الفقه: العولمة

اشارة

اسم الكتاب: الفقه: العولمة

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

الموضوع: فقه

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1423 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ

إِلاَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

صدق الله العلي العظيم

سورة الأنبياء: 107

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن العولمة من حيث اللفظ هي من الألفاظ الجديدة في قاموس اللغة العربية، كما إنها من المصطلحات الحديثة في عالم اليوم، وكذلك هي من الموضوعات المستحدثة الكثيرة الزبرج والبهرج، والكبيرة الصدي والسمعة، في عصر الذرة والفضاء، وفي عصر الانترنيت والارتباطات.

لكنها مع ما يبدو من حداثتها وتجددها وبكل جوانبها الفكرية والاقتصادية، والسياسية والمدنية ليست شيئاً جديداً، ولا أمراً حادثاً، وإن كانت العولمة الغربية بطابعها التوسعي العدواني، ومعناها الاستعماري الخفي شيئاً جديداً، وأمراً طارئاً، إلاّ أنّ العولمة الصحيحة التي أرادها الله للبشر التي تجمع بين النمو والازدهار، والعدل والأخلاق، بدأت مع بداية إرسال الأنبياء أولي العزم عليهم السلام، فهي متجذرة وضاربة بجذورها ?كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء?() وأخذت تتبلور وتتكامل أسسها مع بعثة نبينا محمد صلي الله عليه و اله، بالإسلام والقرآن، فإن الوحي نزل علي رسول الله محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله في مكة المكرمة قبل أربعة عشر قرناً بالإسلام مبشراً بالعولمة الصحيحة، وأنزل عليه القرآن دستوراً جامعاً لكل الأسس وجميع القواعد الممهدة لهذه العولمة، وجعلها شاملة لكل الجوانب الفكرية والاقتصادية والسياسية والمدنية، وجامعة لكل عوامل النمو والازدهار، والعدل والأخلاق.

مثلاً: إن القرآن الحكيم يدعو الناس كل الناس إلي أصلين رئيسيين من أصول العولمة الصحيحة ودعامتين مهمتين من دعائمها وأركانها، إلا وهما: كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة.

وبعبارة أخري: إنه يدعوهم في جانب العقيدة إلي وحدة الاعتقاد بالمبدأ وهو الله الخالق الرازق، والعدل الحكيم، الذي

خلق الإنسان في أحسن تقويم بلا مشير ولامعين، ولا ندٍ ولا شريك فيقول: ?إن إلهكم لواحد ? رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق?()، ومن المعلوم أن العقيدة الصحيحة هي الأساس الرصين للعولمة الصحيحة.

كما يدعو في جانب العمل إلي الاتحاد والانسجام، والتكاتف والتعاضد، وتوحيد الكلمة علي التقوي والفضيلة، وعلي الود والمحبة، وعلي التراحم والتواصل فيقول: ?وإن هذه أمّتكم أمة واحدة وأنا ربّكم فاتقون?().

وجعل دعامة هذه الأمة الواحدة، وعمودها الفقري، متقوما بنظام اقتصادي لم يسبق له مثيل، ولن يأتي له نظير، إنه لا يشبه الاشتراكية، ولا يماثل الرأسمالية، بل هو نظام وحيد في نوعه، فريد في شكله، منسجم مع فطرة الإنسان وعقله، محقق لطموحه وآماله، جامع بين العدل والأخلاق، والنمو والازدهار، ومن الواضح: إن توحيد الكلمة هي أيضاً الركن الوثيق الآخر للعولمة الصحيحة.

إن القرآن الحكيم جعل محور هذين الأصلين، ومركز هاتين الدعامتين: القيادة الواحدة والزعامة الموحدة هي الولاية لله الحكيم، خالق الإنسان، العارف بمصالحه، والرحيم به، ثم جعلها لبشر معصومين من الخطأ والاشتباه، ومن الظلم والاستبداد، وهم: النبي الكريم محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله ومن بعده أوصياؤه الطاهرون الاثنا عشر: أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ثم الإمام الحسن، ثم الإمام الحسين، وحتي الإمام المهدي عليهم السلام وعبّر عنهم عليهم السلام بحبل الله فقال: ?واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا?().

وقد أخبر الإمام المهدي عليه السلام عند غيبته بأن الولاية في زمن الغيبة مفوضة من قبله إلي الفقهاء المراجع، الجامعين لشرائط الفتوي، من العدالة والتقوي، والورع والفضيلة، الذين يبنون أمرهم علي التشاور فيما بينهم، وعلي الاهتمام بشؤون الناس، والتضحية من أجل مصالح الأمة ومنافعها، ورفاهها وسعادتها، ومن البديهي: إن القيادة

العادلة، والمضحية بمنافعها ومصالحها من أجل مصالح الناس ومنافعهم، هي محور دائرة العولمة الصحيحة، كقيادة رسول الله صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام المستمدة من ولاية الله، والمؤيدة منه.

وهكذا لم ينس القرآن الحكيم كما عرفت محور العولمة الصحيحة، ولم يغفل عن أركانها ودعائمها، كما لم ينس التنشئة علي العولمة الصحيحة، ولم يغفل عن التربية وفق نظامها، وذلك عن طريق التلقين النفسي، والإيحاء الروحي المستمر، وفي قالب التحية القرآنية والشعار الإسلامي: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» حتي يتطبّع الناس كل الناس بطابع العولمة الصحيحة، ويتكيفوا بكيفيتها، وينسلخوا من ضيق الفردية، ويتخلصوا من خناق الأنانية، وينطلقوا من وثاق الحسد والحقد، والإثرة والاستبداد، إلي عالم الأسرة الواحدة، ودنيا البيت الواحد، الذي يحكم أجواءه التفاهم والتعاون، ويغطي سماءه المحبة والوداد.

إنّه فرض علي الناس جميع الناس: الصلاة لله الواحد الأحد، وبهذه الكيفية الواحدة المعروفة عند المسلمين، وبلغة واحدة، وإلي قبلة واحدة، وشعار واحد وهو: الأذان، وبدعاء واحد وهو: طلب الهداية إلي طريق واحد مستقيم، يعني: طريق رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته عليهم السلام كما جاء في الحديث والتفسير، واجتناب غيره من الطرق المنحرفة، وإهداء السلام والسلامة من الله علي المصلين أنفسهم، وعلي جميع عباد الله الصالحين.

وهكذا بقية ما فرض عليهم من صيام شهر واحد، وبصورة واحدة، وحج بيت واحد، وبهيئة واحدة، ونسك واحد، ووقت واحد، وإلي غيرها من الفرائض الروحية والمعنوية، أو المالية والاقتصادية كالخمس والزكاة، والجزية والخراج التي تربّي الإنسان علي الانسجام في نظام العولمة الصحيحة، وتدربه علي التكيّف وفقها.

إذن: فالعولمة الصحيحة هي العولمة التي جاء بها الإسلام، ودعا إليها القرآن، وبلّغ لها رسول الله صلي الله

عليه و اله وأهل بيته عليهم السلام وهي وحدها العولمة التي تستطيع أن تلبي حاجات الإنسان المعاصر، وتسعد حياته في الدنيا والآخرة..

وهذا الكتاب (الفقه: العولمة) هو من مجموعة مؤلفات سماحة المرجع الديني الأعلي آية الله العظمي الإمام الشيرازي (قدس سره) التي تجاوزت 1250 كتاباً وهو ضمن الموسوعة الفقهية التي بلغت 160 مجلداً، وقد كتبه إشارة إلي ما يمتاز به الإسلام من سبقه الغرب في طرح كل الأمور التقدمية والحضارية، وبأحسن صيغة يمكن طرح ذلك الأمر الحضاري التقدمي، كما طرح صيغة العولمة الصحيحة التي لا قياس لها بما طرحه الغرب، ونحن مساهمة منا في نشر الثقافة الإسلامية الراقية وإغناء المكتبة العلمية الزاهرة، قمنا بطبع هذا الكتاب ونشره راجين من الله التوفيق والقبول، إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص.ب: 5951 / 13 شوران

البريد الإلكتروني: almojtaba@alshirazi.com

كلمة مركز الإمام الشيرازي رحمة الله عليه للبحوث والدراسات

كلمة مركز الإمام الشيرازي رحمة الله عليه للبحوث والدراسات

بسم الله الرحمن الرحيم

العولمة، هي القضية التي كثر الحديث عنها فجأة ليس فقط علي المستوي الأكاديمي، وإنما أيضاً علي مستوي أجهزة الإعلام والتيارات السياسية والفكرية المختلفة، ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا: إن هنالك سيلاً أشبه بالطوفان في الأدبيات التي تتحدث عن الموضوع، ولم يعد الأمر يقتصر علي مساهمات الاقتصاديين، وعلماء السياسة، أو المهتمين بالشؤون العالمية، بل تعدي الأمر ليشمل مساهمات الاجتماعيين والفلاسفة والإعلاميين والفنانين، وعلماء البيئة والطبيعة.

العولمة في مفهومها العام كما تدل الصياغة اللغوية ذات مضمون ديناميكي، يشير إلي عملية مستمرة في التحول والتغيير، فعندما نقول عولمة النظام الاقتصادي أو عولمة النظم السياسية، أو عولمة الثقافة، فإن ذلك يعني تحول كل منها من الإطار القومي ليندمج ويتكامل مع النظم الأخري في إطار عالمي، لذلك ينظر إلي العولمة في مفهومها العام علي أنها اتجاه متنام يصبح معه العالم دائرة اجتماعية وسياسية

واقتصادية وثقافية تتلاشي في داخلها الحدود بين الدول، لذلك يمكن تعريف العولمة بأنها: التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو الانتماء إلي وطن محدد أو إلي دولة معينة، في حين أن هناك مفهوم للعولمة يركز علي أنها: مصطلح بدأ لينتهي بتفريغ المواطن من وطنيته وقوميته وانتمائه الديني والاجتماعي والسياسي. والعولمة بالمعني الرائج: هي درجة من درجات تطور النظام الرأسمالي العالمي.

علماء التاريخ يقولون: إن العولمة الغربية ليست ظاهرة جديدة بل أن بداياتها الأولي بدأت مع بدء عملية الاستعمار الغربي لآسيا وإفريقيا والأمريكيتين ثم اقترنت بالتطور التجاري الحديث لأوروبا، الأمر الذي أدي إلي نظام عالمي متشابك ومعقد ينادي ويروّج له العديد من المفكرين والعلماء والفلاسفة، فلا غرابة من مساهمات هؤلاء العلماء والمفكرين من اقتصاديين وسياسيين وفلاسفة، لأن قضية العولمة لها من الجوانب والزوايا الكثير مما يثير اهتمام كل هؤلاء خاصة وأن كل كاتب عادة ما يركز تحليله علي جانب معين من العولمة، مثل الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو السياسي أو الإعلامي وغيره، لذا يوجد الآن ما يشبه التخصص في تناول العولمة، ومن النادر أن نجد كاتباً أو مرجعاً يتناولها من جوانبها الفقهية، ثم يتطرق إلي الجوانب الأخري دون أن يكون علي حساب المستوي العلمي، أو العمق بالتحليل، بيد أن كتاب (فقه العولمة) للإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (تغمده الله برحمته) يجيء استثناء في هذا المجال، لأن سماحته استطاع بجدارة وموضوعية أن يحيط بقضية العولمة من جوانبها المختلفة، من خلال رؤية عميقة ثاقبة وموسوعية واعية إسلامية متحضرة، ذات نزعة إنسانية.

ونحن اليوم في أمس الحاجة إليها عند تناول هذه القضية، بعد أن افسد الاقتصاديون والتكنولوجيون مفهوم العولمة،

وبعد أن ضيقوا أفق الفهم الحقيقي لها، من خلال الطابع السطحي والدعائي الذي تمحورت بعض كتاباتهم حول هذا الموضوع.

ومهما يكن من أمر، فسوف نلاحظ في كتاب (فقه العولمة) القيّم، أن الإمام الشيرازي (قدس سره) قد أشار إلي مجموعة من الطروحات المهمة التي تستحق التأمل والتفكير لفهم قضية العولمة من منظور إسلامي حضاري متطور يختلف عن المنظور الزائف الذي غالباً ما تطرحه علينا وسائل الإعلام المختلفة.

وأول هذه الطروحات هو أن العولمة الصحيحة هدف إنساني لا غني عنه إلا بنشره وتعميمه، ولا طريق للإنسانية أمامها إلا بالدخول فيها والانتماء إليها، علماً بأنه لم يكن الدخول فيها قد بدأ في هذه الأيام، بل كان مع بداية إرسال الأنبياء أولي العزم عليهم السلام وأخذت تتبلور وتتكامل منذ بدأ عهد الرسالة الإسلامية، فإن الدين الإسلامي الحنيف أول من جاء بأسس العولمة الصحيحة، وبلّغ لها ودعا إليها، لأن الله سبحانه وتعالي وجّه الإنسان وفطّره علي العولمة وأرسل إليه نظاماً عالمياً يحمل طابع الكونية في فكره وثقافته وفي اقتصاده وسياسته، ومن هنا تكوّن مفهوم العولمة الإسلامية.

فكان الدين الإسلامي الحنيف أول من طرح فكرتها الصحيحة، وأول من بني من مفهومها نظاماً اقتصادياً سليماً، وأول من جاء بمستلزماتها ومقوّماتها، وأوّل من بني أسسها وأحكم قواعدها وقد طبّق الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله ومن بعده أهل البيت عليهم السلام العولمة الصحيحة التي جاء بها الإسلام، وحققوا نظام اقتصادها السليم، وسعوا لتبنيها وتحديد مسارها ومعالمها..

فجعلوا بأمر الله تعالي.. الدين واحداً، والمعبود واحداً، والكتاب واحداً، والاقتصاد واحداً، والتاريخ واحداً، والقبلة واحدة، والسنّة واحدة.. والشريعة واحدة، واللغة واحدة ومشتركة بين الجميع، مما يحقق الأسرة الواحدة والبيت الواحد.

فقد دأب الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله والأئمة

الأطهار عليهم السلام علي إطلاق أسس العولمة الصحيحة وتطبيقها بحكمة عالية كانت باستطاعتها تغطية كل العالم بظلال رحمتها وجناح عدلها، غير أن الحكام غير الشرعيين الذين علوا منبر الرسول صلي الله عليه و اله غيّروا وصادروا كل شيء جاء به الرسول صلي الله عليه و اله، وبدلوا كل ما استطاعوا تبديله فحَرموا العالم من رحمة العولمة الصحيحة وعدلها بالشكل المطلوب.

نعم إن رسالة الإسلام رسالة عالمية، لأن الإسلام لم يكن يوماً للعرب وحدهم، ولم يكن القرآن لقريش وحدها، حين قال سبحانه وتعالي وهو يصف رسوله الكريم صلي الله عليه و اله ورسالته المباركة: ?وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين?().

وفي جانب آخر يصف سبحانه وتعالي القرآن الكريم الذي هو دستور السماء لأهل الأرض ?إن هو إلا ذكر للعالمين?().

ومن هنا فإن الحديث عن العولمة الإسلامية حديث عميق في جوهره، فإن الإسلام جاء بها منذ أيامه الأولي، ومن حين بزوغ شمسه المنيرة علي الكون، حيث تتجلي الرسالة العالمية وتتضح العولمة التي جاء بها الإسلام رحمة للناس، كل الناس، وليس لطبقة خاصة كأصحاب الاستثمارات والبنوك الذين لا يرون إلا مصالحهم ولا يعملون إلا من أجل منافعهم.

بالإضافة إلي أنه يستفاد من الأحاديث الكريمة المرويّة عن رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام مقومات العولمة الإسلامية، فتري مخاطبتها لكل العالم، بلا حرج، وخاصة فيما يخص التماسك والترابط الاجتماعي، والتحابب والتوادد العاطفي، وتحويل المجتمع الإنساني الكبير إلي أسرة صغيرة واحدة يسودها الحب والحنان والرحمة والإحسان، فنري الرسائل التي بعثها الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله إلي رؤساء العالم يدعوهم فيها إلي الإسلام، ليسلموا في دنياهم وآخرتهم، وينذرهم عاقبة التمرّد والاستبداد، ويحملهم أوزار رعاياهم وشعوبهم إن هم بقوا علي

كفرهم، إلي غيرها مما يفصح عن دعوتهم إلي الانتماء إلي الأسرة الواحدة والبيت الواحد والفكر الواحد ألا وهو التوحيد، وبيت العدل والمحبة، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يراعي بالإضافة إلي العبارات الأدبية والكلامية في رسائله الأبعاد التبليغية، والأهداف السياسية والدبلوماسية، وأدت بالنتيجة إلي انتصار الإسلام وانتشاره وبسط دولته العادلة ونفوذه الحكيم علي مختلف بقاع الأرض، ومن هنا لابد من التأكيد علي عالمية الدعوة الإسلامية من خلال تلخيص روح الرسالة الإسلامية في شعار التوحيد ?لا إله إلا الله? وهذا هو سر علو الإسلام وعطائه العالمي، ولا ريب في أن أساس الأيديولوجية الإسلامية المتمركزة في ذلك الشعار الخالد يمتلك أروع وأقوي إمكانية للعالمية علي المدي المتواصل، وكذلك فإن انتشار الإسلام وبسرعة فائقة ورغبة ملحّة من الشعوب في أكثر مناطق المعمورة هو مصداق بارز وواضح للعولمة الإسلامية التي تنسجم مع فطرة الإنسان، وبكل أبعادها الفكرية والثقافية والدينية والتعبدية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والتجارية وغير ذلك من الأبعاد الحيوية الأخري، فهي نزعة إنسانية، وطريقة فطرية بشرية، دَعّم أساسها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله بأمر من الله تعالي مع تقويم منه للمنحدرات الاجتماعية والاعوجاجات الجاهلية.

وقد صرّح بذلك القرآن الكريم ودعا إليه في آيات متعددة كقوله تعالي: ?وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم?().

وقوله تعالي: ?وما أرسلناك إلا كافة للناس?().

وقوله سبحانه وتعالي: ?إن هذه أمتكم أمة واحدة?().

إن الله سبحانه وتعالي جعل أمه المسلمين أمة واحدة، وجعل لها حضارة عريقة، وأسلوباً جديداً في الأمور الحياتية ومنهجاً حديثاً في الشؤون الاقتصادية.

ميزات العولمة الإسلامية

وهنا لابد من توضيح أهم ميزات العولمة الإسلامية التي طرحها الإمام الشيرازي رحمة الله عليه في هذا الكتاب القيّم وذلك في مختلف الأصعدة والعديد من المجالات:

1: الإطار النظري

إن المفهوم الديني أو الوازع الإسلامي الإلهي، يهذب النفوس، ويطبع علي القلوب محبة الآخرين، وإيصال النفع إليهم، ودفع الضرر والشر عنهم، لأن الإسلام دين سماوي جاء ليرسم سعادة الإنسان، وليس موضوعاً من الموضوعات البشرية.

2: الإطار التطبيقي

من المؤكد واليقين أن العولمة الإسلامية قادرة علي رفاهية وإرغاد حياة البشر، وإسعاد بني الإنسان دنياً وآخرة، فالعولمة الإسلامية هي وحدها من بين الجميع، الجامعة للنمو والازدهار، والعدل والأخلاق للبشرية جمعاء، وتاريخ رسول الله صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام خير شاهد علي ذلك.

3: الإطار الاقتصادي والمعنوي والأخلاقي

إن عدم الاحتكار هو ميزة جوهرية للاقتصاد الإسلامي، وكذلك خضوع النظام الاقتصادي وتأطير العمل التجاري في الإسلام لأحكام الدين وقوانين الشرع الحنيف، وعليه فإن العولمة الاقتصادية الإسلامية حملت بين جوانحها كل مقوّمات الحضارة والسعادة والتقدم والرقي والازدهار والتطور، ونفي الفقر والحرمان، فهي تشتمل علي الحكومة الشرعية والاقتصاد الأمين، والقوانين المالية العادلة، والوحدة العالمية بكل أبعادها الحضارية مضافاً إلي الآداب الإنسانية الراقية، والقواعد الأخلاقية التقدمية.

وعليه فلابد لنا نحن المسلمين من ترك السياسات الاقتصادية الضيقة، التي لا تمت إلي الإسلام بصلة، والعمل علي سياسة التكتل الاقتصادي الإسلامي الضخم، لمواجهة التكتلات الاقتصادية العملاقة، ولابد من اغتنام الفرصة وانتهازها للدخول في النظام العالمي الجديد: العولمة، وتحديها بشكل إيجابي وذلك بوضع أسس التعاون الاقتصادي الإسلامي وآراءه في نظام اقتصادي كامل وشامل.

وهنا تري سماحة الإمام الشيرازي رحمة الله عليه يؤكد علي حتمية إرساء أسس لنظام اقتصادي عولمي إسلامي متطور غايته الرفاهية والازدهار للمسلمين وهدفه العدل والأخلاق، فيحددها (قدس سره) بالأسس التالية:

? طرح أصول الاقتصاد الإسلامي المستنبط من القرآن والسنة النبوية الشريفة، ودعوة كل اقتصاديي العالم إلي مدارسته ومذاكرته، وإيجاد أفضل الطرق إلي تطبيقه وتنفيذه، وعليه فإن الاقتصاد الإسلامي قد أثبت جدارته في إنقاذ البشرية من الفقر، وإرغاد العيش للجميع، وهو اليوم قادر علي تحقيق أمنيات الناس في الحياة لأنه قانون السماء الذي جاء به الوحي لإنقاذ أهل الأرض.

? لابد من وجود مركز إسلامي

اقتصادي عالمي، يقوم بتقييم السبل التطبيقية واقتراح السياسات الاقتصادية الإسلامية، ويسعي هذا المركز علي تحجيم وتحديد الاختلافات الموجودة، ويضم هذا المركز العديد من خبراء الاقتصاد الإسلاميين للتفكير في الأساليب والسياسات الاقتصادية الإسلامية في ظل المتغيرات الدولية والعالمية.

? العمل الجاد علي تعديل السياسات المالية والنقدية والمصرفية التي تخالف القوانين والسياسات الإسلامية وجعلها تتوافق مع الاقتصاد الإسلامي القويم، وكذلك تحرير المبادلات التجارية من كل القيود والمضايقات، مثل انتقال عناصر الإنتاج والمنتجات والأشخاص، ورأس المال المؤطر بإطار الاقتصاد الإسلامي فيما بين البلدان الإسلامية، فلا جمارك ولا ضرائب، بالإضافة إلي حرية الملكية الشخصية وحرية جميع أنواع الكسب والتجارة في إطارها الإسلامي الصحيح.

? التأكيد علي قيام سوق إسلامية مشتركة لرأس المال وحركته علي مستوي البلدان ووضع إطار تطبيقي يتلاءم مع المتغيرات الحاصلة في الأسواق العالمية للاقتصاد، والارتقاء بالقدرات البشرية والإمكانات التقنية، وذلك علي مستوي البلدان الإسلامية.

? العمل علي استشراف آفاق المستقبل، ورسم صورة مستقبلية لموقع البلدان الإسلامية في الخريطة الاقتصادية الدولية، وتحديد مفهوم معين للأمن الاقتصادي الإسلامي، والعمل الجاد علي الوصول إلي الاكتفاء الذاتي الاقتصادي في البلدان الإسلامية، ووضع أسس لبناء القدرة التنافسية، علماً بأن التنافس التجاري والصناعي يعد كما هو معلوم من أهم عناصر التنمية الشاملة في البلدان الإسلامية، كما يلزم السعي للاستفادة من التجارب الاقتصادية العالمية في مجابهة العولمة، فإن العولمة الإسلامية هدفها ومحورها رفاهية وإسعاد حياة البشر.

العولمة الغربية

هنا يتبادر إلي الأذهان السؤال التالي، ما هي العوامل التي أدت إلي إبراز العولمة الغربية في الوقت الحالي؟.

إن العولمة الغربية ظهرت بعد انهيار الشيوعية، وانفجار الاشتراكية في الداخل وتفكك اليمين التقليدي، فخرجت الليبرالية الجديدة باسم العولمة لتغزو الدول، وتدعو إلي حرية انتقال رأس المال، وإلغاء الحواجز الجمركية، وتطيح بالأنظمة لتعزيز

حرية المبادلات التجارية، وذلك تحصيلا للربح الأكثر ولو كان علي حساب الآخرين، مما أدي إلي تباعد بين النشاط المالي والنشاط الاقتصادي، فمن أصل 1500 مليار دولار تدخل العمليات اليومية علي الصعيد العالمي هنالك 1% فقط يوظف لاكتشاف ثروات جديدة، ويُدَوّر الباقي في إطار المضاربات، إذن هي مشروع أيديولوجي لليبرالية جديدة وثيقة الصلة بمنطق الرأسمالية المالية، لا تتطور ولا تجدد آلياتها أو تتقدم إلا بفعل التناقض الحاصل ما بينها وبين تقدمها وتطورها من جهة، وما بين التهميش الحاصل، سواء علي مستوي الدولة الواحدة، أم علي المستوي العالمي، ذلك التهميش الذي نجم عنه الاستقطاب الصارخ للثروات والدخول، إلي جانب تلازم هذه الظاهرة مع اتساع ظاهرة الفقر والبطالة سواء في المراكز الرأسمالية الأساسية، أم في الأطراف، وهي لا تتخذ شكل فضاء اقتصادي عالمي يقوم علي الاعتماد المتبادل كما يُرَوّج لها، إنما تبرز هذه العولمة بوصفها صراعاً تجارياً ومالياً قاسياً، يزيد من حدته الاستقطاب الذي يؤدي بدوره تعميق الهوّة في مستوي التطور بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب إلي جانب المشكلات الاجتماعية في بلدان العالم أجمع.

إلاّ أن جوهر العولمة الغربية، لا يكمن في مظهرها، بقدر ما هو كامن في مضمونها، فإنها تمثل المشروع الغربي الحامل للمشروع الأيديولوجي للّيبرالية الجديدة التي ترتكز علي قوانين حرية السوق والحرية المطلقة لانتقال البضائع والأموال والأشخاص والمعلومات والثقافة عبر الحدود، دون أيّة قيود لتحصيل الربح الأكثر، إلي جانب تقويم أسعار الصرف وإزالة القيود عن النظام المصرفي.

وللعولمة الغربية جانبها الثقافي، الذي يبدو أكثر قتامة من جانبها الاقتصادي والسياسي، وإن كان مكملاً لذلك الجانب، فالعولمة الثقافية تهدف إلي السيطرة الغربية علي سائر ثقافات العالم، مستفيدة من وسائل الاتصال والتكنولوجيا المتقدمة التي تنشر بواسطة ما تملكه من إمبراطوريات

إعلامية واسعة، ثقافة السوق والاستهلاك بواسطة الصوت والصورة علي حساب القراءة والكتاب، فتسعي إلي تكريس جديد من المعايير التي ترفع من القيمة النفعية والفردانية والنزوع المادي والغرائزي المجرد من أي محتوي إنساني، وهنا نلاحظ أن العولمة الثقافية الغربية بوصفها أيديولوجية تعكس إرادة الهيمنة علي العالم، تمثل ثقافة الاختراق، بمعني التطبيع مع الهيمنة وإشاعة الاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري الذي يشكل الهدف الأول والأخير للعولمة الثقافية، هذه العولمة التي تهدف إفراغ الهوية الجماعية من محتواها وتدفع إلي التفتيت والتشتيت من جهة، إضافة لزعمها موت الأيديولوجيات كما تؤكد وتسوّغ هذا الشكل الجديد من السيطرة والهيمنة من جهة أخري.

ومنذ عملية الترويج للعولمة، تثار مسألة هي علي جانب من الأهمية، فمن المستفيد من سيادة العولمة علي العالم؟.

إن العولمة بالإضافة إلي أنها تأتي رداً علي أزمة الرأسمالية العالمية المعاصرة، وتكون غطاء للمشروعات الأمريكية في الهيمنة علي العالم، لابد أن تحقق هذه العولمة منافع لجهات أخري أيضاً، فإن التمعّن في هذه المسألة يجعلنا نصل إلي استنتاج بأن هناك مستفيدين آخرين، فالشركات متعددة الجنسيات والمافيات والحركات الصهيونية هي بلا شك من أهم المستفيدين من العولمة الغربية في تجلياتها المالية والاقتصادية والثقافية والسياسية.

فالشركات متعددة الجنسيات تريد أن يكون العالم بأجمعه مسرحاً لنشاطها، وتريد أن تدخل وتخرج من وإلي مختلف دول العالم هيَّ وبضائعها وأموالها، بلاحدود ولا قيود، وقد تبيّن من متابعة مفاوضات الأرغواي التي انتهت عام 1994م، بتوقيع اتفاقية (الغات) الجديدة، وإقامة المنظمة العالمية للتجارة، الدور الحاسم لمندوبي الشركات متعددة الجنسيات في إقرار هذه الاتفاقية، ولا شك أن المافيات يهمها أيضاً انفتاح السوق، وحرية حركة الأموال حتي إذا كان علي حساب الآخرين، لذا فهي صاحبة مصلحة في سيادة قوانين العولمة الغربية، ولابد هنا من

الإشارة إلي تقرير التنمية البشرية لعام 1999م، الذي تناول تنامي دور الجريمة المنظمة في العولمة الغربية، فإنها تتيح فرصاً جديدة ومثيرة لمجرمي العالم من خلال حركة رأس المال وخفض الحواجز أمام التجارة الدولية، وانتقال السلع عبر الحدود، كما أن الاضطراب الناجم عن الانهيار الاقتصادي الذي تسببه العولمة يخلق أفواجاً من العاطلين والصالحين للاستغلال من جانب الشركات متعددة الجنسيات.

وتبدو قتامة المستقبل التي ستكون صوره من الماضي المتوحش للرأسمالية في فجر شبابها إذا ما سارت الأمور علي منوالها الراهن.

حينها نري سماحة الإمام الشيرازي (قدس سره) ينطلق من هذا التشخيص في الجوهر الفكري الذي يكوّن أساس فكره في مسائل العولمة حيث يشير إلي أن في ظل العولمة الغربية هناك فقط 20% من السكان الذين يمكنهم العمل والحصول علي الدخل والعيش في رغد وسلام، أما النسبة الباقية 80% فتمثل في نظرتهم السكان الفائضين عن الحاجة، وإزاء هذا التدهور الحادث في أوضاع الطبقة الوسطي والعمال ومختلف الشرائح الاجتماعية محدودة الدخل، راح الإمام يؤكد بأن هذا النوع من العولمة ما هو إلا نتيجة حتمية خلقتها سياسات معينة بوعي وإرادة الحكومات والبرلمانات التي وقعت علي القوانين التي طبقت السياسات الليبرالية الجديدة، وألغت الحدود والحواجز أمام حركات تنقل رؤوس الأموال، وسحبت المكاسب التي حققتها الطبقة الوسطي والعمال، وانتهاءً بالتوقيع علي اتفاقية (الغات) التي ستتولي توقيع العقوبات علي من لا يذعن لسياسة حرية التجارة، ففي كل هذه الأمور لم تكن هناك حتميات لا يمكن تجنبها بل إرادات سياسية، واعية بما تفعل وعبرت عن مصلحة الشركات دولية النشاط.

ومن الطروحات القيمة التي عرضها الإمام الشيرازي رحمة الله عليه في كتابه (فقه العولمة) والتي تدلّ علي عبقرية سماحته ودقة فهمه وتحليله للأوضاع التي سادت العالم هو أنه

مع نمو العولمة يزداد تركيز الثروة، وتتسع الفروق بين البشر والدول اتساعاً رهيباً لا مثيل له؛ نلاحظ أن 358 مليارديراً في العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه 2.5 مليار من سكان الأرض، أي ما يزيد قليلاً علي نصف سكان العالم، وأن هنالك 20% من دول العالم تستحوذ علي 85% من الناتج العالمي الإجمالي، وعلي 84% من التجارة العالمية، ويمتلك سكانها 85% من مجموع المدّخرات العالمية، هذا التفاوت القائم بين الدول يوازيه تفاوت آخر داخل كل دولة، حيث تستأثر قلّة من السكان بالشطر الأعظم من الدخل الوطني والثروة القومية، في حين تعيش أغلبية السكان علي الهامش.

وبعد أن يفصّل سماحته الكلام حول هذا النوع من العولمة، فقد حسم الجدل بين الباحثين والمفكرين بتحليله الدقيق لهذه الظاهرة حين يقول: إن نموذج الحضارة الذي ابتكره الغرب لم يعد صالحاً لبناء المستقبل، أي لبناء مجتمعات قادرة علي النمو والانسجام مع الفطرة والبيئة وتحقيق توزيع عادل للثروة والدخل، ويعتقد (قدس سره) أن الدعاية المفرطة لهذا النموذج كانت جزءً من الحرب الباردة، ولهذا تسود الآن حسب رأي الإمام عملية نوع تحول تاريخي بأبعاد عالمية واضحة، ينعدم فيها التقدم والرخاء، ويسود التدهور الاقتصادي والتدمير البيئي، والانحطاط الثقافي، في ضوء حضارة التنميط التي تسعي العولمة الغربية لفرضها.

ويري سماحته قضية علي جانب كبير من الأهمية، ولها علاقة وثيقة بالعولمة الغربية والتي تكشف حقائق يتغافل عن إثارتها الكثير من الباحثين الغربيين وأهل السياسة ألا وهي قضية النمو المطرد للبطالة، وما يرتبط بها من تقليص في قدرة المستهلكين واتساع دائرة المحرومين، فَتحْتَ تأثير الركض المحموم وراء الأرباح المرتفعة التي أصبحت تتحقق في الأسواق النقدية والمالية للبعض فقط، راحت القطاعات تتنافس وتتصارع من أجل خفض كلفة الإنتاج، وكان

التنافس ضارياً والضغط شديداً علي عنصر العمل للوصول إلي مسألة الأجور إلي أدني مستوي ممكن.

ويحدد الإمام (قدس سره) بأن هذا الأمر لم يقتصر علي الذين أُبعدوا عن أعمالهم، بعد أن حلت الآلات الحديثة والمتطورة مكانهم في مواقع الإنتاج المادي، بل امتد الأمر ليشمل أيضاً مهن الطبقة الوسطي حيث تولت عمليات إعادة هندسة عنصر العمل، والاستخدام الموسع لأجهزة الكومبيوتر مهمة الاستغناء عن عشرات الآلاف من الوظائف والمهن التي كان يقوم بها هؤلاء، وكانت مذبحة العمالة قاسية جداً في البنوك وشركات التأمين وقطاع صناعة برامج الكومبيوتر وكذلك الصناعات الثقيلة كصناعة الصلب والسيارات وكذلك صناعة المواد الكيميائية والصيدلانية وكافة الأجهزة الإلكترونية وغيرها.

بالإضافة إلي هذه المسائل فقد تفرّد الإمام ببحث قضية العلاقة بين الديمقراطية والسوق أهمية خاصة، وهي العلاقة التي يعتقد مروّجو قيم العولمة الغربية أن طرفيها متلازمان لا يفترقان، حيث يرون أن الديمقراطية تتطلب السوق، كما أن السوق يتطلب الديمقراطية، لكن الإمام (قدس سره) يري أن اقتصاد السوق والديمقراطية ليسا هما الركنين المتلازمين دوماً، واللذين يعملان بانسجام لزيادة الرفاه للجميع، وأن الأمر الأقرب للحقيقة والواقع في ظل نظام العولمة الغربية هو التعارض بين الديمقراطية لصالح البعض والسوق، ويستند في ذلك إلي خبرة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تجري الآن في مختلف بلاد العالم في ضوء السياسات الليبرالية الجديدة التي تستند عليها العولمة، فالديمقراطية التي يُجري الدفاع عنها الآن هي تلك التي تدافع عن مصالح الأثرياء والمتفوقين اقتصادياً، وتضر بالعمال والطبقة الوسطي.

وهو ما نراه في الدعوة للتخفيض المستمر للأجور وزيادة ساعات العمل، وخفض المساعدات والمنح الحكومية، كما يشير الإمام (قدس سره) إلي أن الديمقراطية الحقة تمارس فقط حينما يكون الناس في مأمن ضد غوائل الفقر والمرض والبطالة، وأنه ما لم

يتحقق الاستقرار والتقدم في حياة الناس، فسيبقي الناس مهددين بأن تحكمهم نظم تسلطية.

ومن هنا يعتقد الإمام رحمة الله عليه أن ديمقراطية العولمة الموجودة حالياً التي تنحاز بشكل مطلق لبعض الأغنياء هي المسؤولة الآن عن كثير من مظاهر التوترات الاجتماعية المتصاعدة في مختلف أصقاع المعمورة؛ صحيح أن تكامل الأسواق عالمياً، وحرية التجارة، وضمان تنقل السلع ورؤوس الأموال دون حواجز من شأنها أن تزيد من الدخول القومية للبلاد الصناعية المتقدمة، ألا أن التوزيع الملائم لمكاسب هذه الزيادة لايتم ما لم تحكمها القوانين الإسلامية العادلة، ولهذا يؤكد السيد الشيرازي أن عجلة العولمة الصحيحة لا يمكن أن تستمر في الاندفاع، دون ما يسمي بالتكافل الاجتماعي وبيت المال ومنح فرص العمل للجميع والحريات الاقتصادية الإسلامية، الذي ترعاه الدولة، لذلك يري أن وجود نظام حكومي يرعي هذا التكافل وهذه الحقوق، هو الضمانة لاستمرار التأييد الواسع الذي لا يزال يمنحه المواطنون في البلدان الصناعية لنظام السوق.

ولذلك يلزم أن لا ننسي مختلف أشكال النضال التي تتم الآن، لتحقيق الديمقراطية المضادة لدكتاتورية الأسواق المعولمة، والمواجهة لبرامج الأحزاب الغربية الرامية لهدم دولة الرفاه والتكافل الاجتماعي، فهناك الملايين من الناس الذين يطالبون، بطريقة أو بأخري، بوقف جنون السوق العالمية ومراعاة إنسانية الإنسان، وحماية البيئة والعدالة الاجتماعية.

وأياً كان الأمر، فإنه بالرغم من موجة النقد التي قادها السيد الإمام في هذا الكتاب لفوضي العولمة الغربية، وطغيانها المدمر للعدالة الاجتماعية، والاستقرار الاجتماعي وإساءتها للبيئة، فإنه يدعو رحمة الله عليه لإعادة طرح مشروع دولة الرفاه ولكن بصيغة إسلامية، وهذا يبدو واضحاً من المسائل والأفكار التي طرحها وهي الأفكار التي تعد إنها كفيلة بأن تمنع قيام مجتمع العشرين في المائة، وتحقق العدالة الاجتماعية والاستقرار وتحمي البيئة.

وبعد؛ فلابد أن نعي ونعرف نحن

المسلمين مخاطر عولمة الغرب وإضرار سيطرة أوروبا وأمريكا علي العولمة الجديدة، فإنها حسب رؤي الإمام لا تفكر إلا في نفسها ولاتبصّر الأمور إلا بمنظارها المادي البحت، وتخطط للقضاء علي الإسلام والمسلمين لأنها تراهما يدعوان إلي عولمة صحيحة لا تقوم علي الهيمنة والاستثمار، والاستبداد والاستضعاف وإنما تبتني إلي جانب النمو والازدهار علي المثل والقيم، وعلي العدل والقسط، وعلي الرحمة والرأفة، وعلي التعاون والتوادد، وعلي التبادل والتواصل.

وعليه فإن العولمة الصحيحة التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف، ضرورة ملحة، وخاصة في مثل هذا العصر، لأن الإمام الشيرازي يحدد أن عملية تصدير الثقافة والمعلومات وتصدير الفن والعلوم والتقنية، وتصدير المواد الخام والمواد الأولية لاتختلف عن سائر العمليات التجارية الأخري، فكل واحد منها له تقنياته وأساليبه، وما كان محرماً، فيمكن تنظيم قواعد وقوانين لبيان حرمتها حتي تتجنبها، أو تعديلها وفق ما هو جائز وحلال، لأن العولمة الغربية كما هو معلوم تشمل أهداف غير إنسانية وغير أخلاقية، وأن جلّ تفكيرها مضافاً إلي الربح المادي ولو علي حساب الآخرين، في الغزو الفكري والثقافي، لأن العولمة الغربية رغم طابعها الكوني، وما توظفه من طاقات وتوسعها المستمر، ليست قدراً محتوماً تحدد مصير العالم الثالث أو مصير المسلمين، بل إن هذا المصير مرتبط إلي حد كبير بما سنعمل نحن المسلمين وكيف سنواجه التحديات، ولا يفيدنا تجاهل ما يجري حولنا أو الاكتفاء برفضه فقط، وهنا ينصحنا الإمام بالتمسك بالعولمة الإسلامية ومقوماتها ابتداءً من الإعلام وانتهاءً بالعمل الخارجي، فنحفظ علي قيمنا ومبادئنا ويلزمنا هداية الآخرين حتي الغربيين لذلك.

وفي الختام لابد من استعراض التأكيدات علي الحقائق التالية التي تحدد مكانة المسلمين من الظاهرة الجديدة المسماة بالعولمة:

الحقيقة الأولي

إن النظام العالمي الجديد والعولمة الغربية هي صناعة أمريكية، وضعت استراتيجيتها منذ

عقود خلت، ودخلت حيز التنفيذ بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وترك الساحة مفتوحة للاعب الأمريكي، وهي بذلك لا تكون لصالح البشر، حيث لم يكن الإنسان بما هو إنسان، المحور فيها، غير أن العولمة الإسلامية هي التي تكون بصالحه تماماً وأنها تتميز بميزة تقديم حقوق الإنسان عليها، وجعلها المؤشر الرئيسي لتوجيه مسار العولمة لأنها وحدها حسب قول الإمام تجمع النمو والازدهار، والعدل والأخلاق.

لذلك لا يمكن قبول فكرة هيمنة السوق بصورة مطلقة علي عملية العولمة دون اعتبارات إنسانية وحقوق الإنسان وكرامته.

الحقيقة الثانية

الرأي القائل بأن المجتمع الغني بالمعلومات والمدعوم بعتاده الآلي الحديث سوف يقضي بوحده علي الأمراض الاجتماعية الراهنة والتخلف المخيف، هو رأي بعيد عن الواقع، فليس من الصحيح ما يتصوره بعض أبناء الأقليات الغنية بأنهم سوف يتغلبون بصورة سحرية عندما يوجهون نظم الكومبيوتر، علي سنوات الحرمان المتراكمة عبر الأجيال، دون الالتفات إلي الواقع الذي أغلبه من الفقراء والمعدمين والمحرومين علي مستوي العالم وبلدان العالم الثالث علي وجه الخصوص، مضافاً إلي فكرة استخدام علاقات القوي السياسية لفتح الأسواق العالمية قسراً، وغزوها قهراً من دون مراعاة القوانين الإنسانية والإسلامية.

فالعولمة التي ينبغي طرحها علي الساحة العالمية والتي تتضمن الإنقاذ الحقيقي للبشرية، في مختلف أبعادها حتي الإنساني والمعنوي منها، فإنها لا تتحقق إلا في ظل العولمة الإسلامية الحكيمة التي تلبي حاجيات الإنسان الفطرية والمادية والمعنوية، وتحترم حقوقه المشروعة وتنشر العدل والقسط في العالم.

الحقيقة الثالثة

ليس من الصحيح تصديق كل ما يقال من أن النظام العالمي الجديد الذي خرجت من إطاره العولمة الغربية سيعمل علي تحقيق العدالة والمساواة بين كل شعوب العالم، وأن هدفه الأول تحقيق ضمان حقوق الإنسان وصيانة كرامته وحل النزاعات الدولية، ولكن ما حدث ويحدث عكس ما يقال ويسمع، فالولايات المتحدة وهي الدولة التي تقود النظام العالمي الجديد وترعي العولمة، هي المسؤولة عن العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان في العالم.

وعليه؛ فإن العولمة الصحيحة التي أمر بها الإسلام، في مجال حقوق الإنسان تدعو للانفتاح علي الآخرين وتأمر بالأخذ والعطاء معهم، فإنه كلما يتم التعاهد أو التوافق بين المجتمع الدولي علي أهداف محددة، أو مفاهيم معينة، مقابل التزامات يقبلها الجميع، تأمر بالمشاركة وتعاون الدول فيما بينها لتطبيقه وتضمن المنع من الانتهاكات لحقوق الإنسان، وكذلك الالتزام بالمفاهيم التي أقرها المجتمع الدولي من

خلال أكثر من مائة اتفاقية ومعاهدة وإعلان رسمي، وبيان دولي، وعدّ ما جاء فيها من حقوق الإنسان بأنه كلٌّ لا يتجزأ، فالإسلام قد بين حقوق الإنسان في بدو رسالته.

الحقيقة الرابعة

إن التقنيات الحديثة قد أثارت حماساً شديداً، كما أثارت العديد من التنبؤات غير المدروسة بفوائد اجتماعية واسعة النطاق، إذ يقال: إن استخدام الآلات الإلكترونية الحديثة ستوفر في وقت واحد كم وكيف وفورية إعلامية ومعلوماتية ستعمل إلي جانب تقليص المسافات والمساحات الجغرافية علي تضييق الفجوة بين الجنوب والشمال، وبين الفقر والغني، غير أن ما يحدث في الواقع العملي عكس ما بشر به دعاة العولمة، فالفجوة تزداد اتساعاً بين من يملك وبين من لا يملك، بين الأغنياء وبين الفقراء، بين القادرين علي حيازة تكنولوجيا المعلومات والتعليم عليها، وبين غير القادرين علي المستوي الوطني والإقليمي والدولي، وإن الفجوة ستزداد اتساعاً، وإذا ما اعترفنا بعمق الفجوة المعرفية والتقنية، فإنه من غير الصحيح إنكار جوانب أخري وأمراض عديدة وخطيرة خارجة عن نطاق سيطرتنا، فما يحدث الآن هو تعديات مخيفة علي خصوصيات بيوتنا وثقافاتنا ومحرمات لم يسبق انتهاك حرمتها.

الحقيقة الخامسة

وبناءً علي ما تقدم فإن العالم اليوم بحاجة ملحّة إلي مشروع عالمي مبني علي العدالة والإنسانية تلتقي عنده شعوب الأرض وتجتمع عليه، مشروع يوحّد كل هذه الشعوب ويسمح لها في نفس الوقت بالتمايز الذي يحفظ عبره الهوية وأصالة كل شعب لنفسه، هذا المشروع يجب أن يقوم علي أساس المساواة حتي يستطيع أن يبلغ هدفه الأساسي، الذي هو تحقيق العدالة والسلام والتقدم للبشرية جمعاء، بالإضافة إلي توفير إدارة جيدة لشؤونها المشتركة.

وعليه فإن النظام الأفضل حسب ما يراه الإمام الشيرازي رحمة الله عليه يجب أن يتركز عليه هذا المشروع والذي أخذ من نوره أيضاً ميثاق الأمم المتحدة: هو ما جاء به الإسلام العظيم، وبلّغ له الرسول الكريم صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرون عليهم السلام، فإنه النظام الشامل والكامل الذي يستطيع أن

يلبي حاجات الإنسان، ويحترم حقوقه المشروعة وينشر العدل والقسط بالعالم.

مركز الإمام الشيرازي للبحوث والدراسات

بيروت لبنان / 1423ه 2002م

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد: إن الله تعالي شرّع الإسلام وضمّنه كل ما يحتاج إليه الانسان من اقتصاد وسياسة، واجتماع وعولمة وغيرها، وجعله يمتاز علي غيره من الأديان والمبادئ بامتيازات كثيرة، وإن من أهم تلك المميزات هو: الاهتمام بالانسان وجعله المحور في هذا الكون، حيث سخر له كل ما فيه، وخاطبه بالأحكام والتكاليف، وراعي فيه جانبيه الذين أودعهما تعالي فيه، جانب الروح وجانب الجسم، أو جانب المعني وجانب المادة.

بينما الغرب ليس كذلك، فإنه عادة ينظر إلي الأشياء كلها من الجانب المادي فقط كما إنه لا يهتم بالإنسان كمحور في هذا الكون، ولذلك جاءت عولمته التي طرح فكرتها وحاول تطبيق نظريتها في العالم خالية من المعنويات، ومن الاهتمام بالإنسان، وإنما تتمحور عولمته حول الاقتصاد والماديات، وتري التنمية والنمو الاقتصادي للبعض فقط هو كل شيء حتي وإن كان ذلك علي حساب سعادة الإنسان بل وحياته أيضاً، فكانت عولمته ناقصة، فيها النمو والازدهار الاقتصادي في الجملة للبعض علي حساب الآخرين، وليس فيها العدل والأخلاق في الجانب الإنساني.

وعلي أثر ذلك نتج الفقر والحرمان، والجهل والمرض، والحرب والدمار، فملايين الجائعين، وملايين المرضي، وملايين الأميين، وملايين المعوّقين، وملايين المشرّدين والمهجّرين، وما إلي ذلك من المآسي والويلات المترتبة علي مادية الغرب ومادية عولمته.

بينما عولمة الإسلام الناظرة إلي الجانب الروحي والمادي معاً، والمراعية للمعنويات أيضاً، والمهتمة بالإنسان كمحور أساسي، جاءت كاملة شاملة تجمع بين النمو والازدهار الاقتصادي، وبين العدل والأخلاق في الجانب الإنساني، فهي وحدها الصالحة لإصلاح العالم ولإسعاد العالمين، لأنها تجمع بين النمو والازدهار، والعدل

والأخلاق، وقد كتبت هذا الكتاب لبيان هذه الميزة التي تميز بها الإسلام وتميزت بها عولمته الصحيحة والشاملة، راجياً من الله تعالي أن يفيد به، وأن يتقبله بأحسن قبوله، وهو المستعان.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

مدخل إلي مفهوم العولمة

تصريف العولمة

العولمة ثلاثي مزيد، يقال: عولمة، علي وزن قولبة، واللفظ مشتق من العالم، والعالم جمع لا مفرد له كالجيش والنفر، وهو مشتق من العلامة علي ما قيل، وقيل: مشتق من العِلم، وذلك علي تفصيل مذكور في كتب اللغة.

فالعولمة كالرباعي في الشكل فهو يشبه (دحرجة) المصدر، لكن (دحرجة) رباعي منقول، أما (عولمة) فرباعي مخترع إن صح التعبير .

فإن هناك جماعة من اللغويين يقولون بجواز اختراع ألفاظ وكلمات في اللغة العربية علي وزان الألفاظ والكلمات الموجودة فيها، كما يقولون بجواز الزيادة والنقيصة علي حسب الزوائد أو النقائص اللغوية الأخري، مثل: صرف الباب الثلاثي إلي باب الانفعال، أو التفعيل، أو المفاعلة، أو الاستفعال، وكذلك أبواب الرباعيات ونحوها، فإنه كما يقال: عولمة، يقال: تعولمنا، وتعولمتُ، وتعولمتِ البلاد وهكذا، من قبيل تدحرجنا، وتدحرجتُ، وتدحرجتِ الكُرات وما أشبه ذلك.

العولمة لغة واصطلاحاً

العولمة لغة واصطلاحاً

إن العولمة علي ما سبق مشتق من العالم، أي: صرنا عالميين، ومعني العالمية: أن تتحد كل شعوب العالم في جميع أمورها علي نحو واحد وهيئة واحدة في الجملة، فيكونوا كبيت واحد، وأسرة واحدة، فلا يكون هناك شعب فقير وشعب غني، ولا شعب اُمي وشعب مثقّف، ولا شعب تختلف اقتصادياته أو سياسياته أو ثقافياته أو اجتماعياته أو سائر شؤونه كشؤون التربية والسلوك وما أشبه ذلك عن شعب آخر، أي: كما كان عليه الحال قبل الآلة الحديثة، حيث الأسفار البعيدة، والاتصالات المنقطعة أو شبه المنقطعة، وإنما يكون الانتماء للعالم كلّه كالانتماء إلي دولة واحدة كلها، فكما يقال: بغدادي وبصري، يقال: عراقي ومصري، أو شرقي وغربي أو ما شابه ذلك، فإن البلاد وإن كانت مختلفة ولم يتصل بعضها ببعض، لكنّ الفكر يكون واحداً، والاتصال موجوداً، ويبقي الاختلاف قليلا وبشكل جزئي في بعض النقاط وفي المناطق الصغيرة

من أطراف العالم.

أما الاختلاف في العالم وعلي نحو عام وكلي فلا يكون، حيث تتداخل السياسة والثقافة والاقتصاد والاجتماع وغير ذلك بعضها في بعض، وتؤثر جميعاً علي حياة الانسان في الأرض أينما كانوا وحيثما حلوا ونزلوا، وذلك من دون اعتداد قابل للذكر بالحدود السياسية لدول ذات السيادة، أو الانتماء إلي وطن محدّد أو لدولة معيّنة، ومن دون حاجة إلي إجراءات حكومية خاصة، ولا إلي تعديل الإجراءات وتوحيدها أو تعديل الحكومات وتوحيدها، لأنها رغم كثرتها وتعددها تكون واحدة من حيث السلوك والأسلوب نوعاً ما، وإذا كان بينها اختلاف يكون الاختلاف عندها من نوع الاختلاف في الولايات، لا كالاختلاف في الدول.

إذن: العولمة التي أصبحت اليوم كلمة شائعة في العلوم الاجتماعية، ومستخدمة كثيراً في الأدب المعاصر، يمكن تعريفها بما يلي: إعطاء الشيء صفة العالمية، من حيث النطاق والتطبيق.

من تعاريف العولمة أيضاً

ولقد عرفوا العولمة بتعريف آخر، قالوا: (العولمة اسم شمولي مصطلح للدلالة علي حقبة نفوذ تتميز بأدوات أوسع من الأدوات الاقتصادية، تهم الثقافة والحضارة حتي البيئة مع احتفاظ الاقتصاد بعمودها الفقري لديها قدرة التأثير علي العالم، وذلك بغلبة من الرأسمالية الغربية التي تجتاح العالم وتسيطر علي أسواقه المالية والفكرية).

وعرفوا العولمة بتعريف ثالث، قالوا: (العولمة هي الحركة الاجتماعية التي تتضمن انكماش البعدين: الزماني والمكاني، مما يجعل العالم يبدو صغيراً إلي حد يُحتّم علي البشر التقارب بعضهم من بعض).

وعرفوها بتعريف رابع وهو: (التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسية والثقافة والسلوك، دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة، أو انتماء إلي وطن محدد، أو لدولة معينة، ودون حاجة إلي إجراءات حكومية).

فقالوا: إن المفهوم الدقيق للعولمة يعني هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي وانتشاره في الصميم مضافاً إلي انتشاره في الظاهر أيضاً، وبعبارة أخري واضحة يعني: هيمنة

النمط الرأسمالي الأمريكي، ليتلازم معني العولمة في مضمار الإنتاج والتبادل المادي والرمزي، مع معني الانتقال من المجال الوطني أو القومي إلي المجال العالمي أو الكوني، وذلك في ضمن مفهوم تعيين مكاني جغرافي: وهو الفضاء العالمي برمته، وتعيين زماني تاريخي: وهو حقبة ما بعد الدولة القومية، أي: الدولة التي أنجبها العصر الحديث إطارا كيانياً لصناعة أهم وقائع التقدم الاقتصادي والسياسي، والاجتماعي والثقافي.

فالعولمة المتداولة يعني: وصول نمط الإنتاج الرأسمالي إلي نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل والتداول، والتوزيع والتسويق، والتجارة والتمويل، إلي عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج ذاتها.

وبعبارة ثانية: إن ظاهرة العولمة المتداولة هي بداية عولمة الإنتاج، والرأسمال الإنتاجي، وقوي الإنتاج الرأسمالية، وأخيراً علاقات الإنتاج الرأسمالية أيضاً، وترويجها في كل مكان مناسب خارج مجتمعات المركز الأصلي ودوله.

فالعولمة بهذا المعني هي: رسملة العالم علي مستوي الصميم بعد أن تمّت رسملته علي مستوي سطح النمط ومظاهره.

ويكون الناتج من هذه التعاريف كلها: ان العولمة حسب قول البعض هو:

حرية أصحاب رؤوس الأموال، لجمع المزيد من المال في سياسة اقتصادية قديمة، كانت تعتمد علي الإنتاج الذي يؤدي إلي تحقيق الربح، وانقلابه اليوم إلي الاعتماد علي تشغيل المال فقط دون خسائر من أي نوع، للوصول إلي احتكار الربح.

إن هذا المعني يتلخص في عودة الهيمنة الغربية من جديد، لكن محمّلة علي أجنحة المعلوماتية والعالم المفتوح، ومدجّجة بالعلم والثقافة حتي وإن كانت غير إنسانية، وبذلك تقلب القاعدة القديمة القائلة: إنّ القوي يأكل الضعيف، إلي قاعدة جديدة عصرية عولمية تقول: السريع يأكل البطيء، علماً بأن القاعدة الجديدة، لا تختلف عن القاعدة القديمة، من حيث النتيجة، بل تكون هذه الجديدة أشدّ بأساً وأعظم ظلماً من تلك القديمة، لأن أصحاب السرعة يعملون علي تثبيط حركة الآخرين بكل وسعهم

وجميع إمكانياتهم.

إن منطق التطور الرأسمالي يقضي بالتوسع المستمر خارج الحدود، إذ قد انتقلت الرأسمالية من حدود الدولة القومية والاقتصاد القومي، في عملية زحف استعماري سريع، وفرض هيمنة واسعة حتي شملت عالم ما وراء البحار ومعظم مناطق جنوب الأرض لتطال المواد الخام واليد العاملة الرخيصة والأسواق.

وهكذا خرج النظام الرأسمالي العالمي من واجهة المزاحمة أو المنافسة الحرة، إلي واجهة الاحتكار وواجهة الهيمنة والاستعمار مع أن الاحتكار والاستعمار من أبغض الصفات التي يمكن أن يتصف بها ظالم وغاشم.

وقد ورد النهي عن الاحتكار في الشريعة الإسلامية، قال أبو عبد الله عليه السلام قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «الجالب مرزوق والمحتكر ملعون» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «نفد الطعام علي عهد رسول الله صلي الله عليه و اله فأتاه المسلمون فقالوا: يا رسول الله قد نفد الطعام ولم يبق منه شيء إلا عند فلان فمره يبيعه الناس، قال: فحمد الله وأثني عليه ثم قال: يا فلان إن المسلمين ذكروا أن الطعام قد نفد إلا شيئاً عندك فأخرجه وبعه كيف شئت ولا تحبسه» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «الحكرة أن يشتري طعاماً ليس في المصر غيره فيحتكره فإن كان في المصر طعام أو يباع غيره فلا بأس بأن يلتمس بسلعته الفضل» ().

وفي الحديث عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يحتكر الطعام ويتربص به هل يجوز ذلك، فقال: «إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس به، وإن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام» ().

وعن معتب قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام وقد يزيد السعر بالمدينة: «كم

عندنا من طعام؟» قال: قلت: عندنا ما يكفينا أشهراً كثيرةً، قال: «أخرجه وبعه»، قال: قلت له: وليس بالمدينة طعام، قال: «بعه»، فلما بعته قال: «اشتر مع الناس يوماً بيوم»، وقال: «يا معتب اجعل قوت عيالي نصفاً شعيراً ونصفاً حنطةً فإن الله يعلم أني واجد أن أطعمهم الحنطة علي وجهها ولكني أحب أن يراني الله قد أحسنت تقدير المعيشة» ().

وعن معتب قال: «كان أبو الحسن عليه السلام يأمرنا إذا أدركت الثمرة أن نخرجها فنبيعها ونشتري مع المسلمين يوماً بيوم» ().

أما اليوم في سياق الثورة الثقافية نري التوسع الرأسمالي يحتل المكان الأسمي من الدعاية والتبليغ، ليفسح المجال أمام هيمنة الأسواق وسياسة الربح وحده، فيطيح بحدود جديدة: الحدود القومية في نفس المجتمع الرأسمالي بعد أن أطاح بحدود المجتمعات المنتمية إلي منظومة الجنوب وما أشبه.

ولكن يبدو أن العولمة بمعناها الشمولي أعم من العولمة الاقتصادية وإن كانت ربما هي الهدف الأصلي من عولمتهم الغربية تحصيلاً للأرباح الأكثر والأكبر والأشمل فتشمل أيضاً العولمة السياسية والثقافية والاجتماعية وما أشبه.

خلاصة التعاريف

إن النمط الجديد الذي مرّ ذكره: من التوسع واستمرار هيمنة الأسواق، وسياسة الربح وحده، الذي هو مرحلة جديدة من مراحل الهيمنة والاستعمار الجديد، هو ما أطلقوا عليه اليوم اسم: العولمة، وصفته الظاهرة هي كما يراه الخبراء توحيد العالم وإخضاعه لقوانين مشتركة تضع حداً فيه لكل أنواع السيادة.

إن هذا المسار بدأ علي الساحة منذ ميلاد ظاهرة الشركات متعددة الجنسيات العابرة للقارات، وذلك قبل عقود، لتصل اليوم إلي نظام التجارة الحرة الذي اعترف به دولياً، وقرر التعبير عنه مؤسسياً ضمن قوانين موضوعها: رؤوس الأموال والتجارة، والحواجز الجمركية والقاطرات المالية، وهذه القوانين يلغي مفعولها مفعول القوانين المرعية في الدول الوطنية بتحطيم الحواجز الجمركية لصالح حرية انتقال

السلعة ورؤوس الأموال فيها، وذلك بإشراف منظمة دولية تحمل اسم (الغات)، وهي اختصار لعبارة «الاتفاقية العامة للتعرفات الجمركية» وأهداف الغات ومن بعدها المنظمة العالمية للتجارة هي: تحرير التجارة الدولية وإزالة الحواجز الجمركية وفتح الأسواق الدولية أمام المنافسة بنحو الليبرالية الاقتصادية. وكل دولة خرجت عن إطارها ورفضت الانخراط فيها كان جزاؤها العزلة الاقتصادية، وهي أخطر أنواع العقوبات التي لا تتحمل عادة.

إن أمريكا أدّت دوراً رئيسياً في دعمها للرأسمالية، إذ مضافاً إلي أنها بقيت طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أكبر سوق وأكبر دولة مصدرة في العالم، اتخذت من بناء اقتصاد عالمي رأسمالي، حجر أساس في سيطرتها علي الصعيد السياسي، والصعيد الاقتصادي الدولي، ومن المعلوم أنها حيث كانت أكبر دولة مصدرة، فإن لها أعظم مصلحة شخصية في تنمية الاقتصاد العالمي، لأجل تغذية نموها الاقتصادي.

ثم إن أمريكا ومن منطلق حراسة الأنظمة والمؤسسات الرأسمالية التابعة لها، في وجه التهديدات الناجمة من أنظمة اجتماعية واقتصادية أخري كالشيوعية والاشتراكية، صرفت الكثير علي انتشار اقتصاديات رأسمالية في بلدان أخري في أوروبا الغربية، وفي شرق وجنوب شرقي آسيا، وعلي الأخص في بلاد عدوّيها السابقين: ألمانيا واليابان، بالإضافة إلي مشروع مارشال في أوروبا الغربية.

هذا وقد صرفت أمريكا مساعداتها الخارجية أيضاً في مناطق أخري من العالم النامي تعزيزاً للمؤسسات الرأسمالية حيثما أمكنها ذلك بل فوق ما يتصور.

ولكن رغم كل ذلك، فإن الرأسمالية بمعناها الموجود حيث إنها كالشيوعية والاشتراكية مخالفة للفطرة والعقلانية، فإن مصيرها سيكون نفس مصير الشيوعية والاشتراكية من السقوط والزوال، ولا يبقي علي وجه الأرض إلاّ العولمة الصحيحة التي دعا إليها الإسلام.

فصل العولمة الإسلامية

الفطرة الاجتماعية

مسألة: قد خلق الله تعالي الإنسان علي فطرة اجتماعية، فهو أبداً يهوي العولمة ويسعي للتعولم، وإليه أشار قول الله تعالي في

القران الحكيم: ?يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر واُنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا انّ اكرمكم عند الله اتقاكم?().

فكل الفصول الثلاثة من الآية المباركة طبيعية للبشر، حيث إنّ الذي يعمل أكثر وبكيفية أحسن، يكون أكرم ذاتاً، والأكرمية الذاتية تتبعها الأكرميّة العرضية، فإن كل ما بالغير ينتهي إلي ما بالذات كما يقوله الحكماء.

مضافاً إلي ذلك إنّ الإنسان يميل إلي هذه الجهة: جهة التعارف والتآلف، وينحو نحو هذا الاتجاه الفطري الموهوب، وقد ورد عن رسول الله صلي الله عليه و اله: «خير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف» ().

فالإنسان مهما كان بلده وموطنه هو إنسان، وله نفس المشاعر والأفكار الجسدية التي يحملها كل إنسان آخر، وإنما الاختلاف غالباً في الأفكار والآراء، وللفكر موازين و مقاييس، والميزان الصحيح والمقياس المستقيم هو الذي ذكره الله تعالي، وبيّنه العقل: من أنّ للكون إلهاً واحداً قادراً عادلاً حكيماً، إلي آخر ما ذكر في توحيد الله سبحانه وتعالي وكذلك في سائر أصول الدين من العدالة والنبوة والإمامة والمعاد في يوم القيامة، وكل شيء ينحرف عن هذا المعتقد السليم فهو انحراف عن الفطرة والعقلانية.

العولمة الصحيحة أمر لابدّ منه

مسألة: إن العولمة الصحيحة هدف إنساني لا غناء عنه إلاّ بنشره وتعميمه، ولا طريق للإنسانية أمامها إلاّ بالدخول فيها والانتماء إليها، علماً بأنّه لم يكن الدخول فيها قد بدأ في هذه الأيام، بل منذ إرسال الأنبياء أولي العزم عليهم السلام وأخذت تتبلور وتتكامل منذ بدء عهد الرسالة الإسلامية، ففي يوم الأحزاب عندما كان رسول الله صلي الله عليه و اله والمسلمون معه يحفرون الخندق حول المدينة ليأمنوا جانب العدو استعصي عليهم حجر صلد، فضربه رسول الله صلي الله عليه و اله بمعوله

فانقدحت منه شرارة وسطع منها نور، فقال صلي الله عليه و اله وهو يبشر المسلمين: إني رأيت فيه قصور الحيرة ومدائن كسري، ثم ضربه ثانية وثالثة، فانقدحت في كل ضربة شرارة، وسطع منها نور كذلك، وفي كل مرة يقول صلي الله عليه و اله لأصحابه بأنه رأي فيها هدفا من الأهداف العالمية، حيث بشّر المسلمين بأنهم يصلون إلي تلك البلاد وينشرون الإسلام فيها، فإن الإسلام دين عالمي().

وبالفعل، فقد وصلوا إلي تلك المناطق البعيدة، ونشروا الإسلام فيها، وهم في طريقهم إلي تحقيق ما وعدهم الله من ظهور الإسلام علي كل الأديان، لما في الإسلام من محاسن الأديان كلها وخلو الأديان من محاسن الإسلام.

ويؤيد ذلك تنبؤات بعض كُتّاب الغرب ومحققيهم فقد قال أحدهم في كتابه: إنه لا يمرّ علينا مائة عام إلا ونري البريطانيين يدخلون في الإسلام.

وقال آخر منهم: إنه لا يمرٌ مائة عام إلاّ والمسلمون يأخذون بزمام أمريكا.

هذا بالإضافة إلي ما نعتقده نحن من أنه سيظهر الإمام المهدي عليه السلام ليحقق تطبيق الإسلام علي جميع أرجاء المعمورة وذلك قوله سبحانه: ?ليظهره علي الدين كله?() فإن الإسلام لابد له من يوم يأخذ فيه بزمام العالم كله، أخذا صحيحا تحت لواء الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، ومن يدرس الإسلام ويري حقائقه الناصعة، ويدرس في المقابل الانحرافات في غيره، لابد أن يعترف بذلك.

كما يعترف من يري نور الشمعة ويري نور المصباح الكهربائي بأن نور المصباح غالب، وسوف يتغلب علي نور الشمعة ويحلّ محلها، لأن من الواضح أن الطاقة الكهربائية نافعة للإنسانية جميعا نفعا كبيراً، بينما ليست الطاقة المتولدة من الشمعة أو ما أشبه مثلها، وكذلك من يري السفر علي الوسائل البدائية والقديمة من البغال والحمير، ويري السفر

بالوسائل المتطورة الحديثة من القاطرات والطائرات، ولعله يأتي في المستقبل شيء يفوق هذه الوسائل الحديثة الموجودة الآن، فإنه يصح له أن يقول: إن المستقبل للوسائل الحديثة، وذهاب دور القديمة منها وزوالها.

وهكذا بالنسبة للعولمة الصحيحة.

كيف تكوّنت العولمة؟

مسألة: إن الله تعالي جبل الإنسان وفطره علي العولمة، وأرسل إليه نظاماً عالمياً يحمل طابع الكونية في فكره وثقافته، وفي اقتصاده وسياسته، ومن هنا تكوّنت العولمة.

إن الإسلام هو أول من جاء بأسس العولمة الصحيحة، وبلّغ لها، ودعا إليها، قال الله تعالي: ?ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين?() وحيث إن كلمة: «من» في الآية الكريمة من كلمات العموم، فالخطاب موجه إلي كل أهل الأرض، وجميع أهل العالم، ولا يمكن أن يكون الخطاب من الله الحكيم موجها إلي كل أهل الأرض، إلا إذا كان الإسلام الذي أنزله الله تعالي في كتابه، وبعث به رسوله الحبيب محمد صلي الله عليه و اله جامعاً لكل أسس العولمة الصحيحة، وشاملاً لجميع القوانين الصالحة لإدارة العالم كله علي نهج عادل وقويم، موفراً لكل أهل العالم فرداً وجماعة الرغد والدعة، والأمن والاستقرار، والسعادة والعيش الهنيء، والإسلام فعلاً هو كذلك، وإلا لما دعا الله تعالي وهو الحكيم المطلق العالم كله إليه، وحذّر من التديّن بغيره من الأديان والمبادئ الأخري.

ويؤيد ذلك قوله تعالي مخاطباً رسوله الكريم صلي الله عليه و اله: ?وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون?().

وقوله سبحانه: ?وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين? ().

فالرسول الحبيب صلي الله عليه و اله رسول إلي الناس كافة، وليس لبعضهم دون بعض، ورحمة مهداة للعالمين، وليس لعالم دون آخر، كما قال صلي الله عليه و اله: «إنما أنا رحمة مهداة» ().

العولمة وأول من طرح فكرتها

مسألة: الإسلام هو أول من طرح فكرة العولمة الصحيحة، وأول من أقام صلبها بنظام اقتصادي سليم، وأول من جاء بمستلزماتها ومقوماتها، وأول من رصّ أسسها وأحكم قواعدها، وقد طبّق الرسول الأعظم صلي الله عليه

و اله العولمة الصحيحة التي جاء بها الإسلام، وحقق نظام اقتصادها السليم، وسعي لتبيينها وتحديد مسارها ومعالمها، فجعل بأمر الله تعالي الدين واحداً، والمعبود واحداً، والكتاب واحداً، والاقتصاد واحداً، والتاريخ واحداً، والقبلة واحدة، والسنّة واحدة، والشريعة واحدة، واللغة واحدة ومشتركة بين الجميع، مما يحقق الأسرة الواحدة والبيت الواحد.

إنّه شرع الأذان مثلاً إعلاماً للصلاة ورتّب فصوله باللغة العربية، وبحكمة فائقة، وجعله شعاراً للإسلام، إنه يدعو فيه كل يوم عدة مرات، إلي أوليات العولمة الصحيحة، وملاكاتها القويمة: إلي تمجيد الله وتوحيده، وإلي الإيمان بالرسول ورسالته، والي توحيد الإمامة والولاية في أهل بيته، وإلي الصلاة بين يدي الله الواحد الأحد، بلسان واحد، ولغة واحدة، وباتجاه قبلة واحدة، وعلي سنّة واحدة، وشريعة واحدة، وكم في هذا وحده من إيحاء للنفس علي الشعور المشترك بالعمل المشترك، وتربية لها علي العولمة الصحيحة وحب الآخرين؟.

إنه لو لم يكن في الإسلام ما يدعو إلي العولمة الصحيحة سوي الأذان، الذي أشرنا إلي القليل من معانيه الكثيرة، لكان الإسلام وحده هو الجدير بأخذ زمام العالم، ونشر رحمة عولمته الحكيمة والعادلة علي كل الشعوب وجميع الناس.

نعم، لقد جاء الرسول الحبيب صلي الله عليه و اله بأسس العولمة الصحيحة، وطبّقها بحكمة عالية كانت باستطاعتها تغطية كل العالم بظلال رحمتها، وجناح عدلها، غير أن الحكام غير الشرعيين الذين علوا منبر رسول الله صلي الله عليه و اله وصادروا حق علي أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده المعصومين، مثل حكام بني اُمية، وبني مروان، وبني العباس، وبني عثمان، غيّروا وبدّلوا كل شيء جاء به رسول الله صلي الله عليه و اله، حتي الأذان الذي جاء به جبرئيل إليه صلي الله عليه و اله. فإنّهم حذفوا بعض فصوله، وزادوا عليه وبدّلوا

تبديلاً، كما وإنهم بدّلوا كل ما استطاعوا تبديله، فحرموا العالم رحمة العولمة الصحيحة وعدلها.

وهكذا تقدم الزمان، ونزلت الأجيال في شرق الأرض وغربها، وهي محرومة من عولمة الإسلام، حتي تململ الغرب وتحرك من تحت سياط الاستبداد وخرج من ظلمات القرون الوسطي ليري النور، فلم يبصر شيئاً سوي مظالم الحكام وظلمات الخلافة الجائرة، ولم يبصر ومع الأسف الشديد أو لم يحاول الإبصار ليري نور الإسلام، ونور كتابه ومنهجه، ونور قوانينه وأحكامه، ونور رسوله صلي الله عليه و اله وأهل بيته عليهم السلام، ونور العولمة الصحيحة التي جاءوا بها وسعوا في تطبيقها، ولذلك حنقوا علي الإسلام وعلي كل شيء من العولمة التي جاء بها، وقضوا علي الخلافة العثمانية، وقسموا العالم إلي الكتلة الشرقية والكتلة الغربية، ولما ذاقوا وبال هذا التقسيم عملوا علي توحيد العالم، فحذفوا الكتلة الشرقية من الخارطة، وقرّروا توحيد العالم تحت عولمة غربية بقيادة الولايات المتحدة.

العولمة الصحيحة ومقوماتها

مسألة: من اللازم علينا إذا أردنا نحن المسلمين تحقيق العولمة الصحيحة بالمعني الإسلامي أن نعيد الاعتبار للإنسان والإنسانية كما أمر به الإسلام، وأن نحيي الخُلق الإسلامي، ومفاهيم الحوار الحر بين كل الأطراف كما كان جارياً مع كل الأديان والمذاهب علي طول التاريخ الإسلامي، وذلك: انطلاقاً من مبدأ الأخوة الإسلامية العامة والشاملة، غير المنحصرة في ضيق القوميات والعرقيات، ولا المحدودة بالحدود الجغرافية والإقليمية.

يعني: علي غرار ما أسسه الرسول صلي الله عليه و اله في المدينة المنورة بعد الهجرة، وذلك بعد أن رصّ قواعده في مكّة المكرّمة، فقد ورد في التاريخ إن النبي صلي الله عليه و اله آخي بين المسلمين مرّتين، مرّةً في مكة المكرّمة ومرّة في المدينة المنوّرة، وآخي بين الرجال كما آخي بين النساء، أخوّة جامعة لكل معاني الأخوة

وحقوقها.

وهناك الكثير من الروايات في باب الأخوة وحقوقها، نشير إلي بعضها.

قال أبو جعفر عليه السلام: «من حق المؤمن علي أخيه المؤمن أن يشبع جوعته، ويواري عورته، ويفرج عنه كربته، ويقضي دينه، فإذا مات خلفه في أهله وولده» ().

وعن المعلي بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما حق المسلم علي المسلم؟

قال: «له سبع حقوق واجبات ما منهن حق إلا وهو عليه واجب، إن ضيع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته ولم يكن لله فيه من نصيب».

قلت له: جعلت فداك وما هي؟

قال: «يا معلي إني عليك شفيق أخاف أن تضيع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل.

قلت: لا قوة إلا بالله.

قال: أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك.

والحق الثاني: أن تجتنب سخطه وتتبع مرضاته وتطيع أمره.

والحق الثالث: أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك.

والحق الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته.

والحق الخامس: أن لا تشبع ويجوع ولا تروي ويظمأ ولا تلبس ويعري.

والحق السادس: أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فتغسل ثيابه وتصنع طعامه وتمهد فراشه.

والحق السابع: أن تبر قسمه وتجيب دعوته وتعود مريضه وتشهد جنازته وإذا علمت أن له حاجةً تبادره إلي قضائها ولا تلجئه أن يسألكها ولكن تبادره مبادرةً فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته وولايته بولايتك» ().

وعن عبد الأعلي بن أعين قال: كتب بعض أصحابنا يسألون أبا عبد الله عليه السلام عن أشياء وأمروني أن أسأله عن حق المسلم علي أخيه، فسألته فلم يجبني، فلما جئت لأودعه فقلت: سألتك فلم تجبني؟

فقال: «إني أخاف أن تكفروا إن من أشد ما افترض الله علي خلقه ثلاثاً إنصاف المرء من نفسه حتي لا

يرضي لأخيه من نفسه إلا بما يرضي لنفسه منه ومواساة الأخ في المال وذكر الله علي كل حال ليس سبحان الله والحمد لله ولكن عند ما حرم الله عليه فيدعه» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ما عبد الله بشيء أفضل من أداء حق المؤمن» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «المسلم أخو المسلم وحق المسلم علي أخيه المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه ولا يروي ويعطش أخوه ولا يكسي ويعري أخوه فما أعظم حق المسلم علي أخيه المسلم» ().

وقال عليه السلام: «أحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك، وإذا احتجت فسله، وإن سألك فأعطه، لا تمله خيراً، ولا يمله لك، كن له ظهراً فإنه لك ظهر، إذا غاب فاحفظه في غيبته، وإذا شهد فزره وأجله وأكرمه، فإنه منك وأنت منه، فإن كان عليك عاتباً فلا تفارقه حتي تسأل سميحته، وإن أصابه خير فاحمد الله، وإن ابتلي فاعضده، وإن تمحل له فأعنه، وإذا قال الرجل لأخيه أف انقطع ما بينهما من الولاية، وإذا قال أنت عدوي كفر أحدهما، فإذا اتهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «للمسلم علي أخيه المسلم من الحق أن يسلم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، وينصح له إذا غاب، ويسمته إذا عطس، ويجيبه إذا دعاه، ويتبعه إذا مات» ().

وعن أبي المأمون الحارثي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما حق المؤمن علي المؤمن؟ قال: «إن من حق المؤمن علي المؤمن المودة له في صدره، والمواساة له في ماله، والخلف له في أهله، والنصرة له علي من ظلمه، وإن كان نافلة في المسلمين وكان غائباً أخذ له بنصيبه، وإذا

مات الزيارة إلي قبره، وأن لا يظلمه، وأن لا يغشه، وأن لا يخونه، وأن لا يخذله، وأن لا يكذبه» ().

وعن أبان بن تغلب قال: كنت أطوف مع أبي عبد الله عليه السلام فعرض لي رجل من أصحابنا قد سألني الذهاب معه في حاجة فأشار إلي أن أدع أبا عبد الله عليه السلام وأذهب إليه فبينا أنا أطوف إذ أشار إلي أيضاً، فرآه أبو عبد الله عليه السلام فقال: «يا أبان إياك يريد هذا؟».

قلت: نعم.

قال: «ومن هو؟».

قلت: رجل من أصحابنا.

قال: «هو مثل ما أنت عليه».

قلت: نعم.

قال: «فاذهب إليه فأقطع الطواف».

قلت: وإن كان طواف الفريضة.

قال: «نعم».

قال: فذهبت معه، ثم دخلت عليه بعد فسألته فقلت: فأخبرني عن حق المؤمن علي المؤمن؟

فقال: «يا أبان دعه لا تريده».

قلت: بلي جعلت فداك، فلم أزل أردد عليه.

فقال: «يا أبان تقاسمه شطر مالك»، ثم نظر إلي فرأي ما دخلني، قال: «يا أبان أما تعلم أن الله قد ذكر المؤثرين علي أنفسهم؟».

قلت: بلي جعلت فداك.

قال: «إذا أنت قاسمته فلم تأثره بعد تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر» ().

وعن عيسي بن أبي منصور قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام أنا وابن أبي يعفور وعبد الله بن طلحة فقال ابتداءً منه: «يا ابن أبي يعفور قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ست خصال من كن فيه كان بين يدي الله عز وجل وعن يمين الله».

فقال ابن أبي يعفور: وما هن جعلت فداك؟

قال: «يحب المرء المسلم لأخيه ما يحب لأعز أهله، ويكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعز أهله، ويناصحه الولاية.

فبكي ابن أبي يعفور وقال: كيف يناصحه الولاية؟

قال: «يا ابن أبي يعفور إذا كان منه بتلك المنزلة بثه همه، ففرح لفرحه إن

هو فرح، وحزن لحزنه إن هو حزن، وإن كان عنده ما يفرج عنه فرج عنه، وإلا دعا الله له» ().

عن محمد بن عجلان قال: «كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل رجل فسلم، فسأله «كيف من خلفت من إخوانك؟».

قال: فأحسن الثناء وزكي وأطري.

فقال له: «كيف عيادة أغنيائهم علي فقرائهم».

فقال: قليلة.

قال: «فكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم؟».

قال: قليلة.

قال: «فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟».

فقال: إنك لتذكر أخلاقاً قل ما هي فيمن عندنا.

قال: فقال: «فكيف تزعم هؤلاء أنهم شيعة» ().

وعن أبي إسماعيل قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك إن الشيعة عندنا كثير، فقال: «فهل يعطف الغني علي الفقير وهل يتجاوز المحسن عن المسي ء ويتواسون؟».

فقلت: لا.

فقال: «ليس هؤلاء شيعةً، الشيعة من يفعل هذا» ().

وعن معلي بن خنيس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن حق المؤمن؟

فقال: «سبعون حقاً لا أخبرك إلا بسبعة، فإني عليك مشفق أخشي ألا تحتمل».

فقلت: بلي إن شاء الله.

فقال: «لا تشبع ويجوع، ولا تكتسي ويعري، وتكون دليله وقميصه الذي يلبسه، ولسانه الذي يتكلم به، وتحب له ما تحب لنفسك، وإن كانت لك جارية بعثتها لتمهد فراشه وتسعي في حوائجه بالليل والنهار، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايتنا وولايتنا بولاية الله عز وجل» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولايخونه ويحق علي المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاقد علي التعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم علي بعض حتي تكونوا كما أمركم الله عز وجل رحماء بينكم متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم علي ما مضي عليه معشر الأنصار علي عهد رسول الله صلي الله عليه و اله» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال

رسول الله صلي الله عليه و اله «حق علي المسلم إذا أراد سفراً أن يعلم إخوانه وحق علي إخوانه إذا قدم أن يأتوه» ().

وعن عبد الله بن يحيي الكاهلي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «تواصلوا وتباروا وتراحموا وتعاطفوا» ().

نعم انطلاقاً من مبدأ الأخوة الإسلامية بما لها من الحقوق التي هي ما بين واجب ومستحب، وانتهاءً إلي توحيد التاريخ الإسلامي الهجري، وتوحيد اللغة العربية لغة القرآن والوحي، بذلك سنحصل علي ثقافة واقعية إسلامية، وأسلوب صحيح لتكوين مجتمع إسلامي قويم علي أساس من الفكر الإسلامي المنفتح، والمتجاوب مع كل تيّارات الحداثة، والتطورات الإيجابية، والمستجيب لكل رغبات الإنسان المادية والروحية المشروعة، وفي ظل ذلك يكون تعميق الوعي الروحي والمعنوي، وتفتح الوعي المادي والتجريبي.

الرسالة العالمية والعولمة الإسلامية

مسألة: رسالة الإسلام عالمية، فلم يكن الإسلام يوماً للعرب وحدهم، ولم يكن القرآن يوماً لقريش وحدها، ومن هنا فإن الحديث عن العولمة الإسلامية حديث جميل وشيق للغاية، إذ قد جاء الإسلام بها منذ أيامه الأولي، ومن حين بزوغ شمسه المنيرة علي الكون.

وقد أكد القرآن الكريم علي هذا المعني، وأيدته الأحاديث النبوية الكريمة والسيرة النبوية الشريفة، وهي كثيرة نستعرض منها ما يلي:

1: قال الله تعالي في صفة القرآن الذي هو دستور السماء لأهل الأرض: ?إن هو إلا ذكر للعالمين?().

2: وقال تعالي مباهياً بما أنزل من دستور وبمن أنزل عليه من رسول صلي الله عليه و اله: ?تبارك الذي نزّل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً?().

3: وقال سبحانه وهو يصف رسوله الكريم صلي الله عليه و اله ورسالته المباركة: ?وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين?().

4: وقال سبحانه في بيان مهمة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: ?وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً?().

5: وقال

جلّ وعلا في أجر الرسالة والرسول صلي الله عليه و اله: ?وما تسألهم عليه من أجرٍ إن هو إلا ذكر للعالمين?().

6: وقال عزّوجلّ في صفة الكعبة والبيت الحرام: ?إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدي للعالمين?().

7: قال تعالي: ?إن هو إلا ذكر للعالمين ? ولتعلمن نبأه بعد حين?().

8: وقال سبحانه: ?إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ? لينذر من كان حياً?().

9: وقال عز من قائل: ?ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء?().

10: وقال تعالي: ?ما فرطنا في الكتاب من شيء?().

إلي غيرها من الآيات والروايات.

ومن هذه الآيات المباركة وغيرها تتجلي الرسالة العالمية، وتتضح العولمة التي جاء بها الإسلام رحمة للناس كل الناس، وليس لطبقة خاصة، كأصحاب الشركات والاستثمارات الذين لا يرون إلا مصالحهم، ولا يعملون إلا من أجل منافعهم، وان تضرر الآخرون من الأكثرية الساحقة.

الأحاديث الشريفة والعولمة

مسألة: يستفاد من الأحاديث الكريمة المروية عن رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام مقومات العولمة الإسلامية، فتري مخاطبتها لكل العالم، ولكل الأجيال، بلا حرج، وخاصة في ما يخصّ التماسك والترابط الاجتماعي، والتحابب والتوادد العاطفي، وتحويل المجتمع الإنساني الكبير إلي أسرة صغيرة واحدة، يسودها الحب والحنان، والرحمة والإحسان.

فعن مرازم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «عليكم بالصلاة في المساجد وحسن الجوار للناس وإقامة الشهادة وحضور الجنائز، إنه لابد لكم من الناس إن أحداً لايستغني عن الناس حياته والناس لابد لبعضهم من بعض» ().

وعن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس؟ قال: فقال: «تؤدون الأمانة إليهم وتقيمون الشهادة لهم وعليهم وتعودون مرضاهم وتشهدون جنائزهم» ().

وفي حديث آخر

قال قلت له: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا علي أمرنا؟ قال: «تنظرون إلي أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون فو الله إنهم ليعودون مرضاهم ويشهدون جنائزهم ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الأمانة إليهم» ().

وعن حبيب الخثعمي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «عليكم بالورع والاجتهاد واشهدوا الجنائز وعودوا المرضي واحضروا مع قومكم مساجدكم وأحبوا للناس ما تحبون لأنفسكم أ ما يستحيي الرجل منكم أن يعرف جاره حقه ولا يعرف حق جاره» ().

وعن أبي أسامة زيد الشحام قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: «اقرأ علي من تري أنه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام وأوصيكم بتقوي الله عزوجل والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة وطول السجود وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلي الله عليه و اله، أدوا الأمانة إلي من ائتمنكم عليها براً أو فاجراً، فإن رسول الله صلي الله عليه و اله كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدي الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل هذا جعفري فيسرني ذلك ويدخل علي منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر، وإذا كان علي غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره وقيل هذا أدب جعفر، فو الله لحدثني أبي عليه السلام أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي عليه السلام فيكون زينها آداهم للأمانة وأقضاهم للحقوق وأصدقهم للحديث إليه وصاياهم وودائعهم تسأل العشيرة عنه فتقول من مثل فلان إنه لآدانا للأمانة وأصدقنا للحديث» ().

وعن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام «من خالطت

فإن استطعت أن تكون يدك العليا عليهم فافعل» ().

وعن أبي الربيع الشامي قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام والبيت غاص بأهله فيه الخراساني والشامي ومن أهل الآفاق فلم أجد موضعاً أقعد فيه، فجلس أبو عبد الله عليه السلام وكان متكئاً ثم قال: «يا شيعة آل محمد اعلموا أنه ليس منا من لم يملك نفسه عند غضبه ومن لم يحسن صحبة من صحبه ومخالقة من خالقه ومرافقة من رافقه ومجاورة من جاوره وممالحة من مالحه، يا شيعة آل محمد اتقوا الله ما استطعتم ولا حول ولا قوة إلا بالله» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كان أبو جعفر عليه السلام يقول: عظموا أصحابكم ووقروهم ولا يتهجم بعضكم علي بعض ولا تضاروا ولا تحاسدوا وإياكم والبخل كونوا عباد الله المخلصين» ().

العولمة في السيرة النبوية

مسألة: السيرة النبوية الشريفة وسيرة أهل بيته المعصومين عليهم السلام، تؤكد علي العولمة الإسلامية، فتري الرسائل التي بعثها الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله إلي رؤساء العالم يدعوهم فيها إلي الإسلام ليسلموا في دنياهم وآخرتهم، وينذرهم عاقبة التمرد والاستبداد، ويحمّلهم أوزار رعاياهم وشعوبهم إن هم بقوا علي كفرهم، إلي غيرها مما يفصح عن دعوتهم إلي الانتماء إلي الأسرة الواحدة، والبيت الواحد، ألا وهو أسرة التوحيد، وبيت العدل والمحبة.

فقد أرسل صلي الله عليه و اله رسالة إلي كسري أبرويز بن هرمز، بيد عبد الله بن حذاقة السهمي.

ورسالة إلي هوذا ملك اليمامة بيد سليط بن عمر العاري.

ورسالة إلي ملك الحبشة بيد عمر بن أمية.

ورسالة إلي النجاشي الأول بيد محمد بن أبجر.

ورسالة إلي المقوقس حاكم الأقباط بيد حاطب بن أبي بلتعة.

ورسالة إلي إمبراطور الروم هرقل، وعامله الحارث الغساني، بيد شجاع ابن وهب.

وكان هؤلاء هم العالم

المعاصر للرسول صلي الله عليه و اله آنذاك.

وكان مضمون هذه الرسائل واحداً وإن اختلفت ألفاظها، وكلها تحكي عن الدعوة إلي الإسلام، والصلح، ومستقبل الحق والأمن والسلام في الدنيا والآخرة.

رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي هرقل

فكانت رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي هرقل عظيم الروم: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، عبده ورسوله إلي هرقل عظيم الروم: سلام علي من اتبع الهدي، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسين() ?قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولايتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون? ()».

رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي كسري

وكانت رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي كسري ملك إيران: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلي كسري عظيم فارس: سلام علي من اتبع الهدي وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أدعوك بداعية الله عزوجل، فإني أنا رسول الله إلي الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول علي الكافرين، أسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس».

رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي النجاشي

وكانت رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي ملك الحبشة: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلي النجاشي الأضخم ملك الحبشة: بسلمٍ أنت، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسي ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلي مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسي، حمله من روحه ونفخ كما خلق آدم بيده ونفخه، وإني أدعوك إلي الله وحده لا شريك له، والموالاة علي طاعته، وإن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله وقد بعثت إليك ابن عمي جعفر ونفراً من المسلمين، فإذا جاءك فأقرهم ودع التجبر، وإني أدعوك وجنودك إلي الله عزوجل، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحي، والسلام عليكم وعلي من اتبع الهدي».

رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي النجاشي الثاني

وكانت رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي النجاشي الثاني: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من النبي صلي الله عليه و اله إلي النجاشي عظيم الحبشة: سلام علي من اتبع الهدي وآمن بالله ورسوله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني رسوله، فأسلم تسلم ?قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون?() فإن أبيت فعليك إثم النصاري».

رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي المقوقس

وكانت رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي المقوقس كبير القبط: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلي المقوقس عظيم القبط: سلام علي من اتبع الهدي، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم القبط، و ?قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون?()».

رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي ملك مصر

روي أن النبي صلي الله عليه و اله كتب رسالة ثانية إلي المقوقس ملك مصر، وكان نصها: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلي صاحب مصر، أما بعد، فإن الله أرسلني رسولاً، وأنزل علي قرآناً، وألزمني بالاعذار والإنذار ومقاتلة الكفار، حتي يدينوا ديني، ويدخل الناس في ملتي، وقد دعوتك إلي الإقرار لوحدانيته، فإن فعلت سعدت، وإن أبيت شقيت، والسلام».

رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي صاحب دمشق

وكانت رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلي الحارث بن أبي شمر: سلام علي من اتبع الهدي، وآمن بالله وصدق، وإني أدعوك أن تؤمن بالله وحده لاشريك له، يبقي لك ملكك».

رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي ملك البحرين

وكانت رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي المنذر بن ساوي ملك البحرين: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلي المنذر بن ساوي: سلم أنت، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن من صلي صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله ممن أحب ذلك من المجوس فإنه آمن، ومن أبي فعليه الجزية».

رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي ملك اليمامة

وكانت رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي هوذة بن علي ملك اليمامة: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلي هوذة بن علي: سلام علي من اتبع الهدي، واعلم أن ديني سيظهر إلي منتهي الخف والحافر، فاسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك».

رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي ملوك عمان

وكانت رسالة النبي صلي الله عليه و اله إلي جعفر و عبد النبي ملكي عمان: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلي جعفر وعبد النبي الجلندي: سلام علي من اتبع الهدي، أما بعد: فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإني رسول الله إلي الناس كافةً لأنذر من كان حياً ويحق القول علي الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام، فإنه زائل عنكما وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي علي ملككما».

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يراعي بالإضافة إلي العبارات الأدبية والكلامية في رسائله، الأبعاد التبليغية، والأهداف السياسية والدبلوماسية، فتري الأمور التالية ظاهرة في رسائله ورسله:

1: الشجاعة والاعتماد الكامل بالنفس، فالشخص الدبلوماسي والرجل السياسي لابد أن يكون مطمئناً ومعتمداً اعتمادا كاملاً علي شخصيته في إبلاغ ندائه وثقافته ورسالته لمخاطبيه.

2: الألقاب الرسمية المناسبة في تلك الرسائل، مثل: إلي هرقل عظيم الروم، إلي كسري عظيم فارس، عظيم القبط، وغير ذلك.

3: الترغيب والتهديد المعقول والمناسب في ضمن رسالة واحدة، مثل: (أسلم تسلم).

4: الاستناد إلي الاستدلال والمنطق، عندما يكون مخاطبوه من أهل الكتاب، ومن له ثقافة عالية، مثل: الرسالة التي بعثها إلي النجاشي ملك الحبشة.

5: إبلاغ النداء النهائي للإسلام، وتحرير الإنسان، ونفي الاستثمار، وتشاهد هذه النقطة في خاتمة رسالته بآية: ?يا أهل الكتاب?().

6: بقاء واستمرارية أعمال الحاكمية والقدرة ونفوذ السلطة في حالة الاستجابة لنداء الإسلام وقبول

حاكمية الدولة الإسلامية، كما يظهر من رسالته إلي هوذة بن علي ملك اليمامة، والحارث بن أبي شمر الغساني ملك دمشق، والتأكيد عليهما في الرسالتين.

7: الاطمئنان من بسط نفوذه صلي الله عليه و اله وانتصار النداء، كما يظهر جلياً في ذيل رسالته إلي هوذة بن علي مشيراً إليه بقوله صلي الله عليه و اله: «واعلم أن ديني سيظهر إلي منتهي الخف والحافر».

وكانت ردود الفعل من قبل رؤساء الدول علي نداء النبي صلي الله عليه و اله التبليغي متفاوتاً، فبعضهم استجاب لندائه العالمي الرباني، مثل: النجاشي الذي استجاب لدعوة التوحيد وتشرف بالدين الجديد، وأرسل هدية أيضاً إلي النبي صلي الله عليه و اله.

ولكن البعض الآخر أصر علي تكبره وتجبره من قبول دعوة التوحيد، والاستخفاف بنداء النبي صلي الله عليه و اله، مثل خسرو برويز ملك إيران حتي بعث اليه صلي الله عليه و اله برسالة تهديد.

والبعض الآخر كان متردداً في هذا الأمر، بين قبوله أو رفضه، مثل قيصر والمقوقس، اللذين كانا يخشيان ملتهما.

كما بعث رسول الله صلي الله عليه و اله برسائل أخري إلي رؤساء القبائل والشيوخ، وأدت النتيجة إلي انتصاره صلي الله عليه و اله وبسط دولته العادلة ونفوذه علي جميع أراضي الجزيرة العربية، وكانت قبائل العرب تأتي إليه صلي الله عليه و اله جماعات جماعات وأفواج أفواج معلنين عن استقبالهم لدين الإسلام والانضمام تحت راية التوحيد، كما قال تعالي:

?بسم الله الرحمن الرحيم، إذا جاء نصر الله والفتح? ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً? فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان تواباً?().

ومن هنا يعرف أن دعوة الإسلام عالمية حيث يمكن تلخيص روح الرسالة الإسلامية في شعار التوحيد وهو «لا إله إلا الله» وهذا سر علو الإسلام

وعطائه العالمي.

ولا ريب في أن أساس العقيدة الإسلامية المتمركزة في ذلك الشعار الخالد يمتلك أروع وأقوي إمكانية علي المدي المتواصل عالمياً.

ثم إن انتشار الإسلام وبسرعة فائقة، ورغبة ملحة من الشعوب، في أكثر مناطق المعمورة، هو مصداق بارز للعولمة الإسلامية التي تنسجم مع فطرة الإنسان، وبكل أبعادها الفكرية والثقافية، والدينية والتعبدية، والسياسية والعسكرية، والاقتصادية والتجارية، وغير ذلك من الأبعاد الحيوية الأخري.

ولقد حاربت كل من الإمبراطوريتين: الفرس والروم، الإسلام والمسلمين، وأخذت تجاهه مواقف عدائية، ورفضت الدين الجديد، والحضارة الجديدة، وذلك بدوافع من الخوف علي معتقداتهم وان كانت سقيمة، والحذر من فقدان ما تركه لهم الآباء والأجداد وان كان هشاً، فحرموا بذلك أنفسهم وشعوبهم رحمة الإسلام وعدله، حيث إنهم لم يعيروا أهمية للثقافة الإسلامية، ولا للمعلومات الحضارية، ولا للقوانين السماوية التي جاء بها الإسلام لإسعاد الإنسان وإرغاد عيشه، وإعزاز شخصه فرداً ومجتمعاً.

العولمة وحقوق الإنسان

مسألة: ينبغي الالتفات إلي أن العولمة التي جاء بها الإسلام هي آخر صيغة في قاموس الحقوق بما فيه من حقوق الإنسان من حيث الصحة والأمانة، والجامعية والشمول، ولما كان وما يكون، ولم تكن هناك صيغة كهذه تجمع بين العدل والأخلاق والنمو والازدهار.

قال الله تعالي: ?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً?().

ومما يدل علي ذلك رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام ()، وخطب أمير المؤمنين عليه السلام ورسائله في نهج البلاغة كعهده عليه السلام إلي الأشتر النخعي() وما أشبه.

قال الراوي: وعظنا رسول الله صلي الله عليه و اله موعظة ذرفت العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فما تعهد إلينا، قال: «لقد تركتكم علي المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ بعدها إلا هالك، ومن يعش منكم يري

اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي بعدي وسنة الخلفاء الراشدين من أهل بيتي، فعضوا عليهم بالنواجذ وأطيعوا الحق ولو كان صاحبه عبدا حبشيا، فإن المؤمن كالجمل الألوف حيث ما قيد استقاد» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «أغلق أبواب جوارحك عما يقع ضرره إلي قلبك، ويذهب بوجاهتك عند الله تعالي، ويعقب الحسرة والندامة يوم القيامة، والحياء عما اجترحت من السيئات، والمتورع يحتاج إلي ثلاثة أصول: الصفح عن عثرات الخلق أجمع، وترك خطيئته فيهم، واستواء المدح والذم، وأصل الورع: دوام محاسبة النفس، والصدق في المقاولة، وصفاء المعاملة، والخروج من كل شبهة، ورفض كل عيبة وريبة، ومفارقة جميع ما لا يعنيه، وترك فتح أبواب لايدري كيف يغلقها، ولا يجالس من يشكل عليه الواضح، ولا يصاحب مستخف الدين، ولا يعارض من العلم ما لا يحتمل قلبه ولا يتفهمه من قائله، ويقطع عمن يقطعه عن الله عز وجل تعالي شأنه» ().

نعم إن الإسلام قد سن حقوق الإنسان، حقوقاً رفيعة ولائقة به وبكرامته، ودافع عنها وناضل من أجلها.

وقد جعل الإسلام، الإنسان وحقوقه، هو المركز والمحور لعولمته التي جاء بها، وذلك نظراً لما يكون بين العولمة وحقوق الإنسان من ترابط وثيق، ومن تأثير كبير لكل واحد منهما علي الآخر، ومن توقف نجاح وفوز، بل سعادة وسيادة كل منهما علي الآخر، مما جعلهما كتوأمين لا ينفكّان.

نعم إن العلاقة بين حقوق الإنسان والعولمة قد تداخلت بشكل ملحوظ، وترابطت بصورة وثيقة، وذلك لأن العولمة وبكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أخذت تؤثر تأثيراً كبيراً وعميقاً علي حقوق الإنسان في كل هذه الأبعاد المذكورة من سياسة واقتصاد، وثقافة واجتماع، وغير ذلك.

وقد أصبحت العولمة في إطارها العلمي النظري، الذي يدعو إلي تزايد التبادل، وتحقيق الاعتماد المتبادل

علي مستوي العالم، وإدارة المصالح المشتركة للبشرية ولصالح الناس، تبدو وكأنها ضرورة لا غني عنها في التعامل مع كثير من قضايا حقوق الإنسان، بعد اتساع هذه الحقوق وتداخلها علي مستوي العالم.

أجل يلزم أن تكون حقوق الإنسان بما للكلمة من معني جزءً من القانون الدولي، ولم تعد الانتهاكات اليومية التي تحدث لحقوق الإنسان في أي مكان من العالم، من الشؤون الداخلية للدولة، بل تصبح من اهتمامات المجتمع الدولي ككل، وتتطلب تدخله فيها، فإن ذلك من حق الشعوب المضطهدة علي عاتق المنظمات العالمية تجاه حكوماتهم الغاشمة وحكامهم الظالمين، رغم إن مقاييس هذا التدخل ما زالت غامضة ومثيرة للكثير من الجدل، والكبير من المناقشة.

إن دائرة حقوق الإنسان قد اتسعت اليوم اتساعاً كبيراً، بحيث أصبحت تتناول قضايا لا يمكن معالجتها في نطاق إقليمي محدود، وإنما يجب معالجتها علي مستوي العالم، مثل الحق في تحقيق السلام الذي أصبح يحتاج إلي تصميمات أوسع نطاقاً من الدول المتنازعة والأطراف المتخاصمة.

وهكذا يكون الحق في تحقق التنمية، الذي أضحت فيه مسؤولية الدول القادرة متجلية واضحة تجاه الدول التي تنعدم فيها إمكانات التنمية لنقص الموارد وفقد المواد الخام.

وكذلك يكون الحق في امتلاك بيئة نظيفة، عديمة التلوث، فإن ما يحدث من حرائق في الغابات وغيرها يؤثر علي العالم أجمع من حيث تلويث البيئة وفساد المناخ والأجواء.

المطالبة بحقوق الإنسان

مسألة: لقد علا جهاراً وفي كل أرجاء الأرض صوت المطالبة بالحقوق السياسية وكذلك المدنية للإنسان، ونال دعماً كبيراً في عصر العولمة، وإن كانت هناك سياسات حاكمة علي هذه النداءات حيث لا ترضي إلا بمصالحها لا مصلحة الإنسان بما هو إنسان.

لقد أصبحت حقوق الإنسان هي لغة العصر التقدمية، للعوامل والأسباب التي نذكر بعضها، علماً بأن الإسلام هو الذي بين أفضل حقوق

الإنسان وضمنها له.

السبب الأول:

سهولة الاتصالات والارتباطات وسرعة تناقل الأخبار والمعلومات، بحيث أصبحت الكرة الأرضية علي أثرها كقرية صغيرة، وأسرة واحدة، فإن في وصول أخبار الانتهاكات وهدر الكرامات، وبسرعة فائقة من أدني الأرض إلي أقصاها، وذلك عبر الفاكس والإنترنت وما أشبه، إضافة إلي وسائل الإعلام المختلفة التي جعلت كل الناس في الأرض يعيشون في رؤية وعلي مسمع من الجميع، هو نوع انتصار للإنسان ولحقوقه الضائعة، وإن كان الانتصار الحقيقي والكامل للإنسان لا يتحقق إلا في ظل الإسلام وعولمته العادلة، التي تجمع بين النمو والإزدهار والعدل والأخلاق.

نعم، بعد هذا التقدم الكبير في الارتباطات أصبح من الصعب إخفاء الانتهاكات التي يمارسها الحكام ضدّ الشعوب بالنسبة إلي حقوق الإنسان، وهذا يعتبر تطوراً هاماً وكبيراً يؤدي إلي تحقق الحريات الإنسانية، ورعاية حقوق الإنسان مستقبلاً، ويؤدي أيضاً إلي صعوبة إقامة الأسوار الحديدية مرة أخري ومن جديد حول أي مجتمع من المجتمعات، وذلك بعد هذه الثورة في الاتصال، والقفزة في المعلومات والارتباطات المدهشة.

السبب الثاني:

حدوث منظمات وجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، فإن المنظمات الدولية وجمعيات حقوق الإنسان في العالم بما فيها منظمات وجمعيات العالم الثالث، استطاعت ولو بقدر من أن توصل صوت الإنسان إلي أخيه ومن إيجاد بعض الضغوط الدولية علي من لا يحترم حقوق الإنسان، علماً بأنه من اللازم استقلالية هذه الجمعيات اقتصادياً وإعلامياً وسياسياً وما أشبه،حتي لا تخضع في عملها للدول الكبري أو ما أشبه.

وعند ذلك يكون من السهل اليسير التحرك دولياً في مواجهة الانتهاكات المحلية، كما ويمكن خارجياً أن تجعل صوتاً عالمياً لمن يحرم من صوته، وفي هذا السبيل يمكن تجنيد جميع منظمات حقوق الإنسان في العالم كله للوقوف ضد هذه الانتهاكات ومساندة نشطاء حقوق الإنسان والدفاع عنهم.

ويمكن أن تصبح

هذه المنظمات والجمعيات الحقوقية المنتشرة في الأرض بذرة صالحة لشجرة مثمرة، تثمر مجتمعاً مدنياً، علي مستوي العالم، ولقد أدت شبكات الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة بما فيها الفاكس والجوّال والميديا العالمية دوراً هاماً في إقامة هذه المنظمات والجمعيات واستمراريتها.

نعم إن هناك بعض التلكؤ في تحقيق أهداف هذه المنظمات والجمعيات ناتجة عن عدم استقلالية بعض هذه المنظمات، ونفوذ بعض الدول الكبري فيها، مضافاً إلي رفض بعض الحكومات المعاصرة لمنظمات حقوق الإنسان، أو حاصلة من ملاحقتها لها باستمرار، مما اضطر الكثير من هذه المنظمات إلي أن تستمد العون من الخارج، حتي أصبحت علي اثر ذلك كأنها امتداد لتلك المنظمات الخارجية، وخسرت عندها التفاعل الحقيقي مع المؤسسات الوطنية والشعبية، كما وفقدت التعامل الصادق مع تلك الحكومات المعاصرة وشعوبها.

ولكن مع كل ذلك فقد حققت هذه المنظمات علي اثر الضغط الإنساني الموجود، نجاحاً نسبياً، لكنه ليس بالمستوي المطلوب، الذي يطالب به الإسلام من حقوق الإنسان بما هو إنسان لكي يستطيع التقدم في مختلف مجالات الحياة خاصة ما يرتبط بالانفتاح في الحكم، ورعاية حقوق المعارضة، والتعددية السياسية، ونفي الاستبداد عند الحكام، واحترام حقوق الإنسان لدي الجميع.

السبب الثالث:

حصول ثورة تجارية عالمية ذات كرامة اقتصادية، والكرامة الاقتصادية تأتي بالكرامة الإنسانية، فإن التوسع المثير في حقل التجارة العالمية، والثورة التجارية هذه قد ضاعفت فُرص الاتصال بين المجتمعات المنفتحة والمجتمعات المنغلقة.

ومن المعلوم: أن هذا الاتصال المتكرر مع مختلف المؤسسات الاقتصادية الدولية يدفع إلي التعارف الأكثر، والتقدم الأكبر في مجال الوعي بالحريات الأولية من الانفتاح ونفي الاستبداد، علماً بان معظم الدول الغربية والشرقية، ومجموعة الدول الأوروبية، والمؤسسات العالمية الغربية المهتمة بعمليات التحول إلي اقتصاد السوق وصناديق التنمية، تتظاهر بالربط بين المساعدات التي تقدمها للدول النامية، وبين سجل

حقوق الإنسان والتحولات السياسية: من نفي الاستبداد ودعم الانفتاح في هذه الدول.

واللازم أن تصبح قضية الدفاع عن حقوق الإنسان أمر حقيقي لا يمكن لأحد أن يتجاوزه.

ومن الواضح أن ازدهار الحريات ونفي الاستبداد يؤثر إيجابياً علي حقوق الإنسان ويسبب كرامته السياسية والمدنية.

المسلمون والعولمة الغربية

مسألة: يلزم علي الأمة الإسلامية ومثقفيها أن تتخذ الأسلوب المناسب تجاه مساوئ هيمنة العولمة الغربية.

فإن ما تقدم من تصريحات بوش الأب، واعترافات الخبير الأمريكي، والمواقف العملية للحكام الأمريكان، بل المواقف العملية لحكام الغرب والشرق كلهم، تتطلب منا ونحن في جانب آخر من العالم أن نحدّد موقفنا من هذه الهيمنة الغربية الظالمة، كما إن علينا ونحن نعيش في البلدان الإسلامية أن نقرر طريقة مواجهة هذا التحدي، وأسلوب هذه المواجهة، آخذين بالحسبان ما نحن مقبلين عليه من القرن الواحد والعشرين قرن تعارف الثقافات وتقاربها، واختيار الأحسن منها، كما قال تعالي: ?وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا…?().

وقال سبحانه: ?فبشر عبادِ ? الذين يستعمون القول فيتبعون أحسنه?().

ويجب أن يكون ذلك بأساليب أكثر نجاحاً من تلك التي واجهنا بها سابقاتها، مثل مواجهة هجمات نابليون بونابرت علي مصر أواخر القرن الثامن عشر، أو تلك التي قوبل بها سقوط الأمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولي أوائل القرن العشرين.

والأسلوب الناجح هو اتباع سياسة رسول الله صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام من سياسة السلم واللاعنف والاكتفاء الذاتي والتطور العلمي والعملي وما أشبه.

نصيب المسلمين من العولمة

مسألة: إن نصيب المسلمين من العولمة الغربية إذا لم ينتبهوا ولم يتداركوا الأمر بالرجوع إلي القوانين الإسلامية المنسية، هو الغزو الاستعماري بنسبة أو بأخري في العديد من المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية وما أشبه، وقد ذكر «بول اشميد» وهو عالم ألماني، في كتاب له كتبه قبل نصف قرن تقريباً يحذّر فيه الغربيين من المسلمين، ويحرّضهم علي إشعال الحروب الصليبية وإعادتها ضدّهم، ويعلّل ذلك بأن المسلمين سوف يتغلبون عليهم لولا تدارك الأمر، وذلك لنقاط القوة الموجودة عند المسلمين، ثم يلخصها في أربع نقاط كالتالي:

1: قوة اقتصادهم، للثروات الطبيعية والمعدنية التي يمتلكونها.

2:

كثرة نسلهم، وازدياد عددهم، حيث إنهم يعملون بما أوصاهم نبيّهم صلي الله عليه و اله بقوله: «تناكحوا تناسلوا تكثروا، فإنّي اُباهي بكم الاُمم يوم القيامة ولو بالسقط» ().

3: موقعهم الجغرافي المهم، فإن منطقتهم منطقة حساسة، تتربع علي الوسط الرابط بين طرفي العالم، وتشرف علي المياه الدافئة، وما إلي ذلك.

4: وثّابية دينهم، وانتشاره السريع، واستقطابه للجماهير، وذلك بسبب ما يحمله من سهولة ومرونة، وانفتاح وحرية، ومنطق وعقلانية، وجد واجتهاد، وحركة واستمرار، إنه يدعوهم للنشاط الدائم، والابداع المستمر، والابتكار المتطور.

نعم إن الإسلام يؤكد علي التنافس في الخير والتقدم، قال تعالي: ?سابقوا إلي مغفرة من ربّكم وجنّة عرضها كعرض السماء والأرض?().

وقال سبحانه: ?وسارعوا إلي مغفرة من ربّكم وجنة عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين?().

وقال تعالي: ?فاستبقوا الخيرات?().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من استوي يوماه فهو مغبون» ().

مضافاً إلي روايات المحاسبة التي تحث علي عمل الخير والتقدم الأكثر يوماً بعد يوم، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن النهار إذا جاء قال يا ابن آدم اعمل في يومك هذا خيراً أشهد لك به عند ربك يوم القيامة فإني لم آتك فيما مضي ولا آتيك فيما بقي فإذا جاء الليل قال مثل ذلك» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: «المغبون من غبن عمره ساعةً بعد ساعة» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: «من استوي يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلي النقصان، ومن كان إلي النقصان فالموت خير له من الحياة» ().

وعن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل

يوم فإن عمل حسناً استزاد الله وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه» ().

وعن أبي حمزة الثمالي قال: كان علي بن الحسين عليه السلام يقول: «ابن آدم إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك وما كانت المحاسبة من همك وما كان الخوف لك شعاراً والحزن لك دثاراً ابن آدم إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله عزوجل فأعد جواباً» ().

وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن خاف أمن، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم» ().

وعن أبي ذر في وصية النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: «يا أبا ذر حاسب نفسك قبل أن تحاسب فهو أهون لحسابك غداً، وزن نفسك قبل أن توزن، وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض، لا تخفي منك علي الله خافية، إلي أن قال: يا أبا ذر لا يكون الرجل من المتقين حتي يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ومن أين ملبسه، أمن حل أم من حرام، يا أبا ذر من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله عزوجل من أين أدخله النار» ().

وقال الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و اله قال: «أكيس الكيسين من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت، فقال رجل: يا أمير المؤمنين كيف يحاسب نفسه؟ قال: إذا أصبح ثم أمسي رجع إلي نفسه وقال يا نفسي إن هذا يوم مضي عليك لا يعود إليك أبداً والله يسألك عنه بما أفنيته، فما الذي عملت فيه،

أ ذكرت الله، أم حمدته، أ قضيت حوائج مؤمن فيه أنفست عنه كربه، أحفظتيه بظهر الغيب في أهله وولده، أحفظتيه بعد الموت في مخلفيه، أكففت عن غيبة أخ مؤمن، أعنت مسلماً ما الذي صنعت فيه، فيذكر ما كان منه، فإن ذكر أنه جري منه خير حمد الله وكبره علي توفيقه، وإن ذكر معصيةً أو تقصيراً، استغفر الله وعزم علي ترك معاودته» ().

وهذا كله مما جعل المسلمين الأولين يقفزون إلي الامام قفزات كبيرة و سريعة، وينشرون الإسلام في أقصي نقاط الارض، وأبعد مناطق المعمورة، وذلك كما هو مذكور في التاريخ.

ثم إن الغربيين ومنذ اتفاقية وعد بلفور في سنة ألف وثلاثمائة وستين هجرية تقريباً، وبعد مئات الاتفاقيات، بَنَوْا علي استعمار البلاد الاسلامية واستثمار المسلمين، أي: اتفقوا علي مبدأ السيطرة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والاعلامية لبلاد الاسلام والشعوب المسلمة، وهذا ما حصل فعلاً وذلك للاطماع الاستعمارية في تلك الجهة، وقبول الاستعمار في هذه الجهة لقلة الوعي والابتعاد عن القوانين الإسلامية وعدم أهلية الحكام.

نعم، إن الغربيين بصورة عامة والأمريكان بصورة خاصة يسعون في فرض هيمنتهم وتقليص الشخصية غير الغربية وغير الامريكية وتحجيم دورها، وخاصة الشخصية الإسلامية في مجتمع العولمة الجديدة، ولكن مع كل ذلك فإن للعولمة الإسلامية المطابقة مع الفطرة الإنسانية كل أسباب النمو والتقدم والإزدهار، فعلينا نحن المسلمين السعي لتعريف العالم بها.

البلدان الإسلامية والعولمة الاقتصادية

مسألة: إن النظام الاقتصادي العالمي، المعبّر عنه بالعولمة الاقتصادية، يشكل تأثيراً كبيراً علي البلدان الإسلامية واقتصادياتها، إذ وراء هذه العولمة خبراء اقتصاديون وحكام سياسيون لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية ومنافعهم الفردية، وهذا ينذر الإنسانية كلها وليس المسلمين فحسب بالشر والخطر.

وعليه: فالعالم الإسلامي مهدد كله بأخطار العولمة الاقتصادية، ولكنه في نفس الوقت نراه يعيش حياة التناحر

والتآكل، والترهل والتهميش، فاقداً لأي موقف صحيح وهادف للدفاع أو للهجوم.

إن محاولات الضغط والكبت، والاستضعاف والاستثمار التي تحاك ضد البلدان الإسلامية إنما هي من أجل زلزلة أمنها، وزعزعة استقرارها، وتعطيل مؤهلاتها، وسحق كفاءاتها، كي يُلجئوها إلي الدخول في تيار العولمة الغربية بأضرارها، وبالسباحة القهرية وفقها، والانتماء إلي التدويل الشامل للاقتصاد، أو العولمة الاقتصادية بعبارة أخري.

أثر العولمة علي البلدان الإسلامية

إنّ الكلام الساخن حول ظاهرة العولمة وحول أثرها الاقتصادي علي البلدان الإسلامية لا يزال قائماً بين ثلاثة آراء فكرية أو أكثر:

1: الرأي القائل بتحبيذ العولمة وتحسينها علي وجه العموم، ويستدلون له بأنهم سيستفيدون من التقدم التقني، والتطور الصناعي المتسارع، والتكامل الاقتصادي العالمي، ويأملون باستصلاح حال الناس اقتصادياً، وحصول ملايين البشر علي حياة فضلي، مع إذعانهم بأن العولمة هذه تستلزم خسارة البلدان الإسلامية لبعض الشيء من سيادتها علي اقتصادها وتوجيهه كما تريد وكيف تشاء.

هذا ولا يخفي إن المدافع عن هذا الرأي هم: قسم من رجال الأعمال، وأمريكا، والمؤسسات الثلاث للعولمة: الصندوق والبنك الدوليين والمنظمة العالمية للتجارة.

2: الرأي القائل بواقعية العولمة وموضوعيتها، وإنها نتيجة طبيعية للتطور العلمي والتقني، وقوي الإنتاج الرأسمالي، إنها تؤدي علي التقارب بين مختلف الاقتصادات، إنهم يرون للعولمة هذه المحسنات، ويرون إلي جانبها مساوئ أيضاً، من أهمها هو: أن الذي يحصل علي منافعها قليل من الدول التي لا يتجاوز عدد سكانها 20% من إجمالي سكان العالم، بينما أضرارها تمس أغلب البلدان النامية، وتسبب زيادة مشاكلها الاقتصادية، وتقضي علي التنمية فيها.

ثم إن المدافع عن هذا الرأي هم: قسم من القوي اليسارية، وهواة الاشتراكية المقيمين في البلاد الرأسمالية، وبعض أصحاب الفكر القاطنين في بلاد العالم الثالث.

3: الرأي القائل بشرارة العولمة ومضارها، وإنها من تبعات النظام الرأسمالي العالمي، لأنها تقصد تعويض اقتصادات

الدول الرأسمالية عن تقلّص أسواقها الداخلية، بنقل أكثر عمليات الإنتاج وخاصة الصناعات المنحطّة والمضرة للبيئة والناس إلي البلدان النامية، مع إمساك قيادة الإنتاج في العالم بيدها.

وعليه فالرأسمالية تريد حلّ مشاكلها الاقتصادية عن طريق عولمة الاقتصاد، بمعني: أنها تريد تصدير مشكلاتها الاقتصادية إلي بلدان العالم الثالث، لتتخلص هي منها، وتلقي بثقلها عليهم وإن أدي ذلك إلي خلق مجتمع طبقي بغيض فيهم.

ولا يخفي: إن المدافع عن هذا الرأي هم: القسم الأعظم من أصحاب القوي السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، في البلدان النامية، المطلعة علي ما يعانيه الناس من ويلات النظام الطبقي غير العادل، المؤدي الي الفقر والحرمان، والجهل والأمية، والمرض والتبعية، والسلب والنهب لثروات بلدان العالم الثالث عن طريق الشركات متعددة الجنسيات، وبواسطة التبادل التجاري غير المتكافئ وغير العادل.

موقفنا تجاه العولمة

مسألة: من المهم أن نعرف نحن المسلمين مخاطر العولمة الحديثة وأضرار سيطرة أمريكا وغيرها من الدول الغربية علي العولمة الجديدة، فإن هذه العولمة لا تفكّر إلاّ في نفسها، ولا تبصر الأمور إلاّ بالمنظار المادي البحت، وتخطط للقضاء علي الإسلام والمسلمين، لأنها تراهما يدعوان إلي عولمة صحيحة، لاتبتني علي الهيمنة والاستثمار، والاستبداد والاستضعاف، وإنما تبتني إلي جانب النمو والازدهار علي المُثل والقيَم، وعلي العدل والقسط، وعلي الرحمة والرأفة، وعلي التعاون والتوادد، وعلي التباذل والتواصل.

علماً بأن البقاء إنما يكون للذي بني أساسه علي العدل والقسط، والعاقبة إنما تكون للذي رصّ بنيانه علي قواعد الفطرة والعقلانية، بينما الذي أسس بنيانه علي خلاف ذلك، كان مصيره الزوال والسقوط، كما سقط النظام الشيوعي، وبادت الاشتراكية وزالت إلي غير رجعة.

ولكن مع ذلك فإن الدنيا دار أسباب ومسببات وكانت وستكون للعاملين فيها وقد قال الله سبحانه: ?وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون?().

وقال عزوجل: ?كلا نمد

هؤلاء وهؤلاء?().

وعليه: فإن كان المسلمون هم العاملون عملاً مرضياً لله ورسوله، ومطابقاً للقرآن والإسلام ومؤطراً بإطار العصر ومتطلبات الحياة الجديدة انتصر الإسلام وساد الدنيا، وعم الجميع رحمته وعدله.

وإن كان العاملون هم الغربيون، وهم اليوم كذلك، أي: علي خلاف المسلمين المتقاعسين عن العمل، انتصر الغرب وسادوا الدنيا، وعمّ الجميع أضرارهم وظلمهم، كما هو اليوم حال الدنيا وحال أهلها، ففي كل نقطة من نقاط الدنيا وخاصة في بلدان العالم الثالث حرب ودمار، وجوع وفقر، ومرض وحرمان، وظلم واستبداد، وإلي آخر ما في قائمة الشقاء من ألفاظ وكلمات.

وهذه هي أيضاً سنّة الله تعالي في الحياة، حيث جعل الدنيا للعاملين، سواء كانوا من أهل الحق كالمسلمين، أو من أهل الباطل كالمستعمرين.

كما إن سنة الله تعالي هذه قد جعلها سبحانه في الدنيا للاختبار والامتحان، حيث إن الدنيا دار اختبار واختيار، وللإنسان أن يختار الحقّ أو الباطل، وأن يعمل أو يتقاعس عن العمل، وأن يكون مخلصاً في عمله أو مرائياً، وأن يجدّ في عمله أو يتماهل، فحيث إن الدنيا دار اختبار واختيار، يمدّ الله تعالي كلا الفريقين: أهل الحق، وأهل الباطل، بالأسباب والوسائل، وبالحول والطَول، كما قال تعالي: ?كلاً نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك?(). وذلك ليُري الله تعالي الناس أنفسهم المخلص منهم من المرائي، والمحق من المبطل، وليوقفهم علي مدي قدر أنفسهم، ويعرّفهم مبلغ استحقاقهم من الأجر والثواب أو العذاب والعقاب، حتي لا يقول أحد يوم القيامة: ليس هذا هو ما استحقّه من الثواب والجنة، أو من العقاب والنار.

نعم هذه هي سنّة من سنن الله تعالي في الحياة، وقدره وقضاؤه، ولكن هناك سنة أخري وهو الوعد بالفتح والنصر المطلق للمسلمين المؤمنين وذلك في زمن ظهور الإمام المهدي المنتظر (عجل الله

تعالي فرجه الشريف) فعند ذلك سيأتي الله بالفتح، وينصر الحقّ وأهله، ويدحض الباطل وأهله، وينقذ الناس من الشقاء والعذاب، ومن الجهل والفقر، ويذيقهم رغد العيش، وسعادة الحياة، وحلاوة الأمن والاستقرار، وذلك كما أخبر تعالي في كتابه الكريم حيث قال: ?ونريد أن نمنّ علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين?().

وكما قال سبحانه: ?وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً?().

وكما قال عزّوجلّ: ?قل جاء الحقّ وما يبدئ الباطل وما يعيد?().

وعسي أن يكون ذلك اليوم قريبا إن شاء الله، فتعم العولمة الصحيحة تحت ظل الإسلام الحكيم كل بقاع الأرض، وتنشر رحمتها علي كل الأنام، وتقضي علي العولمة المعاصرة الظالمة.

مجابهة العولمة الاقتصادية الغربية

مسألة: إن الله تعالي جعل المسلمين أمة واحدة بقوله سبحانه: ?إن هذه أمتكم أمة واحدة?()، وجعل لها حضارة عريقة، وأسلوباً جديداً في الأمور الحيوية، ومنهجاً حديثاً في الشؤون الاقتصادية حيث قال تعالي: ?فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون?() ورزقهم رغبة ملحّة في بناء مستقبل أجيالهم.

وعليه: فلابدّ لنا نحن المسلمين أن نترك السياسات الاقتصادية القطرية الضيقة التي لا تمت إلي الإسلام بصلة، إلي سياسة التكتل الاقتصادي الاسلامي الضخم، لمواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية العملاقة، ولابد من اغتنام الفرصة وانتهازها للدخول في النظام العالمي الجديد: العولمة، وتحديها بوضع أسس التعاون الاقتصادي الإسلامي، وإراءة نظام اقتصادي كامل وشامل، يجمع بين النمو والإزدهار، والعدل والأخلاق.

وهنا لابد من الإشارة إلي بعض الإجراءات التي بواسطتها يمكن مواجهة العولمة الغربية، وصد أمواج فسادها ودمارها.

الإجراء الأول:

مسألة: يلزم طرح أصول الاقتصاد الإسلامي المستنبط من القرآن الكريم والسنة الشريفة، من مثل قوله تعالي: ?هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً?().

ومثل قوله سبحانه: ?وأحل الله البيع وحرم الربا?().

ومثل قوله عزوجل: ?ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل?().

ومثل

قوله تعالي: ?والذين في أموالهم حق معلوم? للسائل والمحروم?().

ومثل قوله سبحانه: ?وأقرضوا الله قرضاً حسنا?().

ومثل قول النبي صلي الله عليه و اله: «الناس مسلطون علي أموالهم» ().

ومثل قوله صلي الله عليه و اله: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه» ().

ومثل قوله صلي الله عليه و اله: «الأرض لله ولمن عمرها» ().

ومثل قوله صلي الله عليه و اله: ¬ «من سبق إلي ما لا يسبقه إليه المسلم فهو أحق به» ().

ومثل قوله صلي الله عليه و اله: «من ترك ضياعاً فعليّ ضياعه()، ومن ترك ديناً فعليّ دينه» (). إلي غيرها من الآيات والروايات الشريفة.

ثم دعوة اقتصادي العالم إلي مدارسته ومذاكرته وإراءة أفضل الطرق إلي تطبيقه وتنفيذه، فإن الاقتصاد الإسلامي قد أثبت جدارته في إنقاذ البشر من الفقر، وإرغاد العيش للجميع، وهو اليوم قادر علي تحقيق أمنيات الناس في الحياة من كل الجهات المادية بل وحتي المعنوية أيضاً، وذلك لأنه قانون السماء الذي جاء به الوحي لإنقاذ أهل الأرض من الفقر والحرمان.

الإجراء الثاني:

مسألة: يلزم العمل لإيجاد مركز إسلامي اقتصادي عالمي، يقوم بتقييم السبل التطبيقية، واقتراح السياسات الاقتصادية الإسلامية، ويسعي لتحجيم وتحديد الاختلافات الموجودة بينها، وهذا بحاجة إلي جمعية استشارية تضم خبراء الاقتصاد الإسلاميين للتفكير في الأساليب والسياسات الاقتصادية الإسلامية في ظل المتغيرات الدولية والعالمية.

الإجراء الثالث:

مسألة: يلزم العمل لتعديل السياسات النقدية والمالية، والصادرات والواردات في التجارة الخارجية التي تخالف القوانين الإسلامية، فيجب توفيقها مع الاقتصاد الإسلامي القويم.

الإجراء الرابع:

مسألة: يلزم دعم ما تقدمه البلدان الإسلامية من الإصلاحات الاقتصادية في مجال التطبيق، المنطبقة مع الاقتصاد الإسلامي، وذلك تسهيلاً للحضور الفاعل في مجال التكتلات الاقتصادية العالمية.

الإجراء الخامس:

مسألة: يلزم العمل علي قيام سوق إسلامية لرأس المال وحركته علي مستوي

البلدان الإسلامية، ووضع إطار تطبيقي يتلاءم مع المتغيرات الحاصلة في الأسواق العالمية للاقتصاد.

الإجراء السادس:

مسألة: يلزم العمل علي ارتقاء القدرات البشرية، والإمكانات التقنية، وذلك علي مستوي البلدان الإسلامية.

الإجراء السابع:

مسألة: يلزم العمل لتحرير المبادلات التجارية من كل القيود والمضايقات، مثل: انتقال عناصر الإنتاج، والمنتجات وقوة العمل، والأشخاص، ورأس المال المؤطر بإطار الاقتصاد الإسلامي فيما بين البلدان الإسلامية، فلا جمارك ولا ضرائب بين البلاد الإسلامية، مضافاً إلي حرية الملكية الشخصية في إطارها الإسلامي الصحيح، وحرية الإرث بلا فرض الضرائب عليه.

الإجراء الثامن:

مسألة: يلزم العمل علي استشراف آفاق المستقبل، ورسم صورة مستقبلية لموقع البلدان الإسلامية في المحيط الاقتصادي الإقليمي والدولي، وتحديد مفهوم معيّن للأمن الإسلامي، وتصوير إمكان قيام السوق الإسلامية المشتركة، وما يرتبط بها من الحرية الاقتصادية، والمنافسة، والحماية، والدعم.

الإجراء التاسع:

مسألة: يلزم العمل من أجل الوصول إلي الاكتفاء الذاتي الاقتصادي في البلدان الإسلامية، ووضع أسس لبناء القدرة التنافسية علماً بأن التنافس التجاري والصناعي يعد من أهم عناصر التنمية الشاملة في البلدان الإسلامية.

الإجراء العاشر:

مسألة: يلزم السعي للاستفادة من التجارب الاقتصادية العالمية في مجابهة العولمة كالتجربة الصينية وغيرها.

أجل إن في التجربة الصينية وتعاملها مع العولمة الغربية درساً هاماً، وعبرة بليغة لجميع الدول النامية بصورة عامة، والأقطار الإسلامية بصورة خاصة، فإن الصين تمكنت من ممارسة عملية التنمية بجناحيها: الاقتصادي والاجتماعي، معتمدة علي إمكاناتها الداخلية وطاقاتها الذاتية بالدرجة الأولي، ومحاولة إصلاح اقتصادها الاشتراكي إصلاحاً جذرياً، ومتعاملة مع العولمة بعقل مفتوح ومن موقع قوة الاقتصاد الصيني، فأضحت بذلك ذات سوق متحركة، وفي نفس الوقت قادرة علي أن تجذب الاستثمارات الخارجية الخاصة والعامة إليها، حتي أصبحت تنافس الاقتصاد الغربي في كثير من الموارد.

نعم، إن المستقبل هو للتكتلات الاقتصادية والجمعيات الاستثمارية العظمي، فإن الدنيا تخطو خطوات كبيرة

نحو عالم التقنية والمعلوماتية، ونحو الشركات الكبري والمعامل الأم، ونحو عالم الإدارة المحنكة والقرار النافذ، ومن هذا المنطلق ينبغي للبلدان الإسلامية أن تخطو خطوات سريعة وحاسمة، كبيرة وجبارة، لتحقيق هدف التكامل في تطبيق الاقتصاد الإسلامي، وإراءة صورة الوحدة الاقتصادية الإسلامية، التي بدونها لن يقدر المسلمون علي إقامة اقتصاد ناجح ومتين، يتحدي الآخرين علي البقاء والمنافسة في عالم الاقتصاد المعاصر، ودنيا المبادلات التجارية الناشطة.

الحكام من وراء ضعف المسلمين

مسألة: إن العولمة الإسلامية رغم توفرها علي كل مستلزمات العولمة الصحيحة، واشتمالها علي الكفاءات الذاتية، حيث إنها تجمع بين النمو والازدهار، والعدل والأخلاق، وهي الأمور المقومة للعولمة الصحيحة، والتي لم تتوفر في العولمة الغربية وغيرها، إلا أنها لسوء تصرف الحكام المتطفلين علي الإسلام، وسوء تعامل الحكومات الأموية والعباسية والعثمانية المتسلطة علي المسلمين بلا شرعية، بقيت العولمة الإسلامية مقصورة علي البلاد الإسلامية، ومحصورة بين جوانحها، بل وضائعة أيضا حتي بين المسلمين أنفسهم، وما ذلك إلا بذنب من الحكام المستبدين، والحكومات الظالمة، التي استلمت مركز القيادة الإسلامية بلا شرعية، ولا تأييد من المسلمين، فجنت علي الإسلام بهجر عولمته، وعلي المسلمين بنسيانها واتباع مظاهر العولمة الغربية.

العولمة والتعولم

مسألة: لا يخفي إن المسلمين وعلي اثر الظروف القاسية التي مرّت بهم، واستبداد حكامهم، ودكتاتورية حكوماتهم، وعدم تطبيقهم الإسلام تطبيقاً صحيحاً، حيث اكتفي بعضهم من الإسلام بإجراء حدوده وقوانينه الجزائية فقط وذلك من دون مراعاة الشروط التي يلزم توفرها، مما أدي إلي تشويه سمعة الإسلام، وتمويه حقيقته الناصعة، فتسبّب ابتعاد المسلمين عن واقعهم، ورفع أيديهم عن ظواهرهم الإسلامية، وسرعة تهافتهم علي الظواهر المستوردة، شرقية كانت أم غربية، فقد أصبح كثير منهم جراء ذلك لا يحتاجون إلي من يدعوهم إلي التعولم، إذ هم اليوم متعولمون وداخلون في العولمة الحديثة، فتري أسماءهم عبارة عن: محمد وأحمد وحسن وحسين وعلي وزهراء وفاطمة، ولكنّهم يتشبثون بالمظاهر الشرقية أو الغربية في كثير من اُمورهم.

مثلاً: يتبعونهم في الوجبات السريعة المتواجدة علي شكل سلسلة مطاعم، وكذلك في الأثاث والأجهزة، وفي الكلام واللغة، وفي السلوك والسيرة، وفي الشكل والصورة، وفي الهندام والمظهر، وفي التزيين والتجميل، وفي الأزياء والألبسة، وفي العلاقات والعشرة، وفي باقي أمورهم وسائر شؤونهم.

إذن: فنحن داخلون في العولمة

الغربية بالمفهوم الغربي، في كثير من خصوصياتنا ومزايانا، لا أننا نريد أن نتعولم وندخل في العولمة.

هذا وقد نهي نبي الإسلام صلي الله عليه و اله المسلمين عن التشبّه بغير المسلمين كما هو معروف، فكيف بمزاولة كل خصوصيات الحياة عندهم؟

وقد جاء في الحديث: «من تشبّه بقوم عُدّ منهم» ()، فكيف بمن أصبح مثل قوم في جميع خصوصياتهم؟ فهو جزء منهم، لا أنه محسوب عليهم.

أجل، لقد أصبح الكثير من المسلمين اليوم متعولمين سلبياً بما للكلمة من معني، يعني: إنهم أضحوا يقلدون الغربيين في سيّئاتهم وسلبياتهم، دون تطورهم وتقنيتهم، إنهم تركوا العلم والعمل، والفن والصنعة التي تقدموا فيها ببركة الإسلام، وأخذوا منهم الميوعة والاستهتار، والمجون والخلاعة، والمسكرات والمخدّرات، والإدمان والفساد، وكل السلبيات والسيّئات التي أفسدت الغرب وأنهكته، وأعجزت الغربيين عن معالجتها وإصلاحها، إذ ليس لها علاج إلا في تعاليم الإسلام، ولا إصلاح إلا باتباع نهج القرآن، وقد ابتعد الناس عن الإسلام والقرآن جهلاً وربما عناداً، ولذلك لا يجدون لأزماتهم حلاً، ولا لفسادهم إصلاحاً، ولا لمرضهم علاجاً.

لقد أخذ المسلمون فساد الغرب، فابتلوا بمرضهم ودائهم، ووقعوا في أزماتهم ومآسيهم، إنهم تركوا تعاليم الرسول صلي الله عليه و اله في الزواج المبكّر، وتكوين الأسرة المبكّرة، فابتلوا بالعزوبة، وبويلاتها من أمراض نفسية وجسدية، وفردية واجتماعية.

وقد روي سلمان عن رسول الله صلي الله عليه و اله: بأن البنت إذا بلغت كانت كالثمرة إذا أينعت، فإذا لم تقتطف الثمرة فسدت، فكذلك البنت إذا لم تزوّج، ثم إنها إذا لم تزوج وارتكبت فاحشة، كتب إثمها علي أبيها وكل من كان أمرها بيده

ولم يزوّجها.

وفي حديث آخر: إن رسول الله صلي الله عليه و اله كان إذا رأي شاباً سأله عن أمرين: إنّه متزوج أم أعزب، وإنّه

ذو شغل أم عاطل؟ فإذا قال: لا شغل لي قال صلي الله عليه و اله: سقط من عيني()، وإذا قال: لا زوجة لي، شدّد معه رسول الله صلي الله عليه و اله وأمره بأن يتزوج ولا يبقي عزباً ().

وفي حديث آخر: إن رسول الله صلي الله عليه و اله كان يسأل النساء أيضاً عن أنهنّ متزوجات أم لا؟ وإذا لم تكن إحداهنّ متزوجة سعي صلي الله عليه و اله في زواجها.

هذا مضافاً إلي ما جعل الإسلام من الأهمية للمرأة، وما أعطاها من العزّة والكرامة، وما منحها من العناية والشرافة، إنه أعلي شأنها ومقامها، وعرفها بالريحانة، وبالقوارير، وعلي الإنسان مداراة الرياحين والرفق بالقوارير.

فعن أبي عبد الله عليه السلام قال في رسالة أمير المؤمنين عليه السلام إلي الحسن عليه السلام: «لا تملك المرأة من الأمر ما يجاوز نفسها فإن ذلك أنعم لحالها وأرخي لبالها وأدوم لجمالها، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة» ().

و عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما حق المرأة علي زوجها الذي إذا فعله كان محسناً، قال: «يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «كانت امرأة عند أبي عليه السلام تؤذيه فيغفر لها» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «اتقوا الله في الضعيفين» يعني بذلك اليتيم والنساء().

وعن يونس بن عمار قال: زوجني أبو عبد الله عليه السلام جاريةً كانت لإسماعيل ابنه، فقال: «أحسن إليها» فقلت: وما الإحسان إليها، فقال: «أشبع بطنها واكس جثتها واغفر ذنبها» ().

وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة حتي ظننت أنه لا ينبغي

طلاقها إلا من فاحشة مبينة» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: أ يضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «عيال الرجل اُسراؤه، وأحبّ العباد إلي الله عزّوجلّ أحسنهم صنعاً إلي اُسرائه» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «ألا خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «أحسن الناس إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله وأنا ألطفكم بأهلي» ().

روي أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «ألا اُخبركم بشرّ رجالكم»؟

فقلنا: بلي.

فقال: «إنّ من شرّ رجالكم البهّات البخيل الفاحش، الآكل وحده، المانع رفده، الضارب أهله وعبده، الملجئ عياله إلي غيره، العاقّ بوالديه» ().

بين العولمتين الإسلامية والغربية

مسألة: إن الفرق بين العولمتين أعني: العولمة الإسلامية والعولمة الغربية، هو كالفرق بين الاستقامة والانحراف، إذ في العولمة الغربية يكون الهدف صبّ العالم في منهج غربي خاص به اقتصادا واجتماعا، وسياسة وثقافة، وتربية وسلوكا، إلي آخر هذه القائمة، وذلك لتحصيل الربح المادي الأكثر.

ومن المعلوم: أن كل ذلك الذي يحتويه المنهج الغربي من الفساد والأضرار مخالف للدليل المنطقي والقانون العقلي والفطري، فلا الاقتصاد صحيح،

ولا السياسة صحيحة، ولا السلوك سليم، ولا الثقافة سليمة، ولا الاجتماع مستقيم، ولا التربية مستقيمة، وهكذا.

والدليل علي عدم الصحة والاستقامة هو: نسيان جانب الروح، بل تناسيه، مع أن جانب الروح هو الجانب الأهم بالنسبة إلي بقية الجوانب في الإنسان، فإنه علي أكثر التقادير للروح نصف الأهمية، وللبدن النصف الآخر، ولكن مع كل ذلك نري خصوصيات العولمة الحديثة منحصرة في البدن فقط مضافاً إلي انحصاره أيضا لصالح البعض لا الإنسان بما هو إنسان.

نعم إنّ العولمة الغربية المنحصرة في البدن والماديات مخالفة للعقل والعقلانية

والفطرة السليمة، فإنهم يجعلون الآثار للشهوات المنحطة، والمُتع الرخيصة، ويتغافلون عن عواقبها الوخيمة، وتبعاتها المدمّرة، التي تجر الويلات علي الفرد والمجتمع.

ثمّ إن من الواضح: أن الذي قد أخذ بزمام العولمة في الحال الحاضر هو: الغرب بما فيه أمريكا، واليابان، والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلي سعي أمريكا الحثيث والجاد لفرض هيمنتها في كل الشؤون علي النظام العالمي، ولا يخفي ما في ذلك من المآخذ والمشاكل، والمآسي والويلات.

ثم إن للغرب آليات لهذا الشيء، مثل منظمة التجارة العالمية، وهي تسعي لفرض هذه الآليات علي الجميع، كالشركات المتعددة الجنسيات، والحلف الأطلسي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومجلس الأمن، ووسائل الاتصالات والإعلام، والأبحاث الإلكترونية، والأبحاث الكيماوية، وشبكات القنوات الفضائية، وشبكات الانترنيت، وهذا التصرف من دون ملاحظة مصالح الإنسانية غير صحيح كما لا يخفي.

أما العولمة في الإسلام فهي نزعة إنسانية، وطريقة فطرية بشرية، قد أسس أساسها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله بأمر من الله تعالي، مع تقويم منه للمنحدرات والإعوجاجات، وقد صرّح القرآن الحكيم بذلك ودعا إليه في آيات متعددة كقوله تعالي: ?وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم?().

وقوله سبحانه: ?وتعاونوا علي البرّ والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان?().

وقوله تعالي: ?بشيراً ونذيراً? () حيث أطلق التبشير والإنذار، فكل انحراف وراءه إنذار، وكل استقامة بين يديها بشارة.

وقوله تعالي: ?وما أرسلناك إلاّ كافة للناس?().

ولذا فقد أرسي الإسلام أساس العلم وجعله لخدمة الإنسان، وليس العلم للعلم، أو لخدمة الظلم والعدوان، بينما نشاهد اليوم أنّ العلم صار بعضاً منه للعلم، كما فعل أصحاب النظريات العلمية الجافة والعقيمة، التي لا تمتّ إلي الإنسان ومنافعه بصلة، وبعضاً للتحريف والتدمير كما فعل مخترعو وسائل التجسس والتعذيب، وصانعوا القنبلة الذرّية والنووية والجرثومية وما أشبه ذلك.

العولمة الإسلامية وأهم مميزاتها

مسألة:

العولمة الإسلامية تمتاز بامتيازات هامة علي العولمة الغربية وذلك في مختلف الأصعدة، وجميع المجالات النظرية والتطبيقية، والمادية والمعنوية، ولعل أهم ما يميز هذه العولمة ومن جوانب متعددة هو ما يلي:

1: يميز العولمة الإسلامية من حيث الإطار النظري العام: المفهوم الديني أو الوازع الإلهي الذي يهذّب النفوس ويطبع القلوب علي محبة الآخرين، وإيصال النفع إليهم، ودفع الضرّ والشرّ عنهم، وذلك لأن الإسلام دين سماوي وليس موضوعاً من الموضوعات البشرية.

2: ويميز العولمة الإسلامية من الناحية التطبيقية، نظراً لما سبق من سوء تصرف الحكام المستبدين والحكومات الظالمة المتطفّلة علي الإسلام والمسلمين: المعاناة من ضعف وقصور حادّين، فهو بحاجة إلي مدارسة الأخصائيين من علماء الدين والدنيا لإراءة أفضل الطرق التطبيقية، المؤدية إلي الاستفادة المستقيمة والصحيحة من مواد العولمة الإسلامية، القادرة علي إرغاد حياة البشر، وإسعاد بني الإنسان دنياً وآخرة، فإن العولمة الإسلامية هي وحدها من بين الجميع، الجامعة للنمو والإزدهار، والعدل والأخلاق.

3: ويميز العولمة الإسلامية من الجانب المادي والمالي: عدم المراباة، فإن عدم المراباة هو الميزة الجوهرية للاقتصاد الإسلامي، حيث لا يَظلم صاحب رأس المال ولا يُظلم، كما قال تعالي ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ? فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ? وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَي مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ?().

وهذه الميزة اللاربوية هي من مفاخر وخصائص هذا الاقتصاد السماوي السليم، وبها يتميز ويتفرد وبشكل واضح عن الاقتصاد الرأسمالي وعن الاقتصاد الشيوعي والاشتراكي البائد، وقد أخذت العديد من البنوك في العالم نظريات البنك اللاربوي في الإسلام، الذي هو واقعاً مصداق البنك التساهمي، والذي لايحيف

بزبائنه، بل يتحمل كل منهم كلاً من الربح والخسارة، مع الخضوع لمتغيرات السوق وتقلباته.

4: ويميز العولمة الإسلامية من الجانب المعنوي والأخلاقي: عدم الاحتكار، فإن عدم الاحتكار هو ميزة جوهرية أخري للاقتصاد الإسلامي، إذ لا زالت السياسة الاقتصادية العالمية الإسلامية من يومها وحتي هذا اليوم خاضعة كلياً لحركة السوق التجارية: من بضائع وأمتعة، وأموال ونقود، ومسكوكات فضية وذهبية، ومواد غذائية وصناعية، وغير ذلك، ويحكمها قانون العرض والطلب، والتسويق والتدويل، ولم يكن للاحتكار تداولاً في الأسواق العالمية الإسلامية.

5: ويميز العولمة الإسلامية أيضاً: حياد الاقتصاد في النظام العالمي في الاقتصاد الإسلامي، فإنه لا يعترف بالسيادة القومية أو السيادة الاقتصادية لدولة علي أخري؟.

6: ويميز العولمة الإسلامية عن غيرها: خضوع النظام الاقتصادي وتأطير العمل التجاري الإسلامي لأحكام الدين وقوانين الشرع الحنيف، وتظهر هذه الميزة وأهميتها في حالات الطوارئ وغيرها، فإن الاقتصاد يكون حينئذ أحد مقومات حكم الجهاد الإسلامي وركائزه الركيزة وهكذا عند بروز حالات المجاعة والزلازل والفيضانات وما أشبه.

وبكلمة واحدة نقول: إن العولمة الاقتصادية الإسلامية قد حملت بين جوانحها كل مقومات السعادة والحضارة، والتقدم والرقي، والإزهار والتطور، ونفي الفقر والحرمان، من الحكومة الشرعية، والاقتصاد الأمين، والقوانين المالية العادلة، والوحدة العالمية بكل أبعادها الحضارية، إلي الآداب الإنسانية الراقية، والقواعد الأخلاقية التقدمية.

وخلاصة القول: إن العولمة الإسلامية حملت الحضارة بكل أبعادها، وجمعت بين النمو والإزدهار، والعدل والأخلاق.

من مشتركات العولمتين

مسألة: إن العولمتين الإسلامية والغربية قد تشتركان إن صح التعبير في بعض من الأسس العلمية، والبني التحتية، سواء علي الصعيد العلمي النظري، أم علي الصعيد الخارجي التطبيقي. والتعبير الأدق إن الإيجابيات الموجودة فهي من بركة الإسلام وتعاليمه، فحرية الشركات الضخمة، وحرية التجارة وقوانين العمل، وحرية هجرة الأيدي العاملة، وحرية انتقال رؤوس الأموال، وحرية المضاربات التجارية، والمواد

الأساسية من حقوق الإنسان، كلها أحكام شرعية بيّنها الإسلام وطُبقت في حكومة رسول الله صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

وهذا المشتركات هي جزء من النظام الاقتصادي العالمي والإسلامي، بصورة عامة، وإن كان هناك بعد كبير وبون شاسع في مسألة الجانب الإنساني والمجال الأخلاقي وما أشبه فيما بين النظامين بصورة خاصة.

ويمكن القول: بأن مجتمع شبه الجزيرة، مركز الوحي والإسلام، ونزول الرسالات والقرآن هو من أوائل المجتمعات ذات الخصوصية التجارية العالمية في ذلك اليوم، أو حسب الاصطلاح الحديث ذات الخصوصية الاقتصادية في هذا اليوم، فرحلتا الشتاء والصيف المعروفتين، واللتين تعرض القرآن الكريم لذكرهما() أصبحتا الآن من ذكريات تاريخ مجتمع شبه الجزيرة، فقد كانتا في حد ذاتهما تنظيماً اقتصادياً واعياً ودقيقاً، وفق جدول زمني دقيق، بل كانتا حركة ناشطة، ومسيرة حثيثة، وانتفاضة اقتصادية شعبية عارمة، ذات صبغة اقتصادية شاملة، فقد كان جميع التجار صغارهم وكبارهم، يشتركون وبصورة جادة في هاتين الرحلتين المعروفتين وليس كبار التجار فقط، أو المضاربين في السلع والأمتعة، أو المسافرين والسائحين فحسب.

العولمة الإسلامية ضرورة ملحة

مسألة: إن العولمة الصحيحة التي جاء بها الإسلام هي ضرورة ملحة، وخاصة في مثل هذا العصر، عصر الارتباطات والمواصلات السريعة.

إن عملية تصدير الثقافة والمعلومات، وتصدير الفن والتقنية، وتصدير المواد الخام والمواد الأولية، لا تختلف عن سائر العمليات التجارية الأخري، فكل واحد منها له تقنياته وأساليبه، وما كان منها محرّماً فيمكن تنظيم قوانين لبيان حرمتها حتي تجتنب، أو تعديلها وفق ما هو جائز وحلال، وهكذا وهلّم جرّاً.

وعليه: فمن الممكن بدل أن نقف تجاه العولمة الغربية موقفاً سلبياً مطلقاً، أن نأخذ ببيان الثقافة الإسلامية وقوتها ثم تسريبها إلي هذه العولمة، كما إنّا بحاجة ملحة أيضاً إلي أن ندرس بدقة مقومات هذا

النظام الجديد، كي نستطيع تطبيق ما يمكن تطبيقه بالنسبة إلي عالمنا واقتصادنا، وأنفسنا ومجتمعنا، واجتناب ما هو ضار منها ومحرم في شريعتنا.

ومن الواضح إن النظام العالمي الجديد في الاقتصاد، والقوانين التجارية العالمية، والأنظمة المالية، وحركة السوق، وما أشبه ذلك، لم تحدث فجأة واعتباطاً لمجرد رغبات تجار أو شركات، ولم توجد دفعة وعفواً لتلبية نداء رئيس معيّن أو قائد مشخّص، بل جاء هذا النظام العالمي الاقتصادي الجديد نتيجة تحركات تجارية واقتصادية استمرت عقود عديدة ونتيجة عمل متواصل، وحركة دؤوبة، وثورة اقتصادية متنامية، في مختلف المجالات من النظري والعلمي، والخارجي والتطبيقي، والتقني والتجريبي.

ومن المعلوم أيضاً: أن هذا النظام الاقتصادي العالمي الجديد، جاء حصيلة تلاؤم المعادلات الاقتصادية والسياسية، والدولية والعالمية، كما أنه جاء نتيجة تفاعل الحركات الاقتصادية علي الساحة الخارجية، السلبية منها والإيجابية أيضاً، علماً بانا لسنا بعيدين كثيراً عن كل تلك الحركات والمعادلات الدولية والعالمية، ابتداءً فيها من عصبة الأمم ومجموعة دول الكومنولث، وانتهاءً بها إلي الأمم المتحدة، هذا في مجال السياسة الدولية، وابتداءً من منظمات الغات والفاو منتهياً إلي منظمة التجارة العالمية، والأوبك والأوابك، وهذا في المجال التجاري، وبدءً بصندوق النقد الدولي، منتهياً إلي البنك الدولي في مجال النقد والمال، وبدءً باليونسكو وانتهاءً بحركات حقوق الإنسان في المجال الثقافي.

وهكذا وهلم جرا، حتي القنوات الفضائية والحاسوب والإنترنت حالياً، وما سيأتي مستقبلاً يكون أكثر مصداقية مما نحن عليه اليوم.

السوق الإسلامية العالمية

السوق الإسلامية العالمية

مسألة: من الضروري في العولمة الاقتصادية تشكيل السوق الإسلامية المشتركة، التي تعم جميع البلاد الإسلامية من دون جمارك ولا حدود ولارسومات ولا ضرائب إلا بمقدار ذكره الشارع المقدس، وهذا مما يوجب نمو الاقتصاد وازدهاره، فإن الاقتصاد لن يكون بنظر الاقتصاديين اقتصاداً بالمعني الصحيح ولا اقتصاداً بالمعني السليم إلا إذا

كان متطوراً نامياً، وذلك حتي يكون قادراً علي حل أية مشكلة اجتماعية واقتصادية كهبوط الدخل وسقوط العائد اليومي للفرد، والبطالة وما أشبه ذلك.

مضافاً إلي أن شجرة الاقتصاد والتجارة والسوق معلولات اجتماعية علي ما ذكره البعض، كما أن شجرة البرتقال والليمون والتفاح معلولات زراعية، ولابد لكل شجرة من النمو والازدهار وإلاّ فالذبول والخمول، ثم الموت والهمود حتمي، وشجرة الاقتصاد والتجارة لم يوجدا إلاّ لينموا ويعيشا، لا ليموتا ويضمحلاّ.

هذا ولو ألقينا نظرة سريعة علي حركة السوق الإسلامية المعاصرة لوجدنا أن كثيراً من النظريات الاقتصادية العالمية غير الصحيحة هي بنفسها مستخدمة فيها، وهي تنافي حرية الإنسان الاقتصادي وتخالف القوانين الحيوية الإسلامية كقانون: (حيازة المباحاة) و(الأرض لله ولمن عمرها) وقانون (السبق) () وما أشبه.

فنظرية الضرائب الثقيلة والسياسات التجارية التصديرية والاستيرادية، ونظرية الجمارك، ونظرية البنك الربوي وما أشبه ذلك، وكذلك بعض نظريات التكتلات الاقتصادية، فإنها غير مختلفة عن تلك التي هي موجودة في أوروبا وأمريكا.

أجل إن مسألة السوق الإسلامية المشتركة، التي نقول بضرورتها، لأنها تعد خطوة بسيطة من خطوات التكتل الاقتصادي، ومرحلة أولية من مراحل العولمة الإسلامية، ليست هي أقل حظاً ولا أضعف قدراً من السوق العربية المشتركة، فإن هذه السوق ما زالت تبدو وكأنها حبر علي ورق يتجاذبها المجتمعون في مجالس الجامعة العربية، لأنها بقيت خاضعة لمتطلبات الحكام والرؤساء، ومعه لا يمكن لمثل هذه السوق أن تستقل لنفسها وتنمو وتزدهر.

كلمة لابد منها

مسألة: الحاجة توجب للأمة أن تكون أسيرة ورهينة، كما هو واضح، وهنا لابد من التصريح بالحقيقة المرُة التالية وهي: ما تواجه الأمة الإسلامية من الضعف والتأخر في المجال العلمي والتكنولوجي وما أشبه.

وهذا مما يؤثر كثيراً في انتشار العولمة، فإن كل صاحب عولمة يسعي إلي تحقيق عولمته الخاصة، والذي يقدر

علي أن يصنع التقنية ويبدعها هو الذي يقدر علي تحقيق عولمته وتطبيقها، لا كل من يمتلك التقنية أو يستعملها فقط.

وقد ورد في الحديث الشريف: «احتج إلي من شئت تكن أسيره» ().

ومن لم يبتدع التقنية يحتاج في اقتنائها إلي غيره، فيكون أسيره، والمسلمون قد أصبحوا اليوم وللأسف الشديد من المستهلكين فقط لا من المبدعين، مما ينبغي لهم أن يكونوا كما كانوا في الأمس هم أول مبتدع ومبتكر في كل المجالات.

نعم لابد أن يهتم المسلمون في رفع مستوي وعيهم، وسطح علمهم، حتي يدركوا معني الآية الكريمة: ?وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة?() ويعلموا تحليلها العلمي والعملي الدقيق، ويعلموا أن الحاسوب والإنترنت من وسائل القوة، وكذلك الفضائيات، ويعرفوا أن علم الرياضيات والهيئة من مقومات القوة، ويعرفوا أن علم النفس والاجتماع، وعلم الحيوان والنبات، وعلوم الوراثة والهندسة والطب وغيرها من العلوم العصرية من مقومات القوة، بل إنها جميعاً من الواجبات الكفائية علي المسلمين، والتي إذا تركها المسلمون جميعاً أثم الجميع بتركها. وقد كان المسلمون يوماً هم السبّاقون في هذا المجال وكل المجالات الحيوية الأخري، وذلك عندما كان الغرب يعيش في ظلام القرون الوسطي وجاهلية الجهلاء، فعليهم أن يستعيدوا اليوم ما كانوا عليه بالأمس فإنهم سينتصرون إن شاء الله تعالي.

أجل، إن من اللازم علي المسلمين أن يعرفوا أن العلم هو من أهم الوسائل إلي معرفة الله القادر الحكيم، والخالق العليم، وأن القرآن الكريم استهل عند نزوله بالعلم وأمر به، وانه أراد من الرسول صلي الله عليه و اله أن يقول في دعائه: ¬?وقل رب زدني علماً? () مع كثرة ما علّمه الله تعالي من علوم الأولين والآخرين، وأنه أراد من الناس أن يتفكروا في آيات الله تعالي وفيما خلق الله

تعالي ويتدبروها، كي يعملوا ويعلموا أن: ?سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق?().

ثم يأخذوا بالعلم في جميع المجالات ليستعيدوا عزهم وكرامتهم التي وصلوا إليها ببركة الإسلام وتعاليم الرسول صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام.

استقامة العولمة باستقامة أصحابها

مسألة: إن المسلمين يتميزون عن غيرهم بالعدالة، فقد أمرهم الله تعالي بذلك في كتابه الكريم، حيث يقول: ?إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي، وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون ?()، وذلك ليس في السلوك فحسب بل في الفكر أيضاً، فلا ينبغي بعد أن أمرنا الله بهذه الصفة الإنسانية، وميزنا بهذه الميزة الحضارية أن نرجع إلي الأعقاب وأن نكون كالذين وصفهم الله تعالي في القرآن الحكيم بأنهم أشدّ كفراً ونفاقاً، ولا ينبغي أن ينطبق علينا شيء من تلكم المواصفات غير العادلة والخارجة عن السلوك الإسلامي والإنساني.

إنما لا نريد ذلك لأن الله تعالي أراد لنا أن نكون شموليين، خارجين عن ضيق الفردية والأنانية، ناظرين برحابة صدر وسعة باع إلي العالم كله، متفكرين في إصلاحه وإسعاده.

كما أراد الله تعالي للإسلام وعولمته الشمول والاستيعاب، فقد قال سبحانه: ?وإن هذه أمتكم أمة واحدة?().

وقال عزوجل: ?وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا?().

وقال تعالي: ?إنما المؤمنون إخوة?().

هذا وإذا أمعنا النظر في العلاقة بين العولمة الاقتصادية والبلدان الإسلامية، لما وجدناها أكثر ضرراً علي المسلمين وعلي بلادهم من تناحرهم فيما بينهم، ومعاداة بعضهم لبعض، ومضادتهم مع أنفسهم، سواء كان هذا التناحر الذي ابتلوا به نتيجة القصور في الوعي، وغياب النظرة المستقبلية، أم كان نتيجة تحريض قوي خارجية، وتسويل شياطين الشرق والغرب، فإن كلا العاملين مذموم ومنفور، ينبغي التخلص منهما.

ثم إنا إذا أمعنا النظر ثانياً في العولمة الاقتصادية لوجدنا الارتباط بين الاقتصاد

المحلي المحدود الراكد، وبين الاقتصاد العالمي النامي المتحرك، وأنه لو طبق القوانين الإسلامية الاقتصادية لكان في صالح الجميع وأنه يعود عليهم بالخير والبركة، والحركة والنمو، حيث تطلع عليهم آفاق جديدة، وتنفتح لهم أسواق المشاركة، وتتوسع أمامهم أساليب العمل، وتتطور عندهم وسائل الإنتاج، وذلك لا يكون نتيجة لتوسع الطلب علي قوي العمل، بل يكون نتيجة لتوفر المعلومات الحركية للسوق الدولية والعالمية، التي أقل ما ينتج عنها هو توفير فرص العمل لآلاف العمال، وترفيه حال آلاف العوائل والأفراد المرتبطين بأولئك العاملين.

هذا ومن الواضح: إن أحداً لا يستطيع أن ينكر ما وفرته المعلومات الحركية للسوق من تكثير فرص العمل، فمثلاً صناعة أجهزة الراديو والتلفاز مثلاً، قد وفرت الآلاف من فرص العمل علي أولئك الناس الذين يشتغلون حالياً في البرامج الإذاعية والتلفزيونية، من إعداد وإخراج، ومن تأليف وتصوير، ومن مراسلين ومذيعين، وغير ذلك، وعلي أولئك الذين يشتغلون في صيانة تلك الأجهزة الإلكترونية من آلاف المهندسين والتقنيين، وغير ذلك من الصناعات الجديدة والحديثة، إذن العولمة الاقتصادية توفر فرص العمل للكثيرين لكن بشرط أن توفر فيها الحريات الإسلامية.

فصل العولمة والمسائل الشرعية

أحكام شرعية

هناك الكثير من المسائل الشرعية المرتبطة بالعولمة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو ما أشبه، وما يرتبط بها من قريب أو بعيد، نشير إلي بعضها.

العولمة لابد منها

مسألة: سبق القول بأن العولمة أمر لابد منه، وخاصة في مثل هذا العصر عصر الارتباطات والاتصالات، فيلزم علي العلماء والمفكرين، وذوي الكفاءات والثقافات العالية، السعي الحثيث والمثابرة الجادة، لتحقيق عولمة صحيحة وشاملة، تجمع بين النمو والازدهار، والعدل والأخلاق، ولا يكون ذلك إلا في العولمة التي جاء بها القرآن الحكيم، وندب إليها الرسول الكريم صلي الله عليه و اله وآله الأطهار عليهم السلام، فإن القرآن الكريم هو الكتاب الكامل الشامل والغض الطري، الصالح لكل زمان ومكان.

قال تعالي: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً?().

وقال سبحانه: ?وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًي وَرَحْمَةً وَبُشْرَي لِلْمُسْلِمِينَ?().

وعن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: «لا ينبغي لحامل القرآن أن يظن أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي، لأنه لو ملك الدنيا بأسرها لكان القرآن أفضل مما ملكه» ().

ونقل السيد علي بن طاووس في الطرف، عن كتاب الوصية لأبي الضرير عيسي بن المستفاد من أصحاب الكاظم عليه السلام عنه عن أبيه عليه السلام في حديث أن رسول الله صلي الله عليه و اله قال للأنصار أيام وفاته فيما أوصي به إليهم: «كتاب الله وأهل بيتي فإن الكتاب هو القرآن وفيه الحجة والنور والبرهان كلام الله غض جديد طري شاهد وحكم عادل قائد بحلاله وحرامه وأحكامه بصير به قاض به مضموم فيه يقوم غداً فيحاج به أقواماً فتزل أقدامهم عن الصراط» ().

وعن الإمام الرضا عن أبيه عليه السلام: «أن رجلا سأل أبا عبد الله عليه السلام: ما بال القرآن

لا يزداد علي النشر والدرس إلا غضاضة؟ فقال: لأن الله تبارك وتعالي لم يجعله لزمان دون زمان ولناس دون ناس فهو في كل زمان جديد وعند كل قوم غض إلي يوم القيامة» ().

عولمة السلم والسلام

مسألة: ينبغي العلم بأن عولمة الإسلام هي عولمة السلم والسلام فهي تعتمد علي ثقافة السلم والسلام، والأخلاق والآداب، والتعارف والتوادد، والتواصل والتعاون، والحنان والمحبة، والعدل والإحسان.

قال تعالي: ?وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَي اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ?().

وقال سبحانه: ?إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَي وَيَنْهَي عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ?().

عولمة الفطرة

مسألة: ينبغي معرفة أن الفكر والعقيدة المبتنية عليها العولمة الإسلامية هي العقيدة التي تتلاءم مع فطرة الإنسان، والمنبعثة من الفكر الصحيح القائل بوحدانية الله خالق الإنسان، وبعدله تعالي في خلقه، وببعث الرسل إليهم مع منهاج السماء أولهم آدم عليه السلام وخاتمهم رسول الإسلام محمد صلي الله عليه و اله، وبتعيين أئمة يحفظون منهاج السماء أولهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم المهدي عليه السلام الذي وعد الله تطبيق العولمة الإسلامية علي يديه، وتعميمه علي سطح الكوكب، وبالمعاد في يوم القيامة للحساب والجزاء والفوز بالجنة، أو الخسارة في جهنم والعياذ بالله. قال الله تعالي: ?فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون?().

وقال سبحانه: ?آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير?().

وقال تعالي: ?إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلي نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسي وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً?().

وقال سبحانه: ?شرع لكم من الدين ما وصي به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر علي

المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب?().

وقال النبي صلي الله عليه و اله: «الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم القائم عليه السلام طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي من أنكر واحدا منهم فقد أنكرني» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين الثقل الأكبر والثقل الأصغر إن تمسكتم بهما لا تضلوا ولا تبدلوا وإني سألت اللطيف الخبير أن لا يتفرقا حتي يردا علي الحوض فأعطيت ذلك، قالوا وما الثقل الأكبر وما الثقل الأصغر؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله، سبب طرفه بيد الله وسبب طرفه بأيديكم، والثقل الأصغر عترتي وأهل بيتي» ().

وعن سعد الإسكاف قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول النبي صلي الله عليه و اله: «إني تارك فيكم الثقلين فتمسكوا بهما فإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: «لا يزال كتاب الله والدليل منا يدل عليه حتي يردا علي الحوض» ().

نظافة العولمة

مسألة: الإسلام دين طهارة ونظافة وجمال في كل شيء ومنها العولمة، فلاتكون للعولمة الإسلامية سلبيات واستغلال للآخرين وما أشبه من الفساد والإفساد، كما هو الحال في العولمة الغربية.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ثم إن هذا الإسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه، واصطنعه علي عينه، وأصفاه خيرة خلقه()، وأقام دعائمه علي محبته … جعل الله فيه منتهي رضوانه، وذروة دعائمه، وسنام طاعته، فهو عند الله وثيق الأركان، رفيع البنيان، منير البرهان، مضي ء النيران، عزيز السلطان، مشرف

المنار()، معوذ المثار()، فشرفوه واتبعوه، وأدوا إليه حقه وضعوه مواضعه» ().

وروي أن النبي إبراهيم عليه السلام جمع ولده وأسباطه وقال: «إن الإسلام دين الله الذي تعبدكم به فالزموه ولا تعدلوا عنه ولو نشرتم بالمناشير وقرضتم بالمقاريض وأحرقتم بالنار» ().

وكان في وصية إبراهيم عليه السلام: «يا بني عليكم أن تظهروا كل حسنة وجدتم من غيركم وأن تستروا كل سيئة وفاحشة وإياكم أن تشيعوها» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن الله عز وجل يحب الجمال والتجمل، ويبغض البؤس والتباؤس» ().

سياسة العولمة

مسألة: ينبغي الالتفات إلي أن السياسة التي تحكمها العولمة الإسلامية هي: سياسة العدل والأخلاق، وسياسة الصدق والأمانة، وسياسة الحرية: حرية الفكر والعقيدة، وحرية القلم والبيان. وبكلمة واحدة: السياسة التي تري الناس صنفين: أما أخ في الدين، أو نظير في الخلق()، والسياسة التي تري الناس سواسية في الحقوق وفي المزايا وفي كل شيء، وتحرم كل تبعيض وتمييز، وكل كبت واضطهاد، وكل استبداد ودكتاتورية، وكل واستعمار، وكل هيمنة وسيطرة.

قال تعالي: ?بسم الله الرحمن الرحيم ? الرحمن ? علم القرآن ? خلق الإنسان ? علمه البيان ? الشمس والقمر بحسبان ? والنجم والشجر يسجدان ? والسماء رفعها ووضع الميزان ? ألا تطغوا في الميزان ? وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ? والأرض وضعها للأنام?().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تكرهوا عبادة الله إلي عباد الله فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقي» ().

وكتب أمير المؤمنين عليه السلام: «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين

ولاه مصر جباية خراجها وجهاد عدوها واستصلاح أهلها وعمارة بلادها، أمره بتقوي الله وإيثار طاعته واتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها ولا يشقي إلا مع جحودها وإضاعتها، وأن ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه فإنه جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره وإعزاز من أعزه، وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات ويزعها عند الجمحات فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله، ثم اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلي بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم، وإنما يستدل علي الصالحين بما يجري الله لهم علي ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك، فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت، وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولاتكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل، ويؤتي علي أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضي أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاك وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم» ().

مسائل حول العولمة الثقافية في الإسلام

مسألة: يؤكد الإسلام علي طلب العلم، ولو كان في أقصي الأرض، بل ولو كان في الثريا، وعلي جميع الناس فقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «اطلبوا العلم ولو بالصين فإن طلب العلم فريضة علي كل مسلم» ().

وقال صلي الله عليه

و اله في حديث آخر: «طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة» ().

وقال صلي الله عليه و اله «طلب العلم فريضة علي كل مسلم ألا إن الله يحب بغاة العلم» ().

وعن أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه وسيفي لكم والعلم مخزون عند أهله وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «الشاخص في طلب العلم كالمجاهد في سبيل الله إن طلب العلم فريضة علي كل مسلم وكم من مؤمن يخرج من منزله في طلب العلم فلا يرجع إلا مغفورا» ().

وعن طلحة بن زيد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «العامل علي غير بصيرة كالسائر علي غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلا بعداً» ().

حرية الثقافة

مسألة: الإسلام يؤمن بحرية الثقافة ومقدماتها المشروعة، فلكل شخص أو جهة أو ما أشبه أن تؤسس الإذاعات والتلفزيونات، وأن تصدّر الصحف والمجلات، وأن تنشر الكتب والموسوعات، والكراريس والمقالات، وأن تؤسس المعاهد والجامعات والمدارس والروضات، كل ذلك في سبيل نشر الوعي والثقافة في المجتمع.

وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «إن الناس كلهم أحرار» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «كل شيء مطلق حتي يرد فيه نص» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إن الناس مسلطون علي أموالهم» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «حكمي علي الواحد حكمي علي الجماعة» ().

المدارس والمراكز الثقافية

مسألة: يلزم تأسيس المدارس والمعاهد العلمية والجامعات التخصصية في مختلف العلوم التي يحتاجها البشر، من سياسة واقتصاد، وفلك وطب، وزراعة وصناعة، وهندسة وما أشبه ذلك. وفي ذلك إحياء لأمر الإسلام وقوانين القرآن وسيرة الرسول صلي الله عليه و اله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام.

عن العقرقوفي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأصحابه وأنا حاضر: «اتقوا الله وكونوا إخوة بررة متحابين في الله متواصلين متواضعين متراحمين تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا وأحيوا أمرنا» ().

وعن محمد بن عيسي عن يونس رفعه قال: قال لقمان لابنه: «يا بني اختر المجالس علي عينك فإن رأيت قوماً يذكرون الله جل وعز فاجلس معهم، فإن تكن عالماً نفعك علمك، وإن تكن جاهلا علموك، ولعل الله أن يظلهم برحمته فيعمك معهم، وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله فلا تجلس معهم فإن تكن عالماً لم ينفعك علمك، وإن كنت جاهلا يزيدوك جهلا، ولعل الله أن يظلهم بعقوبة فيعمك معهم» ().

وروي أن علي بن الحسين (صلوات الله عليه) كان إذا جاءه طالب علم قال: «مرحبا بوصية رسول الله صلي الله عليه و اله

ثم يقول: إن طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجله علي رطب ولا يابس من الأرض إلا سبحت له إلي الأرضين السابعة» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «خير القلوب أوعاها للخير، وشر القلوب أوعاها للشر، فأعلي القلب الذي يعي الخير مملو من الخير، إن نطق نطق مأجوراً، وإن أنصت أنصت مأجورا» ().

آداب عالمية للتربية والتعليم

آداب عالمية للتربية والتعليم

مسألة: يلزم علي المعلم في أي مكان كان، وفي أيّ علم يريد التدريس، أن يكون في مستوي التعليم فلا ينصب نفسه للتدريس حتي يكون أهلاً لذلك، وأن يكون عاملاً بعلمه، ويلزم علي المعلم تأديب طلبته علي الالتزام بالآداب السنية، وأول ذلك حثهم علي الإخلاص لله تعالي، ومراقبته عزوجل في جميع اللحظات، والزهد في الدنيا، والرغبة في العلم.

عن أبي عبد الله عليه السلام: «في قول الله عز وجل: ?إنما يخشي الله من عباده العلماء?() من صدق فعله قوله، ومن لم يصدق قوله فعله فليس بعالم» ().

وقال عيسي ابن مريم عليه السلام: «يا معشر الحواريين لي إليكم حاجة اقضوها لي، قالوا: قضيت حاجتك يا روح الله، فقام فغسل أقدامهم، فقالوا: كنا نحن أحق بهذا يا روح الله، فقال: إن أحق الناس بالخدمة العالم، إنما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم، ثم قال عيسي عليه السلام: بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قرأت في كتاب علي عليه السلام إن الله لم يأخذ علي الجهال عهدا بطلب العلم حتي أخذ علي العلماء عهدا ببذل العلم للجهال لأن العلم كان قبل الجهل» ().

مصالح الدين والدنيا

مسألة: يلزم علي المعلم أن يزجر الطلاب عن مساوئ الأخلاق، وارتكاب المحرمات والمكروهات، ومجالسة الأدنين والفسقة، ويحثهم علي طلب الآخرة، وبالجملة يعلّمهم مصالح دينهم ودنياهم.

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: «طلبة العلم ثلاثة فاعرفوهم بأعيانهم وصفاتهم، صنف يطلبه للجهل والمراء، وصنف يطلبه للاستطالة والختل، وصنف يطلبه للفقه والعقل، فصاحب الجهل والمراء مؤذ ممار متعرض للمقال في أندية الرجال، بتذاكر العلم وصفة الحلم، قد تسربل بالخشوع وتخلي من الورع، فدق الله

خيشومه وقطع منه حيزومه، وصاحب الاستطالة والختل ذو خب وملق، يستطيل علي مثله من أشباهه ويتواضع للأغنياء ممن هو دونه، فهو لحلاوتهم هاضم، ولدينه حاطم، فأعمي الله علي هذا بصره، وقطع من آثار العلماء أثره، وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر، قد انحني في برنسه وقام الليل في حندسه، يعمل ويخشي وجلا داعيا مشفقا، مقبلا علي شأنه، عارفا بأهل زمانه، مستوحشا من أوثق إخوانه، فشد الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانه» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب، ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله خير الدنيا والآخرة» ().

لا تجب من غير علم

مسألة: لا يجوز لمن لا يعلم شيئاً أن يجيب من غير علم، فإذا سئل عن شيء لا يعلمه فليقل: لا أعلم أو نحوه، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا سئلتم عمّا لاتعلمون فاهربوا» قالوا: وكيف الهرب، قال: «تقولون الله أعلم» ().

عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: «ما علمتم فقولوا، وما لم تعلموا فقولوا الله أعلم، إن الرجل لينتزع بالآية من القرآن يخر فيها أبعد ما بين السماء والأرض» ().

وعن زرارة بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السلام ما حق الله علي العباد؟ قال: «أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون» ().

وعن الصادق عليه السلام: «إن الله خص عباده بآيتين من كتابه أن لا يقولوا حتي يعلموا ولا يردوا ما لم يعلموا، وقال الله عزوجل: ?أ لم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا علي الله إلا الحق?() وقال: ?بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله?()» ().

حسن النية

مسألة: يلزم علي المتعلم أينما كان وفي أيّ مجال يريد التعلّم أن يكون حسن النية ويسعي في تطهير قلبه، وأن يغتنم التحصيل في الشباب والفراغ وسلامة الحواس،وأن يكون عالي الهمة، فلا يرض باليسير ولا يسوف، ويبدأ في التحصيل بالأهم فالأهم.

قال النبي صلي الله عليه و اله: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» ().

وجاء في الخبر: «مثل الذي يتعلم العلم في صغره كالنقش علي الحجر، ومثل الذي يتعلم العلم في كبره كالذي يكتب علي الماء» ().

وعن ابن عباس: «ما أوتي عالم علما إلا وهو شاب» ().

مسائل حول العولمة الاجتماعية في الإسلام

المجتمع الصالح

مسألة: المجتمع الإسلامي أنظف وأحسن مجتمع إنساني عرفه البشر، حيث تسوده الأخلاق الطيبة والتقدم العلمي فلا فقر فيه ولا جريمة إلا الأندر من النادر.

عن أبي عبد الله عليه السلام: «إن رسول الله صلي الله عليه و اله خطب الناس في مسجد الخيف فقال في حديثه: المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم ويسعي بذمتهم أدناهم» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «العفاف زينة البلاء، والتواضع زينة الحسب، والفصاحة زينة الكلام، والعدل زينة الإيمان، والسكينة زينة العبادة، والحفظ زينة الرواية، وحفظ الحاج زينة العلم، وحسن الأدب زينة العقل، وبسط الوجه زينة الحلم، والإيثار زينة الزهد، وبذل الموجود زينة اليقين، والتقلل زينة القناعة، وترك المن زينة المعروف، والخشوع زينة الصلاة، وترك ما لا يعني زينة الورع» ().

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «استأذن رجل علي رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: يا رسول الله أوصني، قال: أوصيك أن لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وحرقت بالنار، ولا تنهر والديك وإن أمراك علي أن تخرج من دنياك فاخرج منها، ولا تسب

الناس وإذا لقيت أخاك المسلم فألقه ببشر حسن، وصب له من فضل دلوك، أبلغ من لقيت من المسلمين عني السلام وادع الناس إلي الإسلام، واعلم أن لك بكل من أجابك عتق رقبة من ولد يعقوب، واعلم أن الصغيراء عليهم حرام يعني النبيذ وهو الخمر وكل مسكر عليهم حرام» ().

كالجسد الواحد

مسألة: يعتبر الإسلام المجتمع كالجسد الواحد، إذا اشتكي منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمي.

عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إن اشتكي شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال جدي رسول الله صلي الله عليه و اله: أيها الناس حلالي حلال إلي يوم القيامة، إلي أن قال: ألا وإن ود المؤمن من أعظم سبب الإيمان، ألا ومن أحب في الله عزوجل وأبغض في الله وأعطي في الله ومنع في الله فهو من أصفياء المؤمنين عند الله تعالي، ألا وإن المؤمنين إذا تحابا في الله عزوجل وتصافيا في الله كانا كالجسد الواحد إذا اشتكي أحدهما من جسده موضعاً وجد الآخر ألم ذلك الموضع» ().

وعن جابر الجعفي: قال تقبضت بين يدي أبي جعفر عليه السلام فقلت: جعلت فداك ربما حزنت من غير مصيبة تصيبني أو ألم ينزل بي حتي يعرف ذلك أهلي في وجهي وصديقي، فقال: «نعم يا جابر إن الله عزوجل خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجري فيهم من ريح روحه، فلذلك المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه، فإذا أصاب روحا من تلك الأرواح في بلد من البلدان حزن حزنت هذه لأنها منها» ().

كمال الإيمان

مسألة: يؤكد الإسلام علي أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها، فعن رسول الله صلي الله عليه و اله: «لا يستكمل المرء الإيمان حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه» الحديث ().

وعن حفص بن البختري قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ودخل عليه رجل فقال لي: «تحبه؟» فقلت: نعم، فقال لي: «ولم لا تحبه

وهو أخوك وشريكك في دينك وعونك علي عدوك ورزقه علي غيرك» ().

قضاء حاجة الغير

مسألة: ورد التأكيد الكثير علي قضاء حوائج الإخوان، ففي الحديث الشريف: «خير الناس من نفع الناس» ().

عن المفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: «يا مفضل اسمع ما أقول لك واعلم أنه الحق واتبعه وأخبر به علية إخوانك» قلت: جعلت فداك وما علية إخواني، قال: «الراغبون في قضاء حوائج إخوانهم» قال: ثم قال: «ومن قضي لأخيه المؤمن حاجةً قضي الله له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أوله الجنة ومن ذلك أن يدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنة بعد أن لا يكونوا نصاباً» فكان مفضل إذا سأل الحاجة أخاً من إخوانه قال له: أما تشتهي أن تكون من علية الإخوان ().

وقال الصادق عليه السلام: «قضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف وطواف وطواف، حتي عد عشراً» ().

وعن إسماعيل بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المؤمن رحمة علي المؤمن، قال: «نعم» قلت: وكيف ذاك؟ قال: «أيما مؤمن أتي أخاه في حاجة فإنما ذلك رحمة من الله ساقها إليه وسيبها له، فإن قضي حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها، وإن رده عن حاجته وهو يقدر علي قضائها فإنما رد عن نفسه رحمةً من الله عز وجل ساقها إليه وسيبها له، وذخر الله عز وجل تلك الرحمة إلي يوم القيامة حتي يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها إن شاء صرفها إلي نفسه وإن شاء صرفها إلي غيره» إلي أن قال: «استيقن أنه لن يردها عن نفسه يا إسماعيل من أتاه أخوه في حاجة يقدر علي قضائها فلم يقضها له سلط الله عليه شجاعاً ينهش إبهامه في قبره إلي يوم القيامة

مغفوراً له أو معذباً» ().

الأمر بالمعروف

مسألة: يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرائطه، فلا يجوز للمسلم أن يجلس في بيته ويري المنكرات الكثيرة ولا ينهي عنها، ومن المنكر: سلوك الحكام سبيل الشيطان ورجزه بالمخامرة والمقامرة وسن وتطبيق الأحكام غير الإسلامية في قوانينهم وأعمالهم، فعليه أن يسعي لإزالة المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة.

عن محمد بن عمر بن عرفة قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: «لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام: «إن رجلا من خثعم جاء إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: يا رسول الله أخبرني ما أفضل الإسلام؟

قال: الإيمان بالله.

قال: ثم ماذا؟

قال: صلة الرحم.

قال: ثم ماذا؟

قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال: فقال الرجل: فأي الأعمال أبغض إلي الله عز وجل؟

قال: الشرك بالله.

قال: ثم ماذا؟

قال: قطيعة الرحم.

قال: ثم ماذا؟

قال: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف» ().

وخطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس فحمد الله وأثني عليه وذكر ابن عمه محمدا صلي الله عليه و اله فصلي عليه ثم قال: «أما بعد، فإنه إنما هلك من كان قبلكم بحيث ما عملوا من المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك، فإنهم لما تمادوا في المعاصي نزلت بهم العقوبات، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان أجلا ولا يقطعان رزقا» ().

قوا أنفسكم وأهليكم

مسألة: اللازم علي كل إنسان وفي أي بلد أو مكان كان أن يصلح نفسه أولاً بالمواظبة علي فعل الطاعات، وترك المحرمات، والتخلق بالأخلاق الطيبة، والتأدب بالآداب الحسنة، كما أمره الله عزوجل. ثم يعلّم أهله وأقرباءه وجيرانه وأصدقاءه، الأقرب فالأقرب، بل جميع الناس إن أمكنه ذلك.

قال تعالي: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ

وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ?().

وعن أبي خديجة قال: دخلت علي أبي الحسن عليه السلام فقال لي: «إن الله تبارك وتعالي أيد المؤمن بروح منه تحضره في كل وقت يحسن فيه ويتقي، وتغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدي، فهي معه تهتز سروراً عند إحسانه، وتسيخ في الثري عند إساءته، فتعاهدوا عباد الله نعمه بإصلاحكم أنفسكم تزدادوا يقيناً وتربحوا نفيساً ثميناً، رحم الله امرأً هم بخير فعمله، أو هم بشر فارتدع عنه، ثم قال: نحن نؤيد الروح بالطاعة لله والعمل له» ().

وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عليهم السلام قال: «قال علي بن أبي طالب عليه السلام: أحمق الناس من حشا كتابه بالترهات، إنما كانت الحكماء والعلماء والأتقياء والأبرار يكتبون بثلاثة ليس معهن رابع، من أحسن لله سريرته أحسن الله علانيته، ومن أصلح فيما بينه وبين الله أصلح الله تعالي فيما بينه وبين الناس، ومن كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا» ().

من آداب المعاشرة

مسألة: هناك آداب كثيرة في خصوص المعاشرة مع الناس والعشرة الاجتماعية وردت في الروايات، وقد خصّص لها العلماء كتبا تحت عنوان (العشرة)، وقد بينا بعض ذلك في كتاب (الفقه: الآداب والسنن) () وما أشبه().

قال الصادق عليه السلام: «حسن المعاشرة مع خلق الله تعالي في غير معصيته من مزيد فضل الله تعالي عند عبده، ومن كان خاضعاً لله تعالي في السر كان حسن المعاشرة في العلانية، فعاشر الخلق لله تعالي ولا تعاشرهم لنصيبك لأمر الدنيا ولطلب الجاه والرياء والسمعة، ولا تسقطن لسببها عن حدود الشريعة من باب المماثلة والشهرة فإنهم لا يغنون عنك

شيئاً وتفوتك الآخرة بلا فائدة، فاجعل من هو أكبر منك بمنزلة الأب، والأصغر بمنزلة الولد، والمثل بمنزلة الأخ، ولا تدع ما تعلمه يقيناً من نفسك بما تشك فيه من غيرك، وكن رفيقاً في أمرك بالمعروف، وشفيقاً في نهيك عن المنكر، ولا تدع النصيحة في كل حال قال الله تعالي: ?وقولوا للناس حسناً?()» ().

وعن أبي الربيع الشامي قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام والبيت غاص بأهله فيه الخراساني والشامي ومن أهل الآفاق، فلم أجد موضعاً أقعد فيه، فجلس أبو عبد الله عليه السلام وكان متكئاً، ثم قال: «يا شيعة آل محمد اعلموا أنه ليس منا من لم يملك نفسه عند غضبه ومن لم يحسن صحبة من صحبه ومخالقة من خالقه ومرافقة من رافقه ومجاورة من جاوره وممالحة من مالحه، يا شيعة آل محمد اتقوا الله ما استطعتم ولا حول ولا قوة إلا بالله» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «ما يعبأ بمن سلك هذا الطريق إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الصحبة لمن صحبه» ().

من حقوق الآخرين

مسألة: يكره دخول المسجد والاجتماعات وما أشبه ذلك، لمن أكل الثوم والبصل وما يجعل رائحة فمه رائحة كريهة، حتي لا يتأذي منه غيره ولو بهذا المقدار.

عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن أكل الثوم؟ فقال: «إنما نهي رسول الله صلي الله عليه و اله عنه لريحه، فقال: من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا يقرب مسجدنا فأما من أكله ولم يأت المسجد فلا بأس» ().

أقول: الخبيثة أي في ريحها، أما أصل الثوم فقد ورد في مدحه روايات ذكرناها في كتاب (من الآداب الطبية).

وعن الحسن الزيات

قال: لما أن قضيت نسكي مررت بالمدينة فسألت عن أبي جعفر عليه السلام فقالوا: هو بينبع، فأتيت ينبع، فقال: «يا حسن أتيتني إلي هاهنا» قلت: نعم جعلت فداك، كرهت أن أخرج ولا ألقاك، فقال عليه السلام: «إني أكلت من هذه البقلة يعني الثوم فأردت أن أتنحي عن مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله» ().

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «من أكل شيئاً من المؤذيات ريحها فلا يقربن المسجد» ().

حدود الصداقة وآدابها

مسألة: هناك روايات عديدة في باب الصداقة وحدودها وآدابها، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لاتكون الصداقة إلا بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلي الصداقة، ومن لم يكن فيه شيء منها لا تنسبه إلي شيء من الصداقة.

فأولها: أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة.

والثاني: أن يري زينك زينه وشينك شينه.

والثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال.

والرابعة: أن لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته.

والخامسة: وهي تجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات» ().

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا عليك أن تصحب ذا العقل وإن لم تحمد كرمه ولكن انتفع بعقله واحترس من سيئ أخلاقه، ولا تدعن صحبة الكريم وإن لم تنتفع بعقله ولكن انتفع بكرمه بعقلك وافرر كل الفرار من اللئيم الأحمق» ().

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «لا يكون الصديق صديقاً حتي يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته وغيبته ووفاته» ().

المجالسة وأحكامها

مسألة: المجالسة مع الأفراد تؤثر في نفس الإنسان، سلباً وإيجاباً، قالوا: إن من عاشر قوماً أربعين يوماً صار منهم، ولذلك فاللازم أن ينظر الإنسان إلي من يجالس، ويتجنب مجالسة من يؤثر علي قلبه وروحه سلبياً.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام: إذا صعد المنبر قال: ينبغي للمسلم أن يتجنب مؤاخاة ثلاثة: الماجن الفاجر والأحمق والكذاب، فأما الماجن الفاجر فيزين لك فعله ويحب أنك مثله ولا يعينك علي أمر دينك ومعادك، ومقاربته جفاء وقسوة، ومدخله ومخرجه عار عليك، وأما الأحمق فإنه لا يشير عليك بخير ولا يرجي لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه، وربما أراد منفعتك فضرك، فموته خير من حياته، وسكوته خير من نطقه، وبعده

خير من قربه، وأما الكذاب فإنه لا يهنئك معه عيش، ينقل حديثك وينقل إليك الحديث كلما أفني أحدوثةً مطرها بأخري مثلها، حتي إنه يحدث بالصدق فما يصدق، ويفرق بين الناس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور، فاتقوا الله عز وجل وانظروا لأنفسكم» ().

وعن عمرو بن نعمان الجعفي قال: (كان لأبي عبد الله عليه السلام صديق لا يكاد يفارقه أين يذهب فبينا هو يمشي معه في الحذاءين ومعه غلام له سندي يمشي خلفهما إذا التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره فلما نظر في الرابعة قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد الله عليه السلام يده فصك بها جبهة نفسه، ثم قال: «سبحان الله تقذف أمه، قد كنت أري أن لك ورعاً فإذا ليس لك ورع»، فقال: جعلت فداك إن أمه سندية مشركة، فقال: «أما علمت أن لكل أمة نكاحاً، تنح عني» قال: فما رأيته يمشي معه حتي فرق الموت بينهما)().

وعن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أن النبي صلي الله عليه و اله قال: «إن من شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه» ().

المشورة والتشاور

مسألة: مما ورد في النصوص الإسلامية التأكيد عليه كثيراً هو: المشورة والتشاور، وذلك لعظيم فائدتها، وجليل عوائدها، وطيب ثمارها، وجميل نتاجها في حياة الفرد والمجتمع، وتختلف في التأثير بحسب مواردها شدة وضعفاً، ولذا فهي بين واجب ومستحب.

عن حمران وصفوان بن مهران الجمال قالا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: «لا غني أخصب من العقل، ولا فقر أحط من الحمق، ولا استظهار في أمر بأكثر من المشورة فيه» ().

وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن المشورة لا تكون إلا بحدودها، فمن عرفها بحدودها وإلا

كانت مضرتها علي المستشير أكثر من منفعتها له، فأولها أن يكون الذي تشاوره عاقلا، والثانية أن يكون حراً متديناً، والثالثة أن يكون صديقاً مؤاخياً، والرابعة أن تطلعه علي سرك فيكون علمه به كعلمك بنفسك ثم يسر ذلك ويكتمه، فإنه إذا كان عاقلا انتفعت بمشورته، وإذا كان حراً متديناً جهد نفسه في النصيحة لك، وإذا كان صديقاً مؤاخياً كتم سرك إذا أطلعته علي سرك، وإذا أطلعته علي سرك فكان علمه به كعلمك تمت المشورة وكملت النصيحة» ().

قال الصادق عليه السلام: «شاور في أمورك ما يقتضي الدين من فيه خمس خصال، عقل وعلم وتجربة ونصح وتقوي، فإن لم تجد فاستعمل الخمسة واعزم وتوكل علي الله، فإن ذلك يؤديك إلي الصواب وما كان من أمور الدنيا التي هي غير عائدة إلي الدين فارفضها ولا تتفكر فيها، فإنك إذا فعلت ذلك أصبت بركة العيش وحلاوة الطاعة، وفي المشاورة اكتساب العلم والعاقل من يستفيد منها علماً جديداً ويستدل بها علي المحصول من المراد، ومثل المشورة مع أهلها مثل التفكر في خلق السماوات والأرض وفنائهما وهما غنيان عن العبد لأنه كلما قوي تفكره فيهما غاص في بحار نور المعرفة وازداد بهما اعتباراً ويقيناً، ولا تشاور من لايصدقه عقلك وإن كان مشهوراً بالعقل والورع، وإذا شاورت من يصدقه قلبك فلا تخالفه فيما يشير به عليك وإن كان بخلاف مرادك، فإن النفس تجمح عن قبول الحق وخلافها عند قبول الحقائق أبين قال الله تعالي: ?وشاورهم في الأمر?() وقال الله تعالي: ?وأمرهم شوري بينهم?() أي متشاورون فيه» ().

حقوق متقابلة

مسألة: هناك روايات كثيرة في بيان حق المؤمن علي أخيه مذكورة في مواردها، وهي بين واجب ومستحب.

عن معلي بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام

قال: قلت له: ما حق المسلم علي المسلم؟

قال: «له سبع حقوق واجبات ما منهن حق إلا وهو عليه واجب، إن ضيع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته ولم يكن لله فيه من نصيب».

قلت له: جعلت فداك وما هي؟

قال: «يا معلي إني عليك شفيق أخاف أن تضيع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل».

قال: قلت له: لا قوة إلا بالله.

قال: «¬أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك.

والحق الثاني: أن تجتنب سخطه وتتبع مرضاته وتطيع أمره.

والحق الثالث: أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك.

والحق الرابع: أن تكون عينه ودليله ومرآته.

والحق الخامس: أن لا تشبع ويجوع ولا تروي ويظمأ ولا تلبس ويعري.

والحق السادس: أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه ويصنع طعامه ويمهد فراشه.

والحق السابع: أن تبر قسمه وتجيب دعوته وتعود مريضه وتشهد جنازته وإذا علمت أن له حاجةً تبادره إلي قضائها ولا تلجئه أن يسألكها ولكن تبادره مبادرةً، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته وولايته بولايتك» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «للمسلم علي أخيه المسلم من الحق أن يسلم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، وينصح له إذا غاب، ويسمته إذا عطس، يقول: الحمد لله رب العالمين لا شريك له ويقول: يرحمك الله فيجيب يقول له: يهديكم الله ويصلح بالكم ويجيبه إذا دعاه، ويتبعه إذا مات» ().

وعن أبي المأمون الحارثي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما حق المؤمن علي المؤمن؟ قال: «إن من حق المؤمن علي المؤمن المودة له في صدره والمواساة له في ماله والخلف له في أهله والنصرة له علي من ظلمه، وإن كان نافلة في المسلمين وكان غائباً

أخذ له بنصيبه، وإذا مات الزيارة إلي قبره، وأن لا يظلمه، وأن لا يغشه، وأن لا يخونه، وأن لا يخذله، وأن لا يكذبه، وأن لا يقول له أف، وإذا قال له أف فليس بينهما ولاية، وإذا قال له أنت عدوي فقد كفر أحدهما، وإذا اتهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء» ().

حرمة الإيذاء

مسألة: يحرم إيذاء المؤمن حرمة شديدة.

عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «قال الله عز وجل: ليأذن بحرب مني من آذي عبدي المؤمن وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن» ().

وعن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «إذا كان يوم القيامة نادي مناد أين الصدود لأوليائي، قال: فيقوم قوم ليس علي وجوههم لحم، قال: فيقال: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم وعادوهم وعنفوهم في دينهم قال: ثم يؤمر بهم إلي جهنم» ().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: «من آذي مؤمناً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله، ومن آذي الله فهو ملعون في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان» وفي خبر آخر: «فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» ().

لا للغيبة

مسألة: لا تجوز غيبة المؤمن ولا يجوز الاستماع إليها، فان الغيبة بمثابة أكل الإنسان لحم أخيه ميتاً، قال تعالي: ?وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ?().

عن أبي جعفر عليه السلام قال: «من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله وأعانه في الدنيا والآخرة، ومن اغتيب عنده أخوه المؤمن فلم ينصره ولم يعنه ولم يدفع عنه وهو يقدر علي نصرته وعونه إلا خفضه الله في الدنيا والآخرة» ().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال في خطبة له: «ومن رد عن أخيه غيبةً سمعها في مجلس رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا والآخرة، فإن لم يرد عنه وأعجبه كان عليه كوزر من اغتاب» ().

لا للبهتان

مسألة: لا يجوز بهت المؤمن، ولا اتهامه، ولا الافتراء عليه، فان البهتان من أشد المحرمات.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من قال في مؤمن ما ليس فيه حبسه الله في طينة خبال حتي يخرج مما قال فيه» وقال عليه السلام: «إنما الغيبة أن تقول في أخيك ما هو فيه مما قد ستره الله عز وجل، فإذا قلت فيه ما ليس فيه فذلك قول الله عز وجل في كتابه: ?فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً?()» ().

عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من بهت مؤمنا أو مؤمنة بما ليس فيه بعثه الله يوم القيامة في طينة خبال حتي يخرج مما قال» قلت: وما طينة الخبال؟ قال: «صديد يخرج من فروج المومسات» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «تبع حكيم حكيماً سبعمائة فرسخ في سبع كلمات، فلما لحق به قال: يا هذا ما أرفع من السماء،

إلي أن قال: وأثقل من الجبال الراسيات، فقال له: يا هذا الحق أرفع من السماء، إلي أن قال: والبهتان علي البري ء أثقل من الجبال الراسيات» ().

تزين لأخيك المؤمن

مسألة: يستحب للمسلم أن يتزين لأخيه المسلم إذا خرج إليه، كما وتستحب الزينة في عموم الخروج إلي المسجد والمراكز العامة، واللقاء بالاخوان، مع مراعاة الموازين الشرعية.

روي أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: غسل الثياب يذهب الهم والحزن وهو طهور للصلاة» ().

وقال النبي صلي الله عليه و اله: «نفقة درهم في الخضاب أفضل من نفقة درهم في سبيل الله، إن فيه أربع عشرة خصلةً: يطرد الريح من الأذنين، ويجلو الغشاء عن البصر، ويلين الخياشيم، ويطيب النكهة، ويشد اللثة، ويذهب بالغشيان، ويقل وسوسة الشيطان، وتفرح به الملائكة، ويستبشر به المؤمن، ويغيظ به الكافر، وهو زينة، وهو طيب، وبراءة في قبره، ويستحيي منه منكر ونكير» ().

عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أربع من سنن المرسلين العطر والنساء والسواك والحناء» ().

إكرام الضيف

مسألة: يستحب إكرام الضيف ولو كان كافرا().

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «مما علم رسول الله صلي الله عليه و اله فاطمة عليها السلام أن قال لها: يا فاطمة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» ().

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «أكرم ضيفك وإن كان حقيراً» ().

وفيما أوصي به أمير المؤمنين عليه السلام عند وفاته قال: «أوصيك بحسن الجوار، وإكرام الضيف، ورحمة المجهود، وأصحاب البلاء، وصلة الرحم، وحب المساكين ومجالستهم» ().

حسن الجوار

مسألة: قد ورد في النصوص والروايات التأكيد الكثير علي رعاية حق الجار وحسن التعامل معه، فانه بين واجب ومستحب.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «هل تدرون ما حق الجار، ما تدرون من حق الجار إلا قليلاً، ألا لا يؤمن بالله واليوم الآخر من لا يأمن جاره بواثقه، وإذا استقرضه أن يقرضه، وإذا أصابه خير هنأه، وإذا أصابه شر عزاه، لا يستطيل عليه في البناء يحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإذا اشتري فاكهةً فليهد له، وإن لم يهد له فليدخلها سراً، ولا يعطي صبيانه منه الشيء يغايظون صبيانه، ثم قال رسول الله صلي الله عليه و اله: الجيران ثلاثة فمنهم من له ثلاثة حقوق حق الإسلام وحق الجوار وحق القرابة، ومنهم من له حقان حق الإسلام وحق الجوار، ومنهم من له حق واحد الكافر له حق الجوار» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من آذي جاره فقد آذاني ومن حاربه فقد حاربني» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: البر وحسن الجوار زيادة في الرزق وعمارة في الديار» ().

عيادة المريض

مسألة: يستحب عيادة المريض وأخذ الهدايا إليه، حتي وإن لم يكن مؤمنا أو مسلماً.

عن ميسر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «من عاد امرئً مسلماً في مرضه صلي عليه يومئذ سبعون ألف ملك إن كان صباحاً فحتي يمسي، وإن كان مساءً فحتي يصبح مع أن له خريفاً في الجنة» ().

وعن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «أيما مؤمن عاد مؤمناً خاض في الرحمة خوضاً، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإذا انصرف وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له ويسترحمون عليه ويقولون طبت

وطابت لك الجنة إلي تلك الساعة من غد، وكان له يا أبا حمزة خريف في الجنة» قلت: وما الخريف جعلت فداك؟ قال: «زاوية في الجنة يسير الراكب فيها أربعين عاماً» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «كان فيما ناجي به موسي بن عمران ربه عزوجل أن قال: يا رب ما بلغ من عيادة المريض من الأجر؟ قال: أوكل به ملكاً يعوده في قبره إلي محشره» ().

عن مولي لجعفر بن محمد عليه السلام قال: مرض بعض مواليه فخرجنا نعوده ونحن عدة من مواليه، فاستقبلنا عليه السلام في بعض الطريق فقال: «أين تريدون؟» فقلنا: نريد فلانا نعوده، فقال: «قفوا» فوقفنا، قال: «مع أحدكم تفاحة أو سفرجلة أو أترجة أو لعقة من طيب أو قطعة من عود؟» فقلنا: ما معنا من هذا شيء، قال: «أما علمتم أن المريض يستريح إلي كل ما أدخل به عليه» ().

وعن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا علي أمرنا؟ فقال: «تنظرون إلي أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون فو الله إنهم ليعودون مرضاهم ويشهدون جنائزهم ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الأمانة إليهم» ().

وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام: «أن النبي صلي الله عليه و اله عاد يهوديا في مرضه» ().

آداب النكاح

مسألة: يستحب رعاية آداب النكاح، وقد ورد في مجال انتخاب الصالحات، واختيار الطيبات نصوص وروايات كثيرة.

قال تعالي: ?وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ?().

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: أفضل نساء أمتي أصبحهن

وجهاً وأقلهن مهراً» ().

وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: خير نسائكم الخمس، قيل يا أمير المؤمنين وما الخمس؟ قال: الهينة، اللينة، المؤاتية، التي إذا غضب زوجها لم تكتحل بغمض حتي يرضي، وإذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته، فتلك عامل من عمال الله وعامل الله لا يخيب» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا أراد أحدكم أن يتزوج فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها فإن الشعر أحد الجمالين» ().

الزواج وبناء الأسرة

مسألة: يحرّض الإسلام تحريضاً شديداً علي النكاح والزواج إبان البلوغ الشرعي للبنين والبنات، وبذلك تغلق أبواب الفساد أمام الشباب والفتيات، إضافة إلي ما في الزواج المبكّر من الفوائد الصحية والجسمية، وسلامة الروح والبدن.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: تزوجوا فإن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن الله تعالي لم يترك شيئاً مما يُحتاج إليه إلا علمه نبيه صلي الله عليه و اله وكان من تعليمه إياه أنه صعد المنبر ذات يوم فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أيها الناس إن جبرئيل أتاني عن اللطيف الخبير فقال: إن الأبكار بمنزلة الثمر علي الشجر إذا أدرك ثمارها فلم يجتني أفسدته الشمس وهدمته الريح، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء فليس لهن دواء إلا البعولة وإلا لم يؤمن عليهن الفساد لأنهن بشر، قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله فمن نتزوج؟ قال: الأكفاء، قال: يا رسول الله ومن الأكفاء؟ قال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إذا جاءكم من ترضون

دينه وخلقه فزوجوه ?إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير?()» ().

عفة الفرج

مسألة: يجب أن يعف الإنسان فرجه عن الحرام وعما لا يحل.

قال تعالي: ?وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ? إِلاَ عَلَي أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ? فَمَنِ ابْتَغَي وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ?().

وعن أبي حمزة قال: كنت عند علي بن الحسين عليه السلام فجاءه رجل فقال: يا أبا محمد إني مبتلي بالنساء فأزني يوماً وأصوم يوماً فيكون ذا كفارةً لذا، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: «إنه ليس شيء أحب إلي الله عز وجل من أن يطاع فلا يعصي فلا تزني ولا تصوم» فاجتذبه أبو جعفر عليه السلام إليه فأخذه بيده فقال: «تعمل عمل أهل النار وترجو أن تدخل الجنة» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال النبي صلي الله عليه و اله: «في الزنا خمس خصال، يذهب بماء الوجه، ويورث الفقر، وينقص العمر، ويسخط الرحمن، ويخلد في النار نعوذ بالله من النار» ().

وعن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلي الله عليه و اله لعلي عليه السلام قال: «يا علي في الزنا ست خصال ثلاث منها في الدنيا، وثلاث منها في الآخرة، فأما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء، ويعجل الفناء، ويقطع الرزق، وأما التي في الآخرة فسوء الحساب، وسخط الرحمن، والخلود في النار» ().

غض البصر

مسألة: يجب غض البصر عما لا يحل النظر إليه، فان النظر إلي ما لا يحل سهم مسموم من سهام إبليس، يسمّم الروح، ويعكّر صفاء القلب، ويرهق النفس، ويمرض الجسم.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «النظر إلي محاسن النساء سهم من سهام إبليس فمن تركه أذاقه الله طعم عبادة تسره» ().

وقال الصادق عليه السلام: «ما اغتنم أحد بمثل ما اغتنم بغض البصر،

فإن البصر لا يغض عن محارم الله تعالي إلا وقد سبق إلي قلبه مشاهدة العظمة والجلال» وسئل أمير المؤمنين عليه السلام: بما ذا يستعان علي غض البصر؟ فقال عليه السلام: «بالخمود تحت سلطان المطلع علي سرك، والعين جاسوس القلب وبريد العقل، فغض بصرك عما لا يليق بدينك ويكرهه قلبك وينكره عقلك» قال النبي صلي الله عليه و اله: «غضوا أبصاركم ترون العجائب» قال الله تعالي: ?قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم?()، وقال عيسي ابن مريم عليه السلام للحواريين: «إياكم والنظر إلي المحذورات فإنه بذر الشهوات وبنات الفسق» قال يحيي عليه السلام: «الموت أحب إلي من نظرة بغير واجب» وقال عبد الله بن مسعود لرجل نظر إلي امرأة قد عادها في مرضها: لو ذهب عيناك لكان خيراً لك من عيادة مريضك، ولا تتوفر عين يصيبها من نظر إلي محذور إلا وقد انعقد عقدة علي قلبه من المنية ولا تنحل بإحدي الحالين إما ببكاء الحسرة والندامة بتوبة صادقة، وإما بأخذ نصيبه مما تمني ونظر إليه فأخذ الحظ من غير توبة فيصيره إلي النار، وأما التائب البالي بالحسرة والندامة عن ذلك فمأواه الجنة ومنقلبه الرضوان ().

لا للاختلاط المحرّم

مسألة: لا يجوز الاختلاط المحرم بين الرجال والنساء، فان ذلك مفسدة للمجتمع، وممرضة للقلوب والأجسام، ومهزلة للعقول والأفكار.

روي: «أن موسي عليه السلام كان جالسا في بعض مجالسه إذ أقبل إبليس (لعنه الله) وعليه برنس يتلون فيه ألوانا، فلما دنا منه خلع البرنس فوضعه ثم أتاه فقال: السلام عليك.

فقال موسي: من أنت؟

قال: أنا إبليس.

قال: فلا حياك الله، ما جاء بك؟

قال: جئت لأسلم عليك لمنزلتك من الله تعالي ومكانك منه.

قال: فما الذي رأيت عليك؟

قال: به أختطف قلوب بني آدم.

قال: فما الذي إذا صنعه

الإنسان استحوذت عليه؟

قال: إذا أعجبته نفسه واستكثر عمله ونسي ذنوبه، وأحذرك ثلاثة لا تخل بامرأة فإنه ما خلا رجل بامرأة لا تحل له إلا كنت صاحبه أفتتنه بها، ولا تعاهد الله عهدا إلا وفيت به، ولا تخرجن صدقة إلا أمضيتها، فإنه ما أخرج رجل صدقة ولم يمضها إلا كنت صاحبها دون أصحابه حتي أحول بينه وبين الوفاء بها، ثم ولي وهو يقول: يا ويلتاه علم موسي ما يحذر به بني آدم» ().

وعن محمد بن الطيار قال: دخلت المدينة وطلبت بيتاً أتكاراه فدخلت داراً فيها بيتان بينهما باب وفيه امرأة، فقالت: تكاري هذا البيت. قلت: بينهما باب وأنا شاب، فقالت أنا أغلق الباب بيني وبينك، فحولت متاعي فيه وقلت لها: أغلقي الباب، فقالت: تدخل علي منه الروح دعه، فقلت: لا أنا شاب وأنت شابة أغلقيه، فقالت: اقعد أنت في بيتك فلست آتيك ولا أقربك، وأبت أن تغلقه، فلقيت أبا عبد الله عليه السلام فسألته عن ذلك، فقال: «تحول منه فإن الرجل والمرأة إذا خليا في بيت كان ثالثهما الشيطان» ().

وقال الحسن البصري: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة عليها السلام كانت تقوم حتي تورم قدماها وقال النبي لها: «أي شيء خير للمرأة»؟ قالت: «أن لا تري رجلا ولا يراها رجل» فضمها إليه وقال: «?ذرية بعضها من بعض? ()» ().

حقوق المرأة

مسألة: هناك نصوص كثيرة تؤكد علي لزوم احترام المرأة ورعاية حقوقها كاحترام الرجل ورعاية حقوقه، لاشتراكهما في الإنسانية، وفي جميع الأحكام إلا ما خرج بالدليل لحكمة رآها الشارع، فقد وردت روايات عديدة توصي بحسن التعامل معها مطلقاً، زوجة كانت أم أماً أو بنتاً أو أختاً أو خالة أو عمة أو ما أشبه.

قال أبو عبد الله

عليه السلام: «من أخلاق الأنبياء صلي الله عليهم حب النساء» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ما أظن رجلا يزداد في الإيمان خيراً إلا ازداد حباً للنساء» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن المرأة خلقت من الرجل وإنما همتها في الرجال فأحبوا نساءكم وإن الرجل خلق من الأرض وإنما همته في الأرض» ().

أقول: خلقت من الرجل أي من مائه، أو المقصود خلق حواء عليها السلام من فاضل الطين الذي خلق الله منه آدم عليه السلام كما في الروايات.

التوسعة علي العيال

مسألة: يستحب التوسعة علي العيال، وذلك حسب النصوص والروايات الشريفة.

عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام قال: «ينبغي للرجل أن يوسع علي عياله كيلا يتمنوا موته، وتلا هذه الآية ?ويطعمون الطعام علي حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً? ()، قال: الأسير عيال الرجل ينبغي للرجل إذا زيد في النعمة أن يزيد أسراءه في السعة عليهم ثم قال: إن فلاناً أنعم الله عليه بنعمة فمنعها أسراءه وجعلها عند فلان فذهب الله بها» قال معمر: وكان فلان حاضراً ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: إن المؤمن يأخذ بآداب الله إذا وسع الله عليه اتسع وإذا أمسك عنه أمسك» ().

وعن مسعدة قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: «إن عيال الرجل أسراؤه، فمن أنعم الله عليه نعمة فليوسع علي أسرائه فإن لم يفعل أوشك أن تزول عنه تلك النعمة» ().

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: إن في الجنة درجة لا يبلغها إلا إمام عادل، أو ذو رحم وصول، أو ذو عيال صبور» ().

مع الأهل والأولاد

مع الأهل والأولاد

مسألة: يستحب شراء التحف والهدايا للعيال والأهل والأولاد.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من دخل السوق فاشتري تحفةً فحملها إلي عياله كان كحامل صدقة إلي قوم محاويج وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإن من فرح ابنة فكأنما أعتق رقبةً من ولد إسماعيل، ومن أقر عين ابن فكأنما بكي من خشية الله، ومن بكي من خشية الله أدخله الله جنات النعيم» ().

وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إذا أنفق المسلم علي أهله

نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة» ().

عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كان رسول الله صلي الله عليه و اله يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ويقول: تهادوا فإن الهدية تسل السخائم وتجلي ضغائن العداوة والأحقاد» ().

تربية الأولاد

مسألة: يستحب أو يجب كل في مورده الاهتمام بتربية الأولاد، وحسن كفالتهم، وتعليمهم، وتربيتهم تربية صالحة.

عن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: «لأن يؤدب أحدكم ولدا خير له من أن يتصدق بنصف صاع كل يوم» ().

وعن الصادق عليه السلام قال: «دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدب سبع سنين، والزمه نفسك سبع سنين، فإن أفلح وإلا فإنه ممن لا خير فيه» ().

بر الوالدين

مسألة: من الواجبات الشرعية والأخلاقية معاً هو: بر الوالدين في الجملة، ويحرم عقوقهما.

عن أبي ولاد الحناط قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: ?بالوالدين إحساناً? () ما هذا الإحسان؟ فقال: «الإحسان أن تحسن صحبتهما، وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئاً مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين، أليس يقول الله عز وجل: ?لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون?().

قال: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: «وأما قول الله عز وجل ?إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما?() قال: إن أضجراك فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما إن ضرباك، قال ?وقل لهما قولا كريماً?()، قال: إن ضرباك فقل لهما غفر الله لكما فذلك منك قول كريم، قال: ?واخفض لهما جناح الذل من الرحمة?() قال: لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يدك فوق أيديهما ولا تقدم قدامهما» ().

وعن محمد بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «إن رجلا أتي النبي صلي الله عليه و اله فقال: يا رسول الله أوصني، فقال: لا تشرك بالله شيئاً وإن حرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالإيمان، ووالديك فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين، وإن أمراك

أن تخرج من أهلك ومالك فافعل فإن ذلك من الإيمان» ().

قال أبو عبد الله عليه السلام: «ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين يصلي عنهما ويتصدق عنهما ويحج عنهما ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك، فيزيده الله عز وجل ببره وصلته خيراً كثيراً» ().

مسائل حول العولمة السياسية في الإسلام

نعم للشوري

مسألة: لا يجوز الاستبداد في الحكم، ولا البقاء فيه طويلاً من دون إرادة الشعب له، ولا توارث الحكم خلفاً عن سلف، ولا التلاعب بالآراء أو حصر المرشحين في القائمين بالحكم، ولا ما أشبه ذلك من الأمور التي تجري اليوم في بلاد المسلمين وكثير من بلاد العالم، وذلك لأن الحكم في الإسلام بالنسبة لغير المعصومين عليهم السلام هو بالتناوب، وبالكفاءات، وبالتصويت الحر الذي تتنافس فيه الأحزاب الحرة، وبالتعددية الحقيقية لا الحزب الواحد، وبأكثرية الآراء، وبالشوري، كما يجب توفير بقية الشروط الشرعية أيضاً.

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «لا يطمعن القليل التجربة المعجب برأيه في رئاسة» ().

وعنه عليه السلام قال: «ثلاث هن قاصمات الظهر، رجل استكثر عمله ونسي ذنوبه وأعجب برأيه» ().

وورد فيما أوصي به الإمام الصادق عليه السلام سفيان الثوري: «وشاور في أمرك الذين يخشون الله عز وجل» ().

وعن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: «قم بالحق ولا تعرض لما فاتك، واعتزل ما لا يعنيك، وتجنب عدوك، واحذر صديقك من الأقوام إلا الأمين، والأمين من خشي الله، ولا تصحب الفاجر، ولا تطلعه علي سرك، ولا تأمنه علي أمانتك، واستشر في أمورك الذين يخشون ربهم» ().

التعددية السياسية

مسألة: ينبغي للمسلمين وربما وجب عليهم، في حياتهم وخاصة السياسية، اتخاذ أسلوب التعددية السياسية والحزبية المتنافسة علي البناء والتقدم، لا المتناحرة فيما بينها كما تعارف عند بعض المسلمين في هذا اليوم حيث تشكلت فيهم أحزاب وجماعات تعمل بدل التنافس في الخير والتقدم، علي ضرب بعضهم البعض.

وفي الحديث: «إن رسول الله صلي الله عليه و اله مر بقوم من الأنصار يترامون، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أنا في الحزب الذي فيه ابن الأدرع،

فأمسك الحزب الآخر وقالوا: لن يغلب حزب فيه رسول الله صلي الله عليه و اله، قال: ارموا فإني أرمي معكم فرمي مع كل واحد رشقاً، فلم يسبق بعضهم بعضاً» ().

الحريات الأساسية

مسألة: لا تجوز مصادرة حريات الناس التي جاء بها الإسلام وجعلها من أوليات حياة الإنسان، فإن الإنسان المسلم حر في كافة شؤونه، وفي كل الدول الإسلامية: سواء في السفر والإقامة، أو الزراعة والتجارة، أو البناء والعمران، أو الكسب والعمل، أو نشر الكتب والمقالات، أو المجلات والجرائد، أو تأسيس محطات البث والإعلام، أو تأسيس الأحزاب والجمعيات، أو التأليف والخطابة، أو اختيار السكن والزواج، فإنه حر في جميع النشاطات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية وغيرها، إلا في المحرمات الشرعية، ولا يحق لأحد منعه من الأمور المذكورة.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «الناس مسلطون علي أموالهم» ().

ومن القاعدة الفقهية: «وعلي أنفسهم» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا تكن عبد غيرك و قد جعلك الله حراً» ().

وقال عليه السلام: «الحر حر و إن مسه الضر» ().

وقال عليه السلام: «ليس للأحرار جزاء إلا الإكرام» ().

حرمة الأشخاص والأموال

مسألة: لا يجوز أي نوع من مصادرة الأموال، أو إلقاء القبض علي الأشخاص وسجنهم، أو إخراجهم من البلد ونفيهم، إلا في الموارد المقررة شرعاً، وعند ذلك يجب العمل وفق الضوابط الشرعية المذكورة في الفقه.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن الله عز وجل أوحي إلي نبي من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين أن ائت هذا الجبار فقل له إنني لم أستعملك علي سفك الدماء واتخاذ الأموال وإنما استعملتك لتكف عني أصوات المظلومين فإني لم أدع ظلامتهم وإن كانوا كفاراً» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم» ().

وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «من أكل مال أخيه ظلماً ولم يرده إليه أكل جذوةً من النار يوم القيامة» ().

لا عنف ولا إرهاب

مسألة: يحرّم الإسلام الغدر والاغتيال وكل ما يسمي اليوم بالعنف والإرهاب، فانه لا عنف في الإسلام، بل الإسلام هو دين السلم والسلام، والصلح والوئام.

ولا يجوز أي عمل يوجب إيذاء الناس وإرعابهم، والغدر بهم وبحياتهم، أو يؤدي إلي تشويه سمعة الإسلام والمسلمين، علي تفصيل ذكرناه في كتاب (اللاعنف في الإسلام)().

فإن الرفق واللين مستحب في كل الأمور، وفي خصوص الحكم واجب، والعُنف والخُرق مكروه في كل الشؤون، وفي خصوص الحكم حرام.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثماني خصال، وقوراً عند الهزاهز، صبوراً عند البلاء، شكوراً عند الرخاء، قانعاً بما رزقه الله، لا يظلم الأعداء، ولا يتحامل للأصدقاء، بدنه منه في تعب، والناس منه في راحة، إن العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل أمير جنوده، والرفق أخوه، والبر والده» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من زي الإيمان الفقه،

ومن زي الفقه الحلم، ومن زي الحلم الرفق، ومن زي الرفق اللين، ومن زي اللين السهولة» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «يجيء كل غادر يوم القيامة بإمام مائل شدقه حتي يدخل النار» ().

وعن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قريتين من أهل الحرب لكل واحدة منهما ملك علي حدة اقتتلوا ثم اصطلحوا ثم إن أحد الملكين غدر بصاحبه فجاء إلي المسلمين فصالحهم علي أن يغزو معهم تلك المدينة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: «لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا ولا يأمروا بالغدر ولا يقاتلوا مع الذين غدروا، ولكنهم يقاتلون المشركين حيث وجدوهم، ولا يجوز عليهم ما عاهد عليه الكفار» ().

وعن هشام بن سالم رفعه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لولا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر الناس» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «والله ما معاوية بأدهي مني ولكنه يغدر ويفجر ولو لا كراهية الغدر لكنت من أدهي الناس، ولكن كل غدرة فجرةً، وكل فجرة كفرةً، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة» ().

لا للتجسس

مسألة: يحرم التجسس علي المسلمين ووضع الجواسيس عليهم، فان التجسس خلاف حرية الإنسان التي أقرها الإسلام، بل ورد الأمر بحسن الظن وحمل فعل الغير علي محامل الخير.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له: «ضع أمر أخيك علي أحسنه حتي يأتيك ما يغلبك منه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملا» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم() عندك أطلبهم() لمعايب الناس، فإن في الناس عيوباً الوالي أحق

من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك والله يحكم علي ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إن الله تعالي حرم من المسلم دمه وماله وأن يظن به ظن السوء» ().

حقوق الإنسان السياسية

مسألة: تجب رعاية حقوق الإنسان السياسية وغيرها علي الوجه الذي أمر به الإسلام، فإن الإسلام ضمن أكبر الحريات السياسية للأفراد والأحزاب وما أشبه ضماناً لم يضمنه غيره من الأديان الأخري، ولا سائر المبادئ الأرضية الأخر.

قال الصادق عليه السلام: «السرور في ثلاث خلال: في الوفاء ورعاية الحقوق والنهوض في النوائب» ().

وعن الحسن بن علي الجرجاني عمن حدثه عن أحدهما عليه السلام قال: «لاتدخل في شيء مضرته عليك أعظم من منفعته لأخيك» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «ثم جعل من حقوقه حقوقاً فرضها لبعض الناس علي بعض، فجعلها تتكافي في وجوهها ويوجب بعضها بعضاً ولا يستوجب بعضها إلا ببعض، فأعظم مما افترض الله تبارك وتعالي من تلك الحقوق حق الوالي علي الرعية، وحق الرعية علي الوالي، فريضة فرضها الله عزوجل لكل علي كل، فجعلها نظام ألفتهم وعزاً لدينهم وقواماً لسنن الحق فيهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية من الوالي حقه وأدي إليها الوالي كذلك عز الحق بينهم، فقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل وجرت علي أذلالها السنن، وصلح بذلك الزمان وطاب بها العيش وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء» ().

لا للتعذيب

لا للتعذيب

مسألة: التعذيب حرام في الإسلام، ولا يجوز انتزاع الإقرار ممن يحتمل فيه الإجرام سياسيا كان أم غير سياسي بالضرب والتعذيب، بل يجب التوصل إليه بالطرق الشرعية، وإذا أقرّ في هذه الصورة فلا اعتبار به.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا أراد أن يبعث سريةً دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلي ملة رسول الله صلي الله عليه و اله لا

تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأةً، ولا تقطعوا شجراً إلا أن تضطروا إليها» ().

وعن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته للحسن عليه السلام: «يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون قُتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربةً بضربة، ولا تمثلوا بالرجل فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور» ().

ثم أقبل علي ابنه الحسن عليه السلام فقال: «يا بني أنت ولي الأمر وولي الدم، فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربةً مكان ضربة ولا تأثم» ().

هكذا يؤخذ الاعتراف

وفي الحديث أن أمير المؤمنين عليه السلام دخل يوماً إلي مسجد الكوفة من الباب القبلي فاستقبله نفر فيهم فتيً حدث يبكي والقوم يسكتونه، فوقف عليهم أمير المؤمنين عليه السلام فقال للفتي: «ما يبكيك»؟

فقال: يا أمير المؤمنين إن أبي خرج مع هؤلاء في سفر للتجارة فرجعوا ولم يرجع أبي، فسألتهم عنه فقالوا: مات، وسألتهم عن ماله فقالوا: لم يخلف مالا، فقدمتهم إلي شريح فلم يقض لي عليهم بشيء غير اليمين، وأنا أعلم يا أمير المؤمنين أن أبي كان معه مال كثير.فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: «ارجعوا».

فردهم معه ووقف علي شريح فقال: «ما يقول هذا الفتي يا شريح؟».

فقال شريح: يا أمير المؤمنين إن هذا الفتي ادعي علي هؤلاء القوم دعوي فسألته البينة فلم يحضر أحداً فاستحلفتهم.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «هيهات يا شريح ليس هكذا يحكم في هذا».

قال شريح: فكيف أحكم يا أمير المؤمنين فيه؟

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «أنا أحكم فيه ولأحكمن اليوم فيه بحكم ما حكم به بعد داود النبي

عليه السلام أحد».

ثم جلس عليه السلام في مجلس القضاء ودعا بعبيد الله بن أبي رافع وكان كاتبه وأمره أن يحضر صحيفةً ودواةً ثم أمر بالقوم أن يفرقوا في نواحي المسجد ويجلس كل رجل منهم إلي سارية، وأقام مع كل واحد منهم رجلا وأمر بأن تغطي رؤوسهم وقال لمن حوله: «إذا سمعتموني كبرت فكبروا».

ثم دعا برجل منهم فكشف عن وجهه ونظر إليه وتأمله وقال: «أتظنون أني لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتي، إني إذاً لجاهل» ثم أقبل عليه فسأله، فقال: مات يا أمير المؤمنين، فسأله كيف كان مرضه وكم مرض وأين مرض وعن أسبابه في مرضه كلها وحين احتضر ومن تولي تغميضه ومن غسله وما كفن فيه ومن حمله ومن صلي عليه ومن دفنه.

فلما فرغ من السؤال رفع صوته وقال: «الحبس الحبس» وكبر، وكبر من كان معه فارتاب القوم ولم يشكوا أن صاحبهم قد أقر.

ثم دعا برجل آخر فقال له مثل ما قال للأول فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إنما كنت واحداً من القوم ولقد كنت علم الله كارهاً لقتله وأقر بالقتل.

ثم دعاهم واحداً واحداً فأقروا أجمعين ما خلا الأول، وأقروا بالمال فردوه وألزمهم ما يجب في القصاص.

فقال شريح: يا أمير المؤمنين كيف كان حكم داود في مثل هذا الذي أخذته عنه؟

فقال عليه السلام: «مر داود عليه السلام بغلمان يلعبون وفيهم غلام منهم ينادونه (يا مات الدين) فيجيبهم، فوقف عليه داود عليه السلام فقال: يا غلام ما اسمك؟

فقال: مات الدين.

قال: ومن سماك بهذا الاسم؟

قال: أمي.

قال: وأين أمك.

قال: في بيتها.

قال: امض بين يدي إليها.

فمضي الغلام واستخرج أمه، فقال لها داود عليه السلام: هذا ابنك؟

قالت: نعم.

قال: ما اسمه؟

قالت: مات الدين.

قال: ومن سماه بهذا الاسم؟

قالت: أبوه.

قال: وأين أبوه؟

قالت:

خرج مع قوم في سفر لهم بتجارة فرجعوا ولم يرجع فسألتهم عنه، فقالوا: مات، وسألتهم عن ماله، فقالوا: ذهب، فقلت: أوصاكم في أمري بشيء، فقالوا: نعم أوصانا وأعلمنا بأنك حبلي فمهما ولدت من ولد فسميه مات الدين.

قال: وأين هؤلاء القوم؟

قالت: حضور.

قال: امضي معي إليهم، فجمعهم وفعل في أمرهم مثل الذي فعلته وحكم بما حكمت.

وقال للمرأة: سمي ابنك هذا عاش الدين» ().

لا تضربوهم

وفي الحديث: انه أقبلت قريش وبعثوا عبيدها ليستقوا من الماء، فأخذهم أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله وقالوا لهم: من أنتم؟

قالوا: نحن عبيد قريش.

قالوا: فأين العير.

قالوا: لا علم لنا بالعير.

فأقبلوا يضربونهم وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يصلي فانفتل من صلاته فقال: «إن صدقوكم ضربتموهم وإن كذبوكم تركتموهم عليّ بهم» فأتوه بهم فقال لهم: «من أنتم؟»

قالوا: يا محمد نحن عبيد قريش.

قال: «كم القوم؟»

قالوا: لا علم لنا بعددهم.

قال: «كم ينحرون كل يوم جزوراً؟»

قالوا: تسعة أو عشرة.

فقال صلي الله عليه و اله: «تسعمائة أو ألف» ().

حرمة الظلم

مسألة: لا يجوز الظلم سواء من الحاكم أو غيره، فانه من أشد المحرمات شرعاً، كما يجب التحلي بالعدل والإنصاف.

عن أبي بصير قال: دخل رجلان علي أبي عبد الله عليه السلام في مداراة بينهما ومعاملة، فلما أن سمع كلامهما قال: «أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم» ثم قال: «من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فعل به، أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع وليس يحصد أحد من المر حلواً، ولا من الحلو مراً، فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «لما حضر علي بن الحسين عليه السلام الوفاة ضمني إلي صدره ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به، قال: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «وليس شيء أدعي إلي تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة علي ظلم فإن الله سميع دعوة المضطهدين

وهو للظالمين بالمرصاد، وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضي الرعية فإن سخط العامة يجحف() برضي الخاصة وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضي العامة» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة» ().

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: «من عذر ظالماً بظلمه سلط الله عليه من يظلمه فإن دعا لم يستجب له ولم يأجره الله علي ظلامته» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «العدل أحلي من الماء يصيبه الظمآن، ما أوسع العدل إذا عدل فيه وإن قل» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن لله جنةً لا يدخلها إلا ثلاثة، رجل حكم علي نفسه بالحق ورجل زار أخاه المؤمن في الله ورجل آثر أخاه المؤمن في الله» ().

أهم واجبات الحاكم والحكومة

أهم واجبات الحاكم والحكومة

مسألة: من أهم ما يجب علي الحاكم والحكومة الإسلامية أن تتعامل مع شعبها أفضل وأنظف تعامل إنساني يمكن تعامله مع الشعوب، وذلك في جميع المجالات، وبما للكلمة من معني.

ويشاهد ذلك بوضوح في حكومة رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام.

ماذا تظنون؟

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لما قدم رسول الله صلي الله عليه و اله مكة يوم افتتحها، فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست فأخذ بعضادتي الباب فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ما ذا تقولون وما ذا تظنون؟

قالوا: نظن خيراً ونقول خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت.

قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، ألا إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلي يوم القيامة، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شجرها، ولا يختلي خلاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد.

فقال العباس: يا رسول الله إلا الأذخر فإنه للقبر والبيوت؟

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: إلا الأذخر» ().

مع عكرمة بن أبي جهل

وفي التاريخ أنه هرب عكرمة بن أبي جهل إلي اليمن حتي ركب البحر، فجاءت زوجته أم حكيم بنت الحارث بن هشام إلي رسول الله صلي الله عليه و اله في نسوة … فقالت أم حكيم امرأة عكرمة: يا رسول الله إن عكرمة هرب منك إلي اليمن خاف أن تقتله فأمنه.

فقال صلي الله عليه و اله: «هو آمن».

فخرجت أم حكيم في طلبه ومعها غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنيه حتي قدمت به علي حي فاستغاثت بهم عليه، فأوثقوه رباطا وأدركت عكرمة، وقد انتهي إلي ساحل من سواحل تهامة فركب البحر فهاج بهم فجعل نوتي السفينة يقول له أن أخلص.

قال: أي شي ء أقول.

قال: قل لا إله إلا الله.

قال عكرمة: ما هربت إلا من هذا.

فجاءت أم حكيم علي هذا من الأمر فجعلت تلح عليه وتقول: يا ابن

عم جئتك من عند خير الناس وأوصل الناس وأبر الناس لا تهلك نفسك، فوقف لها حتي أدركته فقالت: إني قد استأمنت لك رسول الله صلي الله عليه و اله فأمنك.

قال: أنت فعلت.

قالت: نعم أنا كلمته فأمنك، فرجع معها.

فلما دنا من مكة قال رسول الله صلي الله عليه و اله لأصحابه: «يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا، فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت».

فلما وصل عكرمة ودخل علي رسول الله صلي الله عليه و اله وثب إليه صلي الله عليه و اله وليس عليه رداء فرحا به ثم جلس فوق عكرمة بين يديه ومعه زوجته منقبة فقال: يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني؟

فقال: «صدقت أنت آمن».

فقال عكرمة: فإلي م تدعو؟

فقال: «إلي أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة» وعد خصال الإسلام.

فقال عكرمة: ما دعوت إلا إلي حق وإلي حسن جميل ولقد كنت فينا من قبل أن تدعو إلي ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثا وأعظمنا برا، ثم قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «لا تسألني اليوم شيئا أعطيه أحدا إلا أعطيتكه».

قال: فإني أسألك أن تغفر لي كل عداوة عاديتكها أو مسير أوضعت فيه أو مقام لقيتك فيه أو كلام قلته في وجهك أو أنت غائب عنه.

فقال: «اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها وكل مسير سار فيه إلي يريد

بذلك إطفاء نورك، واغفر له ما نال مني ومن عرضي في وجهي أو أنا غائب عنه».

فقال عكرمة: رضيت بذلك يا رسول الله، ثم قال: أما والله لا أدع نفقة كنت أنفقها في صد عن

سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الإسلام وفي سبيل الله ولأجتهدن في القتال بين يديك حتي أقتل شهيدا.

قال: فرد عليه رسول الله صلي الله عليه و اله امرأته بذلك النكاح الأول().

مع أسري صفين

أسر أمير المؤمنين علي عليه السلام أسري يوم صفين فخلي سبيلهم، فأتوا معاوية، وقد كان عمرو بن العاص يقول لأسري أسرهم معاوية: اقتلهم، فما شعروا إلا بأسراهم قد خلي سبيلهم علي عليه السلام.

فقال معاوية: يا عمرو لو أطعناك في هؤلاء الأسري لوقعنا في قبيح من الأمر، ألا تراه قد خلي سبيل أسرانا، فأمر بتخلية من في يديه من أسري علي عليه السلام وكان علي إذا أخذ أسيرا من أهل الشام خلي سبيله إلا أن يكون قد قتل أحدا من أصحابه.

وكان أمير المؤمنين علي عليه السلام لا يجهز علي الجرحي ولا علي من أدبر بصفين().

مهمة الحاكم

مسألة: مهمة الحاكم والحكومة في الإسلام هي: إدارة البلاد والعباد، إدارة تؤدي إلي عمران البلاد وازدهارها، وصلاح العباد وتقدمهم تقدماً مطلوباً في جميع مجالات الحياة، ومن ذلك يلزم علي الحاكم والحكومة أن تكون انتخابية واستشارية، ومتواضعة وخدومة، وحكومة الرسول صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام خير أسوة في ذلك.

قال أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه لمالك الأشتر لما ولاه مصر: «ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً ولا تولهم محاباةً وأثرةً فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقاً وأصح أعراضاً وأقل في المطامع إشراقاً وأبلغ في عواقب الأمور نظراً، ثم أسبغ عليهم الأرزاق فإن ذلك قوة لهم علي استصلاح أنفسهم وغني لهم عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك، ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم علي استعمال الأمانة والرفق بالرعية وتحفظ من الأعوان فإن أحداً منهم

بسط يده إلي خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهداً فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة، وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم عيال علي الخراج وأهله، وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا فإن شكوا ثقلا أو علةً أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم، ولا يثقلن عليك شيء خففت به المئونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمداً فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم ورفقك بهم فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبةً أنفسهم به فإن العمران محتمل ما حملته وإنما يؤتي خراب الأرض من إعواز أهلها وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة علي الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر» ().

لا للخيانة والغلول

مسألة: يحرّم الإسلام الخيانة والغلول حرمة شديدة، وخاصة خيانة الحكام وغلولهم بالنسبة إلي شعوبهم، فإنها من أشد المحرمات كما جاء في القرآن والروايات الشريفة.

قال تعالي: ?وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّي كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ?().

وقال سبحانه: ?يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ?().

وقال

عز من قائل: ?إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ?().

وقال جل وعلا: ?إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً?().

عن عمار بن مروان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغلول، فقال: «كل شيء غل من الإمام فهو سحت، وأكل مال اليتيم سحت، والسحت أنواع كثيرة منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، ومنها أجور القضاة، وأجور الفواجر، وثمن الخمر والنبيذ والمسكر والربا بعد البينة فأما الرشوة يا عمار في الأحكام فإن ذلك الكفر بالله العظيم ورسوله» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ليس منا من أخلف بالأمانة» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «الأمانة تجلب الرزق، والخيانة تجلب الفقر» ().

حسن التعامل حتي مع الأعداء

مسألة: يجب حسن التعامل مع الآخرين، أو يستحب كل بحسبه وهذا الحكم يجري حتي في التعامل مع الأعداء والكفار، وقد ذكرنا في بعض كتبنا: ان الإسلام بعد الحث علي وجوب أو استحباب رعاية حق المؤمن والمسلم والرفق به أخذ يحث ويوصي حتي بالنسبة إلي الأعداء، كما يلاحظ ذلك بوضوح في سيرة رسول الله صلي الله عليه و اله والأئمة الأطهار عليهم السلام وقد أشرنا إلي بعض ذلك في كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) ().

عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: «الرفق نصف العيش» ().

وعن ثعلبة بن ميمون عمن حدثه عن أحدهما عليه السلام قال: «إن الله رفيق يحب الرفق» ().

وعن تميم الداري قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من يضمن لي خمسا أضمن له الجنة» قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: «النصيحة لله عزوجل والنصيحة لرسوله والنصيحة لكتاب الله والنصيحة لدين الله والنصيحة لجماعة المسلمين» ().

مع الأقليات الدينية

مسألة: ينبغي للحاكم والحكومة الإسلامية أن تتعامل بالتي هي أحسن حتي مع غير المسلمين مما يصطلح عليهم اليوم بالأقليات، ولافرق بين كون الأقليات أديانا كالنصاري، أو غير أديان كالبرهمية علي تفصيل ذكرناه في الفقه.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «بعث النبي صلي الله عليه و اله خالد بن الوليد إلي البحرين، فأصاب بها دماء قوم من اليهود والنصاري والمجوس، فكتب إلي رسول الله صلي الله عليه و اله أني أصبت دماء قوم من اليهود والنصاري فوديتهم ثمانمائة ثمانمائة وأصبت دماء قوم

من المجوس ولم تكن عهدت إليّ فيهم عهداً؟

قال: فكتب إليه رسول الله صلي الله عليه و اله: أن ديتهم مثل دية اليهود والنصاري وقال: إنهم أهل كتاب» ().

وعن سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مسلم قتل ذمياً؟ قال: فقال عليه السلام: «هذا شي ء شديد لا يحتمله الناس فليعط أهله دية المسلم حتي ينكل عن قتل أهل السواد وعن قتل الذمي، ثم قال: لو أن مسلماً غضب علي ذمي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلي أهله ثمانمائة درهم إذن يكثر القتل في الذميين ومن قتل ذمياً ظلماً فإنه ليحرم علي المسلم أن يقتل ذمياً حراماً ما آمن بالجزية وأداها ولم يجحدها» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ليس بين أهل الذمة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراح إنما يؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية علي إمام المسلمين، لأنهم يؤدون الجزية إليه كما يؤدي العبد الضريبة إلي سيده» ().

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «لا تدخلوا علي نساء أهل الذمة إلا بإذن» ().

وقال عليه السلام: «من آذي ذميا فكأنما آذاني» ().

حسن التعامل مع جميع الدول

مسألة: يجب علي الحاكم والحكومة الإسلامية أن تحافظ علي حسن تعاملها مع جميع الدول، سواء المجاورة منها أو البعيدة، مسلمة أو غير مسلمة، وأن تراعي جميع المعاهدات الدولية التي تعقدها مع الدول الأخري، حتي غير الإسلامية منها، فان الإسلام قد أمر باحترام كل ذلك.

قال تعالي: ?وأوفوا بالعقود?().

وقال سبحانه: ?أوكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون?().

وقال عزوجل: ?الموفون بعهدهم إذا عاهدوا?().

وقال تعالي: ?وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا?().

وقال سبحانه: ?واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان

صادق الوعد?().

وقال تعالي: ?والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون?().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «المؤمنون عند شروطهم» ().

وفي حديث آخر: «المسلمون عند شروطهم» ().

مضافاً إلي روايات حسن الجوار فإنها تشمل ذلك في الجملة.

عن أبي أسامة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «عليك بتقوي الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعاةً إلي أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً» ().

وعن أبي مسعود قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: «حسن الجوار زيادة في الأعمار وعمارة الديار» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: أعوذ بالله من جار السوء في دار إقامة تراك عيناه ويرعاك قلبه إن رآك بخير ساءه وإن رآك بشر سره» ().

وعن أبي مالك قال: قلت لعلي بن الحسين عليه السلام: أخبرني بجميع شرائع الدين؟ قال: «قول الحق والحكم بالعدل والوفاء بالعهد» ().

وعن الحسين بن مصعب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «ثلاثة لا عذر لأحد فيها: أداء الأمانة إلي البر والفاجر، والوفاء بالعهد للبر والفاجر، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين» ().

وعن النبي صلي الله عليه و اله قال: «تقبلوا لي بست أتقبل لكم بالجنة، إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكفوا أيديكم وألسنتكم» ().

وعن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أقربكم غدا مني في الموقف أصدقكم للحديث وآداكم للأمانة وأوفاكم بالعهد وأحسنكم خلقا وأقربكم من الناس» ().

وقال عليه السلام: «إن العهود قلائد في الأعناق إلي يوم القيامة فمن وصلها وصله الله،

ومن نقضها خذله الله، ومن استخف بها خاصمته إلي الذي أكدها وأخذ خلقه بحفظها» ().

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «كن منجزاً للوعد موفياً بالنذر» ().

لا إكراه في الدين

مسألة: لا يجبر الإسلام أحداً علي أن يسلم، فإنما هو بالاقتناع والرضي، وليس بالجبر والإكراه. قال تعالي: ?لا إكراه في الدين?().

وفي حديث الرفع قال صلي الله عليه و اله: «رفع عن أمتي … ما استكرهوا عليه» ().

ومن هنا أسلم الناس في عهد رسول الله صلي الله عليه و اله وكان منهم عامة اليهود في المدينة المنورة حيث رأوا أخلاق رسول الله صلي الله عليه و اله وحسن تعامله معهم وعدم جبرهم علي الإسلام.

عن أبي عبد الله عليه السلام: «أن النبي صلي الله عليه و اله قال: أنا أولي بكل مؤمن من نفسه، وعليّ أولي به من بعدي، فقيل له ما معني ذلك؟ فقال: قول النبي صلي الله عليه و اله من ترك ديناً أو ضياعاً فعلي ومن ترك مالا فلورثته، فالرجل ليست له علي نفسه ولاية إذا لم يكن له مال، وليس له علي عياله أمر ولا نهي إذا لم يجر عليهم النفقة، والنبي وأمير المؤمنين عليه السلام ومن بعدهما ألزمهم هذا فمن هناك صاروا أولي بهم من أنفسهم وما كان سبب إسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله صلي الله عليه و اله وإنهم آمنوا علي أنفسهم وعلي عيالاتهم» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «دخل يهودي علي رسول الله صلي الله عليه و اله وعائشة عنده فقال: السام عليكم.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: عليكم.

ثم دخل آخر فقال مثل ذلك، فرد صلي الله عليه و اله عليه كما رد علي

صاحبه.

ثم دخل آخر فقال مثل ذلك، فرد رسول الله صلي الله عليه و اله كما رد علي صاحبيه.

فغضبت عائشة فقالت: عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود، يا إخوة القردة والخنازير!

فقال لها رسول الله صلي الله عليه و اله: يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء، إن الرفق لم يوضع علي شيء قط إلا زانه ولم يرفع عنه قط إلا شانه.

قالت: يا رسول الله أما سمعت إلي قولهم السام عليكم؟

فقال: بلي، أ ما سمعت ما رددت عليهم قلت عليكم، فإذا سلم عليكم مسلم فقولوا سلام عليكم وإذا سلم عليكم كافر فقولوا عليك» ().

العفو هو الطابع العام

مسألة: ينبغي علي الحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية إذا قامت، إصدار العفو العام عن كل من أجرم قبل قيام الحكم الإسلامي، كما عفا النبي صلي الله عليه و اله عن أهل مكة، وعفا أمير المؤمنين عليه السلام عن أهل البصرة، فان العفو هو الطابع العام للسياسة الإسلامية، ويدل علي ذلك عمومات أدلة العفو وغيرها مضافاً إلي سيرتهما الطاهرة. وهكذا بالنسبة إلي المجرمين بعد قيام الدولة، ولكن بالمقدار الذي لا يخل بحقوق الناس والأمن العام.

قال أمير المؤمنين عليه السلام في رسالته إلي الأشتر النخعي كما سبق : «وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتي علي أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضي أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم، ولا تنصبن نفسك لحرب الله، فإنه

لا يد لك بنقمته، ولا غني بك عن عفوه ورحمته، ولا تندمن علي عفو» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: عليكم بالعفو، فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزاً فتعافوا يعزكم الله» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «ثلاث لا يزيد الله بهن المرء المسلم إلا عزاً الصفح عمن ظلمه وإعطاء من حرمه والصلة لمن قطعه» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن رسول الله صلي الله عليه و اله أتي باليهودية التي سمت الشاة للنبي صلي الله عليه و اله فقال لها: ما حملك علي ما صنعت؟ فقالت: قلت إن كان نبياً لم يضره، وإن كان ملكاً أرحت الناس منه، قال: فعفا رسول الله صلي الله عليه و اله عنها» ().

حقن الدماء وحفظها

مسألة: يحرم في الإسلام حرمة مغلظة دم المسلم بل دم الإنسان مطلقا إلا ما خرج بالدليل وعرضه وماله، فالسياسة الإسلامية غير ملوثة بسفك الدماء والسجن والتعذيب وما أشبه، بل تمنع عن ذلك منعا باتاً إلا في أقصي موارد الضرورة كماً وكيفاً، وذلك حسب الموازين المقررة في الشريعة.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شيء أدني لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحري بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها، والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله، ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود() البدن، وإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك() سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة فإن في الوكزة() فما فوقها مقتلةً، فلا تطمحن()

بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلي أولياء المقتول حقهم» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: أول ما يحكم الله فيه يوم القيامة الدماء، فيوقف ابني آدم فيفصل بينهما، ثم الذين يلونهما من أصحاب الدماء، حتي لا يبقي منهم أحد ثم الناس بعد ذلك حتي يأتي المقتول بقاتله فيتشخب في دمه وجهه فيقول هذا قتلني، فيقول أنت قتلته، فلا يستطيع أن يكتم الله حديثاً» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «ما من نفس تقتل برة ولا فاجرة إلا وهي تحشر يوم القيامة معلقاً بقاتله بيده اليمني ورأسه بيده اليسري وأوداجه تشخب دماً يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني، فإن كان قتله في طاعة الله يثيب القاتل وذهب بالمقتول إلي النار، وإن قال في طاعة فلان قيل له اقتله كما قتلك ثم يفعل الله فيهما بعد مشيته» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من أعان علي قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة وهو آيس من رحمة الله» ().

وقال النبي صلي الله عليه و اله: «من أعان علي قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة لقي الله يوم القيامة مكتوبا علي جبهته آيس من رحمة الله» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من أعان علي مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمتي» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «من أعان علي مسلم بشطر كلمة كتب بين عينيه يوم القيامة آيس من رحمة الله» ().

وقال عليه السلام: «من أعان علي مؤمن فقد برئ من الإسلام» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من أعان علي قتل مؤمن

بشطر كلمة جاء يوم القيامة بين عينيه مكتوب آيس من رحمة الله تعالي» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «يجيء يوم القيامة رجل إلي رجل حتي يلطخه بدم والناس في الحساب فيقول: يا عبد الله ما لي ولك، فيقول أعنت عليّ يوم كذا بكلمة فقتلت» ().

وعن أبي حمزة عن أحدهما عليه السلام قال: «أتي رسول الله صلي الله عليه و اله فقيل له: يا رسول الله قتيل في مسجد جهينة! فقام رسول الله صلي الله عليه و اله يمشي حتي انتهي إلي مسجدهم.

قال: وتسامع الناس فأتوه، فقال صلي الله عليه و اله: من قتل ذا؟

قالوا: يا رسول الله ما ندري؟

فقال: قتيل من المسلمين بين ظهراني المسلمين لا يدري من قتله! والله الذي بعثني بالحق لو أن أهل السماوات والأرض شركوا في دم امرئ مسلم ورضوا به لأكبهم الله علي مناخرهم في النار، أو قال علي وجوههم» ().

وعن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «إن العبد يحشر يوم القيامة وما يدمي دما فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك فيقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا رب إنك لتعلم أنك قبضتني وما سفكت دما، قال: بلي سمعت من فلان بن فلان كذا وكذا فرويتها عنه فنقلت عنه حتي صار إلي فلان الجبار فقتله عليها فهذا سهمك من دمه» ().

وعن أبي سعيد الخدري قال: «وجد قتيل علي عهد رسول الله صلي الله عليه و اله فخرج عليه السلام مغضبا حتي رقي المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال: يقتل رجل من المسلمين لا يدري من قتله والذي نفسي بيده لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا علي قتل مؤمن أو رضوا

به لأدخلهم الله في النار، والذي نفسي بيده لايجلد أحد أحدا ظلما إلا جلد غدا في نار جهنم مثله والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أكبه الله علي وجهه في نار جهنم» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «لو أن رجلا قتل بالمشرق وآخر رضي بالمغرب كان كمن قتله واشترك في دمه» ().

وقال عليه السلام: «من أعان علي قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله وكان كمن هدم الكعبة والبيت المقدس وقتل عشرة آلاف من الملائكة وأول ما يحكم الله تعالي في الدماء» ().

وعن فضالة عن أبان عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عمن قتل نفسا متعمدا، قال: «جزاؤه جهنم» ().

وعن حمران قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام قول الله عزوجل: ?من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً? () وإنما قتل واحدا؟ فقال: يوضع في موضع من جهنم إليه منتهي شدة عذاب أهلها لو قتل الناس جميعا كان إنما يدخل ذلك المكان ولو كان قتل واحداً كان إنما يدخل ذلك المكان» قلت: فإن قتل آخر؟ قال: «يضاعف عليه» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام: «في رجل قتل رجلا مؤمنا قال: يقال له مت أي ميتة شئت إن شئت يهوديا وإن شئت نصرانيا وإن شئت مجوسيا» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: إن أعق الناس علي الله تعالي من قتل غير قاتله ومن ضرب من لم يضربه» ().

وعن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله عليه

السلام يقول: «أوحي الله عزوجل إلي موسي بن عمران عليه السلام يا موسي قل للملأ من بني إسرائيل إياكم وقتل النفس الحرام بغير حق، فإن من قتل منكم نفسا في الدنيا قتله الله في النار مائة ألف قتلة مثل قتلة صاحبه» ().

وعن عبد الرحمن بن أسلم عنه قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «من قتل مؤمنا متعمدا أثبت الله تعالي عليه جميع الذنوب وبرئ المقتول منها وذلك قول الله تعالي: ?أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار?()» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «من أعان علي مسلم مؤمن فقد برئ من الإسلام» ().

إكرام الوفود والدبلوماسيين

إكرام الوفود والدبلوماسيين

مسألة: ينبغي للحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية إكرام الوفود وتقسيم الجوائز وتوزيع الهدايا بينهم وإن لم يكونوا مسلمين، وذلك اقتداءً برسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام فانهما كانا يفعلان ذلك في أيام حكومتيهما، وقد ذكرنا بعض تفصيل ذلك في المجلد الثاني من كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم).

فيما أوصي به أمير المؤمنين عليه السلام عند وفاته: «أوصيك بحسن الجوار وإكرام الضيف ورحمة المجهود وأصحاب البلاء وصلة الرحم وحب المساكين ومجالستهم» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام لداود بن سرحان: «يا داود، إن خصال المكارم بعضها مقيد ببعض، يقسمها الله حيث يشاء، تكون في الرجل ولا تكون في ابنه، وتكون في العبد ولا تكون في سيده، صدق الحديث وإعطاء السائل والمكافأة بالصنائع وأداء الأمانة وصلة الرحم والتودد إلي الجار والصاحب وقري الضيف ورأسهن الحياء» ().

وعن الحسين بن نعيم قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: «أتحب إخوانك يا حسين» قلت: نعم، قال: «تنفع فقراءهم» قلت: نعم، قال: «أما إنه يحق عليك أن تحب من يحب الله أما

والله لا تنفع منهم أحدا حتي تحبه، تدعوهم إلي منزلك؟» قلت: ما آكل إلا ومعي منهم الرجلان والثلاثة وأقل وأكثر، فقال أبو عبد الله عليه السلام: «فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم» فقلت: أدعوهم إلي منزلي وأطعمهم طعامي وأسقيهم وأوطئهم رحلي ويكونون علي أفضل منا، قال: «نعم إنهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك ومغفرة عيالك وإذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك وذنوب عيالك» ().

القائد الإسلامي

مسألة: ينبغي للقائد الإسلامي رعاية سلوكه وتعامله أكثر من غيره، وذلك في كل الشؤون، وفي مختلف الجوانب، وخاصة في عفوه عن أعدائه وأعداء حكومته مما يعبر عنهم اليوم بالمعارضة، ولقد كان رسول الله صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام وأهل بيته الطاهرون عليهم السلام، المثل الأعلي في هذا المجال.

قال الحسن عليه السلام لأبيه أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن أخذ المسلمون ابن ملجم المرادي (لعنه الله): «هذا عدو الله وعدوك ابن ملجم قد أمكن الله منه وقد حضر بين يديك، قال: ففتح أمير المؤمنين عليه السلام عينيه ونظر إليه وهو مكتوف وسيفه معلق في عنقه، فقال له بضعف وانكسار صوت ورأفة ورحمة: يا هذا لقد جئت عظيما وارتكبت أمرا عظيما وخطبا جسيما، أبئس الإمام كنت لك حتي جازيتني بهذا الجزاء؟ ألم أكن شفيقا عليك، وآثرتك علي غيرك، وأحسنت إليك وزدت في إعطائك؟ ألم يكن يقال لي فيك كذا وكذا فخليت لك السبيل ومنحتك عطائي وقد كنت أعلم أنك قاتلي لا محالة ولكن رجوت بذلك الاستظهار من الله تعالي عليك، يا لكع وعل أن ترجع عن غيك فغلبت عليك الشقاوة فقتلتني يا شقي الأشقياء؟

قال: فدمعت عينا ابن ملجم لعنه الله تعالي وقال: «يا أمير المؤمنين ?أفأنت تنقذ من

في النار?().

قال له: صدقت.

ثم التفت عليه السلام إلي ولده الحسن عليه السلام وقال له: ارفق يا ولدي بأسيرك وارحمه وأحسن إليه وأشفق عليه، ألا تري إلي عينيه قد طارتا في أم رأسه وقلبه يرجف خوفا ورعبا وفزعا.

فقال له الحسن عليه السلام: يا أباه قد قتلك هذا اللعين الفاجر وأفجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق به، فقال له: نعم يا بني نحن أهل بيت لا نزداد علي المذنب إلينا إلا كرما وعفوا والرحمة والشفقة من شيمتنا لا من شيمته، بحقي عليك فأطعمه يا بني مما تأكله واسقه مما تشرب، ولا تقيد له قدما، ولا تغل له يدا، فإن أنا مت فاقتص منه بأن تقتله وتضربه ضربة واحدة، وتحرقه بالنار ولا تمثل بالرجل فإني سمعت جدك رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: (إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور) وإن أنا عشت فأنا أولي بالعفو عنه وأنا أعلم بما أفعل به فإن عفوت فنحن أهل بيت لا نزداد علي المذنب إلينا إلا عفوا وكرما» ().

وروي أبو محمد الحسن بن محمد العلوي بإسناده قال: وقف علي علي بن الحسين عليه السلام رجل فأسمعه وشتمه فلم يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: «قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتي تسمعوا ردي عليه».

قالوا: نفعل فأخذ نعليه ومشي وهو يقول: ?والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين?()، فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً.

قال: فخرج حتي أتي منزل الرجل فصرخ به فقال: «قولوا له هذا علي بن الحسين» قال: فخرج إلينا متوثبا للشر وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافئاً له علي بعض ما كان منه، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: «يا أخي إنك كنت

قد وقفت عليّ آنفاً فقلت وقلت فإن كنت قد قلت ما فيّ فأستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس فيّ فغفر الله لك».

قال: فقبل الرجل بين عينيه وقال: بل قلت فيك ما ليس فيك، وأنا أحق به» ().

وروي عن علي بن الحسين عليه السلام: أنه دعا مملوكه مرتين فلم يجبه ثم أجابه في الثالثة، فقال له: «يا بني، أما سمعت صوتي» قال: بلي، قال: «فما بالك لم تجبني» قال: أمنتك، قال: «الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني» ().

مع المعارضة السياسية

مسألة: ينبغي للحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية السماح للمعارضة بأن تعيش في كنف الإسلام، وظلال الحكم الإسلامي، وحقوقها محفوظة ما دام لم تشهر السيف والسلاح ضد المسلمين، وهكذا كان يتعامل رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام مع أفراد المعارضة.

روي انه دخل الزبير وطلحة علي علي عليه السلام فاستأذناه في العمرة، فقال عليه السلام: «ما العمرة تريدان» فحلفا له بالله أنهما ما يريدان غير العمرة.

فقال لهما: «ما العمرة تريدان وإنما تريدان الغدرة ونكث البيعة» فحلفا بالله ما الخلاف عليه ولا نكث بيعة يريدان وما رأيهما غير العمرة.

قال لهما: «فأعيدا البيعة لي ثانية» فأعاداها بأشد ما يكون من الإيمان والمواثيق فأذن لهما.

فلما خرجا من عنده قال عليه السلام لمن كان حاضرا: «والله لا ترونهما إلا في فتنة يقتتلان فيها».

قالوا: يا أمير المؤمنين فمر بردهما عليك.

قال: ?ليقضي الله أمرا كان مفعولا? ().

لما خرج الزبير وطلحة من المدينة إلي مكة لم يلقيا أحدا إلا وقالا له ليس لعلي في أعناقنا بيعة وإنما بايعناه مكرهين، فبلغ عليا عليه السلام قولهما فقال: «أبعدهما الله وأغرب دارهما، أما والله لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل ويأتيان من وردا

عليه بأشأم يوم والله ما العمرة يريدان ولقد أتياني بوجهي فاجرين ورجعا بوجهي غادرين ناكثين والله لا يلقيانني بعد اليوم إلا في كتيبة خشناء يقتلان فيها أنفسهما فبعدا لهما وسحقا» ().

وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: لما رجع الأمر إليه أمر أبا الهيثم بن التيهان وعمار بن ياسر وعبيد الله بن أبي رافع فقال: «اجمعوا الناس ثم انظروا ما في بيت مالهم فأقسموه بينهم بالسوية» فحسبوا فوجدوا نصيب كل واحد منهم ثلاثة دنانير فأمرهم يقعدون للناس ويعطوهم، قال: وأخذ مكتله ومسحاته ثم انطلق إلي بئر الملك فعمل فيها، فأخذ الناس ذلك القسم حتي بلغوا الزبير وطلحة وعبد الله بن عمر أمسكوا بأيديهم وقالوا: هذا منكم أو من صاحبكم؟

قالوا: بل هذا أمره لا نعمل إلا بأمره.

قالوا: فاستأذنوا لنا عليه.

قالوا: ما عليه إذن هو ذا ببئر الملك يعمل.

فركبوا دوابهم حتي جاءوا إليه فوجدوه في الشمس ومعه أجير له يعينه فقالوا له: إن الشمس حارة فارتفع معنا إلي الظل.

فارتفع عليه السلام معهم إليه فقالوا له: لنا قرابة من نبي الله وسابقة وجهاد، إنك أعطيتنا بالسوية ولم يكن عمر ولا عثمان يعطوننا بالسوية، كانوا يفضلوننا علي غيرنا.

فقال علي عليه السلام: «أيهما عندكم أفضل عمر أو أبو بكر؟»

قالوا: أبو بكر.

قال: «فهذا قسم أبي بكر، وإلا فدعوا أبا بكر وغيره، وهذا كتاب الله فانظروا ما لكم من حق فخذوه».

قالا: فسابقتنا؟

قال: «أنتما أسبق مني بسابقتي؟».

قالوا: لا.

قالا: قرابتنا بالنبي صلي الله عليه و اله؟

قال: «أهي أقرب من قرابتي؟».

قالوا: لا.

قالوا: فجهادنا؟

قال: «أعظم من جهادي؟».

قالوا: لا.

قال: «فو الله ما أنا في هذا المال وأجيري هذا إلا بمنزلة سواء».

قالا: أفتأذن لنا في العمرة؟

قال: «ما العمرة تريدان، وإني لأعلم أمركم وشأنكم، فاذهبا حيث شئتما، فلما وليا

قال: ?فمن نكث فإنما ينكث علي نفسه? ()» ().

النزاهة في الحكم

مسألة: ينبغي للحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية النزاهة الكاملة عن حب الدنيا وجمع الأموال، فإن المال إذا كان بيد الحاكم والحكومة، أفلس الناس وعاشوا الفقر والجهل والمرض والموت، وإذا كان بيد الناس كان علامة علي سلامة الحاكم والحكومة، وقد خصص بيت المال للتوزيع العادل علي الناس.

ومن هنا انتفي الفقر في حكومة أمير المؤمنين عليه السلام حتي أنه رأي يوماً عاجزاً يتكفف فسأل متعجباً: «ما هذا؟» ولم يقل: من هذا، ثم أجري له من بيت مال المسلمين راتباً حتي لا يبقي فقير واحد في الحكومة الإسلامية.

عن محمد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به أمير المؤمنين عليه السلام قال: مر شيخ مكفوف كبير يسأل فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «ما هذا»، فقالوا: يا أمير المؤمنين نصراني، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «استعملتموه حتي إذا كبر وعجز منعتموه أنفقوا عليه من بيت المال» ().

وقال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: «من دخل في الإسلام طائعاً وقرأ القرآن ظاهراً فله في كل سنة مائتا دينار في بيت مال المسلمين وإن منع في الدنيا أخذها يوم القيامة وافيةً أحوج ما يكون إليها» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لما ولي علي عليه السلام صعد المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أما إني والله ما أرزؤكم من فيئكم هذا درهماً ما قام لي عذق بيثرب فليصدقكم أنفسكم أ فتروني مانعاً نفسي ومعطيكم، قال: فقام إليه عقيل فقال له: لتجعلني وأسود بالمدينة سواءً؟ فقال: اجلس أما كان هاهنا أحد يتكلم غيرك وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوي» ().

وعن أبي مخنف الأزدي قال: أتي أمير المؤمنين عليه السلام رهط من

الشيعة، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو أخرجت هذه الأموال ففرقتها في هؤلاء الرؤساء والأشراف وفضلتهم علينا حتي إذا استوسقت الأمور عدت إلي أفضل ما عودك الله من القسم بالسوية والعدل في الرعية، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «أتأمروني ويحكم أن أطلب النصر بالظلم والجور في من وليت عليه من أهل الإسلام، لا والله لا يكون ذلك ما سمر السمير وما رأيت في السماء نجماً والله لو كانت أموالهم ملكي لساويت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم» ().

الساسة وحياة التقشف

مسألة: ينبغي للحكومة الإسلامية والحاكم الإسلامي الزهد في الدنيا، والعزوف عنها، وعدم الافتتان بها، أو الانغماس فيها، وترك مباهجها وزخارفها، تجنّباً للوعيد الذي توعّد به الله الحكام المترفين، من النار والأغلال إذا هم لم يزهدوا في الدنيا، وعليهم الاقتداء برسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام الذين واسوا بأنفسهم أضعف رعيتهم في المسكن والملبس، والمأكل والمشرب.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا أراد الله تبارك وتعالي بعبد خيراً زهده في الدنيا وفقهه في الدين وبصره عيوبه، ومن أوتي هذا فقد أوتي خير الدنيا والآخرة» وقال: «لم يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا وهو ضد لما طلب أعداء الحق» قلت: جعلت فداك مما ذا؟ قال: «من الرغبة فيها» وقال: «ألا من صبار كريم فإنما هي أيام قلائل ألا إنه حرام عليكم أن تجدوا طعم الإيمان حتي تزهدوا في الدنيا» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «أوحي الله إلي موسي عليه السلام أن عبادي لم يتقربوا إلي بشيء أحب إلي من ثلاث خصال، قال موسي عليه السلام: وما هي؟ قال: يا موسي الزهد في الدنيا والورع عن المعاصي والبكاء من خشيتي، قال

موسي عليه السلام: يا رب فما لمن صنع ذلك؟ فأوحي الله إليه: يا موسي أما الزاهدون فأحكمهم في الجنة، وأما البكاءون من خشيتي ففي الرفيع الأعلي، وأما الورعون عن المعاصي فإني أناقش الناس ولا أناقشهم» ().

وقال أمير المؤمنين في نهج البلاغة: «لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله علي العلماء أن لا يقاروا علي كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها علي غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز» ().

وفي النهج أيضا: «ولقد كان في رسول الله صلي الله عليه و اله كاف لك في الأسوة ودليل لك علي ذم الدنيا وعيبها وكثرة مخازيها ومساويها» ().

وقال عليه السلام في ذم الدنيا في خطبة خطبها: «اعلموا أنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت وموقوفون علي أعمالكم ومجزون بها، ?فلا تغرنكم الحياة الدنيا?() فإنها دار بالبلاء محفوفة، وبالعناء معروفة، وبالغدر موصوفة، وكل ما فيها إلي زوال، وهي بين أهلها دول وسجال، لا تدوم أحوالها ولا يسلم من شرها، بينا أهلها منها في رخاء و سرور إذ هم منها في بلاء و غرور، أحوال مختلفة وتارات متصرفة، العيش فيها مذموم والرخاء فيها لا يدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها وتقصمهم بحمامها وكل حتفه فيها مقدور وحظه منها موفور واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا علي سبيل من قد مضي ممن كان أطول منكم باعا وأشد منكم بطشا وأعمر ديارا وأبعد آثارا، فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تغلبها وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية، فاستبدلوا بالقصور المشيدة والستور والنمارق الممهدة الصخور والأحجار المسندة في القبور التي قد بني للخراب فناؤها فمحلها مقترب وساكنها

مغترب بين أهل عمارة موحشين وأهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران والإخوان علي ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلي وأكلتهم الجنادل والثري فأصبحوا بعد الحياة أمواتا وبعد غضارة العيش رفاتا، فجع بهم الأحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم إياب، هيهات هيهات ?إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلي يوم يبعثون?() فكان قد صرتم إلي ما صاروا إليه من البلي والوحدة في المثوي وارتهنتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو قد تناهت الأمور وبعثرت القبور وحصل ما في الصدور ووقفتم للتحصيل بين يدي ملك جليل فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب وهتكت عنكم الحجب والأستار وظهرت منكم العيوب والأسرار هنالك ?تجزي كل نفس بما كسبت?() إن الله عزوجل يقول: ?ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسني?() وقال: ?ووضع الكتاب فتري المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا?() جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه متبعين لأوليائه حتي يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله إنه حميد مجيد» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها، وأخرجه من الدنيا سالما إلي دار السلام» ().

وعن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: «جعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا» ().

وقال أبو جعفر عليه السلام: «ملك ينادي كل يوم: ابن آدم لد للموت واجمع للفناء وابن للخراب» ().

وعن أبي عبد الله

عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ما لي وللدنيا إنما مثلي ومثلها كمثل الراكب رفعت له شجرة في يوم صائف فقال() تحتها ثم راح وتركها» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «مكتوب في التوراة: ابن آدم كن كيف شئت كما تدين تدان، من رضي من الله بالقليل من الرزق قبل الله منه القليل من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفت مئونته وزكت مكسبته وخرج من حد الفجور» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إن الله جعلني إماماً لخلقه ففرض علي التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي الفقير بفقري ولايطغي الغني غناه» ().

وفي احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام علي عاصم بن زياد حين لبس العباء وترك الملاء وشكاه أخوه الربيع بن زياد إلي أمير المؤمنين عليه السلام أنه قد غم أهله وأحزن ولده بذلك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «عليّ بعاصم بن زياد»، فجيء به، فلما رآه عبس في وجهه فقال له: «أما استحييت من أهلك، أما رحمت ولدك، أتري الله أحل لك الطيبات وهو يكره أخذك منها، أنت أهون علي الله من ذلك، أو ليس الله يقول: ?والأرض وضعها للأنام ? فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام?()، أوليس الله يقول: ?مرج البحرين يلتقيان ? بينهما برزخ لا يبغيان? إلي قوله ?يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان?()، فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال، وقد قال الله عزوجل: ?وأما بنعمة ربك

فحدث?()».

فقال عاصم: يا أمير المؤمنين فعلي ما اقتصرت في مطعمك علي الجشوبة وفي ملبسك علي الخشونة؟

فقال: «ويحك إن الله عزوجل فرض علي أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره». فألقي عاصم بن

زياد العباء ولبس الملاء().

الحكم والتأسي بالمعصومين عليهم السلام

مسألة: يجب علي الحكومة الإسلامية والحاكم الإسلامي أن يتأسوا برسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في النزاهة والأمانة أيام إدارة الحكم.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «والله لأن أبيت علي حسك السعدان مسهداً، أو أجرّ في الأغلال مصفداً، أحب إلي من أن ألقي الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد وغاصباً لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلي البلي قفولها ويطول في الثري حلولها، والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتي استماحني من بركم صاعاً، ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكداً وكرر عليّ القول مردداً، فأصغيت إليه سمعي فظن أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقاً طريقتي، فأحميت له حديدةً ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها وكاد أن يحترق من ميسمها، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرني إلي نار سجرها جبارها لغضبه، أ تئن من الأذي ولا أئن من لظي، وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حية أو قيئها فقلت: أصلة أم زكاة أم صدقة فذلك محرم علينا أهل البيت، فقال: لا ذا ولا ذاك ولكنها هدية، فقلت: هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني أمختبط أنت أم ذو جنة أم تهجر، والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها علي أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي ولنعيم يفني ولذة لا تبقي نعوذ بالله من سبات العقل وقبح

الزلل وبه نستعين» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «في قوله تعالي: ?فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة?() يا معاشر شيعتنا اتقوا الله واحذروا أن تكونوا لتلك النار حطبا وإن لم تكونوا بالله كافرين فتوقوها بتوقي ظلم إخوانكم المؤمنين، وإنه ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا إلا ثقل الله في تلك النار سلاسله وأغلاله ولن يقله يكفه منها إلا بشفاعتنا ولن نشفع إلي الله تعالي إلا بعد أن نشفع له في أخيه المؤمن فإن عفا شفعنا وإلا طال في النار مكثه» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من أرضي الخصماء من نفسه وجبت له الجنة بغير حساب، ويكون في الجنة مدائن من نور، وعلي المدائن أبواب من ذهب مكلل بالدر والياقوت، وفي جوف المدائن قباب من مسك وزعفران، من نظر إلي تلك المدائن يتمني أن يكون له مدينة منها، قالوا: يا نبي الله لمن هذه المدائن؟ قال: للتائبين النادمين المرضين الخصماء من أنفسهم، فإن العبد إذا رد درهما إلي الخصماء أكرمه الله كرامة سبعين شهيدا، فإن درهما يرد العبد إلي الخصماء خير له من صيام النهار وقيام الليل، ومن رد درهما ناداه ملك من تحت العرش يا عبد الله استأنف العمل فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك» ().

لا للحرب

مسألة: الحرب في الإسلام هي خلاف الأصل، ولذا يقتصر فيها علي أقصي موارد الضرورة، وقد راعي الإسلام في الحرب أخلاقيات عالية لم تر البشرية مثلها قط رغم كثرة المنظمات الدولية اليوم التي تدعي بأنها تراقب الحروب، وتندد بالانتهاكات التي تتكرر فيها.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كان رسول الله صلي الله عليه و اله: إذا بعث سريةً دعا بأميرها فأجلسه

إلي جنبه وأجلس أصحابه بين يديه ثم قال: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلي ملة رسول الله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقطعوا شجرةً إلا أن تضطروا إليها، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأةً، وأيما رجل من أدني المسلمين وأفضلهم نظر إلي أحد من المشركين فهو جار حتي يسمع كلام الله، فإذا سمع كلام الله عز وجل فإن تبعكم فأخوكم في دينكم، وإن أبي فاستعينوا بالله عليه وأبلغوه مأمنه» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: «قرأت في كتاب علي عليه السلام أن رسول الله صلي الله عليه و اله كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب أن كل غازية غزت بما يعقب بعضها بعضاً بالمعروف والقسط بين المسلمين وانه لايجار حرمة إلا بإذن أهلها وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وحرمة الجار كحرمة أمه وأبيه لا يسالم مؤمن دون مؤمنين في قتال في سبيل الله إلا علي عدل وسواء» ().

وعن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لعلي بن الحسين عليه السلام: إن علياً عليه السلام سار في أهل القبلة بخلاف سيرة رسول الله صلي الله عليه و اله في أهل الشرك، قال: فغضب ثم جلس ثم قال: «سار والله فيهم بسيرة رسول الله صلي الله عليه و اله يوم الفتح، إن علياً عليه السلام كتب إلي مالك وهو علي مقدمته في يوم البصرة بأن لا يطعن في غير مقبل ولا يقتل مدبراً ولا يجيز علي جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن» ().

أسري الحروب

مسألة: ينبغي للقائد المسلم والجيش الإسلامي حسن التعامل مع أسري الحرب، فإن التعامل مع الأسري في الإسلام هو

أفضل تعامل عرفته البشرية إلي اليوم.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لما قدم رسول الله صلي الله عليه و اله مكة يوم افتتحها فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست فأخذ بعضادتي الباب فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ما ذا تقولون وما ذا تظنون؟

قالوا: نظن خيراً ونقول خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت.

قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف عليه السلام: ?لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين?()، ألا إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلي يوم القيامة لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا يختلي خلاها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد» ().

وعن الشعبي قال: لما أسر علي عليه السلام الأسري يوم صفين فخلي سبيلهم أتوا معاوية وقد كان عمرو بن العاص يقول لأسري أسرهم معاوية: اقتلهم فما شعروا إلا بأسراهم قد خلي سبيلهم علي عليه السلام، فقال معاوية: يا عمرو لو أطعناك في هؤلاء الأسري لوقعنا في قبيح من الأمر أ لا تري قد خلي سبيل أسرانا، فأمر بتخلية من في يديه من أسري علي عليه السلام وقد كان علي عليه السلام إذا أخذ أسيراً من أهل الشام خلي سبيله إلا أن يكون قد قتل من أصحابه أحداً فيقتله به().

القانون الإسلامي العالمي

مسألة: إن القانون في الإسلام من أحسن ما يكون وأكمله وهو القانون الذي يصلح أن يكون عالمياً، كما شهد به الخبراء وعلماء القانون، مضافاً إلي الواقع الخارجي والتاريخ الماضي والمعاصر، ومن ثم يجب أن يكون تطبيق هذا القانون أيضا من أحسن ما يكون، علماً بأن تشريع القوانين خاص بالشارع

المقدس، وليس لغيره سوي التطبيق. قال تعالي: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً?().

وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلي الله عليه و اله لما نزلت هذه الآية قال: «الله أكبر الله أكبر علي إكمال الدين وإتمام النعمة ورضي الرب برسالتي وولاية علي ابن أبي طالب من بعدي» ().

وعن عبد العزيز بن مسلم قال: كنا مع الرضا عليه السلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت علي سيدي عليه السلام فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم عليه السلام ثم قال: «يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إن الله عزوجل لم يقبض نبيه صلي الله عليه و اله حتي أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء، بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال عز وجل: ?ما فرطنا في الكتاب من شيء?() وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلي الله عليه و اله: ?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً?() وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض صلي الله عليه و اله حتي بيّن لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم علي قصد سبيل الحق وأقام لهم علياً عليه السلام علماً وإماماً وما ترك لهم شيئاً يحتاج إليه الأمة إلا بينه» ().

وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه سئل عما يقضي به القاضي؟ قال: «بالكتاب».

قيل: فما لم يكن في الكتاب؟

قال: «بالسنة».

قيل: فما لم يكن في الكتاب ولا في السنة؟

قال: «ليس شيء من دين الله إلا وهو في الكتاب والسنة، قد أكمل الله الدين، قال الله تعالي:

?اليوم أكملت لكم دينكم?()، ثم قال عليه السلام: «يوفق الله ويسدد لذلك من شاء من خلقه وليس كما تظنون» ().

الحدود الجغرافية تناقض العولمة

مسألة: الحدود الجغرافية المصطنعة بين بلاد الإسلام من المحرمات الشرعية، بل إن الحدود الجغرافية هي تناقض صريح للعولمة المبتنية علي جعل العالم بيتاً واحداً وأسرة واحدة، وإنما تكون هذه الحدود المصطنعة محرمة لأنها توجب تبديد شمل المسلمين وتفريق جمعهم وهي مضادة لوحدتهم التي صرح بها القرآن الحكيم في أكثر من آية وصرحت بها الأحاديث الشريفة العديدة.

قال تعالي: ?إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ?().

وقال سبحانه: ?وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ?().

ومن هنا جاء التعبير في الروايات عن البلاد الإسلامية بدار الإسلام في قبال دار الشرك او دار الكفر أو دار الحرب، مما يدل علي أنه لا حدود جغرافية بين البلاد الإسلامية.

كقوله عليه السلام في حديث: «فمن كان منهم في دار الإسلام» ().

وفي حديث: «أن رسُول الله صلي الله عليه و اله نهي عن قتال النساء والولدان في دار الحرب إلا أن يقاتلوا فإن قاتلت أيضا فأمسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللا فلما نهي عن قتلهن في دار الحرب كان في دار الإسلام أولي» ().

وفي حديث آخر: «إنما أخرجُوهُم من الشرك إلي دار الإسلام» ().

وقال عليه السلام: «وليس لهُ أن يُخرجها من دار الإسلام إلي غيرها» ().

وقال عليه السلام: «إن أراد أن يخرج بها إلي بلاد المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترط عليها» ().

وقال عليه السلام: «أيهما أعظم حرمة دار الإسلام أو دار الشرك» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام: «في رجل كان له عبد فأدخل دار الشرك ثم أخذ سبيا إلي دار الإسلام» ().

وعنه عليه السلام قال: «الناس كلهم في دار

الإسلام المخالفون وغيرهم أهل هدنة ترد ضالتهم وتؤدي أمانتهم ويوفي بعهدهم، إن الأمانة تؤدي إلي البر والفاجر، والعهد يوفي به للبر والفاجر وأد الأمانة إلي من ائتمنك ولا تخن من خانك ولا تأخذن ممن جحدك مالا لك عليه شيئا بوجه خيانة» ().

وعن جعفر بن محمد عليه السلام قال: «إذا خرج الحربي إلي دار الإسلام فأسلم ثم لحقته امرأتُه فهما علي النكاح» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام: «أنه كان يورث الحميل، والحميل ما ولد في بلد الشرك فعرف بعضُهُم بعضا في دار الإسلام وتقاروا بالأنساب» ().

وعن الإمام علي عليه السلام أنه قال: «إذا سبي الرجل وامرأته من المشركين فهما علي النكاح ما لم يكن أحدهما سبي و أحرز في دار الإسلام دون الآخر فإذا كان ذلك فلا عصمة بينهما» ().

وعن يونس عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك إن رجلا من مواليك بلغه أن رجلا يعطي السيف والفرس في سبيل الله فأتاه فأخذهما منه وهو جاهل بوجه السبيل ثم لقيه أصحابه فأخبروه أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز وأمروه بردهما، فقال: «فليفعل» قال: قد طلب الرجل فلم يجده وقيل له قد شخص الرجل، قال: «فليرابط ولا يقاتل» قال: ففي مثل قزوين والديلم وعسقلان وما أشبه هذه الثغور، فقال: «نعم» فقال له: يجاهد؟ قال: «لا إلا أن يخاف علي ذراري المسلمين» فقال: أرأيتك لو أن الروم دخلوا علي المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم، قال: «يرابط ولا يقاتل وإن خاف علي بيضة الإسلام والمسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه وليس للسلطان» قال: قلت: فإن جاء العدو إلي الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال: «يقاتل عن بيضة الإسلام لا عن هؤلاء لأن

في دروس الإسلام دروس دين محمد صلي الله عليه و اله» ().

وعن أبي بصير قال: سألته عن الإنفاء من الأرض كيف هو؟ قال: «ينفي من بلاد الإسلام كلها» ().

قال صاحب أوائل المقالات: أقول إن الحكم في الدار علي الأغلب فيها وكل موضع غلب فيه الكفر فهو دار كفر وكل موضع غلب فيه الإيمان فهو دار إيمان وكل موضع غلب فيه الإسلام دون الإيمان فهو دار إسلام().

مسائل حول العولمة الاقتصادية

الاقتصاد في العولمة الإسلامية

مسألة: ينبغي العلم بأن السياسة الاقتصادية، وكذلك الاقتصاد الذي تنتهجه العولمة الإسلامية وتخطط له بدقة، مبتنية علي جعل الإنسان هو المحور، وعلي احترام حقوقه، ورعاية الأخلاق والآداب الإنسانية بالنسبة إليه، كيف لا وقد سخر الله كل ما في الأرض للإنسان وكرامته، لا لمسخ الإنسان وإذلاله، ولأن يكون الاقتصاد في خدمة الإنسان، لا أن يكون الإنسان في خدمة الاقتصاد.

وهنا لا بأس بذكر بعض المسائل الشرعية المنقسمة إلي الأحكام الخمسة: من وجوب وحرمة واستحباب وكراهة وإباحة، والتي تنبئ عن اعتماد النظام الاقتصادي الإسلامي وسياسة العولمة الاقتصادية في الإسلام، علي انفتاح السوق، وحرية التبادل التجاري، ومنع المضايقات ورفع القيود عن الصادرات والواردات، وتحريم كل ما يصدّ عن التحرك التجاري، أو يضر بحقوق الإنسان وكرامته، أو يفسد عليه دنياه وآخرته، كتحريم الربا ورفع الجمارك والمكوس وإلغاء الضرائب غير الشرعية والرسوم الوضعية.

قال تعالي: ?وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَي كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً? ().

وقال سبحانه: ?اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ ? وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ? وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ

تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ?().

لا للفقر والحرمان

مسألة: يجب علي الحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية العمل علي نفي الفقر والحرمان، ومكافحة الجهل والمرض، وذلك بتطبيق النظام الاقتصادي الذي جاء به الإسلام.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «القبر خير من الفقر» ().

وقال عليه السلام: «الحرمان خذلان» ().

وقال عليه السلام: «إن الفقر مذلة للنفس، مدهشة للعقل، جالب للهموم» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ما أقبح الفقر بعد الغني، وأقبح الخطيئة بعد المسكنة» ().

وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: كاد الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب القدر» ().

وقد ورد في الدعاء: «وأعوذ بك من الفقر» ().

وفي دعاء آخر: «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة» ().

الحرية الاقتصادية

مسألة: يجب علي الحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية، منح الحرية الاقتصادية التي قررها الإسلام لكل الناس، وذلك بأن تسمح لهم، بل وتساعدهم في إنتاج وتصنيع كل ما يحتاجونه أو يريدونه من مواد غذائية وإنشائية وخدماتية، سواء في مجال الزراعة، أو الصناعة، أو الفنون والتقنيات اللازمة، فتفتح عليهم أبواب العلوم، والحِرف، والمهن، والكسب، والاكتساب، والتصدير والاستيراد، وغير ذلك.

قال تعالي: ?هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً? ().

وقال صلي الله عليه و اله: «الأرض لله ولمن عمرها» ().

وقال عليه السلام: «كل شيء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتي تعرف الحرام بعينه فتدعه» ().

تقرير الملكية الشخصية

مسألة: يقر الإسلام الملكية الشخصية بشكل نزيه، ويحترم أموال الناس كما يحترم أعراضهم ودماءهم، ولا يسمح لأحد ولا لجهة بالتصرف فيها إلا عن تراض حاصل بين الطرفين، أو عن طيب نفس من المالك، وذلك لما في تقرير هذه الملكية من منافع يتوقف عليها تقدم المجتمع ورقيّه، إضافة إلي ما فيه من احترام للإنسان واحترام لما يرتبط به.

وقال صلي الله عليه و اله: «إن الناس مسلطون علي أموالهم» ().

وعنهم عليه السلام: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه» ().

وقال النبي صلي الله عليه و اله: «المسلم أخو المسلم لا يحل ماله إلا عن طيب نفس منه» ().

وقال عليه السلام: «مال المسلم ودمه حرام» ().

وعنه صلي الله عليه و اله قال: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» ().

وروي ابن مسعود عنه صلي الله عليه و اله أنه قال: «حرمة مال المسلم كحرمة دمه» ().

وقال النبي صلي الله عليه و اله: «لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا ولا لاعبا، من أخذ عصا أخيه فليردها» ().

وروي يعلي بن مرة

الثقفي أن النبي صلي الله عليه و اله قال: «من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلي المحشر» ().

وروي عنه صلي الله عليه و اله أنه قال: «من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين» ().

وروي عنه صلي الله عليه و اله «ليأتين علي الناس زمان لا يبالي الرجل بما يأخذ من مال أخيه بحلال أو حرام» ().

ديون الشعب يؤدّيها الحكام

مسألة: يلزم علي الحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية تسديد ديون المغرمين المثقلين، فانه هو المسؤول عن ديون الشعب إذا لم يقدروا علي الأداء، وفي ذلك روايات عديدة، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام بأن النبي صلي الله عليه و اله لما أعلن عن حكم الضمان الاجتماعي، وأنه إذا مات أحد وترك مالاً فلورثته، وإذا ترك ديناً فعلي الحاكم تسديده وأدائه، أسلم عند ذاك عامة اليهود، قال عليه السلام: «وما كان سبب إسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله صلي الله عليه و اله وإنهم آمنوا علي أنفسهم وعلي عيالاتهم» ().

قال الراوي: سمعت علي بن موسي عليه السلام يقول: «المغرم إذا تدين أو استدان في حق أجل سنةً فإن اتسع وإلا قضي عنه الإمام من بيت المال» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: أيما مؤمن أو مسلم مات وترك ديناً لم يكن في فساد ولا إسراف فعلي الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك، إن الله تبارك وتعالي يقول: ?إنما الصدقات للفقراء والمساكين? () الآية، فهو من الغارمين وله سهم عند الإمام فإن حبسه فإثمه عليه» ().

وقال النبي صلي الله عليه و اله: «من ترك

ديناً أو ضَياعاً () فعليّ ومن ترك مالا فلورثته» ().

بيت المال في خدمة الشعب

مسألة: يجب علي الحكومة الإسلامية والحاكم الإسلامي أن يكون أميناً علي بيت مال المسلمين ويراعي مصلحة المسلمين الاقتصادية بكل جهده ووسعه.

ورد عن أبي عمرو بن العلاء: أن عقيل بن أبي طالب لما قدم علي علي عليه السلام بالكوفة يسترفده عرض عليه عطاءه، فقال: إنما أريد من بيت المال.

فقال: «تقيم إلي يوم الجمعة» فأقام فلما صلي أمير المؤمنين عليه السلام الجمعة قال لعقيل: «ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين؟».

قال: بئس الرجل ذاك.

قال: «فأنت تأمرني أن أخون هؤلاء وأعطيك».

فلما خرج من عنده أتي معاوية فأمر له يوم قدومه بمائة ألف درهم وقال له: يا أبا يزيد أنا خير لك أم علي؟

قال عقيل: وجدت عليا أنظر لنفسه منه لي ووجدتك أنظر لي منك لنفسك().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «والله لأن أبيت علي حسك السعدان مسهداً أو أجر في الأغلال مصفداً أحب إلي من أن ألقي الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد وغاصباً لشي ء من الحطام، وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلي البلي قفولها ويطول في الثري حلولها، والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتي استماحني من بركم صاعاً، ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم وعاودني مؤكداً وكرر عليّ القول مردداً، فأصغيت إليه سمعي فظن أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقاً طريقتي فأحميت له حديدةً ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضج ضجيج ذي دنف من ألمها وكاد أن يحترق من ميسمها فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرني إلي نار سجرها جبارها لغضبه، أتئن من الأذي ولا أئن من لظي وأعجب من ذلك طارق طرقنا

بملفوفة في وعائها ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حية أو قيئها فقلت: أصلة أم زكاة أم صدقة فذلك محرم علينا أهل البيت.

فقال: لا ذا ولا ذاك ولكنها هدية.

فقلت: هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني، أمختبط أنت أم ذو جنة أم تهجر، والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها علي أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها ما لعلي ولنعيم يفني ولذة لا تبقي نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين» ().

ومن كتاب لأمير المؤمنين عليه السلام لبعض عماله: «أما بعد فقد بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك وعصيت إمامك وأخزيت أمانتك بلغني أنك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك وأكلت ما تحت يديك فارفع إليّ حسابك واعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس والسلام» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلي عبد الله بن عباس: «أما بعد فإني كنت أشركتك في أمانتي وجعلتك شعاري وبطانتي ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي لمواساتي وموازرتي وأداء الأمانة إليّ، فلما رأيت الزمان علي ابن عمك قد كلب والعدو قد حرب وأمانة الناس قد خزيت وهذه الأمة قد فنكت() وشغرت() قلبت لابن عمك ظهر المجن ففارقته مع المفارقين وخذلته مع الخذلين وخنته مع الخائنين فلا ابن عمك آسيت ولا الأمانة أديت وكأنك لم تكن الله تريد بجهادك وكأنك لم تكن علي بينة من ربك وكأنك إنما كنت تكيد هذه الأمة عن دنياهم وتنوي غرتهم عن فيئهم فلما أمكنتك الشدة في خيانة الأمة أسرعت الكرة وعاجلت الوثبة واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم

وأيتامهم اختطاف الذئب الأزل دامية المعزي الكسيرة فحملته إلي الحجاز رحيب الصدر بحمله غير متأثم من أخذه كأنك لا أبا لغيرك حدرت إلي أهلك تراثك من أبيك وأمك، فسبحان الله أما تؤمن بالمعاد أوما تخاف نقاش الحساب أيها المعدود كان عندنا من أولي الألباب كيف تسيغ شراباً وطعاماً وأنت تعلم أنك تأكل حراماً وتشرب حراماً وتبتاع الإماء وتنكح النساء من أموال اليتامي والمساكين والمؤمنين والمجاهدين الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال وأحرز بهم هذه البلاد فاتق الله واردد إلي هؤلاء القوم أموالهم فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لأعذرن إلي الله فيك ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحداً إلا دخل النار، ووالله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة ولا ظفرا مني بإرادة حتي آخذ الحق منهما وأزيح الباطل عن مظلمتهما وأقسم بالله رب العالمين ما يسرني أن ما أخذته من أموالهم حلال لي أتركه ميراثاً لمن بعدي فضح رويداً فكأنك قد بلغت المدي ودفنت تحت الثري وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي الظالم فيه بالحسرة ويتمني المضيع فيه الرجعة ولات حين مناص» ().

وعن مجمع التيمي: «إن علياً عليه السلام كان ينضح بيت المال ثم يتنفل فيه ويقول: اشهد لي يوم القيامة أني لم أحبس فيك المال علي المسلمين» ().

وعن بكر بن عيسي قال: كان علي عليه السلام يقول: «يا أهل الكوفة إن خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائن»، وكانت نفقته تأتيه من غلته بالمدينة من ينبع، وكان يطعم الناس الخل واللحم ويأكل من الثريد بالزيت ويجللها بالتمر من العجوة وكان ذلك طعامه، وزعموا أنه كان يقسم ما في بيت المال فلا تأتي

الجمعة وفي بيت المال شيء ويأمر ببيت المال في كل عشية خميس فينضح بالماء ثم يصلي فيه ركعتين» () الحديث.

وعن حفص بن غياث قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: وسئل عن قسم بيت المال فقال: «أهل الإسلام هم أبناء الإسلام أسوي بينهم في العطاء وفضائلهم بينهم وبين الله أجملهم كبني رجل واحد لا نفضل أحداً منهم لفضله وصلاحه في الميراث علي آخر ضعيف منقوص، وقال هذا هو فعل رسول الله صلي الله عليه و اله في بدو أمره» ().

طهارة بيت المال

مسألة: لا تكون موارد بيت المال من الربا، والغش، والغصب، والمصادرة، والإجحاف، والضرائب غير الشرعية، وما أشبه مما حرّمه الإسلام.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من عبد الله علي أمير المؤمنين إلي أصحاب الخراج، أما بعد: فإن من لم يحذر ما هو صائر إليه لم يقدم لنفسه ما يحرزها، واعلموا أن ما كلفتم به يسير وأن ثوابه كثير، ولو لم يكن فيما نهي الله عنه من البغي والعدوان عقاب يخاف لكان في ثواب اجتنابه ما لا عذر في ترك طلبه، فأنصفوا الناس من أنفسكم واصبروا لحوائجهم فإنكم خزان الرعية ووكلاء الأمة وسفراء الأئمة، ولا تحشموا أحداً عن حاجته، ولا تحبسوه عن طلبته، ولا تبيعن للناس في الخراج كسوة شتاء ولا صيف، ولا دابةً يعتملون عليها ولا عبداً، ولا تضربن أحداً سوطاً لمكان درهم، ولا تمسن مال أحد من الناس مصل ولا معاهد، إلا أن تجدوا فرساً أو سلاحاً يُعدي به علي أهل الإسلام فإنه لا ينبغي للمسلم أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام فيكون شوكةً عليه، ولا تدخروا أنفسكم نصيحةً ولا الجند حسن سيرة ولا الرعية معونةً ولا دين الله قوةً وأبلوا في سبيل

الله ما استوجب عليكم فإن الله سبحانه قد اصطنع عندنا وعندكم أن نشكره بجهدنا وأن ننصره بما بلغت قوتنا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» ().

عن سماعة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني رأيت الله تعالي قد ذكر الربا في غير آية وكرره، فقال: «أوتدري لم ذاك» قلت: لا، قال: «لئلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من غش المسلمين حشر مع اليهود يوم القيامة لأنهم أغش الناس للمسلمين» ().

حرمة الخيانة في بيت المال

مسألة: لا يجوز الاختلاس والخيانة في بيت المال، ويلزم حفظها من الزيادة والنقصان، من قبل الحاكم نفسه وغيره، حيث إن علي الحكومة والحاكم أن لايأخذ لنفسه ما لايستحقه، ولا يتصرف عدواناً حتي في فلس واحد من بيت مال المسلمين، ولا يهب شيئاً منه بلا استحقاق لأحد من ذويه ومن أشبه.

عن علي بن أبي رافع قال: كنت علي بيت مال علي بن أبي طالب عليه السلام وكاتبه وكان في بيت ماله عقد لؤلؤ كان أصابه يوم البصرة، قال: فأرسلت إليَّ بنت علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت لي: بلغني أن في بيت مال أمير المؤمنين عليه السلام عقد لؤلؤ وهو في يدك وأنا أحب أن تعيرنيه أتجمل به في أيام عيد الأضحي.

فأرسلت إليها عاريةً مضمونةً مردودةً يا بنت أمير المؤمنين.

فقالت: نعم عاريةً مضمونةً مردودةً بعد ثلاثة أيام.

فدفعته إليها وإن أمير المؤمنين عليه السلام رآه عليها فعرفه فقال لها: «من أين صار إليك هذا العقد؟»

فقالت: استعرته من علي بن أبي رافع خازن بيت مال أمير المؤمنين لأتزين به في العيد ثم أرده.

قال: فبعث إليّ أمير المؤمنين عليه السلام فجئته، فقال لي: «أتخون المسلمين يا ابن أبي رافع؟».

فقلت

له: معاذ الله أن أخون المسلمين.

فقال: «كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير إذني ورضاهم؟».

فقلت: يا أمير المؤمنين إنها ابنتك وسألتني أن أعيرها إياه تتزين به فأعرتها إيها عاريةً مضمونةً مردودةً، فضمنته في مالي وعليّ أن أرده سليماً إلي موضعه.

قال: «فرده من يومك وإياك أن تعود لمثل هذا فتنالك عقوبتي».

ثم قال: «أولي لابنتي لو كانت أخذت العقد علي غير عارية مضمونة مردودة لكانت إذن أول هاشمية قطعت يدها في سرقة».

قال: فبلغ مقالته ابنته فقالت له: يا أمير المؤمنين أنا ابنتك وبضعة منك فمن أحق بلبسه مني.

فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام: «يا بنت علي بن أبي طالب لا تذهبن بنفسك عن الحق أكل نساء المهاجرين تتزين في هذا العيد بمثل هذا».

قال: فقبضته منها ورددته إلي موضعه().

نعم هكذا كان سيرة رسول الله صلي الله عليه و اله ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وعلي عكسه تماماً كان بنو أمية وبنو مروان ومن شاكلهم.

وفي التاريخ: أن عثمان نفي أبا ذر أولا إلي الشام، ثم استقدمه إلي المدينة لما شكا منه معاوية، ثم نفاه من المدينة إلي الربذة لما عمل بالمدينة نظير ما كان يعمل بالشام، وأصل هذه الواقعة أن عثمان لما أعطي مروان بن الحكم وغيره بيوت الأموال واختص زيد بن ثابت بشيء منها جعل أبوذر يقول بين الناس وفي الطرقات والشوارع: بشر الكافرين بعذاب أليم، ويرفع بذلك صوته، ويتلو قوله تعالي: ?والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم? ()، فرفع ذلك إلي عثمان مرارا وهو ساكت ثم إنه أرسل إليه مولي من مواليه: أن انته عما بلغني عنك.

فقال أبوذر: أينهاني عثمان عن قراءة

كتاب الله تعالي وعيب من ترك أمر الله فو الله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحب إلي وخير لي من أن أسخط الله برضي عثمان.

فأغضب عثمان ذلك وأحفظه فتصابر وتماسك إلي أن قال عثمان يوما والناس حوله: أيجوز للإمام أن يأخذ من بيت المال شيئا قرضا فإذا أيسر قضي؟.

فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك.

فقال أبوذر: يا ابن اليهوديين أتعلمنا ديننا.

فقال عثمان: قد كثر أذاك لي وتولعك بأصحابي، الحق بالشام، فأخرجه إليها.

فكان أبوذر ينكر علي معاوية أشياء يفعلها، فبعث إليه معاوية يوما ثلاثمائة دينار، فقال أبوذر لرسوله: إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها وردها عليه.

ثم بني معاوية الخضراء بدمشق فقال أبوذر: يا معاوية إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة وإن كانت من مالك فهي الإسراف.

وكان أبوذر يقول بالشام: والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه، إني لأري حقا يطفأ وباطلا يحيا وصادقا مكذبا وأثرة بغير تقي وصالحا مستأثرا عليه.

فقال حبيب بن مسلمة الفهري لمعاوية: إن أبا ذر لمفسد عليكم الشام فتدارك أهله إن كان لك فيه حاجة» ().

وروي أبو عثمان الجاحظ عن جلام بن جندل الغفاري قال: كنت غلاماً لمعاوية علي قنسرين والعواصم في خلافة عثمان فجئت إليه يوما أسأله عن حال عملي إذ سمعت صارخا علي باب داره يقول: أتتكم القطار بحمل النار، اللهم العن الآمرين بالمعروف التاركين له، اللهم العن الناهين عن المنكر المرتكبين له، فازبأر معاوية وتغير لونه وقال: يا جلام أتعرف الصارخ؟

فقلت: اللهم لا.

قال: من عذيري من جندب بن جنادة يأتينا كل يوم فيصرخ علي باب قصرنا بما سمعت.

ثم قال: أدخلوه.

فجيء بأبي

ذر بين قوم يقودونه حتي وقف بين يديه، فقال له معاوية: يا عدو الله وعدو رسوله تأتينا في كل يوم فتصنع ما تصنع أما إني لو كنت قاتل رجل من أصحاب محمد من غير إذن أمير المؤمنين عثمان لقتلتك ولكني أستأذن فيك قال جلام: وكنت أحب أن أري أبا ذر لأنه رجل من قومي، فالتفت إليه فإذا رجل أسمر ضرب من الرجال خفيف العارضين في ظهره جنأ فأقبل علي معاوية وقال: ما أنا بعدو لله ولا لرسوله بل أنت وأبوك عدوان لله ولرسوله أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر ولقد لعنك رسول الله صلي الله عليه و اله ودعا عليك مرات أن لا تشبع، سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: «إذا ولي الأمة الأعين الواسع البلعوم الذي يأكل ولا يشبع فلتأخذ الأمة حذرها منه».

فقال معاوية: ما أنا ذاك الرجل.

قال أبو ذر: بل أنت ذلك الرجل أخبرني بذلك رسول الله صلي الله عليه و اله وسمعته يقول وقد مررت به: «اللهم العنه ولا تشبعه إلا بالتراب».

وسمعته يقول: «أست معاوية في النار» فضحك معاوية وأمر بحبسه وكتب إلي عثمان فيه، فكتب عثمان إلي معاوية: أن احمل جندباً إليّ علي أغلظ مركب وأوعره.

فوجه به من سار به الليل والنهار وحمله علي شارف ليس عليها إلا قتب حتي قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد، فلما قدم بعث إليه عثمان أن الحق بأي أرض شئت.

قال: بمكة.

قال: لا.

قال: بيت المقدس.

قال: لا.

قال: بأحد المصرين.

قال: لا.

قال: ولكني مسيرك إلي ربذة فسيره إليها فلم يزل بها حتي مات» ().

مصارف بيت المال

مسألة: من موارد صرف بيت المال: إسعاف الفقراء، وقضاء الديون، وتزويج العزّاب، ومنح رأس مال للعاملين، وتشغيل العاطلين، وعمران البلاد، والترفيه

علي العباد، وتثقيف الناس وغير ذلك مما يساعد علي تقدم البلاد والعباد.

قال علي بن موسي عليه السلام: «المغرم إذا تدين أو استدان في حق أجل سنةً فإن اتسع وإلا قضي عنه الإمام من بيت المال» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن أمير المؤمنين عليه السلام أتي برجل عبث بذكره فضرب يده حتي احمرت ثم زوجه من بيت المال» ().

وعن بريد بن معاوية العجلي قال: سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجل قتل رجلا عمداً فلم يقم عليه الحد ولم تصح الشهادة عليه حتي خولط وذهب عقله ثم إن قوماً آخرين شهدوا عليه بعد ما خولط أنه قتله، فقال: «إن شهدوا عليه أنه قتله حين قتله وهو صحيح ليس به علة من فساد عقله قتل به، وإن يشهدوا عليه بذلك وكان له مال يعرف دفع إلي ورثة المقتول الدية من مال القاتل وإن لم يكن له مال أعطي الدية من بيت المال ولا يبطل دم امرئ مسلم» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام: «أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: من مات في زحام الناس يوم الجمعة أو يوم عرفة أو علي جسر لا يعلمون من قتله فديته من بيت المال» ().

احترام حقوق الفرد والجماعة

مسألة: يحرّم الإسلام كل أمر يتنافي مع ما شرّعه من قانون السلطنة القائل: «الناس مسلطون علي أموالهم وأنفسهم» () ومن أبرز مصاديق ذلك الجمارك والمكوس فإنها محرمة شرعاً، مضافاً إلي ما تستعقبه من تبعات مالية واقتصادية.

وقال النبي صلي الله عليه و اله: «إن الناس مسلطون علي أموالهم» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «لا ضرر ولا إضرار في الإسلام» ().

وقال الصادق عليه السلام: «كل شيء مطلق حتي يرد فيه نص» ().

وقال النبي صلي

الله عليه و اله: «حكمي علي الواحد حكمي علي الجماعة» ().

وعن إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام: «أن عليا عليه السلام كان يقول: أبهموا ما أبهمه الله» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «علي العشار كل يوم وليلة لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» ().

وفي الحديث عنه عليه السلام: «والحمار يلعن العشار» ().

نعم يلزم دفع الحقوق الشرعية والتي هي الخمس والزكاة والجزية() والخراج دون غيرها.

روي محمد بن يزيد الطبري قال: كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الإذن في الخمس.

فكتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم إن الله واسع كريم، ضمن علي العمل الثواب وعلي الخلاف العقاب، لم يحل مال إلا من وجه أحله الله، إن الخمس عوننا علي ديننا وعلي عيالاتنا وعلي موالينا، وما نفك ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه، فإن إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم، وما تمهدون لأنفسكم يوم فاقتكم، والمسلم من يفي لله بما عاهد عليه، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب والسلام» ().

حرمة الغش والخيانة

مسألة: يحرم الغش والتدليس، والمكر والخيانة مطلقاً، وخاصة في المعاملات.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله لرجل يبيع التمر: يا فلان أ ما علمت أنه ليس من المسلمين من غشهم» ().

وعن موسي بن بكر قال: كنا عند أبي الحسن عليه السلام فإذا دنانير مصبوبة بين يديه فنظر إلي دينار فأخذه بيده ثم قطعه بنصفين ثم قال لي: «ألقه في البالوعة حتي لا يباع شيء فيه غش» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «جاءت زينب العطارة الحولاء إلي نساء النبي

صلي الله عليه و اله فجاء النبي صلي الله عليه و اله فإذا هي عندهم، فقال النبي صلي الله عليه و اله: إذا أتيتنا طابت بيوتنا، فقالت: بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله، فقال صلي الله عليه و اله: إذا بعت فأحسني ولا تغشي فإنه أتقي لله وأبقي للمال» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «لولا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر الناس» ().

وعن علي بن موسي الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من كان مسلماً فلا يمكر ولا يخدع فإني سمعت جبرئيل عليه السلام يقول: إن المكر والخديعة في النار، ثم قال: ليس منا من غش مسلماً، وليس منا من خان مسلماً» ().

الحلف في المعاملات

مسألة: يكره الحلف في المعاملة، أما الكذب منها فلا يجوز.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من باع واشتري فليحفظ خمس خصال وإلا فلا يشترين ولا يبيعن: الربا والحلف وكتمان العيب والحمد إذا باع والذم إذا اشتري» ().

وعن أبي حمزة رفعه قال: قام أمير المؤمنين عليه السلام علي دار ابن أبي معيط وكان تقام فيها الإبل فقال: «يا معاشر السماسرة أقلوا الأيمان فإنها منفقة للسلعة ممحقة للربح» ().

وعن أبي إسماعيل رفعه عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول: «إياكم والحلف فإنه ينفق السلعة ويمحق البركة» ().

وكان أبو أمامة صاحب رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: «أربع من كن فيه فقد طاب مكسبه، إذا اشتري لم يعب، وإذا باع لم يحمد، ولا يدلس، وفيما بين ذلك لا يحلف» ().

حرمة الاحتكار

مسألة: لا يجوز الاحتكار في موارده المحرمة، ويكره في غير ذلك.

وفي الحديث: إن رسول الله صلي الله عليه و اله أمر المحتكرين أن يخرجوا حكرتهم إلي بطون الأسواق بحيث ينظر الأبصار إليها، فقيل له: لو قومت عليهم، فغضب عليه السلام حتي عرف الغضب في وجهه وقال: «أنا أقوم عليهم إنما السعر إلي الله يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء» ().

ومن كتاب لأمير المؤمنين عليه السلام كتبه للأشتر النخعي: «ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوص بهم خيراً، المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفق ببدنه، فإنهم مواد المنافع وأسباب المرافق وجلابها من المباعد والمطارح في برك وبحرك وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترءون عليها فإنهم سلم لا تخاف بائقته وصلح لا تخشي غائلته، وتفقد أمورهم بحضرتك وفي

حواشي بلادك، واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً واحتكاراً للمنافع وتحكماً في البياعات وذلك باب مضرة للعامة وعيب علي الولاة فامنع من الاحتكار، فإن رسول الله صلي الله عليه و اله منع منه وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع فمن قارف حكرةً بعد نهيك إياه فنكل به وعاقبه في غير إسراف» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: لا يحتكر الطعام إلا خاطئ» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: الجالب مرزوق والمحتكر ملعون» ().

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «الحكرة في الخصب أربعون يوماً وفي الشدة والبلاء ثلاثة أيام، فما زاد علي الأربعين في زمان الخصب فصاحبه ملعون، وما زاد علي ثلاثة أيام في العسرة فصاحبه ملعون» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «نفد الطعام علي عهد رسول الله صلي الله عليه و اله فأتاه المسلمون فقالوا: يا رسول الله قد نفد الطعام ولم يبق منه شيء إلا عند فلان فمره ببيعه، قال: فحمد الله وأثني عليه ثم قال: يا فلان إن المسلمين ذكروا أن الطعام قد نفد إلا شيء عندك فأخرجه وبعه كيف شئت ولا تحبسه» ().

وعن معتب قال: كان أبو الحسن عليه السلام يأمرنا إذا أدركت الثمرة أن نخرجها فنبيعها ونشتري مع المسلمين يوماً بيوم ().

وعن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «الحكرة أن يشتري طعاماً ليس في المصر غيره فيحتكره فإن كان في المصر طعام أو بيّاع غيره فلا بأس بأن يلتمس بسلعته الفضل»، قال:

وسألته عن الزيت؟ فقال: «إن كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه» ().

المعاملات الربوية

المعاملات الربوية

مسألة: يحرم الربا وتحرم المعاملات الربوية.

كتب علي بن موسي الرضا عليه السلام إلي محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله:

«علة تحريم الربا انما نهي الله عزوجل عنه لما فيه من فساد الأموال، لأن الإنسان إذا اشتري الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهماً وثمن الآخر باطلا فبيع الربا وشراؤه وكس علي كل حال علي المشتري وعلي البائع، فحظر الله تبارك وتعالي علي العباد الربا لعلة فساد الأموال، كما حظر علي السفيه أن يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من إفساده حتي يؤنس منه رشداً، فلهذه العلة حرم الله الربا وبيع الربا بيع الدرهم بدرهمين، وعلة تحريم الربا بعد البينة لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرم وهي كبيرة بعد البيان وتحريم الله تعالي لها لم يكن ذلك منه إلا استخفافاً بالمحرم للحرام والاستخفاف بذلك دخول في الكفر، وعلة تحريم الربا بالنسيئة لعلة ذهاب المعروف وتلف الأموال ورغبة الناس في الربح وتركهم القرض وصنائع المعروف ولما في ذلك من الفساد والظلم وفناء الأموال» ().

وسأل هشام بن الحكم أبا عبد الله عليه السلام عن علة تحريم الربا؟ فقال: «إنه لو كان الربا حلالا لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه فحرم الله الربا ليفر الناس من الحرام إلي الحلال وإلي التجارات وإلي البيع والشراء فيبقي ذلك بينهم في القرض» ().

وعن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: إني سمعت الله يقول: ?يمحق الله الربا ويربي الصدقات? () وقد أري من يأكل الربا يربو ماله؟ فقال: «أي محق أمحق من درهم ربا يمحق الدين وإن تاب منه ذهب ماله وافتقر» ().

وقال أبو عبد الله عليه

السلام: «درهم واحد ربا أعظم من عشرين زنيةً كلها بذات محرم» ().

تعاطي الربا

مسألة: يحرم إعطاء الربا كما يحرم أخذه.

عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهده فيه سواء» ().

وعن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: «لعن رسول الله صلي الله عليه و اله الربا وآكله وبائعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه» ().

وعن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في مناهي النبي صلي الله عليه و اله: «أنه نهي عن أكل الربا وشهادة الزور وكتابة الربا وقال إن الله عزوجل لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه» ().

وفي تفسير القمي: أنه لما أنزل الله ?الذين يأكلون الربا? () الآية فقام خالد بن الوليد إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: يا رسول الله ربا أبي في ثقيف وقد أوصاني عند موته بأخذه، فأنزل الله تعالي: ?يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ? فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله?() قال: «من أخذ الربا وجب عليه القتل وكل من أربي وجب عليه القتل» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «ما خلق الله حلالا ولا حراما إلا وله حدود كحدود الدار فما كان من حدود الدار فهو من الدار، حتي أرش الخدش فما سواه، والجلدة ونصف الجلدة، وإن رجلا أربي دهرا من الدهر فخرج قاصدا أبا جعفر عليه السلام فسأله عن ذلك فقال له مخرجك من كتاب الله يقول الله: ?فمن جاءه موعظة من ربه فانتهي فله ما سلف? () والموعظة هي التوبة فجهله بتحريمه ثم معرفته به فما مضي فحلال وما بقي فليحفظ» ().

استحباب الإقراض

استحباب الإقراض

مسألة: يستحب إعطاء القرض لمن يطلب القرض وثوابه يفوق ثواب الصدقة، فان الصدقة بعشرة،

والقرض بثمانية عشر.

عن النبي صلي الله عليه و اله: «من أقرض مؤمناً قرضاً ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة، وكان هو في صلاة مع الملائكة حتي يؤديه» () «وان رفق به في طلبه تعدي علي الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب، ومن شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه، حرم الله عزوجل عليه الجنة يوم يجزي المحسنين» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «ما من مؤمن أقرض مؤمناً يلتمس به وجه الله إلا حسب الله له أجره بحساب الصدقة حتي يرجع إليه ماله» ().

وقال عليه السلام: «مكتوب علي باب الجنة الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر» ().

وفي رواية أخري: «بخمسة عشر» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قرض المؤمن غنيمة وتعجيل خير، إن أيسر أداه وإن مات احتسب من الزكاة» ().

وعن عقبة بن خالد قال: دخلت أنا والمعلي وعثمان بن عمران علي أبي عبد الله عليه السلام فلما رآنا قال: «مرحباً مرحباً بكم وجوه تحبنا ونحبها جعلكم الله معنا في الدنيا والآخرة».

فقال له عثمان: جعلت فداك.

فقال له أبو عبد الله عليه السلام: «نعم مه».

قال: إني رجل موسر.

فقال له: «بارك الله لك في يسارك».

قال: ويجيء الرجل فيسألني الشيء وليس هو إبان زكاتي.

فقال له أبو عبد الله عليه السلام: «القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشرة وما ذا عليك إذا كنت كما تقول موسراً أعطيته فإذا كان إبان زكاتك احتسبت بها من الزكاة، يا عثمان لا ترده فإن رده عند الله عظيم، يا عثمان إنك لو علمت ما منزلة المؤمن من ربه ما توانيت في حاجته، ومن أدخل علي مؤمن سروراً فقد أدخل علي رسول الله صلي الله عليه و اله وقضاء حاجة المؤمن يدفع الجنون

والجذام والبرص» ().

الشرط في القرض

مسألة: يحرم القرض الربوي وكذا كل شرط يجرّ نفعاً إلي المقرض، سواء كان الشرط يرتبط بالمال والمتاع، أو بالعمل والخدمات، نعم إذا أحب أن يعطيه الزائد من دون شرط فلا بأس. ومن أخذ قرضاً ربوياً لم يملكه ولم يجز له التصرف فيه.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «الربا رباءان، أحدهما ربا حلال والآخر حرام، فأما الحلال فهو أن يقرض الرجل قرضاً طمعاً أن يزيده ويعوضه بأكثر مما أخذه بلا شرط بينهما، فإن أعطاه أكثر مما أخذه بلا شرط بينهما فهو مباح له وليس له عند الله ثواب فيما أقرضه، وهو قوله عزوجل: ?فلا يربوا عند الله? ()، وأما الربا الحرام فهو الرجل يقرض قرضاً ويشترط أن يرد أكثر مما أخذه فهذا هو الحرام» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: «لا بأس أن يقرض الرجل الدراهم ويأخذ أجود منهما إذا لم يكن بينهما شرط» ().

وقال الصادق عليه السلام في قوله تعالي: ?لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف? ()، قال: «يعني بالمعروف القرض وإنما حرم الربا ليتقارض الناس» ().

الاشتغال في المعاملات الربوية

الاشتغال في المعاملات الربوية

مسألة: يحرم الاشتغال بالمعاملات الربوية، ويحرم الأجرة عليها.

عن سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام قال: «أخبث المكاسب كسب الربا» ().

وروي عن عمر بن يزيد بياع السابري قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك إن الناس يزعمون أن الربح علي المضطر حرام وهو من الربا، فقال: «وهل رأيت أحداً اشتري غنياً أو فقيراً إلا من ضرورة، يا عمر قد أحل الله البيع وحرم الربا فاربح ولا تربه» قلت: وما الربا؟ قال: «دراهم بدراهم مثلان بمثل» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي

الله عليه و اله: لما أسري بي إلي السماء رأيت قوما يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه، فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال: هؤلاء ?الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس? () وإذا هم بسبيل آل فرعون يعرضون علي النار ?غدوا وعشيا?() يقولون ربنا متي تقوم الساعة» ().

إذا تأخر الدين

مسألة: يحرم أخذ الزيادة مقابل التأخير الحاصل في تسديد الديون وأداء القروض، فإنها من الربا.

عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: «الكبائر سبعة، منها قتل النفس متعمداً، والشرك بالله العظيم، وقذف المحصنة، وأكل الربا بعد البينة» ().

وقال أمير المؤمنين صلي الله عليه و اله: «لعن رسول الله صلي الله عليه و اله الربا وآكله ومؤكله وبائعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه» ().

وفي الحديث: «إن علياً عليه السلام أتي بآكل الربا فاستتابه فتاب ثم خلي سبيله، ثم قال: يستتاب آكل الربا من الربا كما يستتاب من الشرك» ().

إنظار المعسر

مسألة: يجب إمهال المقترض إذا لم يكن عنده ما يدفع به قرضه علي تفصيل مذكور في الفقه، ولم يجز أن يشدد عليه ناهيك عن توقيفه أو سجنه أو نحو ذلك.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من أراد أن يظله الله يوم لا ظل إلا ظله، قالها ثلاثاً فهابه الناس أن يسألوه، فقال: فلينظر معسراً أو ليدع له من حقه» ().

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن رسول الله صلي الله عليه و اله قال في يوم حار وحنا كفه: من أحب أن يستظل من فور جهنم، قالها ثلاث مرات فقال الناس في كل مرة: نحن يا رسول الله، فقال: من أنظر غريماً أو ترك المعسر»، ثم قال لي أبو عبد الله عليه السلام: «قال عبد الله بن كعب بن مالك: إن أبي أخبرني أنه لزم غريماً له في المسجد فأقبل رسول الله صلي الله عليه و اله فدخل بيته ونحن جالسان ثم خرج في الهاجرة فكشف رسول الله صلي الله عليه و اله ستره فقال: يا

كعب ما زلتما جالسين، قال: نعم بأبي وأمي، قال: فأشار رسول الله صلي الله عليه و اله بكفه خذ النصف، قال: فقلت بأبي وأمي، ثم قال: أتبعه ببقية حقك، قال فأخذت النصف ووضعت له النصف» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «صعد رسول الله صلي الله عليه و اله المنبر ذات يوم فحمد الله وأثني عليه وصلي علي أنبيائه (صلي الله عليهم) ثم قال: أيها الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب، من أنظر معسراً كان له علي الله عزوجل في كل يوم صدقة بمثل ماله حتي يستوفيه، وقال أبو عبد الله عليه السلام: ?وإن كان ذو عسرة فنظرة إلي ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون?() أنه معسر فتصدقوا عليه بمالكم فهو خير لكم» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «خلوا سبيل المعسر كما خلاه الله عزوجل» ().

وقال أبو جعفر عليه السلام: «من أقرض قرضاً إلي ميسرة كان ماله في زكاة وكان هو في صلاة من الملائكة حتي يقبضه» ().

عن أبي عبد الله عليه السلام في وصية طويلة كتبها إلي أصحابه قال: «وإياكم وإعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بشي ء يكون لكم قبله وهو معسر، فإن أبانا رسول الله صلي الله عليه و اله كان يقول ليس لمسلم أن يعسر مسلماً ومن أنظر معسراً أظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله» ().

وعن عبد الله بن سنان قال: قال النبي صلي الله عليه و اله: «ألف درهم أقرضها مرتين أحب إليّ من أن أتصدق بها مرةً وكما لا يحل لغريمك أن يمطلك وهو موسر فكذلك لا يحل لك أن تعسره إذا علمت أنه معسر» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «يبعث يوم

القيامة قوم تحت ظل العرش وجوههم من نور ورياشهم من نور جلوس علي كراسي من نور فتشرف لهم الخلائق فيقولون: هؤلاء الأنبياء فينادي منادٍ من تحت العرش أن ليس هؤلاء بأنبياء، قال: فيقولون: هؤلاء شهداء، فينادي منادٍ من تحت العرش ليس هؤلاء بشهداء ولكن هؤلاء قوم كانوا ييسرون علي المؤمنين وينظرون المعسر حتي ييسر» ().

وعن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل لي عليه مال فغاب عني زماناً فرأيته يطوف حول الكعبة فأتقاضاه؟ قال: قال: «لا تسلم عليه ولا تروعه حتي يخرج من الحرم» ().

وعن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنه ذكر لنا أن رجلا من الأنصار مات وعليه ديناران ديناً فلم يصل عليه النبي صلي الله عليه و اله وقال: «صلوا علي أخيكم» حتي ضمنهما عنه بعض قراباته، فقال أبو عبد الله عليه السلام: «ذاك الحق» ثم قال: «إن رسول الله صلي الله عليه و اله إنما فعل ذلك ليتعظوا وليرد بعضهم علي بعض ولئلا يستخفوا بالدين وقد مات رسول الله صلي الله عليه و اله وعليه دين، وقتل أمير المؤمنين عليه السلام وعليه دين، ومات الحسن عليه السلام وعليه دين، وقتل الحسين عليه السلام وعليه دين» ().

وفي فقه الرضا عليه السلام: «اعلم أنه من استدان دينا ونوي قضاءه فهو في أمان الله حتي يقضيه، فإن لم ينو قضاءه فهو سارق، فاتق الله وأد إلي من له عليك، وارفق بمن لك عليه حتي تأخذه منه في عفاف وكفاف، فإن كان غريمك معسرا وكان أنفق ما أخذ منك في طاعة الله فأنظره إلي ميسرة وهو أن يبلغ خبره إلي الإمام فيقضي عنه، أو يجد

الرجل طولا فيقضي دينه، وإن كان ما أنفق ما أخذه منك في معصية الله فطالبه بحقك فليس هو من أهل هذه الآية» ().

مستثنيات الدين

مستثنيات الدين

مسألة: لا يجبر المديون علي بيع مستثنيات الدين وهو مسكنه وأثاث منزله وغير ذلك مما يحتاج إليه، ولا يجب عليه البيع، وأما إذا رضي هو بذلك فباعها وقضي بها دينه فلا بأس.

قال المحقق الأردبيلي: «مستثنيات الدين مثل دست الثوب وبيت السكني وقوت يوم وليلة» ().

والدست من الثياب: «ما يلبسه الإنسان ويكفيه لتردده في حوائجه، وقيل: كلما يلبس من العمامة إلي النعل، والجمع دسوت مثل فلس وفلوس» ().

وقال المحقق النراقي في المستند: «مستثنيات الدين كفرس ركوبه وثياب بدنه ونحوهما» ().

وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: «لا تباع الدار ولا الجارية في الدين، وذلك لأنه لابد للرجل المسلم من ظل يسكنه وخادم يخدمه» ().

وعن عثمان بن زياد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن لي علي رجل ديناً وقد أراد أن يبيع داره فيقضيني؟ قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: «أعيذك بالله أن تخرجه من ظل رأسه» ().

وعن بريد العجلي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن عليّ ديناً لأيتام وأخاف إن بعت ضيعتي بقيت و ما لي شيء، قال: «لا تبع ضيعتك و لكن أعط بعضاً و أمسك بعضاً» ().

وجاء في تفسير القمي: دخل رجل علي أبي عبد الله فقال أبو عبد الله عليه السلام: «ما لفلان يشكوك؟» قال: طالبته بحقي، فقال أبو عبد الله عليه السلام: «وتري أنك إذا استقصيت عليه لم تسئ به أتري الذي حكي الله عزوجل في قوله ?ويخافون سوء الحساب?() أي يجور الله عليهم والله ما خافوا ذلك ولكنهم خافوا الاستقصاء فسماه

الله سوء الحساب» ().

أداء الدين

مسألة: يجب علي المقترض الأداء كلما طالبه المقرض وهو قادر علي القضاء إذا لم يعين للقرض أجل، كما يجب الأداء إذا حل وقت الأداء وهو يتمكن منه، ولو تأخر عصي.

روي: «لا يحل للغريم المطل وهو موسر» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «أول قطرة من دم الشهيد كفارة لذنوبه إلا الدين فإن كفارته قضاؤه» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إياكم والدين فإنه مذلة بالنهار ومهمة بالليل وقضاء في الدنيا وقضاء في الآخرة» ().

وعن محمد بن علي بن الحسين عليه السلام قال: «قال النبي صلي الله عليه و اله: ليس من غريم ينطلق من عند غريمه راضياً إلا صلت عليه دواب الأرض ونون البحر، وليس من غريم ينطلق صاحبه غضبان وهو ملي إلا كتب الله عز وجل بكل يوم يحبسه وليلة ظلماً» ().

الكسب لأداء الدين

مسألة: يجب الاكتساب علي المقترض إذا لم يمكنه تسديد دينه إلا به، وكان قادراً علي الاكتساب.

عن أبي تمامه قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: إني أريد أن ألزم مكة والمدينة وعليّ دين فما تقول، فقال: «ارجع إلي مؤدي دينك وانظر أن تلقي الله عز وجل وليس عليك دين إن المؤمن لا يخون» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله عزوجل إلا الدين لا كفارة له إلا أداؤه أو يقضي صاحبه أو يعفو الذي له الحق» ().

الكسب لنفقة العيال

مسألة: يجب الاكتساب علي من لم يكن له مال، ووجبت عليه نفقة العيال من زوجة وأولاد وأبوين وغيرهم.

عن أبي عبد الله عليه السلام: «إذا كان الرجل معسراً يعمل بقدر ما يقوت به نفسه وأهله ولا يطلب حراماً فهو كالمجاهد في سبيل الله» ().

وقال عليه السلام: «ملعون ملعون من ضيع من يعول» ().

وقال عليه السلام «كفي بالمرء إثماً أن يضيع من يعول» ().

وقال أبو الحسن عليه السلام: «من طلب هذا الرزق من حله ليعود به علي نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله فإن غلب عليه فليستدن علي الله وعلي رسوله صلي الله عليه و اله ما يقوت به عياله» () الحديث.

وقال صلي الله عليه و اله: «الكاد علي عياله كالمجاهد في سبيل الله» ().

وفي حديث آخر عنه صلي الله عليه و اله: «الكاد علي عياله من حلال كالمجاهد في سبيل الله» ().

وقال عليه السلام: «الذي يطلب من فضل الله عزوجل ما يكف به عياله أعظم أجرا من المجاهد في سبيل الله عزوجل» ().

وعن هشام بن المثني قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل ?وآتوا حقه يوم حصاده

ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين? ()، فقال: «كان فلان بن فلان الأنصاري سماه وكان له حرث فكان إذا أخذ يتصدق به فيبقي هو وعياله بغير شيء فجعل الله عز وجل ذلك سرفاً» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: كل معروف صدقة وأفضل الصدقة عن ظهر غني وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلي ولا يلوم الله علي الكفاف» ().

وعن أبي الحسن عليه السلام قال: «ينبغي للرجل أن يوسع علي عياله لئلا يتمنوا موته، وتلا هذه الآية: ?ويطعمون الطعام علي حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً? () قال: الأسير عيال الرجل ينبغي إذا زيد في النعمة أن يزيد أسراءه في السعة عليهم» () الحديث.

وعن علي بن الحسين عليه السلام قال: «أرضاكم عند الله أسبغكم علي عياله» ().

وعن الرضا عليه السلام قال: «صاحب النعمة يجب عليه التوسعة علي عياله» ().

وقال أبو الحسن عليه السلام: «إن عيال الرجل أسراؤه فمن أنعم الله عليه بنعمة فليوسع علي أسرائه فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة» ().

استحباب الكسب والتجارة

مسألة: يستحب الكسب للأمور المستحبة، مثل التوسعة علي الأهل والعيال، ومساعدة الفقراء والمساكين، وتأسيس المؤسسات الخيرية والاجتماعية، وإنشاء المدارس والمعاهد الدينية، ونشر الكتب والمقالات التثقيفية.

وعن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل: ?ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً? ()، قال: «رضوان الله والجنة في الآخرة والسعة في الرزق والمعاش وحسن الخلق في الدنيا» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «نعم العون الدنيا علي الآخرة» ().

وقال عليه السلام: «ليس منا من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه» ().

وروي عن العالم عليه السلام أنه قال: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً

واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «نعم العون علي تقوي الله الغني» ().

وروي عمر بن أذينة عن الصادق عليه السلام أنه قال: «إن الله تبارك وتعالي ليحب الاغتراب في طلب الرزق» ().

وقال عليه السلام: «اشخص يشخص لك الرزق» ().

وروي علي بن عبد العزيز عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: «إني لأحب أن أري الرجل متحرفاً في طلب الرزق إن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: اللهم بارك لأمتي في بكورها» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر إليها فإني سألت ربي عز وجل أن يبارك لأمتي في بكورها» ().

وقال عليه السلام: «إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر إليها وليسرع المشي إليها» ().

آداب البيع والشراء

مسألة: للبيع والشراء آداب مذكورة في الفقه ينبغي مراعاتها، مضافاً إلي إلزاميات المعاملات.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من باع واشتري فليحفظ خمس خصال وإلا فلا يشتر ولا يبع: الربا والحلف وكتمان العيب والحمد إذا باع والذم إذا اشتري» ().

وكان أبو أمامة صاحب رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: «أربع من كن فيه فقد طاب مكسبه، إذا اشتري لم يعب، وإذا باع لم يحمد، ولا يدلس، وفيما بين ذلك لا يحلف» ().

وعن عبد الله بن القاسم الجعفري عن بعض أهل بيته قال: إن رسول الله صلي الله عليه و اله لم يأذن لحكيم بن حزام في تجارته حتي ضمن له: «إقالة النادم وإنظار المعسر وأخذ الحق وافياً وغير واف» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «جاءت زينب العطارة

الحولاء إلي نساء رسول الله صلي الله عليه و اله وبناته وكانت تبيع منهن العطر فدخل رسول الله صلي الله عليه و اله وهي عندهن فقال لها: «إذا أتيتنا طابت بيوتنا» فقالت: بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله، قال: «إذا بعت فأحسني ولا تغشي فإنه أتقي لله وأبقي للمال» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «غبن المسترسل سحت» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «غبن المؤمن حرام» ().

تعلم الأحكام

مسألة: يستحب تعلم كل أحكام التجارة والبيع والشراء، ويجب تعلم أحكام موارد الابتلاء والمقدار المحتاج إليه في تجارته ومعاملاته.

عن الإمام الصادق عليه السلام: «من أراد التجارة فليتفقه في دينه، ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه، ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط في الشبهات» ().

وعنه عليه السلام أيضاً: «التاجر فاجر إلا من أخذ الحق وأعطي الحق» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لا يقعدن في السوق إلا من يعقل الشراء والبيع» ().

وعن الأصبغ بن نباتة قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول علي المنبر: «يا معشر التجار الفقه ثم المتجر، الفقه ثم المتجر، الفقه ثم المتجر، والله للربا في هذه الأمة أخفي من دبيب النمل علي الصفا، شوبوا أيمانكم بالصدق التاجر فاجر والفاجر في النار إلا من أخذ الحق وأعطي الحق» ().

السعر الواحد

السعر الواحد

مسألة: يستحب البيع بسعر واحد، وأن لا يفرق في القيمة بين مشتر وآخر ولا يميّز بينهم.

عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: في رجل عنده بيع فسعره سعراً معلوماً فمن سكت عنه ممن يشتري منه باعه بذلك السعر ومن ماكسه فأبي أن يبتاع منه زاده، قال: «لو كان يزيد الرجلين والثلاثة لم يكن بذلك بأس فأما أن يفعله بمن أبي عليه وكايسه ويمنعه من لم يفعل فلا يعجبني إلا أن يبيعه بيعاً واحداً» ().

سهل البيع والشراء

مسألة: يستحب أن لا يستصعب في قيمة الشيء، وأن يتحلي الإنسان بالسهولة في جميع معاملاته، فيكون سهل البيع والشراء، وسهل القضاء والاقتضاء علي ما في الروايات.

عن أبي عبد الله قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: السماحة من الرباح قال ذلك لرجل يوصيه ومعه سلعة يبيعها» ().

وعن جابر قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلا إذا باع، سهلا إذا اشتري، سهلا إذا قضي، سهلا إذا استقضي» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إن الله تبارك وتعالي يحب العبد يكون سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «بارك الله علي سهل البيع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة عندكم يغتدي كل يوم بكرةً من القصر فيطوف في أسواق الكوفة سوقاً سوقاً ومعه الدرة علي عاتقه وكان لها طرفان وكانت تسمي السبينة فيقف علي أهل كل سوق فينادي: يا معشر التجار اتقوا الله، فإذا سمعوا صوته عليه السلام ألقوا ما بأيديهم وأرعوا إليه بقلوبهم وسمعوا بآذانهم، فيقول عليه

السلام: قدموا الاستخارة وتبركوا بالسهولة واقتربوا من المبتاعين وتزينوا بالحلم وتناهوا عن اليمين وجانبوا الكذب وتجافوا عن الظلم وأنصفوا المظلومين ولا تقربوا الربا وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، فيطوف عليه السلام في جميع أسواق الكوفة ثم يرجع فيقعد للناس» ().

وعن أبي جعفر الفزاري قال: دعا أبو عبد الله عليه السلام مولي له يقال له مصادف، فأعطاه ألف دينار وقال له: «تجهز حتي تخرج إلي مصر، فإن عيالي قد كثروا».

قال: فتجهز بمتاع وخرج مع التجار إلي مصر، فلما دنوا من مصر استقبلتهم قافلة خارجة من مصر فسألوهم عن المتاع الذي معهم ما حاله في المدينة وكان متاع العامة، فأخبروهم أنه ليس بمصر منه شيء فتحالفوا وتعاقدوا علي أن لا ينقصوا متاعهم من ربح الدينار ديناراً، فلما قبضوا أموالهم وانصرفوا إلي المدينة فدخل مصادف علي أبي عبد الله عليه السلام ومعه كيسان في كل واحد ألف دينار فقال: جعلت فداك هذا رأس المال وهذا الآخر ربح.

فقال: «إن هذا الربح كثير ولكن ما صنعته في المتاع؟».

فحدثه كيف صنعوا وكيف تحالفوا.

فقال: «سبحان الله تحلفون علي قوم مسلمين ألا تبيعوهم إلا ربح الدينار ديناراً، ثم أخذ أحد الكيسين فقال: هذا رأس مالي ولا حاجة لنا في هذا الربح» ثم قال: «يا مصادف مجادلة السيوف أهون من طلب الحلال» ().

خذ ناقصاً وأعط زائداً

مسألة: يستحب للمشتري أن يأخذ ناقصاً ولا يستوفي فوق ما يستحقه عند الاشتراء، وللبايع أن يعطي زائداً، بأن يوفي فوق ما يجب عليه أداؤه عند البيع.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «مر أمير المؤمنين عليه السلام علي جارية قد اشترت لحماً من قصاب وهي تقول زدني، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: زدها

فإنه أعظم للبركة» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لا يكون الوفاء حتي يميل الميزان» ().

وفي رواية أخري: «لا يكون الوفاء حتي يرجح» ().

إقالة النادم

مسألة: يستحب إقالة النادم في البيع والشراء، فيقبل فسخ المعاملة إذا أراد أحدهما الفسخ.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «أيما مسلم أقال مسلماً بيع ندامة أقاله الله عز وجل عثرته يوم القيامة» ().

وقال عليه السلام: «أيما عبد أقال مسلماً في بيع أقاله الله تعالي عثرته يوم القيامة» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «أربعة ينظر الله عزوجل إليهم يوم القيامة من أقال نادماً أو أغاث لهفان أو أعتق نسمةً أو زوج عزباً» ().

وعن عبد الله بن القاسم الجعفري عن بعض أهل بيته قال: قال: إن رسول الله صلي الله عليه و اله لم يأذن لحكيم بن حزام في تجارته حتي ضمن له إقالة النادم وإنظار المعسر وأخذ الحق وافياً وغير واف().

المعاملات والمكاسب المكروهة

بيع العقار

مسألة: يكره بيع العقار.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لما دخل النبي صلي الله عليه و اله المدينة خط دورها برجله ثم قال: اللهم من باع رباعه فلا تبارك له» ().

وعن أبان بن عثمان قال: دعاني أبو جعفر عليه السلام فقال: «باع فلان أرضه» قلت: نعم، قال: «مكتوب في التوراة أن من باع أرضاً أو ماءً ولم يضع ثمنه في أرض وماء ذهب ثمنه محقاً» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «مشتري العقدة مرزوق وبائعها ممحوق» ().

وعن أبي إبراهيم عليه السلام قال: «ثمن العقار ممحوق إلا أن يجعل في عقار مثله» ().

بيع الأكفان

مسألة: يكره بيع الأكفان.

عن إسحاق بن عمار قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام فخبرته أنه ولد لي غلام، قال: «أ لا سميته محمداً» قال: قلت: قد فعلت، قال: «فلا تضرب محمداً ولا تشتمه، جعله الله قرة عين لك في حياتك وخلف صدق بعدك» قلت: جعلت فداك في أي الأعمال أضعه؟ قال: «إذا عدلته عن خمسة أشياء فضعه حيث شئت، لا تسلمه صيرفياً فإن الصيرفي لا يسلم من الربا، ولا تسلمه بياع الأكفان فإن صاحب الأكفان يسره الوباء إذا كان، ولا تسلمه بياع طعام فإنه لايسلم من الاحتكار، ولا تسلمه جزاراً فإن الجزار تسلب منه الرحمة، ولاتسلمه نخاساً فإن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: شر الناس من باع الناس» ().

وعن أبي الحسن عليه السلام قال: «جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه و اله فقال: يا رسول الله قد علمت ابني هذا الكتابة ففي أي شيء أسلمه؟ فقال: أسلمه لله أبوك ولا تسلمه في خمس، لا تسلمه سباءً ولا صائغاً ولا قصاباً ولا حناطاً ولا نخاساً، قال:

فقال: يا رسول الله صلي الله عليه و اله ومن السباء؟ قال: الذي يبيع الأكفان ويتمني موت أمتي، وللمولود من أمتي أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس، وأما الصائغ فإنه يعالج زين أمتي، وأما القصاب فإنه يذبح حتي تذهب الرحمة من قلبه، وأما الحناط فإنه يحتكر الطعام علي أمتي، ولأن يلقي الله العبد سارقاً أحب إلي من أن يلقاه قد احتكر طعاماً أربعين يوماً، وأما النخاس فإنه أتاني جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد صلي الله عليه و اله إن شرار أمتك الذين يبيعون الناس» ().

احتراف القصابة

مسألة: يكره احتراف القصابة.

عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: إني أعطيت خالتي غلاماً ونهيتها أن تجعله حجاماً أو قصاباً أو صائغاً» ().

وفي الحديث المروي عن أبي عبد الله عليه السلام: «فإن الجزار تسلب منه الرحمة» ().

بيع الطعام

مسألة: يكره الاشتغال ببيع الحبوب من مثل القمح والشعير وما شابه ذلك.

حيث قال عليه السلام: «إنه لا يسلم من الاحتكار» ().

وقال عليه السلام: «وأما الحناط فإنه يحتكر الطعام علي أمتي، ولأن يلقي الله العبد سارقاً أحب إلي من أن يلقاه قد احتكر الطعام أربعين يوماً» ().

معاملة الأرذال والدون

معاملة الأرذال والدون

مسألة: يكره التعامل مع الأراذل والدون.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من علامات الإدبار مقارنة الأرذال» ().

وقال عليه السلام: «إياك ومعاشرة الأشرار فإنهم كالنار مباشرتها تحرق» ().

وقال عليه السلام: «لا يأمن مجالسو الأشرار غوائل البلاء» ().

وقال عليه السلام: «ينبغي لمن عرف الأشرار أن يعتزلهم» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لا تخالطوا ولا تعاملوا إلا من نشأ في الخير» ().

التعامل بين الطلوعين

مسألة: يكره التعامل بين الطلوعين: طلوع الفجر وطلوع الشمس.

عن علي بن أسباط رفعه قال: نهي رسول الله صلي الله عليه و اله عن السوم ما بين طلوع الفجر إلي طلوع الشمس ().

وعن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «لجلوس الرجل في دبر صلاة الفجر إلي طلوع الشمس أنفذ في طلب الرزق من ركوب البحر» فقلت: يكون للرجل الحاجة يخاف فوتها، فقال: «يدلج فيها وليذكر الله عزوجل فإنه في تعقيب ما دام علي وضوئه» ().

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من جلس في مصلاه من صلاة الفجر إلي طلوع الشمس ستره الله من النار» ().

الدخول في سوم الغير

مسألة: يكره الدخول في سوم الآخرين، يعني: التدخل في معاملة متبايعين لشراء ما يشريه الآخر.

وفي حديث المناهي: «ونهي أن يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم» ().

قال صلي الله عليه و اله: «لا يبيع أحدكم علي بيع بعض، ولا يخطب علي خطبته» ().

المعاملات المحرمة

مسألة: هناك أشياء يحرم التكسب بها، والتعامل فيها.

عن داود الصرمي قال: قال أبو الحسن عليه السلام: «يا داود إن الحرام لا ينمي، وإن نمي لا يبارك له فيه، وما أنفقه لم يؤجر عليه وما خلفه كان زاده إلي النار» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إن أخوف ما أخاف علي أمتي هذه المكاسب الحرام والشهوة الخفية والربا» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا اكتسب الرجل مالاً من غير حله ثم حج فلبي نودي لا لبيك ولا سعديك، وإن كان من حله فلبي نودي لبيك وسعديك» ().

وقال عليه السلام: «كسب الحرام يبين في الذرية» ().

ومن توقيعه عليه السلام: «لا خير في شيء أصله حرام ولا يحل استعماله» ().

الأعيان النجسة

مسألة: يحرم بيع وشراء الأعيان النجسة، كالخمر والخنزير، والدم والكلب، نعم ما كان منها فيه منفعة عقلائية محللة، كالدم لأجل إسعاف المرضي، أو الكلب المعلّم لغرض الحراسة وما أشبه فجائز.

علماً بأن ما ذكرناه هو حكم المسلمين، أما غيرهم فيعامل معهم حسب قانون الإلزام علي ما فصلناه في «الفقه» ().

في حديث المناهي عن أمير المؤمنين قال: «ونهي رسول الله صلي الله عليه و اله … عن بيع النرد ونهي أن يشتري الخمر وأن يسقي الخمر» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «لعن الله الخمر وغارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها وحاملها والمحمولة إليه» ().

وقال عليه السلام: «من شربها لم يقبل الله له صلاةً أربعين يوماً فإن مات وفي بطنه شي ء من ذلك كان حقاً علي الله عزوجل أن يسقيه من طينة خبال وهي صديد أهل النار وما يخرج من فروج الزناة فيجتمع ذلك في قدور جهنم فيشربه

أهل النار فيصهر به ما في بطونهم والجلود» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ثمن العذرة من السحت» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «السحت أنواع كثيرة منها… أجر الزانية وثمن الخمر» ().

وعن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: وسألته عن الماشية تكون للرجل فيموت بعضها يصلح له بيع جلودها ودباغها ولبسها، قال: «لا وإن لبسها فلا يصلي فيها» ().

المسكرات والمخدرات

المسكرات والمخدرات

مسألة: يحرم بيع وشراء المسكر مطلقاً، كما يحرم المخدّر في الجملة، والتعامل بها باطل.

عن كليب الصيداوي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «خطب رسول الله صلي الله عليه و اله فقال في خطبته: كل مسكر حرام» ().

وعن أبي الربيع الشامي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «إن الله حرم الخمر بعينها فقليلها وكثيرها حرام كما حرم الميتة والدم ولحم الخنزير وحرم رسول الله صلي الله عليه و اله الشراب من كل مسكر وما حرمه رسول الله صلي الله عليه و اله فقد حرمه الله عزوجل» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: كل مسكر حرام وكل مسكر خمر» ().

من المكاسب المحرمة

مسألة: يحرم التكسب بفتح المواخير، ونوادي العراة، ومحلات الشذوذ الجنسي والحانات والمقامر، كما يحرم علي الحكام السماح بفتحها.

المشاركة في الحرام

المشاركة في الحرام

مسألة: يحرم دفع المال من أجل المشاركة في المحلات المذكورة، كما يحرم الحضور والمشاركة فيها أيضاً، والأجرة المأخوذة منها لا يمتلكها الآخذ وعليه أن يردّها إلي أصحابها.

الفساد والإفساد

مسألة: يحرم استخدام البنات، أو الأمرد الجميل من الأولاد، لأجل جلب المشتري، أو ترويج البضاعة، أو ما أشبه ذلك مما يؤدي إلي الفساد والإفساد فإنها تنزل بالإنسان عن قيمته الإنسانية إلي مستوي البضاعة والمادة.

مؤسسات إشاعة المنكر

مؤسسات إشاعة المنكر

مسألة: يحرم إحداث مؤسسات وشركات اقتصادية وغير اقتصادية، تعمل علي إشاعة المنكرات والفواحش، أو الخلاعة والميوعة، أو ترويج العقائد الباطلة والثقافات غير الإسلامية، أو التجسس علي المسلمين، أو لبسط نفوذ غير المسلمين علي المسلمين، أو علي أموالهم وثرواتهم، أو علي أنفسهم وأعراضهم، أو غير ذلك من أشكال الهيمنة.

مسألة: يحرم الانتماء أو العمل في مثل هذه المؤسسات والشركات المزبورة، كما يحرم أخذ الأجرة والمال وكذلك صرف المال فيها.

مسألة: يحرم التعامل مع هذه الشركات والمؤسسات التي مر ذكرها، ويجب مقاطعتها والعمل علي إزالتها.

مسألة: يحرم تأسيس وتمويل وكالة العهر والفجور، ووكالة الفساد والشذوذ الجنسي، وكل عمل في هذا الطريق فهو محرم، ولو كان العامل كاتباً، أو ما أشبه ذلك.

نشر الفواحش وكتب الضلال

مسألة: يحرم شراء واستخدام الأفراد والأحزاب والمنظمات، والصحف والمجلات، والمؤسسات والشركات، ومحطات البث والإعلام وغير ذلك، لنشر المنكرات والفواحش، ومحاربة الدين والمذهب الصحيح، وتخريب الفكر والعقائد الحقّة، وإيجاد الشكوك والشبهات في الأذهان.

مسألة: يحرم بيع وشراء كتب الضلال والبدعة، ومجلات الخلاعة، وأفلامها، وأشرطة الغناء والموسيقي، وثمنه حرام أيضاً.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلموا من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: «لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم، قال رسول الله صلي الله عليه و اله: المرء علي دين خليله وقرينه» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لا ينبغي للمسلم أن يواخي الفاجر ولا الأحمق ولا

الكذاب» ().

إنتاج وبيع وسائل التعذيب

مسألة: يحرم إنتاج وصنع وسائل التعذيب، ويحرم الاشتغال فيها، وأخذ الأجرة عليها، ويحرم أيضاً بيع وشراء وسائلها، كما يحرم استخدامها وممارستها في حق الآخرين.

تجارة أدوات التجسس

مسألة: يحرم شراء ما يستخدم في التجسس علي الناس، أو بث الخوف والرعب بينهم، أو استعمال العنف والإرهاب ضدهم، أو القيام بالأعمال الإرهابية والإجرامية، أو ما أشبه ذلك ضد الناس الآمنين.

مسألة: يحرم الانتماء إلي المؤسسات التجسسية والإرهابية المذكورة في المسألة السابقة، ولا يجوز العمل فيها، كما يحرم الأجر الذي يتقاضاه العامل منها، أو يصرفه الباذل عليها.

قصد الحرام

مسألة: يحرم بيع وشراء ما يمكن الاستفادة منه في الحلال بقصد استخدامه في الحرام، كالعنب بقصد صنعه خمراً، والخشب بقصد صنعه صنماً.

عن عمرو بن حريث قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التوت أبيعه يصنع للصليب والصنم؟ قال: «لا» ().

وعن عمر بن أذينة قال: كتبت إلي أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلباناً؟ فقال: «لا» ().

إنتاج الحرام

مسألة: يحرم إنتاج المسكرات والمخدرات، والاشتغال في إنتاجها، وجميع أنواع التقلب فيها من نقلها وانتقالها، وحملها وجلبها، وكل الوسائط العاملة من زرعها بقصد الحرام إلي من يوصلها بيد مستهلكها، وحتي مستهلكها نفسه، وذلك للويلات التي تجره المسكرات والمخدرات علي الفرد والمجتمع.

عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لعن رسول الله صلي الله عليه و اله في الخمر عشرة: غارسها وحارسها وبائعها ومشتريها وشاربها والآكل ثمنها وعاصرها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: إن الخمر رأس كل إثم» ().

وعن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «حرم الله الخمرة قليلها وكثيرها كما حرم الميتة والدم ولحم الخنزير وحرم النبي صلي الله عليه و اله من الأشربة المسكر وما حرم النبي صلي الله عليه و اله فقد حرمه الله عز

وجل وقال: ما أسكر كثيره فقليله حرام» ().

آلات اللهو

مسألة: يحرم إنتاج كل ما لا يستفاد منه إلا في الحرام والاشتغال في إنتاجه، وكذلك التعامل عليه، مثل آلات القمار، وآلات اللهو والغناء.

عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: «من كسر بربطاً أو لعبةً من اللعب أو بعض الملاهي أو خرق زق مسكر أو خمر فقد أحسن ولا غرم عليه» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «استماع الغناء واللهو ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع» ().

وعن أبي الحسن عليه السلام قال: «النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة وكل ما قومر عليه فهو ميسر» ().

وعن زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: ?فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور?() فقال: «الرجس من الأوثان الشطرنج وقول الزور الغناء» ().

الأسلحة الفتاكة

مسألة: يحرم إنتاج واستخدام كل ما لا يستفاد منه إلا في مضارة الإنسان ضرراً بالغاً من تخريب بيئته، أو هدم حياته، أو تنغيص سعادته، أو القضاء عليه، مثل الأسلحة الفتاكة، والمواد الجرثومية، والغازات السامة، وما أشبه ذلك مما تنحصر فائدته في تدمير حياة الإنسان والقضاء عليه.

بل يلزم أن يهتم جماعة من العقلاء لإفناء الأسلحة النارية حتي البندقية، وإرجاع الأمر إلي وسائل الحروب البدائية كالرمح والسيف والخنجر والسهم، فإنها توجب العدالة في الحرب، كما ورد في الحديث أن الإمام المهدي عليه السلام يقوم بالسيف، فكما قام جماعة من العقلاء بتحريم القنبلة الذرية ونحوها، يلزم منع الأسلحة النارية أيضاً ولا فرق بين الأمرين، وإلا فلا حد يقف لتطوير السلاح والشيء الضار فيه.

عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: نهي رسول الله صلي الله عليه و اله أن يلقي السم في بلاد المشركين» ().

لا للغصب

مسألة: يحرم غصب ومصادرة كل مال محترم لإنسان محترم، منقولاً كان أو غير منقول، ويجب ردّه علي صاحبه فوراً. ولا يجوز بيع وشراء المغصوب والمسروق وما أشبه ذلك.

عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلي الله عليه و اله في حديث المناهي قال: «من خان جاره شبراً من الأرض جعله الله طوقاً في عنقه من تخوم الأرضين السابعة حتي يلقي الله يوم القيامة مطوقاً إلا أن يتوب ويرجع» ().

وعن صاحب الزمان عليه السلام قال: «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «الحجر الغصيب() في الدار رهن علي خرابها» ().

وعن محمد بن يحيي قال: كتب محمد بن الحسن إلي أبي محمد عليه السلام: رجل اشتري من رجل

ضيعةً أو خادماً بمال أخذه من قطع الطريق أو من سرقة هل يحل له ما يدخل عليه من ثمرة هذه الضيعة أو يحل له أن يطأ هذا الفرج الذي اشتراه من السرقة أو من قطع الطريق؟ فوقع عليه السلام: «لا خير في شي ء أصله حرام ولايحل استعماله» ().

وعن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن أخذ أرضاً بغير حقها وبني فيها؟ قال: «يرفع بناءه ويسلم التربة إلي صاحبها ليس لعرق ظالم حق» ثم قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من أخذ أرضاً بغير حق كلف أن يحمل ترابها إلي المحشر» ().

وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل اكتري داراً وفيها بستان فزرع في البستان وغرس نخلا وأشجاراً وفاكهة وغيرها ولم يستأمر في ذلك صاحب الدار؟ قال: «عليه الكري ويقوم صاحب الدار الغرس والزرع فيعطيه الغارس إن كان استأمره في ذلك وإن لم يكن استأمره فعليه الكري وله الغرس والزرع يقلعه ويذهب به حيث شاء» ().

ما لا مالية له

مسألة: بيع وشراء ما لا مالية له عرفاً كالحشرات والديدان إذا لم تكن لفائدة عقلائية باطل، ومع الفائدة جائز. قال صاحب الشرائع في كتاب التجارة():

«فيما يكتسب به وهو ينقسم إلي: محرم ومكروه ومباح، فالمحرم منه أنواع، إلي أن قال: الثالث: ما لا ينتفع به كالمسوخ: برية كانت، كالقرد والدب، وفي الفيل تردد، والأشبه جواز بيعه للانتفاع بعظمه.. أو بحرية، كالجري والضفادع والسلاحف والطافي، والسباع كلها إلا الهر، والجوارح: طائرة كانت كالبازي.. أو ماشية كالفهد، وقيل: يجوز بيع السباع كلها، تبعاً للانتفاع بجلدها أو ريشها، وهو الأشبه».

حرمة الغش

مسألة: يحرم الغش بكل أنواعه في المعاملات، والتي منها خلط المتاع بغيره وإخفائه عن المشتري.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ليس منا من غشنا» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله لرجل يبيع التمر: يا فلان أ ما علمت أنه ليس من المسلمين من غشهم» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «مر النبي صلي الله عليه و اله في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما أري طعامك إلا طيباً، وسأله عن سعره فأوحي الله إليه أن يدير يده في الطعام، ففعل، فأخرج طعاماً ردياً فقال: لصاحبه ما أراك إلا وقد جمعت خيانةً وغشاً للمسلمين» ().

بيع المتنجس

مسألة: يحرم بيع الشيء المتنجس إذا كان يستعمل فيما يشترط فيه الطهارة، إلا إذا كان قابلاً للتطهير، وأعلم بنجاسته المشتري.

عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: وسألته عن حب دهن ماتت فيه فأرة، قال: «لا تدهن به ولا تبعه من مسلم» ().

القمار

مسألة: يحرم الاشتغال بالقمار، وبما يختص به من المعاملات.

في مناهي النبي صلي الله عليه و اله: «أنه نهي عن النرد و الشطرنج و نهي عن بيع النرد و الشطرنج و قال من فعل ذلك فهو كأكل لحم الخنزير» ().

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن لله في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار إلا من أفطر علي مسكر أو مشاحن أو صاحب شاهين» قال: قلت: وأي صاحب شاهين؟ قال: «الشطرنج» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «نهي رسول الله صلي الله عليه و اله أن يسلم علي أربعة، علي السكران في سكره، وعلي من يعمل التماثيل، وعلي من يلعب بالنرد، وعلي من يلعب بالأربعة عشر،

وأنا أزيدكم الخامسة أنهاكم أن تسلموا علي أصحاب الشطرنج» ().

وعن عبد الواحد بن المختار قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن اللعب بالشطرنج؟ فقال: «إن المؤمن لمشغول عن اللعب» ().

وفي تفسير العياشي عن محمد بن علي عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ? () قال: «نهي عن القمار وكانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله فنهاهم الله عن ذلك» ().

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «بيع الشطرنج حرام، وأكل ثمنه سحت، واتخاذها كفر، واللعب بها شرك، والسلام علي اللاهي بها معصية وكبيرة موبقة، والخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير لا صلاة له حتي يغسل يده كما يغسلها من مس لحم الخنزير، والناظر إليها كالناظر في فرج أمه، واللاهي بها والناظر إليها في حال ما يلهي بها، والسلام علي اللاهي بها في حالته تلك في الإثم سواء، ومن جلس علي اللعب بها فقد تبوأ مقعده من النار، وكان عيشه ذلك حسرة عليه في القيامة، وإياك ومجالسة اللاهي المغرور بلعبها، فإنه من المجالس التي باء أهلها بسخط من الله يتوقعونه في كل ساعة فيعمك معهم» ().

وعن بعض أصحابنا قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اللعب بالشطرنج؟ فقال: «الشطرنج من الباطل» ().

الوقف

مسألة: يحرم بيع وشراء الموقوفات وأموال الوقف، وإذا تعامل عليها فالمعاملة باطلة، إلا فيما استثناه الفقهاء مما هو مذكور في باب الوقف ().

عن أبي علي بن راشد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام قلت: جعلت فداك اشتريت أرضاً إلي جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفرت المال خبرت أن الأرض وقف؟ فقال: «لا يجوز شراء الوقف ولا تدخل الغلة

في مالك ادفعها إلي من أوقفت عليه» قلت: لا أعرف لها رباً؟ قال: «تصدق بغلتها» ().

وعن أبان عن عجلان أبي صالح قال: أملي أبو عبد الله عليه السلام: «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به فلان بن فلان وهو حي سوي بداره التي في بني فلان بحدودها صدقةً لا تباع ولا توهب حتي يرثها وارث السماوات والأرض وإنه قد أسكن صدقته هذه فلاناً وعقبه فإذا انقرضوا فهي علي ذوي الحاجة من المسلمين» ().

وعن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «تصدق أمير المؤمنين عليه السلام بدار له في بني زريق بالمدينة فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب وهو حي سوي تصدق بداره التي في بني زريق صدقةً لا تباع ولا توهب حتي يرثها الله الذي يرث السماوات والأرض وأسكن هذه الصدقة فلاناً ما عاش وعاش عقبه فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين» ().

الإسراف والتبذير

مسألة: يحرم الإسراف والتبذير، كما يحرم إتلاف المواد الغذائية وغيرها في البحر أو غير ذلك لتقليل العرض وازدياد الطلب مما يرفع أسعارها مثلا.

عن سليمان بن صالح قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أدني ما يجيء من حد الإسراف؟ فقال: «ابتذالك ثوب صونك وإهراقك فضل إنائك وأكلك التمر ورميك النوي هاهنا وهاهنا» ().

وعن عمار أبي عاصم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «أربعة لا يستجاب لهم، أحدهم كان له مال فأفسده فيقول يا رب ارزقني، فيقول: ألم آمرك بالاقتصاد» ().

وقال عليه السلام: «من لم يحسن الاقتصاد أهلكه الإسراف» ().

وعن علي بن جذاعة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «اتق الله ولاتسرف ولا تقتر وكن بين ذلك

قواماً إن التبذير من الإسراف، وقال الله تعالي ?ولا تبذر تبذيراً?() إن الله لا يعذب علي القصد» ().

وقال عليه السلام: «إذا أراد الله بعبد خيراً ألهمه الاقتصاد وحسن التدبير وجنبه سوء التدبير والإسراف» ().

وقال عليه السلام: «حلوا أنفسكم بالعفاف وتجنبوا التبذير والإسراف» ().

وقال عليه السلام: «سبب الفقر الإسراف» ().

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «الإسراف مذموم في كل شيء إلا في أفعال البر» ().

وقال عليه السلام: «قلة الأكل من العفاف وكثرته من الإسراف» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «إن مع الإسراف قلة البركة» ().

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «رب فقير هو أسرف من الغني إن الغني ينفق مما أوتي والفقير ينفق من غير ما أوتي» ().

وعن عامر بن جذاعة قال: جاء رجل إلي أبي عبد الله عليه السلام فقال له: يا أبا عبد الله قرض إلي ميسرة، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: «إلي غلة تدرك» فقال الرجل: لا والله، قال: «فإلي تجارة تؤب» قال: لا والله، قال: «فإلي عقدة تباع» فقال: لا والله، فقال أبو عبد الله عليه السلام: «فأنت ممن جعل الله له في أموالنا حقاً» ثم دعا بكيس فيه دراهم فأدخل يده فيه فناوله منه قبضةً، ثم قال له: «اتق الله ولا تسرف ولا تقتر وكن بين ذلك قواماً إن التبذير من الإسراف، قال الله عزوجل: ?ولا تبذر تبذيراً? ()» ().

تقليص الإنتاج

مسألة: يحرم فرض ضرائب وقوانين غير شرعية تسبب تقليص الإنتاج أو فقده، في مجال الإنتاج الزراعي أم الإنتاج الصناعي، كما هو المتعارف في بلادنا.

مسألة: يحرم تنفيذ المخططات والأساليب التي تسبب تقليل الإنتاج أو إفنائه، زراعياً كان أم صناعياً، إذا كان يوجب تضييع الحقوق.

الهيمنة الاقتصادية الظالمة

مسألة: يحرم التخطيط لأجل الهيمنة الاقتصادية الاستعمارية والسيطرة المالية الظالمة مما يضر الآخرين، والمستتبعة للهيمنة السياسية علي المجتمعات والشعوب.

قوانين توجب الفقر

مسألة: يحرم فرض مقررات وقوانين تؤدي إلي افتقار الفرد أو المجتمع، أو تسبب الجهل والحرمان، أو الشقاء والمرض.

لا ضرر ولا ضرار

مسألة: يحرم تخطيط وتنفيذ كل ما يؤدي إلي شيء مما هو يضرّ بالإنسان، أو يخدش كرامته، ولو كان بتقليل شيء من موارده المالية، وتخفيض دخله اليومي.

أكل المال بالباطل

مسألة: يحرم أكل المال بالباطل، كالارتشاء في الحكم، والأموال المصروفة في اليانصيب وغيره من أنواع القمار، والمصروفة لإضلال الناس والإضرار بهم، وما أشبه ذلك مما يعد باطلاً شرعاً.

قال تعالي: ?وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ? ().

وعن يزيد بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سألته عن السحت؟ فقال: الرشا في الحكم» ().

وعن زياد بن عيسي وهو أبو عبيدة الحذاء قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: ?ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل? () فقال: كانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله فنهاهم الله عزوجل عن ذلك» ().

وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر ومهر البغي والرشوة في الحكم وأجر الكاهن» ().

وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لعن رسول الله صلي الله عليه و اله رجلاً ينظر إلي فرج امرأة لا تحل له، ورجلاً خان أخاه في امرأته، ورجلاً يحتاج الناس إلي نفعه فسألهم الرشوة» ().

وروي عن النبي صلي الله عليه و اله: «أن السحت هو الرشوة في الحكم» ().

وعن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «الرشا في الحكم هو الكفر بالله» ().

صرف المال بالباطل

مسألة: يحرم صرف المال في الباطل، كدفع الرشوة إلي الحاكم، فانه

كما يحرم أخذ الرشوة كذلك يحرم إعطاؤها، وهكذا غيرها من موارد الباطل المقررة شرعاً.

الضرائب الوضعية

مسألة: يحرم فرض ضرائب أو رسوم علي العمران وعلي الزراعة، وعلي المهن والحرف، وسائر المكاسب والأعمال.

مسألة: يحرم فرض ضرائب ومكوس علي الصادرات والواردات، وما أشبه ذلك.

تحديد المكاسب

مسألة: يحرم تحديد المكاسب، وتحجيم الأعمال، وفرض جواز عمل وإجازة مهن وحرف وما أشبه ذلك، إلا في إطار ما حدّده الإسلام وعينه.

تسعير البضائع

مسألة: يحرم تسعير البضائع والمواد من قبل الدولة من دون رضا أصحابها، وهكذا تحديد أجور العمل والخدمات وغير ذلك مما ينافي «الناس مسلطون علي أموالهم وأنفسهم» ()، إلا إذا كانت هناك مصلحة أهم حسب تشخيص شوري الفقهاء المراجع مع الأخذ بآراء الأخصائيين الاقتصاديين.

وفي الحديث: إن رسول الله صلي الله عليه و اله أمر المحتكرين أن يخرجوا حكرتهم إلي بطون الأسواق بحيث ينظر الأبصار إليها، فقيل له: لو قومت عليهم، فغضب عليه السلام حتي عرف الغضب في وجهه وقال: «أنا أقوم عليهم إنما السعر إلي الله يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء» ().

الإسلام يعلو ولا يعلي عليه

مسألة: يحرم عقد المعاهدات الاقتصادية وغير الاقتصادية المؤدية إلي هيمنة غير المسلمين علي المسلمين، وكذلك العمل علي تحقيق هذه المعاهدات واستمرارها، وصرف المال فيها، وأخذ الأجرة عليها، وكل أنواع العمل المؤدي إلي دعمها.

منظمات الإرهاب وتمويلها

مسألة: يحرم تأسيس وتمويل منظمات الإرهاب، وعصابات العنف والرعب، وقطاع الطرق والمنازل، واختطاف الطائرات والقاطرات، كما يحرم الانتماء إليها والعمل فيها وأخذ الأجرة منها.

استعباد الفرد والأمة

مسألة: يحرم استعباد الفرد والمجتمع، والشعب والأمة، واستعمارها، وفرض الهيمنة عليها، بأي شكل ونحو كان نعم الرقية حسب الشروط الإسلامية المذكورة في كتاب العتق وما أشبه هي الصحيحة فقط.

استغلال الإنسان

مسألة: يحرم استغلال الإنسان واستغلال طاقاته فيما لم يأمر الله تعالي به، مثلاً: يحرم تجربة الأدوية الطبية علي الإنسان، أو أخذ المال منه بالإكراه، أو إجباره وإكراهه علي عمل ما وإن كان عملاً سائغاً، أو فرض الإقامة الجبرية عليه أو سجنه، أو توقيفه، أو ما شابه ذلك مما يتنافي مع الحرية الإنسانية التي منحها الله تعالي للإنسان.

التلاعب بالأسواق

مسألة: يحرم التلاعب بالأسواق، من رفع الأسعار وتخفيضها، أو احتكار الأمتعة أو تشويهها، أو ما أشبه ذلك مما يضر بعامة الناس.

حصر الامتياز والوكالات

مسألة: إعطاء امتياز شيء ما لفرد خاص، أو شركة خاصة، وحصر البيع والشراء لذلك الشيء إلي ذلك الفرد أو تلك الشركة، إذا كان فيه كبت ومصادرة لحريات الناس وتعد علي حقوق الآخرين فإنه لا يجوز.

لحم الإنسان

مسألة: يحرم حرمة مغلظة أكل لحم الإنسان وشرب دمه، وأكل شيء من أعضائه وأجزائه، حياً كان أو ميتاً، وكذلك يحرم بيع وشراء لحم الإنسان، وتأسيس المؤسسات الخاصة به والتمويل والاتجار والعمل في كل ما يرتبط بذلك.

العولمة وقانون العقوبات

مسألة: قانون العقوبات الإسلامية سواء في الحدود أم التعزيرات أفضل من جميع القوانين العالمية في هذا الباب، ومن حكمة هذه العقوبات نظافة المجتمع من المفاسد.

علماً بأن إجراء الحدود مشروط بعشرات الشروط، مما جعلها متعسرة التطبيق والإجراء عادة، وربما متعذرة في بعض الأحيان، وقد ذكرنا في «الفقه» لحد السرقة أكثر من أربعين شرطا().

ثم إن الإسلام ببرامجه الوقائية قبل العلاجية ضمن سلامة المجتمع من الجرائم، كما يدل عليه التاريخ الإسلامي الطويل، حيث تقلصت الجرائم فيه وانعدمت مما أدي إلي أن يختلف العلماء في تحديد قطع يد السارق.

عن جميل بن دراج عن رجل عن أحدهما عليه السلام: في رجل سرق أو شرب الخمر أو زني فلم يعلم بذلك منه ولم يؤخذ حتي تاب وصلح فقال: «إذا صلح وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحد» قال محمد بن أبي عمير قلت: فإن كان أمراً قريباً لم يقم عليه الحد، قال: «لو كان خمسة أشهر أو أقل منه وقد ظهر أمر جميل لم تقم عليه الحدود» ().

وروي عن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: «من أتي منكم شيئا مما يوجب عليه حدا أو عقابا فليستتر بظل الله عز وجل ويتوب إليه فيما بينه وبينه فإنه أقرب إلي الله عز وجل من إظهاره ما ستر عليه ولا يبد أحدكم صفحته بالذنوب فإنه من أبدي صفحته لإقامة الحد عليه هلك ولم يصبر علي الحق فيه» ().

وعن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد

الله عليه السلام: «إن علياً عليه السلام أتي برجل سرق من بيت المال فقال: لا يقطع فإن له فيه نصيباً» ().

وفي تفسير العياشي: عن زرقان صاحب ابن أبي داود وصديقه بشدة قال: رجع ابن أبي داود ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم فقلت له في ذلك؟

فقال: وددت اليوم أني قد مت منذ عشرين سنة.

قال: قلت له: ولم ذاك؟

قال: لما كان من هذا الأسود أبي جعفر محمد بن علي بن موسي اليوم بين يدي الأمير.

قال: قلت له: وكيف كان ذلك؟

قال: إن سارقا أقر علي نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي عليه السلام، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟

قال: فقلت: من الكرسوع.

قال: وما الحجة في ذلك؟

قال: قلت: لأن اليد هي الأصابع والكف إلي الكرسوع، لقول الله في التيمم ?فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ? () واتفق معي علي ذلك قوم.

وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق.

قال: وما الدليل علي ذلك؟

قالوا: لأن الله لما قال ?وأَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرافِقِ? () في الغسل دل ذلك علي أن حد اليد هو المرفق.

قال: فالتفت إلي محمد بن علي عليه السلام فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟

فقال: «قد تكلم القوم فيه».

قال: دعني مما تكلموا به، أي شيء عندك؟

قال: «أعفني عن هذا».

قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه.

فقال: «أما إذا أقسمت عليّ بالله إني أقول: إنهم أخطئوا فيه السنة فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف».

قال: وما الحجة في ذلك؟

قال: «قول رسول الله صلي الله عليه و اله السجود علي سبعة أعضاء الوجه واليدين والركبتين والرجلين فإذا قطعت يده من الكرسوع أو

المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالي: ?وأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ? () يعني به هذا الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ?فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً?() وما كان لله لم يقطع».

قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف.

قال ابن أبي داود: قامت قيامتي وتمنيت أني لم أك حيا» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «الضيف إذا سرق لم يقطع» ().

وعن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوم اصطحبوا في سفر رفقاء فسرق بعضهم متاع بعض؟ فقال: «هذا خائن لا يقطع، ولكن يتبع بسرقته وخيانته» قيل له: فإن سرق من منزل أبيه؟ فقال: «لا يقطع لأن ابن الرجل لا يحجب عن الدخول إلي منزل أبيه هذا خائن، وكذلك إن سرق من منزل أخيه وأخته إذا كان يدخل عليهم لا يحجبانه عن الدخول» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن العبد إذا أبق من مواليه ثم سرق لم يقطع وهو آبق» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لا يقطع السارق في عام سنة يعني في عام مجاعة» ().

عدم إجراء الحدود في هذا الزمان

مسألة: الظاهر أن في مثل هذا الزمان الذي لم يطبق الإسلام بكامله، لاتجري الحدود علي ما فصلناه في بعض كتبنا، والذي يبدو للنظر وان كان اللازم في هذا الباب الرجوع إلي شوري الفقهاء المراجع أن علي الدولة الإسلامية أن ترجئ العقوبات إلي التأديب بالسجن ونحوه مما يصلح أن يكون رادعا، لعدة سنوات، إلي أن يطبق الإسلام في كافة جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، فان رسول الله صلي الله عليه و اله لم يطبق قانون العقوبات إلا بعد تطبيقه الإسلام في المدينة المنورة كاملاً، وبعد ما قلع أسباب

الفساد وجذوره.

قال تعالي: ?وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ?().

وعن حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام من يقيم الحدود السلطان أو القاضي؟ فقال: «إقامة الحدود إلي من إليه الحكم» ().

لا حد مع الشبهة

مسألة: الحدود تدرأ بالشبهات، وهذا من عظيم اهتمام الإسلام بكرامة الإنسان وشدة حرصه علي إعفائه عن إجراء الحدود، وعدم تطبيق قانون العقوبات عليه، ولذلك جعل الشبهة واحتمالها أية شبهة كانت في حق المتهم، ذريعة إلي رفع الحدّ عنه ووسيلة إلي عفوه عن تنفيذ القانون في حقه.

ولا فرق في الشبهة بين أن تكون موضوعية أو حكمية أو غير ذلك علي ما فصلناه في الفقه.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ادرؤوا الحدود بالشبهات» ().

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: «إذا كان في الحد لعل أو عسي فالحد معطل» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «أتي رجل أمير المؤمنين عليه السلام برجل فقال: هذا قذفني، ولم تكن له بينة، فقال: يا أمير المؤمنين استحلفه، فقال: لا يمين في حد ولا قصاص في عظم» ().

وعن أبي عبد الله البرقي عن بعض أصحابه عن بعض الصادقين عليهم السلام قال: «جاء رجل إلي أمير المؤمنين عليه السلام فأقر بالسرقة، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أتقرأ شيئاً من كتاب الله؟

قال: نعم، سورة البقرة.

قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة» ().

وعن أبي الحسن الثالث عليه السلام في حديث قال: «وأما الرجل الذي اعترف باللواط فإنه لم يقم عليه البينة وإنما تطوع بالإقرار من نفسه وإذا كان للإمام الذي من الله أن يعاقب عن الله كان له أن يمن عن الله، أما سمعت قول الله: ?هذا عطاؤنا فامنن

أو أمسك بغير حساب?()» ().

وعن أبي عبد الله عن أبيه عليه السلام: «أن علياً عليه السلام أتي بالكوفة برجل سرق حماماً فلم يقطعه وقال: لا أقطع في الطير» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل، فإذا آواه المراح أو الحرس فالقطع فيما بلغ ثمن المجن» ().

وروي ابن مسعود: أن النبي صلي الله عليه و اله أتي بجارية قد سرقت فوجدها لم تحض فلم يقطعها().

وروي أن امرأة سرقت حليا فأتي بها النبي صلي الله عليه و اله فقالت: يا رسول الله هل لي من توبة؟ فأنزل الله تعالي: ?فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه?()» ().

وعن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام: «أن رجلا رفع إليه وذكر أنه سرق درعاً وشهد عليه شهود، فجعل الرجل ينشد علياً عليه السلام في البينة ويقول: والله لو جيء بي إلي رسول الله صلي الله عليه و اله ما قطع يدي أبداً.

قال علي عليه السلام: ولم ذلك؟

قال: يخبره ربه عزوجل أني بريء فتنفعني براءتي.

فلما رأي علي عليه السلام مناشدته دعا الشاهدين فناشدهما وقال: إن التوبة قريب فاتقيا الله ولا تقطعا يد الرجل ظلماً، فلم ينكلا.

فقال: يمسك أحدكما يده ويقطع الآخر.

فلما قال ذلك دخلا في غمار الناس فهربا من بين يديه، يعني ولم يتما الشهادة ولم يثبتا.

فقال عليه السلام: من يدلني علي الشاهدين الكاذبين أنكل بهما» ().

وعن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا حد لمن لا حد عليه، يعني لو أن مجنوناً قذف رجلا لم أر عليه شيئاً ولو قذفه رجل فقال له: يا زان، لم يكن عليه

حد» ().

وهكذا لا تجري الحدود إذا كان جاهلاً بالحكم أو الموضوع علي تفصيل مذكور في الفقه()، وذلك لعموم أدلة الرفع وغيرها.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «رفع عن أمتي أربع خصال خطؤها ونسيانها وما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا، وذلك قول الله عزو جل: ?ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته علي الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به?()، وقوله: ?إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان?()» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «وضع عن أمتي تسع خصال: الخطأ والنسيان وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والطيرة والوسوسة في التفكر في الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «بي وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه ولم يطيقوا وما أخطئوا» ().

لا قصاص قبل الجناية

مسألة: لا يجوز القصاص قبل الجناية.

ورد أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لابنه الحسن عليه السلام: «يا بني رأيت كأن جبرئيل عليه السلام قد نزل عن السماء علي جبل أبي قبيس فتناول منه حجرين ومضي بهما إلي الكعبة وتركهما علي ظهرها وضرب أحدهما علي الآخر فصارت كالرميم ثم ذرهما في الريح فما بقي بمكة ولا بالمدينة بيت إلا ودخله من ذلك الرماد؟

فقال له: يا أبت وما تأويلها؟

فقال: يا بني إن صدقت رؤياي فإن أباك مقتول، ولا يبقي بمكة حينئذ ولا بالمدينة بيت إلا ويدخله من ذلك غم

ومصيبة من أجلي.

فقال الحسن عليه السلام: وهل تدري متي يكون ذلك يا أبت؟

قال: يا بني إن الله يقول: ?وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت?()، ولكن عهد إليّ حبيبي رسول الله صلي الله عليه و اله أنه يكون في العشر الأواخر من شهر رمضان يقتلني ابن ملجم المرادي.

فقلت له: يا أبتاه إذا علمت منه ذلك فاقتله.

قال: يا بني لا يجوز القصاص إلا بعد الجناية، والجناية لم تحصل منه، يا بني لو اجتمع الثقلان الإنس والجن علي أن يدفعوا ذلك لما قدروا يا بني ارجع إلي فراشك» ().

العولمة والقضاء

مسألة: القضاء الإسلامي أفضل القضاء وأبسطه وأسرعه، وهذا ليس مجرد إدّعاء، بل قد ثبتت صحته الخارجية منذ تطبيق الحكم الإسلامي، وهو واضح علي من راجع كتاب القضاء من الفقه، أو نظر في قضاء علي أمير المؤمنين عليه السلام، ومن قوانين القضاء في الإسلام حرمة الرشوة، وحتي أخذ الهدية للقاضي في الجملة، ولزوم الدقة في الحكم وأن يحكم بالعدل.

عن ابن عباس: أن النبي صلي الله عليه و اله قال: «إذا جلس القاضي في مجلسه هبط عليه ملكان يسددانه ويرشدانه ويوفقانه فإذا جار يخرجان ويتركانه» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «القضاة ثلاثة، اثنان في النار وواحد في الجنة، رجل علم بالحق وقضي به فهو في الجنة، ورجل قضي علي جهل فهو في النار، ورجل جار في الحكم فهو في النار» ().

وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام ولي أبا الأسود الدؤلي القضاء ثم عزله، فقال له: لم عزلتني وما خنت ولا جنيت؟ فقال عليه السلام: «إني رأيت كلامك يعلو كلام خصمك» ().

وروي أبو مريم عن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: «من ولي

من أمور المؤمنين شيئا واحتجب من دون حاجتهم احتجب الله تعالي دون حاجته وفاقته وفقره» ().

وورد أن رسول الله صلي الله عليه و اله كان يقضي بين الناس في مسجده().

وروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه كان يفعل ذلك في مسجد الكوفة وله به دكة معروفة بدكة القضاء().

وقال صلي الله عليه و اله: «البينة علي المدعي واليمين علي من أنكر» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «علي اليد ما أخذت حتي تؤدي» ().

وقال النبي صلي الله عليه و اله: «أد الأمانة إلي من ائتمنك ولا تخن من خانك» ().

وقال صلي الله عليه و اله لشاهد: «علي مثل الشمس فاشهد وإلا دع» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر ومهر البغي والرشوة في الحكم وأجر الكاهن» ().

العولمة والبيئة

مسألة: اهتم الإسلام بسلامة البيئة علي ما ذكرناه في (فقه البيئة) و(فقه النظافة)، فاللازم علي الحاكم والحكومة قبل كل أحد العمل من أجل تحقيق نظافة البيئة وتأمين سلامتها، كما يلزم علي كل مكلف رعاية ذلك.

كما إنه من المستحب الزرع والزراعة ورعاية المياه وما أشبه()، ومن الواضح تأثيرها علي سلامة البيئة.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام إنه نهي صلي الله عليه و اله أن يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة وقال إن للماء أهلا» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم، إلي أن قال: وإذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض» ().

وعن علي بن إبراهيم رفعه قال: خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله عليه السلام وأبو الحسن موسي عليه السلام قائم وهو

غلام، فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال: «اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزال ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول وارفع ثوبك وضع حيث شئت» ().

وروي بطرق عديدة: «ثلاثة أشياء الناس فيها شرع سواء الماء والكلاء والنار» ().

ضمان الطبيب والبيطار: حكم عالمي

مسألة: يجب علي الطبيب الدقة اللازمة في تشخيصه للمرض ووصفه للدواء، ودلت الروايات علي ضمان الطبيب والبيطار إن أخطأ في تشخيص المرض أو في وصف الدواء، وقد أفتي الفقهاء بذلك، وهذا الضمان فيما لو دقق واخطأ، فضلاً عن انه لو تساهل أو تعمد، فان حكمه حينئذ أشد من ذلك. وهكذا الحكم في البيطار.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه وإلا فهو له ضامن» ().

وعن السكوني عن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام: «إن علياً عليه السلام ضمن ختاناً قطع حشفة غلام» ().

وعن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه ضمن ختانةً ختنت جاريةً فنزفت الدم فماتت، فقال لها علي عليه السلام: «ويلا لأمك أفلا أبقيت» فضمنها علي عليه السلام دية الجارية وجعل الدية علي عاقلة الختانة ().

فصل العولمة الغربية ونقدها

جذور العولمة الغربية

ظهرت الليبرالية الجديدة علي ما يبدو من دراسة جذور العولمة الغربية بعد انتهاء الحرب الباردة وبعد سقوط الشيوعية، وتفكك الاشتراكية، وتفسخ اليمين التقليدي، وكان ظهورها بلباس الاقتصاد الرأسمالي، وبثوب العولمة، لتغزو كل الدول، وتدعو إلي حرية انتقال رأس المال، وإلغاء الحواجز الجمركية، والإطاحة بالأنظمة، لتعزيز حرية المبادلات التجارية، بحيث أنتج نوعاً من التباعد بين النشاط المالي والنشاط الاقتصادي، فمن أصل رأس مال قدره ألف وخمسمائة مليار دولار، تدور في دوّامة العمليات اليومية علي الصعيد العالمي، نري

أن هناك واحداً بالمائة فقط يخصص للبحث عن ثروات جديدة، بينما يدوّر الباقي في إطار المضاربات.

ومعه تمّ تحوّل النظام الرأسمالي إلي نظام عالمي بقيادة أمريكا، والسبب في ذلك هو أنّ هذه القيادة هي واسعة ثروةً، وديمقراطية نظاماً ولو بنسبة، ووسيعة أرضاً، وكثيرة شعباً، وهي مع كل ذلك بصدد التقدم علي منافسيها والهيمنة عليهم، وإلا فسعة الصين أو الهند أكثر من أمريكا، لكنهم ليسوا بصدد القيادة فعلاً.

وقد ابتدأت أمريكا باتجاه فرض هيمنتها علي العالم مع تعاظم القوة الاقتصادية للشركات المتعددة القوميات، والتي مثّلت سلطة هذه العولمة دون أن تعلن عن هويّتها أو ولائاتها، وهذه الشركات غير خاضعة لمسؤولية معيّنة، لأنها لاتمثل السلطة الرسمية لأيّة أمة من الاُمم، ولا دولة من الدول.

وبمناسبة اجتماع وزراء أعضاء منظمة التجارة الدولية في سياتل عام 2000، أخبرت الإذاعات وعكست الأقمار الصناعية، لقطات وصور من مظاهرات صاخبة جدّاً مؤلفة من مختلف طبقات الناس، وخاصة الطبقة العاملة والمزارعة، وجماعات من المثقفين من أصحاب الفكر الاقتصادي والنقابي، والاجتماعي والحقوقي، وقد خرجت هذه الجموع تندد بالمجتمعين واجتماعهم الذي عقدوه لمدارسة الصيغة العالمية للاقتصاد العالمي، مما يدل علي سخط الجماهير منها، ونقمتهم عليها وعلي العولمة الغربية الجديدة وأسلوبها الظالم.

وقد استطاع المتظاهرون رغم الحواجز الأمنية وبعد المواجهات العنيفة بينهم وبين الشرطة من احتجاز الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في الفندق لمدة أربع ساعات ونصف، وشلّ أعمال التجمع لليوم الأول، وبعد أن أوصل بيل كلينتون نفسه إلي المؤتمر أشار في خطابه إلي أنه علي الدول أن تأخذ بعين الاعتبار الشعارات التي نادي بها المتظاهرون، والتي سمعها هو مباشرة خلال احتجازه في الفندق والتي كان منها ما يلي:

الرأسمالية وحش قاتل.

الرأسمالية دولة الأثرياء.

نريد معلوماتية تخدم الإنسان.

نطالب بقيم الإنسان وليس بقيم ملاّك

الشركات والمؤسسات الكبري.

لا نريد عولمة لجمع الثروة فقط.

لا نريد حريات اقتصادية تسحق حق العيش الكريم.

الإنسان بلا ضمانات يأكله وحش المال.

النظام الرأسمالي يدفع المواطنين إلي الانتحار.

إلي غير ذلك.

وهكذا في ملبورن باستراليا حيث قامت مظاهرة معادية للعولمة، وقد شارك فيها آلاف الأشخاص وأدت إلي فوضي عارمة لدي افتتاح (قمة آسيا المحيط الهادئ للمنتدي الاقتصادي العالمي) ورُددت شعارات ضد العولمة، كان منها:

لا للرأسمالية.

لا للمنفعة الفردية مقابل المجتمع.

العولمة وحش قاتل.

العولمة قانون الأقوي.

نريد سياسة لا تتأثر بالمال.

ناهضوا العولمة قبل أن يملكنا رجال الأعمال والمال.

إلي غير ذلك.

وفي بيان وقعته 1200 منظمة من 87 دولة جاء فيه: «إن منظمة التجارة العالمية في السنوات الخمس الأخيرة قد أسهمت بدور بارز في تركيز الثروة في أيدي أقلية من الأثرياء جنباً إلي جنب، مع زيادة تفشي الفقر لأغلبية سكان الأرض … إن الاتفاقات التي أبرمت في دور الاورجواي للتجارة قد استهدفت فتح أسواق جديدة لصالح المؤسسات متعددة الجنسيات، وعلي حساب الاقتصاد الوطني والعاملين والزارعين والعدد من الفئات الأخري والبيئة».

العولمة الغربية، عواملها وأهدافها

وهاهنا بعض الأسئلة ينبغي الجواب عليها:

1: ما هي أسباب وعوامل بروز ظاهرة العولمة الغربية في العصر الحاضر؟

2: هل هذه العولمة تؤدي إلي انهيار نظام الدولة ذات الحدود المستقلة أو ترجع إلي تشديده والتأكيد عليه؟

3: هل في العولمة ما يضمن زيادة التجانس والتوافق أو تعمل علي تعميق الفوارق والاختلافات؟

4: هل العولمة تهدف إلي توحيد العالم، أو تسعي لتثبيت الأنظمة المجتمعية عن طريق الحدود الجغرافية المصطنعة؟

5: هل إن مصادر العولمة مصادر رئيسية واحدة، أو تتشعب من مصادر متنوعة ومتداخلة؟

6: هل إن العولمة تنبعث من عوامل اقتصادية وإبداعات تقنية أو أنها تنبعث من خلال الأزمة الايكولوجية؟

7: هل إن العولمة تجمع كل هذه العوامل الآنفة، أو أنه يوجد هناك عوامل

وأبعاد أخري منفلتة عنها؟

8: هل إن العولمة تستبد بثقافة واحدة عامة، أو تسمح بوجود ثقافات متعددة، محلية وقومية متنوعة؟

9: هل إن العولمة تحوّل بارز، وتطوّر ظاهر، يجمع بين العام والخاص، وبين المحلي والخارجي، وبين المغلق والمفتوح علي المدي الطويل والبعيد، أو إنها الغاز غامضة؟

10: هل إن العولمة جاءت لزيادة الفجوة بين الفقراء والأغنياء علي جميع المستويات؟ أو إنّها جاءت لسد الفجوة الموجودة بينهما؟

11: هل إن العولمة تستدعي وجود حكومة عالمية أو تكتفي بالحكومات المحلية؟

12: وأخيراً هل إن العولمة تسعي لتوحيد الأفكار والثقافات، أو إنها تشجع الأفكار والثقافات الموجودة وتقوّي التمسك بها؟

نعم، قد تتبادر هذه الأسئلة وأكثر منها إلي ذهن الإنسان عندما يسمع كلمة (العولمة) ويبحث عنها.

ولعل الجواب إجمالاً هو:

إن أهم عوامل ظهور العولمة بالمعني المعاصر انفراد الكتلة الغربية في الساحة العالمية، وتطلب النظام الاقتصادي الرأسمالي التدويل والتعولم، كما إن أهم أهداف العولمة المعاصرة هو: سيادة النظام الغربي، وهيمنة الأفكار الغربية وثقافتها، إذ أن جوهر عملية العولمة يتمثل وبصورة خاصة في تسهيل حركة الناس، وفي انتقال كل واحد من المعلومات والسلع والخدمات علي النطاق العالمي.

ثم إن كلاً من الحركة والانتقالات التي تنتشر عبر الحدود يشمل ستة أمور رئيسية وهي كالتالي:

1: رأس المال

2: البضائع

3: الأفكار

4: الأفراد

5: الخدمات

6: المعلومات والمؤسسات الاقتصادية

وبالتالي تتجلي العولمة الغربية في مجالين بوضوح أكثر منه مما في المجالات الأخري، وهما:

المجال الاقتصادي.

والمجال السياسي.

ولكن العولمة الصحيحة وهي عولمة الإسلام، فإنها تضمن جميع الحريات المشروعة وتأخذ بأيدي الناس إلي سعادة الدنيا والآخرة.

العولمة السياسية الغربية

مسألة: إن النظام الرأسمالي الذي يحكمه قانون تعظيم الأرباح الخاصة وتضخيمها، يهدف إلي التوسع، والتوسع لا يتم إلاّ عبر استثمار أرباحه والحصول علي قروض من أسواق الرساميل، وعليه: فإذا لم يتوسع يتعرض للركود والكساد والأزمات

الدورية، وذلك واضح، ويزيده وضوحاً الأمثلة التاريخية علي هذه الأزمات، فإنها كثيرة ومعروفة لدي أهل الخبرة والفن.

ثم إن التوسع يؤدي بطبيعته إلي بروز المنشآت الاقتصادية الكبري عن طريق تمركز رأس المال، ولعل من أهم الأسباب في تحقيق ذلك، هي عمليات الدمج بين المنشآت الكبري، أو استيلاء منشأة كبري واحدة، علي منشآت متعددة أصغر منها، وذلك عن طريق البيع والشراء أو غير ذلك من طرق النقل والانتقال.

ثم إنّه في عملية التوسع هذه قد تتراكم فوائض مالية جمة، لا يجد أصحابها أحياناً مجالات مربحة في استثمارات حقيقية حتي يقوموا بها وتؤدي إلي زيادة الإنتاج والتجارة، ولذلك يقوم أصحاب هذه الفوائض الجمة بفتح مجالات مربحة في المضاربة ضمن إطار الدولة الواحدة.

مضافاً إلي أن أصحاب هذه الفوائض الجمة يبعثون علي الضغط بالنسبة إلي الدول والحكومات لتأمين حرية انتقال الفائض من دولة إلي دولة بواسطة رفع القيود عن حركة الرساميل، وبديهي أن يكون حينئذ أهم سمة للنظام الرأسمالي العالمي المعاصر هو ما يسمي بالعولمة المالية المتحققة عبر العولمة السياسية الغربية فإن العزة الاقتصادية تدعو للعزة السياسية وتبشر بها.

نعم إن النظام الاقتصادي الراهن، المعزز بالهيمنة السياسية للغرب، يُمثّل مرحلة جديدة من مراحل التطور السريع للسياسة المالية، ويجسّد صفحة حديثة من صفحات الاقتصاد الرأسمالي العالمي وقد تسمي هذه الصفحة وهذه المرحلة باسم: (العولمة) وهو قد يتسم بخصائص عديدة أهمها:

1: ازدياد دور الشركات متعددة الجنسيات في الاقتصاد العالمي بعد سقوط نظام بيريتون، وودز.

2: ازدياد أهمية مؤسسات العولمة الثلاث التي هي عبارة عن: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمنظمة العالمية للتجارة.

3: تعريف مراكز القوي الاقتصادية العالمية للتغيير الأكيد المتدرج.

4: تحويل هيكلية الاقتصاد العالمي وتبديل سياسات التنمية العالمية وتغييرها.

5: تقهقر أهمية مصادر الطاقة التقليدية والمواد

الأولية في السوق العالمية وتراجعها.

وبالتالي انطباع كل هذه البنود الاقتصادية المذكورة وغيرها مما لم نتعرض لها للاختصار ومخافة التطويل بالصبغة السياسية وتحكم العولمة السياسية بها، وهيمنتها عليها().

وهذا من أسباب بروز العولمة السياسية الغربية.

العولمة الاقتصادية الغربية

مسألة: التدويل الذي أصبح الاقتصاد العالمي يتصف به حسب رأي بعض الاقتصاديين هو من أهم سمات الاقتصاد ظهوراً في العقود الثلاثة الأخيرة.

والتدويل بالنظر البدوي هو ظهور متعاظم لما للعلاقات الاقتصادية الدولية من دور هام بالنسبة إلي الأنشطة الاقتصادية المحلية أو الوطنية، ويظهر هذا واضحاً من خلال الدور الكبير الذي تتبنّاه الشركات المتعددة الجنسيات، الممتدة نشاطاتها وفروعها في كل مكان وإلي مختلف أنحاء العالم، كما إنّها تهيمن وتسيطر علي جزء مهم وكبير من عمليات الإنتاج والتمويل وتوزيع الدخل العالمي.

ثم إن هذا الدور مضافاً إلي أنه في الغالب ظاهر بارز، إلا أنه قد يكون أحياناً خفياً غير مباشر، ومستوراً غير ظاهر، مما يجعلنا نتمكن من الحديث عن مستوي اقتصادي عالمي، متميز بآلياته ومشكلاته، ومتشخص بتقلّبه وتطوره علي المستويات المحلية والوطنية، وعندها تصبح النظرة للعالم باعتباره الوحدة الاقتصادية الأساسية والمحور للتطورات المستمرة.

وهذا من أسباب بروز العولمة الاقتصادية الغربية.

تداخل العولمتين: الاقتصادية والسياسية

مسألة: إن هناك روابط وثيقة بل تلازم واضح بين العولمتين: الاقتصادية والسياسية، فلا عولمة اقتصادية إلا ويلازمها عولمة سياسية، وقد ظهر هذا أيضاً مما سبق، ولكن حيث إن العولمة السياسية الغربية تساوي معني الهيمنة السياسية، لذلك أدخلوا العولمة السياسية في العولمة الاقتصادية وأطّروها بإطارها، ولم يتعرضوا إلاّ لها، وجعلوها الواجهة للعولمة وطرحوها بين الناس، ومشي الناس عليها.

وكيف كان: فإن العولمة الاقتصادية أخذت أبعادها في الحال الحاضر بانتصار القوي الرأسمالية العالمية، وفوز العولمة السياسية بقيادة أمريكا، وسقوط الاتحاد السوفيتي والأنظمة الاشتراكية في دول أوروبا الشرقية، مما جعل النظام الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي يستعيد هيمنته وانتشاره لكن في صورته الجديدة، المبتنية علي اقتصاد السوق، وعلي الثورة المعلوماتية، وعلي دمج الاقتصاديات الوطنية بالسوق الرأسمالية العالمية، وخضوعها لمفاهيم السوق، ولغة المنافسة الاحتكارية، وذلك بإشراف مؤسسات

العولمة الاقتصادية الثلاث التي هي عبارة عن: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، والمنظمة العالمية للتجارة وهذه الأخيرة هي خليفة الغات.

ثم إن ملامح العولمة السياسية المغلّفة بالعولمة في الاقتصاد تبدو من خلال المظاهر الآتية وعلي ما يلي:

1: الإقبال الشديد علي التكتل الاقتصادي للاستفادة من التطورات التقنية المدهشة.

2: تعاظم دور الشركات متعددة الجنسيات وتنامي أرباحها، وأتساع أسواقها، وتزايد نفوذها في التجارة الدولية والعالمية.

3: تنامي دور المؤسسات المالية الدولية والعالمية في تصميم برامج الإصلاح الاقتصادي، وتعديل سياسات التثبيت أو التغيير الهيكلي في الدول النامية، وذلك من أجل التحول إلي اقتصاد السوق.

4: إثارة المشكلات الاقتصادية وتدويلها، مثل الفقر، ومثل الأمية، ومثل التلوث وحماية البيئة، والتوجه العالمي لمعالجة هذه المشكلات والتعاون في حلها جميعاً.

5: تزايد دور التقنيات والتغيرات السريعة في أسلوب الإنتاج ونوعية المنتج وتأثيرها علي الاقتصاد العالمي.

6: شيوع ظاهرة القرية العالمية والأسرة الواحدة، وتقليص المسافات وتحجيمها نتيجة لتطور وسائل النقل والمواصلات، وكثرة الاحتكاك بين الشعوب والرعايا.

7: تقدّم وسائل الإعلام وتطوّرها، وتأثيرها الكبير علي حياة الإنسان، في انتشار الحضارات والثقافات وتشابكها وتداخل بعضها مع البعض الآخر.

8: تفاقم دور الموجه الثالثة: المعلوماتية، والإدارة، والمراقبة من إدارة نظم المعلومات، وغير ذلك.

العولمة والنظام العالمي الجديد

مسألة: النظام العالمي الجديد الذي سبّب العولمة الغربية يترتب بالدرجة الأولي علي: الأقطاب الاقتصادية، وبعد ذلك علي الأقطاب المسلحة، كأوروبا الموحّدة التي كان إجمالي ناتجها القومي المتوسط قرابة خمسة آلاف مليار دولار في سنة 2000م، وحصتها من التجارة العالمية ثمانية عشر من عشرة ونفوسها ثلاثمائة واثنين وعشرين مليون نسمة، ووصلوا في نهاية القرن الحالي إلي أربعمائة مليون نسمة تقريبا.

هذا بالنسبة إلي أوروبا الموحّدة، وأما بالنسبة إلي الولايات المتحدة الأمريكية، فإن إجمالي ناتجها القومي يعادل قرابة أربعة آلاف مليار من

الدولارات، وحصتها سبعة عشر من عشرة من التجارة العالمية، ونفوسها ما يقرب من ثلاثمائة مليون نسمة.

ثم بعد ذلك يأتي دور اليابان، وإجمالي ناتجها القومي مائتا مليار دولار، وحصتها تسعة من عشرة من التجارة العالمية، ونفوسها مائة وثلاثون مليون نسمة، ومعني ذلك: إن اليابان وألمانيا اللتين خسرتا الحرب العالمية الثانية ستكونان أقوي من أيّ وقتٍ مضي، حيث إنهما حسمتا ناتج الحرب الباردة لصالحهما، وبرزتا كقوتين اقتصاديتين وقوّتين تكنولوجيتين عظيمتين، خصوصاً وإنّ ألمانيا قد اتحد شطراها.

وبعد هذه البلدان الثلاثة يأتي دور الأقطاب الاقتصادية الإقليمية، وأبرزها دول جنوب شرق آسيا، والسوق المشتركة بينهم، وهي: كوريا الجنوبية وتايوان، وهونغ كونغ، وسنغافورة، وماليزيا، وتايلندا، وهي الدول المعروفة اليوم بدول حوض الباسفيك، المطلّة علي المحيط الهادي، وستشكل قوّة اقتصادية كبيرة في المستقبل غير البعيد، وذلك لأنها شهدت ارتفاعاً هائلاً في إجمالي ناتجها القومي، وإذا أضيف إليها اليابان فإن إجمالي ناتجها القومي سيحتل نسبة عشرين في العشرة من إجمالي ناتج العالم، بعد أن كانت النسبة لا تتجاوز ثمانية من عشرة في السبعينات، وستة عشر من عشرة في التسعينات.

أمّا الأقطاب السياسية الاقتصادية الإقليمية، وأبرزها في منطقة الشرق الأوسط هي الدول الإسلامية، بالنظر لوضعها السياسي الخاص الذي سيبقي ساخناً في المستقبل القريب علي الأقل، وذلك علي العكس من مناطق شرق آسيا ووسط جنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية، التي فرضت عليها أوضاع مستقرة إلي حدّ كبير، حيث إنها ستكيّف وضعها الداخلي، وعلاقاتها الخارجية وفقاً للمعادلة الاقتصادية للنظام العالمي، الأمر الذي يجعل وضعها السياسي مستقراً في الداخل، بعد أن تضطرّ ولو بنسبة إلي تبنّي نظم الديمقراطية الغربية، كما حصل في البرازيل، وهندوراس، وشيلي، التي استبدلت فيها الأنظمة العسكرية بأنظمة مدنيّة، ابتداءً من أواخر العام المنصرم، وسيكون القطب

الأبرز في الشرق الأوسط هو: القوة الإسلامية التي تقودها بلاد إسلامية وتتمتع بامتدادات سياسية واسعة، وموارد اقتصادية هائلة، وقوّة عسكرية آخذة في التطور.

ولكن الدول الإسلامية إذا أرادت العزة والقوة فإنها ليست عند الغرب، بل ?لله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ?()، ولا تكون لهم العزة إلا بالرجوع إلي القوانين الإسلامية العالمية التي بينها القرآن الكريم وطبقها رسول الله صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

قال تعالي: ?الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعاً?().

وقال سبحانه: ?مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ?().

نعم إن ما ذكر من الحقائق الاقتصادية في هذه الدول، دفعت أمريكا إلي التعامل مع وحدات النظام العالمي الأخري وفقاً لما تمليه عليها مصالحها في المستقبل، للمحافظة علي موقعها وقطبيتها المركزية.

كما حاولت أمريكا إملاء شروطها السياسية والاقتصادية علي اليابان وأوروبا الموحدة، وتوجيه حركتهم الاقتصادية قدر الإمكان وبالصورة التي لا تسمح لهما بتجاوزها مستقبلاً، وكان إحدي إجراءاتها في هذا المسار، إيجاد تكتّل اقتصادي كبير، بزعامة بلا منافس منها لأوروبا الموحدة باسم: رابطة دول شرق آسيا والباسفيك، وهي تضم كلاً من اليابان، وكوريا الجنوبية، ونيوزلندة، واستراليا، وكندا، ودول رابطة جنوب شرق آسيا، إضافةً إلي أمريكا.

وعلي مستوي المنطقة الإسلامية تحاول أمريكا ضمان موقعها وأهدافها في مستقبل النظام العالمي، وهو ما ظهر جليّاً خلال أزمة الكويت والأزمات الأخري في المنطقة.

وأيضاً تحاول أمريكا فرض نظامها الإقليمي في المنطقة ومن خلال ما يسمّي بمحادثات السلام بشأن القضية الفلسطينية، إلي غير ذلك مما ينتهي أخيراً إلي عولمة البلاد في ظل النظام الاقتصادي الدولي بزعامة أمريكا، ومعني ذلك: إن

أمريكا هي المسيطرة علي العالم في نظامها الجديد.

الاقتصاد الأمريكي بعد الحرب العالمية

ثمّ إنه لما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وسببت ما سببته من دمار، برز الاقتصاد الأمريكي علي الساحة العالمية كقوة مهيمنة في الاقتصاد العالمي، وقال البعض بأنه: قد استعملت أمريكا موقعها الاقتصادي هذا بعد الحرب لإيجاد تحالف دولي سياسي واقتصادي علي أساس مساعدة الدولتين المنكوبتين: ألمانيا واليابان وهي تحاول إحداث تطور سريع في النمو الاقتصادي لشرق وجنوب شرق آسيا، وفي أوروبا الغربية، وذلك لمواجهة التهديدات الناجمة من الاقتصاد الشيوعي والاشتراكي في البلاد السوفيتية والصينية، وقد ظهرت مستويات ممتازة من النمو الاقتصادي منذ الخمسينات في تلك المناطق، غير أنه قابلتها مستويات لابأس بها أيضاً من النمو الاقتصادي الشيوعي والاشتراكي في الاتحاد السوفيتي والصين أيضاً.

ولكن مع بداية تقهقر المد الاقتصادي الشيوعي والاشتراكي في الاتحاد السوفيتي والصين عند أواخر الستينات، بدء زحف اقتصادي جديد وأخذ ينتشر بسرعة في شرق وجنوب آسيا علي شكل سلع تجارية تصديرية في نوعية ممتازة، وأسعار رخيصة، وطفقت تغطي السوق الأمريكية، وتنذر بإحداث عجز أكيد في الميزانية التجارية الأمريكية، وأخذت أمريكا تزداد مشكلة وبصورة خاصة عند ارتفاع اسعار النفط أوائل السبعينات، وعند التحول من اقتصاد صناعي إلي اقتصاد تقني خدماتي يعتمد علي الإعلام والمعلومات وما أشبه ذلك.

هذا ولكن أمريكا صمدت تجاه المشاكل والصعوبات التي واجهت اقتصادها في السبعينات والثمانينات، واستطاعت أن تجبر ولو بنسبة ما حصل في ميزانيتها التجارية من عجز، وأن تحقق إعادة بنيان اقتصادها، بل وتمكنت أن تستعيد في أوائل التسعينات المبادرة في القوة الاقتصادية وأن تسترجع بذلك مكانتها.

نعم في الوقت الذي ظلت أوروبا الغربية تقارع ارتفاع كلفة الإنتاج فيها وتحاربه، وتعاني من ارتفاع نسبة البطالة وعوائق أخري وتئن منه، وفي الظرف الذي بقيت

اليابان رابضة في ركود اقتصادي منذ بداية التسعينات، قامت أمريكا وبكل إمكاناتها لتستعيد تفوّق حصتها في الأسواق العالمية بالنسبة إلي صناعتي السيارات والكومبيوتر وغير ذلك، وبالفعل استطاعت أن تسترجع موقعها الاقتصادي وتؤكد علي أنها أكبر سوق، وأكبر دولة مصدرة في العالم، فإنّها بتفوقها في الأبحاث العلمية في حقل التقنية العالية، وبإنفاقها من أجل تطور تقنياتها قد رفعت نفسها إلي موقع جيد وموضع ممتاز، يمنحها قدرة الاستمرار في السيطرة علي الأسواق العالمية لصناعات الطائرات والسيارات، ولشبكة الارتباطات والاتصالات العالمية: الانترنيت وبرامج الحاسوب في مطلع القرن الجديد.

ولقد قال أحد المطلعين الأمريكيين مصرحاً:

نحن أمام معارك سياسية وحضارية فظيعة، العولمة هي الأمركة، والولايات المتحدة قوة مجنونة، نحن قوة ثورية خطرة، وأولئك الذين يخشوننا علي حق، إن صندوق النقد الدولي قطة أليفة بالمقارنة مع العولمة.

وهذا تصريح خبير منهم في مجال العولمة التي وقفت وراءها وبكل جدية أمريكا، وتريد تحقيقها علي كل أقطار الأرض.

فاللازم علي العلماء والمثقفين الإسلاميين طرح العولمة الإسلامية، فإنها مطابقة للفطرة الإنسانية وخالية من مساوئ العولمة الغربية وتأخذ بأيدي الجميع إلي السلام والرفاه والأمن والتقدم.

العولمة الغربية بالمفهوم المعاصر

لا يخفي إن العولمة الغربية باللغة العصرية وبالمفهوم المعاصر أصبح بمعني الأمركة، وهي تعني سيطرة الغرب وهيمنتها، والتحكم والتلاعب بالسياسة والاقتصاد، وفي مختلف البلاد والعباد، بل قد أخذت تمتد وتمتد لتطال ثقافات الشعوب بأجمعها، وتنال من الهوية الوطنية بأسرها، إنها طفقت تسعي جادة إلي تعميم أنموذج من السير والسلوك، وأنماط من الأخلاق والآداب، وأساليب من العيش والتدبير، تتوافق مع الثقافة الغربية، وتنسجم مع ميول المستعمرين، لتغزو بها ثقافات مجتمعات أخري، وهذا لا يخلو من توجه استعماري جديد، في احتلال العقل والتفكير، وتسيير العقل والعواطف بعد الاحتلال وفق أهداف الغازي ومصالحه الشخصية، وقد أشار

الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، إلي ذلك وأكّد عليه حين قال في أجواء الاحتفال بالنصر ومناخ الاحتشاد من أجل الظفر في حرب الخليج الثانية: إن القرن القادم سيشهد انتشار القيم الأمريكية وأنماط العيش والسلوك الأمريكي.

هذا مع أنها ليست هي القيم المثلي، ولا الأنماط العليا، وإنما القيم المثلي هي قيم الإسلام، والأنماط العليا هي الأنماط الإسلامية التي رسمها القرآن الكريم ورسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام في العيش والسلوك الإسلامي.

ثقافة العولمة الغربية

مسألة: إن العولمة الغربية تشتمل علي أهداف غير إنسانية، وغير أخلاقية، فأنها تفكر مضافاً إلي الربح المادي ولو علي حساب الآخرين، في الغزو الفكري والثقافي وما أشبه ذلك.

علماً بأن الخطر الواقعي للعولمة إنما يكون مخفياً في جانب ثقافة العولمة، فإن خطره يكون أكثر من بقية جوانب العولمة، لانطواء العولمة علي الترويج لخمس ثورات أساسية، لا تخلو من تأثير كبير علي حياة الناس جميعاً، وهذه الثورات الخمس هي عبارة عما يلي:

1: الثورة الفكرية الثقافية المروجة لفكرة المادية البحتة الخالية من الأخلاق والمعنويات، والداعية لثقافة الاستيراد والاستهلاك والمشجعة علي فكرة: أن ينتج الآخرون ونحن نستريح ونستفيد.

2: الثورة الديمقراطية السياسية، الداعية إلي الانفتاح علي ثقافة العولمة بما فيها من سلبيات.

3: الثورة التقنية الثالثة، السريعة التغيير في أسلوب الإنتاج ونوعية المنتجات، أو ما بعد الثالثة مثلاً، من دون ملاحظة الأخلاقيات فيها.

4: ثورة التكتلات الاقتصادية للاستفادة من التطورات التقنية الهائلة وبصورة خاصة العملاقة منها، للتحصيل علي الربح الأكثر.

5: ثورة اقتصاد السوق، وحرية التبادل التجاري، ورفع الحواجز الحدودية، ومنع الرسوم الجمركية وما أشبه ذلك.

والنظام العالمي المسمي بالعولمة يُبني علي ما ينجم من هذه الثورات الخمس، ويعتمد الاقتصاد في هذا النظام علي استثمار الوقت بأقل تكلفة،

وعن طريق تحويل المعرفة الجديدة وتبديلها إلي سلع أو خدمات جديدة، أو استخدامها في التنويع السريع، والتحسين المستمر في المنتجات، والاستفادة منها في جودة التصنيع، وعرضها الجيد علي الأسواق، وذلك بطريقة فعالة ومتواصلة، ودائمة ومستمرة.

العولمة الغربية والتنمية الاقتصادية

مسألة: إنّ التنمية الاقتصادية في العولمة الغربية ليس المهم لديها التغيير من وضع سيئ مأساوي إلي وضع أفضل وأجمل، وإنما المهم في قاموسها هو: تحصيل الربح الأكثر من أي طريق كان، مضافاً إلي ما سوف يستغرقه هذا التغيير من الوقت في أنّه مثلاً كيف تحدث العولمة؟ وبأي طريق سوف يتم حدوثها واستمرارها؟ وبواسطة أي الطرق والأساليب يمكن إسراع حركة البضائع والخدمات، وانتقال رأس المال والأفراد، وتنشيط المعلومات والأفكار، وتحريك الرموز والاتجاهات، وتشجيع أنماط السيرة ونماذج السلوك عبر الحدود؟.

وحسب بعض الإحصاءات: هناك 20% من دول العالم هي أكثر الدول ثراء، وتستحوذ علي 84.6% بالمائة من الناتج الإجمالي للعالم، وعلي 84.2% من التجارة الدولية، ويمتلك سكانها 85.5% من مجموع مدخرات العالم، وإنطلاقاً من عام 1960 تضاعفت الهوة بين تلك الدول التي تعتبر من أغني الدول، والدول التي تعتبر من أفقر دول العالم.

ثم إنه ما هو دور الشركات متعددة الجنسيات بالنسبة إلي كل ذلك، وما أشبه هذه الأمور المذكورة؟

قال بعض الخبراء المعنيين في هذا المجال:

إنّ عملية الانتشار يمكن أن تتحقق عبر طرق أربع، يرتبط بعضها ببعض، ويتداخل شيء في شيء، وهي كالتالي:

1: عبر التفاعل الحواري الثنائي الاتجاه ومن خلال تقانة الاتصال والارتباط.

2: عبر الاتصال المونولوجي أحادي الاتجاه وعن طريق الطبقة المتوسطة المقتصدة.

3: عبر المنافسة والمحاكاة والإبداع وما أشبه ذلك.

4: عبر تماثل المؤسسات وتشابهها.

ولم يذكر هذا الخبير عما للشركات متعددة الجنسيات من دور رئيسي في تنشيط عمليات الحركة والانتقال، بالنسبة إلي البضائع والخدمات ورأس

المال بصورة خاصة، وبالنسبة إلي المعلومات والأفكار، والرموز والاتجاهات وما أشبه بصورة عامة، فإنها تعتبر من أهم عناصر الانتقالات الكونية والعالمية.

من أدوات العولمة الغربية

مسألة: إنّ الشركات متعددة الجنسيات تعتبر اليوم من أهم الأدوات التي تستخدمها الرأسمالية الغربية وخاصة الأمريكية، وتوظّفها في دفع الاقتصاد العالمي باتجاه العولمة، وذلك للعوامل التالية:

1: الشيوع الواسع والانتشار السريع للشركات متعددة الجنسيات، فلقد بلغ عددها إلي ما يقرب من أربعين ألف شركة، يطال نشاطها جميع المجالات، ويمتد إلي كل القارات الخمس وحتي المحيطات الستة، وقد بلغت واردات إحدي هذه الشركات متعددة الجنسيات من بين خمسمائة شركة تعدّ هي أكبرها، وذلك في العقد الأخير من القرن العشرين نحو: أحد عشر الف مليار دولار، ويكون نسبة هذا من الناتج المحلي العالمي الذي بلغ قرابة ثلاثة وعشرين ألف مليار دولار 44%، كانت حصة الوطن العربي منه قرابة ستمائة مليار دولار، وحصة الشركات متعددة الجنسيات حوالي ثلثي التجارة الدولية في مجال السلع والخدمات وغير ذلك، وثلث الاستثمارات الأجنبية المباشرة وما أشبه ذلك علي ما قالوا().

2: نهوض الشركات متعددة الجنسيات وقيامها بدور مهم في تدويل المنتجات والخدمات، والتجارة والاستثمارات، مما قد أدي وبكل قوة إلي سيادة أنماط عالمية في ميدان الاستثمار والاستهلاك، والتصدير والتسويق، والإعلان والدعاية، وما أشبه ذلك من مثل الإنتاج، وما يرتبط بالإنتاج من علاقاته ومالكية وسائله وكيفيات ذلك.

3: انسلاخ النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي عن المواقف المشرفة، وعن المشاعر والعواطف الإنسانية، كلما تصادم حق الإنسانية مع حيوية الاقتصاد، وذلك لأن العولمة تواكب غالباً زيادة الدخل عند مالكي وسائل الإنتاج، وترافق عادة ارتفاع قيمة أسهم الشركات متعددة الجنسيات، وكذلك تصحب نوعاً ارتفاع نسبة المتقاعدين عن العمل في هذه الشركات، وهذه الأمور وأمثالها تتنافي مع حق الإنسان لأنها

تهضم حقه ولا توفّيه ما يستحقه، ولأن فيها تكديس المال لأرباب هذه الشركات، وتقليله عند العاملين والمستهلكين، ويدل عليه الواقع الخارجي لمسألة العمال في هذه الشركات، إذ قد فصل عن العمل في المؤسسات الأمريكية ما يقارب من خمسين مليون عامل في مدة لا تتجاوز عن العشرين عاماً فقط().

أجل إن الشركات متعددة الجنسيات، أصبحت اليوم تتحكم بعصب السياسة الرئيسي، ألا وهو الاقتصاد، وتتلاعب به وبمقدرات الإنسان، بل بمقدرات الأمم والشعوب، وبالتالي بمقدرات كل العالم كيف تشاء، وبما تشاء، وتسعي بحثاً عن الأسواق، وعن المواد الخام، وعن كل ما يرتبط بنمو أرباحها وعائداتها، حتي إذا كان بما يعرق له جبين الانسانية، ويندي له وجه التاريخ.

إسرائيل إحدي أدوات العولمة الغربية

ومن الواضح إن إسرائيل إحدي أدوات العولمة الغربية المتوخاة لدي الأمريكان، ولهذا أخذ الأمريكيون يدعمون إسرائيل بأكبر قوّة عسكرية وسياسية واقتصادية وإعلامية في الشرق الأوسط، متحدّين بذلك جميع البلاد العربية والإسلامية، ولكن لا ينفع إسرائيل كل ذلك، كما لا يمكن دفع إسرائيل إلاّ بالمقابلة السلميّة والاحتجاجات المنطقية والدبلوماسيات القوية وما أشبه، وذلك بعد أن تتوحد الأمة الإسلامية وتأخذ بالقوانين الإسلامية المنسية من الأخوة والتعددية والحرية والشوري وما أشبه، قال سبحانه: ?ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم?().

فالمقابلة بالبندقية، أو برمي الحجارة، من دون التصدي السياسي والإعلامي والدبلوماسي المناسب، لا تفيد شيئاً إلا إعطاء الذريعة للإسرائيليين الصهاينة بضرب الفلسطينيين وقصفهم قصفاً عشوائياً بلا رحمة ولا هوادة.

وقد بثّت صفحات التلفزيون صوراً التقطتها الأقمار الصناعية عن بعض ما يفعله الإسرائيليون في مقابلة من يرميهم بالحجارة من الفلسطينيين أصحاب الأرض، وأنهم كيف يرمونهم بوابل من الرصاص، وإذا عثروا علي أحدهم كسروا يده، وذلك بوضعها علي مصطبةٍ والضرب بساطور خشبيٍ علي يده

بكل قساوة، حتي تتكسر وتتهشم عظامها ولا يستطيع بعدها حمل السلاح ولا رمي الحجارة.

الغرب وتآمره علي المسلمين

أجل إنه بالإضافة إلي كل تلك المساوئ التي احتوت عليه العولمة الغربية، سواء الاقتصادية أم السياسية أو الثقافية، فقد بقي المستعمرون يحيكون علي طول الخط المؤامرات ضد المسلمين مطلقاً، وضد بلادهم ومنطقتهم خصوصاً، ولذلك زرعوا إسرائيل في منطقتهم وفي وسط بلادهم، كبؤرة للفتنة والفساد، ومركز للمؤامرات والمخابرات، وقد صرّح أحد الرؤساء الأمريكيين قائلاً:

إن لأمريكا مصلحة خاصة ليس في إسرائيل فقط، بل في التعاون المشترك بين بلدينا في المنطقة، وأضاف قائلاً: ونحن نتفهم ونؤيد بحزم حاجة إسرائيل إلي الاحتفاظ بالتفوق العسكري النوعي علي خصومها العرب، ولذلك ساعدوا إسرائيل مادياً وفنياً في أن تتفوّق عسكرياً علي كل المسلمين العرب في المنطقة، فهي تملك قنابل ذريّة ونووية، وصواريخ بعيدة المدي، وأسلحة الدمار الشامل، وغير ذلك مما لم يملكه أحد من المسلمين العرب في الدول المجاورة.

وفي كلام آخر قاله الرئيس الأمريكي: إنّه يلزم إقامة لجنة أمريكية إسرائيلية مشتركة في ميدان التقنيات وصنائع القرن الحادي والعشرين.

ومن الواضح إنّ ذلك يكون علي حساب المسلمين.

هذا مضافاً إلي ما تقوم به الولايات المتحدة من مناورات عسكرية مشتركة مع إسرائيل، وما تقدمه من أسلحة متطورة لها، وفنون عسكرية إلي جيشها، وما تمنحها من مليارات الدولارات مساعدة مالية من دون عوض وبلا مقابل، وما تدعمها به من الوقوف إلي جنبها، وتأييد إرهابها وحرب الإبادة الجماعية التي شنّتها ضد الفلسطينيين، وعضدها في سياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها في أراضيهم، واستخدام حقّ الفيتو في صالحها، كل ذلك والمسلمون لازالوا يحتفظون بنزاعاتهم الداخلية، ومصالحة بعضهم مع إسرائيل متناسين قوله تعالي:

?يا أيّها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصاري أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم

فإنّه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ?

فتري الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشي أن تصيبنا دائرة فعسي الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا علي ما أسرّوا في أنفسهم نادمين?().

المرأة في العولمة الغربية

مسألة: العولمة الغربية، حطّت من شأن المرأة، وأسقطت قدرها، وجعلتها جسداً مادياً بحتاً، ودمية شهوانية محضاً، يستغلها أصحاب المتاجر والمعارض، في الإعلانات وفي دور عرض الأزياء، ويستثمرها أصحاب الأغراض والأطماع في مسابقات الجمال، وفي أفلام المسارح والسينما، وغير ذلك مما أنزل الغرب وجعله غير صالح لقيادة العالم في مقابل القيادة الإسلامية الواقعية العادلة.

والإحصاءات العالمية تبين مدي الاستهانة بالمرأة وسوقها إلي مستويات منحطة في ظل العولمة الغربية:

قالوا: إن لندن تعتبر من أكثر المدن الأوروبية التي تتعرض النساء فيها إلي العنف الجنسي الذي تصل نسبته إلي 24 اعتداءً لكل مائة ألف شخص، وهي متقدمة علي باريس ونسبتها عشرون، وبرلين ونسبتها 13.6، وروما ونسبتها 6.3.

وفي أمريكا تصل إلي أمريكية واحدة من بين سبع أمريكيات قد تعرضت للاغتصاب أو التحرش في إحدي مراحل الحياة.

وإن مجموع الإيطاليات اللواتي تعرضن لعمليات تحرش ومضايقة جنسية يصل إلي تسعة ملايين إيطالية.

وفي خلال الثمانينات عرفت تجارة الجنس في أوروبا تطوراً وانتشاراً خطيراً، حيث أصبحت النساء مواد للتفاوض والاستثمار في صناعة بلا حدود، فقدرت الشرطة عدد بنات الليل في بلجيكا لعام 1980 بأربعة عشر ألف امرأة، ويقدر عدد البغايا في هولندا بعشرين ألف امرأة.

كما تفيد أرقام منظمة الصحة العالمية إلي أن خمسمائة ألف امرأة قد وصلن إلي دول الاتحاد الأوروبي في نهاية 1995م عبر المتاجرة بهن، وقدر المسؤولون الأمريكيون في مؤتمر (بكين 5) عدد تلك النساء اللواتي دخلن إلي الولايات المتحدة بخمسين ألف امرأة().

العولمة الغربية وسلبياتها

مسألة: إن من أهم ما يميز نظام العولمة الغربية: تحكيم النظام الاقتصادي الأمريكي الرأسمالي الغربي في العالم، وهذا النظام تحكمه سلبيات كثيرة أهمها كالتالي:

1: يحكم هذا النظام قانون تضخيم الأرباح ولو علي حساب أرواح جياع الملايين من الناس.

2: ويحكمه أيضاً نزعة

الشركات متعددة الجنسيات، ونزعة الشركات المحلية منها أيضاً.

وهنا وقبل الانتقال إلي المميزات الأخري لا بأس بالإشارة إلي أنه لا يختلف كلا النظامين: الاشتراكي والرأسمالي، اختلافاً جوهرياً بالنسبة إلي مسألة تحكيم النظام الاقتصادي في العالم ومساوئه، وإن كان هناك اختلاف في بعض المسائل، فإن هذه الأنظمة تفضل المصلحة الشخصية سواء مصلحة الفرد أو الجهة الحاكمة علي المصلحة العامة للعمال والمستخدمين وسائر الناس.

لكن يفترق النظام الاقتصادي الإسلامي عن هذين النظامين الاشتراكي والرأسمالي في مسألة عدم الإضرار بالآخرين وعدم المراباة وما أشبه، وهذه من مفاخر النظام الاقتصادي في الإسلام.

3: ويحكم هذا النظام الجديد أو عولمة النظام الأمريكي أيضاً: العلمانية التي لا تخضع للشرائع الإلهية، ولا تلتزم بأحكام دينية، فالدراسات الاقتصادية أو التجارية، وكذلك الإحصائية والاجتماعية هي التي تحكم العولمة الغربية وترسم لها خطوطها العريضة والعامة حتي وان كان فيها ضرر علي مجموعات كبيرة من الناس.

وبعبارة أخري: إن نظريات العلماء وآراء المتخصصين الذين يبحثون علي الربح الأكثر من أي طريق حصل، هو الذي يحكم النظام الجديد الغربي، وليس الفقهاء ومراجع الدين والشرائع السماوية.

وكيف كان: فيمكن القول بأن العولمة الغربية لم تأت بشيء جديد، إذ الخطوط العريضة للاقتصاد العالمي الحديث، أو التجارة العالمية الجديدة، واضحة المعالم لدي الاقتصاديين المتخصصين منذ أمد بعيد، غير أنه ومن خلال الصراع الأمريكي مع أقطاب العالم في الآونة الأخيرة الدائر حول عولمة الاقتصاد، تبلور الاقتصاد الجديد أكثر من ذي قبل لدي الكثير من الكتّاب والصحفيين.

مثلاً: صراع أمريكا مع اليابان وذلك حول ميزان المدفوعات، وتصدير السلع، وما أشبه ذلك.

وصراعها مع أمريكا الجنوبية حول محاربة الكوكائين والهيروئين وتجار المخدرات وما أشبه ذلك.

وصراعها مع فرنسا حول الشرق الأوسط وأفريقيا والجزائر وحول الوضع في العراق، وغير ذلك.

وصراعها مع أوروبا

حول الاستثمارات والمواد الغذائية وما أشبه ذلك.

وصراعها مع الصين حول التجارة الخارجية، وغير ذلك.

من نتائج العولمة الغربية

مسألة: إن من نتائج العولمة الغربية شيوع المحرمات، من تعاطي الخمرة، والسكر المتزايد، وانتشار أنواع المخدرات انتشاراً هائلاً، وازدياد أعداد المدمنين ازدياداً كبيراً، وكثرة استعمال السلاح، وقتل بعضهم البعض، وتردّي الأخلاق، وهبوط القيم الأخلاقية والمثل الإنسانية، وسقوط كرامة الإنسان، وافتقاد عزه وشخصيته، وتفوق الماديات علي القيم والمعنويات في كل الأمور، وهذا يوجب تبديل حياة المجتمع إلي حياة الغاب، وأمنه إلي الخوف، ودعته إلي القلق، وسكونه إلي الاضطراب، وسعادته إلي الشقاء، وجنته إلي الجحيم والنار، وهذا ما نجد مقدماته في مجتمعاتنا، وممهداته في أوساطنا، وآثاره في مناطقنا وبلادنا.

مضافاً إلي ذلك كله، مرافقة هذا الوضع المنذر بالدمار مع القوانين الظالمة والدساتير الجائرة التي أخذت تزداد وتتوسع في البلاد وبين العباد، ومع ما ذكره المحققون من النتائج السيئة للعولمة الغربية، وما هي من الواقع ببعيد، بل هي نتيجة تلك الأمور وآثارها التي تقتضيه القواعد العلمية والتجريبية لها، إذ التوغل في الماديات تسلب راحة الإنسان وتفقده سعادته، فاللازم السعي لنشر ثقافة العولمة الإسلامية التي تجمع بين الماديات والمعنويات، وبين سعادة الدنيا والآخرة، وتبتني علي أسس وقواعد فطرية شرعية، مثل قانون ?فَلَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ?().

من سيئات العولمة الغربية

مسألة: هناك سيئات للعولمة الغربية ينبغي الالتفات إليها، فإن هناك تحت نظام العولمة الغربية في هذا اليوم، ما يقرب من ثلاثة مليارات ونصف المليار من سكان العالم لا يحصل إلا علي 6% فقط من الدخل العالمي، فيما يحصل الملياران ونصف المليار الآخر علي 94% من الدخل العالمي، أي: إنّ أغلبية سكان العالم يعيشون بأقل من دولارين في اليوم الواحد، فيما ينعم الأغنياء من سكان أمريكا وكندا وأوروبا الغربية واليابان واستراليا علي الدخل الأول، والحياة الأكثر راحةً، كما ذكرت ذلك بعض الجرائد العربية().

هذا

بالإضافة إلي أنّ ملياراً كاملاً من البشر، لا يحصلون في اليوم الواحد الاّ علي دولار أو أقل من دولار، وبعضهم يموتون جوعاً، ففي تقرير رسمي:

إن أربعين ألفاً يموتون يومياً نتيجة الجوع والمرض.

وإن ما يقرب من مليار إنسان يعانون من سوء التغذية.

وإن حوالي مليار ونصف المليار إنسان من دون مياه صالحة للشرب.

وإن مليار إنسان عاطل عن العمل.

وإن ثلاثمائة وخمسين ألف طفل يموت يومياً في أنحاء العالم.

بينما يُقدر ما تسيطر عليه شركات السلاح وأسواق المخدرات من المال مبلغاً قدره 90% من الاقتصاد العالمي.

وهذا التوزيع غير العادل الذي يكون علي حساب الآخرين وسلب حقوقهم هو التوزيع الذي يخالفه الإسلام مخالفةً كبيرة، ويحاربه أشد محاربة، حتي إنه ورد في حديث شريف عن رسول الله صلي الله عليه و اله: ¬ «ما من أهل قرية يبيت فيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة» ().

وورد عنه صلي الله عليه و اله ايضاً: «ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلي الله عليه و اله قال: «من أفضل الأعمال عند الله إبراد الكباد الحارة، وإشباع الكباد الجائعة، والذي نفس محمد بيده لايؤمن بي عبد يبيت شبعاناً وأخوه أو قال جاره المسلم جائع» ().

وعن النبي صلي الله عليه و اله قال: «ليس بالمؤمن الذي يشبع وجاره إلي جنبه جائع» ().

وفي كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلي عامله عثمان بن حنيف: «أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثي، وأكباد حري، أو أكون كما قال القائل:

وحسبك داءً أن تبيت ببطنة

وحولك أكباد تحن إلي القد» ()

وعن فرات بن أحنف قال: قال علي بن الحسين عليه السلام: «من بات شبعان وبحضرته مؤمن جائع طاو قال الله

عز وجل: يا ملائكتي أشهدكم علي هذا العبد أنني أمرته فعصاني وأطاع غيري وكلته إلي عمله وعزتي وجلالي لا غفرت له أبداً» ().

إلي غير ذلك من الروايات التي تبين حق الجوار وتهدد كل من لا يهتم بالفقراء والجائعين بالعقاب والعذاب.

العولمة الغربية ناقصة

مسألة: العولمة الغربية ناقصة وقد فقدت واقعيتها وتأثيرها المطلوب بسبب ذلك، فهي بالإضافة إلي ما فيها من سوءات وسيئات، لم تستوعب جميع الميادين، ومثلها لا يتمكن من الاستقامة فضلاً عن البقاء والدوام، وذلك لأن العولمة الغربية راحت تهتمّ بناحية الجسد فقط: عيناً واُذناً، ولساناً وأنفاً، ويداً ورجلاً، وبطناً وفرجاً، وتعتني بالقضايا الخيالية والوهمية: من حب الجاه والمقام، والرئاسة والإمارة، وما أشبه ذلك، وتهمل ناحية الروح مطلقاً، فلا مكان فيها للاعتقاد بالله تعالي ورجاء ثوابه، كما لا مكان فيها لليوم الآخر وانتظار حسابه وجزائه، وكذا لا مكان فيها للفضائل الروحية، والمحاسن الخُلقية وما أشبه ذلك من قيم ومُثل.

وعليه: فالعولمة الغربية مولود ناقص، ومن نواقصها أنها تهتمّ فقط بالبلاد الغربية وعلي رأسها أمريكا، ولاتهتم بالعالم الثالث والدول الفقيرة اطلاقاً، بل تسعي للسيطرة عليهم وكسب الأرباح الأكثر عبرهم، ولذا نجد آلاف الناس يموتون جوعاً، وآلاف الناس لا يشبعون من الخبز، وآلاف الناس تطحنهم رحي الحروب، وتقضي علي حياتهم حروب الإبادة الجماعية، كحرب الصرب ضد مسلمي البوسنة والهرسك، والروس ضد مسلمي الشيشان، والصهاينة ضد مسلمي فلسطين، والأمريكان ضد مسلمي الأفغان، وغيرها من الحروب التي تلتهم حياة الإنسان المسلم بأسامي مختلفة، والسبب هي: المادية والنفعية التي تبتغيها الدول الغربية علي الأغلب، حيث إنهم يصنعون السلاح المدمّر، ويبيعونه بأغلي الأثمان، ويسترجعون به ما دفعوه من ثمن البترول، ويختبرون قدرته الأدائية علي رؤوس المسلمين وشعوب العالم الثالث، ويسحقون عبره كرامة الإنسان وحقوقه.

وأمّا

المنظمات الدولية: كمنظمة حقوق الإنسان، وهيئة الأمم المتحدة، وما أشبه ذلك، والقوانين التّي قنّنت فيها لمطالبة حقوق الإنسان وحمايته، فهي عادة لا تتجاوز عالم الألفاظ، إذ لا ضمان لها ولا لتطبيقها في عالم الواقع والمجال العملي الخارجي إلا نادراً، مضافاً إلي أنها تراعي عادة مصالح الدول الكبري لا مصلحة الإنسان بما هو إنسان.

الحدّ من انتقال القوة العاملة

مسألة: من نواقص العولمة المعاصرة بعدما حققت العديد من جوانبها التطبيقية في مختلف المجالات، هو ما يتعلق بانتقال قوة العمل، والايدي العاملة، فإن المراكز الرأسمالية والمؤسسات المالية الدولية التابعة لها، بينما تراها تمارس مختلف أنواع الضغوط لتأمين حرية انتقال السلع والخدمات والرساميل، تراها في نفس الوقت تضع مختلف القيود والعراقيل لمنع انتقال الأيادي العاملة، وصدّ هجرة قوة العمل، من الدول النامية إلي الدول المتقدمة، مع العلم بان القرنين الماضيين: حصلت فيها الهجرة وانتقال الأيدي العاملة بصورة أكثر، وذلك للحرية المتوفرة آنذاك وعدم توفرها اليوم.

و من الواضح: إن هجرة الأوربيين إلي نيوزلندا واستراليا وإلي الأمريكيتين وجنوب أفريقيا، وإلي الكثير من البلدان النامية آنذاك، قد ساهمت في الحيلولة دون حدوث تغييرات اجتماعية كبيرة في الدول الأوروبية الرأسمالية، وذلك بسبب البطالة المتفشية فيها، وانتشار الفقر والأمية والبؤس والمرض في تلك المرحلة مساهمة كبيرة وفاعلة.

والإسلام لم يمنع العامل بل أي شخص من الهجرة والتنقل، والسفر والإقامة في أي بلد شاء، حيث خلق الأرض للإنسان بما هو هو مهما كان لونه وعرقه وقوميته ولسانه، قال تعالي: ?خلق لكم ما في الأرض جميعاً?().

بل قال سبحانه: ?اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ ? وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ

اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ? وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ?().

وقال تعالي: ?وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ? وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ? وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَي الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ? وَأَلْقَي فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ? وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ?().

وقال سبحانه: ?أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَنْ تَقَعَ عَلَي الأرْضِ إِلاَ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ?().

وقال تعالي: ?أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًي وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ?().

وقال سبحانه: ?اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ? وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ?().

وقال عزوجل في الهجرة: ?أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا?().

وقال سبحانه: ?وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَي اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَي اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً?().

تأطير الطاقات المطلقة

مسألة: إننا مع التطور الكبير في العلم، وتقلّص عوامل المسافة والزمن، وضرورة امتلاكنا لمقدراتنا في المجالات الحيوية، وذلك حسب ما يأمر به الإسلام من العولمة الصحيحة، وقد بلغنا درجة لا يمكن معها التغافل أو التهرب من ضرورة إدارة كل ما هو

في حيطتنا: من سلامة البيئة، ومن قوة التجارة، ومن نظم أنشطة الإنتاج والاستهلاك، وتأطيرها لصالح الإنسان وكرامته الإنسانية والإسلامية، وقد انطلقت طاقات المعرفة والعلم، وهدرت عجلات التصنيع والفن بمختلف أشكالها، وظهرت الحاجة الملحة لتأطير هذه الطاقات المنطلقة في إطار خدمة الإنسانية كلها وفي خدمة كل الأجيال الموجودة والقادمة، حتي لاتنتصر هذه الطاقات المادية علي حساب هزيمة الإنسان والإنسانية نفسها، أو لحساب جيل حاضر علي حساب الأجيال الأخري القادمة مع تمادي الزمن.

ويظهر من ذلك كله أن الحاجة إلي النظرة العالمية ملحّة حتي ونحن نتصرف محلياً، وإن كان البعض يري هذه المعادلة بالعكس أي: بأن يكون التفكير محلياً والتصرف عالمياً فإن المهم في كلتا الحالتين أن يكون البعد العالمي ماثلاً دائماً أمامنا، بعد أن تشابكت المصالح إلي حد بعيد، وتداخلت تداخلاً لا يمكن فرز بعضها عن بعض، نعم إن هذا الإطار العلمي والنظري للعولمة شيء، والعولمة الغربية التي ظهرت في الساحة وعرفناها حتي الآن علي أرض الواقع وفي إطار العمل والتطبيق هي شيء آخر، فقد هيمنت الأسواق علي عملية العولمة، وصادرت منافعها وخيراتها، مما أدي إلي أن تحتكر شعوب قليلة معيّنة وأقطار متعددة بعينها، فوائد العولمة ونتائجها الإيجابية، وتترك سلبياتها وأضرارها لشعوب كثيرة وأقطار أخري تشكل غالبية الأقطار في العالم.

جوانب من العولمة

مسألة: لقد ظهر مما سبق أن العولمة هي اتجاه متفاقم نحو تخطي الحدود وتجاوزها.

وبعبارة أخري العولمة تعني: التعامل دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية، أو بدولة معينة، أو الانتماء إلي وطن محدد، أو إلي جهة خاصة، ودون حاجة لإجراءات حكومية، أو تحريات قضائية.

ويظهر ذلك بشكل واضح في الشركات متعددة الجنسيات، وفي انتقال رأس المال الذي يبرز جلياً عبر استخدام تذاكر الائتمان، وامتلاك الأرباح من غير خسائر.

وللعولمة كما يقال

جوانب ثلاثة كالتالي:

أولها: جانب مادي جاء نتيجة التقدم العلمي، والتطور الصناعي المدهش، وما ترتب عليه من تغيير كبير في وسائل النشر والإعلام، والاتصال والارتباط، والأطباق اللاقطة والمحطات الفضائية، التي تبث برامجها لكل أنحاء الكرة الأرضية، ولكل البشر علي هذه الكرة الترابية، دون أن تحدها حدود، أو تحجّمها قيود، وهكذا في ثورة المعلوماتية المدهشة التي تجسدها شبكة الانترنيت في كل زوايا الأرض.

ومن المعلوم: أن هذا الجانب من العولمة ليس مطروحاً للجدل والمناقشة، ولا للقبول أو الرفض، إذ هو واقع خارجي وقد أصبح أحد ظواهر العصر الذي نعيشه، ولكن علينا أن نعرف كيف نتعامل معه، لاستيعاب الوضع ولنكون أكثر تأثيراً في عالمنا المعاصر الذي نعيش فيه، وعلينا أن نعرّف شعوبنا النافع منه والضار تفادياً لأخطارها وتجنباً من مساوئها.

ثانيها: جانب قيمي جاء نتيجة الظاهرة التنافسية لنمط الإنتاج الرأسمالي، الذي فرضه اقتصاد السوق علي العالم، وعزّزه باتفاقية التجارة العالمية: الغات المعروفة.

ولا يخفي أن هذا الجانب من العولمة يثير وبشدّة كثيراً من المخاوف والشكوك، وخاصة بعد أن جاءت جولة أورجواي وبكل قوة لتكون ضربة قاضية للدول النامية، حيث إن الدول الصناعية الكبري قد فرضت وبعنف شروطها المجحفة والقاسية لتحرّر التجارة لصالحها وانتقال رؤوس الأموال.

ثالثها: جانب إعلامي وجاء نتيجة الطابع التوسعي لسياسة الغرب، فإنها سعياً لنشر هيمنتها علي الدول النامية، وقبضتها علي الأسواق العالمية تقوم الدول الغربية بالإعلام لصالح العولمة والإعلان عن محسّنات مختلقة لها، بينما واقع العولمة الغربية هو واقع الهيمنة وحقيقتها هي حقيقة السلطة والسيطرة، علماً بأن العولمة التي تكون في صالح الإنسانية من جميع الجهات هي عولمة الإسلام فحسب.

هذا ولا يخفي أن الجانب القيمي الذي جاء نتيجة الظاهرة التنافسية لنمط الإنتاج الرأسمالي من العولمة هو الذي يجعل من

العولمة مسألة خلافية متنازع فيها، وهو الذي يستدعي توضيح وبيان أكثر للعولمة في أبعادها في حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والمدنية والثقافية.

العولمة وموقف المجتمعات منها

مسألة: إن موقف المجتمعات من العولمة موقف مختلف وغير متحد، فإن هناك معركة كبري تدور في المجتمعات حول العولمة سياسية واقتصادية، وثقافية وفكرية، وغير ذلك.

أجل إن كل جديد يتحقق في العالم الخارجي، تنقسم المجتمعات البشرية في موقفهم تجاهه إلي أقسام تالية:

فإن هناك من المجتمعات ما ترفض كل جديد ومنها: العولمة رفضاً تاماً، وهي مجتمعات تقف ضد التيار، وعكس مسار التاريخ، ولكنها تنكفئ وتذوب عادة ولا يكتب لها النجاح.

وإن هناك مجتمعات علي العكس منها، وهي مجتمعات استسلامية تقبل كل جديد ومنها العولمة من دون قيد وشرط، معتبرة أن العولمة هي لغة العصر القادم، ولا محيص منها، متغافلة عن السلبيات الخطيرة التي تتواجد في بعض جوانب العولمة.

وإن هناك مجتمعات وسط بين الاتجاهين، وهي مجتمعات واعية تحاول فهم القوانين والمعادلات الحاكمة للعولمة، وتعترف أولاً وقبل كل شيء بأن العولمة حدث تاريخي خارجي، وتدرك مع ذلك بأنه من غير الصحيح أن تستسلم لكل ما جاءت به العولمة من المفاهيم والقيم التي تقوم عليها في الوقت الحاضر، والتي تهدف في الواقع إلي استرجاع نظام الهيمنة الاستبدادية القديم، وعرضها بأزياء وصور حديثة وجديدة.

وهذه الاتجاهات الثلاثة ظهرت علي الساحة في كل من بلاد أوروبا وفرنسا بصورة عامة، وبدت واضحة وبصورة خاصة من موقف الحزب الاشتراكي الفرنسي الرافض للعولمة وذلك بحسب بيانه الرسمي الصادر قبل عدة أعوام، وقد كان البيان الصادر تحت عنوان: (العولمة وأوروبا وفرنسا) وهذا البيان يتضمن أعنف نقد، وأقسي لوم علي العولمة الغربية الأمريكية.

مضافاً إلي كل ذلك فقد بدأت حركات فكرية جديدة تتصاعد داخل أمريكا نفسها ضد العولمة، وهذه

الحركات لم تكتف بالنقد التفصيلي للعولمة وجوانبها الاقتصادية والسياسية، والفكرية والثقافية، بل أنها ذهبت إلي أبعد من ذلك، إنها تحاول إراءة بديل للعولمة الأمريكية والترويج له.

هذا وقد تعرض لبيان هذه الحركات الفكرية ونشاطاتها في أمريكا، عدة كتب انتشرت في الأسواق تحتوي علي عشرات البحوث التحقيقية والدراسات المسهبة والمعمقة في هذا الموضوع().

العولمة وحقوق الإنسان الثقافية

مسألة: إن حقوق الإنسان الثقافية، بالنسبة إلي آثار العولمة وتأثيراتها عليها تكون أكثر تعقيداً وأكبر تصعيداً من المجالات الأخري، فإن الجدل في هذه أي: في حقوق الإنسان الثقافية وآثار العولمة عليها، قائم علي أشد مما هو في غيرها، فالقيم المتجذرة في نفس المجتمعات والمثل المترسخة في ضمير الشعوب هي التي تشكل رؤيتها وتحدد نظرتها للعالم، وهذا هو ما يتنافي مع آثار العولمة وأهدافها، ومن هنا تأتي أهمية الثقافة بالنسبة لقضية العولمة.

هذا ولا يخفي أن المعاهدات الدولية تؤكد علي أن للإنسان الحق في التمسك بثقافته الخاصة، والتكلم بلغته الخاصة، والتجاهر بدينه الخاص، والإعلان عن مذهبه الخاص، يعني: أن تكون له خصوصيته الثقافية، وهي تستدعي التباين مع الخصوصيات الثقافية الأخري، بسبب اختلاف اللغة، أو الدين، أو المذهب، أو السلالة، أو ما أشبه، وذلك في إطار الثقافة والفكر، وعلي مستوي الوطن والمنطقة، والتمدن والحضارة، وغير ذلك، مع أن العولمة تريد تعميم ثقافة واحدة علي كل أهل المعمورة، وهذا مما يثير الخوف والقلق لدي الكثير، لما يرون في ذلك من تهديد للخصوصية، وخاصة من الذين يملكون إمكانيات كبيرة في الأمور الثقافية ويستطيعون عبرها تعميم ثقافتهم علي العالم.

هيمنة الثقافة الأمريكية

مسألة: مما يلزم الانتباه له أن الغرب يسعي في نشر ثقافته عبر العولمة، فمثلاً عُرفت أمريكا بتفوقها علي بقية الدول في نسبة ما تصدّره من مواد ثقافية فكرية، وترفيهية تنشيطية، من نشرات وكتب، ومسرحيات وأفلام، وبرامج راديو وتلفزيون، إلي حد أن صادراتها من هذه المواد تسبق جميع صادراتها بالنسبة إلي المجالات الأخري، فقد ربح فيلم واحد من أفلامها مبلغاً قدره علي ما قيل: أكثر من بليون دولار أمريكي، وهذا ما يدفع أمريكا أن تتعامل وبإصرار بالغ، مع السلع الثقافية معاملة تختلف عن

بقية السلع الأخري، يعني: إنها تعفيها من فرض أية قيود تمييزية عليها.

وهذا تماماً بالعكس من فرنسا ودول أخري كفرنسا، فإنها تملك إمكانيات لا بأس بها في مجال الإعلام الثقافي والفكري، لكنها أضعف من إمكانيات أمريكا وعلي اثر ذلك أصبحت تلك الدول تعتبر العولمة الثقافية خطراً كبيراً يهدد هويتها الثقافية وينذرها بالذوبان والنسيان.

أما مشكلة العولمة الثقافية بالنسبة إلي العالم الثالث، فإنها أشد خطراً عليها من غيرها، إذ لأمريكا وكذلك للدول الصناعية الكبري، من الإمكانيات والقدرات الثقافية ما لم يكن لدي العالم الثالث شيء منها، وهي ما جعلت دول العالم الثالث سريعة الانفعال وفي وضع المستسلم لها.

إحصائيات وأرقام:

لقد ذكرت بعض المنظمات الدولية، إحصائيات في مجال البرامج الثقافية وسيطرتها علي الأسواق المحلية لبلدان العالم الثالث، فقالوا:

إن مصر تستورد لبرامج شبكاتها التلفزيونية: ثلث إجمالي البث.

إن تونس والجزائر تستورد نصف هذا الإجمالي المذكور من بثها التلفزيوني.

وان لبنان تستورد من البرامج الأجنبية ما يزيد علي ذلك، حيث تتراوح نسبة ما تبثه في تلفزيونها بين 60% إلي 96% من مجموع البرامج الثقافية والفكرية فيها.

وإذا أحصينا ما يقارب من 300 شركة إعلامية هي الأولي في العالم، نجد بينها 144 شركة أمريكية و80 أوروبية و49 يابانية، ومن الشركات 75 الأولي في مجال نقل المعلومات إلي الجمهور هناك 39 شركة أمريكية و25 أوروبية غربية و8 يابانية، وفي قطاع الخدمات المعلوماتية والاتصالات بعيدة المدي ومن بين الشركات 88 الأولي نجد 39 أمريكية و19 أوروبية غربية و7 يابانية، وفي قطاع التجهيزات ومن 158 شركة هناك 75 شركة أمريكية و36 أوروبية غربية و23 يابانية، ويوجد الباقي في استراليا وكندا وما أشبه.

ومن المعلوم: إن هذه التبعية الثقافية والإعلامية تثير مخاوف الكثيرين في منطقتنا، وذلك لأنهم يرونها تهدد هويتهم الثقافية

التي هي حق محترم من حقوق الإنسان، وهو كذلك، والخوف منها في محله، ولابد من العمل علي تفادي أخطارها.

والذي يزيد من هذه المخاوف هو: ظهور عدة نظريات غربية متسرّعة في أعقاب سقوط حائط برلين في ألمانيا، تؤكد تلك النظريات علي انتشار الليبرالية الجديدة، وتفشّي الحضارة الغربية، وتطالب بوجوب تعميمها لتشمل العالم أجمع، وتغطي علي كل الحضارات الموجودة فيها جمعاء.

وهذه النظريات وأشباهها، وإن لم تستند إلي تحليل موضوعي لكيفية النزاعات التي سوف تحدث تباعاً في القرن الجديد، إلاّ أنها أثارت في أوساط العالم الثالث وبين المسلمين خاصة الكثير من المخاوف، لأنها صدرت عن جهات معتمدة وذات نفوذ داخل الغرب، تعكس ما تنطوي عليه سياسة الهيمنة الاستعمارية من نوايا سيئة، ومن عداء شديد للإسلام والمسلمين بل للبشرية والإنسانية أجمعين.

التناقض بين القول والفعل

مسألة: إن هناك مشكلة واقعية حقيقية، باتت تواجه الانفتاح السياسي واحترام حقوق الإنسان في عصر العولمة وهي: أنّ النظام الدولي القائم حالياً ليس نظاماً منفتحاً خالياً من الاستبداد، إذ توجد فيه دولة عظمي واحدة ولم يكن في مقابلها دول عظمي أخري، ومن الواضح أن الدولة العظمي تسعي سعياً لأن تفرض قوانينها ونمط استهلاكها وثقافتها علي العالم أجمع، وهذا يوجب اختلال المعادلات الأخلاقية، وسيادة المعايير المزدوجة والانتقائية في مواجهة قضايا حقوق الإنسان، وتفاقم المشاكل الإنسانية القائمة في بلدان العالم الثالث والإسلامية بصورة خاصة علي قدم وساق.

ومن هنا تري أمريكا لم تحسن استخدام حق التدخل في مواجهة الانتهاكات المحلية لحقوق الإنسان، ولم ترفق في مسلكها كدولة عظمي، ففي نفس الوقت الذي تصب أطنان المتفجرات علي شعب أعزل، تراها تستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن أكثر من مائة وخمسين مرة حتي الآن لحماية إسرائيل من أي قرار يدينها ويندّد بها، أو

يوقع عليها عقوبة عارمة، نتيجة أعمالها الوحشية ومذابحها ضد الشعب الفلسطيني المسلم، من دير ياسين إلي مذبحة قانا، ومروراً بتهجير شعب فلسطين، وحرق قراه، واستمراراً باحتلال الأراضي الإسلامية، وانتهاءً بالتهديدات القاسية التي تفضح سياسة اليهود العنصرية، مثل: التهديد بقتل الأطفال وحرق التراب اللبناني بعد سرقة قسماً منه.

ولقد ظهرت نفس المشكلات الآنفة أي: مشكلة اختلال المعادلات الأخلاقية، ومعضلة الانتقائية والمعايير المزدوجة أيضاً في كل من البوسنة والصومال وبورندي والشيشان وأماكن أخري كثيرة من العالم كأفغانستان وما شابهها.

ومن الواضح أن هذه المشاكل لم تكن في العولمة الإسلامية المبتنية علي العدل والإنصاف، والقيم والأخلاق.

بين عالمية حقوق الإنسان والعولمة

مسألة: هل تختلف العالمية في مجال حقوق الإنسان عن العولمة؟

أجاب بعض الأخصائيين قائلين: إن العالمية في هذا المجال شيء مختلف عن العولمة تماماً، وذلك للفوارق التالية:

أولاً: إن العالمية في مجال حقوق الإنسان لا تعمل علي إنهاء دور الدولة، ولا تسعي للتقليل من شأنها، بل العالمية هذه تضع علي الدولة التزامات معينة، وهي تحتاج إلي وجود دولة لتنفيذ هذه الالتزامات.

وهذا يعني علي العكس من العولمة التي تحد من دور الدولة وسلطاتها، كي يضعف تأثير الحدود السياسية والسيادة الوطنية.

ثانياً: إن العالمية في مجال حقوق الإنسان تدعو للانفتاح علي الآخرين وتأمر بالأخذ والعطاء معهم، فإنه كلما يتم التعاهد أو التوافق بين المجتمع الدولي علي أهداف محددة، أو مفاهيم معيّنة، مقابل التزامات يقبلها الجميع، تأمر بالمشاركة وتعاون الدول فيما بينها لتطبيقه.

وهذا أيضاً علي العكس من العولمة التي تحاول تسييد أوضاع معينة علي العالم أجمع، أي: إنها تعتمد علي التحول من الخارج.

مثلاً: إن الاقتصاديات مما لا يمكن العمل من داخل الدولة علي تغييرها، لذلك تري العولمة أنه لابد من العمل من خلال المؤسسات الدولية والضغوط الخارجية من أجل تحويل

هذه الاقتصاديات وإدماجها في النظام العالمي، وليس اعتماداً علي التحول التدريجي الذاتي، وهذا هو اختراق صريح للآخر، وسلب فاضح لخصوصيته.

ثالثاً: إن العالمية في مجال حقوق الإنسان معناه: الالتزام بالمفاهيم التي أقرّها المجتمع الدولي إقراراً من خلال أكثر من مائة اتفاقية ومعاهدة، وإعلان رسمي، وبيان دولي، وعدّ ما جاء فيها من حقوق الإنسان بأنه كل لا يتجزأ ومجموعة لا تتبعّض.

وهذا أيضاً علي العكس من العولمة التي تسعي في مجال حقوق الإنسان إلي تعميم مفهوم حقوق الإنسان في ثقافة الدولة الأقوي، والتي هي حالياً ثقافة أمريكا التي تزعم أنها رائدة الثقافة الفضلي المؤهلة للهيمنة علي العالم كلّه، وعلي جميع الثقافات وبرغم من أصحابها.

ولكن العولمة والعالمية في الإسلام فتشتمل علي النمو والازدهار في مختلف مجالات الحياة من دون تضرر أحد حيث تبتني علي أسس إنسانية منها: قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة الضمان، وقاعدة السلطنة().

بلاء التلوث والتضخم

مسألة: إن عمليات تلويث البيئة التي أقلقت الأوساط العلمية المسؤولة، ليست علي الظاهر من نتائج العولمة في نفسها، وإنما هي نتيجة عارضة من سوء الاحتراز القانوني والصناعي الذي يشجع علي انتهاكه مادية العولمة الغربية، وذلك لأننا نجد أن كل المصانع سواء كانت في العراق أو الهند أم في بريطانيا أو أمريكا، فإنها جميعاً تساعد إلي قدر مّا في التلوث البيئي.

وكذلك يكون حكم تصدير الصناعات الأكثر تلويثاً للبيئة، فإنّها أيضاً ليست علي الظاهر من نتائج العولمة في حدّ ذاتها، وإنما هي نتيجة حاصلة من جشع التجار، وطمع الشركات التي تشدّده مادية العولمة الغربية، ومن ضعف قانون الرقابة الصناعية والتجارية المفروضة علي الصناعة والتجارة من جهة العولمة الغربية، وأما في الإسلام فقد شدد الرقابة عليهما بواسطة معنويات عولمته العادلة.

أما التضخم الاقتصادي والنقدي فإن نسبة مئوية

منه يكون علي الظاهر من نتائج نمو متطلبات الإنسان وتوسعها بصورة عامة، وهذا النمو والتوسع ليس في نفسه من مختصات عولمة دون أخري، كما إنه ليس في حد ذاته من خصائص مجتمع دون آخر، وذلك لأن زيادة متطلبات الفرد أينما كان مسكنه وموطنه ومهما كان صنفه وجنسه، هي إحدي أسباب التضخم من غير أن يقتصر علي عولمة دون أخري، ولكن المادية الصرفة للعولمة الغربية تساعد علي تشديده، بينما المعنويات الموجودة في العولمة الإسلامية تحدّ منه وتقلصه إلي أدني درجاتها الممكنة.

وأما البطالة في المجتمع الإسلامي، أو البطالة عموماً في كل المجتمعات، فجزء منها قد ترتبط بالتطور السريع للآلة ولكن معظم البطالة نتيجة القوانين الكابتة للأنظمة الغربية والشرقية التي أخذت المجتمعات تطبقها، وهي غير الموجودة في الإسلام، فإن حرية العمل في الإسلام أكثر بكثير مما هو في غير الإسلام.

هذا ولا يخفي أن تعريف البطالة يختلف في المجتمع الإسلامي عنه في المجتمع الغربي، فربة البيت مثلاً قد يعتبرها النظام الغربي عاطلة عن العمل، بينما في النظام الإسلامي لا يعتبر ربة البيت عاطلة عن العمل، بل إن عملها هو: إدارة البيت، وتربية الأبناء وإسعاد الزوج، وهذا من أفضل الأعمال وأجمل المشاغل اللائق بحالها الذي يمكن للمرأة أن تعمله أو تشتغل به، مع إمكان أن تعمل خارج البيت أيضاً مراعية للموازين الشرعية.

هذا وقد أخذ بعض الكتّاب بنقد العولمة الحديثة، ونسبوا مشاكل الإنتاج والتصنيع وظهور الآلة الحديثة، والتلوث البيئي المدمّر والبطالة الهادمة، إلي أنه جزء من إفرازات العولمة الحديثة وذلك من دون الالتفات إلي أن هذه المشاكل في حدّ ذاتها كانت موجودة قبل العولمة بزمن طويل، وإن أسبابها الاقتصادية أو القانونية أو الحكومية معروفة سلفاً كما أوضحنا، فإن نسبة مئوية مرتفعة

منها، ناشئة من القوانين الوضعية الكابتة التي قننها الغرب، وسارت عليها كافة حكومات العالم، والتي هي علي خلاف قوانين الإسلام التي تفسح المجال لحرية العمل والتجارة بالشكل المفيد للمنتج والمستهلك، فإن نظام اقتصاده قائم علي الأخلاق والعقل، والقسط والعدل.

العولمة وحقوق الإنسان الاقتصادية

مسألة: لقد قال الكثير من خبراء الاقتصاد مبشرين: بأن في ظل العولمة الجديدة، وتحرير قوي التنافس والتسابق، سيتم توجيه الموارد البشرية والمادية إلي المواقع الإنتاجية، أي: إلي ما هو معروف بالاتجاه الكفؤ للاقتصاد، ثم يترتب علي ذلك تزايد مستمر في حركة الإنتاج وعلي الصعيد الدولي والعالمي بما يلبي حاجيات البشر بشكل أفضل وصورة أجمل.

هذا هو ما قاله خبراء الاقتصاد والعولمة الاقتصادية، لكن الذي حدث في ظل العولمة الغربية خارجاً هو عكس ذلك، فقد اتجه العالم نحو استقطاب شديد في الفقر المدقع، الذي اتسعت دائرته بصورة رهيبة، وراحت تلتهم بلهواتها الكثير من سكان المعمورة، فقد أصبح اليوم يعاني من الجوع ويحنّ للقمة الخبز ما يقرب من بليون إنسان، وأصبح بليونان آخران من الناس يعانون من سوء التغذية ويئنون من آلامها وآثارها.

هذا وقد اتجه القسم الآخر من العالم اليوم إلي تركيز شديد في الثروة وتكديس أعمي للأموال، وذلك علي مستوي الدول ومستوي الأفراد معاً، وداخل الدولة الواحدة أيضاً، فإن ما يقرب من خُمس سكان العالم الذين يعيشون في أعلي البلدان دخلاً، وأكثرهم مورداً، يحصلون علي ما يلي:

68% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

82% من صادرات العالم.

86% من الناتج الإجمالي.

74% من خطوط الهاتف في العالم.

بينما ما يقرب من خُمس السكان الذين يعيشون في أشد البلدان فقراً وأخفضهم دخلاً يحصلون علي 1% فقط من الناتج الإجمالي العالمي.

هذا الفرق الطبقي الكبير يرجع لعدة عوامل أهمها هو ما يلي:

العامل الأول:

اندراج العولمة الغربية تحت هيمنة

الأسواق وسيطرة السوق علي عملية العولمة، واستغلالها لزيادة الربح مهما كان مصدره، من غير احتراز لما يعكسه ذلك من آثار جانبية علي حقوق الإنسان وكرامته.

و في هذا المجال صدر تقرير التنمية البشرية المنتشر قبل عامين يقول: (إن الآثار الجائرة المترتبة علي العولمة، التي توجهها الأسواق ويوجهها تحقيق الربح، أوسع وأعمق من البيانات المذكورة أعلاه والإحصاءات المزبورة آنفاً حيث إنها تمس جميع جوانب حياة الإنسان وتخدش كرامته).

هذا ويضيف التقرير قائلاً: (إن الرعاية التي تمثل قلب التنمية البشرية غير المرئي، مهددة بالإحباط والانهيار، وذلك لأن السوق العالمية التنافسية الموجودة الآن تفرض ضغوطاً علي ما يلزم عمال الرعاية من وقت وموارد وحوافز، وهي أعمال بدونها لاينتعش الأفراد، ومن الممكن بل المحتّم أن ينهار التماسك الاجتماعي بانهيار الرعاية المطلوبة).

ثم إنّه مما لا شك فيه أن سوف تؤثر هذه الأوضاع المزرية، علي تراكم القدرات الإنسانية للمجتمع وتكدسها التي تعتبر الآن أهم للتنمية من تراكم رأس المال وتكدّسه.

العامل الثاني:

سيطرة التطور التقني والفني علي مجالات العمل والعمالة، وظهور الآلات المتطورة علي الساحة، الموفّرة للوقت والجهد الإنساني، الأمر الذي دعا المشاريع العملاقة التي تطبق أساليب العمل الفني والتقنيات إلي إلغاء الوظائف أكثر من إيجادها، والي إجراء عمليات تصفية عمالية إن صح التعبير وذلك باستمرار علي نطاق واسع وفي مختلف الشركات العملاقة، ومعلوم أن هكذا تصفيات تؤدي إلي إلغاء كثير من الوظائف، وإلي خفض مدهش في عنصر العمل وتقليص الأيادي العاملة.

مثلاً في أمريكا وقبل خمسة أعوام صدر عن منظمة العمل الدولية تقرير سنوي عن العمالة لعام واحد يقول: تم القضاء بالفعل علي ما يقرب من مليوني وظيفة في قطاع الصناعات التحويلية، بينما كان قبل عشرين عاماً تقريباً يعمل بها مائة وعشرون ألف عامل، ولكن

انخفض عددهم بعد عشر سنوات إلي عشرين ألف عامل فقط، مع إنهم كانوا ينتجون نفس القدر من المنتجات بلا زيادة ولا نقيصة.

ومن المعلوم: إن هذا التخفيض إذا لم يوفر أعمالا بديلة سوف يؤدي إلي نتائج غير محمودة، مثل حصول جيش من العاطلين، ومثل تخفيض أجور ومرتبات العمال والموظفين، ومثل تقلص الكثير من المزايا والحقوق التي كانوا يحصلون عليها من قبل، وغير ذلك.

العامل الثالث:

تضخم الأرباح لصالح أفراد معدودين، فإن الأرباح الحاصلة عن التقدم التقني الفني، كان في السابق يتقاسمها جميع العاملين في الاقتصاد القومي، مع اختلاف النسبة فيما بينهم، بينما الأرباح الحاصلة عن الثورة العلمية والقفزة الصناعية اليوم يتقاسمها عدد قليل جداً من الأفراد، وهم رجال الإدارة العليا، وحملة الأسهم، وعمّال المعرفة والتقنيات فقط.

ومن الطبيعي حينئذ أن ينتج ذلك زيادة مستمرة في طبقات ما تحت خط الفقر، وتهميش هذه الطبقات، وتركيز الثروة في أيدي طبقة قليلة من الناس.

ومن هنا اتضح أنه إذا كانت حقوق الإنسان السياسية والمدنية قد استفادت نسبياً من عصر العولمة الغربية كما سبقت الإشارة إليه فإن حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية لم تأخذ نفس القدر من الاهتمام، بل أصبحت مهضومة بين عجلات الثروة والاقتصاد.

نعم إن من حق الإنسان أن يتخلص من الفقر، ويتنعم بما أنعم الله تعالي عليه في الحياة، ويعيش وسط مجتمع متوازن، لا مجتمع طبقي متضارب، وفي أجواء سليمة يسودها العدل والقسط، لا أجواء سقيمة يتراقص فيها شبح الظلم والجور، ولذلك سوف تظل العدالة الاجتماعية وتوازن المجتمع قيمة من القيم، التي ينبغي للمجتمعات الدولية الاعتصام بها، فتوازن المجتمع والعدالة الاجتماعية أمر ضروري لإيجاد الاستقرار الحقيقي وإرساء الأمن، وهو أيضاً شرط أساسي لإقامة مجتمع متوازن ومتعادل.

وهذا كله متوفر في العولمة الإسلامية.

لا لملكية الدولة

مسألة: إن

هناك شبهة اقتصادية تقول: إن كل تغيير في شكل ملكية وسائل الإنتاج لصالح الملكية الخاصة، تسبب زيادة البطالة، وهذا ليس أكثر من شبهة، إذ هو أمر غير ثابت، بل هو أمر غير صحيح، وذلك لأنه لو كان كذلك لما فشل النظام الاشتراكي والاقتصاد الشيوعي وأدّي إلي سقوط الاتحاد السوفيتي العملاق، الذي كان قد تربّع علي ملكية الدولة والقطاع العام، وألغي الملكية الشخصية والقطاع الخاص، فإن الخبراء السياسيين والاقتصاديين يؤكدون علي أن من أهم عوامل سقوط الاتحاد السوفيتي وفشله في كل المجالات هو تغيير الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج إلي صالح الملكية العامة، وكان فشل الاقتصاد الشيوعي والنظام الاشتراكي، وسقوط الاتحاد السوفيتي، تجربة ميدانية حيّة اتضح من خلالها حكمة الإسلام في تقريره الملكية الشخصية، واحترامه لها أيما احترام.

إذن: فلو كان نظام الملكية الشخصية والقطاع الخاص مما يزيد في البطالة وضعف الإنتاج وقلة الإبداع، لأنكره الإسلام ولم يقرّه، ولتوجّه الاقتصاد الإسلامي إلي تشجيع القطاع العام وملكية الدولة كما يسمي في العرف الحديث بدلاً من التأكيد علي الحرية الاقتصادية والتجارية، واحترام الملكية الفردية والقطاع الخاص.

ومن جانب آخر نجد أن أي تغيير في ملكية وسائل الإنتاج من القطاع الخاص والملكية الشخصية، إلي القطاع العام وملكية الدولة، سيغير من قوي العمل ويؤثر في أساليب الإنتاج تأثيرا سلبيا لا محالة، علماً بأن قانون التغيير هذا لا يختص بالعولمة بقدر ما يختص بالظروف المحلية، والتغيرات الثقافية والإدارية، والسياسية والاجتماعية المرافقة له، بل إنا نجد أن ارتباط الاقتصاد الإسلامي بالسوق العالمية، أو بأي نوع من أنواع الاقتصادات الأخري، سيوجب النمو والازدهار وعدم البطالة.

كما إن الدعم الحركي للسوق، مع قطع النظر عن الدعم المالي والنقدي، أو السلعي والفني، الذي يفرضه السوق المتحرك للعناصر الاقتصادية المرتبطة

به، فإن الدعم هذا يعيد للسوق حيويته من جديد، وهو الذي رأيناه قد حدث بالفعل عندما انهار اقتصاد كل من الدول الثلاث: كوريا وماليزيا وإندونيسيا، فإن اليابان وكذلك أوروبا دعمتها بسرعة، فاستعادت تلك الأسواق حركتها ونشاطها ووقف اقتصادها للمرة الثانية منتصباً علي قدميه.

التخلف الاقتصادي لماذا؟

مسألة: إن التخلف الاقتصادي هو بالدرجة الأولي نتيجة الإعراض عن منهج السماء في الاقتصاد، ومنه يعرف أن ما يقال عن العولمة: بأنها تسبب التخلف الاقتصادي في المجتمع والأمة، فليس هو بصحيح، وان كانت العولمة لاتخلو من تأثير لها فيه، وذلك لأن حلقات الترابط بين صناعة الحديد مثلاً وصناعة النفط لو وجدا معاً في بلد من البلدان فإنها ترتبط بالسوق العالمية، ولا تقتصر علي الدول الإسلامية وغيرها من الدول الأخري.

بل يمكن القول: بأن التخلف الاقتصادي المشهود ليس هو بعد الإعراض عن منهج السماء إلاّ نتيجة صراع الدول الصناعية الكبري لاحتواء الأسواق العالمية، وذلك قبل أن توجد العولمة، فإنها حصيلة المؤتمرات الثنائية والعامة، والمؤسسات التجارية المتولدة من تلك المؤتمرات، مثل المنظمة العالمية للتجارة، وغيرها من المنظمات الاقتصادية الأخري وذلك مع قطع النظر عن الأبعاد الإنسانية والأخلاقية فيها.

كما انه يمكن أن ينسب أي تخلف اقتصادي ملموس في الأوساط العالمية مضافا إلي ما ذكر من: الإعراض عن منهج السماء، وصراع الدول لاحتواء الأسواق، إلي سوء الإدارة الاقتصادية وتردّيها، أو فقدان المواد الأولية وقلتها، إذ هي من مقومات حيوية الاقتصاد، ونموّه وازدهاره كما هو واضح.

أسباب و مسبّبات

مسألة: هناك شبهة اقتصادية أخري تقول: إن العولمة تكون سبباً في تصدير الصناعات الأكثر تلويثاً للبيئة إلي البلدان النامية، فهو كما سبقت الإشارة إليه أمر يرتبط بفقدان الرقابة الصناعية الصحيحة، وضعف القانون الصناعي الدولي وعدم اشتماله إلي مبادئ إسلامية إنسانية مثل

(مبدأ لا ضرر ولا ضرار)، ولا ربط له بالعولمة في الجملة، فإن تلك الدول الداعية للعولمة أيضاً لا تخلو من تلوث بنفسها.

مثلاً: جنون البقر في أوروبا الذي أدي إلي الخلل الاقتصادي حيث تم إتلاف الملايين من البقر المحتمل إصابته بهذا المرض.

ومثل: تلوث الدجاج في هونغ كونغ الذي أدي أيضاً إلي إتلاف الملايين من الدجاج المصاب وقد تم إتلافها بأمر من الرقابة الصناعية والإنتاجية في كل من البلدين.

وعليه: فإن التلوث ذاته هو أحد إفرازات التطور الصناعي في كل بلد من البلدان، ولايتوقف علي العولمة الحديثة، أو العولمة الاقتصادية، وان كان لا يبعد تأثير سقم العولمة كالعولمة الغربية، وصحتها كالعولمة الإسلامية، في ازدياد حجم التلوث وقلته.

تراجع أهمية النفط

ومن الشبهات الأخري: تراجع أهمية النفط وهبوط أسعاره، فهل هذا نتيجة العولمة الاقتصادية؟

إن تراجع أهمية النفط الإسلامي وهبوط أسعاره هو أمر غير خاضع 100% للعولمة، وإنما هو خاضع بعض الشيء لقانون العرض والطلب ولمؤامرات عالمية ضد البلاد الإسلامية، ومن الواضح لدي الجميع: إن العرض كان ولا يزال أكثر بكثير من الطلب الموجود علي الساحة العالمية، وتبعاً لكثرة العرض المؤدية إلي تراجع أهمية النفط الإسلامي، تراجع سعر النفط وتدني قيمته أيضاً، كما أشارت إلي ذلك منظمة الأوبك، التي هي أكبر مؤسسة نفطية تضم الدول الإسلامية وغيرها بما فيها الدول الداعية للعولمة، حيث قد اعترضت علي تدني سعر النفط إلي مستويات بسيطة، واعترفت بأنه لم يعد للنفط أي سلطة نافذة كالسابق، وذلك منذ سنين حرب الخليج الأولي، يعني: قبل مجيء العولمة إلي الساحة، واطرداها علي الألسن.

كما ينسب هذا التراجع في الأهمية والقيمة من جانب آخر إلي توفر وسائل الطاقة البديلة للنفط في العالم، كالطاقة المستفادة من الشمس أو الماء، أو ما أشبه ذلك.

ارتفاع فواتير الغذاء وما أشبه

ومن الشبهات المطروحة أيضاً ما يشاهد من ارتفاع فواتير الغذاء والمواد الأولية والصناعات الثقيلة، لكنه أيضاً لا يرجع كلّه إلي العولمة، وذلك لأن هذا الارتفاع إنما هو بإزاء ارتفاع الدخل الفردي، وما ذلك إلاّ ضريبة من ضرائب التطور، وحاجة من حاجيات الدولة للنمو الصناعي والتقني، والتي تمثل بدورها حاجة الإنسان في تلك الدولة التي يعيش فيها.

هذا ولا يخفي: إن فواتير الغذاء مرتفعة أساساً في دول العولمة نفسها أيضاً وذلك من قبل مجيء العولمة.

وعليه: فإن الدعوة لأي وحدة اقتصادية، لا يمكن أن تقوم إلاّ إذا توازن الدخل القومي مع مستويات المعيشة والمصروف اليومي، فعدم التوازن المخل بالحياة اليومية، والمشاكل الناجمة عنه، إنما ظهرت من الإعراض

عن ذكر الله تعالي، ومن عدم تطبيق قوانين السماء في الاقتصاد، قال سبحانه: ?ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً?().

ولا بأس بالإشارة هنا إلي أن الشركات العملاقة متعددة الجنسيات ودول العولمة نفسها، تنسب ارتفاع الفواتير هذه إلي ارتفاع سعر النفط، المتعمد من قبل منظمة الأوبك، وقد حدث هذا الارتفاع لأول مرّة قبل ما يقرب من ثلاثين عاماً، وذلك عندما تمّ رفع سعر البرميل الواحد إلي ضعفين مرة واحدة، ولكن هذه النسبة غير صحيحة، فإن النفط الخام لا يباع اليوم بقيمته الواقعية بل هو دون ذلك بكثير مقابل التضخم الموجود، والارتفاع الملحوظ.

العولمة الاقتصادية والخوف منها

مسألة: ليست العولمة الاقتصادية الغربية وتبعاتها السيئة أصبحت مخيفة للمسلمين فقط، بل حيث إنّ الطبيعة الماديّة البحتة، المنطوية عليها تيار العولمة الاقتصادية كثيرة المخاوف، أخذ الخوف منها يتسرب في أوساط المثقفين والمفكرين المستقبليين حتي من نفس أمريكا أيضاً.

ومن الواضح إن الظالم يصبح ضحيّة لطيشه علي طول المدة، إذ لا شك في أن هذه القوّة بهذا الشكل تدمّر القيم الإنسانية، والمثل الأخلاقية، وتحيي الأنانيات والعداوات، وتؤدي إلي التنكر وهزيمة الذات أمام القوة التي يطلقها هذا التيّار.

وقد ظهر للعيان كيف أنّ هذا التيار المعارض أخذ ينمو حتي في داخل أمريكا وأوروبا واليابان، وهو يتربص بالعولمة الاقتصادية الغربية الفرصة المناسبة للقضاء عليها.

نعم في الحديث الشريف: «يوم المظلوم علي الظالم أشدّ من يوم الظالم علي المظلوم» ()، كما قرأنا ذلك في التاريخ البعيد، ورأيناه في العهد القريب.

ومما رأيناه في عصرنا القريب: تحطم الاتحاد السوفيتي وسقوطه مع أنها كانت دولة كبري، وقوّة عظمي، وهذا هو نتيجة الظلم ومخالفة الفطرة الإنسانية.

ومما قرأناه في التاريخ البعيد: أنه كيف خسف الله بقارون وأمواله، وأغرق فرعون ورجاله؟ وكيف أن بني اُميّة اُبيدوا

وقُتلوا؟ وكيف نُبشت قبورهم وأحرقت عظامهم وذري رمادها في الهواء؟ وكذلك يكون مصير الظالمين.

من تبعات العولمة الاقتصادية الغربية

مسألة: لقد أنتجت العولمة الغربية محيطاً خانقاً وبيئة ضاغطة، علي إثر السياسات المتخذة والبرامج المفروضة من قِبل ما يسمونه بمؤسسات العولمة الدولية، مثل المنظمة العالمية للتجارة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومؤسسات مالية دولية أخري، كهيئة المعونة الأمريكية وغيرها مما أصبحت مسؤولية الدولة في البلدان الإسلامية مجرد التطبيق الحرفي لما تفرضه تلك المؤسسات، وتتطلبه الشركات متعددة الجنسيات حتي تستثمر في البلدان الإسلامية.

إن الدولة في بلدان العالم الثالث أصبحت تعمل اليوم مجرد إدارة للأزمة الاقتصادية، لأن إدارة الأزمة الاقتصادية في منطق الرأسمالية، يعني: تجنب تصاعد تراكم الفائض المتنامي للرأسمال غير المستثمر، أو ما يمكن استثماره لتوسعة النظام الإنتاجي، مما يكشف عن أن سياسات العولمة الاقتصادية: من تحرير التبادل التجاري، والتدفقات العالمية لرأس المال، والنسب العالية للفوائد، وتنامي الديون الخارجية، ليست إلا أموراً ابتكرها النظام الرأسمالي العالمي، لصيانة هذا النظام من الفشل حتي وإن كان ذلك علي حساب البلدان النامية وحرمان شعوبها الفقيرة.

ولا بأس هنا بذكر أهم التبعات التي تحصل عليها البلدان الاسلامية من وراء العولمة كما ذكرها بعض الخبراء وهي كما يلي:

التبعة الأولي:

إن العولمة الغربية تغير ثقافة الاستهلاك وتبدل نمطها في البلدان الإسلامية إلي نمط الاستهلاك في البلدان الغربية، وإلي كثرة البذخ غير اللازم، وهو يؤدي إلي استنزاف الموارد المالية في البلدان الإسلامية، مضافاً إلي تزييف وجهة الطلب وخاصة عند الطبقات الغنية، التي تتميز عن غيرها من طبقات المجتمع بهوايتها لاقتناء كل ما هو مستورد، ورغبتها في جلب كل ما هو غالي الثمن، وهذه الصفة عند هذه الفئة الاجتماعية، شائعة بين الرجال والنساء، ورائجة بين الصغار والكبار، بلا فرق بين شراء آخر

الأزياء من الملابس المصنوعة في الغرب، وبين اقتناء أحدث أنواع السيارات، وأجهزة الاتصال، وأجهزة الحاسوب، وأدوات التسلية، مضافاً إلي تزيين أركان المنزل وأرجاء البيت بالتحفيات الكمالية الغالية الثمن، واقتناء كل فرد من أفراد الأسرة سيارة وجهاز حاسوب وجهاز تلفزيون وهاتف وأجهزة تسلية أخري من دون حاجة إليها وبلا أي مبرر.

التبعة الثانية:

إن العولمة الغربية تسبب تضاؤل أهمية النفط الإسلامي، كما نراه اليوم متضائلاً ويباع دون ثمنه الواقعي، ثم يسترجعون هذا القليل ثمناً للأسلحة التي تباع علي المسلمين ليقتل بعضهم بعضاً، مضافاً إلي محاولتهم اكتشاف بدائل للنفط بسبب التقدم العلمي والتطور الصناعي، وقد أشرنا إلي جوانب من البحث في كتاب (ماذا بعد النفط؟).

التبعة الثالثة:

إن العولمة الغربية تؤدي إلي ركود الصناعات التحويلية والتبديلية في البلدان الإسلامية، وذلك لاعتمادها علي السياسات الحمائية لفترة طويلة من الزمن، فتفتقد بسببه القدرة علي المنافسة.

التبعة الرابعة:

إن العولمة الغربية تنتج ارتفاع فاتورة الغذاء المستورد للبلدان الاسلامية، وذلك لتحرير تجارة المواد الغذائية من سياسات الدعم للصادرات في دول المركز.

التبعة الخامسة:

إن العولمة الغربية تسبّب تلوث البيئة في البلدان الإسلامية، وذلك بتصدير الصناعات الأكثر تلويثاً للبيئة من المركز إلي بلدان العالم الثالث، وبتصدير الصناعات الطالبة كثافة عالية في اليد العاملة مكان الكثافة العالية لرأس المال.

التبعة السادسة:

إن العولمة تسبب فقدان الترابط بين قطاعات الاقتصاد الوطني، وهو يؤدي إلي التخلف الاقتصادي في البلدان الإسلامية.

مثلاً: يصبح ارتباط قطاع الفحم الحجري في بلد ما بالمركز، أقوي من ارتباطه بقطاع النفط في نفس البلد، وهو نفسه يكون ارتباطه بالسوق العالمية للنفط بالمراكز أكثر من ارتباطه بقطاع الزراعة المحلي في البلد ذاته، وهكذا في غيرها.

التبعة السابعة:

إن العولمة تسبب في بعض البلدان الإسلامية كثرة البطالة وتزايدها، لأن تغيير ملكية وسائل الإنتاج إلي الملكية الخاصة

علي الطريقة الغربية، ينتج عدم توازن العرض والطلب، بازدياد الأول وقلة الثاني.

التبعة الثامنة:

إن العولمة تقلب قسما كبيراً من المنتجين المباشرين في البلدان الإسلامية إلي العامل المأجور وبعبارة واضحة تجعل دخلهم يعتمد علي السوق فقط، من دون اتخاذ الإجراءات التأمينية العرفية، والاجتماعية القانونية، التي تضمن للفرد حقّاً مالياً في دخل ما، وذلك بغض النظر عن اعتبارات السوق وتقلباتها.

التبعة التاسعة:

من الواضح إن تزايد عدد السكان سريع في البلدان الإسلامية وذلك لتحريض نبي الإسلام صلي الله عليه و اله علي كثرة التناسل والتوالد، وهو من أهم أسباب قوة الأمة الإسلامية، وقد أكد الإسلام أيضاً علي الاهتمام بتربية الناشئة وتثقيفهم بالثقافة القرآنية الغنية، ولكنها مفقودة اليوم بين المسلمين فيلزم إرجاعها، وفي نظام العولمة الغربية يظل هذا الحجم الكبير من الكتل البشرية يعمل ويكدح، وينتج ويستهلك، لكن في ظل شروط رأسمالية كلاسيكية أو شبه كلاسيكية محروماً من المزايا الإسلامية التي أمر الإسلام بها لتضمين سعادته وترفيه عيشه.

التبعة العاشرة:

من المؤسف أن أنماط الإنتاج في البلدان الإسلامية المعاصرة لم تكن وفق الاقتصاد الإسلامي، وليس لها نمط موحد يعبّر عن الاقتصاد الذي جاء به القرآن الكريم والروايات الشريفة الذي هو أفضل اقتصاد عرفه العالم، حيث إنه يجمع بين النمو والازدهار وبين العدل والقسط، بل لها أنماط متعددة، مثل نمط الإنتاج الرأسمالي، ونمط الإنتاج ما قبل الرأسمالي ونمط الإنتاج غير الرأسمالي، وفي بعضها نمط الإنتاج شبه الاشتراكي، أو شبه الشيوعي، فإن العولمة الاقتصادية الغربية تهدف إلي تصفية كل أنماط الإنتاج غير الرأسمالية، وتصفية جميع شروطها، حتي يسود نمط الإنتاج الرأسمالي الغربي وحده، وتسود شروطه وحدها وإن كان علي حساب الآخرين.

التسلل من نقاط الضعف

مسألة: يلزم معرفة نقاط ضعف المستعمرين، فمثلاً إن سيطرة أمريكا علي العالم في نظامها

الجديد، وموقعها القوي في الاقتصاد العالمي ليس مطلقاً، بل هناك نقاط ضعف يمكن التسلل منه ومواجهتها بحكمة، وذلك لأن الاقتصاد العالمي متعدد الأقطاب.

مثلاً: إن مجمل اقتصاد أوروبا الموحدة علي ما مر أضخم من الاقتصاد الأمريكي، وشبه ذلك يكون اقتصاد منطقة شرق وجنوب شرق آسيا بصورة عامة، مضافاً الي أن مستقبل الاقتصاد الأمريكي غير مضمون، وذلك لأنه مازال يواجه مشاكل قاسية وصعبة قد تهدد نموه وازدهاره في المستقبل، ويمكن أن نعد من جملة تلك المشاكل: العجز في الميزان التجاري، وخصوصاً بالنسبة الي بلدان شرق آسيا الفائق علي مائة وستين مليار دولار في السنة.

وكذلك المعاناة من ديون دولية متراكمة تزيد الألف مليار دولار.

وهناك مشاكل أخري عديدة تنذر سلامة الاقتصاد الامريكي بالخطر، ومن أهمها: تصادم النظام الرأسمالي الموجود في الغرب مع الفطرة السليمة، والعقلانية الانسانية، لأنها تسخّر الإنسان في خدمتها، بينما النظام الاقتصادي الإسلامي يسخّر كل شيء لخدمة الإنسان مع الحفاظ علي الملكية الفردية.

إن العجز في الميزان التجاري الأمريكي، كان من أسباب نمو الاقتصاد الصيني وازدهاره، كما وأدي إلي توسع الاستثمارات الأجنبية في أمريكا من قبيل الصين واليابان، وقد غزت بضائعهما الأسواق الأمريكية، وكذلك أدي الي شراء اليابان كثيراً من المؤسسات الصناعية والاقتصادية والخدماتية، والعقارات وغيرها من قطاعات الاقتصاد الأمريكي، مضافاً إلي ما كان لليابان من مبالغ كبيرة تتألف من ملايين الدولارات علي أمريكا، وديون خارجية أخري يتجاوز مجموعها عن ألف مليار دولار، كانت أمريكا مدينة بها لدول أخري إضافة إلي اليابان، وكل هذه المشاكل الاقتصادية الصعبة تشكل خطراً مستقبلياً علي سلامة الاقتصاد الأمريكي، فإنه وإن كان لأمريكا إمكان تحمل هذه الديون الباهضة نظراً إلي إجمالي الناتج القومي الأمريكي، الذي يقرب من أربعة آلاف مليون دولار، إلا أن

هذه الديون وتلك المشاكل الخانقة سوف تبقي عائقاً للنمو السريع والازدهار القريب.

ومن هذا وأمثاله يظهر أن السيطرة الأمريكية علي النظام الجديد، وموقعها البارز في الاقتصاد العالمي ليست حتمية غير قابلة للنفوذ، فيمكن مقابلته بالأساليب الصحيحة.

أمريكا ومقاليد العولمة الجديدة

مسألة: يلزم أن تعي الأمة الإسلامية ما يدور حولها حتي لا تهجم عليها اللوابس، ففي الحديث الشريف: «العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس» ().

وفي هذا الزمان أضحت مقاليد أبواب العولمة وأدواتها الرئيسية بيد الغرب وأمريكا بالذات، وهذه الأدوات والمقاليد تتخذ وسيلة لبلوغ الأهداف، وحيث إن منطق الاستعمار: الهدف يبرر الوسيلة، فلا تورع عن أن تكون الوسيلة غير إنسانية ولا أخلاقية، ومن هذا المنطلق فإن الأدوات قد تكون عسكرية وسياسية تارة، واقتصادية وتقنية تارةً أخري، وفكرية وثقافية ثالثة، بل وقد تكون عبارة عن مراكز البحث والتحقيق أحياناً، وربما مراكز الخدمات الاجتماعية، فإن معظم مراكز البحث تكون مركزة وموجهة إلي بحث الأفضل، واختيار الأمثل، في هذا الاتجاه، ولا يخفي ما لهذا من الآثار الكبيرة، والنتائج المهمة.

لكني مع ذلك أشكك في بقاء هذا النظام لمدة طويلة ولو نسبيا، وقد ذكرت هذا المعني في كتاب أسميته: (الغرب يتغير) وذكرت فيه: بأن كل شيء يكون خلاف الفطرة والعقلانية لا ينتهي إلي نتيجة محمودة، وأن الخزي والزوال في انتظاره، رغم ما يكون له من جولة، كما في الحديث الشريف: «للحق دولة وللباطل جولة».

وقد ذكرت في كتاب سابق() كتبته حول مصير الاتحاد السوفيتي ونظامه الشيوعي الاشتراكي الذي هو خلاف الفطرة والعقلانية وقلت فيه آنذاك: بأنه في طريقه إلي الخزي العاجل والسقوط القريب.

وكان كذلك، لأن الولادة كانت ولادة علي خلاف الفطرة والعقلانية، وكلما كان الشيء كذلك فإن الموت المحتوم بانتظاره، وإن مصيره إلي الزوال، ولا يبقي

منه إلا الذكر السيئ طوال التاريخ، كما بقي الذكر السيئ للحجاج والسفاح، ومعاوية ويزيد، وابن مرجانة وبني مروان، علي طول التاريخ، وذلك منذ ألف وأربعمائة سنة وحتي هذا اليوم، وإلي ملايين الأعوام والسنين، وسينتهي مصيرهم في يوم القيامة إلي ?نار الله الموقدة ? التي تطلع علي الأفئدة?() نعوذ بالله منها.

العولمة الغربية ليست قدراً محتوماً

مسألة: إن العولمة الغربية رغم طابعها الكوني وما توظّفه من طاقات وتوسعها المستمر، ليست قدراً محتوماً تُحدّد مصير العالم الثالث، أو مصير المسلمين فيما يجري سلفاً، بل إن هذا المصير مرتبط إلي حدّ كبير بما سنعمل نحن المسلمين، وكيف سنواجه التحديّات، ولا يفيدنا تجاهل ما يجري حولنا، أو الاكتفاء برفضه فقط، بل علينا أن نتمسك بالعولمة الإسلامية ومقوماتها ابتداءً من الإعلام وانتهاءً بالعمل الخارجي فنحافظ علي قيمنا ومبادئنا ويمكننا هداية الآخرين إلي ذلك أيضاً.

مضافاً إلي أنه ليس الأمر في مستقبل العولمة رجماً بالغيب، ولا قدراً حتمياً لا نتمكن من تغييره أو زيادته أو نقيصته، فلابد من محاولة فهم واقع العولمة الراهن، ورصد اتجاهات تطورها المعاصر، لنستطيع بعد ذلك تتبع الاتجاهات الأكبر احتمالاً للتحكم في مستقبلها، وذلك بقدر جدّنا وجهدنا، وبقدر سعينا ومتابعتنا، لكنّ ذلك يحتاج إلي الوعي والإعلام في كيفية التعامل مع العولمة.

مثلاً المرأة المسلمة عليها أن تثقف نفسها وتتطور علمياً وعملياً وتصدياً مع المحافظة علي كرامتها وعزها وشرفها فلا تتبع الأسلوب الغربي الذي نال من كرامتها. كما عليها أن تسعي في هداية المرأة الغربية إلي خيرها وصلاحها.

نعم السفر بوسائل النقل الحديثة، والاستضاءة بالمصباح الكهربائي، والاستفادة من الأجهزة الكهربائية وما أشبه ذلك، فلا بأس به إلا إذا اقتضي الأمر في الإنقاذ إلي نبذها كما فعل غاندي بالبضائع الأجنبية، علي ما ذكرناه في (الفقه: طريق النجاة)

لكن ذلك ليس هو معني العولمة المطلقة، بل معني ذلك هو: الأخذ بقدر الاحتياج منها والاستفادة من صالحها ونبذ طالحها وفاسدها.

وأما بالنسبة إلي تناول ما هو محظور في ديننا مما يصاحب العولمة، فيجب علينا الامتناع منه، والإمساك عنه، ومناهضته بشكل يؤدي إلي هداية متناوليها إلي الصواب، وترك ما اعتادوا علي تناوله من المضرّات.

وهكذا بالنسبة إلي المحرمات الأخلاقية والمفاسد الاجتماعية كالزنا واللواط والمساحقة والاستمناء ونوادي العراة وما أشبه مما تترتب علي العولمة الغربية، فاللازم اجتنابها والسعي لإنقاذ الآخرين من مساوئها.

والخلاصة: إنه يجب علينا الأخذ بمحاسن العولمة المعاصرة إن كانت فيها محاسن، وترك بل ومناهضة ما هو سيئ فيها، ومن المعلوم: أن اكثر مكوّنات العولمة ارتباطاً بالبنية التكوينية لعالمنا المعاصر، هو: ذاك التقدّم المتسارع في تقوية المعلومات، التي شكلت برمّتها حجم التدفق الاستثماري للسوق المحلية، ومن الواضح: أن الإنسان إذا لم يشتر من السوق لا يكون للسوق محل في تلك البلاد، ومعه فلا يكون العالم رهينة في قبضة جماعة من كبار المضاربين والسياسيين الذين يتاجرون بالعملات والأوراق المالية، وبالسياسة الخاصة، حتي توجب اندراجنا تحت المظلة الغربية مثلاً.

ويلزم لتصدي مثل هذه الأمور: أن تتمتع بلادنا بالحرية السياسية والتعددية الحزبية والمؤسسات الدستورية وشوري الفقهاء المراجع واتخاذ سياسة السلم واللاعنف وما أشبه من مقومات التقدم والبناء.

العولمة ونجاة الغرب

مسألة: يجب السعي لنجاة الغرب من مساوئ العولمة الغربية التي سببت ضرر الإنسان الغربي أيضاً، فإن علي الإنسان مسؤولية هداية أخيه الإنسان وإرشاده إلي الخير والصلاح وسعادة الدنيا والآخرة، علماً بأن الغرب ليس بأجمعه عدواً للإسلام والمسلمين بل هم أعداء لما زعموه من الإسلام، فإذا عرفوا حقيقة الإسلام وسماحته وشموليته ومطابقته للفطرة الإنسانية لأقبلوا عليه ودخلوا في دين الله أفواجاً، وقد ذكرنا في كتاب

(كيف يمكن نجاة الغرب؟)():

إن الغربيين أناس قابلون للهداية، فإنهم بشر والبشر بفطرته يحب الخير لنفسه ولغيره، ووجود ظواهر التعصب فيهم لا يدل علي أنهم متعصبون..

ودليل عدم تعصبهم قبولهم للمسيحيّة، مع أن المسيح عليه السلام كان شرقياً وليس غربياً()، فاللازم اهتمام المسلمين سواء في بلاد الغرب وما والاها أو في غيرها من سائر البلاد غير الإسلامية أن يدخلوهم في الإسلام وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، واللازم أن يكون هذا الاهتمام قربة إلي الله تعالي لإنقاذ البشرية من ويلاتها.

وقد كان تنحي الغرب عن المسيحية إلي المادية الغارقة في الظلمات بسبب إفراط الكنيسة ومحاكم التفتيش وما إلي ذلك في القرون الوسطي، والإفراط عادة ينتهي إلي التفريط وبالعكس، ولذا فإنه يسهل دخولهم في الإسلام، فإن الإسلام بذاته ناجح لأنه دين الفطرة ولا يحتاج إلي مؤونة زائدة لإثبات حقانيته، وهذا من أهم ما يوجب هداية الغرب إلي الإسلام.

فاللازم الاهتمام الكافي لبيان أن الإسلام دين ودنيا، ويهتم بأمور الدنيا كما يهتم بالآخرة ويضمن سعادة كليهما، وان الذي لا يتبع الإسلام بكامله يبتلي بما أنذر به القرآن الحكيم: من خراب الدنيا كما نشاهده الآن في أرقي حضارات الغرب() وعذاب الآخرة كما في القرآن الحكيم، قال تعالي: ?ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمي ?().

وقد ذكرنا في كتاب (الغرب يتغيّر) تفصيلاً حول اضطراب المناهج الغربية الموجبة لاضطراب الإنسان الغربي بنفسه، فكيف بالإنسان المستعمر تحت نفوذه؟

فبيان كل ذلك من ناحية، وبيان المنهج الإسلامي الصحيح من ناحية أخري يوجب توسيع دائرة الإسلام وكثرة الإقبال عليه.

الغرب نحو التغيير

لعل ظواهر الأحداث تدل علي أن الغرب أعم من أمريكا وأوروبا، في حال تغير سريع، ربما لا تمر عشر سنوات إلا ويحصل التغيير.

وأمام الغرب تغيران:

الأول: التغير

نحو الإسلام، وذلك إذا أحسن المسلمون التصرف وتمكنوا من تعريف الإسلام إلي الغرب بالكيفية التي طبقها رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام.

الثاني: التغير نحو الإصلاح النسبي، ومن الطبيعي أن يكون الإصلاح لصالح الإسلام أيضاً، فإن كل إصلاح وخير قد أمر به الإسلام.

وعقلاء الغرب منزعجون جداً من السلبيات التي أدت إليها الحضارة الغربية، وهم يفكرون في العلاج الجدي لها، ومن مظاهر تلك السلبيات أمور:

الأول: الفراغ الروحي، فإن المادة لا تملأ الروح، كما أن الكنيسة الخاوية عن المعنويات اللازمة لا تتمكن من أن تسد هذا الفراغ الحاصل، وقد قالوا: فاقد الشيء لا يعطيه.

الثاني: الفوضي في أمور الجنس، فإن ذلك يوجب انزعاجاً للأعزب والمعيل، وللمتدين وغير المتدين، حيث يحرم الإنسان من دفء العائلة ويصرفه عن تربية الأجيال الصالحة، مضافاً إلي ما يسببه من الأمراض الجسدية والنفسية كالقلق والكآبة وما إلي ذلك.

ومن المعلوم أن قانوناً يبيح السفور والبغاء واللواط والأخلاء والخليلات يوجب سقوط كرامة المرأة، وخروج الأسرة عن الدفء والحرارة الزوجية والعائلية إلي البرودة وجعل العوانس بالملايين()..

الثالث: التضخم والروتين الإداري علي حساب حرمان الناس، فإن كل موظف يقلل من حريات الناس بقدره، نعم بعض الموظفين ممن يحتاج إليهم، ولكن البعض الآخر وهم الأكثر الأكثر في نظام الغرب الحالي، يوجب خنق الحياة، فزيادة الموظفين إلي حيث واحد لكل خمسة عشر، توجب كبت الحريات وإهدار الأموال والأوقات، وكثرة الرشاوي وتأخير العمران كما هو واضح، ومن هنا تريد الشعوب التخلص من هذا التضخم إلي المقدار الضروري فحسب.

الرابع: انعدام الصحة وتفشي الأمراض بصورة مدهشة، مما لم يكن له نظير في تاريخ العالم الإنساني، ولا شك أن هذه الأمراض هي وليدة الحضارة المنحرفة، ولا فرق

في انعدام الصحة الجسدية والنفسية، مما هي نتيجة القلق والجشع وحب السيطرة، وما أشبه.

الخامس: الاستعمار، حيث له ضرران:

ألف: إنه مخالف للفطرة، فإن الإنسان السليم النفس وهم أغلبية الناس حيث ?فطرة الله التي فطر الناس عليها? () لا يرضي بأن يستعمر غيره مهما كان المبرر، ولذا نري شعوب تلك البلاد علي الأغلب الأغلب ضد استعمار حكوماتهم لبلاد العالم الثالث وغيرها.

ب: إن الحكام لا يمكنهم عادة المحافظة علي طبيعتين مختلفتين: طبيعة الاستيلاء في الخارج، وطبيعة الأخوة والخدمة الإنسانية في الداخل، ولذا سري استعمارهم الخارجي إلي استعمارهم لداخل بلادهم بنسبة أو أخري، وهذا مما لا ترضي به شعوبهم.

السادس: الغرور الذي أوجب لبعض الغربيين أن يخطط لتحطيم الإنسان الذي لا يكون من عرقه وقومه ودينه وجنسه ووطنه، بينما المعيار في الإسلام هو الإنسان بما هو إنسان، وقد أراد الإسلام الارتفاع والتعالي ومكارم الأخلاق لجميع الناس.

لذا أخذ علماء الغرب يفكرون في نجاة البشر من هذه المآسي.

إن تغيير الغرب نحو الأفضل يمكن عبر العولمة الإسلامية والتعرف علي المناهج الفطرية السليمة التي جاء بها الإسلام وبينها رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرون عليهم السلام.

المنظمة العالمية الإسلامية

ومن الضروري أيضاً لنجاة الغرب تشكيل منظمة عالمية إسلامية تختص بهذا الأمر، فان الفرد بمفرده لا يتمكن من الوصول إلي الهدف المطلوب، والحركات الإسلامية في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية وإن كانت كثيرة لكنها لا ترتبط بعضها ببعض.

وهذه المنظمة العالمية الإسلامية إذا أرادت نجاة الغرب فهي بحاجة إلي أمور كثيرة، من أهمها: اللاعنف، فإن من الضروري علي الحركة العالمية التي تريد نجاة الغرب، سلوك طريق اللاعنف.

قال سبحانه: ?فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ?()، فإنه وإن كان

ظاهراً في المسلمين، إلاّ أن العلّة عامة، فتشمل حتي غير المسلمين بعدم ممارسة العنف معهم وذلك في طريق الهداية والتبليغ.

وأما قوله تعالي: ?أشداء علي الكفار?() يراد به في حال الحرب وما أشبه، وإلاّ فالنبي صلي الله عليه و اله لم يكن عنيفاً حتي مع غير المسلمين أيضاً في الحالات العادية، كما يدل علي ذلك سيرته العطرة وسيرة الأئمة المعصومين عليهم السلام.

واللازم في نجاة الغرب عدم محاربة الكنائس وإن حاربت الحركة، وذلك لعدم الانشغال بالجزئيات فان المهم الوصول إلي النتائج المرضية لا ما هو حقي وما هو حقك في الأمور العادية كما في مقام التخاصم.

وحركة اللاعنف وإن كانت صعبةً جداً علي النفس لكنها مثمرة جداً في الوصول إلي الهدف وهو نجاة الغرب، والعاقل يقدّم الصعوبة علي الفشل والأهم والمهم.

واللاعنف ليس في بعد السلاح فقط، بل يشمل حتي الكلمة والنظرة والإهانة وغيرها، كما يشمل وسائل الإعلام كالصحف والمجلات وما أشبه، فيجب أن تكون عفيفة غير عنيفة وإن عمل الطرف بأشد العنف، قال تعالي: ?ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ? وما يلقاها إلاّ الذين صبروا وما يلّقاها إلاّ ذو حظ عظيم?().

الخدمات الإنسانية

من أهم ما يلزم علي الحركة التي تريد نجاة الغرب: تقديم الخدمات الإنسانية للغربيين، بأن يهتم المسلمون بخدمة الإنسان بما هو إنسان، مؤمناً أو غير مؤمن، مسالماً أو غير مسالم..

فان الخدمة أهم ما يقرب القلوب ويخضع الأرواح.

سواء كانت خدمات صحيّة، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو اقتصادية كفتح المصارف وصناديق الإقراض الخيري وإيجاد فرص العمل للعاطلين، أو تزويج الشباب والفتيات، أو إنعاش الفقراء، أو غير ذلك مما هو كثير..

وقد ورد في الحديث: إن رسول الله صلي

الله عليه و اله أعطي الماء لكفار بدر()، كما أعطي لأهل مكة المال الكثير في حال محاربتهم له().

كما أن أمير المؤمنين علياً عليه السلام أعطي الماء لمعاوية وأصحابه وهو في محاربته().

والإمام الحسين عليه السلام أعطي الماء للذين جاءوا لقتاله() وأخيراً قتلوه.

إلي غير ذلك من القصص الواردة بهذا الشأن.

وهذا هو شأن الله سبحانه وأنبيائه وأوليائه مع أعدائهم، وقد ورد في الحديث: «تخلقّوا بأخلاق الله» ().

واللازم في ذلك ملاحظة جميع الجوانب حتي لا يكون إفراط من جهة ولاتفريط من جهة أخري.

وقد يزعم زاعم أن الغرب اكتفي من هذه الجهة الخدماتية، فهو لا يحتاج إلي خدماتنا، ولكن بعد دراسة الغرب نري كثرة احتياجاته إلي بعض الخدمات الإنسانية.. فالإنسان هو الإنسان سواء كان في الغرب أو الشرق، حوله حشد من الحاجات، وتحيط به المشاكل مهما كان مرفهاً ومنعّماً.

كما أن الإنسان بشكل عام يحب الخدوم الذي ينفعه ويخدمه مهما كان بينه وبين الخدوم بون أو شحناء، قال الإمام علي عليه السلام: «الإنسان عبد الإحسان» ().

وقال عليه السلام: «الإحسان يستعبد الإنسان» ().

وقال عليه السلام: «إنهم أي الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق» ().

وقال عليه السلام: «جبلت القلوب علي حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها» ().

فإن مثل هذه الخدمات تقرب غير المؤمنين إلي الإيمان، وغير الصالحين إلي الصلاح، والله سبحانه المسدّد المستعان.

فصل: الاستنتاجات

الاستنتاجات

وأخيراً يمكن تلخيص ما ذكر بشكل موجز المسائل التالية:

المسألة الأولي

مسألة: إن العولمة الغربية بهذا الشكل لا تكون بصالح البشر حقيقة، حيث لم يكن الإنسان بما هو إنسان المحور فيها، نعم العولمة الإسلامية هي التي تكون بصالحه تماماً حيث إنها تتميز بميزة تقديم حقوق الإنسان عليها وجعلها المؤشر الرئيسي لتوجيه مسار العولمة، فإنها

وحدها التي تجمع بين النمو والازدهار، والعدل والأخلاق.

ولا يخفي أن اخطر ما يواجه البشرية في مجال العولمة هو تجريد العولمة من المعنويات، والنظر إليها بعين واحدة، علي أنها عولمة اقتصادية لكسب الأرباح المادية فقط دون بعدها المعنوي والإنساني.

ففي بعض التقارير: أن ثروة ثلاثة أغنياء أمريكيين تعادل أو تزيد ثروات 48 دولة من دول العالم الفقيرة، وأن 255 ثرياً في العالم يمتلكون ألف مليار دولار، وأن 48 شخصاً أمريكياً تزيد ثروتهم علي ثروة الصين التي يصل عدد سكانها إلي 1.3 مليار نسمة، وأن أربعين مليار دولار فقط أي ما يوازي 4% من ثروات ال 225 شخصاً كافية لكي تؤمن لكل سكان المعمورة الخدمات الاجتماعية الأساسية التي يحتاجون إليها، أي الغذاء والصحة والمياه والتعليم.

وعليه: فلا يمكن قبول فكرة هيمنة الأسواق بصورة مطلقة علي عملية العولمة، ليكون الربح وحده هو أساسها في غياب من الاعتبارات الإنسانية وحقوق الإنسان وكرامته.

وكذلك لا يمكن أيضاً قبول فكرة استخدام علاقات القوة السياسية لفتح الأسواق العالمية قسراً وغزوها قهراً من دون مراعاة القوانين الإنسانية الإسلامية كقانون لا ضرر وما أشبه.

مثلاً: نري المستعمرين من الغربيين يدعمون الزراعة في بلادهم وبشكل جامع وصورة تامة، ولكنهم لا يترددون في تحطيم زراعة الدول الأخري وتدميرها بالكامل، وذلك من خلال ضغط السوق المفتوحة وغيره، مما يزيد من تبعية هذه الدول، ويؤثر بالتالي علي حقوق هذه الشعوب، ويزيد في معاناتها من الفقر والحرمان، والجهل والأمية.

المسألة الثانية

مسألة: إن تجاهل آليات السوق أو القفز فوقها ليس بصحيح وغير ممكن، إذ تصور أن قوي السوق أو العلم والتقنيات هي التي ستوفّر لنا بطبيعتها التوازنات التي لا نستطيع نحن من تحقيقها، تصور غير صائب، وذلك لأن السوق والعلم والتقنيات وإن كان لها وبكل

تأكيد قوة عظيمة وتأثيرات كبيرة لا يمكن إنكارها، إلا أن علينا أن نعرف أنها مجرد أدوات، وأنها فقط وسيلة وليست غاية وهدفاً في حد ذاتها، كما أصبح النظر إليها الآن كذلك، وذلك بعد أن فرضها أصحابها بقسر علي المجتمعات البشرية، وتسببت في خلق مشاكل عاتية، وأزمات قاسية، لا يعرف أحد لها مخرجاً ولا منجي منها إلي هذا اليوم، وهي كثيرة نشير إلي بعض منها:

الهوة الطبقية التي تتجذر يوماً بعد يوم بين الأغنياء والفقراء علي مستوي المجتمعات والدول.

الحروب الدامية من أجل التحكم في مصائر الشعوب، ومصادر الطاقة، ومياه الشرب الشحيحة.

فقدان ثقافة التعددية الداعية للتفاهم والتقارب، وتشجيع حس الأنانية المؤدية إلي التشتت والتفرق.

المنظمات الإرهابية وعصابات المافيا، والربط بين تجارة المخدرات، وظاهرة العنف والإرهاب وما إلي ذلك.

المسألة الثالثة

مسألة: إن العالم اليوم أصبح بحاجة ملحّة إلي مشروع عالمي تلتقي عنده شعوب الأرض وتجتمع عليه، مشروع يوحّد كل هذه الشعوب، ويسمح لها في نفس الوقت بالتمايز الذي يحفظ عبره الهوية وأصالة كل شعب لنفسه.

وينبغي لهذا المشروع أن يقوم علي أساس المساواة ومن دون أي تبعيض، حتي يستطيع أن يبلغ هدفه الأساسي الذي هو تحقيق السلام والتقدم للبشرية كلها، وتوفير إدارة جيدة لشؤونها المشتركة جميعها.

هذا ويعتقد البعض أنه ليس هناك مبادئ أساسية يمكن أن يرتكز عليها هذا المشروع، أفضل من المبادئ التي ارتكز عليها قيام الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما كانت مخاطر الحرب قائمة في الأذهان وماثلة أمام العالم، ويقصد أولئك البعض بتلك المبادئ: ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويقول: بأنه ما أحوجنا اليوم للتمسك بتلك المبادئ الواردة في هذه المعاهدات والمواثيق، والإخلاص لها والإذعان بها من جديد حتي نستطيع من إنقاذ عالمنا.

ولكن غفل هذا

البعض عن أن النظام الأفضل، الذي يمكن أن يتركز عليه هذا المشروع، والذي أخذ من نوره أيضاً ميثاق الأمم المتحدة هو: ما جاء به الإسلام العظيم، وبلّغ له الرسول الكريم صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرون عليهم السلام، فإنه النظام الشامل والكامل، الذي يستطيع أن يلبي حاجيات الإنسان، ويحترم حقوقه المشروعة، وينشر العدل والقسط في العالم.

كما إن منظمة الأمم المتحدة وكذلك آلياتها وأدواتها، هي اليوم بحاجة إلي إصلاح جذري، ليستطيع من مواجهة العالم المتغير الجديد، فلم يعد شكلها الهرمي القديم، الذي قامت عليه الأمم المتحدة، والذي كان يعتمد علي تركيز كل السلطات صاحبة القرار في مجلس الأمن، يصلح اليوم لعالم شديد التمسك بالمباشرة في اتخاذ القرار، أو علي الأقل بالمشاركة، فقد أصبح من الضروري اليوم أن تتخذ القرارات قريباً من القاعدة، حتي تكون أقرب إلي الواقع، وأجدر بالتطبيق في الخارج، فإنه كم من قرارات اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وبقيت مجرد حبر علي ورق! وكم عجز مجلس الأمن صاحب السلطة العليا عن اتخاذ مجرد قرار لمواجهة أكبر الكوارث وأعظم الحوادث؟.

مصير العولمتين: الشرقية والغربية

مسألة: إن المسلمين كما رفضوا العولمة الشرقية الشيوعية، وحاربوها حتي أسقطت، كذلك اليوم هم بالنسبة إلي العولمة الغربية الرأسمالية، فإن في نظرهم بل نظر كل أصحاب العقول السليمة والوجدان الحر، وجميع ذوي الضمائر الحية، أن العولمة الغربية الرأسمالية بهذا الشكل الموجود هي كالعولمة الشرقية الشيوعية في أنها لم تؤسّس علي أسس عقلية ومنطقية، ولا علي قواعد إنسانية وأخلاقية، وكلما كان شيء كذلك لم يكتب له البقاء والخلود، وإنما يسجّل لنفسه الزوال والسقوط، كما سجلت العولمة الشرقية الشيوعية لنفسها ذلك بعد أن فسدت وأفسدت كل شيء ثم زالت إلي غير رجعة.

وكذلك سوف يكون وعن

قريب مصير العولمة الغربية الرأسمالية، حيث إنها لم تكن مبنيّة علي اُسس إنسانية أخلاقية، ولا علي قواعد منطقية عقلانية، وإنّما علي اُسس مادية جافة، وقواعد اقتصادية بحتة، لاتعرف للمُثل قيمة، ولا للقيم قدراً، ولا تعير للإنسانية وزناً، ولا للأخلاق وقراً، ولذلك فسدت وأفسدت.

فإنّه كلما يكون السباق والتنافس بين الإنسان والإنسان من أجل الغلبة والسيطرة، ومن أجل الثروة ومصادر الطاقة، ومن أجل التسويق والأرباح، لا يكون هذا السباق سباقاً إنسانياً، ولا ذلك التنافس تنافساً عادلاً وبنّاءً، وكلما كان الشيء كذلك كان مهدداً بالفناء والزوال، لأنّه يحمل في جنباته وبين طياته عوامل الفناء والزوال، فتساهم هذه العوامل يوماً علي أفول نجم أوروبا، وسقوط قوة أمريكا علي السواء، مثل ما ساهمت تلك العوامل في القضاء علي بنية الاتحاد السوفيتي، وسقوط المعسكر الشيوعي، واندراس آثارها ومعالمها.

والأمر الذي يبقي هو الإسلام، الذي يجمع بين النمو والازدهار، والعدل والأخلاق، وسعادة الدنيا والآخرة، ويدعو للسباق إلي الفضيلة والتقوي، والتنافس علي كل ما يكسب الثواب والجنة من عمل الخير والإحسان، والسماحة والسخاء، والجود والكرم، ولذلك صرّح بعض المحققين من علماء الغرب الأوروبيين والأمريكيين في كتبهم: بأنه سوف لا يمر علينا سوي فترة غير طويلة حتي يحكم الإسلام العالم كله، وينشر عليه رحمته وعدله، وخيره وبركاته، وقد أخبر بذلك القرآن الحكيم من قبل وذلك حيث قال سبحانه: ?هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كلّه ولو كره المشركون?().

العولمة بين مفترق الطرق

مسألة: إننا في الواقع الخارجي اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن تكون العولمة المطروحة علي الساحة العالمية هي الإنقاذ الحقيقي للبشرية وذلك بأن نأخذ بعدها الإنساني والمعنوي فتكون بالفعل لصالح البشرية، وهذا لا يتحقق إلاّ في ظل العولمة الإسلامية الحكيمة، التي تجمع بين

العدل والأخلاق والنمو والازدهار.

وأما أن تتجرد العولمة من هذا البعد الإنساني والمعنوي، وتستمر هيمنة الأسواق وسياسة الربح وحدها وتبقي هي المحرك الوحيد للعولمة، فتصبح العولمة بذلك مرحلة جديدة من مراحل الهيمنة والاستعمار الجديد كما عليه العولمة الغربية اليوم.

وعليه: فإن التغيير ممكن لصالح البعد الإنساني عبر العولمة الإسلامية، مضافاً إلي أن العولمة ليست قدراً تتحكم فيه دولة واحدة، أو يستبد به عدد قليل من الدول، وإنما للجميع المشاركة فيه، والعمل علي تهذيبه وتعديله، وهذا الإسلام الحكيم، وكتابه السماوي، ودستوره الخالد، وعولمته الحكيمة التي تضمن سعادة الدنيا والآخرة، خير عولمة تستطيع قيادة الشعوب إلي ساحل الأمن والأمان، وشاطئ السعادة والسلام، فإلي العمل جميعاً من أجل تطبيقها وتعميمها إن شاء الله تعالي.

خاتمة

كانت هذه نماذج من المسائل الشرعية في العولمة الاقتصادية، والسياسية، والمدنية، والاجتماعية، والثقافية التي جاء بها الإسلام، وهي كما عرفت صريحة في تمحورها حول احترام حقوق الإنسان وإكرامه، وتبجيله وإعزازه، وتسخير كل شيء في الكون له، وصبّها في صالحه وصلاحه، والتي تجمع كل مقومات السعادة والهناء له، وتشمل جميع مؤهلات الرقي والتقدم لحياته، وبكلمة واحدة: إنهما تجمع بين النمو والازدهار، والعدل والأخلاق فينبغي للجميع، وخاصة أصحاب الخبرات والثقافات العالية العمل من أجل تطبيق ما جاء به الإسلام ليسعد الجميع ويهنأ بالحياة والعولمة الصحيحة إن شاء الله تعالي.

وهذا آخر ما أردنا بيانه في هذا الكتاب، والله الموفق للصواب.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

پي نوشتها

() سورة إبراهيم: 24.

() سورة الصافات: 4-5.

() سورة المؤمنون: 52.

() سورة آل عمران: 103.

() سورة الأنبياء: 107.

() سورة يوسف: 104.

() سورة الحجرات: 13.

() سورة سبأ: 28.

() سورة الأنبياء: 92.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص266 باب الحكرة والأسعار ح3961.

() الكافي: ج5 ص164 باب الحكرة ح2.

() الاستبصار: ج3 ص115 ب77 ح7.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص160 ب13 ح13.

() وسائل الشيعة: ج17 ص436-437 ب32 ح22932.

() الكافي: ج5 ص166 ح3.

() سورة الحجرات: 13.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص450 ب88 ح9970.

() راجع مجمع البيان، ج2 ص269، وفيه: إن النبي صلي الله عليه و اله خط الخندق عام الأحزاب، وقطع لكل عشرة أربعين ذراعاً، فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي، وكان رجلا قوياً، فقال المهاجرون: سلمان منا، وقال الأنصار: سلمان منا، فقال النبي صلي الله عليه و اله: «سلمان منا أهل البيت».

قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسلمان وحذيفة ونعمان بن مقرن المزني، وستة من

الأنصار، في أربعين ذراعا، فحفرنا حتي إذا كنا بجب ذي ناب، أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة، كسرت حديدنا، وشقت علينا، فقلنا: يا سلمان! ارق إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وأخبره خبر هذه الصخرة، فإما أن نعدل عنها، فان المعدل قريب، وإما أن يأمرنا فيه بأمره، فإنا لا نحب أن نجاوز خطه.

قال: فرقي سلمان إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال: يا رسول الله، خرجت صخرة بيضاء مروة، من بطن الخندق، فكسرت حديدنا، وشقت علينا حتي ما يحتك فيها قليل ولا كثير، فمرنا فيها بأمرك. فإنا لا نحب أن نجاوز خطك.

قال: فهبط رسول الله صلي الله عليه و اله مع سلمان الخندق، والتسعة علي شفة الخندق، فأخذ رسول الله صلي الله عليه و اله المعول من يد سلمان، فضربها به ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، حتي كان لكأنّ مصباحاً في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله صلي الله عليه و اله تكبيرة فتح، وكبّر المسلمون، ثم ضربها رسول الله صلي الله عليه و اله الثانية، فكسرها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، حتي كان لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم فكبّر رسول الله صلي الله عليه و اله تكبيرة فتح، وكبّر المسلمون، ثم ضربها رسول الله صلي الله عليه و اله الثالثة، فكسرها فبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، حتي كان لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبّر رسول الله صلي الله عليه و اله تكبيرة فتح، وكبّر المسلمون، وأخذ بيد سلمان ورقي.

فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد رأيت شيئا ما رأيت منك قط.

فالتفت رسول

الله صلي الله عليه و اله إلي القوم وقال: «رأيتم ما يقول سلمان؟».

قالوا: نعم يا رسول الله.

قال: «ضربت ضربتي الاولي، فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة، ومدائن كسري، كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبرائيل إن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثانية، فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضربت ضربتي الثالثة أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل إن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا»، فاستبشر المسلمون، وقالوا: الحمد لله موعد صدق، وعدنا النصر بعد الحصر.

فقال المنافقون: ألا تعجبون، يمنّيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة، ومدائن كسري، وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق، ولا تستطيعون ان تبرزوا؟

فنزل القرآن: ?وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا? سورة الأحزاب: 12. وأنزل الله في هذه القصة: ?قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير انك علي كل شيء قدير?سورة آل عمران: 26.

() سورة التوبة: 33، سورة الفتح: 28، سورة الصف: 9.

() سورة آل عمران: 85.

() سورة سبأ: 28.

() سورة الأنبياء: 107.

() بحار الأنوار: ج16 ص115 ب6 ح44.

() الكافي: ج2 ص169 باب حق المؤمن علي أخيه وأداء حقه ح1.

() وسائل الشيعة: ج12 ص205 ب122 ح16097.

() بحار الأنوار: ج71 ص242 ب15 ح41.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص39 ب105 ح10145.

() الاختصاص: ص27.

() الكافي: ج2 ص170 باب حق المؤمن علي أخيه وأداء حقه ح5.

() بحار الأنوار: ج71 ص247 ب15 ح44.

() وسائل الشيعة: ج12 ص207 ب122 ح16100.

() مصادقة الإخوان: ص39-40 باب حقوق الإخوان بعضهم علي بعض ح2.

() الكافي: ج2 ص172 باب

حق المؤمن علي أخيه وأداء حقه ح9.

() وسائل الشيعة: ج9 ص428 ب27 ح12404.

() بحار الأنوار: ج71 ص254 ب15 ح49.

() الكافي: ج2 ص174 باب حق المؤمن علي أخيه وأداء حقه ح14.

() وسائل الشيعة: ج12 ص203 ب122 ح16092.

() بحار الأنوار: ج71 ص257 ب15 ح54.

() الكافي: ج2 ص175 باب التراحم والتعاطف ح3.

() سورة التكوير: 27.

() سورة الفرقان: 1.

() سورة الأنبياء: 107.

() سورة سبأ: 28.

() سورة يوسف: 104.

() سورة آل عمران: 96.

() سورة ص: 87 - 88.

() سورة يس: 69 - 70.

() سورة النحل: 89.

() سورة الأنعام: 38.

() الكافي: ج2 ص635 باب ما يجب من المعاشرة ح1.

() وسائل الشيعة: ج12 ص5 ب1 ح15495.

() وسائل الشيعة: ج12 ص6 ب1 ح15497.

() الكافي: ج2 ص635 باب ما يجب من المعاشرة ح3.

() وسائل الشيعة: ج12 ص5-6 ب1 ح16496.

() الكافي: ج2 ص637 باب حسن المعاشرة ح1.

() الكافي: ج2 ص637 باب حسن المعاشرة ح2.

() بحار الأنوار: ج71 ص254 ب15 ح50.

() الأريسين: جمع أريس، أي المزارع.

() سورة آل عمران: 64.

() سورة آل عمران: 64.

() سورة آل عمران: 64.

() سورة آل عمران: 64.

() سورة النصر: 1- 3.

() سورة المائدة: 3.

() راجع مستدرك الوسائل: ج11 ص154 ب3 ح12664، بحار الأنوار: ج71 ص10 ب1 ح2، تحف العقول: ص255 رسالته عليه السلام المعروفة برسالة الحقوق.

() نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه مصر وأعمالها.

() إرشاد القلوب: ج1 ص37 ب5 في التخويف والترهيب.

() مصباح الشريعة: ص40-41 ب18 في الورع.

() سورة الحجرات: 13.

() سورة الزمر: 17-18.

() جامع الأخبار: ص101 ف58 في التزويج.

() سورة الحديد: 21.

() سورة آل عمران: 133.

() سورة البقرة: 148، سورة المائدة: 48.

() وسائل الشيعة: ج16 ص94 ب95 ح21073.

() الكافي: ج2 ص455 باب

محاسبة العمل ح12.

() وسائل الشيعة: ج16 ص94 ب95 ح21072.

() معاني الأخبار: ص342 باب معني المغبون ح3.

() بحار الأنوار: ج75 ص311 ب25 ح1.

() الأمالي للطوسي: ص115 المجلس 4 ح176.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 208.

() مكارم الأخلاق: ص465 ب2 فصل 5 في وصية رسول الله صلي الله عليه و اله لأبي ذر الغفاري.

() وسائل الشيعة: ج16 ص98 ب96 ح21081.

() سورة التوبة: 105.

() سورة الإسراء: 20.

() سورة الإسراء: 20.

() سورة القصص: 5.

() سورة الإسراء: 81.

() سورة سبأ: 49.

() سورة الأنبياء: 92.

() سورة البقرة: 279.

() سورة البقرة: 29.

() سورة البقرة: 275.

() سورة البقرة: 188.

() سورة المعارج: 24-25.

() سورة الحديد: 18 ?وأقرَضوا?، سورة المزمل: 20 ?وأقرِضوا?.

() بحار الأنوار: ج2 ص272 ب33 ح7.

() غوالي اللآلي: ج1 ص222 ف9 ح98.

() الكافي: ج5 ص279 باب في إحياء أرض الموات ح2.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص111 ب1 ح20905.

() الضياع: العيال، انظر مجمع البحرين: ج4 ص367 مادة ضيع.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص211 ب84 ح11.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص440 ب35 ح21804.

() راجع مستدرك الوسائل: ج13 ص11 ب2 ح14581.

() راجع مستدرك الوسائل: ج14 ص155-156 ب2 ح16359.

() الكافي: ج5 ص510 باب إكرام الزوجة ح3.

() وسائل الشيعة: ج20 ص169 ب88 ح25330، وسائل الشيعة: ج21 ص511 ب1 ح27718.

() وسائل الشيعة: ج20 ص169 ب88 ح25330.

() بحار الأنوار: ج76 ص268 ب103 ح4.

() الكافي: ج5 ص511 باب حق المرأة علي الزوج ح4.

() وسائل الشيعة: ج20 ص170 ب88 ح25333.

() الكافي: ج5 ص509 باب إكرام المرأة ح1.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص555 باب النوادر ح4909.

() وسائل الشيعة: ج20 ص171 ب88 ح25340.

() وسائل الشيعة: ج12 ص153 ب104 ح15928.

() وسائل الشيعة: ج20 ص34 ب7 ح24958.

() سورة الحجرات: 13.

() سورة المائدة: 2.

() سورة البقرة: 119، سورة سبأ: 28،

سورة فاطر: 24.

() سورة سبأ: 28.

() سورة البقرة: 278-280.

() سورة قريش: 2.

() راجع كتاب (القواعد الفقهية) للإمام المؤلف ?.

() الإرشاد: ج1 ص303 ومن كلامه في وصف الإنسان.

() سورة الأنفال: 60.

() سورة طه: 114.

() سورة فصلت: 53.

() سورة النحل: 90.

() سورة المؤمنون: 52.

() سورة الحجرات: 13.

() سورة الحجرات: 10.

() سورة المائدة: 3.

() سورة النحل: 89.

() مستدرك الوسائل: ج4 ص236-237 ب2 ح4587.

() مستدرك الوسائل: ج4 ص237 ب2 ح4588.

() بحار الأنوار: ج89 ص15 ب1 ح8.

() سورة الأنفال: 61.

() سورة النحل: 90.

() سورة الروم: 30.

() سورة البقرة: 285.

() سورة النساء: 163.

() سورة الشوري: 13.

() بحار الأنوار: ج8 ص366 ب27 ضمن ح41، والبحار: ج27 ص62 ب1 ضمن ح21.

() كمال الدين: ج1 ص14 السر في أمره تعالي الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام.

() بحار الأنوار: ج23 ص140 ب7 ح89.

() بصائر الدرجات: ص414 ب17 ح6.

() أصفاه خيرة خلقه: آثر به أفضل الخلق عنده وهو خاتم النبيين.

() مشرف المنار: مرتفعه.

() معوذ المثار: من أعْوَذَ بالذال كأعاذ بمعني ألجأ والمثار: مصدر ميمي من ثار الغبار إذا هاج أي لو طلب أحد إثارة هذا الدين لألجأه إلي مشقة لقوته ومتانته.

() نهج البلاغة، الخطب: 198 من خطبة له عليه السلام ينبه علي إحاطة علم الله بالجزئيات، ثم يحث علي التقوي، ويبين فضل الإسلام والقرآن.

() فقه القرآن: ج2 ص315-316 باب الوصية التي يقال لها راحة الموت.

() فقه القرآن: ج2 ص316 باب الوصية التي يقال لها راحة الموت.

() الكافي: ج6 ص440 باب التجمل وإظهار النعمة ح14.

() راجع نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه مصر وأعمالها.

() سورة الرحمن: 1-10.

() وسائل الشيعة: ج1 ص109-110 ب26 ح269.

() نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له

عليه السلام للأشتر النخعي لما ولاه مصر وأعمالها.

() بحار الأنوار: ج1 ص180 ب1 ح65.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص249 ب4 ح21250.

() الكافي: ج1 ص30 باب فرض العلم ووجوب طلبه والحث عليه ح1.

() وسائل الشيعة: ج27 ص24-25 ب4 ح33111.

() روضة الواعظين: ج1 ص10 باب الكلام في ماهية العلوم وفضلها.

() الكافي: ج1 ص43 باب من عمل بغير علم ح1.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص141 باب الحرية ح3515.

() غوالي اللآلي: ج2 ص44 المسلك الرابع ح111.

() بحار الأنوار: ج2 ص272 ب33 ح7.

() غوالي اللآلي: ج1 ص456 ب1 المسلك الثالث ح197.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص179.

() الكافي: ج1 ص39 باب مجالسة العلماء وصحبتهم ح1.

() الخصال: ج2 ص518 أبواب العشرين ح4.

() الجعفريات: ص168 باب فضل العلم.

() سورة فاطر: 28.

() منية المريد: ص181 ب1 ن2 ق1 الثالث أن يكون عاملاً بعلمه.

() الكافي: ج1 ص37 باب صفة العلماء ح6.

() بحار الأنوار: ج2 ص67 ب13 ح14.

() مشكاة الأنوار: ص140 ب3 ف8.

() وسائل الشيعة: ج27 ص78-79 ب8 ح33249.

() منية المريد: ص215 ب1 ن2 ق3 الثالث والعشرون.

() الكافي: ج1 ص42 باب النهي عن القول بغير علم ح4.

() وسائل الشيعة: ج27 ص23 ب4 ح33108.

() سورة الأعراف: 169.

() سورة يونس: 39.

() الكافي: ج1 ص43 باب النهي عن القول بغير علم ح8.

() منية المريد: ص244 ب1 ن3 ق1 الأول أن يحسن نيته.

() منية المريد: ص225 ب1 ن3 ق1 الثاني أن يغتنم في الفراغ والنشاط.

() منية المريد: ص226 ب1 ن3 ق1 الثاني أن يغتنم في الفراغ والنشاط.

() دعائم الإسلام: ج1 ص378 كتاب الجهاد.

() جامع الأخبار: ص122-123 ف79 في الزينة.

() بحار الأنوار: ج74 ص136 ب6 ح44.

() مصادقة الإخوان: ص48 يج باب المؤمن أخو المؤمن ح2.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص217-218 ب14

ح13924.

() الكافي: ج2 ص166 باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض ح6.

() بحار الأنوار: ج69 ص257 ب114 ضمن ح20.

() الكافي: ج2 ص166 باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض ح6.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص450 ق6 ب4 ف13 ح10352.

() مصادقة الإخوان: ص53 يط باب ثواب قضاء حوائج الإخوان.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص208 باب فضائل الحج ح2159.

() وسائل الشيعة: ج16 ص358 ب25 ح21757.

() الكافي: ج5 ص56 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ح3.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص176 ب80 ح4.

() الزهد: ص105-106 ب20 ح288.

() سورة التحريم: 6.

() بحار الأنوار: ج66 ص194 ب33 ح10.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص322-323 ب39 ح13155.

() موسوعة الفقه: ج94-97 كتاب الآداب والسنن.

() راجع كتاب (الأخلاق الإسلامية) و(الفضائل والأضداد) و(الفضيلة الإسلامية ج1-4) و(الفقه: المستحبات والمكروهات) و… للإمام المؤلف (قدس سره الشريف).

() سورة البقرة: 83.

() مصابيح الشريعة: ص42 ب19.

() الكافي: ج2 ص637 باب حسن المعاشرة ح2.

() وسائل الشيعة: ج12 ص10 ب2 ح15508.

() الكافي: ج6 ص374-375 باب الثوم ح1.

() المحاسن: ج2 ص523 ب103 ح744.

() تهذيب الأحكام: ج3 ص255 ب25 ح28.

() الكافي: ج2 ص639 باب من يجب مصادقته ومصاحبته ح6.

() وسائل الشيعة: ج12 ص19 ب8 ح15530.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 134.

() الكافي: ج2 ص639-640 باب من تكره مجالسته ومرافقته ح1.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص206-207.

() وسائل الشيعة: ج16 ص30 ب70 ح20887.

() الكافي: ج1 ص29 كتاب العقل والجهل ح36.

() المحاسن: ج2 ص602-603 ب3 ح28.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة الشوري: 38.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص344-345 ب21 ح9618.

() الكافي: ج2 ص169 باب حق المؤمن علي أخيه وأداء حقه ح2.

() وسائل الشيعة: ج12 ص86-87 ب57 ح15709.

() بحار الأنوار: ج71 ص248 ب15 ح45.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص208.

() جامع الأخبار: ص162 ف127

في التعصب.

()مستدرك الوسائل: ج9 ص99 ب125 ح10335.

() سورة الحجرات: 12.

() ثواب الأعمال: ص148 ثواب معاونة الأخ ونصرته.

() وسائل الشيعة: ج12 ص292 ب156 ح16336.

() سورة النساء: 112.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص127 ب133 ح10445.

() الكافي: ج2 ص357-358 باب الغيبة والبهت ح5.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص127-128 ب133 ح10446.

() بحار الأنوار: ج64 ص278 ب14 ضمن ح4.

() وسائل الشيعة: ج2 ص85 ب42 ح1560.

() الخصال: ج1 ص242 باب الأربعة ح93.

() انظر بيان العلامة المجلسي ? في بحار الأنوار: ج67 ص370 ب59 ح17.

() الكافي: ج6 ص285 باب حق الضيف وإكرامه ح1.

() مستدرك الوسائل: ج6 ص260 ب34 ح19800.

() بحار الأنوار: ج71 ص411 ب30 ح22.

() روضة الواعظين: ج2 ص388-389 مجلس في ذكر حقوق الإخوان والأقرباء.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص424 ب72 ح9879.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص425-426 ب73 ح9884، مستدرك الوسائل: ج12 ص424 ب32 ح14507.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص85-86.

() الكافي: ج3 ص120 باب ثواب عيادة المريض ح3.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص140 باب غسل الميت ح387.

() مكارم الأخلاق: ص361-362 ب11 ف1 في عيادة المريض.

() وسائل الشيعة: ج12 ص6 ب1 ح15497.

() الجعفريات: ص159 باب وجوب حق الدعوة.

() سورة النور: 26.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص404 ب34 ح24.

() الكافي: ج5 ص324-325 باب خير النساء ح5.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص388 باب ما يستحب ويحمد من أخلاق النساء ح4364.

() وسائل الشيعة: ج20 ص17-18 ب1 ح24911.

() روضة الواعظين: ج2 ص374 مجلس في ذكر الحث علي النكاح وفضله.

() سورة الأنفال: 73.

() غوالي اللآلي: ج3 ص340 ق2 باب النكاح ح252.

() سورة المؤمنون: 5-7، سورة المعارج: 29-31.

() عدة الداعي: ص313 ب6.

() الكافي: ج5 ص542 باب الزاني ح9.

() الخصال: ج1 ص320-321 باب الستة ح3 في الزنا ست خصال.

() مستدرك الوسائل: ج14

ص270-271 ب81 ح16686.

() سورة النور: 30.

() مصباح الشريعة: ص9-10 ب3 في غض البصر.

()تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص103 باب تهذيب الأخلاق.

()من لا يحضره الفقيه: ج3 ص252 باب المزارعة والإجارة ح3913.

() سورة آل عمران: 34.

() المناقب: ج3 ص342 فصل في سيرتها.

() الكافي: ج5 ص320 باب حب النساء ح1.

() وسائل الشيعة: ج2 ص21-22 ب3 ح24922.

() بحار الأنوار: ج100 ص66 ب10 ح13، بحار الأنوار: ج100 ص226 ب2 ح16.

() سورة الإنسان: 8.

() الكافي: ج4 ص11 باب كفاية العيال والتوسع عليهم ح3.

() وسائل الشيعة: ج21 ص540-541 ب20 ح27808.

() الأمالي للصدوق: ص442 المجلس68 ح3.

()بحار الأنوار: ج71 ص90 ب3 ح9، بحار الأنوار: ج101 ص70 ب1 ح4.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص118 ب5 ح17715.

() الأمالي للطوسي: ص383 المجلس13 ح828.

() الكافي: ج5 ص143 باب الهدية ح7.

() وسائل الشيعة: ج21 ص476 ب83 ح27628.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص492 باب تأديب الولد وامتحانه ح4743.

() سورة البقرة: 83، سورة النساء: 36، سورة الأنعام: 151، سورة الإسراء: 23.

() سورة آل عمران: 92.

() سورة الإسراء: 23.

() سورة الإسراء: 23.

() سورة الإسراء: 24.

() بحار الأنوار: ج71 ص39-40 ب2 ح3.

() الكافي: ج2 ص158 باب البر بالوالدين ح2.

() وسائل الشيعة: ج8 ص276-277 ب12 ح10647، الوسائل: ج21 ص505 ب106 ح27706.

() بحار الأنوار: ج72 ص98 ب48 ح2.

() معاني الأخبار: ص343 باب معني قاصمات الظهر ح1.

() الخصال: ج1 ص169 باب الثلاثة ح222.

() وسائل الشيعة: ج12 ص31-32 ب16 ح15564.

() غوالي اللآلي: ج3 ص266 ق2 باب السبق والرماية ح5.

() نهج الحق: ص494 المسألة الثامنة ف7.

() انظر موسوعة الفقه، كتاب القواعد الفقهية، قاعدة السلطنة.

() نهج البلاغة، الرسائل: 31 ومن وصية له عليه السلام للحسن بن علي عليه السلام كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين.

() غرر الحكم ودرر

الكلم: ص335 ق4 ب1 ف5 ح7711.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص335 ق4 ب1 ف5 ح7713.

() الكافي: ج2 ص333 باب الظلم ح14.

() وسائل الشيعة: ج16 ص55-56 ب80 ح20965.

() بحار الأنوار: ج72 ص331 ب79 ح66.

() يقع الكتاب في 248 صفحة وهو من إصدارات مركز الجواد للتحقيق والنشر. ويشتمل علي الفصول التالية: اللاعنف في القرآن، اللاعنف في الحديث الشريف، اللاعنف في سيرة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، اللاعنف في سيرة أهل البيت عليهم السلام، اللاعنف في المجتمع، اللاعنف السياسي، من معالم اللاعنف، اللاعنف والمرأة، ماذا عن العنف، و …

() الكافي: ج2 ص47 باب خصال المؤمن ح1.

() وسائل الشيعة: ج12 ص159 ب106 ح15945.

() الكافي: ج2 ص337 باب المكر والغدر والخديعة ح2.

() وسائل الشيعة: ج15 ص69 ب21 ح20003.

() الكافي: ج2 ص336 باب المكر والغدر والخديعة ح1.

() نهج البلاغة، الخطب: 200 من كلام له عليه السلام في معاوية.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص209.

() أشنؤهم: أبغضهم.

() الأطلب للمعائب: الأشد طلباً لها.

() نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه علي مصر وأعمالها.

() كشف الريبة: ص21 ف1.

() تحف العقول: ص323 من كلام له عليه السلام سماه بعض الشيعة نثر الدر.

() الكافي: ج4 ص33 باب في آداب المعروف ح3.

() بحار الأنوار: ج74 ص356-357 ب14 ح32.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص138 ب60 ح1.

() نهج البلاغة، الرسائل: 47 من وصية له عليه السلام للحسن والحسين ? لما ضربه ابن ملجم (لعنه الله).

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص189 باب رسم الوصية ح5433.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص385-387 ب16 ح21644.

() راجع تفسير القمي: ص260 سورة الأنفال – غزوة بدر.

() الكافي: ج2 ص334 باب الظلم ح22.

() وسائل الشيعة: ج16 ص48 ب77

ح20945.

() يجحف برضا الخاصة: يذهب برضاهم.

() نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له عليه السلام كتبه للاشتر النخعي، لما ولاه علي مصر وأعمالها.

() بحار الأنوار: ج72 ص330 ب79 ح63.

() الكافي: ج2 ص334 باب الظلم ح18.

() الكافي: ج1 ص85 باب أنه لا يعرف إلا به ح1.

() وسائل الشيعة: ج15 ص293 ب37 ح20550.

() عدة الداعي: ص188 ب4 ق2 الرابع عشر الدعاء للإخوان والتماسه منهم.

() الكافي: ج4 ص225-226 باب أن الله عزوجل حرم مكة حين خلق السماوات والأرض ح3.

() راجع شرح نهج البلاغة: ج18 ص9-10 ذكر بقية الخبر عن فتح مكة.

() انظر وقعة صفين: ص518-519 معاملة الأسري.

() نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له عليه السلام كتبه للاشتر النخعي لما ولاه علي مصر وأعمالها.

() سورة آل عمران: 161.

() سورة غافر: 19.

() سورة الحج: 38.

() سورة النساء: 107.

() معاني الأخبار: ص211 باب معني الغلول والسحت ح1.

() الكافي: ج5 ص133 باب أداء الأمانة ح7.

() الكافي: ج5 ص133 باب أداء الأمانة ح7.

() يقع الكتاب في مجلدين، ويتناول البحث عن حياة رسول الله صلي الله عليه و اله وسيرته العطرة. طبع عدة مرات.

() وسائل الشيعة: ج15 ص270 ب27 ح20483.

() بحار الأنوار: ج72 ص63 ب42 ح33.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص387 ب21 ح14366.

() نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه علي مصر وأعمالها.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص121 باب المسلم يقتل الذمي أو العبد أو المدبر ح5250.

() تهذيب الأحكام: ج10 ص188 ب14 ح35.

() علل الشرائع: ج2 ص541 ب327 ح1.

() الجعفريات: ص82 باب الاستئذان علي أهل الذمة.

() شرح نهج البلاغة: ج17 ص147.

() سورة المائدة: 1.

() سورة البقرة: 100.

() سورة البقرة: 177.

() سورة الإسراء: 34.

() سورة مريم: 54.

()

سورة المؤمنون: 8، سورة المعارج: 32.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص371 ب31 ح66.

() الكافي: ج5 ص169 باب الشرط والخيار في البيع ح1.

() الكافي: ج2 ص77 باب الورع ح9.

() وسائل الشيعة: ج12 ص129 ب87 ح15846.

() الكافي: ج2 ص669 باب حق الجوار ح16.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص316 ب37 ح13139.

() الخصال: ج1 ص123-124 باب الثلاثة ح118.

() بحار الأنوار: ج72 ص94 ب47 ضمن ح9، والبحار: ج74 ص115 ب6 ح5.

() الأمالي للشيخ الطوسي: ص229 المجلس8 ح403.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص252 ق3 ب2 ف2 الوفاء بالنذر ح5277.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص252 ق3 ب2 ف2 الوفاء بالنذر ح5284.

() سورة البقرة: 256.

() مستدرك الوسائل: ج6 ص423 ب26 ح7136.

() بحار الأنوار: ج16 ص260 ب9 ح49.

() الكافي: ج2 ص648 باب التسليم علي أهل الملل ح1.

() نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه مصر وأعمالها.

() مشكاة الأنوار: ص228 ب5 ف3 في العفو.

() الكافي: ج2 ص108-109 باب العفو ح10.

() وسائل الشيعة: ج12 ص170 ب112 ح15985.

() القود: القصاص وإضافته للبدن لأنه يقع عليه.

() أفرط عليك سوطك: عجل بما لم تكن تريده: أردت تأديباً فأعقب قتلاً.

() الوكزة بفتح فسكون الضربة بجمع الكف بضم الجيم: أي قبضته وهي المعروفة باللكمة.

() تطمحن بك: ترتفعن بك.

() نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه مصر وأعمالها.

() الكافي: ج7 ص271 باب القتل ح2.

() ثواب الأعمال: ص278 عقاب من قتل نفساً متعمداً.

() مستدرك الوسائل: ج18 ص211 ب2 ح22528.

() نهج الحق: ص312 نماذج أخري من نسب معاوية وأنسابه وهم الشجرة الملعونة.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص163.

() المحاسن: ج1 ص103 ب40 ح80.

() مستدرك الوسائل: ج18 ص214 ب2 ضمن ح22538.

() غوالي اللآلي:

ج1 ص365 ب1 المسلك الثاني ح57.

() بحار الأنوار: ج7 ص217 ب8 ح124.

() بحار الأنوار: ج101 ص383 ب 2 ح3.

() المحاسن: ج1 ص104-105 ب44 ح84.

() الأمالي للمفيد: ص216-217 المجلس25 ح3.

() روضة الواعظين: ج2 ص461 مجلس في ذكر قتل النفس والزني.

() أعلام الدين: ص410 باب ما جاء من عقاب الأعمال.

() وسائل الشيعة: ج29 ص14 ب1 ح35032.

() سورة المائدة: 32.

() معاني الأخبار: ص379 باب نوادر المعاني ح2.

() تهذيب الأحكام: ج10 ص165 ب11 ح36.

() ثواب الأعمال: ص278 عقاب من قتل نفساً متعمداً.

() المحاسن: ج1 ص105-106 ب45 ضمن ح87.

() سورة المائدة: 29.

() ثواب الأعمال: ص278-279 عقاب من قتل نفساً متعمداً.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص456 ق6 ب5 ف1 ذم الظلم ح10409.

() بحار الأنوار: ج71 ص411 ب30 ح22.

() الأمالي للطوسي: ص301 المجلس11 ح597.

() المحاسن: ج2 ص390-391 ب1 ح28.

() سورة الزمر: 19.

() بحار الأنوار: ج42 ص287-288 ب127 كيفية شهادته عليه السلام ووصيته.

() سورة آل عمران: 134.

() الإرشاد: ج2 ص145-146 باب ذكر طرف من الأخبار لعلي بن الحسين عليه السلام.

() إعلام الوري: ص261-262 الركن الثالث ب3 ف4.

() سورة الأنفال: 42و44.

() شرح نهج البلاغة: ج1 ص232-233 أمر طلحة والزبير مع علي بن أبي طالب عليه السلام بعد بيعتهما له.

() سورة الفتح: 10.

() الخرائح والجرائح: ج1 ص186-187 ب2 في معجزات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص292-293 ب92 ح18.

() وسائل الشيعة: ج6 ص185 ب9 ح7685.

() الكافي: ج8 ص182 خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام ح204.

() وسائل الشيعة: ج15 ص105-106 ب39 ح20077.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص43-44 ب62 ح13470.

() مكارم الأخلاق: ص316 ب10 ف3 في البكاء.

() نهج البلاغة، الخطب: 3 من خطبه له عليه السلام وهي المعروفة بالشقشقية.

() نهج البلاغة، الخطب: 160 من

خطبة له عليه السلام.

() سورة لقمان: 33.

() سورة المؤمنون: 100.

() سورة غافر: 17.

() سورة النجم: 31.

() سورة الكهف: 49.

() بحار الأنوار: ج70 ص117-118 ب122.

() الكافي: ج2 ص128 باب ذم الدنيا والزهد فيها ح1.

() وسائل الشيعة: ج16 ص12 ب62 ح20831.

() بحار الأنوار: ج70 ص64 ب122 ح32.

() أي نام قليلاً، من القيلولة.

() الكافي: ج2 ص134 باب ذم الدنيا والزهد فيها ح19.

() وسائل الشيعة: ج21 ص531 ب15 ح27777.

() بحار الأنوار: ح40 ص336 ب98 ح17.

() سورة الرحمن: 10-11.

() سورة الرحمن: 19-22.

() سورة الضحي: 11.

() الكافي: ج1 ص410-411 باب سيرة الإمام عليه السلام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا ولي الأمر ح3.

() نهج البلاغة، الخطب: 224 من كلام له عليه السلام يتبرأ من الظلم.

() سورة البقرة: 24.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص101 ب77 ح13630.

() بحار الأنوار: ج101 ص295-296 ب10 ح14.

() الكافي: ج5 ص30 باب وصية رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام في السرايا ح9.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص140-141 ب61 ح5.

() وسائل الشيعة: ج15 ص74 ب24 ح20012.

() سورة يوسف: 92.

() بحار الأنوار: ج21 ص135 ب26 ح26.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص50 ب21 ح12406.

() سورة المائدة: 3.

() بحار الأنوار: ج37 ص249 ب52 أخبار الغدير وما صدر في ذلك اليوم.

() سورة الأنعام: 38.

() سورة المائدة: 3.

() الكافي: ج1 ص198-199 باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته ح1.

() سورة المائدة: 3.

() دعائم الإسلام: ج2 ص535 كتاب آداب القضاة ح1900.

() سورة الأنبياء: 92.

() سورة المؤمنون: 52.

() الخصال: ج1 ص274 باب الخمسة ح18.

() الكافي: ج5 ص29 باب وصية رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام في السرايا ح6.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص162 ب75 ح6.

() الاستبصار: ج3 ص183 ب118 ح6.

()

غوالي اللآلي: ج3 ص367 باب النكاح ح341.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص69 باب حد السرقة ح5125.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص160 ب74 ح4.

() مستدرك الوسائل: ج14 ص9-10 ب2 ح15953.

() دعائم الإسلام: ج2 ص251 كتاب النكاح ف13 ح947.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص216 ب6 ح21185.

() دعائم الإسلام: ج2 ص252 كتاب النكاح ف13 ح953.

() الكافي: ج5 ص21 باب الغزو مع الناس إذا خيف علي الإسلام ح2.

() وسائل الشيعة: ج28 ص318 ب4 ح34853.

() أوائل المقالات: ص94 ب81 القول في حكم الدار.

() سورة الإسراء: 70.

() سورة إبراهيم: 32-34.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص365 ق5 ب3 ف1 ح8217.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص365 ق5 ب3 ف1 ح8218.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص365 ق5 ب3 ف1 ح8223.

() الكافي: ج2 ص84 باب العبادة ح6.

() وسائل الشيعة: ج15 ص365-366 ب55 ح20757.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص387 ب14 ح11143.

() تهذيب الأحكام: ج5 ص102 ب9 ح1.

() سورة البقرة: 29.

() الكافي: ج5 ص279 باب في إحياء أرض الموات ح2.

() غوالي اللآلي: ج3 ص465 ق2 باب الأطعمة والأشربة ح16.

() بحار الأنوار: ج2 ص272 ب33 ح7.

() وسائل الشيعة: ج14 ص572 ب90 ضمن ح19843.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص88 ب1 ح20820.

() غوالي اللآلي: ج3 ص473 ق2 باب الغصب ح2.

() فقه القرآن: ج2 ص74 باب الغصب.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص11.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص88-89 ب1 ح20821.

() غوالي اللآلي: ج3 ص474 ق2 باب الغصب ح6.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص150.

() غوالي اللآلي: ج3 ص474 ق2 باب الغصب ح8.

() الكافي: ج1 ص406 باب ما يجب من حق الإمام علي الرعية ح6.

() مستدرك الوسائل: ج13 ص399 ب9 ح15720.

() سورة التوبة: 60.

() بحار الأنوار: ج27 ص249 ب13 ح9.

() الضياع: العيال. مجمع البحرين: ج4 ص367

مادة ضيع.

() الكافي: ج1 ص406 باب ما يجب من حق الإمام علي الرعية ح6.

() الغارات: ج2 ص379-380 قصة يزيد بن حجية.

() نهج البلاغة، الخطب: 224 من كلام له عليه السلام يتبرأ من الظلم.

() نهج البلاغة، الرسائل: 40 من كتاب له عليه السلام إلي بعض عماله.

() من (فنكت الجارية) إذا صارت ماجنة، ومجون الأمة: أخذها بغير الحزم في أمرها كأنها زلة.

() شغرت: لم يبق فيها من يحميها.

() نهج البلاغة، الرسائل: 41 من كتاب له عليه السلام إلي بعض عماله.

() وسائل الشيعة: ج15 ص109 ب40 ح20085.

() وسائل الشيعة: ج15 ص109 ب40 ح20086.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص146 ب66 ح1.

()نهج البلاغة، الرسائل: 51 من كتاب له عليه السلام إلي عماله علي الخراج.

() الكافي: ج5 ص146 باب الربا ح7.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص273 باب الإحسان وترك الغش في البيع ح3987.

() تهذيب الأحكام: ج10 ص151-152 ب10 ح37.

() سورة التوبة: 34.

() بحار الأنوار: ج22 ص415 ب12 كيفية إسلام أبي ذر (رض).

() شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج8 ص257-258 أخبار أبي ذر الغفاري حين خروجه إلي الربذة.

() الكافي: ج1 ص407 باب ما يجب من حق الإمام علي الرعية ح9.

() تهذيب الأحكام: ج10 ص63 ب4 ح15.

() وسائل الشيعة: ج29 ص72 ب29 ح35179.

() الكافي: ج7 ص355 باب المقتول لا يُدري من قتله ح4.

() للتفصيل راجع موسوعة الفقه: كتاب القواعد الفقهية.

() بحار الأنوار: ج2 ص272 ب33 ح7.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص334 باب ميراث أهل الملل ح5717.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص324 ب12 ح21479.

() غوالي اللآلي: ج1 ص456 ب1 المسلك الثالث ح197، غوالي اللآلي: ج2 ص98 ب1 المسلك الرابع ح270.

() بحار الأنوار: ج2 ص272 ب33 ح5.

() ثواب الأعمال: ص289 عقاب مجمع عقوبات الأعمال.

()

قصص الأنبياء للراوندي: ص256 ب17 ف8 ح300.

() الجزية تؤخذ من غير المسلمين الذين يعيشون في ظل الدولة الإسلامية وبحمايتها.

() الاستبصار: ج2 ص59-60 ب32 ح9.

() تهذيب الاحكام: ج7 ص12 ب1 ح49.

() الكافي: ج5 ص160 باب الغش ح3.

() بحار الأنوار: ج22 ص134 ب37 ح116.

() وسائل الشيعة: ج12 ص242 ب137 ح16201.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص50 ب31 ح194.

() الكافي: ج5 ص150-151 باب آداب التجارة ح2.

() وسائل الشيعة: ج17 ص419 ب25 ح22888.

() الكافي: ج5 ص162 باب الحلف في الشراء والبيع ح4.

() وسائل الشيعة: ج17 ص384 ب2 ح22800.

() غوالي اللآلي: ج3 ص208 باب التجارة ح60.

() نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه مصر وأعمالها.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص159 ب13 ح6.

() الاستبصار: ج3 ص114 ب77 ح2.

() الكافي: ج5 ص165 باب الحكرة ح7.

() وسائل الشيعة: ج17 ص429 ب29 ح22916.

() بحار الأنوار: ج48 ص117 ب5 ح33.

() الاستبصار: ج3 ص115 ب77 ح7.

() علل الشرائع: ج2 ص283 ب236 ح4.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص567 باب معرفة الكبائر التي أوعد الله عزوجل عليها النار ح4937.

() سورة البقرة: 276.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص15 ب1 ح65.

() وسائل الشيعة: ج18 ص119 ب1 ح23275.

() الكافي: ج5 ص144 باب الربا ح2.

() وسائل الشيعة: ج18 ص15 ب4 ح64.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص8 باب ذكر جمل من مناهي النبي صلي الله عليه و اله ح4968.

() سورة البقرة: 275.

() سورة البقرة: 278-279.

() تفسير القمي: ج1 ص93 أحكام الربا.

() سورة البقرة: 275.

() بحار الأنوار: ج100 ص117 ب5 ح14.

() وسائل الشيعة: ج18 ص330 ب6 ح33785.

() وسائل الشيعة: ج18 ص331 ب6 ح23787.

() الكافي: ج4 ص34 باب القرض ح2.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص58 باب

ثواب القرض ح1697.

() وسائل الشيعة: ج16 ص318 ب11 ح21652.

() الكافي: ج4 ص34 باب القرض ح5.

() الكافي: ج4 ص34 باب القرض ح4.

() سورة الروم: 39.

() وسائل الشيعة: ج18 ص160-161 ب18 ح23389.

() مستدرك الوسائل: ج13 ص340-341 ب11 ح15543.

() سورة النساء: 114.

() فقه القرآن: ج1 ص384 باب القرض.

() الكافي: ج5 ص147 باب الربا ح12.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص278 باب الربا ح4003.

() سورة البقرة: 275.

() سورة غافر: 46.

() بحار الأنوار: ج100 ص116 ب5 ح11.

() وسائل الشيعة: ج15 ص324-325 ب46 ح20643.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص274 باب الربا ح3994.

() تهذيب الأحكام: ج10 ص151 ب10 ح36.

() الكافي: ج4 ص35 باب انظار المعسر ح1.

() وسائل الشيعة: ج16 ص319-320 ب12 ح21655.

() سورة البقرة: 280.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص58-59 باب ثواب انظار المعسر ح1701.

() الكافي: ج4 ص35 باب انظار المعسر ح3.

() فقه القرآن: ج1 ص384 باب القرض.

() بحار الأنوار: ج75 ص218 ب23 ح23.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص192-193 ب81 ح43.

() ثواب الأعمال: ص145 ثواب انظار المعسر.

() وسائل الشيعة: ج18 ص368 ب26 ح23869.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص182 باب الدين والقرض ح3683.

() فقه الرضا عليه السلام: ص268 ب42.

() مجمع الفائدة: ج8 ص170.

() مجمع البحرين: ج2 ص200 مادة دست.

() مستند الشيعة: ج17 ص462.

() علل الشرائع: ج2 ص529 ب313 ح1.

() الكافي: ج5 ص97 باب قضاء الدين ح8.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص184-185 باب الدين والقرض ح3693.

() سورة الرعد: 21.

() تفسير القمي: ج1 ص364 سورة الرعد.

() فقه الرضا عليه السلام: ص257 ب38.

() وسائل الشيعة: ج18 ص326-327 ب4 ح23775.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص183 ب81 ح1.

() وسائل الشيعة: ج18 ص350 ب17 ح23825.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص184-185 ب81 ح7.

() الخصال: ج1 ص12 باب الواحد ح42.

()

وسائل الشيعة: ج17 ص67 ب23 ح22003.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص555 باب النوادر ح4907.

() بحار الأنوار: ج100 ص13 ب1 ح61.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص184 ب81 ح6.

() مستدرك الوسائل: ج13 ص55 ب20 ح14729.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص168 باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ح3631.

() الكافي: ج5 ص88 باب من كد علي عياله ح2.

() سورة الأنعام: 141.

() وسائل الشيعة: ج9 ص461 ب42 ح12500.

() الكافي: ج4 ص26 باب فضل المعروف ح1.

() سورة الإنسان: 8.

() وسائل الشيعة: ج21 ص540 ب20 ح27805.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص47.

() تحف العقول: ص442 وروي عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص402 ومن ألفاظ رسول الله صلي الله عليه و اله الموجزة التي لم يسبق إليها ح5867.

() سورة البقرة: 201.

() معاني الأخبار: ص174-175 باب معني حسنة الدنيا وحسنة الآخرة ح1.

() الكافي: ج5 ص72 باب الاستعانة بالدنيا علي الآخرة ح8.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص156 باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ح3568.

() وسائل الشيعة: ج17 ص76 ب28 ح22026.

() غوالي اللآلي: ج1 ص267 ف10 ح67.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص156 باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ح3571.

() وسائل الشيعة: ج17 ص77 ب29 ح22030.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص157 باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ح3573.

() وسائل الشيعة: ج17 ص78 ب29 ح22033.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص157 باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ح3575.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص6 ب1 ح18.

() الكافي: ج5 ص153 باب آداب التجارة ح18.

() وسائل الشيعة: ج17 ص385-386 ب3 ح22805.

() التوحيد: ص275-276 ب38 ح1.

() الكافي: ج5 ص153 باب آداب التجارة ح14.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص7 ب1 ح22.

() المقنعة: ص591 كتاب التجارة ب2.

() مستدرك الوسائل: ج13

ص249 ب2 ح15270.

() الكافي: ج5 ص154 باب آداب التجارة ح23.

() وسائل الشيعة: ج17 ص381 ب1 ح22794.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص8 ب1 ح25.

() الكافي: ج5 ص152 باب آداب التجارة ح7.

() وسائل الشيعة: ج17 ص450 ب42 ح22970.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص196 باب التجارة وآدابها وفضلها وفقهها ح3737.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص18 ب1 ح79.

() وسائل الشيعة: ج17 ص382-383 ب2 ح22798.

() الكافي: ج5 ص161 باب الحلف في الشراء والبيع ح1.

() وسائل الشيعة: ج17 ص392 ب7 ح22820.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص11 ب1 ح44.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص110 ب8 ح81.

() وسائل الشيعة: ج17 ص387 ب3 ح22808.

() الكافي: ج5 ص153 باب آداب التجارة ح16.

() الخصال: ج1 ص224 باب الأربعة ح55.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص5 ب1 ح15.

() بحار الأنوار: ج19 ص119-120 ب7 ح4.

() وسائل الشيعة: ج17 ص70 ب24 ح22013.

() الكافي: ج5 ص92 باب شراء العقارات وبيعها ح4.

() وسائل الشيعة: ج17 ص71 ب24 ح22015.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص361-362 ب93 ح158.

() الاستبصار: ج3 ص63 ب37 ح2.

() علل الشرائع: ج2 ص530-531 ب314 ح3.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص361-362 ب93 ح158.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص361-362 ب93 ح158.

() الاستبصار: ج3 ص63 ب37 ح2.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص431 ق6 ب3 ف2 ح9844.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص431 ق6 ب3 ف2 ح9821.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص431 ق6 ب3 ف2 ح9835.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص431 ق6 ب3 ف2 ح9836.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص164 باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ح3601.

() الكافي: ج5 ص152 باب آداب التجارة ح12.

() وسائل الشيعة: ج17 ص78 ب29 ح22035.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص504 باب كراهية النوم بعد الغداة ح1452.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص257 باب ذكر جمل من مناهي

رسول الله صلي الله عليه و اله.

() غوالي اللآلي: ج1 ص133 ف8 ح22.

() الكافي: ج5 ص125 باب المكاسب الحرام ح7.

() وسائل الشيعة: ج17 ص81 ب1 ح22041.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص368 ب93 ح185.

() الكافي: ج5 ص124-125 باب المكاسب الحرام ح4.

() الاستبصار: ج3 ص67 ب40 ح2.

() انظر موسوعة الفقه، كتاب القواعد الفقهية، قانون الإلزام، للإمام المؤلف (قدس سره الشريف).

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص258 باب ذكر جمل من مناهي رسول الله صلي الله عليه و اله.

()تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص258 باب ذكر جمل من مناهي رسول الله صلي الله عليه و اله.

()تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص258 باب ذكر جمل من مناهي رسول الله صلي الله عليه و اله.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص372 ب93 ح201.

() مستدرك الوسائل: ج13 ص70 ب5 ح14776.

() قرب الإسناد: ص115 باب ما يحل من البيوع.

() الكافي: ج6 ص407 باب أن رسول الله صلي الله عليه و اله حرم كل مسكر قليله وكثيره ح1.

() وسائل الشيعة: ج25 ص325-326 ب15 ح32028.

() تهذيب الأحكام: ج9 ص111 ب2 ح217.

() الكافي: ج2 ص375 باب مجالسة أهل المعاصي ح4.

() بحار الأنوار: ج71 ص201 ب14 ح40.

() وسائل الشيعة: ج12 ص29 ب15 ح15558.

() وسائل الشيعة: ج17 ص176-177 ب41 ح22288.

() راجع تهذيب الأحكام: ج6 ص373 ب93 ح203.

() الكافي: ج6 ص429 باب النوادر ح4.

() وسائل الشيعة: ج25 ص315 ب12 ح31992.

() الكافي: ج6 ص409 باب ان رسول الله صلي الله عليه و اله حرم كل مسكر قليله وكثيره ح10.

() دعائم الإسلام: ج2 ص486 كتاب الغصب والتعدي ف2 ح1738.

() الكافي: ج6 ص434 باب الغناء ح23.

() الكافي: ج6 ص435 باب النرد والشطرنج ح1.

() سورة الحج: 30.

() وسائل الشيعة: ج17 ص318 ب102 ح22646.

() بحار الأنوار:

ج19 ص177 ب8 ح23.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص259 باب ذكر جمل من مناهي رسول الله صلي الله عليه و اله.

() وسائل الشيعة: ج25 ص386 ب1 ح32190.

() الغصيب: أي المغصوب.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 240.

() الكافي: ج5 ص125 باب المكاسب الحرام ح8.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص294 ب92 ح26.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص246 باب المزارعة والإجارة ح3896.

() شرائع الإسلام للمحقق الحلي (رض) تعليق سماحة آية الله العظمي السيد صادق الشيرازي (دام ظله): ج1-2 ص273-274.

() الكافي: ج5 ص160 باب الغش ح1.

() وسائل الشيعة: ج17 ص279 ب86 ح22520.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص13 ب1 ح55.

() مسائل علي بن جعفر: ص214 النجاسات ح464.

() بحار الأنوار: ج76 ص232 ب98 ح7.

() الأمالي للطوسي: ص690-691 المجلس39 ح1468.

() الخصال: ج1 ص237 باب الأربعة ح80.

() بحار الأنوار: ج76 ص230-231 ب98 ح4.

() سورة النساء: 29.

() تفسير العياشي: ج1 ص236-237 سورة النساء ح103.

() وسائل الشيعة: ج17 ص323 ب103 ح22664.

() بحار الأنوار: ج76 ص236 ب98 ح21.

() انظر موسوعة الفقه: ج60 كتاب الوقوف والصدقات.

() الاستبصار: ج4 ص97 ب61 ح1.

() تهذيب الأحكام: ج9 ص131 ب3 ح5.

() الاستبصار: ج4 ص98 ب61 ح4.

() الكافي: ج4 ص56 باب كراهية السرف والتقتير ح10.

() وسائل الشيعة: ج21 ص556 ب27 ح27861.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص354 ق5 ب1 ف1 آثار القصة وفوائده ح8074.

() سورة الإسراء: 26.

() مستدرك الوسائل: ج13 ص51-52 ب19 ح14717.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص353 ق5 ب1 ف1 أهمية الاقتصاد ح8057.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص359 ق5 ب2 ف1 ح8123.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص359 ق5 ب2 ف1 ح8126.

()غرر الحكم ودرر الكلم: ص359 ق5 ب2 ف1 ح8120.

()غرر الحكم ودرر الكلم: ص360 ق5 ب2 ف4 ح8176.

() الكافي: ج4 ص55 باب كراهية السرف

والتقتير ح3.

() وسائل الشيعة: ج21 ص558 ب29 ح27867.

() سورة الإسراء: 26.

() راجع الكافي: ج3 ص501 باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق ح14. وفيه: (ولكن بين ذلك قواما).

() سورة البقرة: 188.

() وسائل الشيعة: ج17 ص93 ب5 ح22060.

() سورة البقرة: 188.

() الكافي: ج5 ص122 باب القمار والنهبة ح1.

()تهذيب الأحكام: ج6 ص368 ب93 ح182.

() وسائل الشيعة: ج20 ص191 ب104 ح25397.

() غوالي اللآلي: ج2 ص109 المسلك الرابع ح298.

() بحار الأنوار: ج101 ص274 ب3 ح8.

() قاعدة فقهية مشهورة.

() غوالي اللآلي: ج3 ص208 باب التجارة ح60.

() راجع أيضا كتاب (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين)، للإمام المؤلف (قدس سره).

() تهذيب الأحكام: ج10 ص46 ب1 ح166.

() المقنعة: ص777 ب1.

() الاستبصار: ج4 ص241 ب140 ح2.

() سورة النساء: 43، سورة المائدة: 6.

() سورة المائدة: 6.

() سورة الجن: 18.

() سورة الجن: 18.

() تفسير العياشي: ج1 ص319-320 سورة المائدة ح109.

() علل الشرائع: ج2 ص535 ب324 ح3.

() الكافي: ج7 ص228 باب الأجير والضيف ح6.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص147 باب الإباق ح3542.

() تهذيب الأحكام: ج10 ص112 ب8 ح59.

() سورة الأعراف: 56.

() وسائل الشيعة: ج28 ص49 ب28 ح34186.

() دعائم الإسلام: ج2 ص472 ف2 ح1687.

() مستدرك الوسائل: ج18 ص27 ب22 ح21916.

() وسائل الشيعة: ج28 ص46 ب24 ح43176.

() الاستبصار: ج4 ص252 ب148 ح5.

() سورة ص: 39.

() وسائل الشيعة: ح28 ص41 ب18 ح34166.

() من لا يحضره الفقيه: ح4 ص60 باب حد السرقة ح5100.

() غوالي اللآلي: ج3 ص569 باب الحدود ح89.

() مستدرك الوسائل: ج18 ص144 ب26 ح22339.

() سورة المائدة: 39.

() غوالي اللآلي: ج3 ص565 باب الحدود ح75.

() دعائم الإسلام: ج2 ص465 كتاب الحدود ف5 ح1648.

() الكافي: ج7 ص253-254 باب أنه لا حد لمن لا حد عليه ح2.

() موسوعة الفقه: ج87-88

كتاب الحدود والتعزيرات.

() سورة البقرة: 286.

() سورة النحل: 106.

() وسائل الشيعة: ج15 ص369 ب56 ح20770.

() الكافي: ج2 ص463 باب ما رفع عن الأمة ح2.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص24 ب56 ح13405.

() المحاسن: ج2 ص339 كتاب العلل ح124.

() سورة لقمان: 34.

() بحار الأنوار: ج42 ص279 ب127 كيفية شهادته عليه السلام ووصيته وغسله والصلاة عليه ودفنه.

() غوالي اللآلي: ج2 ص342 ب2 ح1.

() غوالي اللآلي: ج2 ص342 ب2 ح4.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص359 ب11 ح21581.

() غوالي اللآلي: ج2 ص343 ب2 ح6.

() غوالي اللآلي: ج2 ص344 ب2 ح7.

() غوالي اللآلي: ج2 ص344 ب2 ح8.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص368 ب3 ح21601.

() فقه القرآن: ج2 ص74 باب الغضب.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص348 ب93 ح102.

() غوالي اللآلي: ج2 ص345 ب2 ح12.

() الكافي: ج5 ص126-127 باب السحت ح2.

() انظر كتاب (الفقه: الزرع والزراعة) للإمام المؤلف (قدس سره الشريف).

() الاستبصار: ج1 ص13 ب4 ح5.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص296-298 باب آداب المسافر ح2505.

() وسائل الشيعة: ج1 ص301 ب2 ح790، وسائل الشيعة: ج1 ص324-325 ب15 ح853.

() بحار الأنوار: ج63 ص446 ب1.

() الكافي: ج7 ص364 باب ضمان الطبيب والبيطار ح1.

() تهذيب الأحكام: ج10 ص234 ب18 ح61.

() مستدرك الوسائل: ج18 ص325 ب19 ح22855.

() وعلي سبيل المثال: إن الاقتصاد الأمريكي بات محركاً للاقتصاد العالمي بناتج محلي إجمالي عام 1998 يفوق8511 مليار دولار مقابل 2903 مليارات دولار لليابان، و1813 ملياراً لألمانيا، و1320 ملياراً لفرنسا، و1252 ملياراً لبريطانيا، و1811 ملياراً لإيطاليا، و688 ملياراً لكندا، و593 ملياراً لروسيا، أي إن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة وحدها يزيد عن 87% عن مجموع الناتج المحلي الإجمالي للبلدان السبعة الأخري البالغ 9750 مليار دولار. ومنه يعرف مدي هيمنة أمريكا وتخطيطها ودورها علي قرارات الشركات

والبنوك والمصارف.

() سورة المنافقون: 8.

() سورة النساء: 139.

() سورة فاطر: 10.

() وتظهر البيانات الدولية أن الشركات متعددة الجنسيات قد زادت عددا من 11000 شركة تتحكم ب 82000 شركة فرعية وتزيد مساهمتها علي 25% من حجم التجارة العالمية عام 1975م إلي 37500 شركة تتحكم ب 207000 شركة فرعية وتتعامل بأكثر من حجم التجارة العالمية عام 1990م.

() فهذه الشركات التي تسيطر علي 95% من التجارة العالمية لم تستخدم أكثر من 3.5 من أبناء الجنس البشري في التشغيل.

() سورة العنكبوت: 46.

() سورة المائدة: 51-52.

() ويذكر (كريس دي ستووب) في كتابه (تجارة النساء في أوروبا): في الوقت الحالي تعد إيطاليا إحدي اكثر الدول المتأثرة بالدعارة، حيث تذرع العاهرات الإفريقيات والمخنثون البرازيليون الشوارع المحيطة بروما وتيران وبولون وفلورانس وبادم.. وهناك اكثر من تسعة آلاف عاهرة سوداء قدمن علي الاخص من نيجيريا، لقد أتوا دون توقف منذ منتصف الثمانينات حينما انهار الاقتصاد النيجري، إن 90% من الفيز الممنوحة من السفارة الإيطالية بنيجيريا هي لفتيات تتراوح أعمارهن بين 18 و30 عاما، كما تملك إيطاليا شبكة كبيرة من نوادي الجنس وراقصات التعري، ولكن العاهرات النيجيريات يمثلن الشكل الأسوأ: فقد كن يقتلن ويعذبن ويغتصبن كل أسبوع، كما اكتشفت جثة مومس مقتولة بطعنة سكين تحت جسر في لنزا، واكتشف قبر فيه جثث خمس نيجيريات في نابولي، كما اكتشف في تورين جثث أربع فتيات مخنوقات ومرميات في بئر.. وقامت المومسات البيض في ربيع 1992م في بيللا شمال تورين باحتجاج ضد أسعار السوداوات المنخفضة، إن بعض العاهرات واقعات تحت نير الديون وإذا قمن بخرق الاتفاق فإنهن يتعرضن للضرب الوحشي أو الإهانات الشديدة بحسب الطريقة المتبعة، ولكن المافيا الإيطالية تدخل أيضا في هذه التجارة التي تقدر عائداتها بالمليارات،

وحسب بعض التقديرات فان هذه التجارة تجلب ما يقارب مليار فرنك فرنسي سنويا، ان ممارسة الدعارة في إيطاليا لا تعد جريمة ولكنها بالطبع ممنوعة علي المهاجرات غير الرسميات.

وفي إسبانيا كما في إيطاليا، ثمة عشرات الآلاف من الفيليبينيات اللواتي قدمن إلي البلاد كخادمات أو للعمل مقابل إقامتهن وطعامهن فقط، واللواتي يعشن بشكل مزر وبرواتب زهيدة، وقد تم مؤخرا استبدالهن بالدومينيكانيات اللواتي يتقن اللغة الإسبانية، ويمكن اليوم رؤية المئات منهن في منطقة مونكلو وغيرها، وقد تم تدمير منزل تعيش فيه ثمانون امرأة منهن بسبب شكاوي الجيران. والتوافد الحالي والمتزايد للدومينيكانيات الي البلاد يعود إلي وجود نواد للجنس حتي في اصغر القري الإسبانية، ويقدر عدد العاهرات في هذا البلد بحوالي خمسمائة ألف امرأة! وفي عام 1992م تم الكشف عن عصابة ترغم الغواتيماليات علي الدعارة في ملاهي برشلونة.

وفي باريس يمكن مشاهدة العاهرات يذرعن شارع سان دنيس و المخنثين القادمين من جنوب أمريكا وهم متوزعون في غابة بولونيا، بينما أصبحت منطقة البيجال مملوءة بالسوداوات اكثر فاكثر. كما يقبض (مركز مكافحة الاتجار بالجنس البشري) في فرنسا كل عام علي 1500 شخص من المتورطين في هذه التجارة و25% منهم من النساء، فان الدعارة بحد ذاتها في فرنسا غير ممنوعة، ولكن كل من يستغل أو يشغل امرأة لحسابه يلاحقه القانون ويتعرض للعقوبة. كما تشكل فرنسا أحيانا محطة ترانزيت لفتيات جنوب أمريكا وإسبانيا والبرتغال، حيث يدربن ويرسلن لاحقا إلي بلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا، فغالبا ما يستعمل تجار النساء في غانا، فرنسا مركزا أوليا لنقل نسائهم إلي أوروبا.

أما سويسرا فتدعي (جنة فتيات الملاهي) التي تقدم رقص التعري… وهن غالبا آتيات من جمهورية الدومينيكان والبرازيل وتايلند، مع أن الأيدي العاملة الأجنبية غير مسموح لها بالدخول للبلاد إلا

إذا كانت من أمريكا الشمالية أو كندا أو أوروبا، ولكن هنالك استثناء للعاملات في الكاباريهات وتعطيهن الدولة إذن العمل الصالح لمدة ثمانية اشهر في السنة، وإذا استمرت الواحدة منهن بالعمل مدة سنتين متواصلتين فإنها تحصل علي إذن جديد لثمانية عشر شهرا.. وهنالك حوالي 800 فتاة ملهي بشكل دائم في سويسرا، وبالإضافة إلي هؤلاء النسوة هناك الكثير من المقيمات بشكل غير شرعي ممن يعملن في تجارة الجنس المنظمة والتي تدر للدولة سنويا ما يقارب 2 الي3 مليون فرنك سويسري …

ان قمة الدعارة في اوروبا هي في ريبرباهن في هامبورغ، حيث يبلغ عدد التايلنديات العاملات في الكاباريهات وبيوت الهوي المئات.

وفي فرانكفورت تصارع منظمة آجسترا منذ عام 1983 تجارة النساء، ويقع مكتبها في المنطقة التي تعد مملكة العاهرات، حيث تقف التايلنديات والكولومبيات علي باب عمارة فيها مئات الشقق المخصصة (كبيوت هوي) لجلب الزبائن وهن يصفرن ويصطدن الرجال الذين يأتون ليختاروا إحداهن، ويتراوحون بين الشباب الصغار إلي رجال الأعمال. فان هناك في ألمانيا بحدود 200 إلي 400 ألف مومس.

كما قدرت الشرطة عدد بنات الليل في بلجيكا لعام 1980م بأربعة عشر ألف امرأة!.

() سورة البقرة: 279.

() انظر: الرأي العام الكويتية.

() الكافي: ج2 ص668 باب حق الجوار ح14.

() وسائل الشيعة: ج12 ص129 ب88 ح15849.

() وسائل الشيعة: ج24 ص327 ب44 ح30676.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص429 ب74 ح9896.

() نهج البلاغة، الرسائل: 45 ومن كتاب له عليه السلام إلي عثمان بن حنيف وكان عامله علي البصرة.

() بحار الأنوار: ج71 ص387 ب23 ح11.

() سورة البقرة: 29.

() سورة إبراهيم: 32-34.

() سورة النحل: 12-16.

() سورة الحج: 65.

() سورة لقمان: 20.

() سورة الجاثية: 12-13.

() سورة النساء: 97.

() سورة النساء: 100.

() منها كتاب: (الاقتصاد الكوني نحو تحول إلي المحلية)

وهو يحتوي علي ما يقرب من خمسين بحثا في الموضوع.

() أي الناس مسلطون علي أموالهم وأنفسهم.

() سورة طه: 124.

() نهج البلاغة: قصار الحكم: 241.

() الكافي: ج1 ص26 كتاب العقل والجهل ح29.

() هو كتاب: (ماركس ينهزم).

() سورة الهمزة: 6-7.

() يقع الكتاب في 48 صفحة من الحجم المتوسط، من اصدارات مركز الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله للتحقيق والنشر، بيروت لبنان عام 1419 ه 1999م.

() أي إنه عليه السلام كان من الشرق وإلاّ فهو من الأنبياء أولي العزم الذين بعثوا لجميع العالم.

() فهناك مشاكل كثيرة من الفساد الأخلاقي والعنف والجرائم والإيدز والمخدرات وما أشبه، فمثلاً:

أكثر من 210 آلاف أمريكي قتلوا في حوادث عنف داخلية خلال العقد الأخير، بينما هناك 17 مليون مواطن كانوا ضحية لجرائم العنف في الفترة ذاتها.

والإحصاءات تدل علي تزايد العنف بين الشباب وفي المناطق الفقيرة وقد جاء في تقرير أن 135 ألف مسدس تجلب إلي المدارس الأمريكية كل يوم، وأن 4/2 مليون طالب مدرسة يسرق منه شيء، بينما 282 ألفاً منهم يتعرض للاعتداء الجسدي كل شهر، كما يتعرض 5200 مدرس للضرب في الشهر أيضاً، وألف منهم يحتاجون إلي العلاج الطبي، و40% من الجرائم المرتبطة بالقتل تتصل بالمخدرات.

بالإضافة إلي أن التفكك الأسري والاجتماعي من أهم عوامل العنف هناك وكذلك مشاهدة العنف في وسائل الإعلام، فإنه مع نهاية المرحلة الابتدائية يكون الصبية الأمريكيون قد شهدوا حوالي 8 آلاف من مشاهد القتل وما يزيد علي مائة ألف من أعمال العنف الأخري حيث ان الأطفال الأمريكيين يقضون من الوقت في مشاهدة التلفزيون سنوياً أكثر من وقت حضورهم للمدرسة.

() سورة طه: 124.

() ففي بعض الإحصاءات: إن ألف طفل يستغلون جنسياً في ألمانيا سنوياً، ومليون طفل في العالم يمارسون

الدعارة حالياً.

ويقول تقرير صادر عن الأمم المتحدة: إن 4 ملايين شخص يتم تهريبهم في كل سنة من بلادهم، وان هؤلاء يرغمون سواء عن طريق الخديعة أو العنف، علي ممارسة كل أنواع الخدمات وان من بين هؤلاء حوالي 500 ألف امرأة يتم تهريبهن إلي أوروبا الغربية وحدها سنويا.

وأما الإيدز فداء العصر، وهو يعد أخطر عدوي فيروسية في تاريخ البشرية قاطبة، حيث يصيب هذا المرض الفتاك حالياً ما لا يقل عن 30 مليون شخص عبر العالم، أبرزهم في دول أفريقيا السوداء والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وآسيا.

وفي استفتاء شمل 500 امرأة بريطانية تبيّن أن نصف البريطانيات اعترفن بعلاقات مع الرجال خارج حياتهن الزوجية، وغالبيتهن كشفن أنهن غير نادمات علي ذلك!، الاستفتاء الذي أعلن عنه في حفلة توزيع جوائز (امرأة العالم) في لندن شمل نساء يمارسن السياسة والصحافة والرياضة والتجارة والإدارة والطب والمحاماة والمقاولة والجمعيات الخيرية، وكشف الاستفتاء أن 42% اعترفن بالزنا وأعمارهن بين 51 و 64 سنة، و 39% مطلقات، و60% لديهن أولاد، الثلثان منهن اعترفن بأنهن لسن أمهات جيدات لأسباب عدة منها: غياب الوقت الكافي للجلوس مع العائلة، والأنانية، والتعب في العمل الذي ينعكس سلبا علي البيت، وفقدان الوقت لبحث قضايا مهمة مع الأزواج.

() سورة الروم: 30.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة الفتح: 29.

() سورة فصلت: 34-35.

() راجع كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) ج1 ص210 للإمام المؤلف (قدس سره الشريف).

() راجع كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) ج2 ص114.

() وذلك في حرب صفين، راجع بحار الأنوار ج41 ص146، وكتاب (الحكومة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين عليه السلام) ص11، للإمام المؤلف.

() حيث أعطي عليه السلام الماء للحر بن يزيد الرياحي وجنده، حتي رشفوا الخيل ترشيفا، وذلك قبل

نزولهم بكربلاء، راجع تاريخ الطبري ج4 ص296.

() بحار الأنوار ج58 ص129 ب42.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص385 ق5 ب4 ف2 ح8771.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص385 ق5 ب4 ف2 ح8772.

() نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له عليه السلام كتبه إلي الأشتر النخعي لما ولاه علي مصر وأعمالها.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص381 ومن ألفاظ رسول الله صلي الله عليه و اله الموجزة التي لم يسبق إليها ح5826. وص419 ح5917.

() سورة التوبة: 33. سورة الصف: 9.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.