فاعتبروا يا أولي الأبصار

اشارة

اسم الكتاب: فاعتبروا يا أولي الأبصار

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: مركز الرسول الاعظم(ص)

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1419 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب

صدق الله العلي العظيم

سورة يوسف: 111

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي خاتم الأنبياء محمد وآله الطيبين الطاهرين.

إن الأمم التي لا تملك تاريخاً، لا تملك حاضراً ولا مستقبلاً، لذلك كان استعراض التاريخ في ايجابياته وسلبياته، ومحاولة ربط الأمة بماضيها المشرق والاستنارة بهدي تاريخها العريق.. مما يساعد الأمم علي تخطي الكثير من الصعوبات والعوائق في طريق الرقي والازدهار.

وامتنا الإسلامية تملك تاريخاً غنياً بالقيم السامية والأخلاق الفاضلة، ويمكن مشاهدة ذلك من خلال الوقائع والأحداث والقصص التاريخية التي تناقلتها كتب تاريخنا الإسلامي فكانت تراثاً هائلاً لمن يريد ان يسبر غور التاريخ ويرسم من خلاله حاضره ومستقبله.

وهناك في كتب التاريخ من الأحداث والقصص ما تحمل دلالات أخلاقية ودروساً إيمانية حريّ بالمسلم أن يتأمّل فيها مليّاً ويقف عندها معتبراً ليري سلوك أهل الحق فيتبعه، وسلوك أهل الباطل فيجتنبه لذلك قام بعض علمائنا الأعلام بجمع مجموعة من القصص المعبّرة في تاريخنا الإسلامي في ضمن كتب مستقلة عن كتب التاريخ لتكون في تناول القراء والباحثين فتجنّبهم بذلك عناء البحث عنها في الموسوعات التاريخية.

وهذا الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ الكريم هو مجموعة من القصص التاريخية جمعها المرجع الديني الأعلي الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) شعوراً منه بأهمية القصص في مجتمعاتنا الإسلامية وتأثيرها الفعّال في طريق الهداية علي ضوء الإسلام الحنيف وتعاليم النبي الأكرم (صلي الله عليه واله وسلم) والأئمة المعصومين (عليهم السلام).

وقد قام مركز الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم) بطبع هذا

الكتاب تعميماً للفائدة راجين من المولي القبول والتوفيق انه سميع الدعاء.

مركز الرسول الأعظم (ص) للتحقيق والنشر

بيروت لبنان

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

هذه مجموعة من القصص جمعناها لتكون عبرة لأولي الأبصار، نسأل الله سبحانه ان يجعلنا ممن يعتبر بها ويقتدي بمن أمرنا الله بالاقتداء بهم من الأنبياء والأئمة والصالحين، انه سميع مجيب.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

1 بناء المساجد

لما هاجر الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي المدينة، نزل ضيفاً علي دار بني مالك بن النجار، فرأي (صلي الله عليه وآله وسلم) أحياء عديدة وكان يتجاوز عددها تسعة، وكان كل حي يحتوي علي منازل متعددة وفي أطرافها البساتين والمزارع، وكان سكانها مستقلين بعضهم عن الآخر، كأنما هي قري منفصلة بعضها من البعض الآخر.

فبني رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مساجد مختلفة لهم، وفي بعض التواريخ انه (صلي الله عليه وآله وسلم) بني في المدينة وحواليها 47 مسجداً غير مسجد النبي الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم).

2 من حفر بئراً لأخيه

قال السيد نعمة الله الجزائري (رحمه الله): حكي لي من أثق به:

إن رجلا في إصفهان كانت له زوجة.. فاتفق أنه ضربها بعصي فماتت من غير أن يتعمد قتلها، فخاف من أهلها وما اهتدي إلي الحيلة في أمره.

فأتي إلي رجل واستشاره في ذلك الأمر.

فقال له: أعمد إلي رجل صبيح الوجه، وأدخله بيتك واقتله واجعله بجنب المرأة المقتولة، فإذا سألك أقاربها فقل: رأيت هذا الرجل معها فقتلتهما.

فاستحسن الرجل كلامه.. فبينما هو جالس علي باب داره نظر إلي شاب مار في الطريق فطلبه وأحسن صحبته، ثم كلفه الدخول إلي داره فأدخله وأطعمه، ثم حمل عليه بالسيف فقتله.. ولما أخبر اهل زوجته بخيانتها، قالوا: نعم ما فعلت.

ثم إنه كان لذلك الرجل الذي أشار عليه ولد حسن الوجه، فافتقده ذلك اليوم ولم يجده، فأتي إلي صاحبه وقال: هل فعلت ما أشرته عليك؟.

قال: نعم.

قال: أرني الذي قتلته.

فأدخله داره فنظر إلي المقتول فإذا هو ولده، فحثي التراب علي رأسه.

وظهر قوله (عليه السلام): (من حفر لأخيه المؤمن بئرا أوقعه الله في بئره).

3 من أخبار السفهاء

روي أحد القراء قال: دخلت مسجد حمص يوما، فوجدت رجلا حافي الرأس، فسلمت عليه فلم يردّ الجواب.

ثم التفت إليّ وقال: أظنك من الحمقي الذين يأتون من أسافل الشام.

فسألته: ما قصتهم؟ ومن هم؟

قال: هم: أبو بكر الصناديقي، وعمر القواريري وعثمان بن أبي سفيان، ومعاوية بن العاص، يتعادون فيما بينهم، ويتنازعون.

قلت له: من هو معاوية؟

قال: هو من بعثه الله إلي قومه حتي يقول لهم، إن عصا موسي كانت من شجرة العوسج، وصادف في الطريق محمود النبي، وتزوج بابنته، وفي زمن الحجاج بن المهدي ولد الحسن والحسين من هذه البنت.

قلت له: لك اطلاع عجيب في التاريخ!! فهل قرأت القرآن؟

قال: أقرأ القرآن بالقرءات السبع.

قلت: أسمعني

منه.

فبدأ وقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم وكانوا إذا جاءهم بشير ونذير استغشوا ثيابهم استغشاشا، وجاءوا إلي ناقة الله ومكروا مكرا كبارا بأي آلاء ربكما تكذبان).

قلت له: لم لا تذهب إلي بغداد حتي يعرفوا لك قدرك وفضلك؟

قال: بغداد مكان الجهلة والحمقي، ما لي وبغداد؟!

قال: فتركته وخرجت من المسجد؟

ونظير ذلك ما روي أن رجلا من أهل العلم قال: سألني أحدهم فقال: كم تطنبون في فلان وفلان؟

قلت له: كأنك تريد عليا (عليه السلام).

قال: بلي.

قلت: ما كانت قصته؟

قال: أليس هو أبو فاطمة أخت معاوية، قتل مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في غزوة حنين!!.

4 صيّر الحلال حراما

لما أراد علي (عليه السلام) أن يذهب إلي المسجد ليصلي، رأي رجلا واقفاً إلي جانب المسجد، فقال له: احرس لي هذا المركوب.

وبعد أن ذهب (عليه السلام)، أقدم ذلك الرجل علي إخراج لجام المركوب من رأسه وسرقه وذهب..

فخرج الإمام (عليه السلام) من المسجد وبيده درهمان أراد أن يعطيهما لذلك الرجل، فلم يجد الرجل ورأي انه ذهب وأخذ معه لجام المركوب..

فأعطي الدرهمين لغلامه ليشتري له لجاما من السوق.

فذهب الغلام ورأي في السوق ذلك اللجام المسروق وقد بيع بدرهمين، فاشتري اللجام المذكور بدرهمين وجاء به إلي الإمام (عليه السلام).

فقال (عليه السلام): ما أعجل الإنسان وما أقل صبره، يأتيه الحلال فيحرّمه علي نفسه، مع أن العجلة لا تزيد في رزقه، وقد أردت أن أعطيه درهمين حلالاً فجعله حراما.

5 الصلاة خلف النبي (ص)

روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): ان أول صلاة جماعة كانت بهذه الكيفية: فكان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يصلي، وعلي (عليه السلام) عن يمينه، فلما مر أبو طالب من ذلك المكان، وكان معه ابنه جعفر، رأي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وعليا (عليه السلام) قائمان يركعان ويسجدان، قال لابنه جعفر: صل جناح ابن عمك، فقام إلي جنب علي، فأحس بهما النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فتقدم عليهما، حتي فرغوا مما كانوا فيه، ثم أقبلوا نحو أبي طالب، فكان السرور يظهر علي وجهه، ثم أنشد يقول:

إن عليا وجعفر ثقتي عند ملم الزمان والكرب

والله لا أخذل النبي ولا يخذله من بني ذو حسب

? جعفر الطيار: هو ثالث أولاد أبي طالب، أخو علي (عليه السلام)، له فضائل عديدة، هاجر إلي الحبشة مع ثمانين شخصا، وكان يرأسهم، وعهد إليه التحدث باسمهم، ثم هاجر إلي المدينة بعد فتح خيبر، وكان قد سرّ

به رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) سرورا شديدا، استشهد في معركة مؤتة سنة ثمان للهجرة، بعد أن أبرز شجاعة فائقة، وعمره آنذاك (41) سنة، ورفعت الملائكة جسده الطاهر ومحل وقوعه الآن في الأردن.

6 ليلة القدر

روي ابن عرادة قال: كان علي (عليه السلام) في ليالي شهر رمضان يطعم الناس لحما، وكان هو لا يأكل منه شيئاً.

فاذا فرغوا خطبهم ووعظهم.

فأفاضوا ليلة في الشعراء وهم علي عشائهم، فلما فرغوا خطبهم (عليه السلام) وقال في خطبته: (اعلموا أن ملاك أمركم الدين، وعصمتكم التقوي، وزينتكم الأدب، وحصون أعراضكم الحلم.

وفي رواية: فقالوا: أخبرنا عن ليلة القدر، أيّ ليلة هي؟

قال (عليه السلام): لم يخف عليّ العلم بها، ولكن أخفيه عنكم، ولا اظهره، لانّ عدم الكشف عنه هو صلاح لكم، لهذا سترها الله عنكم، فلو كانت معلومة كنتم تتعبدون بتلك الليلة فقط، وتغفلون عن العبادة في الليالي الأخر، أرجو أن تتعبدوا في هذه الليالي ولا تضيعوها.

7 لا مانع من البكاء

روي يزيد بن هارون قال: لما توفيت رقية بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) صرخت النساء بصوت عال، فحمل عليهن عمر بن الخطاب ليضربهن بسوطه.

فأمسك رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بيده وقال: (مهلاً، يا عمر).

ثم قال (صلي الله عليه وآله وسلم) للنساء: (ابكين، مهما يكن من القلب والعين فمن الله والرحمة، ومهما يكن من اليد واللسان فمن الشيطان).

ووردت روايات كثيرة في بكاء النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي الموتي من آله (عليهم السلام):

منها: عند ما مات صبي لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فاضت عينا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله! ما هذا؟

فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (إنّما هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء).

وجاء أيضاً: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بكي لموت ولده إبراهيم، فقال له عبد الرحمن بن عوف مستنكرا ذلك : وأنت يا رسول الله!؟

فقال النبي

(صلي الله عليه وآله وسلم): (يا بن عوف! إنها رحمة).

ثم قال: (إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون).

إن فعل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) سنة حسنة، يستحب للمسلمين أن يقتدوا به ويعملوا بسنته، وأما ما ذكره بعض المحدثين: بأن الميت يعذب ببكاء الحي، أو لبكاء أهله عليه، كل ذلك موضوع ولا أصل له، وذلك بحكم العقل والنقل.

8 إسلام يهودي

كان (مخيريق) من يهود بني ثعلبة، وقال في معركة أحد: يا معشر اليهود! تعلمون جيدا أن حفظ محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) واجب عليكم.

فقالوا: اليوم سبت، ونحن لا نعمل أي عمل.

قال: ألم يكن لكم سبت غيره؟ إن دين اليهود قد نسخ، وذهبت قوانينه.

فأخذ مخيريق سيفه وعزم علي الحرب، وقال: لو قتلت فستكون ثروتي تحت تصرف محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، يفعل بها كيفما شاء.

فجاء إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأسلم وقاتل حتي قتل.

وقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (أفضل اليهود مخيريق).

وكانت أملاك مخيريق سبعة بساتين، كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد أخذها، واعطاها فاطمة (سلام الله عليها)، وهذه البساتين السبعة كانت في يد الزهراء (سلام الله عليها) بعد وفاة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) ولم تؤخذ منها.

وانما اخذت منها فدك مع ان فدك كانت ملكاً لها، قد اعطاها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بأمر من رب العالمين.

9 الحجاب

كانت هند زوجة أبي سفيان قد أسلمت بعد فتح مكة، فسألها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): كيف رأيت دين الإسلام؟

قالت: أفضل دين، لولا ثلاثة أشياء فيه.

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): وما هي:

قالت:

أحدها التجبية، أي الركوع والسجود.

الثاني: المعجر، أي الحجاب.

الثالث، صعود هذا الغلام الأسود سطح الكعبة، أي أذان بلال.

فقال (صلي الله عليه وآله وسلم):

أما التجبية: فلا تقبل الصلاة بدونها.

وأما الحجاب: فهو أفضل لباس للمرأة.

وأما الغلام الأسود، فهو من أفضل خلق الله.

10 من آثار الطيب

يقال: إنه جلس المنصور العباسي يوما في إحدي غرف قصره، فرأي رجلا ملهوفا يدور في الطرقات.

فأتي به فأخبره: أنه خرج في تجارة وأفاد مالا كثيرا، ولما رجع أعطاه زوجته، فذكرت أن المال سرق من المنزل ولم ير أثرا.

فقال له المنصور: منذ كم تزوجتها؟

قال: منذ سنة.

قال: تزوجتها بكرا أم ثيبا؟

قال: بل ثيبا لكنها شابة، فدعا المنصور بقارورة طيب وقال: تطيب بهذا يذهب همك، فأخذها إلي أهله. وقال المنصور لجماعة من ثقاته: اقعدوا علي أبواب المدينة فمن شممتم منه رائحة هذا الطبيب آتوني به. ومضي الرجل بالطيب إلي أهله، فأعجب المرأة ذلك الطيب، وبعثته إلي رجل كانت تحبه وهو الذي دفعت إليه المال، فتطيب به ومر مجتازا ببعض الأبواب ففاحت منه روائح الطيب، فأخذوه إلي المنصور فقال: من أين استفدت هذا الطيب؟ ثم هدده فأقر بالمال وأحضره بعينه، فدعي صاحب المال وحكي له القصة، وأمر بطلاق امرأته.

11 جحد الوديعة

قدم رجل إلي بغداد ومعه عِقد قيمته ألف دينار، فجاء به إلي عطار موصوف بالصلاح فأودعه عنده ومضي إلي الحج.

فلما قدم من الحج وأراده من العطار جحده، وصدقه الناس، فعرض الحاج حاله علي عضد الدولة البويهي.

فقال له: اذهب غدا واجلس علي دكان العطار ثلاثة أيام حتي أمرّ عليك في اليوم الرابع وأقف وأسلم عليك فلا تزد علي رد السلام، فإذا انصرفت أعد عليه ذكر العقد.

فعمل ذلك.

ولما كان اليوم الرابع أتي عضد الدولة في موكبه العظيم وسلم عليه، فلم يتحرك ولكن رد عليه السلام.

فقال عضد الدولة: يا أخي تأتي العراق ولا تقدم إلينا ولا تعرض علينا حوائجك؟

فقال: لم يتفق ذلك، هذا والعسكر واقف..

فانذهل العطار وأيقن بالموت.

فلما انصرف الملك التفت العطار إلي الحاج وقال: يا أخي متي أودعتني هذا العقد وفي أي

شيء هو ملفوف؟ ذكرني لعلي ناسٍ.

فذكر له أوصافه فحل له جرابا وأخرجه منه وقال: كنت ناسياً.

فمضي الحاج إلي عضد الدولة وأخبره فعلقه عضد الدولة في عنق العطار وصلبه علي باب دكانه، ونودي عليه هذا جزاء من استودع فجحد.

12 كيف لم يوص النبي (ص)

روي أبو الهذيل العلاف المتوفي سنة (227ه) قال: رأيت رجلا في دير هرقل وقد ألصق نفسه بالحائط، فقال لي: أنت أبو الهذيل العلاف؟

قلت: نعم.

قال: هل النوم لذة؟

قلت: نعم.

قال: متي يري الإنسان لذة النوم؟

فقلت: في نفسي، إذا قلت في حال النوم فقد أخطأت، لأن الإنسان لا عقل له ولا شعور في ذلك الحال، وإذا قلت: قبل النوم، فقد أخطأت أيضا، لأن النوم لم يأت حتي تعرف لذته، وإذا قلت: بعد النوم، فقد أخطأت، لأنه انتهي، فبقيت متحيرا في الجواب.

فقلت: قل أنت حتي أسمع وأنقل عنك.

فقال: أقول بشرط أنك تقول لهذه المرأة صاحبة الدير: أن لا تضربني.

فذهبت إلي المرأة وطلبت منها ذلك، ففعلت.

فقال: الاسترخاء والكسل مرض يعترض البدن، فالنوم دواء له.

فاستحسنت جوابه، ولما أردت الخروج من الدير، استوقفني وقال: يا أبا الهذيل! اسمع مني مطلبا كبيراً.

قلت له: قل.

قال: ماذا تقول في رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ وهل أنه أمين وصادق عند أهل السماء والأرض؟

قلت: نعم.

قال: أراد الاختلاف في أمته أو الاتفاق؟

قلت: كان يحب الوفاق والاتفاق، وفي تأييد جوابي، قرأ الآية: ?وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين?.

ثم قال: ألم يوص في مرض موته، ألم يقل: هذا خليفتي؟ أو عين خليفته وصرح باسمه؟

فلم أجب.

13 عقيل يبدي مخازيهم

كان عقيل بن أبي طالب أعلم قريش بالأنساب والأعمال والأيام وحوادث قريش، وكانت قريش بعضهم تكرهه وتعاديه، لأنه يتحدث بعيوبها وقبائحها أمام الملأ.

فكان يأتي مسجد الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) فيفرش له بساط مخصوص ليجلس عليه، وكان الناس يجتمعون حوله، ويسألونه عن أنساب العرب وأيامها، فكان يظهر لهم عيوبهم، ويكشف سوآتهم، لهذا فقد عادوه، ونسبوا إليه الأباطيل، ونقلوا في حقّه أحاديث مفتعلة وقصص لا أساس لها من الصحة.

? أقول: كان عقيل يفضح هؤلاء

المنافقين المستترين بالعباءة الإسلامية، ويري ذلك كله أنه واجب شرعي عليه، حتي لا يتلوث الأبرياء بمجالستهم ومخالطتهم، ومن ثم يسري داؤهم إليهم، وكان يقول الحق ولا يخشي في الله لومة لائم.

14 الأصنام الخشبية

روي الطبري في تاريخه: أن عليا (عليه السلام) عند ما هاجر إلي (قبا) يومي الاثنين والثلاثاء، حل ضيفا علي أم كلثوم بنت هدم، فرأي عند ظلام الليل رجلاً وقد طرق عليها الباب وأعطاها شيئا وذهب.

فسأل الإمام (عليه السلام) أم كلثوم عن هذا الموضوع.

فقالت: هذا الرجل هو سهل بن حنيف، وبما أنه يعلم من حالي أن لا معيل لي، فيغير علي أصنام القوم ويكسرها ليلا، ويأتي بها إليّ لأنتفع منها وأصيرها حطباً.

ومن ذلك كان الإمام (عليه السلام) يحترم سهلاً ويجله.

فانه كان: بدرياّ من أصحاب الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، ومن خلص أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان واليا له علي المدينة، توفي عند رجوع علي (عليه السلام) من صفين وقد اشتد الحزن بالإمام عندما وصل إليه نبأ وفاة سهل.

15 ملَك يحج عنك كل عام

ذكر العلامة في كتاب منهاج اليقين في فضائل مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) بإسناده إلي عبد الله بن المبارك قال:

كنت ولعاً بحج بيت الله الحرام، شديد المداومة في كل عام علي حضوره، ففي بعض السنين لما قرب التأهب للحج تأهبت أنا أيضا، فقمت وشددت علي وسطي كيسا فيه خمسمائة دينار وخرجت إلي سوق الإبل لأشتري جمالا للحج، فلم يقع في يدي ما يصلح للطريق، فرجعت إلي المنزل فرأيت في الطريق امرأة جلست علي مزبلة، وقد أخذت دجاجة ميتة كانت علي الكناسة وهي تنتف ريشها من حيث لا يشعر بها أحد.

فوقفت قريبا منها وقلت: لمَ تفعلين هكذا يا أمة الله؟

فقالت: امض لشأنك واتركني.

فقلت: سألتك بالله إلا أعلمتني بحالك.

فقالت: نعم إذ ناشدتني بالله فاعلم إنني امرأة علوية ولي ثلاث بنات علويات صغار وقد مات قيّمنا، ولنا ثلاث ليال بأيامهن علي الطوي لم نطعم شيئا ولم نجده، وقد خرجت

عنهن وهن يتضررن جوعا لألتمس لهن شيئا فلم يقع بيدي غير هذه الدجاجة الميتة، فأردت إصلاحها لنأكلها فقد حلت لنا الميتة.

فلما سمعت ما قالت وقف شعري واقشعر جلدي، وقلت في نفسي: يا ابن المبارك أي حج اعظم من هذا..

فقلت لها: أيتها العلوية إن هذه الدجاجة قد حرمت عليك، فافتحي حجرك حتي أعطيك شيئا من النفقة، ثم حللت الكيس وصببت الدنانير في حجرها بأجمعها.

فقامت مسرورة عجلة ثم دعت لي بخير.

فرجعت إلي منزلي ونزع الله إرادة الحج من قلبي، فلزمت منزلي واشتغلت بعبادة الله تعالي.

وخرجت القافلة إلي الحج..

فلما قدم الحاج من مكة خرجت للقاء الحجاج والإخوان، فصافحتهم فكنت لم الق أحداً ممن يعرفني إلا وهو يقول لي: يا بن المبارك ألم تكن معنا، ألم أشاهدك كذا في موقف كذا؟

فتعجبت من ذلك!

فلما رجعت وبت تلك الليلة رأيت في منامي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو يقول: يا بن المبارك أنت أعطيت الدنانير لابنتنا، وفرجت كربتها وأصلحت شأنها وشأن أيتامها، فبعث الله تعالي ملكاً علي صورتك فهو يحج عنك في كل عام، ويجعل ثواب الحج لك إلي يوم القيامة، فانتبهت وأنا أحمد الله تعالي علي هذا التوفيق.

قال الراوندي: ولقد سمعت من كثير من المحدثين يذكرون: أن الحجاج في كل عام يشاهدون ابن المبارك بمكة يحج مع الحجاج وانه لمقيم بالعراق.

16 علي(ع) بمنزلة هارون

روي البرآء بن عازب، وزيد بن أرقم، قالا: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) في غزوة تبوك: (ليس لي إلا أن يبقي أحدنا في المدينة) فخلفه في المدينة وانطلق إلي تبوك.

فأشاع بعض المنافقين من أهل المدينة خبرا مفاده: إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ظهرت كراهته لعلي (عليه السلام)، ولم يكن

راضياً منه من قبل.

فلما سمع علي (عليه السلام) ذلك تبع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فلحق ه.

فلما رآه (صلي الله عليه وآله وسلم) قال له: ما الذي أقدمك؟

قال (عليه السلام): لا لشيء وإنما سمعت البعض يقول: كره النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أخذه معه، واستخلفه في المدينة.

فتبسم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وقال: أفلا ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي، إلا أنك لست بنبي.

ولا يخفي ان حديث المنزلة من الروايات المتواترة عند الفريقين ورد عنه (صلي الله عليه وآله وسلم) في عدة موارد.

? البراء بن عازب الأنصاري: صحابي، حضر مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أربعة عشر غزوة من غزواته، وكان مع علي (عليه السلام) في معركتي الجمل وصفين، فتح الري صلحاً سنة (24ه)، سكن الكوفة أخيراً، وتوفي في أيام مصعب بن الزبير.

17 إمام جماعة

تشرف سلمة الجرمي مع نفر من قومه بخدمة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأعلنوا إسلامهم، وتعلموا القرآن، وعند عودتهم إلي أهلهم قالوا: يا رسول الله! من يصلي بنا؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): أكثركم تعلماً للقرآن.

قال سلمه: فلما رجعنا إلي وطننا، رأوني أني أكثرهم تعلماً للقرآن، واحفظهم له، فوقع اختيارهم عليّ وصرت إماماً لصلاة الجماعة، وحتي اليوم.

18 الرسول (ص) يكسر الأصنام

روي جابر بن عبد الله الأنصاري: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) دخل المسجد الحرام يوم فتح مكة وكان يحمل بيده عصا قصيرة، فرأي أصناماً قد نصبت حول الكعبة للعبادة، فكان (صلي الله عليه وآله وسلم) يمر بكل صنم ويضربه بعصاه علي صدره فيقع علي الأرض.

كما أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) رفع علياً (عليه السلام) علي كتفه فكسر باقي الأصنام.

وهجم المسلمون علي تلك الأصنام بالسهام وهشموها، وأخرجوها من المسجد، وكان (صلي الله عليه وآله وسلم) يقرأ هذه الآية: ?وتمت كلمة ربك صدقا وعدلاً لا مبدل لكلماته ?.

وفي رواية كان (صلي الله عليه وآله وسلم) يقرأ: ?وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً?.

19 هكذا كلاب بلخ

يقال: إن إبراهيم بن ادهم قال لشقيق بن إبراهيم حين قدم عليه من خراسان: كيف تركت الفقراء من أصحابك؟

قال: تركتهم إن أعطوا شكروا، وإذا منعوا صبروا، وظن أنه لما وصفهم بترك السؤال فقد أثني عليهم غاية الثناء.

فقال إبراهيم: هكذا تركت كلاب بلخ عندنا.

فقال شقيق: فكيف الفقراء عندك يا أبا إسحاق؟

فقال: الفقراء عندنا إن منعوا شكروا، وإذا أعطوا آثروا.

فقبل رأسه وقال: صدقت يا أستاذ.

20 الإيثار

روي حذيفة بن عدي: أن في غزوة تبوك هلك بعض العسكر من غلبة العطش، وإني أخذت ماء فطلبت ابن عمي فوجدته لم يبق له من العطش إلا نفس، فعرضت عليه الماء.

فقال: أبلغه إلي هشام واسقه.

فدنوت منه وعرضت عليه الماء فأحاله إلي آخر وقال: اسقه.

فلما دنوت من الثالث وجدته قد فارق روحه عطشا، فرجعت إلي هشام لأسقيه فرأيته قد مات عطشاً، فرجعت علي ابن عمي فوجدته مضي من الدنيا عطشا.

21 جواب بهلول

إن البهلول أتي إلي المسجد يوماً وسمع أن رجلاً عالماً يقرر للناس علومه، فقال في جملة كلامه: إن جعفر بن محمد تكلم في مسائل ما يعجبني كلامه، منها:

انه يقول: إن الله سبحانه موجود لكنه لا يري لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهل يكون موجود لا يري؟ ما هذا إلا تناقض.

الثانية: انه قال: إن الشيطان يعذّب في النار، مع أن الشيطان خلق من النار فكيف الشيء يعذب بما خلق منه؟

الثالثة: انه يقول: أفعال العباد مستندة إليهم، مع أن الآيات دالة علي انه تعالي فاعل كل شيء.

فلما سمعه البهلول أخذ مدرة وضرب بها رأسه وشجه، فصار الدم يسيل علي وجهه ولحيته.

فبادر إلي هارون يشكو من البهلول.

فلما احضر البهلول وسئل عن السبب، قال لهارون: إن هذا الرجل غلّط جعفر بن محمد (عليه السلام) في ثلاث مسائل:

الأولي: إن هذا الرجل يزعم أن الأفعال كلها لا فاعل لها إلا الله، فهذه الشجة من الله سبحانه وما تقصيري أنا؟

الثانية: إنه يقول: كل شيء موجود لابد وأن يري، فإذا كان الوجع موجوداً في رأسه فلماذا لا يري.

الثالثة: إنه مخلوق من التراب وهذه المدرة أيضاً من التراب وهو يزعم الجنس لا يتعذب بجنسه فكيف تألم من هذه المدرة؟

فأعجب هارون كلامه! وخلصه من شجة

الرجل.

22 أول طلاق خلع في الإسلام

بينما ثابت بن قيس يسير مع أصحابه، إذ أبصرته زوجته حبيبة بنت سهل من بعيد، فرأته أقبحهم شكلا، وأقصرهم قامة، فكرهت ذلك منه، وجاءت إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وقالت: يا رسول الله! ما أنا وثابت، والله لا يجمعني وإياه فراش واحد، لا أعيبه في دين ولا خلق، وإنما أبصرته من بعيد، يماشي صحبا له، فرأيته أسودهم لوناً، وأقصرهم قامة، فكرهت لنفسي أن أعاشره.

فقال لها النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): أتردّين عليه حديقته؟ أي المهر؟

قالت: أرده وأزيد.

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): أما الزيادة فلا.

فاستدعي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ثابتاً، وفرق بينهما وهو أول طلاق خلع في الإسلام.

23 دينه الدراهم

روي أن معاوية كان قد أعطي سمرة بن جندب من بيت المال مائة ألف درهم علي أن يخطب سمرة في أهل الشام ويشهد كذباً بأن قوله تعالي: ?ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام ? أنها نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وآية: ?ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله? أنها نزلت في ابن ملجم.

فلم يقبل سمرة هذا العرض، فبذل معاوية له مائتي ألف درهم، فرفضها، فبذل له أربعمائة ألف درهم، فقبل، وخطب بها فيهم.

? سمرة بن جندب: هو آخر الثلاثة موتا، وقد قال لهم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (آخركم موتا في النار).

وهو أحد العشرة الذين قال لهم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): أحدكم ضرسه في النار مثل أحد.

وهو الذي عرض عليه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بدل نخلته التي كانت في حائط الأنصاري قيمتها فأبي، ثم نخلة في الجنة بذلها فأبي، ثم من

الثواب ما هو كذا وكذا فأبي، فقال له (صلي الله عليه وآله وسلم): (إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار)، وأمر بقطع نخلته بلا ثمن.

وهو الذي كان يبيع الخمر وقد حرم الله ذلك.

وهو الذي أسرف في القتل بأمر معاوية، وقد أقر معاوية سمرة بعد زياد ستة أشهر ثم عزله، فقال سمرة: لعن الله معاوية، والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية، ما عذبني أبدا. ومات شر ميتة.

24 الحاكم العادل

لما جُعل سلمان الفارسي واليا علي المدائن، ركب حماره وعزم علي السفر إليها لوحده. ولما وصل الخبر لأهل المدائن، هرعوا لاستقباله خارج المدينة، وبعد أن طوي المسافة وهو شيخ كبير وكان يمتطي حمارا له، أصبح وجها لوجه مع مستقبلية من أهل المدائن.

فسألوه: أيها الشيخ! أين وجدت أميرنا؟

قال: من هو أميركم؟

قالوا: سلمان الفارسي من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).

قال: أنا سلمان ولست بأمير. فارتجل الناس إكراما وإجلالاً له، وقدموا له من الخيول الأصيلة لركوبه.

فقال: ركوب هذا الحمار افضل عندي ومناسب لشأني.

ولما وصل المدينة أرادوا أن يأخذوه إلي دار الإمارة،

فقال لهم: أنا لست بأمير حتي اذهب لدار الإمارة، فاستأجر دكانا في السوق، يدير أمور الدين والدنيا منه، وكان ما يملكه من الأثاث: وسادة، وإناء ماء، وعصا.

25 حق العيال

عاد سلمان الفارسي في المدينة يوما أبا الدرداء فعلم ان زوجته علي غير ما عليه النساء …

فسألها: لم هذا؟

فقالت: إن أخاك قد شغلته الآخرة عن الدنيا.

فجلس سلمان حتي جاء أبو الدرداء فرحب به، وجاء له بالطعام، فقال له سلمان: كل أنت أولا.

فقال: أنا صائم، وأقسم عليك إلا ما أكلت.

فقال سلمان: لا آكل إن لم تأكل معي.

فبقي سلمان عند أبي الدرداء تلك الليلة.

فلما صار الليل قام أبو الدرداء للعبادة..

فاعترضه سلمان وقال: إن لله عليك حقا، وإن لبدنك عليك حقا، وإن لأهلك وعيالك عليك حقا، فصم وكل، وصل ونم.

فلما أصبح أبو الدرداء جاء إلي الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) ونقل له ما قاله سلمان، فصدق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كلام سلمان.

? أبو الدرداء: اسمه عويمر بن زيد الأنصاري، صحابي معروف، كان من علماء الصحابة، قيل: توفي قبل مقتل عثمان بسنة، وقال ابن قتيبة: كان أبو الدر

داء حيا إلي حين ما جري بين علي (عليه السلام) ومعاوية.

26 يلعب الشطرنج ويشرب الفقاع

روي الفضل بن شاذان قال: سمعت من الإمام الرضا (عليه السلام) انه قال: لما جيء برأس الحسين (عليه السلام) إلي الشام، أمر يزيد (عليه اللعنة) أن يؤتي بسفرة الطعام، ويوضع الرأس المطهر في وسطها.

وكان هو وأصحابه يأكلون من الطعام ويشربون من ماء الشعير، وبعد أن فرغوا من الطعام، أمر أن يوضع الرأس الشريف في طشت، ويجعل فوق بساط الشطرنج، أمامه.

وكان يزيد يلعب بالشطرنج، ويذكر حسينا وأباه وجده، مستهزءاً بهم، وكلما غلب مسابقه تناول كأسا من ماء الشعير ويشرب ثلاث جرعات، ويترك الباقي في الطشت الذي فيه رأس الحسين (عليه السلام).

فعلي كل من يدعي حبنا وشيعتنا أن يجتبوا الفقاع واللعب بالشطرنج، وعند رؤية ذلك يتذكر الحسين، ويلعن يزيد وأتباعه، حتي يمحو الله بهذه الوسيلة ذنوبه.

27 وعند الاحتضار

كان عبد الملك بن مروان في قصره عند الاحتضار، فأشرف علي نهر بردي، وفي أثناء ذلك وقع بصره علي فقير وهو يغسل ملابس الناس، فقال عبد الملك عند ذلك: ليتني كنت مثل هذا الفقير البائس الذي يكسب رزقه يوما بيوم، ولم أتصد للخلافة، وكان ينشد أشعار أمية بن الصلت:

كل حي وان تطاول دهرا آيل

أمره إلي أن يزولا

ليتني كنت قبل يومي هذا

في رؤوس الجبال أرعي الوعولا

فلما بلغ أبو حازم الزاهد هذا الكلام، قال: شكرا لله، عند الموت يتمنون مقامنا وما نحن عليه، ونحن لم نتمن حالهم أبدا.

? عبد الملك بن مروان: من خلفاء بني أمية المتجبرين، كان قبل ان يتولي الخلافة، يسمي ب (حمامة المسجد) لما كان يتظاهر من الصلاة دائما في المسجد وقراءة القرآن، بويع له في أول شهر رمضان من سنة 65ه، وتوفي يوم السبت 14 شوال سنة 86 ه.

28 موسي (ع) والشيطان

روي أن موسي (عليه السلام) كان جالسا يوما، إذ دخل عليه شيطان وعلي رأسه قناع فلما قرب منه وضع القناع من رأسه احتراما له، وتقدم إليه وسلم عليه. فقال له موسي: من أنت؟

قال: أنا إبليس، جئت لاحترامك، والسلام عليك تقربا إلي الله.

فسأله موسي: ما هذا الذي علي رأسك؟

قال: لأجلب قلوب بني آدم.

فقال موسي: من أي الأعمال التي يقوم بها أولاد آدم تكون أنت أكثر نجاحاً.

قال: اذا كان مغترا بنفسه، وعظم عمله، ونسي ذنوبه. ثم قال: يا موسي! أخوفك من ثلاثة أشياء.

1: أن لا تخلو بامرأة أجنبية، لأنه لا يكون المرأة والرجل الأجنبيان يخلو بعضهما بالآخر، إلا كنت معهما، حتي أوقعهما في الفتنة.

2: وإذا عاهدت الله عهداً ووثقت ميثاقا فأوف بعهدك وميثاقك.

3: وإذا أخرجت صدقة من مالك فعجل بصرفها علي مستحقها، وإلا صرفتك عنها.

29 يحيي (ع) يطلب الموعظة

قال الإمام الصادق (عليه السلام): جاء رجل إلي عيسي (عليه السلام) وقال: يا روح الله! أنا زنيت، فطهرني بحد الله.

فأمر عيسي (عليه السلام) أن يحضر الناس ليطهروه، فلما حضر الناس حفروا حفرة، ووضعوا الرجل المقصر فيها.

فقال عيسي (عليه السلام): كل من في ذمته حد إلهي لا ينبغي أن يحد هذا الشخص، فرجعوا كلهم إلا يحيي وعيسي (عليهما السلام).

فجاء يحيي (عليه السلام) إلي الرجل المقصر، وقال: عظني، قال: لا تترك نفسك لشهواتها فتكون من الهالكين.

فقال له: زدني.

قال: لا تلم من أذنب ذنبا؟

? ولا يخفي أن إجراء حد الزنا له اكثر من أربعين شرطا ذكرناها في الفقه، وحيث يتعذر حصول هذه الشرائط إلا النادر جدا فقد يكون تخويفا أقرب من كونه تطبيقا.

30 من وصايا لقمان

قال لقمان الحكيم لابنه: يا بني كذب من يقول: الشر يقطع بالشر، ألا تري أن النار لا يطفئ بالنار ولكن بالماء، وكذلك الشر لا يطفئ إلا بالخير.

يا بني: إنك من حين سقطت من بطن أمك استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة، وأنت في كل يوم إلي ما استقبلت أقرب منك إلي ما استدبرت، فتزود لدار أنت مستقبلها، وعليك بالتقوي فإنه أربح التجارات، وإذا أحدثت ذنبا فاتبعه بالاستقالة والندم والعزم علي ترك العود لمثله، واجعل الموت نصب عينيك والوقوف بين يدي خالقك، وتمثل شهادة جوارحك عليك بعملك والملائكة الموكلين بك، لتستحي منهم ومن ربك الذي هو مشاهدك.

وعليك بالموعظة، فاعمل بها، فانها عند العاقل أحلي من العسل الشهد، وهي علي السفيه أشق من صعود الدرجة علي الشيخ الكبير.

ولا تسمع الملاهي فإنها تنسيك الآخرة، ولكن أحضر الجنائز وزر القبور وتذكر الموت وما بعده من الأهوال فتأخذ حذرك.

يا بني: من لا يملك لسانه يندم، ومن يكثر المراء يشتم، ومن يداخل السوء

يتهم، ومن يصاحب السوء لا يسلم، ومن يجالس العلماء يغنم.

يا بني: لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة.

يا بني: لا تشمت بالمصائب، ولا تعير المبتلي، ولا تمنع المعروف فإنه ذخيرة لك في الدنيا والآخرة.

يا بني: الظلم ظلمات ويوم القيامة حسرات، وإذا دعتك القدرة علي ظلم من هو دونك فاذكر قدرة الله عليك.

قال الشاعر:

كن غريبا واجعل ال

دنيا سبيلا للعبور

واعدد النفس طوي ال

دهر من أهل القبور

وارفض الدنيا

ولا تركن إلي دار الغرور

وقال الآخر:

أري طالب الدنيا وإن طال عمره

ونال من الدنيا سرورا وانعما

كبان بني بنيانه فأتمه

فلما استوي ما قد بناه تهدما

31 أبو ذر وهدية الخليفة

أرسل عثمان أيام خلافته مع غلامه مائتي دينار إلي أبوذر، وقال له قل له: عثمان يبلغك السلام ويقول: استعن بها علي حاجتك.

فقال أبوذر: فهل أعطي الخليفة سائر المسلمين مثلي: مائتي دينار؟

فقال: لا.

فقال: أنا أحد المسلمين يصيبني ما أصابهم.

فقال الغلام: يقول لك عثمان: إن هذه الدنانير من مالي الخاص، والله لم يخالطها حرام.

فقال أبوذر: لا حاجة لي بها، وأنا مستغن عما في أيدي الناس.

فقال له: عافاك الله! لا نري في منزلك شيئاً؟

قال: في هذا الطبق قرصان من الخبز، يكفياني بعض الأيام، فماذا أفعل بهذه الدنانير.

والله، لا أقبلها أبدا، حتي يشهد الله أني لا أملك شيئاً، وأني لأحوج الناس في ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعترته الطاهرين، سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: (يقبح من الشيخ الكبير أن يكون كاذباً) ارجعوا بها إلي عثمان، وأبلغوه: بأنه لا حاجة لي عنده، ولا أطلب منه شيئاً، حتي ألاقي ربي ويقضي بيني وبين عثمان.

قال: إذا أخذته ففيه عتقي.

قال أبوذر: لكن فيه رقي.

32 حلم الإمام الحسن(ع)

كان الإمام الحسن (عليه السلام) جالسا مع جماعة أمام منزله، فمر عليهم سفيان بن ليلي، وقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين.

فقال (عليه السلام): عليك السلام يا سفيان!

فنزل عن مركبه وترجل، وربط بعيره، وجلس.

فقال: له الإمام (عليه السلام): ما الذي قلت يا سفيان؟.

قال: قلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين.

قال (عليه السلام): ما هذا الكلام الذي جري علي لسانك؟!

قال: فداك أبي وأمي، والله لقد أصبحنا أذلاء يوم صالحت هذا الظالم، وجعلت أمور الناس بيد ابن هند آكلة الأكباد، مع انه لك مائة ألف من الرجال شاهرين سيوفهم، وما يقتلون إلا قبل أن تقتل، ويجمع الله لك أمر الناس.

فقال (عليه السلام): يا سفيان! نحن أهل بيت

متي تبين لنا الحق نعمل به، سمعت من أبي علي (عليه السلام) يقول: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، يقول: لا تنقضي الأيام والليالي حتي يكون أمر هذه الأمة في يد رجل عظيم البطن واسع البلعوم يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه نظر رحمة، ولا يموت حتي لا يرضي به أحد من أهل السماء، ولا يريده أهل الأرض، وهذا هو معاوية، وأنا أعلم أن الله تعالي عمل بإرادته.

33 صالحت كما صالح جدي

روي صاحب كتاب (علل الشرائع) عن أبي سعيد قال: قلت للحسن بن علي (عليهما السلام): يا بن رسول الله! لم سكتّ عن معاوية وصالحته، مع انك الخليفة الحق، وهو ضال مضل وظالم؟

فقال (عليه السلام): يا أبا سعيد! ألم أكن حجة الله، وإمام الناس بعد أبي؟

قلت: بلي، أنت كذلك.

قال (عليه السلام): ألم أكن ممن قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فيّ وفي أخي: الحسن والحسين إماما حق قاما أو قعدا.

قلت: بلي.

فقال (عليه السلام): فأنا إمام قمت أو قعدت.

يا أبا سعيد! علة مصالحتي معاوية هي نفس العلة في تصالح رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مع بني ضمرة، وبني أشجع، وأهل مكة في الحديبية، فهؤلاء كانوا كفارا بنزول القرآن من جانب الله، وهؤلاء كفار بتأويله.

يا أبا سعيد، بما أني إمام، فلا ينبغي أن يسفه رأيي، سواء ما يرجع إلي الصلح، أو ما يرجع إلي الحرب وإن كنت لا تدري ما الحكمة من ذلك.

ألم تر أن الخضر قد ثقب السفينة وقتل الغلام، وهدم الحائط، فتألم موسي واعترض عليه، لأنه لا يدري ما الحكمة من ذلك، ولما بين له الخضر الحكمة من ذلك، رضي موسي منه.

وأنتم تلومونني ولم ترضوا بما هو عندي، لأنك لم تدر

ما الحكمة من ذلك، فإذا لم أصالح معاوية، لم يبق أحد منكم من الشيعة حياً علي وجه الأرض.

أقول: قد ذكرنا في كتاب (الحسن والحسين عليهما السلام إمامان) بعض علة هذه المصالحة المباركة التي مهدت السبيل لقيام الحسين (عليه السلام) وقطع جذور أمثال معاوية إلي الأبد.

34 معاوية في قصره الخضراء

لما وصل الخبر إلي معاوية بقبول الإمام الحسن (عليه السلام) الصلح، كبّر فكبّر أهل الخضراء، ثم كبر أهل المسجد بتكبير الخضراء، فخرجت فاختة بنت قرظة زوجة معاوية من خوخة لها، فقالت: سرك الله يا أمير المؤمنين، ما هذا الذي بلغك، فسررت به؟

قال: مبشر جاء يبشرني بأن الحسن بن علي قد قبل الصلح، وسلّم لي الخلافة، فتذكرت قول رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (إن إبني هذا سيد أهل الجنة، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المؤمنين).

? أقول: هذا الحديث قد يكون موضوعا، وضعه معاوية ونسبه إلي الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم) ليبعد عن نفسه وأتباعه حديث الفئة الباغية الذي وصم به، فحرف عن لسان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كلمة فئتين عظيمتين من المؤمنين، ليجعل نفسه من المؤمنين.!

35 من أجود الناس؟

عن الهيثم بن عدي قال: تنازع ثلاثة في أجود الناس، فقال رجل: اسخي الناس في عصرنا هو عبد الله بن جعفر.

وقال الآخر: عرابة الأوسي.

وقال الثالث: قيس بن سعد بن عبادة.

فقال لهم رجل: ليمض كل واحد منكم إلي صاحبه يسأله، ثم يرجع حتي ننظر ما يعطيه، ونحكم بذلك.

فقام صاحب عبد الله بن جعفر فرآه واضعاً رجله في الركاب يريد ضيعة له فقال صاحبه: يا بن عم النبي ابن سبيل منقطع.

قال: فأخرج رجله من الركاب، وقال ضع رجلك واستو علي الناقة وخذ ما في الحقيبة، وكان فيها مطارف خز وأربعة آلاف دينار.

ومضي صاحب قيس فوجده نائما، فقالت له جاريته: ما حاجتك؟

فقال: ابن سبيل منقطع.

فقالت له الجارية: حاجتك أهون من إيقاظه هذا كيس فيه سبعمائة دينار، وما في دار قيس اليوم غيره، وامض إلي معاطن الإبل بعلامة كذا إلي من فيها، فخذ راحلة من

رواحله وما يصلحها، وعبدا وامض لشأنك.

ومضي صاحب عرابة فوجده كفي بصره وقد خرج من منزله يريد الصلاة ومعه عبدان يقودانه.

فقال: يا عرابة ابن سبيل منقطع.

فصفق بيده اليمني علي اليسري، وقال: آه آه. فقال: والله ما تركت لي الحقوق مالا ولكن خذ هذين العبدين.

فقال الرجل: والله ما كنت الذي أقص جناحيك، فقال: إن أخذتهما وإلا فهما حران، فإن شئت فخذ وإن شئت فاعتق،ثم ولي يخبط الحائط، فأخذ الرجل العبدين ومضي.

فلما رجعوا وذكروا القصة حكموا لابن جعفر لأنه أعطي أكثر من كلهم.

36 من وصايا رسول الله (ص)

قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): ستة أشياء حسن ولكنها من ستة أحسن: العدل حسن وهو من الأمراء أحسن، والصبر حسن وهو من الفقراء أحسن، والورع حسن وهو من العلماء أحسن، والسخاء حسن وهو من الأغنياء أحسن، والتوبة حسنة وهي من الشاب أحسن، والحياء حسن وهو من النساء أحسن، وأمير لا عدل له كغمام لا غيث له، وفقير لا صبر له كمصباح لا ضوء له، وعالم لا ورع له كشجرة لا ثمرة لها، وغني لا سخاء له كمكان لا نبت له، وشاب لا توبة له كنهر لا ماء له، وامرأة لا حياء لها كطعام لا ملح له.

وعنه (صلي الله عليه وآله وسلم) إنه قال: خلق الله تعالي ملكا تحت العرش يسبحه بجميع اللغات المختلفة فإذا كان ليلة الجمعة أمره أن ينزل من السماء إلي الدنيا ويطلع إلي أهل الأرض ويقول: يا أبناء العشرين لا تغرنكم الدنيا، ويا أبناء الثلاثين اسعوا وعوا، ويا أبناء الأربعين جدوا واجتهدوا، ويا أبناء الخمسين لا عذر لكم، ويا أبناء الستين ماذا قدمتم في دنياكم لآخرتكم؟ ويا أبناء السبعين زرع قد دنا حصاده، ويا أبناء الثمانين أطيعوا الله في

أرضه، ويا أبناء التسعين آن لكم الرحيل فتزودوا، ويا أبناء المائة أتتكم الساعة وأنتم لا تشعرون، ثم يقول: لولا مشايخ ركّع وفتيان خشّع وصبيان رضّع لصبّ عليكم العذاب صباً.

37 فرقوا بينهما

أمر معاوية بإحضار عبادة بن الصامت، فلما دخل عبادة عليه جلس بينه وبين عمرو بن العاص، فحمد معاوية الله وأثني عليه، وذكر بعض فضائل عبادة وعثمان، وأخذ يرغب عبادة في الطلب بدم عثمان، ويدعوه إليه.

فقال عبادة: سمعت كلامك، وهل علمت لم جلست بينك وبين عمرو؟

فقال معاوية: نعم، لما لك من الفضل والشرف والسابقة.

قال عبادة: لا والله، ليس لهذا، ولكن عندما ذهبت إلي غزوة تبوك، قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لنا يوما، وقد رآك وعمرو تمشيان علي مهل وتتحدثان، فالتفت (صلي الله عليه وآله وسلم) إلينا، وقال: إذا رأيتموها قد اجتمعا ففرقوا بينهما، فإنهما لا يجتمعان علي خير أبدا وأنا قد نهيت عن اجتماعكما.

? عبادة بن الصامت: صحابي أنصاري، حضر العقبة الأولي والثانية، وشارك في جميع غزوات النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، أرسله عمر مع معاذ بن جبل وأبو الدرداء لتعليم أهل الشام، توفي سنة 34 ه، وقيل 45 ه.

38 بايع رٍجلي

لما دخل الحجاج بن يوسف مكة ليقضي علي عبد الله بن الزبير، جاءه عبد الله بن عمر ليلا، وقال: أعطني يدك لأبايع لعبد الملك، لأني سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) فمد الحجاج رجله إليه، وقال له: بايع، لآن يدي مشغولة عنك الآن.

فقال عبد الله أتستهزئ بي؟! فأجابه الحجاج: يا أحمق بني عدي! ألم يكن علي بن أبي طالب إمام زمانك؟ لماذا لم تبايعه، وقد جئت اليوم بحديث (من مات ولم يعرف إمام زمانه…) والله، ما جئتني لهذا الحديث، وإنما جاء بك الخشبة التي فوقها عبد الله بن الزبير.

أقول: يقال: انه ندم عبد الله بن عمر علي التخلف عن قتال

معاوية وأصحابه، وروي: أنه قال حين حضرته الوفاة: ما أجدني آسي علي شيء فاتني من الدنيا إلا أني لم أقاتل مع علي بن أبي طالب الفئة الباغية، كما أمرني الله.

39 أبو أيوب الأنصاري

روي إبراهيم بن علقمة والأسود قالا: جئنا أبا أيوب الأنصاري وقلنا له: يا أبا أيوب قد أكرمك الله بصحبة نبيه (صلي الله عليه وآله وسلم) وبنزوله عليك، فما لنا نراك قد خرجت مع علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وتستقبل الناس تقاتلهم هؤلاء مرة وهؤلاء أخري؟

فقال: والله، إني لفي هذا المنزل، الذي جلس فيه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) عن يمينه، وأنا علي يساره، وكان أنس بن مالك واقفاً أمامه (صلي الله عليه وآله وسلم) فسمعنا صوت حلقة الباب، فقال الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) لأنس: من علي الباب؟

فذهب أنس وأخبر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بأن الطارق هو عمار بن ياسر.

فقال (صلي الله عليه وآله وسلم) لأنس: افتح الباب لعمار ليدخل.

فلما دخل عمار وسلم وجلس، قال له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): سيكون بعدي اختلاف أمتي: يتضاربون بينهم بالسيف، ويتقاتلون، فعند ذلك ألزم جانب هذا الجالس عن يميني يعني علي ابن أبي طالب (عليه السلام) فإذا سلك الناس واديا، وسلك هذا وادياً، فالزم وادي علي، يا عمار، إن عليا لا يخرجك عن هداية، ولا يدخلك في ضلالة، يا عمار: طاعة علي طاعتي، وطاعتي طاعة الله.

? أبو أيوب الأنصاري: اسمه خالد بن يزيد، دخل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) منزله يوم الهجرة، شارك في غزوات النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، ودافع عن حق أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة الرسول الأكرم (صلي الله

عليه وآله وسلم)، وحضر حروب علي (عليه السلام)، وفي سنة 51 ه كان في العسكر الذي عزم علي غزو القسطنطينية وشارك فيه، وتوفي أثناء السفر، ودفن جنب حصار القسطنطينية.

وفي الحديث ان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال في حق عمار: (إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق)، وهكذا عرف به الصحابي الكبير حذيفة بن اليمان، حيث سئل عن الفتن وانشقاق الأمة فرقاً، فقال: انظروا الفئة التي فيها ابن سمية عمار فاتبعوه، فإنه يدور مع كتاب الله حيث دار، إنها معجزة النبوة… فقد علم (صلي الله عليه وآله وسلم) أن عمارا سيكون قطبا من الأقطاب التي يدور عليها اختلاف الناس، فسوف يكون له أعداء يحاربونه بأكثر من سلاح، منها: أنهم سيتهمونه في عقيدته، ويزعمون أنه قد تأثر بشياطين الإنس فأغوته، ومالت به عن الرشاد، وسيصفونه بإثارة الفرقة والفتنة في هذه الأمة… وسيقاتلونه فيقتلونه.

فرد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي الأول بإبلاغ أصحابه: أن عمارا قد أجاره الله من الشيطان!! فمن اتهم عمارا بشيء من ذلك فكذبوه، واعلموا انه مفتر..

ورد علي الثاني فقال: (إذا اختلف الناس، كان ابن سمية مع الحق، يدور مع كتاب الله حيث دار) فإذا رأيتم فئة تخالف عمارا، فاعلموا أنّ تلك هي فئة الباطل والضلال! وإذا دعاهم عمار إلي شيء فردوه وكذبوه فإنما يدعوهم إلي الحق، ويدعون هم إلي الباطل.

وتعجب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من أمر الناس مع عمار، فقال: مالهم ولعمار؟! يدعوهم إلي الجنة، ويدعونه إلي النار.

ورد علي الثالث، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (تقتله الفئة الباغية) وقال (صلي الله عليه وآله وسلم) (من يعاد عمارا يعاده الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله).

40 أنا علي الحق

روي حبة العرني

قال: كنت عند عمار حين استشهد، فصاح: إن هذا اليوم هو آخر أيامي من الدنيا.

فجيء إليه بشراب من لبن..

فقال: اليوم ألقي الأحبة محمدا وحزبه، والله لو ضربونا حتي بلغنا سعفات (هجر) لعلمنا أننا علي الحق، وهم معاوية وأتباعه علي الباطل، ثم استشهد عن عمر ناهز ال 94 عاما.

41 أنت أبو تراب

قال عمار بن ياسر: في غزوة (ذو العشيرة) كنت مصاحبا لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ورفيقا له.

فقال لي: انطلق معي إلي بني مدلج فإنهم يحفرون عينا لهم في البستان، ولننظر إليهم، فذهبت معه لننظر إليهم.

وكان قد غلب علينا النوم عند حفر العين في البستان، فنمنا علي التراب، فما استيقظنا، إلا وقد حركنا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) برجله.

وفي هذا اليوم قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): لعلي: (ابو تراب) لأنه تمرّغ بالتراب، ثم قال(صلي الله عليه وآله وسلم): ألا أخبركم عن أشقي الناس؟ قلنا: بلي يا رسول الله، قال(صلي الله عليه وآله وسلم): أشقي الناس رجل أخمر اللون من قوم ثمود يقتل الناقة، ورجل يضرب هذا، وأشار بيده علي رأس علي (عليه السلام)، حتي تخضب هذه، ووضع يده علي لحية علي (عليه السلام).

42 قزمان من أهل النار

روي الإمام الباقر (عليه السلام) قال: قيل لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في معركة أحد: إن رجلا من الأصحاب، يدعي (قزمان) يعاون إخوانه في الدين ويساعدهم.

فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): إنه من أهل النار.

وبعد مدة جاءوا إلي الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وقالوا له: إن قزمان قد استشهد، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): يفعل الله ما يشاء.

وبعد ساعة جاءوا إلي الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وقالوا له: إن قزمان قد قتل نفسه.

فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): أشهد أني رسول الله.

? وتتخلص القصة بما يلي: إن قزمان قاتل بشهامة، وقتل ستا أو سبعا، وأصيب بجراحات عديدة، فأخذ إلي منزل بني ظفر، فقال المسلمون: بشراك يا قزمان! لقد جئت اليوم عملا عظيما! فقال لهم: بماذا تبشروني؟ والله، ما قاتلت إلا علي الأحساب

والأنساب، ولولا ذلك لما قاتلت، ولما كان يتألم من جراحاته أخرج منها سهما وقتل به نفسه.

43 قتل مروان الحمار

روي أنه لما خرج السفاح في الكوفة، وبايعه الناس، جهز عسكراً لمقاتلة مروان الحمار آخر خلفاء بني أمية .

ففر مروان إلي قرية (أبي صبرة) فدخل كنسية وأخفي نفسه فيها، ثم إنه لم تمر أيام علي اختفائه حتي علم ان غلامه قد دل عليه وأخبر أعداءه بمكان اختفائه.

فأمر بقطع رأس الغلام وقلع لسانه، وجيء باللسان فوضع أمامه، وفي هذه الأثناء جاءت هرة فأكلت لسان الغلام.

وبعد ذلك جاء عسكر السفاح يقودهم عامر بن إسماعيل فحاصر الكنيسة، فخرج مروان من الكنيسة وبيده سيفه وقاتل حتي قتل.

فأمر عامر بقطع رأسه وقلع لسانه، ووضع اللسان أمامه، فجاءت الهرة التي أكلت لسان الغلام لتأكل لسان مروان.

فقال عامر: لو لم يكن في الدنيا شيء عجيب إلا هذا لكفي: لسان مروان الخليفة الأموي في فم هرة!!

ثم دخل عامر الكنيسة، وجلس علي فرش مروان علي المائدة، لأن مروان أثناء هجوم عامر كان علي مائدة الطعام مشغولا بتناول طعام العشاء، فلما سمع صوت العدو خرج إليه وقتل، وبعد أن تناول عامر طعام العشاء، أحضر ابنة مروان لمنادمتها ليلا.

فقالت ابنة مروان: يا عامر! إن الدهر الذي أطاح بمروان وجاء بك مكانه، فأكلت من طعامه، وانتفعت بنوره، ليعظك موعظة كاملة، ويوقظك من نومك.

فخجل عامر من كلامها، وخلي سبيلها.

? قتل مروان سنة 133 ه وحيث سمع أبو مسلم الخراساني من امتناع عامر عن مباشرة ابنة مروان زجره باعتبار أنها أمة وهي مباحة لمن ظفر بها، فأمر عامرا أن يصوم أياماً كفارة لتركه ابنة مروان.

44 من قضي لأخيه حاجة

قال ابن عباس: كنت مع الحسن بن علي (عليه السلام) في المسجد الحرام وهو معتكف وهو يطوف حول الكعبة، فعرض له رجل من شيعته وقال: يا بن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم):

إن عليّ دينا لفلان، فإن رأيت أن تقضيه عني.

فقال (عليه السلام): ورب هذا البيت ما أصبح عندي شيء.

فقال: إن رأيت أن تستمهله عني، فقد هددني بالحبس.

فقال ابن عباس: فقطع الإمام الطواف وسعي معه.

فقلت: يا بن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): ألست إنك معتكف؟.

فقال: بلي، ولكن سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: (من قضي لأخيه المؤمن حاجة كان كمن عبد الله تعالي تسعة آلاف سنة صائماً نهاره وقائما ليله).

45 علي(ع) وعلم الحساب

دخل يهودي علي علي (عليه السلام): فقال: أخبرني عن عدد يكون له نصف وثلث وربع وخمس وسدس وسبع وثمن وتسع وعُشر ولم يكن فيه كسر؟

فقال له علي (عليه السلام): ان أخبرتك تسلم؟.

قال: نعم.

فقال(عليه السلام): اضرب أيام أسبوعك في أيام سنتك.

فكان كما قال، فلما تحقق اليهودي من المسألة وصحتها ولم يكن فيه كسر أسلم.

والحاصل من الضرب: ألفان وخمسمائة وعشرون.

46 التعامل مع الظلمة

عن صفوان بن مهران الجمال قال: دخلت علي أبي الحسن الأول (عليه السلام): فقال لي يا صفوان: كل شيء منك حسن جميل ماخلا شيئاً واحداً.

قلت: أي شيء جعلت فداك؟

قال (عليه السلام): اكراؤك جمالك من هذا الرجل يعني هارون العباسي .

قلت: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو، ولكن أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكة ولا أتولاه بنفسي ولكن أبعث معه غلماني.

فقال لي: يا صفوان، أيقع كراؤك عليهم؟

قلت: نعم جعلت فداك.

فقال لي: أتحب بقائهم حتي يخرج كراءك؟

قلت: نعم.

قال: فمن أحب بقائهم فهو منهم، ومن كان منهم ورد النار.

قال صفوان: فذهبت وبعت جمالي عن آخرها، فبلغ ذلك إلي هارون فدعاني، وقال لي: يا صفوان، بلغني أنك بعت جمالك.

قلت: نعم.

فقال: ولم؟

قلت: أنا شيخ كبير وإن الغلمان لا يفون بالأعمال.

فقال: هيهات هيهات، إني لأعلم من أشار عليك بهذا، موسي بن جعفر.

قلت: مالي ولموسي بن جعفر.

فقال: دع هذا عنك، فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك.

47 الحث علي العمل

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أظن أن علي بن الحسين يدع خلقا أفضل منه، حتي رأيت ابنه محمد بن علي فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له أصحابه بأي شيء وعظك؟

فقال: خرجت إلي بعض نواحي المدينة في ساعة حارة، فلقاني أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) وكان رجلاً بادناً ثقيلاً وهو متكئ علي غلامين أسودين، فقلت في نفسي: سبحان الله! شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة علي مثل هذه الحالة في طلب الدنيا؟ أما أني لأعظنه، فدنوت منه، فسلمت عليه، فرد علي وهو يتصاب عرقا، فقلت: اصلحك الله! شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة علي هذا الحال في طلب الدنيا! أرايت

لو جاء أجلك وأنت علي هذا الحال؟!.

فقال: لو جاءني الموت وأنا علي هذا الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله عزوجل، أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس، وإنما كنت أخاف لو أن جاءني الموت وأنا علي معصية من معاصي الله.

فقلت: صدقت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني.

48 الزرقاء ومعاوية

كان معاوية جالسا في إحدي الليالي مع عمرو بن العاص، وسعيد، وعتبة، فتذاكروا الزرقاء بنت عدي بن غالب مع قومها، وحضورهم في معركة صفين.

فقال معاوية: من يتذكر منكم كلامها؟

فقال بعضهم: أنا أتذكر ذلك.

فقال له معاوية: قل لي: ما الذي أفعله معها؟

قال: أقتلها.

قال معاوية: بئس ما أشرت به علي، تريد مني أن أقتلها، حتي يقول الناس، إن معاوية بعد انتصاره قد قتل امرأة؟!

فكتب معاوية إلي عامله في الكوفة: ابعث لي بالزرقاء بصحبة محارمها، واعرف لها قدرها ومكانتها.

فلما وصلت الزرقاء إلي الشام، دخلت علي معاوية، فرحب بها، وأكرم مجيئها، وعظم مقامها، واخذ يسألها، فقال: كيف كان سفرك.؟

قالت الزرقاء،: بخير، مثل بيتي، وكأنني طفل في المهد.

فقال معاوية: أنا الذي أمرت بهذا.

ثم قال لها: أتدرين لم أحضرتك؟

قالت: ومن أين لي العلم به؟

فقال معاوية: ألم تكوني في صفين راكبة الجمل ذو الشعر الأحمر، وقد وقفت بين الصفين، وتحركين الناس علي، وأنك أشعلت نار الحرب؟

لماذا فعلت ذلك؟

فقالت الزرقاء: مات قائدنا علي (عليه السلام) وذهب طاهراً مطهرا، ولم يرجع أبدا، والدهر دائما في تغيير وتبديل.

فقال معاوية: أتتذكرين ما قلتيه في صفين؟

قالت: لا، والله لقد نسيته.

فقال معاوية: ولكني أتذكر ما قلتيه، وهو: أيها الناس! راعوا الحق واتبعوه، لأن الفتنة قد أحيطت بكم، لتخرجكم عن الطريق السوي، فتنة عمياء صماء خرساء، تدعوكم إليها وتصم مسامعكم، ولم تطع قائدها، فلا ضياء للفانوس في مقابل الشمس، ولا

نور للنجوم مع وجود القمر، ولا يأخذ الحديد غير الحديد، وكل من يريد الدليل فسوف ندله، وكل من يسألنا شيئاً نجيبه.

أيها الناس! هذا هو اليوم الذي تطلبون فيه حقكم الضائع، يا معشر المهاجرين والأنصار! اصبروا علي الغصص، حتي تبدل الفرقة بالاجتماع، ويلتئم الكلام العدل، ويزهق الحق الباطل، واعلموا أن خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدم، اليوم له غد وعاقبة الصبر أفضل من كل شيء.

ثم قال لها معاوية: والله، يا زرقاء! أنت شريكة علي (عليه السلام) في هدر هذه الدماء التي أراقها.

فقالت الزرقاء: سلمك الله علي ما بشرتني به، ومن مثلك يكون يبشر بالخير، ويفرح جليسه.

فقال معاوية: أيكون سرورك وفرحك بأن تكوني شريكة مع علي بإراقة الدماء!!

قالت: والله، ما سرني مثل هذا الخبر.

فقال معاوية: إن وفاءك لعلي بعد وفاته لأعجب من وفائك إياه في حياته، اذكري حاجتك.

قالت: إني أقسمت علي نفسي أن لا آخذ شيئا من أحد، كنت قد حرضت عليه، ولكن من هو في مثل مقامك، ينبغي له الإعطاء دون السؤال.

أقول: أمثال هذه الأعمال من معاوية كانت لأجل إمالة القلوب إلي نفسه، لكنه لم يتمكن كما هو مذكور في التواريخ.

49 الآن صرت أمير المؤمنين!

دخلت عكرشة بنت الأطرش بن رواحة علي معاوية، وكانت قد بلغ الكبر منها وبيدها العصا، فسلمت عليه بإمرة المؤمنين.

فقال لها معاوية: الآن صرت أمير المؤمنين عندك يا عكرشة؟!

قالت: نعم لأن عليا (عليه السلام) لم يكن علي قيد الحياة.

فقال معاوية: ألست الحاملة السيف يوم صفين، والواقعة بين الصفين، وتقولين:

أيها الناس!.

انظروا أنفسكم، فإن كنتم علي هدي فلن يضركم إضلال الآخرين، فإنهم لن يخرجوكم من الجنة، التي لا موت فيها ولا شيخوخة، فلا تقاس نعمة الجنة بهذه الدنيا، فاشتروا الجنة التي لا هم منها ولا نصب، فكونوا علي

بصيرة من دينكم، واصبروا حتي تنالوا حقكم، وثبتوا أقدامكم، وتعاونوا فيما بينكم حتي يأتيكم النصر.

إن معاوية قد جمع لكم هؤلاء الأعراب، غلف القلوب، من الجهال، لا يدركون الإيمان، ولم يطلعوا علي العلم والحكمة، فدعاهم إلي الدنيا بالباطل، فكبروا له.

عباد الله! خافوا الله، ودافعوا عن دينكم، إن معاوية وأشياعه يريدون ضعضعة الدين، وإطفاء نور الحق، هذه بدر الصغري، وعقبة الأخري.

يا معشر المهاجرين والأنصار! كونوا علي بصيرة من أمركم، وصمموا علي عزمكم، فستلتقون منع أهل الشام غدا، وهم يخافون سيوفكم، كأنهم حمار يصيح من دبره، وكبعير يطرح بعروره.

ستقولون: نراك بهذه العصا، وأنت في وسط عسكرين، وهذه عكرشة بنت الأطرش بن رواحة، تريد هلاك عسكر أهل الشام، فلو لم تكن مشيئة الله، فما هذا العمل منك؟

قالت: يقول الله تعالي: ?يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤ كم ?.

فقال معاوية: صدقت، ما حاجتك؟

قالت: إن الصدقات التي كانت تؤخذ منا، كانت تعطي لمحتاجينا، أما الآن فقد تغير الأمر عما كان عليه قبل، فالصدقات لا توزع علي محتاجينا، فإن كان هذا العلم بأمرك وبإشارة منك، فلابد من أحد أن ينبهك علي هذه الغفلة، وأن تتوب منها، ولو لم يكن هذا العمل علي علم من عندك، ويقوم به أحد دون إذنك، فلابد من تنبيهك علي ذلك حتي لا يتولي هذا الأمر من العمال الخائنين والظلمة.

فقال معاوية: قد يحدث لنا من الخلل في أمور الرعية، ونحن حد الإمكان نتغلب علي هذه الحالات ونجبر ما حدث.

فقالت: سبحان الله! إن الله لم يقرر لنا حقا يضر بالآخرين، وهو علام الغيوب.

فقال معاوية: هيهات، يا أهل العراق! إن علياً قد علمكم هذا، إنكم لا تتحملون الضيم، ثم أمر بأن تصرف الصدقات فيهم.

?

هذا كله من آثار العلم، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (تعلموا العلم، فإن تعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، وسالك بطالبه سبيل الجنة، وهو أنيس في الوحشة وصاحب في الوحدة، دليل علي السراء والضراء، وسلاح علي الأعداء، وزين للأخلاء، يرفع الله تعالي به أقواما يجعلهم في الخير أئمة يقتدي بهم، ترمق أعمالهم، وتقتبس آثارهم، وترغب الملائكة في خلتهم، ويمسحونهم في صلاتهم بأجنحتهم، ويستغفر لهم كل شيء حتي حيتان البحور وهوامها، وسباع البر وأنعامها، لأن العلم حياة القلوب ونور الأبصار من العمي، وقوة الأبدان من الضعف، ينزل الله تعالي حامله منازل الأخيار، ويمنحه مجالس الأبرار في الدنيا والآخرة، وبالعلم يطاع الله تعالي ويعبد، وبالعلم يعرف الله ويؤخذ، وبالعلم توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال والحرام، والعلم إمام العمل، والعمل تابعه، يلهمه الله السعداء، ويحرمه الأشقياء).

? أقول: الحلال ينفع الدنيا والحرام يضر الدنيا، وكلاهما قبل الآخرة، فليس الأمر كما يتوهم بعض الناس من أن ذينك من شؤون الآخرة فقط.

50 معاوية بعد مقتل أمير المؤمنين (ع)

عن ضرار بن ضمرة قال دخلت علي معاوية بعد قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لي صف لي عليا.

فقلت: اعفني.

فقال: لابد أن تصفه.

فقلت: أما إذ لابد: فإنه كان والله بعيد المدي، شديد القوي، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، غزير العبرة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظّم

أهل الدين، ويقرّب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، واشهد الله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخي الليل سدوله وغارت نجومه قابضا علي لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول: (يا دنيا غري غيري أبي تعرضت أم إليّ تشوقت؟ هيهات هيهات: قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير وخطرك يسير وعيشك حقير، آه آه من قلة الزاد وبُعد السفر ووحشة الطريق).

فبكي معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك، ثم قال: فكيف حزنك عليه يا ضرار؟.

فقلت: حزن من ذبح ولدها في حجرها، فلا ترقي عبرتها ولا يسكن حزنها.

فالتفت معاوية إلي أصحابه، وقال: لو فارقتموني من كان منكم يثني عليّ كما أثني هذا الرجل علي صاحبه؟

فقال: بعضهم: الصاحب علي قدر صاحبه.

? وبالتفكر يتبين الحق من الباطل والرشد من الغي، ففي الحديث عن الأئمة (عليهم السلام): (تفكر ساعة خير من عبادة سنة).

وفي حديث آخر: (تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة).

51 كيف رأيت علياً

لما حج معاوية سأل عن امرأة كانت تسكن الحجون وكانت سوداء اللون سمينة، تدعي (دارمية الحجونية)، فأخبروه بأنها لا تزال حية علي قيد الحياة، فأمر بإحضارها، فلما جيء بها إليه، سألها عن حالها، فقال لها: كيف حالك يا بنت حام؟

فقالت: لم يكن نسبي من حام، بل أنا امرأة من كنانة.

فقال لها: ألم تعلمي لم أحضرتك؟

قالت: لا يعلم الغيب إلا الله.

فقال لها معاوية: أحضرتك لأري العلة في حبك لعلي، وإظهار العداوة لي.

فقالت له: أري أن تعفيني عن هذا السؤال.

فقال لها: لا أعفيك عنه.

فقالت الدارمية: أحببت عليا (عليه السلام) لأنه كان يعدل في الرعية، ويقسم بيت المال بالسوية، وعاديتك لأنك حاربت من هو أولي منك بالخلافة، وطالبت بحق ليس

لك.

واليت عليا (عليه السلام) لأن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد ولاه، وكان يحب الفقراء، ويجل أهل الدين، وما عاديتك إلا لأنك أرقت الدماء بغير حق، وجرت في قضائك، وحكمت بالهوي والعاطفة.

فقال معاوية: لهذا انتفخت بطنك، وكبرت ثدييك، وارتفعت فخذيك.

فقالت: يا معاوية! ما قلت في هذه هي لأمك مشهورة ومضرب المثل لا لي.

فقال معاوية: لا يؤلمك هذا، فإني لم أقصد به سوءا، فلو كبرت بطن المرأة سيكون ولدها قويا وكاملا، ولو كبرت ثديها فستدر حليباً يشبع منه طفلها، ولو كان فخذيها مملوءا باللحم، فسيكون لجلوسها وقاراً وحشمة.

ثم قال لها معاوية: هل رأيت علياً؟

قالت: نعم.

قال: كيف رأيتيه؟

قالت: يفر من الرئاسة والسلطنة التي تسعي إليها أنت، إن النعمة التي أشغلتك لم تشغل عليا.

قال معاوية: فهل سمعت كلامه؟

قالت: نعم.

وكان (عليه السلام) يطعم الناس لذيذا، ويكتفي لنفسه ما بقي من زيت الزيتون المخلوط بزنجار الطشت.

فقال لها: صدقت، لو كانت لك حاجة عندي اذكريها.

فقالت: تفعل إذا طلبت ذلك؟

قال: نعم.

فقالت الدارمية: أريد مائة بعير ذوات الشعر الأحمر.

فقال لها: لماذا مائة بعير، لمن تريديها؟

قالت: سبحان الله! لعلك تريد أقلّ من ذلك.

فقال معاوية: لو كان علي حياً لما أعطاك شيئاً من هذا.

فقالت: لا، وحتي شعرة من مال المسلمين لم يعطنيها.

52 أروي بنت عبد المطلب

دخلت أروي بنت عبد المطلب، وكانت امرأة طاعنة في السن، يوما علي معاوية، فلما رآها معاوية قال: مرحبا بك يا عمة! كيف حالك بعدنا؟

قالت: يابن أخي! كفرت بالنعمة، وجاريت ابن عمك، وسميت بغير اسمك أمير المؤمنين وأخذت غير حقك، دون أن يكون لك ولآبائك عملا يذكر، ولم يكن لكم سابقة في الإسلام، وبعد هذا فقد كفرت برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فأهدر الله دماءكم، وذلل وجوهكم، فارجع الحق إلي

أهله، وإن كان ذلك لا يرضي المشركين، فكلمتنا هي العليا، ونبينا (صلي الله عليه وآله وسلم) هو الغالب.

تآمرت علينا بعد نبيك (صلي الله عليه وآله وسلم)، واحتجت علي الناس بقرابتك من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، مع أناّ أقرب إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأمس به رحماً والأنسب لخلافة المسلمين، ونحن بينكم كبني إسرائيل عند الفراعنة، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بمنزلة هارون من موسي، وآخر مقامنا هو الجنة، وآخر منزل تنزلونه هو النار.

فقال عمرو بن العاص: اسكتي أيتها العجوز الضالة! إنه لا عقل لك، ولم نقبل شهادتك.

فقالت له: أنت الذي تتكلم يا بن النابعة؟ وأمك المشهورة بالزنا يعرفها أهل مكة، وكانت تتقاضي أجرا كبيرا، تخاصم فيك خمسة وكل منهم يدعي أبوتك، فقالت أمك: زنوا بي خمستهم، وسألحقه بمن هو أكثر به شبهاً، ولما أشبهت العاص بن وائل ألحقتك أمك به.

فقال مروان: اسكتي أيتها العجوز! واذكري حاجتك؟

فقالت له: يا بن الغمازة! أنت الذي تكلمني؟.

ثم التفتت إلي معاوية وقالت: أنت الذي جرأتهم بالكلام، إن أمك هند كانت تقول عند قتل حمزة:

نحن جزيناكم بيوم بدر

والحرب بعد الحرب ذات سعر

ما كان لي من عتبة من صبر

وشكر وحشي علي دهري

فقالت ابنة عمي في جوابها:

خزيت في بدر وغير بدر

يا بنت جبار عظيم الكفر

فقال معاوية: لقد عفا الله عّما سلف، اذكري حاجتك يا عمة!.

قالت: لا حاجة لي عندك.

53 سؤال قيصر

كتب قيصر الروم إلي معاوية كتابا، يطلب فيه:

أن يخبره عن شيء لا قبلة له، ومن لا أب له، ومن لا قوم وعشيرة له، ومن يسير ويتحرك في مجلسه، وعن ثلاثة أشياء لم تخلق من رحم الأم، وعن الشيء، ونصف

الشيء، وعن اللاشي، وابعث لي مع هذه الزجاجة أصل كل شيء.

فبعث معاوية بالكتاب والزجاجة إلي عبد الله بن عباس.

فقال ابن عباس: الشيء الذي لا قبلة له فهي الكعبة.

والذي لا أب له هو عيسي (عليه السلام).

والذي لا قوم له ولا عشيرة هو آدم (عليه السلام).

والذي يسير في مجلسه ويتحرك هو يونس (عليه السلام).

وأما الأشياء الثلاثة التي لم تخلقهن رحم أم، فهي: كبش إبراهيم، وناقة صالح، وعصا موسي.

والشيء: هو الرجل الذي يعقل ويدرك، ويعمل بعقله وإدراكه.

ونصف الشيء: هو الرجل الذي لا عقل له ولم يدرك، ولكنه يعمل بعقل الآخرين ومشورتهم.

واللاشيء: هو الرجل الذي لا عقل له ولا إدارك، ولم يعمل بعقل الآخرين وإداركهم.

وملأ الزجاجة من الماء، وقال: هذا أصل كل شيء.

فبعث ابن عباس بالمكتوب والزجاجة إلي معاوية، وأرسلها معاوية بدوره إلي قيصر الروم.

فلما قرأ قيصر الرسالة، واطلع علي الأجوبة، قال هذا من بيت النبوة.

54 كرهت أن أقتله وهو يصلي

كان علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) رجل يعجب الأصحاب تعبده واجتهاده، وقد ذكر ذلك لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) باسمه فلم يعرفه أي حسب الظاهر فوصفوه بصفته، فلم يعرفه، فبينما هم يذكرونه، إذ طلع الرجل،فقالوا: هو هذا.

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): إنكم لتخبروني عن رجل في وجهه لسفعة من الشيطان.

فأقبل حتي وقف عليهم ولم يسلم.

فقال له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أنشدك الله هل قلت حين وقفت علي المجلس: ما في القوم أحد أفضل مني أو خير مني.

قال: اللهم! نعم، ثم دخل يصلي.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): من يقتل الرجل؟

فقال أبوبكر: أنا، فدخل عليه فوجده يصلي، فقال: سبحانه الله، أقتل رجلا يصلي، فخرج.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): ما

فعلت؟

قال: كرهت أن أقتله وهو يصلي.

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): من يقتل الرجل؟

قال عمر: أنا، فدخل فوجده واضعاً جبهته، فقال عمر: وجدته واضعا جبهته، وأبوبكر أفضل مني، فخرج.

فقال له النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): ماذا؟

قال: وجدته واضعا جبهته لله، فكرهت أن أقتله.

فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): من يقتل الرجل؟

فقال علي (عليه السلام): أنا.

فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): أنت إن أدركته.

فدخل عليه، فوجده قد خرج، فرجع إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).

فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): ماذا؟

قال (عليه السلام): وجدته قد خرج.

فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): لو قتل ما اختلف من أمتي رجلان، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم يعودون فيه حتي يعود السهم في فوهته، فاقتلوهم، هم شر البرية، إن هذا لأول قرن يطلع في أمتي، إن بني إسرائيل افترقت اثنين وسبعين فرقة، وإن هذه الأمة ستفرق ثلاثا وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة.

وروي في التاريخ: أن هذا الرجل كان يقال له: ذو الخويصرة، وهو الذي أوجد فرقة الخوارج في خلافة علي (عليه السلام)، وأخيرا قتل بيد علي (عليه السلام).

? أقول: (ما اختلف) في قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) أي بالنسبة، فإن الكلام إلا ما خرج نسبي كما لا يخفي علي البلغاء.

55 من كلمات الرسول (ص)

قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم):

(إن أقرب الناس إلي الله تعالي يوم القيامة من طال جوعه وعطشه وحزنه في الدنيا، فهم الأتقياء الأنقياء الأخفياء، الذين إذا شهدوا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفقدوا، تعرفهم بقاع الأرض، وتحف بهم ملائكة السماء، تنعّم الناس بالدنيا وتنعموا بذكر الله، افترش الناس الفرش وافترشوا هم الجباه

والركب، وسعوا الناس بأخلاقهم، تبكي الأرض عليهم لفقدهم، ويسخط الله تعالي علي بلد ليس فيها منهم أحد، لم يتكالبوا علي الدنيا تكالب الكلاب علي الجيف، شعثا غبرا، يراهم الناس فيظنون أن بهم داء، أو قد خولطوا أو ذهبت عقولهم، وما ذهبت، بل نظروا إلي أهوال الآخرة فزال حب الدنيا عن قلوبهم، عقلوا حيث ذهبت عقول الناس فكونوا أمثالهم).

? أقول: فاللازم أن نجعلهم أمثلة للاقتداء، لا أن نجعل أهل المال والجاه امثلة يقتدي بهم.

56 ديون علي (ع)

روي الشيخ الصدوق عن ابراهيم بن مهران قال: كان بالكوفة رجل تاجر يكني بأبي جعفر، وكان حسن المعاملة في الله تعالي، ومن أتاه من العلويين أعطاه شيئا ويقول لغلامه: أكتب هذا ما أخذ علي بن أبي طالب (عليه السلام).

فبقي علي هذا أياما… ثم غلبه الفقر.

فنظر يوما في حسابه فجعل كلما مر عليه اسم حي من غرمائة بعث إليه فطالبه، ومن مات ضرب علي اسمه، فبينما هو جالس علي باب داره إذ مر به رجل فقال استهزاءا : ما فعل غريمك علي ابن أبي طالب (عليه السلام)؟

فاغتم لذلك غماً شديداً ودخل داره فلما جن عليه الليل رأي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وكان الحسن والحسين (عليهما السلام) يمشيان أمامه فقال لهما النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ما فعل أبوكما؟.

فأجابه علي (عليه السلام) من ورائه: ماذا يا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)؟.

فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): لم لا تدفع إلي هذا الرجل حقه.

فقال: بلي يا رسول الله قد جئته به.

فقال له النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): ادفعه إليه.

فأعطاه كيسا من صوف أبيض وقال له: هذا حقك فخذه، ولا تمنع من جاءك من ولدي شيئا فإنه لا فقر عليك

بعد هذا.

فقال الرجل: فانتبهت والكيس في يدي! فناديت زوجتي وقلت لها، هاك، فناولتها الكيس وإذا فيه ألف دينار.

فقالت: يا هذا الرجل اتق الله ولا يحملك الفقر علي أخذ ما لا تستحقه، فإن كنت خدعت بعض التجار في ماله فاردده إليه.

فحدثها فقالت: إن كنت صادقا فأرني حساب علي بن أبي طالب (عليه السلام) فحضر الدستور فلم ير فيه شيئا بقدرة الله تعالي، وقد محيت كل ديونه علي علي (عليه السلام) المكتوبة في دفتره.

57 أبو العيناء والجارية

روي أبو العيناء قال: رأيت جارية تتحدث وتقسم علي كلامها، وتقول: لا أعود إلي منزل مولاي أبداً.

فسألتها: عن سبب هذا الإنكار؟

فقالت: إنه يواقعني من قيام، ويصلي قاعدا، ويشتمني بإعراب، ويلحن في القرآن، ويصوم في الخميس والاثنين، ويفطر في رمضان، ويصلي الظهر، ويترك الصبح.

58 الإمام الحسين(ع) وخروجه إلي العراق

قيل لعبد الله بن عمر: إن الحسين بن علي (عليهما السلام) قد خرج يريد العراق، فمشي إليه حتي التقي به في مكان يبعد عن المدينة مسيرة ثلاثة أيام، فسأله: إلي أين تريد؟

فقال (عليه السلام): كتب أهل العراق يدعونني إليهم، ثم أخرج كتبهم وطواميرهم وأراها عبد الله، وقال: وهذه كتبهم لي وقد أظهروا بيعتهم.

فأقسم عليه عبد الله أن يرجع، ولا يأمن أهل الكوفة، وقال: بها قتل أبوك وأصيب أخوك.

إلا أن الإمام (عليه السلام) كان مصمما علي المضي وذلك بأمر من الله سبحانه.

فقال عبد الله: إذا كان الأمر كذلك، فدعني أحدثك حديثا:

نزل جبرائيل علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار (صلي الله عليه وآله وسلم) الآخرة، وأنت بضعة من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) والله أنت وأهل بيتك لن تنالوا الرئاسة، وأن الله ما جعل ذلك لكم إلا وهو خير وأفضل لكم، فاعدل عن سفرك وارجع.

فلم يقبل منه الحسين (عليه السلام) ما أشار به عبد الله.

فبكي عبد الله وعانق الحسين (عليه السلام) وقال: أودعك الله، وما أراك إلا قتيلاً.

? لم يدرك عبد الله هدف الإمام (عليه السلام)، حينما قال له: إنك أو أحد من أهل بيتك لم ينل الحكومة، ظنا منه أن الإمام (عليه السلام) يحب السلطة والرئاسة، كما لم يدرك أكثر الناس هدف هذا الإمام العظيم (عليه السلام) فكانوا ينصحونه للعدول عن رأيه.

لقد كانت أسباب النهضة

الحسينية وأهدافها كثيرة، أهمها: إحياء الدين، وإنقاذ المسلمين، ولقد كافح الظلم والاستبداد، والكفر والإلحاد، والشر والفساد، ليكرس مكاسب البشرية الرائعة من نهضته المباركة الخالدة، استشهد ليروي نبتة الإٍسلام الفتية التي كادت تذبل وتموت، ويرويها بدمه الزاكي ودماء أهله وصحبه الطيبين الطاهرين، وضحي من أجل إقامة الحق وإدحاض الباطل، ومن أجل إحياء العدل والصلاح، وإماتة الظلم والفساد، حيث يقول (عليه السلام) في وصيته التي سلمها لأخيه محمد بن الحنفية عند خروجه من المدينة المنورة، معلنا نهضته ضد الحكومة المستبدة، وشارحاً أهدافه السامية، قائلاً:

… إني لم أخرج بطرا ولا أشرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) أريد أن آمر بالمعروف، وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي (صلي الله عليه وآله وسلم) وسيرة أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام)…

فكان الحسين (عليه السلام) يري سعادة البشرية وحياتها الأبدية في موته في سبيل دين الحق، وإحياء الاسلام وإنقاذه من براثن الشرك، وكذلك هدف أصحابه وآله الذين استشهدوا قبله وبين يديه.

59 أتروني قاتلتكم علي الصلاة؟

روي المدائني قال: خرج علي معاوية قوم من الخوارج، بعد دخوله الكوفة وصلح الإمام الحسن (عليه السلام)، فأرسل إلي الإمام الحسن(عليه السلام) يسأله أن يخرج فيقاتل الخوارج.

فقال الإمام الحسن (عليه السلام): سبحان الله! تركت قتالك وهو لي حلال لصلاح الأمة وألفتهم، أفتراني أقاتل معك؟

فخطب معاوية أهل الكوفة قائلا: يا أهل الكوفة! أتروني قاتلتكم علي الصلاة والزكاة والحج، وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكني قاتلتكم لأتآمر عليكم وأتولي رقابكم، وقد أتاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا إن كل مال أو دم أصبت في هذه الفتنة مطلول، ألا إن كل شيء أعطيت الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا

أفي به، ولا يصلح الناس إلا ثلاث: إخراج العطاء عند محله، وإقفال الجنود لوقتها، وغزو العدو في داره، فإن لم تغزوهم غزوكم، ثم نزل.

60 ايها الملك

روي أن سعد بن أبي وقاص دخل علي معاوية فقال: السلام عليك، أيها الملك!.

فضحك معاوية وقال: ما كان عليك يا أبا إسحاق لو قلت: يا أمير المؤمنين!.

فقال: أتقولها جذلان ضاحكاً؟ والله، ما أحب أني وليتها بما وليتها به.

? وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: وفدت مع أبي إلي معاوية، أوفدنا إليه زياد، فدخلنا علي معاوية، فقال: حدثنا يا أبا بكرة؟.

فقال: إني سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: الخلافة ثلاثون، ثم يكون الملك.

? وعن عمار بن ياسر قال: إذا رأيتم الشام اجتمع أمرها علي ابن أبي سفيان فألحقوا بمكة.

وبلغ المغيرة بن شعبة: أن معين بن عبد الله يريد الخروج، فأرسل إليه وعنده جماعة فأخذ وحبس، وبعث المغيرة إلي معاوية يخبره بأمره، فكتب إليه: إن شهد أني خليفة فخل سبيله.

فأحضره المغيرة فقال: أتشهد أن معاوية خليفة، وأنه أمير المؤمنين.

فقال: أشهد أن الله عزوجل حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، فأمر به فقتل.

61 لم يسلموا بعد

روي حبيب بن ثابت: أن رجلا قال لعمار بن ياسر في حرب صفين: يا ابا اليقظان! ألم يقل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): قاتلوا الناس حتي يسلموا، فإذا أسلموا حفظت لهم دماءهم وأموالهم.

قال عمار: نعم، هكذا قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ولكن لم يسلم هؤلاء، بل اجبروا علي الاستسلام، ولا يزال الكفر متمكنا في قلوبهم، وإنما أظهروا ذلك إسلامهم طلباً للعون.

62 لعنهم رسول الله (ص)

قال علي بن الأقمر: جئت عبد الله بن عمر فقلت له: يا صاحب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أخبرني عما رأيت وسمعت؟

فقال عبد الله: بعث لي معاوية خطابا يقول فيه: إياك وأن تحدث بحديث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وإلا ضربت عنقك.

ووالله إن خطابه لا يمنعني من ذلك، لقد سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول في معاوية، ورأيت بعينيّ هاتين: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان قد بعث إلي معاوية رسولا ليأتيه فيجيب علي الرسائل التي كانت ترد إليه حيث كان معاوية من كتاّب الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) فلما رجع رسول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أخبره بأن معاوية يأكل، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (لا أشبع الله بطنه).

ورأيت أبا سفيان يوماً راكباً دابة ومعه ولديه معاوية ويزيد أحدهما يقود والآخر يسوق الدابة، فلما أبصرهم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (اللهم العن القائد والسائق والراكب).

فقلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)؟

قال عبد الله: بلي، وإلا صمتا وعميتا.

63 عبد الله بن بديل الخزاعي

قال الشعبي: كان عبد الله بن بديل الخزاعي وهو من أصحاب علي (عليه السلام) في معركة صفين، متقلدا سيفين ودرعين، ففرق اهل الشام بسيفه وحمل عليهم حتي وصل قريبا من خيمة معاوية.

فأبلغ معاوية حبيب بن مسلمة الفهري بأن يحمل بكامل جنده علي عبد الله.

فتشابكت ميسرة أهل الشام بقيادة حبيب بن مسلمة مع ميمنة أهل العراق، فحمل عبد الله حملة علي خيمة معاوية حتي اقترب منها، مما اضطر معاوية أن يتحرك من مكانه إلي الخلف، وصاح بأعلي صوته، (يا لثارات عثمان)! فظن معاوية وأتباعه أنه يريد

عثمان بن عفان، في حين أن كان يقصد أخاه عثمان الذي استشهد.

وكان عبد الله بن بديل قد صمم علي قتل معاوية، فصاح معاوية بأهل الشام: ويحكم ارموه بالحجارة، فأخذ أهل الشام يرمونه بالسهام وبالحجارة من كل جانب، حتي أصيب بجراحات بالغة في جسمه، ولم يستطع الوقوف فسقط علي أثرها.

فجاء معاوية مع عبد الله بن عامر وكان ابن عامر صديقاً لابن بديل من قبل، فوقفا علي نعش ابن بديل، فنزع ابن عامر عمامته من رأسه ووضعها علي جنازة ابن بديل، وترحم عليه.

فقال معاوية: اكشف لي عن وجهه.

فقال ابن عامر، والله، لا أتركك لتجعله مثلة، ما دامت لي روح في بدني.

فلما كشف ابن عامر عن وجه ابن بديل، قال معاوية: والله، إن هذا لصنديد وكبش قومه.

? عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي: من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ورئيس قبيلة خزاعة، أسلم قبل فتح مكة، وشارك في غزوة فتح مكة وحنين والطائف، ثم كان من فضلاء أصحاب علي (عليه السلام) واستشهد وأخوه عبد الرحمن في معركة صفين.

64 علي(ع) يراقب أولاده

كان علي (عليه السلام) مع أولاده في معركة صفين يقفون علي الميسرة، فلما رأي الأحمر وهو غلام أبو سفيان أو عثمان علياً (عليه السلام)، قال في نفسه: والله، إن هذا لعلي قتلني الله إن لم أقتله، ثم حمل علي علي (عليه السلام).

فتقدم إليه كيسان غلام علي (عليه السلام) وبعد أن تبادلا ضربتين سقط كيسان شهيداً، ومرة ثانية حمل الأحمر علي الإمام (عليه السلام) فمد الإمام (عليه السلام) يده إليه وأخذ بتلابيبه وجذبه إليه وطرحه أرضا.

فحمل عليه الحسين (عليه السلام) ومحمد ابنا علي (عليه السلام) فضرباه بالسيف، وكان علي (عليه السلام) واقفاً يراقب أولاده وينظر إليهم، وبعد

أن فرغوا من قتل الأحمر، قال الإمام (عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام) الذي كان واقفا إلي جنب أبيه: أي بني! لماذا لا تشارك أخويك؟ فقال (عليه السلام): إنهما قد كفياني.

65 المصاحبة المنهية

قيل لإبراهيم بن أدهم لم لا تصاحب الناس؟

فقال في الجواب: ان صحبت من هو دوني آذاني بجهله، وإن صحبت من هو فوقي تكبر علي، وإن صحبت من هو مثلي حسدني، فاشتغلت لما ليس في صحبته ملالي، ولا في وصلته انقطاع، ولا في الأنس به وحشة.

? أقول: المصاحبة المنهية هي ما نهي عنها المعصومون (عليهم السلام) فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال أوصاني أبي فقال:

يا بني لا تصاحبن خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق.

فقال: قلت: جعلت فداك يا أبه من هؤلاء الخمسة؟

قال: لا تصحبن فاسقاً فإنه يبيعك بأكلة فما دونها.

قال: قلت: يا أبه فمن الثاني؟

قال: البخيل فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه.

قال: فقلت: ومن الثالث؟

قال: لا تصحبن كذابا فإنه بمنزلة السراب يبعّد منك القريب ويقرّب منك البعيد.

قلت: ومن الرابع؟

قال: لا تصحبن أحمقاً فإنه يريد أن ينفعك فيضرك.

قلت: يا أبه ومن الخامس؟

قال: لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله عزوجل في ثلاثة مواضع.

وعلي هذا فالصحبة محمودة إلا في الموارد المستثنيات لا مطلقاً.

66 بين الملائكة وبني آدم

ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سأله عبد الله بن سنان، أن الملائكة أفضل أم بني آدم؟ قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

إن الله تعالي ركب في الملائكة عقلا بلا شهوة، وركب في البهائم شهوة بلا عقل، وركب في بني آدم كليهما، فمن غلب عقله علي شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوته علي عقله فهو أشر من البهائم.

? أقول: علي هذا فالإنسان برزخ بين العقل والشهوة.

ولا يخفي ان ما قاله (عليه السلام) إنما هو علي سبيل الغالب والاصل أو ما اشبه وإلا فالحيوان أيضا له شيء من العقل كما أن الملائكة قد يزودون

بالشهوة.

67 كلامكم نور

قال النبي (صلي الله عليه وآله سلم): (من اعتدل يوماه فهو مغبون، ومن كان غده شرا من يومه فهو ملعون، ومن لم يتفقد النقصان في عمله كان النقصان في عقله، ومن كان في نقصان فالموت خير له).

وقال (صلي الله عليه وآله سلم) لأبي ذر: (كن علي عمرك أشح منك علي درهمك ودينارك).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (فتدارك ما بقي من عمرك، ولا تقل غداً وبعد غد، فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم علي الأماني والتسويف، حتي أتاهم أمر الله بغتة وهم غافلون، فنقلوا علي أعوادهم إلي قبورهم المظلمة الضيقة).

68 لقد أنصفك!

كان علي (عليه السلام) في أحد أيام صفين واقفا بين الصفين، فصاح بمعاوية: يا معاوية! يا معاوية.

فقال معاوية: سل، ما ذا تريد؟

فقال (عليه السلام): هلم إليّ حتي أكلمك.

فخرج معاوية يصحبه عمرو بن العاص، ووقفا قريبا من الإمام (عليه السلام).

فقال(عليه السلام) له: الويل لك! لماذا يتقاتل الناس لأجلنا، هلم إلي الميدان لنتبارز، فكل من قتل صاحبه تكون الخلافة من نصيبه.

فالتفت معاوية إلي عمرو بن العاص قائلا: ما تري أنت؟.

قال عمرو: لقد أنصفك علي، وإن فررت من هذا الرأي، فستكون انت وأولادك في ضيق دائما.

فأجابه معاوية: ومثلك يعلم مثلي، والله ما بارز أحد ابن أبي طالب، حتي تتخضب الأرض من دمه، ثم عاد معاوية إلي آخر الصفوف.

69 حل مشكلة الأسري

في يوم من أيام صفين حمل عسكر الشام علي عسكر أهل العراق، وحاصرهم فأخذ منهم ما يقرب من الف نفر، وقطع اتصالهم بعسكر علي (عليه السلام).

فصاح علي (عليه السلام): ألا من أحد يعير جمجمته لله،ويؤثر دنياه علي آخرته؟

فجاءه عبد العزيز بن الحارث من قبيلة (جعف) راكبا فرسه وحاملا سلاحه، وقال: ما الذي تأمرني به.. فوالله إني لأفعل ذلك.

فقال له علي (عليه السلام): ثبت الله قدمك وأحكم ركنك، احمل علي أهل الشام حتي تبلغ المحاصرين، وقل لهم: إن أمير المؤمنين يبلغكم السلام، ويقول لكم: قولوا بأعلي أصواتكم: الله أكبر، ولا إله إلا الله، من ذلك الجانب، ونحن من هنا، واحملوا علي أهل الشام من جانبكم، ونحن نحمل عليهم من هذا الجانب.

فضرب الجعفي فرسه وحمل علي عسكر الشام، ولم تمض ساعة واحدة حتي بلغ المحاصرين، ولما رأوه فرحوا به، وسألوه: كيف حال أمير المؤمنين؟

قال: بخير، وهو يبلغكم السلام، وأبلغهم خطاب الإمام (عليه السلام) فحمل المحاصرون من مكان الحصر، والإمام (عليه السلام) من

الخارج، علي عسكر أهل الشام، فكسرت حلقة المحاصرة ونجوا من المحاصرة، ولم يقتل غير واحد منهم، فيما قتل سبعمائة من عسكر أهل الشام، ثم قال علي (عليه السلام): من قدم خدمة كبيرة في هذه العمليات؟ قالوا: أنت يا أمير المؤمنين.

قال (عليه السلام): لا، بل عبد العزيز الجعفي.

70 الشهامة في الحرب

قال صعصعة بن صوحان: لما التقي عسكر علي (عليه السلام) مع عسكر أهل الشام، خرج كريب بن الصباح ولم يكن في عسكر أهل الشام من هو اشجع منه إلي الميدان، وطلب من يبارزه، فخرج إليه مرتفع بن الوضاح من أهل العراق فبارزه حتي استشهد، ثم خرج إليه آخر فقتله كريب، ثم خرج إليه مبارز ثالث من عسكر علي (عليه السلام) فقتله كريب هو الآخر، فوضع جنائزهم الواحدة فوق الأخري وصعد عليها، وطلب مبارزا يبارزه.

فذهب علي (عليه السلام) بنفسه إلي الميدان، وقال: الويل لك يا كريب! أخوفك بغضب الله وأدعوك إلي سنة نبيه (صلي الله عليه وآله وسلم)، الويل لك يا كريب! هذا ابن هند يريد أن يوردك النار.

فقال كريب: سمعت الكثير من هذا الكلام، ولست بحاجة إليه، فإن كنت ممن يحب المبارزة، فتقدم.

فقال (عليه السلام): (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، فتقدم إليه علي مهل، فضربه ضربة سقط كريب منها علي الأرض، ثم طلب مبارزا فخرج إليه الحارث بن وداعة فقتله، ثم طلب من يبرز إليه، فبرز إليه المطاع بن المطلب، فقتله (عليه السلام) ثم طلب من يبارزه، فلم يخرج إليه أحد، فصاح علي (عليه السلام) بأعلي صوته: ?الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدي عليكم فاعتدوا بمثل ما اعتدي عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين?.

ثم نادي (عليه السلام) معاوية وقال: الويل لك

يا معاوية! علام يتقاتل الناس، أخرج إليّ لنتقاتل، فأينا قتل أراح صاحبه.

فقال عمرو بن العاص: اغتنم هذه الفرصة، فقد قتل ثلاثة من شجعان العرب، ولعلك ستنتصر عليه:

فقال معاوية: الويل لك يا عمرو! تريد قتلي، حتي تتولي الخلافة؟ بئس ما أشرت به علي وما أنصفتني حين تأمرني بأمر تكرهه لنفسك.

71 في شجاعة علي (ع)

روي أن الملأ اجتمعوا في صفين لمعاوية، وذكروا شجاعة علي (عليه السلام) والأشتر، فقال عتبة بن أبي سفيان: لا نظير لعلي.

قال معاوية: قتل علي أباك يا وليد بن أبي معيط يوم بدر، وأخاك يا أبا الأعور يوم أحد، وأباك يا أبا طلحة يوم الجمل،فإذا اجتمعتم أدركتم ثأركم، وشفيتم أنفسكم، فضحك الوليد، وقال:

يقول لكم معاوية بن حرب أما فيكم لو أتركم طلوب

شد علي أبي حسن علي بأسمر لا تهجّنه الكعوب

كأن القوم لما عاينوه خلال النقع ليس لها قلوب

وقد نادي معاوية بن حرب فأسمعه ولكن لا يجيب

قال الوليد: إن لم تصدقوني فاسألوا عمروا يخبركم عن شجاعته، وقد ردها بكشف سوءته.

72 لماذا الانتقال؟

روي أسماء بن الحكم الفزاري قال: كنت مع علي (عليه السلام) في معركة صفين، وتحت راية عمار بن ياسر، فرأيت رجلا يخترق الصفوف حتي وصل إلينا، فقال: من منكم عمار بن ياسر؟

فقال عمار: ها أنا ذا.

قال: أنت أبو اليقظان؟.

قال: بلي.

فقال الرجل: لي إليك سؤال، أ أسألك به علانية أم سراً؟.

فقال عمّار: أنت وما تريد.

فقال الرجل: أري من الأفضل الإعلان به، خرجت من عند أهلي علي بصيرة من أمري وشاركت في هذا الحرب، وأنا علي يقين من أن أهل الشام علي ضلالة وباطل، وإنا علي الهدي والحق، حتي حانت الليلة الماضية، فصاح مؤذننا وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فقال مؤذنهم بمثل ذلك، وما أن صلينا حتي صلوا بمثل صلاتنا، ولما دعونا دعوا مثل ما دعونا، وحين قرأنا القرآن قرءوا كقراءتنا، فلما رأيت هذه الحال استولي شك علي قلبي، ولم يغمض لي جفن تلك الليلة وأخذت تزاحمني الأفكار، فلما أصبحت جئت إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) وشكوت له ذلك.

فقال (عليه السلام) لي: هل

لقيت عماراً؟.

قلت: لا.

قال (عليه السلام): اذهب إليه وخذ بقوله، ولهذا جئتك.

فقال عمار: ألم تعرف أن هذه الراية السوداء التي تقابلني هي راية عمرو بن العاص، وقد حاربت صاحب هذه الراية ثلاث مرات علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهذه هي المرة الرابعة، ولم تكن بأحسن من سابقتها، فهي أسوء وأظلم. هل شاركت في حروب بدر وأحد وحنين؟ أو شارك فيها آباؤك وحدثوك بما جري فيها؟.

فقال: لا.

فقال عمار: مواقع راياتنا هي مواقع رايات رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في معارك بدر وأحد والأحزاب، ومواقع راياتهم هي مواقع رايات الكفار، فراياتنا اليوم هي بيد من كانت راية رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بيده، ورايات هؤلاء بيد رايات أهل الشرك.

وهذا العسكر الكبير الذي تراه يحيط بمعاوية من كل جانب، والله لقد أحببت أن يكون كله أي العسكر رجلاً واحداً، ويقع في يدي، لأقطع رأسه قطعة قطعة، والله إن دماءهم أحل من دم الطير، فهل أن دم الطير حرام؟

فقال الرجل: لا، إنه حلال،

فقال عمار: فإن دم هؤلاء مثل هذا، فهل أبصرتك؟.

قال: بلي.

فلما أراد الرجل أن ينصرف، قال له عمار: إن هؤلاء يضربوننا بالسيوف ويقولون عنا: أننا علي باطل، ولو كنا علي حق لما غلبونا، والله ما عندهم من الحق قيد الرمش الذي يدخل العين فيؤذيها، ولو ضربونا حتي يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا إنّا علي الحق وهم علي الباطل.

? أقول: ومن الاجوبة علي اشكال هذا الرجل: قوله تعالي: ?وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ?.

73 المصاحف علي أسنة الرماح

روي تميم بن حذيم قال: رأيت في صبح أحد أيام صفين وفي مقدمة الصفوف لعسكر الشام شيئا كأنه أعلام، ولما صحا الجو، وإذا أنا بمصاحف مرفوعة علي أسنة

الرماح، وقد شد قرآن المسجد الأعظم في الشام علي ثلاثة رماح يحمله عشرة أشخاص، مع مائة مصحف أمام العسكر ينادي حاملوها وهم من أهل الشام بأعلي أصواتهم: يا معشر العرب! راقبوا الله في أمركم، وفكروا في النساء والبنات، ومن للروم والترك بعدكم، واذكروا الله في دينكم، وهذا كتاب الله بيننا وبينكم.

فقال علي (عليه السلام): إلهي! أنت تعلم أن هؤلاء لا يريدون القرآن فاقض بيننا.

فوقع الاختلاف بين أصحاب علي (عليه السلام)، فقال بعضهم: لا نترك قتالهم، وقال آخرون: علينا أن نستجيب لما دعونا إليه من تحكيم كتاب الله، وأن نرضي به حكما، ولا يستحل قتالهم.

فنجح معاوية في حيلته.

74 إبليس تمثل أربع مرات

روي جابر بن عبد الله الأنصاري قال: إن إبليس اللعين تمثل بأربع صور في أربع مرات.

1: ففي معركة بدر: تمثل بصورة سراقة بن جعشم، وقال لقريش: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم، فلما تراءت الفئتان نكص علي عقبيه.

2: وفي قصة بيعة العقبة، وقد بايع فيها سبعون رجلاً من أهل المدينة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، فتمثل إبليس بصورة منبه بن الحجاج، وصرخ قائلاً: يا معشر قريش! إن محمداً (صلي الله عليه وآله وسلم) والصباة الذين تركوا الدين في العقبة، فأخرجوهم.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): لا يوهمكم هذا.

3: وعندما اجتمعت قريش في (دار الندوة) وتأمروا علي مقاومة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، تمثل إبليس بصورة شيخ كبير من نجد، وطرح لهم كيفية قتل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فأنزل الله تعالي هذه الآية: ?وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك?.

4: ولما ارتحل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من هذه الدنيا، تمثل الشيطان بصورة

المغيرة بن شعبة، فقال للمنافقين: لا تجعلوا الخلافة كسروية أو قيصرية بأن تبقي في بني هاشم، وأن تنتظروا النساء الحوامل بأن يلدن لكم ذكرا تبايعونه، وهذا يشق عليكم، فانتخبوا من تريدونه، ليكون خليفة لكم.

? أقول: لا يخفي أن الشيطان تمثل بصور عديدة في الأديان السابقة ايضاً، كما في الروايات وإنما ذكر الراوي هذه الأربعة التي علم بها زمن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وبعد وفاته مباشرة.

75 أنا ابنة حاتم الطائي

لما جئ بأسري قبيلة طي إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، تقدمت إليه بنت جميلة، ووقفت أمامه، وأخذت تتكلم، فتعجب الناس من فصاحتها وبلاغتها، ومما قالته: يا محمد أعتقني من الأسر، أنا ابنة شريف قومي، كان أبي ملجأ الحياري، يفك العاني، ويشبع الجائع، ويكسي العريان، ويرعي حق الجار، ويكرم الضيف، ولا يأتيه طالب حاجة إلا ورجع مسروراً … أنا ابنة حاتم الطائي.

فقال لها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): يا جارية إن ما قلتيه هي صفة المؤمن، ولو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، ثم قال (صلي الله عليه وآله وسلم): فكوا أسرها، لأن أباها كان يحب مكارم الأخلاق.

فطلبت من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) أن تدعو له، فاستمع (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي دعائها، قائلا: أصاب الله ببرك مواقعه، ولا جعل لك إلي لئيم حاجة، ولا سلب نعمة عن كريم إلا جعلك سبباً في ردها عليه، ثم إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أرسلها مع بعض الثقات، إلي عشيرتها.

76 عباس بن ربيعة في صفين

روي أبو الأغر التميمي قال: رأيت عباس بن ربيعة في حرب صفين، وقد ملأ نفسه بالسلاح، فعلي رأسه قناع، وكان في يده سيف يماني، وقد ركب فرسا أصيلة سوداء، عيناها كعيني الأفعي تضيء.

فصاح به رجل من أهل الشام يدعي (عرار) فقال: هلم إلي يا عباس لنتبارز.

فقال له عباس: فلننزل عن فرسينا، فشد عباس شيئا من ثوبه علي ظهره شدا محكماً، وأعطي فرسه لغلامه.

فحمل كلاهما كل علي الآخر بالسيف، ولم يستطع كل منهما أن يوقع إصابة بالآخر، حتي رأي العباس أن أزرار الدكمة الرجل الشامي مشقوق قليلا، فمد يده إليه وجذبه حتي مزّقه الي الصدر، ثم رجع فضربه علي صدره ضربة

هشم أضلاعه، فسقط الشامي إلي الأرض، فهزت أصوات التكبير من العسكرين الأرض.

قال أبو الأغر: فسمعت ورائي صوتا يقول: ?قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين?.

فالتفت إليه فإذا أنا بأمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: يا أبا الأغر! من هذا الذي يقاتل عدونا؟.

قلت: عباس بن ربيعة.

فأحضر الإمام (عليه السلام) عباس بن ربيعة وقال له: ألم أقل لك وللحسن والحسين وعبد الله بن جعفر: أن لا تتركوا مكانكم، ولا تباشروا القتال.

فقال عباس: يا أمير المؤمنين أيطلبوني للمبارزة ولا أجيبهم؟.

قال (عليه السلام): نعم إطاعة الإمام أفضل، يريد معاوية أن لا يبقي أحد من بني هاشم حيا، ويحب أن يطفئ نور الله ويحرق قلوبهم.

فلما علم معاوية ما جري، قال: هل من رجل يأخذ بدم عرار؟ فتهيأ رجلان من قبيلة لخم.

فقال لهما معاوية: كل من قتل عباسا فله عندي جائزة كبيرة، فجاء الرجلان إلي الميدان وطلبا عباسا للمبارزة.

فقال لهما عباس: ينبغي علي أن أستأذن إمامي.

فلما جاء إلي الإمام (عليه السلام) وأعلمه بالذي حصل.

قال له الإمام (عليه السلام): أعرني وسائل حربك.

فلما لبس الإمام (عليه السلام) لباس عباس، ركب فرسه، وذهب بنفسه إلي الميدان، فظن الرجلان الشاميان أنه عباس.

فقالا له: هل سمح لك إمامك؟.

فقرأ (عليه السلام) هذه الآية: ?أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله علي نصرهم لقدير ?.

فحمل أحدهما علي الإمام (عليه السلام) فلم يمهل، فحمل الآخر، فألحقه الإمام (عليه السلام) برفيقه، ثم رجع (عليه السلام) في الميدان، وهو يتلو قوله تعالي: ?الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ?.

77 اتق الله يا معاوية

كان الأحنف بن قيس جالسا مع معاوية، فدخل عليه رجل من أهل الشام، وقرأ خطبة، ووقع في علي (عليه السلام)، فجعل الناس رؤوسهم إلي الأرض.

فالتفت الأحنف إلي معاوية وقال:

اتق الله يا معاوية، وارفع يدك عن علي (عليه السلام)، ولا تذكره بسوء، فقد لقي ربه، والله لقد كان علي(عليه السلام) ذا سابقة عظيمة، نقي الفطرة، كثير البركة، تحمل الكثير في سبيل الله، اعلم العلماء، وأحلم الحلماء، وأفضل الفضلاء، ووصي خاتم الأنبياء.

فقال معاوية: والله، لقد ملأت العيون بالأشواك، فقلت أشياء لم ترها، فينبغي لك أن تصعد المنبر وتلعن عليا.

فقال الأحنف: أري من الأفضل أن تعفيني من ذلك، ولو أجبرتني عليه فو الله لا أسترجع لساني.

فأصر عليه معاوية أن يعلن عليا من علي المنبر.

فقال الأحنف: عند ذلك أقول الانصاف فيما كان بينك وبين علي (عليه السلام)، فصعد المنبر وحمد الله وأثني عليه وصلي علي محمد المصطفي (صلي الله عليه وآله وسلم)، ثم قال:

أيها الناس إن معاوية قد أمرني أن ألعن عليا، فاعلموا أن عليا ومعاوية تقاتلا، وكل منهما قد ادعي ان الآخر اعتدي عليه، فأمّنوا علي دعائي فأقول: اللهم العن أنت وملائكتك وأنبيائك وجميع مخلوقاتك أحد هذين ممن اعتدي وظلم الآخر.

فقال معاوية: والله، ما قصدت غيري.

? الأحنف بن قيس: اسمه صخر أو الضحاك، كان عالما حكيما، موصوفا برجاحة العقل،شجاعاً، حليماً، ذا رأي متين، أسلم في عهد الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) ولم يره، وكان من أصحاب علي (عليه السلام)، توفي سنة 67 ه في أيام عبد الله بن الزبير.

78 لا رهبانية في الإسلام

جاءت امرأة عبد الله إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فسألها الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) عن حالها؟.

فقالت: هذه حالي كما تري، إن عبد الله قد ترك الدنيا.

فقال الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم): وكيف؟.

فقالت: قد حرم النوم علي نفسه، ويصوم الأيام كلها، ولا يأكل اللحم، ولم يعط حق الزوجة.

فقال (صلي الله عليه

وآله وسلم): وأين هو الآن؟.

قالت: خرج من البيت وسيعود قريبا.

فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): إذا جاء فأخبريني.

فلما رجع عبد الله إلي بيته، وأخبر به النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، ذهب إلي منزله، وقال له: ما هذه الاخبار التي تصلني عنك؟. لمَ لم تنم الليل؟.

قال: لآمنَ الفزع الأكبر.

قال (صلي الله عليه وآله وسلم) لماذا لا تأكل اللحم؟.

قال: حتي آكلَ من لحم الجنة.

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): لمَ لم تعط حق امرأتك؟

قال: طمعا في نساء الجنة فإنهن أفضل.

فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): يا عبد الله إن رسول الله يأكل ويصوم ويأكل اللحم ويعطي حق المرأة، يا عبد الله إن لله في ذمتك حقا، وأن لبدنك عليك حقا، وأن لزوجتك عليه حقا.

فقال: يا رسول الله ألا تأمرني أن أصوم خمسا وأفطر يوما؟

قال: لا.

قال: فأربعة أيام أصومها، وأفطر يوما؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): لا.

قال: فثلاثة أيام أصومها، وأفطر يوماً؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): لا.

قال: فيومين أصومهما، وأفطر يوماً؟.

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): لا.

قال: فيوم أصوم ويوم أفطر فيه؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): هذا صوم أخي داود (عليه السلام).

79 ما منعك من نصر الخليفة؟

كان أبو الطفيل عامر بن وائلة رجلا فاضلا عاقلا، من شيعة علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، دخل يوما علي معاوية، فسأله معاوية: كيف حزنك عل فراق صاحبك ومولاك أبي الحسن؟

قال: كحزن أم موسي علي موسي، وعذري إلي الله فيما قصرت به عنه.

فقال معاوية: ألست ممن حاصر عثمان؟ وأعان عليه؟

قال: لا، ولكني ممن حضره ولم أنصره.

قال معاوية: وما منعك من نصره؟

قال: لم ينصره المهاجرون والأنصار.

فقال معاوية: أما لقد كان حقه واجبا عليهم أن ينصروه!.

قال أبو الطفيل فما منعك من نصره، ومعك أهل الشام؟.

فقال

معاوية: أما طلبي بدمه نصرة له.

فضحك أبو الطفيل، ثم قال: أنت وعثمان كما قال الشاعر:

لا ألفينك بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زودتني زاداً

? أبو الطفيل عامر بن وائلة الليثي: ولد في سنة معركة أحد، وأدرك ثمان سنين من حياة الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم)، وبعد أن بلغ الحلم أقام في الكوفة واختارها مسكنا، وكان من خلص أصحاب علي (عليه السلام)، وشارك مع الإمام (عليه السلام) في جميع حروبه، توفي سنة 110 ه، وكان آخر الصحابة موتا.

80 وفي قبال معاوية

وقعت محاورة لجارية بن قدامة مع معاوية، كما أخرجها ابن عساكر في (تاريخ الشام) عن الفضل بن سويد، قال: وفد جارية بن قدامة علي معاوية، فقال له معاوية: إن الساعي مع علي بن أبي طالب، والموقد النار في شيعتك تجوس قري عربية تسفك دماءهم.

قال جارية: يا معاوية! دع عنك عليا، فما أبغضنا عليا منذ أحببناه، ولا غششناه منذ نصحناه.

قال: ويحك، يا جارية! ما كان اهونك علي أهلك إذ سموك جارية!

قال: أنت يا معاوية! أهون علي أهلك إذ سموك معاوية.

قال معاوية: لا أم لك!. قال جارية: أمّ ما ولدتني، إن قوائم السيوف التي لقيناك بها بصفين في أيدينا. قال: لتهددني؟

قال: إنك لم تملكنا قسرة، ولم تفتحنا عنوة، ولكن أعطيتنا عهودا ومواثيق، فان وفيت لنا وفينا، وإن ترغب إلي غير ذلك، فقد تركنا وراءنا رجالاً مداداً، وأدرعاً شداداً، والسنة حداداً، فان بسطت إلينا فترا من غدر، دلفنا إليك بباع من ختر؟.

قال معاوية: لا كثر الله في الناس أمثالك.

81 الغلو في الأئمة (ع)

روي أحد أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام).

قال: جاءنا الإمام (عليه السلام) يوما مغتما وقد ظهرت عليه علائم عدم الرضا.

فقال (عليه السلام): كنت في طلب حاجة أمس، فقابلني أحد حراس المدينة، وناداني: لبيك يا جعفر بن محمد! فأوحشني وخوفني قوله، وعند ما رجعت إلي منزلي سجدت لله، وعفرت وجهي بالتراب، وأبديت ذلتي، وتبرأت من قوله.

فلو أن عيسي بن مريم تعدي ما قاله الله في حقه، لأصبح صما لا يسمع، وأعمي لا يري، أخرس لا يتكلم، ثم قال (عليه السلام): اللهم العن أبا الخطاب وأذقه حر الحديد. وكان أبو الخطاب يري مذهب الغلو في الأئمة (عليهم السلام)، واخترع نسبة الألوهية إليهم، وكان قد ألقاها بين الحراس، وكان الحارس يقول بعقيدة لبيك،

حتي تأذي الإمام (عليه السلام) منها.

82 قبر معاوية

جاء عبد الله بن عباس في يوم بارد شديد البرودة وجلس عند عبد الملك بن مروان، فرأي عبد الملك جالسا علي فرش ناعمة، وقد غطي نفسه بها.

قال عبد الملك: يا بن عباس أظن أن الهواء فيه نوع من البرودة.

فقال ابن عباس: بلي، إن ابن هند معاوية كان واليا مدة عشرين عاما، واستقل عشرين عاما بكونه خليفة، وكان يستعمل هذه الفرش والوسائد، والآن يرقد تحت التراب ويعلو قبره علف الشوك.

ويقال: إن عبد الملك أراد أن يتأكد مدي صحة كلام ابن عباس، فأرسل شخصا إلي قبر معاوية، فرأي علف الشوك فوق القبر ويحيط بجوانبه، نعم:

باتوا علي قلل الجبال تحرسهم

غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

إن استحلال أكلهم الأموال أوصلهم إلي عقوبة مستحل ما حرم الله، قال سبحانه: ?ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ? فإذا كان أحد المسلمين استحق النار بسبب عباءة غلها من الغنيمة، وإذا امتنع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من الصلاة علي أحد المجاهدين معه، لأخذه خرزا من خرز اليهود لا يساوي درهمين، واذا كانت الشملة التي غلها من المغنم أحد عبيده (صلي الله عليه وآله وسلم) تلتهب عليه نارا، واذا قال(صلي الله عليه وآله وسلم): للذي أخذ شراكا أو شراكين من خيبر شراك أو شراكان من نار، بل أتي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) نفسه بنطع من الغنيمة ليستظل به من الشمس، فقال: أتحبون أن يستظل نبيكم بظل من نار يوم القيامة، واذا.. واذا..

فلما بالك بعقوبة من استأثر بذهب المغنم وفضته واصطفاه لنفسه؟! غير مبال ولا متهيّب.

83 كتمان فضائل أمير المؤمنين عليه السلام

بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وتغلب معاوية علي الخلافة الإسلامية، عزم معاوية علي السفر إلي مكة المكرمة لزيارة بيت الله الحرام،

وبعد أداء مراسم الحج ذهب إلي المدينة، فخرج أهلها لاستقباله، ولكن لم ير معاوية من بين المستقبلين أحدا من قريش ولا من الأنصار.

فلما دخل المنزل سأل عن الأنصار، وقال: تلقاني الناس كلهم غير معشر الأنصار فما منعهم؟

قيل له: لم تكن عندهم دواب؟

قال معاوية: فأين النواضح؟ يعرض معاوية بالأنصار أنهم أكادون، تحقيرا لهم.

فقال قيس بن سعد رئيس الأنصار وكان حاضرا: عقرناها يوم بدر وأحد والخندق عندما أردت أنت وأبوك إطفاء نور الإسلام، فعقرت الأنصار دوابها لينصروا بها الإسلام.

فسكت معاوية ولم يقل شيئا.

84 شجاعة ابن عباس

وفي أحد الأيام دخل معاوية مسجد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فجلس مع عدد من الجالسين فقاموا له احتراما، إلا ما كان من عبد الله بن عباس، فلم يقم له ولا يهش لأجله.

فقال معاوية: يا بن عباس، أنا أعرف سبب عدم قيامك لي والترحيب بي كما فعل الآخرون وذلك لما كان بيننا يوم صفين، وينبغي لك أن لا تؤاخذني بذلك، إن ابن عمي عثمان قد قتل بغير حق ولذا حاربت في صفين.

فقال ابن عباس: إن عمر بن الخطاب قد قتل أيضا بغير حق، فلم لم تطالب بدمه؟.

فقال معاوية: كان قاتل عمر كافرا.

فقال ابن عباس: فماذا كان قاتل عثمان؟

فقال معاوية: قتله المسلمون.

فقال ابن عباس: وهذا دليل يبطل ادعاءك ويدل علي أنك علي غير حق لأن اجتماع المسلمين علي قتل أحد يدل علي عدم حرمته.

فقال معاوية: كتبنا إلي الآفاق أن لا يجيزوا لأحد من ذكر فضائل علي وأهل بيته، وأحذر لسانك يا بن عباس، وإياك تتحدث بفضائل علي.

فقال ابن عباس: فهل تمنعنا من تلاوة القرآن؟

قال معاوية: لا.

فقال ابن عباس: فهل تمنعنا من تفسير القرآن وتأويله؟

فقال معاوية: نعم.

فقال ابن عباس: نتلو القرآن، ولم نتدبر آياته

فهل ان تلاوة القرآن أوجب من العمل به؟

قال معاوية: العمل بأوامر القرآن أوجب.

فقال ابن عباس: إذا لم ندر ما يريده الله، فكيف نعمل بأوامر القرآن.

فقال معاوية: فسّر القرآن كما يفسره الآخرون، لا كما تفسره أنت ويفسره أهل بيتك.

فقال ابن عباس: نزل القرآن في بيتنا لا في بيت أبي سفيان، فهل تنهانا يا معاوية أن نعلّم عباد الله العمل بأوامر القرآن، وحلاله وحرامه؟ فإذا لم تسأل الأمة عن معاني القرآن ولم تتعلم، فيكن مصيرها الضياع والهلاك.

فقال معاوية: اقرأ القرآن، وعلّم الناس التفسير، وانقله إليهم، ولكن لا تنقل إليهم ما أنزل الله فيكم بني هاشم.

فقال ابن عباس: قال الله تعالي: ?يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ?.

فقال معاوية: اغتنم حياتك، وإياك أن تحدث بفضائل أهل بيتك، ثم دخل معاوية المنزل، ثم أمر المنادين أن ينادوا أن برئت الذمة ممن روي شيئاً في فضائل علي وأهل بيته.

85 أنا ضيف من هو افضل منك

لما حج الحجاج بن يوسف وقف علي عين ماء، وأمر بالطعام وقال لحاجبه: فتش عن أحد ليأكل معي، وأساله عن بعض الأعمال.

فراح الحاجب يجوب في الأطراف حتي عثر علي رجل من العرب نائما في ثوبين من الشعر، فركله برجله وقال: أجب الأمير.

فلما حضر عند الحجاج قال له: اغسل يديك حتي تأكل معي.

فقال الأعرابي: دعاني من هو أفضل منك، وقبلت منه.

فسأله الحجاج: من الذي دعاك؟.

قال: دعاني الله تعالي إلي الصيام فصمت.

قال الحجاج: أفي مثل هذا اليوم الحار؟

قال: صمت ليوم أحر من هذا اليوم.

فقال له الحجاج: افطر اليوم وصم غدا.

قال: فهل تضمن بقائي إلي غد؟

فقال الحجاج: هذا ليس في يدي.

قال: فكيف تريد مني أن أبدل النقد بالنسيئة، مع أنك غير قادر علي ذلك؟. فقال الحجاج: إن هذه الطعام

لذيذ تشتهيه النفس.

قال: العافية لذذته لا أنت ولا من استحضره وطبخه.

86 اكرموا كريم قوم

جاء أعرابي إلي علي (عليه السلام) وقال: يا أمير المؤمنين لي حاجة إليك، والله ما عرضتها لأحد قبلك، فإن قضيتها لي حمدت الله وأثنيت عليه وشكرتك عليه، وإن لم تفعل حمدت الله وعذرتك.

فقال له (عليه السلام): اكتب حاجتك علي الأرض، لأني وجدت فيك أثر الفقر والغم.

فكتب الأعرابي: أنا فقير محتاج.

فقال (عليه السلام) لغلامه قنبر: ألبسه حلتي.

فلما أخذ الأعرابي الحلة، وقف أمام الإمام (عليه السلام) وأنشد قائلا:

كسوتني حلة تبلي محاسنها

فسوف أكسوك من حسن الثناء حللا

ايه أبا حسن قد نلت مكرمة

ولست تبغي بما أوليته بدلا

فقال الإمام (عليه السلام) لغلامه قنبر: يا قنبر أعطه مائة دينار.

فتلكأ قنبر عن إعطائه.

فقال (عليه السلام): مه، فإني سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: (اشكروا من أثني عليكم، فإذا أتاكم كريم قوم فأكرموه).

87 شجاعة امرأة

روت صفية بنت عبد المطلب قالت: لما كانت غزوة الخندق ذهب الرجال إلي جبهة القتال، وبقينا نحن النساء والأطفال في قلعة فارغ، ولم يكن بيننا من الرجال غير حسان بن ثابت.

وفي أحد الأيام رأيت رجلا يهودياً يضرب علي الطبل في أطراف القلعة، فقلت لحسان: ألم تر هذا اليهودي يضرب علي الطبل لعله يكون عينا من عيون اليهود جاء ليستعلم حالنا وما نحن فيه ليخبر به اليهود، فاذهب إليه واقتله.

فقال لها حسان: عافاك الله يا بنت عبد المطلب، ألم تعلمي أنني لست من أهل الشجاعة؟.

قالت صفية: فلمّا يئست منه، شددت معصمي وأخذت عمودا وذهبت إلي اليهودي فقتلته، فلما رجعت إلي القلعة قلت لحسان: انزل واخلع ثيابه لأنه رجل وإني امرأة، فلم أنزع ثيابه.

قال حسان: يا بنت عبد المطلب لا حاجة لي بثيابه.

? صفية بنت عبد المطلب: عمة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأم الزبير بن العوام،

عمرت طويلا، وتوفيت سنة (20ه)، ودفنت في البقيع.

? حسان بن ثابت الأنصاري: كان شاعر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عمّر ستين عاماً في الجاهلية، ومثلها في الإسلام، توفي سنة 52 ه أيام أمارة معاوية.

88 الدفاع عن مولاه

كان الوليد بن جابر الطائي من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وبعد ارتحال الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، من هذه الدنيا، اختص بعلي (عليه السلام)، وكان من أصحابه ورجاله المعروفين في معركة صفين.

وبعد أن استشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) دخل علي معاوية في جمع من الناس، فسأل معاوية أحوالهم واحدا واحدا، فلما وصلت النوبة إلي الوليد سأله معاوية، إلا أن الوليد لم يفصح عن حاله.

فقال له معاوية: ألم تكن صاحب ليلة الهرير وكنت ترتجز بأعلي صوتك فتقول:

شدوا فداء لكم أمي وأب فإنما الأمر غداً لمن غلب

هذا ابن عم المصطفي والمنتخب تنميه للعلياء سادات العرب

ليس بموصوم إذا نص النسب أول من صلي وصام واقترب

فقال الوليد: نعم، أنا كنت، وقلت هذا.

فقال له معاوية: لم قلت هذا؟

قال: لأننا كنا عند رجل قد اجتمعت فيه خصال الخلافة وكل الفضائل العظيمة: فهو أول من أسلم، وأكثر الناس علماً، وأعظمهم حلماً، وأطيبهم ذكراً، لم يدانيه أحد، أنار سبيل الهداية، فلم ينطفئ نوره، وكان رائداً للعدالة، فلن تندرس آثاره، فابتلانا الله بفراقه، واستقرت الخلافة لغيره، والآن دخلنا في جماعة المسلمين، فلا شققنا عصي الطاعة، ولم نفرق جماعة فظاهر ما هو من الأعمال بيدكم، واختيار القلوب إنما هو بيد الله فانس ما ظهر منا، واعف عما أصابك منا، حتي لا تشتعل نار الفتنة.

فقال معاوية: يا خاطئ! أتخوفني بأوباش العراق، أهل النفاق، ومعدن الشقاق؟

فقال الوليد: هم هؤلاء الذين أرادوا أن يقضوا عليك عطشاً، وجسوك

عن الماء، ومنعوك من منتصف الطريق، حتي التجأت إلي المصاحف تدعوهم إلي الاحتكام إلي كتاب الله، فصدقوك، في حين أنك تكذبهم، وكانوا مؤمنين بنزوله، وكنت كافرا به ومنكرا لتأويله.

فلما سمع معاوية هذه من الوليد، أصيب بفلج الحجّة وقوة المحجة، فهدده، كما هو عمل العاجزين علي الرد المنطقي بقوله: إيه، أيها المسكين إن هذا آخر كلام لك، وفي هذه الأثناء دخل عقير بن ذي يزن المجلس، وبتدبير حكيم خلص الوليد.

? ليلة الهرير: هي إحدي ليالي حرب صفين، استمر الحرب فيها من العصر وحتي صباح غد، ولم يسمع فيها إلا زمجرة السلاح، وصياح الرجال، وزفير الخيول، وأنين المجروحين، وأبدي أصحاب علي (عليه السلام) في تلك الليلة مقاومة باسلة وشجاعة فائقة لقتل معاوية، ولكن كان أمر الله قدراً مقدراً يريد ابتلاءهم. قال تعالي: ?أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ?.

89 من عظمة القرآن

يقال: انه كان جندي قد حارب في النهار، وعند الليل لما دخل خيمته.. والتعب والارهاق قد اثقله تمدد لينام، فرأي القرآن معلقا علي عمود الخيمة، فقال في نفسه: لو كان هذا ملكا لما كنت أتمدّد هكذا بل كنت أحترمه، فجلس.

ثم نظر إلي القرآن وقال: لو كان هذا ملكاً لما كنت أجلس أمامه، فقام احتراماً للقرآن.

ثم فكّر في نفسه وقال لو كان هذا ملكاً لاحترمته أكثر وضممت يدي إلي صدري احتراما واجلالا له فبقي علي هذه الحالة واقفا الي الصباح وعند ذلك غفي غفوة فرأي في منامه قائلا يقول له: جعلناك وذريتك ملوكا لانك احترمت القرآن.

? يقال: إن (العثمانيين) الذين حكموا البلاد ستمائة سنة كانوا من أعقاب ذلك الجندي. وهذا لا ينافي ظلمهم واستبدادهم فان الله يجازي الاحسان حتي من المسيء.

90 القرآن حصن

نقل والدي (رحمه الله) إنّه كان شخص حافظا للقرآن وكان يوما ما يمشي في الصحراء فرآه صياد فظنّه حيواناً، فأراد أن يرميه ببندقيته، لكن الرصاص لم ينطلق.

فتعجب ووجّه فوهة البندقية إلي اليمين والشمال و.. وضغط علي الزناد فانطلقت الرصاصة منها، ثم وجه فوهتها إلي الصيد المزعوم مرة اخري فلم تنطلق الرصاصة..

ولما اقترب الصياد إلي الصيد وإذا به إنسان ! فقص له القصة، فقال: إني حافظ للقرآن وكنت في ذلك الحين أقرأ القرآن!!

? أقول: وإني أحتمل أن صاحب القصة كان هو الوالد (قدس سره) لكنه لم يذكر نفسه تأدباً.

91 بشر الحافي وورقة من القرآن

كان بشر الحافي قمّاراً خمّاراً زمّاًرا وكان لا يتورع عن فعل المنكرات والمحرمات الكبيرة.. فرأي ذات مرة في شارع من شوارع بغداد ورقةً من قرآن فأخذها واشتري بدرهمين كمية من العطر فعطّره ووضعها في ثقبة حائط.

فرأي في المنام قائلا يقول له: سنجعلك محترما عند الناس لاحترامك القرآن.

فاتفق بعد ذلك أن رآي الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) في قصة مذكورة في الروايات.

وتاب علي يده المباركة وصار علماً من الزهاد، وقبره إلي الآن مزار يزوره الناس.

92 بين القرآن وديوان يزيد

كان أحد الطلاب لم يوفق لقراءة القرآن أبداً، فلما قيل له في ذلك، قال: إنّ الله سلبني التوفيق وكلما أحاول أن أقرأ القرآن كأنّ حائلاً يحول بيني وبين قراءته.

ثم قال: وسببه أنّه كان لي قرآن مخطوط أقرأه كل يوم في المسجد الحرام بمكة المكرّمة، وفي يوم من الأيام رأيت هناك شخصاً يبيع بعض الكتب وكان فيها ديوان يزيد فجلب نظري ولكن لم يكن لي مال، فقلت لصاحب الكتب: بكم تبيع هذا الكتاب؟

قال: أبيعه في قبال القرآن الذي بيدك.

فقبلت ذلك وأعطيته القرآن وأخذت منه الديوان، وقد سلب عني توفيق قرائة القرآن من ذلك اليوم.

93 من أخلاق الرسول (ص)

جاء في الروايات: ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) جاءه أعرابي خشن وهو جالس في مسجده وحوله جماعة من اصحابه، فطلب من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) حاجته.

فلم يتمكن النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) من قضائها في ذلك الوقت، فأرجأه إلي وقت آخر.

لكن الأعرابي كان سيئ الأدب، فتكلم بما لا يليق أن يقال عند النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فثارت حميّة الأصحاب، وأرادوا تأديبه، الاّ أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أمرهم بالكف عنه، ثم توجه الي الأعرابي وقال له: تعال معي إلي الدار.

فاصطحبه إلي الدار وأعطاه ما يرضيه وقال له: هل رضيت عنّي؟.

قال الأعرابي: نعم، رضي الله عنك يا رسول الله، ومدحه.

فقال له النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم): اذهب وقل لأصحابي إني ارضيتك وإنّك راض عنيّ.

فجاء اليهم في المسجد وأظهر رضاه عنه (صلي الله عليه وآله وسلم).

94 من سياسة الرسول (ص)

ذكر المؤرّخون: أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لماّ فتح مكّة المكرمة، جعل عليها حاكماً شاباً يسميّ ب(عتّاب) وقرّر له راتباً متواضعاً في كلّ يوم أربعة دراهم، أي مثقالين من الفضّة تقريباً .

وقال له (صلي الله عليه وآله وسلم): أحسن إلي محسنهم وتجاوز عن مسيئهم.

وكانت هذه السياسة من الأركان التي سببّت أن تتحوّل تلك البلاد التي حاربت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عشرين سنة وفيها الطغاة والمردة والكفّار والقتلة والمجرمون، إلي بلاد خاضعة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لأنهّم علموا إذا أساءوا تجاوز عنهم، واذا أحسنوا أحسن اليهم.

وبفضل هذه السياسة المباركة لم تقم مكّة المكرمة ضدّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أبداً، مع انّه (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يجعل فيها جيشاً

ولا رجال أمن ولا إرهاباً وانما سيطر علي القلوب بعطفه ومحبّته وإحسانه.

95 تقسيم بيت المال

لما أمر عثمان بنفي أبي ذر (رضوان الله عليه) إلي الربذة، دخل عليه أبوذر (رضوان الله عليه) وكان عليلاً متوكأ علي عصاه وبين يدي عثمان مائة ألف درهم قد حملت اليه من بعض النواحي وأصحاب حوله ينظرون اليه ويطمعون أن يقسمها فيهم.

فقال أبوذر(رضوان الله عليه) لعثمان: ما هذا المال؟

فقال عثمان: مائة ألف درهم حملت اليّ من بعض النواحي، أريد أضمّ اليها مثلها، ثمّ أري فيها رأيي.

فقال أبوذر(رضوان الله عليه): يا عثمان أيّهما أكثر مائة ألف درهم أو أربعة دنانير؟.

فقال عثمان: بل مائة ألف درهم.

فقال أبوذر: أما تذكر أنا وانت دخلنا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عشاء، فرأيناه كئيباً حزيناً، فسلّمنا عليه، فلم يرد علينا السلام أي رداً ببشر .

فلماّ اصبحنا أتيناه فرأيناه ضاحكاً مستبشراً، فقلنا له: بآبائنا وأمهاتنا، دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيباً حزيناً، وعدنا اليك اليوم فرأيناك ضاحكاً مستبشراً؟.

قال (صلي الله عليه وآله وسلم): نعم كان عندي من فيء المسلمين أربعة دنانير لم أكن قسّمتها وخفت أن يدركني الموت وهي عندي وقد قسّمتها اليوم فاسترحت.

96 علي عليه السلام في سوق القصّابين

روي أنّ قصّاباً باع اللحم لجارية فجار عليها.

فبكت الجارية وخرجت، فرآت عليّا (عليه السلام) فشكت اليه.

فمشي (عليه السلام) معها نحو القصّاب ودعاه إلي الانصاف في حقّها وكان يعظه ويقول: ينبغي أن يكون الضعيف عنك بمنزلة القوي فلا تظلم الناس.

97 الامام الباقر عليه السلام ينصح المنصور

روي في (كشف الغمّة) عن ابن حمدون قال:

كتب المنصور الي جعفر بن محمد (عليه السلام): لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس؟

فأجابه (عليه السلام): ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك، ولا أنت في نعمة فننهيك، ولا تراها نقمة فنعزيك بها، فما نصنع بك؟.

فكتب اليه: تصحبنا لتنصحنا.

فأجابه (عليه السلام): من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لايصحبك.

فقال المنصور: والله لقد ميّز عندي منازل الناس، من يريد الدنيا ممّن يريد الآخرة، وانّه (عليه السلام) ممّن يريد الآخرة لا الدنيا.

98 حلم الإمام السجّاد عليه السلام

ورد انّ رجلاً سبّ الإمام السجاد (عليه السلام)، فأغضي الإمام (عليه السلام) عنه حتي يشعره بأنّه لم يسمع.

فسبّه مرّة ثانية.

والإمام (عليه السلام) ساكت، مغض عنه.

ثمّ سبّه مرّة ثالثة.

والإمام (عليه السلام) ساكت.

فلم يتحمّل الرجل سكوت الإمام (عليه السلام) فقال للإمام (عليه السلام): إيّاك أعني.

فأجابه الإمام (عليه السلام): وعنك أغضي.

99 من هو اكرم الناس

سأل معاوية جلساءه يوما، فقال: من اكرم الناس أبا وأما، وجدا وجدة، وعما وعمة، وخالا وخالة؟

فقالوا: أنت أعلم.

فأخذ معاوية بيد الحسن بن علي (عليهما السلام) وقال: هذا أكرم الناس، أبوه علي بن أبي طالب، وأمه بنت محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، وجده رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وجدته خديجة، وعمه جعفر بن أبي طالب، وعمته هالة بنت أبي طالب، وخاله القاسم بن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وخالته زينب بنت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم).

100 مقتل حجر بن عدي

في سنة 51ه، وبأمر من معاوية قُتل حجر بن عدي والثلاثة عشر من أصحابه صبرا بمرج عذراء.

قال حجر: اتركوني أتوضأ وأصلي، فإني ما توضأت ولا صليت، ولولا أن تظنوا فيّ جزعا من الموت لاستكثرت منها.

قالوا: لقد طالت صلاتك خوفا من الموت.

قال: لم أصل صلاة خفيفة مثل هذه.

ولما حضر الجلاد ليقتله ورفع السيف، وجيء بالكفن، وحفر القبر، قيل لحجر: قدم عنقك.

فقال: لا أساعدكم علي إراقة دمي.

وقد قتل معاوية حجراً وأصحابه، وهم من خيرة أصحاب علي عليه السلام: شريك بن شداد الحضرمي، وصفي بن فسيل الشيباني، وقبيصة بن صنبيعة العبسي، ومحرز بن شهاب السعدي التميمي، وكدام بن حيان العنزي، وعبد الرحمن بن حسان العنزي، و…و…

وقد سمع علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: (يا أهل العراق! سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود) فقتل حجر وأصحابه.

? وكان حجر من فضلاء الصحابة، وكان علي كندة يوم صفين، وعلي الميسرة يوم النهروان، ولما ولي معاوية زيادا العراق وما وراءها، وأظهر من الغلظة وسوء السيرة ما أظهر، خلعه حجر، وكتب فيه زياد إلي معاوية، فأمر أن يبعث به إليه، فبعثه مع وائل بن حجر الحضرمي في اثني

عشر رجلا كلهم في الحديد، فقتلهم معاوية.

ولما حضرت معاوية الوفاة، جعل يقول: يومي منك يا حجر طويل.

وقيل: إن معاوية أول من قتل مسلماً صبراً: حجراً وأصحابه.

???

وهذا آخر ما أردنا ايراده في هذا الكتاب، والله المستعان.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

1 / ذي الحجة / 1418ه ق

محمد الشيرازي

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

-غرر الحكم ودرر الكلام ص 419 ح 9606، وشبهه في أعلام الدين ص 185 فصل مما ورد في ذكر الظلم.

- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج20 ص153.

- راجع بشارة المصطفي ص 273 وفيه: (فقال: يا عمر دعهن فان العين دامعة والنفس مصابة، ابكين واياكن وبقيعة الشيطان، فانه ما يكن من القلب والعين فمن الله وما يكن من اليد واللسان فمن الشيطان)، الحديث.

- مسكن الفؤاد ص 106 الباب الرابع في البكاء.

- مسكن الفؤاد ص 102 الباب الرابع في البكاء.

- راجع حول مخيريق كتاب (أعلام الوري) ص 69 الفصل الثامن في ذكر مكر المشركين برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).

- سورة الأنبياء: 107.

- راجع المناقب ج3 ص16 وفيه: (أفلا ترضي أن تكون بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي).

- سورة الأنعام: 115.

- سورة الإسراء: 81.

- سورة البقرة: 204.

- سورة البقرة: 207.

- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج4 ص 78 فصل في ذكر المنحرفين عن علي(عليه السلام)، والمناقب ج1 ص 110 فصل في معجزات أقواله (عليه السلام)

- المناقب ج1 ص 110 فصل في معجزات أقواله (عليه السلام).

- وسائل الشيعة: ج17 ص341 ب12 ح4 ط الإسلامية، والوسائل ج25 ص429 ب12 ح32282 ط مؤسسة آل البيت.

- وتفصيل الكلام في الفقه، راجع موسوعة

الفقه ج87 – 88 كتاب الحدود والتعزيرات.

- مجوعة ورام ج2 ص 19.

- راجع الاختصاص ص 82 فصل سفيان بن ليلي الهمداني، وفيه: (قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لن تذهب الايام والليالي حتي يلي علي أمتي رجل واسع البلعوم رحب الصدر يأكل ولايشبع وهو معاوية)، الحديث.

- دعائم الإسلام ج1 ص 37 فصل ذكر إيجاب الصلاة علي محمد وعلي آل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم).

- راجع الطرائف ص 169 فصل العلة التي من أجلها صالح الحسن (عليه السلام) معاوية وفيه: (كما رواه عنه أبو سعيد.. قال: قلت للحسن بن علي ابن أبي طالب (عليه السلام): يا بن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وان معاوية ضال باغ، فقال: يا أبا سعيد ألست حجة الله علي خلقه وإماماً عليهم بعد أبي (عليه السلام)، قلت: بلي، قال: الست الذي قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لي ولأخي (هذان ولدي إمامان قاما أو قعدا) قلت: بلي، قال: فأنا إذن إمام لو قمت وأنا إمام لو قعدت، يا أبا سعيد علة مصالحتي معاوية علة مصالحة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية، اولئك كفار بالتنزيل، ومعاوية واصحابه كفار بالتأويل، يا أبا سعيد إذا كنت إماماً من قبل الله تعالي ولم يجز أن يسفه رأيي فيما أتيت من مهادنة أو محاربة وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبساً، الا تري الخضر (عليه السلام) لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسي (عليه السلام) فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتي أخبره فرضي، هكذا أنا سخطتم

عليّ بجهلكم بوجه الحكمة ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا علي وجه الأرض أحد إلا قتل)، الحديث.

- راجع الطرائف ص 199 فصل العلة التي من أجلها صالح الحسن (عليه السلام) معاوية وفيه: (إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، الحديث.

- اشارة الي ما قاله رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الي عمار بن ياسر: (ستقتلك الفئة الباغية).

- إرشاد القلوب ص 193 الباب الثاني والخمسون في أحاديث منتخبة.

- إرشاد القلوب ص 193 الباب الثاني والخمسون في أحاديث نتخبة.

- راجع وقعة الصفين ص 219 الجزء الرابع من كتاب صفين لنصر بن مزاحم وفيه: (إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص مجتمعين ففرقوا بينهما فانهما لن يجتمعا علي خير)، الحديث.

- هذا الحديث مشهور بين جميع الفرق الاسلامية، شيعة وسنة. راجع (الغدير) للعلامة الاميني، والصحاح لأهل السنة.

- المناقب ج3 ص 203 فصل في طاعته وعصيانه (عليه السلام). وتأويل الآيات ص 198 فصل في سورة الأنفال وما فيها من الآيات في الأئمة الهداة.

- راجع نهج الحق ص306 المطلب الرابع في مطاعن معاوية. وفيه: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية بصفين يدعوهم الي الجنة ويدعونه الي النار) الحديث، وشبهه ورد في العمدة ص324 فصل حديث حريق الكعبة.

- المصدر السابق.

- راجع غوالي اللئالي ج1 ص113 ح23 الفصل السابع، وفيه: (من يحقر عماراً يحقره الله ومن يسب عماراً يسبه الله ومن يبغض عماراً يبغضه الله).

- راجع فضائل الأشهر الثلاثة ص 110 ح101 كتاب فضائل شهر رمضان وفيه: (ينبعث اشقي أمتي شقيق عاقر ناقة ثمود ثم يضربك ضربة علي فرقك تخضب منها لحينك). الحديث.

- اعلام الوري ص 85 فصل غزوة بدر الكبري.

- وفي مصادقة الإخوان ص 52

فصل باب ثواب فضاء حوائج الإخوان: (ومن قضي لأخيه المؤمن حاجة قضي الله له يوم القيامة مائة ألف حاجة)، الحديث.

- سورة المائدة: 101.

- الخصال ص523 ح12 فصل في العلم تسع وعشرون خصلة. والأمالي للصدوق ص615 ح1 المجلس التسعون.

- مستدرك الوسائل ج11 ص 183 باب 5 ح 12689.

- بحار الأنوار ج 66 ص 293 باب 37 ح23.

- راجع بحار الأنوار ج 28 ص 30 باب 1 ح 37 وفيه: (ان بني إسرائيل تفرقت علي اثنتين وسبعين ملة وستفترق امتي علي ثلاث وسبعين ملة كلها في النار الا ملة واحدة)، الحديث. ولا يخفي ان روايات اختلاف الامة من بعده (صلي الله عليه واله وسلم) علي اكثر من سبعين فرقة مروية عن طريق الفريقين.

- إرشاد القلوب ص 125 الباب الثاني والأربعون في حسن الخلق وثوابه.

- المناقب ج 4 ص 89 فصل في مقتله (عليه السلام).

- ولا يخفي ان الحديث الصحيح المروي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عن الفريقين هو قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (يكون بعدي اثنا عشر خليفة) راجع مسند احمد، الحديث رقم 19944. والخصال ص 472 ح26 فصل الخلفاء والأئمة بعد النبي (صلي الله عليه واله وسلم) اثني عشر وقد صرح رسول الله بان اولهم علي بن ابي طالب وآخرهم المهدي (عج).

- الطرائف ص 514 فصل في قول النبي (صلي الله عليه واله وسلم) في معاوية لا أشبع الله بطنه. ووقعة الصفين ص 220 الجزء الرابع من كتاب صفين لنصر بن مزاحم.

- وقعة الصفين ص 220 الجزء الرابع من كتاب صفين لنصر بن مزاحم وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ص 289 فصل مفاخرة بين الحسن بن علي ورجالات من قريش.

- راجع

وقعة الصفين ص249 وفيه: (كفياني يا أمير المؤمنين). وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج5 ص 189.

- علل الشرائع ص 4 ح1 الباب السادس باب العلة التي من أجلها صار في الناس من هو أفضل من الملائكة.

- مجموعة ورام ج2 ص29.

- مكارم الأخلاق ص 460 الفصل الخامس في وصية رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر الغفاري.

- مجموعة ورام ج2 ص 195. ومشكاة الأنوار ص 267 الفصل السابع في ذم الدنيا.

- سورة البقرة: 194.

- سورة الحجرات: 9.

- سورة الأنفال: 30.

- كما في قصة مجيئه الي النبي موسي?، والنبي أيوب?، والنبي آدم? و..

- سورة التوبة: 14.

- سورة الحج: 39.

- سورة البقرة: 194.

- راجع إرشاد القلوب ص 29 الباب الرابع في ترك الدنيا. وفيه:

أين الملوك وأبناء الملوك ومن قاد الجيوش ألا يا بئس ما عملوا

باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

فانزلوا بعد عز عن معاقلهم واسكنوا حفرة يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا أين الأسرة والتيجان والكلل

أين الوجوه التي كانت منعمة من دونها تضرب الأستار والحجل

فأفصح القبر عنهم حين سائلهم تلك الوجوه عليها الدود تنتقل

قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا فأصبحوا بعد طيب الأكل قد أكلوا

سالت عيونهم فوق الخدود ولو رأيتهم ما هناك العيش يا رجل

- سورة آل عمران: 161.

- سورة الصف: 8.

- الجعفريات ص 168 باب إكرام الرؤساء، ومكارم الاخلاق ص 24 فصل في جمل من أحواله وأخلاقه (صلي الله عليه وآله وسلم).

- سورة العنكبوت: 2.

- للتفصيل عن حكومة العثمانيين وما فعلوا باسم الإسلام من الكبائر والمحرمات، راجع (موجز عن الدولة العثمانية) للإمام المؤلف. (دام ظله).

-آية الله العظمي السيد الميرزا مهدي الشيرازي (قدس سره).

-راجع منتهي الآمال للشيخ

عباس القمي ج2 ص299 الطبعة المعربة. وفيه:

قال العلامة الحلي في منهاج الكرامة: وعلي يده عليه السلام تاب بشر الحافي، لأنه عليه السلام اجتاز علي داره ببغداد، فسمع الملاهي وأصوات الغناء والقصب تخرج من تلك الدار، فخرجت جارية وبيدها قمامة النقل، فرمت بها في الدرب، فقال لها: يا جارية، صاحب هذا الدار حر أم عبد؟ فقالت: بل حر، فقال: صدقت، لو كان عبداً خاف من مولاه، فلما دخلت قال مولاها وهو علي مائدة السكر: ما أبطأك علينا؟ فقالت: حدثني رجل بكذا وكذا، فخرج حافياً حتي لقي مولانا الكاظم عليه السلام فتاب علي يده. منهاج الكرامة ص32 ضمن الوجه الرابع.

- تبعد عن مدينة دمشق عشرون كيلومتراً تقريباً.

- المناقب ج2 ص272 فصل في أخباره (عليه السلام) بالمنايا والبلايا، وشبهه في أعلام الوري ص33.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.