الشوري في الإسلام

اشارة

اسم الكتاب: الشوري في الإسلام

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه الوعي الاسلامي

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1425 ق

الطبعة: يازدهم

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

في عصر الفضائيات والانترنيت لا مكان إلاّ للأفكار، فثورة المعلومات لا تنتج إلا الأفكار.

صحيح أنّ الفكرة التي تنتجها قد تكون سلاحاً مدمراً، أو وباءً ينشر الفساد والرذيلة في صفوف الناس، لكنها أيضا تنتج الأفكار العملاقة المغيّرَة للحياة.

وهكذا كانت الأفكار من قديم الزمان.. أفكار تدمّر، وأفكار تبني.. أفكار تقضي علي الوجود، وأخري تبني صرح الحياة.

فالماركسية مثلاً التي وُلدَت أواسط القرن الماضي غزت العالم أواسط القرن الحالي، لكنها لم تجلب للبشرية سوي الفقر والفاقة، فتحولت مجتمعات غنية إلي مجتمعات فقيرة بالكامل.

والوجودية التي أعلن عنها ?سارتر? أتت بالإباحية، فنشرت الرذيلة في كل مكان وجعلت الخلاعة أمراً مشروعاً.. والزنا أمراً مألوفاً.

وإلي جانب هذه الأفكار السلبية، انتشرت أفكارٌ بناءة وإيجابية عمّت أرجاءً من العالم ونشرت الفضيلة والعلم بين صفوف الناس، كالأفكار التي صدح بها الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين ?.

والذي نلاحظ في ثورة الأفكار التي تسود العالم أنّ الأفكار الإيجابية هي الأفكار التي يُسجل لها الخلود، بينما الأفكار السلبية تتآكل ثم تندثر.

وفكرة الشوري التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف في عصر

لم يكن هناك قيمة للإنسان والقانون، كانت بمثابة المشعل الذي أضاء للبشرية طريق الخلاص من الاستبداد والديكتاتورية.

وللوهلة عندما نتأمّل واقع العالم تتبين لنا أهمية ما جاء به الإسلام، فلم تعرف جزيرة العرب بعد فكرة الدولة المركزية، حيث كانت القبائل هي التي تتحكم بمقدرات الناس، وهي التي تحكم بدلاً من الحكومات والدول.

وكان العالم يعيش تحت وطأة دولتين قويتين هما الفارسية والبيزنطية، وكان عصر حروب وغزوات.

فملك الفرس كان في مصاف الآلهة، أمرهُ مطاع ولا

يناقش في أمره، ومن حقه أن يفعل ما يريد بدون استشارة.

وفي الدولة البيزنطية وريثة الحضارة اليونانية لم ترث من تلك الحضارة إلاّ روح السيطرة والغطرسة، هكذا كان العالم عشية مجيء الإسلام، استبداد وفوضي وتأخر.

وكانت الشوري من بين الأفكار العظيمة التي جاء بها الإسلام واستطاع بهذه الفكرة أن يُحطّم جدار الاستبداد والطغيان ويعيد للإنسان كرامته المفقودة، فبني علي ساحل هذه الفكرة أعظم دولة في التاريخ البشري، حيث كان رسول الله صلي الله عليه و اله يجمع المسلمين كلهم بلا استثناء ويستشيرهم في أمور بلادهم، والتراث الروائي خير شاهدٍ علي ذلك.

كان الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله يستشير وهو غنّي عن الاستشارة، لأنّ علمه متصل بالعلم الإلهي ?وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَي ? إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَي?(1)، لكن من أجل أن يُعلّم أصحابه فن المشورة، وكان صلي الله عليه و اله يستشير حتي المرأة، فقد استشار (أم سلمة) في حلق الرؤوس في صلح الحديبية وعمل بقولها وهو غني عن قولها.

كل ذلك.. من أجل أن يبين للمسلمين أهمية الشوري ويرسم للحكام طريق الحكومة.

فقد شاور الرسول صلي الله عليه و اله أصحابه في مواطن عديدة، في غزوة بدر، وفي غزوة أحد، ويوم الخندق، وفي الحديبية. وفي كل موقف وموقع لم ينس الرسول صلي الله عليه و اله أن يستشير أصحابه، حتي ولو كلفته الاستشارة ثمناً باهضاً، كما حدث في واقعة أحد، حيث استشار أصحابه، فأشاروا عليه بالخروج من المدينة، وكان رأي الرسول صلي الله عليه و اله البقاء فيها وكان رأيهُ هو الأصوب، لكن تنازل عن رأيه واتبَّع آراء الأكثرية المؤيدة لفكرة الخروج، فكان ما كان من خسارة المسلمين للمعركة(1).

والطريف حقاً أنّ آية الشوري التي تقول: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي

الأَمْر..?(2). نزلت علي الرسول صلي الله عليه و اله بعد هذه الواقعة أي بعد فشل المسلمين من إحراز النصر والذي كان من أسبابه خروجهم من المدينة، جاءت هذه الآية لتقوي قلب الرسول صلي الله عليه و اله ولتقول له لاتفتر عن المشورة حتي لو حصلت تلك النتيجة الخاسرة في غزوة أحد.

وليُبيّن أن الشوري قاعدة ثابتة لا علاقة لها بالممارسة.

وبقيت الشوري وأقبرت الديكتاتورية.

هكذا تبقي الأفكار البناءة، وهكذا تحتضر الأفكار الهدامّة.

والكتاب الذي بين يديك هو استذكار لأهمية الشوري وبيان قيمتها الشرعية، فالشوري عند الإمام الشيرازي رحمة الله عليه أمرٌ واجب، وأنّ العمل برأي شوري في مواردها المقررة أمرٌ واجب أيضاً، خلافاً لرأي بعض الفقهاء الذين لا يرونَ إلزامية الشوري.

قيمة هذا الكتاب علي صغر حجمه هو تناوله للشوري من موقف قوي وراسخ من الكتاب والأحاديث والأخبار، وإقرار مبدأ مهم هو إلزامية الشوري الذي وقع فيه الاختلاف بين من يري الوجوب أو عدمه.

لقد اتجه الإمام الشيرازي رحمة الله عليه في هذا الكتاب اتجاهاً متيناً في الاستدلال علي حجيّة الشوري، فقد أخرج الموضوع من النصوص المختلف عليها والتي لا يمكن استقراء الوجوب أو عدمه من خلالها فقط. فهناك نصوص يفهم منها وجوب الشوري إلي جانبها نصوص يُفهم منها عدم الوجوب. وقد تضاربت آراء العلماء نتيجة لهذا الفهم للنصوص هل هي واجبة أم مندوبة.

وخلافاً لمنهج الكثير ممّن كتب في هذا الحقل، انتحي الإمام الشيرازي رحمة الله عليه منحاً آخر في الاستدلال علي حجيّة الشوري عندما استدل عقليا علي ذلك، فأخذ بقاعدة (التصرّف) وأنّ التصرف بالمال أو الإرادة بحاجة إلي الإذن، والإذن هنا هو مفتاح المشورة، وبهذا الاستدلال فتح المؤلف فتحاً جديداً في حجيّة الشوري، والذي سيكون له آثار عميقة في البعد

السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لأنّ الإقرار بوجوب الشوري يعني إرساء نظام سياسي قائم علي قاعدة رأي الأمة وليس علي رأي الحاكم.

وفي البعد الاجتماعي أنّ دخول الشوري في الحياة الاجتماعية يعطي دفعة قوية للحياة الإنسانية؛ فالمجتمع القائم علي المشورة هو المجتمع المنفتح علي أبنائه، وهو المنفتح علي المجتمعات الأخري وبالتالي منفتح علي الحياة.

وفي البعد الاقتصادي نري أنّ البلاد التي تسودها الشوري مزدهرةٌ في اقتصادها ومتنعمة في خيراتها ومتقدمةٌ في صناعتها وزراعتها عكس البلاد الديكتاتورية، فإن رأس المال لا يستقر فيها بل يشدّ أحزمة الرحيل إلي البلاد الأخري.

لقد كان الإمام الشيرازي رحمة الله عليه وما يزال نصيراً قوياً للشوري حتي عرف في الأوساط العلمية ب (صاحب نظرية الشوري) واستطاع أن يُوجِد في الأمة تياراً مؤمناً بهذه الفكرة، ولأجل هذا تعرض للقمع الفكري والحصار والمضايقة ويواجه قلمه الحراب والبنادق، فكان كلّما اشتدت عليه الحراب أمسك القلم هنيئة حتي تهدأ العاصفة ثم يبدأ مسيرته مرة أخري، لأنه يعي حكمة الحياة:

?إنّ عمر القلم أطول من عمر الطغاة?.

ولأجل هذا منع الرقيب هذا الكتاب من الإصدارات المجازة وفي بعض الدول حتي أضحي حامله مجرماً يستحق السجن والإعدام. والسِفر الذي بين يديك عزيزي القارئ هو عصارة أفكار الإمام الشيرازي رحمة الله عليه في الشوري كتبه قبل عقدين من الزمن، فكان لابدّ من إعادة طبعه بثوب جديد.

وقد طبع الكتاب حتي الآن عدة طبعات، مما يؤكد الحاجة إليه، ويؤكد أيضاً أنّ الشوري لازالت فكرة حية في حياة الشعوب رغم سياط الجلادين وجبروت الحكام.

الناشر

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام علي محمّد وآله الطاهرين.

وبعد فهذا (الشوري في الإسلام)، مختصرٌ في هذا البعُد الإسلامي كتبته لإلقاء بعض الضوء علي هذا الجانب، والمسؤول منه سبحانه وتعالي

أنْ يُوفق المسلمين للعمل بالشوري، ليرجع إليهم عزّهم وسعادتهم، بالإضافة إلي أنّه سبب رضاه سبحانه، حيث ذلك طاعة له، ويكون للعامل به جَنةُ عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين، وقد جعلت البحث في ذلك في أربعة فصول:

الفصل الأول: الشوري في نظرة إجمالية، من حيث معني الشوري وآيات الشوري في القرآن الكريم.

الفصل الثاني: الشوري حجيتها ومواردها، وفيه مطالب:

المطلب الأول: حجيّة الشوري.

المطلب الثاني: موارد إلزام المشورة.

المطلب الثالث: هل يجب علي المستشار إبداء الرأي؟

المطلب الرابع: حدود الشوري.

المطلب الخامس: الشوري والعُرف.

المطلب السادس: كيفية الاستشارة.

الفصل الثالث: الشوري في الأحاديث والأخبار.

الفصل الرابع: الشوري في مجال التطبيق.

والله سبحانه المسؤول أن ينفع بهذا الكتاب، ويجعلهُ مقدمة لتطبيق الإسلام، وهو المستعان.

قم المقدسة

محمد الحسيني الشيرازي

1408ه

الفصل الأول الشوري في نظرة إجمالية

المطلب الأول: معني الشوري

الشوري مأخوذة من الجذر (ش و ر).

شَوَر: بمعني أَومأ، يُقال شاوره في الأمر: طلب منه المشورة. تشاور واشتَور القوم: شاور بعضهم بعضاً. استشار الأمر: تبين واستنار(1).

أما الراغب الأصفهاني، فقد أرجع كلمة الشوري إلي المصدر

(شور)، ومنها (الشُّوار) ما يبدو من المتاع، ويكنّي به عن الفرح كما يكنّي به عن المتاع، ومنها (شرتُ الدابة) أي استخرجتُ عَدْوَه تشبيهاً بذلك، والتشاور والمشورة والمشاورة: استخراج الرأي بمراجعة البعض إلي البعض، من قولهم: (شرت العَسَل) إذا اتخذته من موضعه واستخرجتهُ منه(1).

والظاهر أنّ (شرتُ) بمعني الاستخراج هو الأقرب لمفهوم الشوري باعتباره يتضمن معني استخراج الرأي كما يستخرج العسل من داخل خليّة النحل.

المطلب الثاني: الشوري في القرآن الكريم

ورد لفظ (الشوري) ثلاث مرات في القرآن الكريم:

1: ?وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمّ الرّضَاعَةَ وَعلَي الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ وَكِسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ لاَتُكَلّفُ نَفْسٌ إِلاّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَي الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوَاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلّمْتُم مّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ?(2).

فإذا كان القرآن الكريم يوجِّهنا إلي أن نُشاور في أدني أعمال تربية الولد وهو الفصل في الرضاع، فبشكل أولي يوجهنا نحو الاستشارة في الحكم، فلا يبيح الإسلام لرجل واحد أن يستبد في الأمة.

فقد أمرنا الله سبحانه رحمة بالطفل أن تتشاور الأم مع الأب قبل أن يقررا فصله عن الرضاعة، فكيف وأمر الحكومة وفيها مصير الأمة بأسرها، فرحمة بالأمة أمَر اللهُ سبحانه وتعالي الحكام بأن يتشاوروا.

2: ?فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ

عَلَي اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ? (1). لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلي الله عليه و اله: (أما إنّ الله ورسوله لغنيان عنها ولكن جعلها الله تعالي رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يُعدم رُشداً ومن تركها لم يُعدم غيّاً).

فقد كانت المشورة رحمة لعباده، فقد حفظ عبر الشوري وحدتهم، وجعل منهم شخصيات بارزة في المجتمع. والقسم الأخير من الآية ?فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَي اللَّهِ?(2)، ففيه رأيان، رأي يقول بالعزيمة علي رأيه صلي الله عليه و اله. ورأي ثانٍ يقول: إذا عزمت بعد المشاورة في الأمر علي إمضاء ما ترجحهُ الشوري وأعددت له عدته فتوكل علي الله في إمضائه، وكن واثقاً بمعونته وتأييده لك فيه، وهو الرأي الأظهر يدعمه في ذلك سيرة الرسول صلي الله عليه و اله في بدرٍ وأُحد.

3: ? وَالّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَيَ بَيْنَهُمْ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ?(1). والآية في وصف المؤمنين وفي تحديد واجباتهم، ومن جملة تلك الواجبات الشوري، فقد وردت الشوري بين أمرين واجبين إقامة الصلاة والإنفاق(2). فالأولي في المجال العبادي، تزكية النفس وبناء الشخصية الإيمانية، والثانية: في المجال السياسي، بناء الدولة ونظام الحكم، والثالثة في المجال الاقتصادي.. وهي ثلاث حلقات مترابطة، وهي أركان للمجتمع الإسلامي.

واستناداً لهذه الآيات الثلاثة يتضح ما يلي:

1: إنّ الشوري مبدأ إسلامي عام لا يختصّ فقط في المجال السياسي بل حتي في الحياة الأسرية والاجتماعية.

2: إنّ للشوري مجالان، الأول: مشورة الحاكم المسلم للمسلمين في الأمور المتعلقة بهم، والثاني: مشورة المسلمين فيما بينهم علي إدارة شؤونهم، فهي دعوة الطرفين إلي الشوري، طرف الحاكم وطرف الرعية.

3: مبدأ التشاور قائم في الأمور المتعلقة بشؤون المسلمين دون الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص.

الفصل الثاني الشوري حجيتها ومواردها

المطلب الأول: حجية الشوري

ويحتج علي وجوب الشوري

بأمور:

أولاً: وجوب أخذ الأذن بالتصرف

فكل شيء يرتبط بشؤون الأمة لابدّ من الاستشارة فيه، سواء في أصل الجعل أو تابعه، مثل: المدارس، والجامعات، والمستشفيات، والمطارات، والمعامل الكبيرة، وما أشبه ذلك، فإنّها تفتح وتعمل بمال الأمة ومقدراتها، وكذلك حال الوظائف من الرئاسة، إلي الوزارة، إلي المجلسين، إلي المحافظين، إلي مدراء النواحي، وهكذا، وذلك لجهتين:

1: أنّها تصرُّف بمال الأمة، سواء أموال الخمس والزكاة، أو المعادن، أو ما أشبه، ولا يحق لأحدٍ أن يتصرف في مال غيره إلاّ بإذنه.

2: أنّها تصرّف في الأمة، ولا يحق لأحد أن يتصرّف في غيره إلاّ بأذنه، ومن الواضح أنّ رضي الأمة وإجازتهم، في طول رضي الله سبحانه وإجازته؛ فاللازم أن يكون التصرّف حسب الرضائين.

وقد ذكرنا في بعض المباحث المفصَّلة: ?إنّ النساء أيضاً لهن الحق في ذلك إذا توفر الشرط، أي كان شيء من المال مرتبطاً بهنّ، أو كان شيء من التصرف مرتبطاً بهن?.

وكذلك حال الأطفال، إلاّ أنّ الإجازة بيد أوليائهم الشرعيين حسب ما قرر في الفقه.

لا يقال: إذا قلّد الناس مراجع التقليد وهم نصبوا المدراء ومن أشبههم كفي، لأنهم وكلاء الأَمة وخلفاء الرسول صلي الله عليه و اله.

لأنّه يقال: إذا فوضت الأمة إليهم الأمر بهذه السعة صحّ، وإلاّ لم يصح، لعدم التلازم بين الأمرين.

ومن الواضح أنّ مثل هذا التفويض الفضفاض لا يتحقق، بل الفقهاء بأنفسهم، وهم في قمة التعقل والعدالة بعد المعصومين عليهم آلاف التحية والسلام لا يحتكرون الأمر لأنفسهم، وهم العالمون بأنّ الاستشارة خير مظهر لأوجه الرأي، وتوصلهم إلي أَحسن النتائج.

فإذا طبِّقت الاستشارة في كل هذه الشؤون، من القرية إلي المدينة، ومن اتحاد الطلبة إلي أكبر إدارة للشؤون الاجتماعية، تظهر الكفاءات، وتتقدم عجلة الحياة إلي الأمام بسرعة كبيرة.

وبذلك تبين لنا أنّ من

يستشير ومن يُشير؟

فالمجموع بما هو مجموع يستشيرون ويُستشارون، وإنْ كان كلٌّ في مورده؛ فإنّ إطلاق الاستشارة شامل لكل ذلك، وإن كانت الخصوصيات بيد العُرف العاقل الملاحظ للزمان والمكان والشرائط، كما هو شأن الكبريات الملقات منهم (عليهم الصلاة والسلام) والصغريات التطبيقية لتلك الكبريات، ولذا قالوا: ?علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع?(1).

ثانياً: الآيات الكريمة

الشوري: عبارة عن استطلاع الآراء ليظهر الرأي الأصوب، وهو في باب الحكم واجب، حيث قال سبحانه: ? وَأَمْرُهُمْ شُورَيَ بَيْنَهُمْ?(2)، فإنهُ حيث ذُكر في صفات المؤمنين، وكان بين الواجبات، دلّ علي الوجوب سياقاً واتصافاً، قال سبحانه: ?فَمَآ أُوتِيتُمْ مّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَيَ لِلّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَيَ رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ ? وَالّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ ? وَالّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَيَ بَيْنَهُمْ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ?(1).

ومن المعلوم أنّ (الشوري) ذُكرت من بين صفات المؤمنين، فكان ظاهراً في وجوبها، كما أنّهُ ذُكر في عِداد اجتناب الكبائر وإقامة الصلاة وما أشبه ذلك من الواجبات، وهو دليل علي الوجوب، إذ سياق الآية يُفيدُ ذلك.

وقد يستشكل: بأنّ التوكل وغفران الذنب ليسا بواجبين، ذلك لأنه:

1: إذا كان دليل علي عدم وجوب شيء بسبب قرينة خارجية، لم يكن ذلك صارفاً عمّا ظاهره الوجوب، ولذا قالوا: إنّ الأمر في غسل الجمعة والجنابة لا يفيد استحباب الجنابة، لسياقها مع الجمعة المستحبة.

2: التوكل قسمان: واجب ومستحب، فإيكال الأمر إلي الله سبحانه فيما ليس من صنع الإنسان من لوازم الإيمان، وقد ورد في الآيات والروايات الأمر بذلك، وألمعنا إليه في (الفقه) في قسم الواجبات والمحرمات(1).

أما الغفران في قِبال الاسترسال في المعاصي من جهة الغضب كما هي عادة كثير من الناس حيث إنّهم إذا غضبوا فعلوا

المُحرّم بالنسبة إلي المغضوب عليه فواجب. نعم لا يجب بالنسبة إلي القدر المحتاج منه، مما أشار الله سبحانه بقوله: ?فَمَنْ اعْتَدَي عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَي عَلَيْكُمْ?(2)، وقوله تعالي ?وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ? (3)، إلي غير ذلك.

ولذا قال سبحانه بعد الآيات المذكورة: ?وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَي اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ? وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ?(4)، إلي آخر الآيات.

فممّا تقدم يظهر لنا وجه الجواب في الإشكال: أنهُ إذا كان مطلق الشوري في كافة الأُمور واجبة كان ذلك خلاف الضرورة، وإن كان في بعضها كان ذلك مجملاً فلا دلالة، وعليه فلابدّ من حمل الآية علي الاستحباب.

إذ يقال في رده: إنّ ظاهر الآية وجوب الشوري إلاّ ما خرج، والحكم(1) ممّا لم يخرج قطعاً، فالآية سواء استعملت في الجامع بين الواجب والمستحب مثل آيات الإنفاق(2) أو في الوجوب، احتاج الخارج إلي الدليل، وكانت الاستشارة في الحُكم واجبة، هذا ويؤيد الوجوب قوله سبحانه: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ? (3) بضميمة أنه صلي الله عليه و اله أسوة (4) فاللازم اتباع الحاكم الإسلامي له.

مناقشة الاستدلال بالآية:

1: إنّ هذه الآية لا تدل علي الشوري في تعيين الحاكم، بل شوري علي نفس الحاكم في إدارة شؤون البلاد، فمن أين جاء وجوب الشوري في الأول؟

2: لا دليل علي وجوب الشوري علي الرسول صلي الله عليه و اله، فإذا لم يكن واجباً عليه لم يكن واجباً علي غيره.

3: لعله إذا ثبت الوجوب عليه صلي الله عليه و اله كان ذلك من اختصاصاته.

4: إنهُ كان واجباً عليه صلي الله عليه و اله ولم يكن من اختصاصاته، لكن من أين أنهُ كان عليه صلي الله عليه و اله

الأخذ بمقتضاه، بل كان لأجل استجلاب خواطرهم؟ ويؤيدهُ أنّ عقلهُ فوق الكل والمتصل بالوحي فلم يكن يحتاج إلي آرائهم.

5: إنّ ?الأمر ? مجمل، فلا دلالة فيه علي الإطلاق الذي هو مصبّ الكلام.

وجواب هذه الاشكالات:

عن الأول: إنّ الآية تدل بالملاك الأولوي علي الشوري في تعيين الحاكم بعد أن لم يكن المنصوب عن الله سبحانه حاضراً. كما في الحال الحاضر، حيث غيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف)، فهل يمكن وجوب الشوري في الأمور العامة، وعدم وجوبه في تعيين القيادة التي هي الأصل؟ .

والأولوية بعد وضوحها عُرفاً، وهم(1) الملقي إليهم الكلام، قال سبحانه: ?بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ? (2)، إلي غير ذلك، واضحة من جهة أنّ القيادة تكون بتعيين الله سبحانه، قال تعالي: ?وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ للْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً? (3)، وقال سبحانه: ?يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً? (4)، وفي زيارة الإمام الحجة (عجل الله تعالي فرجه الشريف): ?السلام عليك يا خليفة الله وخليفة آبائه المهديين? (5)، إلي غير ذلك.

وعن الثاني: إنّ ظاهر الأمر الوجوب، فمن أين أنهُ لم يكن واجباً عليه صلي الله عليه و اله فيما لم يرد فيه نص من الله؟

ربما قيل: بدليل السياق، حيث قال سبحانه: ?فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمر? (1)، بضميمة أنّ العفو والاستغفار لهم غير واجبين.

وفيه:

1: كيف يدعي عدم وجوبهما عليه صلي الله عليه و اله بل علي كل قائد، مع إنّ القيادة لا تستقيم إلاّ بهذين: العفو والاستغفار، وإلاّ فالناس لا يلتفون حول أصحاب العنف كما هو واضح، كما إن الاستغفار للتطهير، حتي يكونوا موضع لطف الله سبحانه، فإنه بدون لطفه لاينزل النصر عليهم، بل صدر الآية ?فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ? (2) دالً علي الوجوب.

2: لو

سلم عدم وجوبهما، فإنّ الأمر ظاهرٌ فيه(3) كما تقدم في: (اغتسل للجمعة والجنابة)، وظاهره مقدم علي ظاهر السياق.

وعن الثالث: إنّ ظاهر الأحكام أنها عامة إلاّ ما خرج بدليل،

وليس المقام من المستثني، وذلك بضميمة دليل (الأسوة): دالٌ علي الوجوب علي الحكام، كما يدل علي تعيين الحكام بالشوري بالملاك المتقدم.

وعن الرابع: إنّه خلاف الظاهر، ولا منافاة بين كونه صلي الله عليه و اله عقلاً كاملاً واتصاله بالوحي، ومع ذلك كان عليه صلي الله عليه و اله الشوري لتعليم الأمة الاستشارية.

ثم لو استشار صلي الله عليه و اله فإن لم يأخذ بآرائهم كان ذلك تنفيراً لهم، بل أكثر من عدم الاستشارة، فإنّ مَن لا يستشير ويعمل برأي نفسه منفور في المجتمع، فكيف بمن يستشير ثم يضرب برأي المستشارين عرض الحائط.

والآية صريحةٌ في الأمر، لأجل الجمع والالتفاف، قال سبحانه:

?فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ … ?(1).

ثم إذا استشارهم واختلفوا كما هي طبيعة الآراء فإما أن يكون هناك أقلية وأكثرية وهو الأغلب، أو تساوً وهو الأقل.

ففي الحالة الأولي: إن أَخذ برأي الأقلية كان جرحاً لرأي الأكثرية، وذلك ممّا لا يليق عقلاً ولا شرعاً؛ أمّا عقلاً فواضح، وأمّا شرعاً فلما نجده في مسألة أكثرية شاهد طرف من شاهد طرف آخر، كما في كتاب القضاء، فلو كان في مثل النزاع في الدارٍ أو مائة درهم أو ما أشبه ذلك، يؤخذ بالأكثرية شهوداً (1)، فهل لا يدل ذلك علي تقديم الأكثرية في الأمور المهمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية ونحوها؟

ومن الواضح أنّ الأقلية غير المأخوذ برأيهم في هذه القضية لاينزعجون بعد أن رأوا تقديم رأيهم إذا صاروا أكثرية في قضية أخري. كما يلاحظ ذلك في مجالس

الشوري، واتحاد الطلبة، ومجالس الوزراء، وغير ذلك، في العالم الحاضر.

وفي الحالة الثانية: إذا تساوي الرأيان، فالسبيل القرعة، وقد قال سبحانه وتعالي: ?فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ? (2) في قصة يونس عليه السلام.

وقال تعالي: ?إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ? (3) في قصة زكريا عليه السلام.

ولما جاء في الحديث الشريف عن الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله: ?القرعة لكل أمرٍ مُشكل?(1)، بل له صلي الله عليه و اله أن يأخذ بأحد الرأيين، لأنّه بالإضافة إلي أحدهما يكوّن الأكثرية، بل الظاهر أنّ معني الشوري هو الأمران فيما كان أكثرية وفيما كان تساوٍ.

لا يقال: في قوله تعالي?فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَي اللَّهِ? (2) دليل علي أنّ الأمر كان لاسترضائهم، وإلاّ فهو صلي الله عليه و اله العازم الوحيد.

لأنهُ يقال: ?فَإِذَا عَزَمْتَ? بعد ?شاور? ظاهر في أنّ العزمَ منبعث عن نتائج المشورة، لا أنّهُ في قِبالها، ألا تري أنك إذا قلت: (شاور الطبيب فإذا عزمت فتوكل) كان معناهُ العزيمة المنبعثة عن مشورته.

ومن الواضح أنّ التوكل لإيكال أمرٍ ما ليس بيد الإنسان، إليه سبحانه، كما ذكرنا تفصيله في بعض الكتب المرتبطة بهذا الشأن.

وعن الخامس: إنّ ?الأمر? محلي باللام، ومثله يُفيد العموم، كما فصلنا ذلك في كتابنا (الأصول)، ولذا كان ?أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ? (3) ونحوه دالاً علي ذلك، حيث إنّ الطبيعة سارية في كل الأفراد، نعم بقرينة العُرف الملقي إليه الكلام ذلك في الشؤون المرتبطة بالقيادة وما أشبه.

فلا يقال: إنّه إن كان عاماً فهو مقطوع العدم، وإن كان خاصاً كان مجملاً، فإذا قيل لمن يريد بناء الأبنية: (استشر المهندس) سبق إلي الذهن الاستشارة في شؤون الهندسة، وهكذا بالنسبة إلي أشباه ذلك.

بل إنّا ذكرنا في (الأصول): إن المفرد إذا لم تكن قرينة علي

إرادة الفردية منه يُفيد العموم، فمثل (تمرة خير من جرادة)(1)، و? آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً? (2) و?إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا? (3) و(شر الدنيا وشر الآخرة)(4)، ونحوها ظاهر في الطبيعة السارية مما يُفيد العموم البدلي في مورده، والاستقرائي في مورده.

وبهذا تبين أنّ الشوري في ماذا؟ ولماذا؟ فإنّها في أي أمر مرتبط بقطاع من الأَمة صغيراً وكبيراً، فالاستبداد في الأمة بالحكم محرم، حراماً بحجم الأمة.

والاستبداد في اتحاد الطلبة مثلاً حرام بحجم اتحاد الطلبة، إذ معني الاستبداد هو الاستئثار بحق الآخرين حقاً مالياً أو حقاً جسدياً أو حقاً اعتبارياً، ف (الناس مسلطون علي أموالهم وأنفسهم) (1).

هذا حتي إذا فرض أن الحاكم لم يفعل الحرام في إدارته مثلاً أدار المستشفيات أحسن إدارة من حيث الرعاية والعناية والموازين الشرعية؛ فهي كما إذا جاء الغاصب إلي دار الناس وقام بإدارة العائلة أحسن إدارة، أليس ذلك حراماً؟ أمّا إذا فعل الحاكم الحرام، كما إذا أخذ المكوس والعُشر(2) أو فرض الضرائب الخارجة عن الخُمس وأخواته الثلاثة(3)، أو منع الناس من حرية الزراعة والتجارة والصناعة والبناء وما أشبه(1)، فهو حرام في حرام، كشرب الخمر في إناء الذهب.

وعلي أيّ، فمن يستولي علي اتحاد الطلبة بدون الشروط التي وضعها الله سبحانه ووضعتها الأمة، وعددهم مثلاً ألف، سيفعل ألف حرام، بينما من يستولي علي بلدٍ ذي خمسين مليوناً يفعل خمسين مليوناً عملاً محرماً.

أمّا لماذا الشوري؟ فقد عَرفْتَ بأنهُ من جهة العقل والشرع، وربما يُستدل بالأدلة الأربعة، نعم الإجماع وإن لم يصرِّح بهذه الصغري إلاّ أنها مشمولة لما دلّ من الإجماع علي حرمة التصرف في مال المسلم والكافر المحترم وشخصهما بدون رضاه.

المطلب الثاني: موارد إلزام المشورة

ففي الواجبات والمحرمات لا مشورة، ومن ذلك في أمر النبوة والإمامة(2)، وكذلك لا مشورة في سائر

الأحكام الخمس المستحب والمكروه والمباح والتي منها الأمور الوضعية(3).

أمّا في سائر الشؤون الشخصية منها، فتستحب المشورة فيها؛ وفي الشؤون الاجتماعية(1) تجب مشورة الحاكم مجيئاً إلي الحكم وتنفيذاً لأمرٍ دون أمر.

أمّا وجوب المشورة في مجيء الحاكم إلي الحكم، فلأنه نوع تسلط علي الناس، والناس لا يصح التسلط عليهم إلاّ برضاهم، أمّا الصغري فواضح، وأمّا الكبري فلقاعدة السلطنة الناس مسلطون علي أموالهم وأنفسهم هذا بالإضافة إلي وجوب كون الحاكم جامعاً للشرائط المقررة في الشريعة الإسلامية.

أمّا وجوب المشورة في أمور الناس بعد مجيئه إلي الحكم، لأنّ للحاكم الصلاحية بقدر تخويل الناس له، ففي غيره يحتاج إلي إذنهم.

والحاصل: إنهُ ما كان شأن الناس يحتاج إليه ابتداءً واستدامةً.

إن قلت: أليس مرجع التقليد منصوباً من قِبلهم (عليهم السلام) فهو كالواجب.

قلت أولاً: اختيار هذا المرجع دون ذاك بيد الناس كاختيار إمام الجماعة والقاضي وما أشبه ذلك.

ثانيا: إذا كان هناك مراجع اختارهم الناس مما يصدق اختيار الناس لهم لا أن يكون فقيهاً يقلده عدد محدود من الناس كمائة ألف مثلاً حيث لا يصدق بالحمل الشائع(1) أنهُ اختاره الناس، إذ لاحق لأحدهم في تنفيذ رأيه علي سائر المراجع(2) ولا علي مقلديه، بل لاحق لتنفيذ رأيه علي مقلديه بالقسر سواء القسر الظاهر أو المغلّف إذ انتخاب المقلدين لهُ في هيئة للحكومة ليس معناه تخويلهم له الصلاحية المطلقة لتصرفه في أموالهم ودمائهم وأعراضهم بل بقدر ما يري المقلدون، فإذا رأي هو الحرب(3)، والمقلدون السلم، لاحق له في إدخال الناس في الحرب.

وقوله عليه السلام: ?فإذا حكم بحكمنا?(2) لا دلالة فيه علي نفوذ رأيه إذا لم ير المقلدون أنهُ ليس بحكمهم (عليهم الصلاة والسلام).

والمراد بالمقلدين له أو بالمراجع: الأكثرية، لأنّ دليل الشوري حاكم علي دليل التقليد، وإلاّ لم

يبق لدليل الشوري مجال، كما ذكروا في العناوين الثانوية الحاكمة علي العناوين الأولية.

المطلب الثالث: هل يجب علي المستشار إبداء الرأي؟

الظاهر أنه لازم علي نحو الكفاية، من باب إرشاد الجاهل وتنبيه الغافل، بل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جملة من مواردها علي التفصيل الذي ذُكر في الفقه في تلك الأبواب.

أمّا الزائد علي ذلك فلا يلزم، وإن كان يُستحب لإطلاق بعض الأدلة، ولعل ما روي من قول الرسول صلي الله عليه و اله: ?أشيروا عليّ?(1)، وقول الإمام علي عليه السلام بأنّ لهم المشورة عليه(2) يعطيان كلا الأمرين من الواجب والمستحب كل في مورده حسب مقتضيات الحكم والموضوع، فإنَّ الموضوع قد يكون قرينة الحكم، وقد يكون العكس، فإذا قال وهم في حالة الحرب جئني بأسد، دلّ الحكم علي إرادة الشجاع من الموضوع لا الحيوان المفترس، ولو كان في حديقة حيواناته كانت القرينة علي إرادة المفترس، بينما إذا كان بحاجة إلي رجل شجاع لحراسته ومفترس لحديقة حيواناته، لم تكن لأيّهما القرينة، وفي عكس الأمر لو قال: من أكرم عالماً فقد أكرمني، حيث إن العالم قرينة علي إكرام خاص، لا كل إكرام لايليق بالفقهاء، وإن لاق بالتجار والشجعان ومن أشبههم.

المطلب الرابع: حدود الشوري

اللازم الأخذ بالمشورة بقدر تحقق إجازة التصرف في المال والنفس، لا أكثر ولا أقل.

أما الأول: فلعدم الدليل عليه.

وأما الثاني: فلأن دونه خلاف تسلط الناس علي أموالهم وأنفسهم، فإذا اقتضت المشورة تبليط ألف كيلومتر من الطرق لم يجز أقل، لأنّه تصرف في أموال الأمة، حيث لا يريدون، ولو كان بالسلب، كمن أعطاه الولي ديناراً ليشتري بضاعة فاشتري بنصف المبلغ؛ كما أنهُ لا يلزم أن يُتعب نفسه في تبليط أكثر من القدر المقرر، وإن كانت الأمة راضية بذلك.

المطلب الخامس: الشوري والعُرف

أمّا قدر المشورة، فذلك موكول إلي العُرف، وليس من قبيل الأمر بالطبيعة، المحقق ولو بأقل قليل منها، فهو مثل ما إذا قال المولي: جئني بالماء، حيث لا يكفي الإتيان بقدر قطرة، بينما القرينة قائمة علي مقدار السقي بعد الطعام، ومن ذلك وضح وجه عدم لزوم الإتيان بكل الطبيعة وإن كانت ميسورة، فإذا قال: جئني بالصاغة لا يلزم الإتيان بجميعهم بدعوي أن الطبيعة سارية في الجميع.

وقد يرد سؤال علي ذلك: إذا اختلف العُرف وتعددت الآراء وفقاً لاختلاف البلدان أو اختلاف العادات، فما العمل؟

وفي الجواب نقول: يؤخذ بأشهر الأعراف، إن لم يمكن أن يؤخذ في كل بلد بعرف ذلك البلد، فإن تعدد عُرف البلد الواحد تخيّر أو اقترع إن كان تباين وإلاّ احتيط بالجمع أو بالأخذ بالأشد، علي التفصيل الأصولي.

والحاصل: إنّ القرائن الحالية والمقالية هي التي تحدد قدر الطبيعة زيادةً ونقيصة وقلة وكثرة، وما في بعض الروايات الآتية من استشارة عشرة، أو عشر مرات في مستشار واحد، إنما أريد ظهور الرأي الحصيف بذلك. فالغالب أن عشرة أشخاص متعلقين بالأمر من أهل الخبرة تكفي آراؤهم لظهور النتيجة الأكثر قرباً إلي الحقيقة والواقع، كما أنه لو استشير من شخص واحد عشر مرات كان

في ذلك متقلب الآراء ظهراً وبطناً وقرباً وبعداً بما لا يحتمل الظفر بأكثر مما ظفر به من مقترب الصواب، وعشر مرات من قبيل الكرّ والفرّ في المباحث العلمية المظهرة للرأي السديد.

مثلا: لو سأل عن ضمان الضامن للقيمة التي ارتفعت لا من جهة السوق بل من جهة أن المثل موجود عند من لا يبيعهُ إلاّ بأضعاف أضعاف قيمته، فهل يلزم؟ أو لا يلزم إلاّ بقدر القيمة الواقعية؟ أو يفصّل بين القيمة المجحفة فلا يلزم، وغيره فنعم، أو يفصّل بين ما كان المتلف عالماً عامداً فنعم، وإلاّ فلا؟ أو يفصّل بين قدر القيمة حتي الزائدة دون الإجحاف، لا بقدره، فإذا كانت القيمة ديناراً، وخمسة دنانير إجحاف، وثلاثة بينهما وجبت الثلاثة كما لكلٍ قولٌ في الفقه فإنّ هذه الآراء الخمسة إذ ذكرت لمن يريد الاستنباط اختار أحصفها، فكيف إذا كانت الأدلة عشرة من عشرة أفراد أو خمسة لكلٍ رأيان، أو واحد يُقيّم الوجه لكلٍ رأي من العشرة، إلي غير ذلك.

ثم إنّ الاستشارية سواء في الحكومات الزمنية مما تسمي بالديمقراطية أو في الحكومة الإسلامية هي صمام الأمان، وذلك لأنّ الناس كما يحتاجون إلي ملء بطونهم، يحتاجون إلي ملء أذهانهم، فكما أنّ الجائع يخرج علي مَن أجاعهُ بالإضراب والمظاهرة، حيث ورد: ?عجبتُ للفقراءِ كيفَ لا يخرجونَ بالسَّيف علي الأغنياءِ? كذلك من لا يستشار يخرج علي من أجاع فكرهُ، مهما فُرضَ نزاهة الحاكم، وكونه مطبّقاً لقوانين البلاد، سواء كانت تلك القوانين إسلامية كما في بلد الإسلام، أو غير إسلامية كما في البلاد الديمقراطية.

ولا يكفي للحاكم الإسلامي أن يُطبّق مبادئ الإسلام وقوانينه، بدون تطبيق مبدأ الشوري الذي هو ركن من أركان الحكم في الإسلام، ذلك لأنّ الناس عندما يرون أنهُ لم يُطبَّق

قانون الإسلام الذي هو الشوري ينفضّون من حوله ثم يثورون عليه حتي إسقاطه هذا إذا فرض أنهُ حسن الاستنباط وحسن التطبيق، وذلك قليل أو يكاد يكون معدوماً، بل الظاهر أنّه من غير الممكن أن يُحسن الاستنباط ويُحسن التطبيق من غير الاستشارية في أصل مجيء الحاكم، وفي مدة امتداده بعد المجيء، إذ الاستنباط المحتاج إلي العمل المداوم لا يكون حسناً، فكيف بالتطبيق الخالي عن الاستشارة الدائمة، وفي الحديث: ?إنّ العلمَ يَهتفُ بالعملِ، فإن أجابهُ وإلاّ ارتحلَ عنهُ?(1).

ولذا فالذي ذكرناه من أن حُسن الاستنباط والتطبيق لا يكون إلاّ بالاستشارية، نجد أنّ الحكومات في العصر الحاضر، التي قامت باسم الإسلام لم يمض إلاّ زمان يسير حتي انفضَّ الناس من حولهم، ثم عملوا لتقويضهم، فبعضهم سقط وبعضهم قرُبَ سقوطه.

إنّ أوّل سؤال يسأله الناس عنهم: أين هي الشوري؟ وحيث إنهم يريدون الاستبداد، تارة يقولون: إن الشوري ليس بواجبة. وأخري أنها من شأن الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله فقط، لأنّ الخطاب خاص به. وثالثة يقولون: بأننا نستشير، ألا ترون لدينا مجلس أمة ومجلس لقيادة الثورة ومجلس للوزراء وما أشبه ذلك.

وفي ذات الوقت الذي يتكلمون فيه حول الديمقراطية والشوري نجدهم يلفّون حول أنفسهم بأموال الأمة المصفقين والمهرجين والمُرتزقة والامعّات ليسبّحوا بحمدهم في الإعلام، ونجدهم يفتحون أبواب السجون لأصحاب الفكر والرأي، وينصبون المشانق لكل حرّ، والويل لمن فتح فمه بكلمة واحدة، ظناً منهم أن السجون والمشانق ستقمع الصوت الحر والإرادة النبيلة.

لذا تراهم أكثر إمعاناً في سلب الأموال، وقتل الناس الأبرياء، وتكثير السجون، وتخريب البلاد، وإذلال العباد، ممن سبقهم الذين ما كانوا يسمون أنفسهم بالإسلاميين.

لقد زالت الخلافة الأموية ولم تعد، لأنها مارست الإرهاب والاستبداد، كذلك جاء العباسيون وحكموا بالحديد والنار ثم سقطوا،

ولم يعودوا من جديد. الشيء نفسه بالنسبة إلي الخلافة العثمانية التي سقطت واندثرت بل لم يترحم عليها أحد، ولم يذرف أحد عليها دمعة واحدة، وهكذا من جاء بعدهم سقط أو هم في حالة السقوط. فالاستشارية ليس معناها عدم تطبيق الشوري في الحكم فقط بل معناها عدم تطّبيق المئات من أحكام الإسلام.

والمسلمون يعون السياسة الإسلامية كما يعون الصلاة والصيام والحج والخمس، فكما إنهم لا يخدعون بمن يترك العبادة بألف عذر وعُذر، كذلك فُهم لا ينخدعون بمن يترك السياسة الإسلامية بألف عُذر وعُذر، وإذا انفصل المسلمون عن الحاكم صغرُ وحان سقوطه بين لحظة أخري.

إنّ عدم تطبيق الشوري سيجعل الفاصلة بين الحاكم والمحكومين شاسعة وكبيرة، فيأخذ كل طرف بقذف الطرف الآخر، وهنا يبدأ الصراع، فيأخذ الحاكم الذي يسمي نفسه بالإسلامي بمهاجمة المسلمين ويقذفهم بمختلف أنحاء التهم، ابتداءً من أنهم ضد الثورة أو ضد الحاكم أو عملاء للاستعمار والأجنبي، وانتهاءً بأنهم رجعيون خرافيون، وأنهم كسالي عاطلون، إلي غير ذلك من التُهم والافتراءات.

وكلّما اشتد الصراع سيعجّل من سقوط الحاكم. إن مثل هذا الحاكم مثل لص دخل الدار وسرق أثاثها، ثم لما رأي هجوم صاحب الدار عليه، أخذ يتهِّم صاحب الدار بأنهُ لص وكذا وكذا، فهل يكون ذلك إلاّ سبباً لتعجيل القبض عليه وإخراجه من الدار ومعاقبته؟ ومن شك في ذلك فلينظر إلي النميري حاكم السودان وغيره ممّن ادّعوا الإسلامية زوراً، كما إن الأمر كذلك في سائر مدّعي المبادئ الذين خالفوها، كجمال عبد الناصر في ادعائه القومية وعبد الكريم قاسم بادعائه الوحدة الوطنية، إلي غير ذلك من الأمثلة الكثيرة في العالم المتخلف الذي يسمي بالعالم الثالث، وليس سرّ تخلفه إلاّ حكامه الذين حالوا بين الناس وحرياتهم.

وكان علينا أن نقف عند تاريخ

الغرب الذي ابتُلي بحكام مستبدين سواء باسم الدين كما هو في حكام الكنيسة، أو باسم الدنيا كما كان في الملوك والدوقات، وكان أوضاع الإمارات الأوربية تتقهقر من سيئ إلي أسوء، حتي ألَّفَ عقلاء الغرب عشرين ألف نوع من الكتب التوعوية كما قرأت في إحدي النشرات وقاموا بتوزيع هذه الملايين من الكتب علي الناس، وقد أدّت هذه الكتب إلي أيقاظ الناس وتنبيههم إلي أنّ المشكلة التي يعانون منها سببها الحكام المستبدون، وأن الخلاص لا يتحقق إلاّ بتوزيع السلطة(1).

وكانت الحصيلة انتصار الغرب علي مشكلاته وارتفاعه فوق الحضيض، حتي أنهُ أصبح سيداً ليس علي نفسه بل علي العالم بأسره. ونحن هنا لا ندعي أنّ الغرب قد وصل إلي حدّ الكمال، لأنّ الكمال في الإسلام، إلاّ أننا لابدّ أن نقرّ بأن الغرب لمّا حاول تطبيق الشوري إلي حدّ ما ارتفع عن ذلك الحضيض إلي هذا المكان المرتفع الذي وصله. وقد نبهَّنا أميرُ المؤمنين عليه السلام قائلا: ?الله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم?(1).

الأمة الضعيفة تنتج واقعاً ضعيفاً

ليست المشكلة فقط في الحكام المستبدين والمتزلفين الذين يدورون حوله وينالون من ماله وجاهه، ولذا يسحقون وجدانهم فيطرونه ويكيلون الثناء والمديح له جُزافاً، ويعملون بأوامره حتي في قتل الأبرياء وهتك الأعراض ونهب الأموال.

بل الطامة الكبري في الرحم التي تولّد هؤلاء الحكام، وهي الأمة، فإذا لم تكن الأمةُ ضعيفة وفيها قابلية لتقبل الاستبداد، لما كان بإمكان الحكام الطغاة من السيطرة عليها، فالأمة إذا صارت كالجسم الضعيف تسلط عليها المرض من كل مكان، بينما الأقوياء لهم المناعة في طرده عن أجسامهم.

ولذا فمهمة الوعاة رَفعُ هذا المرض عن الأمة حتي لا تستعد لتقبُّل المستبد، وحينذاك لا تجد أثراً منه، قال الإمام أمير المؤمنين عليه

السلام: ?لولا.. ما أخَذَ اللهُ علي العُلماءِ أنْ لا يقّاروا علي كِظةِ ظالم ولا سَغَب مَظلوم لألقيتُ حَبْلَها علي غارِبها ولسقيتُ آخرِها بكأسِ أوّلِها?(1).

وفي الحديث: ?لتَحمِلُنَّ ذنوبَ سُفهائكُم علي عُلمائكُم?(2).

وفي حديث آخر: ?إذا ظَهرت البدع في أمتي، فليظهر العالمُ علمه وإلاّ فعليه لعنةُ الله?(3)، إلي غير ذلك.

وقبل كل ذلك قال القرآن الكريم: ?لَوْلا يَنْهَاهُمْ الربَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ?(4).

وكما أنّ الطبيب الجسماني بحاجة إلي بيان المرض والعلاج، كذلك أطباء الروح بحاجة إلي توعية الناس بمشاكلهم، وأنّها من أين ابتدأت، وإلي بيان العلاج، وقد تقدم أنّه في تقسيم القدرة، كما ذكرنا تفصيله في كتب متعددة.

ومن المؤكد أن الجسم الذي تعشعش فيه المرض مدة طويلة لايمكن علاجه بمدة قصيرة، أو دواء بسيط، وكذلك جسم المسلمين الذي تعشعش فيه الاستبداد قروناً لا يعالج إلاّ بنشر الوعي العام بكل الوسائل الممكنة الإعلامية وغيرها. لكن هول المشكلة لا يحول دون الشروع في العلاج كلٌ بحسب قدرته العلمية والمادية.

وقد ذكرت التواريخ: أن (كنفوشيوس) مرّ علي قبيلة قاطنة جنب جبل عظيم، فالتف حوله أفراد القبيلة طالبين عونه في حل مشكلتهم؟ قالوا: يا معلم الخير، نحن قبيلتان انحدرنا من جدٍّ واحد، لكن أقرباؤنا يقطنون الطرف الآخر من الجبل، ولابدّ لنا من اللقاء كل عام مرة أو أكثر من مرة، وقطع الجبل يستوعب زماناً كثيراً وتضحية في أفرادنا، سواء هم جاءوا إلينا أو نحن ذهبنا إليهم، بالسقوط من الجبل في المهاوي أو بافتراس الوحوش لأفراد منا، فما هو الحل؟ قال: إنهُ بسيط إن عملتم علي قلع الجبل، صخرة صخرة، من بينكم. فعملوا بما قال، وبعد سنوات كانت القبيلتان مترابطتين عبر نفق في الجبل.

المطلب السادس: كيفية الاستشارة

تبين ممّا تقدم، العلاقة بين الشوري والعُرف، إِذ حسب الاستنباط الشرعي في الكبريات والتطبيق

العرفي في الصغريات، فإنّ حدود المفاهيم الشرعية بيد العُرف الملقي إليهم الكلام، كما إن تشخيص الموضوعات بأيديهم، فإذا قال الشارع المقدس: ?الناس مسلطون علي أموالهم?(1) مثلاً، روجع إلي العرف في تحديد مفهوم السلطة ومصداقها، ولدي الشك بالشبهة الصدقية أو المصداقية فالمرجع الأصول العملية.

ولذا فمن الضروري علي السلطة المنتخبة مرجعياً، أو سائر السلطات التنفيذية أو القضائية، أو التأطيرية التي تُسمي بالتشريعية، لكن لما كان التشريع الإسلامي هو بيد الله وحده، فقد سمينا هذه السلطة بالتأطيرية، وهي صبّ القانون الإلهي في الصفة الملائمة عصرياً، فإن لكل كبري صغريات يمكن الأخذ بهذه أو هذه أن تجمع حول نفسها جماعة من المثقفين الإسلاميين وآخرين من المثقفين الزمنيين، لتكون الكبري بأعين الأولين، والصغري بأعين الآخرين.

نعم مما لا شك فيه أن أعلي السلطات التي هي السلطة المرجعية الاستشارية (شوري المراجع) لا تحتاج إلي المثقفين الكبرويين، لغرض أنهم هم المستنبطون، كما أن المثقف الزمني، كالاقتصادي أو التجاري أو الزراعي أو ما أشبه، لا يحتاج إلي المثقف الصغروي.

وممّا تقدَّم ظهر حال ما إذا اختلفت جماعة مخصصة لشأنٍ في الكيف (الصغري) حيث يلزم ملاحظة الأكثرية، وذلك لمبدأ الشوري المتقدِّم، فمثلاً: إذا قال جماعة من الفئة الاقتصادية: إن اللازم تقوية الاقتصاد الزراعي، وقال آخرون بلزوم تقوية الاقتصاد الصناعي، قدّم الأكثر منهما، وكذلك إذا اختلفوا في تقوية الصناعات الثقيلة أو الخفيفة؛ ولو فرض التساوي في الآراء، فالمرجع السلطات العليا. ولو وقع الانشقاق هناك أيضاً فالأكثرية، ثم القرعة التي هي لكل مشكل. وربما كان من الصالح العمل علي تقسيم المشروعات، فيخصص نصف الجهود ونحوها طبقاً لأحد الرأيين، والنصف الآخر حسب الرأي الآخر.

وعلي أي: ليس المهم البحث في هذه المسألة الجزئية، بعد الأخذ بمبدأ الشوري في كل شؤون

الأمة علي ما عرفت.

الفصل الثالث الشوري في الأحاديث والأخبار

وهذه جملة من الروايات الواردة عن الرسول الأكرم وأهل بيته المعصومين (عليهم آلاف التحية والسلام) في باب المشورة، نذكرها لأهميتها.

عن النبي صلي الله عليه و اله: ?مَن أراد أمراً فشاوَرَ فيهِ وقضي، هدي لأرشدِ الأمورِ?(1).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?مَن أرادَ أمراً فشاوَرَ فيهِ امرئً مسلماً وفّقَهُ الله لأرشد أموره?(2).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?ما تشاوَرَ قومٌ إلاّ هُدوا لأرشدِ أمرِهم?(3).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?ما خابَ مَنْ استخارَ ولا نَدِمَ مَن استشار?(4).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاؤكم، وأمركم شوري بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاؤكم، ولم يكن أمركم شوري بينكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها?(1).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاؤكم، وأمركم شوري بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاؤكم، وأموركم إلي نسائكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها?(2).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?ما شقي عبد بمشورة، ولا سعد باستغناء رأي?(3).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?لا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة?(4).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?ما من رجل يشاور أحداً إلاّ هدي إلي الرشد?(1).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?لا يفعلن أحدكم أمراً، حتي يستشير?(2).

وعن ابن عباس قال: لما نزلت: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ? (3)، قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أمّا إن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً، ومن تركها لم يعدم غياً?(4).

وعن النبي صلي

الله عليه و اله: ?شاوروا العلماء الصالحين، فإذا عزمتم علي إمضاء ذلك فتوكلوا علي الله?(5).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?آخ من الإخوان أهل التقي، وأجعل مشورتك من يخاف الله تعالي?(6).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?شاور المتقين، الذين يؤثرون الآخرة علي الدنيا، ويؤثرون علي أنفسهم في أموركم?(1).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?الحزم أن تستشير ذا الرأي، وتطيع أمره?(2).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?إذا أشار عليك العاقل الناصح فاقبل، وإياك والخلاف عليهم، فإن فيه الهلاك?(3).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?استرشدوا العاقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا?(4).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?من استشاره أخوه (المسلم) فأشار عليه بغير رشده فقد خانه?(5).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?من استشار أخاه فأشار عليه بأمر وهو يري الرشد غير ذلك فقد خانه?.

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه?.

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?المستشار مؤتمن، فإذا استشير (أحدكم) فليشر بما هو صانع لنفسه?.

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?من أشار علي أخيه بأمر يعلم أنّ الرشد في غيره فقد خانه?.

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?المستشار مؤتمن?(1).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?المستشير معان?(2).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?من استشير فأشار بغير رأيه سلبه الله تعالي رأيه?(3).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?من غش المسلمين في مشورة فقد برئت

منه?(4).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحّضه النصيحة سلبه الله لبه?(5).

وعن النبي صلي الله عليه و اله: ?من شاور واتكل في إمضاء ما عزم ثم ندم فقد اتّهمَ الله تعالي?(1).

وعن النبي صلي

الله عليه و اله: ?المستشار مؤتمن، إن شاء أشار، وإن شاء لم يشر?.

وعن علي أمير المؤمنين عليه السلام قال: سُئل رسول الله صلي الله عليه و اله عن الحزم؟ فقال: ?مشاورة ذوي الرأي ثم اتباعهم?(2).

وعن علي عليه السلام قال: ?من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ?(3).

وعن عليّ عليه السلام في وصيته لمحمد بن الحنفية قال: ?اضمم آراء الرجال بعضها إلي بعض، ثم اختر أقربها من الصواب وأبعدها من الارتياب? إلي أن قال: ?خاطر بنفسه من استغني برأيه، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ?(4).

وعن علي عليه السلام قال: ?اضربوا بعض الرأي ببعض يتولَّد منه الصواب?(5).

وعن علي عليه السلام قال: ?الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغني برأيه?(1).

وعن علي عليه السلام قال: ?كانت الحكماء فيما مضي من الدهر يقولون ينبغي أن يكون الاختلاف إلي الأبواب لعشرة أوجه، أولها: بيت الله عزّوجل لقضاء نسكه والقيام بحقه وأداء فرضه إلي أن قال: والسابع: أبواب من يرتجي عندهم النفع في الرأي والمشورة، وتقوية الحزم، وأخذ الأهبة لما يحتاج إليه?(2).

وعن علي عليه السلام قال: ?من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها?(3).

وعن علي عليه السلام قال: ?من شاور ذوي الألباب دلّ علي الرشاد?(4).

وعن علي عليه السلام قال: ?مكتوب في التوراة ومن لم يستشر يندم..?(5).

وعن علي عليه السلام قال: ?لا ظهير كالمشاورة?(1).

وعن علي عليه السلام قال: ?لا مظاهرة أوثق من المشاورة?(2).

وعن علي عليه السلام قال: ?ما عطب من استشار?(3).

وعن علي عليه السلام قال: ?من أعجب برأيه ضل، ومن استغني بعقله زل?(4).

وعن علي عليه السلام قال: ?لا رأي لمن انفرد برأيه?(5).

وعن علي عليه السلام قال: ?أفضل الناس رأياً من لا يستغني عن رأي مشير?(6).

وعن علي عليه السلام قال: ?إنّما حض

علي المشاورة لأن رأي المشير صرف، ورأي المستشير مشوب بالهوي?(7).

وعن علي عليه السلام قال: ?إذا عزمت فاستشر?(1).

وعن علي عليه السلام قال: ?إذا أمضيت أمراً، فأمضه بعد الروّية ومراجعة المشورة?(2).

وعن علي عليه السلام قال: ?لا يستغني العاقل عن المشاورة?(3).

وعن علي عليه السلام قال: ?شاوروا فالنجح في المشاورة?(4).

وعن علي عليه السلام قال: ?قد أصاب المسترشد، وقد أخطأ

المستبد?(5).

وعن علي عليه السلام قال: ?كفي بالمشاورة ظهيراً?(6).

وعن علي عليه السلام قال: ?شاور قبل أن تعزم فكر قبل أن تقدم?(7).

وعن علي عليه السلام قال: ?صواب الرأي بأجالة الأفكار?(8).

وعن علي عليه السلام قال: ?من استغني بعقله ضل?(1).

وعن علي عليه السلام قال: ?من شاور ذوي العقول استضاء بأنوار العقول?(2).

وعن علي عليه السلام قال: ?عليك بالمشاورة، فإنها نتيجة الحزم?(3).

وعن علي عليه السلام قال: ?من شاور ذوي النهي والألباب، فاز بالنجح والصواب?(4).

وعن علي عليه السلام قال: ?من استشار العاقل ملك?(5).

وعن علي عليه السلام قال: ?المشاورة راحة لك وتعب لغيرك?(6).

وعن علي عليه السلام قال: ?المستشير متحصِّن من السقط?(7).

وعن علي عليه السلام قال: ?حق علي العاقل أن يضيف إلي رأيه رأي العقلاء، ويضم إلي علمه علم الحكماء?(1).

وعن علي عليه السلام قال: ?من استعان بذوي الألباب سلك سبيل الرشاد?(2).

وعن علي عليه السلام قال: ?من لزم المشاورة لم يعدم عند الصواب مادحاً، وعند الخطأ عاذراً?(3).

وعن علي عليه السلام قال: ?ما ضل من استشار?(4).

وعن علي عليه السلام قال: ?ما استنبط الصواب بمثل المشاورة?(5).

وعن علي عليه السلام قال: ?نِعمَ المظاهرة المشاورة?(6).

وعن علي عليه السلام قال: ?نِعمَ الاستظهار المشاورة?(7).

وعن علي عليه السلام قال: ?أمخضوا الرأي مخض السقاء ينتج سديد الآراء?(1). أقول: مخض الرأي أي قلبّه كما يمخض السقاء، وتدبر عواقبه حتي يظهر له الصواب.

وعن علي عليه السلام قال: ?شاور قبل أن تعزم،

وتفكّر قبل أن تقدم?(2).

وعن علي عليه السلام قال: ?جماع الخير في المشاورة، والأخذ بقول النصيح?(3).

وعن علي عليه السلام قال: ?خوافي الآراء تكشفها المشاورة?(4).

وعن علي عليه السلام قال: ?المشورة تجلب لك صواب غيرك?(5).

وعن علي عليه السلام قال: ?المستشير علي طرف النجاح?(6).

وعن علي عليه السلام قال: ?المشاورة استظهار?(7).

وعن علي عليه السلام قال: ?الحزم النظر في العواقب، ومشاورة ذوي العقول?(1).

وعن علي عليه السلام قال: ?ليس لمعجب رأي?(2).

وعن علي عليه السلام قال: ?من أعجبته آراؤه غلبته أعداؤه?(3).

وعن علي عليه السلام قال: ?لا تستبد برأيك، فمن استبد برأيه هلك?(4).

وعن علي عليه السلام قال: ?من أعجب برأيه ملكه العجز?(5).

وعن علي عليه السلام قال: ?من استبد برأيه خفّت وطأته علي

أعدائه?(6).

وعن علي عليه السلام قال: ?من قنع برأيه فقد هلك?(7).

وعن علي عليه السلام قال: ?ما أعجب برأيه إلاّ جاهل?(1).

وعن علي عليه السلام قال: ?من استبد برأيه خاطر وغرر?(2).

وعن علي عليه السلام قال: ?الاستبداد برأيك يزلك، ويهورك في المهاوي?(3).

وعن علي عليه السلام قال: ?المستبد متهور في الخطأ والغلط?(4).

وعن علي عليه السلام قال: ?من استبد برأيه زلَّ?(5).

وعن علي عليه السلام قال: ?اتهموا عقولكم، فأنه من الثقة بها يكون الخطأ?(6).

وعن علي عليه السلام قال: ?حق علي العاقل أن يستديم الاسترشاد، ويترك الاستبداد?(7).

وعن علي عليه السلام قال: ?بئس الاستعداد الاستبداد?(1).

وعن علي عليه السلام قال: ?خير من شاورت ذوي النهي والعلم، وأولوا التجارب والحزم?(2).

وعن علي عليه السلام قال: ?رأي الشيخ أحبّ إلي من حيلة الشباب?.

وعن علي عليه السلام قال: ?رأي الشيخ أحبّ إلي من جَلَدِ الغلام?(3). أقول: الجلَدَ: القوة والشدة والصلابة.

وعن علي عليه السلام قال في عهده لمالك الأشتر: ?ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزين

لك الشره بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتي يجمعها سوء الظن بالله?(4).

وعن علي عليه السلام قال: ?استشر عدوك العاقل، احذر رأي صديقك الجاهل?(5).

وعن علي عليه السلام قال: ?من ضل مشيره بطل تدبيره?(1).

وعن علي عليه السلام قال: ?رأي الجاهل يردي?(2).

أقول: ردي أي سقط وهلك، وأرداه في البئر أي أسقطه فيها، أردي الرجل أي أهلكه.

وعن علي عليه السلام قال: ?رأي الرجل علي قدر تجربته?(3).

وعن علي عليه السلام قال: ?شاور ذوي العقول تأمن الزلل والندم?(4).

وعن علي عليه السلام قال: ?شاور في أمورك الذين يخشون الله ترشد?(5).

وعن علي عليه السلام قال: ?لا تشركن في مشورتك حريصاً، يهون عليك الشر ويزين لك الشّره?(6).

وعن علي عليه السلام قال: ?لا تستشر الكذاب، فإنه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عليك القريب?(1).

وعن علي عليه السلام قال: ?أفضل من شاورت ذو التجارب، وشر من قارنت ذو المعايب?(2).

وعن علي عليه السلام قال: ?لا تدخلن في مشورتك بخيلاً فيعدل بك عن القصد ويعدك الفقر?(3).

وعن علي عليه السلام قال: ?من استشار ذوي النهي والألباب، فاز بالحزم والسداد?(4).

وعن علي عليه السلام قال: ?لا تشاور عدوك واستره خبرك?(5).

وعن علي عليه السلام قال: ?لا تشاورن في أمرك من يجهل?(6).

وعن علي عليه السلام قال: ?جهل المشير هلاك المستشير?(7).

وعن علي عليه السلام قال: ?مشاورة الجاهل المشفق خطر?(1).

وعن علي عليه السلام قال: ?مشاورة الحازم المشفق ظفر?(2).

وعن علي عليه السلام قال: ?رأي العاقل ينجي ورأي الجاهل يردي?(3).

وعن علي عليه السلام قال: ?اللجوج لا رأي له?(4).

وعن علي عليه السلام قال: ?شاور في حديثك الذين يخافون الله?(5).

وعن علي عليه السلام قال فيما كتبه إلي أهل مصر ومحمد بن أبي بكر: ?وانصح المرء إذا استشارك?(6).

وعن علي عليه السلام قال: ?من غش مستشيره سلب تدبيره?(7).

وعن علي عليه السلام

قال: ?ظُلم المستشير ظُلمٌ وخيانةٌ?(8).

وعن علي عليه السلام قال: ?خيانة المستسلم والمستشير من أفظع الأمور، وأعظم الشرور، وموجب عذاب السعير?(1).

وعن علي عليه السلام قال: ?علي المشير الاجتهاد في الرأي، وليس عليه ضمان النجح?(2).

وعن علي عليه السلام قال: ?اللجاجة تسل الرأي?(3).

أقول: السل: الهزال والضعف.

وعن علي عليه السلام قال: ?اللجاج يفسد الرأي?(4).

وعن علي عليه السلام قال: ?الخلاف يهدم الرأي?(5).

وعن علي عليه السلام قال: ?الخلاف يهدم الآراء?(6).

وعن علي عليه السلام قال: ?شر الآراء ما خالف الشريعة?(7).

وعن علي عليه السلام قال: ?صلاح الرأي بنصح المستشير?(1).

وعن علي عليه السلام قال: ?من خالف المشورة ارتبك?(2).

وعن علي عليه السلام قال: ?لا تستغشن المشير?(3).

وعن علي عليه السلام قال: ?يأتي علي الناس زمان لا يقرَّب فيه إلاّ الماحل، ولا يظرف فيه إلاّ الفاجر، ولا يضعف فيه إلاّ المنصف، يعدُّون الصدقة فيه غُرماً، وصلة الرحم منَّاً، والعبادة استطالة علي الناس، فعند ذلك يكون السلطان بمشورة النساء، وإمارة الصبيان، وتدبير الخصيان?(4).

وعن علي عليه السلام قال: ?إيّاك ومشاورة النساء إلا من جربت بكمال عقل فإن رأيهن يجر إلي الإفن، وعزمهن إلي وهن?(5).

وعن علي عليه السلام قال: ?الشركة في الرأي تؤدي إلي الصواب?(6).

وعن علي عليه السلام قال: ?آفة المشاورة انتقاض الآراء?(1).

وعن علي عليه السلام قال: ?استشر أعداءك تعرف من رأيهم مقدار عداوتهم ومواضع مقاصدهم?(2).

وعن علي بن الحسين عليه السلام قال: ?حق المستشير إن علمت أَن له رأياً أشرت عليه، وإن لم تعلم أرشدته إلي من يعلم?(3).

وعن علي بن الحسين عليه السلام قال: ?أمّا حق المستشير فإن حضرك له وجه رأي جهدت له في النصيحة، وأشرت عليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به، وذلك ليكن منك في رحمة ولين، فإن اللين يونس الوحشة، وإن الغلظ يوحش من

موضع الأنس، وإن لم يحضرك له رأي وعرفت له من تثق برأيه وترضي به لنفسك دللته عليه، وأرشدته إليه، فكنت لم تأله خيراً، ولم تدخره نصحاً، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله?(4).

وعن علي بن الحسين عليه السلام في دعائه: ?اللهم صل علي محمّد وآله وتولني في جيراني ومواليّ العارفين بحقنا، والمنابذين لأعدائنا، بأفضل ولايتك، ووفقهم لإقامة سُنتك، والأخذ بمحاسن أدبك، في إرفاق ضعيفهم، وسدّ خلتهم، وعيادة مريضهم، وهداية مسترشدهم، ومناصحة مستشيرهم?(1).

وعن علي بن الحسين عليه السلام قال: ?حق المشير عليك أن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه، فإن وافقك حمدت الله?(2).

وعن علي بن الحسين عليه السلام قال: ?وأمّا حق المشير إليك فلا تتهمه بما يوقفك عليه من رأيه إذا أشار عليك، فإنّما هي الآراء وتصرف الناس فيها واختلافهم، فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتهمت رأيه. فأما تهمته فلا تجوز لك إذا كان عندك ممن يستحق المشاورة، ولا تدع شكره علي ما بدا لك من أشخاص رأيه وحسن مشورته، فإذا وافقك حمدت الله وقبلت ذلك من أخيك بالشكر، والأرصاد بالمكافات في مثلها إن فزع إليك ولا قوة إلاّ بالله..?(3).

وعن أبي جعفر الصادق عليه السلام قال: ?في التوراة أربعة أسطر: من لا يستشير يندم … ?(1).

وعن أبي جعفر الصادق عليه السلام قال: ?لا مظاهرة أوثق من المشاورة?(2).

وعن أبي جعفر الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ?إن الجاهل من عدّ نفسه بما جهل من معرفته للعلم عالماً، وبرأيه مكتفياً?(3).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?فيما أوصي به رسول الله صلي الله عليه و اله علياً عليه السلام أنه قال: لا مظاهرة أوثق من المشاورة?(4).

وعن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه

?: ?أن أمير المؤمنين عليه السلام علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه?(5).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?لا استظهار في أمر بأكثر من المشورة فيه?(1).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?ما عطب امرؤ استشار?(2).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?لن يهلك امرؤ عن مشورة?(3).

وعن جعفر بن محمد عن أبيه ? قال: قيل لرسول الله صلي الله عليه و اله ما الحزم؟ قال: ?مشاورة ذوي الرأي واتباعهم?(4).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إذا أردت أمراً فلا تشاور فيه أحداً حتي تشاور ربك. قال الراوي: قلت: وكيف أشاور ربي؟ قال تقول: استخير الله مائة مرة، ثم تشاور الناس، فإنّ الله يجري لك الخيرة علي لسان من أحب?(5).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?إذا أراد أحدكم أمراً فلا يشاورن فيه أحداً حتي يبدأ ويشاور الله تبارك وتعالي فيه. قلت: وما مشاورة الله؟ قال: يبدأ فيستخير الله فيه أولاً، ثم يشاور فيه، فإذا بدأ بالله تبارك وتعالي أجري الله له الخيرة علي لسان من يشاء من الخلق?(1).

وعن الحسن بن راشد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ?يا حسن، إذا أُنزلت بك نازلة فلا تشكها إلي أحد من أهل الخلاف، ولكن اذكرها لبعض إخوانك، فإنك لن تعدم خصلة من أربع خصال: إما كفاية بمال وإما معونة بجاه أو دعوة تستجاب أو مشورة برأي?(2).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم، فأكثر استشارتهم في أمرك وأمورهم.. واجهد رأيك لهم إذا استشاروك، ثم لا تعزم، حتي تثبت وتنظر، ولا تجب في مشورة حتي تقوم فيها وتقعد وتأكل وتصلي، وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في

مشورتك، فإن من لم يمحض النصيحة لمن استشاره، سلبه الله رأيه، ونزع منه الأمانة?(3).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?استشيروا في أمركم الذين يخشون ربهم?(1).

وعن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ?إذا أراد أحدكم أن يشتري أو يبيع أو يدخل في أمر فليبتدئ بالله ويسأله.

قال: قلت: فما يقول؟ .

قال: يقول: اللهم إني أريد كذا وكذا، فإن كان خيراً لي في ديني ودنياي وآخرتي، وعاجل أمري وآجله، فيسره لي، وإن كان شراً في ديني ودنياي فاصرفه عني، رب اعزم لي علي رشدي وإن كرهته وأبته نفسي، ثم يستشير عشرة من المؤمنين، فإن لم يقدر علي عشرة، ولم يصب إلاّ خمسة، فيستشير خمسة مرتين، فإن لم يصب إلاّ رجلين فليستشرهما خمس مرات، فإن لم يصب إلاّ رجلاً واحداً فليستشره عشر مرات?(2).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?المستبد برأيه موقوف علي مداحض الزلل?(3). أقول: المدحضة: المزلقة والمزلة.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?ثلاث هن قاصمات الظهر: رجل استكثر عمله، ونسي ذنوبه، وأعجب برأيه?(1).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?لا يطمعن ذو الكبر في الثناء الحسن، ولا القليل التجربة المعجب برأيه في رئاسة?(2).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?من أعجب بنفسه هلك، ومن أعجب برأيه هلك، وإن عيسي بن مريم عليه السلام قال: داويت المرضي فشفيتهم بأذن الله، وأبرأت الأكمه والأبرص بإذن الله، وعالجت الموتي فأحييتهم بأذن الله، وعالجت الأحمق فلم أقدر علي إصلاحه.

فقيل: يا روح الله وما الأحمق؟ .

قال: المعجب برأيه ونفسه، الذي يري الفضل كله له لا عليه، ويوجب الحق كله لنفسه، ولا يوجب عليها حقاً، فذاك الأحمق الذي لا حيلة في مداواته?(3).

وعن أبي عبد الله عليه السلام

قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?مشاورة العاقل الناصح رشد ويمنٌ وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك الناصح العاقل فإياك والخلاف، فإن في ذلك العطب?(1).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا صعد المنبر قال: ينبغي للمسلم أن يتجنب مؤاخاة ثلاثة: الماجن والأحمق والكذاب.أما الأحمق: فإنه لا يشير عليك بخير، ولا يرجي تصرف السوء عنك ولو اجهد نفسه، وربما أراد منفعتك فضرك، فموته خير من حياته، وسكوته خير من نطقه، وبُعدَه خير من قربه?(2).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?سمعته يقول كان أبي عليه السلام يقول: ?قم بالحق، والأمين من خشي الله، واستشر في أمورك الذين يخشون ربهم?(3).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?ما يمنع أحدكم إذا ورد عليه ما لا قبل له به أن يستشير رجلاً عاقلاً له دين وورع?، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: ?أمّا أنه إذا فعل ذلك لم يخذله الله بل يرفعه الله ورماه بخير الأمور وأقربها إلي الله?(4).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?استشر العاقل من الرجال الورع، فإنه لا يأمر إلاّ بخير، وإياك والخلاف، فإن خلاف الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا?(1).

وعن سفيان الثوري قال: لقيت الصادق بن الصادق جعفر بن محمد ? فقلت له: يا بن رسول الله، أوصني. فقال لي: ?شاور في أمرك الذين يخشون الله عز وجل?(2). وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?لا تشاور أحمق يجهد لك نفسه ولا يبلغ ما تريد?(3).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?شاور في أمورك مما يقتضي الدين، من فيه خمس خصال: عقل، وعلم، وتجربة، ونصح، وتقوي، فإن لم تجد فاستعمل الخمسة واعزم وتوكل علي

الله، فإن ذلك يؤديك إلي الصواب، وما كان من أمور الدنيا التي هي غير عائدة إلي الدين فارفضها ولا تتفكر فيها، فإنك إذا فعلت ذلك أصبت بركة العيش وحلاوة الطاعة، وفي المشاورة اكتساب العلم، والعاقل من يستفيد منها علماً جديداً، ويستدل به علي المحصول من المراد عنه، ومثل المشورة مع أهلها مثل التفكر في خلق السماوات والأرض وفنائهما وهما غيبان عن العبد لأنه كلما تفكر فيهما غاص في بحور نور المعرفة وازداد بهما اعتباراً ويقيناً، ولا تشاور من لايصدقه عقلك وإن كان مشهوراً بالعقل والورع، وإذا شاورت من يصدقه قلبك فلا تخالفه فيما يستشير به عليك، وإن كان بخلاف مرادك، فإنّ النفس تجمع عن قبول الحق وخلافها عند قبول الحقائق أبين. قال الله تعالي: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ? وقال الله تعالي: ?وَأَمْرُهُمْ شُورَي بَيْنَهُمْ? أي متشاورون فيه?(1).

وعن عمار الساباطي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ?يا عمار إن كنت تحب أن تستتب لك النعمة، وتكمل لك المودة المروّة وتصلح لك المعيشة، فلا تستشر العبد والسفلة في أمرك، فإنّك إن ائتمنتهم خانوك، وإن حدثوك كذبوك، وإن نكبت خذلوك، وإن وعدوك موعداً لم يصدقوك?(2).

وعن أبي عبد الله عليه السلام: ?إن المشورة لا تكون إلاّ بحدودها، فمن عرفها بحدودها وإلاّ كانت مضرّتها علي المستشير أكثر من منفعتها له. فأولها: أن يكون الذي تشاوره عاقلاً. والثانية: أن يكون حراً متديناً. والثالثة: أن يكون صديقاً مؤاخياً. والرابعة: أن تطلعه علي سرك، فيكون علمه به كعلمك بنفسك ثم يستر ذلك ويكتمه، فإنه إذا كان عاقلاً انتفعت بمشورته، وإذا كان حراً متديناً أجهد نفسه في النصيحة لك، وإذا كان صديقاً مؤاخياً كتم سرك إذا أطلعته علي سرك، وإذا أطلعته علي سرك، فكان

علمه به كعلمك به تمت المشورة، وكملت النصيحة?(1).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتي رجل إلي أمير المؤمنين عليه السلام فقال: جئتك مستشيراً.. فقال عليه السلام: ?المستشار مؤتمن?(2).

وعن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه ? عن النبي صلي الله عليه و اله:

?من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه الله لبه?(3).

وعن أبي عبد الله عليه السلام: ?من استشار أخاه فلم ينصحه محض الرأي سلبه الله عز وجل رأيه?(4).

وعن أبي عبد الله عليه السلام: ?لا تكوننّ أول مشير، وإياك والرأي الفطير، وتجنب ارتجال الكلام، ولا تشر علي مستبد برأيه، ولا علي وغد، ولا علي متلوِّن، ولا علي لجوج، وخف الله في موافقة هوي المستشير، فإن التماس موافقته لؤم، وسوء الاستماع منه خيانة?(1). أقول: الفطير: كل ما أعجل عن إدراكه، يقال: هذا رأي فطير، أي من غير رؤية. الوغد: أي الضعيف العقل الأحمق.

وعن أبي عبد الله عليه السلام: ?لا تشر علي المستبد برأيه?(2).

وعن الإمام الصادق عليه السلام: في وصيته: ?اعلم أنّ ضارب علي عليه السلام بالسيف وقاتله لو ائتمنني واستنصحني واستشارني ثم قبلت ذلك منه، لأديت إليه الأمانة?(3).

وعن الصادق عليه السلام: ?ثلاثة لا يعذر المرء فيه: مشاورة ناصح، ومداراة حاسد، والتحبّب إلي الناس?(4).

وعن موسي بن جعفر عليه السلام: ?إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: لا يجلس في صدر المجلس إلاّ رجل فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سُئل، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه شيء منهن فجلس فهو أحمق?(1).

وعن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام قال: قال علي بن الحسين عليه السلام: ?إرشاد المستشير قضاء لحق النعِّمة?(2).

وعن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام: ?يا هشام، مشاورة

العاقل الناصح يُمن وبركة ورشد وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك العاقل الناصح، فإياك والخلاف فإنّ في ذلك العطب?(3).

وعن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام: ?من استشار لم يعدم عند الصواب مادحاً، وعند الخطأ عاذراً?(4).

وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام عن آبائه ? عن علي عليه السلام قال: قال: رسول الله صلي الله عليه و اله: ?يا علي، لا تشاورن جباناً، فإنه يضيق عليك المخرج، ولا تشاورن بخيلاً، فإنه يقصر بك عن غايتك، ولا تشاورن حريصا، فإنه يزين لك شرها، واعلم أن الجبن والبخل والحرص غريزة يجمعها سوء الظن?(1).

وعن علي بن موسي الرضا عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن آبائه ? عن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ?ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر معهم من اسمه محمد أو حامد أو محمود أو أحمد فادخلوه في مشورتهم إلاّ خير لهم?(2).

وعن أبي جعفر الجواد عليه السلام في حديث: ?إنّ المشورة مباركة، قال الله تعالي لنبيه في محكم كتابه: ?فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله يحب المتوكلين?(3).

وعن أبي جعفر الجواد عليه السلام: ?ما حار من استخار، ولا ندم من استشار?(4). وعن أبي جعفر الجواد عليه السلام عن آبائه ? عن أمير المؤمنين عليه السلام: ?خاطر بنفسه من استغني برأيه?(5).

الفصل الرابع الشوري في مجال التطبيق

تفصيل الحزب

البحث في تفصيل الحزب حتي يكون رُكناً لمن يريد العمل في هذا الإطار (الحزب المرجعي طبعاً)، وقد كتبنا بعض الأمر في ذلك في كتاب (فقه السياسة) وهذا الفصل إلماع إلي جملة أخري من ذلك، وذلك باعتبار أن الديمقراطية (الاستشارية)(1) في نظم الحكم اليوم تعتمد وبشكل أساسٍي علي معرفة ماهية (الأحزاب) وحقيقتها وأسبابها ونتائجها، لكونها ذات تأثير

كبير وفعال في الحياة السياسية والاجتماعية لكل شعب وحكومة تأثيراً سلبياً في الأحزاب المنحرفة وإيجابياً فيما لو توفرت في الحزب شروط ومواصفات خاصة، ذكرناها بالتفصيل في كتابيّ (السبيل إلي إنهاض المسلمين) و(الصياغة الجديدة).

كما تعتمد تماماً علي نظام (تعدد الأحزاب) باعتباره الضمانة العملية للحفاظ علي الديمقراطية والحيلولة دون الاستبداد في تاريخ الشعوب، ولقد كانت ولا تزال المصلحة المشتركة لجمعٍ من الأفراد تشكل عامل تكتلٍ وتجمّعٍ بين هؤلاء الأفراد، ولكن وجود مصلحةٍ مشتركةٍ بين عددٍ أو فئة من الأشخاص لا يكفي لأن يشملَ المصلحة العامة أيضاً.

فعلي سبيل المثال: تعتبر غرفة التجارة تنظيماً قائماً علي وجود مصلحةٍ مشتركة بين جمع من أفراد المجتمع لا كلّ أفراده.

وإن الحزب لا يُستثني من هذه القاعدة، فالحزب المحافظ يُجسّدُ أُسلوب تفكير اجتماعي خاص، والحزب التقدمي هو علي هذا النمط أيضاً، والطوائف الدينية وشبه الدينية أيضاً تُمثل سلسلة من المصالح المشتركة بين الأفراد، وعلي هذا فإنّ التعريف المُبسَّط للحزب هو وجود هدف أو مصلحة مشتركة بين أفرادٍ تجمَّعوا حول بعضهم البعض من أجل الوصول إلي هذا الهدف وصونه والتوسع فيه.

وتصنّف الأحزاب السياسية كما قالوا إلي: يسارية ويمينية ومعتدلة وراديكالية يمينية وراديكالية يسارية(1). وعندما يقال لحزب إنه يميني، فمعناه هو أنه يشمل مصالح فئة خاصة ومحدودة، أي المصالح التي تحتكرها طبقة خاصة في المجتمع، وأن هذه الطبقة تنشط وتسعي من أجل المحافظة علي مصالحها في إطار الحزب، والحزب اليساري يعني أنه يشمل مصالح فئاتٍ أوسع من أفراد المجتمع. وبعبارة أخري أنه يُطالب بتوزيع المنافع والمزايا في البلاد علي نطاق أوسع وأن تخرج هذه المنافع والممكنات من دائرة احتكار فئةٍ خاصة، هذا حسب الاصطلاح الشرقي.

أمّا حسب الاصطلاح الغربي، فاليميني هو الذي يجعل كسب كل أحد

لنفسه، واليساري هو الذي يجعل كسب الأفراد للمجموع، وكلاهما في النظر الإسلامي غير قائم، كما ذكرناه في كتابي: (الفقه: السياسة)(1) و(الفقه: الاقتصاد)(2).

وأمّا الحزب المعتدل فهو لا يطالب بأن تكون المنافع والمزايا والممكنات داخل البلاد في يد فئةٍ خاصةٍ، ولا يُطالب بتوزيعها بين أوسع شريحةٍ من فئات المجتمع، بل له هدف معتدل، والجناح الراديكالي اليميني يسعي لكسب امتيازات أكثر علاوة علي الامتيازات التي تتمتع بها طبقة خاصة في المجتمع، ولا يتواني عن القيام بأي عمل أو استخدام أية وسيلة في سبيل المحافظة علي هذه الامتيازات، والجناح الراديكالي اليساري، يري في المقابل أن تتم السيطرة علي المزايا والمنافع الموجودة في المجتمع بأسرع وقتٍ، والتوسع في النشاطات الرامية علي حصولها، عبر اللجوء إلي أعنف الوسائل، والالتفاف حولَ الطرق والأساليب العادية والمتعارف عليها، وعدم التواني عن اتخاذ أية خطوةٍ علي هذا الصعيد.

وربما تقسَّم الأحزاب علي هذا النحو:

1: الأحزاب الراديكالية، أو (التقدمية المتشددة): وتتألف من مجموعات اجتماعية مُعارضة وساخطة ترمي إلي تغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع بأي ثمنٍ كان.

2: الأحزاب التقدمية المعتدلة، أو (الأحرار): وتتألف من مجموعات اجتماعية لا تُبدي امتعاضاً وسُخطاً تجاه الظروف السائدة داخل المجتمع، لكنها في الوقت نفسه هي علي استعداد لأي تغيير في الوضع بصورة هادئة غير متسرعة.

3: المحافظون، هم مجموعات تبدي ارتياحاً حيال الوضع الراهن ولا ترغب في أي تغيير بالرغم من أنهم يزعمون أنهم يسعون إلي تحسين الحالة السائدة في المجتمع.

4: الرجعيون، هم مجموعة من الناس الذين يبدون رضاءهم حيال الوضع الراهن داخل المجتمع، ولا يرضون لأي تحسين أو تغيير في هذا الوضع.

ويري البعض: إن الناس في سنيّ عمرهم المختلفة يُغيرون أساليبهم، ففي سنيّ الشباب يميلون إلي الاتجاه التقدمي المتشدد، وكلما تقدموا

في العُمر غيروا اتجاهَهم حتي يصل بهم المطافُ في سني الشيخوخة إلي الاتجاه الرجعي، ونادراً ما حَصَل أن غيَّر فردٌ اتجاهَه إلي الاتجاه الُمناهِض فجأةً من دُون التدرّج في الاتجاهات المختلفة.

وأخيرا:

1: فالحزب تجمعٌ لأفراد لهم مصالح مشتركة من وجهة النظر الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، وأنه من أجل استلام السلطة ينشط ويتحرك في إطار برنامج عام.

2: وجود حزبٍ ما، يعني تلقائياً حقيقةً أن جمعاً من الناس قد تكتَّلوا وتعاضدوا من أجل المحافظة علي مصالح مشتركة قائمة بينهم، أو للدفاع عن مصالح مشتركة بينهم يسعون للحصول عليها وتحقيقها.

3: إن الجاذب الاجتماعي لأي حزب في الوسط الشعبي والفئات التي تقف خارج نظام توزيع الممكنات والمزايا المتاحة داخل المجتمع، يتوقف علي مدي احتواء المصلحة المشتركة التي تُشكل أساس وفلسفة هذا الحزب للمصالح الاجتماعية الخاصة والعامة لفئاتٍ أوسع من أفراد الشعب.

إن المجتمعات التي تتبنّي الديمقراطية الاقتصادية بما يجعلها في غنيً عن الأحزاب، تحتفظ في نفس الوقت بهذه الأحزاب بوصفها تنظيمات من أجل الكفاح الاجتماعي المُتواصل، وذلك لغاية رفع مستوي الوعي السياسي وتحقيق الخيارات الاجتماعية والحفاظ علي أيديولوجيتها، لأنه لا يوجد حزبٌ بمعناه السياسي والاجتماعي والاقتصادي دون أن يقبل بمبدأ الكفاح والدخول بميادينه، ولايستطيع أن يكسب العطف الشعبي وبسط نفوذه في صفوف الجماهير.

إن أي حزبٍ له أرضية من الكفاح الاجتماعي، يبقي علي ديمومته وتواجده كتنظيمٍ حزبي ما دامت له نفسية كفاحية علي هذا النمط، وإن الحزب يبقي محافظاً علي مبدأ الكفاح ومفهومه من منطلق أنه عامل أساسي، وحتي الأحزاب (المحافظة) و(اليمينية) في البلدان الرأسمالية والتي تُدافع أصلاً عن الامتيازات الطبقية، تكافح هي الأخري من أجل الحفاظ علي التقاليد الاقتصادية والاجتماعية التي تضمن مصالحها وامتيازاتها وتحقق نجاحاتها، لأن الفلسفة التي تكمن في قيام

الأحزاب هي (الكفاح)، ولا يستطيع حزب أن يستمر في حياته السياسية بدون الكفاح، خاصة في المجتمعات النامية، حيث الأحزاب السياسية لا تستطيع أن تكون ممثلةً ومجسِّدةً للمصالح الاجتماعية والاقتصادية المشتركة لجماهير الشعب بتقديمها فقط لائحة تأسيسية تقدميّة، وبتمليكها لمباني عديدة وبإصدار نشرات إعلامية.

الأحزاب الديكتاتورية

عند ما تكون آراء القائمين علي حزبٍ ما مُتحكمّةً به ومفروضةً عليه، فإنّ قدرة التفكير والإرادة الحرة والبصيرة لدي منتسبي الحزب وجماهيره، تزول وتمحي، وتزول معها قدرتُهم علي خلق القيم وتبلورها، وبنتيجة التوزيع غير المُتعادل وغير المتكافئ للإمكانيات الحزبية، فإنّ الكذب والنفاق وفقدان الإيمان والمُبالغة في الأمور والخوف، تطغي علي الأخلاقيات والتقاليد الحزبية السليمة.

وفي مثل هذا الحزب، فإنّ المُنتسبين إليه من وجهةِ النظر الشخصية أكثر حقارةً وتزلفاً ونِفاقاً وخوفاً ولا عقائدية، وبالطبع اكثر انقياداً واستسلاماً، ومثل هذا المنتسب الحزبي هو من أكثر العوامل والعناصر المؤلفة لهيكلية الحزب ثقةً وتقرباً عند القائمين عليه.

وعلي العكس من ذلك، فإن الأفراد الشجعان من ذوي الإيمان والإرادة والذين لا يتلاءم طبعهم الذاتي مع الانقياد الأعمي والطاعة المطلقة، لا يمكنهم أن يكونوا موضعَ ثقة واطمئنان هؤلاء القائمين والمشرفين علي شؤون الحزب، بل لا يمر زمان إلاّ ويُطردون من الحزب.

وفي البلدان النامية، تفقد الأحزاب تلقائياً نفوذها الاجتماعي وطبيعتها الشعبية إذا كانت مُمثلةً بصورة مباشرة للحكومات والنظم السياسية والاجتماعية القائمة في البلاد، فإنّ مثل هذه الأحزاب تفتقد للجاذبة السياسية والشعبية، وذلك لأنّها ديكتاتورية بطبيعتها، والديكتاتور ينفضّ الناس من حوله وإنّما يبقي بمشنقته وسجنه وتعذيبه، وإذا أرادت أن تنشط في مواجهة الأهداف والأساليب التي يريدها لمنافعها الشخصية، فإنها تتسبب في تعقيد الأمور وخلق المشاكل سواء كانت تريد ذلك أم لا، وإذا نشطت في ظروف مؤاتية، بسبب انقلاب عسكري أو انقلاب شعبي

استبد بعده بالحكم، فإنه يسبب الخراب والدَّمار.

وفي المجتمعات التي يفتقد الناس فيها النفسية والتجربة والممارسة الحزبية، فيما الحكومات الحزبية لا ترغب في توزيع السلطة بين الأحزاب الصحيحة والسليمة، فإنّ الأحزاب تصبح علي شكل منظماتٍ لا تشعر الحكومة أمامها بالمسؤولية، كما أن الناس لا تري فيها ما يُجسّد ويعكس خياراتها الاجتماعية ومتطلباتها

الاقتصادية.

أسباب فشل الأحزاب السياسية في العالم الثالث

بالرغم من مرور أكثر من نصف قرنٍ علي تأسيس الأحزاب السياسية في هذا البلدان (بلدان العالم الثالث)، فإنه لا تزال قضية الحزب شيئاً جديداً بالنسبة للجماهير الشعبية العريضة والفئات الوسيعة من أفراد المجتمع. والسبب الرئيسي في هذه الجدّة يكمن في عاملين يمكننا بحثهما ودراستهما علي النحو التالي:

1: إنّ شعوب العالم الثالث لها ذكرياتٌ مُرّةٌ دائماً مع الأحزاب السياسية في بلدانها.

2: فقدان الكتب اللازمة وعدم تعليم قواعد السياسية في المعاهد بوجه صحيح أدي إلي جهل المجتمع وخاصة جيل الشباب فيه بالقضايا السياسية والحزبية حتي تدار الأحزاب بالوجه الصحيح. ومن هنا، فإنّ الأحزاب السياسية واجهت الفشل من أُولي تجربتها الاجتماعية المرتبطة بالانتخابات النيابية وانتخابات مجالس المدن.

وبهذا الصدد أسئلة حائرة علي أًلسنة المثقفين والذين فوجئوا بالأحزاب والانقلابات وذاقوا الويلات وهي:

? هل للأحزاب مقدرة علي تجسيد الخيارات الاجتماعية للشعوب؟ .

? وهل هي قادرة علي التعبير عن رؤيتها العالمية وتحسسها بقضايا الأمة، أو تؤدي إلي تصنيف المجتمع إلي فئاتٍ نخبوية بلا حدود وفئاتٍ فقيرة بلا حدود؟

? وهل هي قادرة علي أن تكون سنداً وقوةً للجماهير الشعبية؟

? وهل هي قادرة علي أداء الرسالة والقيام بالواجبات، وتكون الحصيلة إقبال الناس علي عضويتها والعمل علي إعلاء البلاد؟

? وهل توجد علاقة بين الأحزاب والشعوب؟

? وهل يمكن لزعماء الأحزاب أن يوجدوا رابطةً أو صلةً مع جماهير الشعب علي أساس الخيارات الاجتماعية المشتركة؟

? وفي أي

ظروف يمكن للأحزاب السياسية أن تكون مكملّةُ للديمقراطية (الاستشارية)(1) التي بدأت تسود المجتمعات الحديثة؟

? وهل العالم المتقدم أو الذي في طور التقدم هو في حاجة إلي الأحزاب السياسية أم لا؟

? وأين تكمن حسنات الأحزاب وأين تكمن مساوئها؟

? وما هو دور الأحزاب في مصير الحكومات؟

? وكيف يُمكن للأحزاب أن تكسبَ لنفسِها أرضية الكفاح الاجتماعي؟

? وكيف يُمكن للعناصر المؤلفة للأحزاب أن تتفهم الأداة المُحرّكة للنشاطات الاجتماعية وأن تتحسس ضرورة مثل هذه النشاطات؟

? وكيف تصبح قوي الأحزاب السياسية في المجتمعات أداة تحقيق لأغراضٍ شخصيةٍ خاصة؟

هذه هي مجموعة أسئلة، بحاجة إلي الجواب وحيث لسنا في هذا الكتاب بصدد التفصيل نترك الأجوبة للكتب المفصلة.

تعريف الحزب

(الحزب) كلمة عربية تعني: فريقاً أو مجموعة من الناس الذين لهم تفكيرٌ واحد وهدف واحدٌ، وجمعُ كلمة (الحزب) هو (الأحزاب) وتوجد في القرآن الكريم سورة باسم (الأحزاب)، يقول الله سبحانه وتعالي في الآية 21 من هذه السورة: ?وَلَمَّا رَأَي الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ? (1).

وقد استخدمت في القرآن عبارةُ: ?حزب الله? (2) و?حزب الشيطان? (3) و?أيّ الحزبين? (4) وفي حديث، قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أنا في الحزب الذي فيه ابن الأَدرَع?(5).

ويمكن تعريف الحزب السياسي بهذا الشكل:

الحزب السياسي هو عبارة عن الشريحة لطبقة اجتماعية تكافح نظاماً معيناً من أجل تأمين المصلحة حسب ما تراها واستلام السلطة وتطبيق مسلكها العقائدي وزعامة الطبقة الخاصة التي يمثلها هذا الحزب علي ساحة الصراع الاجتماعي.

إن قوة الأحزاب في البلدان الغربية هي في إطِّراد، نظراً لإقبال الناس علي هذا النوع من المدارس السياسية، حتي باتت الحكومات غير قادرة علي البقاء في السلطة أو في سعيها للسلطة دون دعم ومساندة من الأحزاب، فالحكومات التي جاءت إلي السلطة

بدون دعم حزبي لم تدم طويلاً فسقطت في مواجهتها لأقل مانع أو مشكلة، وقد وصل الأمر إلي حدّ أنّ الأحزاب السياسية أصبحت في المجتمعات الغربية من مستلزمات الديمقراطية، فأكثر الرجالات السياسية في عالمنا اليوم هم زعماء أو ممثلون لحزبٍ ما، أو كانوا في الماضي يتزعمّون حزباً ما.

إنّ الأحزاب السياسية ومؤسساتها لها تأثيراتها علي سير الانتخابات، ولعلّ هذه التأثيرات تبدو واضحة أكثر للعيان في التركيبة الداخلية للمؤسسات الحكومية، ولا يمكن توضيح هذا الموضوع بسهولة ويسر، وعندما نأخذ في الاعتبار أن الأحزاب السياسية لا تكتفي بتنظيم صفوف الناخبين في المناطق الانتخابية ولا بالمرشحين للانتخابات بل تُبادر بتعيين الوزراء والنواب أيضاً، نري من اللازم أن نقارن بين ما يعتبرونه موضوعاً هيكلياً وموضوعاً أساسياً، ففي إطار الحكومات اليوم سواءٌ كانت حكوماتٍ ديمقراطية أو حكومات ديكتاتورية مستبدة (لأن الاستبداد الجديد يقوم علي الحزب الواحد) تُشكّل الأحزاب السياسية أساس أو دعامات هيكلية المجتمع في حين إنّ المنظمات الشعبية العامة تشكلُ هيكلية المجتمع علي النحو الذي أوضحناه.

تُقسم الأحزاب إلي صنفين، أحدهما ينشط خارج البرلمانات والآخر داخلها. ولكن يوجد اختلاف كبير جداً بين الحزب الذي يأخذ مشروعية من خارج البرلمان، وبين الحزب الذي يجد أرضيته في الأوساط البرلمانية والهيئات الانتخابية، لأنّ الأحزاب الناشطة خارج البرلمانات لها تمركزٌ وتماسكٌ أكثر من تلك الأحزاب التي تعمل داخل البرلمانات، نظراً لأنّ تكامل مثل هذه الأحزاب أي الأحزاب العاملة داخل البرلمانات يبدأ من الأعلي، بينما سائر الأحزاب تتشكل بدايةً من الوسط الشعبي، أي أنها تقوم من أعماق جماهير الشعب.

الهيكلية العامة للأحزاب السياسية

في الأحزاب السياسية يتولي عدد مُحددٌ من الأشخاص ممّن هم في مستوي المسؤولية الحزبية في مختلف الأصعدة إصدار الأوامر، فيما الغالبية من الأفراد الحزبين يطيعون هذه الأوامر.

ولكن هذه

الآمرية وهذا الانقياد لا يكفيان وحدهما في تحريك عجلات الأحزاب السياسية وأداء دورٍ من أجل تدعيم الحزب وديمومته، بل إنّ هناك عوامل أخري يجب أن تتوفر في الحزب كي يُصبح حزباً سياسياً، ويتكون الحزب بأن يتكتل أعضاء الحزب انطلاقاً من لائحته التنظيمية ونُظُمه الإدارية بمجموعات صغيرة وإنّ هذه المجموعات والعوامل المنسقة بينها تشكل أساس الحزب، وكيان الحزب يتوقف علي هذه المجموعات الصغيرة.

وطبيعي أنه في إطار هيكلية الأحزاب السياسية، تختلف طبيعةُ صلة أو ارتباط الأفراد الحزبيين مع التنظيمات المختلفة للحزب، وإن هذه الصلة أو العلاقة تتم بصورتين:

1: العلاقة المباشرة.

2: العلاقة غير المباشرة.

وفي العلاقة المباشرة أو بدون الواسطة، الأفراد يقبلون بعضوية الحزب ويدفعون بدل العضوية ويشتركون في الاجتماعات الحزبية ويبدون وجهات نظرهم حولَ القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلاد، وخلاصة أن آراءهم ومقترحاتهم ترفع إلي مسؤول الحزب عبرَ اللجنة الحزبية، وإذا كانت الحكومة مشكلة من هذا الحزب فإنّ مسؤوله يتولي اطلاع الحكومة بهذه الآراء والمقترحات وذلك من أجل التنفيذ.

وفي العلاقة غير المباشرة، الأفراد غير قادرين علي الالتحاق بعضوية الحزب بصورة مباشرة ودفع بدل العضوية، بل إنّ مثل هذا الإجراء يتم بواسطة النقابات والشركات التعاونية والجمعيات ووجود مثل هذه الواسطات بين الحزب والجماهير من شأنه أن لايتمكن الأفراد من الانضمام لعضوية الحزب بصورة مباشرة، وأن لا يستطيع فرد من إبداء وجهة نظره بشأن القضايا المختلفة، ومن أن يوجِد علاقةً مباشرة مع المسؤولين في الحزب.

التنظيمات الداخلية للأحزاب السياسية

إن تنظيمات الأحزاب السياسية في عالم اليوم تصنّفُ إلي عدة مجموعات منها:

أولاً: (اللجنة) في الأحزاب الحُرة والمحافظة والراديكالية (المُتشددة).

ثانياً: (المنطَقة) في الأحزاب الاشتراكية.

وتتألف (اللجنة) من عدد محدود من الأفراد الذين تتم عضويتهم في الحزب عن طريق تعريفُهم وتقديمهم من جانب المؤسسين

للحزب.

والأحزاب التي تقوم علي أساس وحدة اللجنة لا تولي اهتماماً بكمية الأعضاء بل تهتم بالكيفية (أي شخصية الأعضاء)، واللجنة بحسب الدول المختلفة يمكن أن تتألف من نوعين من الأعضاء:

النوع الأول: ينصبّ الاهتمام علي طبيعة الشخص الراغب في العضوية وأهميته الخاصة، والفرد الذي ينتخب في العضوية يُشارك في اللجنة.

النوع الثاني: يشترك الأعضاء في اللجان ممثلين للنقابات والجمعيات، وإن عمل اللجنة غير متواصل علي الدوام وإن اجتماعاتها لا تنعقد بصورة منتظمة، بل إن أعمال اللجان تبدأ عشية المعركة الانتخابية، وفي بعض المدن يشرف علي شؤون اللجان فردٌ يُعرف بالقائم بالأعمال، وكل قائم بالأعمال له منطقة انتخابية صغيرة يضم أربعمائة فرد ناخب أو غيره من الأعداد المقررة، ويجب علي القائم بالأعمال أن يتعرف علي كل الناخبين في منطقته وأن يكون علي اتصال بهم وأن يبادر إلي مساعدتهم عند الحاجة، ويمتلك القائم بالأعمال تأثيراً ونفوذاً علي الناخبين وهو المحرك الحقيقي لسير الانتخابات وأنه يضع نفسه في خدمة المسؤولين بالحزب، ولا يُستبعد أن ينشط ويعمل القائم بالأعمال في خِضَّم الانتخابات لصالح حزب ما، في حين كان نفسه هو في الجولة السابقة من الانتخابات يعمل لصالح حزبٍ مُعارض ومناوئ لهذا الحزب فيما إذا لم يكن القائم بالأعمال مبدئياً من جهته الحزبية وإن كان مبدئياً من جهته الوطنية أو ما أشبه وَيدير اللجان المؤلفة من موفدي وممثلي النقابات والجمعيات المختلفة، عجلة الحزب برمَّته.

وفي الأحزاب اليمينية، لا يبدي الأعضاء رغبةً في التدخل في الشؤون السياسية، ولذا فإنهم يفضِّلون العضوية فقط في اللجان الحزبية، وفي الأحزاب العاملة ببعض الدول لا تزال اللجان تحتفظ بكيانها، لأن شعوب هذه الدول لا تستطيُع التكيّف مع الانضباط الحزبي، فالشعوبُ هناك ليست لها نفسية التمايز الطبقي، كما أنها ليست

علي استعداد لقبول التعليمات الاجتماعية والسياسية المتشددة والروتينية، وإن الفرد العامِلَ في هذه الدول بالرغم من كونه عضواً في النقابات العمالية لكنه ليس علي شاكلة عُمال بعض الدول الأخري، فهو يفتقد لنفسية التحدي الطبقي ويفضِّل أن لايتقيدَّ بالانضباط الحزبي المتشدد، علي العكس من عمال بعض الدول الأخري. و(اللجان) في الأحزاب السياسية بهذه الدول هي من الدعائم التنظيمية الحزبية.

أما (المنطَقة) التي هي مبتكرات الأحزاب الاشتراكية، فهي علي النقيض تماماً من (اللجنة)، إذ تتلقي الأوامر من مركزٍ واحدٍ، وهو النواة المركزية للحزب، وتعتبر المنطقة في التنظيمات الأساسية للأحزاب السياسية جزءاً من الدعاية الأساسية للحزب، فهي العامل الرئيسي في إيجاد التمركز والتكتل بين الأقسام المختلفة في الحزب.

و(المنطَقةٌ) علي النقيض من (اللجنة) تولي اهتماماً بالكمية أكثر من الكيفية وتسعي لجر الفئات المختلفة في المجتمع إلي الانضمام للحزب، ويمكن للأفراد أن يختاروا العضوية بالمناطق بشروط سهلة جداً. وتنعقد اجتماعات المناطق بصورة دائمية ويجري البحث فيها حول القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

ويمكن توجيه النقد من خلال المناطق لأساليب الحكومة الحزبية والمسؤولين في الحزب، وأن يوضَعَ منهجُ الحزب موضعَ البحث والمناقشة، ويتم ابتكار مناهج جديدة ترسل إلي المسؤولين في الحزب من أجل التنفيذ.

و(المنطقة) علي العكس من (اللجنة) لا تؤدي دوراً رئيسياً في النشاطات الانتخابية، ولا يتمكن رئيس المنطَقة من التدخل في شؤون الانتخابات والإجراءات المتعلقة بها بصورة مباشرة خلافاً لدور رئيس اللجنة.

العلاقات الداخلية في التنظيمات الحزبية

العلاقات الداخلية في التنظيمات الحزبية يمكن أن تتم بطريقتين:

1: العلاقات العمودية.

1: العلاقات الأفقية.

أولا: إن العلاقات العمودية تحولُ دونَ تسرب خطر الانفصال عن الحزب إلي أجزائه المختلفة، ودون حصول فكرة الانفصال لدي أعضائه، ومنع تسلل أية أفكار مناهضة لعقيدة الحزب إلي داخل تنظيماته.

فإن التسلسل التنظيمي الداخلي للحزب يقضي بأن يكون إلي

جانب التنظيم الرسمي المعلَن للحزب تنظيمٌ سري لمهمة الرقابة، ويتمثل هذا التنظيم السري بالمسؤولين للوحدات الحزبية، إذ إن هؤلاء المسؤولين يتعيّنون من جانب الهيئة المركزية للحزب، ومن أجل الحفاظ علي موقعهم داخل الحزب يتعين علي هؤلاء أن يراقبوا ما يجري داخل وحداتهم وأن يحولوا دون تسرب الأفكار المناهضة للانضباط الحزبي إلي داخل وحداتهم.

إنّ العلاقة العمودية لا تؤدي فحسب إلي إقرار الانضباط الحزبي المتشدد، بل تؤدي أيضاً إلي أن تقوم التنظيمات الحزبية بنشاطاتها بصورةٍ سرية، وذلك في حالات الخطر التي من شأنها أن تؤدي إلي إلغاء الحزب قانونياً، لأن الخلايا غير مرتبطةٍ مع بعضها البعض، ولذا يطول الكشف عنها.

وتوجد في جميع الأحزاب السياسية في العالم رغبةُ إلي خلق العلاقة العمودية، حيث إن الأحزاب السياسية مضطرة إلي الاستفادة من العلاقة العمودية حفاظاً علي موقعها وكيانها وديمومتها.

ثانيا: في الأحزاب التي لا تحتاج إلي الترابط والقوي والتعاضد الحزبي بين أفرادها ومسؤوليها، يسمي الترابط بينها بالعلاقة الأفقية، لأن في هذا الترابط جميع العوامل والمؤسسات في مستويً واحد، كلهم قادرون علي إيجاد الترابط فيما بينهم، لا يتقيدون بالضوابط الإدارية ومراعاة التسلسل القيادي، وإذا وجد حزبٌ كذلك فإنه غير قادر علي إقرار الانضباط الحزبي في داخله ولايستطيع الحفاظ علي كيانه في حالات بروز خطر إلغائه قانونياً.

وبصورة عامة، قلّما توجد العلاقة الأفقية فقط في الأحزاب السياسية، أمّا في النقابات المختلفة والجمعيات الأدبية والثقافية والرياضية والجمعيات السياسية ذات الأهداف المحدودة والواضحة، مثل جمعيات أنصار السلام في الغرب والتي تسعي أصلاً إلي جرّ مؤيدين لها، فإن العلاقة الأفقية تبدو أكثر وضوحاً للعيان.

أقسام التمركز

التمركز علي قسمين:

1: التمركز الديكتاتوري.

2: التمركز الديمقراطي.

إذا أبدي القائمون علي حزب ما رقابة وإشرافاً علي اجتماعات أعضاء الحزب، وإذا فرضوا الرقابة العقائدية علي

هذه الاجتماعات، ولم يسمحوا لأعضاء الحزب بأن يعبِّروا بحرية عن آرائهم ومقترحاتهم، وإذا لم تكن هناك أية علاقة بين آراء أعضاء الحزب وقرارات المسؤولين في الحزب، في مثل هذه الظروف، يتصف الحزب بالتمركز الديكتاتوري، ومثل هذا الأسلوب ساري المفعول بدقة تامة في الأحزاب الفاشية، حيث كانت قرارات القائمين علي الحزب توضع موضع التنفيذ دون أن تُؤخذ في الاعتبار آراء ومُقترحات أعضاء الحزب أنفسهم.

وفي العصر الحاضر، يبدو هذا الأسلوب بادياً للعيان بوضوح كبير في المجتمعات المتخلِّفة، حيث الأحزاب تتصف بالتمركز الديكتاتوري.

أما عند ما يسودُ التمركز الديمقراطي في حزبٍ ما، فإن آراء غالبية أعضاء الحزب أو مندوبيهم تؤخذ في الاعتبار لدي صياغة القرارات الحزبية من جانب القائمين علي الحزب، إذ توجد علاقة مباشرة بين آراء الأعضاء وقرارات قادة الحزب، حيث آراء الأعضاء تحظي بالاحترام ويبقي مبدأ التعبير الحر محتفظاً بموقعه داخل الحزب.

بدل العضوية

إن من جملة واجبات أعضاء الحزب هو تسديد بدل العضوية، فالفرد لدي التحاقه بعضوية الحزب يُسدّد بدلَ العضوية لثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو لسنة، إضافة إلي بدل الالتحاق، وفي الأحزاب التي تولي اهتماماً بالكيفية (نوعية الأعضاء) لا يؤثر بدلُ العضوية كثيراً في حالتها المالية، لأنّ الأعضاء علي علم بأن الحزب يتلقي الدعم المالي من جهات معنية موالية للحزب.

ومن هنا يمكن لعضو الحزب (الكيفي) أن لا يسدد بدل العضوية أبداً بعدما يكون قد سدّد بدلَ الدخول إلي عضوية الحزب، وأنّ لايعير أي اهتمام لأوامر اللجنة المالية للحزب والخاصة بتسديد بدل العضوية من جانب الأعضاء، في حين إنّ الأحزاب التي تولي اهتماماً ب (الكمية) فإنّ المبالغ المستحصلة من الأعضاء (كبدل لعضويتهم) تشكل المورد الرئيسي لمالية الحزب. لأنّ مثل هذه الأحزاب ليست لها عوائد مالية من أية

جهة توالي الحزب علي تمركز القوي القيادية.

إن تسيير قيادة الأحزاب السياسية من جانب زعيمٍ أو أمين عام هي أمر لا يمكن استمراره علي الدوام، فالأحزاب الحقيقية تسعي قدر المستطاع إلي إحداث التغييرات الضرورية في الكوادر القيادية، بمقتضي الظروف والمستجدات علي الساحة السياسية، وعدم تمركز القوي بسبب (استشارية الحزب)، إذ لو تمركزت القوي في أيادي معدودة كانت الديكتاتورية كما يشاهد في الأحزاب الشيوعية ونحوها.

الأحزاب الديمقراطية والأحزاب الديكتاتورية

يقال لحزب إنه ديمقراطي في حال ما إذا انتخب زعماؤه من قبل أعضاء الحزب من خلال انتخابات حقيقية وبالاقتراع السرّي أو العلني، والمنهج والسياسة العامة لمثل هذه الأحزاب سواء علي صعيد التنظيمات أو القرارات، يتم تعيينهما وتحديدهما في المؤتمر العام للحزب، وهو المؤتمر المؤلف من الممثلين والمندوبين الحقيقيين لأعضاء الحزب، وتبرز في اجتماعات مثل هذا الحزب الآراء والنظريات والاتجاهات المختلفة والمتضاربة، وإن الاتجاه الغالب فيه هو الاتجاه الذي تُؤيده غالبية الأعضاء.

ويقال لحزب إنه ديكتاتوري في حال ما إذا تم تعيين قادته بحلول النائب مَحلَ القائد، وهلمّ جرا، ويكون منهجُ الحزب تجسيداً لما يريده قادة الحزب، ويكون الرأي المخالف للمنهج العام فيه ممنوعاً، فيحظر فيه تعدد الأفكار والآراء، ويطرد أي شخص له علاقة بالفكر المعارض، وفي مثل هذه الحالة ينساق الحزبُ نحو الاستبداد والديكتاتورية والتفرد السلطوي(1).

الأحزاب السياسية والمؤسسات الحكومية

إنّ تعدد الأحزاب السياسية وطبيعة تنظيماتها لهما تأثير كبير جداً في انتخاب الهيئة الحاكمة، وإن هذا التأثير ملحوظٌ بشكلٍ أكبر في الهيكلية الداخلية للمؤسسات الحكومية.

ومن هنا فإن الأحزاب السياسية لا تكتفي بتصنيف الناخبين والمرشحين، بل تسعي أيضاً إلي التأثير في اختيار الوزراء ونواب الوزراء وأعضاء البرلمان.

وهناك خلاف بين المفكرين في أفضلية النظام القائم علي حزبين علي القائم علي عدة الأحزاب، فبينما يذهب بعض المفكرين إلي الرأي الثاني انطلاقاً من علل عديدة منها: أصالة الحرية والتي يوفرها بشكل أكبر وجود عدة أحزاب، إضافة إلي وجود مجال أوسع وخيارات أكثر للأمة في عملية انتخاب الأطروحات، نجد أنصار الرأي الأول يقولون:

إن النظام القائم علي وجود حزبين، تزول فيه التصارعات والتصادمات الثانوية، حيث إنّ جميع الفئات المعارضة تندفع في إطار قناةٍ سياسية معارضةٍ يحق لها التعبير عن توجهاتها وآرائها المعارضة، وعلي العكس من ذلك

فإن النظام القائم علي عدة أحزاب من شأنه أن يوجد الفرصة المناسبة لظهور التصارعات والتصادمات الثانوية وتفتيت وتجزئة المعارضة الكبري، وبوجه عام يمكن القول إن النظام المسنود بعدة أحزاب يفتت المعارضة في عدة جهات، ويمتصها (أي يمتص زخمها) في حين أن النظام المسنود بحزبين أو الجبهتين يخلق معارضة هي بحدّها الأعلي.

ومن لوازم النظام القائم بحزبٍ واحد هي العقيدة الواحدة وممارسة سياسة الإرهاب والعنف واحتكار السلطة. ولذا فالنظام الفاشي شأنه كالنظام الشيوعي، يتبني حزباً واحداً ينفرد بالنشاطات السياسية في البلاد.

وكانت الإيديولوجية وبيئة العنف والإرهاب هما القاسم المشترك للنظامين الفاشي والشيوعي، وعلي هذا الغرار النظم القومية وما أشبه، التي هي وليدة النظم الشرقية والغربية ذات الحزب الواحد.

إنّ هذه النظم تعتبر مناهضي إيديولوجيتها أخطر من الجناة العاديين، وتُعامِلَ المُنفصلين عن الحزب الواحد فيها كمعاملة المعارضين بكل شدةٍ وقسوة، مثلما عامل زعماء الأحزاب الفاشية رفاقهم المنشقين عنهم في الحزب.

النظام القائم علي الحزبين

وهو ذلك النظام الذي ينشط فيه حزبان قويّان يتسلمان السلطة فيها واحداً بعد آخر عبر انتخابات حرة، ويمكن أن تكون هناك أحزابٌ أخري لكن السلطة الحكومية تظل في يد هذين الحزبين الذين يتسلمانها علي التناوب، وذلك لقرب أفكار مثل هذين الحزبين إلي أفكار الجماهير، بينما أفكار غيرهما ليست كذلك.

مثلاً في بريطانيا توجد أحزابٌ أخري غير حزب العمال والمحافظين مثل الحزب الليبرالي والحزب الشيوعي، ولهذه الأحزاب ممثلون في البرلمان، لكن السلطة الحكومية تظل بيد هذين الحزبين القويين وعلي التناوب.

وفي النظام ذي الحزبين يظل حزبُ الأغلبية هو الحاكم علي الدوام، وتكون المعارضة والنقد والرقابة من نصيب حزب الأقلية.

وفي أمريكا توجد أحزابٌ غير الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لها ممثلون في البرلمان، لكن أكثرية أعضاء الكونغرس وغالبية الناخبين في انتخابات رئيس الجمهورية هم من المنتسبين

لواحد من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

الفرق بين النظام ذات الحزبين والأحزاب المتعددة

إن دراسة الفرق بين النظام ذي الحزبين والنظام ذي الأحزاب المتعددة أمرٌ ذو أهمية كبيرة، إذ نظرةٌ علي طبيعة الانتخابات بين الحزبين والانتخابات بين الأحزاب المتعددة تُوضح بجلاء هذا الفرق الشاسع، فنتيجةُ الانتخابات بين حزبين تظهر في مرةٍ (دورة) واحدة حيثُ رأي الأكثرية هو الملاك، في حين أن الانتخابات بين الأحزاب المتعددة تتم في (دورين)، وأنّ رأي الأكثرية النسبية للأحزاب المتعددة يعتبر الملاك.

ولإيضاح هذه النقطة نقول: نأخذ في اعتبارنا منطقة انتخابية، فنجد مثلا أَن مائة ألف صوت هي لصالح حزب المحافظين ومائة وخمسين ألف صوت هي لصالح الحزب التقدمي، ففي مثل هذه الحالة إذا تمت الانتخابات في دورٍ واحد وتجزأ التقدميون إلي فريقين فيما شكل المحافظون فريقاً واحداً فإن حزب المحافظين يمكنه أن يفوز علي التقدميين بمائة ألف صوت، إن مثل هذه الحالة تؤدي بالحزبين (الفريقين) التقدميين لكي يتحدا ويسعيا إلي الفوز بمقاعد البرلمان بقوة متكتلة أقوي من قبل حتي يوجد حزب تقدمي له أكثر من مائة ألف صوت، وإذا لم يتحدا فإن الناخبين سوف يقترعون لصالح الفريق الذي هو أكثر تقدمياً من نظيره، وبهذه الصورة تخلق حوافز لاتحاد الأحزاب أو لتحطيم مراكز السلطة الحزبية لديهم.

الأحزاب والتجمعات الضاغطة

الأحزاب السياسية توجد عادةً من أجل النشاطات السياسية، وأما مجموعات النفوذ والضغط فهي منظماتٌ سياسية تفرض نفوذها عَبْرَ نشاطات تتم خلف الستار من أجل تحقيق أغراض نقابية أو مهنية أو تجارية، وتصل هذه النشاطات الخفية إلي ذروتها أحياناً، مثل مراكز الضغط (اللوبي) التي تتدخل في المضاربات والصراعات بين أعضاء مجلس الأمة أو مجلس الأعيان والوزراء وكبار الموظفين في الحكومة.

ويمكن تصنيف مجموعات النفوذ إلي فريقين:

أ: مجموعات السلطة الحاكمة.

ب: مجموعات الجماهير الشعبية.

ففيما يخص الفريق الأول، فإنّ صلة هذه المجموعات تتحدد بالمنظمات

الحاكمة وأعضاء البرلمان أو الأعيان ومجلس الوزراء وأصحاب الرتب العالية في الحكومة، وفيما يخص الجماهير الشعبية، فإنّ عملها يتم عبر الصحف والخطب والاجتماعات والنشرات الأخبارية والنشاطات الأخري التي بها يمكن التأثير علي جماهير الشعب، ونتيجة لذلك تستطيع مجموعات النفوذ أن تفوز في القضايا السياسية والاجتماعية والانتخابية وقضايا أخري بدعمٍ من آراء ومساندة الجماهير الشعبية، كما تستطيع القيام بدور رئيسي بواسطة التحديات التي تقوم بها الصحف والإضرابات وتنظيم المظاهرات. وبناءً علي ذلك تكون نشاطات مجموعات النفوذ علنية بوسائل مشروعة قانونية تارةً وبالعنف والتضليل وصرف الأموال للرشوة والدعايات تارةً أخري.

اللجوء إلي السرّية

وإذا لم ترد حكومات الدول أن تعترف رسمياً بالسلطة الخفية الحاكمة فيها ولم تسمح لها بالنشاط والفاعلية وحَظَرت عليها مثل هذا النشاط، فإن ذلك لا يعني أنّ هذه القوي سوف تتوقف عن نشاطاتها ومساعيها، لأن السلطات الخفية لها وسائلها وطرقها الخاصة بها، والتي يمكن لها من توظيفها والعبور منها إلي غاياتها في فرض آراءها وتوجهاتها، والتي لا تستطيع السلطة السياسية الحاكمة سدّها ومنعها.

إنّ نشاطات السلطة الخفية التي تتم في المجتمعات المتقدمة في إطار الكفاح (الصراع) السياسي للحفاظ علي الثروات الوطنية وغيرها، لا تؤدي إلي تصدّع بنيان الديمقراطية في هذه المجتمعات، بل إنّها تعتبر من الشروط الضرورية لبقاء الديمقراطية، وذلك لأنّ النقد الموضوعي من جانب السلطة الخفية للأساليب التي تتبعها السلطة السياسية الحاكمة في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية من شأنه أن يؤدي إلي تدعيم الديمقراطية ويقضي علي التمايز الطبقي الشديد الذي هو من عوامل تحكُّم ورسوخ البيروقراطية، بينما في المجتمعات المتخلفة (الديكتاتورية) تسقط الحكومة لسبب هذه الجماعات السرية ويكون التنازع بينهما عَبْرَ التخريب والإفساد والتهريج، كما هو المشاهد في العالم الثالث.

الفرق بين مجموعات النفوذ والأحزاب السياسية

1: إن مجموعات النفوذ ليس لها تنظيم محدد وأيديولوجية معلومة، وذلك علي النقيض من الأحزاب السياسية.

2: إن عدد أعضاء مجموعات النفوذ محدود في الغالب، إذ أن هذه المجموعات تتألف من أفراد لهم مصالح مشتركة، وذلك علي العكس من الأحزاب السياسية التي عادةً ما تسعي إلي بسط نفوذها في صفوف الجماهير، محاولةً البحث عن مؤيدين ونصيرين بها أكثر فأكثر.

3: ليست لمجموعات النفوذ أية صلة مباشرة مع السياسية والإدارة والحكومة، بل تسعي إلي تأمين مصالحها بالذات بواسطة أفراد يتولون السلطة الحكومية، حيث تعمل علي جرّ هؤلاء إلي النهوض لنصرتها وتحقيق مآربها، وذلك علي خلاف الأحزاب السياسية

التي تسعي لاستلام السلطة السياسية لأجل السعي لتطبيق مناهجها الاجتماعية.

إن أية جمعية أو اتحاد أو تنظيم مهني أو أي تنظيم آخر يمكن أن تلجأ إلي الضغط السياسي في بعض مراحل نشاطاتها، ونادراً ما تكون مجموعات النفوذ سياسية بحتة، أي أن يكون هدفها المشاركة في الكفاح السياسي فقط.

إنّ غالبية هذه المجموعات تخفي نشاطاتها السياسية خلف ستار نشاطات أُخَرْ، وبهذه الصورة تأخذ الطابع السياسي النسبي لا مطلق السياسية كما في الأحزاب السياسية.

وتتم نشاطات مجموعات النفوذ في عدة أشكال وصور، فتارةً تفرض نفوذها علي السلطة الحاكمة باللجوء مباشرة إلي الحكومة والموظفين الكبار وأعضاء البرلمان، وتارةً أخري عَبْرَ التسلل إلي داخل الوسط الشعبي ليكون الموقف الشعبي هو عامل ضغط علي السلطة الحاكمة، ولهذا تنظم الإضرابات والمظاهرات وسدّ الطرقات وإثارة الحملات الصحفية. وتجري هذه النشاطات بصورة عامة ومُعلنة ومفتوحة تارةً، وبصورة خفية غير مرئية تارةً أخري، كما تجري عَبرَ قنوات سليمة وشريفة ومشروعة تارةً، وبوسائل غير شريفة وباستخدام العُنف تارةً أخري.

الزعماء الحقيقيون للأحزاب السياسية

في أكثر الأحوال لا يعتبر الشخص الواقف علي رأس تنظيم ما زعيماً ورئيساً حقيقياً لهذا التنظيم الذي يبدو أنه هو أي هذا الشخص يديره، بل إن المسيِّرين والمديرين والموجهين الحقيقيين للمنظمات السياسية هم مخفيون عن الأنظار، أو أنهم يعيشون وسط الناس بوصفهم أفراداً عاديين أو أعضاءً بسيطين في نفس التنظيم.

والأحزاب السياسية بوصفها إحدي المنظمات السياسية السائدة في العالم تدار وتُسير عادة بهذه الصورة، ففي داخل الأحزاب يُوجد أفرادٌ مجهولون ليست لهم أية مسؤولية في الكوادر القيادية لكنهم يديرون الحزب علي الطبيعة (أي من خلف الكواليس) دون أن يعرفوا علي حقيقتهم في الظاهر.

رصد الأموال للأحزاب السياسية

يقوم الرأسماليون الكبار في أوروبا وأمريكا وغيرهما من البلاد الديمقراطية بتوظيف أموالهم علي الأحزاب السياسية، وهؤلاء لايميلون أبداً إلي المشاركة شخصياً في الأحزاب السياسية، وهؤلاء الرأسماليون عبارة عن أصحاب الصناعات الكبيرة وأصحاب المصارف ومدراء المؤسسات وشركات المقاولات الكبيرة، والذين يحرصون ويسعون في البحث عن طرق تُمكنهم من التمتع بالمساعدات المادية من الحكومة أو الفوز في مناقصة.

إن هؤلاء الأفراد والمؤسسات الكبيرة يبذلون جهوداً كبيرة في مواسم الانتخابات العامة، ويصرفون مبالغ ضخمةً من أجل الدعاية لحزب أو فرد دون أن يتدخلوا بأنفسهم في شؤون الحزب بصورة مباشرة.

إن بقاء حزب سياسي علي مسرح النشاط السياسي له علاقة بأهدافه المادية والمعنوية، وإذا أراد حزبٌ أنْ يستمر في موقعه بالسلطة وأن ينشر نفوذه وسط أوسع الجماهير والفئات الشعبية العريضة وأن ينفرد بالحكم لفترةٍ طويلة، عليه أن يكون في غنيً عن المساعدات المادية حتي يبقي حائزاً لدعم ومساندة الشعب لحسن سمعته وطْيب أعماله، وبذلك يستطيع أن يُعرِّف خياراته علي أنها خيارات الشعب نفسه(1).

إنّ الإمكانيات المالية لحزبٍ ما تجعله قادراً علي جلب وجذب فئات الشعب نحوه عن طريق الصرف علي

الدعاية ونشر المقالات والكراسات وتنظيم الاجتماعات الدعائية والخطابية، وبذلك يستطيع إقناع الجمهور بخياراته وأهدافه.

إن من الصفات الجوهرية للمال هو أنه يفرض سيطرته علي كل شيء، ويحوي كل شيءٍ، وأنّه في سعي لأن يعطي ثمناً لأي شيء يريده وأن يجذبه لحضيرته. لأنّ المال نوعٌ القوة التي لا يمكن تحجيمها، ونتيجة لذلك فقد أصبحت الأنهر والشلالات والمحيطات والمناجم والغابات والبلدان وحصيلة تعب وكدّ ملايين الأشخاص في أي جزءٍ من العالم وحتي نواميس الطبيعة وذكاء وفطنة وعقل الإنسان أي الاختراعات والاكتشافات هدفاً سهلاً للمال، إنّ كل هذه الأشياء تدخل في حضيرة المال، وهذه القوة الضخمة تُوظفُ في تحريك عجلات الأحزاب السياسية والصحافة والحملات الانتخابية مما يحقق مخططات وأهداف وغايات أصحاب المال.

الرأي العام الداخلي

إنّ الرأي العام مجزؤ ومتنوعْ، أي إنه غير موحد، وإذا لم يجر تقنينه في إطار حزب ما فإنه لن يكون له تأثير يُذكر، لكن الحزبَ يصنّف الآراء والاتجاهات المتباينة ويوجد لها قاسماً مشتركاً ويبلور بذلك الرأي العام، أي إنه يجسِّد رأي الأكثرية.

إنّ كلَّ حزبٍ لابد وأن يعلن خياراته ومرشحيه وأن يجعل الناس قادرين علي اختيار المذهب السياسي الذي يريده الحزب والالتحاق بتنظيماته، والحزب يسعي إلي تثقيف أعضائه في نفس الوقت الذي يسعي فيه إلي فرض نفوذه عليهم، ومن هذه النقطة يتولي الحزب مهمة مرشد ومُعلّم بالنسبة لأعضائه.

ومن خصائص الحزب البارزة هي أنه يُزيل عن كاهل أعضائه الكسل والتقاعس، ويجعلهم في طريق الأحداث ومُجريات الأمور، ويدعم النشاطات الجماعية، ويقوِّي الاتجاه الشعبي علي صعيد الخيارات الإنسانية، وبهذه الصور يقوم بتحريك عجلات الديمقراطية والنظام الديمقراطي، وكذلك الحزب هو أداة بواسطتها يترجم الرأي العام إلي مسلك خاص ومذهب معين.

النظام الحزبي

يستطيع النظام الحزبي أن يحدد مسؤولية الحكومة تجاه الشعب، والحكومة الديمقراطية تتيحُ للأحزاب المعارضة حرية التعبير وتأسيس منظماتها وتدعيم قدراتها، بل إنّها تسهِّل لها مثل هذه الأمور.

وفي العديد من الدول يأخذ الحزبُ لنفسه حالةً تشبه حالةَ وزارةٍ من الوزارات وأن قادته يتقاضون المرتبات.

وهذه النقطة توضح جيداً الفرق بين النفسية السائدة في ظل الحكم الديمقراطي والنفسية في النظام الديكتاتوري.

وفي ظل النظام ذي الحزبين، يتولي الحزبُ المعارض مهمةَ توجيه النقد إلي الحكومة، والبحث عن أوجه الضعف فيها، ويقوم بمتابعة خطوات الحكومة، فيما الحكومة مضطرة إلي الدفاع عن نفسها وعن مجلس الوزراء وإلي عرض منهجها العام لتحكيم الرأي العام حتي يقول الشعب رأيه في التنازع الواقع بين الحكومة والحزب المعارض، وإلي جانب ذلك يجعل النظام الحزبي القضايا السياسية في متناول الناس العاديين والشارع

السياسي.

البرلمان

في البلدان التي تعتبر اليوم من دول العالم الحر، استحدث البرلمان في البداية من أجل تحديد وتحجيم السلطة الديكتاتورية المطلقة للحاكم، ولغرض تحديد نفقات ومصروفات المؤسسات الحكومية والتي يتم تأمينها من الضرائب المستوفاة من الناس.

وقد استطاعت المجالس البرلمانية بعد استحداثها وبدء نشاطاتها أن تحصل علي مزايا لصالحها في مقابل مصادقتها علي اللوائح المالية للحكومات، وبذلك تمكنت بالتدريج من إحداث إصلاحات في مستوي متطلبات البلاد، وذلك في شكل قوانين جرت المصادقة عليها من جانبها، وتولت بالتدريج مسؤولية التقنين والرقابة علي الحكومة، حتي تبلورت في صورة البرلمانات القائمة في هذا اليوم.

وفي الأنظمة الحرة تجري الانتخابات بعيداً عن التزوير وبصور قانونية إلي حدٍّ ما، وفي الأنظمة نصف الحرة يتم ترشيد المعركة الانتخابية بواسطة ضوابط.

أما في الأنظمة الديكتاتورية فليست هناك انتخابات، وإذا ما جرت انتخابات فإنّها تكون عادة انتخابات مزورة وغير حقيقية، يقودها الحاكم الديكتاتور بسبب الإرهاب والسجون والإعدام.

الحزب والانتخابات

إنّ من جملة الواجبات الرئيسية الهامة للأحزاب السياسية هي المشاركة في الانتخابات البرلمانية؛ وانطلاقاً من ذلك، فإنّ المراكز الحزبية تنشط بشكل غير عادي في مواسم الانتخابات، وإنّ من أكثر المراحل أهميّة وحيويةً في حياة الأحزاب السياسية هي مرحلة الانتخابات العامة.

وإذا ما كانت الأحزاب السياسية ذات ماضٍ حسن وإيجابي وسمعة طيبة علي صعيد النشاطات السياسية والاجتماعية، وكان الناس يتحسسون تأثيراتها في ظروفها الاقتصادية والاجتماعية، فإنهم ينظرون إلي المرشحين الحزبين علي أنهم ممثلون لهم، ولذا يتوجهون إلي صناديق الاقتراع، ويدلون بأصواتهم لصالح مرشحي تلك الأحزاب.

النظام الحزبي أو النظام البرلماني

في نظام حكم الأكثرية يتم انتخاب مرشحين لعضوية البرلمان فيما لو فاز هؤلاء بأصوات أكثر، وفي النظم الحزبية يتم توزيع المقاعد البرلمانية بنسبة الأصوات التي تفوز بها الأحزاب السياسية، وعلي سبيل المثال إذا كانت أصوات الناخبين في منطقةٍ تقدر بمائة ألف صوتٍ لصالح عشرة مرشحين، وإذا كانت أصوات حزب المحافظين خمسين ألف صوتً، والحزب الليبرالي ثلاثين ألف صوتً، والحزب الراديكالي عشرين ألف صوتً، فإنّ حزب المحافظين يحظي بخمسة نواب والحزب الليبرالي بثلاثة نواب والحزب الراديكالي بنائبين.

لقد ثبتت بالتجربة أنّ النظام البرلماني في بلاد ما سيكون ثابتاً ومستقراً إذا كانت هناك أحزاب نشطة تتنافس فيما بينها في الرأي والعقيدة وتبحث في القضايا السياسية وتضع آراءها واتجاهاتها أمام الرأي العام من أجل التحكيم، وبمثل هذه الطريقة يمكن إشراك الرأي العام في النقاش السياسي العام وجعله علي رغبة واهتمام بالشؤون السياسية في البلاد.

وفي مثل هذه البلدان تتجه أنظار الجماهير إلي الأحزاب السياسية، ويسعي غالب الأفراد إلي المشاركة في بحث ودراسة القضايا السياسية التي تطرح للنقاش من جانب الأحزاب المختلفة، ثم يختار في خضّم تضارب الآراء والأفكار المختلفة، الرأي الذي يقبله ويصوّت لصالح أولئك الأشخاص الذين

يليقون بمهمة تطبيق ذلك الرأي في يوم الانتخابات البرلمانية. وبهذه الطريقة يمكن أن يظهر ويتجسد الوعي والتثقيف السياسيان لشعبٍ من الشعوب في العالم.

ثم إنّا قد ذكرنا في كتاب (الصياغة الجديدة) إمكان مشاركة الناس في وضع القوانين بطريقة أخري غير الطريقة الديمقراطية، لكن ذلك لم يطبق في العالم إلي اليوم.

وهذا أخر ما أردنا إيراده في هذا المجال، نسأل الله سبحانه أن يوفق المسلمين لتطبيق مناهج الإسلام، إنه سميع مُجيب.

سبحان ربك، ربّ العزّة عَمّا يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله ربِّ العالمين. قم المقدسة / 1408 ه

محمد الشيرازي

ملحقات

الأكثرية الشيعية وحقوقها

نشرت صحيفة (الأيام) البحرينية في عددها الصادر في 14/6/2004 ما أجاب به مكتب سماحة المرجع الديني آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي رحمة الله عليه علي أسئلتها حول العراق:

س: كما تعلمون فإن هنالك انتخابات ستجري في العراق بعد المرحلة الانتقالية، ما هي مقترحاتكم وتوصياتكم إلي أبنائكم في العراق؟

ج: يجب أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة بحيث يكون للشخص الواحد صوت واحد، ويكون عدد نواب كل منطقة حسب كثافتها السكانية، فمثلا يكون لكل مائة ألف شخص نائب واحد، فالمدينة التي يقطنها مليون يكون لها عشرة نواب، والتي يقطنها ثلاثمائة ألف يكون لها ثلاثة نواب، والتي يقطنها خمسون ألف تضم إلي منطقة أخري ليكون المجموع مائة ألف فيكون للمنطقتين نائب واحد.

ونحن نحذر من أن يصاغ قانون الانتخابات بشكل يضيّع حقوق كثير من المواطنين، ولذا ندعو الأخصائيين في القانون إلي تقديم أطروحاتهم حتي تقام الانتخابات بشكل يؤمّن مصلحة الشعب، ويجب أن تجري الانتخابات بإشراف ممثلين لكل الشعب بمختلف فئاته.

س: علي ضوء التطورات التي يشهدها الشأن العراقي، كيف تنظرون إلي المستقبل السياسي لهذا البلد؟

ج: إن مستقبل العراق بإذن الله تعالي سيكون

بخير شرط تحقق أمور، ومنها:

أولا: عدم هضم حقوق أية مجموعة من الشعب، وإعطاء الأكثرية حقوقها كاملة غير منقوصة، وكذلك إعطاء الأقليات حقوقها، قال الله تعالي « لا تظلمون ولا تظلمون »، وعليه فإن لبننة العراق بمعني جعل الديمقراطية فيه مثل لبنان ينطوي علي مخاطر حرب أهلية، فيلزم تحكيم نظام الشوري الحقيقية عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة.

ثانيا: إلغاء قوانين النظام البائد والأنظمة التي سبقته، وتشريع قوانين جديدة في مختلف مناحي الحياة، لأن تلك القوانين لا يتطابق كثير منها مع الإسلام، كما إن كثيرا منها مزاجية أملتها رغبة الدكتاتوريات البائدة، ويكون التشريع عبر مجلس منتخب بانتخابات واقعية وباستشارة الثقاة من أهل الاختصاص، شرط أن لا يتعارض أي قانون مع الإسلام، قال الله تعالي:

?ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون?.

ثالثا: تأمين الحرية الكاملة للحوزات الدينية والمعاهد العلمية لتقوم بدورها المنشود في خدمة الدين وتقدم البلاد وازدهارها وبث الثقافة في أوساط الشعب.

س: كيف تنظرون إلي أعمال العنف التي تستهدف المدنيين العراقيين و هل هناك مسوغات فقهية تبيح مثل هذه الأعمال؟

ج: نحن من دعاة السلم، وبه يمكن الوصول إلي الحقوق المشروعة، والعنف علي الأغلب لا يؤدي إلي نتيجة، وأما استهداف المدنيين العزل وقتلهم فإنه جريمة لا يرضاها عقل ولا شرع، قال الله تعالي: ?يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة?، وقد فصّل المرجع الراحل الإمام الشيرازي رحمة الله عليه الموقف الشرعي في كتاب (السبيل إلي إنهاض المسلمين) وغيره من الكتب.

بيان مكتب المرجع الديني آية الله العظمي

السيد صادق الحسيني الشيرازي رحمة الله عليه حول الانتخابات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين.

إن العراق الجريح يمر بفترة صعبة، وفي

نفس الوقت مصيرية، قد يتحدد علي ضوئها مستقبله لفترة طويلة، وإن أي تفريط في الحقوق في هذه الفترة سيكون له نتائج مؤلمة علي الأجيال القادمة لا سمح الله، فينبغي للجميع تحمل المسؤولية الشرعية والتاريخية الملقاة علي عواتقهم، والمساهمة الجادة الإيجابية في الانتخابات المترقبة، ف:

1: يلزم علي جميع العراقيين الكرام المشاركة في تسجيل أسمائهم للانتخابات، ومن ثم المشاركة العامة فيها، كما يجب علي الجهات المسؤولة توفير فرص المشاركة في الانتخابات للجاليات العراقية في بلاد المهجر، حتي يتمكن الجميع من الإدلاء بأصواتهم.

2: يلزم أن تكون الانتخابات بإشراف ومراقبة دولية نزيهة، إضافة إلي القوي الدينية والسياسية والعشائرية العراقية، لضمان نزاهة الانتخابات وحريتها واشتراك الجميع فيها. كما يجب توفير المناخ السليم كي لا تتمكن الجهات المشبوهة من التلاعب والتزوير في الانتخابات، وينبغي الاستفادة من أحدث التقنيات والأساليب التي تمنع من التزوير، كل ذلك بإشراف الخبراء العراقيين والدوليين النزيهين.

3: يلزم علي الأحزاب الإسلامية والوطنية المخلصة، عدم الدخول في ائتلاف مع أحزاب وأشخاص يعارضون الدين، كفلول البعث والأحزاب الإلحادية والجهات المشبوهة، وعليهم التضحية بالمصالح الشخصية والحزبية لأجل المصلحة العامة، قال تعالي: ? قَالَ رَبّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لّلْمُجْرِمِينَ? سورة القصص: 17. فإن مراعاة المصلحة العامة ستضمن المصالح الشخصية أيضا في النظرة البعيدة المدي، فعليهم تقديم لوائح انتخابية تضم العناصر المخلصة التي تريد مصلحة الأمة فقط، كما يجب عليهم في لوائحهم إبطال المحاصصة الطائفية الظالمة التي كانت تمنع الأكثرية حقوقها وتعطيها دون حقها المشروع.

وختاماً: فإن النظام الانتخابي الذي يراد أن يعمل به، بجعل العراق كله دائرة واحدة، يلزم أن يكون لهذه المرة فقط، لا أن يتحول إلي عرف سائد في الانتخابات اللاحقة، فإن هذا النظام إنما هو لحالة الضرورة،

وأما في الحالة الطبيعية فيلزم أن تكون هنالك دوائر انتخابية متعددة، ولعل أفضل السبل في العراق أن يكون لكل مائة ألف إنسان دائرة انتخابية واحدة. نسأل الله تعالي أن يقدر الخير والصلاح للعراق، وأن يوفق أهله للخلاص من الاحتلال والفوضي، وأن يأخذ بيده إلي حيث الإيمان والحرية والرفاه والسلام.

1 شهر رمضان 1425ه

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة النجم: 3-4.

() وإن تداركها رسول الله صلي الله عليه و اله وأبدلها بالنصر، حيث جمع قواه وهجم علي المشركين وهزمهم.

() سورة آل عمران: 159.

() وفي مجمع البحرين: ج3 ص354 مادة (شور): قوله تعالي ?وأمرهم شوري بينهم? يقال: صار هذا الشيء شوري بين القوم: إذا تشاوروا فيه، وهو فعلي من المشاورة وهو المفاوضة، وفي الكلام ليظهر الحق، أي لا ينفردون بأمر حتي شاوروا غيرهم فيه.

() مفردات ألفاظ القرآن: ص270.

() سورة البقرة: 233.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة الشوري: 38.

() وهذه الأمور تستعرضها الآيات 36-38 من سورة الشوري: ?فما أوتيتم من شيءٍ فمتاعُ الحياة الدنيا وما عند الله خيرٌ وأبقي للذين آمنوا وعلي ربّهم يتوكلون ? والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ? والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شوري بينهم ومما رزقناهم ينفقون?.

() وسائل الشيعة: ج27 ص62 ب6 ح33202. وراجع بحار الأنوار: ج2 ص245 ب29 ح53.

() سورة الشوري: 38.

() سورة الشوري: 36-38.

() راجع موسوعة الفقه: ج2 ص92-93.

() سورة البقرة: 194.

() سورة البقرة: 194.

() سورة الشوري: 40-41.

() أي الحكومة.

() راجع سورة الإسراء: 100، وسورة البقرة: 195، وسورة النساء: 39، وسورة الرعد: 22، وسورة الفرقان: 67.

() سورة آل عمران: 159.

() عملاً بالآية: 21 من سورة الأحزاب ?لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة

لمن كان يرجوا الله واليوم الآخرون وذكر الله كثيراً?.

() أي العرف.

() سورة الشعراء: 195.

() سورة البقرة: 30.

() سورة ص: 26.

() بحار الأنوار: ج99 ص116 ح2.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة آل عمران: 159.

() أي في وجوب الشوري.

() سورة آل عمران: 159.

() من لهُ أربعة شهود في قبال مَن لهُ شاهدين.

() سورة الصافات: 141.

() سورة آل عمران: 44.

() راجع بحار الأنوار: ج88 ص234 ب2 ح7.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة البقرة: 275.

() تهذيب الأحكام: ج5 ص363 ب25 ح177.

() سورة البقرة: 201.

() سورة الشرح: 6.

() مستدرك الوسائل: ج6 ص91 ب40 ح6508.

() قاعدة فقهية صدرها رواية، راجع غوالي اللئالي: ج1 ص222. وللتفصيل انظر كتاب (القواعد الفقهية) للإمام المؤلف رحمة الله عليه.

() العُشر: جزء من عشرة أجزاء الشيء، قانونّ كان سائداً في الدولة الفارسية والدولة البيزنطية وفي الجاهلية عند العرب حيث كانت الدولة أو القبيلة تأخذ العُشر من البضائع عند بيعها أو عند إدخالها للمدن. وعندما جاء الإسلام حرّم ذلك. وهناك روايات عديدة تشير إلي الحرمة، وقد فصل الإمام المؤلف رحمة الله عليه الحديث عن المكوس والعُشر في موسوعة الفقه ج107-108 كتاب الاقتصاد.

() الزكاة والجزية والخراج.

() كالاستفادة من الثروات الطبيعية.

() حيث إنهما بالنص من قبل الله سبحانه.

() كالصحة والبطلان في العبادات.

() نحو المؤسسات الثقافية كالجامعات، والخدمية كالمستشفيات ودور الأيتام.

() الحمل الشائع: هو حمل أحد المفهومين علي الآخر وجودا، أي الاتحاد في المصداق الخارجي كحمل الأبيض علي الإنسان.

() ذلك للضرورة الفقهية لأن المراجع العظام كل منهم في عرض الآخر، وهم جميعاً في طول الإمام المعصوم عليه السلام باعتبار أن ولايتهم جميعاً مستمدة من الإمام المعصوم عليه السلام، وبعبارة أقصر: أدلّة التقليد والولاية تشمل كل من جمع الشرائط بلسانٍ واحد ونحو

واحد، فلا يكون رأي أحد الفقهاء حاكما علي غيره من الفقهاء.

() وقد يؤخذ علي هذا القول:

أن ذلك يتنافي مع رضا الله للفقيه، إضافة إلي أنّ الأمة لا تدرك أحكام الله بالصورة المطلوبة، لأنها ليست أهل خبرة في هذا الحقل، وكذلك لأنّ الأمة لاتتفق علي رأي ثابت للاختلاف العلمي والطبيعي والمصلحي.

وهذا الكلام مردود من عدة جهات: إن رضا الله سبحانه للفقيه مشروط بجامعيته للشرائط، ومن تلك الشرائط رضا الأمة به. فلو لم ترض الأمة بالفقية فإن ولايته ساقطة. وإن الفقيه يرجع إلي الأمة في الموضوعات. وعند الاختلاف يؤخذ بالأكثر والأشهر.

() الكافي: ج1 ص67 باب اختلاف الحديث ح10

() بحار الأنوار: ج19 ص247 ب10 ح2.

() انظر (الجمل): ص239 حيث قال عليه السلام: ?أشيروا علي?.

() الكافي: ج1 ص44 باب استعمال العلم ح2. بحار الأنوار: ج2 ص33 ب9 ح29.

() وكان علي رأس من كتب في هذه الأفكار (جان جاك روسو) في كتابه العقد الاجتماعي، و(جون لوك) في كتابه الحكم المدني، و(مونتسكيو) في كتابه روح الشرائع. الناشر.

() بحار الأنوار: ج42 ص256 ب127 ح58 عن نهج البلاغة.

() نهج البلاغة: الخطب3، الخطبة الشقشقية.

() بحار الأنوار: ج2 ص22 ب8 ح62.

() بحار الأنوار: ج54 ص234 ح188.

() سورة المائدة: 63.

() بحار الأنوار: ج2 ص272 ب33 ح7.

() الدر المنثور: ص106.

() تفسير أبي الفتوح: ج3 ص228.

() بحار الأنوار: ج75 ص105ح4.

() وسائل الشيعة: ج5 ص216 ح11.

() تفسير أبي الفتوح: ج3 ص328.

() بحار الأنوار: ج74 ص139 ح1.

() تفسير أبي الفتوح: ج10 ص56.

() تفسير نور الثقلين: ج1 ص404.

() مجمع البيان: ج3 ص33.

() مكارم الأخلاق: ص124.

() سورة آل عمران: 159.

() الدرّ المنثور: ج2 ص90.

() تفسير التستري: ص28.

() تفسير التستري: ص28.

() تفسير التستري: ص28.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص342 ح9610.

() بحار الأنوار: ج72 ص105

ح41.

() وسائل الشيعة: ج8 ص409 ح1.

() أدب المفرد: ص40.

() غوالي اللئالي: ج1 ص104.

() تفسير أبي الفتوح: ج3 ص229.

() تفسير التستري: ص28.

() بحار الأنوار: ج72 ص99 ح8. وفيه عن أمير المؤمنين عليه السلام.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص346 ح9621.

() تفسير التستري: ص28.

() مكارم الأخلاق: ص319.

() وسائل الشيعة: ج8 ص429 ح2.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص385 ح5834.

() غرر الحكم: ص442 ح10063.

() بحار الأنوار: ج66 ص410 ح125.

() وسائل الشيعة: ج8 ص455 ح1.

() بحار الأنوار: ج72 ص104 ح38.

() بحار الأنوار: ج72 ص105 ح39.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص341 ح9607.

() وسائل الشيعة: ج8 ص425 ح5.

() وسائل الشيعة: ج8 ص424.

() بحار الأنوار: ج72 ص105 ح39.

() الكافي: ج8 ص19 ح4.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص341 ح9609.

() غرر الحكم: ص441 ح10048.

() غرر الحكم: ص441 ح10049.

() غرر الحكم: ص441 ح10050.

() غرر الحكم: ص441 ح10051.

() غرر الحكم: ص441 ح10059.

() غرر الحكم: ص441 ح10052.

() غرر الحكم: ص441 ح10056.

() غرر الحكم: ص441 ح10044.

() غرر الحكم: ص441 ح10054.

() غرر الحكم: ص 57 ح561.

() غرر الحكم: ص443 ح10107.

() غرر الحكم: ص443 ح10080.

() غرر الحكم: ص441 ح10055.

() غرر الحكم: ص442 ح10081.

() غرر الحكم: ص442 ح10079.

() غرر الحكم: ص442 ح10070.

() غرر الحكم: ص442 ح10068.

() غرر الحكم: ص55 ح496.

() غرر الحكم: ص442 ح10083.

() غرر الحكم: ص442 ح10064.

() غرر الحكم: ص442 ح10074.

() غرر الحكم: ص442 10065.

() غرر الحكم: ص441 ح10045.

() غرر الحكم: ص441 ح10046.

() غرر الحكم: ص441 ح10062.

() غرر الحكم: ص441 ح10054.

() غرر الحكم: ص441 ح10053.

() غرر الحكم: ص441 ح10072

() غرر الحكم: ص441 ح10060

() غرر الحكم: ص442 ح10069.

() غرر الحكم: ص441 ح10043.

() غرر الحكم: ص475 ح10881.

() غرر الحكم: ص309 ح7107.

() غرر الحكم: ص309 ح7110.

() غرر الحكم: ص443 ح10111.

() غرر الحكم: ص39 ح7111.

() غرر الحكم: ص347

ح7991.

() غرر الحكم: ص347 ح7988.

() غرر الحكم: ص347 ح7988.

() غرر الحكم: ص347 ح7992.

() غرر الحكم: ص65 ح865.

() غرر الحكم: ص65 ح864.

() غرر الحكم: ص347 ح7990.

() غرر الحكم: ص56 ح517.

() غرر الحكم: ص55 ح483.

() غرر الحكم: ص347 ح7985.

() غرر الحكم: ص442 ح10076.

() بحار الأنوار: ج71 ص178 ح19.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص349 ح9629.

() غرر الحكم: ص442 ح10086.

() غرر الحكم: ص443 ح10097.

() غرر الحكم: ص75 ح1182.

() غرر الحكم: ص444 ح10146.

() غرر الحكم: ص442 ح10078.

() غرر الحكم: ص442 ح10077.

() غرر الحكم: ص442 ح10091.

() غرر الحكم: ص442 ح10092.

() غرر الحكم: ص442 ح10075.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص349 ح9629.

() غرر الحكم: ص442 ح10082.

() غرر الحكم: ص442 ح10088.

() غرر الحكم: ص442 ح10087.

() غرر الحكم: ص73 ح1117.

() غرر الحكم: ص442 ح10085.

() غرر الحكم: ص442 ح10084.

() غرر الحكم: ص55 ح494.

() غرر الحكم: ص65 ح853.

() وسائل الشيعة: ج8 ص426 ح4.

() بحار الأنوار: ج74 ص393 ح11.

() غرر الحكم: ص443 ح10100.

() غرر الحكم: ص443 ح10099.

() غرر الحكم: ص443 ح10102.

() غرر الحكم: ص443 ح10096.

() بحار الأنوار: ج68 ص341 ح14.

() غرر الحكم: ص65 ح853.

() بحار الأنوار: ج68 ص341.

() نهج البلاغة: قصار الحكم: 215.

() غرر الحكم: ص443 ح10095.

() غرر الحكم: ص443 ح10103.

() غرر الحكم: ص443 ح10106.

() غرر الحكم: ص443 ح10101.

() بحار الأنوار: ج52 ص287 ح183.

() بحار الأنوار: ج100 ص253 ح56.

() مستدرك الوسائل: ج13 ص452 ح15876.

() غرر الحكم: ص442 ح10093.

() غرر الحكم: ص442 ح10071.

() وسائل الشيعة: ج11 ص131 ح1.

() بحار الأنوار: ج71 ص18 ح2.

() الصحيفة السجادية: الدعاء 36.

() وسائل الشيعة: ج11 ص131 ح1.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص166.

() بحار الأنوار: ج13 ص357 ح62.

() الكافي: ج8 ص18 ح4.

() بحار الأنوار: ج74 ص205 ح1.

() وسائل الشيعة: ج8 ص424 ح2.

() بحار الأنوار: ج10 ص89 ح1.

() الكافي:

ج1 ص29 ح36.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص341 ح9606.

() وسائل الشيعة: ج8 ص424 ح4.

() وسائل الشيعة: ج8 ص424 ح1.

() بحار الأنوار: ج88 ص253 ح4.

() بحار الأنوار: ج88 ص252 ح1.

() بحار الأنوار: ج78 ص207 ح18.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص296 ح2505.

() وسائل الشيعة: ج12 ص32 ح15564 وفيه (استشر في أمورك).

() بحار الأنوار: ج88 ص252 ح3.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص342 ح9610.

() وسائل الشيعة: ج1 ص73 ح6.

() بحار الأنوار: ج75 ص195 ح14.

() مستدرك الوسائل: ج1 ص138 ح201.

() وسائل الشيعة: ج8 ص426 ح6.

() الكافي: ج2 ص376 ح60.

() بحار الأنوار: ج71 ص196 ح28.

() وسائل الشيعة: ج8 ص426 ح11.

() بحار الأنوار: ج88 ص254 ح5.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص344 ح9615.

() بحار الأنوار: ج75 ص229 ح107.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص344-345 ح9618.

() بحار الأنوار: ج72 ص99 ح9.

() وسائل الشيعة: ج8 ص426 ح8.

() بحار الأنوار: ج43 ص337 ح9.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص346 ح9621.

() الكافي: ج2 ص363 ح5.

() بحار الأنوار: ج72 ص104 ح37.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص342 ح9610.

() وسائل الشيعة: ج13 ص223 ح8.

() بحار الأنوار: ج75 ص232 ح107.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص154 ح1533.

() الكافي: ج1 ص20 ح12.

() وسائل الشيعة: ج8 ص426 ح6 وفيه: (عن أبي عبد الله عليه السلام).

() مستدرك الوسائل: ج8 ص342 ح9611.

() بحار الأنوار: ج67 ص386 ح47.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص130 ح17758.

() بحار الأنوار: ج72 ص103 ح34.

() وسائل الشيعة: ج8 ص265 ح8.

() بحار الأنوار: ج72 ص98 ح1.

() لا يخفي أن الإمام المؤلف رحمة الله عليه يري وجود فوارق بين الديمقراطية الغربية والاستشارية الإسلامية ذكرها في كتابه (الفقه: السياسة) وإليك بعضها:

1: السيادة في النظام الديمقراطي هي للشعب، بمعني أن الشعب هو سيد نفسه وليس هناك قوة أعلي سلطة من الشعب. بينما السيادة في نظام الشوري

للقانون الإلهي (القرآن الكريم والسنة أي الأحكام) فحتي الحاكم لابد أن يخضع للقانون الإلهي.. بل وحتي الأنبياء والأئمة ? عليهم التقيد بهذه القوانين.

2: الشعب هو الذي يسنّ القوانين في النظام الديمقراطي، بينما في الإسلام لاحق لأحد في سن القوانين، فالأحكام هي من الله، والله كشف عنها في كتابه أو جعلها مخفية لحكمةٍ، وطلب من العلماء الكشف عنها واستنباطها. ?

? 3: يأخذ النظام الديمقراطي بالأكثرية علي أنه الحق، بينما يأخذ الإسلام بهذا المبدأ من باب الترجيح فقط، فرأي الأكثرية لا يمثل الحق في النظام الإسلامي فقد يكون الحق مع الأقلية.

() لنا ملاحظات علي التعاريف التي ذكرت وستذُكر في هذا الفصل للأحزاب، باعتبار أنها تعاريف قد لا تطابق الواقع، وقد فصّلنا الحديث عن التعريف الصحيح للحزب ولمختلف الأحزاب وعن الأهداف التي تتوخاها بعض الأحزاب في العديد من كتبنا، منها: (السبيل إلي إنهاض المسلمين) و(الفقه السياسة) و(ممارسة التغيير) وغيرها فلتراجع، ومنها يتضح أن التعاريف والتقسيمات اللاحقة لا تعكس آراءنا وإنما ذكرت لتعرّف القارئ بما للآخرين من تصورات وآراء حول الموضوع.

() موسوعة الفقه: ج 105-106.

() موسوعة الفقه: ج107-108.

() ذكر الإمام المؤلف رحمة الله عليه الديمقراطية وجعلها مرادفة للاستشارية من باب التماشي مع البحث، وإلاّ فهناك فروق بينهما ذكرها سماحته في بعض كتبه ونبهنا إلي ذلك في بداية الفصل الرابع.

() سورة الأحزاب: 22.

() سورة المائدة: 56.

() سورة المجادلة: 19.

() سورة الكهف: 12.

() مستدرك الوسائل: ج14 ص79 ح16142.

() ذكر الإمام المؤلف رحمة الله عليه سمات الحزب الديكتاتوري في موسوعة الفقه: ج109-110.

() أي أهداف الشعب وطروحاته.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.