق مباشرة كما فعله (الشاهان) و(أتاتورك) و(قاسم) وغيرهم، وإما في أحضان القوميات (وهي أحضان الغرب والشرق، بغير مباشر) كما فعله (ناصر) و(عارف) و(أمين) وغيرهم.

فإذا دخلت بلادهم تري (المطار العربي) و(الجامعة العربية) و(القطار العربي) و(معمل الأسمدة العربي) و(قصر الضيافة العربي) و(الطب العربي).. ثم يترقون في خطاباتهم وكتاباتهم إلي (برقوق العربي) و(صلاح الدين العربي) و(أبو مسلم الخراساني العربي) و(الرازي العربي) و(أبو بكر العربي) و(عمر العربي) و(جبرئيل العربي) و(الله العربي) ثم (ما وراء عبادان قرية)!

قلت: لأحدهم وقد كان يلصقون العربي بكل كلمة : أضف إلي قائمتك (الشاه البهلوي العربي) و(أتاتورك العربي) و(غاندي العربي) و(نهرو العربي) و(ستالين العربي) و(موشي ديان العربي)!؟

قال وقد ظهرت آثار الغضب علي وجهه : أتستهزؤني؟

قلت: كلا، وإنما قلت الحقيقة.

قال: وكيف؟

قلت: كيف صار صلاح الدين الكردي عربياً؟

قال: لأنه خدم العرب.

قلت: فموشي ديان أيضاً خدم العرب!.

قال: وكيف.

قال: أليس يكتب كتّابكم في إسرائيل سبب يقظة العرب، إذن فموشي أيضاً خدم العرب! (فهل بائك تجر وبائي لا تجر؟).

إن من الضروري أن نرجع إلي إسلامنا، وإلي اقتصادنا، وإلي بلادنا، وحتي إلي (طبنا) وسائر علومنا ومناهجنا، التي خلفناها وراء ظهورنا منذ أخذنا نركض لاهثين وراء الغرب والشرق، ومن الضروري أن نقاطع البضائع الأجنبية

بكل عزم، وليس معني ذلك أن نترك العلم الحديث وثماره النافعة، بل معني ذلك أن نأخذ بالنافع منها ونترك الضار، فمثلاً:

1: نخلط بين الطب القديم الذي وقعت التجربة عليه خمسة آلاف سنة، وصقله الإسلام وزاد عليه وهذبه برسوله صلي الله عليه و اله وأئمته عليهم السلام وعلمائه، وبلادنا منبت أعشابه وعقاقيره وهي في نفس الوقت نافعة ورخيصة وسهل المتناول، وبين منجزات الطب الحديث بقدر الضرورة واللزوم.

2: ونرجع إلي مناهجنا الاقتصادية، التي هي وسط بين الشيوعية والرأسمالية، فيها منافعهما وليس فيها مضارهما.

3: ونرجع إلي ثقافتنا المزيجة بالإيمان والفضيلة.

4: ونرجع إلي أسلوبنا في العائلة والتربية والأحوال الشخصية.

5: ونرجع إلي ما تنتجه بلادنا، ونترك الكماليات المستوردة، ونقدم البضاعة الوطنية علي البضاعة الأجنبية.

6: ونشجع الصناعات الوطنية (أي وطن الإسلام).

7: ونأخذ بأيدي المثقفين من أبنائنا ليكونوا آلة الإنتاج لا آلة الاستهلاك.

8: ونسد المواخير والمقامر والملاهي والبنوك الربوية وسائر مراكز الفساد.

9: ونعمر ونزرع الأرض كل الأرض حسب منهاج الإسلام في التعمير والزراعة .

10: ونتبع سياسة الإسلام في مناهجه السياسية والثقافية والقانونية والقضائية والفقهية والعبادية والأخلاقية، وما إلي ذلك، وبالجملة نعود إلي أنفسنا وإلي ديننا وإلي بلادنا وإلي حضارتنا، بدل أن نسير إلي (موسكو) و(لندن) و(واشنطن) و(بون) و(بكين) وما إلي ذلك.

القومية لا تصلح للدنيا

جاءني أحد القوميين من إيران، كان داخلاً في الحزب القومي الإيراني كما قال بنفسه قال: إني أشكرك علي أن تتكلم الفارسية.

قلت: واني أتكلم العربية أيضاً.

قال: شكري لأنك لم تنس أصلك.

قلت: أصلي من آدم عليه السلام.. وآدم عليه السلام من تراب.

قال: ألا تعترف أن اللغة الفارسية أفضل من اللغة العربية.

قلت: إني لا أعلم أي اللغتين أفضل لأني لست خبيراً بخصوصيات اللغات، لكن أعلم، أن الإنسان الأفضل هو الأتقي لله سبحانه.

قال: ألا تعترف

بالقومية الفارسية.

قلت: إني لا أعترف بأية قومية.

قال: إذا لم نتمسك بالقومية الفارسية، أكلنا عبد الناصر، بقوميته العربية.

قلت: أنا أحارب قومية عبد الناصر أيضاً.

قال: ألا سمعت أن عبد الناصر يريد تجزئة إيران، وقطع خوزستان، ويسميها (الأحواز) وشكّل جبهة تحرير (الأحواز)؟

قلت: ولذا أنا أحارب القوميات، سواء القومية الإيرانية أو العربية أو الكردية أو غيرها.

قال: أنت إيراني فكيف تحارب القومية الفارسية؟

قلت: لأن القومية ليست من الإسلام، وإني أحارب كل ما ليس من الإسلام.

قال: يكفي في فضل القومية الإيرانية، أنها سببت عمران إيران.

قلت: يكفي في خواء القومية بصورة مطلقة أنها لم تعمر الشرق، بل سببت تأخيرها، سواء منها القومية العربية أو الفارسية أو الكردية، فهذه العرب ركعت أمام إسرائيل، وهذه الأكراد نشبت الحرب بينهم وبين العراق فترة، وبين إيران في فترة، وهذه إيران تأخرت تأخراً سريعاً، كل ذلك بسبب القومية التي جاء بها الغربيون إلي بلادنا منذ خمسين سنة.

قال بكل حدة : وهل إيران متأخرة؟

قلت: نعم إنها متأخرة.

قال: في أي ناحية؟

قلت: في كل النواحي.

قال: مثلاً.

قلت: في ناحية السياسة، وناحية الاقتصاد، وناحية العمران، وناحية الصناعة، وناحية الدين، وسائر النواحي.

قال: ماذا تعني بالتأخر السياسي.

قلت: منهج الحكم في الإسلام (الشوري) طبعاً بعد الرسول صلي الله عليه و اله والأئمة الطاهرين عليهم السلام حيث عيّنهم الله سبحانه وفي نظام العقلاء (الديمقراطية)، وإيران فاقدة لكلا الأمرين، فلا شوري ولا ديمقراطية.

قال: إيران حكومة ملكية ديمقراطية.

قلت: ملكية، معناها ليست ديمقراطية، فبأي حق يحكم الملك ويرثه ابنه؟

هنا تلعثم، وقال: أنت ضد الملكية؟

قلت: نعم.

قال: وبكل صراحة؟

قلت: وبكل صراحة.

قال: إذا ذهب الشاه تقع إيران إما في الفوضي، وإما في الشيوعية.

قلت: هل أنت تعلم الغيب؟

قال: لا أعلم الغيب لكني أعرف بإيران منك، فحال إيران حال العراق، حيث إن الملكية ذهبت

فوقعت العراق في فوضي.

قلت: إن صح كلامك فهذا جرم الملك، حيث إن الملك منع وعي الشعب حتي إذا ذهب وقعت بلاده في قبضة الشيوعيين أو في الفوضي.

قال: علي أي حال فهذه هي العاقبة.

قلت: إذا أنت اعترفت بأن الملكية سبب تأخر إيران، وأن إيران الآن متأخرة سياسياً.

قال: هل أنت مستعد أن أنقل كلامك إلي (سازمان أمنيت) أي الأمن.

قلت: وبكل ترحاب، لأني أحب أن ينتشر رأيي لا بالنسبة إلي حكومة إيران، بل بالنسبة إلي كل الحكومات.

قال: أليس شأن رجل الدين أن لا يتدخل في السياسة؟

قلت: بل شأن رجل الدين أن يتدخل في السياسة، لأن رجل الدين علي طريقة الرسول صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام وكلاهما تدخلا في السياسة، وإذا لم يتدخل رجل الدين في السياسة فهو ليس رجل دين، وإنما له صورة رجل الدين فقط.

قال: حسناً، إذاً انك تدعو إلي إزالة الشاه؟

قلت: نعم.

قال: ألا تعلم أن ذلك يسبب إراقة الدماء، ووقوع إيران في الفوضي أو الشيوعية، وكلا الأمرين أسوأ من بقاء الشاه؟

قلت: أما إراقة الدماء فالإسلام لا يخاف منها إذا كانت لأجل الحق لأن من قُتل في جانب الحق فإلي الجنة، ومن قُتل في جانب الباطل فإلي النار، أليس رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام قد خاضا الحروب؟ وأليس القرآن الحكيم ينادي بوجوب الجهاد والقتال؟

قال: إذن أنت تدعو إلي الكفاح المسلح؟

قلت: أدعو إلي تنحية الشاه بالسلم، وإن لم يتنح فبالسلاح، كما هو أسلوب الإسلام.

قال: أنت من أنصار السيد الخميني؟

قلت: ألم تسمع أنا استقبلنا السيد إلي (المسيب) وقدمت له صلاة جماعتي في الصحن مادام كان في كربلاء المقدسة؟

وقال: وهل أنت تضمن أن إيران لا تقع في أحضان الشيوعية بعد

الشاه؟

قلت: نعم أنا ضامن.

قال: من أين تضمن؟

قلت: لأن شعب إيران شعب مسلم، وقيادته بيد العلماء، والشعب لا يرضي بالشيوعية، ومثال ذلك أذربيجان حيث إن العلماء لم يدعوها تقع في يد الشيوعيين، و(العراق) حيث إن العلماء لم يدعوها تقع في أيديهم؟

قال: الشاه أخرج أذربيجان من يد الشيوعيين.

قلت: هذا كلام من لا علم له، اذهب وحقق لتري أن العلماء هم الذين أخرجوها من أيدي الشيوعيين.

قال: العراق الآن فوضي.

قلت: لا يمضي زمان إلا والعلماء يخرجونها من أيدي الفوضي.

قال: لنري.

قلت: ثم إنه فرق بين إيران والعراق، فإيران: الجبهة العلمية والدينية فيها قوية إلي أبعد حد، بخلاف العراق، فإن الجبهة العلمية فيها ليست بقوة إيران، واللازم علي أهالي العراق تقوية الجبهة العلمية، حتي تتمكن من إنقاذ العراق من أيدي الديكتاتوريين.

قال: لا تدع الحكومة العراقية أن تقوي الجبهة العلمية.

قلت: إذا منعت الحكومة ذلك، يجب أن يربي العلماء الجبهة العلمية خارج العراق، في سائر البلاد الإسلامية.

قال: إنك قلت: إن إيران تأخرت صناعياً واقتصادياً وعمرانياً ودينياً، وهذا خلاف الواقع، ويظهر أنك لا تسمع إذاعات إيران؟

قلت: إذاعات إيران ليس فيها إلا الدعاية الفارغة، وأنا أعلم بإيران منك، أما تأخر إيران صناعياً، فهل تصنع إيران السيارة أو الطائرة أو القطار؟ ودعنا عن الصناعات المهمة، نعم تجمع أجزاء السيارة، وهذا لا يسمي صناعة، وأما تأخر إيران اقتصادياً فأغلب أهلها فقراء كما نشاهدهم عند زيارتهم للعتبات وكما يخبرنا بذلك أهل المعرفة منهم، وأما تأخرها عمرانياً، فمدن إيران، حتي جنوب العاصمة، خراب، فكيف بالقري التي لا ماء لها ولا كهرباء ولاتبليط ولا تلفون ولا مستوصف ولا مدرسة، وأما تأخر إيران دينياً، ففي طهران وحدها أكثر من عشرة آلاف حانوت خمر، وفيها أكثر من أربعة آلاف مومسة، وإذا كان

هذا حال العاصمة كان حال غيرها واضحاً.

قال: إنك أخذت صورة قاتمة عن إيران جداً.

قلت: الواقع أسوء مما ذكرت ومما أعلم وفي المثال الفارسي:

«مشت نمونه ي خروار است».

قال: إذاً فلا علاج لتحسين الأوضاع، إلا بالدخول في حزب (القومي الإيراني) وكان هو من رؤساء الكوادر لهذا الحزب .

قلت: بل بالعكس، العلاج في الانضواء تحت لواء الإسلام.

قال: الإسلام دين الآخرة ولا يعالج أمر الدنيا.

قلت: ألم تقرأ قوله سبحانه: ?رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً?()؟

قال: حسناً إذا أردت أن أعمل تحت لواء الإسلام، ماذا ينبغي أن أعمل؟

قلت: يجب أن تعمل أولاً في إرجاع الحكم إلي الإسلام، بأن يكون رئيس الحكومة (مجتهداً) عادلاً كفوءً، ويأتي إلي الحكم برضي الأمة (الشوري)، ثم بعد ذلك تعمل لأجل أن يكون في المجتمع (ألوف المؤسسات) وهذه المؤسسات تعمل ليل نهار، لأجل أن تزرع كل أرض إيران، ولأجل أن تصبح بلاداً صناعية لها الاكتفاء الذاتي، ولأجل أن لا يبقي فقر ولا فقير، ولا مرض ولامريض، ولا عاطل ولا عاطلة، ولا جاهل ولا جاهلة، ولأجل إزالة كل المنكرات، ولأجل أن تتسلح إيران بأفضل الأسلحة، ولأجل أن لا يبقي عزب ولا عزوبة، ولأجل أن تعم الحرية المسؤولة كل أرجاء البلاد، ولأجل العدالة الاجتماعية، ولأجل تحسين أحوال القرية، حتي يتوفر في القرية كل ما يتوفر في المدينة، ولأجل أن تحمل إيران لواء الإسلام والإيمان والحرية في كل العالم.

قال: إن ما تقوله ليس أكثر من خيال؟

قلت: إذا تحولت إيران إلي مؤسسات كما ذكرت، لا يكون ما ذكرته خيالاً، بل إنما يكون واقعاً ملموساً، ولنفرض أن في مدينة نفوسها مائة ألف، خمسمائة مؤسسة، صناعية، وسياسية، وثقافية، وزراعية، وتجارية، وعمرانية، و … وكل مؤسسة تشتغل ليل نهار، مدة خمس

سنوات، ألا تتحول تلك المدينة.. إلي ما ذكرته؟

قال: الغرب والشرق لا يتركون إيران تعمل كل ذلك؟

قلت: نقطع أولا يد الغرب والشرق، بقطع أيدي عملائهما، ثم نشرع في البناء بإذن الله تعالي.

شعار فارغ

رفع جماعة من البعث في العراق، شعاراً فارغاً، هو (الوحدة والحرية والاشتراكية) وكانوا يتحمسون لهذا الشعار أيما تحمس، ويظنون أنهم اكتشفوا بذلك جوهر حل المأساة، بينما كنت أنا أري أن هذا الشعار استعماري أولاً.

وحتي ظاهره ليس صحيحاً ثانياً.

وقد علقت عليه في إحدي منابري ليلة الخميس، تعليقاً لاذعاً، فقد كنت اعتدت أن أصعد منبر التوجيه في ليالي الخميس، في المسجد الذي كان والدي رحمة الله عليه يصلي فيه، في سوق البزارين، وكنت أبين المشاكل وحلها علي جمهرة من الشباب والشيوخ

حسب نظري من علي ذلك المنبر.

وتعليقي اللاذع علي الشعار أوجب استياءً في صفوف البعث، فجاءني جماعة منهم، يستفسروني عن التعليق.

قال أحدهم: كيف تقول إنه شعار استعماري؟

قلت: لأن المستعمرين البريطانيين وغيرهم طرحوا هذا الشعار، علي لسان (حزب اتحاد وترقي) قبل أكثر من ستين سنة.

قال أحدهم: ومن هم الحزب المذكور؟

قلت: حزب أسسه الغربيون لأجل تحطيم (الإمبراطورية العثمانية) وبالفعل وصلوا إلي غايتهم وحطموا الإمبراطورية، وقسموا أجزاءها إلي دويلات، مما نشاهدها اليوم.

قال: كان فعل الحزب حسناً لأن العثمانيين كانوا ظلمة.

قلت: لم يكن فعل الحزب حسناً بل كان حزباً استعمارياً، وإلا فهل معني تحطيم العثمانيين تحطيم الإمبراطورية.

قال: كان لابد من تحطيم الإمبراطورية إذ بدونه لا يمكن تحطيم العثمانيين.

قلت: إذا ظلم (ستالين) فهل اللازم أن يحطم ستالين وجماعته، أو يحطم روسيا إلي دويلات؟ وإذا ظلم (ترومن)() فهل اللازم أن يحطم ترومن وجماعته، أو تحطم أمريكا إلي دويلات، فلم يحر جواباً.

قال أحدهم: الآن كلامنا في الشعار، فماذا كان شعار حزب الاتحاد والترقي، حتي

تشبه شعارنا بشعارهم؟

قلت: كان شعارهم (عدالت، حريت، مساوات).

قال: إذن فرق بين الشعارين، قلت: فرق في أن شعاركم أسوأ من شعارهم، مع العلم أن شعارهم أيضاً كان سيئاً.

قال: لماذا شعارنا أسوأ من شعارهم؟

قلت:

1: إنكم جعلتم (الوحدة) في قبال (العدالة) فالعدالة تشمل العرب وغير العرب، وتشمل العدالة في الحكم، والعدالة في القضاء، والعدالة في سائر مرافق الحياة، بينما (الوحدة) لا تشمل كل ذلك.

2: إنكم جعلتم (الاشتراكية) في قبال (المساواة) فالمساواة تشمل العرب وغير العرب، وتشمل المال وغير المال، بينما (الاشتراكية) لا تشمل إلا المال، ولا تقصدون بها إلا العرب.

قال أحدهم: (المساواة) عين (العدالة) فلماذا جعله حزب الاتحاد والترقي أمرين؟

قلت: المساواة غير العدالة، فإذا سرق سارق وقطعت يده، كان ذلك (عدلاً) ولا يسمي (مساواة) وإذا أعطي المهندس القدير والعامل الكسول لكل واحد ديناراً، كان (مساواةً) ولم يكن (عدلاً).

قال أحدهم: هب أن شعارنا هو نفس شعارهم، فما الذي يضرنا من ذلك؟

قلت يضركم:

أولاً: إنه يظهر أنكم مربوطون بالاستعمار.

ثانياً: إن شعاركم باطل من أساسه، حتي ولو لم يكن شعاراً استعمارياً.

قالوا جميعهم: وكيف؟

قلت:

1: الشعار فارغ عن (الإيمان) فيصح أن يجعل هذا الشعار للبريطانيين والأمريكيين والإسرائيليين وغيرهم، وهذا أكبر نقص في شعاركم.

2: مرادكم بالوحدة (وحدة العرب) وهذا تمزيق المسلمين، ومحرم في الشريعة الإسلامية، قال سبحانه: ?وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً?() وقال: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا

تَفَرَّقُوا?().

والكل يدري أن أخوف ما يخاف منه المستعمر هو (وحدة المسلمين) ثم إني أبشركم أن (وحدة العرب) لا تتحقق أبداً، لأن العرب إذا تمسكوا بالإسلام توحدوا، وإذا لم يتمسكوا تفرقوا، كما تفرقوا قبل الإسلام.

قال أحدهم: هل تعلم الغيب؟

قلت: هل تطلع الشمس غداً.

قال: نعم.

قلت: هل تعلم الغيب.

قال: هذا واضح.

قلت: من أين؟

فلم يحر جواباً.

ثم أردفت: إن (المقدمات تدل علي النتائج)

والمبدأ المهلهل لاينتهي إلا إلي نتيجة مهلهلة، والوحدة العربية وحدة مهلهلة، لأن العرب المسلمين منهم وغير المسلمين يخالفون هذه الوحدة، أما المسلمون منهم فلأنهم يعلمون أن الإسلام ضد القوميات، وأن الوحدة الصحيحة هي الوحدة الإسلامية، وغير المسلمين لايستعدون أن يتوحدوا مع المسلمين.

ثم قلت: إن إيران جربت هذا الشيء وأبت بالفشل، فإن عميلي الاستعمار (رضا خان وولده) أرادوا إحياء الوحدة الفارسية، بكل قوة وإصرار، وجندا لذلك كل قوي الدولة، لكنهما باءا بالفشل لنفس السبب الذي ذكرته، فإن المسلم لاينضوي تحت لواء غير الإسلام، وغير المسلم لا يتحد مع المسلم.

3: مرادكم بالحرية (الحرية) بالمفهوم الغربي، وهذا أولا لايكون عند المسلمين، وثانياً: أنتم لا تستعدون له، أو بالأحري إن أسيادكم لم يجعلوها إلا شعاراً لاصطياد المغفلين.

غضب أحدهم، وقال: ومن هم أسيادنا؟

قلت له: ليس في الحوار غضب، وإذا تغضب من هذا الكلام فإني مستعد أن أسحب كلامي، واعتذر إليك.

فهدأ وقال: من تقصد بالأسياد؟

قلت: أقصد الإنكليز.

قال: أتتهمنا بعمالة بريطانيا؟

قلت: أتهم المنهج.

قال أحدهم: وعلي كل حال فلماذا نحن غير مستعدين لإعطاء الحرية؟

قلت: واضح، لأنكم لا تسمحون إلا بالحزب الواحد، والحزب الواحد دائماً ضد الحرية، والغرب لا يريد الحرية لبلاد الإسلام، لأنها إذا صارت بلاد الحرية، ظهرت الكفاءات، ومع ظهور الكفاءات يُطرد المستعمر، فإن المستعمر لا يتمكن أن يعيش إلا في ظل الديكتاتوريات، ولذا لا تجد في بلاد مستعمرة مجلس الأمة ولا انتخابات حرة، ولا تبدل رئيس الحكومة، وإذا كان فيه مجلس الأمة فرضاً، فليس إلا صورية وألعوبة بيد الرئيس، والانتصاب (لا الانتخاب) يكون هو المعين للأعضاء، كما لا تجد في بلاد الديكتاتورية صحفاً حرة ولا نقداً للرئيس، ولا …

قال أحدهم: حسناً لكنك قلت في أول كلامك: إن (الحرية) بالمفهوم الغربي غير

الحرية عند المسلمين، فهل هناك (حريتان)؟ إن الحرية ليس لها إلا معني واحد سواء كانت في الشرق أو الغرب، وسواء كان عند المسلمين أو عند غير المسلمين.

قلت: كلا، فبين الحريتين فرق كبير، (فالحرية) في المفهوم الإسلامي إنما هي في إطار (الإيمان) و(الصلاح)، بينما (الحرية) في المفهوم الغربي إنما هي في إطار (القانون) والبعد بينهما (كبعد الأرض عن جو السماء).

قال: كيف؟

قلت: الإسلام يقول:

1: لا حرية للخرافة في العقيدة.

2: لا حرية للربا والاحتكار.

3: لا حرية للزنا والخمر والقمار.

4: لا حرية للرذيلة والاستهتار.

ثم الإسلام يقول: لك الحرية في السفر والإقامة، في البناء والعمران، في التجارة والصناعة، في حيازة المباحات، في تأليف الجمعيات وفتح النوادي، وإخراج الجرائد والمجلات والنشرات، في الزراعة والفلاحة، إلي آخر قائمة الحريات الموجودة في الإسلام والتي جمعت في القاعدة الإسلامية المشهورة: (الناس مسلطون علي أموالهم وأنفسهم)().

أما القانون فهو يقول: أنت حر في كل البنود الأربعة المتقدمة، ولذا تري في بلاد الغرب لا اهتمام لهم بالعقيدة، ولا بالفضيلة، وتجارهم مرابون محتكرون يمتصون دماء الناس، والزنا والخمر والقمار وسائر المفاسد منتشرة فيهم بشكل فظيع.

بينما القانون يقول: لا حرية لك بالنسبة إلي القائمة الثانية فالسفر والإقامة.. الخ كلها تحتاج إلي الرخصة والإجازة، والرسوم والضرائب، وكلها محددة بحدود وقيود.. الخ.

4: و(الاشتراكية) التي جعلتموها شعاراً، باطلة، لأنها تجمع بين مساوئ (الشيوعية) ومساوئ (الرأسمالية)، ثم إنها تنافي (الحرية) التي جعلتموها جزءً من شعاركم.

قال أحدهم: وكيف؟

قلت:

أولاً: الاشتراكية عبارة عن جعل منابع الثروة العامة بيد الدولة، سواء المنابع الطبيعية أو الصناعية، وهذا البند مأخوذ من الشيوعية، بينما تجعل سائر الأشياء بيد الشعب بما في ذلك جواز الاتجار بالخمر والعهر والقمار وسائر المضار وهذا البند مأخوذ من الرأسمالية، إذن: فالاشتراكية تجمع بندين فاسدين من

المنهجين العالميين.

وثانياً: الاشتراكية تكبت الحريات لأجل بندها الأول فهي منافية مع الحرية.

قال أحدهم: فهل نجعل الأمر فوضي، ونعطي كل حرية؟

قلت: قد سبق أن قلنا (الحرية الإسلامية) في إطار الإيمان والمصلحة؟ فإن الحرية في الإسلام حرية مسؤولة، أي ما لا ينافي الإسلام ولا يكون ضرراً علي أحد، فلا يحق لسائل أن يخالف المرور، ولا لبان أن يبني بحيث يزاحم الطريق، ولا لبائع أن يزعج الناس بصوته، ولا لعامل أو فلاح أو مالك معمل أو أرض أن يظلم زميله، ولا لأحد أن يمنع التاجر، ولا للتاجر أن يحتكر ويرابي إلي غير ذلك، وللحاكم الإسلامي أن يجعل تعزيزاً أو غرامة مالية أو سجناً أو ما أشبه كحجز سيارة مخالف المرور مثلاً عقوبة لمن خالف وأضر، لوجوب الإصلاح، قال سبحانه: ?وَأَصْلِحْ وَلاتَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ?().

ومن باب (ردع المنكر) إلي غير ذلك..

كما أن للحاكم الإسلامي، أن يعفو عن بعض المخالفين، إذا رأي ذلك صلاحاً كما عفي رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام عن بعض المجرمين.

???

لقد تم الكتاب والمسؤول من الله سبحانه أن يوفقنا لما فيه رضاه، الذي فيه عزنا واستقلالنا وسيادتنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة وهو الموفق المستعان.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

الكويت

پي نوشتها

() سورة الحشر: 19.

() سورة الكهف: 28.

() سورة الجاثية: 34.

() سورة الكهف: 4.

() عبد السلام عارف (1921 1966م) ضابط عراقي قام بانقلاب عسكري علي عبد الكريم قاسم، رئيس الجمهورية عام (1963م) قتل في حادث سقوط طائرة، خلفه أخوه عبد الرحمن (1966 1968م).

() جمال عبد الناصر (1918 1970م) رجل دولة مصري، قلب الحكم علي الملك فاروق (1952م).

رئيس الجمهورية عام (1958م) حتي وفاته.

() عبد الكريم قاسم (1914 1963م) ضابط عراقي قاد انقلاب عام (1958م) وأطاح بالملكية، قضي عليه عبد السلام عارف في انقلاب عسكري.

() ونص الشعر بالفارسية:

هركه گريزد زخراجات شام باركش غول بيابان شود

() سورة محمد: 7.

() سورة العنكبوت: 69.

() سورة آل عمران: 160.

() سورة آل عمران: 173 175.

() يقع الكتاب في (200) صفحة من الحجم الوزيري. ويتضمن علي عناوين منها: نحو الدعوة، الحقيقة، الصبر، اللاعنف في اليد، اللاعنف في اللسان،الجهاز الحاكم ونظام الحكم، إسلام وقانون، الجمود، الالتواء، ما هي الدوائر التي نحتاجها … إلي آخره. وهو من تأليف سماحته في كربلاء المقدسة عام (1382 ه).

() للتفصيل راجع أيضاً كتاب (الفقه طريق النجاة)، و(ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين)، و(السبيل إلي إنهاض المسلمين) للإمام المؤلف رحمة الله عليه.

() الظاهر أن هذه العبارة كانت باعتبار شروع التأليف في كربلاء المقدسة وإتمامها في الكويت.

() غوالي اللئالي: ج4 ص70 ح39.

() سورة الزخرف: 44.

() راجع شرح نهج البلاغة: ج18 ص113 والشعر غير منسوب للإمام علي عليه السلام.

() سورة التوبة: 97.

() سورة الزخرف: 44.

() سورة الحجرات: 13.

() ديوان الإمام علي عليه السلام: ص24.

() الصراط المستقيم: ج3 ص13.

() علي الإحصاءات الأخيرة (عام 2001م) فعدد المسلمين ملياران، والعرب منهم ثلاثمائة مليون.

() نهج البلاغة: الرسائل 53 ومن كتاب له للأشتر النخعي …

() ونستون تشرشل (1874 1965م) سياسي إنكليزي، زعيم لحزب المحافظين، رئيس الحكومة عام (1940 1945م) و(1951 1955م) أسهم في انتصار الحلفاء بالحرب العالمية الثانية.

() بحار الأنوار: ج73 ص350 ب67 ح13.

() سورة المؤمنون: 52.

() سورة آل عمران: 103.

() هو السيد الميرزا مهدي الحسيني الشيرازي رحمة الله عليه ولد في كربلاء المقدسة (1304ه) كان عالماً تقياً، ورعاً عابداً زاهداً، كثير الحفظ، جيد الخط،

وكان صاحب كرامات، وهو رحمة الله عليه من خيرة تلاميذ الشيخ محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليه (قائد ثورة العشرين في العراق)، توفي في 28 شعبان عام 1380ه ودفن في الصحن الحسيني الشريف.

() رضا بهلوي (1878 1944م) شاه إيران 1925م. تنازل لابنه محمد 1941م.

() مصطفي أتاتورك (1881 1938م) مؤسس الجمهورية التركية وأول رئيس لها، قام بنشر المفاسد في بلاده وغيّر كتابة اللغة التركية من الحرف العربي إلي الحرف اللاتيني.

() محمد بهلوي (1919 1980م) شاه إيران 1941م خلفاً لأبيه رضا،ثار عليه الشعب، ترك البلاد 1979م توفي في مصر.

() هو الشيخ ملا محمد كاظم بن ملا حسين الهروي الخراساني المعروف بالشيخ الآخوند، ولد بطوس سنة (1255ه)، تتلمذ علي الشيخ راضي النجفي وعلي الشيخ الأنصاري والميرزا السيد محمد حسن الشيرازي، توفي في النجف الأشرف عام (1329ه).

() سورة المائدة: 44.

() سورة الشوري: 38.

() نهج الحق: ص309 المطلب الرابع في مطاعن معاوية.

() سورة البقرة: 256.

() وسائل الشيعة: ج27 ص131 ب10 ح33401.

() ولا يخفي إن من آراء الإمام الشيرازي في الحكم هو لزوم شوري الفقهاء المراجع وهي أطروحة حضارية يمكنها أن تأخذ بأيدي المسلمين نحو التقدم أكثر فأكثر.

() ماوتسه تونغ (1893 1976م) رجل دولة صيني، من مؤسسي الحزب الشيوعي في الصين، أعلن الجمهورية الصينية الشعبية (1949م)، ثم رئيس الحزب الشيوعي، له عدة مؤلفات منها كتاب الأحمر الصغير.

() بلغت نفوس اسرائيل خمسة ملايين حسب الاحصاءات الأخيرة 2001م.

() بلغت نفوس العرب أكثر من ثلاثمائة مليون حسب الاحصاءات الأخيرة 2001م.

() بلغت نفوس العالم أكثر من ستة مليارات 2001م.

() بلغت نفوس إيران أكثر من سبعين مليوناً 2001م.

() فرانكلين روزفلت (1882 / 1945م) رئيس الجمهورية الأمريكية (1933 /1945م) كان له دور فعال في انتصار الحلفاء بالحرب

العالمية الثانية.

() جوزيف ستالين (1879 / 1953م) سياسي روسي ترأس الحزب الشيوعي (1922م) خلف لينين في زعامة الحزب والدولة عام (1924م) حتي وفاته، قضي علي مناوئيه في محاكمات صورية واستبد بالسلطة.

() سورة فصلت: 16.

() إشارة إلي قوله تعالي: ?حَتَّي إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ? فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ? سورة الأنعام: 44 45.

() سورة الهمزة: 6 7.

() سورة الإسراء: 84.

() جورج برنارد شو (1856 1950م) كاتب وروائي مسرحي أيرلندي اشتهر بالتهكم والتشاؤم.

() غوستاف لوبون (1841 1931م) طبيب وعالم اجتماعي فرنسي دعي إلي تفسير السلوك الجماعي بالمقارنة بين نفسيات فردية.

() برتران رسل (1872 1970) رياضي وفيلسوف إنكليزي من بناة المنطق الحديث عارض بشدة الأسلحة الذرية.

() طبعت مذكراته باللغة الفارسية عدة مرات، وهو جاسوس روسي عاش في ايران.

() السيد أبو القاسم بن أحمد الحسيني الكاشاني النجفي المتوفي عام (1318ه) عالم ورع تقي.

() سورة الأنفال: 65.

() سورة الأنفال: 66.

() نفوس العرب بلغت أكثر من ثلاثمائة مليون 2001م.

() سورة المنافقون: 8.

() سورة النساء: 139.

() سورة الحجرات: 13.

() لعله إشارة إلي قوله تعالي: ?وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ?سورة الأحزاب: 6.

() سورة الحجرات: 10.

() ملا مصطفي البرزاني (1903 1979م) زعيم كردي قاد ثورة الأكراد في العراق

(1961 1975م).

() هذه إحصاءات قديمة ترتبط بتاريخ كتابة هذا الكتاب.

() سورة المائدة: 44.

() سورة الحجرات: 9.

() المناقب: ج3 ص217، وكشف الغمة: ج1 ص143 في بيان أنه عليه السلام مع الحق.

() هو السيد محمد كاظم بن السيد عبد العظيم الطباطبائي اليزدي ولد في يزد سنة

(1247ه) تتلمذ علي الشيخ مهدي ابن الشيخ علي نجل كاشف الغطاء، وعلي الشيخ راضي النجفي وحضر علي المجدد السيد محمد حسن

الشيرازي، توفي في النجف الأشرف عام (1337ه) ودفن في الصحن الغروي الشريف.

() الشيخ الميرزا محمد تقي بن الميرزا محب علي بن أبي الحسن الشيرازي المتوفي عام

(1338ه) زعيم الثورة العراقية (ثورة العشرين) من أكابر العلماء وأعاظم المجتهدين ومن أشهر مشاهير عصره في العلم والتقوي والغيرة الدينية.

() سورة فاطر: 18.

() هو السيد الميرزا مهدي الحسيني الشيرازي رحمة الله عليه ولد في كربلاء المقدسة (1304ه) كان عالماً تقياً، ورعاً عابداً، زاهداً كثير الحفظ، جيد الخط، وكان صاحب كرامات، وهو رحمة الله عليه من خيرة تلاميذ الشيخ محمد تقي الشيرازي (قائد ثورة العشرين في العراق)، توفي في (28 شعبان عام 1380ه) ودفن في الحرم الحسيني الشريف.

() هو السيد عبد الهادي ابن السيد ميرزا إسماعيل ابن السيد رضي الدين الشيرازي النجفي، ولد في سر من رأي عام (1305ه) في السنة التي توفي بها والده الحجة، هاجر إلي كربلاء وحضر علي بعض علمائها، تخرج علي الشيخ ملا محمد كاظم الآخوند الخراساني والميرزا محمد تقي الشيرازي وشيخ الشريعة الاصفهاني، وقد كان عالماً محققا منقبا، ذا رأي صائب، قوي الحافظة أديباً شاعراً، توفي عام (1382ه)

() الكافي: ج1 ص58 ح19.

() سورة الحجرات: 13.

() سورة البقرة: 249.

() سورة الحج: 39.

() سورة الأنفال: 60.

() أنور السادات (1918 1981م) ضابط وسياسي مصري رئيس الجمهورية (1970م) خلفاً لعبد الناصر قاد الحرب المعروفة بحرب أكتوبر (1973) اغتيل عام (1981م).

() سورة العلق: 6 و7.

() راجع بحار الأنوار: ج57 ص205 ب23 ح44، وفيه قال موسي عليه السلام: «يا رب أسألك أن لا يذكرني أحد إلا بخير، قال: ما فعلت ذلك لنفسي».

() سورة البقرة: 201.

() هاري ترومان (1884 1972م) سياسي أمريكي نائب الرئيس روزفلت (1944م) رئيس الولايات المتحدة (1945 1953م) في عهده

ألقيت أول قنبلة ذرية علي اليابان (آب/1945).

() سورة المؤمنون: 52.

() سورة آل عمران: 103.

() راجع موسوعة الفقه، كتاب القواعد الفقهية، وغوالي اللئالي: ج1 ص222 وفيه: (الناس مسلطون علي أموالهم).

() سورة الأعراف: 142.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.