نقض الوشيعة أو الشيعة بين الحقائق والأوهام

اشارة

مولف: امين، محسن
موضوع اصلي: تشيع
موضوع فرعي:
زبان: عربي
نوع مدرك: كتاب چاپي
محل نشر: لبنان، بيروت
ناشر:
تاريخ نشر: ١٤٠٣ ق، ١٩٨٣ م
نوبت چاپ: چهارم
تعداد صفحات: ٤١٦
قطع و اندازه: وزيري
نوع جلد: گالينگور
محل در كتابخانه: ٤٥/١/٠/٩
شماره اختصاصي: « ٤٨٦٨ »

كلمة المركز

بسم الله الرحمن الرحيم ليس من شك في أن المسلمين أحوج ما يكونون الي الوحدة، و أسس هذه الوحدة قائمة، و هي: انهم جميعهم يشهدون لله، سبحانه و تعالي، بالوحدانية، و لنبيه محمد صلي الله عليه و آله سلم بالرسالة، و لهم كتاب واحد، هو القرآن الكريم، يؤمنون بما جاء فيه عند ربهم، و يقيمون الصلوات الخمس، و يؤتون الزكاة، و يصومون شهر رمضان، و يحجون الي البيت الحرام، و يقرون بالبعث و الحساب... و غير خاف علي أحد أن ثمة مسائل خلافية بين المسلمين، لا يوجب الخطأ فيها، ان كان، كما يقول العلامة السيد محسن الأمين (رحمه الله)، خروجا عن الاسلام. و ان كان من بحث لهذه المسائل الخلافية، و هو من الضروري أن يكون، فينبغي أن يهدف الي ترسيخ الوحدة؛ و السبيل الأفضل و الأجدي الي ذلك هو سبيل الحوار العقلاني الهادي، الموضوعي الرصين، القائم علي معرفة «الآخر» معرفة صحيحة دقيقة و عميقة تؤخذ من مصادره هو لا مما يشاع عنه، ما يؤدي الي أن تقدم وجهة النظر مؤيدة بالأدلة و البراهين. أما اذا كان البحث منطلقا من الهوي و العصبية، أو من بواعث أخري، سياسية علي سبيل المثال، فانه، و من دون شك، مفض الي اثارة النزاعات و الفرقة، ما يوجب علي علماء المسلمين الساعين الي تحقيق الوحدة و ترسيخها، و العاملين من أجل جمع الكلمة و تأليف القلوب، أو ينبروا الي بيان الحقائق، ورد غائلة المفترين و تنفيد أقوالهم و دحضها بالحجة و البرهان. و هذا ما فعله سماحة الامام السيد محسن الأمين العاملي (قدس سره) في [ صفحه 6] هذا الكتاب الموسوم بعنوان: «نقض الوشيعة، أو الشيعة بين الحقائق و الأوهام». فقد أطلع العلامة الأمين علي كتاب موسوم بعنوان: «الوشيعة في نقد عقائد الشيعة»، من تأليف رجل سمي نفسه «موسي جار الله بن فاطمة»، فوجده مشبعا بافتراءات غريبة علي الشيعة، مؤداة بعبارات منمقة، فرأي من واجبه، و بخاصة أن هذا الكتاب وجد من ينشره و يروجه، أن ينقض هذه الافتراءات، و يبين خطأها، و ما يمكن أن تؤدي اليه من أضرار جسمية، معتمدا في ذلك الأدلة الصحيحة و البراهين الجلية. و قد رأي «مركز الغدير للدراسات الاسلامية»، و بغية تحقيق الهدف الذي رمي اليه العلامة مؤلف الكتاب: «نقض الوشيعة»، أن يعيد اصداره، في طبعة جديدة محققة مضيفا الي الأصل تخريج الآيات القرآنية الكريمة، و هوامش يوثق بها الأحاديث النبوية الشريفة و الروايات المستشهد بها، آملا أن يكون في ذلك ما يبين الحقائق، و يميزها من الأوهام، و ما يمثل سبيل حوار عقلاني يهدف اليه و يرجوه. و الله، سبحانه و تعالي، الموفق في كل حال. مركز الغدير للدراسات الاسلامية [ صفحه 7]

خطبة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، و صلي الله علي سيدنا محمد خاتم النبيين، و آله الطاهرين و سلم تسليما. و بعد، فيقول العبد الفقير الي عفو ربه، الغني، محسن ابن المرحوم السيد عبدالكريم الحسيني العاملي: انه لايمضي يوم الا و يطلع علينا من زوايا التعصب، و حب التفريق بين المسلمين، و نبش الدفائن، و تهييج الضغائن، رسائل و كتب و مؤلفات ينتقد بها أصحابها أهل مذهبنا بمر الانتقاد، و سي‌ء القول، من دون أن يسلكوا في ذلك طريقة أهل العلم، و يتأدبوا بآداب المناظرة، و بينوا أقوالهم علي الدليل و المنطق الصرف. و كثير منهم يتجاوزون ذلك الي الشتم، والذم، و السباب، و النبز بالألقاب، المنهي عنه في السنة و الكتاب؛ مع أنه لا يلجأ الي ذلك الا العاجز عن الحجة و البرهان، فان فيهما كفاية لاسكات الخصم، و لا يبالي هؤلاء أن يفتروا علينا الأكاذيب، و يختلقوا المعايب بشتي الأساليب، يفرقون بذلك كلمة المسلمين، و يوغرون الصدور، و يهيجون كوامن الضغائن و الأحقاد، في زمان قد وصلت فيه حالة المسلمين الي ما وصلت اليه، وهم الي الوئام و الائتلاف و جمع الكلمة و الوفاق أحوج منهم الي النزاع و الاختلاف و الشقاق. و نحن و هم أهل دين واحد، و نبي واحد، و كتاب واحد، و قبلة واحدة. نشهد جميعا لله تعالي بالوحدانية، و لنبيه محمد صلي الله عليه و آله سلم بالرسالة، و نؤمن بكل ما جاء به من عند ربه، نحل حلاله، و نحرم حرامه، نقيم الصلوات الخمس، و نؤتي الزكاة، و نصوم شهر رمضان، و نحج [ صفحه 8] البيت الحرام، و نعظم شعائر الاسلام، و نعترف بالبعث، و النشور، و الحساب، والعقاب، والثواب، و الجنة، والنار، و بكل ما ثبت في دين الاسلام، و ليس بيننا و بينهم نزاع و لا خلاف الا في أمور يسيرة لا يوجب الخطأ فيها - ان كان - خروجا عن الاسلام، أهمها: مسألة الخلافة التي لم يبق لها اليوم أثر يذكر، لكن قوما لا يروق لهم اتحاد المسلمين و اتفاقهم، فيعمدون الي ما يهدم ذلك؛ فيودعونه مؤلفاتهم، و يطبعونه و ينشرونه علي الملأ تقليدا لغيرهم و اتباعا لما غرسته العصبية العمياء في نفوسهم، فحالت بينها و بين النظر الي الأمور بعين البصيرة و الانصاف و اتباع الحقائق و غفلة عن أن هذه النزاعات و الأقوال السيئة ما كان باعثها الا السياسة بما أسسة علماء السوء تبعا لأهواء الظلمة من الملوك و الأمراء، و طمعا في دنياهم. و قد زال باعثها اليوم و صارت السياسة تبعث علي ضدها. و لو أن هؤلاء قرعوا الحجة بالحجة، و الدليل بالدليل، و تركوا سوء القول لهان أمرهم و كان خيرا لنا و لهم، ولكنهم لم يفعلوا من ذلك شيئا. و نحن ما زلنا نسعي في جمع الكلمة جهدنا، و في تأليف القلوب بكل ما في طاقتنا و وسعنا، ولكن ما نصنع بهؤلاء الذين ذكرناهم الا أن نرد غائلتهم، و ندفعهم عنا، و نبري‌ء أنفسنا من افترائهم علينا، بالباطل، و نفند أقوالهم بالحجة و البرهان. فمن ذلك كتاب اطلعنا عليه في هذه الأيام يسمي «الوشيعة في نقد عقائد الشيعة» ليس في اسمه مناسبة سوي مراعاة السجع، تأليف رجل أسمي نفسه موسي جار الله بن فاطمة - كما ذكر فيه - مطبوع بمصر سنة 1355 ه، فوجدناه قد جري في سبيل هؤلاء الذين أشرنا اليهم، و نهج في منهاجهم، و زاد عليهم بأمور خالف فيها اجماع المسلمين [1] و لم نجد في «وشيعته» شيئا يصح أن يسمي علما، بل ليس فيها الا دعاوي مجردة عن الدليل، و دعاوي متناقضة، و عبارات منمقة مزخرفة لا طائل تحتها و أمورا أكل الدهر عليها و شرب، و افتراءات و فلسفات باردة، و تأويلات فاسدة، و سخافات و آراء كاسدة، [ صفحه 9] و تحملات عن الحق حائدة، و تفسيرات معوجة، و مصادمات للبديهة، و مخالفات لاجماع المسلمين و ضرورة الدين، و حمل للآيات علي ما لا مساس لها به، و سباب و بث سموم، كل هذا مع التكوير و التطويل بلا طائل و اعادة الكلام الواحد مرارا و مرارا، كما ستطلع علي ذلك كله. و لقد كانت بالاعراض عنها أحق لولا انتشارها و أضرارها، فاضطرتنا الحال الي نقضها و بيان ما فيها من الخلل و الفساد. و من العجيب أنه كتب علي ظهرها: «هي أول تدبير في تأليف قلوب الأمة الشيعة و أهل السنة و الجماعة، هذا عذري في تأليف الكتاب لتأليف القلوب و في طبعه و نشره خالصا لوجه الله». مع أنها أول تدبير و آخره في تنفير القلوب، و أعظم تدمير و تخريب لما بناه و يبنيه المصلحون. يؤلف هذه الوشيعة المخربة المدمرة و يطبعها له بعض الكتبيين المرتزقين في مصر، و ينشرها طمعا بثمن بخس، دراهم معدودة يبيع بها ائتلاف المسلمين، و يوقد به نار العداوة بينهم، و يجرح به عواطف مائة مليون من الشيعة بغير حق، و يشتري به سخط الله و سخط عقلاء الأمة غير متأثم و لا متحرج، ثم يقول المؤلف: انه أول تدبير في تأليف قلوب الأمة، و انه كتبها لتأليف القلوب و طبعها و نشرها لوجه الله. و رب سودا و اسمها فضة و كم تسمي عبد سوء سرور و لو كان هؤلاء الأقوام المتحرشون بنا من بعيد عارفين قدر أنفسهم، و واثقين بقوة حجتهم، و مخلصين في نواياهم لدعونا الي ميدان المناظرة و قرع الحجة بالحجة، و الدليل بالدليل، فيعرف حينئذ الهجان من الهجين، و الغث من السمين، و المحق من المبطل، و لو فعلوا لوجدونا سراعا الي اجابة دعوتهم، ولكنهم يرمون بالغيب من مكان سحيق، و يصح فيهم قول لمبتني: و اذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده و النزالا [2] . و كانت قد وردتنا من العراق أسئلة موجهة من هذا الرجل - اذ كان نزيل [ صفحه 10] دار السلام: بغداد - لعلماء النجف الأشرف، بتاريخ 21 ذي القعدة سنة 1353 ه، و 25 فبراير سنة 1935 م، ثم أرسل هذه الأسئلة بعينها الي علماء الكاظمية بتاريخ 28 ذي القعدة سنة 1353 ه، و 3 مارس سنة 1935 م، و هي عشرون سؤالا، و طلب الينا جماعة من فضلاء البلدين الجواب عنها، فحررنا أجوبتها و أرسلناها اليهم من دمشق بتاريخ 23 من المحرم سنة 1354 ه، و لما اطلعنا علي الوشيعة وجدناه قد أدرج فيه مضامين تلك الأسئلة دون أن يذكرها بعنوان السؤال، فلم نجد بدا من نقض «وشيعته»، و الجواب عما فيها من نقده، معتمدين في ذلك علي الأدلة الصحيحة، و البراهين الجلية، لئلا يغتر ب «وشيعته» بعض من ينظر اليها، فيتوهم صحة ما فيها، فتتسع شقة الخلاف التي نسعي في كل مواقفنا و مؤلفاتنا الي تضييقها، و بالآخرة الي محوها و ابادتها. و أدرجنا في هذا النقض أجوبة تلك المسائل التي كنا حررناها كما أدرج هو مسائله في وشيعته. هذا و قد وجدنا جماعة من فضلاء اخواننا السنيين، ساخطين علي وشيعته، ناقمين علي خطته فيها، شافهنا بعضهم بذلك مشافهة، و راسلنا بضهم مراسلة. فجاء نقضنا هذا بحمده تعالي كتابا وافيا باثبات الحق في جل المسائل الخلافية و أهمها مع تفصيلها، و تفصيل أدلة الطرفين فيها، و الله تعالي هو المستعان، و عليه التكلان، و منه التوفيق و التسديد، و هو حسبنا و نعم الوكيل. و قبل الشروع في نقض الوشيعة نقدم مقدمة نذكر فيها ما وصل الينا من أحوال مؤلفها. [ صفحه 11]

من هو موسي جارالله مؤلف الوشيعة

هو رجل من أهل تركستان، من بلاد روسيا، يعبر عن نفسه في كتاباته و «وشيعته» تارة بموسي جار الله، و أخري بموسي جار الله بن فاطمة. و لا ندري وجه تلقيبه نفسه بجار الله أو تلقيب أبيه به، و لا وجه اختياره الانتساب الي أمه، و الله تعالي يقول: (ادعوهم لآبائهم) [الأحزاب/ 5]. و صرح في «الوشيعة» بأنه من متصوفة الاسلام. و يظهر من ملامحه حينما زارنا بمنزلنا في الكوفة أواخر عام 1352 ه، أنه تجاوز الستين من عمره، يلبس اللباس الافرنجي، و علي رأسه قلنسوة من المخمل الأسود، و هو كثير شعر الرأس و اللحية قد و خطه الشيب، يحسن العربية الفصحي و الفارسية و التركية، و لا بد أن يكون يحسن غيرها من اللغات الفرنجية، و قد حضر المؤتمر الاسلامي المنعقد في القدس عام 1351 ه، ثم جاء الي العراق عام 1352 ه، ثم ذهب الي ايران عام 1353 ه، ثم عاد الي العراق في تلك السنة و وجه الأسئلة المشار اليها الي علماء النجف و الكاظمية، ثم سافر الي مصر، و ألف فيها «وشيعته» و طبعها عام 1355 ه، و هو باق في مصر الي الآن عام 1359 ه، ولسنا نعلم تفصيل أحواله، ولكننا نذكر شيئا منها مما أدرجه في أوائل «الوشيعة» و ما جري لنا معه في الكوفة و طهران. قال في أوائل الوشيعة: «هاجرت بيتي و وطني، في نهاية سنة 1930 م، هجرة اضطرارية، و كانت قد سدت علي كل طرق النجاة حتي آثرت مضطرا أوعر الطرق و أصعبها و أطولها، فساقتني الأقدار من طريق التركستان الغربي الي الأقطار الاسلامية الي التركستان الشرقي الصيني، فالبامير، فأفغانستان. و بقيت أربعة أشهر و زيادة علي متون الخيول حتي صلت الي كابل، و رأيت من كل عجائب الطبيعة [ صفحه 12] و أعاجيب الأمم و الأحوال ما كان ينسيني الصعوبات التي كنت ألقاها أو أتورط فيها. و أصعب عذاب لا أكاد أنساه هو أني بأيدي حرس كانت ترقبني و لا تتركني علي اختياري في البحث و في الاقامة حيث أريد». و هذا يدل علي أنه نفي من بلاده لأمور لعلها سياسية. و كان الأولي به بعدما رأي ما حل بالاسلام و المسلمين و ما حل به نفسه أن لا يسعي بما يثير الفتن بينهم، و يوغر الصدور، و أن لا يدفن المحاسن، و يجتهد في اختلاق المعائب و التعصب بالباطل. قال: «أقمت بكابل في الانتظار أربعين يوما ضيفا عند حكومتها الكريمة، ثم فتح الله جل جلاله علي وجهي أبواب السفر باشارة من جلالة الملك أعلي حضرت نادر شاه، فانتهزت ضرورة الاغتراب في اختيار السياحة بالبلاد الاسلامية، و قد كنت سحت من قبل في الهند، و جزيرة العرب، و مصر، و كل بلاد تركيا، و كل التركستان الغربي، اذ أنا طالب صغير قد فرغ من درس العلوم المعروفة في المدارس الثانوية و المدارس الدينية، و دامت سياحتي في تلك المرة ستة أعوام كنت فيها في مختلف الأقطار الاسلامية الا العراق و الا الايران (كذا). و في هذه المرة الأخيرة أعدت سياحتي في كل القطار الاسلامية التي كنت فيها من قبل. أما سياحتي في البلاد العراقية و الايرانية فقد دامت سنة و زيادة، و كانت صعبة شديدة». ثم قال: «ذهبت، في نهاية سنة 1920، الي بخاري بعدما استولت عليها البلاشفة بقوة عسكرية من أبنائنا - و هذا يدل علي أنه من بلاد تركستان الروسية - ثم في سنة 1927 م، زرت المدينة المنورة و أقمت بالحرم النبوي عشرين يوما». ثم قال «جلت في بلاد الشيعة طولا و عرضا سبعة أشهر و زيادة، و كنت أمكث في كل عواصمها أياما و أسابيع، و أزور معابدها، و مشاهدها، و مدارسها، و أحضر محافلها و حفلاتها في العزاء و المآتم و حلقات الدروس، و كنت أستمع و لا أتكلم بكلمة». [ صفحه 13] و هذا يدل علي أن دابه كان التجسس و تطلب العورات، و لم تكن نيته خالصة و لا كان طالبا للحق و الا لتكلم و باحث و حقق معهم و دقق، فاما أن يخصموه أو يخصمهم، ولكنه كان ينظر اليهم بعين السخط التي لا تبدي الا المساوي‌ء، فأخطأ نظره في كثير من الأمور التي رآها و اعتقدها و خالف اعتقاده الحقيقة فيها.

ما جري لنا معه في الكوفة

زارنا بمنزلنا في الكوفة من أرض العراق أواخر عام 1352 ه، حينما تشرفنا بزيارة المشاهد الشريفة؛ و ذلك بعدما جاء من المؤتمر الاسلامي بالقدس. دخل علينا فسلم، فرددنا عليه‌السلام و رحبنا به و قلنا له: هل أنت مسلم؟ فقال: أو ما يكفي لبيان اسلامي السلام. فقلنا له: قد يسلم غير المسلمين - و كانت هيئته في لباسه الافرنجي و لباس رأسه و طول شعره كما قدمنا يظن منها أنه موسوي غير مسلم - ثم قال: اني وردت النجف، و سمعت بكم فجئت لزيارتكم، فشكرناه علي ذلك، و سألناه: من أي بلد هو؟ فقال: انه مسلم يتوطن بلاد الافرنج، ثم انه رأي في كتاب عندنا بيتين قديمين في الجاحظ، و هما: لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا ما كان الا دون مسخ الجاحظ رجل ينوب عن الجحيم بوجهه و هو القذي في عين كل ملاحظ [3] . فاغتاظ لذلك، فقلنا له: هذا شعر قديم، قد قيل في الجاحظ و أودع في الكتب و طبع و انتشر، و تبعته ليست علينا. و كان في مجلسنا سيد فاضل يساعدنا في الكتابة، فأراد أن يجيبه، فانتهره و أظهر الغضب، فاحتملنا له ذلك؛ لأنه ضيف و أخبرنا أن له مؤلفات غابت عن ذاكرتنا أسماؤها، ثم سألنا سؤالين. السؤال الأول: ما سبب قول الشيعة و عملهم بالتقية؟ فقلنا له: التقية لا [ صفحه 14] تختص بالشيعة، بل هي عامة، و عندهم عند غيرهم من المسلمين، بل عند جميع العقلاء؛ لأنها عبارة عن اظهار خلاف المعتقد بقول أو عمل عند الخوف علي النفس أو العرض أو المال، و هذا مما قضي به العقل و حكم بجوازه الشرع حتي جوز اظهار الكفر بقوله تعالي: (الا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان) [النحل / 106](الا أن تتقوا منهم تقاة) [آل عمران / 28](و قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه) [غافر / 28]. (و لا تلقوا بأيديكم الي التهلكة) [البقرة / 195]و انما اشتهر الشيعة بالتقية دون غيرهم لكثرة ما جري عليهم من الظلم و الاضطهاد، و حصل لهم من الخوف، فكثر عندهم استعمال التقية و اشتهروا بها دون غيرهم. السؤال الثاني: ما دليل حلية المتعة؟ فقلنا له: الدليل عليها أنها كانت مشروعة باجماع المسلمين، و نزل بها القرآن الكريم بقوله تعالي: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) [النساء / 24]، حتي أن ابن مسعود كان يقرأ (فما استمتعتم به منهن) الي أجل مسمي، رواه الطبري في تفسيره و غيره [4] و عمل بها في عهد النبي صلي الله عليه و آله و سلم و عهد الخليفة الأول و بعض مدة الخليفة الثاني حتي حرمها لمصلحة رآها. فقال: «متعتان كانت علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله سلم أنا أحرمهما و أعاقب عليهما: متعة الحج و متعة النساء» [5] ، فقد ثبتت شرعيتها و لم يثبت نسخها. فقال: هكذا أجانبي ئبعض علماء النجف عن السؤالين، وسكت، و لم يبد اعتراضا، و كان عليه أن يبدي اعتراضه، ان كان عنده اعتراض لنا و للعالم النجفي لينظر ما عندنا في ذلك، فان كان حقا قبله و ان كان باطلا رده علينا لا أن يسكت في الحضور، ثم يقذف بكلامه في المغيب من مكان سحيق. [ صفحه 15] و حضر وقت الغداء، فدعوناه الي أن يتغدي معنا، فلم يقبل، و ألححنا عليه، فأبي و ودعنا، و شيعناه، و مضي.

ما جري لنا معه في طهران

ثم رأيناه في طهران عاصمة ايران سنة 1353 ه، و كنا نصلي جماعة في مسجد يسمي مسجد الجمعة، فحضر ذات ليلة وصلي معنا، و لما فرغنا من الصلاة رأيناه فسلمنا عليه، و تحدثنا معه، و كان من حديثه معنا أن قال: أنا أحترام جميع المذاهب و لا أتعصب، فشكرنا له ذلك، ثم صعد الخطيب المنبر ليخطب بما جرت به عادته كل ليلة بعد انقضاء الصلاة، و هو أشهر خطيب في طهران و يسمي الميرزا عبدالله طهراني، و كان خطابه يطول أكثر من ساعة و هو بالفارسية، فجلس يستمع اليه، فقلنا له: هل تحسن الفارسية؟ فقال: نعم، ثم قام و قال: أريد أنه أجلس قريبا من المنبر، حتي لا يفوتني شي‌ء من الخطاب، و استمر علي ذلك ليلتين، ثم زارنا في منزلنا بطهران، فسألناه عن منزله؛ لنرد له الزيارة. فقال: انه نازل عند امرأة أرمنية، ثم لم يتسع لنا المجال لزيارته، ثم أرسل الينا في اليوم الثالث انتقادات ينتقد بها خطباء طهران و علماءها، و قد أدرجها في «وشيعته».هذا ما جري لنا معه في العراق و ايران ثم لم نره بعد ذلك، و قد بلغنا أنه توفي. و نحن نشرع في نقض هذه «الوشيعة» متوكلين عليه تعالي سائلين من فضله و كرمه أن يلهمنا الصواب و يوفقنا لسلوك نهج السداد و الرشاد.

اعتذار للقراء

و نعتذر الي من يقرأ كتابنا هذا من أهل العلم و الفضل عما قدر يبدر منا من خشونة في قول، فانه قد يدعونا الي ذلك ما في كلامه مما لا تحتمله الطباع، و ربما اقتضت الحكمة ذلك. [ صفحه 16] و لا خير في حلم اذا لم يكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا [6] . و للحلم أوقات و للجهل مثلها ولكن أوقاتي الي الحلم أقرب [7] . و لما كان كلامه مشتملا علي تكرير كثير، و كان يعيد في مواضع متعددة ما ذكره قبل ذلك و يضع أشياء في غير محلها و يدخل مبحثا في مبحث، رأينا أن نجمع مكرراته في مكان واحد مهما أمكن روما للاختصار، و ليستوفي الناظر معرفة ما ذكرناه فيه و لا ينتقل من مكان لآخر، و أن نذكر كل شي‌ء مع ما يناسبه فاقتضي ذلك أحيانا تقديم ما أخر، و تأخير ما قدم، و جمع ما فرق و تفريق ما جمع، فلينتبه لذلك، و لا يتوهم أنا تركنا الرد علي بعض ما في الكتاب حين يصل القاري‌ء الي محله فلا يجد ردا عليه، فان الرد عليه يكون متقدما أو متأخرا، وقد نغفل أشياء من كلامه لا نري فائدة في نقلها و نقضها، و علي الله نتوكل و به نستعين. [ صفحه 17]

ما قاله عن و شيعته

كتب علي ظهرها: «انه جمع فيها من كتب الشيعة عقائد لها لا تتحملها الأمة، و العقل، وأدبها، و دعوي الائتلاف، و أن تلك العقائد في القلوب توري نيران الشحناء، و ليست الا أهوية تنفخ في ضرام العداء، و أن كلمة التوحيد توجب اليوم علي مجتهدي الشيعة نزع تلك العقائد من الكتب، و الا فان الكلمات هراء هواء وأثر المؤتمرات عداء. و كتب علي ظهرها أيضا هذين البيتين و ختمها بهما: ما مشكل أن القيو د تكون غل الأرجل ان القيود علي العقو ل فذاك كل المشكل «محمد الهراوي» و دعا في خطبة «وشيعة» بأدعية كثيرة، ثم قال كأني سمعت أن الله قال: (قد أوتيت سؤلك يا موسي) [طه / 36]و قال (صفحة ج): «الله يعلم، و اني أشهد الله، أني لم أعمل عملا الا في الله، و قد أنفقت كل أعماري و شريت نفسي و نسلي ابتغاء مرضاة الله و كنت في كل ذلك مخلصا لوجه الله». ثم أورد في (صفحة د) هذا البيت: أيا رب أني لم أرد بالذي به كتبت كتابي غير وجهك فاقبل [8] . و قال في (ص 17): «كانت - أي «الوشيعة» - رسالة صغيرة جمعت فيها [ صفحه 18] مسائل من أمهات الكتب المعتمدة للشيعة الامامية، ثم قدمتها لمجتهدي عالم الشيعة و شيوخها عملا بأدب الكتاب الكريم: (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) [النحل / 43]. و اليوم بعد أن انتظرت سنة و زيادة أنشرها لتنظر فيها الأمة الاسلامية و الشيعة الامامية الاثنا عشرية. موسي جار الله - ابن فاطمة». و قال في ما وجهه الي علماء النجف بالتاريخ المتقدم بعد مقدمة طويلة لم نر فائدة في نقلها، قال في جملتها ص 18 و 19: «أقدم هذه المسائل رغبة في تأليف قلوب عالمي الاسلام الشيعة الامامية الطائفة المحقة و عامة الأمة أهل السنة و الجماعة». ثم قال: «انه يحترم كل المذاهب الاسلامية خصوصا مذهب الشيعة الامامية». و أنه كان يعرف أصول الشيعة الامامية من الكتب الكلامية، و أنه كان في مكتبته الغنية كثير من كتب الشيعة الامامية الفقهية، درسها و استفاد منها، و استحسن الكثير من مسائلها و أحكامها. ولكنه قال (ص 20): «ان في هذه الكتب أمورا لا تتحملها الأمة و لا يرتضيها الأئمة و لا تقتضيها مصلحة الاسلام، ثم هي جازفت في مسائل مستبعدة ما كان يبنغي وجودها، و لا أظن أن الأئمة كانت تدين بها، هم أرفع و أجل من أمثال هذه المسائل علما و دينا و عقلا و أدبا». و نقول: المسلمون متفقون بطبيعة الحال ليس بينهم عند التحقيق خصام و لا جدال في ما هو روح الاسلام و لبه و جوهره، ألا و هو الشهادتان و الالتزام بأحكام الدين التي أسسها ضرورية أو اجماعية، و عليها يتوقف صدق اسم الاسلام و جريان أحكامه سواء في ذلك سنيهم و شيعيهم. فالجميع معترفون بها فالرب واحد، و النبي واحد، و الكتاب واحد، والعبادة واحدة، و القبلة واحدة، ولا خلاف بينهم الا في بعض الفروع و بعض العقائد المعلومة التي اختلف فيها الأشاعرة مع الشيعة و المعتزلة و كلها ليست من أسس الاسلام الا في أمر الخلافة الذي لا يخرج الخلاف فيه عن حظيرة الاسلام باتفاق الجميع، و انما أضرمت نار الخلاف السياسة، ونفخ في ضرامها الجاهلون، و جاء صاحبنا اليوم [ صفحه 19] يريد النفخ في اضرامها باسم الاصلاح و تأليف القلوب، و يهول بهذه الألفاظ الفارغة، و يزعم أن للشيعة عقائد لا تتحملها الأمة «الخ». و عقيدة الشيعة، كما مر، لا تختلف في شي‌ء عن عقيدة من تسموا بأهل السنة، في ما هو لب الاسلام و جوهره، و غيره لا يؤبه له سواء أتحملته الأمة أم لم تتحمله؛ لكن صاحبنا لا يرضيه ذلك، و لا يأتلف مع الشيعة الا أن يتركوا جميع عقائدهم، و الا فان الكلمات هراء هواء، و أثر المؤتمرات عداء، فلله دره من مصلح ماهر!؟ أوردها سعد و سعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الابل [9] . المرء يترك رأيه بالحجة و البرهان لا بقول: هذا لا تتحمله الأمة و العقل و الأدب، و لا بالتهجين و التشهير. المسلمون يجب دعوتهم الي ترك العداء و الأذي بينهم؛ لأن ذلك يضعفهم، و يوهن شوكتهم، و أن يرجعوا في ما اختلفوا فيه الي الحجة و البرهان، و الجدال بالتي هي أحسن. و عند قراءة بيتي الهراوي جري علي اللسان هذان البيتان: كل يخال بأن فيه العقل من قيد خلني لكن علما بالقيود نراه كل المشكل و المتأمل في ما جاء في «وشيعة» يعلم أن الله لم يقل له ما تخليه، و أن الذي خاطبه بذلك غير الله. و قد زكي نفسه بأنه لم يعمل عملا الا لله مخلصا لوجه الله، و أنفق أعماره - و لم يقل عمره علي المتعارف حبا بالشذوذ - ابتغاء مرضاة الله. و الله تعالي يقول: (ألم تر الي الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء) [النساء / 49](فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقي) [النجم / 32]، و كان عليه بدلا من أن يشهد لنفسه هذه الشهادة أن يتهمها في تعصباته و اثارته الفتن و الضغائن و تفريقه بين [ صفحه 20] المسلمين و ايقاده نار العداء بينهم وتحامله علي أهل البيت عليهم‌السلام و شيعتهم بالباطل و مخالفته اجماع المسلمين في عدة آراء رآها، فدخل في قوله تعالي: (و لا تقف ما ليس لك به علم) [الاسراء / 36]و أن يخاف أن يكون من (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) [الكهف / 104]و علي ذكر البيت الذي اقتبسه محن قول السيد الحميري الذي هو صادق في قوله؛ لكونه في دولة أعداء أهل البيت عليهم‌السلام. أيا رب، اني لم أرد بالذي به مدحت عليا غير وجهك فارحم [10] . جري علي اللسان هذان البيتان: أتزعم وجه الله في ما كتبته أردت، و وجه الله عنك بمعزل و كم فاعل فعلا يظن بفعله ثوابا و منه الله لم يتقبل و أما مسائله التي أشار اليها فقد ذكرنا في صدر الكتاب: انه وردتنا نسختنان من هذه المسائل من النجف والكاظمية، و كتبنا جواباتها و أرسلناها الي مرسليها، و لا ندري أأرسلت اليه أم لا؟ و ذكر هو في «وشيعة» أنه جاءته أجوبة مطولة من عالم بالبصرة، و هو يقول: «و اليوم بعد أن انتظرت سنخة و زيادة أنشرها». فكيف نشرها و لم ينشر جوابات العالم البصري التي جاءته؟ فذلك يجعلنا نرتاب في خلوص نيته،ثم هو كان في النجف و بقي فيها مدة كما مر، فلماذا لم يباحث علماءها في تلك المسائل بكل ما لديه من قوة و تحرر أبحاثه و أبحاثهم و تطبع و تنشر لتنظر فيها الأمة الاسلامية في أقطار الأرض و تعرف لمن الفلج؟ فلو خلصت نيتة أو عرف من نفسه القدرة لفعل ذلك؛ لكنه نأي و جعل يقذف بالقول من مكان سحيق، و ادعي أنه يحترم كل المذاهب الاسلامية خصوصا مذهب الشيعة، لكننا نراه سلك غير الطريق التي يجب أن تسلك في تأليف القلوب، فافتتح كلامه بالغمز و اللمز بقوله: «الطائفة المحقة» الذي لا [ صفحه 21] محمل له الا ذلك كأنه لم يعلم أن كل طائفة تري نفسها المحقة و الحكم الدليل، وأخذ في انتقاد أحد الخصمين بمر الانتقاد، و أغمض عما يجب أن ينتقد به خصمه، فعمد الي بعض كتب الشيعة التي فيها الغث و السمين و الحق والباطل شأن كتب كل فرقة، و الي روايات فيها الصحيح و الضعيف و الشيعة لا تعتقد بكل ما فيها، بل تبحث في كتب الرجال و الفقه عن أسانيدها، و عن الجمع بينها و بين ما يعارضها، فتطرح محا ضعف سنده أو عارضه ما هو أقوي منه أو خالف الكتاب أو السنة أو الاجماع أو ما ثبت من أصول العقائد و لو صح سنده فجعل ذلك معتمده، و محط نظره، و لو كان كل ما سطر في الكتب، أو جاءت به رواية حقا؛ للزم الهرج و المرج و التناقض المحال. و غض النظر عما في بعض كتب غير الشيعة مما لا تتحمله الأمة، و لا يرتضيه الأئمة، و لا تقتضيه مصلحة الاسلام، و عن المجازفات التي فيها مسائل مستبعدة ما كان ينبغي وجودها، و غاب عن نظره كتاب ابن تيمية [11] ، و كتاب ابن‌حزم [12] و أمثالهما. و ما حكاه ابن‌قتيبة في كتابه «الاختلاف» في اللفظ كما يأتي نقله عند ذكر محبته أهل البيت ان شاء الله تعالي. [ صفحه 22]

اباطيل، بزعمه، في كتب الشيعة

قال (ص 228): «رويت في صحائف هذا الكتاب أباطيل كثيرة كبيرة من أمهات كتب الشيعة، و كنت أعرف أنه: في كل جيل أباطيل يدان بها و ما تفرد يوما بالهدي جيل الا أنه فرق بين باطل و باطل، فاذا سمعنا شيعيان يؤله عليا فانا لا نشهد الزور. و اذا مررنا باللغو نمر كراما، أما اذا رأينا أمهات كتب الشيعة تقول في الصحابة و في العصر الأول و في أم المؤمنين تدعي تحريف القرآن (هذان خصمان اختصموا في ربهم) [الحج / 19](و نزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا علي سرر متقابلين) [الحجر / 47]، أشهد الله و أقسم بصدق القرآن أن هذا هو المقصد الذي كتبت كتابي له: أيا رب، اني لم أرد بالذي له كتبت كتابي غير وجهك فارحم» و نقول: أولا - انه لا يعرف الحق من الأباطيل؛ الا بالدليل لا بالتهويل، و مجرد الأقاويل. ثانيا - لايوجد شيعي - ممن يريد نقد عقائدهم - يؤله عليا، بل الشيعة تكفر من يعتقد ألوهية علي، أو أحدا من البشر، ولكن الذي يعامل الصحابة معاملة الآلهة هو من يأخذ بأقوالهم، و يترك قول القرآن، و متواتر السنة كما يأتي منه، و العجب أنه نقل في (ص 222) قول الصدوق في رسالة عقائد الشيعة: «اعتقادنا في الغلاة و المفوضة أنهم كفار بالله...» [13] و نسبه الي القساوة و الجفاء في البيان. و هنا يقول: اذا سمعنا شيعيا يؤله عليا، ولكن لا يجب منه [ صفحه 23] فالمناقضات في كلامه لاحصر لها، و قد بينا في ما يأتي من هم الذين كفروا الصحابة. و العصر الأول كان فيه الصالح و الطالح و المؤمن و المنافق، فلا يعقل أن تلعنه الشيعة كما يأتي. و بينا، في ما يأتي، مفصلا، عقيدتنا في أمهات المؤمنين عامة و خاصة، كما بينان في ما يأتي أن نسبة القول بتحريف القرآن الينا زور و بهتان. بمثل هذه الأساليب نريد أن ننزع الغل من الصدور، و اذا كان هذا هو المقصد الذي كتب «وشيعة» له، فكان عليه سلوك غير هذا الطريق الوعر الخشن، و تحري الحقائق، و نزع عوامل التقليد من نفسه. أما نحن فنستشهد ببيت السيد الحميري - الذي غيره هنا و في ما مر علي ظهر الوشيعة - من دون أن نغير منه شيئا: أيا رب، اني لم أرد بالذي به مدحت عليا غير وجهك فارحم

مسائل فقهية في كتب الشيعة

قال (ص 229): «كنت أري في كتب الشيعة مسائل فقهية اجتماعية استحسنها باعجاب نقلت في هذا الكتاب البعض بالنقد، و البعض بالرد؛ اذ كنت أري للشيعة شدة التقليد بأخبار الأئمة تحت رايات دعاوي الاجتهاد». و نقول: أولا - المسائل الفقهية اجتماعية كانت أو غيرها أنما تؤخذ من الأدلة الشرعية: الكتاب، و السنة، و الاجماع، و دليل العقل، و ليس لآراء الرجال فيها مدخل، ولا يعرف أسرارها و حكمتها علي التمام الا علام الغيوب الذي أحاط بكل شي‌ء علما. فقول: استحسن مسائل كذا باعجاب، أو لا أستحسن. لغو من القول. متي وجد الدليل ليس لأحد أن يقول: لا أستحسن. و متي فقد ليس لأحد أن يقول أستحسن. ثانيا - بينا هو يستحسنها باعجاب؛ اذ به يردها و ينتقدها بعصبية و عناد، فناقض آخر كلامه أوله. ثالثا - الشيعة قالوا بالاجتهاد و عملوا به، و بذلوا الوسع في تحصيله، [ صفحه 24] و حافظوا علي شروطه و أصوله، ولم يأخذ مجتهدونهم الحكم الا من دليله من أحد الأدلة الأربعة المار ذكرها، فسبيل الأحكام عندهم التوقيف، و النص من الشارع المقدس، فيستنبطون الحكم من الدليل، و يرجحون دليلا علي دليل، و لا يأخذون بالرأي و الاستحسان، و المصالح المرسلة [14] ، كما هو عند غيرهم، فأيهما أحق بالعذر و بصحة الاجتهاد؟ رابعا - اذا كانت الشيعة تقلد بأخبار الأئمة تحت رايات دعاوي الاجتهاد، و هؤلاء الأئمة أخذوا أخبارهم عن جدهم الرسول، و الرسول جعلهم أحد الثقلين: الكتاب و العترة، و بمنزلة باب حطة، و سفينة نوح، فأيهما أعذر؟ من يقلد من هذه صفته و هو لا يقصر في علمه وفقهه عمن تقلده أنت ان لم يزد عليه، أم من يقلد من يأخذ برأيه و اجتهاده و يجوز عليه الخطأ، و يدعي أنه أصاب بذلك شاكلة الصواب سواء كان ذلك اجتهادا أم تقليدا تحت رايات دعاوي الاجتهاد كما يقول. و قال (في صفحة ط): «و لما وردت طهران زرت بعض كبار مجتهدي الشيعة، وكنت أحضر حفلات العزاء، ومجلس الوعظ، و كان فيها في تلك الأيام امام مجتهدي الشيعة السيد المحسن الأمين ضيفا، و كان يؤم الجماعة في صلاة المغرب و العشاء جمعا، و كنت زرت حضرة السيد العاملي مرة بالكوفة، و جري في تلك المرة بيننا كلام، فزرته في جامع طهران مرة ثانية وصلينا الصلاتي؛ ثم كتبت علي ورقة صغيرة و قدمتها بيد السيد المحسن الأمين لمجتهدي طهران وقلت» و ذكر المسائل الآتية. و نقول: أرسل الينا، و نحن بطهران، شيئا من هذه المسائل في ورقة، [ صفحه 25] فوجدناها مسائل تافهة عن أمور غير واقعة، فلم نشغل أنفسنا يومئذ بالجواب عنها، وحيث أدرجها في «و شيعته»، و نشرها، فلا بدلنا من الجواب عنها، و كلها مذكورة في صفحة (ط) قال: «أري المساجد في بلاد الشيعة متروكة مهملة، و صلاة الجماعة فيها غير قائمة»، و هو في ذلك كاذب.

المساجد

فبلاد الشيعة التي رآها هي العراق و ايران كما صرح به في مقدمة كتابه (صفحة ه) فالمساجد في كلا البلدين معتني بها أشد الاعتناء معمورة بالمصلين في كل بلدة و قصبة و مدينة و قرية، تقام فيها الصلوات الخمس، و يزدحم فيها ألوف المصلين، و قد رأي هو ذلك بأم العين في مسجد الجمعة الذي كنا نصلي فيه في طهران، فقد كان يغص بالمصلين علي سعته. و كل مسجد في تلك البلاد له امام يقيم فيه الجماعة في الصلوات الخمس، فما معني أنها متروكة مهملة، و الجماعة غير قائمة، و قد اعترف كما مر بأنا كنا نؤم الجماعة في جامع طهران و يأتم هو بنا. و هنا يقول: «المساجد متروكة مهملة و صلاة الجماعة فيها غير قائمة»، فهل هذا الا تناقض؛ لكنه لا يبالي بالتناقض في كلامه كما بيناه مرارا.

الاوقات و الجمع بين الصلاتين

قال: «الأوقات غير مرعية»، و الظاهر أنه يريد به الجمع بين الظهرين و العشاءين في غير سفر و لا مطر. و هذا أمر قد قامت الأدلة عندهم علي جوازه، مع كون التفريق أفضل، فلا مجال للنقد؛ فان كان في وسعه اقامة البرهان علي خطئهم في ذلك كان نقده صحيحا و الا فليس لأحد أن ينتقد غيره بأن اجتهادك مخالف لاجتهادي و لا هذا من دأب العلماء.

دليل جواز الجمع في غير سفر و لا مطر

روي الامامان مسلم و البخاري في صحيحيهما ما يدل علي جواز الجمع في الحضر بغير مرض و لا مطر و لا خوف. قال الامام مسلم في صحيحه بهامش [ صفحه 26] ارشاد الساري: حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة، و أبو كريب، قالا: حدثنا أبومعاوية «ح»، و حدثنا أبوكريب، وأبوسعيد الأشج و (اللفظ لأبي كريب) قالا: حدثنا وكيع. كلاهما عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن‌عباس، قال: جمع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بين الظهر و العصر، و المغرب و العشاء بالمدينة في غير خوف و لا مطر (في حديث وكيع) قلت لابن عباس: ما أراد الي ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته [15] و حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس: صليت مع النبي صلي الله عليه و آله و سلم ثمانيا جميعا، و سبعا جميعا [16] الحديث. وحدثنا أبوالربيع الزهراني، حدثنا حماد بن زيد بن عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن‌عباس: أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم صلي بالمدينة سبعا، و ثمانيا. الظهر و العصر، و المغرب و العشاء. [17] وحدثنا أبو الربعي الزهراني: حدثنا حماد، عن الزبير بن الخريت، عن عبدالله بن شقيق قال: خطبنا ابن‌عباس يوما بعد العصر حتي غربت الشمس و بدت النجوم. و جعل الناس يقولون: الصلاة. الصلاة. فجاء رجل من بني تميم، لا يفتر و لا ينثني: الصلاة الصلاة، فقال ابن‌عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك!؟ ثم قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم جمع بين الظهر و العصر، و المغرب و العشاء، قال عبدالله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شي‌ء. فأتيت أباهريرة فسألته، فصدق مقالته [18] وحدثنا ابن أبي‌عمر. حدثنا وكيع. حدثنا عمران بن حدير عن عبدالله بن شقيق العقيلي قال: قال رجل لابن عباس: الصلاة، فسكت، ثم قال: الصلاة، فسكت، ثم قال: لا أم لك! أتعلمنا بالصلاة؟ و كنا نجمع بين الصلاتين علي [ صفحه 27] عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [19] و روي الامام البخاري في صحيحه في آخر باب صلاة العصر بالاسناد عن أبي أمامة: صلينا مع عمر بن عبدالعزيز الظهر ثم خرجنا حتي دخلنا علي أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلت: يا عم ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال: العصر، و هذه صلاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم التي كنا نصلي معه [20] و من أراد زيادة بيان فليرجع الي ما كتبناه في هذه المسألة في كتابنا معادن الجواهر. [21] و قال الشهيد في الذكري: «ان جواز الجمع في الحضر من تغير خوف و لا سفر ولا مطر رواه العامة عن علي، و ابن‌عباس، و ابن‌عمر، و أبي موسي، و جابر، و سعد بن أبي قاص» [22] . [ صفحه 28]

صلاة الجمعة

قال: «و الجمعة متروكة تماما» و (في صفحة ح) ما حاصله: «أنكر شي‌ء رأيته في بلاد الشيعة أني لم أر جماعة صلت صلاة الجمعة الا في بوشهر رأيت طائفة صلت جمعة شيعية، و خطب خطيبها خطبة شيعية، و لم أزل أتعجب كيف أمكن أن هوي مذهبيا أو اجتهاد فرد يرسخ متمكنا في قلوب أمة حتي تجمع علي ترك نصوص الكتاب». و نقول: أن فقهاء المسلمين من غير الشيعة و من الشيعة متفقون علي وجوب صلاة الجمعة بأصل الشرع، و علي أن لها شروطا للوجوب و للصحة. فمن شروط الوجوب عند بعض فقهاء الشيعة اذن السلطان العادل، فتجب عينا مع اذنه و يسقط وجوبها العيني و التخييري مع عدم اذنه. و قالت طائفة: تجب عينا و لا يشترط في وجوبها اذنه. و قالت طائفة:و هو - الأصح - يجب عينا مع اذنه و تخييرا بينها و بين الظهر مع عدم اذنه. و قال الشافعي، و مالك، و أحمد بن حنبل: «تصح اقامتها بغير اذن السلطان و يستحب استئذانه»، و قال أبوحنيفة: «لا تنعقد الا باذنه و لا تصح الا في مصر جامع لهم سلطان». ذكر ذلك الشعراني في ميزانه. [23] . فقد وافق الشافعي و مالك و أحمد من قال من الشيعة بعدم اشتراط اذن السلطان، و وافق أباحنيفة من قال منهم باشتراط اذنه، و بذلك ظهر أن قول الشيعة في الجمعة لايخرج عن المذاهب الأربعة، و أن قوله أنكر شي‌ء رأيته «الخ» هو من أنكر الأمور و صادر عن حدة و عصبية و قلة تدبر كقوله: «ان هوي مذهبيا أو اجتهاد فرد يرسخ في قلوب أمة حتي تجمع علي ترك نصوص [ صفحه 29] الكتاب»، فالشيعة أورع و أتقي من أن تميل في مذهبها الي الهوي، و أفضل و أعلم من أن تتبع اجتهاد فرد و تترك بذلك نصوص الكتاب، فالكتاب الكريم لم يجي‌ء مبينا لجميع شروط الواجبات و موانعها و جلها مستفاد من السنة. و الكتاب العزيز أوجب السعي الي صلاة الجمعة عند سماع النداء لها، و جميع الفقهاء من جميع المذاهب اشترطوا العدد و الخطبتين و الحضر، و ليس لذلك ذكر في كتاب الله، و أبوحنيفة اشترط اذن السلطان و المصر، ولا ذكر لهما في الكتاب، فأين موضع النكارة لو كان من المنصفين أو المتعقلين!؟ و أولي بالتعجب أن يكون هوي مذهبيا أو اجتهاد فرد صحابي يرسخ متمكنا في قلوب أمة فتسقط من أذان الصلاة واقامتها بعضهما و تدخل فيهما بعض عادات المجوس [24] ، و تجمع علي ترك نصوص الكتاب في بعض مسائل النكاح المعروفة و بعض مسائل الطلاق [25] و غير ذلك. هذا هو محل التعجب لا ما زعمه. أما قوله: «صلت صلاة شيعية و خطب خطيبها خطبة شيعية» فمما لا يكاد ينقضي منه العجب، فصلاة الجمعة ليس فيها شيعية و غير شيعية، بل هي عن الجميع ركعتان، و خطبتها أيضا ليس فيها شيعية و غير شيعية، بل فيها عند الجميع خطبتان بينهما جلوس مشتملتان علي الشهادتين و التصلية و الوعظ و سورة أو آية من القرآن الكريم مع قول أبي‌حنيفة بكفاية التسبيح أو التهليل أو التحميد [26] و اذا ساغ له أن يقول ذلك ساغ لغيره أن يقول انه رأي طائفة صلت جمعة صلاة غير شيعية «الخ» و ما يدريك مع من هو الحق منهما حتي يعيبه الآخر. [ صفحه 30]

تعظيم القبور و زيارتها

قال: «و أري المشاهد و القبور عندكم معبودة». و نقول: اذا كانت زيارة مشاهد الأنبياء و الأوصياء و الأولياء و الصلحاء، و تعميرها، و تعظيمها، عبادة لها، فهذا أمر لا تختص به الشيعة، بل يشاركها فيه عموم المسلمين من أهل نحلته عدا الوهابية. و قد رأي بعينه تعظيم قبري الامام أبي حنيفة، و القطب الشيخ عبدالقادر الجيلاني في بغداد و غيرهما من المشاهد، و قبور الأولياء و الصلحاء، و رأي بعينه في مصر - التي طبع «وشيعته» فيها و لا يزال يقطنها حتي اليوم - تعظيم قبر الامام الشافعي، و مشاهد رأس الحسين، و السيدة زينب، و السيدة نفيسة، و سائر المشاهد و القبور المعظمة هناك؛ فتخصيصه الشيعة بالنقد سفه و عصبية باردة. و الحق أن قبور الأنبياء و الأوصياء و الصلحاء عند الشيعة و عند غيرهم مزورة معظمة لا معبودة كما يتوهمه الوهابية، و قد أقمنا البرهان علي رجحان زيارتها و تعظيمها و استحباب ذلك، و أنه ليس فيه شي‌ء من العبادة في كتابنا: «كشف الارتياب»، المطبوع، بما لامزيد عليه، فليرجع اليه من أراده. [27] .

المقابر

قال: «أما المقابر فهي في أكثر بلادكم طرق للناس و معابر يدوسها الأنعام و الكلاب و كل عابر». ونقول: المقابر في بلاد الشيعة مثلها في بلاد سواهم، منها ما هو مسور بحائط، و منها ما هو خلو من ذلك، و منها ما يعبر الناس فيه كثيرا، و لا بد أن تعبر فيه الأنعام و الكلاب و كل عابر، فلينظر الي مقابر بلاد الشام و قراها و جميع بلاد الاسلام حتي مقبرة البقيع بالمدينة المنورة هل ينقطع المرور فيها بين القبور و هل يمكن ذلك؟ و قد قيل: «أقبح أن تعيب ما فيك مثله». [ صفحه 31]

القرآن

قال (صفحة ي): «لم أر فيكم لا بين الأولاد، و لا بين الطلبة، و لا بين العلماء من يحفظ القرآن، و لا من يقيم تلاوته، و لا من يجيد قراءته، أري القرآن عندكم مهجورا، أليس عليكم أن تهتموا في اقامة القرآن الكريم في مكاتبكم و مدارسكم؟» ثم قال (ص 27) علي عادته في التكوير و التطويل الممل بلا طائل: «لم أر بين علماء الشيعة و لا بين أولاد الشيعة لا في العراق و لا في الايراد (كذا) من يحفظ القرآن و لا من يقيمه بعض الاقامة بلسانه و لا من يعرف وجوه القرآن الأدائية. ما السبب في ذلك: هل هذا أثر من آثار عقيدة الشيعة في القرآن الكريم. أثر انتظار مصحف علي الذي غاب بيد قائم آل محمد». و نقول: ان الشيعة في العراق و بلاد ايران - التي تكرم عليها ب (أل)، و جاء بها معه من تركستان - و جميع البلدان أشد محافظة علي القرآن من كل انسان، يحفظونه في صدورهم، و يتلونه في عشيهم و بكورهم، و في أنديتهم و علي قبورهم، و يختمونه في أيامهم و أسابيعهم و شهورهم، يقع ذلك من صغيرهم و كبيرهم، و اناثهم و ذكورهم. و ان أراد حفظ القرآن عن ظهر القلب، فكم فيهم من يحفظه كذلك، و ان كان ليس عاما فيهم، و لا في غيرهم، ولكن يوجد في المصرين في كثيرهم، و اذا كان لم ير من يحفظه كذلك، فهو لا يدل علي عدم وجوده؛ لأنه في سياحته لم يعاشر جميع طبقاتهم. و الشيعة اذا حفظت القرآن تقرأه بخشوع و خضوع، و بكاء و دموع شأنها في جميع العبادات و الأدعية و الأذكار، لا بغناء و اطراف، و تواجد و اضطراب، و مكاء و تصدية. و اذا سمعته تسمعه بتدبر و اعتبار، لا بمجرد الاستماع الي حسن الصوت و نغمات القاري‌ء، و تغنيه و ترديده و تلحينه، و الله تعالي قد ذم من لا يتدبر القرآن لا من لا يلحنه و يطربه. و ليس كل من حفظ القرآن تدبره و عمل بما فيه، و رب تال للقرآن و القرآن يذمه و هو له مخالف، فهو يقول: (و لا يغتب بعضكم بعضا) [الحجرات / 12] و هو [ صفحه 32] قد اغتاب اخوانه في العراق و ايران بالباطل، فنسبهم الي التهاون بحفظ القرآن؛ و ان السبب في ذلك أثر اعتقادهم في القرآن، و أساء الظن بهم في ذلك و الله تعالي يقول: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم) [الحجرات / 12]فما يفيده حفظ ألفاظ القرآن و هو غير عامل بها!؟ و لا شي‌ء أعجب من قوله: «أري القرآن عندكم مهجورا» مع أنهم أكثر الناس تلاوة له و اهتماما به، و لا يمضي عليهم يوم دون أن يفتتحوه بقراءة القرآن، و لا شهر رمضان دون أن يختموا فيه عدة ختمات. و لا يكاد ينقضي عجبي من قوله: «أليس عليكم أن تهتموا في اقامة القرآن في مكاتبكم و مدارسكم»! فمتي رآنا هذا الرجل لا نهتم في اقامة القرآن في مكاتبنا و مدارسنا. اننا و أيم الله أشد اهتماما بذلك من كل من قال: لا اله الا الله. ولكن ما الحيلة في من يخلق ما يقول، أما قوله: «ما السبب في ذلك...» الي آخر كلامه الذي أبرزه مبرز السخرية، فهو بهذا القول أحق بأن يسخر منه، فاعتقاد الشيعة في القرآن الكريم هو اعتقاد جميع المسلمين كما سنبينه مفصلا عند تعرضه لتحريف القرآن.

قائم آل محمد

فقد اعترف به كل مسلم، و اذا كان هو وارث علم جده الرسول صلي الله عليه و آله سلم فلا يستغرب أن يكون عنده تأويل متشابه القرآن الكريم. و قد تعرض لذكر القائم في موضعين آخرين من «وشيعته» بطريق السخرية أيضا، و هو أحق بأن يسخر منه. فقال (في ص 194): «و سبب التفاوت في الحظوظ في الميراث أن العائلة تنبني علي نظام الأبوة، و الأنثي في نظام الأبوة ليس عليها جهاد و لا نفقة و لا ضمان في العاقلة و تأخذ المهر و لم يعرف البشر الا نظام الأبوة أو نظام الأمومة و ان تخيل متخيل دولة بنيت علي خليط من هذين النظامين مثل دولة صاحب الزمان الامام المنتظر في الجزيرة الخضراء لشيعة بحارالأنوار و غاية المرام، فيكون القانون في مثل هذه الدولة للذكر مثل [ صفحه 33] حظ الأنثي». و قال (ص 215) ما حاصله: «تروي أمهات كتب الشيعة عن الصادق أن الله آخي بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام، فاذا قام قائمنا أهل البيت يجعل ذلك الأخ هو الوارث و لم يورث الأخ من الولادة. و بهذه الشريعة جعل النبي الصديق خليفة له بنسب الأرواح لا بنسب الأبدان» و قال (ص 226): «فيا ليت لو أن السادة الشيعة قبلت اليوم الحق الذي وقع بارادة الله و رضي نبيه و أنصفت الشيعة الأمة، و أخذت بشريعة امامها المعصوم صاحب الزمان، و جعلت النبي صاحب القرآن في آخر حياته مثل صاحب الزمان في عظيم دولته، و قالت: ان الصديق كان وارثا للنبي، و كان اماما بالحق، ليت ذلك كان و الا يجب أن يكون شرع صاحب الزمان ناسخا لشريعة جده، و أن يكون النبي أعجز في اقامة شرعه من صاحب الزمان الذي يختفي طول العصور و هو بنا معذور». و نقول: الامام المنتظر ليس منتظرا الشيعة بحارالأنوار [28] و غاية المرام [29] فقط، بل لجميع المسلمين - ان كان منهم - فقد اتفق علماؤهم و كتب أحاديثهم، و منها بعض الصحاح لمن تسموا بأهل السنة علي أنه لابد من امام يخرج في آخر الزمان يسمي محمدا من نسل علي و فاطمة يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا [30] ، و انما الخلاف في أنه ولد أو سيولد؟ و أئمة أهل البيت و شيعتهم قالوا بولادته و بوجوده في الأمصار غائبا عن الأبصار حتي يأذن الله له بالخروج حسبما تقتضيه حكمته، و لهم علي ذلك أدلة و براهين مذكورة في كتب الكلام و غيرها [31] و لا مانع من بقائه و طول عمره كما طال [ صفحه 34] عمر نوح و عيسي و الخضر و الياس من الأبرار، و الدجال و ابليس من الأشرار، فابرازه ذلك بمعرض السخرية و تعبيره عن غيبته باختبائه دليل علي استحقاقه السخرية و الاستهزاء، و ان جاء في خبر أنه يسكن الجزيرة الخضراء و صح سنده فلا مانع من قبوله و الا كان كباقي الأخبار الضعيفة المشتملة عليها كتب الفريقين. و لسنا ندري ما يريد بكلامه هذا الذي زعم فيه أن دولة صاحب الزمان خليط بين النظامين لنبدي رأينا فيه، و لعله رأي خبرا في البحار لا يقول أحد بمضمونه (و البحر يوجد فيه الدر و الخزف) فعاب به، فان دأبه أن يترك المسلمات و يتتبع المهجورات. و أما قوله: «يا ليت لو أن السادة الشيعة...» فيا ليت أنه يأتي في كلامه بشي‌ء من البرهان و لا يقتصر علي الدعاوي المجردة و لو شئنا لقلنا له:اقلب تصب. و يا ليته يعلم بأن الشيعة لا تعتقد بمضمون حديث: «ان شرع صاحب الزمان ناسخ لشرع جده»، و لا تصححه. و لا ندري لماذا يلزم أن يكون النبي أعجز في اقامة شرعه من صاحب الزمان، و بعد هذا نقول: ان الاشتغال بهذه الأمور التي ليست من لب الاسلام و لا جوهره صحت أم فسدت حقت أم بطلت، و لم يكلف النبي صلي الله عليه و آله و سلم من يريد الاسلام باعتقادها و لا بعدمه، لا فائدة فيه الا تفريق الكلمة و ايقاد نار الفتنة، و أما لب الاسلام و جوهره فانه متفق عليه بيننا كما فصلناه غير مرة. ولكن ما تصنع بهذا الرجل الذي جعل دأبه المماحكة و المنابذة و السعي وراء القشور و نبذ اللباب، و الذي يلوح لنا من تتبع كلماته أنه لا يزن كلامه، و لا يتأمل في ما يقول.

التطبير

قال (في صفحة ح): «انه رأي بالنجف يوم عاشورا ألعابا رياضية يسمونها التطبير»، قال: «و صوابها لفظا و معني و اشتقاقا و أصلا هو التتبير كنت أقول [ صفحه 35] كلما أراها (ان هؤلاء متبر ما هم فيه و باطل ما كانوا يعملون) [الأعراف / 139]الي أن قال: «و كل هذه التمثيلات و الألعاب لكان فيها روعة لو لم يكن فيها اغراء عداوة و بغضاء و لعجل الامام القائم المنتظر الرجعة لو رأي فيها أثر صدق بين ملايين الشيعة». و نقول: ان هذا التطبير لا يعتقد به أهل المعرفة من الشيعة و لا ستحلونه، وقد ألفنا فيه رسالة مطبوعة اسمها «التنزيه لأعمال الشبيه» [32] ذكرنا فيها فتوي فقهائنا بتحريمه، و أنه من فعل الجاهلين، فكيف ساغ له أن يدرجه في ما انتقده من عقائد الشيعة. و أما أنه كان يقول حين يراها: ان هؤلاء متبر ما هم فيه. فهل كان يقول ذلك حين يري السيارة، و الدوسة، و ضرب الشيش، و أكل النار، و ضرب الدفوف و الصياح الذي يشبه أصوات بعض الحيوانات، و الميل يمينا و شمالا، و خروج الزبد من الأفواه، و الأصوات و الأنغام في مجالس الذكر، و هل كان يقول ذلك حين يري الألعاب الرياضية و الدوران بالتنورة علي رجل واحدة الذي يسميه الافرنج رقص الاسلام؟ و غير ذلك مما لسنا بحاجة الي ذكره لاشتهاره. لا نراه تعرض لذكره و لا أفادنا ما كان يقوله حين يراه في سياحاته في بلاد الاسلام، فكيف تناساه و تغاضي عنه و لم يتعرض لانتقاده. لا تنه عن خلق و تأتي مثله عار عليك اذا فعلت عظيم و ما ندري ما يريد باغراء العداوة و البغضاء الذي جمجم فيه و أبهم؛ و لعله يريد العداوة لمسببي قتل سبط الرسول صلي الله عليه و آله سلم و أهل بيته و فاعليه و يروم الدفاع و المحاماة عنهم. و الامام المنتظر الذي صح بوجوده الخبر، و تواتر الأثر، سواء أرأي فيها أثر صدق أم لم ير فهي مما لا يستجيزه أهل المعرفة كما مر، و ليس لك أن تعيب ما فيك مثله و أشنع منه. [ صفحه 36]

العداوة بين المسلمين

قال (ص 227): «كنت أتعجب و أتأسف اذ كنت أري في كتب الشيعة أن أعدي أعداء الشيعة هم أهل السنة و الجماعة، و رأيت رأي العين أن روح العداوة قد استولت علي قلوب جميع طبقات الشيعة». و نقول: سواء أكان ما ادعاه من عداوة الشيعة لمن يسميهم أهل السنة حقا أم باطلا، فما باله أغضي الطرف عن عداوة أولئك للشيعة، و أنهم يرون الشيعة بأنهم أعدي أعدائهم: فهل هم لم يجدها في كتبهم؟ أو وجدها و سكت عنها؟ و هل هو لم ير رأي العين أن روح العداء قد استولت علي قلوب جميع طبقات غير الشيعة الا من شذ أو رآها و تعامي عنها؟ انا لانزال نتعجب و نتأسف لذلك. نعم، ان روح العداء قد انتشرت بين المسلمين، و هي من أعظم مصائب الاسلام، و ما كان انتشارها الا بما يبثه أمثاله، لا سيما بمؤلفاتهم التي يطبعونها، و ينشرونها، كوشيعة هذه؛ ينبشون فيها الدفائن، و يثيرون الضغائن، و يغرسون الأحقاد، و ينتقدون الشيعة بالباطل، و يفترون عليهم قائلين: انا نريد بذلك الاصلاح، و تأليف القلوب، و انهم لهم المفسدون.

التلاعن و التطاعن

قال (صفحة ي) - «بين كتب الشيعة - غنينا عصورا في عوالم جمة فلم نلق الا لاعنا متطاعنا فان فاتهم طعن الرماح فمحفل تري فيه مطعونا عليه و طاعنا هنيئا لطفل أزمع السير عنهم فودع من قبل التعارف ظاعنا هذه حال الشيعة في نسبتها الي الأمة». و نقول، لهذا المنصف العادل، أو المتعصب المتحامل، أو العالم المتجاهل، أو الجاهل المتعاقل: هل كان التلاعن و التطاعن منحصرا في الشيعة و كتبها أو عم المسلمين في جميع أعصارها و أدوارها و كتبها و أسفارها؟ و ماذا [ صفحه 37] رأيت بين كتب غير الشيعة؟، و هل كانت حال هذه الأمة التي تلهج دائما بذكرها في نسبتها الي الشيعة الا أسوأ من هذه الحال التي تدعيها؟ و مهما نسيت أو تناسيت فلا تنس عصرا كان التلاعن و التطاعن فيه بين من تسمي بامرة المؤمنين، و تشرف بشرف الصحبة، و نالت ألسنته علي بن أبي‌طالب رابع الخلفاء الراشدين، و الحسن و الحسين سبطي الرسول صلي الله عليه و آله سلم، و ابن‌عباس حبر الأمة، و استمر ذلك فيما يزيد عن ثمانين سنة. و هل نسي أو تناسب ما كان يجري بين الحنابلة و الشافعية في بغداد؟ و بين الحنفية و الشافعية في بلاد خراسان؟ مما تكفلت به كتب التاريخ. و هل نسي أو تناسي رجم جنازة الطبري صاحب التاريخ و التفسير من الحنابلة [33] فليست هذه حال الشيعة في نسبتها الي الأمة، بل حالة الأمة بعضها مع بعض و علي ذكر هذه الأبيات التي أوردها جري علي لساننا هذه الأبيات لناسلف في ما ترون مقدس نري فيه مطعونا عليه و طاعنا و كلهم نال الرضا عند ربه و لو قد غدا كل لكل مباينا اذا ما اقتدينا بالذي من به اقتدي ينال الهدي، فالكل أصبح آمنا

زعمه التشيع بشكله الأخير لم يكن في العصر الأول

قال (صفحة ي): «و التشيع علي شكله الذي نراه اليوم، و كنا نراه من قبل لم يكن في العصر الأول، و عهد الخلافة الراشدة (و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض) [التوبة / 71]قد ألف الله بين قلوبهم». و في (صفحة ع): «أنا لا أريد أن أكذب القرآن الكريم و التوراة اذ يقول رحماء بينهم». و في (ص 34): «لم يقع بين الصديق و الفاروق و بين علي خلاف في الخلافة و لم يقع بين هؤلاء الصحابة الكرام الأجلة أئمة الاسلام عداء أبدا أصلا، نزع الله من صدورهم غلا كان فيها، و كل آية نزلت في الثناء علي الأمة، [ صفحه 38] فهم أول داخل فيها، و كل ما في كتب الشيعة و كتب الأخبار من العداء بين هؤلاء الأئمة، فكلها موضوعة بلسان الدعاة العداة؛ لو ثبت البعض منها؛ لكان فيها عيب كبير للامام علي أميرالمؤمنين و لأهل بيته كافة». و (في ص 50): «لم يقع بين علي و أكابر الصحابة تعاد أصلا». و نقول: هل كان سعد بن عبادة سيد الخزرج من المؤمنين فلماذا لم يبايع؟ و قال: منا أمير و منكم أمير [34] ، و قيل فيه: «اقتلوا سعدا قتل الله سعدا» [35] حتي خرج الي حوران و قتلته الجن بسهم المغيرة بن شعبة الصحابي في عهد الخلافة الراشدة [36] و هل كان ذلك مسببا عن الولاية و ألفة القلوب؟ و هل كان علي بن أبي‌طالب من غير المؤمنين فلم يبايع الا بعد وفاة فاطمة علي بعض الروايات. و هل كان من الولاية و الألفة بين القلوب ما كانت تقوله أم‌المؤمنين و المؤمنات للخليفة الثالث. [37] و هل كانت حربا الجمل و صفين منبعثتين عن الولاية و الألفة بين القلوب؟ و هل كان ذلك كله في العصر الأول و عهد الخلافة الراشدة؟ و هل يري أن أصحاب الجمل لم يكونوا من أكابر الصحابة رجالا و نساء؟ و هل كان موت الزهراء و هي واجدة علي الخليفة - كما رواه البخاري في صحيحه [38] - ناشئا عن الولاية والألفة بين القلوب؟ و هل كان قتل الخليفة الثالث بين ظهراني المهاجرين و الأنصار مسببا عن الولاية و الألفة بين القلوب و المحبة الزائدة، و حرب الجمل و صفين هل كان سببهما الولاية بين المؤمنين و المؤمنات و الألفة بين قلوبهم و التراحم بينهم أو حب الدنيا و الامارة أو خدعة الصبي عن اللبن بالاجتهاد المخطي؟! [ صفحه 39] و سيأتي منه أنه وقع في تاريخ الاسلام أمران لا ندري أيهما أفجع و أشد وقعا و أذهب بالدين و الشرف، قتل عثمان بمرأي من المهاجرين و الأنصار و قتل الحسين، و هو يناقض كلامه هنا مناقضة صريحة كما سنفصله هناك، ولكنه لا يبالي بتناقض كلامه أو لا يفهمه. و اذا كان أهل العصر الأول كلهم كما ذكر قد ألف الله بين قلوبهم، فلماذا احتيج الي الاعتذار عما صدر بينهم بأنه اجتهاد للمخطي‌ء فيه أجر و للمصيب أجران، فهل يمكن لموسي جار الله أن يحل هذا اللغز ليكون صادقا في دعواه، و قد كان الأولي به عدم التعرض لهذه الأمور لئلا يضطرنا الي نبش دفائنها، و هو لا يريد أن يكذب القرآن الكريم و التوراة بصراحة و وضوح، بل يريد أن يكذبهما بالكناية من دون تصريح، فيقول ان قوله تعالي في القرآن الكريم: (محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله و رضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الانجيل) [الفتح / 29]شامل لبعض أصحاب الملك العضوض حرمة الاسلام، و فرقوا كلمة المسلمين، و تلاعنوا و تشاتموا علي رؤوس المنابر؛ لأنهم مجتهدون فكان ذلك كله نوعا من التعاطف و التراحم بينهم، و حياطة للاسلام و ليس خاصا، فيكون مكذبا للقرآن ولكن بلباقة و كناية لا بصراحة، و نود أن لا يكون وقع بينهم خلاف في الخلافة و لا عداء كما قال. و كان الأولي به - لو عقل - طي هذه الأمور، فليس في نشرها في هذه الأعصار الا الضرر للمسلمين، لكننا نسأله: لماذا لم يدخل علي في الحروب التي وقعت في الفتوحات الاسلامية بعد وفاة النبي صلي الله عليه و آله سلم و لا في ولاية أو امارة، فهل جبن بعدما كان شجاعا، و انما قام الاسلام بسيفه؟ أو خفي عليه فضل الجهاد؟ أو لم يكن أهلا للولاية و الامارة و قيادة الجيوش؟ أو في الأمر سر آخر لا نعرفه. و لماذا دفن البضعة الزهراء ليلا و أخفي قبرها حتي أنه لا يعرف موضعه علي التعيين حتي اليوم، و هناك أمور أخر لا يتسع المجال لذكرها نضرب عنها صفحا [ صفحه 40] و نطوي دونها كشحا و محافظة علي تأليف القلوب، و الله ولي عباده و العالم بسرهم و جهرهم، و لو كان في خوف نبي أو امام عيب عليه لكان ذلك في فرار رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من مكة ليلة الغار علي نفسه من قريش و فرار موسي عليه‌السلام من فرعون و قومه لما خافهم و خروجه من مصر خائفا يترقب، و قول لوط عليه‌السلام (لو أن لي بكم قوة أو آوي الي ركن شديد) [هود / 80]، و قول هارون (ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني) [الأعراف / 150]عيبا عليهم و حاشاهم.

محبة أهل البيت

قال (صفحة ي): «و كان كل يحب أهل البيت و يحترم بيت النبوة» و قال (صفحة ك): «و محبة الأمة لأهل البيت كانت صادقة لا يلعب بها غرض سياسي»، و قال (ص 34): «و الأمة هم أولي الناس بأهل البيت و كل الأئمة. و الولاية الصادقة بمعناها الصحيح الذي يرتضيه أهل البيت لا توجد اليوم و قبل اليوم الا عند أهل السنة و الجماعة و هم عامة الأمة»، و قال (ص 62): «الأمة أصدق ولاية لأهل البيت. الأمة أهدي و أرشد متابعة لأهل البيت في كل ما يصح عنهم، و ثبت عن امام الأئمة علي أميرالمؤمنين» و قال (ص 106): «و لا يتنا نحن أهل السنة و الجماعة لأهل البيت حبا و احتراما و اتباعا أصدق و أشد و أقوي و أقوم من ولاية الشيعة الامامية لأهل البيت». و نقول: المحبة و الولاية أمر قلبي لايطلع عليه الا الله تعالي ولكن له دلائل و علامات. و كذلك الاحترام تدل عليه الأقوال و الأفعال، و من دلائل محبة لأمة لأهل البيت محبة صادقة لا يلعب بها غرض سياسي انحرافها عن سيد أهل البيت و امامهم و محاربته يوم الجمل و صفين و لعنه و لعن ولديه و ابن عمه و خيار أصحابه علي المنابر الأعوام المتطاولة قصدا لأن يربو عليها الصغير، و يهرم عليها الكبير، و لا يذكر له ذاكر فضلا؛ و الأمة بين فاعل و ساكت، و من أنكر كان جزاؤه القتل صبرا بمرج عذرا أو الدفن حيا [39] فهل [ صفحه 41] يريد موسي جار الله دليلا علي صدق محبة الأمة أقوي من هذا و حجة أوضح. و من دلائل ذلك موالاة من أشاة بلعن أهل البيت علي المنابر و أوقع القتل و النهب و الحرمان بمن لايبرأ منهم، و الشاعر يقول: صديق صديقي داخل في صداقتي صديق عدوي ليس لي بصديق و تعريضه بالشيعة بأن لهم في حبهم غرضا سياسيا جهل منه و قلة انصاف، فالشيعة لم تحبهم لغرض سياسي، و أي غرض سياسي تجنيه من ذلك و الدنيا و الملك في يد غيرهم، فان كان لأحد غرض سياسي في حب آخر فليكن حبه لغيرهم، و ما أحبتهم الشيعة الا اتباعا لما أمر الله تعالي به و رسوله بقوله تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي) [الشوري / 23]و قوله عليه‌السلام: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح عليه‌السلام و مثل باب حطة [40] و أشباهه مما لا يحويه نطاق الحصر. نعم، ما كان سبب صرف الناس عنهم و العداوة لهم الا الأغراض السياسية، و محبة غير الشيعة لهم التي جعلتهم فيها كسائر الناس، أو أقل، لم يلعب بها غرض من الأغراض الا الغرض السياسي، و تبع فيها اللاحق السابق، ولكن لا عجب من هذا الرجب فهو يختار في أكثر دعاويه مصادمة الضرورة و البديهة، و كأنه يريد الاستدلال علي الحق بكثرة الاتباع بتعبيره بعامة الأمة، و غير خفي أن الكثرة لا تصلح دليلا علي ذلك و لا القلة علي ضده لما هو غني عن البيان، و ما زال اتباع الحق الأقلين في كل زمان. (و قليل ما هم) [ص / 24](و قليل من عبادي الشكور) [سبأ / 13](و ما وجدنا لأكثرهم من عهد و ان وجدنا أكثرهم لفاسقين) [الأعراف / 102] و قد مدح الله تعالي القلة في القرآن في نحو من عشرين موضعا، وذم الكثرة في القرآن في نحو من مائة موضع. و من صدق محبة الأمة لسيد أهل [ صفحه 42] البيت ايصاؤه أولاده أن يدفنوه سرا خوفا عليه بعد موته و دفنه. [41] و من صدق محبة الأمة لأهل البيت ايصاء الزهراء عليهم‌السلام بأن تدفن ليلا سرا و لا يعرف قبرها. [42] و من صدق محبة الأمة لأهل البيت حربها للحسن ريحانة الرسول من أهل البيت و ممالأتها لعدوه حتي اضطرته الي صلح مشين خوفا علي نفسه و أتباعه حتي قضي مسموما مظلوما قد غصب حقه و نقض عهده [43] ، و من صدق محبة الأمة لأهل البيت قتلها الحسين سبط الرسول و ريحانته من أهل البيت بتلك الصورة الفظيعة، و ما أعقبها من فظائع و فجائع، فكانت الأمة بين قاتل و خاذل الا نفرا قلائل، و لله در القائل: قضي أخوه خضيب الرأس و ابنته غضبي و سبطاه مسموما و منحورا [44] . و من صدق محبة الأمة لأهل البيت ما فعلته مع أبناء الحسن السبط من حملهم من المدينة الي العراق مغللين مكبلين و حبسهم بالهاشمية في محبس لا يعرفون فيه اليلي من النهار، و اذا مات منهم واحد بقي معهم في محبسهم لا يغسل و لا يكفن و لا يدفن، يشجيهم منظره، و يؤذيهم ريحه، حتي هدم عليهم الحبس فماتوا تحت أنقاضه و الأمة بين فاعل و خاذل. و من دلائل محبة الأمة لأهل البيت عليهم‌السلام اعراضها عن مذهبهم و هجره و معاداة من ينتسب اليه، و تبرؤها ممن يعمل بمذهبهم و يقلدهم دينه و هجر طريقتهم أصلا و رأسا و اتباع من لا يصل الي درجتهم علما و عملا فلا يساوونهم بالثوري [45] و لا بمحمد بن [ صفحه 43] الحسن الشيباني و لا بأبي يوسف، فضلا عن الأئمة الأربعة، مع أن مذهبهم أقرب الي الصحة و أولي بالاتباع من غيره؛ لأنهم أخذوه عن آبائهم عن أجدادهم عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عن الله تعالي كما قال الشيخ البهائي: و وال أناسا قولهم وحديثهم روي جدنا عن جبرئيل عن الباري أفلا يكفي هذا كله دليلا علي ما يزعمه موسي جار الله من أن الأمة أصدق و أهدي و أشد اتباعا لأهل البيت عليهم‌السلام و امام الأئمة علي عليه‌السلام، و من صدق محبة الأمة لأهل البيت معاداتهم لشيعتهم و اتباعهم و من ينتمي اليهم و نبزهم بالألقاب و اختلاق المعائب لهم و ستر الفضائل، فعادوهم و آذوهم و أقصوهم و حرموهم، و قد قال الامام جعفر الصادق عليه‌السلام كما عزاه اليه صاحب العتب الجميل: ان اليهود بحبها لنبيها أمنت معرة دهرها الخوان و ذوو الصليب بحب عيسي أصبحوا يمشون زهوا في قري نجران و المؤمنون بحب آل محمد يرمون في الآفاق بالنيران [46] . و قال الطغرائي: حب اليهود لآل موسي ظاهر و ولاؤهم لبني أخيه باد و امامهم من نسل هارون الأولي بهم اهتدوا ولكل قوم هاد و أري النصاري يكرمون محبة لنبيهم نجرا من الأعواد و اذا توالي آل أحمد مسلم قتلوه أو وسموه بالالحاد هذا هو الداء العياء بمثله ضلت حلوم حواضر و بواد لم يحفظوا حق النبي محمد في آله، والله بالمرصاد [47] . من صدق محبة الأمة لامام أهل البيت علي أميرالمؤمنين عليه‌السلام أنها [ صفحه 44] عمدت الي كل فضيلة له تثبت بالنقل الصحيح، فأنكرتها تارة، و وهنتها أخري، و تناولتها بشتي التأويلات الفاسدة ورامت معارضتها بما لم يصح و لم يثبت. أفلا يكفي كل هذا دليلا علي ما يزعمه موسي جار الله من أن الأمة أصدق و أهدي و أرشد اتباعا لأهل البيت و امام الأئمة علي أميرالمؤمنين. قد اقتفي موسي جار الله أثرهم و زاد عليهم في ما يأتي من كلماته ليبرهن علي صدق دعواه هذه. قال (ص 34): «و ليس الشأن كل الشأن في ولايتنا و حبنا لأهل البيت اذ لايوجد مؤمن يعادي أهل البيت، و انما لشأن كل الشأن في من يحبهم أهل البيت. و لا أري ولا أتوهم أن عليا و أولاده الأئمة يحبون من يعادي الصحابة أو يعادي العصر الأول». و نقول: نعم، لايوجد مؤمن يقول أنا أعادي أهل البيت. و الشأن في من يحبهم أهل البيت، لا من يقول: أنا أحب أهل البيت، ولكن يا تري ان من قال: أنا أحب أهل البيت و هو يوالي أعداءهم و يعادي أولياءهم هل يكون صادقا في دعواه؟ و هل أن أهل البيت يحبون من أشاد بلعن سيدهم علي المنابر من أهل العصر الأول و من يواليه و يحامي عنه من أهل الأعصار الأخيرة؟ و من قال: ان الحسين خارجي حلال الدم و أن يزيد خليفة حق و غير ذلك. ترد عدوي ثم تزعم أنني صديقك، ان الرأي منك لعازب و للكاتب، العالم المشهور، عبدالله بن مسلم بن قتيبة كلام في كتاب: «الاختلاف في اللفظ» طبع مصر، يوضح ما قلناه و يثبته، قال في (ص 47) بعدما ذم حالة العلماء في عصره ما لفظه مع بعض الاختصار: «و قد رأيت هؤلاء قابلوا الغلو في حب علي بالغلو في تأخيره و بخسه حقه، و لحنوا في القول و ان لم يصرحوا الي ظلمه و اعتدوا عليه بسفك الدماء بغير حق و نسبوه الي الممالأة علي قتل عثمان و أخرجوه بجهلهم من أئمة الهدي الي جملة أئمة الفتن، و لم يوجبوا له اسم الخلافة لاختلاف الناس عليه، و أوجبوها ليزيد بن معاوية لاجماع الناس عليه، و اتهموا من ذكره بخير، و تحامي كثير من المحدثين أن [ صفحه 45] يحدثوا بفضائله أو يظهروا ما يجب له، و كل تلك الأحاديث لها مخارج صحاح، و جعلوا ابنه الحسين خارجيا شاقا لعصا المسلمين حلال الدم، و أهملوا من ذكره أو روي حديثا من فضائله حتي تحامي كثير من المحدثين أن يتحدثوا بها، و عنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص و معاوية كأنهم لا يريدونهما بذلك و انما يريدونه. فان قال قائل: أخو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي و أبوسبطيه الحسن و الحسين، و أصحاب الكساء علي و فاطمة و الحسن و الحسين تمعرت [48] الوجوه، و تنكرت العيون، و طرت حسائك الصدور، و ان ذكر ذاكر قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «من كنت مولاه» [49] و أنت مني بمنزلة هارون من موسي» [50] و أشباه هذا التمسوا لتلك الأحاديث الصحاح المخرچ لينقصوه و يبخسوه حقه، و هذا هو الجهل بعينه». فما رأي صاحب الوشيعة في هذا الكلام و ابن‌قتيبة مرمي بالانحراف عن أهل البيت، قال الكوثري المعاصر في حاشية كتابه المذكور - أي الاختلاف في اللفظ - «انه - أي ابن‌قتيبة - في مؤلفاته السابقة يشف من ثنايا نقوله ما شجر بين الصحابة الانحراف و النصب حتي أن الحافظ ابن‌حجر قال في حق حمل السلفي كلام الحاكم فيه علي المذهب: ان مراد السلفي بالمذهب النصب، فان في ابن‌قتيبة انحرافا عن أهل البيت و الحاكم علي ضد من ذلك». [51] . قال (صفحة ك): «و ميل الشيعة زمن الأموية الي أهل البيت لم يكن عاطفة دينية، و انما هو رغبة و أمل في ما كانوا ينتظرونه علي أيدي أهل البيت من الحكم بالعدل و من الاستقامة في السيرة، فكان تشيع الشيعة عداوة لبني أمية و بني العباس». [ صفحه 46] و نقول: هذه الدعاوي كغيرها من دعاواه مجردة عن الدليل لا يعضدها برهان، و يخالفها الدليل و الوجدان. بل ميل الشيعة زمن الأموية، و في كل زمان، الي أهل البيت كان عن عقيدة دينية راسخة لما بلغهم من قول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم: اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي أهل بيتي [52] اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله و عترتي أهل بيتي [53] مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها هوي. [54] مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة من دخله كان آمنا [55] و أمثالها. و لما رأوه فيهم من الفضل، و العفة، و النبل، و العلم، و العمل، و الزهادة، و العبادة. و لما رأوه في سواهم من أشداد هذه الصفات. و قوله: «من الحكم بالعدل و الاستقامة في السيرة» اعتراف منه بأن ذلك لم يكن في بني أمية، و هذا مما أوجبه الدين و الشرع، فالميل الي من يرجي فيه ذلك يكون عاطفة دينية و الميل عمن فيه ضد ذلك ليس الا للعاطفة الدينية فهو يناقض قوله لم يكن عاطفة دينية. و قوله، «فكان تشيع الشيعة عداوة لبني أمية و بني العباس» يناقض قوله رغبة و أملا في ما كانوا ينتظرونه علي أيديهم من الحكم بالعدل و الاستقامة في السيرة، فوقع في كلامه ثلاث جمل متتالية متناقضة. لم يكن عاطفة دينية يناقض رغبة في العدل و الاستقامة و الثاني يناقض عداوة للأموية و العباسية مع أنه لم يكن بين الشيعة و بين الأمويين شي‌ء خاص [ صفحه 47] يوجب العداوة الا العداوة الدينية لظلمهم أهل البيت، فما هي الا العاطفة الدينية علي أنه كان في الأمويين جماعية متشيعين مثل خالد بن سعيد بن العاص [56] و كان عمر بن عبدالعزيز يقول بتفضيل علي عليه‌السلام و خبره في الذي حلف بطلاق زوجته ان لم يكن علي أفضل الناس بعد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم معروف، ذكره ابن أبي‌الحديد في شرح النهج من رواية ابن الكلبي [57] و يحكي التشيع عن معاوية الأصغر، و مثل مروان بن محمد السروجي. قال المرزباني في تلخيص أخبار شعراء الشيعة: كان من بني أمية من مصر و كان حسن التشيع [58] و مثل صاحب الأغاني [59] من نسل مروان بن الحكم، و كان في العباسيين جماعة كذلك أولهم عبدالله بن العباس الذي بلغ الغاية في نصر أميرالمؤمنين عليه‌السلام و نشر فضائله، و منهم المأمون والامام الناصر و غيرهما، و كل هذا يدل علي قصور نظره.

زعمه حدوث التشيع زمن علي

قال (صفحة ي): «و لم يحدث التشيع و التخرج الا زمن علي بدهاء معاوية و فساد الأموية، حدث من عداوة جاهلية بين أفراد أو بين بيوت، وم لم يكن من الدين و لا من الاسلام في شي‌ء. و لو كان لعلي سيرة النبي و سياسة الشيخين لما كان للتشيع من امكان». و نقول: دعواه أنه لم يحدث التشيع الا زمن علي - أي زمن خلافته - دعوي باطلة: فقد قال الشيخ أبومحمد الحسن بن موسي النوبختي في كتاب: «الفرق و المقالات»، المطبوع في استانبول: «الشيعة هم فرقة علي بن أبي [ صفحه 48] طالب المسمون بشيعة علي في زمان النبي صلي الله عليه و آله سلم و بعده، معروفون بانقطاعهم اليه، و القول بامامته» [60] ، و قال أبوحاتم السجستاني في الجزء الثالث من كتاب الزينة: «ان لفظ الشيعة كان علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لقب أربعة من الصحابة: سلمان وأبي‌ذر و المقداد و عمار» [61] ؛ وذلك صريح في أن مبدأ التشيع من زمن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم»، و قال السيوطي في «الدر المنثور في تفسير كلام الله بالمأثور»، في تفسير قوله تعالي: «أولئك هم خير البرية» [البينة / 7]أخرج ابن‌عساكر عن جابر بن عبدالله: «كنا عند النبي صلي الله عليه و آله و سلم فأقبل علي فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: والذي نفسي بيده، أن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة (الحديث). قال: و أخرج ابن‌عدي عن علي قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ألم تسمع قول الله: (ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية» [البينة / 7]أنت و شيعتك و موعدي و موعدكم الحوض اذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين [62] الي غير ذلك. و هذا و ان لم يصرح فيه بوجود التشيع لعلي يومئذ الا أنه يدل علي أن باذر بذر التشيع هو النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أن اسم التشيع لعلي لم يحدث في خلافته بل قبلها و أن التشيع له لم يحدث بدهاء معاوية وبغيه، بل بأمر النبي صلي الله عليه و آله و سلم و بشارته. و السامعون لهذا الكلام و منهم جابر لابد من أن يكون فيهم من تشيع لعلي بعد سماعه هذا الكلام المؤثر المرغب ان لم يكن متشيعا له قبل ذلك، و ما سماه دهاء معاوية قد أخطأ في تسميته و هو أولي أن يسمي بغير هذا الاسم و ينعت بسوي هذا النعت مما يعرفه العارفون و يتحققه المنصفون. أما فساد الأموية فسواء أحدث من عداوة جاهلية بين أفراد أو بيوت كما زعم أم من عداوة دينية بين الاسلام و الوثنية، و عبادة الله و عبادة الأصنام، و من ثارات بدرية و ضغائن أحدثها يوم الفتح و انتصار الاسلام علي الكفر، فالذنب فيه ليس علي الأمويين وحدهم، بل علي الأمة المعصومة بزعمه التي أعانتهم و نصرتهم [ صفحه 49] و مهدت لهم، و ما كلامه هذا الذي أراد أن يعتذر به للأمويين من طرف خفي الا خارج من هذا المنبع، و هل كان حرب الجمل من عداوة بين العلوية و الأموية؟ و هل كان فعل ابن الزبير مع أن أباه ابن‌عمة الرسول و علي بن أبي‌طالب - حين قطع ذكر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من الخطبة كما يأتي - مسببا عن العداوة بين الأموية و العلوية؟ و من ذلك تعلم أن قوله: «لم يكن من الدين و لا من الاسلام في شي‌ء»؛ ليس من الحق و لا من الصواب في شي‌ء، فما جاهدت العلوية الأموية و عادتها الا دفاعا عن الدين الذي أرادت الأموية أن تثأر منه، و ما حاربت الأموية العلوية و عادتها الا انتقاما من الدين و الاسلام، و لذلك قال عمار بن ياسر يوم صفين: «ان هذه الراية قاتلتها ثلاث عركات ما هذه بأرشدهن» [63] أو ما هذا معناه. و قوله: «لو كان لعلي سيرة النبي» جهل منه بمقام علي أو تجاهل، فسيرة علي عليه‌السلام لا تعدو سيرة النبي صلي الله عليه و آله و سلم قيد شعرة، فبسيرته اقتدي، وعلي مثاله احتذي و في منهاجه نهج. و كيف لا يكون كذلك و هو الذي ربي في حجر النبي صلي الله عليه و آله و سلم و تأدب بآدابه و اقتدي بهديه و كان منه بمنزلة هارون من موسي [64] و كان نفسه في آية المباهلة [65] ، و قال فيه النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «علي مني و أنا من علي» - رواه البخاري - [66] علي مني بمنزلة الصنو من الصنو»، «علي مني بمنزلة الذراع من العضد» و آخاه دون كل الصحابة [67] و قال له: «تقاتل بعدي علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله» [68] و قال علي عليه‌السلام - كما في نهج‌البلاغة -: «و أنا من رسول الله صلي الله عليه و آله سلم كالصنو من الصنو أو كالضوء من الضوء و الذراع من [ صفحه 50] العضد» [69] قال ابن أبي الحديد في الشرح: «و هذه الرتبة قد أعطاه اياها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في مقامات كثيرة نحو قوله في قصة براءة: قد أمرت أن لا يؤدي عني الا أنا أو رجل مني، وقوله: لتنتهن يا بني وليعة أو لأبعثن اليكم رجلا مني، أو قال عديل نفسي، و قد سماه الكتاب العزيز نفسه فقال: (و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم) و قال له: لحمك مختلط بلحمي و دمك مسوط بدمي و بشرك و بشري واحد» [70] الي غير ذلك مما لا يسعه المقام، أفلا يكفي هذا أن يكون لعلي سيرة النبي عند موسي تركستان؟ و لما قال له عبدالرحمن بن عوف: «أبايعك علي كتاب الله و سنة رسوله و سيرة الشيخين» [71] أبي الا المبايعة علي كتاب الله و سنة رسوله، و هذه هي السيرة النبوية في تقديم الكتاب و السنة علي كل شي‌ء أفيحسن التركستاني بعد هذا أن يقول لو كان لعلي سيرة النبي؟ و أولي بالصواب أن يقال: لو كان للشيخين سيرة و سياسة علي لما كان للتشيع من امكان. و كيف يتصور ذو عقل أو ذو دين أن يكون لعلي غير سيرة النبي بصائر صلي الله عليه و آله و سلم؟! و قال (ص 34): «كل يعلم و كلنا نعلم أن البيوت الأموية و العباسية و العلوية كانت بينها ثارات و ثارات و عداوات عادية قديمة و حديثة، و لم تكن الا خصائص بدوية سامية عربية قد كانت و ضرت الاسلام و وقعت بها فقط لا بغيرها في تاريخ الاسلام أمور منكرة لم تقع في غيره، ثم زالت بزوال أهلها و ليس فيها اثم و لا أثر لأهل الاسلام و لا لأهل السنة. ليس الاثم الا لأهلها و هم البيت الأموي و البيت العباسي و البيت العلوي و الله يفصل بينهم يوم القيامة». و قال (صفحة ج س): «و علي علي لبني أمية ثارات بأقلها تستحل طبيعة العرب المحارم، و تستبيح الدماء، قلت ذلك ليعلم أن ما وقع في أوائل أفضل العصور الاسلامية لم يقع الا من بيوتات أموية هاشمية علوية لعداوة قديمة ليس [ صفحه 51] للاسلام فيه من أثر و لا لأهل السنة و الجماعة فيه من دخل، قد كانت عفاريت الأعداء توري به نيران البغضاء في قلوب الأمم الاسلامية». و في (ص 50 - 49): «تراجم الأبواب - في الكتب - مثل باب ما نزل من الآيات في أعداء الأئمة، هذه التراجم في نفسها ساقطة سخيفة لم يكن للأمة عداوة للأئمة و ان كان وقع بين أموي و عباسي و علوي عداوة عادية بدوية، فلم ينزل فيها شي‌ء و الأمة منها بريئة تمام البراءة. نعم، قد استفاد أعداء الاسلام من تعادي هذه البيوت استفادة شيطانية و لا ذنب فيها علي الأمة». و مر (في صفحة ي) قوله: «ان التشيع حدث من عداوة جاهلية بين أفراد أو بين بيوت و لم يكن من الدين و لا من الاسلام في شي‌ء». و نقول أولا: زعمه أن هذه الثارات و العداوات بين الأمويين و العلويين و بين العباسيين و العلويين كانت أمورا عادية بدوية تستحل العرب المحارم و تستبيح الدماء بأقلها ليس فيها اثم و لا أثر لأهل الاسلام و لا لمن تسموا بأهل السنة ليس الاثم فيها الا لأهل البيوت الثلاثة و الأمة منها بريئة، هو تمويه و تضليل؛ فالثارات و العداوات بين الأمويين و العلويين لم تكن الا بين الكفر و الاسلام، و عبادة الله و عبادة الأصنام، مهما غير اسمها أو بدل وصفها، فذلك لا يجعل لأهلها و لمن مكنهم منها عذرا، و طبيعة العرب في استحلال المحارم و استباحة الدماء قد محاها الاسلام، و لو صدق اسلام بني أمية لما كانوا يثأرون لها. فالصواب أنها لم تكن الا بدرية لا بدوية، و شهد شاهد من أهلها بقوله: «ليت أشياخي ببدر شهدوا» [72] ، و في غير ذلك شواهد ممن سبقوا يزيد و ممن تأخروا عنه و ان أراد سترها و تمويهها بأنها عادة بدوية كالتي حدثت بسبب داحس و الغبراء فهي ليس لها كثير أهمية، لم ينزل فيها شي‌ء، و لو نزل فيها [ صفحه 52] شي‌ء لعلمه موسي جارالله و الأمة منها بريئة تمام البراءة - براءة أخوة يوسف من القائه في الجب - و اذا كان الأمر كذلك فمن هم الذين مكنوا و مهدوا لهم حتي ارتكبوا هذه المنكرات؟ و هل كانت آثام تلك المنكرات الا في رقابهم و الذين نازعوا عليا و حاربوه بجيوشهم يوم الجمل و صفين و النهروان و شقوا عصي المسلمين، و قتلوا مئات الألوف منهم، و جعلوا بأس المسلمين بينهم، و الذين سب علي و بنوه علي المنابر عشرات السنين، و هم ساكتون لا يغيرون بيد و لا لسان، أو معاونون، و الذين اضطروا أولاده أن يدفنوه سرا و يخفوا قبره، و الذين حاربوا الحسن مع بني‌أمية و الذين خذلوه و كاتبوا عدوه، و الذين طعنوه في فخذه و انتهبوا رحله، و الذين مهدوا لسمه و لخلافة يزيد حتي جيش الجيوش علي الحسين، و الذي ترك الصلاة علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم في خطبته مدة طويلة - في ما رواه المؤرخون - و قال: ان له أهيل سوء اذا ذكرته اتلعوا أعناقهم فأنا أحب أن أكبتهم، و قال: بيت سوء لا أول لهم و لا آخر [73] ، و الذين كانوا يسمعون و لا يغيرون بيد و لا لسان، و الذين مهدوا لبني أمية حتي و لوا زيادا و الحجاج علي المسلمين و فعلا الأفاعيل، و الذين أعانوا بني العباس حتي ظلموا الطالبيين و بنوا عليهم الحيطان و قتلوا الامام موسي بن جعفر بالسم بعد حبسه سنين، و حرثوا قبر الحسين و منعوا من زيارته و سخروا من أميرالمؤمنين علي في مجالس اللهو [74] ، كل هؤلاء لم يكونوا من الأمة المعصومة و لا اثم و لا أثر لها في ذلك، و لا لقومه الذين يدافعون و ينافحون عن مرتكبي تلك الجرائم جهدهم.كل هذه أمور عادية بدوية حدثت بين الأمويين و العباسيين و العلويين فقط كالتي حدثت بين بني عبس و بني ذبيان لا دخل فيها لأحد سواهم، أصحاب الجمل و صفين كلهم من بني أمية و الذين مع علي كلهم من العلويين و باقي الأمة كانت علي [ صفحه 53] الحياد تعبد الله و تسبحه و تقدسه معتزلة للفريقين اعتزال الأحنف في بني تميم. قال ذلك موسي جار الله محافظة علي أفضل العصور لئلا يقال انه وقع فيها مثل هذه القبائح، فكان كغاسل الدم بالبول، و المنصور و الرشيد و المتوكل و غيرهم من بني العباس كانوا خصماء العلويين وحدهم لم يساعدهم أحد من الأمة و لم يكن في وزرائهم و لا جيوشهم أحد من غير بني العباس، و العداوة بينهم و بين العلويين عادة بدوية، قضايا مسلمة و أمور ضرورية لا يشك في فسادها الا أبله أو متعصب غطي الهوي علي بصيرته. و عداوة بني‌العباس للعلويين لم تكن عادية و لا خصائص بدوية عربية، بل حسدا للعلويين و خوفا منهم علي ملكهم، و لم يكن لها أثر قبل تولي بني‌العباس الملك و لم يكن فيها ذنب للعلويين الا فضلهم و ميل الناس اليهم و من الذي كان يعين العباسيين علي العلويين غير الأمة المعصومة!؟ ثانيا: زعمه أنه وقعت بها فقط لا بغيرها أمور منكرة في تاريخ الاسلام مؤكدا بقوله: «فقط لا بغيرها» جهل منه أو تجاهل، ففتنة قتل عثمان و حرب الجمل بل و حرب صفين كانت من الأمور المنكرة التي جرت الويلات علي الاسلام و المسلمين كانت بغيرها لا بها، و كم وقعت في تاريخ الاسلام أمور منكرة لا تحصي كانت بغيرها لا بها و شهرتها تغني عن ذكرها. ثالثا: اذا كانت زالت بزوال أهلها فآثارها باقية الي اليوم و بعد اليوم، و جدالك هذا معنا و تهوينك أمرها أثر من آثارها. رابعا: عفاريت الأعداء و أعداء الاسلام الذين حاربوه يوم بدر و أحد و الأحزاب و غيرها، ثم دخلوا فيه كرها ليحقنوا دماءهم هم الذين كانوا يضرمون نيران البغضاء في قلوب الأمم الاسلامية لنيل مآربهم الدنيوية، فاستفادوا فوائد شيطانية دنيوية ساعدتهم عليها الأمة المعصومة بعفاريتها و شياطينها، فكان الذنب كل الذنب عليها لا علي عبدالله بن سبأ و أمثاله كما يفهم من كلامه في موضع آخر و لا ما قلد فيه غيره، و لا كته بعض الألسن من أن التشيع لأهل البيت حدث من الفرس كيدا للاسلام و من بعض اليهود فانه بعيد عن الحقيقة بعد [ صفحه 54] السماء عن الأرض، و هو من الأمور الشيطانية لا يراد به الا ستر القبائج و اخفاء الفضائح و هيهات. خامسا: اشراكه البيت العلوي مع البيتين الآخرين في غير محله، فأين آل أمية و آل عباس، من آل علي!؟ قال الشريف الرضي: لنا الدولة الغراء ما زال عندها من الظلم واق أو من الجور منصف بعيدة صوت في العلي غير رافع بها صوته المظلوم و المتحيف [75] . و قال أبوفراس الحمداني: و ما توازن يوما بينكم شرف و لا تساوت بكم في موطن قدم [76] . و قال بعض شعراء العصر: حاشا بني‌فاطم ما القول مثلهم شجاعة لا ولا جودا و لا نسكا سادسا: قوله: «هذه التراجم في نفسها ساقطة سخيفة لم يكن للأمة عداوة للأئمة» هو في نفسه كلام ساقط سخيف يكذبه أن امام الأئمة مضي أكثر عمره و لم يدخل في شي‌ء من أمور الأمة جهاد و لا غيره، و جري عليه و علي ولديه و الحسنين ما مر في الأمر الأول، و تتبع الظالمون شيعته و ذريته، فأوسعوهم قتلا و حبسا و تشريدا و غيرها من أنواع الظلم الفاحش، و باقي الأئمة كانوا في الدولتين تحت ستار من الخوف و في مضايق الاجتهاد و الظلم و الحبس و النفي و القتل بالسم و أنواع الأذي، كما هو معروف مشهور. كل هذا و لم يكن للأمة لهم، و تركت الأمة مذهبهم، و لم تره كأحد المذاهب التي تقلدها مع أنه أولي بالاتباع، و كان الباعث علي ذلك المودة لا العداوة حتي قام موسي التركستاني اليوم يشكك في روايتهم، فيقول: انه كانت لهم رواية. [ صفحه 55]

الصحابة و العصر الأول و أمهات المؤمنين

اشاره

نسب الي الشيعة في مواضع من كتابه أمورا قال: انها لا تتحملها الأمة و العقل و الدين، و هي: (1) القول في الصحابة و في من غصب حق أهل البيت عليهم‌السلام و ظلمهم (2) في العصر الأول (3) في أمهات المؤمنين. ناقلا ذلك عن بعض الكتب التي فيها الحق و الباطل، و الصحيح و السقيم، و لو كان كل ما فيها صحيحا فلماذا وضع علم الرجال و علم الدراية؟ هل هو الا للبحث عن الأسانيد و تمييز الصحيح منها من السقيم؟ و الأخذ بما صح سنده و لم يخالف الكتاب و السنة و الاجماع و طرح ما عداه، و لا يمكن أن ينسب الي طائفة من أهل المذاهب اعتقاد كل ما في كتب أفرادها اذ ليسوا كلهم بمعصومين، و لا كل ما رووه في كتبهم صحيحا، بل صاحب الكتاب لا يري كل ما في كتابه صحيحا، و انما ذكر سنده كما وجده، و اذا كان تحري؛ فانما أخذ في صحة الاسناد بالظنون و الاجتهادات التي يجوز عليها الخطأ، و يجوزها هو علي نفسه، و قد يظهر لغيره ما لم يظهر له، و يطلع غيره علي ما لم يطلع هو عليه، فيخالفه في رأيه، و يكون الصواب مع ذلك الغير. و نحن نتكلم علي كل واحد من هذه الأمور التي ذكرها علي حدته، و نبين ما هو الصواب فيه.

الصحابة

اشاره

أما الصحابة، فالنزاع بين الشيعة الامامية الاثني عشرية و بين الأشاعرة الذين سموا أنفسهم بأهل السنة و الجماعة، و بين المعتزلة، في أمر الخلافة و الامامة و في تفاوت درجات الصحابة رضوان الله عليهم و عدالة جميعهم و عدمها، و كون علي أحق ممن تقدمه بالخلافة أو لا، ليس هو وليد اليوم، بل قد مضت عليه القرون و الأحقاب، و حصل قبل ألف و مئات من السنين قبل أن يخلق الله الأشاعرة و المعتزلة، و تناولته الألسن و الأقلام في كل عصر و زمان ممن لا يصل أمثاله الي أدني درجاتهم في العلم، و ألفت فيه الكتب الكلامية [ صفحه 56] المختصرة والمطولة من الفريقين ابراما و نقضا، و بذل فيه الفريقان وسعهم و أتوا بكل ما وصلت اليهم قدرتهم من حجج و براهين و نقض و ابرام، فكل يدلي بحجته و يدعي أن الحق في جانبه و لا مرجع لاثبات أن الحق مع أحد الفريقين الا الدليل و البرهان، فان كان في وسعه اقامة البرهان علي شي‌ء من ذلك فليأت به. أما هذه التهويلات و الكلام الفارغ و الدعاوي المجردة عن الدليل أمثال لا تتحملها الأمة و الأدب و العقل و الدين فلا تثبت حقا و لا تنفي باطلا، و لا تأتي بجدوي، و كل من الباحثين مجتهد بزعمه، معذور عند ربه، ان أخطأ فله أجر واحد، و ان أصاب فله أجران أسوة بالصحابة الكرام الذين اجتهودا، فمنهم من أصاب و منهم من أخطأ، و للمصيب منهم أجران و للمخطي‌ء أجر واحد، و القاتل و المقتول و الباغي و المبغي عليه كلهم في الجنة، فليسعنا من رحمة الله و عفوه ما وسعهم، فان رحمته واسعة لا تسع قوما و تضيق عن آخرين فما لنا و لهذا التهويش في زمان نحن فيه أحوج الي الوئام و الوفاق من النزاع و الشقاق. و نحن نسأله عن العصر الأول - أفضل عصور الاسلام و خير القرون عندك و خير أمة أخرجت للناس بنص الكتاب - و عصر الخلافة الراشدة: هل كان يسب و يلعن فيه علي بن أبي‌طالب رابع الخلفاء الراشدين و ولداه الحسن و الحسين سبطا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و سيدا شباب أهل الجنة و عبدالله بن عباس حبر الأمة، و ترجمان القرآن، و فقيه الصحابة، و هم خيار الصحابة و أفاضلهم و أكابرهم، علي المنابر الأعوام المتطاولة في كل قطر، و في جميع بلاد الاسلام في الأعياد و الجمعات، وقنتت بلعنهم في الصلوات، و في أعقابها، و علي منبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مقابل حجرته الشريفة بمسمع من أهل بيته، و باقي الأمة ساكتون، أو معاونون في جميع أقطار الأرض؛ الا نفر يسير كان جزاؤهم القتل بالسيف صبرا في مرج عذرا. و نسأله عن قتل حجر بن عدي الكندي صبرا [77] و عن قتل عمرو بن الحمق الخزاعي؟ و حبس زوجته آمنة بنت الشريد في سجن دمشق سنتين؟ [ صفحه 57] و هما من أفاضل الصحابة [78] ، فهل كان كل ذلك من الأمور التي تحملتها الأمة و الأدب و العقل و الدين؟ و قد استمر ذلك مدة ملك بني‌أمية الا يسيرا منها في خلافة عمر بن عبدالعزيز [79] . فلماذا احتملتها الأمة كل هذه المدة و بقيت صامتة أو معاونة مشاركة؟ و جاءت الأمة بعد ذلك تجعل عذرا لمرتكبي هذه الفظائع، و تحملها علي الاجتهاد الذي يؤجر صاحبه، و الأمة معصومة عندك، كما ستصرح به مرارا و تكرارا. فهل كان هذا من آثار عصمتها؟ أو أن الله تعالي - و هو أعدل العادلين - من جهة قوم شديد العقاب و من جهة آخرين غفور رحيم؟! فمن هو يا تري الذي سن السب و اللعن، و فتح باب القدح و الطعن؟، و الحتملته الأمة و احتمله الأدب و العقل و الدين مئات السنين، ثم لم تعد تحتمله. و نسأله عن قول احدي أمهات المؤمنين في بعض أكابر الصحابة من الخلفاء الراشدين: اقتلوا فلانا فقد كفر [80] ، و عن قول ابن أم كلاب لها: و أنت أمرت بقتل الامام و قلت لنا انه قد كفر [81] .

عدالة الصحابة

قال (صفحة ما): «القرن الأول هم الصحابة عدول بالاجما و خير هذه الأمة. و خير أمة أخرجت للناس. و كل ثناء في القرآن هم أول داخل فيه. خرج النبي عن الدنيا و هو عن كلهم راض. و لهم كان الخطاب: (اليوم أكملت لكم دينكم) [المائدة / 3]الآية. و خطاب الوعد بالاستخلاف و التمكين». ثم ذكر آية: [ صفحه 58] (والسابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم باحسان) [التوبة / 100]الآية. قال: و المتبوع لا يكون الا الأفضل و الأشرف. فالعصر الأول هم أفضل الأمة. و أفضله الصديق و الفاروق و الخلافة الراشدة و الصحابة (اه ملخصا). و نقول: في كلامه مواقع للنظر: أولا - دعواه الاجماع علي عدالة جميع الصحابة التي سبقه اليها ابن‌حجر، هي في محل الخلاف، فقد صرح ابن الحاجب في مختصر الأصول و العضد في شرحه بنسبة ذلك الي الأكثر، قال: و قيل كغيرهم، و قيل: الي حين الفتن فلا يقبل الداخلون من الطرفين. و قال الآمدي في احكام الأحكام: «اتفق الجمهور من الأئمة علي عدالة الصحابة، و قال قوم: ان حكمهم في العدالة حكم من بعدهم في لزوم البحث عن عدالتهم عند الرواية. و منهم من قال انهم لم يزالوا عدولا الي حين ما وقع من الاختلاف و الفتن في ما بينهم» [82] فاذا المسألة ذات أقوال ثلاثة، فأين الاجماع؟ ثانيا - ينافي هذه الدعوي ما شوهد من صدور أمور من بعضهم لا تتفق مع العدالة كالخروج علي أئمة العدل، و شق عصا المسلمين، و قتل النفوس المحترمة، و سلب الأموال المعصومة، و السب و الشتم، و حرب المسلمين و غشهم، و القاح الفتن، و الرغبة في الدنيا، والتزاحم علي الامارة و الرئاسة، و غير ذلك مما كفلت به كتب الآثار و التواريخ، و ملأ الخافقين و أعمال مروان بن الحكم و الوليد بن عقبة في خلافة عثمان، و بسر بن أرطأة، و عمرو بن العاص أيام معاوية معلومة مشهورة [83] ، و كلهم من الصحابة. و الحمل علي الاجتهاد يشبه خدعة الصبي عن اللبن. ثالثا: العموم في باقي ما ذكره ممنوع، فان كان ذلك مقيد أو مخصص بغيره من الأدلة و الآيات الدالة علي اشتراط ذلك بعدم حصول [ صفحه 59] ما ينافيه. رابعا - سيأتي منه في مقتل عثمان ما ينافي عدالة جميع الصحابة. خامسا - كون النبي خرج عن الدنيا و هو عن كلهم راض دعوي تحتاج الي الاثبات، و قد تبرأ الي الله من فعل بعضهم في حياته ثلاثا [84] سادسا - اذا كان الله تعالي خاطب النبي صلي الله عليه و آله و سلم و المسلمين بأنه أكمل لهم الدين، و أتم عليهم نعمته، و رضي لهم الاسلام دينا، فما وجه الملازمة بين ذلك و بين عدالة جميعهم و هل يمنع ذلك من أن يكون بعضهم لم يقم بشكر تلك النعمة. سابعا - الفضل لا يكون الا بالتفوق في الصفات الفاضلة التي نراها مستجمعة في علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام لايشاركه فيها مشارك، كما قال خزيمة ذو الشهادتين: من فيه ما فيهم لا يمترون به و ليس في القوم ما فيه من الحسن [85] . و لا ينكر ذلك الا مكابر أو مقلد. ثامنا - اذا كان الآيات المذكورة شاملة للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم فهي لا تشمل من صدرت منهم الأمور المنافية للعدالة. تاسعا - اذا كانت الأمة معصومة كما ادعاه في ما يأتي و أطال فيه و ملأ الصفحات و الأوراق، فلماذا لم يدع العصمة في الصحابة، و هم أعيان الأمة و اقتصر علي مجرد العدالة.

العصر الأول و القرن الأول

قال (في صفحة ف): «الروح في كتب الشيعة هي العداء للعصر الأول). و (في ص 227): «ان أول عصور كل الأديان والأمم يعتقدها اتباعها مقدسة محترمة الا الشيعة» و (في ص 26): «الأمة قد علمت علم اليقين أن أفضل قرون الاسلام قرن رسالته و قرن خلافته الراشدة»، و (في صفحة 227): «ان العصر الأول هو أفضل عصور الاسلام» و (في ص له) ما حاصله: «ثبت أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم كان يقول خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. و المعني أن القرون الثلاثة خير من القرون السابقة علي الاسلام و لا تفاضل بين [ صفحه 60] القرون الثلاثة؛ اذ ثبت أمتي كالمطر لايدري أولها خير أم آخرها، أريد التفاضل بين القرون الثلاثة، فمعني لايدري أولها خير أم آخرها في سعة الأرزاق و اتساع البلاد و الدولة». و نقول: أما العداء للعصر الأول فالذي بيننا و بينك ليس العداء للأعصار و لا للأشخاص، انا متفقون معكم في كل شي‌ء جاءت به شريعة الاسلام الا في الامامة لمن هي، و من هو الأحق بها بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و في صفات الباري تعالي و رؤيته، و نحو ذلك. و هذه تكون القناعة فيها بالحجة و البرهان لا بهذه التهويلات التي لا تغني فتيلا. و أما أن أوائل عصور الأديان مقدسة محترمة باعتقاد أتباعها. فيرده أنه لو سلم اعتقاد اتباعها ذلك لا يدل علي أنها مقدسة واقعا، بل هم ان اعتقدوا ذلك فهم مخطئون في اعتقادهم؛ لأن الوجدان علي خلافه. فآدم عليه‌السلام كان له ابنان قتل أحدهما الآخر ظلما، فاذا كان هذا و بنو آدم في الدنيا اثنان فقط فما ظنك بهم و قد صاروا فيها ألوفا و ملايين و مليارات. و نوح عليه‌السلام من أولي العزم لبث في قومه ألف سنة الا خمسين عاما، يدعوهم و هم يكذبونه و يسخرون منه، و هو يبني السفينة و يقولون له: صرت بعد النبوة نجارا، فأهلكهم الطوفان، و أهلك جميع من علي وجه الأرض من انسان و حيوان الا من حملتهم السفينة. و ابراهيم عليه‌السلام من أولي العزم عاصرة النمرود و ادعي الربوبية ورام احراقه بالنار فنجاه الله ثم طرد و أبعد. و لوط عليه‌السلام كذبه قومه و انتشرت فيهم فاحشة اللواط حتي قلب الله مدينتهم بأهلها و جعل عاليها سافلها. و قوم صالح عليه‌السلام كذبوه و عقروا الناقة فأهلكهم الله. و أولاد يعقوب عليه‌السلام أرادوا قتل أخيهم يوسف عليه‌السلام، ثم ألقوه في الجب، و باعوه بيع العبيد، و أحزنوا أباهم حتي ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم... و موسي عليه‌السلام من أولي العزم عاصر فرعون، مدعي الربوبية، ورام قتله فخرج من مصر خائفا يترقب، يقتات من نبات الأرض، و لاقي من بني اسرائيل الشدائد بعدما خلصهم من فرعون الذي كان يذبح أبناءهم و يستحيي نساءهم، و لم تجف أقدامهم من البحر حتي طلبوا [ صفحه 61] منه أن يجعل الأصنام، و لم تمض مدة طويلة حتي عبدوا العجل و قالوا: (فاذهب أنت و ربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون) [المائدة / 24]، و حتي تاهوا في الأرض أربعين سنة، و حتي مسخوا قردة و خنازير، و خالفوا علي وصي موسي يوشع بن نون و حاربوه. و عيسي عليه‌السلام من أولي العزم كذب و حاول قومه صلبه و دل عليه بعض أصحابه، و هكذا سائر الأنبياء فعل بهم الأفاعيل، وقد قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «التتبعن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة، حتي لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» [86] و محمد صلي الله عليه و آله و سلم لم يكن نصيبه بأقل من نصيب الأنبياء قبله من أممهم، كذب و أوذي و طرد وراموا قتله، فخرج عنهم مستخفيا، و كان طول حياته مشغولا بالحروب حتي ظهر أمر الله و هم كارهون، و كان في عصره كثير من النافقين بنص الكتاب، وراموا قتله يوم تبوك، فأعلمه الله بهم، و بعده توالت الفتن و الحروب و انتقم أعداؤه من ذريته و أهل بيته، بعد موته، بما هو مشهور معروف. ثم توالت الفتن و الحروب في جميع دول الاسلام الي اليوم. و العصور انما تكون مقدسة محترمة بأهلها، فهذه أوائل عصور كل الأديان و الأمم كانت بهذه الصفة عند الله تعالي، و عند أنبيائه و صالحي عباده، و لم تكن مقدسة و لا محترمة الا عند موسي تركستان. فأين هو أول العصور الذي كان مقدسا محترما؟ و متي كان؟ لا نراه وجد في زمان الا أن يكون في عصر مؤلف الوشيعة الذي نفي من تركستان و لاقي ما لاقي، ثم جاء الي هذه البلاد ينفث السموم، و يوقد نيران الفتن، و يثير الضغائن، و يفرق الكلمة، و يؤلف الكتب و يطبعها و ينشرها. و يأتي في الفصل الذي بعده ما له علاقة بهذا. و أما أن افضل العصور و خير القرون العصر الأول و القرن الأول و أن الأمة قد علمت ذلك علم اليقين، فالأمة ليس لديها ما تعلم به ذلك بل لديها من [ صفحه 62] المشاهدات ما تعلم به عكسه علم اليقين. و الحديث الذي أشار اليه نقله أبوالمعالي الجويني بلفظ: «خيركم القرن الذي أنا فيه ثم الذي يليه» ثم الذي يليه [87] ، و كذلك أورده نقيب البصرة كما يأتي و أرسله ابن‌حجر في الاصابة بلفظ: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم» [88] ، و رواه صاحب أسد الغابة عن جعدة بن هبيرة المخزومي [89] ، و رواه بعضهم عن جعدة بن هبيرة الأشجعي كما في تهذيب التهذيب [90] و غيره، فهو مضطرب المتن و السند و لم تثبت صحته، بل قد علم وضعه بمخالفته الوجدان، فالعصور التي يقال فيها: انها خير العصور انما يكون ذلك باعتبار أهلها و هي متساوية متماثلة دائما فيها الصالح و الطالح من عهد آدم عليه‌السلام الي يومنا هذا، و الغالب علي أهلها الفساد، و الصالحون فيها أفراد قلائل (و قليل ما هم) [ص / 24](و قليل من عبادي الشكور) [سبا / 13]سواء في ذلك أوائلها و أواسطها و أواخرها، و وجود أنبياء و صلحاء في كل عصر لايجعل الغالب علي أهله الصلاح و لا يجعله خيرا من غيره. و ما أحسن ما قاله بديع الزمان الهمذاني من جملة كتاب له الي أحمد بن فارس: «و الشيخ يقول فسد الزمان، أفلا يقول متي كان صالحا؟ أفي الدولة العباسية، فقد رأينا آخرها و سمعنا بأولها أم المدة المروانية و في أخبارها (لا تكسع الشول بأغبارها) [91] أم السنين الحربية: [ صفحه 63] و الرمح يركز في الكلي و السيف يغمد في الطلي و مبيت حجر في الفلا و الحرتين و كربلا أم البيعة الهاشمية، و علي يقول: ليت العشرة منكم برأس من بني فراس. [92] أم الأيام الأموية و النفير الي الحجاز و العيون الي الاعجاز أم الأمارة العدوية و صاحبها يقول: و هل بعد البزول الا النزول. أم الخلافة التيمية و صاحبها يقول: طوبي لمن مات في نأنأة الاسلام. أم علي عهد الرسالة و يوم الفتح قيل اسكتي يا فلانة فقد ذهبت الأمانة أم في الجاهلية، و لبيد يقول: ذهب الذين يعاش في أكنافهم و بقيت في خلف كجلد الأجرب [ صفحه 64] أم قبل ذلك، و أخو عاد يقول: بلاد بها كنا و كنا نحبها اذا الناس ناس و الزمان زمان أم قبل ذلك و روي عن آدم عليه‌السلام: تغيرت البلاد و من عليها فوجه الأرض مغبر قبيح أم قبل ذلك و قد قالت الملائكة: (أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء) [البقرة / 30]و ما فسد الناس و انما اطرد القياس و لا أظلمت الأيام، و انما امتد الاظلام، و هل يفسد الشي‌ء الا عن صلاح، و يمسي المرء الا عن صباح. [93] . و الحاصل أن الحديث الذي أشار اليه لم يثبت، بل ثبت كذبه، و كيف يثبت و هو مخالف للوجدان، و اثباته مع مخالفته للوجدان تكذيب لمن نسب اليه. و انما وضع أمثال هذه الأحاديث متعصبة الأموية مراغمة لأهل البيت عليهم‌السلام و أتباعهم. حكي ابن أبي‌الحديد في شرح النهج عن نقيب البصرة يحيي بن زيد العلوي: «انه جري في مجلسه ذكر هذه المسألة، فذكر بعض الشافعية - في ما ذكر - هذاالحديث، فأتي النقيب برسالة قال انها لبعض الزيدية - والمظنون أنها للنقيب -: و فيها: و أما حديث خيركم القرن الذي أنا فيه الخ، فمما يدل علي بطلانه أن القرن الذي جاء بعده بخمسين سنة شر قرون الدنيا قتل فيه الحسين، و أوقع بالمدينة، و حوصرت مكة، و نقضت الكعبة، و شرب خلفاؤه الخمور، و ارتكبوا الفجور، كما جري ليزيد بن معاوية و يزيد بن عاتكة و الوليد بن يزيد و أريقت الدماء الحرام، و قتل المسلمون، و سبي الحريم، و استعبد أبناء المهاجرين و الأنصار، و نقش علي أيديهم كما ينقش علي أيدي الروم؛ و ذلك في خلافة عبدالملك و أمرة الحجاج. قال: و اذا تأملت كتب التواريخ وجدت [ صفحه 65] الخمسين الثانية شرا كلها لا خير فيها و لا في رؤوسها و أمرائها و الناس برؤسائهم و أمرائهم، و القرن خمسون سنة فكيف يصح ها الخبر و انما هذا و أمثاله من موضوعات متصعبة الأموية فان لهم من ينصرهم بلسانه و بوضعه و الأحاديث اذا عجز عن نصرهم بالسيف» [94] . و قرن الخلافة الراشدة كان قرن الفتن و الحروب بين المسلمين، قتل فيه الخلفاء الثلاثة و وقع فيه حروب الجمل و صفين و النهروان و ما تبعها من فتن و مفاسد، فكيف يكونم من خير القرون اللهم الا أن نعمي علي أنفسنا، و نقول: ان تلك الحروب و الفتن كانت في سبيل مصلحة المسلمين ورقيهم و أن القاتل و المقتول في الجنة لأنهما مجتهدان مثابان. و من عنده أقل تمييز و انصاف يعلم أنه لو لا تلك الحروب و الفتن بين المسلمين لفتحوا جميع المعمورة. و مر في الفصل الذي قبله ما له علاقة بالمقام. و أما دعواه أنه لا تفاضل بين القرون الثلاثة فيرده أنه لو ثبت الحديث لكان ظاهرا في التفاضل لمكان ثم. و لكان معارضا لحديث أمتي كالمطر الذي ادعي ثبوته. و ليس بثابت، بل الظاهر أنه من الموضوعات، و من سنخ الحديث الآخر و و علي غراره قصد بوضعه التمويه لارضاء بعض المتسلطين ليمكن أن يقال فيهم انهم خير ممن قبلهم أو من قبلهم ليسوا خيرا منهم. و التأويل الذي ذكره بأن المراد في سعة الأرزاق واتساع البلاد و الدولة - مع أنه لا دليل عليه - و هو بعيد عن لفظ الحديث؛ لأنه يقول لا يدري أي الأمة خير لا أي أعصارها. و أما آية (كنتم خير أمة أخرجت للناس) [آل عمران / 110]فلا يمكن حملها علي العموم؛ لأن تعقيبها بقوله تعالي: (تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر) [آل عمران / 110]ظاهر في أن الذين هم خير أمة من هذه صفتهم لا عموم الأمة، و لا شك أن جميع الأمة لم تكن بهذه الصفة، مع أنه ظهر في هذه الأمة ما هو شر صرف سواء من كان في عصر الرسالة أم من كان في عصر الصحابة، فقد [ صفحه 66] جاء فيهم: (و ممن حولكم من الأعراب منافقون و من أهل المدينة مردوا علي النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) [التوبة / 101]و نزلت في المنافقين سورة مخصوصة تتلي. و نزل فيهم: (و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم. و من ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزي لله الشاكرين [آل عمران / 144]. فعلم أن فيهم الشاكر و من ينقلب علي عقبيه، فأين العموم؟ و فيهم من ارتد عن الاسلام و لحق بالمشركين و الكفار. و كان فيهم الحكم ابن أبي العاص و كفاك به، و فيهم الوليد بن عقبة الفاسق بنص الكتاب، و منهم حبيب بن مسلمة و بسر بن أرطأة اللذان فعلا في دولة معاوية ما فعلا الي غير ذلك مما يصعب احصاؤه. و اذا كان النبي صلي الله عليه و آله سلم لا يعلم المنافقين في عصره بنص القرآن فليس لنا أن نحكم علي أحد بدخوله في خطاب (كنتم خير أمة أخرجت للناس) [آل عمران / 110]الا أن يظهر لنا حاله كالشمس الضاحية، فكيف لنا بالحكم بالعموم؟ قال (ص 227): «و كل مؤمن ينبغي له أن لا تكون نسبته الي العصر الأول أضعف من نسبة مجنون ليلي الي ليلاه حيث بقول: سأجعل عرضي جنة دون عرضها و ديني فيبقي عرض ليلي و دينها» و نقول: كل يغني علي ليلاه: و كل يدعي وصلا بليلي و ليلي لا تقر لهم بذاكا و المسألة مسألة حجج و براهين و عقيدة و دين، لا عشاق و مجانين، فأي فائدة في هذه الألفاظ المنمقة المزوقة الفارغة.

امهات المؤمنين

و هذا قد تعرض له في عدة مواضع من «وشيعته» بما يتلخص في أمور أربعة: (1) للشيعة سوء أدب في أمهات المؤمنين، (2) أمهات المؤمنين كابراهيم عليه‌السلام، (3) عائشة تساوي ابراهيم في ثلاثة أمور عظيمة، (4) أهل البيت في آية التطهير هم أمهات المؤمنين. [ صفحه 67] الأمر الأول: قال (في ص 93): «للشيعة في أزواج النبي، أمهات المؤمنين، خصوصا في عائشة و حفصة و زينب سوء أدب عظيم لا تتحمله عصمة النبي و شرف أهل البيت و لا دين الأئمة»، ثم حكي عن الكافي أن آية ضرب المثل بامرأة نوح و امرأة لوط نزلت في عائشة و حفصة. و نقول: ان احترام المؤمنين عموما، و أمي المؤمنين خصوصا، علينا لازم احترامنا لنبينا صلي الله عليه و آله و سلم، فلو جاء في كتاب ما ينافي ذلك لانقول به؛ لما ذكرناه غير مرة من أن جميع ما في الكتب لا يمكن لأحد الاعتقاد بصحته. و عقيدة الشيعة في الأزواج عموما، و في عائشة و حفصة خصوصا، هو ما نزل به القرآن الكريم، و جاءت به الآثار الصحيحة لا يمكن أن يحيدوا عنه، و هو أنهم جميعا أمهات المؤمنين في لزوم الاحترام و التكريم احتراما للنبي صلي الله عليه و آله و سلم و حرمة نكاحهن من بعده (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم) [الأحزاب / 6]. (ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده) [الأحزاب / 53]التي كان سبب نزولها قول لبعض الصحابة معروف. و أن الزوجية للنبي صلي الله عليه و آله و سلم لا ترفع عقاب المعصية بل تضاعفه كما تضاعف ثواب الطاعة: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) [الأحزاب / 30]. (و من يقنت منكن لله و لرسوله و تعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين) [الأحزاب / 31](يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن) [الأحزاب / 32]شرط عليهم التقوي ليبين سبحانه أن تفضيلهن بالتقوي و بالزوجية لا بمجرد الزوجية، و أن زوجية المرأة للنبي لا تنفعها مع سوء عملها كما أن زوجيتها للكافر المدعي الربوبية لا تضرها مع حسن عملها: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين و ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون اذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة و نجني من فرعون و عمله) [التحرم / 10 و 11]و أن بعض أزواجه أفشت سره و أن اثنتين منهن قد صغا قلباهما و مالتا عن طريق الطاعة و فعلتا ما يوجب التوبة و أنهما تظاهرتا [ صفحه 68] عليه: (و اذ أسر النبي الي بعض أزواجه حديثا فما نبأت به و أظهره الله عليه عرف بعضه و أعرض عن بعض) [التحريم / 3]ثم قال تعالي: (ان تتوبا الي الله فقد صغت قلوبكما و ان تظاهرا عليه فان الله هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و الملائكة بعد ذلك ظهير عسي ربه ان طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن) [التحريم / 4 و 5 ]الآية. وروي الطبري في تفسيره روايات كثيرة [95] ، و البخاري في صحيحه أن المتظاهرتين كانتا عائشة و حفصة [96] و أن نساء النبي صلي الله عليه و آله و سلم فعلن ما يوجب اعتزاله اياهن تسعة و عشرين يوما حتي نزلت آية التخيير (يا أيها النبي قل لأزواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا و زينتها فتعالين أمتعكن و أسرحكن سراحا جميلا و ان كنتن تردن الله و رسوله و الدار الآخرة فان الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) [الأحزاب / 28 و 29]و أن أم المؤمنين عائشة كانت حافظة للحديث، بصيرة بالفقه، جريئة علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم؛ ظهر ذلك، منها: في عدة مواضع لا يتسع المقام لذكرها منها قولها له في غزوة فتح مكة: تزعم أنك رسول الله و لا تعدل - راجع السيرة الحلبية [97] - و أنها أخطأت بخروجها علي الامام العادل مظهرة الطلب بدم عثمان و هي كانت من أعظم المحرضين عليه [98] و كانت تقول ما هو معروف مشهور و تخرج قميص رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، وتقول ما هو معروف و مشهور أيضا. و قد تركت عثمان و هو محصور لم تنصره و لم تحرض علي نصره، و خرجت الي مكة ثم خرجت من مكة تريد المدينة فلقيها ابن أم كلاب من أخوالها - في ما رواه الطبري و ابن الأثير - فأخبرها بقتل عثمان و بيعة علي، فقالت: ليت هذه انطبقت علي هذه - أي السماء علي الأرض - ان تم الأمر لصاحبك، و انصرفت راجعة الي مكة و هي تقول: قتل و الله عثمان مظلوما و الله لأطلبن بدمه، فقال لها: و الله ان أول من أمال حرفة لأنت، و قال من أبيات: [ صفحه 69] فممك البداء و منك الغير و منك الرياح و منك المطر و أنت أمرت بقتل الامام و قلت لنا انه قد كفر [99] . و انها طلبت الي حفصة أن تخرج معها الي البصرة للطلب بثأره، فقبلت فمنعها أخوها عبدالله بن عمر [100] و جاءت الي أم سلمة تطلب منها أن تخرج معها فوعظتها بكلام مأثور مشهور و ذكرتها أشياء من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في حق علي بن أبي‌طالب منها قوله: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فتنبحها كلاب الحوأب يتقل عن يمينها و يسارها قتلي كثيرة، فعدلت عن الخروج، ثم جاء ابن أختها عبدالله بن الزبير، فنفث في أذنها فعزمت علي الخروج، فلما بلغت بعض المياه نبحتها كلابه فسألت عنه فقيل لها: ان ماء الحوأب، فقالت: ردوني، فأقاموا لها خمسين أو سبعين شاهدا من الأعراب رشوهم فشهدوا لها زورا أن هذا ليس ماء الحوأب [101] و كانت أول شهادة زور في الاسلام فسارت، و قد أمرت أن تقر في بيتها بقوله تعالي: (و قرن في بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي) [الأحزاب / 33]و روي أبوالفرج و محمد بن سعد في الطبقات الكبير، و ذكره المرزباني في معجم الشعراء و الطبري و ابن الأثير في تاريخهما أنه لما جاءها نعي علي تمثلت: فألقت عصاها و استقرت بها النوي كما قر عينا بالاياب المسافر ثم قالت: من قتله؟ قيل: رجل من مراد، فقالت: فان يك نائيا فلقد نعاه نعي ليس في فيه التراب [102] . قال أبوالفرج: ثم تمثلت: ما زال اهداء القصائد بيننا باسم الصديق و كثرة الألقاب [ صفحه 70] حتي تركت كان قولك فيهم في كل مجمعة طنين ذباب [103] . أما خديجة أم‌المؤمنين فهي أفضل أزواج النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أول امرأة آمنت به، و بذلت أموالها الجزيلة في سبيل الدعوة الاسلامية حتي قام الاسلام بمالها و سيف علي بن أبي‌طالب. و أما باقي أزواج النبي صلي الله عليه و آله و سلم فكن كلهن علي الصلاح و خيرهن بعد خديجة أم‌سلمة. هذه هي عقيدة الشيعة في أمهات المؤمنين. و من ذلك يظهر أنها لا تتعدي ما نزل في القرآن الكريم و جاءت به الآثار الصحيحة، و أنه ليس في ذلك سوء أدب كما زعم و أن تهويله بقوله: لا تتحمله عصبة النبي و شرف أهل البيت و لا دين الأمة؛ تهويل فارغ لا محل له. أما زينب بنت جحش أم‌المؤمنين فمن العجيب نسبته الي كتب الشيعة سوء الأدب في حقها، فان كتب الشيعة لم تذكر في حقها حرفا واحدا يوجب سوء الأدب، و في خبر تطليق زيد اياها نزهت كتب تفاسير الشيعة شرف مقام النبوة عما تناولته كتب تفاسير غيرها، ولكن هذا الرجل يرسل الكلام علي عواهنه و لايزن ما يتكلم به. الأمر الثاني: زعمه أمهات المؤمنين في الفضل كابراهيم عليه‌السلام قال (صفحة ك ي): «ان الله سمي ابراهيم في قوله (ملة أبيكم ابراهيم) [الحج / 78]أبا لنا، و لم يجعل زوجه أما لنا، و سمي أزواج النبي أمهات المؤمنين، و لم يسم النبي أبا لهم، فأفاد أن أزواج النبي في الفضل مثل ابراهيم لأن الكفاءة بين الأب و الأم معتبرة قال: و هذا من بدائع البيان في أسلوب القرآن». و نقول: أبوة ابراهيم صلي الله عليه و آله و سلم اما مجازية؛ لأن حرمته علي المسلمين كحرمة الوالد علي الولد، أو حقيقة؛ لأن العرب من نسل اسماعيل، و أكثر العجم من ولد اسحق، و أمومة الأزواج للمؤمنين في الآية الشريفة مجازية تشبيها بالأمهات فيما علم من الشرع ثبوته لهن من الاحترام، و حرمة التزويج، و لزوم برهن [ صفحه 71] بأولادهن، و بر أولادهن بهن، و لم يثبت لأمومتهن معني وراء ذلك. فالمستفاد من الآيتين أن ابراهيم عليه‌السلام أب أو كالأب في لزوم الاحترام، و أن الأزواج بمنزلة الأمهات في الأمور المذكورة. أما مساواة الأزواج لابراهيم في الفضل فافتراء علي القرآن و كون الله تعالي سمي ابراهيم أبا لنا، و لم يسم النبي أبا للمؤمنين لايرتبط بما نحن فيه بشي‌ء و ان كانت أبوة ابراهيم في الاحترام فالنبي أولي بذلك. و الكفاءة التي يدعيها بين الأب و الأم ان كانت في الشرف و النسب، فقد ألغاها الشرع الاسلامي و قال: المسلم كفوء المسلم، و قد زوج النبي صلي الله عليه و آله و سلم ابنة عمته زينب بمولاه زيد، و ان كانت في الدين فما يصنع بزوجتي نوح و لوط و زوجة فرعون!؟ و ان كانت في الفضل يلزم أن تكون مارية مثل النبي في الفضل لأنها أم ولده ابراهيم. فهذه الفلسفة المعوجة التي جاء بها و جعلها من بدائع البيان باردة تافهة، و أسلوب القرآن بري‌ء منها، و الله تعالي و سيدنا ابراهيم، الأواه الحليم، لا يرضيان منه أن يساوي بينه و بين نساء لا فضل لهن الا بعملهن، و أمهات المؤمنين لا يرضين منه أن يساوي بينهن و بين أولي العزم من النبيين. الأمر الثالث: زعمه عائشة تساوي ابراهيم عليه‌السلام. قال (صفحة ل ا): «المعروف باسم أم المؤمنين هي عائشة كما أن المعروف باسم أبي المسلمين هو ابراهيم، و ان سمي القرآن سائر الأنبياء آباء العرب، فابراهيم أب ايمان و ديانة و عائشة أم سنة و جماعة، و الله قد جعل عائشة تساوي ابراهيم في ثلاثة أمور مهمة عظيمة: (1) ابراهيم بني البيت و أضافه الله الي نفسه (وطهر بيتي) [الحج / 26]و عائشة بنت في المدينة مسجدا أنزل الله فيه: (و أن المساجد لله) [الجن / 18] (2) الحج حجان أصغر يحرم له من مسجد عائشة بالتنعيم و أكبر يحرم له من حرم ابراهيم، (3) سمي ابراهيم أبا لنا و سمي عائشة أم المؤمنين. و نقول: أم المؤمنين يعم جميع أزواج النبي صلي الله عليه و آله و سلم عائشة و غيرها علي السواء: (و أزواجه أمهامتهم) [الأحزاب / 6] [ صفحه 72] ولا مأخذ لتسمية واحدة من الأزواج بأم المؤمنين سوي هذه الآية، فدعواه أنها المعروفة بذلك غير صواب، و لو سلم فأصله الآية، و الفرع لا يزيد علي أصله. و أما أن القرآن سمي سائر الأنبياء آباء العرب، فلا نجد ذلك في القرآن، فكان عليه أن يبينه. و أما أبوة ابراهيم عليه‌السلام فقد مر تفسيرها، و أما أمومة عائشة، فمأخذها الآية الكريمة و تشاركها فيها سائر الأزواج كما مر. فهذه المساواة التي زعمها كرقم فوق ماء، و أما دعواه أن آية: (و أن المساجد لله) [الجن / 18]نزلت في مسجد بنته عائشة بالمدينة، فلم نسمعها لغيره و لم يذكرها مفسر، و كل مسجد يقال له: بيت الله - و لا عجب فهذا الرجل في آرائه مخترع - ففي تفسير الرازي: «اختلفوا في المساجد فقال الأكثرون: انها المواضع التي بنيت للصلاة و ذكر الله. و قال الحسن: المساجد: البقاع كلها، و قيل: المساجد الصلوات حكي عن الحسن أيضا، و قال سعيد بن جبير: المساجد الأعضاء السبعة التي يسجد العبد عليها، و عن ابن‌عباس: المساجد مكة» [104] و نحوه في مجمع البيان [105] و لم يذكر الواحدي في أسباب النزول أنها نزلت في ما قال، و لا ندري من أين أخذه، و في الدر المنثور للسيوطي: أخرج ابن أبي‌حاتم عن ابن عباس في قوله تعالي: (و أن المساجد لله) [الجن / 18]قال: «لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجد الا المسجد الحرام، و مسجد ايليا ببيت المقدس» [106] فأين دعواه أنها نزلت في ما قال، و لعله يريد أنها بنت مسجدا فشمله: (و أن المساجد لله). و فيه: أن الأصمعي أو أبا نواس لو بنيا مسجدا لشمله ذلك، فهل يلزمه أن يساويا ابراهيم عليه‌السلام؟ و العمرة تصح من أدني الحل لا من مسجد عائشة ولا من غيره. و لما كانت أبعاد الحرم متفاوتة و كان أقربها الي مكة التنعيم، اختار الناس الاحرام للعمرة منه؛ و الا فالاحرام لها يصح من كل مكان وراء الحرم و لا يختص بالتنعيم، بل لعل الاحرام من غير التنعيم [ صفحه 73] أفضل؛ لأن أفضل الأعمال أحمزها، فأين هي الأمور الثلاثة المهمة العظيمة التي سوي الله فيها بين عائشة و ابراهيم؟ و لا نخال السيدة عائشة ترضي بأن يجعل التركستاني هذه السخافات من مميزاتها التي تشبه قول القائل: أليس الليل يجمع أم عمرو و ايانا فذاك بنا تداني نعم و أري الهلال كما تراه و يعلوها النهار كما علاني و السيدة عائشة قد رووا لها من الفضائل أخذ ثلثي الدين عنها و أنها كانت تحفظ أربعين ألف حديث [107] و أن فضلها علي النساء كفضل الثريد علي سائر الطعام [108] و غير ذلك فهي في غني عن أن يجعل التركستاني هذه السخافات من مميزاتها. الأمر الرابع: زعمه أهل البيت في آية التطهير هم أمهات المؤمنين. قال (في صفحة ط و صفحة ع): «ان أهل البيت أمهات المؤمنين» و (في صفحة 22): «أم المؤمنين عائشة و حفصة بنص القرآن الكريم أهل البيت». و نقول: تذكير الضمير في آية التطهير يمنع من تخصيص أهل البيت بالأزواج، و الروايات الكثيرة المستفيضة تمنع من دخولهن في أهل البيت، و تنص علي تخصيص أهل البيت بعلي و فاطمة و ابنيهما، و ان كان الكلام قبل الآية و بعدها في نساء النبي؛ لأن أمثال ذلك في القرآن كثير كما يعرف بالتتبع. و في مجمع البيان: «متي قيل أن صدر الآية و ما بعدها في الأزواج، فالقول فيه: ان هذا لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم؛ فانهم يذهبون من خطاب الي غيره، و يعودون، و القرآن من ذلك مملوء، و كذلك كلام العرب، و أشعارهم». [109] . [ صفحه 74]

اهل البيت في آية التطهير علي و فاطمة و ابناهما

فمن الأخبار الواردة في أن المراد بأهل البيت في آية التطهير: علي و فاطمة و ابناهما خاصة، ما في الدر المنثور في تفسير كتاب الله بالمأثور للسيوطي قال: أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي‌حاتم و الطبراني و ابن‌مردويه عن أم‌سلمة زوج النبي صلي الله عليه و آله و سلم أن رسول الله صلي الله عليه و آله سلم كان ببيتها علي منامة له، عليه كساء خيبري، فجاءت فاطمة ببرمة فيها خزيرة - و هي الثريد - فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ادعلي زوجك و ابنيك حسنا و حسينا، فدعتهم فبينما هم يأكلون اذ نزلت علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [الأحزاب / 33]، فأخذ النبي صلي الله عليه و آله سلم بفضل ازاره فغشاهم اياه، ثم أخرج يده من الكساء، و أومأ بها الي السماء، ثم قال: هؤلاء أهل بيتي و خاصتي، فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا. قالها ثلاث مرات، قالت أم سلمة: فأدخلت رأسي في الستر، فقلت: يا رسول الله و أنا معكم، فقال: انك الي خير مرتين. [110] . قال: و أخرج الطبراني عن أم سلمة: جاءت فاطمة الي أبيها بثريدة تحملها في طبق لها حتي وضعتها بين يديه، فقال لها: أين ابن عمك؟ قالت: هو في البيت، قال: اذهبي فادعيه و ابنيك، فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما في يد و علي يمشي في اثرهما، حتي دخلوا علي رسول الله صلي الله عليه و آله سلم فأجلسهما في حجره، و جلس علي عن يمينه، و جلست فاطمة عن يساره، قالت أم سلمة: فاجتذب من تحتي كساء كان بساطنا علي المنامة في البيت [111] . [ صفحه 75] قال: و أخرج الطبراني عن أم سلمة و ذكر الحديث الي أن قال: قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي، و قال: انك علي خير. [112] . قال: و أخرج ابن مردوديه عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية: في بيتي (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا)، و في البيت سبعة: جبرئيل و ميكائيل و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و أنا علي باب البيت قلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: انك الي خير، انك من أزواج النبي. [113] . قال: و أخرج ابن مردويه و الخطيب عن أبي‌سعيد الخدري، قال: «كان يوم أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، فنزل جبرائيل عليه‌السلام علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بهذه الآية (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) فدعا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بحسن، و حسين، و فاطمة، و علي، فضمهم اليه، و نشر عليهم الثوب. و الحجاب علي أم سلمة مضروب، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي، أللهم أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة رضي الله عنها: فأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت علي مكانك، و انك علي خير». [114] . قال: و أخرج الترمذي و صححه و ابن جرير و ابن المنذر و الحاكم و صححه و ابن مردويه و البيهقي في سننه، من طرق عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: في بيتي نزلت (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) و في البيت فاطمة، و علي، و الحسن، و الحسين. فجللهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بكساء كان عليه، ثم قال: «هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا» [115] . قال: و أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و الطبراني عن أبي سعيد الخدري [ صفحه 76] رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «نزلت هذه الآية في خمسة في و في علي و فاطمة و حسن و حسين (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا). [116] . قال: و أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و مسلم و ابن جرير و ابن أبي‌حاتم و الحاكم عن عائشة، خرج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم غداة، و عليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن و الحسين، فأدخلهما معه، ثم جاء فاطمة فأدخلها معه ثم جاء علي فأدخله معه ثم قال: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [117] . قال: و أخرج ابن‌جرير و الحاكم و ابن‌مردوديه عن سعد، قال: «نزل علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الوحي، فأدخل عليا وفاطمة و ابنيهما تحت ثوبه، ثم قال: اللهم هؤلاء أهلي، و أهل بيتي» [118] . قال: و أخرج ابن أبي‌شيبة و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي‌حاتم و الطبراني و الحاكم و صححه و البيهقي في سننه عن واثلة بن الأسقع، قال: «جاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الي فاطمة و معه حسن، و حسين، و علي، حتي دخل، فأدني عليا و فاطمة فأجلسهما بين يديه، و أجلس حسنا و حسينا. كل واحد منهما علي فخذه، ثم لف عليهم ثوبه و أنا مستدبرهم، ثم تلا هذه الآية: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا» [119] . قال: وأخرج الحاكم و الترمذي و الطبراني و ابن مردويه و أبونعيم و البيهقي مع، في الدلائل عن ابن‌عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله سلم: «ان الله خلق الخلق قسمين فجعلني في خيرها قسما الي أن قال: ثم [ صفحه 77] جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرهما بيتا فذلك قوله: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا» فأنا و أهل بيتي مطهرون من الذنوب». [120] . قال: و أخرج ابن مردويه عن أبي‌سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لما دخل علي بفاطمة جاء النبي صلي الله عليه و آله و سلم أربعين صباحا الي بابها يقول: «السلام عليكم أهل البيت و رحمة الله و بركاته، الصلاة رحمكم الله (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) أنا حرب لمن حاربتم، أنا سلم لمن سالمتم». [121] . قال: و أخرج ابن جرير و ابن مردوديه عن أبي‌الحمراء رضي الله عنه قال: «حفظت من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرة يخرج الي صلاة الغداة الا أتي الي باب علي فوضع يده علي جنبتي الباب، ثم قال: الصلاة الصلاة (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا». [122] . قال: و أخرج الطبراني عن أبي‌الحمراء رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يأتي باب علي و فاطمة ستة أشهر فيقول: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا). [123] . قال: وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: شهدنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام وقت كل صلاة فيقول: السلام عيكم و رحمة الله و بركاته أهل البيت (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) الصلاة رحمكم الله كل يوم خمس مرات. [124] . [ صفحه 78] و أورد ابن‌جرير الطبري في تفسيره سبعة عشر حديثا في أن المراد بأهل البيت في الآية هم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين [125] و يدخل فيها بعض ما مر عن الدر المنثور و نقلها يوجب الاطالة؛ فليرجع اليها من أرادها. و أورد صاحب غاية المرام واحدا و أربعين حديثا في ذلك من طريق غير الشيعة و أربعة و ثلاثين حديثا من طريق الشيعة لا نطيل بنقلها فليراجعها من أرادها. [126] و أورد صاحب مجمع البيان أحاديث كثيرة في ذلك أيضا [127] فهذه الأخبار صريحة في أن المراد بأهل البيت علي و فاطمة و الحسنان و في خروج أمهات المؤمنين منهم. و لا يصغي الي ما حكاه الطبري في تفسيره عن عكرمة أنها نزلت في نساء النبي خاصة [128] و ما حكاه في الدر المنثور عن ابن عباس و عن عروة أنها نزلت في نساء النبي [129] أولا: لأن عكرمة كان يري رأي الخوارج كما نص عليه الحافظ ابن‌حجر في تهذيب التهذيب [130] و غيره فهو متهم في حق علي و ولده.ثانيا: لأن تخصيصها بالنساء ينافي تذكير الضمير. ثالثا: لأنها لا تقوي علي معارضة تلك الروايات الكثيرة. ما في بعض الروايات من أنه أدخل أم سلمة معهم لا يلتفت اليه؛ لمعارضته بغيره مما دل علي أنه لم يأذن لها في الدخول معهم، و قال لها: مكانك، و أنت الي خير، و أنه جذب الكساء من يدها لما أرادت الدخول معهم. و في بعض الأخبار: أنه قال لها: قومي فتنحي عن أهل بيتي، فتنحت في البيت قريبا، ولكنه حين قال: اللهم اليك لا الي النار أنا و أهل بيتي، قالت: و أنا يا رسول الله قال و أنت - أي أنت الي الله لا الي النار - لا أنها من أهل بيته كما لا يخفي. [ صفحه 79]

زعمه الأمة شريكة نبيها

قال (صفحة خ) تحت عنوان (الأمة شريكة نبيها في كل ما كان له): «كل ما أنعم الله به علي نبيه من فضل و نعمة، و كل ما نزل من عرش الله الي نبيه، فكله بعده لأمته، و الأمة شريكة نبيها في حياته ثم ورثته بعد مماته، و كل فضل و نعمة ذكرها القرآن لنبيه، فقد ذكرها لأمته (1) (و ما أرسلناك الا رحمة للعالمين) [الأنبياء / 107 ]. (كنتم خير أمة أخرجت للناس) [آل عمران / 110] (2) (و يتم نعمته عليك) [يوسف / 6](و أتممت عليكم نعمتي) [المائدة /3] (3) (و ينصرك الله نصرا عزيزا) [الفتح / 3](و كان حقا علينا نصر المؤمنين) [الروم / 47] (4) (انا فتحنا لك فتحا مبينا) [الفتح /1]. (و أثابهم فتحا قريبا) [الفتح / 18]و فتح المؤمنين كان أوسع و أقوي من فتح النبي (5) (ان الله و ملائكته يصلون علي النبي) [الأحزاب / 56]. (هو الذي يصلي عليكم و ملائكته) [الأحزاب / 43]- كل الأمة في كل أحوالها تصلي و تسلم علي النبي و علي أمته - كل الأمة في كل صلواتها تسلم علي النبي ثم تسلم علي كل أمته فالأمة في الشرف والكرامة مثل نبيها (6) (هو الذي أيدك بنصره) [الأنفال / 62](و أيدهم بروح منه»[المجادلة / 22]». و نقول: هذا الكلام كسائر كلماته لايخرج عن أن يكون زخرفة مجردة لا طائل تحتها؛ فالأمم من عهد آدم عليه‌السلام الي اليوم فيه الصالح و الطالح، كما نبهنا عليه مرارا عند تكريره لهذه المزخرفات، و قد أخبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن هذه الأمة بقوله: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتي لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» [131] و هذا يمنع أن تكون جميع أفرادها مقدسة، و أنها لم تكن متبعة سنن من كان قبلها، بل يدل علي أن أكثر أفرادها ليس كذلك لتوجيه الخطاب الي العموم، ولكن الله تعالي ميز هذه الأمة بمميزات اكراما للنبي صلي الله عليه و آله و سلم، فرفع عنها المسخ و الخسف، و غير ذلك مما كان يجري في الأمم [ صفحه 80] السالفة. و ان فعلت ما يوجب ذلك من أفعال الأمم السابقة، و جعلها خير أمة أخرجت للناس بنبيها و شريعتها التي فاقت جميع الشرائع، و بأنها تأمر بالمعروف و تنهي عن المنكر كما في آخر الآية. و هو كالتعليل، فمن لم تكن صفته ذلك فهو خارج عن الآية. و أما أنها شريكة نبيها في كل ما كان له، و في كل نعمة، و فضل أنهم الله بها عليه، فالله تعالي أنعم علي نبيه بالنبوة و العصمة، و بظهور المعجزات علي يديه، و أنه علي خلق عظيم، و التأييد بالوحي السماوي، و أن قوله و فعله و تقريره حجة و أنه أولي بالمؤمنين من أنفسهم و أنه رحمة للعالمين الي غير ذلك، فهل صارت الأمة شريكة نبيها في كل هذه الأمور؟ فكل واحد منها نبي و موسي جار الله نبي!؟ و كل منهم معصوم من الخطأ و الذنب، و ظهرت علي يده المعجزات، و هو علي خلق عظيم، مؤيد بالوحي السماوي و أفعاله و أقواله حجة، و هو أولي بالمؤمنين من أنفسهم، و هو رحمة للعالمين، و كثير من أفراد الأمة كان نقمة عليها بما أثار من الفتن و المفاسد و الحروب، و في الأمة ما لا يحصي من أهل الفساد و الشقاوة و الشر؛ ان لم يكن الأكثر كذلك (و ما أكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين) [يوسف / 103]. (ولكن أكثرهم لا يعلمون) [الأنعام / 37، الأعراف / 131، الأنفال / 34](و ان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) [الأنعام / 116]. (و أكثرهم للحق كارهون) [المؤمنون / 70](أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون) [الفرقان / 44](ولكن أكثر الناس لا يشكرون) [يونس / 38](ولكن أكثرهم لا يشكرون) [يونس / 60]. (و لا تجد أكثرهم شاكرين) [الأعراف / 17]. فهل هؤلاء شركاء للنبي في فضله و كماله و ورثوه منه بعد مماته؟ فالله تعالي أنعم علي نبيه بنعم، فشكرها المزيد، و توعد من كفرها بالعذاب الشديد بقوله: (لئن شكرتم لأزيدنكم و لئن كفرتم ان عذابي لشديد) [ابراهيم / 7]. و كل نعم الله علي العباد أو جلها قد شملت المؤمن و الكافر و النبي و غيره كنعمة الايجاد التي هي أول النعم و نعمة العقل، و السمع، و البصر، و سائر الحواس، و نعمة الهواء، و الماء، و الشمس، و القمر، و انبات النبات، و الحب، و الشجر، و الثمر، و تسخير [ صفحه 81] الحيوانات، و تذليلها (فمنها ركوبهم و منها يأكلون) [يس / 72] و تسخير البحر يأكلون منه لحما طريا و يستخرجون منه حلية يلبسونها، و التسيير في البر و البحر الي غير ذلك مما ذكر في القرآن و ما لم يذكر (و ان تعدوا نعمة الله لا تحصوها) [ابراهيم / 34]فهل في ذلك دلالة علي مساواة في فضل أو مشاركة فيه!؟ و تذكرنا هذه المشاركة التي يزعم الرجل أن الأمة شاركت فيها نبيها بالمشاركة التي ذكرها الشاعر بقوله: أليس الله يجمع أم عمرو و ايانا فذاك بنا تداني نعم و أري الهلال كما تراه و يعلوها النهار كما علاني و ما زعمه خطابا للأمة في هذه الآيات التي استشهد بها هو في الحقيقة خطاب للنبي صلي الله عليه و آله و سلم و لو سلم لا يفيد أن الامة شاركت النبي في فضله. و الفتح القريب، في مجمع البيان: «هو فتح خيبر عن قتادة و أكثر المفسرين و قيل فتح مكة عن الجبائي» [132] اذا فهو فتح النبي لا فتح المؤمنين الذي قال عنه انه كان أوسع و أقوي من فتح النبي. ولكن من فتح من الأمة لاعزاز دين الله و نشر الاسلام كان له أجره، و من فتح لتوسعة ملك و امارة و غنائم فذلك ثوابه. من كانت هجرته الي الله و رسوله فهجرته الي الله و رسوله و من كانت هجرته الي امرأة يتزوجها أو مال يصيبه فهجرته الي ما هاجر اليه. و الصلاة من الله الرحمة و من غيره الدعاء، و السلام هو التحية و كل ذلك يكون علي الصالح و الطالح، فكيف صار ذلك دالا علي أن الأمة مثل النبي في الشرف و الكرامة علي أن السلام في الصلاة قد خص بعباد الله الصالحين. و استشهد (صحفة د) لمشاركة الأمة لنبيها بآيتي (الله يصطفي من الملائكة رسلا و من الناس) [الحج / 75]. (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) [فاطر/ 32]قال: «والميراث تأخذه الأحياء بعد الأموات والكتاب محفوظ الي الأبد فالأمة أحياء الأبد. و اصطفي الأمة بنون العظمة بنفسه لنفسه. ولم [ صفحه 82] يكل الاصطفاء الي غيره. و سائر الأمم لم تكن مصطفاة فانحرفت عن كتابها، و الأمة ببركة الاصطفاء لا تنحرف. و أضاف الاصطفاء الي نون العظمة لقطع امكان الانحراف و الضلال بالاغواء أو بغيره (ان عبادي ليس لك عليهم سلطان) [الحجر / 42]فلا يمكن الضلال في الأمة بنص آية (ان عبادي) ذكر الصطفاء بعد قوله (ان الله بعباده لخبير بصير) [فاطر / 31]، و الاصطفاء بعد العلم بالأهلية لا زوال له». و نقول: أولا: ان ايراث الكتاب للذين اصطفاهم الله من عباده لا لجميع الأمة؛ لأن الاصطفاء هو الاختيار و الانتقاء، و لو كان الايراث عاما لجميع الأمة؛ لما كان للاصطفاء معني. ثانيا: من في الآية للتبعيض، فهو نص في أن المصطفي بعض الأمة. ثالثا: الاضافة الي نون العظمة كما وقع في القرآن الكريم بالنسبة الي الاصطفاء وقع بالنسبة الي الاهلاك و شبهه، فهو لا يدل علي عظمة ما أضيف اليه، بل علي عظمة الله خاصة. رابعا: آية (ان عبادي ليس لك عليهم سلطان) ينص علي أن المراد البعض لا الكل، فهو عليه لا له فهل يقول انا الشيطان لا سلطان له علي أحد من الأمة و أن الذين عصوا و ضلوا انما أغواهم و أضلهم الرحمن لا الشيطان. خامسا: كون الكتاب محفوظا الي الأبد يدل علي أن من اصطفاهم أحياء الي الأبد، و هم من قال فيهم الرسول صلي الله عليه و آله سلم: «اني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي أهل بيتي و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض» [133] لا جميع الأمة. سادسا: الله تعالي لم يصطف الأمة كلها بنون العظمة، فدعوي ذلك كذب علي الله. سابعا: اذا كان الله تعالي اصطفي الذين أورثهم الكتاب لنفسه و لم يكل الاصطفاء الي غيره، فلم قلتم ان اختيار الامام الي الرعية لا الي الله؟ و هل أحد أحق بايراث الكتاب من الامام و أحق بالاصطفاء منه؟ ثامنا: ان كان سائر الأمم غير مصطفاه فلذلك انحرفت عن كتابها و هذه الأمة ببركة الاصطفاء لم تنحرف، فلماذا قال الرسول [ صفحه 83] الله صلي الله عليه و آله و سلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم من الأمم» «الخ» في الحديث المتكرر ذكره [134] تاسعا: ان كانت اضافة العباد الي نون العظمة لقطع امكان الانحراف و كان الضلال في الأمة غير ممكن، فلماذا قال النبي صلي الله عليه و آله سلم: «ستفترق أمتي ثلاثا و سبعين فرقة. فرقة ناجية و الباقون في النار» [135] عاشرا: الاصطفاء بعد العلم بالأهلية لا زوال له؛ لكنه لبعض الأمة لا كلها، فبان أن فلسفات هذا الرجل الباردة الممقوتة لا تصدر من صغار الأطفال فضلا عن رجل ينسب الي علم. و استشهد أيضا (صفحة ض) لمشاركة الأمة لنبيها بآيات (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر) [الفتح / 2]. (ان الله يغفر الذنوب جميعا) [الزمر / 53](فاستقم كما أمرت و من تاب معك) [هود / 112]. قال: «و مغفرة الذنب في النبي كانت بالفتح و النصر، و نحن نأمل أن الله يغفر كل ما تقدم و كل ما تأخر من ذنوب الأمة بفتوحاتها في سبيل الدين و التمدن و العلوم و المعارف. و استقامة الأمة مثل استقامة نبيها في اقامة الدين معصومة ثم (و من تاب معك) يتناول كل الأمة الي يوم القيامة حيث جعل المعية في مجرد التوبة». و قال (صفحة ظ): «كان النبي بلسان الشكر يقول: «شيبتني هود و أخواتها» (عبس و النازعات و المرسلات) يشير بذلك اشارة نبوية علي أن الأمة ستستقيم استقامة النبي، و روح النبوة ستبقي فيها فكأن النبي حي بحياتها أشيب بشيابها». و نقول: النبي صلي الله عليه و آله و سلم في اعتقادنا معصوم من الذنوب، فلا يحتاج الي المغفرة؛ لذلك احتاج القائلون بعصمته الي تأويل: (ليغفر لك الله) بوجوه من التأويل لأن ظاهر النقل اذا خالف الدليل القطعي وجب تأويله. و مما روي في تأويله. ان المراد ما تقدم من ذنبك و ما تأخر عند أهل مكة. أما الأمة التي [ صفحه 84] ليست أفرادها بمعصومة كلها فالذنب الواقع منها ذنب حقيقي محتاج الي المغفرة، و الله تعالي قد وعد التائب النادم المغفرة، فأين مشاركة الأمة للنبي في المغفرة!؟. و أمل الغفران للأمة ليس بفتوحاتها وحدها بل تأمل الغفران لكل مذنب تائب برحمة الله و عفوه، و الفتوحات التي كانت لمعونة الظالمين علي ظلمهم و توسيع ملكهم سبيلها سبيل من كانت هجرته لامرأة يتزوجها أو مال يصيبه ان لم توجب ذنبا لا توجب مغفرة. و النبي و من تاب معه أمروا بالاستقامة، و نهوا عن الطغيان، فالنبي امتثل و استقام، و غيره منهم من امتثل و استقام فكان له فضله، و منهم من لم يستقم و طغي، فان عليه وزره و مجرد الأمر لا يدل علي الامتثال، فالتفريع الذي ذكره فاسد سواء أكان من تاب معه يتناول كل الأمة. و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «شيبتني هود و أخواتها» يشير به الي ما فيها من التهديد و الوعيد للعاصين و ما أصاب الأمم الماضين المذكورين فيه من الخسف و الغرق و الهلاك، فكان يخاف علي أمته أن يصيبها مثله و يخاف علي العاصين منهم و يعرض له الخوف من الله تعالي علي قدر معرفته، يقول ذلك بلسان الخوف لا بلسان الشكر و لذلك شيبته [136] و أما أنه يشير الي أن الأمة ستستقيم «الخ» فمع عدم دلالة شي‌ء من الألفاظ علي ذلك يكذبه الوجدان فالأمة بأمرائها، و قد دبت فيها بعد الخلفاء الراشدين روح الفساد، و لم تبق فيها روح النبوة، و لا ريحها و مات النبي باماتتهم سنته و أحكامه، فلم يكن فيها شابا و لا أشيب و كأن صوفية الاسلام التي ينتحلها لنفسه كما جاء في بعض كلامه الآتي قادته الي هذه التمحلات و التأويلات التي لا يدل عليها لفظ كما في أكثر تأويلاته. و استشهد (صفحة ظ) بآيات أخر لمشاركة الأمة لنبيها لا شاهد فيها منها: (يوم لا يخزي الله النبي و الذين آمنوا معه) [التحريم / 8]آمن الأمة كما آمن نبيه من كل خزي و سوء الي يوم القيامة. و منها: (و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له [ صفحه 85] الهدي و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي و نصله جهنم) [النساء / 115]فمخالفة الأمة مثل مخالفة الرسول و الوعيد في مخالفة الرسول علي المشافة و في مخالفة الأمة علي مجرد عدم الاتباع و مثل هذا البيان بلاغة معجزة بيان رجحان كفة الأمة. و منها (محمد رسول الله و الذين معه) [الفتح / 29]عطف علي المبتدأ فالذين معه رسل الله الي الأمم، فكل فضيلة تستوجبها الرسالة تكون في الأمة. و هذا الوجه يؤيد قراءة أشداء رحماء بالنصب علي الحالية. و من هذا أخذ النبي (علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل) و يؤكده تأكيدا لا يذر ذرية ريبة قوله: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) [المجادلة / 21]لأن القسم لايكون الا للمستقبل. و قال (صفحة غ) «قول الله في عيسي: (ان هو الا عبد أنعمنا عليه و جعلناه مثلا لبني اسرائيل) [الزخرف / 29]اذا تلوناه بعد (و لو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) [الزخرف / 60]نفهم أن الآية عرضت للأمة المحمدية الرسالة الي الأمم، فالأمة المحمدية خلف لنبيها في الرسالة الي الأمم. و منها: (و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا) [البقرة / 143]اشترك الأمة مع نبيها في الشهادة علي الأمم، فان النبي مثل أعلي في أدب الحياة للأمة... و من وظائف الأمة أن تكون في أدب الحياة مثلا أعلي لسائر الأمم. يقول الصادق: لا يجوز أن تستشهد الأمة يوم القيامة. أما أنا فأعتقد أن كلية الأمة أصدق من الصادق، و أعلم من كل الأئمة، يقول الصادق عن الأمة: و نحن شهداء الله علي خلقه. و نحن الشهداء علي الناس يوم القيامة، فمن صدقنا صدقناه يوم القيامة و من كذبنا كذبناه يوم القيامة، أما نحن فنقول: ان شهادة القرآن تغنينا عن كل شهادة (صفحة كط). (هو الذي أرسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله) [الفتح / 28](وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم) [النور / 55]الآية. أضاف الدين الي الأمة و قال دينهم الذي ارتضي لهم فدل علي أن دين الأمة و سياسة الخلافة [ صفحه 86] الراشدة هو الذي ارتضاه لهم» (و منها) (صفحة ك ي): «(لقد جاءكم رسول من أنفسكم) [التوبة / 128]. أشهر آية و أشرف آية خطاب لكل الناس في كل العصور و لا يمكن بقاؤه الا اذا كان الأمة خلفا للرسول». و قال (صفحة كج): «قول النبي (يحمل هذا العلم من كل خلف عدولا) [137] يدخل فيه القرآن الكريم لقوله: (و ان اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم) [البقرة /120]». و نقول: الذين آمنوا معه في آية (يوم لا يخزي الله النبي) [التحريم / 8]خاص بمن آمن به ايمان اخلاص، و كان معه. و لا يشمل من تأخر، و أي خزي علي الأمة أعظم من أن يليها مثل يزيد بن ميسون و يزيد صاحب حبابة و الوليد و الحجاج و أضرابهم و هي ساكتة مطيعة. و اتباع غير سبيل المؤمنين عبارة عن عدم الايمان، و سبيل المؤمنين هو سبيل الرسول فوعيد متبع غير سبيل المؤمنين لأنه كفر بالله و خالف الرسول لا لأنه خالف الأمة، فمخالفة الأمة و موافقتها سيان اذا لم يكن فيه خلاف للرسول، فقوله مخالفة الأمة مثل مخالفة الرسول ساقط كفلسفته في بيان رجحان كفة الأمة علي كفة الرسول. و ما قيمة الأمة لو لا الرسول. و العطف في آية محمد رسول الله علي المبتدأ بعيد. و دعوي أن كل فرد من الأمة كذلك أبعد فان في الأمة من لا يستحق ذلك و لا ما دونه و قراءة النصب لا تنافي الاستئناف فان الخبر ما بعد أشداء رحماء. و الاخبار بذلك ينافي العموم لمشاهدة كثير ممن ليس فيهم هذه الصفة. و علماء أمتي مخصوص بالعلماء العاملين لا يشمل جميع الأمة و لا علماء السوء. و كونه أخذ ذلك من الآية افتراء عليه و هو فرع كونها علي العطف (و كتب الله لأغلبن أنا و رسلي) [المجادلة / 21]حكاية عن الماضي فلا ينافي القسم. و رسله أنبياؤه لا أفراد الأمة. و آية (لو نشاء لجعلنا منكم ملائكة) [الزخرف / 60]مفادها - و الله أعلم - لو نشاء لأهلكناكم يا بني آدم و جعلنا بدلكم ملائكة يكونون خلفا لكم و عوضا عنكم في الأرض. و الآية الأولي نفي لربوبية عيسي عليه‌السلام ليس الا، سواء أتلوناها بعد الآية الثانية أم قبلها، و ما فهمه منهما لا تساعد عليه دلالة، و نري الله تعالي [ صفحه 87] يخاطب الأمة المحمدية فيقول: (و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم و من ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزي الله الشاكرين) [آل عمران / 144]فجعلها منقلبا علي عقبيه و شاكرا، و لم يجعلها جميعها مقدسة معصومة مشاركة لنبيها في الرسالة. و يقول: (فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم) [محمد / 22]و اذا كان من وظائف الأمة - التي يتغني بذكرها و يدعي مشاركتها لنبيها في كل ما كان له - أن تكون في أدب الحياة مثلا أعلي لسائر الأمم، هل قامت كلها بهذه الوظيفة بعد نبيها أو اشتغلت بالفتن و الحروب بينها و لما يمض علي وفاة نبيها زمن طويل؟، و هل كانت الحروب بينها لأجل القيام بهذه الوظيفة و لتكون مثلا أعلي لسائر الأمم؟! كل ذلك يدلنا علي أن المقصود بهذه الآية و أمثالها طائفة مخصوصة من الأمة لا جميعها، و أن جميعها بعيد عن العدالة فضلا عن العصمة. و أنها كسائر الأمم فيها الصالح و الطالح، و أن الصالح أقل من الطالح و الوجدان علي ذلك، و حديث لتتبعن سنن من كان قبلكم المتكرر الاشارة اليه نص في ذلك. و كلية الأمة التي يقول عنها انها أصدق من الصادق، و أعلم من كل الأئمة لا فضل لها الا بوجود أهل البيت النبوي عليهم‌السلام و منهم الصادق فيه او اتباعهم لهم لقول النبي صلي الله عليه و آله سلم: «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها غرق» [138] مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله كان آمنا» [139] سواء في ذلك كلية الأمة و جزئيتها. والأمة فيها الصادق و الكاذب حتي في حياة النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقد قام في الناس خطيبا و قال ما معناه: «كثرت علي الكذابة أو القالة فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» [140] و فيها العالم و الجاهل، فيكف تكون كليتها أصدق من الصادق، و أعلم [ صفحه 88] من كل الأئمة أحد الثقلين و عترة النبي صلي الله عليه و آله و سلم التي أمرنا الرسول بالتمسك بها و جعلها شريكة القرآن لا يضل المتمسك بهما، و لا تفارقه الي ورود الحوض، و أمر بالتعلم منها و نهي عن تعليمها لأنها أعلم ممن يريد تعليمها. و الامام الصادق ما سمي بذلك الا لصدق حديثه و هو الذي نشر العلم و أخذ عنه الناس و تخرج علي يده من العلماء ما لا يحصي، و روي عنه من الرواة عدد لا يستقصي، و هو امام العترة في عصره. فاعتقاد صاحب الوشيعة أن كلية الأمة أصدق من الصادق، و أعلم من كل الأئمة ما هو الا جهل و عناد خالف فيه قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم. و اذا كان الأمر كما ذكر، فحق للصادق أن يقول: نحن الأمة، و نحن شهداء الله علي خلقه، و نحن الشهداء علي الناس يوم القيامة «الخ» بعدما بان أن لفظ الأمة الوارد في القرآن لا يمكن أن يراد به جميع أفرادها، فلا بد أن يكون المراد به جماعة مخصوصة، و أولي أن تكون هذه الجماعة أئمة العترة فالقرآن شاهد لنا لا لك و تغنينا شهادته عن كل شهادة سواها. و التقييد في آية (وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات) ينافي العموم لجميع أفراد الأمة، و علي فرض اضافة الدين الي الأمة؛ فأي فضل لمن لم يقم بواجبات الدين من الأمة، و تلبس بالمعاصي، و الله تعالي لا شك بأنه مكن للمسلمين دين الاسلام، و أظهره علي الدين كله، و نشره في أقطار الأرض، و ارتضاه للمسلمين، و استخلفهم في الأرض، فملكهم اياها كما استخلف الذين من قبلهم من أمم الأنبياء الذين آمنوا بعيسي و موسي و غيرهما، ولكن هذا لا يجعل جميع المسلمين رسلا و أنبياء و صلحاء متمسكين بجميع واجبات الاسلام كما لم يجعل الذين من قبلهم كذلك و لا ربط له بذلك، و لا بسياسة الخلافة الراشدة لا سلبا و لا ايجابا. و استدلاله بآية (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) علي أن الأمة خلف للرسول في رسالته من الأعاجيب و لا عجب فأغلب استدلالاته من هذا القبيل. فكونه خطابا لكل الناس في كل العصور ان سلم بناء علي شمول خطاب المشافهة للغائبين علي قول بعض الأصوليين لا يدل علي أن كلا منهم رسول اذ معني من أنفسهم أي من بني آدم لا من الملائكة فلا يدل علي أن منكم في كل عصر رسولا. اذا فبقاء هذا الخطاب لا يستلزم أن تكون الأمة خلفا للرسول في [ صفحه 89] الرسالة و لا ربط بذلك سواء أكانت أشهر آية، و أشرف آية أم لم تكن. ولا ندري وجه كونها أشهر و أشرف و القرآن الكريم ليس فيه مشهور و أشهر، و مشروف و أشرف. و لفظ عدوله في قوله صلي الله عليه و آله و سلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفي ما يدعيه من العموم في الأمة في جميع ما سبق سواء أدخل في العلم القرآن الكريم أم لم يدخل فهو عليه لا له. و مما ذكرناه في ما مر عليك يظهر الجواب عن كل ما استشهد به و أطال فيه من الآيات مما لم ننقله روما للاختصار.

قلب محمد و قلوب أصحابه

قال (صفحة كج): «أصدق قول قاله قائل قول من يقول أن الله نظر في قلوب العباد فوجد خيرها قلب محمد فاصطفاه لنفسه، ثم وجد قلوب أصحابه خير القلوب بعد قلب محمد فجعلهم وزراءه». و قال (صفحة كد) ما حاصله: «فان لم يكن هذا في الواقع كذلك بل كان الواقع ما تزعمه الشيعة فالله هو الجاهل حيث يقول: (ان الله بعباده لخبير بصير) [فاطر / 32]. (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا). اذ لن يكون خبيرا بصيرا بعباده من قد أخطأ خطأ كبيرا في اصطفائه فاصطفي نبيه وزراء و صحابة ليسوا بأهل». و نقول: محمد صلي الله عليه و آله و سلم و أصحابه لا يحتاجون في بيان فضلهم الي قول مجهول القائل، و قد بان باستدلاله هذا أنه هو الجاهل؛ حيث ضم قول هذا القائل الذي لم يبينه و لم يبرهن علي صحته الي قول الله تعالي، و جعل منهما دليلا، و الذي اصطفاه الله وزيرا لنبيه هو الذي قال فيه النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسي» [141] و قال الله تعالي حكاية عن موسي (و اجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي) [طه / 29]و قال له الله تعالي: (قد أوتيت سؤلك يا موسي) [طه / 36]و هوالذي نصره و وازره و حامي عنه و جاهد بين يديه في كل [ صفحه 90] حرب و كشف عنه كل كرب، و صبر معه في كل شدة، ولم يفر في حرب قط. فان كان الواقع ما تزعمه الشيعة - و هو الواقع - فقد أجري الله تعالي الأمر علي الحكمة و الصواب، و يكون الجاهل من يتوهم أن ذلك يستلزم نسبة الجهل اليه تعالي.

الامة أو الأئمة

قال (صفحة ث) تحت هذا العنوان: «اني لا أنكر الا مسائل فيها ضرر للاسلام و للشيعة و للأمة في قوتها و وحدتها و ائتلاف قلوبها. لا أبحث عن ضلال المسائل و صوابها و انما أقوم عليها قيام من ينكرها لضررها». و قال (صفحة ث) أيضا: «الولاية و الامامة كتب الشيعة تعدها من أصول الدين، و أهم أركان الايمان، و هي عندنا - أهل السنة و الجماعة - من أمهات المسائل، و ان كنا لا نجعلها من أركان الايمان». و نقول: زعمه أنه لا ينكر الا مسائل فيها ضرر و لا يبحث عن ضلالها و صوابها و ابرازه نفسه بمنزلة الناصح المشفق، و دعواه هذه الطويلة العريضة بهذه العبارات المنمقة المزخرفة التي اعتادها مثل فيها ضررا للاسلام و للشيعة و للأمة في قوتها و وحدتها و ائتلاف قلوبها، و أمثال ذلك لا يساعده علي ما يأتي منه، من الاقتصار علي مجرد التهجين و الانكار، و نفث السموم بغير دليل و لا برهان. مع أن الواجب في كل مسألة البحث عن ضلالها و صوابها، فان كانت صوابا لم يعقل أن يكون فيها ضرر لأحد و لا للأمة في قوتها و وحدتها و ائتلاف قلوبها، و لم يسغ لأحد انكارها، و ان كانت ضلالا لم يعقل أن يكون فيها نفع للأمة و وجب انكارها، ولكن ذلك انما يكون بالدليل و البرهان لا بالدعاوي المجردة. أما الامامة فهي عندنا و عندكم من أصول الدين؛ لأنها لارجعة الي العقيدة لا الي العمل كما هو الشأن في فروع الدين. و اذا كنتم لا تجعلونها من أركان الايمان، فلماذا تعادون من يخالفكم فيها هذا العداء العظيم و تنسبونه الي العظائم؟ [ صفحه 91] و قال (ص 62): «و الأمة أسبق أخذا بكل ما ثبت عن امام الأئمة علي أميرالمؤمنين ليس من دأب الأمة أن تضع علي لسان أحد من الأئمة شيئا بهوي، و انما دأبها أن تأخذ ما ثبت بسند». و نقول: زعمه أنها أسبق أخذا بكل ما ثبت عن امام الأئمة يكذبه رفضها قوله في العول و التعصيب و غيرهما مما مر الي قول غيره و مبالغته هو في ذلك و تشدده و التماسه التأويلات الفاسدة و الوجوه المتمحلة، كما يعلم مما مر، و الأمة باعراضها عن أئمة أهل البيت و عن مذاهبهم و أقوالهم لا يخشي منها أن تضع علي أحد منهم شيئا لا بهوي و لا بغير هوي و ذلك يكذب أنها تأخذ ما ثبت عنهم بسند فلم ترها أخذت عنهم شيئا، و لا عملت فتوي أحد منهم، و لا جعلتهم كمحمد بن الحسن الشيباني [142] و أبي‌يوسف [143] علي الأقل.

زعمه عصمة الأمة

قال (صفحة ث): «اني أعتقد في الأمة عقيدة الشيعة في الأئمة. الأمة في عقيدتي معصومة بعصمة نبيها و الأصل في عقيدتنا أن الامام كبير الأمة و ممثل كلية الأمة فان لم تكن الأمة، معصومة فلا عصمة للامام. و الأصل في الشرف و العصمة هي الأمة و اليه يرشد (ان ابراهيم كان أمة) [النحل / 120]أنا لا أنكر عصمة الأئمة، فاني في عصمة أئمتنا فرح أكثر من فرح الشيعة، اذا سار غيري في التشيع برجليه اللتين لا يغسلهما فاني أطير بأجنحتي التي أمسح بها، و اذا مت سواي في ولاء أهل البيت بلمحة تقية، فاني أتوسل بغيرة لائحة نقية و للآخرة و لائي لا للحضارة، الا أن عصمة الأئمة لا تغني الأمة في شي‌ء و لا [ صفحه 92] تغنيها عن شي‌ء. و عقيدة انحصار الأئمة في عدد محدود قد اضطرت الشيعة الاثني عشرية الي أن تقول أقوالا كلها مستحيلة، و عقيدة عصمة الأئمة قد بناها الشيعة علي حرمان كل الأمة من عقل عاصم،و من ايمان هادي هاد؛ فان الأمة ان كان لها عقل يعصمها، و ايمان يهديها، فهي بالغة رشيدة خرجت عن الوضيعة و كبرت عن طوق الشيعة، فلذلك عرضت للشيعة هذا السؤال: الأمة أو الأئمة، فان قالت الشيعة بعصمة الأئمة؟ فأنا أقول بعصمة الأمة؛ اذ لا حكمة للدين، و لا مصلحة للأمة في مجرد عصمة الأئمة؛ فان الأمة ان لم يكن لها عقل يعصمها، و ايمان يهديها، و قوة تحميها، فلا وجود للأمة». و قال (صفحة لز): «و الأمة معصومة عصمة نبيها في تحملها و حفظها و تبليغها و أدائها حفظت كل ما بلغه النبي، مثل حفظ النبي، و بلغت كل ما بلغه النبي، مثل تبليغ النبي. حفظت كليات الدين و جزئياته أصلا و فرعا، و بلغتها، لم يضع من أصول الدين و فروع الدين شي‌ء، حفظته الأمة كافة عن كافة عصرا بعد عصر، و لا يمكن أن يوجد شي‌ء من الدين غفل عنه، أو نسيه (كذا) الأمة، فالأمة بالقرآن و السنة أعلم من جميع الأئمة، و اهتداء الأمة أقرب من اهتداء الأئمة، و علم الأمة بالقرآن و سنن النبي اليوم أكثر و أكمل من علم علي، و من علوم كل أولاد علي. و من عظيم فضل الله علي نبيه و علي الأمة أن جعل في الأمة من أبنائها كثيرا هم أعلم من الأئمة و من الصحابة، و هذا معلوم بالضرورة، فان كل لاحق يرث كل ما كان للسابق، ثم يكسب و يوفر، و الأمة ما قصرت بل ورثت ثم وفرت و دونت، و القرآن و علومه و السنة و علومها و اجتهاد الأئمة و كل ثمراته تناله اليوم أيدنا بسهولة من كثب، فابن الأمة اليوم في علومه هو الأمة في علومها كلها و خلافه كسل دائب و استصعابه و هم رائب كان صعبا عسيرا أو معتذرا من قبل، أما اليوم فهمة الأمة و جهودها العظيمة في عصور متوالية قد يسرته للذكر تيسيرا فهل من مدكر و كل ما تدعيه (كذا) الشيعة وجوده في الأئمة موجود بتمامه قطعا في الأمة و ابن الأمة أحفظ و أعلم و أفقه». و قال (صفحة لح): «و الأمة التي ورثت نبيها و صارت رشيدة ببركة الرسالة، و ختمها [ صفحه 93] أرشد الي الهداية و الي الحق من كل امام، و الأمة مثل نبيها معصومة ببركة الرسالة، و كتابها و عقلها العاصم، الأمة بلغت و صارت رشيدة لا تحتاج الي الامام. رشدها و عقلها يغنيها عن كل امام». و قال (صفحة لط): «أنا لا أنكر علي الشيعة عقيدتها أن الأئمة معصومة، و انما أنكر عليها عقيدتها أن أمة محمد لم تزل قاصرة و لن تزال قاصرة تحتاج الي وصاية امام معصوم الي يوم القيامة. و الأمة أقرب الي العصمة و الاهتداء، و أهدي الي الصواب و الحق من كل امام معصوم؛ لأن عصمة الامام دعوي، أما عصمة الأمة فبداهة و ضرورة بشهادة القرآن. و عقلنا لايتصور احتياج الأمة الي امام معصوم، و قد بلغت رشدها و لها عقلها العاصم، و عندها كتابها المعصوم و قد جازت بالعصوبة كل مواريث نبيها و فازت بكل ما كان للنبي بالنبوة». و قال (صفحة م التي هي ص 40): «و العقل نور الهي يهدي الله لنوره من يشاء. و من يؤمن بالله يهد قلبه فان الايمان يهدي القلب الي العلم (ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم) [يونس / 9]. فالعقل العاصم و الايمان بالله و كتاب الله الذي نزل تبيانا لكل شي‌ء يغني الأمة عن كل امام معصوم. و لو احتاجت الأمة الي الامام المعصوم ذرة احتياج لما ختم النبوة برسالة محمد، و لم يكن محمد خاتم النبيين الا لزوال الاحتياج ببركة القرآن الكريم، فدعوي الاحتياج الي الامام المعصوم تنافي حكمة الله في ختم النبوة، فان الاحتياج اما لقصور في بيان الكتاب أو في روح النبوة أو في التبليغ فدعوي عصمة الامام طعن في أصل الدين». و قال (صفحة ما): «و الأمة بعقلها و كمالها و رشدها بعد ختم النبوة أكرم و أعز و أرفع من أن تكون تحت وصاية وصي تبقي قاصرة الي الأبد». و قال (صفحة ب س): «و الأمة رشيدة راشدة أرشد من كل من ادعي الوصاية». و قال (صفحة ح م): «ان العصمة في الأمة مطلوبة معقولة ممكنة أما عصمة الأئمة فلا حاجة لنا اليها و لا امكان لوقوعها». قال (ص 62): «أما أنا فأري جميع المذاهب محترمة، و أوافق شيخ شريعة الشيعة في قوله، و نحن فوق المذاهب - أص الشيعة 134 ثم أزيد، و القرن الأول سلفنا و في الدين فوقنا و الأمة و القرن الأول امامها [ صفحه 94] معصومة - أولئك هم خير البرية». و قال (صفحه كج): «العصر الأول أفضل الأمة و الأمة معصومة». و نقول: كرر في كلامه دعوي عصمة الأمة و رشدها، و ما الي ذلك علي عادته الممقوتة في التكرير و التطويل بلا طائل؛ ظانا أنه قد فتح فتحا جديدا، و اهتدي الي كنز ثمين، و دعاويه هذه كلها كرقم فوق ماء. أما دعواه أن الأمة معصومة مثل نبيها فأولي بأن تلحق بالهذر و الهذيان من أن تدرج في كتاب يطبع و ينشر علي الملأ. فالنبي صلي الله عليه و آله و سلم معصوم من الذنوب، و من الخطأ و النسيان في الأحكام الشرعيه، فهل صار كل فرد من هذه الأمة كذلك ببركة موسي تركستان الذي ظهر في هذا الزمان، و هل صار كل واحد منها نبيا، و بعص أهل نحلته أنكر عصمة الأنبياء!؟ و الأمة التي يعتقد بعصمتها، و خلقت لها مخيلته العصمة، جل أفرادها غير معصوم اتفاقا، و كل واحد منها غير معصوم عند أهل نحلته، فكيف يكون معصوما من جل أفراده، أو كلها غير معصوم؟ بل جل أفرادها بعيد عن العدالة فضلا عن العصمة!؟ فأي هذر و سخافة أزيد من هذا الذي لم يسبقه اليه أحد، و خالف به الضرورة و البداهة، هذا ان أراد بالأمة كل فرد من أفرادها، و ان أراد مجموع الأمة بحيث يكون اجماعا فهو حجة لما بين في الأصول، لكن لا لأن الأمة معصومة و هو لا ينفع فما اختلفت فيه الأمة و هو كثير فلا بد من الرجوع الي امام معصوم، و الرسالة و الكتاب و العقل و الايمان لا تجعل أحدا معصوما، و لا تغني عن الامام المعصوم و الا لما وقع الاختلاف بين الأمة و لا ضل أحد من الأمة و ها قد اختلفت الأمة في أمور لا تحصي، بل اختلفت في كل شي‌ء من أصول الدين و فروعه و عقولها معها و ايمانها ثابت، و الكتاب الذي نزل تبيانا كل شي‌ء بين أيديها، فلم يكن ذلك مزيلا لاختلافها الموحب لخطأ بعضها فاختلفت في مسائل الغسل و المسح في الوضوء، و هو في كتاب ربها، و كل يدعي أن الكتاب معه، و لا يزال الخلاف قائما بينها من الصدر الأول الي اليوم و بعد اليوم، و لم يغنها ما ذكره في رفع خلافها شيئا، و قد اختلفنا نحن و أنت، فلم تكن هذه [ صفحه 95] مزيلة لاختلافنا، و كتاب الله فيه تبيان كل شي‌ء من أصول الأحكام، أما تفاصيلها فتؤخذ من السنة التي لا يؤتمن عليها غير المعصوم كما يأتي. ثم اذا كانت الأمة معصومة فلا تحتاج الي امام معصوم، فبالأحري أن لا تحتاج الي امام أصلا لا معصوم و لا غير معصوم، و هذا مخالف لاجماع المسلمين فقد أجمعوا علي أنه لابد من امام، و انما اختلفوا في وجوب عصمته و عدمها. و مخالف لقوله صلي الله عليه و آله و سلم: «من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية». و لو كان العقل وحده عاصما كافيا و الايمان بمجرده هاديا؛ لما احتاج الي امام أصلا لا معصوم و لا غير معصوم كما مر و لا الي ارسال الأنبياء في كل فترة بل كانت تكفينا نبوة أبينا آدم عليه‌السلام. و أما تعليلة ذلك بأن الأمة معصومة بعصمة نبيها، و أن الامام كبير الأمة، و ممثل كليتها فان لم تكن معصومة فلا عصمة له، فهو طريف جدا اذ أي ملازمة بين عصمة النبي و عصمة أمته، و الوجدان علي خلافه. و اذا كان الامام كبير الأمة، و ممثل كليتها فأي ملازمة بين عدم عصمتها و عدم عصمته، بل الملازمة بالعكس فانها اذا كانت غير معصومة؛ لزم كونه معصوما ليردها عن خطئها. ثم ان الامام عندك غير معصوم فما الذي أوجب عصمة الأمة و هي لا تختلف عنه، بل اذا كان كبيرها فهي دونه. و كون الأصل في الشرف و العصمة هي الأمة و شرف الامام و عصمته تابعان لها: الأمة فيها الأصل و الامام الفرع لا يفهم له معني، و لا يدل عليه دليل و الأمة لا عصمة لها و الامام عنده لا عصمة له. و آية (ان ابراهيم كان أمة) [النحل / 120]لا ترتبط بشي‌ء من ذلك، ففي مجمع البيان: «اختلف في معناه فقيل قدوة و معلما للخير. قال ابن الأعرابي: يقال للرجل العالم أمة، و هو قول أكثر المفسرين. و قيل: امام هدي عن قتادة. و قيل: سماه أمة لأن قوام الأمة كان به، و قيل: لأنه قام بعمل أمته. و قيل: لأنه انفرد في دهره بالتوحيد عن مجاهد». [144] فأي ربط لهذه الأقوال بكون الأصل في الشرف و العصمة هي الأمة. و أما تعليله ذلك، أيضا، بأن الأمة معصومة عصمة نبيها في تحملها و حفظها و تبليغها، و أنها حفظت كل ما بلغه النبي من كليات [ صفحه 96] الدين و جزئياته، و أصوله و فروعه، لم يضع منها شي‌ء، و لم تنس شيئا، فهو كسابقه في غاية السخافة؛ فاذا كان النبي معصوما في تحمله و حفظه و تبليغه فما الذي أوجب أن تكون الأمة كذلك، و كل فرد منها ليس بنبي حتي تكون له صفة النبي، و اذا كانت الأمة قد حفظت كليات الدين و جزئياته، فلماذا اختلفت في صفات الباري تعالي و امكان رؤيته؟ و في وجوب عصمة الأنبياء قبل البعثة و بعدها؟ و في خلق الأفعال و الحسن و القبح العقليين؟ و في الامامة و غير ذلك؟ و في مسائل من فروع الدين من الطهارة الي الديات؟ و لماذا اختلف عمر و ابن عباس في العول و المتعة؟ و اختلف في العول و التعصيب أئمة أهل البيت مع غيرهم؟، و لماذا اختلفت أم‌المؤمنين و ابن‌عمر في حديث أن الميت يعذب ببكاء أهله؟ و لماذا اختلفت الزهراء و الخليفة في ارث النبي صلي الله عليه و آله و سلم و ماتت و هي واجدة عليه؟ و لماذا اختلف أبوذر و عثمان و كعب الأحبار في أن بعض الآيات عام لنا و لغيرنا أو خاص بغيرنا؟ و لماذا اختلف سعد و غيره في الامامة و الامارة؟ و لماذا اختلف علي و أصحاب الجمل و علي و حزبه و معاوية و حزبه في أمر الخلافة و الامارة؟ فهل كان هؤلاء كلهم من غير الأمة؟ أو كان أمر الخلافة ليس من كليات الدين و لا من جزئياته؟ و لماذا اختلف من تسموا بأهل السنة و المعتزلة و الامامية في جملة من مسائل الأصول و الفروع؟ و لماذا اختلف أئمة المذاهب الأربعة في مسائل الفروع و وقع الخلاف من غيرهم من الفقهاء كمحمد بن الحسن الشيباني و القاضي أبي‌يوسف و داود الظاهري و غيرهم؟ و لماذا اختلف الحنابلة و غيرهم في المسائل المعروفة في العقائد؟ و لماذا اختلف الخوارج و غيرهم؟ و لماذا افترقت الأمة ثلاثا و سبعين فرقة؟ أكل هؤلاء لم يكونوا من الأمة؟ أم ما جري بينهم ليس خلافا في كليات الدين و لا في جزئياته و لا في أصوله و لا في فروعه؟ بل هو خلاف في مسائل الحساب و الهندسة و الطب؛ و ان أراد أن الحق في ذلك لا يخرج عن الأمة فهذا لا ينفع في ما اختلفت فيه الأمة، و لا يرشد المخطي‌ء الي الصواب و لا يقال فيه أن الأمة حفظت كليات الدين و جزئياته، أصوله و فروعه، و لم يضع منها شي‌ء، و لا يمكن أن ينسي أو يغفل منه عن شي‌ء، فالمخطي‌ء من الأمة لم يحفظ ذلك و قد [ صفحه 97] نسي و غفل عما هو الصواب. و أما تعليله ذلك بأن الأمة اذا لم يكن لها عقل يعصمها، و ايمان يهديها، و قوة تحميها فلا وجود للأمة، و استشهاده بآية (يهدي الله لنوره من يشاء) [النور / 35]و أن العقل نور الهي، و بآية (ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم) [يونس / 9]، فهو في السخافة كما سبقه، فان العقل بمجرده لا يكون عاصما كما عرفت، و كونه نورا الهيا لا يمنع أن تغطي عليه ظلمات الشهوات ممن لم يهدهم الله لنوره، فان هذا النور الالهي لم يخلقه الله تعالي قادرا علي ادراك كل شي‌ء. و الايمان وحده لا يكون هاديا سواء أكان هادئا أم متحركا. و الذين آمنوا و عملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم، والذين عملوا السيئات لا تشملهم هذه الهداية. و القوة التي تحمي الأمة يجب أن تكون في يد امام معصوم؛ لئلا يستعملها من هي في يده في هدم كيان الأمة، و فيما يضرها و يصرفها حسب شهوات نفسه لاحسب مصلحة الأمة كما وقع ذلك في دولة الاسلام كثيرا، و كفلت بحفظه التواريخ و هو أظهر من أن يحتاج الي بيان، مع أن الامامة لا يمكن أن تزيد عن النبوة، فالأنبياء الذين كذبوا و قتلوا و طردوا، و لم تكن لهم قوة تحميهم، و لا تحمي أممهم، هل كان ذلك قادحا في نبوتهم و موجبا لأن نقول: ان أممهم حيث انه ليس لها قوة تحميها لا وجود لها؟ و لوط عليه‌السلام يقول: (لو أن لي بكم قوة) [هود / 80]فكون الأمة التي ليست كذلك لا وجود لها مجرد تزويق و تنميق لايرجع الي محصل. و أما زعمه أن الأمة أقرب الي العصمة و الاهتداء من كل امام معصوم، و تعليله ذلك بأن عصمة الامام دعوي، و عصمة الأمة بداهة و ضرورة بشهادة القرآن. فيكذبه أن عصمة الامام ليست بدعوي، بل هي الثابتة بالبداهية و الضرورة و شهادة القرآن. و ذلك لما أشرنا اليه غير مرة أن الدليل الدال علي عصمة النبي هو بعينه دال علي عصمة الامام، فالنبي مبلغ للشريعة، و الامام حافظ لها بعد النبي من الزيادة و النقصان، و أمين عليها و مرجع للأمة في أمورها الدينية و السياسية؛ للاتفاق علي أن الامامة رياسة عامة في أمور الدين و الدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي، فكما يجب أن يكون النبي معصوما من [ صفحه 98] الذنوب؛ لأن صدور الذنب منه يوجب سقوط محله من القلوب، و عدم الوثوق بأقواله و أفعاله، و ذلك ينافي الغرض المقصود من ارساله، كذلك يجب أن يكون الامام معصوما لهذه العلة بعينها؛ فانه ان لم يكن معصوما لم يكن مأمونا علي الشريعة، و علي أمور الأمة الدينية و الدنيوية، و لكان وقوع المعصية منه موجبا لسقوط محله من القلوب، و عدم الوثوق بأقواله و أفعاله و هو ينافي الغرض المقصود من امامته. و أما شهادة القرآن بعصمة الامام فهي قوله تعالي: (لا ينال عهدي للظالمين) [بقره / 124]و الخلافة و الامامة عهد من الله تعالي عند القائلين بأنها باختبار الأمة لقوله تعالي (و أولي الأمر منكم) [النساء / 59]و غير المعصوم ظالم لنفسه فلا يناله هذا العهد الي غير ذلك من الأدلة المذكورة في كتب الكلام، فكان عليه أن يبطلها بالدليل و البرهان لا بمجرد دعوي أنها دعوي. و دعواه عصمة الأمة بالبداهة و الضرورة، بشهادة القرآن باطلة بالبداهة و الضرورة و بشهادة القرآن. أما بطلانها بالبداهة و الضرورة فيعلم مما مر. و أما بطلانها بشهادة القرآن، فبقوله تعالي: (و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم و من ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزي الله الشاكرين) [آل عمران / 144]. فهذا نص في أن الأمة بعد نبيها منها من ينقلب علي عقبيه، و منها من يكون شاكرا، فأين العصمة؟! و الآيات التي ذكرها لا ترتبط بما يحاوله من اثبات عصمة الأمة و استغنائها عن امام معصوم، فان الهداية هي اراءة الطريق، و قد تفضل الله بها علي عباده بما وهب لهم من العقول، و أرسل اليهم من الرسل، ولكن ذلك لا يكفي عن وجود امام له رياسة عامة في أمور الدين و الدنيا يكون حافظا للشرع من الزيادة و النقصان، و منصفا للمظلوم من الظالم. و أما زعمه أن الأمة بلغت رشدها، و أنها أرشد من كل امام تدعي له الوصاية عليها ببركة الرسالة و ختمها، و أنها أكرم و أعز و أرفع من ذلك، فلا تحتاج الي امام؛ لأن الوصاية تكون علي القاصر لا علي البالغ الراشد، فهو كما سبقه في السخافة، فان المسألة ليست مسألة بلوغ سن و حصول رشد، بل مسألة [ صفحه 99] احتياج الأمة الي امام يكون بالصفات الآنفة الذكر، و هذا قد اتفق عليه المسلمون فأجمعوا علي وجوب نصب الامام قبل أن يخلق الله صاحب الوشيعة، و بعدما خلقه، و انما اختلفوا في أن الامام هل يجب أن يكون معصوما أو لا، و في أن نصبه من الله تعالي أو باختيار الرعية، و علي مقتضي كلامه لا حاجة الي امام لا منصوب من الله و لا من الرعية، لا معصوم و لا غير معصوم، هذا علم موسي جار الله و هذه أدلته و هذه أنظاره التي خالف بها اجماع المسلمين، و لم يأت بدليل سوي تكرير عبارات، و تسجيع ألفاظ و تجنيسها لا طائل تحتها، بل هي كرحي تطحن قرونا تسمع جعجعة و لا تري طحنا. و الأمة قد اتفقت علي أنه لا بد لها من امام معصوم أو غير معصوم تكون تحت وصايته الي الأبد، و بين لها صاحب ختم النبوة ذلك بقوله: «من مات و لم يعرف امام زمانه» [145] الخ. و الأمة لم يمنعها عقلها و كمالها و رشدها - الذي يدعيه لها - بعد ختم النبوة من الاختلاف في مسائل الدين، و الامرة من الحروب و الفتن، و ضلال جمع منها عن طريق الحق و لا ينافي ذلك وقوع هذا مع وجود الامام؛ لأنهم اذا لم يتبعوه و لم يطيعوا قوله كان الذنب عليهم. و الأنبياء أعلي درجة من الامام، و قد وقع هذا مع وجودهم و تطاول الأيد لا يزيد الأمة في العقل، و الرشد، و الكرامة، و العز، و الرفعة، كما نراه بالعيان. بل نري أنها كلما كبرت سنها، فقدت رشدها و خرفت و شاخت، و ولي عليها أمثال يزيد و الحجاج، و شرب خلفاءها الخمور، و ارتكبوا الفجور، فاتصفت بالوضيعة، و لم تكبر عن طوق الشيعة، و سواء أكانت الأمة قد بلغت رشدها أم كبرت و شاخت، و أضاعت رشدها فنحن قد رضينا من هذه الأمة أهل بيت نبينا فاتبعنا طريقتهم، و اهتدينا بهداهم، و استننا بسنتهم كما أوصانا رسولنا صلي الله عليه و آله و سلم بقوله: «اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي أهل بيتي، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا من [ صفحه 100] بعدي، و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض» [146] و أنت تري نفسك في غني عنهم، و تتمسك من الأمة بسواهم، فلك ما تمسكت به، و لنا ما تمسكنا بهم. نحن بما عندنا و أنت بما عندك راض و الرأي مختلف فظهر أن قوله بعضمة الأمة سخف عار عن التحصيل لم يسبقه اليه عاقل و لا جاهل، وأنها غير ممكنة و لا معقولة، و أن المصلحة في عصمة الامام و الضرورة و الحاجة اليها ظاهرة بينة، و أنها ممكنة و واقعة، و أنها تغني الأمة في كل شي‌ء، و لا يغني عنها شي‌ء. و أئمته عنده غير معصومة، فليفرح بعدم عصمتهم، و أئمة أهل البيت ليسوا بأئمته، و هو ينكر عصمتهم، و هو بهذا الانكار فرح أكثر من فرح الشيعة، و من القول بعصمتهم متغيظ. و اذا كان الدليل قادنا الي اعتقاد عصمتهم فلا نبالي بفرحه و لا بحزنه، فليطر بجناحيه الي مخالفتهم، و منابذة أوليائهم و محبيهم الذين يمسحون بأرجلهم كما أمر بذلك كتاب ربهم و لا يغسلونها. و اذا مت غيره في ولاء أهل البيت بلمحة تقية خوفا من أعدائهم، فانهم يرجون بذلك أجرا عند ربهم وعده الصابرين، أما هو فبعيد بقوله هذا عن ولائهم، و ليس له فيه غرر و لا حجول و لا يريده لا للحاضرة و لا للآخرة. و حديث القرون الثلاثة قد مر أنه من الموضوعات، و خير البرية لا يعم جميع أفراد الأمة و لا أكثرهم، و أظهر من دخل في عمومه محمد أهل بيته عليه و عليهم‌السلام، و علي ذلك عصمة الأمة التي يدعيها نذكر أبياتا لنا من قصيدة: أمة تلعن الوصي تري ذلك دينا نأت عن التسديد أمة يغتدي خليفتها مثل يزيد ما حظها بسعيد أمة تقتل ابن بنت رسول الله ظلما لشر بيض وسود و ما دعواه أن الأمة أعلم بالقرآن و السنة من جميع الأئمة و من الصحابة، و أن علمها اليوم بذلك أكثر و أكمل من عمل علي و أولاده، و أن اهتداء الأمة [ صفحه 101] أقرب من اهتداء الأئمة، و أن الأمة أهدي الي الصواب و الحق من كل امام معصوم، فهي لا تنقص عن سابقاتها في السخافة و ظهور البطلان؛ فان كون الأمة أعلم بالقرآن و السنة من جميع الأئمة؛ يكذبه قول رسوله الله صلي الله عليه و آله و سلم في العترة: «و لا تعلومهم فانهم أعلم منكم» [147] و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «أنا مدينة العلم و علي بابها» [148] و قول: «لولا علي لهلك عمر، قضية و لا أبوحسن لها» [149] و رجوع الناس الي الأئمة، و أخذهم العلم عنهم، و عدم رجوعهم الي أحد، و كون علم الأمة اليوم بالقرآن و السنن أكثر و أكمل من علم باب مدينة علمح المصطفي و أبنائه الذين أخذوا علومهم عنه عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عن الله تعالي الذي لا يمكن أن يكون علم أكثر منه و أكمل، محض عناد و ضلال، و هل علم أكثر أبناء اليوم و قبل اليوم بالسنن الا تقليد في تقليد؟ لقد هزلت حتي بدا من هزالها كلاها و حتي استامها كل مفلس لقد جاء زمان يفضل فيه موسي التركستاني أبناء اليوم علي علي و ولده في العلم و الصحابة. اذا وصف الطائي بالبخل مادر و عير قسا بالفهاهة باقل و قال السهي للشمس: أنت ضئيلة و قال الدجي للصبح: لونك حائل و فاخرت الأرض السماء سفاهة و كاثرت الشهب الحصي و الجنادل فيا موت زر ان الحياة ذميمة و يا نفس جدي ان دهرك هازل [150] . و لا شي‌ء أعجب من ادعائه أن ذلك معلوم بالضرورة، و تعليله ذلك بارث اللاحق ما كان للسابق، و أن الأمة ورثت ذلك و وفرت و دونت، و أنها ورثت نبيها، فان الأمة باعراضها عن علوم أهل البيت، مفاتيح باب مدينة العلم، [ صفحه 102] و ينابيع الحكمة، و من أمرت بأن تتعلم منهم و لا تعلمهم؛ لأنهم أعلم منها، قد أفلست و لم توفر و لم ترث الا النزر اليسير، و الذين ورثوا النبي صلي الله عليه و آله و سلم من الأمة في علومه كلها هم أهل بيته دون سواهم، و هم الذين نزل القرآن في بيوتهم علي جدهم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و عنه أخذ جدهم، علي بن أبي‌طالب، القرآن و علومه، و السنة و علومها، و علمه من القرآن محكمه و متشابهه، و عامه و خاصه، و مطلقه و مقيده، و ناسخه و منسوخه، و فرائضه و سننه، و رخصه و عزائمه، و تنزيله و تأويله، فقد كان ملازما له في سفره و حضره، و ليله و نهاره، و عشيه و ابكاره، من طفولته الي وقت وفاته، فلم تكن من آية الا و هو يعلم متي نزلت، و أين نزلت، و فيما نزلت، و هو الذي قال: سلوني قبل أن تفقدوني، و لم يقلها بعده الا كاذب، و أخذ الأئمة من أبنائه علومهم عنه خلفا عن سلف. أفهؤلاء يقال: ان في الأمة اليوم، أو قبل اليوم، من هو أعلم منهم بكثير؟ و أخذها عنهم فقهاء شيعتهم الذين لم يقصروا، و ورثوا و وفروا و دونوا. و هل الاجتهاد المأخوذ بالآراء و المقاييس و الاستحسان - سواء أتناولته الأيدي بسهولة من كتب أم بصعوبة من بعد - أقرب الي الصواب من العلم المأخوذ خلفا عن سلف عن امام عن أبيه، عن جده، عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، عن جبرئيل، عن الله تعالي. و ابن الأمة اليوم لا يزيد عن أبيه الذي قد وصفنا حاله، و تسجيع العبارات و تنميقها لا يغير من حال الابن و الأب شيئا. و ما تدعيه الشيعة و تثبته في الأئمة استنادا الي كتاب ربها، و أقوال نبيها لا يمكن وجوده في أحد غيرهم لا بتمامه و لا ببعضه فضلا عن أن يكون فيها من هو أحفظ و أعلم و أفقه، و دعوي القطع في ذلك هي عين الوهم. و كون الله تعالي جعل في الأمة من هو أعلم من الصحابة بكثير؛ ينافي حديث: «خير القرون قرني» - الذي اعتمد عليه في ما سبق - فان القرن بأهله، و لا شي‌ء خير من العلم، و كيف يكون اهتداء الأمة أقرب و أصوب من اهتداء الأئمة؟ و الأئمة أخذوا اهتداءهم عن آبائهم، عن أجدادهم، عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، عن جبرئيل عن الله تعالي، و غيرهم اهتدوا بآرائهم و مقاييسهم و استحساناتهم، فأي الفريقين أحق بأن يكون اهتداؤه أقرب الي الصواب و الحق. و أما دعواه: ان الأمة حازت بالعصوبة كل مواريث نبيها، و فازت بكل ما كان له بالنبوة فيقال [ صفحه 103] له: أكل فرد من أفراد الأمة حاز ذلك و فاز به بالعصوبة أم طائفة مخصوصة من الأمة؟ فان قال بالأول كذبه العيان و الوجدان، و ان قال بالثاني فمن هي الطائفة من الأمة التي هي أحق بميراث نبي الأمة من أهل بيته و أبنائه و عصبته الأدنين الذين ورثوا علومه خلفا عن سلف، و أخبر أن المتمسك بهم لا يضل أبدا، و الذين جعلهم في ذلك شركاء القرآن، و بمنزلة باب حطة و سفينة نوح، و الذين أمر بلزومهم، و عدم التقدم عليهم، و عدم التأخر عنهم؟ و أنت تحيد عنهم، و تنتقد أقوالهم في غير موضع من وشيعتك الواهية البالية، و تنابذ شيعتهم و متبعيهم، فالأمة في نبذها أقوالهم وهحرها لم تحز من مواريث نبيها لا بالعصوبة ولا بالعول الا النزر اليسير. و أما دعواه: ان احتياج الناس الي الامام المعصوم ينافي حكمة ختم النبوة؛ لأنه اما لقصور في بيان الكتاب، أو في روح النبوة، أو في التبليغ؛ فدعوي الاحتياج طعن في أصل الدين، فهي طنطنة و تهويل بغير معني. فانا نسأله: أتحتاج الأمة الي امام غير معصوم أم لا؟ فان قال: لا، فقد خال اجماع الأمة، و ان قال: نعم، فكيف لم يرفع ختم النبوة برسالة محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و بركة القرآن الكريم الاحتياج الي الامام غير المعصوم، و رفع الاحتياج الي المعصوم مع أن رفعه الاحتياج أولي، و حينئذ يقال: دعوي الاحتياج الي الامام غير المعصوم تنافي حكمة الله في ختم النبوة الي آخر ما ذكره. و حكمة ختم النبوة أولي بأن تثبت الاحتياج الي امام معصوم من أن تنفيه؛ فاذا لم يكن بعد هذه النبوة نبوة؛ فأولي أن تحتاج الي امام معصوم بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم ينفي عن الشريعة الزيادة، و النقصان، و التحريف، و التبديل، فدعوي احتياج الناس الي امام معصوم من مقتضيات حكمة الله في ختم النبوة لا في منافياتها، و لم يكن محمد خاتم النبيين الا ليكون أصياؤه خاتمة الأوصياء، و اذا أوجب الله الوصية في الكتاب علي من ترك مائة درهم مثلا؛ فمن ترك أمة عظيمة أحري بأن يوصي بها الي من يؤتمن عليها، و ليس الا المعصوم، و ليس ذلك لقصور في بيان الكتاب، و لا في روح النبوة، و لا في التبليغ. أما الكتاب [ صفحه 104] الكريم فانه لم يتكفل ببيان جميع تفاصيل الأحكام، و ان قال الله تعالي انه: (تبيان لكل شي‌ء) [النحل / 89]لأنه لابد من حمل ذلك علي بعض الوجوه مثل: ان فيه أصول الأحكام، أما تفاصيلها فلا أو غير ذلك لما نراه بالبديهة، ان جملة من الأحكام أو تفصيلها لا يمكن استفادته من الكتاب، فهو دال مثلا علي وجوب الصلوات الخمس، أما أن الظهرين و العشاء أربع ركعات، و المغرب ثلاث، و الصبح ركعتان، و أن التكفير في الصلاة مستحب أو غير مشروع، فلا. و علي وجوب الزكاة، و ليس فيه أنها في أي شي‌ء، و ما مقدارها، و شرائط وجوبها، و ليس فيه جميع تفاصيل أحكام الحج، و لا اشتراط رفع الجهالة في البيع، و أن الربا في أي شي‌ء يتحقق، و لا أن النكاح يقع لفظ أعطيت، أو لابد من زوجت و أنكحت، و هكذا جميع الأحكام من الطهارة الي الديات، فلا يقال عن هذا: انه قصور في بيان الكتاب، فان الكتاب لم يرد منه الا هذا المقدار من البيان، و أوكل التفصيل الي بيان الرسول صلي الله عليه و آله سلم، و الاختلاف في مسائل الدين كثير من الصدر الأول الي اليوم مع وجود القرآن العظيم، وكل يدعي أن الحق معه، فظهر أن الكتاب لا يمكن أن يستغني به وحده، و من زعم ذلك فقد غالط نفسه أو حاول العناد. و أما أنه ليس قصورا في روح النبوة و لا في التبليغ؛ فلأنه قد وقع الاختلاف في الأحكام التي بينتها روح النبوة أصولا و فروعا، و لم يستلزم ذلك هذا القصور، فان المبلغين (بالفتح) منهم من حفظ، و منهم من نسي وضيع، و منهم من غير كما يشهد بذلك اختلاف الأمة المستمر من الصدر الأول الي اليوم و ما بعد اليوم، فدعوي الحاجة الي امام معصوم ليست طعنا في أصل الدين، بل هي دفاع عنه، و انما دعوي عدم عصمة الامام هي الطعن في أصل الدين بأن صاحب الشرع و الدين؛ ترك الأمة سدي لم ينصب لها من يحفظ عليها دينها، و رضي لها بنصب من ليس بمعصوم عن الخطأ في أمور الدين. و أما دعواه: ان عقدية انحصار الأئمة في عدد قد اضطرت الشيعة الاثني عشرية الي أقوال كلها مستحيلة، فكان عليه أن يبين هذه الأقوال؛ لنبين له أنها ممكنة واقعة، و أن غيرها هو المستحيل، و انحصار الأئمة في عدد قد أخذته [ صفحه 105] الشيعة الاثنا عشرية مما ثبت عن صاحب الرسالة، وروته ثقات المسلمين منا و منكم في الصحاح الستة و غيرها من قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «الأئمة من قريش» «يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش أو من بني‌هاشم». [151] من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية» [152] اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا من بعدي: كتاب الله و عترتي أهل بيتي، و أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض» [153] دل الحديث الأول و الثاني علي أن الامام لا يكون الا قرشيا، و عليه اجماع المسلمين، و الحديث الثالث علي أنه لابد أن يوجد واحد منهم في كل زمان؛ و الا لكان التكليف بمعرفته تكليفا بغير المقدور، و ليس في قريش أئمة بهذا العدد، و في كل زمان منهم واحد غير الأئمة الاثني عشر. و دل الحديث الرابع علي عصمة العترة كالكتاب؛ و الا لأمكن أن يكون المتمسك بها ضالا؛ و أن العترة لا تفارق الكتاب حتي ورود الحوض. و لا يكون ذلك الا بوجود امام معصوم منها في كل زمان. و ليس المراد جميع العترة؛ لوقوع الذنوب من بعضها، و للاجماع علي أن غيرها ليس بمعصوم. فبان أن انحصار الأئمة في عدد محدود ثابت لا مناص منه و لا يمكن أن يضطرنا الي قول مستحيل. و انما القول بعدم انحصار الأئمة في عدد قد اضطر غيرنا الي القول بامامة أمثال يزيد بن معاوية، و مروان بن الحكم، و الوليد، و يزيد صاحب حبابة من بني‌أمية، و أمثالهم من بني‌العباس، أو أن تكون الأمة التي يتغني بذكرها و يدعي عصمتها ماتت ميتة جاهلية. و قال (صفحة م التي هي ص 40): «و الشيعة بدعواها في الأئمة تصغر حق الأمة و قوتها غاية التصغير، و القرآن الكريم قد رفع و يرفع قدر الأمة و قوتها مكانا عليا دونه مكان ادريس، و يعلي بشأن الأمة و حرمتها درجات دونها كل [ صفحه 106] درجة، و قد تلونا من قبل مئات من الآيات تشهد بذلك، و نتلو الآن آيات بشرتنا بما ستبلغه الأمة بقوتها، و عقلها، و اجتهادها، وسيعها في مستقبل الأيام. (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام و البحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله). أي كلمات الله التي ستكتبها الأمة تداركا لما كان لنبيها من الأمية. ثم كل هذا ليس علي مجرد الكلام و الكلمات، بل منه أيضا أن وجه الحكمة، و تأمل عجائب الصنعة، وادراك اتقان نظام الخلقة لاينفذ. و من أعجب ما أراه في نسق الآيات أن آية (قل انما أنا بشر مثلكم يوحي الي أنما الهكم اله واحد) [الكهف / 110]بعد آية (قل لو كان البحر مدادا) [الكهف / 109]فان النبي جعل نفسه في هذه الآية مثل فرد من أمته في تلك الأيام، فيكون الفرد من أمته مثل نبيها». و نقول: ان كانت الشيعة علي زعمه بدعواها الحاجة الي امام معصوم تصغر قدر الأمة يلزمه؛ هو أن تكون الأمة أجمع باتفاقها علي الاحتياج الي امام معصوم أو غير معصوم قد صغرت حق الأمة و قوتها غاية التصغير، و القرآن الكريم قد رفع و يرفع قدرها مكانا عليا فوق مكان ادريس عليه‌السلام و النبي صلي الله عليه و آله و سلم بقوله: «من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية». و بقوله: «الأئمة من قريش» قد صغر حق الأمة و قوتها غاية التصغير. و الأمة اذا كانت غير معصومة بالبرهان و الوجدان، و الغالب عليها الظلم و الفساد في كل عصر و زمان، فالقول بأن الله تركها بدون أن يقيم لها اماما معصوما يفرق بين الحق و الباطل، و يحكم بينها بالعدل، و تركها تقيم لنفسها من هو مثلها في الخطأ و عدم العصمة؛ هو أعظم تصغير لحقها و تهاون بها لو كان هذا الرجل يدري ما يقول. و أما قوتها فانا نراها قد جعلت بأسها بينها، فصغرت قوتها. و القرآن الكريم لم يرفع الا قدر المتقين من الأمة، و لا يعلي الا شأنهم. (و قليل ما هم) [ص / 24](و قليل من عبادي الشكور [سبأ / 13]. و أما من كان بغير هذه الصفة من الأمة فالقرآن لا يضعه الا بالموضع الذي وضع فيه نفسه، كل ذلك يجري في كل عصر و كل زمان. و دعوي أن جميع أفراد الأمة أو أكثرها بالصفة التي يريدها الله تعالي [ صفحه 107] يكذبها الوجدان و القرآن، و الآيات الكريمة التي تلاها قد بينا عدم دلالتها علي ما يدعي من العموم. و كون المراد بكلمات اله الكلمات التي ستكتبها الأمة بخصوصها، أو مع غيرها، لا يساعد عليه دليل، بل الظاهر أن المراد بها - و الله أعلم - آثار قدرة الله، كما سمي عيسي عليه‌السلام كلمة الله ألقاها الي مريم، و كما قال: (انما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) [يس / 82]و لا ربط لذلك بالأمة. و الذي قال عنه: انه من أعجب ما يراه في نسق الآيات حقيق أن يقال فيه: ان من أعجب ما نراه من هذا الرجل حمله آيات الكتاب الكريم علي معان لا مساس لها بها. فقوله: (انما أنا بشر مثلكم) أي لست بملك، بل بشر مثلكم شرفني الله عليكم بما أوحاه الي من التوحيد، فقد جعل نفسه مثل فرد من أمته في البشرية لا في غيرها؛ و أي فضل في أن يكون الفرد من أمته مثل نبيها في البشرية. و قال في (صفحة لح): «كل حادثة اذا وقعت فالأمة لاتخلو من حكم حق و صواب جواب يريه الله لواحد من الأمة». و قال (صفحة لط): «و ليس يمكن في العالم نازلة حادثة ليس لها جواب عند الأمة». و نقول: لو سلمنا ذلك و أنها اذا وقعت حادثة و اختلفت الأمة في حكمها علي قولين، أو أقوال، لابد أن يكون أحدها صوابا؛ فما الفائدة في ذلك؟ و القول الصواب من بينها مجهول، و هل يكون ذلك مغنيا عن امام معصوم يبين الصواب؟. و شبه (في صفحة لح) كلية العلوم بكلية الصناعات، و قال: «لا يوجد صانع يصنع كل المصنوعات، و معلوم بالضرورة أن الامام لم يكن يفتي في جميع علوم الدين. و لا يعلم التاريخ اماما له علم يبلغ به الي درجة امام من آحاد أئمة في علم من العلوم». و نقول: الشريعة ليست كلية مدارس و لا كلية صناعات (ان هو الا وحي يوحي) [النجم / 4]نزل به جبرئيل علي خاتم الأنبياء، فهذه الخزعبلات لاتفيد الا التطويل، و تضييع الوقت، و دعواه الضرورة في أن الامام لم يكن يفتي في جميع علوم الدين ان تمت؛ فانما تتم في بعض من كانوا في منصب الامامة، أما [ صفحه 108] أئمة أهل البيت، فهذه الدعوي فيهم باطلة بالضرورة. فقد قال أبوالأئمة أمير المؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام: «سلوني قبل أن تفقدوني» [154] في الاستيعاب بسنده عن سعيد بن المسيب: «ما كان أحد من الناس يقول: سلوني غير علي بن أبي‌طالب». و في الاستيعاب: «روي معمر عن وهب بن عبدالله عن أبي الطفيل: شهدت عليا يخطب و هو يقول: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شي‌ء الا أخبرتكم» [155] و رواه السيوطي في الاتقان بهذا السند مثله [156] و روي أبوجعفر الاسكافي في كتاب نقض العثمانية عن ابن شبرمة: «ليس لأحد من الناس أن يقول علي المنبر سلوني الا علي بن أبي‌طالب» [157] و كان باب مدينة علم المصطفي، و قد رجع اليه جميع الصحابة في علوم الدين، و لم يرجع الي أحد، و فتاواه العجيبة في مشكلات مسائل الدين مشهورة، و في المؤلفات مذكورة، و قد أفردت بالتأليف باسم (عجائب قضايا أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب)، و قد جمعناها في كتاب و طبعناه [158] و قال فيه رسول الله صلي الله عليه و آله سلم: «أقضاكم علي» [159] ، و قول عمر فيه و رجوعه الي قوله معروف مشهور، و ورث علومه أولاده الأئمة واحدا بعد واحد، و قد جاء عنه و عن أولاده في علوم الدين و الفتاوي في أبواب الفقه من الطهارة الي الديات ما ملأ الطوامير، و أناف علي ما في الصحاح الستة، و غيرها بكثير، و لا يتسع المقام للاشارة الي جميعها. و أين هو الواحد من آحاد الأمة الذي لا يبلغه علم امام من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ما هي الا الدعاوي المجردة عن كل مستند كما قال القائل: و عالم قد جاءنا يفتي بما لم يخلق يفتي هنا و يدعي دليله في الدورق [ صفحه 109]

الامام الباقر

قال (صفحة لح): «الباقر كان يدعي أن عنده أصول علم يتوارقه أهل البيت، الا أنه كان يكنزها كما يكنز الناس الذهب و الفضة». و نقول: الباقر لقب بذلك لتوسعة في العلم، لقبه به جده الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و أرسل اليه السلام مع جابر بن عبدالله الأنصاري [160] و اعترف بعلمه الناس كافة، وقال ابن حجر في صواعقه: «أظهر من مخبآت كنوز المعارف و حقائق الأحكام و اللطائف ما لا يخفي الا علي منطمس البصيرة أو فاسد الطوية و السريرة، و من ثم قيل فيه هو باقر العلم و جامعه و شاهر علمه و رافعه» [161] فذكره بهذه العبارة عبارة الاستخفاف ما هو الا عناد للرسول صلي الله عليه و آله و سلم الذي سماه باقر العلم، و ما ندري الآن صحة ما حكاه عن الامام الباقر، و اذا صح لم يكن فيه استغراب و لا استبعاد من قوم هم ورثة علوم جدهم. و اذا كان يكنزها عن غير أهلها و يبذلها لأهلها لم يكن في ذلك غرابة.

علوم الأئمة

قال (صفحة لط): «و الشيعة اذا أتت بما عند الأئمة من العلوم؛ تأتي بتفسير الجهد، و بما يقوله الناقوس و الطبول، ثم بغرائب تسميها غرائب العلوم ان دلت علي شي‌ء فانما تدل علي جعل كاتبيها و قائليها؛ و الأئمة من كلها بريئة».و نقول: قد أبطل في حصره مرويات الشيعة عن الأئمة من العلوم في ذلك. فالشيعة روت عن أئمة أهل البيت في أنواع العلوم ما لا يحصي. فروت عنها في التفسير، و الكلام، و الجدل، و الاحتجاج، و التوحيد، و أصول الفقه، و المواعظ، و الحكم، و الآداب، و الفقه من الطهارة الي الديات، و غير ذلك ما جمع في مجلدات كثيرة العدد، ضخمة الحجم، جمة الفوائد، فرووا عن علي [ صفحه 110] أميرالمؤمنين كتابا أملي فيه ستين نوعا من علوم القرآن، و رووا عن الباقر كتابا في التفسير، و أشار اليه ابن‌النديم في فهرسته [162] ، و الامام الصادق رووا عنه في أنواع العلوم ما ملأ الخافقين، و روي عنه راو واحد، و هو أبان بن تغلب، ثلاثين ألف حديث، و الامام الحسن العسكري رووا عنه كتابا في التفسير و اشتملت كتب التفسير للشيعة كمجمع البيان و التبيان المطبوعين و غيرهما، و توحيد المفضل المطبوع المروي عن الصادق هو أحسن كتاب في رد الدهرية، و كذلك توحيد الصدوق المطبوع المروي عن أئمة أهل البيت، و كتاب الأهليلجة في الكلام مروي عن الصادق موجود في البحار. و كتاب تحف العقول المطبوع جمع علي بن شعبة الحلبي في مواعظهم و حكمهم و آدابهم التي هي كنوز لا تنفد، و الجزء السابع عشر من البحار كذلك، و نهج‌البلاغة معروف، و غرر الحكم و درر الكلم جمع الآمدي مشهور مطبوع، و نثر اللآلي‌ء جمع الطبرسي صاحب مجمع البيان مطبوع، كلاهما من كلام أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام، و رسالة الحقوق لزين العابدين جمعت أدب الدنيا و الدين مطبوعة، و استقصاء ما أثر عنهم أن ذلك لا يسعه المقام، و ما روي عنهم في الفقه كتب كثيرة كل منها في مجلدات ضخمة و قد فصلها صاحب الوشيعة في موضع آخر. و هنا يقول: الشيعة اذا أتت بما عند الأئمة من العلوم تأتي بتفسير أبجد «الخ». هذا انصافه و معرفته. و هذا الكلام منه ان دل علي شي‌ء فانما يدل علي جهل قائله أو علي عناده و تمحله، ما رووه عنهم في غرائب العلوم كتفسير أبجد و أمثاله ليس بمستغرب و لا مستبعد؛ و اذا لم توجد غرائب العلوم عندهم، فعند من توجد؟ وهم وحدهم وارثو جميع علوم جدهم جامع العلوم و الغرائب. مع أن ذلك ان صح أن لم يصح لا يعد عيبا، فكم في كتب غيرهم مما يشبه ذلك كخبر الجساسة المروي في صحيح مسلم و أمثاله [163] روي الامام أحمد في [ صفحه 111] مسنده بسنده عن زر بن حبيش: تسحرت ثم انطلقت الي المسجد فمررت بمنزل حذيفة بن اليمان، فدخلت عليه فأمر بلقحة فحلبت، و بقدر فسخنت، ثم قال: ادن فكل، فقلت: اني أريد الصوم، فقال: و أنا أريد الصوم فأكلنا و شربنا ثم أتينا المسجد، فأقيمت الصلاة، ثم قال حذيفة: هكذا فعل بي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قلت: أبعد الصبح؟ قال: نعم هو الصبح، غير أن لم تطلع الشمس. قال: و بين بيت حذيفة و بين المسجد، كما بين مسجد ثابت و بستان حوط، و قال حذيفة: هكذا صنعت مع النبي و صنع بي النبي صلي الله عليه و آله و سلم [164] و بسنده عن حذيفة: «كان بلال يأتي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و عو يتسخر و اني لأبصر مواقع نبلي، قلت: أبعد الصبح؟ قال: بعد الصبح، الا أنها لم تطلع الشمس» [165] و بسنده عن عاصم قال: قلت لحذيفة: أي ساعة تسحرتم مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال: هو النهار الا أن الشمس لم تطلع [166] ، و بسنده عن زر بن حبيش، قلت يعني لحذيفة: يا أباعبدالله تسحرت مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال: نعم قلت، أكان الرجل يبصر مواقع نبله؟ قال: نعم هو النهار الا أن الشمس لم تطلع [167] فما رأي صاحب الوشيعة في هذه الأخبار؟ أهي أعجب أم تفسير أبجد؟!

هشام بن الحكم و عمرو بن عبيد

قال (صفحة لط): «تقول الشيعة: ان الحواس و الجوارح قد تغلط و تحتار، و الله قد جعل القلب لها اماما به يندفع شكها و غلطها، و احتياج الناس الي امام يندفع به الحيرة ألزم و أحكم، فمن جعل للحواس اماما لايترك الناس بلا امام. تقول الشيعة: ان هشام بن الحكم أفحم بهذه الحجة عمرو بن عبيد، و هذه مغالطة و ان افتخرت بها الشيعة، فان الله لم يترك يوما من الأيام أمة من الأمم سدي، بل جعل لها من أبنائها أئمة ثم جعل لها عقلا يهديها (الي آخر [ صفحه 112] نغمته السالفة التي كررها عشرات المرات). العقل العاصم فوق الامام في العصمة، الأمة بعد أن بلغت و صارت رشيدة ببركة الرسالة و ختمها عقلها و رشدها يغنيها عن امام بل هي الامام، و أبناؤها بعقولها أئمة. أيها الغر ان خصصت بعقل فاسألنه فكل عقل نبي» و نقول: لابد، أولا، من نقل خبر هشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد الذي أشار اليه لنكون علي بصيرة منه، ثم بيان فساد ما تعقبه به. روي الكليني في الكافي و الطبرسي في الاحتجاج بالاسناده عن يونس بن يعقوب، قال: كان عند أبي عبدالله عليه‌السلام جماعة من أصحابه فيهم هشام بن الحكم و هو شاب، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام: يا هشام، قال: لبيك يا ابن رسول الله، قال: ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد و كيف سألته؟ (الي أن قال) قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد و جلوسه في مسجد البصرة، و عظم ذلك علي فخرجت اليه، و دخلت البصرة يوم الجمعة، و أتيت مسجد البصرة، فاذا بحلقة كبيرة و اذا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء مؤتزر بها من صوف، و شملة مرتديها، و الناس يسألونه فاستفرجت الناس، فافرجوا لي، فقعدت في آخر القوم علي ركبتي، ثم قلت: أيها العالم أنا رجل غريب، أتأذن لي فأسألك عن مسألة؟ قال: اسأل. قلت له: ألك عين؟ قال: يا بني أي شي‌ء هذا من السؤال؟ فقلت: هذه مسألتي. فقال: يا بني سل و ان كانت مسألتك حمقاء؟ قلت: أجنبي فيها؟ فقال لي: سل. فقلت: ألك عين؟ قال: نعم، قلت: فما تري بها؟ قال: الألوان و الأشخاص، قلت: ألك أنف؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أشم به الرائحة، قلت: ألك لسان؟ قال: نعم، قلت فما تصنع به؟ قال: أتكلم به، قلت: ألك أذن؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الأصوات، قلت: ألك يدان؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع بهما؟ قال: أبطش بهما و أعرف بهما اللين من الخشن؟ قلت: ألك رجلان؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع بهما؟ قال: أنتقل بهما من مكان الي مكان. قلت: ألك فم؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع به؟ قال: أعرف به المطاعم علي اختلافها. قلت: أفلك قلب؟ [ صفحه 113] قال: نعم. قلت: فما تصنع به؟ قال: أميز به كل ما ورد علي هذه الجوارح، قلت: أفليس في هذه الجوارح غني عن القلب؟ قال: لا. قلت: و كيف ذاك و هي صحيحة سليمة؟ قال: يا بني، أن الجوارح اذا شكت في شي‌ء شمته، أو رأته، أو ذاقته ردته الي القلب، فتيقن بها اليقين، و أبطل الشك! قلت: فانما أقام الله عزوجل القلب لشك الجوارح؟ قال: نعم، قلت: لابد من القلب و الا لم تستيقن الجوارح؟ قال: نعم، قلت: يا أبامروان، الله تبارك و تعالي لم يترك جوارحكم حتي جعل لها اماما يصحح لها الصحيح، و يتقي ما شكت فيه، و يترك هذا الخلق كله في حيرتهم و شكهم و اختلافهم لا يقيم لهم اماما يردون اليه شكهم و حيرتهم، و يقيم لك اماما لجوارحك ترد اليه حيرتك و شكك، فسكت و لم يقل لي شيئا. ثم التفت الي فقال: أنت هشام؟ قلت: لا. فقال لي: جالسته؟ فقلت: لا. قال: فمن أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة. قال: فأنت اذا هو، ثم ضمني اليه و أقعدني في مجلسه، و ما نطق حتي قمت، فضحك أبوعبدالله ثم قال: يا هشام من علمك هذا؟ قلت: يا ابن رسول الله جري علي لساني. فهشام ان قال بأن القلب كالامام للجوارح، فهو قد أتي بشي‌ء واضح يفهمه كل من كان له قلب أو ألقي السمع و هو شهيد، و ليس هو أمر يختلف فيه ذوو العقول حتي يقال فيه تقول الشيعة كذا، بل ابداء أمر يفهمه كل ذي لب و فهم. ولكن من أخذ علي نفسه الشغب في كل شي‌ء، فهو يشاغب حتي في البديهيات والمحسوسات، و ليست المسألة مسألة افتخار و مفاخرة، بل مسألة أدلة و براهيم و زعمه أنها مغالطة هو أقل و أفسد من أن يسمي مغالطة. فهشام قد ألزم عمرو بن عبيد بما لا مناص منه، فلذلك سكت و لم يتكلم حتي قام هشام، و قد كان عمرو واحد عصره في قومه و لا يصل صاحب «الوشيعة» الي أدني درجاته، فلو رأي أن في كلام هشام شيئا من المغالطة لما سكت. و صاحب «الوشيعة» يعترف بأن الله لم يترك الأمة سدي؛ لكنه يدعي أنه جعل لها أئمة من أبنائها، و نحن نسأله عن هؤلاء الأئمة، فان كانوا منزهين عن الخطأ فهو ما نقوله، و ان لم يكونوا فالأعمي لا يهدي أعمي، و المخطي‌ء لا ينقذ من أخطأ، بل يوقع فيه، و كلماته التي كررها في عصمة الأمة و أبنائها قد بينا سابقا [ صفحه 114] سخافتها، و أنه لا محصل لها، و الأحكام الشرعية يجب أخذها من صاحب الشرع فقط و لا تصل اليها العقول. أيها الغر ان خصصت بعقل فاسألنه فكل عقل نبي فهو ينبيك أن عقلك عن اد راك حكم الاله ناء قصي

بين الصادق و أبي حنيفة

قال (صفحة م التي هي ص 40): «رأيت في كتب الشيعة بيانات لأئمة الشيعة لو تركوها مكنوزة مكتومة؛ لكان أحسن و أستر اذ ليس في ظهورها الا شيوع الجهل - جهل الامام بالقرآن - و حكت كتب الشيعة كلمات جرت بين الصادق و أبي‌حنيفة؛ لو صدقت لدلت علي جهل الصادق جهلا لا ينفع فيه التعليم» و لم يذكر تلك البيانات و لا تلك الكلمات. و نقول: كلامه هذا لو تركه مكتوما لكان أحسن له و أستر، اذ ليس في ظهوره الا شيوع جهله، فالصادق عليه‌السلام امام أهل البيت في عصره، و القرآن نزل في بيت جده، و أخذ علوم القرآن بواسطة آبائه، عن جده، عن جبرئيل، عن الله تعالي، و شيعته أخذت عنه ما رواه الثقات عن الثقات. و هو قد أحال علي مجهول، و لو ذكر تلك البيانات لبينا له أنه هو الجاهل بالقرآن و علومه. و الكلمات التي جرت بين الصادق و أبي‌حنيفة معلومة مشهورة حكتها كتب من تسموا بأهل السنة كما حكتها كتب الشيعة، و لم تقتصر حكايتها علي كتب الشيعة وحدها، و هي صادقة بينة تدعمها الحجة و البرهان، و انكاره صدقها يدل علي جهله جهلا لا ينفع فيه التعليم، و عناده عنادا حاد به عن الطريق المستقيم فممن رواها من السنيين الحافظ أبونعيم الأصفهاني في حلية الأولياء. [168] ، و من الشيعة الشيخ أبوجعفر الطوسي في أماليه [169] و غيرهما [ صفحه 115] بسنديهما أنه دخل ابن أبي ليلي و أبوحنيفة علي جعفر بن محمد، فقال لابن أبي ليلي: من هذا معك؟ قال: هذا رجل له بصر و نفاذ في أمر الدين، قال: لعله يقيس أمر الدين برأيه؟ قال: نعم، فقال جعفر لأبي حنيفة: هل قست رأسك بعد؟ هل علمت ما الملوحة في العينين؟ و المرارة في الأذنين؟ و الحرارة في المنخرين؟ و العذوبة في الشفتين؟ قال: لا. فبين له وجه الحكمة في ذلك بما يطول الكلام بذكره فليطلب من محله، ثم قال: حدثني أبي عن جدي أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: أول من قاس أمر الدين برأيه ابليس قال: أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين [170] ، و روي أبونعيم في الحلية بسنده عن عبدالله بن شبرمة: دخلت أنا و أبوحنيفة علي جعفر بن محمد و ذكر مثله، و زاد ابن شبرمة ثم قال جعفر: أيهما أعظم قتل النفس أو الزنا؟ قال: قتل النفس. قال: فان الله عزوجل قبل في قتل النفس شاهدين، و لم يقبل في الزنا الا أربعة. ثم قال: أيهما أعظم الصلاة أم الصوم؟ قال: الصلاة؟ [171] قال: فما بال الحائض تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة، و في رواية الطوسي في أمالية: ثم قال: البول أقذر أم المني؟ قال: البول. قال: يجب علي قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني، و قد أوجب الله الغسل من المني دون البول [172] ثم قال: ما تري في رجل كان له عبد فتزوج و زوج عبده في ليلة واحدة، ثم سافرا و جعلا امرأتيهما في بيت واحد، فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين و بقي الغلامان، أيهما في رأيك المالك؟ و أيهما المملوك؟ و أيهما الوارث و أيهما الموروث، ثم قال: فما تري في أعمي فقأ عين صحيح، و أقطع قطع يد رجل كيف يقام عليهما الحد؟ ثم قال: فأنت الذي تقول سأنزل مثل ما أنزل الله؟ قال: أعوذ بالله من هذا القول. قال: اذا سئلت فما تصنع؟ قال: أجيب من الكتاب، أو السنة، أو الاجتهاد. قال: اذا اجتهدت من رأيك وجب علي المسلمين قبوله؟ قال: نعم. [ صفحه 116] قال: و كذلك وجب قبول ما أنزل الله، فكأنك قلت: أنا أنزل مثلما أنزل الله. و في كنز الفوائد للكراجكي: ذكروا أن أباحنيفة أكل طعاما مع جعفر بن محمد، فلما رفع جعفر يده من أكله، قال: الحمدلله رب العالمين، اللهم هذا منك، و من رسولك، فقال أبوحنيفة: يا أباعبدالله أجعلت مع الله شريكا؟ فقال له: ان الله يقول في كتابه: (و ما نقموا الا أن أغناهم الله و رسوله من فضله) [التوبة / 74]و يقول: (و لو أنهم رضوا ما آتاهم الله و رسوله و قالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله و رسوله) [التوبة / 59]فقال أبوحنيفة: و الله لكأني ما قرأتهما قط و لا سمعتهما الا في هذا الوقت. [173] .

في تاريخ الاسلام أمران قتل عثمان و قتل الحسين

قال (صفحة ك): «وقع في تاريخ الاسلام أمران أمران كل منهما أمر من الآخر لا ندري أيهما أفجع و أشد وقعا، و أذهب بالدين و الشرف؟ الأول: قتل الامام عثمان في الحرم النبوي، و هو خليفة رسول الله في الرسالة المحمدية، و رئيس الأمة في الدولة الاسلامية، رابع الأمة في اقامة الدين، و ثاني الأمة في المصاحف، و فتوحات المؤمنين. و أهل الثورة فئة حقيرة بطرت معيشتها، فبغت و ثارت بغيا و تمردا، وقوة الدولة هم الأنصار و المهاجرون، و علي علي رأسهم بالمدينة، و كليمة هم من علي، أو اشارة لمح من صاحب ذي الفقار، تكفي في طرد الفئة الثائرة من أرض الدولة، و تكفي الاسلام الخزي و السوء بأيدي أعدائه. أهين الاسلام و أهينت كل حرماته بأيدي فئة باغية حقيرة، و قوة الدولة هم الأنصار و المهاجرون بالمدينة لم أجد في هذا الأمر عذرا لأحد كلا لا وزر ينجي من عزمات اللوم من حضر». و قال (في صفحة م): «ان في تاريخ الاسلام أمرين أمرين لا يدري أيهما أكبر خزيا و لا أشد سوءا؟ أولهما: شهادة خليفة الاسلام في أيدي فئة حقيرة باغية، و قوة الدولة الاسلامية حاضرة قوية كانت متمكنة من دفعها و لم تدافع». و قال (صفحة ب س): «الفئة التي ثارت علي [ صفحه 117] عثمان أثارتها دعاة ماكرة كابن سبأ، أو مغفلة كأبي ذر؛ فانه كان يذكي نيران هذه الفتنة بنظره القاصر هو، و ان اشتهر بالزهد و الورع و التقوي، فقد أثر فيه دعوة أهل المكر، فافتتن بها فكان آلة عمياء، و لم يكن يعلم أن عثمان أعلم منه و أورع و أزهد و أتقي، و أنصح للدين و الأمة»، ثم ذكر (صفحة ب س) ما نقمه الناس علي عثمان، ثم ذكر مقتله (صفحة ج س) فقال: «قتلوه شر قتلة، ثم تركوا جنازة الامام جيفة محتقرة، و قوة الدولة، و قوة الاسلام حاضرة ناظرة خاذلة تصلي الجمعة - و الفرض تلك الساعات غيرها - أقول مثل هذه الأقاويل الشنيعة مضطرا اذ لم أجد لفاجعة الامام ذي النورين عثمان من عذر، و قد ثبت في كتب الأحاديث و الأخبار أن عثمان استنصر عليا و معاوية. قال العباس لعلي: اني أري أن عثمان قد أخذ في أمور، و الله لكأني بالعرب قد سارت اليه حتي ينحر في بيته، و ان كان ذلك و أنت بالمدينة لزمك الناس به، و لم تنل من الأمر شيئا الا من بعد شر لا خير معه، فوقع كل ما أنذر به. و كنت أظن أن عليا كان متمكنا تمام التمكن من دفع الفتنة، و لم يكن له أن يعتزل، و لم يكن له عذر أبدا في الاعتزال، و اعتزاله هو الذي فتح أبواب الشرور بعده، و أثار كل حروبه حتي أن شهادة الحسين قد عدها العدو يوما بيوم». و نقول: في كلامه مواقع للنظر و النقد: أولا: انه وقع في تاريخ الاسلام أمور و أمور كل منها أمر و كلها مر و مآس محزنة، و فظائع مخزية، و بعضها كان هو السبب في هذين حياة الأمرين، فاقتصاره علي أمرين ليس بصواب، و ابتدأت تلك الأمور من زمن حياة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فقال في بعضها (يوم الغميصاء): اللهم اني أبرأ اليك مما فعل خالد ثلاثا [174] ، و بعضها في غزوة تبوك حين حاول المنافقون الفتك برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عرفهم حذيفة، و كان حذيفة أعرف الناس بالمنافقين [175] ، و بعضها في مرضه حين طلب [ صفحه 118] الدواة و الكتف و حين أمر بتنفيذ جيش أسامة، و بعضها بعيد وفاته حين قتل مالك بن نويرة و جري لامرأته ما جري و اختلف رأي الخليفة و بعض أكابر الصحابة في القاتل و الفاعل. [176] . و حدثت أمور أخر خلال تلك المدة كل منها أمر مر نضرب عن ذكرها صفحا، و نطوي دونها كشحا. ثم حصلت فتنة قتل الخليفة الثالث التي سببها أمور جرت قبلها، كل منها أمر مر لا حاجة الي شرحها لاشتهارها. ثم حرب الجمل طلبا بثأر الخليفة، و الطالبون بثأره هم القاتلون في الحقيقة، و أي أمر أمر أعظم من يوم الجمل و أفظع؟ قتلت فيه الألوف من المسلمين لماذا؟ و نتفت فيه شعور اللحي و الشوارب و الأجفان و الحواجب، و أتي برجال عبد القيس يجرون كالكلاب فيقتلون لا لذنب؟ ثم حرب صفين و حق أن يقال فيه انه أمر أمر، و سبب هذين الحربين الخطأ في الاجتهاد، لا حب الدنيا، فنشأ من هذا الاجتهاد المخطي‌ء قتل الألوف من المسلمين، و نهب الأموال، و ضعف شوكة الاسلام، و تمكن الضغائن و الأحقاد في النفوس، و تشتت أمر المسلمين و تفرقهم شيعا، و مذاهب، و جعل بأسهم بينهم. و مسببو هذه الفظائع معذورون و مثابون مأجورون. ثم أمر الحكمين، و هو أمر أمر، و منه نشأت فتنة الخوارج التي سفكت فيها الدماء، و استحلت الأموال، و انتهكت الأعراض، و قتل بسببها خليفة المسلمين علي بن أبي‌طالب، و استمرت بلواها و حروبها في دول الاسلام قرونا كثيرة، و أثر محنتها باق الي اليوم، و أرسل صاحب الشام بسر بن أرطأة يغير علي بلاد المسلمين مكة و المدينة حرم الله و حرم رسوله و اليمن يقتل الرجال، و يذبح الأطفال، و ينهب الأموال، و يسبي النساء. ثم كانت وقعة كربلاء. ثم وقعة الحرة التي قتل فيها المهاجرون و الأنصار و أبناؤهم، و أبيحت مدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ثلاثا حتي ولد مئات من الأولاد لا يعرف لهم أب، و كان الرجل من أهل المدينة اذا أراد أن يزوج ابنته لا يضمن بكارتها يقول: لعله [ صفحه 119] أصابها شي‌ء يوم الحرة، و بايع المهاجرون و الأنصار و أبناؤهم علي أنهم عبيد رق ليزيد بن معاوية، ان شاء استرق، و ان شاء أعتق، و من أبي ضربت عنقه. أفليس هذا أمرا مرا في نظر صاحب الوشيعة؟ و أي أمر أمر أفظع منه و أفجع و أشنع؟ ثم جاءت دولة بني مروان فكان فيها كل أمر أمر مما شاع و ذاع و حفظه التاريخ سلط عبدالملك بن مروان الحجاج علي الحجاز ثم علي العراق، فهدم الكعبة المعظمة، و ختم علي أيدي المهاجرين و الأنصار و أعناقهم كما يفعل بالروم، و كان يحبس الرجال و النساء في مكان واحد في سجن ليس له سقف، و وجد في سجنه بعد هلاكه ألوف مؤلفة لا يعرف لهم ذنب، و فعل بنو أبيه بعده الأفاعيل، و عملوا الأعمال الشنيعة مما هو معروف مشهور كصاحب حبابة و الوليد رامي القرآن بالسهام و غيرهما ممن يحملون لقب الخلافة و امرة المؤمنين. و لم تكن الدولة العباسية في قبح أفعالها بأقل من الدولة الأموية بما فعلوه مع العلويين و غيرعم؛ حتي بنوا عليهم الحيطان أحياء، و هدموا عليهم سقوف الحبوس الي غير ذلك مما هو مشهور معروف و أشرنا، الي بعضه في غير هذا المكان، و أرسل السفاح أخاه يحيي عاملا علي الموصل فقتل منهم أحد عشر ألفا من العرب و من غيرهم خلق كثير في المسجد بعدما أعطاهم الأمان، و سمع في الليل بكاء نسائهم و أطفالهم فأمر بقتلهن فقتلن مع الأطفال و كان معه أربعة آلاف زنجي فأخذوا النساء قهرا كما في تاريخ ابن‌الأثير [177] و آل الأمر ببعض من تسمي باسم الخلافة و امرة المؤمنين منهم أن جعل يستهزي‌ء بأمير المؤمنين علي بن أبي‌طالب، و يسخر منه في مجالسه، و حرث قبر الحسين، و منع من زيارته، و الملقب بالقاهر منهم علق أم الخليفة الذي كان قبله و هي مريضة برجل واحدة، و ضربها بيده في المواضع الغامضة ليستخرج منها الأموال. هذه نبذة مما وقع في تاريخ الاسلام من الأمور التي كل منها أمر و مر. و هناك غيرهما مما ينبو عنه الحصر فهي مئات و ألوف لا أمران فقط. [ صفحه 120] ثانيا: كلامه هنا ينافي و يناقض ما سلف منه بقوله: انه في العصر الأول، و عهد الخلافة الراشدة كان المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض قد ألف الله بين قلوبهم، فانا نري المؤمنين في العصر الأول، و عهد الخلافة الراشدة، كانوا بالنسبة الي الخليفة الثالث - و هو في عصر الخلافة الراشدة - بين قاتل و خاذل، و قد اعترف بذلك صاحب الوشيعة في قوله: و قوة الدولة هم المهاجرون و الأنصار بالمدينة، و قد ذهب حواري رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أم المؤمنين و المؤمنات من المدينة الي مكة، و الخليفة محصور لم يدفعوا عنه، و لم يدافعوا، ثم قاموا يطلبون بثأره ممن دفع و دافع جهده. ثالثا: ألم يكن من المؤمنات أم‌المؤمنين التي كانت تقول في الامام المحرب عثمان، خليفة رسول الله و رئيس الأمة، ما تقول؟ حتي قال لها ابن أم كلاب ما مر من الشعر و غيره. و تنصب قميص رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و تقول ما تقول، أكان هذا من الولاية بين المؤمنين و المؤمنات و التآلف بين القلوب؟!! رابعا: نراه قد أنحي باللائمة من طرف خفي علي علي بقوله: و كليمة همس من علي، أو اشارة لمح من صاحب ذي صاحب ذي الفقار «الخ» بل جاهر بذلك و أظهر بقوله: لم أجد في هذا الأمر عذرا لأحد الخ. و نري أن كلمات اجهار و اعلان من علي لم تكن لتكفي في أقل من هذا حينما كان علي ينصح للخليفة الثالث، و يصلح الأمور، و مروان يفسدها. و لو كانت كليمة همس، أو اشارة لمح من صاحب ذي الفقار تكفي في اخماد ثورة؛ لكفت في غيرها مما تقدمها من الأمور التي جرت علي علي مما لسنا بحاجة الي بيانه لظهوره و اشتهاره، و لو كان الذي الفقار عمل لعمله يومئذ. خامسا: ان عليا حامي عن الخليفة الثالث جهده في ما رويتم، و أرسل و لديه لحمايته، و لنا أن نعذره في سكوته لانفراده كما سكت في ما سبق له من المقامات التي كان عليه أن ينتصر فيها لنفسه، و يطالب بحقه، فسكت لفقد الناصر الا قليلا ضن بهم و بنفسه عن القتل، و لو رام خلاف ذلك؛ لأصابه ما أصاب الخليفة الثالث؛ ولكن باقي المهاجرين و الأنصار كانوا أقل عذرا من علي [ صفحه 121] في قعودهم و سكوتهم، و خروج بعضهم من المدينة - و الخليفة محصور - الي مكة و غيرها و الله تعالي أعلم بعذرهم. و ابن عمه صاحب الشام كانت له قوة و منعة و جنود وعدة، و قد استغاث به فلم يغثه، و أرسل جيشا و أمرهم بالبقاء في وادي القري حتي يأتيهم أمره، فبقوا هناك حتي قتل فدخلوا - كما ذكره المؤرخون - و هذا عذره في خذلان ابن‌عمه ظاهر فانه أراد أن يستغل قتله ليلصقه بغيره و تتم له الأمرة و لولا ذلك لما تمكن من حرب علي و منابذته، و الصاق قتله به، و تحريك حوارها لها لتحن، و قد تم له ذلك. سادسا: ما قاله يبطل القول بعدالة جميع الصحابة الذين كانوا في ذلك العصر بتهاونهم في نصر عثمان، و اشتراك بعضهم في حصره حتي قتل، فحصل للاسلام الخزي و السوء، و أهين الاسلام، و أهينت كل حرماته، و شملهم اللوم، و لم يكن لأحد منهم عذر؛ الا الاجتهاد المصطنع. سابعا: مر منه مكررا مؤكدا أن الأمة معصومة، قد بلغت رشدها، فهل كان قتل الامام المحرم ثالث الخلفاء و قتل الحسين سيد الشهداء و ما تقدم ذلك و تخلله من الفتن و الفظائع من آثار عصمة الأمة و بلوغها رشدها؟ ثامنا: قوه أثارتها دعاة ماكرة كابن سبأ سيأتي عند ذكر الأمر الثاني بيان أن ابن‌سبأ أقل و أذل من ذلك، و من هو الذي أثارها. تاسعا. قد قال في ما يأتي، أنه يعد من لغو الكلام و سقطه القول في ما جري بين الصحابة زمن الخلافة الراشدة، و تراه يقول و يبسط لسانه في ما جري بين الصحابة زمن الخلافة الراشدة، و ينسي ما قاله قبل أسطر، فينسب أباذر الي أنه مغفل قاصر النظر، ولذلك كان يذكي فتنة قتل الخليفة و أنه افتتن بدعوة أهل المكر، فكان آلة عمياء، و أن عثمان أعلم منه و أورع و أزهد و أتقي، و أنصح للدين و للأمة، فهو قد قال في ما جعل القول فيه من لغو الكلام و سقطه، و أدخل نفسه في الحكم بين أكابر الصحابة أبي‌ذر و الخليفة، و أين هو من ذلك و فضله عليه بالعلم؟ و علي يقول في أبي‌ذر: انه حوي علما جما فأوكأ [ صفحه 122] عليه [178] ، و فضله عليه في باقي الصفات، و الوجدان يكذبه، و أساء الأدب بهذه الألفاظ الخشنة الجافية التي هي به أليق في حق من قال فيه النبي صلي الله عليه و آله سلم: «ما أقلت الغبراء و لا أظلت الخضراء علي لهجة أصدق منه» [179] ، و قال فيه الوصي ما سمعت، و هو من أهل العصر الأول أفضل العصور عنده و خير أمة أخرجت للناس. عاشرا: قوله: قتلوه شر قتلة «الخ» هذا أيضا قد خالف فيه ما قاله قبل أسطر من أنه يعد من لغو الكلام و سقطه القول في ما جري بين الصحابة زمن الخلافة الراشدة، و نراه قد قال فيه بمل‌ء فيه. و طالما تغني بأن الأمة معصومة راشدة رشيدة، و ان قرن الخلافة الراشدة خير القرون، أفكان قتل الامام شر قتلة، و ترك جنازته جيفة محتقرة من آثار عصمة الأمة و رشدها و رشادها. حادي عشر: قوله ثبت أن الخليفة استنصر عليا و معاوية؛ كأنه يريد بذلك أن ينحي باللوم علي علي؛ ولكنه أشرك معه معاوية، و شتان بين علي و معاوية في ذلك، فعلي نصره جهده، و دافع عنه بنفسه و ولده، و لم يكن متمكنا من دفع القتل عنه و لا من دفنه، فان الحاضرين قد منعوا من دفنه حتي دفن بالليل سرا في بعض البساتين. أما معاوية فأرسل جيشا حين استنصره عثمان، و أمرهم بالبقاء في وادي القري فبقوا حتي قتل عثمان، ثم جعل ذلك حجة و وسيلة لنيل ما أراد، فقام يطالب عليا بثأره. ثاني عشر: كأن ما أشار به العباس هو الذي دعاه الي أن يقول في ما يأتي عند ذكر الشوري: كان العباس أنفذ نظرا و أقوي حدسا يري الأمور من وراء الستور، و اذا كان نظر العباس و حدسه كذلك فهو قد رأي أن الخليفة أخذ في أمور يحلف علي أن العرب ستسير اليه فتنحره في بيته لأجلها، و هو يدل علي أن الأمر قد كان متفاقما لا حيلة فيه لعلي، و لا لغيره؛ الا بالاقلاع عن تلك [ صفحه 123] الأمور. ثم لا يخفي أن هذا التعليل الذي علل به العباس لزوم خروج علي من المدينة عليل - ان صح أنه قال - فمعاوية الذي جهد في الصاق قتل عثمان بعلي - و هو يعلم براءته منه - ليتم له ما أراد لا يصعب عليه أن يقول لعلي خذلته و دسست الرجال ليقتلوه، و فارقته و هو محصور، لم تدفع عنه، فكان خروجه من المدينة أقرب الي دعوي الخذل، و بقاؤه أقرب الي النصر، و قد دافع و حامي جهده، و أصلح الأمور بين عثمان و الثائرين عليه مرارا، و مروان يفسدها، مع ذلك ألصق به معاوية تهمة خذل عثمان. ثالث عشر: ظنه أن عليا كان متمكنا من دفع الفتنة الي آخر ما قاله حقيق أن يقال فيه: (ان بعض الظن اثم) [الحجرات / 12](صدق الله تعالي). و هو ينافي ما ذكره سابقا من براءة علي من دم عثمان. والذي نعتقده و نجزم به أن عليا لم يكن متمكنا من دفع الفتنة، لا تمام التمكن و لا بعضه، و حاشاه أن يتمكن من دفع فتنة كهذه، و لا يدفعها، و أنه لم يعتزل، و لم يتهاون زنة ذرة، ولكنه كان يصلح الأمور و يفسدها مروان كما مر، و قد فصلته كتب التواريخ و الآثار، و لما حوصر الخليفة لم يكن باستطاعته أن يفعل أكثر مما فعل، و ليس اعتزاله فتح أبواب الشرور؛ لأنه لم يعتزل ولكن عزله عن الأمور هو الذي فتح أبواب الشرور في عصره و بعده و أثار كل حروبه، و شهادة الحسين عدها العدو يوما بدر، و ان أظهر أنها بيوم قتل الخليفة، و شهادة الحسين لم تكن بيد من قتله، بل بيد من مكنه و مهد له: سهم أصاب وراميه بذي سلم من بالعراق لقد أبعدت مرماك قال (صفحة س د): «ارتقي علي - و هو أعلم من في زمنه، و أفضل الصحابة بعد الثلاثة - عرش الخلافة بعد أن جعلت شهادة الخليفة كل الأمة الاسلامية هائجة ثائرة، و بعد أن لم يبق للخلافة من روعة و جلال، و للامام من قول يطاع، فاضطرب كل أموره، و لم يصف له ثانية من يومه و ليله - و امرأة من بني عبس ردت عليه و هو يخطب في منبر الكوفة، فقالت: ثلاث بلبلن القلوب عليك: رضاك بالقضية، وأخذك بالدنية، و جزعك عند البلية، بدوية تجتري [ صفحه 124] بمثل هذه الكلمات علي الامام و هو يخطب في منبر الكوفة، و لا ينكر عليها أحد، ثم يفحم الامام و يسكت، كل ذلك يشهد علي اضطراب أمره، و لم يكن هذا العيب في علي، و قد حكي القرآن الكريم أمثاله لأولي العزم من الرسل، و انما هو أمر قضاه الله و قدره صرفا للأمر عن أهل البيت، به أتي تأويل أنت مني بمنزلة هارون من موسي، و به ينهار ما تقولته الشيعة الامامية في الأمة». ونقول: أولا - الصواب أنه أعلم الناس بعد ابن‌عمه كلهم لأنه باب مدينة علمه، و كان الصحابة يرجعون اليه و لم يرجع الي أحد، و أنه أفضل الصحابة كلهم لامتيازه عنهم في جميع الصفات التي بها يكون استحقاق الفضل، و ذلك ملحق بالبديهيات لولا التقليد و العناد. ثانيا: ان الأمة كانت هائجة ثائرة في زمن الخليفة نقمة عليه، و أن شهادته لم تجعل الأمة الاسلامية هائجة ثائرة. و لو كان ذلك لنصرته هذه الأمة - المعصومة عند التركستاني - و قد بقي محصورا مدة طويلة لم ينصره فيها الا من طولب بدمه.. ان الذي هيج جماعة من الأمة و أثارها علي علي بعد مقتل عثمان، هو جلوس علي علي عرش الخلافة حسدا له، و حبا بالامرة، و حطام الدنيا لا شهادة الخليفة، فقالت من لها المكانة في الاسلام لما بلغها قتله: أيها ذا الأصبع، تعني ابن عمها طلحة تتمني له الخلافة، فلما بلغها أن عليا بويع بالخلافة، قالت: وددت أن هذه انطبقت علي هذه - السماء علي الأرض - و لم يكن هذا الأمر، راجع الطبري و ابن‌الأثير [180] و خرج أصحاب الجمل الي البصرة، ليهيجوا الناس و يثيروهم علي علي؛ بحجة الطلب بدم الخليفة، و هيج صاحب الشام أهلها و أثارهم علي علي بحجة الطلب بدمه، و كلهم يعلمون أنه بري‌ء من دمه و أنهم هم الذين خذلوه و ألبوا الناس عليه، و ان الخلافة لم يبق لها روعة و جلال قبل شهادته، و عادت الي روعتها و جلالها بعد بيعة علي الذي رد [ صفحه 125] علي الناس ما كان من القطائع، و نشر العدل و المساواة بينهم. و اذا أردت أنه تعرف ذلك فانظر الي صفة دخل علي البصرة في مروج الذهب [181] و أن أقواله كانت مطاعة، و أصحابه أطوع له من يده، و اتبع له من ظله، و بماذا قاد الجيوش الجرارة لحرب الجمل و صفين بالطاعة أم بالمعصية؟ و كان في عسكره أعلام الصحابة، و جل المهاجرين و الأنصار و وجوههم، و استوسقت له الأمور و استقامت و صفت؛ لولا الناكثون و القاسطون و المارقون. نقول هذا لابطال ما يريد أن يرتبه علي كلامه من أنه اضطراب أمره؛ لأن الله صرف الأمر عن أهل البيت عليهم‌السلام. ثالثا: استشهاده بكلام المرأة العبسية التي يشهر أنها من الخوارج - ان صح ذلك - لا شاهد فيه، و هو من السخافة بمكان، و ان دلي علي شي‌ء؛ فانما يدل علي حلمه لا سيما عن النساء، و كذلك سكوت أصحابه كان ترفعا و تأدبا. و قوله: «ثم يفحم الامام و يسكت» مما يضحك الثكلي، فالافحام الاتيان بما يعجز المخاطب عن جوابه كقول تلك المرأة للخليفة حين أعلن عن رد الزيادة في المهر الي بيت المال فردت عليه بآية (و ان آتيتم احداهن قنطارا) [النساء / 20]فقال: كل الناس أفقه منك حتي المخدرات [182] أما هذه فجوابها واضح لكل أحد. و قوله بدوية تصغيرا لأمرها مع أن المرأة العربية سواء أكانت بدوية أم حضرية تجتري و تبين عن مرادها ببلاغة و فصاحة. و قوله تجتري بمثل هذه الكلمات تعظيما للأمر، و ليس في هذه الكلمات ما يوجب ذلك، لكنه أراد بالتصغير و التعظيم زيادة الايهام في اضطراب الأمر، و هو كما عرفت، و الله تعالي لم يصرف الأمر عن أهل البيت عليهم‌السلام، بل جعله لهم، و جعله حقهم دون غيرهم، و انما صرفه عنهم الناس، و لم يضرهم ذلك و لم يعبهم، فهم أئمة [ صفحه 126] الخلق ان قاموا و ان قعدوا، و ان ظهروا و ان استتروا، و ان تكلموا و ان سكتوا، و ستعرف أن حديث المنزلة لا مساس له بذلك، و أنه دال علي الامامة بأوضح دلالة، و الشيعة الامامية لا تتقول، بل تعتمد في أقوالها علي الحجج و البراهين الساطعة و أقوالها و عقائدها في الأئمة ثابتة راسخة بأدلتها الواضحة تنهار الجبال و لا تنهار. و بذلك ينهار ما تقوله و افتراه علي الشيعة الامامية. قال (صفحة ك): «الثاني - أي من الأمرين الأمرين في تاريخ الاسلام - قتل الحسين و كل من معه من أهل بيت النبوة بقساوة فاحشة و وحشية متناهية. تدعوه شيعة أهل البيت بآلاف من الكتب و الرسائل، و عدد كثير من الوفود دعوة نفاق و خداع، ثم تسلمه لأعداء أهل البيت اسلام خذل يخزي كل جبان، و لو كان في نهاية الضعف، و يقتله و كل من معه، و يمثل به مثلات بكل اهانة جيش الدولة الاسلامية ابتغاء مرضاة مسرف مفسد ماجن. و دعوي الشيعة مثل دعوة الكوفة أولها كتب نفاق و خداع، و عقباها خذلان، ثم نتيجتها اسلام المعصوم الي أيدي أعدائه». و قال (صفحة م): «و شهادة ابن بيت النبوة بخيانة من شيعته و قوة الدولة الاسلامية هي التي قتلته، و أهانته، و مثلت به مثلات». و قال (صفحة ل): «أنا لا أكفر يزيد لأن عمله أشنع و أفحش من كل كفر و لا ألعنه لأن اسلام الشيعة بعد أن دعوه، و اطاعه الجيش، و قائديه أمر يزيد ابتغاء لمرضاته أشنع و أفحش من أمر يزيد أضعافا مضاعفة. و ان قال قائل: ان الحين قتل في حرب أثارها هو، فهذا القول يكون تبرئة ليزيد، و تخطئة عظيمة للامام الحسين عليه‌السلام. أنا لا أقول بهذا القول حتي لو قالته الشيعة. و لو قال قائل: ان الحسين قتل في حرب أثارتها الشيعة التي دعته دعوات ثم خذلته، فهذا مثل القول الأول تبرئة ليزيد، و الذنب كل الذنب يكون علي الشيعة التي خدعته ثم خذلته و أسلمته، و لم يكن البكاء علي الشهداء الا احتيالا الي لعن من هو يعاديه، أو مكرا و دهاء و تقية، و دين الأمة كان أرفع من كل ذلك». و نقول: كل كلامه هذا أخطاء و حياد عن الحق. [ صفحه 127] أولا: زعمه أن شيعة أهل البيت دعته دعوة نفاق و خداع ثم أسلمته لأعدائه، و قوله: بخيانة من شيعته، هذر من القول، فشيعة أهل البيت هم أتباعهم و محبوهم، و هؤلاء لا يمكن أن يكون غرضهم بدعوته النفاق و الخداع، و لا أن يخونوه و الا لم يكونوا من أتباعه و مواليه، و انما هذا شأن الأعداء، فأول هذه الجملة يكذب آخرها. و الذين دعوه من أهل الكوفة جلهم كانت دعوتهم دعوة اخلاص لا نفاق فيها و لا خداع، و ربما كان فيهم من هو علي خلاف ذلك مثل شبث بن ربعي، و حجار بن أبجر، و يزيد بن الحارث بن رويم، و محمد بن الأشعث، و أضرابهم الذين كتبوا اليه، ثم خرجوا لحربه كما هو الشأن في أمثال هذه الحال في كل عصر و زمان. و اسلام من كان بالكوفة من الشيعة له بعد أن دعوه انما هو للخوف ممن بيدهم السلطان، و في قبضتهم الجنود و الأموال، و حبسهم عن الخروج الي نصره، فقد نظم ابن زياد الخيل ما بين واقصة الي القطقطانة فلا يدعون أحدا يلج و لا أحدا يخرج، و مثله جار في كل عصر و زمان في سكوت أهل الحق عما يكون بيد الظلمة الذين بيدهم القوة و السلطان مع عدم قدرتهم علي الدفع. و مع ذلك فقد خرج من قدر منهم علي الخروج متخفيا مخاطرا بنفسه، أمثال: حبيب بن مظاهر الأسدي، و نافع بن هلال الجملي، و غيرهما، فجاهدوا معه و قاتلوا حتي قتلوا، و العادة الجارية في مثل هذه الحال أن يستولي الخوف علي الأفراد، فتذهب قوة المجموع الذي لم يتألف بعد. و ليس ذلك بأعجب من فرار المسلمين عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم أحد حتي رجع بعض أكابر الصحابة بعد ثلاث. و ليس بأعجب من مخالفة الرماة يوم أحد أمر قائدهم عن أمر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و تركهم مواقفهم طمعا في النهب الا قليلا منهم حتي قتل القائد، و قتلوا معه، و فرارهم يوم حنين و هم اثناعشر ألفا حتي لم يبق مع النبي صلي الله عليه و آله و سلم غير عشرة أنفس؛ لكن وجود راية يفيئون اليها معها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و علي و جماعة من بني‌هاشم ثبتوا بثباته، أوجب كرهم بعد فرهم، و اجتماعهم بعد تشتتهم، و لم يكن في الكوفة مثل ذلك. و لا بأعجب من جبنهم عن عمرو يوم الخندق و بيدهم جيش و معهم الرسول، فأيهما أعذر أشيعة [ صفحه 128] الكوفة الذين لا جيش لهم و هم محصورون أم هؤلاء؟ و لئن كان أهل الكوفة غير معذورين في تفرقهم عن مسلم بن عقيل، فلا تزيد حالهم عن حال المسلمين الذين فروا يوم أحد و حنين، و جبنوا يوم الخندق. ثانيا: اذا كان شيعة الكوفة قد أسلموه، فغيرهم من المسلمين قد خذلوه و لم ينصروه، و اذا كان الشيعة غير معذورين في عدم نصرهم، فالأمة جمعاء التي يتغني موسي جارالله دائما بذكرها، و يدعي عصمتها أقل عذرا بتمكينها يزيد الخمير السكير من الخلافة الاسلامية حتي تمكن من قتل الحسين، و فعلها أشنع و أفحش، فكيف كان ذنب خذلانه علي الشيعة دون غيرهم، و اذا فات غيرهم نصره فلم لم يأخذوا بثأره؟ و لم لم يخلعوا يزيد و هم يرون قبيح أفعاله؟ و لم لم ينتصروا لآل الحسين و هم يساقون سبايا الي الكوفة و الشام؟ و هل كان لهم عذر في ذلك عنده دون الشيعة؟ و قد قال أهل الشام ليزيد لما استشارهم في ما يصنع بهم: لا تتخذن من كلب سوء جروا. ثالثا: قوله: «بكل اهانة» سوء أدب منه، فما قتل الحسين عليه‌السلام الا قتلة عز و شرف و مجد. و هو الذي اخترا موت العز علي عيش الذل؛ فلا يسوغ القائل أن يقول في حقه بكل اهانة مهما قصد و مهما أراد. رابعا: تعبيره بجيش الدولة الاسلامية، و قوة الدولة الاسلامية غير صواب، فالاسلام بري‌ء من هذه الدولة المؤسسة علي الفجور، و شرب الخمور، و اللعب بالطنبور، و انكار البعث و النشور، و الانتقام للشرك من الاسلام، و الأخذ بثأر من قتل علي الشرك يوم بدر. نعم، كان ذلك بجيش دولة تنتسب الي الاسلام و ليست منه في شي‌ء. خامسا: قوله قتله جيش الدولة الاسلامية الخ. و قوة الدولة الاسلامية هي التي قتلته «الخ» مع كون جيش الدولة و قوتها هو جيش الأمة و قوتها يناقض ما يأتي منه، و من أن الأمة معصومة قد بلغت رشدها. سادسا: قوله دعوي الشيعة مثل دعوة الكوفة «الخ» خداع منه و ارادة [ صفحه 129] لعيب الشيعة بالباطل، فدعوي الشيعة مبنية علي الدليل و البرهان لا يشوبها نفاق و لا خداع و لا خذلان. أما دعواه هو فليس مثلها دعوي في ظهور البطلان و عدم استنادها الي دليل أو برهان. و الدعاوي ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء و نعيد له هنا ما مر: من أن عمدة الخلاف بيننا في أمور محصورة معلومة؛ فان قدرت أن تثبت لنا أن الحق فيها معك نكون لك من الشاكرين، و أما هذه الدعاوي الفارغة و الكلمات الخشنة فليس فيها الا الضرر، و دعوة الكوفة قد عرفت حالها؛ فهذا التشبيه منه محض عداوة، و سوء قول بالباطل و تفريق للكلمة. سابعا: قوله أنا لا أكفر يزيد و لا ألعنه، و تعليله بما ذكره تحذلق بارد فلا شي‌ء أشنع و أفحش من الكفر، و اسلام الشيعة الذي يقوله قد عرفت حاله. و قائد الجيش اذا كان فعله أشنع و أفحش من كفر يزيد أضعافا مضاعفة، فما يصنع بما في تهذيب التهذيب عن عمر بن سعد بن أبي وقاص، قال العجلي: «كان يوري عن أبيه أحاديث روي الناس عنه و هو تابعي ثقة و هو الذي قتل الحسين» [183] أفهذا من جملة نقد الأمة الأحاديث الذي يدعيه في ما يأتي؟ ثامنا: ان قتل الحسين لم يحصل بفعل ذلك الجيش وحده و قائديه بل هو مسبب عن أفعال تقدمته: سهم أصاب وراميه بذي سلم من بالعراق لقد أبعدت مرماك أصابك النفر الماضي بما فعلوا و ما المسبب لو لم ينجح السبب تالله ما كربلا لولا السابق وال أقوام تعلم لولا النار ما الحطب [ صفحه 130] تاسعا: قوله و ان قال قائل «الخ» يتلخص في أن الشيعة تقول: ان الحسين قتل في حرب أثارها هو، و هو يقول: انه قتل في حرب أثارتها الشيعة التي دعته ثم خذلته، و كلا القولين تبرئة ليزيد، اذا فرأيه المصيب أن تبعة قتل الحسين انما هي علي الشيعة، و يريد بري‌ء من تبعته، فليهنأ هذا العصر الذي ظهر فيه موسي التركستاني بهذه الآراء الصائبة التي أدت به الي تبرئة يزيد من قتل الحسين. أما أن الشيعة دعته ثم خذلته، فقد مر الكلام فيه فلا نعيده، و أما أن الشيعة تقول: ان الحسين قتل في حرب أثارها هو؛ فيكذبه قول امام علماء الشيعة الشريف المرتضي في كتابه تنزيه الأنبياء و الأئمة، «و سيدنا أبوعبدالله الحسين عليه‌السلام لم يسر طالبا للكوفة الا بعد أن توثق من القوم، و بعد أن كاتبوه طائعين غير مكرهين، و مبتدئين غير مجيبين، و بذلوا له الطاعة، و كرروا الطلب و الرغبة، و رأي من قوتهم علي واليهم، و ضعفه عنهم ما قوي في ظنه أن المسير هو الواجب، و لم يكن في حسابه أن القوم يغدر بعضهم، و يضعف أهل الحق عن نصرته، و أسباب الظفر بالأعداء كانت لائحة متوجهة و الاتفاق عكس الأمر و قلبه» [184] فأين قوله و افتراؤه أن الشيعة تقول ان الحسين قتل في حرب أثارها هو؟ عاشرا: تسويته بين الأمرين قتل الخليفة الثالث، و قتل الحسين غير صواب، فالخليفة الثالث قتل في سبيل أمور نقمت عليه، و كان مروان يفسد أموره. و الحسين قتل في سبيل العز و الشرف و الاسلام. قتل في سبيل عدم مبايعته لكفور، فاسق، فاجر، مسرف، مفسد، ماجن؛ و شتان ما بينهما. حادي عشر: قوله لم يكن البكاء علي الشهداء «الخ» هذه العبارة مع عجمتها، و عدم وضوح جميع المراد منها أشبه بكلام المبرسمين، فالبكاء علي شهداء كربلاء - الذين يغلب علي الظن أنه أرادهم - كان حبا و ولاء واقتفاء [ صفحه 131] و اقتداء بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم الذي بكي عليهم قبل قتلهم في جماعة أصحابه في ما رواه الماوردي في أعلام النبوة [185] و بأئمة أهل البيت الذين فعلوا ذلك و أمروا به شيعتهم و مواليهم كما أوضحناه في كتاب: «اقناع اللائم» و لم يكن احتيالا لشي‌ء، و لا مكرا و دهاء و تقية كما صورت له مخيلته، و دين الأمة لا يمكن أن يكون أرفع مما فعله أهل بيته و أمروا به. قال (صفحة ل): «في الوافي عن الكافي عن الصادق: ان الوصية نزلت علي محمد كتابا مختوما بخواتيم من ذهب دفعه الي علي، فتح علي الخاتم الأول و عمل بما فيه، و الحسن فتح الثاني و مضي لما فيه، فلما فتح الحسين الثالث وجد قاتل و اقتل و تقتل و أخرج بأقوام للشهادة لاشهادة لهم الا معك». قال: «و لا أري الا أن الشيعة لم تضع علي لسان الصادق هذا الحديث؛ الا احتيالا الي التخلص من خزي الخذلان المخزي، و لا خلاص و لات حين مناص؛ لأن خروج الامام الحسين عليه‌السلام لو كان بكتاب من الله مختوم بذهب لاستعد له عملا بقول الله: (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم) [النساء / 71]، الآية و لرفع الراية و حولها قوته علي حد قول الله: (و ان يريدوا أن يخدعوك فان حسبك الله هو الذي أيدك بنصره و بالمؤمنين) [الأنفال / 62]؛ لأن الأمر الالهي لا يكون الا بالتأييد و علي حد قوله (فقاتل في سبيل الله لا تكلف الا نفسك) [النساء / 84]الآية، و لكان جواب الامام لشيعة الكوفة «فأعرض عنهم»؛ لأن شيعة الكوفة قد جربها أبوه و أخوه و ما كان الحسين لينسي قول أبيه في الشيعة الذليل من نصرتموه «الخ» و لو صح نهج‌البلاغة لكان يعلمه الحسين، و أكثر خطبه شكوي و لعنة، و هل كان يخذل عليا الا شيعته، و لعلي كلمات مرة خطابا للشيعة، و هي كلها صادقة أخفها و أحقها ما في ص 183 ج 2 شرح ابن أبي‌الحديد. و قال (صفحة س د) «و قلما خلت خطبة من ذم لشيعته و شكوي». [ صفحه 132] و نقول: تكذيبه أن ينزل علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وصية فيها ما يجب أن يعلمه آله بعد موته لا يستند الي دليل، سوي الاستبعاد الناشي‌ء عن جهله بمقام أهل البيت عليهم‌السلام، و عظيم قدرهم اتباعا لما اعتاده و ألفه. و رأيه أن الشيعة وضعت هذا الحديث علي لسان الصادق احتيالا الي التخلص من خزي الخذل رأي أفين، أولا: لأن الشيعة ليس من دأبها الوضع و لا العمل بالموضوع - و ان زعم المفترون - و لا تأخذ الا بما رواه الثقات عن الثقات كما يعلم ذلك من مراجعة كتب الدراية، و كتب أصول الفقه لها. ثانيا: رواة هذا الحديث متأخرون عن قتل الحسين عليه‌السلام بمئات السنين، و هم لم يخذلوا الحسين؛ ليحتالوا الي التخلص من خزي خذله، ثالثا: ان خزي الخذل المخزي هو علي الأمة المعصومة عند التركستاني التي خذلت ابن بنت رسول الله، و مكنت يزيد الفاجر من قتله كما خذلت أباه و أخاه من قبل، كما قال المعري: أري الأيام تفعل كل نكر فما أنا في العجائب مستزيد أليس قريشكم قتلت حسينا و صار علي خلافتكم يزيد [186] . قوله: «لو كان خروج الحسين بكتاب من الله لاستعد له» الخ، فيه أنه استعد لذلك جهده، فكاتب أهل البصرة، و كاتبه أهل الكوفة؛ و أرسل اليهم ابن‌عمه مسلم بن عقيل أوثق أهل بيته في نفسه، و لم يدع وسيلة ممكنة من وسائل الاستعداد الا استعملها. قوله: «لأن الأمر الالهي لا يكون الا بالتأييد» غير سديد، فالله تعالي قد أمر أنبياء بالدعوة، و كثير منهم كذب و طرد بعضهم قتل و بعضهم أيد، و بنو اسرئيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر الي طلوع الشمس سبعين نبيا و رأس يحيي بن زكريا أهدي الي بغي من بغايا بني‌اسرائيل [187] و الله تعالي أمر بالجهاد، فهل كل جهاد كان معه التأييد و النصر و النبي صلي الله عليه و آله و سلم، أرسل جيشا الي [ صفحه 133] مؤتة فقتل قواده و أمراؤه و عاد مهزوما، و كانوا ثلاثة آلاف مقابل مائتي ألف من الروم و العرب، فهل كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم أرسل الجيش من غير أمر الله؟ و الجهاد لا تنحصر فائدته في النصر الحاضر. و الحسين عليه‌السلام ان خذل فقتل يوم كربلا، فقد أحرز نصرا باهرا علي أعدائه، فقد كان قتله مقوضا لأركان دولتهم مظهرا لفضائحهم محييا لدين جده الذي جده الذي حاول بنو أمية قلعه من أساسه. قوله: «لأن شيعة العراق قد جربها أبوه و أخوه». نعم، قد جرباها فلم ينصرهما غيرها. ولكن هل يعتقد موسي جارالله أن العراق في عهد أبيه و أخيه كان كل أهله أو جلهم شيعة لما؟ أو أن الغالب من أهلها علي خلاف ذلك؟ و اذا كان يعتقد الأول فلماذا حاربه أهل البصرة يوم الجمل و يوم ابن الحضرمي؟ و لماذا قصد أصحاب الجمل البصرة دون غيرها من البلدان؟ و كيف يكون ذلك و جل أهلها عثمانية؟! و لماذا قعد عنه أهل الكوفة يوم الجمل في أول الأمر؟ و قد أرسل ولده الحسن و عمار بن ياسر يستنجدهم فلم ينجدوه، و مالوا الي تخذيل أبي موسي. و لماذا لم يتمكن من عزل شريح القاضي؟ و من ابطال الجماعة في نافلة شهر رمضان، حتي كانوا ينادون في مسجد الكوفة: واسنة فلاناه و غير ذلك مما لم يمكنه ابطاله. و قد كان في الكوفة الأشعث بن قيس رئيس كندة من أكبر عشائر الكوفة - و عشيرته تبع لأمره - و هو ألد أعداء علي أميرالمؤمنين، و كان يفسد عليه أموره، و له الضلع الأكبر في خذلان علي يوم رفع المصاحف، و يوم الحكمين و في جميع أدوار امارة أميرالمؤمنين عليه‌السلام، و له الضلع الأكبر في قتله و هو الذي أفسد عليه أمر الخوارج لما أراد استصلاحهم، و ابنه محمد أعان علي قتل هاني‌ء و مسلم بن عقيل بالكوفة، و خرج هو و أخوه قيس لحرب الحسين، و كان قيس ممن كاتبه، و سلب قيس قطيفة الحسين. و جل عشائر العراق انما كانت تتبع رؤساءها و أطماعها و لم تكن أهل دين و لا تشيع خلا نادر منها كهمدان و عبدالقيس و غيرهما. أما ما زعم أنه قول أبيه في الشيعة فهو افتراء، فالشيعة لم يكونوا ليعصوا له أمرا أو يخالفوا نهيا، أو يحيدوا عن أوامره و نواهيه قيد شعرة، ولكن هؤلاء [ صفحه 134] كانوا أقلاء. و انما قاله في من كانوا معه، و تحت حكمه من الناس، و كان فيهم أو الغالب عليهم ما قدمناه. قوله: «و ما كان لينسي قول أبيه في الشيعة» قد عرفت أن هذا ليس قول أبيه فيهم، بل في عامة الناس الذين ان لم يكن الشيعة فيهم أقلية، فليسوا بأكثرية. و اذا كان الحسين و لم ينس قول أبيه فيهم، فما باله خرج اليهم، و لم يكن مغفلا، و لا قليل تجربة فقد ناقض هذا الرجل نفسه، و استدل بما يثبت خلاف مطلوبه.

نهج البلاغة

قوله: «و لو صح نهج‌البلاغة...» نهج‌البلاغة صحيح و ان حول المحاولون ابطاله، و قدحوا فيه عندكل مناسبة؛ لغرض في نفوسهم، كما قدح القادحون في القرآن، و قالوا انه كلام ساحر، و كلام شاعر، فلم يضره ذلك، و شهدت بلاغته، و فصاحته، و عجز الناس عن معارضته بصحته، كما شهدت بلاغة نهج‌البلاغة - الذي هو بعد الكلام النبوي، فوق كلام المخلوق، و دون كلام الخالق - و فصاحته و عجز الفصحاء و البلغاء عن الاتيان بمثله بصحته، فشرحه الشارحون شروحا لا تحصي، و حفظه الخطباء و الوعاظ، و استمدوا منه و اشتهر في جميع الأقطار و الأعصار، و لم يستطع أن يشق له غبار. قوله: «و أكثر خطبه شكوي، و لعنة، و قلما خلت خطبة من ذم لشيعته، و شكوي، و هل كان يخذل عليا الا شيعته؟» و نقول: شكوي، ولكن ممن؟ ولعنة، ولكن علي من؟ و ذم، ولكن لمن؟ انظره. و انظر كلامه، و أشعاره تجد أن أكثر خطبه و كلامه مدح و ثناء علي رؤساء أصحابه من الشيعة كالأشتر، و الأحنف، و قيس بن سعد، و سعيد بن قيس، و عمار، و ابن‌التيهان، و أبناء صوحان، و الحصين بن المنذر، و محمد بن أبي‌بكر، و أمثالهم، و ذم لعامة أصحاب الذين لم يكونوا كذلك، و شكوي من أعدائه، و في كلامه و شعره المدح العظيم لهمدان و ربيعة حتي قال: [ صفحه 135] لو كنت بوابا علي باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام [188] . و قال: ربيعة أعني أنهم أهل نجدة و بأس اذا لاقوا خميسا عرمرما [189] . و حاشا شيعته أن يخذلوا؛ و انما كان يخذله من عرفت، و قد دفع عنه الأحنف يوم الجمل مائة ألف سيف من بني تميم كانوا علي رأي أصحاب الجمل فاعتزل بهم، و يوم الحكمين بذل غاية جهده في عزل أبي‌موسي، و الأشتر أبي التحكيم اباء شديدا، و كذا غيره من خلص شيعته، ولكن المنافقين أمثال الأشعث [190] ، و الجامدين من القراء الذين لم يكونوا يعرفون لأميرالمؤمنين حقه هم الذين خذلوه، و من الخطل المشين عدهم من شيعته من أبوا الا التحكيم و الا أباموسي المعلوم حاله. أما ما حكاه عن شرح نهج‌البلاغة؛ فهو يشير الي خطبة يتذمر فيها أميرالمؤمنين عليه‌السلام من أصحابه، و يذمهم علي عدم اطاعتهم له. و لا يخفي - كما مر - أن جميع أصحابه و رعيته لم يكونوا شيعة له عارفين بحقه، بل كان جلهم - الا النادر - علي خلاف ذلك، و قد أبان هذا المعني ابن أبي‌الحديد في شرح النهج عند شرحه لهذه الخطبة، فقال: «من تأمل أحواله عليه‌السلام في خلافته علم أنه كان كالمحجور عليه لايتمكن من بلوغ ما في نفسه، و ذلك لأن العارفين بحقيقة حاله كانوا قليلين، و كان السواد الأعظم لايعتقدون فيه الأمر الذي يجب اعتقاده فيه» - الي أن قال -: «و أكثرهم انما يحارب معه بالحمية، و النخوة العربية لا بالدين و العقيدة» [191] الي آخر كلامه الذي ذكره في شرح هذه الخطبة، و لا شك أن صاحب الوشيعة قد رآه و قرأه، و قد كان فيه ردع له عما قاله لو كان [ صفحه 136] عنده شي‌ء من الانصاف، و كان قصده تحري الحقيقة، فبان أن زعمه كون هذه الخطبة في ذم الشيعة زعم فاسد و رأي كاسد، فالشيعة في أصحابه لم يكونوا الا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض، و اذا كان نهج‌البلاغة لم يصح عنده، فما باله يستشهد به لمزاعمه. قال (صفحة م): «و مهما يختلق للثانية - أي شهادة الحسين - مختلق من وجه سياسي؛ فان الأولي لن يجد وجها لها نفس واجد الا توجيهات صوفية للثانية ذكر بعضها مؤلف سر الشهادتين؛ و اذ لم أقنع بها توهمت و قلت: انما هي فتنة جاءت من عفاريت اليهود و شياطين الفرس لعبت بغفلة الشيعة للنيل من دين الاسلام؛ و من دولته هذه أوهامي في توجيه الأمر أو الأمرين، و لا علم عندي في وجه الأمرين غير ذلك؛ و ان كنت قد أحطت بما في كتب الشهادتين». و نقول: عبارته هذه الممجوجة في الأسماع و القلوب بقوله فيها لن يجد وجها لها نفس واجد، و قوله الا توجيهات صوفية للثانية الذي أوجب استثناءه هذا فيها خللا في نظم الكلام و غير ذلك فيه أن الثانية لا تحتاج الي أن يختلق لها مختلق وجها سياسيا مهما أطال هذا الرجل، و كرر هذه الترهات، فليس وجهها الا ما أعلن به فأعلنها علي رؤوس الملأ بقوله: ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل لأهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل قد قتلنا القرم من ساداتهم و عدلنا ميل بدر فاعتدل لست من خندف ان لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل [192] . و كما قلت: ثارات بدر أدركت في كربلا لبني أمية من بني الزهراء [ صفحه 137] و قد ساقته أوهامه في توجيه الأمر أو الأمرين مع احاطته بما في كتب الشهادتين الي أن هذه الفتنة جاءت من عفاريت اليهود و شياطين الفرس. و ينبغي لسامع هذا الكلام أن يقهقه و ان كان ثاكلا، و لسامعته أن تضحك و ان كانت ثكلي. فتنة قتل الخليفة الثالث، و فتنة قتل السبط الشهيد جاءتا من عفاريت اليهود و الشياطين الفرس. أما الأولي، فيقول المقريزي في خططه: أثارها عبدالله بن سبأ اليهودي [193] و مشي خلفه موسي جارالله، و أثارها الفرس الذين دخلوا في الاسلام، و أظهروا التشيع للانتقام من الاسلام. كلمة قالها شخص و تبعه من بعده لأنها وافقت هواهم؛ ولكنا لا ندري متي أظهر الفرس التشيع انتقاما من الاسلام؟ و جميع بلاد الفرس في الدولة الاسلامية من أولها أهلها سنيون الا ما ندر، و جميع أجلاء علمائهم و محدثيهم هم سنيون الا ما شد، كالبخاري، و ابن‌ماجة القزويني، و أبي‌زرعة الرازي، و الكيا الهراسي، و النسائي و غيرهم ممن يضيق عنهم نطاق الاحصاء، و لم ينتشر التشيع في بلاد الفرس الا في عهد الصفوية، و هم من نسل الامام الكاظم، و ليسوا فرسا فمن هم الذين أظهروا التشيع من الفرس انتقاما من الاسلام؟ و في أي زمان وجدوا؟ و أما الثانية، فلا ندري و لا المنجم يدري ما علاقتها باليهود و الفرس. و الصواب: أن الأولي جاءت ممن كان يخرج قميص رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و يقول ما هو مشهور معروف، و يأمر بقتل عثمان، و يلقبه بلقب مشهور، و يقول ما هو معروف مشهور. و ممن صلي بالناس صلاة الصبح ثلاث ركعات في مسجد الكوفة و هو سكران، و تقيأ الخمر في محراب المسجد [194] ، و ممن كان يكتب الكتب عن لسانه، و يختمها بخاتمه، و يرسلها مع غلامه علي راحلته و لا يعلم هو بذلك. [195] و من كان كلما وعد أحدا بازالة شكايته أفسد عليه ذلك. و ممن تركه محصورا بعدما هيج الناس عليه و خرج من المدينة الي مكة [196] و ممن [ صفحه 138] استنجد به فلم ينجده بل أرسل قوما لنجدته و أمرهم بالمقام بوادي القري دون المدينة حتي قتل هؤلاء الذين جاءت منهم الفتنة الأولي [197] مع انضمام أسباب أخر لا من عفاريت اليهود كابن سبأ و غيره؛ فانه أقل و أذل من ذلك، و لا من شياطين الفرس. وأين كان الفرس عن هذه الفتن ليكون لهم أثر فيها؟ و هل ترك عفاريت العرب و شياطينهم مجالا لعفاريت اليهود و شياطين الفرس في ذلك؟ و اذا استطاع ابن سبأ اليهودي الملحد أن يؤثر علي المسلمين و فيهم جمهور الصحابة الكرام و أهل الحل و العقد - و هم أمة معصومة قد بلغت رشدها - فيوقعهم في فتنة عمياء تؤدي الي قتل خليفتهم، و تشعب أمرهم، و نشوب الفتن بينهم، و هم لا يشعرون، فأي ذم لهم يكون أكبر من ذلك؟! هذا ما لا يرتضونه لأنفسهم، و لا يرتضيه لهم المقريزي، و لا موسي جار الله، و لا أحد من المسلمين و الصواب: ان الثانية جاءت من يوم بدر و من غلبة الاسلام علي الكفر كما مر. و أما قوله: لعبت بغفلة الشيعة «الخ» فقد علمت مما مر أن لا شي‌ء من ذلك لعب بغفلة الشيعة للنيل من دين الاسلام، و من دولته؛ و انما نال من دين الاسلام و من دولته من أثار تلك الفتن حبا بالدنيا، و اعراضا عن الآخرة، و طمعا في الامرة، و حسدا، و بغيا، و انتقاما للكفر من الاسلام و الغفلة التي نسبها الي الشيعة لم تكن الا فيه بتقليده من تقدمه، و غفلته عن الحق. قوله: «هذه أوهامي «الخ» قد ظهر أنها أوهام فاسدة و تخرصات واهية باردة. و العجب منه كيف يقول لا علم عندي في وجه الأمرين غير ذلك مع احاطتي بما في كتب الشهادتين: و الوجه فيهما باد كالشمس الضاحية. قال (ص أن): «و قد كشف الغطاء عن وجه الأمرين الامام المجتهد النجفي جعفر ابن الشيخ خضر في كتابه كشف الغطاء، و هو كتاب يعتمد عليه شيعة اليوم حيث ذكر فيه ما يفهم منه رضا علي بقتل عثمان الذي قتله [ صفحه 139] المهاجرون و الأنصار، الي أن قال: فكشف بمثل هذا التحقيق كل الغطاء عن وجه الشهادتين، فهل بعد ذلك يمكن أن يقال: ان مطالبة معاوية عليا بدم عثمان كان بغيا؟ و هل يمكن لوم يزيد ولعنه لأجل قتله الحسين و أهل بيته؟ و عثمان أسود أموي، و معاوية و يزيد أحق أموي بمطالبته دمه، و أقوي أموي يستوفي حقوق بني أمية من أعدائها، و لا لوم الا علي من فتح باب الفتنة بقتل أسود أموي بعدما ذهب الاسلام بجذور الفتن، و لا لوم الا علي شيعة الكوفة التي خدمت يزيد، فدعت الحسين نفاقا، ثم باعت دينها بدنيا يزيد، فخذلت الحسين و أسلمته الي يزيد لا لوم الا علي من كان يخذل عليا في حياته و سعي في قتل أولاده بعد مماته»، باختصار. و نقول: الشيعة لا تتوقف عن مخالفة الشيخ جعفر في هذا الرأي سواء أوصف بالامام المجتهد أم لم يوصف، فهو ليس بمعصوم من الخطأ في آرائه. و أما كتابه فكسائر الكتب يعتمد عليه شيعة اليوم، و قبل اليوم في ما أصاب فيه، و يردونه في ما أخطأ فيه، و لا يمكن أن يجعل معبرا عن رأي عموم الشيعة، و لا عن رأي فرد منهم سواه. ولا يشك أحد من الشيعة في براءة علي من دم عثمان. لا سيما بعد أن تبرأ منه في عدة مواضع؛ فالتفريع الذي فرعه عليه في حق معاوية و يزيد خطأ ما عليه من مزيد - و ان أراد ستره بقوله و فعله أكبر و أفحش الخ - ولكن قد سبق منه أن قال: قتل الامام و قوة الدولة هم الأنصار والمهاجرون - و علي علي رأسهم - بالمدينة. و كليمة همس منه تكفي في طرد الفئة الثائرة. لم أجد في هذا الأمر عذرا لأحد. شهادة خليفة الاسلام و قوة الدولة الاسلامة حاضرة قوية كانت متمكنة من دفعها و لم تدفع و لم تدافع. و هذا يلزم منه عين ما عابه علي الشيخ جعفر لا في حق علي وحده، بل في حق جميع المهاجرين و الأنصار الموجودين يومئذ. ثم ان التي يجب أن نأخذ ثلثي ديننا عنها، و حواري رسول الله، و من هم من العشرة المبشرة، و عبدالله بن الزبير، و مروان بن الحكم و غيرهما، و معاوية و من معه من الصحابة العدول كلهم قد اجتهدوا فاعتقدوا خطأ أن عليا قتل [ صفحه 140] عثمان، فقاموا يطلبون بدمه، و يقاتلون عليا يوم الجمل و صفين حتي قتلت عشرات الألوف من المسلمين بسبب هذا الاجتهاد المخطي‌ء، و القاتل و المقتول في الجنة، و للمصيب أجران، و للمخطي‌ء أجر واحد. و هؤلاء كلهم كانوا معاصرين للخليفة، مطلعين علي ظاهر أمره و باطنه، و قتل وهم أحياء قريبون منه لا يخفي عليهم شي‌ء من أمر قتله، و تأتيهم أخباره بكرة و عشية، و مع ذلك فقد اعتقدوا خطأ أن عليا قتله، فاذا اعتقد الشيخ جعفر بعد ألف و مئات من السنين خطأ رضا علي بقتل عثمان فليس ذلك بالأمر الغريب، و يكون معذورا في اجتهاده الذي أخطأ فيه و أعذر من الذين كانوا في ذلك العصر فأخطأوا و غذروا وأثيبوا. علي أن خطأ الشيخ جعفر لم يترتب عليه من المفاسد ما ترتب علي خطأ أولئك من اراقة الدماء الكثيرة، و تشتيت كلمة المسلمين، و استحكام العداوة و الشحناء بينهم الي اليوم. ثم انا نراه قد أقام نفسه محاميا و مدافعا عن يزيد و أبيه بما لا يرضيانه و لا يشكرانه عليه، فالأب قد قال حين دخل الكوفة بعد صلح الحسن عليه‌السلام في ما رواه أبوالفرج الأصبهاني في المقاتل، و رواه أيضا عن المدائني: «اني والله ما قاتلتكم لتصلوا و لا لتصوموا و لا لتحجوا و لا لتزكوا، انكم لتفعلون ذلك. ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم و قد أعطاني الله ذلك و أنتم كارهون» [198] و الابن قد قال في ما رواه سبط ابن‌الجوزي عن الشعبي: لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل قد قتلنا القرم من ساداتهم و عدلنا ميل بدر فاعتدل [199] . فهما قد دافعا عن أنفسهما، و أبانا عما في ضمائرهما، فلا يحتاجان الي مدافعته و مماحكاته هذه. و قد عرفت مما سبق من هوالذي فتح باب الفتن، و سبب قتل أسود أموي ثم قام يطلب بثأره. و الاسلام ان كان ذهب بجذور الفتن [ صفحه 141] - كما يدعي - فالمسلمون و الأمة المعصومة - عنده - قد أعادوا هذه الجذور و سقوها بمياه التمويه و الخداع حتي نمت و استطاعت و امتدت فروعها، فبلغت أداني بلاد الاسلام و أقاصيها و بقيت تلك الفروع باسقة مستطيلة الي اليوم، و هو يتمسك بفروعها و أغصانها. قوله: لا لوم الا علي شيعة الكوفة الخ. نعم، لا لوم الا عليها عنده، أما سائر الأمة فلا لوم عليها أبدا بخذلانها ابن‌بنت نبيها، و تمكينها ليزيد من قتله، بل تستحق علي ذلك المدح و الثناء. و قد عرفت في ما مضي من الجواب عن مثل هذا الكلام أنه عار عن التحصيل فلا نعيد. قال (صفحة ن): «و انطلق قلم الشيخ - صاحب كشف الغطاء - فأخذ يبث ما في قلبه من العلوم و العقائد، و طفق يستدل علي فضل علي بحديث لا يجوز علي الصراط الا من كان بيده جواز من ولاية علي، بخبر لا سيف الا ذوالفقار و لا فتي الا علي في وقعة أحد، بحديث رد الشمس عليه مرة أو مرتين أو ستين مرة». و نقول: نقله ما ذكره الشيخ جعفر من فضائل علي عليه‌السلام بعبارة الاستهزاء يوجب الهزء بعلمه و عقله، ففضائل علي قد ملأت الخافقين و وصلت الي أسماع الجن و الانس، و المستهزي‌ء بها عار من العلم و العقل (ان تسخروا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون) [هود / 38]و نراه اقتصر علي الدعاوي المجردة كعادته.(أما حديث لايجوز علي الصراط الخ) فقد رواه أبوالمؤيد موفق بن أحمد من أعيان علماء من تسموا بأهل السنة باسناده من طريقين في كتب فضائل أميرالمؤمنين عليه‌السلام، و رواه أبوالحسن علي بن محمد الخطيب، المعروف بابن المغازلي الشافعي، في المناقب من ثلاثة طرق [200] و أكثر، و رواه ابراهيم بن [ صفحه 142] محمد الحموئي من أعيان علماء السنيين بسنده [201] و رواه ابن شيرويه الديلمي من أعيان علماء السنيين في كتاب الفردوس في باب الحاء، ولكن بلفظ حب علي براءة من النار، و رواه غيرهم أيضا. و هذه الأحاديث بألفاظها و أسانيدها مذكورة في غاية المرام وروي من طريق الشيعة بسبعة طرق مذكورة في غاية المرام أيضا. [202] . (و أما حديث لاسيف لا ذوالفقار) فرواه الطبري و ابن‌الأثير و غيرهما [203] و نظمه الشعراء، و أودعه العلماء مؤلفاتهم، فهل يمكنه انكاره؟ أو لا يجده فضيلة ليقل ما شاء. (و أما حديث رد الشمس لعلي عليه‌السلام) فقد رواه من غير الشيعة ابن المغازلي الفقيه الشافعي عن أسماء بنت عميس كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوحي اليه، و رأسه في حجر علي. فلم يصل العصر حتي غربت الشمس. فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ان عليا كان علي طاعتك و طاعة رسولك، فأردد عليه الشمس، فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعدما غربت. [204] و رواه ابن‌المغازلي الشافعي أيضا بسند آخر عن أبي رافع نحوه. [205] و رواه موفق بن أحمد بطريقين في حديث احتجاج علي علي أهل الشوري فكان في ما قال: أمنكم أحد ردت عليه الشمس بعد غروبها حتي صلي صلاة العصر غيري؟ قالوا: لا. و رواه موفق أيضا بسنده عن أسماء بنت عميس نحوه. و رواه موفق أيضا بسند آخر عن أسماء بنت عميس. و رواه ابراهيم بن محمد الحموئي بسنده عن أسماء بنت عميس و هذه الأحاديث كلها بأسانيدها و متونها مذكورة في غاية المرام للسيد هاشم [ صفحه 143] البحراني [206] و ذكر ابن‌حجر الهيتمي في الفصل الرابع من الباب التاسع من صواعقه المعقود لذكر نبذ من كرامات علي ما لفظه: و من كراماته الباهرة أن الشمس ردت عليه لما كان رأس النبي صلي الله عليه و آله و سلم و سلم في حجره و الوحي ينزل عليه و علي لم يصل العصر فما سري عنه صلي الله عليه و آله و سلم الا و قد غربت الشمس، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: اللهم انه كان في طاعتك و طاعة رسولك فأردد عليه الشمس، فطلعت بعدما غربت. قال: و حديث ردها صححه الطحاوي و القاضي في الشفاء و حسنه شيخ الاسلام أبوزرعة و تبعه غيره وردوا علي جميع من قالوا انه موضوع [207] فهذا هو حديث رد الشمس الذي حكاه بعبارة الاستهزاء بقوله مرة أو مرتين أو ستين مرة. و هذه عصبيته التي أدت به الي الاستهزاء بالحديث النبوي، فماذا يكون منه بعد هذا!؟و حكي (صفحة ع) عن صاحب كشف الغطاء أنه عقد بابا للمثالب ذكر فيه رواية البخاري في صحيحه عن نافع عن ابن عمر: قام النبي خطيبا فأشار نحو مسكن أم‌المؤمنين، و قال: «الفتنة تطلع من هاهنا ثلاثا من حيث يطلع قرن الشمس. ثم قال: هذه شواهد تدل علي قدر الايمان و الأدب و الأمانة لأقلام مجتهدي الشيعة».و نقول: خوض الناس في المثالب و المناقب ليس من مخترعات صاحب كشف الغطاء، فقد جري البحث و الجدال في ذلك في الأعصار السالفة و اللاحقة، و ابتدأ ذلك من عصر الصحابة كما يظهر بأدني تتبع، و تناظر فيه العلماء في كل عصر، و قد صنف فيه ابراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي صاحب المغازي (المتوفي سنة 283 ه) كتابه المعروف [208] و حلف أن لا يرويه الا [ صفحه 144] بأصفهان التي كان أهلها في ذلك الوقت أبعد الناس عن أهل البيت، فانتقل اليها و رواه بها ثقة منه بصحة ما رواه في ذلك، و تناظر فيه المرتضي و قاضي القضاة الباقلاني، كتاب المغني و نقضه المرتضي بكتاب الشافي المطبوع [209] و تناظر فيه قبل المرتضي ابن‌قبة مع بعض علماء ما وراء النهر نقضا و ابراما بكتب عدة حتي مات أحدهما. و ما زالت المناظرة شائعة بين العلماء في كل عصر و زمان. و غير المعصوم لا يمتنع أن توجد له مناقب و مثالب، و ما دام المتبع هو الدليل و البرهان فليس لأحد أن يغضب أو يعيب الا بدليل و برهان. أما ايمان مجتهدي الشيعة فيوازي الجبال الرواسي. و أما الأدب فليس في نقل ما يرويه العلماء منافاة للأدب. و أما الأمانة فهل رأي أن ما حكاه عن صحيح البخاري [210] ليس موجودا فيه أو أن فيه شيئا من التحريف. و لو اتسع لنا المجال لبينا له أين موضع الأدب و الأمانة، و قد ظهر من تضاعيف ما ذكرناه أنه في «وشيعته» بعيد عنهما.

نقده لكتاب أصل الشيعة

انتقد كتاب أصل الشيعة في عدة مواضع فرقها في كتاب، و نحن ذكرناها ممتالية.قال (صفحة ف): «امام مجتهد الشيعة اليوم محمد الحسين آل كاشف الغطاء رأيته أول مرة بالقدس، ثم زرته في بيته بالنجف الأشرف، فأعطاني كتاب «أصل الشيعة»، و قال: طالعه تجد فيه حقائق كثيرة، قد استحسنه علماء الغرب حتي قرضوه أو قرضه البعض، أحطت بما في أصل الشيعة في جلسة. و قد وقفت مطي أفكاري وقفة طويلة عند قوله: أما امام الشيعة علي بن أبي‌طالب الذي يشهد الثقلان أنه لولا سيفه و مواقفه في بدر و احد و حنين و الأحزاب [ صفحه 145] و نظائرها لما اخضر للاسلام عود، و ما قام له عمود، حتي كان أقل ما قيل في ذلك ما قاله أحد علماء السنة: ألا انما الاسلام لولا حسامه كعفطة عنز أو قلامة ظافر» [211] . ثم أخذ في تهجين الاستشهاد بالبيت، فقال: «دين أنزله الله الي سيد المرسلين و خاتم النبيين ليكون دينا للعالمين الي يوم الدين في كتاب (لئن اجتمعت الجن و الانس علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا» [الاسراء / 88]كيف يقول فيه قائل له عقل: ان أقل ما يقال فيه انه عفطة أعنز أو قلامة ظافر أو ضرطة عنز بذي الجحفة، فان كان معتزليا اعتزل دينه شبه الاسلام بذلك فقد كان أجعل الناس بالاسلام و أبعد الناس عن الايمان، و شر منه قول من جعل قول المعتزلي أقل ما يقال فيه، فأي شي‌ء بقي أقل من ذلك. جي‌ء به ترفضا و تشيعا حتي تكون أبلغ بليغ. فان كنت تخفي بغض حيدر خيفة فبح لأن منه بالذي أنت بائح فقل الآن أي شي‌ء بعد قولك هذا اكثر ما يقال فيه. ثم عاد الي ذلك في (صفحة ت) فأنكر و عاب ما شاء. و نقول: لا يشك من عنده أدني معرفة و انصاف في أنه لولا سيف علي بن أبي‌طالب لما اخضر للاسلام عود و لا قام له عمود. و يكفي شاهد واحد علي ذلك ضربته يوم الخندق عمرو بن عبدود بعدما جبن عنه الناس جميعا، و قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: برز الاسلام كله الي الشرك كله [212] لمبارزة علي لعمرو يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي الي يوم القيامة [213] اليوم نغزوهم ولا يغزوننا. [214] . [ صفحه 146] أما الاستشهاد بالبيت؛ فلا يوجب كل هذا الاستنكار و التهويل و التهجين و الازباد و الارعاد، و وقوف مطي الأفكار وقفة طويلة أو قصيرة، فالبيت جار علي عادة الشعراء في مبالغاتهم، وهب أن فيه سوء أدب بالنسبة الي الاسلام، فسوء الأدب يغتفر اذا علم أن فاعله لم يقصد بها سوءا، وقد اغتفرت نسبة الهجر الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم من بعض أكابر الصحابة حين طلب الدواة و الكتف ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا لما علم أنه لم يقصد بها سوء و البيت جي‌ء فيه بلولا التي هي للامتناع و النفي، فلا وجه لقوله انه قال فيه انه عفطة عنز أو قلامة ظافر و أنه شبه الاسلام بذلك، و الله تعالي يقول في الكتاب العزيز (و لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا) [الاسراء / 74](و لولا فضل الله عليكم و رحمته في الدنيا و الآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم) [النور / 14](و لولا فضل الله عليكم و رحمته ما زكي منكم من أحد أبدا) [النور / 21]و يقول مخاطبا لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم: (لئن أشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين) [الزمر / 65]. و سواء أكان في نظم البيت الاستشهاد به سوء أدب أم لم يكن، فليس ذلك بمهم انما المهم تحقيق أنه لولا سيف علي لما اخضر للاسلام عود و لا قام له عمود، و لم يأت في نفيه بشي‌ء. و الظاهر أنه غاظه المبالغة في فضل علي، و لم يطقها سمعه، و لم تحتملها نفسه، و لم يشأ أن يظهر أن غضبه لذلك، فاظهر أن غضبه غيرة علي الاسلام، و خرجت به الحدة و الغضب الي أن أخرج ابن أبي‌الحديد المعتزلي، ناظم البيت، عن الدين، و جعله أجهل الناس بالاسلام، و أبعدهم عن الايمان، و جعل قول المستشهد بالبيت شرا منه، و زاد به هيجان عاصفة الغضب بلا سبب، فلجأ الي السلاح المعهود: النبز بالرفض و التشيع، وفاه بكلمة الفحش مضافة الي العنز. مهلا أيها الرجل خفف من غلوائك؛ ان فضل علي بن أبي‌طالب أعظم مما تظن، و مناقبه أكثر مما تتصور، و حقا لولا سيفه لما اخضر للاسلام عود و لا قام له عمود. فما أبغض الاسلام ذاكر فضله ولكن دليل الحب من ذاك لائح فان كنت تخفي بغض حيدر خيفة فبح لأن منه بالذي أنت بائح [ صفحه 147] و كون الاسلام دينا أنزله الله الي سيد المرسلين ليكون دينا الي يوم الدين لا ينافي أن يقيض الله له من ينصره بسبعة، بل لازمه ذلك ليبقي الي يوم الدين، و يصح أن يقال فيه ما قيل. قال (صفحة ص): «و هل لعلي فضل سوي أنه صحابي بين الصحابة، و بطل من أبطال جيش المسلمين. و لولا الاسلام لما كان لعلي و لا لعرب الحجاز ذكر (هل أتي علي الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) [الانسان / 1](من كان يريد العزة فلله العزة جميعا» [فاطر / 1](يا أيها الناس أنتم الفقراء الي الله و الله هو الغني الحميد) [فاطر / 15]الآية. و من كان له أدب فليس من دأبه أن يمن علي الله بشي‌ء من عمله (قل لاتمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان) [الحجرات / 17]و قال (صفحة ق): «و امام الأئمة علي أول من يتبرأ من مثل هذا الكلام - أي مضمون البيت - و أفضل أحوال علي أن يكون خامس الأمة، رابع الصحابة. و قد جعله الله كذلك، و رضي هو في حياته بذلك، و قد كان يقول: دنياكم عندي كعفطة عنز في فلاة، و مثل هذا الكلام في مثل هذا المقام له وقع و له بلاغة. أما انتحاله في الاسلام لولا سيف علي فلم و لن يرتكبه أحد؛ اذ لا شرف لعلي و سيفه الا باسلامه و الاسلام في شرفه غني عن العالمين غني الله منه بدأ واليه يعود. (و لئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا اليك ثم لاتجد لك به علينا وكيلا) [الاسراء / 86]. و قال (صفحة ص): «لو صدق قول امام الشيعة: لولا سيف علي «الخ» لكان النبي في قوله أنجز وعده، و نصر عبده، و هزم الأحزاب وحده، كاذبا كذب كفران، ولكان قول الله جل جلاله: (و لن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت) [الأنفال / 19]باطلا بطلان عدوان.» و نقول: من أدعي مصائب الزمان أن يقول رجل مثل موسي تركستان: و هل لعلي فضل سوي أنه صحابي بين الصحابة، و بطل من أبطال جيش المسلمين (لقد هزلت). نعم، لعلي فضل سوي أنه صحابي بين [ صفحه 148] الصحابة، و الاستدلال علي ذلك كالاستدلال علي الشمس الضاحية، و انكاره كانكارها: تريد علي مكارمنا دليلا متي احتاج النهار الي دليل فهو أعلم الصحابة، و أشجعهم، وأزهدهم، و أعبدهم، و أفصحهم، و أشدهم سياسة، و أرجحهم عقلا و كياسة، و أسدهم رأيا، و أولهم اسلاما، و أكثرهم جهادا، و أجمعهم لصنوف الفضائل. لم يكن علي صحابيا كسائر الصحابة، بل امتاز عنهم بفضائل لم يشاركه فيها أحد كما قال خزيمة بن ثالت: من فيه ما فيهم لا يمترون به و ليس في القوم ما فيه من الحسن [215] . سبقهم جميعا الي الاسلام، و عبدالله و ليس في الأرض من يعبده الا ثلاثة هو أحدهم، و الآخران رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و خديجة، و سبق الناس الي الجهاد في سبيل الله، و حامي عن دين الله، و قاتل أعداء الله في كل يوم عصيب، و واسي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و فداه بنفسه، و شاركه في كل شدة و محنة من طفولته الي وفاة الرسول صلي الله عليه و آله سلم، و قام الاسلام بسيفه - و ان غاظ ذلك موسي جار الله - فكان ينيمه أبوه في مضجع النبي صلي الله عليه و آله و سلم أيام حصار الشعب ليكون فداء له ان رام أحد الفتك به. و كان أطفال قريش يؤذون النبي صلي الله عليه و آله و سلم في أول البعثة فقال له: اذا خرجت فأخرجني معك، فكان يحمل و يقضمهم، فيرجعون الي أهلهم باكين و يقولون: قضمنا علي بن أبي‌طالب [216] وبات علي فراشة ليلة الغار و أدي أماناته و حمل الفواطم الي المدينة، و هزم الذين حاولوا ارجاعه و قتل مقدمهم، و كان عليه المدار يوم بدر و أحد و الخندق و خيبر و غيرها، و لا موقف من مواقف النبي صلي الله عليه و آله و سلم الا وله فيه موقف مشهود، و مقام معدود، كما قال الرضي: و من قبل ما أبلي ببدر و غيرها و لا موقف الا له فيه موقف [217] . [ صفحه 149] و لم يسمع لسواه ممن يريدهم التركستاني بقتيل و لا جريح في موقف من المواقف. و كان نفس النبي صلي الله عليه و آله و سلم بنص آية المباهلة، و اختاره أخا لنفسه لما آخي بين أصحابه، قال الصفي الحلي: لو رأي مثلك النبي لآخا ه والا فأخطأ الانتقاد [218] . و لم يعمل بآية النجوي غيره. و هو ثاني ذوي الكسا و لعمري أفضل الخلق من حواه الكساء و كان منه بمنزلة هارون من موسي، و أولي بالمؤمنين من أنفسهم، و ولي كل مؤمن و مؤمنة، و هو باب مدينة علمه، و من سدت الأبواب من المسجد الا بابه، و من لا تحصي مناقبه و لا تعد فضائله، و ألف النسائي في خصائصه كتابا مشهورا مطبوعا [219] و من أخفي.عداؤه فضائله حسدا، و أولياؤه خوفا، و ظهر من بين ذين ما ملأ الخافقين. هذا هو علي بن أبي‌طالب الذي يريد أخو تركستان أن يغض منه و هيهات. و اذا خفيت علي الغبي فعاذر أن لا تراني مقلة عمياء أفيحسن بعد هذا أن يقال: هل لعلي فضل سوي أنه صحابي بين الصحابة؟ و بطل من أبطال جيش المسلمين؟ كلا ليس هو بطلا من أبطال جيش المسلمين، بل هو بطل جيش المسلمين وحده. و أين كان أبطال جيش المسلمين الذين تدعيهم عن يوم بدر و قد قتل علي نصف المقتولين، و قتل سائر الناس النصف الباقي. و أين كانوا عن يوم أحد؟ و قد قتل علي أصحاب اللواء جميعا، و حامي عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و قد فر الناس الا أقلهم حتي رجع أحد المعروفين بعد ثلاث، و نادي جبرئيل: لا سيف الا ذوالفقار و لا فتي الا علي و قال متعجبا. هذه هي المواساة. و أين كانوا عن يوم الخندق؟ و قد عبره عمرو [ صفحه 150] بن عبد ود، و هو ينادي. هل من مبارز فجبن عنه الناس جميعا الا علي فقتله وجاء برأسه، و أين كانوا عن مرحب يوم خيبر؟ و قد فروا براية الاسلام واحدا بعد واحد حتي أخذها علي فقتل مرحبا و فتح الحسن و دحا الباب. و أين كانوا عن يوم حنين؟ و قد فروا جميعا عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هم يزيدون عن اثني عشر ألفا الا عليا يضرب بالسيف أمامه مع ثمانية من بني هاشم معهم أيمن ثبتوا بثباته، و أين كانوا عن ليلة الغار؟ التي بات فيها علي فراش الرسول صلي الله عليه و آله و سلم يقيه بنفسه غير خائف ولا هياب، و قد أحدقت به سيوف الموت. و أين كانوا عن يوم هجرة علي الي المدينة؟ و معه الفواطم و قد لحقه ثمانية فوارس من شجعان قريش و هم فرسان و هو راجل فقتل مقدمهم بضربة قدته نصفين، و عاد الباقون عنه خائفين مذعورين الي غير ذلك من المواقف و المشاهد التي أثبتت أنه بحق بطل جيش المسلمين بلا مشارك. [220] . قوله: لولا الاسلام لما كان لعلي و لا لعرب الحجاز ذكر طريف جدا، فلولا الاسلام، و لو لم يبعث محمد صلي الله عليه و آله و سلم بالرسالة لم يكن لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ذكر، فهذا لا يوجب أن يكون علي كسائر المسلمين، و كسائر عرب الحجاز مع امتيازه عن الجميع، كما لا يوجب أن يكون الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كذلك. فقد جاء الاسلام و عرف علي به، و امتاز عمن سواه بفضائله و مناقبه. و لا يمنع هذا أيضا من أن نقول: لولا سيف علي لم يكن للاسلام ذكر. علي أن بيت علي أشرف البيوت في الجاهلية و الاسلام، تحامل بارد و تمحل سخيف. أما الآيات التي استشهد بها، فلا ترتبط بما أراده بوجه من الوجوه. القائل بقول علي له أثر عظيم في نصرة الاسلام. و الآيات الشريفة تقول: الانسان لم يكن ثم كان، لله العزة جميعا. الناس فقراء و الله هو الغني، فهل مضامين هذه الآيات تنافي قولنا: لولا سيف علي لما قام الاسلام؟ عزة الله لا يدانيها عزة، و الناس كلهم فقراء الي الله و الله غني عنهم، ولكن هذا لا ينافي أن يكون بعض عبيدالله اختصه [ صفحه 151] الله بأن قام الاسلام بسيفه، و لولا سيفه لما اخضر للاسلام عود و لا قام له عمود، و كون العزة لله و الغني لله لا يسلب الفضل عن أهل الفضل. و لا شي‌ء أغرب من قوله: «من كان له أدب فليس من دأبه أن يمن علي الله». فمن هو الذي من علي الله؟ اذا قلنا: لولا سيف علي لما قام دين الله نكون قد مننا علي الله، كلا اننا نعلم أن المنة لله تعالي علي جميع خلقه، و الله تعالي قد من علي علي بأن جعل انتصار دينه بسيفه؛ لأنه جرت عادته أن يجري المسببات علي أسبابها، فاذا جعل انتصار الاسلام بسيفه كان ذلك فضيلة له، و ساغ لنا أن نقول: لولا سيفه لما انتصر الاسلام، ولا يتوهم عاقل أن في ذلك منا علي الله، و قد ظهر من ذلك فساد قوله: علي أول من يتبرأ من مثل هذا الكلام، و كيف يتبرأ منه، و هو عين الواقع، و فيه تحدث بنعمة الله عليه؟ قوله: «و أفضل أحوال علي أن يكون خامس الأمة، رابع الصحابة»؛ بل هو ثاني الأمة التي أولها النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أول الصحابة بالدليل و البرهان كما عرفت لا بمجرد الدعوي كما يفعل هذاالرجل. و قوله: «و قد جعله الله كذلك» افتراء علي الله تعالي، بل الله قد جعله ثاني الأمة و قدمه بفضله علي جميع الصحابة، و جعله وصي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و خليفته، و أولي بالمؤمنين من أنفسهم علي لسان رسوله يوم الغدير و غيره. قوله: «و رضي هو في حياته بذلك» كذب و افتراء عليه، و تظلمه من ذلك طول حياته قد ملأ الخافقين. قوله: «و قد كان يقول دنياكم عندي» استدلال عجيب و استشهاد غيري فاذا كان زاهدا في الدنيا هل يدل ذلك علي أنه أسقط حقه من الخلافة الذي جعله الله له؟ و هل تراد الخلافة لأجل رياسة الدنيا و حطامها؟ قوله: أما انتحاله في الاسلام «الخ» قد علمت مما مر أنه عين الحقيقة و أن ما يتمحله هذا الرجل، و يصادم به البديهة فلم و لن و ما و ليس يرتكبه أحد عنده أدني معرفة و انصاف. قوله: «اذ لا شرف لعلي و سيفه الا بالاسلام» قد سبق آنفا منه نظير هذا التمويه، و ذكرنا ما فيه، و نقول أيضا: ان شرف علي و سيفه بالاسلام لا يمنع أن يكون لعلي و سيفه في الاسلام أثرهما الذي لا أثر مثله، [ صفحه 152] و أن يكون الاسلام قام بعلي و سيفه، فالاسلام دين الله الذي تشرف به رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و تشرف به علي و كل مسلم، ولكن الاسلام لم يكن لباسا، و خلعة ألبسه الله تعالي لعباده و شرفهم به، بل هو اعتقاد بالجنان، و قول باللسان، و عمل بالأركان، فاذا أباه الناس أصبح في خبر كان، و اذا كان جهاد علي في نصر الاسلام سببا في ظهوره و انتشاره كان لعلي في ذلك الشرف الأسمي، و المقام الأعلي، و صح أن يقال: لولا سيفه لما كان اسلام، شاء موسي جار الله أم أبي. قوله: و الاسلام في شرفه غني عن العالمين «الخ» هو كالسابق تمويه و تلبيس، فاذا كان الاسلام غنيا عن العالمين فلم أمرهم الله بنصره و الجهاد في سبيله و الذب عنه؟ أجل هو غني عنهم لو أراد الله استغناءه عنهم، ولكن الله أحري الأمور بأسبابها، فمن جاهد في سبيل نصرة الاسلام فله فضله و أجره، و صح أن يقال: لولاه لما انتصر الاسلام و لم يكن ذلك منافيا لغني الله و قدرته. قوله: «لو صدق قول امام الشيعة» «الخ» هذا كسابقه تمويه و تلبيس فانه لو صدق قول موسي تركستان هذا لانتفت فضيلة الجهاد، و لما كان للأمر به و الحث عليه معني؛ اذ الله تعالي هو الذي ينجز وعده، و ينصر عبده، و يهزم الأحزاب وحده، فالمجاهد و القاعد سواء و هو رد للقرآن الكريم الذي فضل المجاهدين علي القاعدين. أنجز وعده لنبيه، و نصر عبده بوليه، و هزم به الأحزاب يوم الخندق بقتله عمرو بن عبد ود، و الأثر في ذلك لله وحده، فهو مسبب الأسباب، و خالق القدرة في من هزم الأحزاب و مجري الأسباب علي أيدي عباده، و هذا لايبطل فضل من أجريت علي يده، و لا يمنع من قولنا: لولا ضربة علي لما هزمت الأحزاب، و الفئة لا تغني شيئا و لو كثرت اذا لم يكتب الله لها النصر و التوفيق، و هذا ليس معناه أنه ليس للفئة فضل في جهادها و لا يمنع من القول: انه لولاها لما كان كذا.

استشهاده بأدب اليهود و كلام التوراة

ذكر (في صفحة ر) تحت عنوان «عظيم أدب اليهود» ما حاصله: «ان اليهود في حرب العمالقة، و كانوا قدر مليونين، ما أسندوا الغلبة الي أنفسهم بل بأدبهم [ صفحه 153] أسندوا الغلبة الي صلاة موسي، و استشهد لذلك بكلام للتوراة في سفر الخروج. ثم ذكر أن يوشع كان نبيا بطلا قويا و أطال في مدحه، و قال: انه ذكر في العاشر من سفره: «و أخذ يشوع جميع أولئك الملوك و أرضهم دفعة واحدة لأن الرب اله اسرائيل حارب عن اسرائيل». و قال (صفحة ش): «لا شبهة أن الغلب كان له أسباب عادية الا أن أدب البطل النبي، و أدب كتبة اليهود يوحي أن الرب اله اسرائيل عو الذي حارب عن اسرائيل، و الغب من اله بنصرالله لا بقوة أحد». ثم نقل عن نص تثنيه التوراة في الفصل التاسع أن الأمة قوتها و بقاؤها بنبيها و بركته و لولاه لما بقي لها أثر و ان قوة النبي بالله و عونه لا بعونها و لا بسيف فرد منها. ثم قال ما معناه أن الفصل التاسع من التوراة يشبه قوله تعالي: (ان يشأ يذهبكم و يأت بخلق جديد) [فاطر / 16](و الله الغني و أنتم الفقراء و ان تتولوا يستبدل قوما غيركم) [محمد / 38]قال: «و كل ذلك يدل علي أن الله في اقامة دينه غني عن قوة الأمة، و عن سيف الافراد، و لا يتعلق بنجاح دين الله علي حياة أحد من عباده، و ليس الغلب بقوة أحد، و انما هو بنصر الله». ثم استشهد بآيات لا شاهد فيها، فقال: «و هذا الأدب أدب قديم في كل الكتب السماوية و في القرآن الكريم، و من عظيم أدب القرآن الكريم (1) أن ينسب العبد كل ما له الي الله. (و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) [الأعراف / 43] (2) أن ينسب الله جل جلاله الخير و الثواب و كل ما يناله الانسان في حياته الي الانسان. (جزاء بما كانوا يعملون) [الواقعة / 24](بما أسلفتم في الأيام الخالية). جمع القرآن هاتين النسبتين الي أدب البيان، و الي أدب السعي و الاجتهاد» و عاد الي ذلك في صفحة (ث) فأنكر و عاب و تحذلق. و نقول: ما لنا و للتوراة المحرفة و أدب اليهود الذي هو مشغوف بالاستشهاد به كثيرا. يكفينا القرآن الكريم و أدب الاسلام فنحن في غني بهما عن التوراة و أدب اليهود. قال الله تعالي: (و ما رميت اذ رميت ولكن الله رمي) [الأنفال / 17]ولكن هذا لا ينفي فضل الرامي و لا يمنع أن نقول: لولا رميه لما كان كذا. و هو في هذا المقام قد أجاب نفسه بنفسه، فاعترف بأن الغلب له [ صفحه 154] أسباب عادية، و أن الله تعالي لا يوقع الغلب بقوته القاهرة الخارجة عن العادة، و حينئذ فمن جري الغلب علي يده مثل يوشع وصي موسي، و علي وصي رسول الله صلي الله عليهم، و طالوت، يكون له المقام الأسمي، و الميزة علي غيره، و يكون الغلب بجهاده، فيوشع عليه‌السلام بقتاله العمالقة له فضل الجهاد و شرف الشجاعة. و القول بأن الرب اله اسرائيل حارب عن اسرائيل لا ينافي القول بأن يوشع عليه‌السلام حارب عن اسرائيل، و انتصر علي العمالقة، و لولا يوشع و حربه؛ لما انتصر اسرائيل علي العمالقة؛ لأن مشيئته تعالي اقتضت أن يكون انتصاره عليهم علي يد يوشع؛ و لولا جهاده لما حصل ذلك الانتصار. و القول: ان اله اسرائيل حارب عن اسرائيل معناه أن الله تعالي هو الذي أوجد يوشع عليه‌السلام، و جعل فيه القوة و القدرة و أمره بجهاد العمالقة، فانتصر عليهم، و لولا يوشع لما كان هذا النصر؛ لأنه تعالي شاء أن يكون هذا النصر بجهاده، و علي يده تكريما له، و رفعا لشأنه مع قدرته تعالي أن يهلك العمالقة بغير واسطة يوشع، لكن حكمته اقتضت أن تجري الأشياء بأسبابها العادية. و الله تعالي قد مدح طالوت في كتابه العزيز و قال أنه بعثه ملكا عن بني‌اسرائيل ليقتل جالوت فقتله، فاستحق المدح و الثناء، و صح أن يقال لولا طالوت لما قتل جالوت، فقوله: و الغلب من الله بنصر الله صحيح، و قوله: لا بقوة أحد غير صحيح، فالله تعالي كثيرا ما يجعله بقوة آحاد. و فيما نقله عن تثنية التوراة قد أجاب نفسه ورد عليها بنفسه، فاذا ساغ أن نقول الأمة قوتها و بقاؤها بنبيها و بركته، و لولاه لما بقي لها أثر، و قوة النبي مستمدة من الله و عونه، ساغ أن نقول ان قوة الاسلام بسيف الوصي و لولا سيفه لما قوي الاسلام. و قوة الوصي مستمدة من الله و عونه، أما أن قوة النبي ليس بعون الأمة، و لا بسيف فرد منها، فخطأ ظاهر؛ اذ لا شك أن معاونة الأمة للنبي تجعل له قوة و سيف فرد منها أو سيوف أفراد تجعل للنبي قوة، كما أنه لاشك أن سيف علي بن أبي‌طالب قوي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لا يشك في ذلك، فهذا الكلام ان صح أنه من كلام التوراة و ليس محرفا، و لم يكن من كلامه، فهو محمول علي مثل ما مر من أن المؤثر الحقيقي في قوة النبي هو الله تعالي الذي سخر أفراد الأمة و سيوفها لمعونته و الدفاع عنه. و اذا كانت قوة النبي [ صفحه 155] ليست بعون الأمة و لا بسيف فرد منها فلماذا يقول موسي عليه‌السلام: (و اجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري و اشركه في أمري) [طه / 29]؟ و لماذا قال الله تعالي: (سنشد عضدك بأخيك) [القصص / 35]؟ و لماذا قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم يوم بدر: «اللهم ان تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض» [221] و هل هذا الا كقولنا: لولا سيف علي لم يظهر الاسلام؟ لولا العصبية و قلة الانصاف فهو في معني لولا هذه العصابة لم تعبد في الأرض، و غني الله تعالي في اقامة دينه، و في كل شي‌ء عن قوة الأمة، و سيف الأفراد ثابت لا يشك فيه مؤمن بالله، و لا يحتاج الي الاستشهاد بالآيات، و لا بالتوراة، أما أن دين الله لايتعلق علي حياة أحد و ليس الغلب بقوة أحد فباطل؛ لأن الله شاء أن يكون نجاح دينه بالأسباب العادية لا بالقدرة الالهية فقط، لذلك جاز أن يعلق نجاح دينه علي حياة شخص؛ و جهاده و نصره؛ كما علقه علي حياة يوشع و طالوت، و علي بن أبي‌طالب و غيرهم، و هذا لا ينافي غناه تعالي عن قوة الأمة، و سيف الأفراد، و لا يقتضي افتقاره الي ذلك، كما هو واضح و كون الغلب بنصره تعالي مسلم لكنه بجهاد وليه.و اذا كان نجاح‌الدين لا يتعلق علي حياة أحد، فلماذا قال الله تعالي مخاطبا لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم (و أيدك بنصره و بالمؤمنين) [الأنفال / 62]و لماذا لم يقتصر علي التأييد بنصره. و الهداية في قوله تعالي: (و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) [الأعراف / 43]هي اراءة الطريق، و هي من الله تعالي فليس في الآية الا بيان الواقع لا تعليم الأدب، و الآيتان حث علي العمل والطاعة و لا ربط لذلك بالأدب فما قاله مع عدم ارتباطه بالمطلوب تطويل بلا طائل و فلسفة باردة، و قد علم بما مر أن انكاره و تحذلقه (في صفحة ث) ليس له محل و لا معني.

اول من وضع بذر التشيع

و قال (صفحة مه) في محا انتقده علي كتاب أصل الشيعة: «أما ما بقوله شيخ الشيعة في كتابه أصل الشيعة أن أول من وضع بذر التشيع في حقل الاسلام [ صفحه 156] هو نفس صاحب الشريعة الاسلامية، فمغالطة فاحشة خرجت عن حدود كل أدب و ابتهار و افتراء علي النبي، و تحريف للآيات، أي حبة بذر النبي حتي أنبتت سنابل اللعن و عقيدة التحريف، و أن وفاق الأمة ضلال، و أن الرشاد في خلافها حتي تورات العقيدة الحقة في لج من ضلال الشعة جم. والشيعة زمن النبي و العترة هم الذين هاجروا معه و نصروه في كل أمورهم، و فيهم نزل: (الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) [البينة / 7]». و نقول: المذكور في كتاب أصل الشيعة دليلا لكون أول من وضع بذر التشيع في حقل الاسلام هو صاحب الشريعة قوله صلي الله عليه و آله و سلم - في ما رواه السيوطي في الدر المنثور في تفسير (أولئك هم خير البرية) - في علي: و الذي نفسي بيده ان هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة. و نزلت (ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) و في الدر المنثور من اخراج ابن‌عدي عن ابن‌عباس: لما نزلت (ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) [222] قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لعلي: «هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين».و فيه من اخراج ابن‌مردوديه عن علي قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله سلم ألم تسمع قول الله (ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) أنت وشيعتك و موعدي و موعدكم الحوض اذا جاءت الأمم لحساب تدعون غرا محجلين. [223] . قال: و روي بعضها ابن‌حجر ابن‌حجر في صواعقه عن الدارقطني، قال: وحدث أيضا عن أم‌سلمة أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: «يا علي أنت وشيعتك في الجنة» [224] ، و قال ابن‌الأثير في النهاية في حديث علي عليه‌السلام قال له النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «ستقدم علي الله أنت وشيعتك راضين مرضيين و يقدم عليه عدوك غضابا مقمحين». [225] . [ صفحه 157] قال: و روي الزمخشري في ربيع الأبرار: يا علي اذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله تعالي، و أخذت أنت بحجزتي، و أخذ ولدك بحجزتك، و أخذ شيعة ولدك بحجزهم، فتري الي أين يؤمر بنا الي آخر ما ذكره [226] و كل هذه الروايات مصرحة بشيعة علي، وشيعة ولده، و الروايات الأولي مصرحة بأن الآية نزلت فيهم، فحمله لها علي أنها نزلت في الذين هاجروا مع الرسول و نصروه وأنهم هم الشيعة زمن النبي و هم العترة مغالطة فاحشة خرجت عن حدود كل أدب و ابتهار، و افتراء علي النبي، و تحريف للآيات، و لم يعبر في تلك الروايات بالشيعة حتي يحمل علي من ذكره و انما عبر بشيعة علي وشيعة ولده. و حبة ذلك البذر لم تنبت سنابل اللعن، و انما أنبتت سنابله حبة النذر التي مكنت بني‌أمية من لعن الوصي و السبطين، و حبر الأمة، و لم تنبت عقيدة التحريف كما سنبينه عند تعرضه له. و وفاق الأمة عندنا هو الرشاد، و خلافها هو الضلال، اذا لم يخرج عنها سادتها و قادتها أهل البيت الطاهر أحد الثقلين، و مثل باب حطة، و سفينة نوح. و انما نرجح الحديث الموافق لهم علي المخالف عند التعارض لأن الموافق لهم أقرب الي الصواب كما يأتي عند تعرضه لذلك. و العقيدة الحقة لم تتوار في ضلال الشيعة. و هيهات أن يكون ضالا من اقتدي بأهل بيت نبيه الذين لا يفارقون الكتاب و لا يفارقهم، و اتبع طريقتهم المثلي.

حكاية رفعه الستار

قال (صفحة كد): «و أجل فرح حصل للنبي صلي الله عليه و آله و سلم، في آخر ساعة من حياته؛ اذ رفع الستار، فرأي جميع أصحابه يصلون جماعة خلف خليفته الذي أقامه اماما لأمته في دينها و دنياها». و نقول: فضل الخليفة لا ينكر. و لا نراه يرضي أن تنسب اليه الفضائل المختلقة. ما لنا و لحديث رفع الستر المختلق الذي لم يروه محدث معتمد لا [ صفحه 158] منا و لا منكم، و لنرجع الي ما اتفقنا نحن و أنتم، و لندع ما اختلفنا فيه، أليس قد اتفقنا علي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم خرج و هو مريض لا يستقل من المرض يتوكأ علي الفضل بن العباس و رجل آخر لم تشأ أن تسميه أم‌المؤمنين، فأتي المسجد و الخليفة قد سبق الي الصلاة بالناس قام رسول الله صلي الله عليه و آله سلم بالناس، و لندع ما اختلفنا فيه من أنه أخره عن المحراب و ابتدأ الصلاة من أولها و لم يبن علي صلاته، أو أنه كان النبي امام الخليفة، و الخليفة امام الناس. لندع هذا كله و لنرجع الي أمر واحد يكون بيننا و بينكم، لننظر و لنتأمل: ما الذي دعا النبي صلي الله عليه و آله و سلم الي الخروج للصلاة، و هو مريض لا يستقل من المرض يتوكأ علي رجلين، و قد أوذن بالصلاة قبل ذلك فلم يخرج؟ و نحن نروي أنه قال: اني مشغول بنفسي ليصل بالناس بعضهم، و أنتم تروون أنه قال: مروا فلانا فليصل بالناس. ما الذي دعاه الي الخروج في هذه الحالة بعد ما أوذن فلم يخرج؟ و بعد ما أمر الخليفة بالصلاة بالناس؟، أهو قصد تأييد الخليفة أم توهين أمره؟، فان كان الأول: فخروجه قد أتي بضد المطلوب؛ لأنه قد جعل مجالا للظن بأنه انما خرج ليبطل ما قد يسبق الي الأذهان من أن التقدم الي الصلاة كان عن أمره. فلو لم يخرج لكان أبلغ في التأييد، فيكون فعله ناقضا لغرضه، و حاشاه من ذلك. ثم ان رفع الستار و هذا الفرح العظيم الذي حصل له لابد أن يكون قبل خروجه اذ بعد خروجه؛ تمت الصلاة و لا محل لرفع الستار،و اذا كان قد حصل مراده و متمناه، و ما أوجب حصول أجل فرح له، فما سبب هذا الخروج؟ و ما المقصود منه؟، و الحق أن أعظم كرب حصل للنبي صلي الله عليه و آله و سلم في آخر ساعة من حياته حين أمرهم باحضار الدواة و الكتف؛ ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا، فلم يفعلوا، و لست أدري كيف يكون الأمر بالصلاة لو صح دليلا علي الامامة في الدين و الدنيا عند من يجوز الصلاة خلف البر و الفاجر.

نسبته سوء الأدب الي موسي و الحسد الي يونس، و حاشاهما

قال (صفحة جم): «عبرة بعبرة. العجب أن اليهود كانت تأتي بكل أمر منكر». و ذكر مذام كثيرة لليهود، و قال: «انها عبدت العجل و موسي و هارون [ صفحه 159] و يوشع بن نون في قيد الحياة. و مع ذلك كانت اليهود تقدس أمة اليهود و تحترمها حتي أن أنبياء اليهود كانوا يلومون الله و يغاضبونه اذا بدالهم من الله تقصير في أمر اليهود، و قد حكي الله في القرآن شيئا من ذلك في موسي اذ يقول: (فلما أخذتم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل و اياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء و تهدي من شاء) [الأعراف / 155]. و هذا لوم بليغ عذر الله نجيه فيه؛ لأنه صدر عن حب و فرط من شفقة للسبعين و حبه، لأمته، و صدق احترامه لليهود في كل أمورها، و قد حكي الله أعظم من ذلك في يونس (و ذالنون اذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه) [الأنبياء / 87]و عذره الله في ذلك حيث لم يكن غضبه الا لأجل أن يختص الله بهدايته اليهود، و الحسد و ان كان أكبر كبيرة عفاه الله عن ذي النون لأنه تمني به امتياز اليهود بين الأمم بفضل الله و هدايته». و نقول: في اعترافه بأن اليهود عبدت العجل و أنبياؤها أحياء، اعتراف بوقوع نظير ذلك في هذه الأمة - المعصومة عنده - لقوله صلي الله عليه و آله و سلم: «لتتبعن سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل، و القذة بالقذة حتي لو دخل أحدهم جحر ضب لدختلموه». ثم انظر و تأمل في قوله: أنبياء اليهود كانوا يلومون الله و يغاضبونه؛ اذا بدالهم من الله تقصير في أمر اليهود، هل يليق أن يقال مثل هذا الكلام في حق الله تعالي و أنبيائه. الله تعالي يقصر في حق اليهود، و الأنبياء اذا بدالهم هذا التقصير يلومون الله تعالي و يغاضبونه علي تقصيره؛ كما يلوم الرجل ولده أو خادمه أو نظيره و يغاضبه عند تقصيره، و أي جاهل ينسب الي الأنبياء أنهم يظنون أو يعتقدون حصول التقصير من الله تعالي في حق اليهود، فيلومونه و يغاضبونه لأجل ذلك، والتقصير اذا نسب الي عبد من عباد الله يكون ذما له، فكيف بالله جل جلاله؟ و هل يكون اللوم الا علي فعل غير لائق و المغاضبة الا علي فعل قبيح؟ ولكن هذا الرجل لا يدري ما يقول أو لا يبالي بما يقول، و اذا كان هذا قوله في حق الله تعالي و أنبيائه فلا عجب مما صدر منه في حق الباقر و الصادق في مقام آخر. ولا شي‌ء أعجب من نسبة أكبر كبيرة الي يونس عليه‌السلام و هي [ صفحه 160] الحسد و أن الله تعالي عفا عنه ذلك؛ لأنه تمني بحسده امتياز اليهود بفضل الله و هدايته. فهذا الحسد الذي زعمه ان لم يكن معصية لم يجز نعته بأنه أكبر كبيرة، و لم يحتج الي العفو، و ان كان معصية لم يجز صدوره من الأنبياء المعصومين من الذنوب سواء أتمني به امتياز اليهود أم لا؟ و الحاصل أن الأنبياء بعصمتهم الثابتة بالعقل منزهون عن أن يسندوا الي الله فعلا قبيحا غير لائق، فيلومونه عليه أو يغاضبونه لأجله و منزهون عن كل ما ينافي العصمة، و يوجب نسبة الذنب، و اذا ورد في ظاهر النقل ما يوهم ذلك وجب تأويله؛ لأن الحكم المستفاد من العقل قطعي، و هو موجب للقطع بعدم ارادة ظاهر اللفظ المخالف له، فلا لوم من موسي بن عمران عليه‌السلام لربه، و ان زعم ذلك موسي تركستان لا بليغ و لا غير بليغ، و انما صدر منه التأسف علي ما أصاب قومه، و العذر الذي اعتذره موسي عن موسي عليه‌السلام أقبح من الذنب الذي نسبه اليه، فان الشفقة للسبعين، و حبه أمته، و احترامه لليهود لا يسوغ له نسبة القبيح اليه تعالي، و هو نبي من أولي العزم. و أما يونس عليه‌السلام فلما تأخر نزول العذاب علي قومه حسبما كان أخبرهم تألم لذلك، و تركهم شبه المغاضب الظان عدم القدرة عليه، فالكلام مجاز نظير زيد أسد، أو المراد - و هو الأظهر المروي من طريق أئمة أهل البيت عليهم‌السلام - فذهب مغاضبا لقومه فظن أن لن نقدر عليه رزقه. و أما امتحانه بابتلاع الحوت، فلتركه الأولي من التريث و التأني في أمر قومه، كما ابتلي يعقوب بفراق ابنه لتركه الأولي من البحث عن جاره الفقير، و قوله: (اني كنت من الظالمين) [الأنبياء / 87]جار هذا المجري و لم يكن ظالما حقيقة و أجهل الجاهلين لا يمكن أن يظن عدم قدرة الله عليه فضلا عن النبي المرسل. قال المرتضي رضي الله عنه في كتاب تنزيه الأنبياء: «من ظن أن يونس عليه‌السلام خرج مغاضبا لربه من حيث لم ينزل بقومه العذاب، فقد خرج عن الايمان في الافتراء علي الأنبياء عليهم‌السلام و سوء الظن بهم. و ليس يجوز أن يغاضب ربه الا من كان معاديا له و جاهلا بأن الحكمة في سائر أفعاله، و هذا لا يليق باتباع الأنبياء من المؤمنين فضلا عمن عصمه الله تعالي و رفع درجته. و أقبح من ذلك ظن الجهال و اضافتهم اليه عليه‌السلام أنه ظن أنه ربه لا يقدر عليه من جهة القدرة التي [ صفحه 161] يصح بها الفعل، و يكاد يخرج عندنا من ظن بالأنبياء عليهم‌السلام مثل ذلك عن باب التمييز و التكليف، و انما كان غضبه علي قومه لمقامهم علي تكذيبه، و اصرارهم علي الكفر، و يأسه من اقلاعهم و توبتهم، فخرج من بينهم خوفا من أن ينزل العذاب بهم و هم مقيم بينهم، فأما قوله تعالي: (فظن أن لن نقدر عليه) [الأنبياء / 87]فمعناه أن لن نضيق عليه المسلك، قال الله تعالي: (و من قدر عليه رزقه) [الطلاق / 7]أي ضيق. (الله يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر) [الرعد / 26]أي يوسع و يضيق. (فأما اذا ما ابتلاه ربه فقدر عليه رزقه) [الفجر / 16]. و انما لم يخرج من أول الأمر لأن نزول العذاب كان له أجل مضروب فكان يعلم بعدم نزوله قبل الأجل [227] و مما مر يظهر أن في حالات هذا الرجل عبرا و عبرا لمن اعتبر.

لعن الأموية عليا

قال (ص مه): «اللعنات بدعة فاحشة منكرة أحدثتها بيوت متعادية و لعنت الأموية الامام عليا مدة، و لا نشك في أن عليا رابع الأمة أعلم الصحابة فلو لعن علوي أمويا لأمكن أنه من باب (فمن اعتدي عليكم) [البقرة / 194]. و نقول: اللعنات فاحشة منكرة علي غير مستحقيها، فقد لعن القرآن الكاذبين و الظالمين، و هذه البيوتات المتعادية كان العداء فيها بين الاسلام و الكفر، و الحق و الباطل؛ و اذا كان علي رابع الأمة، و أعلم الصحابة، فما قولنا في من لعنه علي المنابر و معه الحسن، و الحسين، و ابن‌عباس، و اتخذ ذلك ديدنا، و اتبعه بنو أبيه عليه أعواما متطاولة نحو سبعين عاما، و هم يحملون لقب امارة المؤمنين و اثنان منهم من الصحابة، و اذا كان علي رابع الأمة و أعلم الصحابة، فما قولنا في لعنة معاوية، و عمرو بن العاص، و أباموسي بعد وقعة الحكمين، و كلهم صحابة و هو يعلم أنهم لابد أن يقابلوه بالمثل، و لم يكن غرا و لا مغفلا، و هل تقبل عقولنا أن نحمل ذلك علي الاجتهاد فنقول: و نعرض عن ذكر الصحابة فالذي جري بينهم كان اجتهادا مجردا [ صفحه 162] و نراه في ما سبق يقول: و هل لعلي فضل سوي أنه صحابي بين الصحابة؟ و بطل من أبطال جيش المسلمين؟ و أفضل أحوال علي أن يكون خامس الأمة، رابع الصحابة، و هنا يعترف بأنه أعلم الصحابة. و اذا كانت اللعنات بدعة فاحشة منكرة؛ فما بال الأمة المعصومة عنده بين فاعل و ساكت؟!

اصول الدين

قال (ص مه): «أصول الدين و أركانه. جعل القرآن الكريم أصول الدين و أركانه ثلاثة: الايمان بالله، و باليوم الآخر، و العمل الصالح (من آمن بالله و اليوم الآخر و عمل صالحا) [البقرة / 62 ثم قال (صفحة و م): «و فصل العمل الصالح في القرآن تفصيلات وافية بينة». الي أن قال (صفحة حم): «و كتب الكلام لها في بيان أصول الايمان طرق و أساليب تختلف علي حسب اختلاف المذاهب. و الشيعة الامامية التي أخذت علي نفسها أن تعلم الله بدينها و التي تتخذ ايمان المؤمن وسيلة الي أغراضها و أهوائها تقول: أصول الايمان ثلاثة (1) التصديق بتوحيد الله في ذاته و صفاته و بالعدل في أفعاله (2) التصديق بنبوة الأنبياء (3) التصديق بامامة الأئمة المعصومين. ثم لا يكتفون بذلك، بل يقولون: الايمان هو الولاية لولينا، و والبراءة من عدونا،و التسليم لأمرنا، و انتظار قائمنا، ثم الاجتهاد و الورع، و يقولون: ان في الاسلام ثلاثة: الصلاة و الزكاة و الولاية، و الولاية هي أصل الأركان، و أفضل الأركان، في كل الأركان رخصة لا يوجب تركها الكفر، أما الولاية فلا رخصة فيها و تركها في أي حال كفر». و نقول: الشيعة الامامية تؤمن بالله و كتبه و رسله و بكل ما جاء به محمد صلي الله عليه و آله و سلم من عند ربه، و لا تعلم الله بدينها كما زعم، بل لا تأخذ دينها الا عن كتاب ربها، و سنة نبيها، و طريقة أهل بيت نبيها، شركاء القرآن، و معادن العلم و الحكمة، و لا تتخذ ايمان المؤمن وسيلة الي أغراضها و أهوائها كما افتري، بل لا تتبع الا الدليل و البرهان، و هو وسيلتها أغراضها و حاشاها من [ صفحه 163] اتباع الأهواء، و لو اتسع لنا المجال لبينا له من هو متبع الأهواء و الأغراض. و أصول الدين و أركانه لا تقتصر علي الثلاثة التي ذكرها، بل يضاف اليها الاقرار بالنبوة. و الآية التي ذكرها ليست بصدد الحصر كما لا يخفي. أما أصول الدين و أركانه التي يلزم الاعتقاد بها و يتوقف عليها الاسلام عند الشيعة الامامية فثلاثة: التوحيد، و النبوة، و المعاد. مع اشتراط عدم انكار شي‌ء من ضروريات الدين الذي يؤول الي انكار أحد الثلاثة، فتحقق هذه الثلاثة كاف في ترتب جميع أحكام الاسلام و فقد واحد منها مخل بثبوت الاسلام. أما ما يلزم الاعتقاد به؛ ولكن فقده لا يخل بالاسلام فالعدل و الامامة. و لهم في اثبات امامة الأئمة المعصومين أدلة مذكورة في كتبهم الكلامية، فان كان يستطيع نقضها و ابطالها فله الفلج، فاذا ثبتت امامتهم كان التصديق بها من العمل الصالح، أو من شروطه و مقوماته، و كذلك الولاية لوليهم، و البراءة من عدوهم، و التسليم لأمرهم، و انتظار قائمهم، و الورع و الاجتهاد لب العمل الصالح. فبان أن قول صاحب الوشيعة الذي أخذ علي نفسه أن يعلم الله بدينه و أن لا يكون في وشيعته شي‌ء من الحق -: أن ترك الولاية في أي حال كان كفرا عند الشيعة الامامية كذب و افتراء. فترك الولاية لا يوجب الكفر عن أحد من الشيعة، و من مسلمات مذهب الشيعة أن الاسلام يكفي فيه الاقرار بالشهادتين، و عدم انكار شي‌ء من ضروريات الدين، و ليست الولاية من ضرورياته بالبداهة و الاتفاق؛ اذ الضروري ما يكون ضروريا عند جميع المسلمين. و الاسلام بهذا المعني هو الذي يكون به التوارث، و التناكح، و تثبت به جميع أحكام الاسلام عند الشيعة الامامية.

كتب الكلام

قال (صفحة م ط): «كتب الكلام قد أطالت الكلام في الامامة من غير فهم و من غير اهتداء. و الشيعة الامامية هي أطول الفرق كلاما في الامامة، و لها فيها كتب مثل: غاية المرام في تعيين الامام، و كتاب الألفين في الفرق بين الصدق و المين، أعدها عارا و سبة للشيعة الامامية مثل كتاب فصل الخطاب [ صفحه 164] في تحريف كلام رب الأرباب، و هذا الأخير سبة فاحشة للشيعة و ان كان له قيمة عندها». و نقول: كتب الكلام عند المسلمين قد أطالت الكلام في الامة من غير فهم و من غير اهتداء حتي جاءت النوبة اليه، ففهم ما لم يفهموه و اهتدي الي ما لم يهتدوا اليه، فسبحان الله القادر الذي خلق في آخر الزمان من أهل تركستان من فهم و اهتدي الي ما لم يفهمه و لم يهتد اليه فحول علماء الاسلام من أهل علم الكلام أمثال: القاضي الباقلاني، و ابن‌قبة، و الخاجة نصيرالدين الطوسي، صاحب التجريد، و القوشجي شارحه، و العلامة الحلي، و أصحاب المواقف، و المراصد، و العقائد النفيسة، و شراح هذه الكتب و محشيها، و غيرهم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فكان من نتائج هذا الفهم و الاهتداء أن أطال الكلام في وشيعته بتكراراته الكثيرة، و تعسفاته البعيدة و تمحلاته الكريهة اطالة ممقوتة، مملة، منفذة للصبر و الجلد، لم يسبق لها مثيل من غير فهم، و من غير اهتداء. أما عده كتاب غاية المرام، و كتاب الألفين عارا و سبة علي الشيعة، فهو أعظم عار و سبة عليه، فغاية المرام كتاب ضخم جمع فيه مؤلفه الأحاديث الواردة، من طرق من تسموا بأهل السنة من مشاهير كتبهم، وم من طرق من عرفوا بالشيعة في فضل علي أميرالمؤمنين عليه‌السلام و اثبات امامته، و كتاب الألفين فيه ألفا دليل علي امامته، فأي سبة و عار في ذلك ان لم يكن موضع الفخر. و أما فصل الخطاب فلا قيمة له عند الشيعة، و قد كتبوا ردا عليه في حياة مؤلفه، و ستعرف عند التكلم علي مسألة التحريف أن ما فيه باطل عند الشيعة، و هو يفتري و يقول: له قيمة عندها؟!

حديث المنزلة

قال (صفحة م ط): «منزلة هارون من موسي، لما عزم النبي صلي الله عليه و آله سلم علي الخروج الي تبوك استخلف عليا علي المدينة وعلي أهله، فقال علي: ما كنت أوثر أن تخرج في وجه الا و أنا معك، فقال: أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي الا أنه لا نبي بعدي. تقول الشيعة و كتب الكلام: ان عموم [ صفحه 165] المنزلة يقتضي المساواة، و لا ريب أن هارون لو بقي بعد موسي لم يتقدم عليه أحد. سند الحديث ثابت و الأمة و الشيعة قد اتفقت علي هذا الحديث». و قال (صفحة ن): حديث المنزلة ثابت صحيح تلقته الشيعة و الأمة بالقبول». ثم قال (صفحة ن): «و هذه المنزلة هي الخلافة عند غيبته القصيرة في أمر جزئي (و قال موسي لأخيه هارون اخلفني في قومي و أصلح) [الأعراف / 142]الآية. (و لما رجع موسي الي قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي) [الأعراف / 150]اضطراب الأمور في خلافته القصيرة حتي (ألقي الألواح و أخذ برأس أخيه يجره اليه) [الأعراف / 150]، و للامام علي في خلافته بعد الثلاثة من هذا الشبه حظ عظيم. لم يستقم له أمر كما لم يستقم لهارون في خلافته القصيرة أمر بني‌اسرائيل حتي عبدوا العجل الذي تسند التوراة صوغه الي هارون نفسه و القرآن قد برأ هارون، و ان كان لعلي عند أدعياء الشيعة نصيب من هذه المنزلة التي ابتهرها اليهود علي هارون». ثم نقل (صفحة ن و صفحة ان و صفحة ب ن) عن التوراة ما حاصله: «ان هارون و كل بنيه لم يكن لهم نصيب في أرض اسرائيل، و لم يكن لكاهن، و لا لاوي حظ في الرياسة، لم يكن لهم الا خدمة خيمة الاجتماع، لم يكن لموسي و هارون و لا لأبنائه شي‌ء من الدنيا، و انما لهم الله و كل ما في السماء، و قال: انها عبارة سماوية يعجبني غاية الاعجاب بلاغتها و علو معناها، و هي تحقيق لقول: كل رسول لكل أمة، (و ما أسألكم عليه من أجر ان أجري الا علي رب العالمين) [الشعراء / 180 ،164 ،145 ،127 ،109]. و في التوراة أن موسي قد حرم أن يري شيئا من الرياسة، و أنه قد خلع ثياب هارون المقدسة و صار هارون محروما من كل حق له، و لو بقي بعد موسي لما كان له شي‌ء، و أن يوشع صار قائدا لا بالاستخلاف، بل تنازل له موسي عن كل حقوقه، و عزل لأجله هارون بعد أن حرم الله موسي و هارون من حق العبور، و كل ذلك مفصل في الخروج و العدد و التثنية من أسفار التوراة، فقول النبي صلي الله عليه و آله و سلم لأخيه علي: أما ترضي أن تكون؟ الخ يدل دلالة قطعية علي أن [ صفحه 166] عشيرة النبي و عليا و أهل البيت ليس لهم نصيب وسط الأمة، و ليس لأحد منهم لا لعلي و لا لأولاده، و لا لعباس و لا لأولاده حق من جهة النسب لم يكن لأهل البيت نصيب، الله هو نصيبهم. و هذا ليس بحرمان و انما هو رفع لعظيم أقدارهم، و شريعة مقدسة في كل رسالة». و قال (في صفحة ن): لم يكن لأحد من عشيرة النبي حق في الخلافة، نعتقد أن الله صرف الدنيا و الخلافة عن أهل البيت اكراما لأهل البيت، و تبرئة للنبوة و لبيت النبوة». الي أن قال: «و كل من نال حظا من الملك و الرياسة من بيوت العرب في تاريخ الاسلام قد صدق فيهم قول القرآن الكريم: (فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم و أعمي أبصارهم) [محمد / 22 و 23]و هذه الآية أتي تأويلها في البيت الأموي و العباسي في أفجع صورة و من حام حول الحمي أوشك أن يقع فيه؛ فلأجل ذلك صرف الله الخلافة عن عشيرة النبي و أبنائه تبرئة لنبيه عن أبعد التهم، و رفعا لقدر أبنائه اختارهم و اصطفاهم لنفسه، و الله وحده و عرضه هو نصيب أهل البيت في الدنيا». و نقول: في كلامه هذا العريض الطويل الخالي عن التحصيل مواقع للعجب و الرد: أولا: انه لما عزم النبي صلي الله عليه و آله و سلم علي غزاة تبوك خلف عليا عليه‌السلام علي المدينة لأنه علم بالوحي أنه لا يكون في هذه الغزاة حرب و الا لم يخلفه و لم يكن به غناء عنه في جميع غزواته، و لا سد أحد مسده في بدر، و أحد، و الخندق و خيبر، و غيرها فقال المنافقون: انما خلفه استثقالا به فشكا ذلك علي الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال له: «أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي الا أنه لا نبي بعدي». [228] و هو اختصر الكلام مقدمة لتصغير أمر المنزلة و تهوينه بأنها أمر جزئي بمدة قصيرة. ثانيا: تكرر منه مقابلة الأمة بالشيعة، و ليس له في ذلك معذرة مسموعة، [ صفحه 167] و ما دعاه اليه الا حاله المعلومة، و أمة يخرج منها أهل البيت و شيعتهم ليست بأمة. ثالثا: حديث المنزلة الذي اعترف بصحة سنده، و اتفاق جميع المسلمين عليه دال دلالة واضحة علي عموم المنزلة بقرينة الاستثناء، فانه اخراج ما لولاه لدخل كما ذكره أهل العربية، فلو لم يدل علي العموم لما احتيج الي الاستثناء و لما صح الاستثناء فلما استثنيت النبوة، بقي ما عداها علي العموم فيما عدي المستثني، ولكنه نسي ذلك أو تناساه و هارون كان شريكا لموسي عليه‌السلام في النبوة و لو بقي بعد موسي لكان نبيا لكنه مات في حياة موسي، فلو لم تستثن النبوة لكان علي شريك محمد فيها و ببقائه بعده يكون نبيا بعده، و خليفته في أمته، فلما استثنيت النبوة علمنا أنه ليس بنبي و بقي ما عدا ذلك علي العموم، و منه خلافته بعده المجردة عن النبوة، و لو لم يكن عموم المنزلة دالا علي أن عليا له منزلة هارون بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم لما احتيج الي استثناء النبوة بعده، و هذا بمكان من الوضوح. فاستثناء النبوة بعده يدل علي عموم المنزلة و تخصيصها بالخلافة القصيرة عند غيبته، و باضطراب الأمر عليه تخصيص بلا مخصص، و ثبوت ذلك له لا ينفي ما عداه. رابعا: زعمه أن لعلي أدعياء الشيعة نصيب من منزلة هارون التي ابتهرتها اليهود عليه من صوغ العجل افتراء و بهتان، و هو أولي بأن يكون دعي المسلمين.خامسا: قد أولع بالاستشهاد لدعاواه بكلام التوراة كما فعل هنا و في عدة مواضع، فهل ندع كلام القرآن و نصوصه و نتبع عبارات ينقلها هو عن التوراة المنسوخة المحرفة لا نعلم صحتها، و لا نفهم دلالتها. يقول الله تعالي في سورة طه حكاية عن موسي عليه‌السلام لما أراد ارساله الي فرعون (و اجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري و أشركه في أمري) [طه / 32 - 29]فأجابه الله تعالي بقوله: (قد أوتيت سؤلك يا موسي) [طه / 36]الي أن قال: (اذهب أنت وأخوك بآياتي و لا تنيا في ذكري اذهبا الي فرعون انه طغي) [طه / 42 و 43]الي أن [ صفحه 168] قال: (فأتياه فقولا انا رسولا ربك فأرسل معنا بني‌اسرائيل و لا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك) [طه / 47]دلت هذه الآيات الكريمة علي أن هارون الذي هو أخو موسي و من أهله و نسبه وزير لموسي، و ناصر شاد لأزره، و شريك له في النبوة و الرسالة، و لو بقي بعده لكان نبيا، و دل قول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لعلي الذي اعترف المؤلف بصحته: «أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي الا أنه لا نبي بعدي» علي أن لعلي من الرسول هذه المنزلة التي كانت لهارون من موسي، و هي أنه أخوه و وزيره من أهله، و ناصره، و شاد أزره، و شريكه في أمره، و قد كان علي كذلك، فهو ان لم يكن أخا النبي صلي الله عليه و آله و سلم في النسب، فهو أخوه بالمؤاخاة، و هو وزيره بنص القرآن لا من تدعي له الوزارة غيره، و شاد أزره و ناصره نصرا لا يبلغه هارون لموسي، وشد أزره، و شريكه في أمره، فهذا النبي و هذا الوصي بعده، و هذا الداعي الي الحنيفية، و هذا داعم دعوته بسيفه و جهاده، و لم يستثن من هذه المنزلة الا النبوة بعده كما مر في الأمر الثالث. سادسا: هذه العبارة التي أعجبته غاية الاعجاب بلاغتها، و علو معناها، و زعم أنها تحقيق لقول (و ما أسألكم عليه من أجر) «الخ» كلامه فيه كرحي تطحن قرونا و جعجعة بلا طحن، فهذا الذي استشهد به من كلام التوراة، و زعم أنه محقق لعدم سؤال الأجر لا مساس له بالموضوع، فاذا كان هارون و أبناءه ليس لهم نصيب في أرض اسرائيل، و ليس لهم شي‌ء من الدنيا، و كانوا زاهدين فيها قانعين، فهل يدل ذلك علي أنه ليس لهم شي‌ء من النبوة و الخلافة و الامامة حتي نقيس عليهم عشيرة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و نقول: ليس لهم حق في الخلافة و الامامة؛ لأن عليا بمنزلة هارون، بل زهدهم في الدنيا، و كونهم ليس لهم شي‌ء منها يحقق امامتهم، و خلافتهم، فما زال أنبياء الله و أوصياؤهم زاهدين في الدنيا، راغبين عنها، فهارون شريك موسي في النبوة مع كونه ليس له شي‌ء من الدنيا، فاذا كان أهل البيت عليهم‌السلام ليس لهم شي‌ء من الدنيا، هل يقتضي ذلك أن لا يكون لهم خلافة و امامة، و الامامة و الخلافة باعتقادنا منصب و رياسة في أمور الدين و الدنيا من الله تعالي، و ليست ملكا و سلطنة. فسواء أكان لصاحبها نصيب [ صفحه 169] في حطام الدنيا: أم لم يكن، لا يخل ذلك بامامته، و التوراة بنقل المؤلف تقول: انه ليس لموسي و هارون و أبنائه شي‌ء من الدنيا، و انما لهم الله، و كل ما في السماء. و موسي صلي الله عليه و آله و سلم كان نبيا من أولي العزم، و هارون شريكه في نبوته، و مع ذلك حكمت التوراة أن ليس له و لا لهارون شي‌ء من الدنيا، فهل الخلافة و الامامة أعلي درجة من النبوة حتي يمتنع أن يكون الامام ليس له شي‌ء من الدنيا. هذه هي العبارة التي أعجبته غاية الاعجاب بلاغتها، و علو معناها، و قال: انها تحقيق لقول (و ما أسألكم عليه من أجر ان أجري الا علي رب العالمين) [الشعراء / 109]و كونها تحقيقا لهذا القول يثبت أنه ليس لها و لا لهذا القول مساس بالموضوع، فهل كون علي و أولاده لهم الخلافة و الامامة من الله بعد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم يجعل الرسول سائلا علي رسالته من الناس أجرا، و يكون أجره عليهم لا علي رب العالمين. سابعا: قوله ان في التوراة أن موسي قد حرم أن يري شيئا من الرياسة هو من غرائب الأقوال، و أي رياسة أعلي و أعظم من النبوة، نبوة أولي العزم، و ان أريد السلطنة و الملك و الاحتواء علي حطام الدنيا، فهذا كما لا يضر بالنبوة لا يضر بالخلافة و الامامة بل يحققهما، و يؤكدهما، و الامامة فرع النبوة و الفرع لا يزيد علي أصله. ثامنا: قوله: ان موسي قد خلع ثياب هارون المقدسة، و صار هارون محروما من كل حق له، و لو بقي بعد موسي كما كان له شي‌ء، هو كسابقه فهل النبوة رئاسة بلدية من قبل الحاكم لصاحبها شارة و ثياب مقدسة، و ينعزل صاحبها بالعزل، و تخلع عنه شارتها و ثيابها المقدسة.مع أن هذا يكذبه قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم الا أنه لا نبي بعدي الذي اعترف المؤلف بالاتفاق علي صحته، فانه لو لم يكن هارون اذا بقي موسي يكون نبيا لم يكن لهذا الاستثناء معني كما مر. و مثله قوله: ان يوشع تنازل له موسي عن كل حقوقه، و عزل لأجله هارون، فهل حقوق النبوة تسقط بالاستعفاء و التنازل، و الأنبياء يعزلون و يعين مكانهم غيرهم، هذه نتيجة اعراضه عن آيات الذكر الحكيم، و تمسكه بالمترجم و المحرف و المنسوخ. [ صفحه 170] تاسعا: ظهر مما مر أن حديث المنزلة يدل دلالة قطعية علي أن عليا أحق بالخلافة و الامامة بعد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم من كل أحد و أن من الواضح أنه لا دلالة له علي ما ادعاه من حرمان عشيرة النبي صلي الله عليه و آله و سلم من الطالبيين و العباسيين و أبنائهم من حق الخلافة لا بدلالة قطعية و لا ظنية، و أن دعواه أن ذلك شريعة مقدسة في كل رسالة افتراء علي الشرائع المقدسة و الرسالات المطهرة. عاشرا: قوله ليس لأحد منهم حق من جهة النسب ليس بصواب، فان أراد به مجرد النسب؛ فلم يقل أحد أن استحقاق الخلافة يكون بمجرد النسب، فنحن نقول: انه بالفضل، و الوحي الالهي، و غيرنا يقول: انه باختيار الأمة، و ان أراد أنه ليس للنسب مدخل في ذلك، فليس بصحيح؛ للاتفاق من الكل علي أن للنسب مدخلا، فنحن نقول بانحصارها في علي و ولده، و أنتم تقولون بانحصارها في قريش، و قد احتج المهاجرون علي الأنصار يوم السقيفة بأنهم عشيرة النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و لذلك قال أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام لما بلغه ذلك ما معناه: ان تكن الخلافة بالقرابة فالحجة لنا و الا فالأنصار علي دعواهم و قال: فان كنت بالشوري ملكت أمورهم فكيف بهذا و المشيرون غيب و ان كنت بالقربي و ليت عليهم فغيرك أولي بالنبي و أقرب [229] . و جاء في الحديث المتفق عليه: الأئمة من قريش. [230] . حادي عشر: اذا لم يكن لهارون و أبنائه شي‌ء من الدنيا، و انما لهم الله، و اذا كان هارون صار محروما من كل حق له بعد موسي و معزولا، و علي بمنزلته فكيف صار رابع الخلفاء؟ و كيف صار ولده الحسن خليفة بعده؟ و كيف أدخله [ صفحه 171] الخليفة الثاني في الشوري؟ و كيف طالب بالخلافة بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم؟ و كيف امتنع عن مبايعة الخليفة الأول مدة؟ هذا يكذب أن منزلة علي منزلة هارون. ثاني عشر: قوله: هذا ليس بحرمان، و انما هو رفع أقدارهم دعوي غريبة، و مهزلة في بابها عجيبة، حرمانهم من الامامة التي هي رياسة عامة في أمور الدين و الدنيا ليس بحرمان، بل رفع لعظيم أقدارهم و أي رفع لعظيم أقدارهم أعظم من أن يكونوا محكومين لا حاكمين، و مأمورين لا آمرين، يحكم فيهم من لا يساوي شسع نعالهم، و يضطهدهم و يغصب حقوقهم من لا يماثل تراب أقدامهم، أمثال زياد و ابنه الدعيين. محلؤون فأصفي وردهم و شل عند الورود وأوفي وردهم لمم [231] . ثالث عشر: اذا كان الله قد صرف الدنيا و الخلافة عن أهل البيت اكراما لهم، و تبرئة لنبيه، و لبيت النبوة عن أبعد التهم، و لأن من حام حول الحمي أوشك أن يقع فيه، فليزم أن تولي من تولي الخلافة من الخلفاء الراشدين: كان اهانة لهم، فانه اذا كان صرف الخلافة عن شخص اكراما له كان صرفها الي غيره اهانة له بالبداهة، و علي سيد أهل البيت؛ فكيف ولي الخلافة، و لم تصرف عنه اكراما له، و تبرئة من التهمة، و كذلك ولده الحسن، منطق معكوس، و حجة تثبت ضد المطلوب. اذا كان أهل البيت أهلا للخلافة - و هم أهل - لم يكن في خلافتهم وصمة علي النبوة، و لا علي بيت النبوة، ليكون صرفها تبرئة لهم، بل كان صرفها عنهم وصمة و عارا. رابع عشر: اذا كان الله تعالي قد اختار أهل البيت و اصطفاهم لنفسه، فمن هو أحق منهم بمنصب الامامة و الخلافة، و لم حرمهم الله منها و هم خيرته و أصفياؤه، و هل ذلك يوجب حرمانهم منها؟ كلا الا عند موسي جار الله الذي تثبت مقدماته دائما ضد مطلوبه. [ صفحه 172] خامس عشر: اذا كان كل من نال ملكا و رياسة من بيوت العرب في الاسلام صدق فيهم آية (فهل عسيتم) [محمد / 22] [232] «الخ» شمل ذلك كل من تسمي باسم الخلافة اذ لا رياسة و لا ملك أعلي منها، و الآية خطاب لجميع الأمة لا تختص بالبيت الأموي و العباسي، و اذا كان تأويل هذه الآية أتي في البيت الأموي و العباسي في أفجع صورة، و قد دامت الدولتان ما يزيد علي ستمائة سنة الأموية نحو (91) سنة و العباسية نحو (518) سنة، فأين كانت الأمة المعصومة علي رأي موسي جار الله طيلة هذه المدة؟ و كيف مكنت لهاتين الدولتين من الفساد في الأرض في أفجع صورة؟، و هل كان ذلك من آثار عصمة الأمة و نزاهتها؟، و ما هو مقدار الزمان الذي تبلغ الأمة فيه رشدها عند موسي جار الله؟، ألا يكفي فيه 600 سنة؟! و ماذا يقول فيمن ولي الخلافة من البيت الأموي و هو صحابي مقدس؟.

ما جري بعد حجة الوداع

قال (صفحة ب ن): «تقول تثنية التوراة، دعا موسي يوشع، و قال له أمام أعين جميع اسرائيل: تشدد و تشجع لأنك أنت تدخل مع هذا الشعب الأرض التي كتب الله لكم، و أنت تقسمها لهم، و الرب سائر أمامك لا يهملك و لا يتركك. و سار سيرة صاحب التوراة هذه صاحب القرآن في آخر أيام حياته، فبعد حجة الوداع جهز جيشا الي الشام يزيد علي ثلاثة آلاف فيهم أعيان الصحابة من المهاجرين و الأنصار بقيادة أسامة، و قال: سر الي مقتل أبيك بمؤتة بمشارف الشام، و اشتد مرض النبي في أول ربيع الأول، و أمر الصديق بالصلاة و بتنفيذ جيش أسامة، و قال: تشددوا، و تشجعوا، لا تخافوا، و لا ترهبوا، ان الله معكم، فالصديق في أمة محمد مثل يوشع في أمة موسي». و قال (صفحة ز ن): «و اذ اشتد مرضه أمر الصديق أن يصلي بالناس، و بتنفيذ جيش أسامة، و اذ وجد قوة و نشاطا خرج و جلس عن يمين الصديق مقتديا بصلاته، و في سائر الأيام كان يصلي داخل البيت مقتديا به». [ صفحه 173] و نقول: أولا - والصواب أن يقال: سار سيرة صاحب التوراة هذه صاحب القرآن في آخر أيام حياته بعد حجة الوداع لما أنزل عليه: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك و ان لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس) [المائدة / 5]، فنزل بمكان يدعي غدير خم بين مكة و المدينة، و هو اذ ذاك ليس بموضع يصلح للنزول لعدم الماء و الكلأ فيه، و جمع الناس في حر الظهيرة قبل أن يتفرقوا الي بلادهم، و صعد علي منبر من الأحجار فوقها الأحداج، و معه علي و أخذ بضبعيه و رفعهما ليراه الناس و يتحققوه، و قال أمام أعين جميع من حضر - و هم ألوف -: ألست أولي بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلي. قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، و أدر الحق معه حيث دار، فقال له بعض أكابر الصحابة: بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي و مولي كل مؤمن و مؤمنة. ثم أفرد له خيمة، و أمر الناس أن يدخلوا عليه فيبايعوه بامرة المؤمنين، فبايعه الناس رجالا و نساء، و بايعه أزواج النبي صلي الله عليه و آله و سلم [233] و استأذن حسان بن ثابت النبي صلي الله عليه و آله و سلم أن يقول في ذلك شيئا فأذن له، فوقف علي نشز من الأرض، و قال: يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم و أسمع بالرسول مناديا فقال: و من مولاكم و وليكم؟ فقالوا: و لم يبدوا هناك التعاميا الهك مولانا و أنت نبينا و لم تلق منا في الولاية عاصيا فقال له: قم يا علي فانني رضيتك من بعدي اماما و هاديا فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له اتباع صدق مواليا هناك دعا: اللهم وال وليه و كن للذي عادي عليا معاديا [234] . [ صفحه 174] و في ذلك يقول أبوتمام الطائي: و يوم الغدير استوضح الحق أهله بفيحاء ما فيها حجاب ولا ستر أقام رسول الله يدعوهم بها ليقربهم عرف و ينآهم نكر يمد بضبعيه و يعلم أنه ولي و مولاكم فهل لكم خبر؟ [235] . و في ذلك يقول أبوفراس الحمداني: قام النبي بها يوم الغدير لهم و الله يشهد و الأملاك و الأمم [236] . ثانيا: النبي صلي الله عليه و آله و سلم جهز جيشا بعد رجوعه من حجة الوداع لما أحس بالمرض بقيادة أسامة الشاب، و أمره علي وجوه المهاجرين و الأنصار، و منهم الصديق، وقال: سر الي مقتل أبيك بمؤتة، و كان يأمر، وقد اشتد به المرض، بتجهيز جيش أسامة، و يذم من تخلف عنه، ولكن الجيش لم يجهز، و لم ينفذ و بقي معسكرا بالجرف حتي توفي النبي صلي الله عليه و آله و سلم. فلماذا لم يجهز و لم ينفذ؟ فهو قد أخطأ في تمثيل الصديق بيوشع؛ لأن يوشع كان مؤمرا علي الجيش، و الصديق لم يكن مؤمرا، بل كان أسامة مؤمرا عليه، و جيش يوشع جهز و نفذ، و جيش أسامة لم يجهز و لم ينفذ، بل الصواب أن عليا في أمة محمد مثل يوشع في أمة موسي، فكما أقام موسي يوشع لاسرائيل بعده أقام محمد عليا يوم الغدير اماما لأمته بعده، و كما حاربت يوشع زوجة موسي بعده حاربت عليا زوجة محمد بعده. ثالثا: الصواب أنه لم يأمر أحدا بعينه بالصلاة، و انه لما أوذن بالصلاة قال: اني مشغول بنفسي فليصل بالناس بعضهم، فطلبت كلتا زوجتيه أن يأمروا أباها بالصلاة، فلما سمع ذلك تحامل و خرج الي المسجد متوكئا علي علي و الفضل بن العباس [237] و رجلاه تخطان الأرض، و هذا يدل علي أنه خرج في [ صفحه 175] شدة المرض لا أنه وجد خفة، فوجده قد ابتدأ الصلاة، فنحاه عن المحراب، و صلي بالناس جالسا، و لم يبن علي ما مضي من صلاته، و بعضهم أراد الاعتذار عن ذلك، فقال: انه كان مؤتما بالنبي و سائر الناس به مع أن مثل ذلك لم يشرع في الاسلام أما أنه اقتدي بالصديق في صلاته و اقتدي به و هو في حجرته، فمن الأكاذيب الملفقة و النبي أفضل الخلق لا يقتدي بأحد، و الصديق أعظم أدبا من أن يقبل ذلك. رابعا: لينظر الناظر، و ليتأمل المتأمل ما الذي دعاه الي تجهيز الجيوش و هو مريض مشغول بنفسه عن تجهيز الجيوش.

تاويله حديث الغدير بتأويل فاسد

ذكر (في صفحة 190) آية (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم) [الأحزاب / 6]ثم قال: «روت كتب الشيعة عن أئمة أهل البيت: من مات و ترك دينا فعلينا دينه، و الينا عياله، و من مات و ترك مالا فلورثته. و روت كتب الأمة عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أنا أولي بكل مؤمن من نفسه، فمن ترك كلا دينا أو ضياعا فالي و علي، و هذا البيان في معني الولاية اتفقت عليه كتب الشيعة، وكتب الأمة، و هذا أحسن بيان للآية و أسمي معني للولاية، و أشرف وظيفة للنبي، و علي الامام بعده و علي الأمة. ثم هذا أصوب تفسير لحديث غدير خم، و يكون الحديث أسمي شرف لعلي و لأولاده لا يوازيه شرف، و عنده ينقطع الخصام». و قال (صفحة 191): «و الامام و الأمة يقوم مقام النبي في هذه الوظيفة، و من تدين ما يقوت به عياله و مات، فالدين علي الله و علي رسوله كان علي الامام و علي الأمة قضاؤه. روي كتب الشيعة أن النبي قال: أيما مؤمن مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا اسراف فعلي الامام قضاؤه، فان لم يقضه فعليه اثمه و وزره، و الله قد جعل للغارم سهما في آية الصدقات». ثم أعاد ذلك (صفحة 249) علي عادته في التكرير بغير جدوي فقال: [ صفحه 176] «من أقوم ما استجدته و استحسنته ما وافقت فيه كتب الشيعة كتب الأمة صادق الموافقة في معني الولاية في قول الله: (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم) [الاحزاب / 6]فقد روت كتب الشيعة أن النبي كان يقول: أنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فمن ترك دينا أو كلا فعلي، و من ترك مالا فلورثته، و روي الصادق أن النبي قال: أيما مسلم مات و ترك دينا و لم يكن في فساد و لا اسراف، فعلي الامام أن يقضيه، و هذا المعني أعلي و أجمع تفسير للولاية و أشرف وظيفة اجتماعية للنبي و علي الامام بعده، و هذا هو الذي أراد الشارع في حديث غدير خم اذ قال: ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، و هذا شرف لعلي و لكل امام بعده لا يوازيه و لا يقاربه شرف. أما غير هذا المعني فلم يرده النبي الكريم و لا ادعاه الامام علي و لا امام بعده، و لم يجي‌ء في عرف الكتاب و عرف السنة المولي بمعني الرياسة و كل مؤمن مولي مؤمن. (ذلك بأن الله مولي الذين آمنوا و أن الكافرين لا مولي لهم) [محمد / 11]». و نقول: اعتاد مقابلة الشيعة بالأمة لحاجة في نفسه. و قوله تعالي: (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم) ولاية عامة لكل شي‌ء ليس فوقها ولاية، و ليست دونها مرتبة الخلافة و الامامة، و قد ثبتت لعلي بحدث الغدير حيث قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ألست أولي بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلي. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، هذا نص الآية و الحديث لا يحتاج الي تأويل أن تفسير، أما هذه التمحلات التي تمحلها ليخرج الحديث عن منصوصه، و زعمه أنها تقطع الخصام، و ذلك بحمل، أنه أولي بالمؤمنين من أنفسهم، علي أن من مات و ترك دينا فعليه دينه، و زعمه أن هذا البيان اتفقت عليه كتب الفريقين، و أنه أحسن بيان للآية، و أسمي معني للولاية، و أشرف وظيفة اجتماعية للنبي و علي الامام بعده، و أصوب تفسير لحديث الغدير، و أن الحديث يكون أسمي شرف لعلي و أولاده الي آخر هذه الثرثرات و التزويقات، فمما لا يجدي نفعا فعموم أولي بالمؤمنين من أنفسهم ظاهر و ثابت للنبي صلي الله عليه و آله و سلم بالآية و اجماع الأمة، و قد ثبت مثل ذلك لعلي بحديث الغدير. و قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنا أولي بكل مؤمن من نفسه، [ صفحه 177] و من ترك كذا أو كذا فالي و علي لا يخصص الولاية بذلك؛ لأنه انما ذكر شيئا من متفرعاتها و هي باقية علي عمومها، و لا يجوز تفسير الولاية بما يتفرع عليها. و قول أئمة أهل البيت: «من مات و ترك دينا فعلينا دينه و الينا عياله» [238] لا يدل علي تخصيص ولايتهم بذلك، بل هذا بعض لوازم الولاية العامة، و من أدلتها علي أنه اذا كان قضاء الدين علي النبي، و علي الامام، و علي الأمة، فأي شرف للنبي في ذلك و للامام و لعلي و ولده، فهم في ذلك كسائر أفراد الأمة، و اذا كان ذلك عاما لكل امام بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و لكل الأمة يكون قوله في حديث الغدير: من كنت مولاه فعلي مولاه لغوا و عبثا بل كذبا، فكان اللازم أن يقول: من كنت مولاه فهذا علي و كل امام مولاه، و كل فرد من الائمة مولاه، و اذا كان كذلك؛ فما وجه هذا الاهتمام و جمع الناس في الصحراء و الرمضاء قبل أن يتفرقوا الي بلادهم، و هل يزيد هذا الأمر علي حكم فقهي كسائر الأحكام الفقهية، هذه تأويلات موسي جار الله، و هذه تمحلاته مع أن كون ذلك علي النبي و الامام؛ لأن بيده بيت المال و هو معد لمصالح المسلمين، و من جملتها قضاء دين الغارم، و فيه الزكاة و من مصارفها: قضاء دين الغارم كما تضمنته آية الصدقات، أما أنه علي الأمة فلا وجه له و لا دليل يدل عليه، ولكنه قد شغف بذكر الأمة المعصومة عنده، فهو يدخلها في كل شي‌ء علي أن الذي بيده البيت المال هو النبي و الخليفة بعده، و علي عنده ليس بخليفة بعده، و لا أولاده خلفاء، فمن أين صارت هذه الوظيفة لهم مع أنها للامام و الخليفة الذي بيده بيت المال، فقد دل الحديث علي ثبوت الخلافة لهم، واذا لم يكن بيدهم بيت المال فمن أين يقضون ديون الغارمين من كافة المسلمين؟ فالذي أراده النبي صلي الله عليه و آله و سلم في حديث غدير خم هو الولاية الثابتة له في حياته، و لعلي و الأئمة من ولده بعد مماته، و بذلك تكون الولاية أشرف وظيفة للنبي و للامام بعده، و شرفا لا يوازيه [ صفحه 178] و لا يقاربه شرف، و تخصيصها بقضاء دين الغارم افتراء علي النبي، و علي حديثه، و زعمه أنه لم يجي‌ء في عرف الكتاب و السنة: (المولي) بمعني الرياسة افتراء علي الكتاب و السنة فقوله تعالي: (ذلك بأن الله مولي الذين آمنوا) [محمد / 11]لم لا يكون معناه أنه أولي بهم، و قد نص الكتاب و السنة في حديث الغدير علي أن المولي بمعني الأولي بالمؤمنين من أنفسهم، و أي معني للرياسة أعلي من ذلك و اذا كان نصا فلا يقال انه محل النزاع و اذا استعمل المولي في موضوع بغير هذا المعني فلا يلزم أن يكون في كل موضع كذلك، و لا يكون ذلك عرفا للكتاب و السنة.

حديث جمع النبوة و الامامة لأهل البيت

قال (صفحة د ن): «ان الصديق و الفاروق رويا حديث أن الله أبي أن يجمع لأهل البيت بين النبوة و الخلافة، و تلقته الأمة بالقبول، فان لم تقبله الشيعة فحديث المنزلة في معناه». قال: «و ادخال علي في الشوري لا ينافي؛ لأن عدم استحقاق علي بالارث لا ينافي الاستحقاق بانتخاب الأمة و اختيارها». و نقول: أولا، انهما لم يرويا ذلك حديثا، و انما قال الفاروق وحده لابن عباس - كما يأتي قريبا -: «كرهت قريش أن تجتمع لكن النبوة و الخلافة» [239] فقريش هي التي كرهت ذلك. ما كرهت النبوة حسدا حتي جاء أمر الله و هم كارهون، أما الصديق فلم ينقل عنه ذلك لا حديثا و لا غيره في ما عملناه. ثانيا: قبول الأخبار و عدمه ليس و ساقة عرب اذا لم يقبل خصمنا خبرنا لم نقبل خبره. فحديث المنزلة، اتفقنا نحن و أنت علي صحته، فيلزمك قبوله و حديث الأدباء - ان صح تسميته حديثا - اختلفنا فيه فلا يلزمنا قبوله، و زعمك أن الأمة تلقته بالقبول مع عدم قبول أهل البيت عليهم‌السلام خيار الأمة و أتباعهم له جزاف من القول. [ صفحه 179] ثالثا: اعتذاره عن ادخال علي في الشوري بأن عدم الاستحقاق بالنسب لا ينافي الاستحقاق بالانتخاب، فيه أن حديث الأباء - ان صح - ليس فيه تقييد بالنسب، بل هو عام للنسب و الانتخاب، فاذا كان الله يأبي أن يجعل لهم الخلافة، فكيف تنتخبهم الأمة لها و تفعل ما يأباه الله و هي معصومة عندك؟ و كيف جعلت الأمة الخلافة لعلي بعد عثمان و للحسن بعد علي؟ و خالفت الله تعالي الذي أبي أن يجمع لهم النبوة و الخلافة مع قبولها لما رواه الصديق و الفاروق.

زعمه لم يول النبي و لا الصديق و الفاروق هاشميا

قال (صفحة د ن): «كل قرابة النبي كانت مصروفة زمن النبي عن كل ولاية و عن كل رياسة، و لم يستعمل صلي الله عليه و آله و سلم أحدا من بني‌هاشم أيام حياته، و طلب عمه العباس ولاية، فقال: يا عم نفس تحييها خير من ولاية لا تحصيها، و لم يكن في أعمال الصديق و الفاروق هاشمي؛ لأن القرابة قد صرفت عن أمر الرياسة و الولاية، و لم يكن يعتبر في الاستعمال و الولاة الا الكفاءة و الغناء، و قد كان يقدم في كبار الأعمال بني‌أمية عملا بالعدل، و ابتعادا عن التهمة، و تنزيها لحرم النبوة». و قال (صفحة ن ه): «ان في ذلك رعاية قوة الدولة الاسلامية؛ لأنها في أول الاسلام كانت في قريش، و كانت قريش تكره أن تجتمع في بني‌هاشم النبوة الخلافة، و استشهد بقول عمر لابن عباس: أنتم أهل النبي فما تقول منع قومكم منكم؟ قال: لا أدري، و الله ما أضمرنا الا خيرا. قال: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة و الخلافة، فتذهبوا في السماء بذخا و شمخا، و لو لا رأي أبي بكر في لجعل لكم نصيبا من الأمر، و لو فعل ما هنأكم قومكم أنهم ينظرون اليكم نظر الثور الي جازره». و قال (صفحة و ن): «فراعي شرع الاسلام الذي جاء بالمساواة المطلقة هذه الجهة السياسة فقطع كل القطع حق البيت الهاشمي بالارث، فلم يبق له حق الا مثل حق كل فرد من الأمة». و نقول: يكذب قوله أن النبي لم يستعمل أحدا من بني هاشم أنه ولي عليا [ صفحه 180] علي اليمن أيام حياته، و جعل اليه قضاءها، و ولاه علي الجيش المرسل اليها، و علي الجيش المرسل الي ذات السلاسل، و ولي أخاه جعفرا رياسة المهاجرين الي الحبشة، و ولاه أيضا علي جيش مؤتة، وامارة الجيوش أهم أمارة، و اذا كان لم يول عمه العباس - ان صح ذلك - علي ولاية رأي أنه لا يحصيها فليس معناه أنه صرف كل ولاية عن بني‌هاشم. و أما الصديق و الفاروق فنحتاج الي الاعتذار عنهما في عدم تولية بني‌هاشم، و لم يأت هو بعذر مقبول، و اذا كان الصديق و الفاروق لم يوليا هاشميا فقد ولاهم أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب ولي عبدالله بن العباس البصرة، و أخاه قثما مكة، و أخاهما عبيد الله اليمن، و تماما أخاهم المدينة لما خرج لحرب الجمل، فهل كان مخطئا في ذلك و غيره مصيبا؟! ثانيا: قوله: «لم يكن يعتبر في الاستعمال الا الكفاءة» مناقض لقوله ان القرابة قد صرفت عن أمر الرياسة و الولاية؛ اذ معناه أنها قد صرفت، و ان كان فيها كفاءة و غناء؛ للعلة المتقدمة، و لو كانت الكفاءة هي المدار لم يكن في الناس كفؤ لعلي بن أبي‌طالب الذي شهد له الخليفة بأنه ان وليهم ليحملنهم علي المحجة البيضاء، و الطريق الواضح، و لا لعبدالله بن عباس. ثالثا: قوله: «و قد كان يقدم في كبار الأعمال بني‌أمية عملا بالعدل» «الخ» فيه أن تأخير غيرهم خلاف العدل، و ليسوا في الكفاءة فوق غيرهم و لا مثلهم، اللهم الا أن يكون الوليد بن عقبة الذي ولي الكوفة في عهد الخلافة الراشدة، و شرب الخمر، و صلي الصبح بالناس في مسجد الكوفة و هو سكران ثلاث ركعات و تقيأ الخمر في محراب المسجد، فكان في توليته و أمثاله عمل بالعدل، و ابتعاد عن التهمة، و تنزيه لحرم الاسلام، و أي تنزيه. و تولية بني أمية كبار الأعمال نجم عنها مفاسد عظيمة في الاسلام، منها حرب صفين، و شق عصا المسلمين، و تفريق كلمتهم، و غير ذلك مما استطار شرره، و بقي أثره الي آخر الدهر. و تولية الأكفاء ليس في تهمة و لا ما ينافي تنزيه حرم النبوة من أي قبيلة كانوا، و كان الأولي به ترك هذه التعليلات العليلة السخيفة، و عدم اشغالنا و تضييع وقتنا بردها، و عدم اضطرارنا الي كشف ما لا نود كشفه. [ صفحه 181] رابعا: قوله: «ان في ذلك رعاية قوة الدولة الاسلامة لأنها في أول الاسلام كانت في قريش» فيه أن قوتها لم تكن في أول الاسلام في قريش، بل في الأنصار أو فيهم و في المهاجرين. خامسا: قوله «كانت قريش تكره أن تجتمع في بني‌هاشم النبوة و الخلافة» فيه أن قريشا و في أولهم بنو أمية كانوا يكرهون نبوة بني‌هاشم لا اجتماع النبوة و الخلافة فيهم فقط، و اذا كانت الخلافة كالنبوة بأمر الهي لا باختيار الأمة لاشتراطها بالعصمة التي لا يعملها الا الله (لا ينال عهدي الظالمين) [البقرة / 124]و العاصي ظالم لنفسه كما فصل في محله و ليس لرضا قريش و عدم رضاها أثر في ذلك، قال الشاعر: زعمت سخينة أن ستغلب ربها و ليغلبن مغالب الغلاب [240] . فاذا كانت قريش تكره أن تجتمع لبني هاشم النبوة و الخلافة حسدا و بغضا؛ لأنهم قاتلوهم علي الاسلام، فصاروا ينظرون اليهم نظر الثور الي جازره لم يكن ذلك مانعا لهم من استحقاق الخلافة، و يكون الوزر في تأخيرهم عنها علي قريش، و هذا اعتراف بأن تأخيرهم عن الخلافة كان حسدا و بغضا، و أن كونهم أهل النبي صلي الله عليه و آله و سلم من موجبات استحقاقهم لها. سادسا: كلام الخليفة لابن عباس الذي استشهد به هنا يدل علي أن ذلك من كلام الخليفة، و هو الصواب، و هو قد جعله سابقا حديثا. سابعا: قوله «فراعي شرع الاسلام» «الخ» افتراء منه علي الشرع الاسلامي كما يعلم مما مر مع أنه مناف لقوله السابق: ان الله صرف الدنيا، و الخلافة عنهم اكراما لهم، و تبرئة للنبوة، و اذا كان الشرع الاسلامي جاء بالمساواة المطلقة، فلماذا حصر الامامة في قريش و احتج به المهاجرون علي الأنصار يوم السقيفة؟ و هل حصرها في قريش الا كحصرها في بني‌هاشم أو في علي و ولده؟ و الخلافة لم يقل أحد من المسلمين انها بالارث، ولكنه يخبط خبط عشواء. [ صفحه 182] و قال (ص 225): «و كذلك الشأن في الشرائع السابقة فان موسي حرم كل أقاربه من ميراثه في حقوقه، و وظائفه، و ورثه فتاه يوشع بن نون. دعا سليمان - بلسان شريعة التوراة -: (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) [ص / 35]. لم يكن هذا الملك ينبغي لأحد من ورثته بالنسب. و دعا زكريا فقال: (فهب لي من لدنك وليا يرثني و يرث من آل يعقوب و اجعله رب رضيا) [مريم / 5 و 6]. و معلوم أن ارث نبي الأمة وارث كل الأمة لا يكون بنسب الأبدان، بل بنسب الأرواح. ثم لما عاين ما لمريم من عند الله زاد رجاؤه (هنالك دعا زكريا ربه قال هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء) [آل عمران / 38]كل هذه بنسب الأرواح لا مجرد نسب الأبدان». و قال (ص 226): «فيا ليت لو أن السادة الشيعة قبلت اليوم الحق الذي وقع بارادة الله و رضي نبيه، و الا يجب أن يكون شأن النبي و شأن دينه الحكيم أقل و أهون عند الله من شأن زكريا و دعائه، و أن يكون شأن أهل البيت في الارث بعد النبي أقل و أذل من شأن غلام زكريا في ارثه اياه و آل يعقوب». و نقول: هذا الرجل قال في ما يأتي في حرما الزوجة من الأرض أن الشيعة انتحلت ذلك من الأناجيل و التوراة، و بينا هناك بطلان قوله، و نراه لا يزال ينتحل من الأناجيل و التوراة و يستند الي شريعتهما، و يستشهد بأحكامهما، كما فعله هنا و لا يبالي بالتناقض في كلامه و هذه النغمة في حرمان أهل البيت عليهم‌السلام من خلافة جدهم كما حرم ذرية موسي و أقاربه قد تكررت منه علي عادته بغير فائدة و فندناها في ما سبق. و نقول هنا: ان الله تعالي قد جعل هارون وزيرا لأخيه موسي، و شد به أزره، و أشركه معه في النبوة، و لو بقي بعده لكان نبيا كما مر في حديث المنزلة. و هو يبطل زعمه أن أقارب الأنبياء و عشائرهم محرومة من حقوق نبوتهم، و سليمان طلب ملكا لا ينبغي لأحد من بعده لا من ذريته و لا من [ صفحه 183] غيرهم، ملا بالنسب و لا بالروح، فلا ربط له بما أراده. و زكريا هل كان وليه الذي سأله ولدا بنسب الأرواح، لا بنسب الأبدان؟ و هل كانت الذرية التي طلبها روحية فقط لا بدنية؟ و كونه لما رأي ما لمريم من عندالله زاد رجاؤه لا يجعل ابنه يحيي وليا بنسب الأرواح لا الأبدان. و هكذا كل أدلة هذا لرجل تكون عليه لا له. و من الطريف قوله: «معلوم أن ارث نبي الأمة و كل الأمة بنسب الأرواح لا الأبدان»، فان كونه بنسب الأرواح لا يمنع أن يجتمع معه نسب الأبدان علي أن الشرف الحاصل بنسب الأبدان و طهارة الطينة و الأصل له كل لمدخلية في هذا الارث. مع أنه اذا انحصر ارث نبي الأمة بنسب الأرواح فكيف انحصر ارث الأمة بذلك؟ و أطرف من ذلك قوله: و كل هذه نسب الأرواح لا مجرد نسب الأبدان. فمتي قلنا أو قال أحد في الكون ان آل محمد عليهم‌السلام ليس بينه و بينهم الا نسب الأبدان، كلا بل هم أشبه الخلق به هديا و طريقة و خلقا و في جميع أطواره و أحواله و أخلاقه و أفعاله، فقد جمعلوا نسب الأبدان و نسب الأرواح علي أكمل وجوههما كما جمعها يحيي بن زكريا، و لا ندري و لا المنجم يدري لماذا يلزم أن يكون شأن النبي و دينه أهون عندالله من شأن زكريا و دعائه الي آخر ما لفقه اذا لم تقبل الشيعة بما زعم أنه وقع بارادة الله و رضا نبيه - و هما بريئان منه - و قد عرفت أن استشهاده بأمر زكريا عليه لا له.

من الذي قدمه النبي بعده

قال (صفحة و ن): «لم يتول الأمر بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم لا عمه، و كان أعقل قريش و أسودها و لا أبناء عمه، و كل قد كان كفؤا و أهلا، فكان هذا برهانا علي أنه لم يكن يطلب ملكا حيث لم يقدم بعده أحدا بقرب نسب، بل انما قدم من قدم بالايمان و التقوي و الكمال و الغناء. و نقول: بل قدم بعده من قدمه يوم الغدير و يوم نزلت (و أنذر عشيرتك الأقربين) [الشعراء / 214]فجمعهم و قال لعي: أنت أخي و وصيي و خليفتي فيهم، [ صفحه 184] رواه الطبري باسناده في التفسير [241] و التاريخ [242] و رواه غيره، و من لا يوازيه عمه في فضل و لا يدانيه سواء أكان أسود قريش و أعقلها أم لم يكن، واذا قدم من هو أهل للتقديم لم يدل ذلك علي أنه يطلب ملكا سواء أكان اذا نسب قريب أم لا و أصحابك يقولون: انه لم يقدم أحدا و انما اختارت الأمة لنفسها، فكيف تقول انما قدم من قدم؟ و اذا كان التقديم بما ذكرت من الصفات فليس أحق بها ممن قدمه يوم الغدير و يوم أنذر عشيرته الأقربين!

ما ذكره من فضائل الصديق

قال (صفحة ز ن): «ان للصديق فضائل في الجاهلية: له عشيرة تحميه، و مال، كان محبوبا. و في الاسلام بالسبق الي أمور: الاسلام، الانفاق، الجهاد، عتق العبيد، بناء المساجد، الهجرة، تزويج ابنته، جمع القرآن، الذي يؤتي محاله يتزكي؛ العلم بأحوال العرب و أنسابها، خدمة النبي، آمن الناس عند النبي، الحزم و الفراسة به صار وزيرا للنبي في كل أموره». و نقول: كان الأولي به ذكر فضائل الصديق الحقيقية، أما اضافة فضائل اليه لا حقيقة لها فذلك مما لا يرضي الصديق بل يغضبه، فالعشيرة و المال مع كثرة المشاركين لا ينبغي أن يحسبا من الفضائل، مع أن المال لم يتحقق، فان المنقول أنه كان في الجاهلية ينادي علي مائدة عبدالله بن جدعان بأجرة. و السبق الي الاسلام لعلي وحده، أسلم و لم يكن يصلي الله تعالي علي وجه الأرض غير ثلاثة هو أحدهم، و الآخران: الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و خديجة. و الانفاق كان لخديجة و بعد موتها من مالها الموروث. و الجهاد الكامل كان لعلي وحده في كل موقف، و لم يسمع عن الصديق أنه قتل أحدا و هجرته كانت في استخفاء مع النبي صلي الله عليه و آله و سلم و غلام أبي بكر عامر بن فهيرة، و دليلهم المستأجر عبدالله بن [ صفحه 185] أريقط الليثي، و هو مشرك و لما لحقهم سراقة بن مالك، و هم أربعة أحدهم النبي صلي الله عليه و آله و سلم يكي أبوبكر، فقال له النبي صلي الله عليه و آله و سلم: مالك تبكي؟ قال: ما علي نفسي أبكي ولكن عليك يا رسول الله. قال: لا عليك فدعا علي سراقة فغاصت قوائم فرسه في الأرض فطلب أن يدعو له بخلاصه فدعا له فرجع. [243] و علي كانت هجرته بالفواطم ظاهرا و معه أبوواقد الليثي، و أيمن ابن أم أيمن، فلحقهم ثمانية فوارس، فقتل علي مقدمهم، و عاد عنه الباقون [244] و تزويج ابنته هو الذي قلنا عنه انه لا يرضي الصديق عده من فضائله، فقد تزوج النبي بنت حيي بنت أخطب. و أفضل منه تزويج ابنته التي رد عنها غيره و لم يكن لها كفؤ سواه. و القرآن جمعه مع تأويله علي بن أبي‌طالب. و العلم بأحوال العرب و أنسابها علم لا يضر من جهله و لا ينفع من علمه، كما قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في من رآه في المسجد في حلقة و قيل عنه انه علامة لعلمه بذلك و نحوه [245] و خدمة النبي لم يكن أقوم بها من علي الذي لازمه صغيرا و كبيرا و ربي في حجره. و آمن الناس عند النبي صلي الله عليه و آله و سلم هو الذي أدي أماناته يوم الهجرة كما أوصاه، أقام مناديا بالأبطح: ألا من كانت له أمانة عند محمد فليأت تؤد اليه أمانته، و أتمنه علي الفواطم فهاجر بهن من مكة الي المدينة، و لم يأتمن علي ذلك غيره، وأتمنه علي أداء سورة براءة. و الوزارة في كل أموره ليست لسوي علي بنص حديث المنزلة الذي اعترف بصحته و آية: (و اجعل لي وزيرا من أهلي) [طه / 29]و باقي ما ذكره اما مشارك فيه مع زيادة أو ليس له كثير أهمية. و بعدما ذكر (في ص 41) أحاديث نقلا عن الوافي لا يعلم مقدار صحة أسانيدها و ضعفها عند الشيعة لا ترتبط بالعقيدة، فلا نطيل بنقلها و الكلام [ صفحه 186] عليها، و أحاديث تتعلق بيومي الغدير و الغار لا يعلم أيضا مبلغ صحتها و ضعفها، و ليس كل ما في الكتب سواء أكانت من الأمهات أم غيرها يمكن الجزم بصحته. و هل يمكن لأية فرقة أن تجزم بصحة جميع اخبار كتبها، و العهد بعيد و الرواة انما يعتمد في توثيقهم و تعديلهم علي الظنون التي كثيرا ما تخطي‌ء، و علي أقوال أقوام يجوز عليهم الخطأ و الاشتباه. تكلم بعد ذلك (في ص 43) علي آية الغار فقال: «ان كان اله ثالث الاثنين فالي أين تبلغ رتبة الأول. فان كان ارتعد خوفا علي حياة النبي فان كان أنزل سكينة الله علي هذا الأول، و أيد الله هذا الأول و نبيه بجنود لم يرها أحد من قريش غير الأول، فهل نال أحد من خلق الله مثل هذا الشرف، و هذا الثناء الجليل». و نقول: كان عليه أن يقتصر علي فضائل الصديق المسلمة و لا يستدل عليها بما لا دلالة فيه مما لا يرضي به الصديق، فان كون الله تعالي ثالث الاثنين لا يستدل به علي فضل واحد من الاثنين، فقد قال تعالي: (ما يكون من نجوي ثلاثة الا هو رابعهم) [المجادلة / 7]الي قوله: (و لا أدني من ذلك و لا أكثر الا هو معهم أينما كانوا) [المجادلة / 7]فهذا يشمل كل متناجين مهما كانت صفتهم، و كون الله معهم لا يدل علي فضيلتهم، و قوله:(و ان الله معنا) [التوبة / 40]دال علي أنه لا يصل اليهما سوء من الذين قصدوهما، و انما قصدهم الأصلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم لا سواه فالله قد أخبر أنه سيدفع الضرر منهم عن النبي و من اللفظ ان لم يظهر خلافه، و هو اختصاصها بالرسول صلي الله عليه و آله و سلم و كون الرسول غير محتاج اليها و انما احتاج اليها من ارتعد ينافيه قوله في مقام آخر: (فأنزل الله سكينة علي رسوله و علي المؤمنين) [التوبة / 26]مما دل علي أنا النبي محتاج الي انزال السكينة عليه، و ليس مقام أدعي الي الخوف و الاضطراب من مقام الغار، فاذا احتاج الي انزال السكينة عليه في غيره، فهو فيه اليها أحوج، و قوله و أيده الله و نبيه ينافيه افراد الضمير، و لو أراد ذلك لقال: و أيدهما، و قوله له يرها أحد من قريش غيره حاشية للقرآن الكريم ليست فيه. [ صفحه 187] قال (صفحة ز ن): «و النبي و ادع أمته في حجة الوداع، و كانت الصحابة تسأله عن كل حال ثم يسأله أحد عمن يخلفه بعده لأن الخليفة بعده كان معلوما عند كل أحد منهم». و نقول: ان كانوا لم يسألوه فهو قد ابتدأهم و أخبرهم عمن يخلفه بعده يوم نزلت (و أنذر عشيرتك الأقربين) [الشعراء / 214]ثم يوم الغدير، ثم في مرض موته، حين قال: آتوني بدواة و كتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فقال بعضهم: حسبنا كتاب ربنا و قال: انه يهجر قد غلبه المرض [246] ، و هذا ينافي أن يكون الخليفة معلوما عند كل أحد أو يدل علي أنه غير من يريدونه، و اذا كان الخليفة معلوما عند كل أحد، فما بال الاجتماع في سقيفة بني ساعدة و قول الأنصار أو بعض الأنصار لا نبايع الا عليا في ما رواه الطبري. [247] ثم قولهم: «منا أمير و منكم أمير» و احتجاج المهاجرين عليهم بأنهم عشيرة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قومه، و كان يلزم أن يقولوا لهم ان الخليفة معلوم عند كل أحد، و اجتماع بني هاشم و معهم الزبير في بيت فاطمة، و ضرب سيف الزبير بالحائط و كسره، و نفي سعد الي حوران. هذا يدل اما علي أنه لم يكن معلوما عند كل أحد، أو كان معلوما و خولف، و هذا ينافي ما يدعيه من عصمة الأمة أو عدالتها علي الأقل. قال (صفحة ز ن): «فقد أرشد أمته الي اختيار الأحق من غير أن يحرم الأمة من حقوق انتخابها امامها فقدمت الأمة خليفة رسول الله تقديم اجماع». و نقول: أولا: كونه أرشد أمته الي اختيار الأحق و كونه كما مر قدم من قدم بالايمان و التقوي، و كون الخليفة كان معلوما عند كل أحد يناقض عدم حرمان الأمة من حق الانتخاب مناقضة ظاهرة، فاذا كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم قدم شخصا معينا معلوما عند كل أحد أنه الخليفة وجب التسليم لأمر النبي صلي الله عليه و آله سلم، و لم يجز [ صفحه 188] انتخاب غير من قدمه و عينه، و ذلك حرمان للأمة من حق انتخاب امامها. ثانيا: الله تعالي و رسوله أعلم بمن يصلح للخلافة أم الأمة؟ الثاني باطل قطعا، فان كان الأول لزم أن يرشد الله تعالي الأمة رحمة بها بواسطة نبيه الي من يصلح للخلافة، و يعينه لها و لا يوكل أمر انتخابه اليها في تشتت أهوائها و اختلاف نزعاتها، و هل وقعت الحروب و الفتن و المفاسد في الاسلام الا من هذه الانتخابات. ثالثا: كيف يكون اجماعا من خرج منه بنوهاشم كافة و الزبير، و سعد بن عبادة، و من تابعه من الأنصار، هذا ان لم نعتد برأي سائر المسلمين خارج المدينة الذين لم يؤخذ رأيهم و لا يمكنهم الخلاف بعد انعقاد الأمر، و لله در مهيار حيث يقول: و كيف صيرتم الاجماع حجتكم و الناس ما اتفقوا طعا و لا اجتمعوا أمر علي بعيد عن مشورته مستكره فيه و العباس يمتنع و تدعيه قريش بالقرابة و الأ نصار لا خفض فيه و لا رفع فأي خلف كخلف كان بينكم لولا تلفق أخبار و تصطنع [248] .

زعمه عدم النص علي الامام

قال (صفحة ح ن): «و لو فرض محالا وجود نص بالامامة لحرم علي من له النص أن لا يقوم بها و لا متنع امتناعا عاديا خفاء هذا النص علي أحد. و علي ترك الامامة، و الامام الحسن تركها، و كل امام بعد الحسين تركها، و كله يبطل دعوي وجود النص لعلي و أولاده من السيدة فاطمة.» و نقول: الواجب علي من له النص القيام بالامامة حسب جهده، و طاقته، و هذا قد حصل. أما القيام بها علي كل حال فلو حرم علي من له النص أن لا [ صفحه 189] يقوم بها مع خوفه لحرم علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم التخفي بعبادة ربه في أول البعثة أحيانا. و لحرم علي هارون أن يقول: (ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني) [الأعراف / 150]و لحرم علي لوط أن يقول: (لو أن لي بكم قوة أو آوي الي ركن شديد) [هود / 80]. و أما هذا النص فلم يخف علي أحد و علي و ولده لم يتركوا الامامة، فهم أئمة أطيعوا أم عصوا، و الأنبياء التي كذبتها أممها و لم يتبعها الا قليل منها لا يقال انها تركت نبوتها، و ليست الامامة هي الحكم و السلطنة.

ما ذكره من فضائل الفاروق

ذكر (في صحفة ن ط) فضائل الفاروق، فلم يقتصر علي فضائله الحقيقة، بل أضاف اليها ما اعترف الفاروق نفسه بنفيها عنه كما فعل عند ذكر فضائل الصديق. مثل أنه كان يري رأيا، فيقبله النبي، و يوافقه الله من فوق عرشه، مع أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يقبل رأيه في أساري بدر و في الصلاة علي ابن أبي و في بعض من رأي قتلهم كما فصلته كتب التواريخ و الآثار، و مثل كونه أفقه الصحابة و أعلم الصحابة في زمنه و هو يقول: كل اناس أفقه منك حتي المخدرات، و يقول: لولا علي لهلك عمر: ثم قال: ان الصديق استخلفه بعهد منه. و هذا حرمان للأمة من حق انتخابها امامها، و قد سبق منه أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يشأ أن يحرم الأمة من حقوق انتخابها امامها، فكيف خالفه الصديق.

زعمه عصمة الخلافة الراشدة

قال (صفحة س): «نحن فقهاء أهل السنة و الجماعة نعتبر سيرة الشيخين أصولا تعادل سنن النبي الشارع في اثبات الأحكام الشرعية، و نقول: الخلافة الراشدة معصومة عصمة الرسالة المعصومة». و نقول: اولا: ادخاله نفسه في فقهاء من تسموا بأهل السنة و الجماعة، و فقهه هذا المزعوم أدي به الي مخالفة اجماع المسلمين في عدة مواضع، أشرنا الي بعضها في ما مضي و الي بعضها في في ما يأتي من هذا الكتاب، منها تشريك ولد الولد مع الولد في الميراث. [ صفحه 190] ثانيا: كون سيرة الشيخين تعادل سنة النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و كون الخلافة الراشدة معصومة يحتاج الي اثبات، و لم يأت عليه بدليل سوي مجرد الدعوي. نعم، اذا ادعي ذلك في حق علي بن أبي‌طالب كان له وجه لآية الطهارة و قول النبي: اللهم أدر الحق معه كيفما دار، علي مع الحق و الحق مع علي يدور معه كيفما دار، و حديث الثقلين، و قول علي: سلوني قبل أن تفقدوني «الخ» و لم يستطع أحد أن يرد عليه. ثالثا: نسبته ذلك الي جميع فقهائهم؛ لم نجد له موافقا عليه. رابعا: هذه الدعوي لم يدعها أصحاب الخلافة الراشدة أنفسهم، فقال أحدهم: ان لي شيطانا يعتريني، و قال الآخر: كل الناس أفقه منك، و لولا علي لهلكت [249] و كل ذلك اعتراف بعدم العصمة. خامسا: جعله سيرة الشيخين كسنة النبي صلي الله عليه و آله و سلم يناقض جعل الخلافة الراشدة معصومة كعصمة الرسالة، فان الخلافة الراشدة يراد بها خلافة الخلفاء الأربعة، فاذا الخلفاء الأربعة كلهم معصومون، و أحدهم علي بن أبي‌طالب، و هو لم يرض أن يبايعه عبدالرحمن بن عوف علي الكتاب و السنة و سيرة الشيخين، بل علي الكتاب و السنة فقط، فاذا عصمة الخلافة الراشدة تثبت عدم عصمة الخلافة الراشدة. سادسا: الناس قد شككوا في عصمة الأنبياء، فكيف بالخلافة الراشدة؟!

ما جري بين الصحابة

قال (صفحة ا س): «و تعد من لغو الكلام و سقطة القول الكلام في ما جري بين الصحابة زمن الخلافة الراشدة». و نقول: ان لزمنا الاعراض عما جري بين الصحابة لم يختص ذلك بزمن [ صفحه 191] الخلافة الراشدة كما ادعاه؛ فان العدالة و الاجتهاد قد ادعيا لجميعهم حتي قال القائل: و نعرض عن ذكر الصحابة فالذي جري بينهم كان اجتهادا مجردا ولكننا نود أن يرشدنا الي الدليل الذي سبب هذا الحجر علي العقول، و الألسنة، و الأقلام. و نري الصحابة أنفسها لم تعرض عن الخوض في ما جري بينها و هم قدوة بأيهم اقتدينا اهتدينا. و هو نفسه لم يعرض عن القول في ما جري بين الصحابة زمن الخلافة الراشدة، فلام عليا و المهاجرين و الأنصار في مقتل عثمان، و لام أباذر في سلوكه مع عثمان كما مر و يأتي.

الشوري

قال (صفحة ا س): «عثمان أول خليفة انتخب بعد مشاورة تامة و استقصاء آراء من حضر بالمدينة.و قد كان العباس قال لعلي: لا تدخل في الشوري ان اعتزلت قدموك، و ان ساويتهم تقدموك، و لم يقبله، و ان كان العباس أنفذ نظرا و أقوي حدسا يري الأمور من وراء الستور.و كان علي يعلم أنه لا يستحق الأمر بالارث فدخل لعله يناله بالانتخاب، و كاد ينتخب لو أنه قبل الشرط الذي عرضه له ابن‌عوف و الشرط كان معقولا به يندفع خوف قريش من البيت الهاشمي علي العرب، و الا فلم يكن أحد ينكر فضل علي و كفاءته لكل أمر عظيم». و نقول: أولا: المشاورة لم تكن الا بين هؤلاء الستة، و سائر من بالمدينة لم تؤخذ آراؤهم، انما حضر مع الستة بعضهم و ليس له رأي. نعم، يقال ان عبدالرحمن شاور أهل المدينة، ولكن من الذي يضمن لنا أنه أخذ بما أشاروا به، أو أن آراءهم لم تكن متناقضة. ثانيا: المتأمل في أمر الشوري، اذا جرد نفسه من التقليد، يعلم أنه لم يكن المقصود من الشوري الشوري، بل تثبيت خلافة عثمان بطريق قانوني محكم. فالشوري جعلت بين ستة: علي، و عثمان، و طلحة، و الزبير، و سعد، [ صفحه 192] و عبدالرحمن بن عوف. و قال الخليفة: ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مات و هو عنهم راض، ثم ذكر لكل واحد منهم عيبا، فقال لعلي ما معناه: انه ان وليهم ليحملنهم علي الطريق الواضح و المحجة البيضاء الا أن فيه دعابة، و قال لعثمان: ان وليهم ليحملن آل أبي معيط علي رقاب الناس. و جعل العبرة بأكثرية الأصوات، فان تساوت رجح الفريق الذي فيه عبدالرحمن بن عوف، فان اتفق الأكثر أو من فيهم عبدالرحمن علي واحد و خالف الباقون، قتل المخالف، و ان مضت ثلاثة أيام و لم يتفقوا علي واحد قتل الستة و ترك المسلمون يختارون لأنفسهم، و لسنا بصدد نقد الشوري من جميع نواحيها، بل بصدد بيان أن المقصود منها تثبيت خلافة عثمان بوجه قانوني؛ فانه كان من المعلوم أن عليا لا تكون معه الأكثرية، بل اما أن يكون معه صوتان فقط أو نصف الأصوات؛ لأن المتيقن أن من يكون معه هو الزبير وحده أو شخص آخر فقط، و معلوم أن عبدالرحمن هواه مع عثمان فلا يمكن أن يختار عليا عند تساوي الأصوات، و رجوع الأمر اليه، ثم لما رجع الأمر اليه أراد عليا أن يبايعه علي كتاب الله و سنة رسوله، و سيرة الشيخين، فلم يقبل علي الا علي كتاب الله و سنة رسوله، و قبل عثمان، فهل كان ابن عوف يرتاب في أن عليا لا يقبل الا بالكتاب و السنة فقط، و هل كان يشك في أن عثمان لا يمتنع من قبول سيرة الشيخين؟! هذه هي الشوري. ثالثا: كون العباس أنفذ نظرا و أقوي حدسا من علي ليس بصواب. ان نسب الي علي أن قال عنه أنه يري الأمور من وراء الستور، و قوله و ان اعتزلت قدموك يصعب التصديق بأنه رأي مصيب، فكيف يقدمونه مع الاعتزال، و لا يقدمونه مع الدخول؟ بل الحق أنه مع الاعتزال مقطوع بعدم تقديمه أما مع الدخول فمحتمل. رابعا: لم يقل أحد و لم يتوهم أحد أن عليا كان يستحق الأمر بالارث، و قد كرره في كلامه في عدة مواضع و هو من لغو الكلام، و انما كان يعلم أنه يستحقه بالنص عليه، و انما دخل لأن للمرء أن يتوصل الي حقه بكل وسيلة. [ صفحه 193] خامسا: عقل علي بن أبي‌طالب كان أكبر من عقله، و كان يعلم أن هذا الشرط غير معقول، و لا يمكنه الأخذ به؛ لأن سيرة الشيخين ان واقفت الكتاب و السنة أغنيا عنها و ان خالفتهما قدما عليها، و ان كانت فيما لم يرد فيه شي‌ء في الكتاب و السنة كان باب مدينة العلم أعرف بوجوه استنباط حكمه منهما، و لذلك أضاف اليهما - كما في بعض الروايات - و اجتهاد رأيي. سادسا: ان قريشا لم تكن تخاف من البيت الهاشمي علي العرب و لا علي العجم، و انما كانت تحسد البيت الهاشمي و تعاديه، و هذا الذي دعاها الي صرف الأمر عنه مع كونها تعرف فضل علي و كفاءته لكل أمر عظيم، و كيف تخاف قريش ممن يقول: «و لله لو أعطيت الأقاليم السبع بما تحت أفلاكها علي أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت» [250] ، نعم ربما كانت تخاف عدله و مساواته.

زعمه لم يكن في القرن الأول من يقدم عليا في الخلافة

قال (صفحة ب س): «لم يكن في القرن الأول أحد يدعي أن عليا أولي بالخلافة و الأمر، و لم يدع علي لنفسه الأولوية، و تقديم بيت النبوة دعوي دخيلة أدخلها أهل المكر الذين تظاهروا بالاهتداء كيدا و لم يكن أحد وصيا لنبي في أمته». و نقول: ما أكثر القائلين بذلك و المدعين له. منهم الصديق الذي قال: «أقيلوني فلست بخيركم و علي فيكم»، و منهم بنوهاشم كافة، و منهم الاثنا عشر الذين خالفوا يوم السقيفة ذكرهم الطبرسي في الاحتجاج [251] ، و من جملتهم خزيمة بن ثابت ذوالشهادتين، و من قوله: ما كنت أحسب أن الأمر منصرف عن هاشم، ثم منه عن أبي‌حسن! أليس أول من صلي لقبلتكم و أعلم الناس بالقرآن و السنن [ صفحه 194] و أقرب الناس عهدا بالنبي و من جبريل عون له في الغسل و الكفن من فيه ما فيهم لا يمترون به و ليس في القوم ما فيه من الحسن ماذا الذي ردهم عنه فنعمله ها أن ذا غبن من أعظم الغبن [252] . و في جملتهم سلمان الفارسي الذي قال: «كرديد و نكرديد». و من جملتهم أبوالهيثم بن التيهان، و كان بدريا، كان يقول يوم الجمل كما في شرح النهج لابن أبي‌الحديد: قل للزبير و قل لطلحة: اننا نحن الذين شعارنا الأنصار ان الوصي امامنا و ولينا برح الخفاء و باحت الأسرار [253] . و منهم الأنصار أو بعض الأنصار، قال الطبري في تاريخه: «قالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع الا عليا» [254] ، و منهم الزبير الذي كان مع علي حتي شب ابنه عبدالله، و قال ابن أبي الحديد في أوائل شرح نهج‌البلاغة: «ان القول بتفضيل علي قول قديم، و قد قال به كثير من الصحابة و التابعين. فمن الصحابة: عمار، و المقداد، و أبوذر، و سلمان، و جابر بن عبدالله، و أبي بن كعب، و حذيفة، و بريدة، و أبوأيوب، و سهل و عثمان ابنا حنيف، و أبوالهيثم بن التيهان، و خزيمة بن ثابت، و أبوالطفيل عامر بن واثلة، و العباس بن عبد المطلب، و بنوهاشم كافة، و بنو المطلب كافة، و كان الزبير من القائلين به في بدء الأمر. و كان من بني‌أمية قوم يقولون بذلك منهم: خالد بن سعيد بن العاص، و منهم عمر بن عبدالعزيز». [255] . [ صفحه 195] أما علي فقد بلغت دعواه للأولوية عنان السماء و ملأت شكواه الفضاء. و حسبك بالخطبة الشقشقية التي لأجلها أنكر نهج‌البلاغة كله أو بعضه، و كيف لا يدعي لنفسه الأولوية، و هو لم يبايع الا بعد وفاة الزهراء. و أما تقديم بيت النبوة فقد علم مما مر أنها دعوي قديمة، صحيحة، أصيلة، لا دخيلة، ادعاها جمع من أكابر الصحابة و التابعين. و أن دعوي كونها دخيلة أدخلها أهل المكر كيدا، هي دعوي دخيلة أدخلها أهل المكر وعلماء السوء كيدا لأهل البيت عليهم‌السلام و أتباعهم، فزعموا أن أصلها من الفرس الذين دخلوا في الاسلام بقصد الكيد للاسلام الذي ثل عروش ملكهم. و هذا الزعم واضح الفساد، فهي موجودة في صدر الاسلام من أكابر المسلمين قبل أن يدخل الفرس في دين الاسلام. و الفرس و غيرهم من العجم الذين دخلوا في الاسلام كان دخولهم فيه عن بصيرة و معرفة و صدق نية، و جل علماء من تسموا بأهل السنة في كل فن هم من العجم، فمن هم من غير العرب الذين دخلوا في الاسلام و أظهروا التشيع كيدا للاسلام نبئونا بهم ان كنتم صادقين؟ أما نفي الوصاية عن جميع الأنبياء، فلم يأت عليها بدليل، فهي مردودة عليه، بل بكل نبي وصي بالنقل و العقل: أما النقل، فوري ابن‌بابويه في كتاب اكمال الدين بسنده عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم في حديث، قال: أوحي الله الي آدم أن أوص الي شيث فأوصي اليه، و هو ابنه هبة الله، و أوصي شيث الي ابنه شبان، و شبان الي مجلث، و مجلث الي محوق، و محوق الي غتميشا، و غتميشا الي أخنوخ و هو ادريس، و ادريس الي ناخور، و دفعها ناخور الي نوح، و أوصي نوح الي سام، و سام الي عثامر، و عثامر الي عريثاشا، و برعيثاشا الي يافث، و يافث الي برة، و برة الي جفيسة، و جفيسة الي عمران، و عمران الي ابراهيم الخليل، وابراهيم الخليل الي ابنه اسماعيل، و اسماعيل الي اسحق، و اسحق الي يعقوب، و يعقوب الي يوسف، و يوسف الي بثرياء، و بثرياء الي شعيب، و شعيب الي موسي، و موسي الي يوشع بن نون، و يوشع الي داود، و داود الي سليمان، و سليمان الي آصف بن برخيا، و آصف الي زكريا، و دفعها زكريا الي [ صفحه 196] عيسي بن مريم، و أصي عيسي الي شمعون بن حمون الصفا، و شمعون الي يحيي بن زكريا، و يحيي الي منذر، و منذر الي سليمة، و سليمة الي بردة، قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و دفعها الي بردة الحديث [256] و المراد في هذا الحديث و الله أعلم أن كل نبي كان يوصي الي من بعده، فقد يكون من بعده نبيا مثله، و قد يكون وصيا و الوصي قد يوصي الي نبي بعده أي يرشد الناس الي نبوته. و لا ينافي ايصاء شعيب الي موسي أن موسي جاءته النبوة بعد مفارقة شعيب، فهو كان أولا وصيا، ثم صار نبيا و الحاصل: أن الأرض لاتخلو من حجة منصوب من الله تعالي اما نبي أو وصي، و اذا كان صاحب الوشيعة لا يصدق بهذا الحديث، فليس له أن يكذبه و يجزم بأن الأنبياء ليس لهم أصياء، و يقول بما لا يعلم، و أما العقل فاذا كان الله تعالي قد أمر بالوصية من يخلف مائة درهم مثلا؛ أفلا يأمر بالوصية من يخلف أمة عظيمة؛ ان هذا لو صح؛ لكان قدحا في حكمة الله و أنبيائه عليهم‌السلام، و لله در القائل: أنبي بلا وصي تعالي الله عما يقوله سفهاها كيف تخلو من حجة والي من ترجع الناس في اختلاف نهاها قال (صفحة ه س): «لو صدق كليمة من أقاويل الشيعة لكان النبي يجهل شيئا يعلمه كل أحد من زمنه، و لكان الله جاهلا في كل أفعاله و كاذبا في أكثر أقواله. دعها سماوية تجري علي قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس و نقول: هل يليق برجل ينتسب الي العلم أن يتفوه بمثل هذه الكلمات في حق الله تعالي و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم. و لو عقلها علي محال بزعمه و هل يمكن أن يقول ذو أدب؟ ان كان الأمر الفلاني حقا فأمه زانية أو زوجته كذا و لو علقه علي أمر هو غير واقع بزعمه. و لكن هذا الرجل شاذ في جميع أطواره. [ صفحه 197] و قد بينا غير مرة أن الذي تختلف فيه الشيعة عن الأشاعرة الذين تسموا بأهل السنة هي مسائل معدودة، فان كان باستطاعته أن يبين لنا بالحجة و البرهان أن الحق فيها معه، فهو الرجل كل الرجل، أما هذه الدعاوي الفارغة و الهذيان، و العبارات الطويلة العريضة التي لم يدعمها بحجة و لا برهان، و الشتائم البذيئة فلا تفيد الا جهل قائلها. الشيعة أقوالها مدعومة بالحجج و البراهين القاطعة لا تقول الا بالحق، و لا تتمسك الا بالصدق. بين لنا هذه الأقوال التي تستلزم جهل النبي، و جهل الله و كذبه - و العياذ بالله - ان كنت من الصادقين. دع عنك تلك الدعاوي لا دليل لها مثل الجسوم بلا روح و لا روس و ابغ الحقيقة في قول و في عمل لا تفسدنها برأي منك معكوس ثم ذكر الانقلابات في الخلافة الاسلامية، و غاية الادارة في الشرع الاسلامي و الحكومة الثيوقراطية في الاسلام و العقل و النقل، و أطال في ذلك كله بما استغرق 24 صفحة شنع فيها ما شاء بدعاوي لا يرافقها دليل مما تعرف نماذجه من كلامه السابق و الآتي و لا يتعلق غرضنا بالكلام عليه صح أم فسد.

عدم تحريف القرآن

اشاره

قال (صفحة 23): «القول بتحريف القرآن الكريم باسقاط كلمات و آيات، و تغيير ترتيب الكلمات أجمع عليه كتب الشيعة، و أخف ما رأيت للشيعة في القرآن الكريم أن جميع ما بين الدفتين في المصحف كلام الله، الا أنه بعض ما نزل، و الباقي مما نزل عند المستحفظ لم يضع منه شي‌ء، و اذا قام القائم يقرؤه للناس كما أنزله الله علي ما جمعه أميرالمؤمنين علي، و أخبار التحريف مثل أخبار الامامة متواترة عند الشيعة من رد أخبار التحريف، أو أولها؛ يلزم عليه رد أخبار الامامة و الولاية». و نسب (في صفحة 62 و 63) الي المجلسي و صاحب الوافي أن أخبار التحريف متواترة مثل أخبار الولاية و أخبار الرجعة، ثم تعرض (في ص 44) لذكر تحريف [ صفحه 198] القرآن و أساء القول، و جاء بأخشن الكلام علي عادته، و أساء الأدب الي الغاية في حق أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام، و ان أبرزه بصورة التعليق مثل قوله: ان صح كذا فعلي هو الزنديق أو أذل منافق الي غير ذلك من أمثال هذه العبارات التي اعتادها بحسن أدبه و التي لا يليق ذكرها و لو معلقة علي فرض غير صحيح. و نقول: دعوي اجماع كتب الشيعة علي ذلك زور و بهتان، بل كتب المحققين و من يعتني بقولهم من علماء الشيعة مجمعة علي عدم وقوع تحريف في القرآن لا بزيادة و لا نقصان، و تفصيل الكلام في ذلك أنه اتفق المسلمون كافة علي عدم الزيادة في القرآن، و اتفق المحققون و أهل النظر، و من يعتد بقوله من الشيعيين و السنيين، و علي عدم وقوع النقص، و وردت روايات شاذة من طريق السنيين، و من بعض طرق الشيعة، تدل علي وقوع النقص ردها المحققون من الفريقين، و اعترفوا ببطلان ما فيها و سبقها الاجماع علي عدم النقص و لحقها، فلم يبق لها قيمة، و اليك ما قاله رؤساء علماء الشيعة و محققوهم في هذا الشأن:

كلام الصدوق

قال الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، المعروف بالصدوق و برئيس المحدثين، في رسالته في اعتقادات الشيعة الامامية المطبوعة: «اعتقادنا في القرآن أنه ما بين الدفتين، و هو ما في أدي الناس، و ليس بأكثر من ذلك، و من نسب الينا انا نقول انه أكثر من ذلك فهو كاذب». [257] . فهو ينفي وقوع النقصان، و ينسب عدم وقوعه الي اعتقاد جمع الامامية، و يكذب من ينسبه اليهم تكذيبا باتا، و انما لم يقل و لا أقل لأن الزيادة مقطوع بعدمها و ليست محل كلام. و صاحب الوشيعة قد رأي رسالة الاعتقادات هذه و قرأها و نقل عنها في آخر صفحة من كتابه (ص 132)، فقال: «يقول الصدوق [ صفحه 199] محمد بن بابويه في رسالة العقائد: اعتقادنا في الغلاة و المفوضة أنهم كفار بالله أضل من جميع أهل الأهواء المضلة، و أنه ما صغر الله أحد تصغيرهم بشي‌ء و الأئمة بريئة كل البراءة من أباطيلهم». و مع ذلك يقول: أجمعت كتب الشيعة علي تحريف القرآن، فكيف لنا أن نطمئن الي شي‌ء من أنقاله بعد هذا؟

كلام الشيخ الطوسي

و قال الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، و المعروف بالشيخ الطوسي و بشيخ الطائفة، في أول كتابه: التبيان في تفسير القرآن: أما الكلام في زيادة القرآن و نقصه فمما لا يليق به؛ لأن الزيادة فيه مجمع علي بطلانها، و أما النقصان فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه و هو الأليق بالصحيح من مذهبنا، و هو الذي نصره المرتضي، و هو الظاهر في الروايات غير أنه رويت روايات من جهة الشيعة و العامة (أهل السنة) بنقصان آي من آي القرآن، و نقل شي‌ء منه من موضع الي موضع طريقها الآحاد التي لا توجب علما و لا عملا و الأولي الاعراض عنها. [258] . فهذا شيخ الطائفة يقول: ان الكلام في ذلك مما لا يليق، و ان أخبار التحريف رويت من جهد الشيعة و أهل السنة، و انها أخبار آحاد لاتوجب علما و لا عملا، و صاحب الوشيعة يفتري و يقول: انها متواترة عند الشيعة، فهل يبقي لنقله قيمة بعد هذا؟!

كلام الشريف المرتضي

و قال الشريف المرتضي في جواب المسائل الطرابلسيات في ما حكاه عنه صاحب مجمع البيان: «ان العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان، و الحوادث العظام، و الكتب المشهورة، و أشعار العرب، فان العناية اشتدت، و الدواعي [ صفحه 200] توفرت علي نقله و حراسته، و بلغت الي حد لم تبلغه في ما ذكرناه؛ لأن القرآن معجزة النبوة، و مأخذ العلوم الشرعية، و الأحكام الدينية، و علماء المسلمين قد بلغوا في حفظه و حمايته الغاية حتي عرفوا كل شي‌ء اختلف فيه: من اعرابه، و قراءته، و حروفه، و آياته، فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة و الضبط الشديد. و قال أيضا: ان العلم بتفصيل القرآن و أبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته، و جري ذلك مجري ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبوية و المزني، فان أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمون من جملتها حتي لو أن مدخلا أدخل بابا من النحو في كتاب سيبويه، أو من غيره في كتاب المزني؛ لعرف و ميز و علم أن ملحق، و معلوم أن العناية بنقل القرآن و ضبطه أكثر من العناية بكتاب سيبويه و دواوين الشعراء. وذكر أيضا أن القرآن كان علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مجموعا مؤلفا علي ما هو عليه الآن؛ لأنه كان يدرس و يحفظ جميعه في ذلك الزمان حتي عين علي جماعة من الصحابة في حفظهم له، و أنه كان يعرض علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و يتلي عليه، و أن جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود و أبي بن كعب و غيرهما ختموا القرآن علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم عدة ختمات، كل ذلك يدل علي أنه كان مجموعا مرتبا، و ذكر أن من خالف في ذلك من الامامية و حشوية العامة (أهل السنة) لا يعتد بخلافهم؛ فانه مضاف الي قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع علي صحته» [259] فهو قد احتج لذلك و بينه البيان الشافي الذي ما بعده بيان، و الذي لا يمكن لأحد الزيادة عليه، بل و لا الاتيان بمثله و مكانته بين علماء الشيعة لا يصل اليها أحد، و مع ذلك يزعم صاحب الوشيعة اجماع كتب الشيعة علي تحريف القرآن، أفيكون بهتان فوق هذا؟! [ صفحه 201]

كلام صاحب مجمع البيان

و قال الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي من أكابر العلماء و المفسرين في مقدمة كتابه مجمع البيان لعلوم القرآن: «أما الزيادة في القرآن فمجمع علي بطلانها. و أما النقصان، فروي جماعة من أصحابنا، و قوم من حشوية العامة (أهل السنة) أن في القرآن نقصانا، و الصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، و هو الذي نصره المرتضي. ثم نقل كلام المرتضي السابق». [260] . هذا كلام من تعرض للمسألة من عظماء علمائنا المتقدمين.

كلام الشيخ البهائي

و قال الشيخ بهاءالدين محمد بن الحسين العاملي الذي شهرته تغني عن التنوية به: «الصحيح أنه القرآن محفوظ عن ذلك - أي التحريف - زيادة كان أو نقصانا. و يدل عليه قوله تعالي: (و انا له لحافظون) [الحجر / 9]» [261] .

كلام المحقق الثاني الشيخ علي الكركي

و صنف الشيخ علي بن عبدالعالي الكركي، المعروف بالمحقق الثاني، امام عصره، رسالة في نفي النقيصة بعد الاجماع علي عدم الزيادة. [262] .

كلام الفقيه الشيخ جعفر النجفي

و قال الشيخ جعفر الفقيه النجفي، فقيه عصره، واحد أئمته، في مقدمة كتاب كشف الغطاء: «لاريب أن القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان، كما دل عليه صريح القرآن، و اجماع العلماء في كل زمان، و لا عبرة بالنادر» [263] . [ صفحه 202] و صاحب الوشيعة قد رأي كشف الغطاء، و قرأه، ورد علي جملة من محتوياته كما مر و مع ذلك فهو يقول: أجمعت كتب الشيعة علي تحريف القرآن، هذه أمانته و صدقه في النقل.

كلام السيد محسن المحقق البغدادي

و قال السيد محسن الأعرجي، المعروف بالمحقق البغدادي، من أئمة عصره، في شرح الوافية في أصول الفقه: «الاجماع علي عدم الزيادة و المعروف بين علمائنا حتي حكي عليه الاجماع عدم النقيصة». [264] . و هؤلاء من المتأخرين، فها هم محققوا علماء الشيعة و أئمة مذهبهم و قادتهم و من يعول علي قوله منهم من المتقدمين و المتأخرين متفقون في كل عصر و زمان علي عدم الزيادة و عدم النقصان، و لا شك أن غيرهم من لم يتعرضوا للمسألة علي مثل هذا الرأي، و هو مع ذلك يقول: أجمعت كتب الشيعة علي تحريف القرآن بالنقصان و أن أخبار التحريف مثل أخبار الامامة متواترة عندهم، أفيبقي بعد هذا وثوق بشي‌ء من أنقاله و دعاواه أن يبقي لكلامه أقل قيمة؟! و مما يدل دلالة قطعية علي اجماع الشيعة علي أن القرآن الكريم لا نقصان فيه، بعد اجماعهم القطعي علي نفي الزيادة، اتفاق فقهائهم و رواياتهم علي كفاية قراءة أي سورة كانت من القرآن في الصلاة عدا سورتي الضحي و ألم نشرح فهما سورة واحدة، و الفيل و لايلاف فهما أيضا سورة واحدة، أما سوي هذه فيجزي قراءة أي سورة كانت مع اتفاقهم علي لزوم قراءة سورة كاملة بعد الحمد في الركعتين الأولتين من الفريضة و عدم جواز التبعيض بناء علي وجوب القراءة في الفريضة، بعد الحمد، و هذا ينادي باجماعهم علي عدم النقصان، أفيسوغ بعد هذا كله أن تلصق بهم هذه التهمة الباطلة لولا العصبية و قلة الانصاف. [ صفحه 203]

الروايات المتضمنة تحريف القرآن بالنقصان من طريق أهل السنة

في مسند الامام أحمد و صحيح البخاري و تاريخ ابن‌عساكر و غيرها (1) في مسند الامام أحمد بن حنبل باسناده عن ابن‌عباس: جاء رجل الي عمر فقال: أكلتنا الضبع - يعني السنة - فقال عمر: لو أن لامري‌ء واديا أو واديين لابتغي اليهما ثالثا. فقال ابن‌عباس: و لا يملأ جوف ابن آدم الا التراب ثم يتوب الله علي من تاب، فقال عمر لابن عباس: ممن سمعت هذا؟ قال: من أبي، قال: فاذا كان بالغداة فاغد علي، فرجع الي أم‌الفضل فذكر ذلك لها، فقالت: ما لك و للكلام عند عمر؟ و خشي ابن‌عباس أن يكون أبي نسي، فقالت أمه: عسي أن يكون أبي نسي فغدا الي عمر و معه الدرة فانطلقا الي أبي فخرج أبي عليهما، و سأله عمر عما قال ابن‌عباس فصدقه» [265] و الظاهر أن عمر فهم من ابن‌عباس أن ما قاله قرآن أو كان في الكلام ما يدل علي ذلك و تركه الراوي، و الا فلا داعي لهذا الاهتمام و لا لخوف ابن‌عباس و أمه أن يكون نسي أبي، و لا لقولها: ما لك و للكلام عند عمر؟ مع دلالة الروايات الأخر علي ذلك أيضا، فهي تفسر المراد من هذه الرواية، كما أنه يظهر أنه سقط بعد قوله واديين من مال بقرينة الروايات الآتية. (2) في مسند الامام أحمد أيضا: حدثنا عبدالله حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر و حجاج قالا: حدثنا شعبة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال: ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: ان الله تبارك و تعالي أمرني أن أقرأ عليك القرآن، فقال: فقرأ (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) [البنية / 1]قال: فقرأ فيها و لو أن ابن‌آدم سأل واديا من مال فأعطيه لسأل ثانيا، فلو سأل ثانيا فأعطيه لسأل ثالثا، و لا يملأ جوف ابن آدم الا التراب، و يتوب الله علي من [ صفحه 204] تاب، و ان ذلك الدين القيم عند الله الحنيفية غير المشركة و لا اليهودية و لا النصرانية و من يفعل خيرا فلن يكفره». [266] . (3) في مسند الامام أحمد أيضا: حدثنا عبدالله حدثني عبيدالله بن عمر القواريري حدثنا مسلم بن قتيبة حدثنا شعبة عن عاصم بن بهدلة عن زر عن أبي بن كعب قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله سلم: ان الله تبارك و تعالي أمرني أن أقرأ عليك فقرأ علي: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين منفكين حتي تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة و ما تفرق الذين أوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءتهم البينة) [البنية / 4 - 1]ان الدين عند الله الحنيفية غير المشركة و لا اليهودية و لا النصرانية و من يفعل خيرا فلن يكفره. قال شعبة: ثم قرأ آيات بدعها ثم قرأ: لو أن لابن آدم واديين من مال لسأل واديا ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم الا التراب. قال: ثم ختمها بما بقي منها. [267] . (4) في صحيح مسلم بهامش صحيح البخاري في باب كراهة الحرص علي الدنيا: حدثني سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر، عن داود عن أبي حرب بن أبي‌الأسود عن أبيه، قال: بعث أبوموسي الأشعري الي قراء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمئة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة و قراؤهم فاتلوه و لا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، و انا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول و الشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغي واديا ثالثا، و لا يملأ جوف ابن آدم الا التراب. و كنا نقرأ سورة كنا نشبهها باحدي المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة. [268] . [ صفحه 205]

آية الرجم

(5) في مسند الامام أحمد: حدثنا عبدالله، حدثني وهب بن بقية عن خالد بن عبدالله الطحان عن يزيد بن أبي زياد عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب، قال: كم تقرؤون سورة الأحزاب؟ قال: بضعا و سبعين آية: قال: لقد قرأتها مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مثل البقرة أو أكثر منها، و ان فيها آية الرجم. [269] . (6) حدثنا عبدالله، حدثنا خلف بن هشام حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زر قال: قال لي أبي بن كعب: كائن تقرأ سورة الأحزاب و كائن تعدها؟ قلت له: ثلاثلا و سبعين آية، فقال: قط لقد رأيتها و انها لتعادل سورة البقرة، و لقد قرأنا فيها: الشيخ و الشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله، و الله عليم حكيم. [270] . (7) في صحيح البخاري، في باب رجم الحبلي من الزنا اذا أحصنت من كتاب المحاربين من أهل الكفر و الردة بسنده عن عمر بن الخطاب في حديث أنه قال: «ان الله بعث محمدا صلي الله عليه و آله و سلم بالحق و أنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها و عقلناها و وعيناها، فلهذا رجم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و رجمنا بعده فأخشي ان طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله (الي أن قال) ثم انا كنا نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم (الحديث) قال شيخ الاسلام في حاشية صحيح البخاري: آية الرجم هي (الشيخ و الشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة) لكن نسخت تلاوتها دون حكمها» [271] أقول: نسخ التلاوة ممكن في كل ما روي نقصه من القرآن فهو مشترك بين الفريقين علي أن نسخ التلاوة يصعب تصوره، فاذا كان الحكم باقيا فما الفائدة من نسخ التلاوة، و يشبه [ صفحه 206] أن يكون انزال الآية ثم نسخ تلاوتها مع بقاء حكمها عبثا مع أن الآيات المنسوخ حكمها تلاوتها باقية. (8) في تاريخ دمشق للحافظ ابن‌عساكر في ترجمة أبي بن كعب عن أبي‌ادريس الخولاني أن أبا الدرداء «ركب الي المدينة في نفر من أهل دمشق فقرأ فيها علي عمر بن الخطاب هذه الآية (اذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية» [الفتح / 26]و لو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام، فقال عمر بن الخطاب: من أقرأكم هذه القراءة؟ فقالوا: أبي بن كعب، فدعاه فقال لهم عمر: افرأوا فقرأوا و لو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام فقال أبي لعمر: نعم أنا أقرأتهم، فقال عمر لزيد بن ثابت: اقرأ يا زيد، فقرأ زيد قراءة العامة، فقال عمر: اللهم لا أعرف الا هذا، فقال أبي: و الله يا عمر انك لتعلم أني كنت أحضر و يغيبون، و ادنو و يحجبون، و يصنع بي و يصنع، و والله لئن أحببت لألزمن بيتي فلا أحدث أحدا ولا أقري‌ء أحدا حتي أموت، فقال عمر: اللهم غفرا انك لتعلم أن الله قد جعل عندك علما فعلم الناس ما علمت. قال و مر عمر بغلام و هو يقرأ في المصحف: (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم) و هو أب لهم، فقال: يا غلام حكها، فقال: هذا مصحف أبي بن كعب فهذب اليه فسأله فقال له: انه كان يلهيني القرآن و يلهيك الصفق بالأسواق [272] و روي نحوه ابن الأثير الجزري في جامع الأصول [273] و في كنزالعمال: روي هذه الروايات أبوداود الطيالسي في سننه و الحاكم في مستدركه. [274] .

سورتا القنوت

(9) قال السيوطي في الاتقال والدر المنثور: أخرج الطبراني و البيهقي و ابن الضريس أن من القرآن سورتين - و قد سماهما الراغب في المحاضرات [ صفحه 207] سورتي القنوت - و نسبوهما الي تعليم علي و قنوت عمر و مصحف ابن‌عباس و زيد بن ثابت و قراءة أبي‌موسي (احداهما) بسم الله الرحمن الرحيم انا نستعينك و نستغفرك و نثني عليك الخير و لا نكفرك و نخلع و نترك من يفجرك (و الثانية) بسم الله الرحمن الرحيم اللهم اياك نعبد و لك نصلي و نسجد و اليك نسعي و نحفد نرجو رحمتك و نخشي عذابك ان عذابك بالكافرين ملحق. [275] . (10) في كتاب الاحكام في أصول الأحكام للآمدي الشافعي أن في مصحف ان مسعود (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) و أن أباحنيفة بني عليه وجوب التتباع في صوم اليمين. [276] . (11) روي الطبري في تفسيره أن ابن‌مسعود كان يقرأ: فما استمتعتم به منهن الي أجل مسمي. [277] . فاذا كان شذاذ منكم و منا سبقهم الاجماع و لحقهم رووا ما اتفق المحققون و الجمهور منا و منكم علي بطلان و دلت عباراته بانحطاطها عن درجة القرآن الكريم علي أنها ليست بقرآن، فكيف تلصقون بنا عيبه و تبرئون أنفسكم!؟ ما هذا بانصاف!

ما روي من طريق غيرنا في وقوع الزيادة في القرآن

مع الاجماع منا و منهم علي عدم الزيادة (1) في صحيح البخاري، في باب: (و النهار اذا تجلي)، حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان عن الأعمش عن ابراهيم عن علقمة قال: دخلت في نفر من أصحاب عبدالله الشام فسمع بنا أبوالدرداء فأتانا فقال: أفيكم من يقرأ؟ فقلنا: نعم، فقال: فأيكم أقرأ؟ فأشاروا الي، فقال: اقرأ، فقرأت: و الليل اذا يغشي [ صفحه 208] و النهار اذا تجلي و الذكر و الأنثي قال: أنت سمعتها من في صاحبك؟ قلت: نعم، قال: و أنا سمعتها من في النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هؤلاء يأبون علينا. [278] . (2) في صحيح البخاري أيضا: باب و ما خلق الذكر و الأنثي، حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن ابراهيم قال: قدم أصحاب عبدالله علي أبي الدرداء فطلبهم فوجدهم فقال: أيكم يقرأ علي قراءة عبدالله؟ قالوا: كلنا، قال: فأيكم يحفظ؟ فأشاروا الي علقمة قال: كيف سمعته يقرأ و الليل اذا يغشي؟ قال علقمة: و الذكر و الأنثي، قال: أشهد أني سمعت النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقرأ هكذا و هؤلاء يريدوني علي أن أقرأ و ما خلق الذكر و الأنثي والله لا أتابعهم. [279] . فهاتان الروايتان صريحتان في الزيادة، و صرح الآمدي الشافعي في كتاب الاحكام في أصول الأحكام؛ بأن مصاحف الصحابة مختلفة و أن ابن مسعود أنكر كون الفاتحة و المعوذتين من القرآن، و صرح أيضا: بأنهم اختلفوا في البسملة هل هي جزء من القرآن أو لا؟ و الامام أبوحنيفة يري أن البسملة ليست جزءا من القرآن [280] فهذا نوع آخر من التحريف انفردت به رواياتكم. و ليس لنا أن نعيبه عليكم.

القراءات السبع

قال (ص 22): «و الأحرف السبعة و الوجوه العديدة قد أتت في القرآن متواترة من الأمة كافة في القرون كافة. و يقول فيها الصادق: كذبوا لكن القرآن نزل علي حرف واحد». و نقول: قال كثير من علمائنا، و علماء من تسموا بأهل السنة، بتواتر القراءات السبع، بل ادعي جماعة من مشاهير علمائنا الاجماع علي تواترها، بل في مفتاح الكرامة حكاية القول بتواترها عن أكثر علمائنا، منهم المحقق الشيخ [ صفحه 209] علي الكركي في جامع المقاصد، و الشهيد الثاني في روض الجنان، قال: «و نفي الأردبيلي في مجمع البرهان الخلاف عن تواترها، و قد نعتت بالتواتر في الكتب الفقهية و الأصويلة و عد جملة منها. قال: و قد نقل جماعة حكاية الاجماع علي تراترها عن جماعة. و في رسم المصاحف بها و تدوين الكتب لها حتي أنها معدودة حرفا فحرفا، و حركة فحركة، ما يدل علي أن تواترها مقطوع به، و العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل القرآن من أجزائه، و ألفاظه، و حركاته، و سكناته؛ لتوفر الدواعي علي نقله؛ لكونه أصلا لجميع الأحكام، بل قال الشهيد في الذكري بتواتر العشر». و يحكي عن السيد ابن‌طاووس من علمائنا أنه قال في كتابه المسمي (سعد السعود) بعدم تواتر القراءات السبع، و حكي مثله عن الشيخ الرضي شارح الكافية [281] و قال شمس الدين الدين محمد بن محمد الجزري الشافعي في كتابه النشر للقراءات العشر المطبوع بمصر: كل قراءة وافقت العربية و لو بوجه، و وافقت المصاحف العثمانية، و لو احتمالا و صح سندها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها، و وجب علي الناس قبولها، سواء أكانت عن السبعة، أم‌العشرة، أم غيرهم، و متي اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها أنها ضعيفة، أو شاذة، أو باطلة، سواء أكانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم. هذا هو الصحيح عند التحقيق من السلف و الخلف [282] و نحوه قال أبو شامة في ما حكي عنه في كتاب المرشد الوجيز: «ثم انه علي القول بتواترها، هل المراد تواترها الي أربابها أو الي الشارع»، في مفتاح الكرامة الظاهر من كلام أكثر علمائنا و اجماعاتهم الثاني و به صرح الشهيد في المقاصد العلية، و نقل الامام الرازي اتفاق أكثر أصحابه علي ذلك. و قال الشيخ الطوسي في التبيان: «المعروف من مذهب الامامية و التطلع في أخبارهم [ صفحه 210] و رواياتهم أن القرآن نزل بحرف واحد علي نبي واحد غير أنهم أجمعوا علي جواز القراءة بما يتداوله القراء و أن الانسان مخير بأي قراءة شاء قرأ و كرهوا تجريد قراءة بعينها» [283] و نحوه في مجمع البيان [284] و هو قد يعطي أن تواترها الي أربابها. و عن الزركشي من علماء السنة في البرهان أنه قال: «التحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة أما تواترها عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم ففيه نظر، فان اسنادهم فهذه القراءات السبع موجود في الكتب و هو نقل الواحد عن الواحد» [285] و قال الزمخشري: ان القراءة الصحيحة التي قرأ بها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم انما هي الواحدة في صفتها و المصلي لا تبرأ ذمته من الصلاة الا اذا قرأ في ما وقع فيه الاختلاف علي كل الوجوه كملك و صراط و سراط و غير ذلك و هو صريح في انكار تواترها الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و قد حكم الزمخشري بسماجة قراءة ابن عامر قتل أولادهم شركائهم بنصب أولادهم و خفض شركائهم، و أنكر الشيخ الرضي قراءة حمزة تساءلون به و الأرحام بخفض الأرحام [286] و لذلك تعلم أنه لا اتفاق علي تواترها الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم لا عندنا و لا عند غيرنا و لا علي لزوم القراءة باحداها عند غيرنا، ولكن ادعي الاتفاق علي ذلك من أصحابنا و لم يثبت، فليخفف موسي جار الله من غلوائه، و ليعلم أن دعواه تواترها جزما ناشي‌ء عن قصور في اطلاعه، و اسراع الي النقد و التشنيع قبل التفحص، و ان قول صادق أهل البيت عليه و عليهم‌السلام كما في صحيح الفضيل و خبر زرارة لما قال له: ان الناس يقولون أن القرآن نزل علي سبعة أحرف كذبوا ولكنه نزل علي حرف واحد من عند الواحد هو الصواب و ليس محلا للاستغراب، و أنه قد قال به الزركشي و الزمخشري، و يفهم ذلك من كلام الجزري و أبي شامة و كلهم من علماء غيرنا، كما يعلم من كلام هؤلاء أن دعوي تواترها الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم ظاهرة الوهن. [ صفحه 211]

التحاكم الي قضاة الجور

ذكر (في ص 24) ما يتخلص في أن في كتب الشيعة عدم جواز التحاكم الي قضاة الجور، و أن حكومات الدول الاسلامية كلها كذلك. و نقول: الدول الاسلامية وقضاتها منها ما هو علي العدل واتباع الكتاب و السنة و الحكم بهما و هو قليل، و منها ما هو علي الجور و الحكم بغير ما أنزل الله و بالرشي و الوساطات، فهل ينكر موسي جار الله ذلك و قد ملأ الخافقين، و شحنت به كتب التواريخ و الأخبار، و ان أنكره فما يصنع بحديث: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا» [287] أما أن كلها علي الجور كما ادعاه فلا، و لو اتسع لنا المجال لشرحنا له شيئا من أحوال من كان يحمل لقب الخلافة و امارة المؤمنين و أفعاله مما لا يجهله هو و لا غيره؛ ليعلم أن حكومات الدول الاسلامية كان أكثرها كذلك؛ و لبينا له كيف كانت حالة القضاة المنصوبين من بعض المتغلبين؛ لكنا نذكر بعض الوقائع نموذجا. كان شريح القاضي، قاضي الكوفة، سببا في تفريق جمع مذحج الذين جاؤوا لتخليص هاني‌ء بن عروة المرادي من حبس الدعي ابن الدعي عبيدالله بن زياد بالحيلة و الخديعة حتي قتل. [288] . و أفتي القاضي أبوالبختري الرشيد ببطلان الأمان الذي كتبه ليحيي بن عبدالله بن حسن بن حسن العلوي حين خرج ببلاد الديلم سنة 176 ه، بعدما عرضه يحيي علي القضاة، و العلماء، فأخبروه بأنه لا اعتراض عليه، فقدم يحيي بغداد علي الرشيد، ثم أراد الرشيد الغدر به و قتله، فأحضر يحيي و أحضر نسخة الأمان، وأحضر القاضي أبا البختري و محمد بن الحسن الشيباني الفقيه، فقال الرشيد لمحمد بن الحسن: ما تقول في هذا الأمان أصحيح هو؟ فقال: صحيح، فحاجه الرشيد في ذلك، فقال له محمد: ما تصنع بالأمان لو كان [ صفحه 212] محاربا ثم أعطيته الأمان، هل كان آمنا؟ فاحتملها الرشيد علي محمد، ثم سأل أبا البختري. فقال: هذا منتقض من وجه كذا و كذا و تفل فيه، فقال له الرشيد: [289] أنت قاضي القضاة، فمزق الأمان أبوالبختري و حبس الرشيد يحيي، فمات في الحبس، و الي ذلك يشير الأمير أبوفراس الحمداني بقوله في قصيدته الشافية: يا جاهدا في مساويهم يكتمها غدر الرشيد بيحيي كيف ينكتم!؟ [290] . و كان يحيي بن أكثم، قاضي قضاة المأمون، في مجلس المأمون فأفرط به السكر، فأمر المأمون أن يعمل له شبه القبر من الرياحين، و يدفن فيه، و أمر من يغني عنده: نبهته و هو ميت لا حراك به مكفن في ثياب من رياحين فقلت: قم، قال: رجلي لا تطاوعني فقلت: خذ، قال: كفي لا تواتيني فلما أفاق يحيي، قال: يا سيدي و أمير الناس كلهم قد جار في حكمه من كان يسقيني اني غفلت عن الساقي فصيرني كما تراني سليب العقل و الدين فاختر لنفسك قاض انني رجل الراح تقتلني و العود يحييني [291] . و قال له المأمون يوما من الذي يقول: قاض يري الحد في الزناء و لا يري علي من يلوط من بأس!؟ قال هو الذي يقول يا أميرالمؤمنين: لست أري الجور ينقضي و علي الأمة وال من آل عباس [ صفحه 213] قال: من هو؟ قال: فلان. قال: ينفي الي السند. [292] . و قال البديعي في هبة الأيام و غيره: ان الحسن بن وهب لما كان غلاما مازحه يحيي بن أكثم ثم جمشه فغضب الحسن، فأنشد يحيي بن أكثم: أيا قمرا جمشته فتغضبا و أصبح لي من تيهه متجنبا اذا كنت للتجميش و العض كارها فكن أبدا يا سيدي متنقبا و لا تظهر الأصداغ للناس فتنة و تجعل منها فوق خديك عقربا فتقتل مشتاقا و تفتن ناسكا و تترك قاضي المسملين معذبا [293] . و ذكر الثعالبي في اليتيمة، في ترجمة القاضي التنوخي، أن قضاة البصرة كانوا اذا جاء الليل خلعوا ثوب الوقار للعقار، و اجتمعوا علي الشراب، و عليهم المصبغات و المخانق و ما منهم الا طويل اللحية أبيضها، و في يد كل منهم كأس من ذهب، فيرقصون و يغمسون لحاهم في تلك الكؤوس و يرشون بعضهم علي بعض، و فيهم يقول الشاعر: مجالس ترقص القضاة بها اذا انتشوا في مخانق البرم تخال كلا كأن لحيته لحية فعلان ضرجت بدم [294] . و سأل بعض القضاة المعروفين رجلا عما يقول الناس فيه؟ فقال: يقولون انك تنتسب الي البرامكة و لست منهم، و انك تستعمل الحشيشة، و تعشق الغلمان. فقال: أما الانتساب الي البرامكة فمن يريد الانتساب الي غير آبائه ينتسب الي قوم أشراف كبني هاشم لا الي قوم أصلهم مجوس، و أما الحشيشة فهي [ صفحه 214] والخمر كلاهما فمن أراد المعصية شرب الخمر، و سكت عن الثالثة، و خبره مع الغلام الذي كان يتعشقه فحجبه أهله و نظم في ذلك الأشعار معروف. و في أواخر الدولة العباسية كان يضمن القضاء ضمانا بمال يؤديه القاضي. و في أواخر الدولة الاسلامية التي كانت في عصرنا كان يؤخذ من كل قاض ثلاثمئة ليرة ذهبية ليعين قاضيا مدة ثلاث سنين. هذه حال أكثر حكومات الدول الاسلامية لا يخفي عليه و لا علي أحد ما وقع فيها من الجور و العسف و حال قضاتها الذي لسنا بحاجة الي بيانه لظهوره، و الذي كان هو السبب في وصول المسلمين الي الحالة التي هم فيها اليوم مما هو غني عن البيان. فهل يري موسي جار الله عيبا في عدم جواز التحاكم الي قضاة الجور الحاكمين بغير ما أنزل الله؟ و هل يمكنه ادعاء أن حكومات الدول الاسلامية كلها أو جلها كانت علي العدل و الانصاف؟ و اننا نسأله: هل يعتقد أن غيرنا من فرق المسلمين يري نفوذ أحكام قضاتنا من أي مذهب كانوا ليكون له حق بهذا الاعتراض؟ قال (ص 24) ما مخلصه: «ان كتب الشيعة صرحت أن كل الفرق الاسلامية كافرة و أهلها نواصب». و نقول: سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم. لا يعتقد أحد من الشيعة بذلك، بل هي متفقة علي أن الاسلام هو ما عليه جميع فرق المسلمين من الاقرار بالشهادتين الا من أنكر ضروريا من ضروريات الدين كوجوب الصلاة و حرمة الخمر و غير ذلك، و عمدة الخلاف بين المسلمين هو في أمر الخلافة، و هي ليست من ضروريات الدين بالبديهة؛ لأن ضروري الدين ما يكون ضروريا عند جميع المسلمين، و هي ليست كذلك، و قد صرحت كتب الشيعة كلها بخلاف ما قاله. فقالت: «ان الاسلام هو ما عليه جميع فرق المسلمين، و به يتوارثون، و يتناكحون، و تجري عليهم جميع أحكام الاسلام». قال الشيخ جعفر بن سعيد الحلي المعروف بالمحقق، فقيه الشيعة، في كتاب شرائع الاسلام: «المسلمون [ صفحه 215] يتوارثون و ان اختلفوا في المذاهب» [295] ، و صرحت بمثل ذلك جميع كتب الشيعة الفقهية مع اتفاقهم علي أن الكافر لا يرث المسلم، و في ما رواه الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام: الاسلام هو ما عليه جماعة الناس من الفرق كلها، و به حقنت الدماء، و عليه جرت المناكح و المواريث، و العجب منه كيف يتشبث بالشواذ و يسندها الي العقيدة كأنه قد أخذ علي نفسه أن لا يودع كتابه كلمة فيها انصاف و يفضي عما في بعض كتب قومه مما يماثل ما نسبه هنا الي كتب الشيعة و ليس لهم مسوغ لذلك و لا مبرر. ما بال عينك لا تري أقذاءها و تريه الخفي من القذي بجفوني

جهاد الامم الاسلامية

قال (ص 25): «جهاد الأمم الاسلامية لم يكن مشروعا، و هو اليوم غير مشروع حتي لو أوصي أحد في سبيل الله و سبيل الله في عقيدته هو الجهاد جاز العدول الي فقراء الشيعة، و الجهاد مع غير الامام المفترض طاعته حرام». و نقول: الجهاد واجب مع وجود السلطان العادل بجميع أنواعه، و مع عدم وجود السلطان العادل لايجب الا جهاد الدفاع، فنسبته الينا أن جهاد الأمم الاسلامية غير مشروع، و الجهاد مع غير الامام المفترض طاعته حرام، ليس بصواب، فجهاد الدفاع مشروع في كل وقت و زمان و واجب، و لو مع غير الامام المفترض طاعته لا حرام كما في جميع الكتب الفقهية. و قد أفتي مجتهدو الشيعة في العراق - و هو قدوة الشيعة في جميع الأقطار - بوجوب الجهاد في الحرب العالمية الأولي، و باشره جماعة منهم، فخرج السيد محمد سعيد الحبوبي النجفي، و الشيخ فتح الله المعروف بشيخ الشريعة الأصفهاني، و السيد مهدي آل السيد حيدر الكاظمي، و كلهم من كبار العلماء الي ساحة القتال في ناحية البصرة، و بقيادتهم الألوف المؤلفة من شيعة العراق حتي توفي الأول [ صفحه 216] منهم في ساحة الحرب متأثرا. و تطوع في الجيش العثماني عدد كثير من شيعة ايران فكانوا في جهات حلب مع عدم دخول دولتهم في الحرب، في حين أن علماء غير الشيعة لم نسمع لواحد منهم شيئا من هذا القبيل؛ فلينظر في ذلك المنصفون، وبذلك يظهر فساد ما فرعه عليه من الوصية. فلو أوصي في سبيل الله لكان أرجح مصاريفه و أفضلها الجهاد. و قوله و سبيل الله في عقيدته الجهاد لا يظهر لا معني، فسبيل الله يعم الجهاد و غيره.

تنزيل آيات في كتب الشيعة

قال (ص 27): «في كتب الشيعة أبواب في آيات و سور نزلت في الأئمة و الشيعة، و آيات نزلت في غيرهم علي مائة آية قد ضبطتها. ما رأيكم اليوم في تنزيل هذه الآيات و في تأويلاتها و كيف يذكر ذلك في أقدس كتبها في الحديث». و نقول: ليس كل ما في كتب الحديث صحيحا سواء أكان من أقدسها أم أبخسها، و كتب الحديث مشتملة علي الصحيح، و الضعيف، و المقبول، و المردود،بل صاحب الكتاب لا يعتقد بكل ما رواه فيه؛ لأن غرضه مجرد جمع الروايات كما رويت، ويكل أمر تصحيحها و تضعيفها الي أنظار العلماء كل بحسب مبلغ نظره، و ان كان كل ما في كتب الحديث صحيحا فلماذا وضع علم الدراية، و علم الرجال، و قسم الحديث الي أقسامه المعروفة!؟ و لا نعرف ما المراد بهذه الآيات، و لا يعترف علماء الشيعة بما خرج عن تفاسيرهم المعروفة المشهورة المطبوعة التي عليها الاعتماد كالتبيان، و مجمع البيان، و جامع الجوامع، و ليس كل كتاب نسب الي الشيعة هو صحيح عندهم، و لا كل خبر ذكر في كتاب منسوب الي الشيعة يمكننا القول بصحته عندهم. و قد ورد في أقدس الكتب عند غير الشيعة ما لا يمكن تصحيحه، فهل يسوغ لنا أن نقول انهم كلهم يعتقدون بصحته. أخرج الأئمة البخاري و مسلم في صحيحيهما و أحمد بن حنبل في مسنده [ صفحه 217] و الطبري في تاريخه عن أبي‌هريرة: «أن ملك الموت جاء الي موسي عليه‌السلام فقال له: أجب ربك، فلطم موسي عين ملك الموت ففقأها، فرجع الملك الي الله تعالي فقال: انك أرسلتني الي عبد لك لا يريد الموت ففقأ عيني فرد الله اليه عينه» (الحديث) و في بعضها «أن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتي أتي موسي، فلطمه ففقأ عينه، و أنه جاء الي الناس خفيا بعد موت موسي». [296] . و أصاب عزرائيل في ذلك، فالمثل يقول: «الملسوع يخاف من جرة الحبل» فاذا كان موسي و هو نبي مرسل من أولي العزم لطمه علي عينه ففقأها، فلعله يجي‌ء الي رجل مثل عنتر عبس لا يعرف الله كما يعرفه موسي، فيلطمه لطمة يفقأ بها عينيه معا، و لعل الله يغضب منه و يقول له: ما تعلمت من أول مرة فلا يرد اليه عينيه، فيعيش أعمي، فيرسله الله لقبض روح زيد فيقبض روح عمرو، لأنه أعمي، فيقع اختلال في نظام الكون، أو لعله يجي‌ء الي بعض العناترة فيضربه ضربة يكسر بها رأسه فيموت، فيحتاج الله تعالي الي أن يحييه ثانيا؛ ليتم قبض أرواح ما بقي من الناس، أو ينصب غيره من الملائكة لهذه المهمة، و لعله يكون أقسي من عزرائيل و يريد الأخذ بثاره، فيلاقي بنو آدم منه الأمرين، فجزي الله عزرائيل عن تخيفه خيرا!

ما وافق الأمة و خالفها

قال (ص 26): «ادعت كتب الشيعة أن الأئمة - أولاد علي - كانت تنكر كل حديث يرويه امام من أئمة الأمة، و أن الأخذ بنقيض ما أخذته الأمة أسهل طريق في الاصابة، و كل خبر وافق الأمة باطل، و ما خالف الأمة ففيه الرشاد، و كان الامام يقول: دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم، و تقول الشيعة: ان وافق الكل يجب الوقوف، و كان الصادق يأمر بما فيه خلاف العامة، و يقول: [ صفحه 218] ان عليا لم يكن يدين بدين الا خالفته الأمة ابطالا لأمر علي. و هذا أصل من أصول الفقه عن الشيعة، و الأمة قد علمت أن أفضل القرون قرن الرسالة و الخلافة فما روي عن سنتهما أرشد و أقرب من الحق، فكون الوفاق سمة البطلان، و الخلاف دليل الاصابة، غريب بديع». و نقل (في ص 62) عن الوافي ما اختص بروايته الأمة فلا نلتفت اليه، ثم قال: «و لم كل هذه، هل هذا الا لأن الأمة لا تعادي و لا تلعن العصر الأول و لا ميزة للشيعة في هذا الباب الا هذا». و نقول: أولا: كون كتب الشيعة ادعت ذلك كذب و باطل فجل أقوال فقهاء الشيعة و أئمة أهل البيت عليهم‌السلام، و فتاواهم موافق لما رواه و أفتي به من يسميهم الأمة، و هم يرون فيه الرشاد لا في ما خالفه، و كيف يقول الامام: دعوا ما وافق القوم، و يأمر الصادق بما فيه خلافهم، و جل فتاوي الأئمة و منهم الصادق، و فتاوي فقهائهم موافق لهم، فهذه دعاوي يكذبها فتاوي أهل البيت و أقوال فقهائهم التي كلها موافق للمذاهب الأربعة الا ما ندر. غاية ما في الباب أن علماء الشيعة تقول في كتب الأصول في باب علاج تعارض الأخبار: اذا تعارض خبران أخذ بالأظهر منهما دلالة، أو الأصح سندا، أو الموافق للكتاب و السنة، فاذا تعذر كل ذلك أخذ بالموافق لفتاوي أهل البيت عليهم‌السلام المخالف لفتاوي غيرهم، كما أمرهم به أئمتهم؛ لأن ذلك أقرب الي الصواب، فان ائمة أهل البيت عليهم‌السلام كانوا أعرف بروايات جدهم صلي الله عليه و آله و سلم من كل أحد و كل منهم يروي عن أبيه، عن جده عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، عن جبرئيل، عن الله تعالي، و قد جعل النبي صلي الله عليه و آله و سلم أهل البيت بمنزلة باب حطة، و سفينة نوح، و أمر بالتمسك بهم كما أمر بالتمسك بالقرآن، و قال: ان المتمسك بهما لا يمكن أن يضل بعده أبدا؛ فلذلك رجح الخبر الموافق لأقوالهم علي الخبر الموافق لأقوال غيرهم، و عليه يحمل ما حكاه عن الوافي ان صح. و هذا بعيد عما يدعيه بعد السماء عن الأرض، و ستأتي الاشارة الي ذلك قريبا عند الكلام علي التقية. ثانيا: قوله: ان وافق الكل يجب الوقوف لا يظهر له معني، و هو يناقض بظاهره قوله و كل خبر وافق الأمة باطل. [ صفحه 219] ثالثا: كون الامام كل يقول ان عليا لم يكن يدين بدين الا خالفته الأمة الي غيره ابطالا لأمر علي - ان صح - لم يكن فيه بعد من أمة كان في رؤسائها من يتقل من لا يبرأ من علي، و من دينه الذي يدين به، و يأمر بدفن بعضهم حيا، و من أمة كانت في بعض أدوارها لا يجسر أحد أن يروي خبرا واحدا عن علي، و يخاف من خادمه و زوجته، و كان اذا اضطر الي الرواية عنه، قال: حدثني أبوزينب أو رجل من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و من أمة كانت في بعض القرون لا يجسر أحد أن يسمي بينها مولدا باسم علي، و كان علي يسب فيها علي المنابر في الأعياد، و الجمعات، السنين المتطاولة، و خبر أن أمي عقتني فسمتني عليا مع الحجاج مشهور معروف كما روي ذلك كله ابن أبي الحديد و غيره [297] و خبر علي بن عبدالله بن العباس مع عبدالملك بن مروان حين علم أن اسمه علي و كنية أبوالحسن، فقال: لا احتملهما لك، فغير كنيته و تكني بأبي العباس، رواه أبونعيم الأصفهاني في حلية الأولياء في ترجمة علي المذكور. [298] . رابعا: بينا مرارا أنه ليس بيننا و بينك معاداة العصور و لا لعنها و لا خلاف في ما به يتحقق الاسلام، و لم نختلف الا في مسائل معدودة بيناها في ما مر مرارا، فان أثبت أن الحق معك فيها فأنت الرجل كل الرجل، و أما ميزة الشيعة فهي أنها اتبعت أهل بيت نبيها الذين أمر الرسول باتباعهم و جعلهم ثاني القرآن في أنه لا يضل المتمسك بهما، و أنهما لن يفترقا حتي يردا عليه الحوض، فلم كل هذا الا لأن الشيعة متمسكة بأهل بيت نبيها كل التمسك!

التقية

ذكرها في «وشيعته» في عدة مواضع علي عادته في التكرير و التطويل بلا طائل و نحن نجمعها في موضع واحد. [ صفحه 220]

معني التقية و محلها

قال (في ص 27): «التقية في سبيل حفظ حياته، و شرفه، و حفظ ماله، و في حماية حق من حقوقه واجبة علي كل أحد اماما كان أو غيره». و قال (ص 82): «و التقية هي وقية النفس من اللائمة، و العقوبة و هي بهذا المعني من الدين جائزة في كل شي‌ء»، قال (ص 85) عند نقل كلام الصادق: «و التقية واجبة ان كان في تركها ضرر لنفسه، أو غيره حرام عند أمن الضرر مكروهة حيث يخاف الالتباس علي العوام»، و قال (ص 81): «روي الامام السرخسي في المبسوط عن الحسن البصري: التقية جائزة الي يوم القيامة. و التقية أن يقي الانسان فنسه أو غيره بما يظهره، و قد كان بعض أهل العلم يأبي ذلك و يقول أنه من النفاق و الحق جوازه (الا أن تتقوا منهم تقاة) [آل عمران / 28]و قد أذن الشارع لعمار، و هذا النوع من التقية تجوز لغير الأنبياء، أما التقية في الدعوه، و النقل، فلا تجوز أصلا أبدا لأحد؛ و الا لدخلت الشبهة في الأدلة».

ترجيح أحد الخبرين بمخالفة التقية

قال (ص 27): للشيعة و لكتبها في حيلة التقية غرام، قد ضغفها حبا حيلة التقية، فاذا روي امام حديثا يوافق ما عليه الأمة، أو عمل عملا يشبه عمل الأمة؛ فان الشيعة تردها علي أنها حيلة، علي أنها تقية، نحن نجل الأئمة، و نحترم أهل البيت، و من عزة الامام و أعظم شرفه أن يكون من الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحدا الا الله. و من الذين يجاهدون في سبيل الله، و لا يخافون لومة لائم». و قال (ص 82): «و أسوأ التقية في رواية الأخبار فقيه الشيعة يقول و لا يتقي: ما اختلف من أخبار أهل البيت فهو التقية و التقية، رحمة للشيعة، و الامام ان قال قولا علي سبيل التقية فللشيعي أن يأخذ به ان لم ينتبه الي أن قول الامام كان علي سبيل التقية. فقيه الشيعة يحمل الرواية علي التقية اذا كان [ صفحه 221] رجال السند من أهل السنة أو الزيدية، و هذه حيلة الشيعة في رد السنن الثابتة من الأئمة، الوجه في هذه الرواية التقية لأنها موافقة لما تراه الأمة».

التقية بالعبادة و الرواية

و قال (ص 27): «أما التقية بالعبادة بأن يعمل عملا لم يقصد به وجه الله و انما تاه و هما و خوفا من سلطان جائر، و التقية بالتبليغ بأن يسند الامام الي الشارع حكما لم يكن من الشارع، فان مثل هذه التقية لا تقع أبدا من أحد له دين و يمتنع صدورها من امام له عصمة، و حمل رواية الامام، و عبادة الامام علي التقية طعن علي عصمته، و طعن علي دينه، و التقية في العبادة عمل لم يقصد به وجه الله، و كل عبادة لم يقصد بها وجه الله باطلة، و هي شرك؛ ان قصد بها النفاق، و كل رواية يرويها عدل، فهي أداء أمانة و هي تبليغ و حملها علي التقية قول بأن العدل قد افتراها علي الله، و كاد بها الأمة، و كل سامع». و قال (ص 85): «و ليس يوجد بين الكلمات ما يثبت أن اماما كان يأتي تقية في عبادته بعمل لا يعتقده قربة، أو كان قد يضع حديثا يراه باطلا يرفعه الي الشارع تقية يتظاهر بالوفاق عند العامة نفاقا، و لا كلام لنا الا في هاتين الصورتين من التقية». و قال (ص 28): «و كل يعلم أن خلاف الرواية السكوت، و الساكت آمن من كل شر، و لم يقع أن جائرا عاقب الساكت».

تشديد الصادقين في أمر التقية

حكي (في ص 80) عن أصول الكافي عن الباقر و الصادق: «من ترك التقية في دولة الباطل يكون (كذا) لم يرض بقضاء الله، و خال أمر الله وضيع مصلحة الله التي اختارها لعباده يقولان التقية ديني و دين آبائي و لا دين لمن لا تقية له»، و قال (ص 85): «كان الصادق يقول: التقية من دين الله في كل ملة في الأقوال، و الأفعال، و السكوت عن الحق، حفظا للنفس، و المال، و ابقاء للدين، و لولا التقية لبطل دين الله، و انقرض أهله و أمثال ذلك، سمعت أبي [ صفحه 222] يقول: ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف ان كانوا يشهدون الأعياد و يشدون الزنانير، فأعطاهم الله أجرهم مرتين: مرة للايمان، و مرة للعمل بالتقية، و قال الصادق: كانت طائفة آمنت بمحمد، و أخفت ايمانها تقية. فنزلت (أولئك الذين يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) - علي مصائب التقية - (و يدرأون بالحسنة» - بالتقية - (السيئة) [القصص / 54]الاذاعة.

امور عاب بها التقية

قال (ص 82): «و التقية علي ما عليه الشيعة غض في الدين، و بيانه نصيحة و نصح، و الامام لا يسلك الا طريق النصح، و لم يكن أحد من الأئمة يسلك طريق الغش، و كل يعلم أن من أظهر بلسانه ما لم يعتقده بقلبه، فهو كذب و نفاق تجيزها الشيعة لغرض عدائي». و قال (ص 84): «و لا أظن أن الأئمة كانوا يعلمون الشيعة التقية تقية الخداع في الأخبار و النفاق في الأحكام. و الشيعة تتقي في طفائف الأمور تعمل أعمالا نفاقية، و تضع أخبارا علي وجه التقية، ثم تجاهر بأسوأ الكبائر، و تزعهم أنها تتقي تقية بها تخادع العامة». و قال (ص 85): «تقية الشيعة روحها النفاق، و ثمرتها كفر التهود، قالوا سمعنا و عصينا اذا تقررت أدبا دينيا فقلت: كل شيعي في غلات التشيع يكون مستورا وراء التقية لا يبقي لقوله قيمة، و لا يبقي لعمله صدق، و لا لوعده و عهده وفاء، و (يحلفون بالله أنهم لمنكم و ما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون» [التوبة / 56]. و استشهد (ص 86) علي بطلان التقية - و ظن أنه قد فتح بذلك كنزا - بقول الامام: «العبادة خوفا من العذاب عبادة العبيد، و طمعا في الأجر عبادة الاجراء، و اطاعة للأمر و حبا لله عبادة الأحرار». قال: «فكيف يكون حال امام معصوم يأتي تقية بعبادة عند سلطان جائر؟ وهما في خوفه أو طمعا في رضاه أو سعيا لارضاء هوي باطل، أو كيف أدب امام له دين يفتري علي الله [ صفحه 223] حكماء؟ أو علي نبيه حديثا يتعمد الكذب، و يزعم فيه التقية و هو واهم في خوفه و ضال ينافق في تظاهره بالوفاق للعامة؟ ثم كيف تنسب التقية الي الباقر و في طوماره و لا تخش الا الله أن يعصمك من الناس؟ نحن أهل السنة و الجماعة نبري‌ء كل مؤمن له أدب من أن يتدرك الي مثل هذا الدرك الأسفل من الأدب». و ختم كلامه (ص 85) بقوله: «هذه جمل غثها و سمينها للشيعة في التقية كلمات بعضها حق، و كلها أريد بها باطل و أدعي أنا - احتراما لكل امام - أن جميعها موضوع علي لسان الصادق و الباقر». و نقول: قد أفرط هذا الرجل في تعنته، و تعصبه، و عناده، و اساءة القول، و لم يأت بشي‌ء يصح أن يقال عنه: انه دليل أو شبه دليل. و العجب منه و من أمثاله في عيبهم الشيعة بالتقية، و قد نطق بها القرآن الكريم، و جوزها الشارع الحكيم في أفظع و أعظم شي‌ء يتصور في موالاة الكفار، و اظهار كلمة الكفر، و مدح الأصنام، و سب الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم كما ستعرف و عيب التقية ليس علي الشيعة الذين حفظوا بها دماءهم، و أموالهم، و أعراضهم، بل عارها و شنارها و وبالها علي من اضطر الشيعة اليها.

معني التقية

التقية: لغة الحذر، و شرعا: اظهار خلاف الواقع في الأمور الدينية بقول أو فعل خوفا، و حذرا علي النفس، أو المال، أو العرض المعبر عنه في هذا الزمان بالشرف علي نفسه، أو علي غيره.

حكم التقية

و حكمها: انها واجبة عند حصول هذا الخوف، محرمة عند عدمه، قال الامام الرازي في تفسير سورة آل عمران: «التقية انما تجوز في ما يتعلق باظهار الموالاة و المعاداة، و قد تجوز في ما يتعلق باظهار الدين، فأما ما يرجع ضرره الي الغير كالقتل... فذلك غير جائز البتة، و مذهب الشافعي أن الحالة بين [ صفحه 224] المسلمين اذا شاكلت الحالة بين المسلمين و المشركين حلت التقية محاماة علي النفس. و التقية جائزة لصون النفس، و هل هي جائزة لصون المال يحتمل لقوله صلي الله عليه و آله و سلم: حرمة ما المسلم كحرمة دمه، و لقوله: من قتل دون ماله فهو شهيد، و الماء اذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء فكيف لايجوز هنا» [299] و قال الباقر عليه‌السلام في ما رواه الكليني في أصول الكافي: «انما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فاذا بلغ الدم فليس تقية». [300] . و حكي الامام الرازي عن مجاهد: «الحكم - يعني في التقية - بالجواز كان ثابتا في أول الاسلام؛ فأما بعد قوة دولة الاسلام فلا. قال: و روي عوف عن الحسن: أن التقية جائزة للمؤمنين الي يوم القيامة، و هذا القول أولي؛ لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الامكان». [301] .

دليل التقية

و الدليل عليها العقل و النقل، فقد قضي العقل بجواز دفع الضرر بها، بل بلزومه و اتفق عليها جميع العقلاء، و نص عليها الكتاب العزيز، و السنة المطهرة. فمن الكتاب آيات منها: قوله تعالي في سورة آل عمران 28)لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من الله في شي‌ء الا أن تتقوا منهم تقاة) الآية، و مهما اختلف المفسرون في سبب النزول، و في معني التولي للكافرين فالآية صريحة في النهي عن اتخاذهم أولياء، و في تهديد الفاعل لذلك بأنه ليس من الله في شي‌ء بقطع العلاقة بينه و بين الله تعالي، و ذلك تهديد عظيم و ذم كبير ليس أكبر و لا أعظم منه، و مع ذلك فقد رخص الله فيه و في اظهاره عندالخوف و التقية. فهل يبقي بعد ذلك مجال للوم الشيعة علي [ صفحه 225] التقية لحفظ دمائهم، و أموالهم، و أعراضهم؟ و هل يبقي مجال لتشدق موسي جارالله و أضرابه؟ و منها قوله تعالي في سورة النحل 106: (من كفر بالله بعد ايمانه الا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله و لهم عذاب عظيم) قال الرازي في تفسير هذه الآية: (رأي أن ناسا من أهل مكة فتنوا، فارتدوا عن الاسلام و فيهم من أكره فأجري كلمة الكفر علي لسانه مع أنه كان بقلبه مصرا علي الايمان. منهم: عمار، و أبواه ياسر و سمية، و صهيب، و بلال، عذبوا. فقتل ياسر و سمية، و أما عمار فقد أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها، فقيل: يا رسول الله ان عمارا كفر. فقال: كلا ان عمارا ملي‌ء ايمانا من فرقه الي قدمه، و اختلط الايمان بلحمه و دمه، فأتي عمار رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو يبكي، فجعل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يمسح عينيه، و يقول: مالك ان عادوا لك فعد لهم بما قلت [302] و في مجمع البيان: «عن ابن عباس و قتادة نزلت في جماعة أكرهوا و هم عمار و أبوه و سمية أمه و صهيب و بلال و خباب عذبوا و قتل أبوعمار و أمه و أعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا منه ثم أخبر سبحانه بذك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال قوم: كفر عمار فقال صلي الله عليه و آله و سلم: كلا ان عمارا ملي‌ء ايمانا من قرنه الي قدمه و اختلط الايمان بلحمه و دمه، و جاء عمار الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو يبكي فقال: ما وراءك؟ فقال: شر يا رسول الله، ما تركت حتي نلت منك و ذكرت آلهتهم بخير، فجعل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يمسح عينيه و يقول: ان عادوا لك فعد لهم بما قلت فنزلت الآية». [303] . و أخرج الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه، قال: «أخذ المشركون عمار بن ياسر، فلم يتركوه حتي سب النبي صلي الله عليه و آله و سلم و ذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قال: ما [ صفحه 226] وراءك؟ قال: شر يا رسول الله ما تركت حتي نلت منك و ذكرت آلهتهم بخير. قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالايمان. قال: ان عادوا فعد. قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين - البخاري و مسلم - و لم يخرجاه». [304] و ذكره الذهبي في تلخيص المستدرك معترفا بأنه صحيح علي شرطهما. و روي الكليني في الكفي أنه قيل لأبي عبدالله عليه‌السلام: «انا الناس يروون أن عليا عليه‌السلام قال علي منبر الكوفة: أيها الناس انكم ستدعون الي سبي فسبوني، ثم تدعون الي البراءة مني فلا تبرؤوا، فقال: مني، قال: ما أكثر ما يكذب الناس علي علي عليه‌السلام. ثم قال: انما قال: انكم ستدعون الي سبي فسبوني ثم ستدعون الي البراءة مني و اني لعلي دين محمد؛ و لم يقل: فلا تبرؤوا مني. فقال له السائل: أرأيت ان اخترا القتل دون البراءة؟ فقال: و الله ما ذلك عليه، و ما له الا ما مضي عليه عمار بن ياسر، حيث أكرهه أهل مكة و قلبه مطمئن بالايمان فأنزل الله عزوجل فيه (الا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان) فقال له النبي صلي الله عليه و آله و سلم عندها: يا عمار ان عادوا فعد، فقد أنزل الله عزوجل عذرك و أمرك أن تعود ان عادوا». [305] . و منها قوله تعالي في سورة المؤمنين 28: (و قال رجل من آل فرعون يكتم ايمانه)، فهل كان يكتم ايمانه الا و هو يتقي؟. و مما يدل علي جواز التقية، بل وجوبها، مضافا الي ما سبق عموم قوله تعالي: (و لا تلقوا بأيديكم الي التهلكة) [البقرة / 195]. (يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر) [البقرة / 185]. (ما جعل عليكم في الدين من حرج) [الحج / 78]. (لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها) [الطلاق / 7]. و مما يرشد الي التقية قوله تعالي: (و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) [الأنعام / 108]. [ صفحه 227] و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «بعثت بالحنيفية السمحة السهلة» [306] و روي ابن‌سعد في الطبقات الكبير بسنده «أن أبابكر كان ردف النبي صلي الله عليه و آله و سلم بين مكة و المدينة، و كان أبوبكر يختلف الي الشام، فكان يعرف، و كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم لا يعرف، فكانوا يقولون: يا أبابكر من هذا الغلام بين يديك؟ فيقول: هذا يهديني السبيل» [307] فقد وري أبوبكر بما يظهر منه أنه يفتش علي ضائع ضاع له و أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم دليل يدله علي الطريق، و هذا وراءك؟ قال: هاد يهديني [308] فقد وري أبوبكر بما يظهر منه أنه يفتش علي ضائع ضاع له و أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم دليل يدله علي الطريق، و هذا نوع من الكذب لأجل الخوف أقره عليه النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و لم ينهه عنه. و التورية لا ترفع الكذب، و لهذا لاتجوز في اليمين لفصل الخصومة. و حكي اليعقوبي في تاريخه و غيره: أنه لما جاء بسر بن أبي أرطأة بجيشه الي المدينة، و طلب جابر بن عبدالله، قال جابر لأم سلمة: اني خشيت أن أقتل، و هذه بيعة ضلال، فقالت: اذا تبايع؛ فان التقية حملت أصحاب الكهف علي أن كانوا يلبسون الصلب، و يحضرون الأعياد مع قومهم. [309] و في ميزان الاعتدال: «قال مصعب عن الدراوردي لم يرو مالك عن جعفر حتي ظهر أمر بني العباس» [310] فلماذا لم يرو مالك امام المذهب عن جعفر الصادق في ملك بني‌أمية و كتم علمه الذي يرويه عن جعفر حتي ظهر أمر بني العباس هل كان داعيه الي ذلك الا الخوف و التقية؟ فهل كان مالك أخوف علي نفسه من بني أمية، و هو لا يظهر عداءهم، و لا يظهرون عداءه من الباقر الذي يعادونه و يسبون جده علي المنابر؟ و قد قال ابراهيم عليه‌السلام لقومه: (اني سقيم) [الصافات / 89] [ صفحه 228] و لم يكن سقيما، و أمر يوسف فنودي: (أيتها العير انكم لسارقون) [يوسف / 70]و لم يكونوا سارقين (و قالوا صواع الملك) [يوسف / 72]ولم يفقدوه، فاذا جاز الكذب لأنبياء الله تعالي لمصحلة لا تبلغ حفظ النفس، أفلا يجوز الكذب بعمل أو قول تقية لحفظ النفس؟ و لما عزز الله رسولي عيسي الي أهل أنطاكية بشمعون الصفا أظهر شمعون أولا أنه منهم حتي توصل الي مراده. و الحاصل: أن الاضطرار يبيح الحرمات بضرورة شرع الاسلام، فيحل للمضطر أكل الميتة لحفظ حياته، و يحل لمس بدن الأجنبية لانقاذها من الغرق، و يسوغ الكذب - و هو من الكبائر - لمصلحة لا تبلغ الاضطرار كالاصلاح بين الناس، و يجب لحفظ نفس محترمة الي غير ذلك مما لا يحصي، و ليست التقية الا نوعا من الضرورات لحفظ الدم و المال و العرض. و من العجيب أن خصومنا يتقون اذا ابتلوا بما دون الخوف علي النفس، و يشنعون علينا اذا اتقينا عند الخوف علي أنفسنا. و قد أجاب عن الاستدلال بالآية الأخيرة، فقال (ص 80): «قيل عند الباقر ان الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون العلم تؤذي ريح بطونهم أهل النار، فقال الباقر: فهلك اذا مؤمن آل فرعون. ما زال العلم مكتوما منذ بعث الله نوحا فليذهب الحسن يمينا و شمالا لا يوجد العلم الا هاهنا - و أشار الي صدره. [311] امام الأئمة الحسن البصري يقول: ان النبي لم يترك لأمته سوي ما في أيدي الناس. و قد كذب كذبا من يدعي أن عنده من علوم النبي و أسراره ما ليس في أيدي الناس، و كذلك يكذب من يدعي أنه يظهر من ذلك ما يشاء و يكتم ما يشاء. و أراد الباقر أن يرد قول الحسن البصري بأن الكتمان عند التقية طريقة مستمرة من زمن نوح الي الآن، و أن مؤمن آل فرعون قد كتم بنص القرآن الكريم، و يدعي الباقر أن أكثر المعارف و الشرائع لا يوجد الا في صدره و أن التقية و الكتمان من دينه و دأبه، و لا أري الا أن ما أسند الي الباقر موضوع. و لم يضعه الا جاهل لأن مؤمن آل فرعون لم يكتم العلم، و انما كتم ايمانه، و بث [ صفحه 229] علمه بتفصيل ذكره القرآن الكريم في آية 18 من سورة غافر و الآيات ظاهرة في رد ما يدعيه الباقر، و تدل علي بطلان التقية دلالة قطعية و الآية الأخيرة (فوقاه الله سيئات ما مكروا) [غافر / 45]نص في أنه ما نجا الا بتركه التقية، و لو اتقي لكان أول ما دخل في قول الله (و حاق بآل فرعون سوء العذاب) [غافر / 45]». و قال (ص 81): «عجيب مستبعد أن كتب الشيعة ترفع الي أعلم الأئمة قولا لا يمكن صدوره الا من أجهل جاهل، ثم تفتخر، و مؤمن آل فرعون اذ يكتم ايمانه من آل فرعون لا يتقي بالكتم، بل يقتوي به الي سماع كلماته الناصحة الهادية و لو أظهر؛ لكان قوا من عدو يدعوهم الي تبديل الدين، أو أن يظهر في الأرض الفساد، فالكتم في مثله اقتواء و ليس باتقاء». و نقول: الحسن البصري كان - كما وصفه بعض أئمة أهل البيت عليهم‌السلام - يجاري كل فرقة فرقة و يتصنع للرياسة، و الامام الباقر لما علم أنه كان يري نفسه في غني عن علم أهل البيت عليهم‌السلام رد قوله هذا بأقوي حجة؛ فانه لما أطلق ذم كاتم العلم مع الخوف و عدمه. رد عليه بكتمان مؤمن آل فرعون ايمانه، فاذا عذر كاتم الايمان لخوفه؛ فبالحري أن يعذر كاتم العلم مع أن كتمان الايمان لا يتم الا باظهار الكفر بخلاف كتمان العلم؛ فانه يكفي فيه السكوت، و ستعرف أن كتمان الايمان يلزمه كتمان العلم، و بين أنه و ان ادعي الاستغناء عن علم أهل البيت عليهم‌السلام، فلن يجد العلم الا عند أهل البيت عليهم‌السلام ورثة علوم جدهم الرسول صلي الله عليه و آله سلم، و حق له أن يقول ذلك و قد سماه جده الرسول باقر العلم فليذهب الحسن البصري - سواء أأسماه امام الأئمة أم لا - و غير الحسن البصري، و موسي جار الله، وراءهم يمينا و شمالا، و شرقا و غربا، و برا و بحرا، و أين شاؤوا، فلن يجدوا العلم الصحيح الا عند أئمة أهل البيت، مفاتيح باب مدينة العلم، و وارثي علم جدهم الرسول صلي الله عليه و آله سلم، و لا يستحق أحد أن يسمي امام الأئمة غيرهم علي أنه قد حكي في ما مر عن السرخسي عن الحسن البصري أن التقية جائزة الي يوم القيامة، فكيف يستشهد بكلامه هنا علي نفي التقية؟ [ صفحه 230] و قد كذب كذبا من يدعي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يترك لأمته سوي ما في أيدي الناس الذين أخذوا بآراء الرجل التي تخطي‌ء و تصيب و بالمقاييس، و أعرضوا عن علوم آل محمد عليهم‌السلام الذين جعلوا شركاء القرآن، و أحد الثقلين لا يضل المتمسك بهم، و مثل باب حطة، و سفينة نوح، و الذين أمروا بأن يتعلموا منهم، و لا يعلموهم، و أن لا يتقدموهم، و لا يتأخروا عنهم، و الذين قولهم و حديثهم «روي جدنا عن جبرئيل عن الباري». و لا نظن أن نسبة هذا الكلامح الي الحسن البصري صحيحة، فهو في علمه و معرفته لم يكن لينكر أن أهل البيت عليهم‌السلام أعلم الناس في زمانهم، و أن عندهم ما ليس عند الناس، و ان نسب اليه الانحراف عن علي عليه‌السلام و حكي عنه انكار ذلك. و كيف كان فكلامه ليس و حيا لا سيما ان خالف المنقول و المشاهد. و بماذا علم موسي جار الله أن علوم النبي و أسراره أحاط بها من عدا أهل البيت، و لم ينفرد أهل البيت بشي‌ء منها ما هو الا التخرص علي الغيب، و عدم انزال أهل البيت بالمنزلة التي أنزلهم الله بها. و أما قوله: و يكذب كذبا من يدعي أنه يظهر من ذلك ما يشاء، و يكتم منه ما يشاء، فليس أحد أحق بالكذب و الافتراء منه في هذا القول. فلا يكتم الا ما يخاف من اظهاره، يكتمه عمن يعلم أنه لا يقبله أو يخاف شره علي نفسه، و لا يكتمه عمن يقبله من أصحابه و أتباعه. و اذا أراد الباقر أن يرد قول الحسن البصري بما ذكره، فما أتي الا بواضح البرهان، و شاهد القرآن، و من هو وارث علم الأنبياء غيره و غير أهل بيته!؟ و اذا ادعي الباقر أن أكثر المعارف و الشرائع لا يوجد الا عنده، فحق له ذلك فهو باقر علوم جده الرسول، و مفتاح باب مدينة العلم، و امام من أمرنا بأن نتعلم منهم و لا نعلمهم، و ان من قال: سلوني قبل أن تفقدوني، و ابن من قال: لو ثنيت لي الوسادة، و ابن من قيل فيه: لولا علي، قضية و لا أبوحسن لها، فقد ورث علوم أجداده خلفا عن سلف، فهذا الثمر من ذلك الشجر، و هذا السيل من ذلك المطر شاء موسي جار الله و أضرابه أو أبوا. [ صفحه 231] و اذا كانت التقية و الكتمان لعلمه ممن يخاف شرهم، و لا يأمن ضرهم من دينه و دأبه، فما فعل ألا ما أوجبه العقل، و الدين، و الشرع، و ما أمر به الله و رسوله، فزعم موسي جار الله أنه موضوع لم يضعه الا جاهل جهل. و تعليله ذلك بأن مؤمن آل فرعون لم يكتم العلم، و انما كتم ايمانه، و بث علمه تعليل فاسد، فهل كان حبيب النجار يظهر أنه علي دين قوم فرعون، فان لم يكن يظهر ذلك لم يكن قد كتم ايمانه، و اذا كان يعلم أن فرعون و كل بني آدم لا يستحق واحد منهم أن يكون الها، و أن ما عليه فرعون و قومه باطل، و كتم ذلك، و أظهر خلافه، أفليس يكون قد كتم علما، و أظهر باطلا، و هل يصح أن يقال في حقه انه لم يكتم العلم. و أما أنه بث علمه بما حكته آيات سورة غافر، فانما يكون ردا علي من يقول: انه لا يجوز لأحد كتم شي‌ء من علمه خوفا أن يظهر غيره، و لو كان لا يخاف من اظهاره، أو أن من كتم علما خوفا ثم أمن لا يجوز له اظهاره بعد الأمن فمؤمن آل فرعون فصرح القرآن الكريم أنه كان يكتم ايمانه، و كتمان الايمان يلزمه كتمان العلم، ثم صرح القرآن بأنه أظهر شيئا من علمه بقوله: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله و قد جاءكم بالبينات و ان يك كاذبا فعليه كذبه و ان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم أن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) [غافر / 28]الي قوله (فوقاه الله سيئات ما مكروا و حاق بآل فرعون سوء العذاب) [غافر / 45]و هي الآيات التي حكي الله تعالي فيها قوله لقومه، فأما أن يكون خائفا من اظهار ايمانه، آمنا من عاقبة ما قاله لقومه، أو يكون خائفا أولا ثم آمن و علي كل حال، فهو قد كتم ايمانه يقينا، و كتمانه كتمان للعلم، و بذلك يظهر أن هذا التعليل الذي علل به فاسد عليل، و أن دعواه أن تلك الآيات ظاهرة في رد ما يدعيه الباقر، و دالة علي بطلان التقية دلالة قطعية باطلة بطلانا قطعيا، و دالة علي جهله، و سوء أدبه دلالة جلية، و كيف يقول هنا: انها دالة علي بطلان التقية، و هو قد قال في ما مر: التقية بمعني وقاية النفس من اللائمة و العقوبة هي من الدين، ولكنه لا يبالي بتناقض أقواله.و قوله: الآية الأخيرة نص في أنه ما نجا الا بترك التقية تقول علي الله [ صفحه 232] و آياته، فليس في الآية الا أنه كانت عاقبته أن (فوقاه الله سيئات ما مكروا) أما كون ذلك بسبب التقية فلا تدل عليه بنص و لا ظهور و لا ربط لها بذلك، و لا يبعد أن يكون الله تعالي وقاه سيئات ما مكروا باستعماله التقية في أول الأمر بكتمان ايمانه، و لو أظهره أولا لقتل، ولكنه اتقي فكتم ايمانه و أظهر أنه مثلهم (فوقاه الله سيئات ما مكروا) و قوله: لو اتقي لدخل في (و حاق بآل فرعون فسوء العذاب) طريف جدا فهل كان سبب حوق سوء العذاب بآل فرعون اتقاؤهم. و قوله: عجيب مستبعد «الخ» هو عجيب لكنه غير مستبعد أن يصدر من هذا الرجل ما لا يمكن صدوره الا من أجهل جاهل بعدما تكرر منه صدور أمثال ذلك، ثم يفتخر بأنه اهتدي الي ما لم يهتد اليه الامام الباقر، و يقول مؤمن آل فرعون اذ يكتم ايمانه لا يتقي بالكتم، بل يقتوي به مع أن الكتم سواء اقتوي به أم لا فهو تقية اذ لو كان لا يخاف فلماذا يكتم فان قال أنه لا يخاف من القتل لكن يخاف من عدم قبول قوله، قلنا: هذا نوع من الخوف أظهر خلاف الواقع بسببه و الامام الباقر اذ يكتم بعض علمه المتضمن أنه امام من بني‌أمية و بني‌العباس لا يتقي بالكتم - ان صح أن لا يسمي ذلك اتقاء - بل يقتوي به الي اسماع كلماته الناصحة الهادية، و بث أحكام جده الصحيحة العادلة حتي ملأ ذلك منه بطون الكتب و الدفاتر، و لو أظهر كل ما عنده من علم لجميع الناس لكان قولا من عدو يدعوهم الي خلع طاعة من لا يستحق الخلافة، أو أن يظهر في الأرض الفساد، فلا يتوقفون عن قتله أو سجنه كما فعلوا بجماعة من أهل بيته، فيكون الكتم في مثله اقتواء و ليس باتقاء، و الصواب أنه اتقاء و اقتواء في آن واحد. فظهر بما تلوناه عليك أن التقية مما قضي به العقل، و فعله كافة العقلاء و أجازه و أمر به النقل حتي في أفظع الأفعل و الأقوال و أشنعها، و أن في تركها مخالفة لقوله تعالي (و لا تلقوا بأيديكم الي التهلكة) [البقرة / 95]وأنها نوع من أنواع الضرورات التي تباح لأجلها المحذورات، و بذلك تعلم أن جميع ما أتي [ صفحه 233] به سخف باطل، و مماحكة و مراء، و تعصب و عناد لا نصيب له من الصحة، و هو يتخلص في أمور: الأول: ما ذكره في معني التقية و محلها و هو لا يفترق عما نقوله شيئا فهو يقول: انها واجبة علي كل أحد في حفظ حياته، و شرفه، و ماله، و حماية حقه، فهل بلغه أن الشيعة تجيز التقية في غير هذه المواضع الأربعة؟ كلا و من زعم غير ذلك فقد كذب و افتري. و يقول: انها وقاية النفس من اللائمة و العقوبة، و أنها بهذا المعني من الدين، و هذا هو الذي نقول به، و الذي أمرنا به أئمتنا لا نحيد عنه قيد شعرة، و اذا كانت عنده جائزة في كل شي‌ء، فما باله خصصها بغير العبادة و الرواية، و ما دليل هذا التخصيص؟! و لسنا ندري ما يريد بقوله: مكروهة، حيث يخاف الالتباس علي العوام، و في أي مكان وجده، بل هي واجبة عند الضرر، حرام عند عدمه لا غير، أو مباحة اذا لم يكن فيها اغراء بالجهل، و لا ندري مبلغ صحة هذا النقل انها واجبة و محرمة و مكروهة، و الذي يظهر انحصارها في واجبة و محرمة، و ما حكاه عن الحسن البصري و السرخسي لا يخرج عن التقية التي تقول بها الشيعة، و آباء بعض أهل العلم ذلك جمود و جهل، و لو ابتلي هذا البعض ببعض ما يسوغ التقية لما توقف عنها، و منع التقية في النقل ما هو الا جهل فلا يجب علي الانسان أن يسلم نفسه للقتل، أو ما دونه تجنبا عن نقل كاذب، و ليس هو بأعظم من اظهار الكفر. و شيوع الشبهة و دخولها في الأدلة ممنوع؛ فللشبهة ما يرفعها من أدلة العقل و النقل، و لو سلم فليس بأعظم من شيوع الكفر. الثاني: التقية في الجمع بين الخبرين المتعارضين، زعم أن الشيعة لها غرام بحيلة التقية، شغفها حبا حيلة التقية، و فرع عليه أنه اذا روي امام حديثا يوافق ما عليه الأمة ترده علي أنها تقية. و كذب في عبارته الأولي التي تفاصح بها بالحيلة و الحيلة؛ فالشيعة اتبعت ما أمر الله به في كتابه من التقية، و جاءت به سنة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، و أوصت به أئمة أهل البيت عليهم‌السلام أحد الثقلين، و شركاء القرآن، و فعله عامة العقلاء ففعلتها [ صفحه 234] - حيث تفعلها - كارهة لها، صابرة علي مضضها حسبة لله تعالي، حافظة بها دماءها، و أموالها، و أعراضه من طواغيت الظلمة. و انما هو قد شغفه حب المراء و العداء، و تفريق الكلمة، و مصادمة البديهة، فجاء بما جاء، و نطق بما نطق، كما كذب في عبارته الثانية تمسكا بعصبية باطلة، قاده اليها العداء ما ردت الشيعة حديثا ولا عملا؛ لأنه يوافق ما عليه الأمة، و لا هذا رأيها ولا اعتقادها، و جل الأحاديث و الأعمال التي تأخذ بها الشيعة و تقتدي بالأئمة فيها موافق لعمل من يسميهم الأمة، و انما ترجح أحد الحديثين المتعارضين عند فقد جميع المرجحات في السند و الدلالة بموافقته لفتوي أئمة أهل البيت عليهم‌السلام كما مر آنفا في موافقة الأمة و مخالفة الأمة، و هذا بعيد عما يزعمه بعد المشرق عن المغرب، و اذا كان يجل الأئمة، و يحترم أهل البيت عليهم‌السلام، و يري من عزة الامام و أعظم شرفه أن يكون من الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحدا الا الله و من الذين يجاهدون في سبيل الله، و لا يخافون لومة لائم، فهل كان الأئمة - و هو لا يراهم بالعين التي تراهم بها الشيعة - أعظم عنده من موسي كليم الله، و هو نبي من أولي العزم حين قال: (ففررت منكم لما خفتكم) [الشعراء / 21]و حين خرج من مصر خائفا يترقب، أو أعظم من نبي الله شعيب حين قال: (لو أن لي بكم قوة أو آوي الي ركن شديد) [هود / 80]أو أعظم من هارون، وزير موسي و شريكه في الرسالة، حين قال: (ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني) [الأعراف / 150]فلماذا لم يكلفوا أن يجاهدوا أعداءهم و لا يخافوهم و يخشوا الله و لا يخشوا أحدا الا هو، أو أعظم من محمد صلي الله عليه و آله و سلم حين كان يعبد ربه سرا في أول الرسالة، و حين اختفي ثلاثا في الغار، ثم فر هاربا الي المدينة مستخفيا، فلماذا لم يكلف أن يجاهد المشركين يومئذ و لا يخافهم، و يخشي الله و لا يخشي غيره. و قوله: أسوأ التقية في رواية الأخبار هو من أسوأ الأقوال: وفقيه الشيعة يمنعه ورعه و تقواه عن أن يقول في ما اختلف من أخبار أهل البيت عليهم‌السلام؛ الا بما ثبت عنده من الحق الصريح منم الترجيح بالمرجحات في السند و الدلالة، [ صفحه 235] و موافقة الكتاب و السنة، و عند فقد جميع ذلك يرجح بموافقة فتاوي أئمة أهل البيت؛ لأنها أقرب الي الحق كما مر آنفا، ولكن هذا الرجل يقول و لا يتقي أن ما اختلفت من أخبار أهل البيت عليهم‌السلام فهو التقية عند فقيه الشيعة، و لا شك أن التقية رحمة للشيعة؛ حفظت بها دماءها، و أموالها، و أعراضها، و لولاها لما بقي واحد منها. و هو يشك في ذلك و قد جاءنا من أقاصي الأرض ينابذ الشيعة و يخاصمهم، و يوري نار العداء لهم بغير حق، و قد بلغت حالة المسلمين ما بلغت من وهن سنيهم و شيعيهم، و التقية أولي أن تكون رحمة من اختلاف الأمة المدعي أنه رحمة، المستلزم كون اتفاقها نقمة. والشيعي ان أخذ بقول الامام الصادر تقية و لم يتنبه - و هو أقل قليل - كان معذورا كما يعذدر من يأخذ بأقوال أهل المذاهب المختلفة الذي عد اختلافها رحمة و لا يمكن أن يكون كلها قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؛ لأن قوله واحد، و شرعه واحد، انما يعذر من يخالفه باجتهاده. و كون كل مجتهد مصيبا قد بين مفاده في الأصول انما كل مجتهد معذور مع عدم تقصيره، و مقلده معذور كما يعذر الذي يأخذ بما رواه الراوي كذبا و هو لا يعلم كذبه. و قد كثرت عليه الكذابة في حياته فضلا عما بعد وفاته. و فقيه الشيعة لا يحمل الرواية علي التقية بمجرد كون رجال السند ممن تسموا بالسنيين أو الزيدية - كما افتراه هذا الرجل - فالشيعة عملت بروايات الثقات من السنيين و الزيدية، كما عملت بروايات جميع من خالفها في العقيدة من الثقات كالفطحية، و الناووسية، و الواقفة، و غيرهم وردت أحاديث الشيعة أنفسهم ان لم يكونوا ثقاتا، و منه تعلم أن قوله: هذه حيلة الشيعة «الخ» زور، بهتان، و تعصب بجهل، و حيلة للرد علي الشيعة، و انما رد غيرها السنن الثابتة عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أهل بيته عليهم‌السلام أحد الثقلين، و شركاء القرآن، بقول: أصحابي يعترفون بعدم عصمته كما يعلم مما يأتي في المتعة، و العول، و الأذان، و الاقامة، و غيرهما. الثالث: التقية في العبادة و الرواية، فمنع منهما بقوله: أما التقية بالعبادة [ صفحه 236] و التقية بالتبليغ «الخ» و قوله: لا كلام لنا الا في هاتين الصورتين. و هو يناقض قوله: التقية في سبيل حفظ حياته، و شرفه، و ماله، و حقه واجبة علي كل أحد اماما أو غيره، فاذا توقف حفظ أحد الأربعة علي التقية في أحد الأمرين، فان قال بوجوبها؛ ناقض ذلك منعه لها في الأمرين، و قال بالعدم؛ ناقض ايجابه لها لحفظ أحد الأربعة، و ان حص ايجابها لحفظ أحد الأربعة بغير العبادة و الرواية سألناه: عن المخصص، و ان أنكر توقف حفظ أحدها علي التقية في أحدهما خالف البديهة. و ما نقله عن الامامين الشافعي و السرخسي مقتضاه العموم. و اذا رخص الله تعالي عمارا في أفحش الأشياء و أقبحها للتقية، أفلا يرخص في اظهار الموافقة في عبادة أو فتوي لحفظ أحد الأربعة؟ أفما فعله عمار أعظم أم المسح علي الخف، و غسل الرجلين في الوضوء، و افتاء السائل بما يوافق مذهبه، و أي شي‌ء يبقي بعد ما فعله عمار لا تجوز فيه التقية لولا العصبية، و قلة الانصاف. و قوله: لم يقصد به وجه الله، ثم تفريعه أن ما لم يقصد به وجه الله باطل و شرك، و ان قصد النفاق طريف جدا. فاذا حفظ به أحد الأربعة به وجه الله باطل و شرك، و ان قصد النفاق طريف جدا. فاذا حفظ به أحد الأربعة الواجب عليه حفظها مطيعا أمر الله له بالتقية، كما أمر عمارا و نهي الله عن الالقاء باليد الي التهلكة، فلم لا يكون قاصدا وجه الله و أي عمل يتقرب به الي الله خير من ذلك، بل عمله من أعظم القربات. و ذكره الوهم مع الخوف لا يظهر له وجه سوي الوهم. و قوله: لا تقع أبدا من أحد له دين و يمتنع صدورها من امام له عصمة، قول لا يقع مثله أبدا من أحد له دين و يمتنع صدورها من امام له عصمة، قول لا يقع مثله أبدا من أحد له دين و انصاف، فقد بان أنه ليس في وقوعها شي‌ء ينافي الدين و العصمة عند من له انصاف و دين، و قد وقع أعظم منها لمن ملي‌ء ايمانا من قرنه الي قدمه، و اختلط الايمان بلحمه، و دمه، و أقره عليه الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم و أمره بالعود اليه اذا عادوا، بل يمتنع صدور غيرها؛ من امام له عصمة و لو صدر غيرها لكان طعنا علي عصمته و دينه؛ لأنه يكون مخالفا لأمر ربه بها، و ملقيا بيده الي التهلكة، وكيف يقصد به النفاق ليكون شركا و كيف لا يعتقده قربة، و هو من أعظم القربات. و ما ادعاؤه أنه يقصد به النفاق الا نوع من النفاق. [ صفحه 237] و اذا كانت الرواية أمانة و التقية فيها افتراء علي الشارع و كيد للأمة و كل سامع - كما يقول - فالشهادة بالوحدانية، و الرسالة، و نبذ الأصنام، أليس هو أمانة و التقية فيها باظهار انكار الوحدانية، و مدح الأصنام التي جعلت شركاء الله تعالي، و سب النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و اظهار أن ذلك هو الحق الذي يجب اتباعه، و ترك ما عداه، أليست افتراء علي الشارع و كيدا للأمة، و كل سامع، فكيف رخص فيه و في الدوام عليه لعمار الذي ملي‌ء ايمانا من فرقه الي قدمه، و اختلط الايمان بلحمه و دمه، و لم يرخص لغيره في ما هو أهون منه. ولسنا ندري ما يريد بالكلمات التي يزعم أنه لا يوجد بينها أن اماما كان يتقي في عبادته أو روايته أهي كلمات أئمة أهل البيت عليهم‌السلام أم كلمات غيرهم، فان أراد الأولي فانا نحن شيعتهم و أتباعهم قد وجدنا بين كلماتهم ما يثبت ذلك رواه لنا الثقات عن الثقات بالطرق الصحيحة فاتبعناهم و اقتدينا بهم - و نعم القدوة هم - و ان أراد الثانية لم يكن ذلك دليلا علي انتفائه، و الامام لا يضع حديثا يراه باطلا - كما زعم - بل يستفتي فيفتي بخلاف رأيه حفظا لنفسه من أذي الظالمين، فهل ذلك أعظم مما فعله عمار حتي يكون ذلك جائزا و هذا نفاقا لولا النفاق و عدم الانصاف؟! و أما تمويهه بأن خلاف الرواية السكوت، و الساكت آمن، فيرده أن التقية بالرواية تكون عند السؤال و معه قد لا يمكن السكوت، و قد يكون السؤال من نوع التجسس و هذا واضح لكن أحد ولكن عناد هذا الرجل يدعوه الي التمحل و التعسف، و لو أنصف قليلا لعلم أن من يكون مثل أئمة أهل البيت عليهم‌السلام في اشتهاردهم بالعلم و الفضل عند الخاص و العام لا يمكنه السكوت في كل مقام و لا يتيسر له و لا يقبل منه. الرابع: تشدد الصادقين في أمر التقية. نقل ما روي عنهما فيها في معرض النقد و الاستنكار. و اذا نظرنا الي ما جري علي الأئمة أهل البيت الطاهر، و أتباعهم، و سائر أفراد البيت العلوي في الدولتين الأموية و العباسية، بل و أكثر الدول الاسلامية [ صفحه 238] من سلاطين الجور الحاملين لقب امارة المؤمنين، و أعوانهم، و من عاصرهم، أو تأخر عنهم، مما شاع و ذاع و تواترت به الأخبار، و تكفلت بنقله كتب الآثار، من الظلم و الاضطهاد، الباعث لأشد الخوف بالالقاء في السجون، و القتل بالسم و السيف، و التشريد عن الأوطان، و بناء الحيطان عليهم أحياء، و دفنهم أحياء، و منع الحقوق، و التخليد في المطامير، و ايقاع كل مكروه بهم مما هو البيت كافيا في ايصال أنواع الأذي و الضرر اليه بالقتل فما دونه؛ علمنا أن الباقر و الصادق عليهماالسلام مصيبان كل الاصابة في تشديدهما الأمر بالتقية في دولة الباطل، و وصفهما تاركها بأنه لم يرض بقضاء الله، و خالف أمر الله، وضيع المصلحة التي اختارها الله لعباده، و في قولهما: «التقية ديني و دين آبائي» [312] و «لا دين لمن لا تقية له» [313] و أن التقية كانت واجبة عليهم بكل أنواعها، و أنهم كانوا معذورين فيها، و ان تركها لو تركوها كان مخلا بديانتهم، و عصمتهم، و حكمتهم، و أنه لولاها لما بقي لهم و لا لشيعتهم و أتباعهم أثر، و كانت المفسدة أعظم و أضر. قال القاضي ابن أبي‌جرادة الحلبي في شرح قصيدة أبي‌فراس الميمية: «لما عزم المنصور علي الحج في العام الذي توفي فيه، و هو عام 158 ه، دعا ريطة ابنة أخيه السفاح، و هي زوجة ابنه محمد، و أعطاها مفاتيح و أحلفها بأوكد الايمان أن لا تفتح بها خزائن عرفها اياها، و لا تطلع عليها أحدا، و لا ابنه المهدي حتي يصح عندهما موته، فيجتمعان و ليس معهما ثالث علي فتحها، فلما بلغ ابنه موته، و ولي الخلافة فتح تلك الأبواب، و معه ريطة، فاذا أزج عظيم فيه قتلي الطالبيين، و في آذانهم رقاع فيها أنسابهم، منهم المشايخ، و الشباب، و الأطفال، فلما رأي ذلك المهدي ارتاع، و أمر فحفرت لهم حفيرة و دفنوا فيها». و ما جري عليهم في عهد الملك العضوض، و العصرين الأموي و العباسي [ صفحه 239] المشؤومين، كله سلسلة مظالم قادحة، و حلقات فظائع مفجعة، و شي الي الرشيد بأن علي بن يقطين أحد وزرائه شيعي، فأمر بالتجسس عليه في عبادته، فأمره الكاظم بالتقية فأخبر الرشيد بعبادته فسلم، و عاقب الواشي و استمر ذلك في أعصار كثيرة، و بقي شرره يتطاير الي اليوم، و مع ذلك يلام اتباع أهل البيت، و يندد بهم، و ينسبون الي النفاق، و الحيلة، اذا اتقوا دفعا للضرر، و بعدا عن الخطر، أفيقع ذلك ممن عنده ذرة من انصاف، و حسبك أن يجي‌ء موسي جار الله بعد ألف و مئات من السنين من أقاصي تركستان، و آخر ما عمر الله، الي هذه البلاد في هذا الزمان الذي لم يبق فيه للاسلام دولة و لا صولة، و قد ملكت عليهم بلادهم، و أصبحوا غرباء في أوطانهم، و بدلت شرائع دينهم، يضرم نار الخلاف و يهدم بنيان الوفاق بكلماته هذه التي يقطر السم و الشر من جوانبها، و ينتقد أئمة أهل البيت عليهم‌السلام وأتباعهم بمر الانتقاد بغير حق، و يسي‌ء الأدب في حق أئمة أهل البيت الطاهر عليهم‌السلام و ان أراد ستر ذلك بأن ما أسند اليهم موضوع. «و التقية من دين الله في كل ملة» كما قال الامام الصادق [314] فقد كان مؤمن آل فرعون يكتم ايمانه. و كان أهل الكهف يتقون و ما هربوا و دخلوا الكهف الا خوفا و تقية، و لما أفاقوا بعد ثلاثمئة و تسع سنين قالوا: (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه الي المدينة فلينظر أيها أزكي طعاما فليأتكم برزق منه و ليتلطف و لا يشعرن بكم أحدا انهم ان يظهروا عليكم يقتلوكم أو يعيدوكم في ملتهم) [الكهف / 19 و 20]الآية، فأصوه بالاستخفاء و التقية خوفا من القتل، أو الفتنة عن الدين، قال الرازي في تفسيره عن ابن‌عباس (فلينظر أيها أزكي طعاما) يريد ما حل من الذبائح؛ لأن عامة أهل بلدهم كانوا مجوسا، و فيهم قوم يخفون ايمانهم» [315] فهل كانوا يخفونه الا تقية فبان بذلك صدق قول الامام الصادق: التقية من دين الله في كل ملة. في الأقوال و الأفعال والسكوت عن الحق حفظا للنفس و المال، و ابقاء للدين، و لولا التقية لبطل دين الله و انقرض أهله. [ صفحه 240] و قوله: التقية علي ما عليه الشيعة غش في الدين هو عين الغش في الدين، فقد بان أن التقية علي ما عليه الشيعة هي عين ما اعترف به في كلامه، و عين ما نقله عن السرخسي، و هي عين ما أمر الله به في كتابه، و علي لسان نبيه و أصيائه، و قضي به العقل، و لا نختلف عما يفعله هو و أهل نحلته، و جميع لأنه الناس عند خوفهم شيئا و هي عين النصح و النصيحة. و تركها غش في الدين؛ لأنه ايقاع للنفس في الضرر و في التهلكة. و الامام لا يسلك الا الطريق الصح، و لذلك أمر شيعته و أتباعه بالتقية؛ ليحفظوا نفوسهم من القتل و الأذي، و أموالهم من السلب و النهب، و أعراضهم من الانتهاك، و لو أمرهم بترك التقية لكان قد غشهم، و لم يكن أحد من الأئمة يسلك طريق الغش، ولكن هذا الرجل يأبي الا المراء، و العناد، و سلوك طريق الغش. و كل يعلم أن من أظهر بلسانه ما لم يعتقده بقلبه تقية و حفظا لدمه، و ماله، وعرضه، مأجور مثاب ثواب الصابرين داخل في قوله تعالي: (الا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان) مشارك لعمار الذي رخصه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في اظهار كلمة الكفر للتقية، فجعل هذا الرجل ذلك كذبا و نفاقا هو من الشقاق و النفاق و مرض القلب. و يزعم أن الشيعة تجيزه لغرض عدائي - و كذب - لا تجيزه الا حفظا للنفس أو المال أو العرض كما أجازه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في أفظع الأمور تقية، و لكن هذه المماحكات منه ما هي الا لغرض عدائي. و اذا كان لا يظن أن الأئمة كانوا يعلمون الشيعة التقية التي يسميها تقية الخداع في الأخبار و النفاق في الأحكام جهلا منه أو خداعا و نفاقا، فنحن نعلم و لا نظن أنهم كانوا يعلمونهم ما يفعله كل عاقل و ذي دين، و ما أمر الله به في كتابه، و ما فعله عمار، فيفعلونه مكرهين، مرغمين، صابرين علي مضضه و بلائه، كما صبر عمار مكرها مرغما و حاشاهم من الخداع و النفاق و من رماهم بذلك هو أحق و أولي به منهم، و قد اتضح مما مر وضوح الشمس الضاحية أن نسبته الي الشيعة الاتقاء في طفائف الأمور و الأعمال النفاقية بوضع الأخبار علي وجه التقية، و المجاهرة بأسوء الكبائر «الخ» نسبة كاذبة باطلة، و عمل من الأعمال الشقاقية النفاقية، و مجاهرة بأسوأ الكبائر. فالشيعة لا تأخذ [ صفحه 241] الأحكام جزافا و لا تتبع الا ما رسمه لها الدليل في أمر التقية سواء في ذلك طفائف الأمور و عظامها، و ان كلامه هذا روحه النفاق و الشقاق لله و لرسوله، و ثمرته كفر التهود، (قالوا سمعنا و عصينا) سمع قول الله تعالي: (الا من أكره) (الا أن تتقوا)، و عصاه و عاب من أطاعه و نحن سمعناه و أطعناه فأي الفريقين أحق أن يدخل تحت هذه الآية. و أي شي‌ء أعظم في تقرير التقية أدبا دينيا في القرآن. و قلب كل شيعي خال من كل شائبة، مطمئن بامتثال ما أمره به ربه في أمر التقية، ولكن قلب هذا الرجل في غلاف العداء و المراء، مستور عن رؤية الحق، واذا كان لا يبقي لقول مستعمل التقية قيمة، و لا لعمله صدق، و لا لوعده و عهده وفاء، يكون اعتراضه متوجها الي الله تعالي؛ لأنه رخص للصحابة في اظهار كلمة الكفر تقية و لجميع المسلمين في جميع أنواع التقية، فعرضهم لأن لا يكون لأقوالهم قيمة، و لا لعملهم صدق، و لا لوعدهم و عهدهم وفاء. و أولي بالانطباق عليه من الآية التي استشهد بها قوله تعالي: (و ليحلفن ان أردنا الا الحسني و الله يشهد انهم الكاذبون) [التوبة / 107](و جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق) [غافر / 5]. و ما استشهد به من تقسيم الامام العبادة الي أقسامها الثلاثة لا شاهد فيه، فعبادة الامام التي يأتي بها لحفظ دمه، و ماله، و عرضه، هي من أخلص العبادات وأفضلها، و هي من عبادة الأحرار أتي بها اطاعة للأمر بالتقية، و النهي عن الالقاء باليد الي التهلكة، و حبا لله تعالي. و قوله: فكيف يكون حال امام معصوم «الخ»؟ يقال له: كيف يكون حال نبي مرسل، خاتم الأنبياء، و أفضلهم يجيز لعمار النطق بكلمة الكفر، و سب النبي، و انكار الوحدانية و النبوة، و الاعتراف بأن الأصنام يحق لها العبادة، و أنها تقرب الي الله زلفي حفظا لنفسه، و لا يجيز الاتيان بعبادة أو فتوي حفظا للنفس؟ فأي الأمرين أفظع و أشنع عندالله و عند العقلاء؟ و بذلك يظهر هذره في قوله: و هما في خوفه «الخ»، فالامام المعصوم لا يأتي بالعبادة عند الجائر، و هما في خوفه، و لا طمعا في رضاه، و لا سعيا لارضاء هوي باطل، و ليس هو ضالا ينافق في تظاهره بالوفاق للعامة، بل [ صفحه 242] الضال و المنافق من ينسب اليه الضلال و النفاق. و أما ما حكاه عن طومار الباقر و قد مر له حكاية نظيره فانا نسأله كيف الجمع بين ما في هذه الطومار و الطومار المنزل من عنده تعالي و فيه: (و لا تلقوا بأيديكم الي التهلكة) [البقرة / 195]و نحن معاشر شيعة أهل البيت الذين هم أعلم الناس بسنة جدهم صلي الله عليه و آله و سلم؛ نبري‌ء كل مؤمن و مؤمنة لهما أدب من كل ما يعاب؛ ولكنه أساء فهما فأساء اجابة. و الجمل التي قال: ان غثها و سمينها للشيعة؛ ليس فيها غث، و كلها حق بما مر من الأدلة، لكن عناده و تعسفه و شدة تحامله يأبي له الا أن يجعل فيها غثا بغير دليل و لا برهان. و قوله: كلها أريد بها باطل هو عين الباطل؛ و انما جمله و كلماته هذه كلها باطل أريد بها باطل. و اذا كان بعضها حقا فكيف حكم بأنه موضوع علي لسان الامامين؟ هل هذا الا سوءظن و تهجم بسوء القول من غير دليل؟!

ادب التقية

قال (ص 81): «أصابت أصول الكافي اذ تروي اذا حضرت البلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، و اذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم، هذا هو أدب التقية بذل النفيس في حفظ النفس، وبذل النفس في حفظ الدين».

التوكل و اليقين

قال (ص 82): «ثبت عند الشيعة حديث حد التوكل و اليقين، و حد اليقين أن لا تخاف مع الله شيئا». و نقول: ما زعمه أب التقية الظاهر أنه لا ربط له بالتقية، بل المراد بالحديثين أنه اذا دار الأمر بين حفظ النفس، و حفظ المال، فحفظ النفس مقدم، و اذا خيف علي الدين، وجب الجهاد، و جعل النفس دون الدين. و حديث التوكل أيضا لا يرتبط بالتقية، و ليس فيه منافاة لرأينا في التقية الذي سلف و لا لغيره، و لو جرينا علي ظاهره لبطلت التقية من رأس، بل هذا [ صفحه 243] الحديث اذا صح جار مجري كلام أهل العرفان و المتصوفة الذين ينتسب اليهم كما جاء في بعض كلامه، و ما هو في هذه الاستشهادات الا كحاطب ليل.

الحرية في الفكر و القول و العمل

قال (ص 82): «لم تكن المباحثة و المذاكرة في عصر من العصور توجب خيفة علي النفس و النفيس، و المجتهد كان حرا في فكره و قوله و عمله ثم نشره». و قال (ص 84): «لم يكن في عصر من العصور الاسلامية قتل شيعي و عقابه اذا أعلن و تجاهر بعقيدته لم يكن البتة شي‌ء من ذلك، و كل ما روي في ذلك، فهو من أوضاع الشيعة». و نقول: أمر هذا الرجل من غرائب الأمور، فهو يأبي دائما الا مصادمة البديهة، و الا العناد و مخالفة الضرورة و انكار المسلمات، كأن الله لم يخلقه الا لذلك. يزعم حرية الفكر، و القول، و العقل، و النشر في جميع الأعصار. و الحال أنه لم يكن أحد في عصر من العصور حرا في فكره، و قوله، و عمله، و لا في نشره، و كانت المباحثة و المذاكرة في جميع العصور توجب خيفة علي النفس و النفيس؛ فقد أخفي ابن‌عباس القول بعدم العول أيام الخليفة، و أظهره بعده، و قال: هبته و كان أمرا مهيبا. و نفي سعد الي حوران و لم يكن حرا في فكره، و نفي أبوذر و لم يكن حرا في فكره. و قتل حجر بن عدي الكندي و كل هؤلاء من خيار الصحابة، و قتل مع حجر نحو من سبعة أحدهم ابنه، و كلهم لم يكونوا أحرارا في أفكارهم، و أقوالهم، و أعمالهم، و لم يكن في دولة بني‌أمية أحد يجسر أن يروي فضيلة لعلي بن أبي‌طالب. و لا أن يسمي باسمه، و لا يكتني بكنيته، و لما دخل علي بن عبدالله بن العباس علي عبدالملك بن مروان سأله عن اسمه، و كنيته، فقال: علي أبوالحسن. فقال: لست أحتملهما لك فغير كنيته، وتكني بأبي العباس، قاله أبونعيم الأصفهاني في حلية الأولياء فلم يكن المرء حرا حتي في اسمه و كنيته [316] و لما قتل الحسين عليه‌السلام لم يجسر أحد [ صفحه 244] علي رثائه. و الامام أحمد بن حنبل ضرب و حبس؛ لأنه قال بعدم خلق القرآن و ضرب غيره و حبس لأنه قال بذلك، أفكان هذا من آثار حرية الفكر و القول و العمل عند موسي جار الله؟ و ربما كان للناس بعض الحرية و المذاكرة حتي الدهريين و الملحدين الا في ما يرجع الي فضل أهل البيت عليهم‌السلام و نصرة التشيع فقد كان ذلك ممنوعا منعا باتا و لم يكن جزاء مرتكب هذه الجريمة غير القتل و الحبس و النفي و الحرمان. و أغرب من ذلك - و لا غرابة في أمر هذا الرجل - قوله: لم يكن في عصر من العصور قتل شيعي و عقابه لمجاهرته بعقيدته، و زعمه أن كل ما روي في ذلك من أوضاع الشيعة. فان هذا يدل علي جهله بالتاريخ أو علي تعصبه و عناده الذي أدي به الي انكار المسلمات أو علي كليهما و الأفراد و الجماعات الذين قتلوا علي التشيع، أو أوذوا في سبيله في كل عصر من العصور لا يمكن احصاؤهم. و كان يكفي لايذاء الرجل و طرده، و حرمانه، بل قتله في دولة بني‌أمية أن يقال عنه انه ترابي حتي أن جبل أبي‌قبيس لما استولي عليه الحجاج في حرب ابن‌الزبير، و جاء الخبر بذلك الي الشام، قال الشاميون: لا نرضي حتي يؤتي بهذا الترابي الخبيث الي الشام - ظانين أن أباقبيس رجل، و كان الرجل اذا نسب الي الالحاد و الزندقة أهون من أن ينسب الي التشيع، و كان الرجل في عهد بني‌أمية يتقي من زوجته و خادمه، و لا يجسر أحد أن يروي حديث علي، و كم نهبت و هدمت الدور، و قطعت الأيدي و الأرجل و العراقيب، و صلب قوم علي جذوع النخل، و فعلت الأفاعيل في ذلك العصر علي التشيع؛ جي‌ء بحجر بن عدي و أصحابه و هم نحو أربعة عشر رجلا من الكوفة منه فقتل نحو من نصفهم بمرج عذراء، قال ابن‌الأثير: طلب اثنان من أصحاب حجر أن يرسلوهما الي معاوية فقال لأحدهما: ما تقول في علي؟ قال: أقول فيه قولك. قال: تبرأ من دينه، الذي يدين الله به؟ فسكت، فتشفع فيه بعض الحاضرين، فنفاه الي الموصل فمات بها. قال للآخر: ما تقول في علي؟ قال: دعني لا تسألني فهو [ صفحه 245] خير لك، قال: و الله لا أدعك، قال: أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا، من الآمرين بالحق، و القائمين بالقسط، و العافين عن الناس الي أن قال معاوية: قتلت نفسك. قال: بل اياك قتلت. فرده الي زياد و أمره أن يقتله شر قتلة، فدفنه زياد حيا [317] و قتل دعي بني‌أمية زياد بن سمية، و الملحق بأبي سفيان بشهادة أبي مريم الخمار أنه زني بأمه و هي تحت عبيد، رشيد الهجري علي التشيع؛ قطع يديه، و رجليه، و لسانه، و صلبه، و قتل هذا الدعي أيضا جويرية بن مسهر العبدي علي التشيع؛ قطع يده، و رجله، و صلبه الي جذع ابن معكبر، و قتل ابنه الدعي ابن الدعي عبيدالله ميثما التمار علي التشيع؛ صلبه و طعنه في اليوم الثالث بحربة فقتله. و قال ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة مصدع المعرقب: «انما قيل له المعرقب لأن الحجاج، أو بشر بن مروان عرض عليه سب علي فأبي فقطع عرقوبه، قال ابن المديني فقلت للراوي في أي شي‌ء عرقب؟ قال: في التشيع» [318] و قتل الحجاح الطاغية، عامل عتاة بني أمية، في من قتل من شيعة علي عليه‌السلام كميل بن زياد النخعي علي التشيع أمر به فضربت عنقه، و قتل هذا الطاغية أيضا قنبرا مولي علي عليه‌السلام بعدما عرض عليه البراءة من دين علي فلم يفعل فأمر به فذبح. و لم يكن العصر العباسي أقل بلاء علي الشيعة من ذلك العصر، فكم قتل ملوك بني العباس قوما من الشعراء لمدحهم آل علي، و قطعوا لسان بعضهم، و أحرقوا ديوانه، و بعضهم نبشوه بعد موته و أحرقوه. قال ابن شهرآشوب في المعالم: «علي بن محمد بن عمار البرقي أحرقوا ديوانه و قطعوا لسانه [319] و أبوالحسن علي بن وصيف الناشي المتلكم بغدادي من باب الطاق حرقوه [320] و أبوالحسن الخينبي [321] نفي من الموصل. منصور بن الزبرقان النمري [ صفحه 246] نبشوا قبره» [322] هذه هي العصور التي يتشدق موسي جار الله بحرية الفكر و القول و العلم فيها، و يقول بلا خجل و لا استحياء: لم يكن في عصر من العصور الاسلامية قتل شيعي و عقابه لمجاهرته بعقيدته البتة، و كل ما روي في ذلك من وضع الشيعة. و ما ذكرناه هو غيض من فيض، و قطرة من بحر، مما وقع من الظلم و الاضطهاد لأئمة أهل البيت عليه‌السلام وشيعتهم في الدولتين الأموية و العباسية و بعدهما و كتب السير و الأخبار حافلة بذلك. و من الجماعات الذين قتلوا بالألوف علي التشيع شيعة أفريقية الذين قتلوا في عهد المعز بن باديس سنة 407 كما ذكره ابن‌الأثير [323] و منهم: شيعة حلب الذين قتلوا قتلا عاما في ما بعد المائة السادسة و كان جل أهلها شيعة، و ممن قتل بعد المئة السابعة علي التشيع من أعاظم علماء الشيعة محمد بن مكي العاملي الجزيني المعروف بالشهيد الأول الذي قتل بالسيف، ثم صلب، ثم أحرق برحبة قلعة دمشق، و الشيخ زين الدين بن علي العاملي الجبعي المعروف بالشهيد الثاني المقتول قرب استانبول، و القاضي نور الله التستري المقتول ببلاد الهند و القاضي شمس‌الدين محمد بن يوسف الدمشقي الذي قتل شر قتلة علي التشيع و أحرق تحت قلعة دمشق، و قتل معه حسين البقسماطي راجع شذرات الذهب في حوادث سنة 942 [324] و السيد نصر الله الحائري المقتول في استانبول علي التشيع حين أرسله نادرشاه سفيرا الي الدولة العثمانية للاعتراف بالمذهب الجعفري، فكان جزاءه القتل، و قد ذكر القصة الشيخ عبدالله السويدي البغدادي في بعض رسائله المطبوعة بمصر، و عندي نسخة مخطوطة من هذه الرسالة رواها الشيخ محمد السويدي، عن والده الشيخ عبدالله، و قال: ان والده ذكر القصة في «النفحة المسكية في الرحلة المكية»، و قال في آخرها: «ان هذا الخطيب - يعني السيد نصر الله الحائري - [ صفحه 247] قتل شر قتلة بسبب شيعي، فكان للوالد في أجر قتله سبب وافر». وجدنا السيد علي ابن السيد محمد الأمين، من أعاظم علماء جبل عاملة، قتل مسموما في عكا في عهد ابراهيم باشا المصري و غيرهم ممن لا يسعنا احصاؤهم في هذه العجالة. و كم كان الشيعة في الحجاز يؤذون بأنواع بالقتل فما دونه في أغلب الأعصار. و كم كان يوضع طبيخ العدس الجريش في حر الحجاز حتي ينتن و يجعل في الحرم الشريف و يدعي علي شيعة العجم أنه عذرة وضعوها في المسجد توصلا لايذائهم، و في عصرنا هذا قتل سيد ايراني شريف من ذرية الرسول صلي الله عليه و آله و سلم جاء لأداء فريضة الحج في عهد الوهابيين ادعي عليه حمل العذرة علي شفتيه و تنجيس الكعبة بها فحكم القاضي بقتله؛ فذبح بين الصفا و المروة بالسيف ذبح الشاة. و أمثال ذلك كثير لا يمكن حصره. و مع كل هذا يقول مؤلف الوشيعة بلا خجل و لا استحياء: لم يكن في عصر من العصور الاسلامية ضرر علي شيعي اذا جهر بعقيدته، و ما روي في ذلك فهو من أوضاع، و ما وشيعته هذه، و ما أودعه فيها الا شرارة من تلك النار، و سهم من تلك الكناية.

كتم السر

قال (ص 82): «كان للأئمة في الدعوة و الأمور السياسية أسرار و أخبار أذاعها البعض، فقتل أو كان سببا لقتل امام، فكانت الأئمة قد يتقون الشيعة أكثر من اتقائها الناصب و المخالف، قال امام: ما قتلنا من أذاع سرنا خطأ، بل قتلنا قتل عمد». و قال (ص 83): «فالتقية اذا كانت بمعني كتم السر، فهي أدب لازم لم يكن يقوم بها الا قليل، و الغالب أن مثل هذا الأدب لم يكن عند الشيعة زمن الأئمة، و لذلك كانت الأئمة تتقي الشيعة أكثر من اتقائها المخالف و الناصب».و نقول: أولا لم يكن عند الأئمة أسرار سياسية في ما يرجع الي الملك و السلطان، و انما كان سرهم الذي لا يريدون اذاعته القول بامامتهم في الدين، و أخذ أحكامه عنهم، فكانوا يوصون أتباعهم بالتقية في ذلك، خوفا من ملوك زمانهم الذين يخافون من ميل الناس اليهم أن ينازعوهم ملكهم، و هذا يشمل و يعم كل ما يدل علي القول بامامتهم اما صريحا أو ضمنا من فعل عبادة تختص [ صفحه 248] بهم كالمسح علي الرجلين، و نقل فتوي تخالف فتوي غيرهم، و غير ذلك، ففي اخفاء ذلك كتم للسر، و في اظهاره اذاعة له. و اظهار هذا وحده كان كافيا في سفك الدماء، و نهب الأموال، و الحبس، و الضرب، و أنواع الأذي من طواغيت زمانهم لكل من يقول به و ينتسب اليه فأمروا أتباعم بالتقية لأجل ذلك، و هي تشمل التقية في العبادة و الرواية اللتين حصر كلامه فيهما، و أنكرهما سابقا و اعترف بهما هنا من حيث لا يشعر، فاذا كان كتم السر يشمل عدم اظهار القول بامامتهم، و عدم اظهار عبادة أو فتوي تختص بهم؛ لأن لازم ذلك القول بامامتهم فقد شملت التقية العبادة و الفتوي، و يترتب علي ذلك أمور: 1 - بطلان جعله كتم السر غير التقية بالعبادة و الفتوي و غيرهما، بقوله: فالتقية ان كانت بمعني كتم السر فهي أدب لازم، بل كتم السر يشمل التقية بالعبادة و الفتوي و غيرهما. 2 - بطلان قوله ان مثل هذا الأدب لم يكن عند الشيعة زمن الأئمة مستندا الي أن الأئمة كانت تتقي الشيعة أكثر من اتقائها المخالف و الناصب؛ لأن الشيعة كانت تذيع السر فان اذاعة السر كما عرفت تشمل العبادة و الرواية و غيرهما، و كون ذلك لم يكن عند الشيعة غير صواب، فقد كان ذلك عندهم زمن الأئمة الا من شذ، و محمد بن أبي‌عمير من أصحاب الكاظم حبسه الرشيد، و ضربه أشد الضرب؛ ليدل علي أصحاب موسي بن جعفر، فصبر و عصمه الله من أن يدل عليهم، فيقتلوا و دفنت أخته كتبه خوفا، فتلفت، فحدث من حفظه، و كذلك كون الأئمة كانت تتقي الشيعة أكثر من غيرهم غير صواب، و ان صح عن أحدهم أنه قاله فهو من باب المبالغة و التشديد في الزجر عن ترك التقية، و كذلك قول: ما قتلنا من أذاع سرنا خطأ بل قتل عمد - ان صح - فانما هو تشديد و مبالغة في الوصاة بالتقية، و بيان ان تركها قد يسبب قتلنا، و ليس المراد أن بعض شيعتهم أذاع سرهم، فكان سبب قتلهم، فهو كقول القائل: من فعل كذا فقد قتلني، و هو مؤيد لما قلناه، و بذلك يبطل قوله: أو كان سبب قتل امام. اذي رتبه علي قول ما قتلنا من أذاع سرنا «الخ» فاننا لا نعلم اماما قتل [ صفحه 249] بسبب اذاعة السر من بعض أصحابه، و هذا أحد استنتاجاته الخاطئة. لعله أراد بالبعض الذي أذاع السر فقتل هو المعلي بن خنيس مولي الامام جعفر الصادق الذي قتله بعض طواغيت بني العباس، و أخذ أمواله بسبب ترك التقية، و اذاعة السر باظهار القول بالامامة، و هو مؤيد لما قلناه. 3 - بطلان قوله السابق لا أظن أن الأئمة كانوا يعلمون الشيعة التقية، و أنها تقية الحق لا تقية الخداع و النفاق كما سماها هناك بحسن أدبه، و بطلان قوله: لم يكن في عصر من العصور قتل شيعي «الخ». قال (ص 83): «قال الصادق ذكرت التقية يوما عند علي بن الحسين، فقال: و الله و علم أبوذر ما في قلب سلمان لقتله و لكفره، و قد آخي الله بينهما. هذه صورة أخري من تقية كتم ما في القلب من الأفكار و العلوم - ان سمينا الكتم تقية - فمصل هذه التقية لا بأس بها. و ليست هي من تقية الشيعة. و مثل هذه التقية قليل عند الأئمة، و أقل عند الشيعة الا اذا أطال المجتهد الشيعي كلاما لا معني لا في موضوع لا يفهمه فبعد التعب العظيم و الأتعاب يتظاهر بالعلم و يقول: و هاهنا بيان يسعه الصدر و لا يسعه السطر، و لذلك كتمناه في الصدور، و أرخينا دونه الحجب و الستور. هذه تقية لها فائدة تستر العجز و الجهل. نعم: لله سر تحت كل لطيفة فأخو البصائر غائص يتعلق» و نقول: حديث لو علم أبوذر «الخ» لا نعتقد بصحته ان لم نجزم ببطلانه، و ليس كل ما أودع في الكتاب يمكن وصفه بالصحة من كتب الفريقين، و لو صح لوجب حمله علي تفاوت درجات الايمان و المعرفة. و أما قوله في حق المجتهد الشيعي - صاحب أصل الشيعة - فكان ينبغي له أن يشافهه به. و قد رأي هذا الكلام منه و هو عنده، و في بلده، و في بيته، فيفحمه في رد كلام هو بزعمه لا معني له في موضوع لا يفهمه، فيظهر بذلك عجزه، و جهله، الذي يدعيه لا أن يؤخر جوابه، فيبعث به من وراء البحار و القفار بكلام مجمل لا يقدر أن يجزم سامعه بصحته و لا بفساده حتي لا يصدق عليه قول القائل: و اذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده و النزالا [ صفحه 250] ثم أتي (ص 84) بكلمات تشبه كلمات الصوفية و مناحيهم، و جاء في أثنائها ببعض كلمات القذف و القذع مما هو أحق به، و لا حاجة بنا الي نقله. قال (ص 84): «الشيعة تروي عن الصادق أن اسم أميرالمؤمنين خاص بعلي لا يتسمي به الا كافر، فان ثبت هذا عن الصادق فقد كفر كل ملوك الاسلام و خلفائهم. هذا جهار بأشنع فاحشة و اعتداء طاغ علي حرمة الاسلام و أمته، و قد كان الصادق يخاطب خلفاء بني‌العباس بأمير المؤمنين، فكيف مثل هذا الاعتداء الطاغي؟ و مثل هذه التقية المذلة المخزية من امام معصوم من غير عذر قاهر يلجئه اليها بعد أن أسرف في الاعتداء»؟ و نقول: كذب في ذلك، و لو وجد في رواية لا يعلم حالها و لا مبلغ صحتها و ضعفها لم يجز اسناده الي الشيعة بوجه العموم. و ان صح أن الصادق قال في بعض الخلفاء شيئا، فهو أنه ليس أميرالمؤمنين بحق، و هذا غير بعيد عن جملة ممن تسمي بامرة المؤمنين أمثال يزيد، و مروان، و الوليد من ملوك بني‌أمية، و جملة من ملوك بني‌العباس الذين صدرت منهم أشنع الفواحش، و أطغي الاعتداءات علي حرمة الاسلام و أمته، و هل كان يأمن الصادق علي دمه لو لم يخاطب المنصور بأميرالمؤمنين؟! و هل هذا لا يكفي عذرا للمخاطبة بأميرالمؤمنين عند هذا الرجل؟ حتي يقول من غير عذر قاهر يلجئه اليها، و يسميها تقية مذلة مخزية حقا، لقد أسرف هذا الرجل في الاعتداء، و أعطي نفسه من هواها ما تشاء، بغير خجل و لا استحياء، و هل سلم الصادق من شر المنصور مع هذا الخطاب؛ فقد استدعاه مرارا من المدينة الي العراق ليقتله فنجاه الله منه، هذا و هو يخاطبه بأميرالمؤمنين فكيف لو ترك خطابه بذلك؟ و تركه يدل علي أنه لا يعتقد بخلافته و يطعن فيها. قال (ص 85): «و من ينتحل حب أهل البيت مدعيا، و يضمر بغض أكابر الصحابة و القرن الأول متقيا، و يستحل في المخالف كل شي‌ء معتديا، فهو شر الفرق». [ صفحه 251] و نقول: من ينتحل حب أهل البيت عليهم‌السلام مدعيا هو من يجعلهم كسائر الناس لا ميزة لهم في شرء كما سلف منه، و ينكر فضائلهم، و يفضل عليهم من لا يساويهم، و لوالي عدوهم، و يعادي وليهم، و يهجر مذهبهم، و لا يهتدي بهديهم، و ينابذ اتباعهم و محبيهم، و شر ممن يظهر بغض أكابر الصحابة و القرن الأول، و يلعنهم علي المنابر الأعوام الطويلة مجاهرا، غير متق و لا متستر و نحن نواليه و نلتمس له الأعذار. و الكلام في الصحابة و القرن الأول قد مضي مفصلا. و الشيعة لا تستحل شيئا في المخالف، فضلا عن أن تستحل فيه كل شي‌ء، تحترم الدم، و المال، و العرض، و تجري علي المخالف لها من فرق المسلمين جميع أحكام الاسلام كما بيناه في ما سبق، و ان كذب هذا الرجل و افتري. و ما باله غض النظر، و أرخي الستار، عمن يستحل في الشيعة كل شي‌ء معتديا.

ما أعجبه من مذهب الشيعة

قال (ص 30): «يعجبني دين الشيعة في تحريم كل شراب يسكر كثيره، قليله حرام، حتي أن المضطر لا يشرب الخمر ساعة الاضطرار لأنها قاتلة. و الشيعة تحرم الجلوس علي مائدة كانت أو تكون فيها الخمر». و قال (ص 52): «و استحسن من قول الشيعة - لو صدقه فعلها - أن قليل ما يكسر كثيرة حرام لا يحل حتي في الاضطرار، تبالغ فيه الشيعة حتي تقول ان الجلوس علي مائدة شرب فيها مسكرا حرام، و أحسن من قول الشيعة قول أبي العلاء في لزومياته: لو كانت الخمر حلا ما سمحت بها لنفسي الدهر لا سرا و لا علنا فليغفر الله كم تطغي مآربنا و ربنا قد أحل الطيبات لنا» و قال (ص 30): «استحسن كل الاستحسان مذهب الشيعة الامامية في مسائل الطلاق و بعض أصول المواريث». و نقول: الأحكام الشرعية انما تؤخذ بالنص عليها من الشارع لا بالعقول و الآراء، و قول: أستحسن و لا أستحسن، و يعجبني و لا يعجبني. (ان هو الا [ صفحه 252] وحي يوحي) [النجم / 4](ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر / 7]و دين الشيعة هو دين الأئمة الطاهرين الذين أخذوه واحدا بعد واحد عن أبيهم علي بن أبي‌طالب، عن جدهم الرسول، عن جبرئيل عن الله تعالي، و أخذه عنهم شيعتهم و أتباعهم بالروايات و الأسانيد الصحيحة، علي أنه مخطي‌ء في نسبته الي الشيعة تحريم الخمر عند الاضطرار، و تحريم الجلوس علي مائدة كانت أو تكون فيها الخمر، أو شرب فيها مسكر حرام، بل الحرام الجلوس علي مائدة يشرب عليها الخمر أو عليها الخمر، و لعل مراده ذلك. و الشيعة لا تقول شيئا بهواها و اجتهادها و استحسانها، و لا تبالغ، و لا تقول الا ما أخذته عن صاحب الشرع بالسند المعتبر، و قولها بحرمة الجلوس علي مائدة يشرب عليها الخمر انما أخذته من قول أئمة أهل البيت عليهم‌السلام لا مبالغة فيه. و قوله (لو صدقه فعلها) ان أراد أن فيها من يشرب المسكر، فهذا ليس خاصا بها، بل يعلم جميع أهل المذاهب و النحل التي تحرم الخمر. والشيعة ان لم تكن أكثر الناس اجتنابا للمحرمات فليست أقلها. و قد جعل قول أبي العلاء في شعره أحسن من قوله الشيعة المأخوذ عن أئمة أهل البيت عن جدهم الرسول صلي الله عليه و آله سلم، و كفي بذلك جهلا.

الربا

قال (ص 3): «و لم يعجبني فتاواهم - أي الشيعة - في جزئيات الربا، و وجدت ما طالعته من كتب الشيعة مقصرة في بيان الربا». و قال (ص 56): «كتب الشيعة في مسائل الربا مقصرة. و لها في باب التخلص من الربا حيل منكرة مرفوعة الي أئمة الشيعة». و ذكر أمثلة لذلك، منها: «طلب مني مائة ألف درهم علي أن يكون ربحي عشرة آلاف درهم، قال أبوالحسن: لابأس أعطه مائة ألف درهم، وبعه الثوب بعشرة آلاف درهم، و اكتب كتابين». قال: «فان جاز مثل هذه الحيل الشرية في فقه الشيعة، أو فقه أحد المذاهب فلا حرام في الدنيا، و القرآن مهجور، و الشرع تحت أقدام المحتالين، و السلام علي الدين، [ صفحه 253] و ربا اليهود و كل ربا البنوك حلال طلق سائغ هني‌ء بعد هذه الحيل»، و قال (ص 57 - 56): «تقول الشيعة و لا تتقي: الناصب حرب لنا فماله غنيمة، و الناصب في عقيدتهم من يعتقد بامامة الشيخين»، و قال (ص 57): «و تقول الشيعة ليس بين الشيعي و الذمي، و لا بين الشيعي و الناصب ربا». قال: «من يتقول علي شرع الاسلام بمثل هذه الأقاويل لا يكون له فقه و لا دين. كتب الشيعة في بيان الربا مقصرة و في المعاملة بالربا متهورة: (أولئك يدعون الي النار والله يدعو الي الجنة و المغفرة باذنه و يبين آياته للناس لعلهم يتذكرون) [البقرة / 211]و القرآن الكريم يحرم الربا أكلا و ايكالا ثم تأتي كتب المذهب تحل الحيل تضل بها الذين آمنوا، و حياة المجتمع لا تبني علي الحيل». ثم أطال بما لا فائدة في نقله، و قال: «كيف يكون اذا أخذت الأمة تحتال بحيل شرية تسمها شرعية تجعل حكم الله تحت أقدام الحيل تتظاهر بالدين و تحتال بالدون». و ذكر (في ص 58) في كلام طويل أنه ألف كتاب في الزكاة و الربا و أنه عرض فيه لمجتهدي الأمة طريقا سهلا ظن فيه امكان حل لمسائل الربا ينبني علي أساس الاحسان في حال و التعاون بين الأموال و الأعمال في حال. قال: «و أريت بعون الله و عون القرآن الكريم - (يهدي الله لنوره من يشاء) [البقرة / 275]- أن التحريم و الاحلال يدور علي مدار الفرق بين قرض و قرض لا علي مدار الفرق بين بدل و بدل كما جري عليه أئمة الاجتهاد». ثم افتخر و قال: «و هذا حدس خصني الله به. و ادارة تحريم الربا علي الفرق بين بدل و بدل و هم قد عم البلاد و الآحاد» الي آخر ما ذكره مما لا فائدة في نقله. و نقول: قد عرفت أن الدين يعرف بالنص و ليس لأحد أن يقول: يعجبني، و لم يذكر هذا التقصير لنعرفه و كتب الشيعة لم تقصر في مسائل الربا، بل ذكرت جميع أحكامه، و فروعه، و مسائله، و لم تترك منها شاردة و لا واردة بدون نقصان عن كتب غيرهم ان لم يكن فيها زيادة كما هو حالها في جميع أبواب الفقه، و لها السبق في كل شي‌ء و ما سبب نسبة التقصير اليها الا القصور منه، ثم ان الفتاوي تؤخذ من كتب الفقه لا من كتب الأخبار التي فيها الصحيح [ صفحه 254] و السقيم، و القوي و الضعيف، و المتعارضات، و الكتاب الذي نقل منه هو كتاب أخبار لا كتاب فقه، و لفقهاء الشيعة في الحيل الشرعية خلاف و ليست صحيحة عند الجميع. ثم ان الأحكام في الشرع الاسلامي تابعة للعناوين التي في الأدلة لا للاستبعادات و لا لعبارات التهويل الفارغة، كقول: حيل منكرة، حيل شرية، تسميها شرعية، لا حرام في الدنيا، القرآن مهجور، الشرع تحت أقدام المحتالين، السلام علي الدين، تحل الحيل تضل بها، حياة المجتمع لا تبني علي الحيل، تتظاهر بالدين، تحتال بالدون، و أمثال ذلك و كلامه هذا يشبه كلام المشركين الذين جعلوا الأحكام تابعة للنتائج لا للعناوين (فقالوا انما البيع مثل الربا) [البقرة / 275]فرد الله تعالي عليهم بأنها تابعة للعناوين لا للنتائج فقال: (و أحل الله البيع و حرم الربا) و هو يقول: الحيل الشرعية نتيجتها الربا و لم ينظر الي العناوين. فالكلب نجس محرم في أكثر المذاهب، فاذا وقع في المملحة و صار ملحا طهر و حل أكله؛ لأن الله تعالي نجس الكلب و حرمه، و طهر الملح و أحله. و امرأة الغير الأجنية اذا أرضعت طفلة الرضاع المحرم، و عقد رجل علي تلك الطفلة صارت المرأة محرما بعدما كانت أجنبية. و الهبة المعوضة يجري عليها حكم الهبة، فاذا باع الموهوب بمثل ذلك العوض جري عليه حكم البيع. و بيع المجهول فاسد، و الصلح عليه صحيح. و بيع ألف درهم بعشرة آلاف درهم ربا محرم، و بيع ثوب قيمته عشرة آلاف درهم بألف درهم أو بالعكس صحيح، و ان كانت نتيجته نتيجة الربا لأن الله تعالي أحل البيع و حرم الربا. و بيع دينار بدينارين ربا محرم و بيع دينار قيمته عشرة دراهم بعشرين درهما صحيح، مع أن نتيجته نتيجة الربا. فجعل ذلك حيلا منكرة من الأمور المنكرة، و تسميتها حيلا شرية من الأعمال الشرية، كما أنه تسميتها حيلا شرعية ليس في شي‌ء من النقص و العيب، اذ المراد أنها أمور يتوصل بها الي تبديل الموضوع الذي يتبدل به الحكم. و هذا الامام أبوحنيفة يقول: لو أن شاهدين شهدا عند قاض أن فلان ابن [ صفحه 255] فلانا طلق امرأته، و علما جميعا أنهما شهدا بالزور، ففرق القاضي بينهما، ثم لقيها أحد الشاهدين فله أن يتزوج بها، قال: نعم. قال: ثم علم القاضي بعد، أله أن يفرق بينهما قال: لا [325] و ذلك لأن حكم الحاكم عنده بغير الواقع فهذا من التوصل بالحيل الشرعية المحرمة فما قوله فيه أيهول فيه مثل هذا التهويل؟! و ما ذكره في تفسير الناصب و أنه ليس بينه و بين الشيعي ربا كذب منه و افتراء، بل الناصب من نصب العداوة لأهل البيت عليهم‌السلام، و ما ينقله عن رواية أنه حرب لنا فلا يمكننا الجزم بصحتها لاشتمال كتب الروايات علي الصحيح و السقيم كما مر، ولكنا نسأله: هل يستعظم قول من يكفر غير فرقته من المسلمين، و يستحل الأموال و الدماء، و تقول: ليس بين الذمي و المسلم ربا و هي لم تقل ذلك من عند أنفسها، بل قلدت من لو قال الامام أبوحنيفة أو الامام الشافعي بمثل قوله لما توقف موسي جار الله في قبوله، فاذا صدر من أهل بيت النبوة؛ رده بالاستبعاد و التهويل لا بالبرهان و الدليل. و كتب الشيعة لم تتهور في المعاملة بالربا كما مر، ولكنه هو يتهور، يقذف بالباطل و هو أولي بأن يكون داخلا في الآية التي استشهد بها. و مسائل الربا و شروطه و أحكامه مبينة مفصلة في كتب الفقه الاسلامية، و جلها ان لم يكن كلها متفق عليه بين المسلمين، و تحريمه من ضروريات فقه الاسلام، و مسائله واضحة ظاهرة ليس فيها اشكال و لا عقد تحتاج الي حلوله و فلسفته و حدسه - الذي اختصه الله به - و الهداية التي اكتسبها من نور القرآن الكريم ما هي الا ضلالات و خيالات وهمية و ما أطال به هنا مما نقلنا بعضه، و تركنا جله من الفلسفات و الحلول التي لا تبني علي أدلة و لا أصول، كلها تطويل بلا طائل و تضييع للعمر في غير جدوي، و لولا طبع كتابه و نشره لما أتعبنا نفسنا في نقضه. [ صفحه 256]

مسائل في المورايث

قال (ص 185): «بين الشيعة و الأمة في باب المواريث اختلافات مهمة، بعضها بقية من اختلاف الصحابة، و البعض قد حدث باختلاف الاجتهاد، و قد يكون ما يراه الشيعة أوفق بالكتاب و أقرب الي صلاح المجتمع». و قال (ص 187): «أن أول ما نزل في المواريث: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون و للنساء نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) [النساء / 7]. و قال (ص 188): «ان القرآن في هذه الآية سمي الأم والدا و في آية (و لأبويه لكل واحد منهما السدس) [النساء / 11]سماها أبا و تسميته القرآن حقيقية، فالأخوة و الأخوات تحجب بالأم كاحتجاجها بالأب و من يكون له أم لا يكون له كلالة و هذا حجة قوية قائمة للشيعة علي مذاهب الأمة». و نقول: كثر في كلامه مقابلة الشيعة بالأمة، و لا عذر له في ذلك بما أمه و بان أن نفسه غير خالية من الوصمة. و لسنا ندري ما يريد بقوله: ان رأي الشيعة أوفق بالكتاب «الخ» الذي جل أقواله الآتية تخالفه. و الأم لا تسمي والدا حقيقة، بل تسمي والدة؛ لأن الوالد للمذكر بحسب وضع اللغة، ولكن تسميته الوالد و الوالدة والدين، و تسميته الأب و الأم أبوين، من باب التغليب الشائع في كلام العرب كالعمرين، و القمرين، و غير ذلك، و حجة الشيعة القوية علي حجب الأخوة و الأخوات بالأم هي غير هذه.

العول

ذكره في مواضع من «وشيعته» علي عادته في التكرير و التطويل بغير طائل و نحن نجمعها في موضع واحد روما للاختصار، و تسهيلا للتناول، و نذكر، أولا، معني العول و الخلاف فيه، ثم نتبعه بنقل كلماته وردها. [ صفحه 257] العول، لغة، اسم للزيادة و النقصية، فهو من أسماء الأضداد، و في اصطلاح الفقهاء هو الزيادة في الفريضة عند زيادة السهام عنها ليمكن خروج تلك السهام منها؛ و ذلك أن السهام المفروضة في الكتاب ستة: النصف، و الثلث، و الثلثان، و الربع، و السدس، و الثمن. فاذا اجتمع في الفريضة سهمان منها أو أكثر بحيث لا تسعهما الفريضة، فمن قال بالعول زاد علي الفريضة بقدر ما عالت به، و من قال بعدم العول قال: يقدم من فرض له في الكتاب فرضان أعلي و أدني، فيأخذ نصيبه تاما و يدخل النقص علي من فرض له فرض واحد، مثلا امرأة توفيت عن زوج و أختين لأب، للزوج النصف (ولكم نصف ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد) [النساء / 12]و للأختين الثلثان (فان كانت اثنتين فلهما الثلثان) [النساء / 176]و المال ليس له نصف و ثلثان، و الفريضة هنا من ستة: الزوج النصف ثلاثة، و للأختين الثلثان أربعة، عالت الفريضة بواحد، فمن قال بالعول زاد علي الفريضة واحدا فجعلهما من سبعة، و أعطي الزوج ثلاثة من سبعة بعدما كان له ثلاثة من ستة، و الأختين أربعة من سبعة بعدما كان لهما أربعة من ستة، و من قال بعدم العول أعطي الزوج النصف و الأختين الباقي.و هذه المسألة وقعت في خلافة الخليفة الثاني، و هي أول مسألة وقعت في العول في الاسلام، فقال: ان أعطينا الزوج النصف لم يبق للأختين ثلثان، و ان أعطينا الأختين الثلثين لم يبق للزوج نصف، و لا أجد أوسع من ادخال النقص علي الجميع فجعل الفريضة من سبعة، و قال بقوله الفقهاء الأربعة و باقي الفقهاء أكثرهم، و خالفه ابن‌عباس - و بالغ في المخالفة - و الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام و جميع فقهائهم، و قال المرتضي في الانتصار: «قال بنفيه أيضا عطاء بن أبي‌رباح، و حكاه فقهاء أهل السنة عن الامام الباقر، و هو مذهب داود بن علي الأصفهاني» [326] ، و في مفتاح الكرامة حكاه فقهاء العامة عن محمد بن الحنفية. و الأخبار ببطلان العول و دخول النقص علي بعض أصحاب الفروض دون بعض [ صفحه 258] من طرق أئمة أهل البيت عليهم‌السلام مستفيضة، بل كادت تكون متواترة؛ ففي صحيحة ابن‌مسلم و الفضلاء عن الباقر عليه‌السلام: السهام لا تعول، وفي صحيحة ابن‌مسلم أنه أقرأه أبو جعفر الباقر ذلك في صحيفة الفرائض التي هي املاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و خط علي بيده و في بعضها: السهام لا تعول لا تكون أكثر من ستة. ان الفرائض لا تعول علي أكثر من ستة. ان السهام ليس تجوز ستة لا تعول علي ستة. أصل الفرائض من ستة أسهم لا تزيد علي ذلك و لا تعول عليها. السهام لا تعول من ستة. سهام المواريث من ستة أسهم لا تزيد عليها. ومعني أن السهام لا تعول علي ستة لا تزيد عليها، فان من قال بالعول قد زادها علي ستة حيث جعل الثمن تسعا و النصف أقل منه و الثلثين أقل منهما و هكذا. فالعول هنا بمعني الزيادة، أما رواية لا تعول من ستة؛ فيمكن كون من بمعني عن؛ لأن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض، و تعول محتمل للزيادة و النقيضة، فان من أعال فقد نقص السهام فجعل الثمن تسعا «الخ» أما رواية لا تعول علي أكثر من ستة فيمكن أن يكون معناه لا تزيد علي ستة فأكثر بأن تكون سبعة فما فوق نظير (فان كن نساء فوق اثنتين) [النساء / 11]أي اثنتين فما فوق، و الله أعلم. و ظاهر أن من قال بالعول انما قال به باجتهاد الرأي لما لم يجد مخرجا سواه، و فقهاء أهل البيت انما قالوا به أخذا بأقوال أئمة أهل البيت عليهم‌السلام التي تلقوها عن جدهم الرسول صلي الله عليه و آله سلم، و ابن‌عباس أنما أخذ بطلان العول عن أميرالمؤمنين؛ لأنه تلميذه و خريجه عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، أو عن الرسول بلا واسطة، فسنوا فهم هذه القاعدة من تقديم ذوي السهام المؤكدة التي فهموها بالنص، و علموا أنه تعالي أشار بتأكيدها الي تقديمها، و مرجع ذلك الي أن اطلاق آيات الفروض قد قيد بعضه، و بقي الباقي علي اطلاقه، فآية فرض الثلثين للأختين مثلا، قد قيد اطلاقها بما اذا يكن معهما زوج، فانهما في هذه الصورة ترثان بالقرابة لا بالفرض، فيكون لهما الباقي، و المقيد لاطلاق الكتاب أقوال الأئمة المأخوذة عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. [ صفحه 259]

كلماته في العول

قال (ص 30) ما حاصله: «كتب الشيعة و ان ردت القول بالعول، و أنكرت علي الأئمة اعالة الفرائض الا أنها لم تنج من اشكال ابن‌العباس و الامام الباقر أن الذي أحصي رمل عالج لم يجعل في مال نصفا و ثلثين، فالاشكال باق، و العول ضروري، فان ادخال النقص في سهام من أخره الله من الورثة أخذ بحظ كبير جائر من العول و لا يدفع أصل الاشكال؛ فان التسمية باقية بنص الكتاب، و النقص في جميع السهام هو العول العادل و الذي قسم المال و سمي السهام، هو الذي أحصي رمل عالج و جميع ذرات الكائنات، و هو أصل الاشكال الذي انتحله الباقر، و قد تبين بهذا أن لا عول عند الشيعة قول ظاهري، قيل ببادي الرأي عند بيان الاختلاف ردا لمذهب الأمة، و هربا من وفاق العامة، و العول هو النقص فان كان في جميع السهام بقدر متناسب، فهو العول العادل أخذت به الأمة و حافظت علي نصوص الكتاب، و ان كان في سهم بعض الورثة دون بعض، فهو العول الجائر جارت به الشيعة، خالفت به نصوص القرآن الكريم، و لم تدفع به الاشكال، و الاشكال الذي تحير فيه ابن‌العباس، ثم انتحله الامام الباقر ثابت رأس، و لا أريد اليوم كما أراد ابن‌العباس في يومه أن أبتهل أو أباهل أحدا، و انما أريد أن تعلموني مما علمتم في ازالة الاشكال رشدا». و قال (ص 204): «يقول أهل العلم: أول من حكم بالعول الامام عمر؛ اذ حدث في عده مسألة ضاق مخرجها عن فروضها، فشاور الصحابة، فأشار العباس الي العول، و قد كان أنفذ العرب نظرا يري الأمور من وراء الستور، و تحدس بقوله الصحابة وجه المسألة فتابعوه، و لم ينكره أحد الا ابنه بعد موت عمر، فقيل له: هلا أنكرت في زمن عمر؟. فقال: هبته و كان مهيبا - هيبة اجلال و احترام - و كان ابن‌عباس في مجلس الاجماع ابن لبون، اذا لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس، و فقهاء الصحابة عمر و علي و ابن‌مسعود و زيد [ صفحه 260] بن ثابت كانوا أعلم من ابن‌عباس، فانعقد الاجماع و الامام علي حاضر، و لا أري الا أن ضصلة الحدس و سند الاجماع كان نظم القرآن في أول آيات المواريث». و قال (ص 205): «و الشيعة في مسائل العول ذهبت مذهب ابن عباس، فانه قال: أول من أعال الفرائض عمر، و أيم الله لو قدم من قدم الله ما عالت فريضة. فقيل له: و أيها التي قدم الله؟ فقال: كل فريضة لم تزل الا الي فريضة، فهي التي قدم الله، و كل فريضة اذا زالت من فرضها لم يكن لها الا ما بقي، فهي التي أخرها الله، فالزوجان و الأبوان يقدمون و البنات و الأخوات يؤخرون، فقيل له: فهلا راجعت فيه عمر؟ فقال: انه كان مهيبا ورعا، و لو كلمته لرجع، و قال الزهري: لولا أنه يتقدم ابن‌عباس امام عدل اذا أمضي أمرا مضي، و كان ورعا ما اختلف علي ابن‌عباس اثنان من أهل العلم و كان يقول: أتري الذي أحصي رمل عالج عددا جعل في مال نصفا و نصفا و ثلثا، فأين موضع الثلث؟ و كان يقول: تعالوا فلندع ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين. ما جعل الله في مال نصفا و نصفا و ثلثا. قال: و نحن نقول النقل من فرض الي عصوبة لا يوجب ضعفا؛ لأن العصوبة في شرع التوريث أقوي أسباب الارث، اما تقديم البعض و تأخير البعض؛ فانما يكون في حال التعصيب أما حال تسمية سهام كل واحد فلا يمكن أن يكون واحد أولي و أقدم و أقدم من آخر؛ فان القرآن سمي للزوج النصف «الخ»، و ادخال الضرر علي فريق واحد، أخذ بالعول الجائز، و ابطال لنص الآية و ترك لتسميتها الصريحة، و ابطال تسمية الآية في فريق أشنع في المخالفة من أخذ نصف و نصف و ثلث من مخرج». و قال (ص 206): «الورثة قد تساوت في سبب الاستحقاق فيأخذ كل نصيبه عند الاتساع، و اذا ازدحمت و تدافعت الحقوق غير المستقرة التي لا تزال تتناقص من كل الي صفر، فقد علمنا من أول آيات المواريث (يوصيكم الله في أولادكم) [النساء / 11]أن كل سهم يؤخذ باسمه من مخرج، فتجتمع الأنصاف التي لا حصر لها، أو الأثلاث التي لا حد لها و مجموعها تعول اليه المسألة، [ صفحه 261] فكل مسائل الأولاد و الأخوة و الأخوات تخرج من اثنين أو ثلاثة. فعشرة أبناء و عشر بنات و عشرة أخوة و عشر أخوات، المسألة في كلا الصورتين من اثنين أو ثلاثة علي حسب تسمية القرآن، ثم تعول الي ثلاثين نصفا أو ثلاثين ثلثا، و القرآن الكريم في مسألة الأولاد و الأخوات قد اكتفي بمخرجين فقط، فكيف و لم يباهلنا ترجمان القرآن ابن‌عباس، ثم يقسم أن الذي أحصي كل شي‌ء عددا لم يجعل في مال نصفا و نصفا و ثلثا، و النصف أبدا واحد من اثنين، و الثلث أبدا واحد من ثلاثة، و لو بلغ عدد الأنصاف و عدد الأثلاث مئات، و بيان القرآن أوجز البيان و أوضح البيان، فكيف خفي علي فهم مثل ابن‌عباس، و بأي عذر يترك الفرضي تعبير القرآن. و ابن‌عباس اذا ادعي التأخر في ذي فرض هو يؤخره، فبأي عذر و بأي دليل يترك تسمية القرآن لذي الفرض الذي يؤخره، فابن عباس و الشيعة بادخال الضرر في حظ فريق سماه له القرآن يخالفون القرآن أشنع مخالفة، فيأخذون بعول جائر لا وجه له، و يدعون الجهل علي الله اذ سمي شيئا لا وجود له، وأمر بتنفيذ شي‌ء لا امكان له، و لو جاز دعوي التأخير في صورة الازالة عن فريضة الي غير فرض، فدعوي التأخير في صورة التسمية ترك للقرآن ليس الا، و اسناد تقصير الي بلاغة القرآن في أكمل بياناته». و قال (ص 207): «و الشيعة قد تتهور في اسناد التقصير و التناقض الي بيان القرآن، تقول: ان حظ البنتين في الفرائض و حال الشركة اذا زادت السهام أو نقصت لم يبينها القرآن، و لا ضرر في عدم البيان اكتفاء ببيان أهل البيت علي أحسن الوجوه، و اذا عالت الحقوق تقول الشيعة: نعلم أن الكل غير مراد للتناقض، و لم نعلم من القرآن من المراد، بل نطلب البيان من غير القرآن من أخبار الأئمة، يتهمون القرآن الكريم بقصور البيان و لا يتهمون النفس بقصور الفهم»، ثم قال: «و حقوق الورثة شائعة في كل ذرة من ذرات التركة، و القسمة في المشاع عولية بطبيعة الحال لا نزاعية، و العدل المطلق في القسمة عولية أو نزاعية هو أخذ الحقوق و الحظوظ من مخرج معين حتي يصيب كل أحد حقه، و حتي يسري التناقص الي كل أحد بنسبة عادلة نافذة، أما مذهب الشيعة في [ صفحه 262] ادخال النفص علي فريق دون آخر، فهو عول جائر و التزام أن الله في شؤون الحساب و القسم جاهل جائر، و ترك لما سماه الله في كتابه بنص ظاهر». و قال (ص 208): «الاعالة نص القرآن الكريم، أجمع عليها شوري الصحابة، و هم أعلم و أفقه من ابن‌عباس، و قد سكت في مجلس الاستشارة، و لو تكلم لفهم أن سند الاجماع هو بيان القرآن، و بيان القرآن رياضي علي وجه الاعالة، و هي أخذ الحظوظ كلها من مخرج كسور سماها القرآن، و مجموع الحظوظ يصح منه المسألة، و قول الله في أول آيات المواريث (فان كن نساء اثنتين فلن ثلثا ما ترك و ان كانت واحدة فلها النصف) [النساء / 11]جملة جميلة جليلة موجزة تصح بها جميع مسائل الفرائض بعد قوله (للذكر مثل حظ الأنثيين) مجموع أنصاف غير محصورة أو مجموع أثلاث غير معدودة. هذا هو الوجه في أن الكتاب الكريم المبين قد حصر جميع مسائل الفرائض بين هاتين الآيتين من مخرجين مسميين لاحد لأنصافهما و لا عد لأثلاثهما، و لم يذكر مثل هذا الحساب الرياضي في غيرهما، فان الاحالة الي غير حد لا توجد في غيرهما». و قال (ص 193): «ارث النسب دل عليه الكتاب (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك و ان كانت واحدة فلها النصف) [النساء / 11]، ثم قال (ص 195): «تمهيدا للاستدلال علي العول، ففي ابن و بنت يلزم علينا أن نقول: الابن حظه النصفان، و البنت حظها النصف، و المجموع ثلاثة أنصاف من الاثنين - مخرج النصف - و في ابن و بنتين يلزم أن نقول البن حظه الثلثان من الثلاثة - مخرج الثلثين -، و البنتان لهما الثلثان منه الثلاثة - مخرج الثلثين -،فيكون القرآن بين حظ الذكر بعبارتين بيانا رياضيا بلسان عربي مبين، و ثلاثة أنصاف من اثنين و أربعة أثلاث من ثلاثة هي العول الظاهر، و بيان العول بمثالين في سهام الأولاد، يهدي الي جواز العول في سائر الورثة دلالة بداهة و اقتضاء». ثم أطال في بيان ذلك بما لا فائدة في نقله، ثم قال (ص 196): «فأعود و أقول ان العول [ صفحه 263] نزل في القرآن نص عليه نص عبارة في أول آياته بأظهر شواهده، فكيف تنكره الشيعة؟ و كيف وقع فيه اختلاف المذاهب؟ و كيف أمكن أن يخفي علي ابن‌عباس؟، و لنا فيه زيادة بيان (يهدي الله لنوره من يشاء) [النور / 35]». و نقول: كرر مقابلة الأمة بالشيعة في ما مر و يأتي، و لم يعلم أن الجماعة التي يخرج منها أئمة أهل البيت عليهم‌السلام، مقتدي الشيعة، في ابطال العول، و يخرج منها ابن‌عباس حبر الأمة، و غيرهم مما مر لا يجوز أن يطلق عليها لفظ الأمة. و فرض نصف و ثلثين مثلا في مال يستلزم نسبة الجهل اليه تعالي، كما أشار اليه ابن‌عباس و الامام الباقر بأن الذي أحصي رمل عالج يعلم أن المال ليس له نصف و ثلثان، فلا يمكن أن يكون اطلاق فرض النصف و الثلثين الوارد في الكتاب العزيز شاملا لهذا المورد لئلا يلزم نسبة الجهل اليه تعالي، فلا بد من تقييد الاطلاق، و قد دل علي هذا التقييد قول ابن‌عباس الذي أخذه عن أميرالمؤمنين عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم، أو عن النبي رأسا، و قول أئمة أهل البيت عليهم‌السلام شركاء القرآن، و أحد الثقلين، و هم أعلم بدين جدهم من كل أحد، أما العول بادخال النقص علي الجميع بنسبة سهامهم فلا دليل عليه، مع أنه مستلزم لاستعمال ألفاظ السهام في غير معانيها بدون علاقة، كاستعمال الثمن في التسع و غير ذلك، و لو فرض وجود العلاقة للزم استعمال اللفظ في معنييه الحقيق و المجازي في استعمال واحد، و هو غير جائز كما تقرر في الأصول، و ليس هنا معني جامع ليكون من عموم المجاز، مع أن القرينة مفقودة،و مجرد عدم امكان خروج السهام لا يصلح قرينة مع احتمال تقييد الاطلاق لو فرض عدم وجود الدليل عليه. و قد ظهر بذلك بطلان جميع ما أطال به من كلامه الذي يشبه رحي تطحن قرونا تسمع جعجعة و لا تري طحنا. فالشيعة لم ترد القول بالعول من عند أنفسها، بل بما روته عن نبيها بواسطة أهل بيته أحد الثقلين الذي أمر نبيها بالتمسك بهم، و نجت من اشكال [ صفحه 264] ابن‌عباس و الامام الباقر بقولها: ان الله فرض في مال نصفا و ما بقي لا نصفا و ثلثين، و وقع فيه غيرها لقوله: ان اطلاق السهام في الآيات شامل لمورد العول، و هو مستلزم للمحال، و نسبة الجهل اليه تعالي ان بقيت السهام علي حقائقها و لاستعمال اللفظ في معناه الحقيقي، و في ما لا علاقة بينه و بين المعني الحقيقي، و لا قرينة في استعمال واحد و هو غير جائز كما مر. و ادخال النقص في سهام من أخره الله هو عين العدل، و ليس أخدا بحظ كبير و لا صغير جائر من العول، بل غيره هو الجور فانا أدخلنا النقص علي من دل الدليل علي دخول النقص عليه، و أنه ليس بذي فرض في هذا الفرض لكونه وارثا بالقرابة، و كون الحكم عادلا أو جائرا مرجعه نص الشارع لا الرأي و الاستحسان، فما حكم به هو العدل و ما لم يحكم به هو الجور، و قد ظهر اندفاع أصل الاشكال و التسمية في الكتاب غير شاملة لمن أخل عليه النقص بعد التقييد، و كون النقص في جميع السهام عولا عادلا و في سهم المؤخر فقط عولا جائرا انما يتم مع فرض الشمول، و قد عرفت عدمه و أنه غير ممكن؛ لأن الذي أحصي رمل عالج و جميع ذرات جميع الكائنات يعلم أن المال ليس له نصف و ثلثان فكيف يفرضهما فيه. و كون الأمة أخذت بالعول العادل، والشيعة بالسبيل الجائر، كلام جائر، فمن يسميهم الأمة أخذوا بالعول الجائر الذي لم يفرضه الله، و جاروا علي أكثر ذوي الفروض، فنقوصهم عن فروضهم التي فرضها الله لهم، و أعطوا المال الذي فرضه الله لشخص غيره بغير دليل. و الشيعة بما حفظته عن أئمتها عن جدها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أخذت بالسبيل العادل، فأعطت ذوي الفروض فروضهم، و أعطت من لم يجعل الله له فرضا في هذه الصورة الباقي؛ لأن ذلك هو الذي جعله الله له، فهي لم تنقص أحدا شيئا مما جعله الله له. والذي قسم المال و سمي السهام هو الذي أحصي رمل عالج، و لذلك قلنا: انه لا يمكن أن يفرض في مال سهاما لا يسعها و ليس ذلك أصل الاشكال، فقد عرفت أنه لا اشكال أصلا، و الامام الباقر لم يكن منتحلا مذهب أحد، و لا قوله في وقت من الأوقات لا ابن‌عباس و لا غيره، بل كان وارثا للعلم عن آبائه - الذين تعلم منهم ابن‌عباس - عن جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذي سماه باقر العلم باقر العلم لتوسعه فيه. و قد [ صفحه 265] تبين بهذا أن القول بأن لا عول عند الشيعة ليس قولا ظاهريا، بل قول واقعي فانه لا عول عند الشيعة بالمعني المصطلح عند الفقهاء، و أما دخول النقص علي البعض فليس بعول اصطلاحا، و الشيعة لم تقل به الا لما قام عندها من الدليل لا ردا لمذهب الأمة، و لا هربا من وفاق العامة؛ لأنهم في أكثر الفروغ قبلوا مذهب من يسميهم الأمة، و لم يردوه، و وافقوا العامة، و لم يهربوا من وفاقهم، و انما تركوا مذهب شخص واحد قاله برأيه و اجتهاده لما ظهر لهم أن الصواب في غيره، بما بينه ابن‌عباس و بينه أئمة أهل البيت عليهم‌السلام. و سيان عندهم مع موافقة الدليل وفاق العامة و خلافها. و سواء أكان العول هو النقص أم الزيادة، فجعل النقص في جميع السهام بقدر متناسب، و تسميته عولا عادلا انما يتم اذا فرض شمول آيات الفرائض للجميع، و قد عرفت بطلانه كما ظهر لك أن القائلين بالعول لم يحافظوا علي نصوص الكتاب و خالفوها كلها، فمن فرض له النصف أعطوه أقل منه، و من فرض له الثلثان أعطوه أقل منهما بالاجتهاد، و هو العول الجائر بكل معني الجور، و أن الشيعة حافظوا علي نصوص القرآن الكريم، فأبقوها بحالها في غير من دخل عليه النقص، و قيدوا ظاهر الاطلاق في من دخل عليه النقص بما ثبت عندهم من السنة، و هذا هو العول العادل الذي وافقت فيه الشيعة نصوص القرآن الكريم و اقتدت مطلقاتها بالدليل، و دفعت بذلك اشكال فرض سهام لا يسعها المال. و ابن‌عباس لم يكن متحيرا، بل كان علي بصيرة من أمره، و لذلك دعا مخالفه الي المباهلة، فالذي يدعو الي المباهلة لا يمكن أن يكون متحيرا و انما المتحير و غيره، و انما أورد هذا الاشكال علي غيره ممن قال بالعول و لا جواب لهم عنه، و الاشكال علي نفي العول ليس بثابت، و لا رأس، بل قد دك من الأساس، و لم يبق له ذنب و لا راس، و انما هو ثابت رأس علي من قال بالعول من الناس لا يهدمه معول و لا فاس، و من أراد المباهلة باهلناه. و الأحكام الشرعية لا تكون بالحدس، و لا بالمشاورة، و الاشارة و لا بعقد المجالس كمجالس الوزراء و النواب لتدبير المملكة؛ انما هي بنص الشارع [ صفحه 266] و بيانه، و لا بعقول الرجال، فلو صح أن العباس أشار بالعول كما حكاه ابن‌عابدين في حاشية الدر المختار بقوله: فأشار العباس الي العول، فقال: أعيلوا الفرائض، فتابعوه علي ذلك، و لم ينكره أحد الا ابن‌عباس بعد موت عمر. [327] لم تكن اشارته حجة؛ لأنه ليس بمعصوم و كونه كان أنفذ العرب نظرا يري الأمور من وراء التسور، و تحدس بقوله الصحابة، كلام مزخرف مزوق ليس تحته معني، فالنبي الذي هو أعظم من العباس و ثبتت له العصمة لم يكن يري الأمور من وراء الستور، و كان يتوقف عن الجواب اذا سئل حتي يأتيه الوحي، و يجوز أن يكون العباس أنفذ العرب نظرا في التجارة و أمور الدنيا. أما الأحكام الشرعية فليس فيها نفوذ رأي لأحد حتي الأنبياء الا بوحي من الله تعالي لا من وراء الستور، و لا من قدامها و ليس للصحابة أن يحدسوا وجه المسألة بقول العباس، أو من هو أعلم منه، بل ليس لهم أن يحدسوا وجهها بقول النبي صلي الله عليه و آله و سلم حدسا. فان الحدس و الظن لا يؤمن معه الخطأ، و قد نهي الشارع عن اتباعه، و ليس لهم الحكم الا بالحس بالسماع من الشارع، و ظهور اللفظ علي قاعدة التخاطب. و قوله لم ينكره أحد الا ابنه، يكذبه أن عليا كان ممن أنكر كما يأتي في المسألة المنبرية، و الصواب أن المراد بالهيبة هيبة الخوف لا هيبة الاجلال و الاحترام كما فسرها، فان الاجلال و الاحترام لا يزول بالموت، فكما يجل الرجل و يحترم في حياته، يجل و يحترم بعد موته، فكيف سكت في حياته احتراما، و بالغ في الانكار عليه بعد موته حتي دعا الي المباهلة، و كلامه المزوق بأن ابن‌عباس كان في مجلس الاجماع ابن لبون «الخ» يرده أن ابن‌عباس كان في خلافة الخليفة الثاني كامل العقل و الرشد، وافر العلم، مشهور الفضل، معروفا بالفقه، و كان يسمي حبر الأمة، و ترجمان القرآن، و كان يقال ان عنده ثلثي علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و حديثه و ما أثر عنه من الأحاديث في الفقه و التفسير و غيرها، و مواقفه في الجدل و الخصام معروفة، و كان الخليفة الثاني يفاوضه و يناقشه و يحادثه و يقول له: غص يا غواص، و لو فرض أنه كان «ابن [ صفحه 267] لبون» فلم تكن البزل القناعيس تستطيع صولته اذ لزت معه في قرن و ليس العلم و الفقه بكبر السن. و أما أن من عدهم كانوا أعلم منه فلعله كان أعلم من جملة منهم لما مر. و لو سلم، فجائز أن يخطئوا و يصيب بعد الاتفاق علي عدم العصمة، و أفقه الصحابة علي بن أبي‌طالب، فهو الذي كانوا يرجعون اليه و لم يكن يرجع الي أحد، و هو الذي قال فيه عمر «لولا علي [328] قضية و لا [329] لا عشت لمعضلة» [330] فحشره مع من ذكر، و تسويته بهم، و تقديم أحدهم عليه ليس بأول ظلم وقع عليه، و ابن‌عباس انما أخذ بطلان العول منه كما ذكرناه مرارا. و لا أعجب من قوله: فانعقد الاجماع و علي حاضر، فحضوره لم يتحقق. وهبه حضر فابن عباس مخالف، و هو لا يقصر عن جملة منهم علما و فقها ان لم يزد، و كيف ينعقد الاجماع بأربعة و الصحابة يعدون بالألوف؟ و هي أن الأربعة أفقه الصحابة، ففي غيرهم فقهاء أيضا، و من الذي فسر الاجماع باتفاق الأفقه، و قوله أيضا، و لا أري الا أن صلة الحدس في سند الاجماع كان نظم القرآن في أول آيات المواريث، فستعرف أن فلسفته التي ذكرها في أول آيات المواريث و لم يوافقه عليها أحد في القديم و لا الحديث، أوهي و أوهن من بيت العنكبوت، فكون هذا الحدس - الذي هو حدس في حدس - صلته تلك الفلسفة يجعله متقطعا بلا صلة و لا عائد. و كون هذا الاجماع المزعوم الموهوم سنده ذلك يجعله بلا سند زيادة علي ما هو عليه. و الشيعة في العول ذهبت مذهب أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الذين أخذوه عن جدهم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و الذين اقتدي ابن‌عباس بسيدهم و أخذ عند القول بعدم العول. [ صفحه 268] و الحديث الذي حكاه عن ابن‌عباس في أول من أعال الفرائض، قد روي من طريق أهل السنة في كتب الحديث لأصحابنا، وفي مستدرك الحاكم بما يخالف بما ما حكاه في عدة مواضع، روي المحمدون الثلاثة: الصدوق و الكليني والشيخ الطوسي، بأسانيد عديدة، و رواه صاحب المسالك ببعض تلك الأسانيد، و صرح بأن رجاله من أهل السنة، و كلها عن الزهري، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة، قال: جالست ابن‌عباس فعرض ذكر الفرائض في المواريث، فقال ابن‌عباس: سبحان الله العظيم، أترون الذي أحصي رمل عالج عددا جعل في مال نصفا و نصفا و ثلثا، فهذان النصفان ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ فقال له زفر بن أوس البصري: فمن أول من أعال الفرائض؟ فقال: عمر بن الخطاب، لما التقت الفرائض عنده و دفع بعضها بعضا، فقال: والله ما أدري أيكم قدم الله و أيكم أخر، و ما أجد شيئا هو أوسع من أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص، فأدخل علي كل ذي سهم ما أدخل عليه من عول الفرائض، و أيم الله لو قدم من قدم الله و أخر من أخر الله ما عالت فريضة، فقال له زفر: و أيها قدم و أيها أخر؟ فقال: كل فريضة لم يهبطها عن فريضة الا الي فريضة، فهذا ما قدم الله، كالزوج له النصف فاذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع عنه الي الربع لا يزيله عنه شي‌ء، و الزوجة لها الربع فاذا دخل عليها ما يزيلها عنه صارت الي الثمن لا يزيلها عنه شي‌ء، و الأم لها الثلث فاذا زالت عنه صارت الي السدس و لا يزيلها عنه شي‌ء، و أما ما أخر فكل فريضة اذا زالت عن فرضها لم يبق لها الا ما بقي، كالبنات و الأخوات لها النصف و الثلثان، فاذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن الا ما بقي، فاذا اجتمع ما قدم الله و ما أخر بدي‌ء بما قدم الله فأعطي حقه كاملا، فاذا بقي شي‌ء كان لمن أخر، و ان لم يبق شي‌ء فلا شي‌ء له [331] فقال زفر: فما منعك أن تشير بهذا الرأي علي عمر؟ فقال: هبته و الله و كان امرأ مهيبا، فقال الزهري: و الله لولا أنه تقدمه امام عدل كان أمره علي الورع، فأمضي أمرا [ صفحه 269] فمضي ما اختلف علي ابن‌عباس في العلم اثنان» [332] و رواه الحاكم في المستدرك بسنده عن محمد بن مسلم بن عبدالله بن شهاب، عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن‌عباس قال: أول من أعال الفرائض عمر. و أيم الله لو قدم من قدم الله الي قوله فلا شي‌ء له. [333] . و المذكور في هذه الرواية كما سمعت: «هبته والله و كان امرأ مهيبا»، و هو الذي نقله (في ص 204) ناقلا له عن أهل العلم كما مر. و أما ما نقله (في ص 205) من قوله كان «مهيبا ورعا» فلم نجد أحدا ذكره و لا ذكر هو مأخذه، فالظاهر أن الأول هو الصواب، فيكون قد منعه من ذلك الهيبة منه، أي الخوف، فلم يظهر ذلك في حياته و أظهره بعد موته لا هيبة الاجلال، فانها لا تمنع من اظهار الحق و تزول بالموت لو كانت كما مر تفصيله، و لو كان يعتقد أنه لو كلمه لرجع لما تأخر عن كلامه و هو يبالغ في الانكار بعد موته، و يدعو الي المباهلة و الا لكان سفيها، و كيف كان فهو يدل علي أنه كان مخالفا من أول الأمر، و أن المانع له من اظهار قوله هو الهيبة، سواء أكانت هيبة اجلال أم هيبة خوف، و مصدر ابن‌عباس عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام، و علم ابن‌عباس و جلالة قدره في العلم و الفقه لا تنكر فلا وجه لترك قوله الي غيره الا العصبية. كما يظهر من قول الزهري أيضا أنه كان موافقا لابن عباس و أن جميع أهل العلم كانوا يوافقونه؛ لولا تقدم من تقدمه بالقول بالعول. و قد استفيد من حديث ابن‌عباس فوائد، منها: محالية العول، و استلزامه نسبة الجهل أو العبث اليه تعالي، و منها: أن من يدخل عليه النقص و من لا [ صفحه 270] يدخل مستفاد من آيات الفرائض، حيث جعل للأول فرضا واحدا و للثاني فرضين أعلي و أدني عند وجود من يزيله عن فرضه الأعلي، فأشار بتأكيد فرضه الي تقديمه و أنه لا يزيله عنه شي‌ء. و منها: ضابطة من يدخل عليه النقص و من لا يدخل، فالأول من فرض له فرض واحد، و الثاني من فرض له فرضان. و متي نقصت السهام عن المال تكون الزيادة للأول كما يأتي و من له الغنم فعليه الغرم. و منها: أن القائل بالعول قاله برأيه و اجتهاده من دون استناد الي نص، و ذلك حين التفت عليه الفرائض، و دفع بعضها بعضا، و لم يدر أيها قدم الله و أيها أخر؟! و ابن‌عباس لم يستند في تقديم البعض و تأخير البعض الي أن النقل من فرض الي عصوبة يوجب ضعفا، سواء أكانت العصوبة أقوي أسباب الارث أم لم تكن، و انما أستند الي أن فرض سهام في المال لا يسعها المال لا يقع ممن أحصي رمل عالج عددا، و ذكر ضابطة لتقديم البعض و تأخير البعض، أخذها من الوصي عن النبي، و فيها ايماء الي وجه التقديم بتأكيد الفرض مع أن كون العصوبة أقوي أسباب الارث لا دليل عليه، و لا يعرف الأقوي و الأضعف الا من الشرع. و التعصيب لا نقول به حتي نقول: ان تقديم البعض و تأخير البعض يكون حال التعصيب و تكرير الدعوي بقوله: فان القرآن سمي للزوج النصف، و ادخال الضرر علي فريق واحد عول جائر «الخ» لا يثبتها و لا يصححها و تكرير الألفاظ الشنيعة كقوله: أشنع في المخالفة يزيد أقواله و دعاواه شناعة. و كون الورثة تساوت في سبب الارث الذي أطال به - مع ما اختصرناه منه - بدون طائل ما هو الا كالرقم علي الماء، فقياس الحقوق التي تزدحم و تتدافع كالنصف و النصف و الثلث علي الحقوق التي لا تزدحم و لا تتدافع كقسمة اثنين أو ثلاثة علي عشرة قياس فاسد؛ فالأولي لا يمكن خروجها من المال، و من يقول: ان الله فرضها في مال واحد فقد نسب الله الي الجهل، أما عشرة أبناء و عشر بنات فقسمة الثلثين عليهم و الثلث عليهن لا يشبه العول في [ صفحه 271] شي‌ء؛ اذ كل ثلثين يمكن قسمتهما علي عدد كثير، و كل ثلث كذلك بدون أن يلزم محال بخلاف العول، فان جعل نصف و نصف و ثلث للمال محال، و كون هذه السهام أريد بها الأقل؛ شي‌ء خارج عن مدلول اللفظ يحتاج الي دليل خاص، و لا يكفي فيه أن الشارع في مسألة الأولاد قسم الثلين علي عشرة و الثلث علي عشر، فهذه الفلسفة الباردة التي جاء بها لا تجدي شيئا في اثبات العول، وقوله: ثم تعول الي ثلاثين صنفا أو ثلاثين ثلثا تمويه باطل، فهي تقسم علي ثلاثين سهما و لا مانع منه، و تسميته عولا غير صحيحة فليست قسمته علي ثلاثين مسببة عنه أنه فرض فيه ما لا يسعه، بل فرض فيه ما يسعه، فسواء اكتفي القرآن بمخرجين أم لم يكتف لا ربط لذلك بالعول، و لا حاجة الي مباهلة ابن‌عباس، ترجمان القرآن، و لا هو أهل لأن يقرن بابن عباس، و عدد الأنصاف لا يزيد علي اثنين، عدد الأثلاث علي ثلاثة في شي‌ء واحد و مئات الأنصاف و مئات الأثلاث قد حصل في مئات الأشياء لا في شي‌ء واحد، و في محل الكلام قد فرض النصف و النصف و الثلث في شي‌ء واحد. و بيان القرآن لا يمكن أن يخفي علي ترجمان القرآن، و يظهر لأخي تركستان و بأي عذر يترك الفرضي تعبير القرآن، فيحمل النصف علي أقل منه و الثلث و الثلثين علي أقل منها، و الثمن علي التسع بغير دليل و لا برهان، و ابن‌عباس اذ ادعي التأخر في ذي فرض فهو لم يؤخره، و انما أخذ تأخيره عن مدينة العلم و بابها، ولكن بأي عذر و بأي دليل يترك أهل العول تسمية القرآن لأهل الفروض و ينزلونها الي أقل منها. و ابطال تسمية الآية في فريق واحد للدليل لا شناعة فيه، بل الشناعة في ابطال تسميتها في الجميع بحمل السهام علي أقل منها و النصف و الثلث لم تؤخذ من مخرج كما زعم، و انما أخذ غيرها و هو الأقل منها. و هذه الألفاظ السيئة التي اعتادها: يخالفون القرآن أشنع مخالفة. يدعون الجهل علي الله التزام أن الله في شؤون الحساب و القسم جاهل جائر، ترك للقرآن ليس الا، اسناد تقصير الي بلاغة القرآن، اسناد التقصير و التناقض الي بيان القرآن، يتهمون القرآن [ صفحه 272] بقصور البيان، و أمثالها لا يعود سوؤها الا علي قائلژها، فقد علم مما مر من هو الذي خالف القرآن، و أن الذي يدعي الجهل علي الله هو من قال: انه فرض في مال ما لا يسعه، و أن دعوي التأخير في بعض صور التسمية لدليل ليس تركا للقرآن، بل ترك التسمية في جميع صورها، و حملها علي ما هو أقل منها بغير دليل، هو ترك للقرآن ليس الا، و اسناد تقصير الي بلاغة القرآن في أكمل بياناته، و نسبته التهور الي الشيعة في حظ البنتين هو أحد الأمور التي أدي اليه سوء فهمه، فجميع المسلمين، الشيعة و غيرهم، يقولون: ان حظ البنتين مع الانفراد هو الثلثان، و هو غير مذكور صريحا في القرآن قال تعالي: (فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك و ان كانت واحدة فلها النصف) [النساء / 11]ذكر ما فوق اثنتين و لم يذكر الاثنتين، ولكن المسلمين أجمعوا علي أن حكم الاثنتين حكم الأكثر، و قيل: انخ ذلك في لسان العرب معناه اثنتان فما فوق، و مثله الحديث: لا تسافر المرأة لفوق ثلاثة أيام الا و معها زوجها أو ذو محرم [334] أي ثلاثة أيام فما فوق، فنسبته ذلك الي الشيعة جهل و تهور. و أما حال التركة اذا زادت السهام و عالت الحقوق، فلا مؤاخذة علي الشيعة اذا أخذت بما أخذه ترجمان القرآن عن مدينة العلم و بابها، و بما قاله أئمة أهل البيت، أحد الثقلين، وأشار اليه القرآن الكريم بجعله لمن يدخل عليه النقض فرضا واحدا، و لمن لا يدخل عليه فرضين، بارشاد ترجمان القرآن، و من أنزل القرآن في بيوتهم، و ورثوا تفسيره عن جدهم الرسول، و ليس المتهور الا من يزعم أن الله فرض في مال ما لا يسعه، و أسند التقصير الي بيان القرآن بأنه أراد بالسهام ما هو أقل منها بغير قرينة و لا مسوغ في لغة العرب، و من فسر القرآن ببيان أهل البيت عليهم‌السلام و ترجمان أعذر ممن فسره ببيان من تحيروا في تفسيره، و لجأوا الي استشارة من أشار برأي لم يستند فيه الي دليل و يجوز عليه الخطأ. [ صفحه 273] و أما حال التركة و زيادة السهام و هو التعصيب، فنحن و أنتم متفقون علي أن البنتين أو الأكثر لهما الثلثان فرضا، و الزائد عندكم لم يبينه القرآن و بينته السنة بقول: ما أبقت الفريضة فلأولي عصبة ذكر، فيكونون قد تهوروا و أسندوا التقصير الي القرآن الذي لم يبين حكم الزيادة، و عندنا بينه القرآن بآية (و أولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض) [الأنفال / 75]بعد تفسيرها من أئمة أهل البيت، شركاء القرآن، بأن الأقرب أولي من الأبعد، فظهر أن التهور في اسناد التقصير و التناقض الي بيان القرآن لم يصدر الا منه و ممن علي شاكلته. و كون حقوق الورثة شائعة في التركة لا ينكره أحد، و كون القسمة في المشاع عولية، بمعني أن السهام فيه تزاد بأضعافها لتقسم علي أصحابها علي الوجه الذي تفلسف فيه بما يأتي ستعرف أنه لا فائدة فيه؛ لأن هذه الزيادة - سواء أسميناها عولا أم لا - لا تشبه العول المتنازع فيه؛ لما ستعرف من أن الثلث مثلا يمكن قسمته علي مائة و لا يلزم منه محال، أما أن يكون لمال ثلثان و نصف، فهو محال. و جعل القسمة عولية و نزاعية لم نجده لغيره، و لا عجب فهو مجمع الغرائب، و كون العدل في القسمة مع عدم العول أخذ الحقوق من مخرج معين، حتي يصيب كل أحد حقه، فهو من توضيح الواضحات، أما مع العول فيقال له: ثبت العرش، ثم انقش، و ما ذكره عن مذهب الشيعة في العول، قد تكرر منه و تكرر جوابه، و التزام أن الله في شؤون الحساب جاهل جائر، انما يكون ممن ينسب اليه تعالي أنه فرض في مال له يسعه. و لو كانت الاعالة نص القرآن الكريم لما تحير فيها في أول الأمر أول من قال بها. فالنص يفهمه كل أحد من أهل اللسان؛ لأنه ما لا يحتمل الخلاف، و لما احتاج الي شوري الصحابة، فالشوري تكون في الأمور المشكلة الغامضة، لا في الأمور الظاهرة التي نص عليها الكتاب، و لما خالف فيها علي و الأئمة من ولده، و من أعرف منهم بنص القرآن، و ظاهره، و محكمه، و متشابهه، و مهزلة اجماع الشوري قد عرفت الكلام فيها. و سكوت ابن‌عباس أولا كان خوفا كما مر. و أما أنه لو تكلم لفهم أن سند الاجماع بيان القرآن، فهو تخرص علي [ صفحه 274] الغيب، و لعله لو تكلم لفهم أبوه - ان صح أنه أشار بالعول - و من وافقه أن الحق بجانبه، و لرجعلوا الي قوله، و بيان القرآن لو كان لما احتيج الي الاجماع المزعوم الموهوم. و بيان القرآن سواء أكان رياضيا أم غير رياضي لا ربط له بالعول كما ستعرف. و أخذ الحظوظ كلها من مخرج كسور سماها القرآن في صورة العول غير ممكن؛ ان أبقيت تلك الحظوظ علي حالها، و ان أنقصت كما يقوله أهل العول، كان ذلك خروجا عن نص القرآن الذي ذكرها تامة لا ناقصة. و مجموع الحظوظ لا تصح منه المسألة ان أبقيت الحظوظ علي حالها، و ان أنقصت فلا يدل القرآن علي ذلك، و آية (و ان كن نساء فوق اثنتين) آية جميلة، جليلة، موجزة، لا تفتقر الي أن يشهد لها بذلك، فهي تزيد علي ما وصفها أنها معجزة. ولكنها لا ربط لها بآية (للذكر مثل حظ الأنثيين) - كما زعم - حتي تصح بها جميع مسائل الفرائض، فتلك لبيان الذكران و الأنثي اذا اجتمعوا، و هذه لبيان نصيب البنات و البنت الواحدة اذا انفردن. و فلسفته التي ذكرها (ص 196 - 193) و أشار اليها هنا بأن في الآيتين مجموع أنصاف و أثلاث كثيرة و ذلك هو العول؛ فلسفة خارجة عن دلالة القرآن، فاسدة من عدة وجوه: أولا: ان الله تعالي بين ميراث الأولاد بلسان عربي مبين لا يحتمل هذه الفلسفات الباردة المعوجة، فبين أنه عند اجتماع الذكور و الاناث من الأولاد يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، و عند انفراد البنتين لهما الثلثان، و عند انفراد البنت لها النصف، و قوله: (للذكر مثل حظ الأنثيين) لم يفهم منها أحد من يوم نزولها الي أن جاء هذا الرجل يفسرها بتفسيره هذا، الا أنه للذكر سهمان، و للأنثي سهم واحد، فمع اجتماع ذكر واحد و أنثي واحدة القسمة من ثلاثة، و مع اجتماع أكثر تكون الفريضة علي هذا النمط، للذكر سهمان و للأنثي سهم واحد، و ما تخرج منه السهام صحيحة، فمحنه القسمة أما أن (للذكر مثل حظ الأنثيين) أي للذكر مع البنت نصفان، و للبنت نصف، و مع البنتين الثلثان، و لبنتين ثلثان، فشي‌ء لا يدل عليه اللفظ بشي‌ء من أقسام الدلالات، و لا يقتضيه بوجه من الوجوه فضلا عن أن يدل عليه دلالة بداهة. [ صفحه 275] ثانيا: القرآن الكريم بين حظ الذكر بعبارة واحدة فقط هي قوله (للذكر مثل حظ الأنثيين) لا بعبارتين، و قوله: (و ان كن نساء فوق اثنتين). و ان كانت واحدة خاص بصورة انفراد البنتين و انفراد البنت عن الابن، فأين هما العبارتان اللتان بين القرآن الكريم حظ الذكر فيهما؟ ثالثا: القرآن الكريم بين حظ الذكر بعبارة عربية مبينة بيانا عربيا واضحا يفهمه كل أحد لا بيانا رياضيا مبنيا علي العلوم الرياضية التي لم يكن يعرفها العرب و لا يفهمونها. رابعا: لو كان قوله تعالي: (للذكر مثل حظ الانثيين) راجعا الي تتمة الآية، و هي قوله (فلهن ثلثا ما ترك) (فلها النصف) - كما يزعم - لكان للابن الواحد مع البنت الواحدة الثلثان، و لها النصف لأن حظ الأنثيين الثلثان بمقتضي (فان كان نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) و قد جعل هذا الحظ للذكر. و حظ الواحدة النصف بمقتضي: (و ان كانت واحدة فلها النصف) و البنتان لم يفرض القرآن لهما النصفين حتي يقال: أن سهم الابن مع البنت النصفان، و سهمها النصف، و الله تعالي يقول (للذكر مثل حظ الأنثيين) و لم يقل مثلا حظ الأنثي فلما قال (للذكر مثل حظ الأنثيين) و قال (فلهن ثلثا ما ترك) كان له الثلثان و هو حظهما و لو قال للذكر مثلا حظ الأنثي لصح أن يقال حظ الأنثي النصف، و مثلا حظهما النصفان؛ لكنه لم يقل، فيلزم علي مقتضي قوله أن يكون الذكر له الثلثان دائما سواء أكان مع البنت الواحدة أم مع البنتين، و للبنت الواحدة معه النصف و للأكثر الثلثان، فعلي مقتضي العول - للذي يزعمه - في ابن و بنت للابن الثلثان لا النصفان و للبنت النصف، فالقسمة من سبعة للابن أربعة من سبعة، و للبنت ثلاثة من سبعة، عالت الفريضة بواحد، فقد كان للابن أربعة من ستة و للبنت ثلاثة من ستة، فعلي هذه الفلسفة المعوجة التي ذكرها يكون القرآن دالا علي أنه مع اجتماع الابن و البنت للابن أقل من سهمين، و للبنت أكثر من سهم، و هو مخالف لضرورة الدين. خامسا: لو دل القرآن - كما يزعم - في ابن و بنت علي أن للابن نصفين، [ صفحه 276] و للبنت نصفا، و في ابن و بنتين علي أن للابن الثلثين، و للبنتين الثلثين؛ للزم منه نسبة الجهل الي الله تعالي؛ بأن يفرض في مال ثلاثة أنصاف، و ليس له الا نصفان و في مال أربعة أثلاث و ليس له الا ثلاثة، فان قال: انه فعل ذلك ليبين أن المال يقسم مثالثة في الأول، و مناصفة في الثاني بيانا رياضيا - تركستانيا - قلنا: التعبير عن قولنا للابن ثلثان، و للبنت ثلث و نحوه، بقولنا للابن نصفان، و للبنت نصف، و عن قولنا للابن النصف، و للبنتين النصف، بقولنا: للبنت ثلثان و للابن ثلثان يعد من التعبير الركيك الساقط الذي تأباه بلاغة القرآن و سمو محله، و يكون عدولا عن التعبير الواضح البين الي التعبير الملغز المعمي، و انما اضطر القائل بالعول الي القول به؛ لأنه قد رأي أن المال قد فرض فيه من السهام ما لا يسعه، أما هنا فلا ضرورة و بالجملة فهذه تمحلات باردة تافهة فاسدة، يجب أن يصان عنها كلام الله المعجز. و ادعاؤه أن القرآن نص علي العول، فكيف تنكره الشيعة و تختلف فيه المذاهب، و يخفي علي ابن‌عباس، و افتخاره بأنه ظهر له ما خفي علي كل هؤلاء مستشهدا بآية (يهدي الله لنوره من يشاء) يقال فيه: ان الله علي كل شي‌ء قدير يقدر علي أن يظهر له ما خفي علي حبر الأمة و علي جميع الأمة من عهد الرسالة الي اليوم (و من يضلل الله فما له من هاد) [غافر / 33 ].

قياس العول علي الدين

استدل القائلون بالعول بقياسه علي الدين مع قصور المال بجامع الاستحقاق؛ لكنه لم يذكره في «وشيعته». و العجب كيف تركه مع تشبثه لكل رطب و يابس، و ذكرناه تتميما للفائدة. و الجواب: بالفرق بين الدين و الميراث اذ لا يستحيل أن يكون علي شخص من الدين ما لا يفي به ماله، بل الدين يكون مع فقد المال بالكلية بخلاف الميراث، فانه يستحيل أن يكون للمال نصف و ثلثان، أو أن يستحق شخص الارث مع فقد التركة، و ذلك لأن الدين يتعلق بالذمة، و هي تقبل تحمل الجميع، فاذا فرض تعلقه بعين المال، و لم يسع الجميع لم يكن ذلك محالا؛ اذ معني هذا التعلق استحقاق كل أن يستوفي بنسبة [ صفحه 277] دينه. و هذا لا محال فيه، و انما المحال استحقاق كل استيفاء جميع دينه بخلاف الارث؛ فانه يتعلق بنفس التركة تعلق انحصار، و هي لا تقبل تعلق جميع السهام، و لهذا يجب الخروج من حقوق الديان كملا، و لا يعد أخذ أحد منهم قسطه استيفاء لجميع حقه، بل لبعضه، و أن فرض قدرة المديون علي ايفاء الدين بعد تقسيط ما له علي الديان يجب عليه الخروج من باقي حقهم، و مع موته يبقي الباقي في ذمته و يصح احتسابه عليه من زكاة و غيرها، و ابراؤه منه، و مع بقائه يعوضون عنه في الآخرة، و الارث مخالف للدين في جميع ذلك، و أن فرض اتساع أموال الميت أمكن استيفاء جميع الديون منها بخلاف العول؛ فان الحقوق متعلقة بأجزاء مسماة و لا يجوز أن تستوفي قط من مال ميت واحد قل أو كثر. و الأولي أن يقال: ان الدين متعلق بالتركة بلا ريب، فان أمكن خروجه منها و الا أخرج بالنسبة؛ لأن تعلقه انما كان بتلك النسبة، و هذا لا محال فيه و لا محذور. أما الميراث في صورة العول، فتعلق السهام كلها بالتركة مع عدم امكان خروجها منها محال، مع بقائها علي حقائقها، و مع ارادة الأقل منها باطل كما مر.

قياس العول علي الوصية

قال (ص 204): «من أوصي لانسان بالثلث، و لآخر بالربع، و لثالث بالسدس، و لم تجز الورثة، نقسم الثلث علي مجموع السهام و هي من اثني عشر، و المجموع تسعة من أن نري في الوصية فسادا، و لا في جمع السهام من المخرج تناقضا، و لا الي بيان الامام حاجة، و ايجاب الله أقوي من ايجاب العبد، و بيان القرآن أصدق و أحق من بيان الانسان، فالعول طبيعي و بيان القرآن رياضي». و نقول: الوصية بما يزيد عن الثلث تقع علي وجهين: الايصاء بذلك تدريجا كالمثال الذي ذكره، و دفعة، كما لو قول: أعطوا نصف مالي لزيد، [ صفحه 278] و عمرو، و خالد، و قياس العول علي الوصية علي الوجه الأول في المثال الذي ذكره مبني علي قولهم بدخول النقص علي جميع الموصي لهم، و لا نقول به، بل الحق صحة الوصية الأولي و بطلان الباقي؛ لأنه لما أوصي بالثلث لم يكن مانع من صحته اذ لكل انسان أن يوصي بثلث ماله، فلما أوصي بالثانية و الثالثة و لم يجز الورثة كان قد أوصي بما لا يحق له فيبطل. و بذلك جاءت الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام، و لو سلم دخول انقص علي الكل، فهو غير ما نحن فيه؛ لأن من أوصي بما يزيد عن ثلث ماله يكون قد أوصي بماله حق الايصاء به و زيادة، و هذا لا يستلزم محالا فتصح في ما له حق و تبطل في الزيادة كما لو أوصي و لا مال له، فما صحت فيه يكونون قد استحقوه علي الاجتماع بنسبة الوصية، فيقسم فيهم كما يقسم الشي‌ء المستحق بين الشركاء لاشتراكهم في السبب بدون مائز، و كذا علي (الوجه الثاني) فظهر بطلان قياس العول علي الوصية بأكثر من الثلث بكلا وجهيها. و اذا كان لا يري في هذه الوصية فسادا و لا تناقضا و لا حاجة الي بيان الامام، ففي العول فساد، و تناقض، و حاجة الي بيان الامام الذي حرم منه، و كون ايجاب الله أقوي من ايجاب العبد انما يتم اذا أمكن شمول ايجابه لمورد العول، و هو مستلزم للمحال فالعول ليس بطبيعي و لا وضعي و بيان القرآن الرياضي بعيد عما يزعمه.

المسألة المنبرية

ذكرها في «وشيعته» (ص 204)، فقال: «روي أهل العلم أن الامام عليا سئل و هو يخطب في منبر الكوفة عن امرأة و بنتين و أبوين، فقال: لها ثلاثة و لابنتيه ستة عشر و لأبويه ثمانية من سبعة و عشرين، فقال السائل: أليس للزوجة الثمن؟ فقال علي: صار ثمنها تسعا، و هذا عول صريح، و جوابه علي منبر الكوفة لا يمكن أن يكون تقية، و كان اماما يقاتل في التنزيل و التأويل». و نقول: المروي، في هذا السؤال و الجواب، خلاف ما نقله، و هذا الذي نقله لم نجده في شي‌ء مما وصل الينا من كتب الفريقين، فالتفصيل الذي ذكره في الجواب خيانة في النقل. [ صفحه 279] ففي الدر المختار شرح تنوير الأبصار في الفقه الحنفي: «و أربعة و عشرون تعول الي سبعة و عشرين كامرأة و بنتين و أبوين و تسمي منبرية». و في حاشيته المسماة برد المحتار لابن عابدين قوله: و تسمي منبرية؛ لأن عليا سئل عنها و هو علي منبر الكوفة يقول في خطبته: الحمدلله الذي يحكم بالحق قطعا، و يجزي كل نفس بما تسعي، و اليه المآب و الرجعي، فسئل عنها حينئذ [335] فقال من غير روية: و المرأة صار ثمنها تسعا و مضي في خطبته فتعجبوا من فطنته (در منتقي) [336] و ظاهر هذا أنه لم يزد في الجواب علي قوله: و المرأة صار ثمنها تسعا؛ لأن ذلك هو المناسب لوقوع الجواب في أثناء الخطبة من غير روية. و في النهاية الأثيرية: هذه المسألة تسمي في الفرائض المنبرية؛ لأن عليا سئل عنها و هو علي المنبر، فقال من غير روية: «صار ثمنها تسعا» [337] و لو كان الجواب كما حكاه هذا الرجل لم يكن من غير روية. و في التهذيب للطوسي و المسالك و غيرهما: «استدل القائلون بالعول من غيرنا بما رواه عبيدة السلماني عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام حيث سئل عن رجل مات و خلف زوجة، و أبوين، و ابنتين، فقال: صار ثمنها تسعا» [338] و لم يذكروا هذا التفصيل الذي ذكره. و قال المرتضي في الانتصار: فأما دعوي المخالف: أن أميرالمؤمنين كان يذهب الي العول في الفرائض، و انما يروون عنه ذلك، و أنه سئل و هو علي المنبر علي بنتين و أبوين و زوجة فقال بغير روية: صار ثمنها تسعا فباطلة؛ لأنا نروي عنه خلاف هذا القول و وسائطنا اليه النجوم الزاهرة من عترته كزين [ صفحه 280] العابدين، و الباقر، و الصادق، و الكاظم، و هؤلاء أعرف بمذهب أبيهم ممن نقل خلاف ما نقوله، و ابن‌عباس ما تلقي ابطال العول في الفرائض الا عنه، و معولهم في الرواية عنه أنه كان يقول بالعول الرواية عن الشعبي و الحسن بن عمارة و النخعي، فأما الشعبي فانه ولد سنة (36) و النخعي ولد سنة (37) و قتل أميرالمؤمنين سنة (40) فكيف تصح رواياتهم عنه. و الحسن بن عمارة مضعف عند أصحاب الحديث و لما ولي المظالم قال سليمان بن مهران الأعمش: ظالم ولي المظالم. و لو سلم كل ما ذكرناه من كل قدح و جرح لم يكن بازاء من ذكرناه من السادة و القادة الذين رووا عنه ابطال العول، فأما الخبر المتضمن أن ثمنها صار تسعا فانما رواه سفيان عن رجل لم يسمه. و المجهول لا حكم له. و ما رواه عنه أهله أولي و أثبت. قال: و في أصحابنا من يتأول هذا الخبر اذا صح علي أن المراد به أن ثمنها صار تسعا عندكم أو أراد الاستفهام و أسقط حرفه كما أسقط في مواضع كثيرة» [339] و هو يدل علي أن الجواب كان مقتصرا علي قوله صار ثمنها تسعا دون التفصيل الذي ذكره، و ما أجاب به السيد المرتضي كاف واف في رد الاستدلال بالمنبرية علي أن عليا كان يقول بالعول، و حمله علي الاستفهام يراد به الانكاري، و هو قريب جدا، فان حذف أداة الاستفهام شائع في الكلام، و في التهذيب: أما الخبر الذي رووه اذا سلمناه احتمل وجهين: أحدهما أن يكون خرج مخرج النكير لا مخرچ الأخبار كما يقول الواحد منا اذا أحسن الي غيره فقابله ذلك بالاساءة و بالذم علي الحقيقة، و انما يريد به الانكار، و الوجه الآخر أن يكون أميرالمؤمنين قال ذلك: لأنه كان قد تقرر ذلك من مذهب المتقدم عليه، فلم يمكنه المظاهرة بخلافه. كما لم يمكنه المظاهرة بكثير من مذاهبه حتي قال لقضاته و قد سألوه: بم نحكم يا أميرالمؤمنين؟ فقال: أقضوا كما كنتم تقضون حتي يكون للناس جماعة، أو أموت [ صفحه 281] كما مات أصحابي، وقد روي هذا الوجه المخالفون لنخا، روي أبوطالب الأنباري: حدثني الحسن بن محمد بن أيوب الجوزجاني، حدثنا عثمان ابن أبي‌شيبة، حدثنا يحيي بن أبي‌بكر، عن شعبة، عن سماك، عن عبيدة السلماني، قال: كان علي علي المنبر، فقام اليه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين رجل مات، و ترك ابنيته، و أبويه، و زوجة، فقال علي: صار ثمن المرأة تسعا. قال سماك: قلت لعبيدة: و كيف ذاك؟ قال: ان عمر بن الخطاب وقعت في أمارته هذه الفريضة فلم يدر ما يصنع، و قال: للبنتين الثلثان، و للأبوين السدسان، و للزوجة الثمن، فكان هذا الثمن باقيا بعد الأبوين البنتين، فقال له أصحاب محمد: أعط هؤلاء فريضتهم، للأبوين السدسان، و للزوجة الثمن، و للبنتين ما يبقي. فقال: فأين فريضتهما؟ الثلثان؟ فقال له علي بن أبي‌طالب: لهما ما يبقي، فأبي ذلك عليه عمر و ابن‌مسعود. فقال علي علي ما رأي عمر، قال عبيدة: و أخبرني جماعة من أصحاب علي بعد ذلك في مثلها أنه أعطي الزوج الربع مع الابنتين و الأبوين السدسين، و الباقي رد علي البنتين، و ذلك هو الحق و ان أباه قومنا» [340] فظهر أن قوله: هذا عول صريح، ادعاء غير صحيح، و أن وجه التقية فيه ظاهر علي مقتضي هذه الرواية، و ان كان الجواب علي منبر الكوفة، فالكوفة هي التي لم يمكنه فيها عزل شريح القاضي، و لا ابطال الجماعة في نافلة شهر رمضان، و كونه اماما يقاتل في التنزيل و التأويل لا يمنع أن لا يوافقه علي جملة مما يراه الا القليل، و انظر قول عبيدة: «ذلك هو الحق و ان أباه قومنا».

آيات المواريث و صحيفة الفرائض

ذكر (ص 203 - 202): «آيات المواريث الخمس: (يوصيكم الله في أولادكم) [النساء / 11](و لكم نصف ما ترك أزواجكم» [النساء / 12]. (و ان كان رجل يورث كلالة) [النساء / 12](و أولو الأرحام بعضهم أولي ببعض) [الأنفال / 75]. [ صفحه 282] (و أولو الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله من المؤمنين و المهاجرون) [الأحزاب / 6]ثم قال: كتاب لم يغادر صغيرة و لا كبيرة من المسائل الا أحصاها. يجد فيها المجتهد جواب كل ما يمكن وقوعه في حوادث الارث و التوريث، و هذه الآيات الخمس هي لا غيرها صحيفة الفرائض التي تدعيها الشيعة، و يقول فيها الباقر و بعده الصادق: ان النبي أملاها علي علي و كتبها علي بيده، لم يرها بيد الباقر و الصادق الا زرارة، و كل مسألة رأي فيها زرارة كان يقول من غير شك باطلة، أما هذه الآيات الخمس فقد أملاها النبي علي الأمة و كتبها الأمة صحفا مطهرة؛ لم تضع و لن تضيع كما ضاعت صحيفة الفرائض، و كل ما كتبه علي بيده من الجفر، و الجامعة، و المصحف، و مصحف السيدة و طامور الوصايا». و نقول: طامور الوصايا مر الكلام عليه عند ذكر شهادة الحسين عليه‌السلام. و صحيفة الفرائض و غيرها مما ذكره يأتي الكلام عليه بعد الفراغ من مبحث العول. و اذا كانت آيات المواريث الخمس يجد فيها المجتهد جواب كل ما يمكن وقوعه في حوادث الارث، فهل رفعت الخلاف بين الأمة في مسائل الارث؟، و اذا كان الأمر كذلك، فلماذا اختلفت الأمة في أحكام المواريث من عهد الصحابة الي اليوم؟ فاختلف فيها الصحابة أنفسهم مع قرب عهدهم بالقرآن، و كونه أنزل بلغتهم، كما اختلفوا في كثير من مسائل الفقه فضلا عن التابعين، و تابعي التابعين، و من بعدهم، و القرآن الكريم انما يراد بأن فيه تبيان كل شي‌ء، أن فيه أصول جميع الأحكام لا جميع فروعها، فليس فيه أن الظهرين و العشاء أربع ركعات، و المغرب ثلاث، و الصبح اثنتان، و عدد فصول الأذان و الاقامة و التكفير في الصلاة مستحب، أولا؟ و الجماعة في نافلة رمضان. أولا؟ و عدد ركعات نافلة الليل، و أنت بنت الابن لها السدس تكميلا للثلثين كما يأتي في التعصيب الي غير ذلك مما لا يحصي، و لماذا وجدت المذاهب الأربعة بعدما كانت أكثر بكثير، و المذاهب الاسلامية في بعضها ما يناقض البعض، فهل في [ صفحه 283] القرآن الكريم تناقض، و كل احتج به علي مذهبه؟ و اذا لم يكن كذلك فماذا نفعنا هفي اختلافنا أن القرآن فيه تبيان كل شي‌ء؟ ولكن هذا الرجل يكابر و يعاند. قال (ص 209 - 208): «و حيث ان عول الفرائض يدوم فيه من العصر الأول الي هذه الأيام اشكال قاهر، و لم أر من أهل العلم من دفعه ببيان ظاهر باهر، بل رأينا أن ابن‌عباس يلاعن بالابتهال، ثم الامام الزهري يقول: لولا أنه تقدمه امام عدل اذا أمضي أمرا مضي لما اختلف علي ابن‌عباس اثنان من أهل العلم. و للشيعة في العول تطاول علي الأمة و تحامل، فبعد كل ذلك بسطت في أصل العول الكلام بسطا يستأصل أصل الاشكال، و يكون فيه فائدة لكل راغب من الطلبة (الي أن قال): و عقدت باب في أن أهل الأدب قد يقع منهم خطأ في فهم بيان الكتاب ليكون لنا فيه جمال حين تريح الطلبة و حين تسرح في مراعي الفكر و مسارح العلم و في رياض الاجتهاد. و انك، ان تستعمل العقل لا يزل مبيتك في ليل بعقلك مشمس الفكر حبل متي يمسك علي طرف منه ينط بالثريا ذلك الطرف و الدين كالبحر ما غيضت غواربه شيئا و منه بنو الاسلام تغترف و نقول: اشكروا يا علماء الاسلام هذه النعمة، فالعول يدوم فيه من العصر الأول الي هذه الأيام اشكال قاهر عجز عن حله جميع أهل العلم، و لم يقدر أحد من أهل العلم علي دفعه ببيان ظاهر باهر، حتي ابن‌عباس مع ما وصف به من العلم، و حتي الامام الزهري الي أن بعث الله للأمة الاسلامية في هذا الأوان و آخر الزمان رجلا من أقاصي تركستان، فبسط القول في العول ببيان قاهر باهر بسطا استأصل فيه أصل هذا الاشكال القاهر الذي دام من العصر الأول الي اليوم، و لم يستطع أحد من العلماء حله، فكان بما آتاه الله من علم حكما بين الخليفة الثاني، و بين ابن‌عباس، و الامام الزهري الذي ظهر منه الميل الي مذهب ابن‌عباس، و دفع تطاول الشيعة علي الأمة و تحاملها، فجاء [ صفحه 284] ببيانات طويلة مملة مكررة تكريرا ممقوتا لا تزيد عن رحي تطحن قرونا، و ليس فيها شي‌ء يصح أن يقال عنه: انه علم زيادة علي ما ذكره علماء الفريقين، فهم قد احتجوا بكل ما في وسعهم مما نقلناه و ما لم ننقله. ثم جاء يفتخر بأنه وصل الي ما لم يصل اليه أحد من أهل العلم. و الذي كان من الشيعة هو الاستدلال علي نفي العول ورد أدلة الخصم بالطريقة المألوفة بين العلماء، و لا يعد ذلك من التطاول و التحامل الا كل متطاول متحامل. و الباب الذي عقده لتخطئة أهل الأدب في فهم الكتاب، و أظهر بلاغته و تفاصحه، و قدرته علي التنميق في ذلك، قد يكون أبان فيه خطأ نفسه لاخطأهم و أولي من الشعر الذي أنشده أن يقال: يخال الفتي من جهله و هو دامس بأن بات في ليل من العقل مشمس الفكر حبل منوط بالثري طرف للحبل أو بالثريا ذلك الطرف والذين كالبحر بعض الناس قد غرقوا فيه هلاكا و منه البعض قد غرفوا

مسائل ذكرها الباقر ردا علي أهل العول

(1) قال (ص 215): «تركت زوجها و أخوتها لأم و أختها لأب، المسألة علي مذهب الباقر من ستة، و الباقي هو السدس للأخت لأب، ولا يمكن الاعالة اذ لو كان بدل الأخت أخ لما زاد علي الباقي و هو السدس، و قد كان له الكل (و هو يرثها ان لم يكن لها ولد) [النساء / 176]. يقول الباقر: فما لكم تحرمون من له الكل و لا تنقصون من له النصف؟ و لا يزاد نصيب الأنثي علي نصيب الذكر ان حل محلها أبدا». (2) «تركت زوجها و أبويها و بنتها؛ المسألة من اثني عشر لبنتها خمسة اذ لو كان بدلها ابن لما كان له غير خمسة، و لو تركت بنات لم يكن لهن أيضا غير هذه الخمسة اذ كان بدل البنات أبناء لم يكن لهم غير هذه الخمسة». ثم قال: «اعتراض الامام الباقر ان ورد فانما يرد علي تسمية الكتاب لا [ صفحه 285] علي مسألة ما تريد الأمة فالكتاب سمي للبنت و البنات، و الأخت و الأخوات، و لم يسم للذكور، فقول الباقر: ما لكم تحرمون من له الكل؟ مغالطة؛ لأن العصبة له الكل عند الانفراد فقط، أما عند الاجتماع فلا تسمية له، يأخذ ما بقي بعد سهام الزوج و الأبوين ان بقي من غير مخالفة لنظم الكتاب، و البنت لها المسمي و هو النصف من مخرج السهام، و قول الباقر: لا يزاد نصيب الأنثي علي نصيب الذكر ان حل محلها أبدا، خلاف لبيان الكتاب؛ لأن من قال (للذكر مثل حظ الأنثيين) عند اختلاط الذكور و الاناث هو سمي للاناث عند الانفراد، و لم يسم للذكور عند الانفراد، و لعل ذلك لأن الأنثي عند انفرادها أحوج، و ليس لها نصير مساعد، فزيد في حظها و أما عند الاختلاط فأخوها يساعدها، فزيد في حظ الذكور مع الاختلاط مقابل القيام بحاجات الاناث». (3) قال (ص 216): «تركت زوجها و أمها و أخوتها للأم و ان كانت مع هؤلاء أخت لأب فلها النصف الذي سماه الله لها، و ان كان بدلها أخ لأب فهو محروم؛ لأن الله لم يسم له شيئا و انما جعله عاصبا يأخذ ما بقي ان بقي». قال: «و اعتراض الباقر في مثل هذه المسائل مغالطة؛ اذ لم يحرم صاحب الكل و انما حرم المحروم الذي لم يسم الله له شيئا، كما حرم الباقر كل الأخوة و الأخوات بوجود الأم». و نقول: و قد تعدي هذا الرجل طوره، و تجاوز حده، و أساء الأدب مع امام أهل البيت عليهم‌السلام الذي سماه جده الرسول باقر العلم، فنسبه الي المغالطة تارة و الي أن اعتراضه يرد علي تسمية الكتاب أخري. و من أدري منه بآيات الكتاب، و في بيته نزل، و هو و آباؤه تراجمته، و وارثو علومه، لا أهل تركستان، و لا فلان و فلان، و لا زيد و لا عمرو، و هو أحد الثقلين. و لم يسبقه الي هذه الاساءة سابق يدين بالاسلام، و جاء في مستند هذه الاساءة بما لا يستحق أن يسمي مغالطة، بل هو أقل و أفسد و أبطل من أن يسمي بذلك. الامام الباقر وارث علوم جده الرسول و آبائه الأئمة الأمناء، صلوات الله و سلامه عليه [ صفحه 286] و عليهم، يقول: للأخت، في المسألة الأولي، الباقي و هو السدس، و للبنت في المسألة الثانية الباقي و هو خمسة، و يستدل علي ذلك ببرهان قاطع لا يمكن رده، فيقول: قد علم من طريقة الشارع في باب الميراث أن الأنثي لا يزاد نصيبها عن نصيب الذكر ان حل محلها أبدا، مع تساوي جهة القرابة، بل اما أن يكون نصيبها علي النصف من نصيب الذكر، و هو الأكثر أو مساويا له كما في قرابة الأمام، أما زيادة نصيبها عن نصيب الذكر فلم يقع أبدا؛ و ان كانت الأم قد تزيد عن الأب كزوج و أبوين مع عدم الحاجب للأم من الأخوة. الفريضة من ستة للزوج النصف، ثلاثة و للأم الثلث، اثنان و للأب الباقي و هو واحد، لكن هذا غير محل الكلام، و هو حلول الذكر محل الأنثي، و هنا لم يحل محلها بل اجتمعا، و يكون للأب ثلثان، و للأم ثلث مع عدم زوج أو زوجة. فاذا كان بدل الأخت في المسألة الأولي أخ كان له الباقي و هو السدس، مع أن الأخ عند الانفراد يكون له الكل (و هو يرثها ان لم يكن لها ولد) و الأخت عند الانفراد لها النصف (و له أخت فلها نصف ما ترك) [النساء / 176 فما لكم تنقصون من له الكل الي السدس، و لا تنقصون من له النصف الي السدس؟! و اذا كان بدل البنات في المسألة الثانية أبناء لم يكن لهم غير الباقي، فكذلك البنات لهن الباقي. و هذا الرجل يهول دائما بذكر الأمة و ما هي هنا الا واحد أو آحاد معدودة، لم يدعوا لأنفسهم العصمة، و لا ادعاها لهم مدع. و يقول الكتاب سمي للبنت و البنات و الأخوة و الأخوات و لم يسم للذكور، مع أن الكتاب الذي سمي للأخت النصف فرض للأخ الكل كما سمعت. و قوله: لأن العصبة له الكل عند الانفراد - فقط - مع أن المذكور في كلام الباقر الأخ لا العصبة - فيه أن الأخت أيضا لها النصف عند الانفراد فقط، فيتوجه الاعتراض بأنه كيف نقص من له الكل، و لم ينقص من له النصف؟ و لم يأت في جوابه بشي‌ء. و قوله: أما عند الاجتماع؛ فلا تسمية له، يأخذ ما بقي بعد سهام الزوج و الأبوين، فيه: أن الأخ المذكور في كلام الباقر لا شي‌ء له مع الزوج و الأبوين عند الامام الباقر و أهل بيته، الأئمة الهداة، بل في فيه التراب. فهل يجعل من عنده أدني تميز ما أبطله الباقر حجة علي الامام الباقر علي أنه مع الزوج [ صفحه 287] و الأبوين لا يبقي شي‌ء لا مع الولد و لا مع عدم الولد، فهذا الكلام ساقط سواء أقيده بقوله: ان بقي، أم لم يقيده، و قوله من غيره مخالفة لنظم الكتاب فيه. ان القول بالعول مخالفة لنظم الكتاب في جميع ألفاظ السهام التي حصل فيها العول باطلاقها علي أقل منها كما عرفت. و البنت التي لها المسمي و هو النصف لم تعط النصف بل أقل منه. و جعله قول الباقر عليه‌السلام ان الأنثي لا يزيد نصيبها عن نصيب الذكر ان حل محلها خلافا لبيان الكتاب، و تعليله ذلك بأن من قال (للذكر مثل حظ الأنثيين) [النساء / 11]عند اختلاط الاناث و الذكور هو سمي للاناث عند الانفراد، و لم يسم شيئا للذكور عند الانفراد مع كونه سوء أدب عظيم في حق باقر العلوم بشهادة جده الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و مخالفة صريحة لقول الرسول صلي الله عليه و آله سلم، هو نفسه كلام فاسد، فان من قال (للذكر مثل حظ الأنثيين) عند اجتماع الأبناء، و سمي للبنت الواحدة النصف و للبنتين فما زاد الثلثين عند الانفراد قد جعل علي لسان نبيه صلي الله عليه و آله و سلم للابن الواحد و للابنين، فما زاد جميع المال هذا في الأبناء، و أما في الكلالة فمن جعل للأخت النصف عند انفرادها (و له أخت فلها نصف ما ترك) جعل للأخ الكل عند انفراده (و هو يرثها ان لم يكن لها ولد) و الله تعالي قد بين نصيب الذكور و الاناث من الأولاد و الأخوة عند الانفراد و الاجتماع، و هو يدل علي صحة احتجاج الباقر عليه‌السلام، و سخافة قول هذا الرجل، و قد ظهر فساد قوله: اذ لم يحرم صاحب الكل و انما حرم المحروم الذي لم يسم الله له شيئا، فقد عرفت أن الأخ قد سمي الله له الكل، و الباقر اذا حرم كل الأخوة و الأخوات بوجود الأم فانما حرمهم بما أخذه عن جده الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و بآية (و أولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض) [الأنفال / 75]بعدما فسرها أئمة أهل البيت عليهم‌السلام بأن الأقرب يمنع الأبعد لا بالرأي و الاجتهاد، فأي الفريقين أحق بالقخطأ و المغالطة؟ و أسخ مما مر تعليله التسمية للاناث عند الانفراد، و عدم التسمية للذكر عن الانفراد؛ بأن الأنثي عند الانفراد أحوج و ليس لها نصير مساعد، فزيد في حظها. فانك قد عرفت أن الذكر عند الانفراد له الكل، و الأنثي لها النصف، فكيف يكون قد زيد في حظها لو كان يعقل ما يقول؟ مع أن هذا التعليل الذي ذكره: من أنها عند الانفراد أحوج ليس لها نصير [ صفحه 288] مساعد لو تم؛ لاقتضي أن يرد الفاضل عن النصف عليها الا أن يعطي للطبقة المتأخرة كما يقوله أهل التعصيب. علي أن مثل هذه التعليلات لو صحت لكانت حكمة لا يجب أن تطرد و لا يجوز أن يبني عليها أحكام شرعية. و أما المسألة الثالثة: فأشار لها الي مسألة ذكرها الباقر عليه‌السلام في ذيل المسألة الأولي، فقال: فلا تعطون الذي جعل الله لا الجميع في بعض فرائضكم شيئا و تعطون الذي جعل الله النصف النصف تاما؟ فاستفهم السائل عن معني ذلك، فقال: يقولون في أم و زوج، وأخوة لأم و أخت لأب، فيعطون الزوج النصف، و الأم السدس، و الأخوة من الأم الثلث، و الأخت من الأب النصف، فيجعلونها من تسعة و هي من ستة. قال: كذلك يقولون. قال: فان كانت الأخت ذكرا أخا لأب. قال: ليس له شي‌ء. فقال لأبي جعفر: فما تقول أنت جعلت فداك؟ فقال: ليس للأخوة من الأب و الأم، و لا الأخوة مع الأب شي‌ء من الأم. و من ذلك تعلم أنه قصر في نقل هذه المسألة، و بترها بحيث جعلها لا تفهم، فهو يطيل في أكثر ما يذكره بدون طائل تطويلا مملا، و يختصر في غير محل الانتصار اختصارا مخلا، و الامام الباقر أراد في هذه المسألة النقض علي أصحاب العول و التعصيب معا، كما نقض في المسألة الأولي علي أصحاب العول فقط، فقال: انه يلزمهم أن تكون الأنثي اذا حلت محل الذكر وارثه، و اذا حل الذكر محلها أن يكون غير وارث، مع أنه علم من طرق الشرع أن الذكر محلها أن يكون غير وارث، مع أنه علم من طرق الشرع أن الذكر أقوي سببا في الميراث من الأنثي اذا حل محلها، فتشدق موسي تركستان بأن هذا مغالطة هو أقل من أن يقال عنه أنه مغالطة؛ لأن الباقر عليه‌السلام يريد أن يلزم من يقول بارث الأخوة هنا مع الأم أن تكون الأخت وارثة و الأخ اذا حل محلها غير وارث، و اللازم باطل، فالملزوم مثله، و قوله: انما حرم المحروم الذي لم يسم الله له شيئا لا محل له؛ فان الأخوة لا يرثون مع الأم عند الباقر و أهل بيته، سواء أكانوا ممن سمي الله لهم شيئا أم لا، و الامام الباقر انما حرم كل الأخوة و الأخوات بوجود الأم؛ لذلك فان الأبعد لا يرث مع الأقرب في مذاهب أهل البيت عليهم‌السلام [ صفحه 289]

ارث الزوجة من الأرض و العقار

قال (ص 212): «النساء لا ترث لا من الأرض و لا من العقار. هذا أصل به خالفت الشيعة شرع الاسلام انتحلته من شريعة التوراة، و للشيعة انتحالات من الأناجيل و التوراة، و من سائر الأديان، و بم تحرم الشيعة النساء ارث الأرض و العقار، و الكتاب يقول: «و لهن الربع مما تركتم»[النساء/ 12]؟ «فلن الثمن مما تركتم» [النساء / 12]. ثم أطال بم لا فائدة في نقله. و نقول: الشيعة لم تخالف شرع الاسلام، و انما خالفه من نبذ أقوال أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الذين أمر شرع الاسلام بالتمسك بهم كالقرآن، و أخبر أن المتمسك بهم لا يضل أبدا، و اتبع من لا يؤمن عليه الخطأ، و الشيعة لا تنتحل من شريعة التوراة، و لا الأناجيل، و لا سائر الأديان فهي غنية بما ورثته عن أهل بيت نبيها في كل علم عن كل انتحال، و لا سيما في أحكام الدين، ففي كتب أخبارها ما يزيد عما في الصحاح الستة كثيرا، و انما الذي يصح أن يقال عنه انه ينتحل من شريعة التوراة و الانجيل في كل مناسبة كما مر ذلك منه مرارا. أما عدم توريث الزوجة من الأرض و العقار فلم تقل به الشيعة من عند أنفسها، بل بما صح لديها من روايات أئمة أهل البيت واحدا عن واحد عن جدهم الرسول عن جبرئيل عن الله تعالي. و عموم القرآن و ان كان شاملا للأرض و العقار الا أنه يجوز تخصيصه بما ثبت من السنة، و قد قلتم أنتم في التعصيب بمثل ذلك، فخالفتم ظاهر القرآن بما رويتموه ما أبقت الفريضة فالذي عصبة ذكر. علي أن الشريف المرتضي يقول انها تحرم من العين و لا تحرم من القيمة، و قال الكل: انها لا تحرم من قيمة البناء و الشجر. قال المرتضي في الانتصار: و يمكن أن يكون الوجه في صد الزوجة عن الرباع انها ربما تزوجت، و أسكنت هذه الرباع من كان ينافس المتوفي، أو يغبطه، أو يحسده، فيثقل ذلك علي أهله و عشيرته، فعدل بها عن [ صفحه 290] ذلك الي أجمل الوجوه [341] فهذا أمر جامع بين حفظ حق الزوجة و حفظ شرف أهل الزوج.

حجب الأمم بالأخوة

قال (ص 215): «تقول الشيعة ان الأخ الواحد لا يحجب الأم، أما الأخوان فيحجبان، و أربع أخوات تحجب الأم، و الثلاث لا تحجب؛ لأن الأربع في حكم الأخوين و الثلاث أنقص. و هذا اجتهاد في اللفظ قد ينقضه المعني لأن احتياج الأب الي توفير حظه في ابنيه، و قد يكون ابناه يغنيانه عن تركة الميت، و عن توفير حظه بحجب الأم». و نقول: ظاهر الآية ان حجب الأم عن الثلث الي السدس لا يكون الا بأخوة ذكور ثلاثة فما فوق، لقوله تعالي: (فان كان أخوة فلأمه السدس) [النساء / 11]و الأخوة جمع مذكر أقله ثلاثة، لكن روايات أئمة أهل البيت عليهم‌السلام اتفقت علي حصول الحجب بالأخوين فما فوق، و بأربع أخوات و باخ و أختين فصاعدا اذا كانوا لأب أو أبوين، و بالحجب بالأخوين قال الأئمة الأربعة كما في ميزان الشعراني [342] و في الدر المختار في الفقه الحنفي و حاشيته لابن عابدين: ان الحجب يكون باثنين من الأخوة، أو الأخوات فصاعدا لأبوين، أو لأب، أو لأم ذكورا و اناثا من جهة واحدة، أو أكثر [343] و بذلك ظهر أن ما قاله غير الشيعة فيه اجتهاد في اللفظ، و ما قالته الشيعة انما قالته بما روته عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام فقوله: هذا اجتهاد في اللفظ قد ينقضه المعني في غير محله. نعم الحكمة فيه التوفير علي الأب لكن الحكمة لا يجب اطرادها و انما يجب اطراد العلة. [ صفحه 291]

صحيفة الفرائض و الجفر و الجامعة و مصحف فاطمة و غيرها

قال (ص 203): و مرت اليه الاشارة في أثناء الكلام علي العول عند ذكر آيات خمس في المواريث: «و هذه الآيات الخمس هي لا غيرها صحيفة الفرائض التي تذكر في كتب الشيعة، و يقول فيها الباقر و الصادق أن النبي أملاها علي علي، و كتبها علي بيده. صحيفة الفرائض التي تدعيها الشيعة لم يرها بيد الباقر و الصادق الا زرارة، و كل مسألة رأي فيها زرارة كان يقول من غير شك باطلة. أما هذه الآيات الخمس فقد أملاها النبي علي الأمة و كتبها الأمة صحفا مطهرة لم تضع و لن تضيع، كما ضاعت صحيفة الفرائض، و كل ما كتبه علي بيده من الجفر، و الجامعة، و المصحف، و مصحف السيدة، و طامور الوصايا». و في (ص 109 - 108 - 107): «كل ما قدمت من الدعاوي: مصحف السيدة فاطمة، مصحف علي الذي غاب بيد الامام الغائب المنتظر، طوامير الوصايا، صحيفة الفرائض صحيفة في ذؤابة سيف النبي، الجفر الأبيض و الأحمر، الجفر الأكبر و الأصغر، الجامعة، ألف حرف و ألف باب يفتح كل حرف و كل باب ألف حرف و ألف باب. فان الاسلام و كتابه أرفع و أغني من كل هذه الدعاوي، و الله في كتابه يقول: (و كأين من آية في السماوات و الأرض يمرون عليها و هم عنها معرضون» [يوسف / 105](و ما من غائبة في السماء و الأرض الا في كتاب مبين) [النمل / 75]و من ينظر في الجفر ويتيه في جداول الأحرف فهو معرض تائه واهم متوهم. و من يقول: ان علم الحرف علم شريف يستنبط منه جميع العلوم الا أنه علم مكنون عند أهله، فقد أصاب اصابة اللزوميات في قوله: لقد عجبوا لأهل البيت لما أروهم علمهم في مسك جفر و مرآة المنجم و هي صغري أرته كل عامرة و قفر [344] . [ صفحه 292] فلا يكون جفر الامام الا مثل نجامة منجم، قوتها ضئيلة، و فائدتها تافهة، ليس من شرف الامام أن يتدرك الي دركات عراف العرب، و كاهن اليهود، و فقير الهند، و هم أعلم من منجم يري في مراياه الصغيرة كل عامرة و قفر، و الصوفي الذي يدعي أنه يعاين اللوح المحفوظ أعقل في دعواه من شيعي يعتقد أن الامام يتلقي العلوم من روح القدس، ثم يدعي أن امامه ينظر في جداول الجفر يتيه و يتعب عبثا. فهذه الدعاوي ثبتت أولم تثبت أكثرها يحط من شأن الامام، و ليس فيها من شرف و فضيلة، فالعالم لا يدعي، و الامام لا يتزيد، و أدب النبي أن يتواضع و يتزيد (و قل رب زدني علما) [طه / 114]. فان كان ثبت البعض من البعض، فلا يكون الا من نزع عرق الي أم قيصرية، أو جدة كسروية لا أثرا ولا ارثا من بيت النبوة؛ فان الدعوي ان ثبتت فقد أتت بواسطة شهربانو من يزدجرد لا من محمد بواسطة السيدة فاطمة عليها و علي أبيها الصلاة و السلام، و ان ادعينا للنبي العلم فلنا أن نقول: انه يعاين كل ما لدي الله في أم الكتاب، و يتلو كل ما كتبه القلم في لوح الاجمال، و ما يكتبه في ألواح التفاصيل، و أن النبي ينعكس في مرايا عقله كل ما في عالم الوجود، و يتجلي في قلبه الله بكل ما له من تجليات و تدليات. هذا هو العلم للنبي الذي له علوم الأولين و علوم الآخرين من الأنبياء و المرسلين و الملائكة المقربين، لا النظر في الجفر الأبيض و الجفر الأكبر، و لا البحث في مزابل حروف الجفر الأحمر. و من يدعي النظر في الجفر الأصغر و الأكبر و الأبيض و الأحمر. فأقل ما يقال فيه أنه أول داخل في قول الله جل جلاله: (و كأين من آية من السماوات و الأرض يمرون عليها و هم عنها معرضون و ما يؤمن أكثرهم بالله الا و هم مشركون) [يوسف / 105 و 106]». و نقول: ان ضاعت صحيفة الفرائض، و الجفر، و الجامعة و ما ذكر معها عنده و عند أمثاله ممن حرموا أنفسهم من علوم أهل بيت النبوة عليهم‌السلام فلم تضع عند أهلها، بل بقيت محفوظة يرويها الثقات عن الثقات، و يودع العلماء ما فيها كتبهم و جوامعهم، ورآها بيد الباقر و الصادق زرارة و غيره، لا زرارة وحده. [ صفحه 293] و ممن رآها و قرأها محمد بن مسلم الطائفي، و ممن قرئت عليه أبوبصير. و ان كان زرارة رأي في أول الأمر أن بعض ما فيها باطل لمخالفته ما في أيدي الناس، فقد علم بعد حين أنه حق و صواب؛ لما أعلمه الامام بذلك، و اذا كان صادق أهل البيت و باقر علومهم يقولان: انها املاء رسول الله، و خط علي بيده، و روتها لنا الثقات عن الثقات، فهي أولي بالاتباع من الأقوال المستندة الي آراء الرجال، و الي المقاييس و الاستحسانات، و كذلك الجفر و الجامعة و مصحف فاطمة التي حفظنا ما فيها وضيعها هو و قومه، و طامور الوصايا مر الكلام عليه عند ذكر شهادة الحسين عليه‌السلام. و المصحف كتب فيه علي عليه‌السلام التأويل و التنزيل، و ذكره السيوطي و قال: لو ظفر به لكان كنزا ثمينا أو ما هذا معناه. و أما الجفر فقد وردت روايات عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام بأنه كان عند علي مسك جفر (جلد جدي من الماعز) مكتوب فيه من العلوم، و هو املاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و خط علي بيده، و توارثه أبناؤه من بعده [345] ، و ورد نحو ذلك في صحيفة الفرائض و الجامعة و غيرها، و هذا ليس من الأمور المستحيلة و لا من الأمور المشينة، بل فضيلة تضاف الي فضائل أهل البيت الكثيرة، فاذا وردت به الرواية وجب قبوله، فقوله: «و من ينظر في الجفر ويتيه في جداول الأحرف، فهو معرض تائه واهم متوهم» قد دل علي أنه هو وحده معرض تائه واهم متوهم، ليس الجفر علما من العلوم و ان توهم ذلك كثيرون، و لا هو مبني علي جداول الأحرف، و لا علي علم الحرف، و لا ورد به خبر و لا رواية، و ان اقتضي ذلك كلام كشف الظنون بقوله: ادعي طائفة أن الامام علي بن أبي‌طالب وضع الثمانية و العشرين حرفا علي طريق البسط الأعظم في جلد الجفر يستخرج منها بطرق مخصوصة، و شرائط معينة، و ألفاظ مخصوصة ما في لوح القضاء و القدر الي آخر ما قال [346] الجفر كما قدمناه جلد كتب فيه علي عليه‌السلام من املاء [ صفحه 294] رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنواعا من العلوم و الحوادث المتأخرة، هكذا جاءت الرواية عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام، و لم يتحقق غير ذلك، ولكن الناس توسعوا في تفسيره، و قالوا فيه أقاويل لا تستند الي مستند شأنهم في أمثال ذلك. و لو ثبت أنه كما قال كشف الظنون لم يكن فيه استبعاد و لا استنكار، بل استنكار ذلك و استبعاده حجر علي قدرته تعالي، و تضييق لسعة علمه، و عجائب قدرته، لا تحيط بها العقول، و لا تصل اليها الأوهام، فجعل جفر الامام مثل نجامة منجم، و عرافة العرب، و كهانة اليهود، و فقير الهند، جهل و تعصب في غير محله، في الجفر علم الهي بلسان خاتم النبيين، و قلم سيد الوصيين، فجعله كالأمور المذكورة لا يخرج عن الجهل و التعصب الذميم. نعم، الامام أعلم من منجم ولكن صاحب اللزوميات ضرب لذلك مثلا مرآة المنجم: و الله قد ضرب الأقل لنوره مثلا من المشكاة و النبراس [347] . و من ذلك تعلم أنه أول داخل في قوله تعالي: (و كأين من آية في السماوات و الأرض) [يوسف / 105]الآية. و قد سبقت دعوي الشيعي هذه دعوي من قال: ان بعض الصحابة كانت تحدثه الملائكة حتي اكتوي [348] كما مر، و الشيعي لم يدع أن امامه ينظر في جداول الجفر كما عرفت لكن هذا الرجل يتيه في وادي التعصب و يتعب نفسه عبثا. و العالم و الامام يتحدث بنعمة الله (و أما بنعمة ربك فحدث) [الضحي / 11]و ليس ذلك منافيا للتواضع و طلب المزيد، هذه هي أدلة هذا الرجل، و هذه هي انتقاداته. و أراد بعيبه الأئمة الطاهرين: بالأم القيصرية، و الجدة الكسروية متفاصحا بأثر وارث الاقتداء بسلفه الأموي أحد أركان الأمة المعصومة هشام بن عبدالملك حين قال لزيد الشهيد: تطلب الخلافة و أنت ابن أمة؟ فقال: الخلافة [ صفحه 295] أعظم أم النبوة؟ و قد كان اسماعيل ابن‌أمة، و كان من ذريته سيدالنبيين، و كان اسحق ابن‌حرة و كان من ذريته القردة و الخنازير [349] و بعد فما يقصر برجل جده رسول الله، و أبوه علي أميرالمؤمنين، وجدته خديجة، و أمه الزهراء أن يكون ابن أمة، فلا عيب علي أئمة أهل البيت عليهم‌السلام، وجدهم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و أبوهم الوصي، و أمهم البتول، بأن أمهم قيصرية، وجدتهم كسروية. و مفاتيح بيت النبوة لم تكن بيده ليعرف ما جاء منه بواسطة السيدة فاطمة من الذي جاء بواسطة شهربانو، كلام فارغ يأسف المرء علي وقت يضيعه في رده. و علم النبي صلي الله عليه و آله و سلم قد أفضي به الي أخيه، و ابن عمه، و باب مدينة علمه، و وارث علمه، فصار كأنه عاين كل ما لدي الله في أم الكتاب الي آخر ما زوقه من عبارات الصوفية حتي وصل الي التدليات، و أملي عليه من ذلك ما كتبه في مسك جفر توارثه منه أولاده واحدا بعد واحد و كانوا ينظرون فيه. و هذا هو العلم للنبي الذي له علوم الأولين و الآخرين، و ورثها منه أخوه و ابن‌عمه سيدالوصيين و ورثها لأبنائه الأئمة الطاهرين، لا هذا الكلام الساقط الذي بحث عليه هذا الرجل و استخرجه من مزابل فكره. و الجفر بعدما وردت به الروايات عن الأئمة الهداة؛ بأنه مسك جفر فيه علم من املاء النبي بخط الوصي، و لم يكن مانع يمنع من ذلك عقلي و لا نقلي وجب التصديق به، و يكون آية من آيات الله تعالي، فمنكره أقل ما يقال منه: انه داخل في قوله تعالي: (و كأين من آية) الي قومه (و هم مشركون) ولكن التركستاني بانصافه و علمه الجديد و أقواله التي لا تتجاوز حد الاستبعاد والسخرية و الاستهزاء ينكر ذلك كله، و قبله قد استبعد أناس البعث و الحشر والنشر و قالوا: (اذا كنا عظاما و رفاتا أانا لمبعوثون خلقا جديدا) [الاسرار / 49]و استهزؤوا بالرسل و سخروا منهم (فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون) [الأنعام / 10]. [ صفحه 296]

التعصيب

هو اعطاء ما زاد عن سهام الورثة المفروضة في الكتاب للعصبة، كميت خلف بنتا أو بنتين، فللواحدة بنص الكتاب النصف، و للبنتين الثلثان، يبقي نصف أو ثلث. فعندنا يرد النصف علي البنت، فتأخذ جميع المحال، و يرد الثلث علي البنتين، فيكون المال بينهما بالسوية، و ليس للعصبة شي‌ء. و هكذا جميع المسائل التي يزيد المال فيها عن سهام الورثة يرد الزائد علي أصحاب السهام بنسبة سهامهم بتفصيل مذكور في محله، عدا الزوج و الزوجة فلا رد عليهما كما لا ينقص نصيبهما عند العول. و عند من قال بالتعصيب: يكون الزائد للطبقات المتأخرة من العصبة الذكور كالأخ، و ابن‌الأخ، و العم، و ابن‌العم دون الاناث، فلا تعطي الأنثي؛ و ان كانت أقرب من الذكر في النسب شيئا. قال (ص 216): «في توريث العصبة خلاف طويل عريض بين الأمة والشيعة. سئل الصادق: المال لمن هو للأقرب أو للعصبة؟ فقال: المال للأقرب، و العصبة في فيه التراب و توريث الرجال دون النساء قضية جاهلية». قال (ص 217): «دليل الأمة قول النبي: الحقوا الفرائض بأهلها فما أبقته الفرائض فلأولي رجل ذكر، و حديث جابر أن سعد بن الربيع قتل يوم أحد، و أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم زار امرأته فجاءت بابنتي سعد، فقالت: يا رسول الله ان أباهما قتل و أخذ عمهما المال كله و لا تنكحان الا و لهما مال، فقال النبي: سيقضي الله في ذلك فأنزل الله (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) [النساء / 11]حتي ختم الآية، فدعا النبي أخا سعد و قال: أعط الجاريتين الثلثين، و أعط أمهما الثمن، و ما بقي فلك. و رأينا المعني الجوهري في الوارث هو التعاون و التناصر حتي اذا لم يوجد في القريب كان في صدر الاسلام يحرم من الارث (و الذين آمنوا و لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتي يهاجروا) [الأنفال / 72]و التناصر في نظام الأبوة كان ينتشر في عمود النسب بين العصبة، و علي النظام الأبوة، و علي روح التناصر بين نظام المواريث في الاسلام». [ صفحه 297] و قال (ص 218): «و الله سمي للبعض حظه و لم يسم حظ الآخرين و هم العصبة؛ و لم يكن عدم التسمية في الآخرين لضعف في القرابة أو الاستحقاق، بل لشدة القرابة و قوة الاستحقاق؛ بدليل أن الكتاب لم يسم الا حظ الاناث فقط البنت و الأم و الأخوات، و لم يسم حظ الأبناء و الأب و الأخوة.بين القرآن حال أكبر عصبة و هو الأب؛ ليتبين حال سائر العصبات بدلالة النص». و قال (ص 219): «و السنة و هي قول الشارع: (الحقوا الفرائض بأهلها و ما أبقته الفرائض فلأولي رجل ذكر) بيان لبعض ما تفيده آيات الكتاب الكريم، فان الكتاب قد سمي حظ ذي الفرض، و لم يسم حظ العصبة، و هم أقوي الورثة. و قد طاش طيش كتب الشيعة، فقالت: انما هذه السنة كلمحة ألقاها الشيطان علي السنة العامة»، و أن طاوسا راوي هذا الحديث عن ابن‌عباس قد تبرأ منه، وأن ابن‌عباس أنكر رواية طاوس، و أن العصبة في فيه التراب. هذه تقولات الشيعة علي بيان الكتاب الكريم، و السنة الكريمة، و علي نظام التوريث في الاسلام، تقولات، و تهم عن غفلة، و أوهام فان السنة ان نسيها ناس أو أنكرها منكر فان الذين هم أحفظ منه و أعدل قد حفظوها، و الأمة قد تلقتها حتي ان لم تثبت هذه السنة فان بيان الكتاب يغنينا كما قدمنا بيان الكتاب في الفروع، و هم أحق، و في الاصول، و هم أكبر. و في الأخوة في الكلالة، ثم يشمل كل هؤلاء العصبات (للرجال نصيب) [النساء / 7](و أولو الأرحام بعضهم) [الأحزاب / 6]. و قال (ص 222): «فتوريث العصبة ثابت بجميع آيات المواريث في الفروع و الأصول و الأخوة، و في فروع الأصول البعيدة، و كل آيات الارث فيها ارث العصبة، فتراب الشيعة ان أصاب فليس يصيب الافا الكتاب». و نقول: كرر ما اعتاده من مقابلة الشيعة بالأمة لظلمة في رأيه مدلهمة. و قال المرتضي في الانتصار: كما قال الباقر عليه‌السلام: «توريث الرجال دون النساء مع المساواة في القربي و الدرجة من أحكام الجاهلية، و ذم الله من أقام عليها بقوله (أفحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما) [المائدة / 50]و رواية ما [ صفحه 298] أبقته الفرائض» «الخ» رواها عبدالله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن‌عباس، عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم [350] ، و قال الشيخ الطوسي في التهذيب: «الذي يدل علي بطلان هذه الرواية أنهم رووا عن طاوس خلاف ذلك، و أنه تبرأ من هذا الخبر، و ذكر أنه لم يروه، و انما هو شي‌ء ألقاه الشيطان علي ألسنة العامة، روي ذلك أبوطالب الأنباري، قال: حدثنا محمد بن أحمد البربري، قال: حدثنا بشر بن هارون، قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثني سفيان عن أبي‌اسحق، عن قارية بن مضرب، قال: جلست عند ابن‌عباس و هو بمكة، فقلت: حديث يرويه أهل العراق عنك، و طاوس مولاك يرويه ان ما أبقت الفرائض فلأولي عصبة ذكر؟ فقال: أمن أهل العراق أنت؟ قلت: نعم، قال: أبلغ من وراك اني أقول قول الله عزوجل: (آباؤكم و أبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله) [النساء / 11]و قوله (و أولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله) [الأحزاب / 6]و هل هذه الا فريضتان، و هل أبقتا شيئا، ما قلت هذا، ولا طاوس يرويه علي، قال قارية بن مضرب: فلقيت طاوسا. فقال: لا و الله ما رويت هذا علي ابن‌عباس قط، و انما الشيطان ألقاه علي ألسنتهم، قال سفيان: أراه من قبل ابنه عبدالله بن طاوس فانه كان علي خاتم سليمن بن عبدالملك، و كان يحمل علي هؤلاء القوم حملا شديدا - يعني بني هاشم -». [351] . و أجاب الشيخ الطوسي عن الخبر الثاني: «بأن رواية رجل واحد و هو عبدالله بن محمد بن عقيل، و هو عندهم ضعيف واهن، و لا يحتجون بحديثه، و هو منفرد بهذه الرواية، و ما هذا حكمه لا يعترض به ظاهر القرآن الذي بينا وجه الاحتجاج منه» [352] و أشار بذلك الي ما ذكره قبل هذا. فقال: و الذي يدل علي بطلان بالعصبة قوله تعالي: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون و للنساء نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا [ صفحه 299] مفروضا) [النساء / 7]فذكر تعالي أن للنساء نصيبا مما ترك الوالدان و الأقربون كما أن للرجال نصيبا مثل ذلك، فلئن جاز لقائل أن يقول: ليس للنساء نصيب، جاز أن يقول آخر: ليس للرجال نصيب، و اذا كان القول باطلا، فما يؤدي اليه ينبغي أن يكون باطلا، قال: و يدل عليه أيضا قوله تعالي: (و أولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله) فحكم الله تعالي أن ذوي الأرحام بعضهم أولي ببعض، و انما أراد لذلك الأقرب فالأقرب بلا خلاف، و نحن نعلم أن البنت أقرب من ابن ابن ابن أخ، و من ابن العم أيضا، و من العم نفسه، لأنها انما تتقرب بنفسها الي الميت، و ابن العم يتقرب بالعم، و اعم بالجد، و الجد بالأب، و الأب بنفسه، و من يتقرب بنفسه أولي ممن يتقرب بغيره بظاهر التنزيل، و اذا كان الخبر الذي رووه يقتضي أن من يتقرب بغيره أولي ممن يتقرب بنفسه، فينبغي أن نحكم ببطلانه. [353] . و جعله المعني الجوهري في الوارث هو التعاون و التناصر خبط و خلط، فالتعاون و التناصر كان سببا للارث في صدر الاسلام لحكمة موقتة اقتضت ذلك، ثم نسخ و جعل الميراث بالقرابة فقط بقوله تعالي: (و أولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله من المؤمنين و المهاجرين) فجعله المعني الجوهري في الوارث هو التعاون و التناصر - مع أنه رجوع الي أمر منسوخ - لا دليل عليه حتي قبل النسخ، بل المعني الجوهري في الوارث هو القرابة، و تفريعه علي ذلك أن التناصر في نظام الأبوة كان ينتشر في عمود النسب بين العصبة تفريع لا محل لا سواء أصح في نفسه أم لم يصح، كقوله: انه علي روح التناصر بني نظام المواريث في الاسلام، بل بني علي القرابة لا سيما بعد نسخ التوارث بالتناصر. و كون التسمية لضعف القرابة و الاستحقاق و عدمها؛ لشدة القرابة و قوة الاستحقاق و عدمها، فلسفة باردة، و ما علل به فاسد، فالله سمي للأب (و لأبويه [ صفحه 300] لكل واحد منهما السدس) [النساء / 11]و سمي للكلالة و فيهم الذكر و الأنثي، و سمي للزوج فالتسمية ليست تابعة لضعف القرابة و الاستحقاق و لا عدمها لضد ذلك، و هبه كذلك فأي ربط له بالتعصيب. و كون بيان القرآن لميراث الأب أكبر عصبة ليتبين منه حال سائر العصبات بدلالة النص لا يرجع الي محصل كأكثر كلامه، و لم يقله أحد قبله. و ما وجه الدلالة ككون حديث الحقوا الفرائض بأهلها بيانا لبعض ما تفيده آيات الكتاب، فالآيات لا تدل علي التعصيب بوجه من الوجوه؛ ليكون الحديث بيانا لمداليل بعضها، كما اقتضته مخيلة هذا الرجل. و كتب الشيعة لا يطيش طيشها؛ لأن الطيش شأن من لا يرجع في أموره الي أصل ثابت، و مرجع الشيعة في كتبها الي أقوال الأئمة من أهل بيت نبيها التي أخذوها امام عن امام حتي انتهت الي جدهم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. و رويت لنا عنهم بالأسانيد الصحيحة، و لا يقولوا بالرأي و القياس و الاستحسان، و كون ذلك ألقاه الشيطان علي ألسنة العامة مبالغة في انكاره الذي قاله طاوس، و تبرؤ طاوس المنسوب اليه رواية الحديث منه، و انكار ابن‌عباس أن يكون طاوس رواه عنه، كل ذلك لم تروه الشيعة، و انما رويتموه أنتم و روته الشيعة عنكم، و أخذته منكم، كما مر في رواية أبي‌طالب الأنباري، و مر أن سفيان أحد رواته، قال: أراه من قبل ابنه عبدالله بن طاوس، و كان علي خاتم سليمان بن عبدالملك، و كان يحمل علي بني‌هاشم حملا شديدا، و لولا ذلك ما جعله سليمان علي ديوان الخاتم، فروي ضد ما يراه بنو هاشم عداوة لهم و ارادة للخلاف عليهم. فالذي طاش طيشه، و جاش تعصبه، و ذهب رشده، حتي لم يعد يميز بين رواية الشيعة و رواية غيرهم و لا يعرف مناحي الكلام هو هذا الرجل لا كتب الشيعة. و الشيعة لم تتقول علي بيان الكتاب الكريم الذي هو بري‌ء مما تقوله عليه هذا الرجل، و نسبه الي من دلالته علي التعصيب بدعوي انفرد بها لم يسبقه اليها سابق و لا يلحقه لاحق، فأي تقول علي بيان الكتاب الكريم أفظع و أفحش من [ صفحه 301] هذا! كما أنها لم تتقول علي السنة الكريمة، بل هو تقول عليها و حاول اثباتها برواية يبرأ منها من رويت عنه، و ترك ما قاله فيها أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الذين هم أعرف بسنة جدهم من كل أحد، و منهم لا من غيرهم يجب أن يؤخذ نظام التوريث في الاسلام. و لا تكون التهم الباطلة و الغفلة والأوهام الا ممن أعرض عنهم و ترك وصاية الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بالتمسك بهم اذ جعلهم شركاء القرآن لا يضل المتمسك بهما أبدا، فمن هو الأحق بالتقول و الغفلة و الوهم و السنة ان نسيها ناس أو أنكرها منكر، فمن يكون أحفظ لها منهم و من ذا الذي يصل الي درجتهم في العدالة و الحفظ فضلا عن أن يكون أعدل و أحفظ منهم، أهو عبدالله بن طاوس أحد أعوان فراعنة الملك العضوض الذي كان يحمل علي أهل البيت حملا شديدا، و يجاهر بعداوتهم، و قد فرض الله مودتهم و جعلها أجر الرسالة. و أما أن الأمة تلقتها فافتراء علي الأمة، فقد ردها حبر الأمة، وردتها أئمة أهل البيت عليهم‌السلام سادات الأمة. و أما بيان الكتاب فقد عرفت أنه بري‌ء من ذلك. و من أعجب الأعاجيب قوله: ثم يشمل كل هؤلاء العصبات للرجال نصيب. و أولو الأرحام فان الآية الأولي لو قال قائل: انها صريحة في نفي التعصيب، لم يكن بعيدا من الصواب؛ لأن أهل التعصيب يخصونه بالرجال دون النساء، و الآية تجعل الميراث شاملا للرجال و النساء، و لذلك قال المرتضي كما مر ان توريث الرجال دون النساء سنة جاهلية و آية أولي الأرحام ان لم تدل علي نفي التعصيب لا تدل علي ثبوته، و قد عرفت أنها فسرت من قبل أئمة أهل البيت عليهم‌السلام بأن الأقرب أولي من الأبعد، فهي الي الدلالة علي بطلان التعصيب أقرب. و بذلك يظهر سخف قوله، توريث العصبة ثابت بجميع آيات المورايث الذي لم يسبقه اليه أحد، و ان جميع آيات المواريث لا مساس لها بالتعصيب الذي وقع النزاع فيه، فاذا دلت الآيات علي توريث من هو عصبة في طبقة واحدة، فهل تدل علي توريث العصبة في طبقة متأخرة؛ لأن كلا منهما عصبة. استدلال سخيف عجيب، فتراب افترائه لم يصب الا فم الكتاب، بل فمه وحده. [ صفحه 302] و قال (ص 220): «و للشيعة في نفي التعصيب سنة محفوظة هي: أن حمزة عم النبي صلي الله عليه و آله و سلم لما قتل يوم أحد أعطي النبي ابنة حمزة كل الميراث، و لم يعط العباس شيئا و لا أعلم الآن وجه الحديث: هل كان قضاء النبي حرما للأخ كما تدعيه الشيعة؟ أو لأن العباس كان غنيا؟ و هو الأظهر». و نقول: الأحاديث لا تدفع بالاحتمالات، و ما استظهره لا مستند له، و غني العباس لا يسوغ منع حقه منه. و قال (ص 221 - 220): «يترتب علي الاختلاف في توريث العصبة اختلاف في حظوظ الورثة، وذكر لذلك شواهد، منها: زوج و أبوان للزوج النصف و للأم الثلث بنص الكتاب، و الأب وارث بنص الكتاب (وورثه أبواه) و لم يسم له حظ فهو عصبته له الباقي، ومن يقول: ان الأم لها هنا السدس، ثم يعبر عنه بثلث ما بقي، فقد احتال علي أن يستر خلافه لله و لكتابه. بها يبطل قول الشيعة بطولا لا يقوم بعده أبدا؛ لأن الأب ليس بصاحب فرض هنا؛ اذ لا فرض له الا عند وجود الولد، وارثه منصوص لا يكون الا بالعصوبة، و ادعاء أن حظ الأب هنا السدس رد لنص الكتاب فان السدس مشروط بوجود الولد». و نقول: قد خبط في المقام خبط أعمي ركب متن عمياء في ليلة ظلماء. أولا: ان هذه المسألة ليست من مسائل التعصيب المصطلح، فزجها في مسائله غلط. ثانيا: علماء الشيعة متفقة علي أن للزوج هنا النصف، و للأم الثلث، و للأب الباقي، و هو السدس كما هو نص القرآن الكريم. لم يقل أحد منهم ان للأم هنا السدس الا مع الحاجب، و لا أن لها ثلث الباقي، و انما حكوا عن غير الشيعة أن للأم ثلث الباقي مطلقا كما عن بعض. و عن بعض آخر الفرق بين الزوج و الزوجة، فقوله: ان القائل بذلك احتال لستر خلافه لله و لكتابه هو اشارة الي قول يختص بأصحابه، و الشيعة مجمعة علي خلافه، فتأمل و اعجب. [ صفحه 303] ثالثا: قوله: بها يبطل قول الشيعة الخ بها: أي بهذه المسألة يبطل قول الشيعة بعدم توريث العصبة مع ذوي السهام؛ لأن الأب عصبة لم يسم له نصيب، فله الباقي وادعاء أن له السدس رد لنص الكتاب؛ لأن السدس مشروط بوجود الولد، هذا توجيه كلامه. و فساده أظهر من أن يخفي، فالخلاف في العصبة التي هي من طبقة متأخرة، و الأب من الطبقة الأولي مجمع علي توريثه، و نص عليه الكتاب، فتوريثه لا يبطل قول الشيعة، و لا يثبت قول غيرهم، ولو فرض أنه يسمي عصبة، فاذا كان لرجل دين علي تركي من أهل استانبول هل له أن يطالب به تركيا من أهل بخاري لأن كلا منهما تركي!؟ رابعا: من قال ان نصيب الأب هنا السدس لم يقل انه فرض له بنص الكتاب حتي يقال ان قوله هذا رد لنص الكتاب؛ لأن السدس فيه مشروط بوجود الولد، و انما قال: ان له الباقي و اتفق أن الباقي هنا هو السدس.

اعتراضات علي العصيب

قال (ص 220): «للشيعة علي أصول توريث الأمة اعتراضات، منها: في بنت، و بنت ابن، و عم أن يكون الباقي بعد النصف للعم؛ لأنه أولي رجل ذكر، و أن لا يكون لابنة الابن شي‌ء، و في أخت لأب، و أم و أخت لأب، و ابن عم أن يكون الباقي لابن العم، و الأخت لأب محرومة و للأمة متمسك من الكتاب؛ لأن حظ البنات و حظ الأخوات الثلثان، فاعطاء السدس تكميل لما سماه الكتاب ببيان السنة، و عند الشيعة لا ارث لأحد من أولاد الولد عند وجود البنت، و الشقيقة لا يرث معها العم و لا الأخت لأب؛ فان الميراث كله للأقرب». و نقول: الحكم في المسألة الأولي عند أهل التعصيب: أن للبنت النصف، و لبنت الابن السدس تكملة للثلثين، و للعم الباقي، و هو الثلث، فتوجه عليهم الاعتراض بأنه ينبغي علي القل بالتعصيب أن يكون الباقي بعد النصف الذي هو فرض البنت للعم وحده؛ لأنه أولي عصبة ذكر، و أن لا يكون لابنة الابن شي‌ء؛ لأنها ممنوعة بالبنت التي هي أقرب منها و ليست عصبة، [ صفحه 304] و جعل السدس لها تكملة للثلثين لا دليل عليه؛ لأنها ان دخلت في آية (فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) [النساء / 11]لزم أن يكون الثلثان بينها و بين البنت بالسوية و لا يكون للبنت حينئذ النصف؛ لأنه فرضها مع انفرادها و ان لم تدخل - و هو الصواب - لم يكن دليل علي اعطائها السدس. و الحكم في المسألة الثانية عند أهل التعصيب: أن للأخت للأبوين النصف، و للأخت للأب السدس تكملة للثلثين، و الباقي و هو الثلث لابن العم، فتوجه عليهم الاعتراض هنا بمثل ما توجه في المسألة الأولي من أنه ينبغي أن يكون الباقي بعد النصف الذي هو فرض الأخت للأبوين لابن العم وحده، و أن لا يكون للأخت للأب شي‌ء لما مر في المسألة الأولي حرفا بحرف. و حكم المسألتين عندنا هو ما ذكره عملا بتقديم الأقرب، و لا نراه جاء في الجواب عن هذا الاعتراض بشي‌ء، و زعمه أن لهم عليه متمسكا من الكتاب و أن حظ البنات و الأخوات الثلثين، فاعطاء السدس تكميل لما سماه الكتاب ببيان السنة واضح البطلان؛ لأن الله تعالي جعل في الكتاب العزيز الثلثين فرض البنتين فما زاد، و الأختين لأب و أبوين فما زاد، و لم يجعله فرض البنت و بنت الابن، و لو سلم فيجب أن يقتسماهما بالسوية لا بالنصف و السدس. و كذلك الله تعالي فرض الثلثين للأختين للأبوين أو للأب و لم يفرضهما للأخت للأبوين و الأخت للأب، بل فرض الأولي هنا النصف و ليس للثانية فرض؛ لأن تلك أقرب منها، و لو سلم فيجب أن يقتسماهما بالسوة لا بالنصف و السدس؛ فانه لا دليل عليه في المقامين، فدعوي أن ذلك تكميل لما سماه الكتاب ببيان السنة افتراء علي الكتاب و السنة. و قال (ص 222): «و من اعتراضات الشيعة علي أصول الأمة أن يكون الابن الصلبي ةضعف من ابن ابن ابن عم، في رجل مات و خلف ابنا و 28 بنتا المال يقسم علي ثلاثين للابن منها اثنان، و ان كان بدل الابن ابن ابن ابن عم لكان للبنات عشرون، و للأبعد عشرة من ثلاثين، فيكون حظ الأبعد خمسة أمثال حظ الأقرب. و ما تقولون أن ترك هذا الميت هؤلاء البنات معهن بنت [ صفحه 305] ابن؟ فان قلتم أن البنات لهن الثلثان و الباقي للعصبة، و ليس لبنت الابن شي‌ء. يقال المسألة بحالها الا أنه مع بنت الابن ابن ابن، فان قلتم أن البنات لهن الثلثان و الباقي بين ابن الابن و بنت الابن للذكر مثل حظ الأنثيين؟ فقد خالفتم أصلكم، و خالفتم حديثكم في أي كتاب و أي سنة وجدتم أن بنات الابن اذا لم يكن معهن أخوهن لا يرثن شيئا و اذا حضر أخوهن ورثن بسبب أخيهن. هذه اعتراضات الشيعة ظاهرة الورود، ذكرتها اعجابا بها، و استحسانا لها، و من نظرة فيما تقدم فأجوبتها بين يديه». (و نقول) من نظر نظرة فيما تقدم منه لا يجد شيئا من أجوبتها لا بين يديه و لا خلفه و لا عن يمينه و لا عن شماله و لا فوقه و لا تحته. و من نظر نظرة فيما قدمناه يجدها واضحة الورود.

مخالفته اجماع المسلمين و ضرورة الدين بتوريث ولد الولد مع الولد

قال (ص 224): «خلف ابنه و أولاد ابنه المتوفي في حياته، أو أولاد بنته المتوفاة في حياته اتفقت الشيعة و الأمة علي أن الميراث لابنه و ليس لأولاد ابنه أو بنته شي‌ء. و الذي أراه و يطمئن اليه قلبي أن المال في الصورة الأولي نصفه للابن، و نصفه لأولاد الابن، و في الصورة الثانية ثلثاه للابن و ثلثه لأولاد البنت. و الأصل أن القريب ان كان واسطة يحجب الأبعد، و الا، فلا؛ اذ لا تكون نقطة أقرب من نقطة لا اذا كانتا علي حظ واحد، فان زال الأقرب فالأبعد يحل محله، فيكون هو الأقرب؛ اذ لا بعد الا بوجود الواسطة، فاذا زالت اقترب البعيد و حل محل القريب. هذ هو الذي بني عليه بقاء النوع الانساني، و هو الذي يقتضيه نظام المجتمع، و هو الذي يرشد اليه القرآن الكريم، فانه يعتبر أولاد المتوفي خلفا عنه، فيدخلون في قوله (يوصيكم الله في أولادكم) الآية دخول الأولاد دخولا أوليا. و كيف ينادينا الكتاب الكتاب الكريم بابني آدم اذا لم نكن خلفا حقيقا، و ابنا صلبيا لآدم ذهب الأصول، فحللنا محلها و أول الأصول ابن فنحن ابن آدم بل نحن آدم لا يحجبنا حاجب بعد ما ذهب». [ صفحه 306] و نقول: بعد اجماع المسلمين كافة، بل حصول الضرورة من الدين علي أن الابن يحوز الميراث دون ابن الابن و ابن البنت، فلا مسوغ لقوله الذي أراه و يطمئن اليه قلبي، فانه ابتداع في الدين، فالأحكام الشرعية لا تصاب بالآراء و اطمئنان القلب، و لا يجوز لأحد أن يخالف اجماع المسلمين، و ضرورة الدين، لرأي يراه، و هوي يهواه، هذا مثال من أمثله مرت و تأتي من معرفة هذا الرجل و آرائه و تهوره، و الأنكي من ذلك استدلاله عليه: بأن القريب ان كان واسطة يحجب الأبعد، و الا فلا. الي آخر ما تفلسف به؛ فان ذلك مع مخالفته الاجماع لا يصح في نفسه اذ القرب الي الميت و البعد عنه يدور مدار وجود الواسطة في الولادة و الانتساب و عدمها، و وجود واسطة واحدة لا وسائط، و هذا لا يتفاوت الحال فيه بين حياة الواسطة و موتها فان الابن ينتسب الي جده بواسطة أبيه سواء أكان أبوه حيا أم ميتا، فان جده قد ولد أباه، و أباه قد ولده، فاذا مات أبوه لم يصح أن يقال ان جده قد ولده الا بواسطة أبيه، و هو ابن ابن الجد سواء أكان أبوه حيا أم ميتا، فالابن ان كان حيا حجب ابنه، و ابن كان ميتا حجبه عمه؛ لأنه أقرب منه، و موت أبيه لم يجعله في درجة عمه في القرب، و هذا واضح. و قوله: هذا هو الذي بني عليه بقاء النوع الانساني، و هو الذي يقتضيه نظام المجتمع. كلام ليس تحته محصل، فالأحكام الشرعية لا تبني علي مثل هذه الألفاظ بقاء النوع الانساني نظام المجتمع، فمن شرع الأحكام و سنها أعرف بما يبتني عليه بقاء النوع الانساني و بنظام المجتمع من كل أحد، و الأشد من ذلك نكاية دعواه: أنه الذي يرشد اليه القرآن الكريم (يوصيكم الله في أولادكم) الآية فانه ان سلم شمول الولد لولد الولد فآية أولي الأرحام دالة، و الاجماع قائم و السنة ثابتة علي لزوم تقديم الأقرب علي الأبعد، و الا لورث ابن الابن مع وجود أبيه. و نداء القرآن لنا ببني آدم لا يوجب أن تكون في درجة واحدة في القرب الي آدم، فكلنا بنو آدم لكن بعضنا أقرب من بعض، و كوننا نحن آدم يقتضي أن نكون أنبياء لأن آدم نبي، و حينئذ فلا عجب أن يأتي هو بما يخالف شرع الاسلام فانه نبي. آراء سخيفة، و تمحلات ممقوتة. [ صفحه 307]

عرض النبي ارثه علي العباس

قال (ص 33 - 32): «حديث عرض النبي صلي الله عليه و آله و سلم ارثه لعمه سيدنا العباس، و ابن‌عمه علي أميرالمؤمنين ان ثبت يكون أصلا عظيما في أصول المواريث. في الوافي 133 - 2 عن الكافي: دعا النبي صلي الله عليه و آله و سلم عمه العباس و عليا، أميرالمؤمنين، قبيل وفاته، فقال لعمه العباس: تأخذ تراث محمد، و تقضي دينه، و تنجز عداته، فرد العباس عليه و قال: شيخ كثير العيال، قليل المال، فقال النبي: سأعطيها من يأخذها بحقها، و قال يا علي: أتنجز عدات محمد، و تقضي دينه، و تقبض تراثه. هذا حديث مهم جليل لم أره في كتب الأحاديث غير كتب الشيعة عددته اذ رأيته كنزا غنيا يستخرج منه أصول في أبواب الفقه، و عرض الارث ان صح لكان له شأن جليل جزيل، لان ذلك يقلب أصول الارث في الاسلام قلبا يمكن أن يكون فيه صلاح و حكمة اجتماعية، فان الارث عند الفقهاء خلافة في الملك و في الحقوق ليس فيها لا للمورث و لا للوارث اختيار. الوارث يكون خليفة في ملك الميت و حقوقه. عرض المورث أو لم يعرض، شاء الوارث في هاتين المسألتين؟ لأهل العلم أنظار و أقوال. لأجل ذلك عددت حديث عرض الارث كنزا فيه علوم و أصول لو صح لكان له أصل جليل، ولكن راويه قد أفسده افسادا بحديث عفير، عن أبيه، عن جده، عن نوح صاحب السفينة التي استوت علي الجودي، ثم لا ارث للعصبة عند الشيعة، أما عند فقهاء الأمة فابن العم لا يرث عند وجود العم، و حرم الوارث ليس في اختيار المورث في شريعة صاحب القرآن، و كيف يكون قول الشيعة في التعصيب ان ثبت حديث العرض. و سيدنا العباس كان غنيا، و كان أعقل و أرفع من أن يرد عرض النبي بخلا أو غفلة عن عظيم الشرف، و العباس كان أشرف قريش و أنفذهم نظرا، و النبي صلي الله عليه و آله و سلم كان يكرم العباس الكرام أبيه، و كان العباس للنبي أطوع أقربيه. نعم، كان العباس عمه لأبيه، و كان سيدنا أبوطالب عمه لأبيه و أمه، و لنا أن نقدم أولاد سيدنا أبي طالب علي عم [ صفحه 308] النبي لا بأس فيه هو الغالب، لأن سيدنا أباطالب قد قام مقام عبدالله بعد عبدالمطلب، فأولاده أخوة للنبي، و الأخ مقدم علي العم، هذا هو الأصوب، و هذا هو الكافي. و نقول: يلزم قبل التكلم علي ما قاله في هذا الحديث أن نبين ما يظهر منه. و الظاهر أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم عرض ممتلكاته علي عمه العباس ليهبها له في حياته أو يكون وصيه عليها علي أن يقضي دينه، و ينجز عداته، فان الدين مقدم علي الميراث، فأبي و اعتذر بأنه شيخ كبير السن، عاجز عن اليام بهذا المهم الذي يحتاج الي مزيد تعب، كثير العيال، قليل المال، فربما لا تفي تلك الممتلكات بدينه و عداته الكثيرة فيحتاج الي التضحية بقسم كبير من ماله، فيكون قد أضر بعياله الكثيرين مع قلة ماله، و كان قد غلب علي ظنه ذلك، و عرض ذلك علي علي فقبل، و يدل عليه ما في تتمة الحديث من أنه نزع خاتمه من اصبعه، فقال: تختم بهذا في حياتي، و دعا بالمغفر، و الدرع، و الراية، و ذي الفقار، و السحاب (العمامة) و البرد، و الأبرقة، و القضيب، ثم دعا بزوجي نعال عربيين، و بالقميص الذي أسري به فيه ليلة المعراج، و القميص الذي خرج فيه يوم أحد، و القلانس الثلاث: قلنسوه السفر، و قلنسوه العيدين و الجمع، و قلنسوة كان يلبسها و يقعد مع أصحابه، و بالبغلتين الشهباء و الدلدل، و الناقتين العضباء و القصواء، و الفرسين ذا الجناح و حيزوم، و الحمار عفير و قال: اقبضها في حياتي، الحديث. و حينئذ نقول له: كيف يكون هذا الحديث قالبا لأصول الارث في الاسلام قلبا، فانا نراه لا يؤثر شيئا علي أصول الارث، فضلا عن أن يقلبها قلبا أما عندك فالأنبياء لا تورث و ما تركوه صدقة، فاذا كانوا قد وهبوه في حياتهم، أو سلموه لمن يقضي به ديونهم، لم يبق موضوع للارث، كمن أنفق ماله في حياته، و لم يترك شيئا، أو أوصي بصرفه في دينه. اذا فما هو الذي يقلب أصول الارث قلبا. و كأنه توهم أن المراد بقوله تأخذ تراث محمد تكون وارثا له دون [ صفحه 309] وارثه، فيفهم منه أن للانسان أن يجعل ميراثه لغير وارثه بشرط قبول ذلك الغير.فلذلك جعله قالبا لأصول الارث، و هو توهم فاسد، فالمراد بقوله تأخذ تراث محمد أي ما يكون تراثا بعد موته لو لم ينقله عن ملكه في حياته، و لم يوص به ولميكن عليه مقابله دين، فهو من باب (اني أراني أعصر خمرا) [يوسف / 36]أي عنبا يؤول الي الخمر و الارث كما ذكره أولا اضطراري لا اختياري، و لم يقل و لم يحتمل أحد من العلماء انه اختياري، و هو حكم لا عقد حتي يتوقف علي القبول، فما بناه عليه من دلالة الحديث علي أنه اختياري فاسد فانهار كل ما بناه عليه، وقد ظهر أنه لو صح هذا الحديث أو لم يصح ليس فيه علوم و لا أصول سوي جواز أن يهب النبي صلي الله عليه و آله و سلم ما يملكه في حياته، أو يسلمه لمن يقضي به دينه، و هذا ليس به شي‌ء يخالف ما يذهب اليه فقهاء الاسلام، و أشار بقوله: ان راويه قد أفسده «الخ» الي ما ذكره صاحب الكافي بعد هذا الحديث بقوله: وروي أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال أن ذلك الحمار كلم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال بأبي أنت و أمي ان أبي حدثني، عن أبيه، عن جده، عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام اليه نوح فمسح علي كفله، ثم قال يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين و خاتمهم [354] الحديث، فأي شي‌ء في هذا يفسد ذلك الحديث افسادا: أهو تكليم الحمار لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ما فيه من المعجز، و البوصيري يقول: و الجذع حن اليه و البعير شكا لسيد الرسل ما يلقي من الألم و قد رويتم أن بعض الصحابة كلمه الذئب، أم حكايته عن أبيه عن جده عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة، و اذا جاز في الحيوانات أن تكلم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم جاز أن تفهم لغة آبائها و تحكي عنها كما جاء نظيره في نمل سليمان عليه‌السلام. وهب أن هذا الحديث كان كذبا، فأي ربط له بالحديث الذي قبله المروي بسند متصل الي أبي‌عبدالله جعفر بن محمد الصادق حتي يقال: ان [ صفحه 310] راويه قد أفسده افسادا بحديث عفير، فاذا ذكر عالم في كتابه حديث مسندا، ثم ذكر بعده حديثا مرسلا مكذبوا أو غير مكذوب، فهل يستلزم كذب أحدهما كذب الآخر. هذا علم لم نجده لأحد قبل موسي جار الله. و فقهاء الأمة هم أهل بيت النبوة الذين جعلهم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم شركاء القرآن، و بمنزلة باب حطة و سفينة نوح و الذين لا يحصي ما انتشر عنهم من العلم و الفقه و عندهم أن الارث مع وجود العم و ابن العم و البنت للأقرب و هو البنت بالفرض والرد و استعمال حرم بكسر الراء في مصدر حرم بدل حرمان مع ثقله و خفة حرمان و اشتهاره ليس له من داع الا حب الشذوذ، و التعصيب لا علقة له بالمقام سواء أثبت حديث العرض أم لم يثبت. و الأحاديث لا ترد بالاجتهاد و الاستبعاد، فسيدنا العباس رضوان الله عليه. نعم، كان غنيا، ولكن المال عزيز علي الانسان في كل عصر و زمان، و قد قال العباس لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لما أسر يوم بدر، و قال له الرسول: أفد نفسك و ابني أخيك عقيلا و نوفلا و حليفك: انه ليس لي مال. فقال: أين المال الذي وضعته حين خرجت عند أم الفضل؟ [355] الحديث. فهذا يرفع استبعاد أنه كيف رد ما عوضه عليه النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و كون النبي كان يكرم العباس اكرام أبيه لا مساس له بالموضوع، و كونه أطوع أقربيه غير مسلم، بل كان أطوعهم له و أذبهم عنه، و أحبهم اليه علي بن أبي‌طالب. و أين مرتبة العباس الذي خرج يوم بدر لحرب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم هو و ابنا أخويه عقيل و نوف بن الحارث بن عبدالمطلب حتي أسر، و بقي في مكة و لم يهاجر حتي ضرب الاسلام بجرانه، من مرتبة علي بن أبي‌طالب الذي لم يفارقه طرفة عين، و بات علي فراشه ليلة الغار، و فداه بنفسه و جاهد امامه في كل مواقفه حتي قام الاسلام بسيفه، و أين مرتبته من مرتبة أبي‌طالب الذي حمي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و حامي عنه، و قاسي البلاء و الشدة في حمايته، و أوصي أولاده بنصره، و قال في ذلك الأشعار و ما زالت [ صفحه 311] قريش كاعة عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حتي مات أبوطالب فنالت قريش عند موته من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حتي قال: لشد ما وجدنا فقدك يا عم [356] و كون العباس عمه لأبيه، و أبوطالب عمه لأبيه و أمه لا يوجب تقديم أولاد أبي طالب، فانه ليس لنا أن نقدم أحدا لزيادة وصلته في النسب، و لا كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم يفعل ذلك؛ و انما هذا من فعل الملوك، و أبناء الدنيا، بل المستحق للتقديم من امتاز بفضله و أعماله و جهاده في الاسلام، و محاماته عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و كانت هذه الخصال متوفرة في علي بن أبي‌طالب من بين سائر بني‌هاشم، و في أبيه أبي‌طالب من قبله، و لو كان ذلك كافيا لما كان لنا أن نساوي بين عقيل بن أبي‌طالب الذي خرج لحرب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم بدر، و بين أخيه علي لتساويهما في النسب، و استعمال «بل» هو الغالب هنا غير مناسب. و الأولي بل هو المظنون أو المحقق أو نحو ذلك. و كيف يقول سيدنا أبوطالب و هو كافر مشرك مات علي شركه في ضحضاح من نار باعتقاد قومه، و كون أولاد أبي‌طالب بمنزلة أخوة النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و الأخ مقدم استدلال ركيك واه لا محصل له، و لا يوجب تقديما ولا تعظيما و لا توجب هذه الأخوة الموهومة شيئا من الفضل، بل موجب الفضل ما قدمناه و من موجبه الأخوة التي خص بها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليا دون سائر أصحاب.

المتعة

و هي النكاح الي أجل، ذكرها في عدة مواضع من «وشيعته» و كرر و أطال تطويلا مملا ممقوتا كعادته و زاد، و نحن نجمع ما فرق، و نفرق ما اجتمع بحسب المناسبة كعادتنا. قال (ص 31): «كتب الشيعة اذا تعصبت علي المسألة، فهي تجازف في الكلام، تتجاوز حد التشدد في المبالغة مثل ما روت في المتعة و المسح علي الخفين و غيرهما، كان الباقر و الصادق يبالغان في المتعة، و يقولان: من لم يستحل متعتنا، و لم يقل برجعتنا، فليس منا». [ صفحه 312] و نقول: كتب الشيعة بعيدة عن التعصب و التشدد، و ان تشددت في بعض مسائلها فتشددها ناشي من التشدد و التعصب عليها، و التشدد مع الحق لا يضر. و التساهل مع الباطل لا ينفع، فالمهم تمييز الحق من الباطل. و قد نسي أو تناسي مجازفات قومه في الكام اذا تعصبوا علي المسألة، و تجاوزهم حد التشدد في مواضع يضيق عنها الاحصاء، و نسي نفسه في تعصباته و تشدداته في كل مسألة ذكرها بما قد تجاوز كل حد حتي أدي به ذلك الي مخالفة الاجتماعات و انكار المسلمات. و منها هذه المسألة، فله فيها سلسلة دعاو انفرد بها و جاوز و تجاوز الحد. الدعوي الأولي: انها من بقايا الأنكحة الجاهلية و لم تكن مباحة في الاسلام.فذكر في مطاوي كلامه (في ص 165 - 147 - 146 - 144 - 139 - 135 - 132 - 131 - 128 - 127 - 120 - 31) ما حصل مجموعه: «أري أن المتعة من بقايا الأنكحة في الجاهلية كانت أمرا تاريخيا لا حكما شرعيا بقيت في صدر الاسلام بقاء العوائد التي لا تستأصل الا بزمن، فالعرب قبل الاسلام كان لها أنكحة دامت حتي صارت عادة أبطلها الاسلام، منها: البغاء، المخادنة، الاستبضاع. المتعة يمكن أن البعض كان يرتكبها في صدر الاسلام جريا علي العادة مستحلا أو جاهلا. و يمكن أن الشارع أقرها لبعض في بعض الأحوال من باب ما نزل فيها ما قد سلف، وقد نزل في أشد المحرمات، و نسخت و حرمت تحريم ابد. و لم يكن نسخها نسخ حكم شرعي، بل نسخ أمر جاهلي. و لم يكن في الاسلام نكاح متعة. ليس بيد أحد دليل لاباحتها في زمن من صدر الاسلام و لم تقع من صحابي في الاسلام، و لو وقعت فلا يتمكن أحد أن يثبت أنها كانت باذن من الشارع، بل دوام عمل كان في الجاهلية و عادة معروفة راسخة لم يقتلع منه البعض حتي نودي بتحريمه مرات يوم خيبر و يوم الفتح و أيام حجة الوداع، فوهم الرواة أن تكرار النداء كان لتكرير الاباحة مثل العري في الطواف حرم في صدر الاسلام و لم ينقطع الا بعد زمن و الا بالقوة بعد البراءة حتي عدت المتعة من غرائب الشريعة.و كما تكرر نزول تحريم الخمر= [ صفحه 313] تقريرا لتحريم كان من قبل، فدعوي اباحة الشارع في صدر الاسلام ساقط (كذا). و قال (في ص 44): «العرب قبل الاسلام كانت لها أنكحة دامت حتي صارت عادة أبطلها الاسام، و منها المتعة، و العادة لا يقتلعها الا الزمن، فدامت المتعة في صدر الاسلام و التبس الأمر علي البعض فارتكبها جاهلا أو مستحلا»، و (في ص 131): «أما العقد الي أجل فان أثبت مثبت أنه كان يقع في صدر الاسلام و أنه كان بعلم من الشارع، فنحن نقول: ان النكاح كان ينعقد و يبطل التوقيت؛ لأن النكاح من أقوي العقود، و ينعقد انعقادا يبطل كل الشروط، فتبين تبينا لا يذر من ريب لمتثبت أن نكاح المتعة لم يقع في صدر الاسلام. و علي هذا البيان يحمل كل حديث ثبت سنده في صحاح الأئمة مثل البخاري و مسلم واحد و الحمدلله الذي هدانا لهذا، و مر رواية الترمذي عن محمد بن كعب عن ابن‌عباس: انما كانت المتعة في أول الاسلام. كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة. فيتزوج المرأة بقدر ما يري أنه يقيم، فتحفظ له متاعه و تصلح له شيئه حتي اذا نزلت الآية: (الا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) قال ابن‌عباس: فكل فرج سوي هذين فهو حرام [357] ، والظاهر أن العقد في مثل هذه الصورة كان ينعقد انعقاد دوام يترتب عليه كل آثاره و لا ينقطع الا بالطلاق أو بالموت. قيل لعمر: يعيب عليك الناس أنك حرمت متعة النساء و قد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ثم نفارق عن ثلاث، فقال: ان النبي انما أحلها زمن الضرورة و قد رجع الناس الي سعة ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عاد اليها و لا عمل بها، فالآن من شاء نكح بقبضة و فارق عن ثلاث بطلاق، و قد أصبت و الله يعلم يريد أن النكاح بقضبتيه ينعقد انعقاد دوام، ثم ينقطع بطلاق بعد أيام و أي ضرورة كانت في عهد النبي تضطر الناس الي المتعة الا أنها كانت عادة معروفة رسخت في الجاهلية لم يمكن قلعها الا بعد زمن لم يكن غير هذه الضرورة حتي استأصلها الفاروق. و من غرائب أقوال أهل العلم ان المتعة من غرائب الشريعة لأنها أبيحت في صدر الاسلام، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت [ صفحه 314] يوم أوطاس، ثم حرمت بعد ذلك تحريم الأبد، ثم ليس لقول في هذا الباب قرار، فقد قيل أذن بها في حجة الوداع و منع عنها في حجة الوداع. و حديث المتعة من غرائب الأحاديث كان يقول بها جماعة من الصحابة حتي قال بها جماعة من التابعين منهم طاوس، و عطاء و سعيد بن جبير، و جماعة من فقهاء مكة. روي الحكام في علوم الحديث عن الامام الأوزاعي أنه كان يقول: يترك من قول أهل الحجاز خمس، منها المتعة». و نقول: في هذا الكلام خبط و خلط و افتراء و تهافت و تناقض من وجوه: أولا: الأحكام الشرعية مصدرها الكتاب و السنة و اجماع المسلمين لا الآراء و التخمين، فقوله: أري كذا و يمكن كذا و يمكن كذا هذر من القول: و لو كانت تؤخذ بالآراء و الشهوات لمابقي لهذا الدين أثر. ثانيا: زعمه أن المتعة من بقايا الأنكحة الجاهلية، و أنها لم تكن في صدر الاسلام، و أنها لم تقع من صحابي، و ان وقعت فبغير اذن الشارع، و أنها كانت أمرا تاريخيا لا حكما شرعيا، و ان نسخها نسخ لأمر جاهلي لا لحكم شرعي هو من مخترعات هذا العصر، و ليس له أثر في كلام العماء السالفين، فهو من الأكاذيب الملفقة و الأباطيل لدحض الحق، و لم ينقل ناقل أنه كان في الجاهلية نوع من النكاح يشابه المتعة و يماثلها، و لو كان لنقل فان شرائع الجاهلية كثر تناقل الرواة لها، و لم يذكروا فيها شيئا من هذا القبيل، فأدراجها مع البغاء، و المخادنة، و الاستبصاع كذب و افتراء. فالبغاء و الزنا، و المخادنة (اتخاذ الرجل امرأة و المرأة رجلا يزني بها) و الاستبضاع في النهاية نوع من نكاح الجاهلية كان الرجل منهم يقول لأمته أو امرأته: أرسلي الي فلان فاستبضعي منه، و يعتزلها حتي يتبين حملها يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد. أما المتعة فلم يذكر محدث، و لا مؤرخ، و لا لغوي، و لا غيرهم أنها من أنكحة الجاهلية الا بعض أهل هذا العصر كالآلوسي في بلوغ الارب، و محمد ثابت المصري في كتاب جولة في ربوع الشرق، و صاحبنا في «وشيعة» و قد دلت الأدلة القاطعة التي لا يمكن لأحد ردها، و لا انكارها، و لا التشكيك فيها من الكتاب، و السنة، و اجماع [ صفحه 315] المسلمين، و أقوال أئمتهم علي أنها كانت مشروعة في صدر الاسلام، مباحة بنص الشارع، و أن كثيرا من الصحابة فعلوها في حياة النبي صلي الله عليه و آله سلم بأمره، و أذنه، و ترخيصه، و بعد وفاته، و أن نسخها عند من يقول به نسخ لحكم شرعي، و هو مع ذلك يماحك و يتمحل و يعاند و يكابر و يقول: انها لم تكن في صدر الاسلام و أن نسخا لأمر جاهلي و حسبه بهذا جهلا و عنادا. (فالكتاب) آية (فما استمتعتم) و يأتي الكلام عليها عند تعرضه لها (و السنة) الروايات الصحيحة الصريحة المستفيضة - ان لم تكن متواترة - الآتية التي رواها أئمة الحديث في صحاحهم البخاري و مسلم و أحمد بن حنبل و النسائي و الترمذي [358] و غيرهم الدالة علي أذن النبي صلي الله عليه و آله و سلم فيها، و علي وقوعها في عهد الرسالة، و مدة حياة النبي صلي الله عليه و آله و سلم فيها، و في خلافة الشيخين، و عدم نسخها. و كذلك الروايات الآتية التي ذكروها دليلا للنسخ؛ فانها لو ثبتت؛ لكانت دالة علي أنه نسخ لحكم شرعي، فهي تكذب دعاواه، و كل هذه الروايات نص صريح لا يقبل شيئا من تأويلاته و تمحلاته الفاسدة. و من جملة الروايات رواية الترمذي عن محمد بن كعب المار ذكرها في كلامه آنفا للتصريح فيها بأن المتعة كانت في أول الاسلام، و أن الرجل كان يتزوج المرأة الي أجل بقدر ما يري أنه يقيم [359] و هي تذكب قوله لم يكن في الاسلام نكاح متعة. و استظهاره أن النكاح كان ينعقد دائما ليس في الكلام ما يشير اليه؛ الا أن يكون و حيا نزل عليه، و من جملتها رواية يعيب عليك الناس. المار ذكرها أيضا في كلامه، و تفسيره لها بما فسر به الأولي لا دلالة في الكلام عليه بشي‌ء من الدلالات و ما يرضي به صاحبه تفسيرا لكلامه، و انما أراد أنه [ صفحه 316] يمكنه ايقاع النكاح من أصله دائما ثم يطلق لا أنه اذا أوقعه الي أجل انعقد دائما، و لا يتوهم ذلك من عنده شي‌ء من فهم، و هي دالة علي أنه كان مشهورا بين الناس أن الله رخص في المتعة، وأنه هو الذي حرمها، فلذلك عاب الناس عليه تحريمها لأنه ضيق عليهم فيما كان رخصة من الله و هو لم ينكر أنه حرمها و انما اعتذر بأن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أحلها زمن الضرورة و رجع الناس الي سعة، و لم يبق لها لزوم، و لم يعتذر بأن النبي صلي الله عليه و آله و سلم حرمها بعدما أحلها بل ظاهره أن احلالها باق؛ ولكنه لم يعلم أن أحدا عاد اليها، و لا عمل بها لكونهم في سعة و غني عنها لا لأنها محرمة. و في هذا رد صريح لما ادعاه من أنها من بقايا عوائد الجاهلية، و في قوله: أي ضرورة الخ. رد علي الخليفة الذي قال أن النبي أحلها لضرورة. و رجع الناس الي سعة؛ فانه كالصريح في أن الضرورة عدم السعة لا ما زعمه من أنها عادة جاهلية لم يمكن قلعها الا بعد زمن. ثم اعتذر بعذر أوسع من ذلك، و هؤ أنه لو فرض بقاء الضرورة الي التزوج بقبضة فالآن من شاء نكح بقبضة نكاحا دائما و فارق بعد ثلاث بطلاق، فالضرورة لا تدعو الي المتعة لامكان الاستغناء عنها بالدائم بمهر مثل مهر المتعة، و الفراق بالطلاق بدلا من انقضاء الأجل، و قد أصبت في تحريمي المتعة و لم أضيق علي الناس فليس لهم أن يعيبوا علي تحريمها هذا هو معني الحديث لا ما تمحله، و لسنا الآن بصدد أن هذا العذر مقبول أو لا، و أن التزوج دائما بقبضة لا يتيسر غالبا، و انما كلامنا في أن ما ذكره هذا الرجل لا مساس له بالحديث، و قد ظهر أن ما استشهد به من الحديثين هو عليه لا له، ككثير من استشهاداته و استدلالاته. و يكذبه أيضا قول الخليفة نفسه: «متعتان كانتا علي عهد رسول الله أنا أحرمهما و أعاقب عليهما» [360] . (و الاجماع) حكاه الامام فخرالدين الرازي في تفسيره، فقال: «اتفقوا [ صفحه 317] علي أنها كانت مباحة في صدر الاسلام» [361] و الاجماع مشاهد من أقوال العلماء فقد عرفت أنه لم ينكر أنها كانت مشروعة في الاسلام أحد قبل هذا العصر. و من أقوال أئمة المسلمين بأنها شرعت في الاسلام ما حكاه النووي في شرح صحيح مسلم عن القاضي عياض عن المازري أنه قال: ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الاسلام [362] و قال: «انه كان نكاح المتعة مباحا في أول الاسلام ثم حرم، و هو الآن جائز عند الشيعة» [363] و قال ابن‌المنذر بنقل صاحب الوشيعة: «جاء من الأوائل الترخيص في المتعة و لا أعلم اليوم من يجيزها الا بعض الشيعة» [364] فبان أن دعاواه هذه مخالفة منه لاجماع، و مصادمة و تكذيب لما يرويه أئمة الأمة الذين أثني عليهم أعظم الثناء. ثالثا: زعمه أنها كانت من العوائد التي لا تستأصل و لا تقتلع الا بزمن، و الا بالقوة، و أن بعضهم كان يرتكبها جريا علي عادة مستحلا أو جاهلا، و أنه لم يقتلع منها الا بعد أن نودي بتحريمها مرات أيام خيبر، و الفتح، و حجة الوداع، و قياسها علي ما جاء في آية (و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم) [النساء / 22]، و علي العري في الطواف، و تحريم الخمر فساده أوضح من أن يبين، فكونها من عوائد الجاهلية قد عرفت فساده. و العوائد الجاهلية يقتلعها الاسلام بمجرد نهي النبي صلي الله عليه و آله و سلم عنها، و لم يكن الذين آمنوا به ليبقوا عليها بعد النهي حتي يقتلعها الزمن، و نسبة ذلك لهم قدح في ايمانهم، و عدالتهم، و مناف لما وصفهم به من أنهم: رهبان ليل يذكرون كلامه آساد غيل في الوغي بنهار و قوه: مستحلا أو جاهلا لا بد أن يكون مراده به مستحلا عالما بالتحريم أو جاهلا بالتحريم المقابلة، و أي شي‌ء أفظع من نسبة استحلال الزنا الي [ صفحه 318] الصحابة بعد علمهم بالتحريم و أين تكون عدالتهم. و كيف يتصور عاقل أن الصحابة داوموا علي فعلها و لم يقتلعوا عنها الا بعد أن نودي بتحريمها مرات آخرها في حجة الوداع، فكانوا يفعلونها الي حجة الوداع التي هي آخر حياة النبي صلي الله عليه و آله و سلم فان كانوا لم يسمعوا هذا النداء الذي تكرر ثلاث مرات، بل سبع مرات علي رؤوس الأشهاد، في غزوات متعددة، و مواضع متبددة، في ضمن سنين، فذلك ما لا يقبله عقل، و ان كانوا سمعوا و أصروا و عصوا فهو نسبة لأشنع القبائح اليهم. هذا هو العلم الذي هدي اليه موسي جار الله، أما قياسه لها علي ما جاء في آية (و لا تنكحو ا ما نكح آباؤكم) فهو قياس فاسد، فذاك نكاح ثبت حصوله في الجاهلية بنص القرآن، و تحريمه بنص القرآن، و ضرورة دين الاسلام، ولم يرد فيه ترخيص أصلا، و هذا نكاح لم ينقل أنه كان في الجاهلية، و ورد القرآن بتحليله، و اتفق المسلمون علي أنه شرع في صدر الاسلام - و ان خالفهم موسي تركستان في آخر الزمان - و اختلفوا في نسخة، و صرحت الروايات الصحيحة الآتية بأنه وقع في عصر النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و باذنه، و آية (الا ما قد سلف) ليس فيها اقرار لنكاح الجاهلية بوجه استثناء من المفهوم أي فالناكح ما نكح أبوه مؤاخذ الا ما قد سلف في الجاهلية فلا مؤاخذة عليه لأن الاسلام يجب ما قبله، و هذا ليس فيه شي‌ء من اقرار نكاح الجاهلية. ثم أنه تكلم علي آية (الا ما قد سلف) فقال (ص 149): «ذكر في القرآن المحرمات خمس عشرة نسوة أولاها امرأة في نكاح أبيك، و أخراها محصنة لم تدخل في حيطة نكاحك (و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم) الآية». و (في ص 151 - 150): «يعجبني اعجابا يملأ قلبي فرحا و قناعة قول امام الأمة، شمس الأئمة، الامام السرخسي في كتاب المبسوط الذي لم يؤلف قلم الاجتهاد في مذاهب الاسلام كلها كتابا في فقه الشريعة مثله فقد قال في موجز ايضاحه: معني الاستثناء نفي مثل هذه الآيات ان الا في معني و لا (لئلا يكون للناس عليكم حجة [ صفحه 319] الا الذين ظلموا منهم) [البقرة / 150](و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم) [النساء / 22]الآية. (لا تقربوا الصلاة و أنتم سكاري حتي تعلموا ما تقولون و لا جنبا الا عابري سبيل حتي تغتسلوا) [النساء / 43](و ما لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ) [النساء / 92]قال: هذا الذي قاله صاحب المبسوط في هذه الآيات الأربع معني بديع سهل واضح. اه. باختصار. و هذا الذي نقله عمن سماه امام الأمة، و شمس الأئمة، و بالغ فيه و في كتاب هذه المبالغة، وأعجبه ملأ قلبه فرحا و سرورا لا يساعد عليه لغة و لا عرف، و قد قاله أبوعبيدة في الآية الأولي، و أنكر عليه الفراء و المبرد كما في مجمع البيان [365] فكيف يكون بديعا سهلا واضحا سواء أقاله شمس الأئمة أم بدرها، بل هو في الأولي استثناء منقطع كقوله: (ما لهم به من علم الا اتباع الظن) [النساء / 157]أو أن الحجة بمعني الحاجة، فالاستثناء متصل. و في الثانية: الاستثناء منقطع كما صرح به علماء العربية. و التفسير مخرج من المفهوم كما مر و وضع له فيه مكان (ألا) لا يصحح الكلام علي أنه اذا كان المعني و لا ما قد سلف يكون نهيا عما سلف و هو غير معقول، و توجيهه: بأن المراد عدم انعقاده، تكلف و تعسف، و في الثالثة (الا عابري سبيل) [النساء / 43]استثناء من قوله و لا جنبا لأن لا تقربوا الصلاة يراد به مواضع الصلاة و هي المساجد أي لا تقربوها جنبا الا عابري سبيل، فان عبور الجنب في المسجد مغتفر، و في الرابعة (الا خطأ) [النساء / 92]مثل (الا ما قد سلف) [النساء / 22 و 23]أي فقاتل المؤمن مؤاخذ الا الخطأ، فلا اثم فيه و انما فيه الدية. فهذه العبارات المنمقة: يعجبني اعجابا يملأ قلبي فرحا و قناعة لا تدخل علي القلب شيئا من الفرح و لا من القناعة؛ لأن ما يخالف اللغة و العرف لا يعجب أحدا و لا يفرحه و لا يقنعه. رابعا: قياس ذلك علي العري في الطواف، و تحريم الخمر قياس فاسد، [ صفحه 320] فالعري في الطواف ثبت أنه من أحكام الجاهلية، و نظمت فيه الأشعار في الجاهلية: اليوم يبدو نصفه أو كله فما بدا منه فلا أحله و المتعة لم يرو راو، و لا مؤرخ أنها كانت في الجاهلية، و العري لم يناد به الا مرة واحدة يوم براءة، و المتعة يدعي أنه نودي بتحريمها مرارا، و العري الظاهر أن الذين كانوا يفعلونه من المشركين لقوله تعالي: (براءة من الله و رسوله الي الذين عاهدتم من المشركين) [التوبة / 1]فكيف يقاس عليه ما فعله المسلمون من الصحابة. و الخمر ورد تحريمها في آيتين في سورة المائدة (انما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) [المائدة / 90]و في سورة البقرة: (يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما اثم كبير و منافع للناس و اثمهما أكبر من نفعهما) [البقرة / 219]و لم ينزل تحريم الخمر في أول الاسلام، فكيف يقاس بها ما يدعي أنه نودي بتحريمه مرارا ثلاثا، أو أربعا، أو سبعا بعد الاباحة من مبدأ الاسلام. خامسا: اذا كانت لم تشرع في الاسلام، ولم يفعلها أحد من الصحابة، و قد نودي بتحريمها في حياة النبي صلي الله عليه و آله و سلم ثلاث مرات، أو أربع، بل سبع علي رؤوس الأشهاد، و بمرأي و مسمع من الصحابة، بلغ فيه الشاهد الغائب، فلماذا احتاج الخليفة أن يحرمها، و يتهدد بالعقاب علي فعلها في شأن عمرو بن حريث، و لو لم تكن فعلت في زمانه لما احتاج الي هذا النهي و التهديد، و كيف تجرأ الصحابة علي فعلها بعد تكرار النهي عنها، و المناداة به مرارا، و هل يقبل ذلك من عنده ذرة من عقل؟ سادسا: زعمه أن الذي تكرر هو النداء بالتحريم، فتوهم الرواة منه تكرير الاباحة كما قاله أولا، أو التبس الأمر علي بعض الصحابة فارتكبها جاهلا أو مستحلا كما قاله ثانيا. فساده أوضح من أن يبني؛ اذ كيف يتوهم عاقل أن جميع [ صفحه 321] الرواة سمعوا النداء بالتحريم مرارا، فتوهموا منه الاباحة، و جل الصحابة التبس عليهم الأمر، فتوهموا التحريم اباحة، وهبهم توهموا ذلك في المرة الأولي، فهل يمكن أن يتوهموه ثلاث مرات الي سبع مرات في سنين متباعده، وهب أن واحدا منهم توهم ذلك، فكيف توهم الجميع، و النداء كان بمسمع الألوف مرارا في أوقات مختلفة، فهل يمكن أن يتوهموا كلهم من قول المنادي المتعة حرام، ان المتعة مباحة، هذا ما لا يتفق لصغار الصبيان و لا من أبلد البلداء، و هو يدلنا علي أن هذا العذر الملفق قصد به تصحيح ما لا يمكن أن يصح. و اذا كان قد تكرر ثلاث مرات - علي قوله - في أوقات متباعدة - و تباعد بعضها بسنين: أيام خيبر، و الفتح، و حجة الوداع، و سبع مرات - علي ما سنبينه - بزايدة عمرة القضاء، و حنين، و أوطاس، و تبوك و اذا كان يستحيل عادة عدم علم الجميع بتحريمها في مثل تلك الحال؛ يلزم أن يكون الصحابة بعد سماعهم النداء بالتحريم ثلاث مرات أو سبع مرات في أوقات مختلفة متباعدة بقوا مصرين علي عمل جاهلي هو زنا و حكم جاهلي من بقايا أحكام الجاهلية مداومين عليه الي آخر أيام حياة النبي صلي الله عليه و آله و سلم. فان النداء بالتحريم في حجة الوداع لابد أن يكون تقدمه فعلها؛ و الا لم يحتج الي النداء، ثم بقوا مصرين عليه طول خلافة أبي‌بكر و شطرا من خلافة عمر بعدما سمعوا النداء بتحريمه في حجة الوداع. و يفعله منهم ابن‌مسعود الذي وصفه بما هذا ما لا يتصوره عاقل، وأين عدالة الصحابة و نزاهتهم، و هم الذين قال عنهم ان أقلهم - و لا أقل بينهم - أجل من أن يبتذل آية. هذا علم موسي جارالله، و هذه أدلته، و حمل روايات البخاري و مسلم و أحمد و غيرهم المصرحة بوقوعها أيام خيبر و الفتح وأوطاس و حجة الوداع علي الوهم، و الاشتباه من الراوي بين التحريم و الاباحة يسقط كل رواية رواها الثقات؛ لامكان الوهم فيها، و يفتح الباب لابطال كل حديث في الصحاح و غيرها، و لو ساغ التعويل علي احتمال الوهم لكان كل من يسمع رواية لا توافق هواه يحملها علي الوهم و لمحا بقي من أحكام هذا الدين شي‌ء، و لعمت الفوضي في الأحكام، [ صفحه 322] مع أن هذا يناقض دعواه عند التكلم علي متون الأحاديث من أن أحاديث الصحاح قد خلت من كل شائبة، و أن أصحابها نقدوا الأحاديث نقد الصيارفة، و أنه لم يبق في أحاديث الأمة زيف أو دخيل، و أي زيف أعظم من أن يكون فيها التحليل بدل التحريم. سابعا: زعمه أنها ان كانت وقعت كانت تنعقد دائما، و يبطل التوقيت محض تخرص و تحكم، اذ ليس لذلك أثر في تلك الروايات، بل هي صريحة في خلافة لا سيما قوله صلي الله عليه و آله و سلم: اجعلوا بينكم و بينهن أحلا فاذا كان التوقيت يبطل، فما فائدة الأمر به، و تعليله ذلك بأن النكاح من أقوي العقود ينعقد انعقادا يبطل كل شرط يناقض ما يأتي منه أن الصديق شرط علي الزبير شرطا تتطلق به ابنته أسماء منه اذا فركته، ولكن التناقض و التهافت في كلامه ليس له كبير أهمية عنده، و اذا كان النكاح من أقوي العقود فما باله ينفسخ بالطلاق باللفظ العامي و الملحون. ثامنا: أصاب من قال: أن أقوال أهل العلم في المتعة من غرائب الأقوال، و حديثها من غرائب الأحاديث، و ليس لقول في بابها قرار. و أخطأ من قال: ان المتعة من غرائب الشريعة اذ ليس في الشريعة غرائب كيف و هي الشريعة السهلة السمحة التي ما جعل الله فيها علينا من عسر و لا حرج، و المطابقة لمصحلة الخلق في كل عصر و زمان، و انما أقوال أهل العلم فيها من غرائب الأقوال، فانهم لما أرادوا تصحيح ما لا يمكن أن يصح أدي ذلك الي وقوع الغرائب في أقوالهم. و اختلاف الروايات التي رووها فيها هو الذي أدي بهم الي ذلك، و هي لم يقتصر فيها علي الاباحة في صدر الاسلام، و التحريم يوم خيبر، و الاباحة يوم أوطاس، و التحريم بعدها مؤيدا، و الأذن بها في حجة الوداع و المنع عنها فيها كما قال، بل اختلفت في وقت النسخ أكثر من ذلك، ففي بعضها انه كان يوم خيبر و كان في المحرم سنة سبع و في بعضها في عمرة القضاء و كانت في ذي‌الحجة سنة سبع، و في بعضها يوم الفتح بعد أن أباحها، و كان الفتح لعشر بقين من رمضان سنة ثمان، و في بعضها في غزاة حنين و كانت في [ صفحه 323] شوال سنة ثمان، و في بعضها عام أوطاس بعد أن رخص فيها ثلاثة أيام، و كانت أوطاس في شوال بعد حنين بقليل، و في بعضها في غزوة تبوك، و كانت في رجب سنة تسع، و في بعضها في حجة الوداع بعد أن أباحها، و كانت سنة عشر فعلي هذه الروايات تكون قد أبيحت و نسخت في سنة سبع، و ثمان، و عشر سبع مرات لا مرتين فقط كما قال بعضهم. و بين حنين و فتح مكة نحو من شهر، فتكون قد أبيحت و حرمت في شهر مرتين، و باضافة أوطاس تكون قد حرمت و أبيحت في نحو من شهر ثلاث مرات، فهذا الاختلاف العظيم أمارة علي بطلان أحاديث التحريم، و لزوم التمسك بالاباحة المعلومة لا علي بطلان أصل الاباحة فانها معلومة من الشرع لا تتوقف علي هذه الأحاديث. و أمر المتعة علي ما رووه حقا أنه لغريب، ولكن أمر غرابته ليس بعجيب، فانهم أرادوا أن يصححوا ما لا يمكن أن يصح فوقعوا في هذه الغرابة التي اعترف بها هذا الرجل، و أجراها الله لسانه من حيث لا يشعر و ان كان قد تقدمه غيره، فقالوا: ان أمر المتعة من غرائب الشريعة. و أغرب من أمر المتعة أمر هذا الرجل، فانه الذي ينبغي أن يقال فيه أن أمره من أغرب الأمور فانه خالف اجماع المسلمين، و قال: ان المتعة لم تكن مباحة في شرع الاسلام أصلا، و حمل الأحاديث الواردة فيها في الصحاح - التي يقول عنها أنه لم يبق فيها زيف و لا دخيل - علي الوهم، و حكي عن جماعة من الصحابة و جماعة من التابعين و جماعة من فقهاء مكة منهم ابن‌جريح و عن أهل الحجاز القول بها كما سمعت، و هو يقول لم تكن مباحة في شرع الاسلام أصلا، و قد تبين بما ذكرناه - تبينا لا يذر من ريب لمن عنده أدني تثبت و انصاف - أن نكاح التمتع وقع في صدر الاسلام باجماع المسلمين باذن الشارع و علمه، و أن القول بعدم وقوعه مخالف للاجماع، و مكذب للروايات الواردة في الصحاح، و قدح في أكابر الصحابة، و أن انعقاده نكاح دوام نوع من الهذر لم يرد به خبر و لا أثر سواء أكان النكاح من أقوي العقود أم لا. [ صفحه 324]

ثبوت المتعة بالقرآن الكريم

أنكر هذا الرجل كعادته في انكار المسلمات و الاجماعيات أن تكون المتعة ثبتت بالقرآن، و تشدد في ذلك، و أطنب، و أساء القول، و كرر الشي‌ء الواحد عدة مرات في عدة مواضع من «وشيعته» البالية بغير جدوي كعادته الممقوتة. فقال (ص 164): «ليس بيد الشيعة في حل المتعة دلالة أو آية الا (فما استمتعتم به منهن) و في (ص 208): «حيث ان متعة الشيعة كبيرة الا علي فقهاء الشيعة ثقيلة في السماوات و في الأرض، و اسنادها الي الكتاب المبين عيب شديد علي الدين، و اهانة لنساء المسلمين رأيت من موجب الأدب أن انبسط بالكلام عليها ببيان سهل يفيده الكتاب و أصول الشريعة»، و في (ص 32): «ادعي مدع أن المتعة كانت حلا باذن الشارع فلتكن، و لنقل أن لا بأس بها و لا كلام في هذه علي ردها و انما كلامي الآن علي أنها ثبتت بالقرآن الكريم أولا. كتب الشيعة تدعي أن نزل فيها قول الله جل جلاله: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) [النساء / 24]و أري أن أدب البيان يأبي، و عربية هذه الجملة الكريمة تأبي أن تكون هذه الجملة الجميلة الكريمة نزلت في المتعة؛ لأن تركيب هذه الجملة يفسد، و نظم هذه الآية الكريمة يختل لو قلنا: انها نزلت فيها». و (في ص 159): «و أي كلمة يمكن أن تكون أضيع من آية (فما استمتعتم) [النساء / 24]لو قلنا ان الله قبل أن يتم بيان حكم أخذ في بيانه ترك الكلام أبتر و عجل ليرضي شيعة علي، كما عجل موسي ليرضي ربه، فأخذ في بيان متعة الشيعة خوفا من ضياع كف من بر، و حفنة من شعير». و في (ص 163): «هل يمكن أن يكون متكلم أعجمي يعرف شيئا من البيان يقطع كلامه قبل اتمامه، و يطفر طفرة عصفور، و يأذن أن يسفد سفاد عصفور مقابل كف من بر، و يطيل الكلام في أجر السفاد، ثم يقول: (و من لم يستطع منكم طولا) [النساء / 25]هل يكون مثل هذا الكلام كلام عاقل له شأن». و (في ص 167): [ صفحه 325] «قال تتفلسف كتب الشيعة، تروي عن هشام بن الحكم أن الله أحل الفروج للرجال علي حسب القدرة أربعا للقادرة علي مهورها، و امساكها، و نفقاتها، و لمن دونه في الغني و القدرة ثلاثا، و اثنتين، أو واحدة، و من لا يقدر علي مهر حرة و نفقتها، فمما ملكت يمينه، و من لا يقدر علي حرة، و لا امساك مملوكة، فله المتعة بأيسر ما يقدر عليه من مهر بلا لزوم امساك، و لا نفقة يغني الله كل واحد عن الفجور بما أعطاه من القوة». و (في ص 168 - 167): «هذه فلسفة بديعة و صنيعة جيدة اجتماعية لو قيلت في غير شرع القرآن، أما في شرع القرآن فهي فلسفة مزخرفة محرمة تحرف القرآن مثل سائر تأويلات الشيعة و تنزيلاتها، فآيات القرآن في قوله (و المحصنات من النساء) [النساء / 24]الي قوله (غير مسافحين) ذكر النكاح المطلق الذي ينبني عليه نظام البيت و العائلة و المجتمع، ثم فرع عليه شرطية الاستمتاع بالنكاح المذكور من الأزدواج فقط، ثم قال من غير فاصل (و من لم يستطع منكم طولا) [النساء / 25]الي قوله (و لا متخذات أخدان» فالاستمتاع المذكور من بين هاتين الآيتين لا يمكن أن يكون متعة الشيعة - علي حسب هذه الفلسفة - الا اذا اختل نظام الآية، و بطل ترتيب البيان في القرآن، و هي توجب أما اختلال نظم الآية و بطلان ترتيب البيان و أما أن يكون تفلسف الشيعة هباء منبثا فمتعة الشيعة جفاء مجتثا»، و (في ص 122 - 120): «مادة المتعة نزلت في آيات كثيرة بمعان أصلها واحد: متعة التسريح باحسان، متعة الحج، الانتفاع بطيبات الرزق». ثم قال: «و من عجيب اعجاز القرآن أن المتاع و باب التفعل و التفعيل فيه قد جاء في القرآن لانتفاع موقت، و لم يجي‌ء الاستمتاع فيه الا في الانتفاع الدائم الذي لم ينقطع الا بانقطع حياة الدنيا: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها) [الأحقاف / 20]أما متعة النكاح، و نكاح المتعة فلم ينزل قرآن فيها و فيه، و لبيان هذا المعني عقدت هذا الباب». و (في ص 140): «الكتاب الكريم يقول: (محصنات غير مسافحات و لا متخذات أخدان) [النساء / 25](محصنين غير مسافحين و لا متخذي أخدان) [المائدة / 5]و نكاح المتعة لا احصان به، و المتعة فيها سفاح ماء في غير حرث، و المتعة فهي اتخاذ خدن في كلا الطرفين فهي حرام بنصوص القرآن الكريم». [ صفحه 326] و في (ص 148 و 149): «مهما أنكر ملأ شيئأ فلا أنكر علي الشيعة أن تتبع الظن، و تعيد ما تهوي الأنفس، و تهتوي حيث تستهويها دعوي الولاية، و تفتري علي العصر الأول، و تقول علي الله و علي دين الله كل ما يوحيه عشق الوضع، و هوي التقية ما أنكر شيئا من ذلك لها دعاويها؛ انما أنكر القول بأن متعة الشيعة نزل فيها القرآن الكريم، ثم استبعد غاية الاستبعاد أن يكون مؤمن يعلم لغة القرآن، و يؤمن باعجازه، و يفهم افادة النظم يقول: ان الآية نزلت في متعة النساء قول لا يكون الا من جاهل يدعي و لا يعي. ثم ان أصل الشيعة قد حصر الأدب في أعيان الشيعة، و احتظر أئمة الأدب في حظيرة التشيع، و احتكر البلاغة و الأدب في زريبة الترفض و التشيع، و جعل البلاغة سمة الترفض، و ميزة الشيعة، و بالغ و أسرف في هذه الدعوي و جعل خلافها مكابرة و عنادا للحق فلوا كان الأدب و البلاغة ميزة الشيعة فكيف أجمعت علي قول لا يكون الا من جاهل؟» و في (صفحة 140): «الكتاب الكريم يقول (محصنات غير مسافحات و لا متخذات أخدان) [النساء / 25](محصنين غير مسافحين و لا متخذي أخدان) [المائدة / 5]و نكاح المتعة لا احصان به. و المتعة فيها سفاح ماء في غير حرث، و اتخاذ خدن في كلا الطرفين، فهي حرام بنص القرآن الكريم». و ذكر (في ص 159 - 149): «محرمات النكاح في القرآن و ما يتبعها، و الطلاق قبل الدخول، و ما يتحقق به الاحصان، و أن معني السفاح الزنا، و الآيات المكني بها عن المواقعة (محصنين غير مسافحين و لا متخذي أخدان) [النساء / 25](فالآن باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم) [البقرة / 187](نساؤكم حرث لكم) [البقرة / 223]. و أطال في ذلك من دون جدوي في نحو من خمس أوراق، و تجاوز الحد في البذاءة و سوء القول»، ثم قال (ص 159 و 160): «فصرف ماء الحياة علي غير ما في هذه الآيات هو السفاح في وضع اللسان و أدب القرآن في عقد كان أو غيره: (و من يكفر بالايمان فقد حبط عمله و هو في الآخرة من الخاسرين)» [المائدة / 5]. [ صفحه 327] (و في ص 60): «فأي عمل في مسألة حل المحصنات يمكن أن يكون حابطا و هو في الآخرة خاسرا سوي سفح ماء الحياة في غير حرثه، و في غير ابتغاء ما كتب الله: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا) [الكهف / 103](أولئك الذين كفروا بآيات ربهم و لقائه فحبطت أعمالهم) [الكهف / 105]الآيات، و أي ضلال غشي أو يغشي قلب مسلم هو زعمه أن كل آية فيها ذكر الكفر أو الاستهزاء بآيات الله نزلت في غيره فقط يزعم أن حكمها لا يتناوله، و من يمكن أن يكون أكفر بالايمان في آية حل المحصنات من عاد يترك المحصنة، و يتمتع، و من يكون أكفر أو أهزأ الا من يؤمن بالله و كتابه، ثم يتركه، و ينبذه وراء ظهره، أو يضعه تحت قدميه يدوسه. نادت علي الدين في الآفاق طائفة: يا قوم، من يشتري دينا بدينار؟ جنت كبائر آثام و قد زعمت أن الصغائر تجني الخلد في النار و هذه بلية قد غمت و عمت و أعمت، سلكتها في قلوبنا كتب الكلام، ثم تكلم (ص 161) في المهر بما لا يرتبط بالموضوع بأنه يجب بنفس العقد و يكون معجلا و مؤجلا، ثم قال: و لبيان تمام العقد، و تقرر أثره قال: (فما استمتعتم به منهن) [النساء / 24]الخ (به) أي بهذا النكاح المتقدم بيانه منهن أي من الأزواج التي ملكت أيمانكم تمام عصمتهن. هذا معني هذه الجملة، و هي نص فيه، و سياق الكلام، و مقام البيان لا يحتمل أبعد احتمال غيره». و (في ص 161 و 162): «و لو كانت هذه الجملة لبيان متعة الشيعة لاختل نظام هذه الآيات الثلاث يعني: (و المحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم و أحل لكم ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) (فما استمتعتم) [النساء / 24]و لبقي الكلام الأول في أصل النكاح أبتر، و يبطل التفريع بالفاء، و لكان العقد و هو الأصل في المتعة غير مذكور في الكتاب». و (في ص 164): «ليس في الآية علي تفسير الشيعة الا تحقق الاستمتاع، و وجوب الايثار، بل لا يوجد فيها ما يدل علي وقوع العقد من الطرفين، و لا علي رضا المرأة، فان الاستمتاع، و ايتاء الأجر لا يكون الا بعد العقد و لا ذكر له في هذه [ صفحه 328] الجملة، و لكان اختلاف الضميرين في به (و منهن) لغوا و لكان قوله: (و لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) [النساء / 24]حشوا و لغوا اشتغالا بأمر تافه حقير بعد الاعراض عن الكلام في بيان أمر هو أهم ما ينبني عليه حياة الانسان. هذا لا يكون الا من باقل، و لا من باقل يبسط كفيه، و يفتح فكيه، يخرج لسانه ليقول بكف من بر أو بحفنة من شعير، ثم تكلم في بيان المهر بما لا يرتبط بالموضوع بأنه يجب بنفس العقد و يكون معجلا و مؤجلا و لبيان تمام العقد». و (في ص 162): «ثم قوله (فما استمتعتم به منهن) [النساء / 24]جملة شرطية و الشرطية اذا كان جزاؤها جملة انشائية يكون جزاؤها عمدة الكلام، و الشرط قيدا للحكم، فلو كانت هذه الجملة في حل متعة الشيعة لكان حق الكلام أن يكون فما آتيتموهن أجورهن فاستمتعوا منهن، و اذا أراد قائل أن يفيد حل المتعة فقال: ان تمتعت بها فأعط أجرها. كان ذلك قول أعجمي لا يفهم ما يقول كان عليه أن يقول ان أعطيت الأجر، فتمتع بها. هذه مسألة نحوية ابتدائية اكتبها و أنا خجل، كيف أمكن أن شيخا جليلا احتكر الأدب سمة للترفض و البلاغة ميزة للتشيع يقول: أن الآية نزلت في متعة الشيعة». و قال (ص 139 - 138): «من وجوه تحريم المتعة أن القرآن اذ ذكر حال من لا يستطيع طولا أن ينكح ذكر النكاح فقط، و لم يذكر الاجارة، و لم يذكر المتعة فقال: (و من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) [النساء / 25]فهذه الآية نص قطعي يحرم نكاح المتعة؛ لأن من لم يستطع طولا لو كان له المتعة بأجرة لذكره القرآن الكريم؛ و ألا يكون (كذا) القرآن قاصرا في بيان شرعه، و بهذا يحط الي دركة الصفر فلسفة فقهاء الشيعة». و قال (ص 163): «لو كان (فما استمتعتم به منهن) [النساء / 24]في حل المتعة بكف من بر، فكيف قوله بعد هذه الآية: (و من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما) [النساء / 25]و هي يتصور عاقل أن يكون الانسان عاجزا عن كف بر، ثم يشتري و يملك يمينه جارية؟ و مجرد [ صفحه 329] نزول آية: (و من لم يستطع) [النساء / 25](فما استمتعتم) [النساء / 24]يكفي في تحريم المتعة؟، فانها نقلت من لم يستطع أن ينكح المحصنة الي ملك اليمين، و لم يذكر له ما هو أقدر عليه من ملك اليمين، فلو كان التمتع بكف من بر جائزا لذكره، فلو حل تمتع لكان بيان القرآن قاصرا و الذي يبين غافلا نسي من ذكره قبل جملتين». و قال (ص 164): «آية: (فما استمتعتم به منهن) [النساء / 24]علي تفسير الشيعة ليس فيها الا تحقق الاستمتاع، و وجوب الايتاء، و ليس فيها ما يدل علي وقوع العقد من الطرفين، بل و لا علي رضا المرأة». و قال (ص 165): «أحسن الاحتمالات فيما ينسب للباقر و الصادق أن (فما استمتعتم به منهن) نزل في المتعة أن السند موضوع، و الا فالباقر و الصادق جاهلان. روي الوافي أن أباحنيفة سأل الصادق عن متعة النساء، أحق هي؟ فقال: سبحان الله أما تقرأ كتاب الله: (فما استمتعتم به منهن) فقال: و الله لكأنها آية لم أقرأها قط: هذه الحكاية كاذبة من غير شك لم يضعها الا أدعياء الشيعة، و نحن قبل أن نجل امام الأمة نجل امام أهل البيت من أن يقول قولا لا يقوله الا مدع جاهل، و أن يفتري علي كتاب الله». و قال ص 166: «لا يوجد في غير كتب الشيعة قول لأحد أن الآية نزلت في متعة النساء، و قد أجمعت الأمة علي تحريم المتعة، و لم يقل أحد أن الآية قد نسخت». و قال (ص 168):((و من لم يستطع طولا) فالقرآن الكريم قد نقله من نكاح الي نكاح (فأنكحوهن بأذن أهلهن) [النساء / 25]ثم لم يذكر في آية من الآيات حديث المتعة، و هي استئجار باتفاق كتب الشيعة لا وقت لها و لا عدد، و لو كانت نكاحا لما كان لصحاب الأربع أن يتمتع. و نقل القرآن من نكاح الي نكاح فقط أبطال للاستئجار، و اتفاق كتب الشيعة علي أن لصاحب الأربع أن يتمتع اتفاق علي أنها استئجار، والا بطل (فأنكحوا ما طاب لكم) [النساء / 3]الآية، فاتفقت كتب الشيعة علي بطلان متعة الشيعة بآيات القرآن و هم لا يشعرون». [ صفحه 330] و قال (ص 273): «أجمعت أمهات كتب الشيعة علي أن الآية نزلت في متعة الشيعة، و لا أتعجب من قولهم تعجبي من هذا الاجماع و من هذه الدعوي؛ فانه جهل باللغة عظيم، و غفلة عن أدب البيان كبيرة، و خطأ في فهم الكتاب فاحش أدبيا و منطقيا». و قال ص 185 - 184: «و أفحش خطأ عندي قول الشيعة التي لم تزل تقول ان الآية نزلت في متعة الشيعة، فان مثل هذا القول غفلة فاحشة عن مسألة نحوية ابتدائية بعد الاغراق في احتكار الأدب و البلاغة في زرائب التشيع، و هو بعد ذلك فرية علي الله، و علي القرآن الكريم، و علي أهل البيت و علي الأئمة». و نقول: أولا: كرر في ما نقلنا و في ما أعرضنا عن نقله قوله متعة الشيعة، و هي سيئة منه شنيعة، فهي متعة الدين و الاسلام، و متعة الله، و كتابه، و سنة رسوله صلي الله عليه و آله سلم، و أهل بيته الطاهرين عليهم‌السلام. و متعة أبي‌بكر، و عمر في بعض خلافته، و متعة الصحابة، و التابعين، و علماء المسلمين، كابن جريح، و أمثاله؛ و ان كره ذلك و أباه موسي تركستان. و قد بان بما ذكره سابقا و لاحقا من الأدلة بطلان قوله: ليس بيد الشيعة دليل سوي الآية. ثانيا: ان متعة الاسلام التي أحلها الله في كتابه، و أمر بها نبيه صلي الله عليه و آله و سلم، و فعلها أصحابه كبيرة علي هذا الرجل (و انها لكبيرة الا علي الخاشعين) [البقرة / 45](و ان كان لكبيرة الا علي الذين هدي الله) [البقرة / 143]. ثقيلة عليه، و كذاك الحق محمله ثقيل، و قد أسندها الي الكتاب المبين خيار صحابة النبي الأمين كابن مسعود، و أبي بن كعب، و ابن‌عباس، و غيرهم، و خيار التابعين كما يأتي، فجعل ذلك عيبا شديدا علي الدين ليس الا من قلة الدين جعل ما أباحه الله اهانة لنساء المؤمنين. فانه من أخلاق الجاهليين، و قد انبسط بالكلام عليها و أعاد الكرة مرة بعد مرة و مرات مستمرة تعصبا و عنادا و من دون فائدة و لا جدوي، و أساء القول و لم يأت بما يوجبه الأدب، و لم يزده هذا الانبساط الا انقباضا عن الحق، و لم يستطع لا ببيانه السهل، و لا ببيانه الصعب أن يثبت أن قوله مما يفيده الكتاب، أو ينطبق علي أصول الشريعة. [ صفحه 331] ثالثا: زعمه أن كتب الشيعة وحدها تدعي نزول الآية في المتعة، و أنه لا يوجد في كتب غيرها قول لأحد بذلك، كذب منه و افتراء، فقد شاركها في ذلك كتب أجلاء العلماء ممن تسموا بأهل السنة من المفسرين و المحدثين و غيرهم، و منهم الذين قالوا بنسخها بآية (الا علي أزواجهم) [366] فان القول بالنسخ اعتراف بنزولها في المتعة، و شاركها في ذلك أجلاء الصحابة و التابعين، فكل هؤلاء لا يعرفون أدب البيان و نظم القرآن، و يعرفه وحده موسي تركستان. ما سميت المتعة متعة الا تبعا لتسمية القرآن الكريم. و هذه كلمات من أشرنا اليهم ننقلها لتعرف مبلغ علم هذا الرجل و صدقه. روي الطبري في تفسيره أن ابن‌مسعود كان يقرأ (فما استمتعتم به منهن) الي أجل مسمي [367] و هو و ان كان خبر واحد لا يثبت به القرآن كما قال الطبري، أو من باب التفسير فهو يدل علي أنه كان يري أن الآية نازلة في المتعة، و قال الامام الرازي في تفسيره: روي أن أبي بن كعب كان يقرأ (فما استمتعتم به منهن) الي أجل مسمي و هذا أيضا قراءة ابن‌عباس. و يأتي قول عمران بن حصين: نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك و تعالي و عملنا بها مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلم تنزل آية تنسخها، و لم ينه عنها النبي حتي مات. [368] و روي الطبري أيضا في تفسيره عن أبي‌كريب، حدثنا يحيي بن عيسي، حدثنا نصير بن أبي‌الأشعث قال: ثني حبيب بن أبي‌ثابت عن أبيه عليه‌السلام و رواه الثعلبي في [369] تفسيره عن حبيب بن أبي‌ثابت عن أبيه: أعطاني ابن‌عباس مصحفا، فقال: هذا علي قراءة أبي. قال أبوكريب: قال يحيي: فرأيت المصحف عند نصير فيه (فما استمتعتم به منهن) الي أجل مسمي» و فيه بسنده عن أبي‌نصيرة، سألت [ صفحه 332] ابن‌عباس عن متعة النساء. فقال: أما تقرأ سورة النساء؟ قلت: بلي. قال: فما تقرأ فيها (فما استمتعتم به منهن) «الي أجل مسمي» قلت: لا، لو قرأتها هكذا ما سألتك. قال: فانها كذا أنزلت. و بسند آخر عن أبي‌نصيرة نحوه. و بسند آخر عن أبي‌نصيرة. قرأت هذه الآيات علي ابن‌عباس (فما استمتعتم به منهن) قال ابن‌عباس: «الي أجل مسمي» قلت: ما أقرؤها كذلك؟قال: و الله نزلها الله كذلك ثلاث مرات، و بسنده عن شعبة عن أبي‌اسحق عن عمير أن ابن‌عباس قرأ (فما استمتعتم به منهن) الي أجل مسمي»، و بسنده عن شعبة عن أبي‌اسحق عن ابن‌عباس نحوه. و بسنده عن قتادة قال في قراءة أبي بن كعب (فما استمتعتم به منهن «الي أجل مسمي» فآتوهن أجورهن) تفسير الطبري [370] و في الدر المنثور في تفسير كتاب الله بالمأثور للسيوطي: أخرج ابن أبي‌حاتم عن ابن‌عباس في حديث أنه كان يقرأ (فما استمتعتم به منهن) «الي أجل مسمي». قال و أخرج الطبراني، و البيهقي في سننه، عن ابن‌عباس (الي أن قال) و كانوا يقرؤون هذه الآية (فما استمتعتم به منهم) «الي أجل مسمي». قال: و أخرج عبد بن حميد، و ابن‌جرير، و ابن‌الأنباري في المصاحف، و الحاكم و صححه من طرق عن أبي‌نضرة [371] قال: (قرأت علي ابن‌عباس (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) قال: ابن‌عباس (فما استمتعتم به منهن) «الي أجل مسمي» فقلت: ما نقرؤها كذلك! فقال: ابن‌عباس: و الله لأنزلها الله كذلك، و أخرج عبد بن حميد و ابن‌جرير عن قتادة قال: في قراءة أبي بن كعب (فما استمتعتم به منهن) «الي أجل مسمي»، و أخرج ابن أبي‌داود في المصاحف، عن سعيد بن جبير قال: في قراءة أبي بن كعب (فما استمتعتم به منهن) «الي أجل مسمي»، و أخرج عبدالرزاق و ابن‌المنذر من طريق عطاء، عن ابن‌عباس: رحم الله عمر ما كانت المتعة الا رحمة من الله رحم بها أمة محمد، و لولا نهيه عنها ما احتاج الي الزنا الا شقي، قال: و هي التي في سورة النساء (فما استمتعتم به منهن) [ صفحه 333] الي كذا و كذا من الأجل، علي كذا و كذا... قال: و ليس بينهما وراثة، فان بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل فنعم، و ان تفرقا فنعم... و ليس بينهما نكاح. و أخبر أنه سمع ابن‌عباس يراها الآن حلالا. و هذه القراءة و لو قيل انها غير متواترة، و غير ما جاءت به مصاحف المسلمين - كما في تفسير الطبري - فانها تدل علي أن الذين قرأوا بها كانوا يرون أن الآية واردة في المتعة؛ و لعلها كانت من باب التفسير لا القرآن، و في شرح التحرير لشيخ الاسلام زكريا الأنصاري (ج 2 ص 195، طبع مصر) عند ذكر قوله تعالي: (و ان كان رجل يورث كلالة أو امرأة و له أخ أو أخت) الآية: المراد أولاد الأم بدليل قراءة ابن‌مسعود و غيره و له أخ أو أخت من أم و القراءة الشاذة كالخبر علي الصحيح. و قال: العلامة الشرقاوي في الحاشية، قوله: كالخبر، أي خبر الواحد في الاحتجاج بها. و حينئذ فلتكن هذه القراءة كخبر الواحد في الاحتجاج بها علي أن الآية نازلة في المتعة. و جماعة من أكابر العلماء كانوا يقولون بورود الآية في المتعة، رواه الطبري في تفسيره بسنده عن السدي و مجاهد [372] و أخرجه عبد بن حميد و ابن‌جرير عن مجاهد كما في الدر المنثور [373] و روي الطبري في تفسيره عن شعبة أنه سأل الحكم بن عتيبة عن آية: (فما استمتعتم به منهن)، أمنسوخة هي؟ قال: لا. قال الحكم: و قال علي: لولا أن عمر نهي عن المتعة، ما زني الا شقي [374] ، و هو كالصريح بأن شعبة و الحكم كانا يقولان بنزولها في المتعة، فشعبة انما سأله عن أنها منسوخة أم لا؟ أما كونها واردة في المتعة فكان مسلما عنده، و الحكم بجوابه أنها غير منسوخة علم أنها واردة في المتعة عنده، فظهر [ صفحه 334] أن قوله ينزل في جواز المتعة قرآن، محض تعصب و عناد و مصادمة للبديهة. و ان أكابر الصحابة و العلماء الذين اعترفوا بنزولها في المتعة هم أعرف منه و أدري باللغة و أدب البيان، و أن هذا الكلام ما دعاه اليه الا جهله و اتباع هواه قصدا لتصحيح قول من يعترف بعدم عصمته، و اذا كان الصحابة و التابعون و العلماء و المفسرون يقولون بنزولها في المتعة، و هو يقول لم ينزل في جوازها قرآن، فلم يبق الا أن ينزل عليه جبرئيل، و يخبره بذلك، أو يكلمه الله من وراء حجاب كما كلم موسي بن عمران. ثم أراد بتمحلاته التي صارت معروفة أن يجيب عن قراءة من قرأ الي أجل مسمي. فقال (ص 166): «نعم، روي في الشواذ زيادة «الي أجل مسمي» و لا ريب أن هذه الزيادة لم تكن الا علي سبيل البيان، و تفسير المعني من كتاب المصحف، أو من صاحب المصحف، و ما يراه صحابي أو تابعي ليس بحجة علي أحد، و لم تكن حجة علي أحد أصلا، لأن من نسبت اليه هذه الزيادة قراءته في الأسانيد المتواترة و في كل المصاحف بغير هذه الزيادة» و قال (ص 167): «تسمية الأجل شرط لا رخصة فيه عند الشيعة، و ان لم يسم أجل ينعقد دواما فسقوط «الي أجل مسمي» من التلاوة و من المصاحف يهدم مذهب الشيعة في متعة النساء؛ لأن ارتفاع شي‌ء بعدما ثبت يجتث كل آثاره ثم الأجل في المتعة أجل العقد و الزيادة الشاذة لو ثبتت لو تكون الا أجل الاستمتاع، و البون بين الأجلين أطول من بعد المشرقين، فعقد المتعة اذا انعقد ينعقد الي أجل رغما لهوي متمتع يتمتع ارغاما لمن حرمها لأن القراءة الشاذة ردت الأجل الي الاستمتاع لا الي العقد، و العقد الذي هزله جد اذا انعقد ينعقد عقب ثبات و دوام». و نحن يكفينا وجود هذه الزيادة في مصحف أبي بن كعب و قراءة بها و قراءة ابن‌مسعود و ابن‌عباس بها سواء أكانت قرآنا يتلي أم لا، لأنها تدل علي اعتقادهم أن الآية نزلت في المتعة، و هم الذين نزل القرآن بينهم و حفظوه و جمعوه، و ان كانت تفسيرا فالتفسير من أبي لا ممن كتبوا المصحف، و ان كان [ صفحه 335] منهم فهم أيضا من الصحابة، و هو يكذب زعمه أنه لا يوجد في غير كتب الشيعة قول لأحد أنها نزلت في المتعة، و يكذب أيضا دعاواه السابقة بأنه لم يقل أحد بنزولها في المتعة، ولكنه لا يبالي أن يكذب نفسه بنفسه، و قوله: الأجل شرط لا رخصة فيه «الخ» نوع من استدلالاته التي خص بها. نحن نقول: الآية واردة في المتعة سواء أقرئت «الي أجل مسمي» أم لم تقرأ، و نجعل قراءة من قرأ من الصحابة «الي أجل مسمي» دليلا علي أنه كان يري نزولها في المتعة، و سقوط «الي أجل مسمي» من التلاوة لا يفهم له معني، فمن قرأ بها قرأ بها طول حياته، و لم تسقط من تلاوته، و من لم يقرأ بها لم تكن في تلاوته من أول الأمر، فما معني سقوطها من التلاوة. و سقوطها من المصاحف؛ لأن رسم المصاحف علي غير هذه القراءة و هي القراءة المشهورة، فأين هو الشي‌ء ارتفع بعدما ثبت ارتفاع ليلة القدر؟ و الأجل في المتعة أجل العقد، و الأجل في قراءة من قرأ «الي أجل مسمي» و ان كان قيدا للاستمتاع الا أنه لا يخرج عن كونه أجلا للعقد، و الاستمتاع الي أجل لا يكون الا في العقد الي أجل الدائم، فالاستمتاع فيه غير محدود. هذا ان لم نحمل قوله (فما استمتعتم) علي ارادة فما عقدتم عقد متعة، فقوله: القراءة الشاذة ردت الأجل الي الاستمتاع لا الي العقد خال عن التحصيل، و قوله: البون بين الأجلين أطول من بعد المشرقين، أبعد عن الصواب من بعد المشرقين، و قوله: عقد المتعة اذا نقعد ينعقد لا الي أجل، قد عرفت فساده، فعقد المتعة لا يكون الا الي أجل، و العقود تابعة للقصود، فاذا انعقد انعقد الي أجل رغما لهوي متمحل يتمحل ارغاما لمن يخالف من حرم، و كذلك قوله: و العقد الذي هزله جد «الخ» مع أنه لا يزيد علي الاستدلال بعين الدعوي، و يشبه الهزل لا الجد. و كون ما يراه صحابي أو تابعي ليس بحجة علي أحد، صحيح، و لذلك لم يكن حجة علي أحد ما رآه بعض الصحابة من تحريمها، ولكن قوله هذا يناقض قوله السابق عند ذكر عصمة الخلافة الراشدة من أنه يعتبر سيرة الشيخين تعادل سنن النبي صلي الله عليه و آله و سلم في اثبات الأحكام الشرعية، و أن الخلافة الراشدة معصومة عصمة الرسالة، ولكن التناقض لا أهمية له عنده. و نحن لم نستند في الحل الي أقوال الصحابة في قراءتهم هذه الا لكشفها عن أن [ صفحه 336] الآية نزلت في المتعة، فيجب التمسك بها حتي يثبت الناسخ. و كونها ليست قرآنا غير معلوم بعد قراءة أبي، و ابن‌مسعود، و ابن‌عباس بها، و حلف ابن‌عباس أنا هكذا أنزلت، و كون من نسبت اليه قراءته في الأسانيد المتواترة بغير هذه الزيادة غير صحيح، فمن نسبت اليه لم يرو أنه قرأ بغيرها فضلا عن التواتر. نعم، الموجود في المصاحف بغير هذه الزيادة، فهل يوجب ذلك الجزم ببطلانها مع روايتها عمن ذكر، و تأكيد ابن‌عباس ذلك بالقسم، و قد ظهر أيضا فساد قوله: لم ينزل في المتعة قرآن. رابعا: قوله: و أري أن أدب البيان «الخ» هو من جملة آرائه التي علم حالها في ما مر و يأتي في مخالفتها العرف، و اللغة، و اجماع المسلمين، و العقول السليمة، و دعواه التي كررها مرارا و ضمنها ألفاظ الخشنة البذيئة بأن أدب البيان و عربية هذه الجملة و افادة النظم و لغة القرآن و اعجازه تأبي أن تكون هذه الآية نزلت في المتعة. و تعليله ذلك بلزوم اختلال نظم الآيات؛ بدعوي أنه لو كانت هذه الآية نزلت في المتعة، لكان الله تعالي قبل أن يتم بيان الحكم في أصل النكاح الذي أخذ في بيانه ترك الكلام أبتر، و عجل الي بيان حكم المتعة مع كونه اجتهادا في مقابل النص هو أوضح فسادا من أن يحتاج الي رد، و لبيان ذلك و غيره مما لا يزال يتغني به. نذكر ما جاء من الآيات الكريمة في أحكام النكاح: قال الله تعالي في أوائل سورة النساء: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني و ثلاث و رباع فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) [النساء / 3]فبين الدائم و ملك اليمين، ثم قال: (و آتوا النساء صدقاتهن نحلة فان طبن لكم عن شي‌ء من نفسا فكلوه هنيئا مريئا) [النساء / 4]فبين حكم المهر، و بذلك تم بيان قسمين من النكاح: نكاح الحرة الدائم و ملك اليمين، ثم بين بعد آيات كثيرة مثل آيات المواريث و غيرها محرمات النكاح من النساء، و الرضاع، و المصاهرة. فقال: (و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف) [النساء / 22](حرمت عليكم أمهاتكم) الي قوله (و أن تجمعوا بين الأختين الا ما قد سلف) ]النساء / 23](و المحصنات من النساء) ذوات الأزواج: (الا ما ملكت أيمانكم) [النساء / 24]من سبي من كان لها زوج، أو كان لها زوج فباعها. [ صفحه 337] (و أحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) بثمن أو صداق (محصنين غير مسافحين) [النساء / 24]فبين أنه يحل لهم أن يبتغوا بأموالهم ما عدا ما ذكر من المحرمات بشرط أن يكون نكاحا شرعيا لا سفاحا، و هذا شامل لأقسام النكاح الأربعة: نكاح الحرة، و الأمة دواما، و المتعة، و ملك اليمين. و لما كان الأول و الرابع قد نص عليهما فيما تقدم لم يحتج الي اعادتهما، و نص علي الثالث بقوله: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة و لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) [النساء / 24]و سمي المهر هنا أجرا، كما سمي المهر في الدائم صداقا، و بين حكم هذا المهر بأنه يجوز الحط منه بالتراضي، ثم بين حكم الرابع بقوله: (و من لم يتسطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) (الي قوله) (فأنكحوهن باذن أهلهن و آتوهن أجورهن بالمعروف) (الي قوله) (ذلك لمن خشي العنت منكم و أن تصبروا خير لكم) [النساء / 25]و بذلك تم الكلام علي جميع أقسام النكاح، فأين هو البتر الذي يحصل في الكلام، و اختلال النظم لو أريد بهذه الجملة المتعة لو كان يعقل ما يقول؟ فظهر أنه لا شي‌ء من أدب البيان، و لا نظم الآية يأبي ذلك، بل الأمر بالعكس، فان حملها علي الدائم، و حمل الأجور علي المهور يوجب التكرير بلا فائدة كما يأتي عن حكاية الامام الرازي، فان الدائم قد تقدم بقوله: (فانكحوا ما طاب لكم)، و المهور بقوله: (و آتوا النساء صدقاتهن) و المهر في الدائم يجب بالعقد لا بالاستمتاع فلا يصح جعل (فآتوهن أجورهن) لبيان مهر الدائم بخلاف المتعة، فان المهر لا يجب الا بالاستمتاع. هذا الذي ينافي أدب البيان و نظم الآية، و لو كان في دعوي نزولها في المتعة ما يوجب ما ذكره؛ لتفطن له العلماء السالفون، و ردوا به علي القائلين بحليتها، فانهم قد تشبثوا في ردهم بكل رطب و يابس؛ الا أن يكون قد اهتدي في آخر الزمان الي ما لم يهتد اليه علماء الصحابة، و التابعين، و باقي علماء المسلمين (فكم ترك الأول للآخر) كما ظهر أنه ان أريد بهذه الجملة المتعة لم يبق الكلام في أصل النكاح أبتر - و ان صورت له مخيلته ذلك تمحلا [ صفحه 338] و تعتنا - بل دعواه هذه بتراء نكراء. و لم يكن قد عجل ليرضي شيعة علي - التي تفتخر بأنها شيعته، كما عجل موسي تركستان الي البهت و السخرية بغير حق ليرضي هواه. و لا عجلة موسي بن عمران. و أنه لا يلزم من حمل الآية علي المتعة قطع كلام قبل اتمامه و لا طفرة عصفور و لا وثبة ليث هصور. و ما اذن الله فيه لا يسوغ لذي دين أن يعبر عنه بعبارت السخرية و الاستهزاء. و المتعة مما أذن الله تعالي فيه بالأدلة القاطعة سواء أسماها - بأدبه - سفاد عصفور أم ملك بأعلي القصور، فالأحكام الشرعية لا تثبت و لا تنفي الا بالدليل لا بمثل هذه الكلمات التي لا تشين الا قائلها. و ان قوله: و يطيل الكلام في أجر السفاد ما هو الا اعتراض علي الله تعالي، وتهجين لكلامه، و سخرية من أحكامه، و لا يكون مثل هذا الكلام كلام عاقل و لا متدين و لا كلاما له شأن، و لا كلام من يعرف شيئا من أدب البيان، و أي كلمة يمكن أن تكون أضيع من آية يتلاعب بها علي مقتضي هواه، و يحملها علي مشتهاه. و حفنة بر و كف شعير هي كتعليم السورة قد جاءت بها صحاح الأخبار كما يأتي و جوزها الشارع مهرا لهما، و الشرع جاء ببيان حكم الخطير و الحقير، و قد حكي هو فيما مر أنه قيل لعمر: كانت المتعة رخصة من الله نستمتع بقبضة و نفارق عن ثلاث، فقال: فالآن من شاء نكح بقبضة و فارق عن ثلاث بطلاق، و ان تمحل له هناك بأنه كان ينعقد دائما؛ لكنه يكفينا كون الدائم يكون بقبضة، فابرازه بمعرض السخرية ما هو الا استهزاء بأحكام الله (فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون) [الانعام / 5]و آية (و من لم يستطع) [النساء / 25 يأتي الكلام عليها. و ما حكاه عن هشام بن الحكم بيان شاف واف تام لا بيان أتم منه موضح للحكمة البالغة في أحكام الشريعة الاسلامية، و مبين أنها أرقي الشرائع و أسماها، و أشدها قمعا لمادة الزنا و الفجور بحيث لا تدع مجالا لمرتكبه؛ الا أن يكون لا يبالي بمعصية الله، و يختارها عفوا مقدما للحرام علي الحلال، و للفجور علي العفاف. و هذا البيان كسائر بيانات الشيعة و فرائد علومهم التي [ صفحه 339] ورثوها عن أهل بيت الوحي، و معادن العلم لا يصل الها هو و لا من فوقه، و ابرازه لها في معرض النقد و العيب لا يضرها. فكم من عائب قولا صحيحا و آفته من الفهم السقيم [10] . و فلسفته التي زخرفها ردا علي ما قاله هشام بأن حمل (فما استمتعتم) [النساء / 24]علي النكاح الي أجل يحرف القرآن، و يخل بنظم الآية، و يبطل ترتيب البيان البيان قد ظهر مما مر في الأمر الرابع انها فلسفة مزيفة لم تكن الا هباء منبثا و جفاء مجتثا و تحريفا لكلام الله عن مواضعه. خامسا: اذا ورد لفظ الاستمتاع في آية في الانتفاع الدائم في الحياة الدنيا، فهل يجب أن يكون كل لفظ استمتاع كلذلك؟ علي أن الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا ليس كلهم كان استمتاعهم بها دائما، و يأتي في أحاديث البخاري و مسلم و غيرهما التعبير عن المتعة بالاستمتاع، ففلسفته هذه واهية باردة. سادسا: معني (محصنات) متزوجات غير زانيات، أو عفائف غير زوان. و معني (محصنين غير مسافحين) متزوجين غير زانين، أو أعفة غير زناة كما قاله المفسرون، و هو الذي يظهر من اللفظ. (و لا متخذات أخدان). (و لا متخذي أخدان) أي أخلاء في السر؛ لأن الرجل منهن كان يتخذ صديقة فيزني بها، و المرأة تتخذ صديقا فيزني بها، و عن ابن‌عباس: كان قوم في الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا و يستحلون ما خفي من، فنهي الله عن الزنا سرا و جهرا بقوله: (الفواحش ما ظهر منها و ما بطن) [الأعراف / 33] [11] فمعني غير مسافحات و لا متخذات أخدان غير زانيات لا سرا و لا جهرا، و بذلك ظهر حال هذا الرجل في استدلالاته، و ظهر كذب قوله نكاح المتعة لا احصان به. المتعة فيها سفاح ماء في غير حرث. المتعة اتخاذ خدن في كلا الطرفين، و ترتيبه علي ذلك أنها [ صفحه 340] حرام بنص القرآن هذا القياس أو الأقيسة التي رتبها من الشكل الأول لا ينقصها في صحة الاستدلال بها الا أن الصغريات فيها كاذبة. الاحصان النكاح بعقد صحيح و من الذي قال لك: المتعة لا احصان فيها. السفاح الزنا مقابل النكاح الصحيح، و من أخبرك أن المتعة سفاح و الأخدان الأصدقاء؟ و من أين علمت أن المتعة اتخاذ أخدان في كلا الطرفين؟ هذا نموذج من علم هذا الرجل و احتجاجه بعين لدعوي، حكي الفخر الرازي في تفسيره عن أبي‌بكر الرازي أنه استدل علي أن ليس المراد من الآية نكاح المتعة بأن قوله (غير مسافحين) سمي الزنا سفاحا لأنه لا مقصود فيه الا سفح الماء و لا يطلب فيه الولد و سائر مصالح النكاح. و المتعة لا يراد منها الا سفح الماء، فكانت سفاحا. و أجاب الفخر الرازي عن ذلك بأن المتعة ليست كذلك، فان المقصود منها سفح الماء بطريق مشروع مأذون فيه من قبل الله، فان قلتم: المتعة محرمة، فنقول: هذا أول البحث، فلما قلتم: ان الأمر كذلك، فظهر أن هذا الكلام رخو. [12] . كما ظهر كذب قوله: المتعة سفاح ماء في غير حرث، فان السفاح هو الزنا و المتعة اذا كانت حلالها فمن يسميها سفاحا مفتر علي الله و رسوله. و هي قد تكون في حرث يقصد به النسل و قد لا تكون كذلك كالنكاح الدائم للولود و العاقر، و كذب قوله هي اتخاذ خدن في كلا الطرفين، فالمراد بالأخدان كما عرفت الأصدقاء في السر لأجل الزنا، و المتعة نكاح بسنة الله و رسوله فجعلها زنا رد علي الله و رسوله، و ادعاء أنها حرام بنص القرآن الكريم افتراء علي القران الكريم. (و من أظلم ممن افتري علي الله كذبا أو كذب بآياته انه لا يفلح الظالمون) [الأنعام / 21]. سابعا: قوله و ما أنكر (م الأشياء) الخ، فنحن مهما أنكرنا من شي‌ء فلا ننكر عليه اتباعه الأوهام في «وشيعته» فليس عنده غيرها، و أن يتبع تقليده و يعبد [ صفحه 341] هواه و أن يهتوي حيث تستهويه دعوي التعصب و العناد، و أن يفتري علي العصر الأول، فيزعم أنه مقدس و علي الأمة فيدعي أنها معصومة، و أن يقول علي الله و علي دين الله، كل ما يوحيه عشق التقليد، و الوضع، و هوي التعصب لا ننكر شيئا من ذلك عليه له دعاويه، بل لا ننكر عليه انكاره أن تكون الآية نزلت في متعة النساء، و مبالغته في ذلك بتلك العبارات الشنيعة التي نضح بها اناؤه، و اطالته، و تكريره الذي يوجب التهوع، و لا تفاصحه بوضع (م الأشياء) مكان من الأشياء، ليقود الفصاحة و الأدب الي حظيرة تنصبه و يودعه زريبة تنصبه، و لا نعجب من مخالفته اجلاء الصحابة، و اجلاء العلماء من أهل نحلته الذين قالوا بنزولها في متعة النساء. و لازم كلامه أن لا يكونوا من المؤمنين الذين يعلمون لغة القرآن، و يؤمنون باعجازه، و يفهمون افادة النظم، و عليهم نزل و هم تراجمته، و أن يكونوا عنده جهلاء يدعون و لا يعون، و هو أحق بذلك منهم، و من كل أحد لا نعجب من شي‌ء من ذلك، و لا نستبعد صدرو أمثاله منه بعدما ظهر من مخالفته الاجماعات، و المسلمات، و انكاره البديهيات، بل مخالفته ضرورة الدين في توريث أولاد الأولاد مع الأولاد و أنه يدعي و لا يعي، و انكار تميز الشيعة في الأدب، و البلاغة و فضلهم علي الأدب العربي لا يكون الا من جاهل و لا يمكن أحدا انكاره مهما تعصب و تنصب، و جعل قلة الأدب سمة للنصب، و احتكره في زريبته (و هل تري من أديب غير شيعي). و الشيعة لا تتبع الظن، و لا تتبع الا الدليل القاطع كما يعلم من حالها في الأصولين، و انما هو يتبع الأوهام و لا تعبد الا الله لا الهوي و العصيبة للباطل كما هو دأبه... و هي تفتخر و تعتز بولاية أهل بيت نبيها عليهم‌السلام عن ايمان و عقيدة لا عن دعوي كاذبة كما هو شأنه، و بولاية من قال فيه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه» [13] و لا تفتري علي الأعصار، و لا تقول الا بما صحت به الأخبار، و لا تقول علي الله و علي دينه الا الحق هي أورع و أتقي [ صفحه 342] و أخوف لله من أن تفتري أو تقول غير الحق، ورثت ذلك عن أئمتها و أهل بيت نبيها، أهل الورع و الصدق و التقوي، لا تستحل وضعا و لا كذبا و هي غنية عن الوضع بما ورثته عن مفاتيح باب مدينة العلم و معادن الحكمة و شركاء القرآن. و التقية التي نزل بها القرآن و أمر بها عمار و هي دين أولياء الله في كل عصر و متبع كل هذي عقل لا يعيب بها الا رقيق الدين، عظيم الجهل. (و من لا يستطع طولا) [النساء / 25]قد نقله القرآن من نكاح الي نكاح، ولكن هو حجر عليه غير ذلك النكاح الذي نقله اليه؟ كلا، اذ لا يدل القول بأن من لا يتمكن من نكاح الحرائر دواما فلينكح الاماء علي حرمة نكاح الحرائر و الاماء متعة بشي‌ء من الدلالات كما يأتي. كما لا يدل قولنا من لم يمكنه لباس الحرير فليلبس القطن علي أنه يحرم عليه لباس الكتان. فاذا دل دليل علي جواز لبس الكتاب لم يكن منافيا، و كان الحاصل أن من لم يتمكن من الحرير له لبس القطن أو الكتان، و حديث المتعة فيه أنه قد ذكره قبل ذلك بقوله (فما استمتعتم) فلم يحتج الي ذكره بعد، و ليست هي استئجار بل نكاح بمهر الي أجل باتفاق كتب الشيعة و علمائهم، و شبهها بالاستئجار لا يجعلها استئجارا حقيقة و لا تنعقد بلفظ الاستئجار اجماعا و الله تعالي يقول: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) [النساء / 24]و هو عنده وارد في النكاح الدائم، فهل هذا يجعل النكاح الدائم استئجارا. و زعمه أنها لو كانت نكاحا لما كان لصاحب الأربع أن يتمتع، لا دليل عليه. فالنكاح في الشرع قسمان: دائم منحصر في الأربع، و الي أجل غير منحصر فيهن، كما أن الوطأ بملك اليمين نكاح شرعي و لا ينحصر في عدد فبطل قوله، و نقل القرآن من نكاح الي نكاج فقط ابطال للاستئجار. و اذا كان نقلا من نكاح الي نكاح فقط فان المتعة نكاح فقط، و ليست باستئجار كما عرفت و لا يستلزم ذلك بطلان (فأنكحوا ما طاب لكم) [النساء / 3]الآية، باختصاصه بالدائم. فأين هو اتفاق كتب الشيعة علي بطلان المتعة بآيات القرآن. ولكنه هو قد اعتاد أن يبطل كلامه بكلامه و هو لا يشعر. ثامنا: ما أطال به من ذكر محرمات النكاح و ابتعه به ما هو الا كرحي [ صفحه 343] تطحن قرونا كأكثر ما أطال به في «وشيعته» فسفح ماء الحياة علي غير ما أحله الله هو السفاح، و قد أثبتنا بالبراهين القاطعة أن المتعة مما أحله الله فمن يجعلها سفاحا فقد رد علي الله حكمه و كفر بالايمان و حبط عمله، و كان من (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) [الكهف / 104]و ليس بيد من حرمها دليل سوي تحريم بعض الصحابة و سوي روايات متناقضة متدافعة، فان كان بوسعه اثبات تحريمها بدليل غير ذلك فليأت به و له الفلج. أما هذه الجعجعات و الكلام البذي‌ء فهي سلاح العاجز، و آيات الذم التي أوردها هم بمضمونها أحق، و هي به أليق، و أضر ضلال غشي أو يغشي قلبه ان كان يزعم أن الآيات التي ذكرها نزلت في غيره فقط و حكمها لا يتناوله، و من يمكن أن يكون أكفر في آية حل (المحصنات) من عاد يصرفها عن وجهها و يحملها علي غير ما أريد بها، و يحرم ما أحله الله بغير دليل، بل بشهوة النفس، و التعصب، و العناد، و العداوة. و قد بان بما ذكرناه من هو الذي يترك كتاب لله و ينبذه وراء ظهره أو يضعه تحت قدميه و يدوسه و أحق مما أنشده يقال له: قد أرخصت دينها في الناس طائفة بدرهم لم تبعه أو بدينار لكن بشهوة نفس و اتباع هوي فساقها سائق التقليد للنار و هذه بلية قد عمت و أعمت سلكها في قلوبهم التقليد و اتباع الأهواء لا كتب الكلام و ما ربط كتب الكلام بالمقام، كتب الكلام تشحذ الأفهام ممن تأمل و استقام. تاسعا: ما ادعاه من اللوازم الباطلة علي تقدير كون الآية في المتعة غير لزوم اخلال النظم و بقاء الكلام أبتر الذي تقدم من بطلان التفريع، و كون العقد غير مذكور و اختلاف الضميرين لغوا و (لا جناح عليكم) [النساء / 24]حشوا غير صواب (أما التفريع) بالفاء. فان قوله: (و أحل لكم ما وراء ذلكم) [النساء / 24]لما شمل الدائم و المنقطع اجمالا و كان حكم الدائم قد تقدم تفصيله صح تفريع حكم المنقطع علي ذلك الاجمال بقوله (فما استمتعتم) [النساء / 24]فكان تفصيلا بعد اجمال و أما عدم العقد من الطرفين و رضا المرأة فهو زعم [ صفحه 344] غريب زعمه عنا و في ص 164 - و لا غرابة في أمر هذا الرجل، فان معني (فما استمتعتم) فما تزوجتم به منهن و عقدتم عليه متعة، و هو دال علي العقد كما دل عليه (فانكحوا ما طاب لكم) فان كان ذلك قد ذكر فيه العقد، فهذا كذلك و ان كان ذكر ضمنا فهنا قد ذكر ضمنا و هو كاف و لو فرض أن (فما استمتعتم) معناه فما انتفعتم فهو دال علي العقد ضمنا أيضا سواء أحمل علي الدائم أم المتعة لا مناص عن ذلك، و الفقهاء استدلوا علي صحة جملة من عقود التجارة بآية (الا أن تكون تجارة عن تراض) [النساء / 29]و ليس فيها تصريح بالعقد، و جل آيات النكاح ان لم تكن كلها لم تدل علي وقوع العقد من الطرفين و لا علي رضا المرأة صراحة. (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) [النساء / 3](و أحل لكم ما وراء ذلكم) [النساء/ 24]. (فمن ما ملكت أيمانكم) [النساء / 25]. فهل هذا دليل علي جواز الاكراه في النكاح علي مقتضي علم هذا الرجل و فلسفته المعوجة. و ما في (فما استمتعتم) يجوز كونها شرطية و موصولية كما يفهم من العكبري في اعراب القرآن [14] و الأولي أن تكون موصولة مبتدأ عبارة عن النساء، و الضمير في به عائد عليها علي اللفظ و ما الموصولة و ان كانت لغير العاقل الا أنه يجوز استعمالها في صفات من يعقل و (من) في منهن للتبعيض حال من الهاء في به، و جملة فآتوهن خبر، و العائد ضمير النسوة، و يظهر من قوله: به أي بهذا النكاح المتقدم بيانه أنه جعل ما عبارة عن النكاح أي، فالنكاح المتقدم الذي استمتعتم به منهن، و حينئذ لابد من تقدير ضمير في جملة فآتوهن يعود علي المبتدأ أي فآتوهن أجورهن فيه أو لأجله، و لا يخفي ما فيه من التكلف المنافي لبلاغة القرآن و لو سلم فهو لا ينافي ورودها في المتعة كما لا يخفي، فالمعني الذي جعل الآية نصا فيه لتكون خاصة بالدائم لا تحتمله الا علي أبعد احتمال، و ذلك الاحتمال لا يجعلها خاصة بالدائم. و هكذا دأبه يدعي الاجماع في محل الخلاف و في محل الاجماع علي العدم، و النصوصية مع عدم الدلالة، و ينكر المسلمات، و يخالف الاجماعات بدون تحرج و لا مبالاة علي أن قراءة جماعة [ صفحه 345] من أكابر الصحابة و التابعين (الي أجل مسمي) كما مر دالة علي أنها عندهم واردة في المتعة، و هم أعرف بنصوص القرآن و ظواهره من كل أحد. و أما اختلاف الضميرين في به و منهن فانما هو لكون الأول راجعا الي ما الموصولة علي اللفظ أو الشرطية لا الي هذا النكاح كما توهمه، و الثاني راجع الي النساء، و لسنا ندري لماذا يكون اختلاف الضميرين لغوا ان أريد بها المتعة كما لا ندري لماذا يكون (لا جناح عليكم) «الخ» حشوا و لغوا و بيان الحكم الشرعي في أي شي‌ء كان حقيرا أو كبيرا لا يصح أن يقال عنه: انه اشتغال بأمر تافه فليس في الشريعة أمر تافه، و الأمر المهم الذي ينبني عليه حياة الانسان قد فرغ من بيانه و اشتغل ببيان غيره و قوله (و لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) راجع الي نكاح المتعة، فأل في الفريضة للعهد الذركي. في مجمع البيان قال السدي معناه لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من استئناف عقد آخر بعد انقضاء مدة الأجل المضروب في عقد المتعة يزيدها الرجل في الأجر و تزيده في المدة» [15] لكن الطبري في تفسيره روي عن السدي أنه: ان شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولي، يعني: الأجرة التي أعطاها علي تمتعه بها قبل انقضاء الأجل بينهما، فقال: أتمتع منك أيضا بكذا و كذا، فازداد قبل أن يستبري رحمها [16] و مراد السدي العقد عليها ثانيا، و لا يرد عليه ما أورده الطبري من فساد القول باحلال جماع المرأة بغير نكاح، و لا ملك يمين فانه [17] احلال بنكاح. و باقل مهما بلغت به البلادة فبسط كفيه و أخرج لسانه لما سئل عن ظبي بيده بكم اشتراه مشيرا بأنه اشتراه بأحد عشر درهما فقد الظبي لن يبلغ مدي هذا الرجل في تحكماته و تمحلاته و تقولاته علي الكتاب و السنة. [ صفحه 346] عاشرا: ما تحذلق به في أمر الجملة الشرطية التي جوابها انشاء، و أخذه الخجل من كتابة مسألة نحوية ابتدائية ظهرت له و خفيت علي من احتكر الأدب سمة للرفض و قال: أنه لا يصدر الا من أعجمي لا يعرف أدب البيان هو كسائر أقواله رقم فوق ماء، و العجمة ظاهرة في كلماته مثل: ادخاله ال علي براءة كما مر، و اللحن كثير في كلامه فيما لا يلحن فيه صغار الطلبة كما نبهنا علي جملة منه فيما مر، مما يدل علي جهله بأدب البيان، فهذه الجملة لم يعلم انها شرطية، بل يجوز أن تكون خبرية و ما موصولة كما مر، بل هو الأولي و علي فرض كونها شرطية، و كون عمدة الكلام هو وجوب المهر بالاستمتاع، فلا محذور فيه، فان حلية المتعة تفهم منه ضمنا. و نكاح المتعة كما مر داخل في عموم: (و أحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) [النساء / 24]و انما ذكر ثانيا لتفصيل ما أجمل كقولنا سيجيئك العلماء، فاذا جاءك زيد منهم فأكرمه، و ليترتب عليه حكم آخر بين بقوله: (و لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) [النساء / 24]كما مر فبعد ما بين النكاح اجمالا بقوله: (و أحل لكم ما وراء ذلكم) قال: (فما استمتعتم به منهن) فالقسم الذي كان نكاحه نكاح متعة و العقد عليه عقد متعة مما ابتغيتم بأموالكم يجب ايتاؤهن أجورهن حال كونها فريضة أي مفروضة لا يجوز غصب شي‌ء منها و منعه. و هذا ان حمل استمتعتم علي معني عقدتم عقد متعة، و ان حمل علي معني انتفعتم كما هو أصل معني الاستمتاع يكن المعني أنه يجب ايتاء الأجر عند حصول الاستمتاع لبيان أن الأجر يجب بالاستمتاع لا بمجرد العقد كما في الدائم، فانه يجب بالعقد وجوبا مراعي بعدم الطلاق قبل الدخول، و الا سقط النصف فاذا كانت الجملة في حلية المتعة فلا مناص عما عبر به فيها. و لو قيل فما آتيتموهن أجورهن فاستمتعوا منهن لكان كلاما ساقطا غير مفيد للمطلوب قول جاهل أعجمي لا يفهم ما يقول. و الحاصل: أنه قد بين في أول السورة النكاح الدائم: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) [النساء / 3]ثم وجوب ايتاء الصداق: (و آتوا النساء صدقاتهن) ثم محرمات النكاح ثم احلال ما عداها بنكاح دائم أو منقطع أو ملك يمين. ثم [ صفحه 347] وجوب ايتاء المهر في نكاح المتعة و جواز تجديده قبل انقضاء الأجل أو بعده بزيادة في الفريضة. و لو كان يعرف شيئا من أدب البيان لعلم أن حملها علي النكاح الدائم هو المنافي لأدب البيان و نظم القرآن، فانه اذا كان جزاء الجملة هو عمدة الكلام تكون عمدة هذه الجملة هي وجوب أداء المهور. و هذا قد تقدم بقوله (و آتوا النساء صدقاتهن) فيلزم التكرير لغير فائدة، و هو ما يأباه أدب البين و نظم القرآن. و الامام الرازي حكي الاستدلال علي نزولها في المتعة بأنه أوجب المهور بمجرد الاستمتاع، و الاستمتاع عبارة عن التلذذ و الانتفاع و الأجور في الدائم لا تجب علي الاستمتاع، بل علي النكاح - أي العقد - و لذا لزم نصف المهر بمجرد العقد. و انا لو حملناها علي الدائم لزم تكرار بيان حكم النكاح في السورة الواحدة، لأنه تعالي قال في أول هذه السورة: (فانكحوا ما طاب لكم) [النساء / 3]الخ ثم قال (و آتوا النساء صدقاتهن) [النساء / 4]بخلاف ما لو حملناها علي المتعة، فانه يكون حكما جديدا» و الذين قالوا بنزولها في متعة الاسلام هم: ابن‌عباس، ترجمان القرآن، و ابن‌مسعود [18] ، و أبي بن كعب الذي أمرالله رسوله أن يقرأ عليه، و لسدي، و مجاهد من أعلم الناس بتفسير القرآن. فليرفع عن نفسه هذا الخجل بموافقة هؤلاء للشيعة. و ليعلم أن المسائل النحوية الابتدائية و الانتهائية لم تكن لتخفي علي أقل طلبة الشيعة. حادي عشر: سواء أسمي المتعة اجارة أم نكاحا بأجرة تهجينا لأمرها تعصبا و عنادا للحق، أم ما شاء له هواه، أم نكاحا بمهر، فهي قد ثبتت بالكتاب و السنة كما عرفت. أما استدلاله بآية (و من لم يستطع منكم طولا) [النساء / 25]و زعمه أنها نص قطعي في تحريم المتعة علي عادته في دعوي القطع في ما لا يخرج عن الوهم، فالآية يراد بها ان من لم يستطع نكاح الحرائر لقلة طوله و قلة غناه، فليتزوج من الاماء لقلة مهورهن و نفقتهن و تكاليفهن. و ليس المراد النكاح بالشراء و ملك اليمين كما توهم لقوله تعالي بعد ذلك (فانكحوهن باذن [ صفحه 348] أهلهن و أتوهن أجورهن بالمعروف) [النساء / 25]و لو أريد الاستدلال بها بنحو آخر لعله قد استدل به غيره، فنقله و خلطه بغلطه هذا و هو أن الآية نقلت من لم يتسطع نكاح المحصنة الي نكاح الي ملك اليمين، و لم تذكر ما هو أقدر عليه من ذلك و هو المتعة الي آخر ما ذكره. و الجواب: يفهم مما مر في آية (و ليستعفف) [النور / 33]من أنها لا تدل علي حرمة المتعة و لا اباحتها بشي‌ء من الدلالات لا بمنطوق و لا بمفهوم و لا ربط لها بذلك بوجه من الوجوه، و انما هي مسوقة لبيان أن نكح الأمة دواما مشروط بعدم القدرة علي نكاح الحرة دواما. فمنطوقها ان من لم يستطع تزوج الحرائر دواما، و مفهومها أن من استطاع ذلك ليس له تزوج الاماء و لا دلالة لها علي شي‌ء وراء هذا من حلية المتعة أو حرمتها. فاذا وجد ما يدل علي حلية المتعة لم يكن معارضا لمفهوم الآية و لا لمنطوقها، فهي بمنزلة قولنا من لم يستطع أن يشتري البطيخ فليشر القثاء. فلا يدل علي أنه ليس له أن يشتري الخيار، فاذا وجد ما يدل علي اباحة شراء الخيار كان مقتضي الجمع بين الأدلة أن من لم يقدل علي شراء البطيخ له شراء القثاء أو الخيار. فالله تعالي أباح نكاح الحرائر دواما بمهر مطلقا و نكاح الحرائر و الاماء الي أجل بمهر مطلقا، و نكاح الاماء دواما بشرط عدم استطاعة نكاح الحرائر، و منع منه مع الاستطاعة و جوز نكاح الاماء بملك اليمين مطلقا. هذه هي أحكام النكاح التي بينها الله تعالي في كتابه لبس بينها تناف و لا تعارض لو كان يدري ما يقول. علي أن مهر الحرة في الدائم كما يمكن أن يكون قنطارا من ذهب يمكن أن يكون تعليم سورة و كفا من بر كما صرح به الخليفة، و أقل ما يتمول و مهرها في المنطق كما يمكن أن يكون كفا من بر يمكن أن يكون قنطارا من ذهب و كما يمكن أن لا يستطيع نكاح الحرة دائما لكثرة المهر أو لأمر آخر و يتمكن من نكاح الأمة يمكن ذلك في نكاحا متعة. فأسباب عدم الاستطاعة لا تنحصر في كثرة المهر و في النفقة كما مر في آية (و ليستعفف) و بذلك ينحط الي دركات ما تحت الصفر بكثير تفلسفه هذا البارد السخيف. ثاني عشر: قد بان بما ذكرناه سابقا و لا حقا من الأدلة بطلان قوله ليس بيد [ صفحه 349] الشيعة دليل سوي الآية، بل بيدها مضافا الي ذلك السنة و الاجماع علي المشروعية، و الخلاف في النسخ، و بأن بطلان قوله لا يوجد في غير كتب الشيعة قول لأحد أنها نزلت في متعة النساء، و يبطل قوله لم يقل أحد أنها نسخت أقوال من أجابوا عنها بأنها نسخت من علماء من تسموا بأهل السنة كما يأتي. و منهم ابن‌حزم في كتاب الناسخ و المنسوخ و هبة الله بن سلامة المفسر في كتاب الناسخ و المنسوخ المطبوع بهامش أسباب النزول للواحدي حيث قال: عند ذكر الآيات المنسوخة من سورة النساء: الآية العاشرة قوله تعالي في متعة النساء: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) [النساء / 24]نزل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم منزلا في أسفاره فشكوا اليه العزبة فقال: استمتعوا من هؤلاء النساء، فكان ذلك مدة ثلاثة أيام ولاء، فلما نزل خيبر حرمها و حرم لحوم الحمر الأهلية [19] ثم ذكر أنها نسخت بآية ميراث الزوجة [20] ثم حكي عن الشافعي أنها نسخت بآية (الا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) [المؤمنون / 6]

ثبوت المتعة بالسنة النبوية

المستفيضة بل المتواترة التي رواها أئمة الحديث في صحاحهم: البخاري، و مسلم، و أحمد بن حنبل، و النسائي، و غيرهم من أئمة الحديث الدالة علي اذن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فيها أو علي وقوع ذلك في عهد الرسالة و عهد الشيخين أو علي الاباحة، و أنه لم تنزل آية تنسخها و لم ينه عنها النبي صلي الله عليه و آله و سلم مدة حياته. روي البخاري في صحيحه بسنده عن جابر بن عبدالله، و سلمة بن الأكوع قالا: كما في جيش، فأتانا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال: «انه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا» [375] ، و روي مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبدالله، و سلمة بن الأكوع، قالا: خرج علينا منادي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال: ان رسول الله قد أذن لكم أن تستمعوا يعني متعة النساء [376] ، وروي مسلم في صحيحه أيضا بسنده عن سلمة بن الأكوع، و جابر بن عبدالله؛ أن رسول الله صلي الله عليه و آله سلم أتانا، فأذن لنا في المتعة [377] وروي البخاري في صحيحه في باب ما يكره من التبتل و الخصاء [ صفحه 351] بسنده قال: قال عبدالله: كنا نغزو مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ليس لنا شي‌ء، فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب، ثم قرأ علينا [378] (يا ايها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم([المائدة / 87]الآية. البخاري في باب قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله كم) نحوه [379] قال القسطلاني في ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري في ذلك الباب: و هذا الحديث أخرجه مسلم و النساء في التفسير [380] و قال أيضا في شرح الحديث: (عبدالله) ابن‌مسعود «أن تنكح المرأة بالثوب» أي الي أجل في نكاح المتعة، و قال في موضع آخر و هو نكاح المتعة (ثم قرأ علينا) أي عبدالله بن مسعود كما في رواية مسلم و كذا الاسماعيلي في تفسير المائدة. ثم قال: قال في الفتح و ظاهر استشهاد ابن‌مسعود بهذه الآية هنا يشعر بأنه كان يري جواز المتعة [381] مسلم في صحيحه بسنده عمن سمع عبدالله - يعني ابن‌مسعود كما سمعت - يقول: كنا نغزو مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ليس لنا نساء. فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب الي أجل. ثم قرأ عبدالله (يا أيهاالذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم و لا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين) [382] مسلم أيضا بسنده مثله الا أنه قال:ثم قرأ علينا هذه الآية. و لم يقل قرأ عبدالله [383] مسلم أيضا بسنده مثله الا أنه قال: كنا و نحن شباب، فقلنا: يا رسول الله! ألا نستخصي؟ و لم يقل: نغزو، قال النووي في [ صفحه 352] شرح صحيح مسلم: فيه أي في استشهاد ابن‌مسعود بالآية اشارة الي أنه كان يعتقد اباحة المتعة كقول ابن‌عباس و أنه لم يبلغه نسخها [384] و في تفسير الفخر الرازي روي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لما قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة، فشكا أصحاب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم طول العزوبة فقال: استمتعوا من هذه النساء [385] و في شرح النووي لصحيح مسلم عن القاضي عياض أنه قال: روي حديث اباحة المحتعة جماعة من الصحابة فذكره مسلم من رواية ابن‌مسعود و ابن‌عباس و جابر و سلمة بن الأكوع و سبرة بن معبد الجهني [386] و في صحيح مسلم بسنده عن عطاء: قدم جابر بن عبدالله معتمرا. فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء. ثم ذكروا المتعة. قال: استمتعنا علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أبي‌بكر و عمر [387] و في صحيح مسلم أيضا بسنده عمن سمع جابر بن عبدالله يقول: كنا نستمتع، بالقبضة من التمر و الدقيق، الأيام، علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و أبي‌بكر، حتي نهي عنه عمر، في شأن عمرو بن حريث [388] و هما صريحتان في بقاء المشروعية بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم مدة خلافة أبي بكر و شطرا من خلافة عمر. و في صحيح مسلم أيضا بسنده عن أبي‌نضرة: كنت عند جابر بن عبدالله. فأتاه آت فقال: ابن‌عباس و ابن‌الزبير اختلفا في المتعتين. فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ثم نهانا عنهما عمر. فلم نعد لهما [389] الامام أحمد بن حنبل في مسنده من مسنده عبدالله بن عمر بسنده عن عبدالرحمن بن نعم أو نعيم الأعرجي، سأل رجل ابن‌عمر عن المتعة، و أنا عنده، متعة النساء؟ فقال: و الله [ صفحه 353] ما كنا علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم زانين و لا مسافحين!! ثم قال: و الله لقد سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: «ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال، و كذابون ثلاثون أو أكثر» [390] الامام أحمد في مسنده أيضا من حديث عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك و تعالي و عملنا بها مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فلم تنزل آية تنسخها و لم ينه عنها النبي صلي الله عليه و آله و سلم حتي مات [391] و في تفسير الفخر الرازي عند ذكر الاحتجاج علي اباحة متعة النساء عن عمران بن الحصين أنه قال: ان الله أنزل في المتعة آية و ما نسخها بآية أخري و أمرنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بالمتعة و ما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه ما شاء يريد أن عمر نها عنها [392] وروي الثعلبي في تفسيره - كما في مجمع البيان - باسناده عن عمران بن الحصين، قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله و لم تنزل آية بعدها تنسخها، فأمرنا رسول الله، و تمتعنا مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و مات و لم ينهنا عنها. فقال بعد رجل برأيه ما شاء. [393] . فهذه الروايات تكذب دعاواه السخيفة كلها تكذيبا صريحا، فقول جابر: استمتعنا علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أبي‌بكر و عمر كنا نستمتع بالقبضة من التمر و الدقيق، الأيام، علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أبي‌بكر حتي نهي عنه عمر و قول ابن‌عمر لما سئل عن متعة النساء: و الله ما كنا علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: زانين و لا مسافحين يكذب دعواه أنه لم يكن في الاسلام نكاح متعة و أنها لم تقع من صحابي، و ما اشتملت عليه روايات جابر و سلمة من أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. أذن [ صفحه 354] لهم في متعة النساء و أمرهم بها و ما اشتملت عليه روايات عبدالله بن مسعود من أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم رخص لهم في نكاح المرأة بالثوب الي أجل و استشهاده بآية (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) [المائدة / 87]كله يكذب دعوي أنها لم تكن باذن من الشارع، و يسقط قوله: فدعوي اباحة الشارع لها في صدر الاسلام ساقطة، و كلها تكذب هذيانه بأنها من بقايا الأنكحة الجاهلية، و أنها كانت أمرا تاريخيا لا حكما شرعيا، و أنه ليس بيد أحد دليل باباحتها في صدر الاسلام. والحمدلله علي ما ظهر من أن ما حمدالله عليه و زعم أنه هداه اليه هو دعاوي مجردة قد قامت البراهين القطعية علي فسادها. و أراد أن يتمحل عذرا عن روايات ابن‌مسعود علي عادته فقال (في ص 130 - 128) ما حاصل مجموعه: «روي الامام الطحاوي في معاني الآثار عن عبدالله بن مسعود: كنا نغزو و ليس لنا نساء. فقلنا: ألا نختصي»، الحديث المتقدم،ثم قال: «هذا الكلام لفقته ألسنة الرواة من كلمات جرت في مجالس متفرقة علي حوادث مختلفة حفظ الرواي منها جواب النبي لقائل قد قال: ألا نختصي، و قد كان جواب النبي علي أسلوب حكيم يرشد المضطر الي ترك أشد الحرامين و لو بارتكاب الأخف، و كلام الحكيم في أمثاله لا يفيد احلال الأخف، و انما يرشد الي تقليل الشر عند الاضطرار الي أحد الشرين. قلت ذلك لأن ابن‌مسعود لم يغب في غزوة غيبة طويلة تضطره الي الاختصاء، و لأن قول الصحابة: ألا نختصي؟ يدل دلالة قطعية علي أن حرمة التمتع كانت معلومة مثل حرمة الزنا، و الا لما قال أجهل صحابي ألا نختصي و لأن أطول الغزوات غيبة عن المدينة مثل خيبر و الفتح و تبوك كانت بعد نزول: (و ليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتي يغنيهم الله من فضله) [النور / 33]و ابن‌مسعود كان أقوم الناس بأدب الدين و أطوعهم لأوامر الكتاب، و كان يعلم أن أمد الاغناء يمكن أن يمتد الي سنين فلم يمكن أن يقول صحابي له أدب خرج من بيته مجاهدا في سبيل الله ألا نختصي و هو يحفظ آية (و ليستعفف) و لم يغب عن زوجه الا أياما أو أسابيع، و هل كان ابن‌مسعود أفقر من أن يكون له كف من بر». ثم أعاد الكلام [ صفحه 355] في آية (و ليستعفف) فكرر و أطال بما يوجب الضجر و الملال من دون جدوي علي عادته السيئة، فذكرها (في ص 135 - 133 و في ص 139 و 164 و 169) أكثر من تسع مرات بمضامين متقاربة و نضح اناؤه بما فيه من سوء القول فقال ما ملخصه: قوله تعالي في سورة النور: (و انكحوا الأيامي منكم) [النور / 32]. (و ليستعفف نالذين لا يجدون). (و الذين يبتغون الكتاب) (و آتوهم من مال الله). (و لا تكرهوا فتياتكم) [النور / 33]هذه الآية الكريمة، وحدها تكفي أن تثبت أن المتعة كانت محرمة في صدر الاسلام تحريم أبد، و لو حلت لما كان لهذه الآية الجليلة و لا لجملة من جملها الخمس معني. الاستعفاف مبالغة التعفف، و من لم يتمكن من نكاح فعليه الاستعفاف حتي يمكنه الله و يغنيه من فضله، و لو حل تمتع لبطل هذا الأمر. و آية (و ليستعفف) نص قاطع محكم في تحريم المتعة تحريم أبد. و مجتهد الشيعة الذي تفلسف في توجيه هواه و مذهبه قد نسي و مر علي آية في القرآن الكريم و أعرض عنها. كأين من آية في القرآن الكريم و سنن أمة النبي الحكيم صلي الله عليه و آله و سلم يمرون عليها و هم عنها معرضون. هذه الآية تهدي من لا يجد نكاحا الي الاستعفاف حتي يغنيه الله لا الي التمتع و لا الي الاستئجار لا يتمتع و لا يمتع لا يستأجر و لا يؤجر الا مذهب الشيعة لا دين الكتاب الكريم و لا أهل بيت النبي الحكيم صلي الله عليه و آله و سلم. ثم أن كان جملة (و ما استمتعتم) في حل المتعة و لا يقوله الا باقل أو أعجمي جاهل، فأين كان الله الذي لا ينسي و أين كان قوله (و ليستعفف) هل نسيه أو نسخه؟ و جملة شرطية نزلت تفريعا في تصيل آيات النكاح، هل تنسخ آية فيها تأكيد حرمة النكاح و تقدسيه بايجاب الانتظار الي اغناء الله؟ و أي معني لقوله لا يجدون نكاحا حتي يغنيهم الله؟ لو حل تمتع بكف من بر أو بعدهم و أي حاجة الي الاستعفاف لو حل المتعة بوجه من الوجوه؟ فوجوب الاستعفاف عند العجز عن النكاح يناقض حل التمتع بينهما مناقضة منطقية و مراقبة عروضية و الله أرشد كل فقير الي النكاح بقوله (و انكحوا الأيامي) ثم أوجب علي نفسه اغناء الفقير في دوام العقد و الزيجة و لو جاز تمتع الشيعة لم يبق لهذه الآية شأن و لما كان لذكر آية الاستعفاف بعدها من مناسبة اعجازية أو أديبة تعالي: [ صفحه 356] كتاب الله و هو أجل قدرا من الأخبار عنه بالتعالي قال: و من كان الخاطب بآية (اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله) [آل عمران / 200]و قد نزلت قبل هذه الغزوات بمدة.و هل يمكن أن يوجد جزع أشد و أذم جزع مجاهد يقول: ألا نختصي، و هو يحفظ (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء و الضراء) [البقرة / 214]و هل يمكن أن يكون صحابة أفضل نبي أوهن و أوقح في جنب الله عند نبيه من أصحابه أي نبي كان و قد كانوا: رهبان ليل يذكرون كلامه آساد غاب في الوغي ينهار ثم تمضي عليهم سنون لا يجس في قلب أحد منهم واجس تمتع و لا داعية ميل الي زوجة. و مثل ابن‌مسعود في ورعه و دينه اذا اعتقد حرمة زنا و قال: ألا نختصي لا يمكن أن يعتدي علي القرآن يضرب بعض الآيات ببعضها يبتذل في سبيل سبقه آية (و لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم و لا تعتدوا) [المائدة / 87]، و أي فرق بين هذا الاعتداء و بين قول خليع يستحل زنا بغادة جميلة و يقول (لا تحرموا) و أقل صحابي (و لا أقل بين الصحابة) أجل من أن يبتذل آية مثل هذا الابتذال، فكيف ابن‌مسعود و هو أحفظ الصحابة و اقرأهم بلا استثناء و أعلم من أكثرهم و أشببهم أدبا و هديا بالنبي صلي الله عليه و آله و حصبه و سلم. و نقول: أولا: انه لم يرو ذلك الامام الطحاوي وحده، بل رواه قبل الطحاوي أصحاب الصحاح و غيرهم: الامام البخاري، و الامام مسلم، و الامام أحمد بن حنبل، و النسائي، و ابن‌ماجة، و غيرهم و هم الذين قال عنهم فيما يأتي عند ذكر متون الأحاديث أنهم أئمة الأمة، و ان لهم رواية محيطة، و دراية نافذة واسعة، و أنهم نقدوا الأحاديث نقد الصيارفة خالص النقود من زيوفها، و أنه ما فاتهم شي‌ء من سنن النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أحاديثه و أنه لم يبق في أحاديث الأمة زيف أو دخيل، و هنا يقول هذه كلام لفقته ألسنة الرواة من كلمات جرت في مجالس متفرقة علي حوادث مختلفة، و هل هذا الا قدح في نقد هؤلاء الأئمة للأحاديث [ صفحه 357] بأنه اختلط عليهم الأمر، فجمعوا كلاما لفقته ألسنة الرواة من كلمات جرت في مجالس متفرقة علي حوادث مختلفة لم يميزوا بينها فلفقوها و جمعوها، و هل هذا الا تناقض ظاهر و كم له في كلامه أمثال. ثانيا: لا أقبح و لا أبرد و لا أسخف من هذا العذر الذي اعتذره عن ترخيص النبي صلي الله عليه و آله و سلم لهم في النكاح بالثوب الي أجل، بأنه ترخيص في الزنا، لكونه أخف حرمة من الاختصاء فان هذا لا يصدر ممن عنده ذرة من معرفة مع أنه مناقض لما وصفهم به من أنها تمضي عليهم سنون لا يجس في قلب أحد منهم واجس تمتع و لا داعية ميل الي زوجة، و لما وصف به ابن‌مسعود من الورع والدين، فمن تكون هذه صفتهم، هل يتفوه من عنده ذرة من علم أو عقل بأنهم يقدمون علي الزنا، ثم يزيد بأن النبي صلي الله عليه و آله و سلم رخصص لهم فيه لأنه أخف حرمة من الاختصاء، هل يمكن أن يتكلم بمثل هذا مفلت من دبر هرقل و مناقض أيضا لأمر لله سبحانه و تعالي لهم بالصبر و المصابرة، ولكن التناقض في كلامه لا شي‌ء أرخص منه و أي حكمة في ذلك يمكن اسنادها الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هم لم يريدوا بقولهم ألا نختصي حقيقة، و انما أرادوا اظهار زيادة المشقة أي ماذا نصنع؟أنختصي! فلم يبق بيدنا شي‌ء نفعله الا الاختصاء كما يقول المتضجر: ماذا أفعل أأقتل نفسي؟ فالاضرار هنا الي أحد الأمرين يبيح الأخف ضررا منهما كانقاذ الأجنبية من الغرق المستلزم مس بدنها كما هو واضح. ثالثا: زعمه أن ابن‌مسعود و غيره لم يغب عن أهله غيبة طويلة في عهد الرسالة تضطره للاختصاء هو رد للآثار الثابتة بالاستبعادات و التأويلات الخارجة عن مداليل الألفاظ، و لو جاز التعويل عليها لم يسلم لنا حديث، فكل يؤل علي مشتهاه. ان الاختصاء لم ترد حقيقته كما عرفت، و هل كان مع الصحابة فعرف سرهم، و علانيتهم، و ظاهر أحوالهم، و باطنها، علي أن عوامل الطبيعة في مثل ذلك كما تكون مع الغيبة الطويلة تكون مع القصيرة أمثال الشهر و الشهرين و الأقل، و طبائع الأشخاص في ذلك مختلفة مع أن هذه الدعوي لو صحت لأبطلت عذره المتقدم من أن جواب النبي صلي الله عليه و آله و سلم كان أسلوب حكيم «الخ»، كما لا يخفي. [ صفحه 358] رابعا: أحكام الشريعة كانت تنزل تدريجا، فيجوز أن يكون حلية المتعة شرعة يومئذ، و بذلك يبطل زعمه أن قوله: ألا نختصي يدل علي أن حرمة التمتع كانت معلومة علي أن قد قال في ما مر: كانت في عهد الرسالة تثبت سنة و تخفي علي جماعة من الصحابة كثيرة و أن ابن‌عباس قد خفي عليه سنن في أبواب الربا و الصرف مع ما قيل عنه أن عنده ثلثي علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلابن مسعود أسوة به، فصح علي مقتضي قوله أن يكون التمتع مشروعا و خفي عن جماعة كثيرة من الصحابة، و لا ينافي ذلك ما وصف به ابن‌مسعود من صفات التعظيم.خامسا: ان صح أن أطول الغزوات كانت بعد نزول آية (و ليستعفف) لم يمنع ذلك أن يشكو ابن‌مسعود الي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم مشقة العزوبة، و يقول: ألا نختصي، و الأمر الطبيعي لا يتنافي مع القيام بأدب الدين و اطاعة أوامر الكتاب، و لا يرتبط بذلك و يمكن حصوله في المدة الطويلة و القصيرة، و لا يرفعه الأدب و لا الخروج للجهاد في سبيل الله، بل هو أمر قهري من لوازم الطبيعة يحصل للمجاهدين و القاعدين و المتأدبين و القليل الأدب و المطيعين لأوامر الكتاب و العاصين لها. فقول ابن‌مسعود أو غيره للرسول صلي الله عليه و آله و سلم: ألا نختصي، ليس عصيانا لقوله تعالي: (و ليستعفف) و لا خروجا عن أدب الدين، بل هو شكاية الي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كما يدل عليه ما في رواية أخري: شكونا الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم العزبة و من عادة الأتباع أن يشكوا الي متبوعهم كل ما ينوبهم خصوصا من هو أحني عليهم من الأب الشفيق و هم - كما مر - لم يريدوا حقيقة الاختصاء، بل اظهار زيادة المشقة و الضجر، فأرشدهم الي المتعة و أباحها لهم عن الله تعالي، فكانت شكايتهم سببا لحصول الفرج لهم. و اذا كان ابن‌مسعود يعلم أن أمد الاغناء يمكن أن يمتد الي سنين كان ذلك أدعي الي أن يشتكي الي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم العزبة و ابن‌مسعود لم يعلم بحلية المتعة قبل ذلك الوقت؛ فبطل قوله هل كان أفقر من أن يكون له كف من بر و آية (و ليستعفف) لا دلالة لها علي تحريم المتعة بشي‌ء من الدلالات، و لذلك لم يذكرها أحد في أدلته قبل [ صفحه 359] هذا الرجل مع تشبثهم في ذلك بكل رطب و يابس اللهم الا أن يكون وقع ذلك من أحد أمثاله، فهذا التكرار و التطويل و التهويش و التهويل من دون برهان و لا دليل لا يغني من فتيل و ان دلت علي وجوب الاستعفاف عن الزنا من الذين لا يقدرون علي التزوج لفقرهم حتي يغنيهم الله من فضله، فيتمكنون من مهر الزوجة و نفقتها، و المهر في كل من النكاح الدائم و المنقطع يجوز أن يكون كفا من بر أو درهما أو تعليم سورة أو قنطارا من ذهب، و قد أجمع المسلمون كافة علي أن كل ما يتمول يصح أن يكون مهرا في الدائم، بل يصح بدون مهر أصلا كما نطق به القرآن الكريم و يكون لها مع الدخول مهر المثل، و قد صرح الخليفة الثاني كما نقله هو في مامر بأن كفا من بر يصح أن يكون مهرا في النكاح الدائم، و اعترف هو أيضا في ما مر بأن أقوال الشيخين حجة كأقوال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كما أجمع كل من قال بنكاح المتعة أن كل ما يتمول يصح أن يكون مهرا قل أو كثر، ككف من بر، أو درهم، أو تعليم سورة، أو قنطار من ذهب. و كما يمكن أن لا يقدر المرء علي النكاح الدائم لفقره مع غلاء المهر، و كثرة النفقة، يمكن أن لا يقدر علي المنقطع لعدم رضا المرأة بمهر قليل أو عدم رضاها بالمنقطع أصلا و لو بمهر كثير أو عدم تمكنه و لو من القليل كدرهم أو درهمين، فيدخل تحت قوله لا يجدون نكاحا. و كما يمكن أن ترضي في المنقطع بمهر قليل ككف من بر أو درهم أو تعليم سورة، يمكن أن ترضي بذلك في الدائم و المنقطع و الدائم يشتركان في جوازهما بكل مهر و ان قل جدا أو كثر جدا و في امكان عدم القدرة علي النكاح لفقد المهر قل أو كثر و لو سلم ورود الآية في الدائم؛ لأنه الغالب لم يكن فيها دلالة علي حل المتعة و لا حرمتها؛ لأنها انما تدل علي وجوب الاستعفاف بترك الزنا عند عدم التمكن من الدائم. أما أن الزنا ما هو و بأي شي‌ء يحصل و أي نكاح صحيح و أي نكاح باطل فلا دلالة لها عليه. فاذا كان نكاح المتعة مباحا مع قطع النظر عن هذه الآية بما دل عليه لم يكن فعلها منافيا للاستعفاف و لا هذه الآية منافية لحليتها. فظهر بما ذكرناه أن ما يتفق به بقوله ان هذه الآية نص قاطع محكم «الخ» عار عن التحصيل و أن الآية لا ربط لها بما ذكره بوجه من الوجوه و أن قوله لما كان لهذه [ صفحه 360] الآية الجليلة و لا لجملها الخمس معني ليس له معني و أن جملها الخمس لا ترتبط بحيلة المتعة و لا بحرمتها أصلا، و أن هذا الذي تفلسف به في معني الآية لتوجيه هواه و مذهبه يدخله في عموم، و كأين من آية في القرآن الكريم و سنن أمة النبي الحكيم يمرون عليها و هم عنها معرضون و لها تاركون، و تعبيره عن المتعة بالاستئجار و الايجار كما مر منه مرارا ما هو الا هذر من القول لا يثبت حقا و لا ينفي باطلا كما علم بما أقمناه من الأدلة علي شرعية المتعة و عدم نسخها انها من دين الكتاب الكريم و سنة النبي الحكيم و مذهب كثير من الصحابة و أهل البيت عامة، و أن دعاواه هذه المجردة لا قيمة لها كما ظهر أن انكار كون (فما استمتعتم) في حل المتعة لا يقع من باقل و لا أعجمي جاهل، فأين كان الله الذي لا ينسي حتي يتكرر حكم النكاح الدائم الذي ذكره في أول السورة بقوله (فانكحوا ما طاب لكم) [النساء / 3]و حكم المهر المذكور بقوله (و آتوا النساء صدقاتهن) [النساء / 4]فيعيده مرة ثانية بقوله (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) [النساء / 24]فهل نسيه و أين كان الله تعالي الذي أوجب المهر في الدائم العقد هل نسيه أو نخسه فأوجبه بالاستمتاع لا بالعقد. و جملة شرطية نزلت تفريعا في حكم المتعة التي دخلت في آيات النكاح كما مر عند الكلام علي تلك الجملة الشرطية لا تنافي آية (و ليستعفف) التي فيها تأكيد حرمة النكاح و تقديسه حتي تكون ناسخة لها كما بيناه و أي معني لقوله (لا يجدون نكاحا حتي يغنيهم الله) [النور / 33]اذا حل نكاح دائم بكف من بر أو بدرهم كما أجمع عليه المسلمون، و حكاه هو عن الخليفة الثاني، و أي حاجة الي الاستعفاف اذا حل هذا فما يكون جوابه، فهو جوابنا و الجواب يعلم مما مر عند بيان معني آية الاستعفاف، فظهر أن وجوب الاستعفاف عند العجز عن النكاح و حل المتعة ليس بينها مناقضة منطقية و لا مراقبة عروضية مما تفاصح به عند من ينصف و يفهم مناحي الكلام، و اذا كان الله تعالي حث علي النكاح و نهي عن أن يكون الفقر مانعا منه، و وعد باغناء الفقير اذا تزوج و أمر من لم يقدر علي النكاح أن يتعفف عن الزنا فما ربط ذلك بحلية المتعة و حرمتها، فاذا قال تعالي من تزوج فقيرا يغنه الله من فضله، و يجوز النكاح الي أجل، و من لم يجد [ صفحه 361] نكاحا لفقره فليستعفف حتي يغنيه الله من فضله أي منافاة بينها تنافي الاعجاب و الأدب بعد الاجماع علي جواز كون المهر في الدائم و المتعة من حفنة بر الي قنطار ذهب. كتاب الله و هو أجل قدرا تعالي عن أباطيل الرجال و يلزم علي رأيه أن لا يشتكي المجاهدون جوعهم الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اذا جاعوا، و لا عطشهم اذا عطشوا، و لا شيئا مما يصيبهم؛ لأن ذلك ينافي أمرهم بالصبر و المصابرة. فالصبر علي الشدة مع امكان التخلص منها هو صبر بلادة لا صبر شرف و أجر. و تهويله بأنه هل يمكن أن يوجد جزع أشد من جزع مجاهد يقول ألا نختصي، و هو يحفظ آية (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) و هل يمكن أن يكون صحابة أفضل نبي «الخ» بتلك العبارة المعقدة. تهويل بارد. المجاهد يطلب منه الثبات في الحرب و عدم الفرار و عدم الجزع و الخوف و لا يطلب منه اذا حصل له أمر طبيعي أن يشكوه الي نبيه الذي يمكن أن يبيح له ما يرفعه سواء أكان من صحابة أفضل نبي أم لا؟ و أي ربط لأفضلية النبي و عدمها بالمقام و لم يكن في المقام جزع و لا هلع؟ و اذا كانوا رهبان ليل في عبادة الله بالصلاة و الدعاء و التلاوة لم يلزم أن يكونوا رهبان نصاري، لا رهبانية في الاسلام. و لم تسلب منهم شهوة النكاح، و قد ورد تعلموا من الديك خمس خصال وعد منها كثرة الطروقة [394] ، و حبب اليه صلي الله عليه و آله و سلم من الدنيا ثلاث أولها النساء [395] و مات عن تسع نسوة، و تسمية ذلك و هنا و وقاحة من الوهن و الوقاحة لما عرفت. و قوله مضت عليهم سنون «الخ» من جملة عباراته الفارغة. قوله: لا يجس في قلب أحدهم واجس تمنع تكذيب للأحاديث النبوية. و قوله و لا داعية زوجة نسبة لهم الي مخالفة السنة ان أراد أنهم لم يتزوجوا و يكذبه المعلوم من حالهم ان أراد عدم ميلهم للنساء و علي ذكر البيت الذي أنشده جري علي اللسان هذان البيتان: [ صفحه 362] حب النساء شريعة مسنونة مأخوذة عن أحمد المختار ما كان في شرع النبي ترهب من عابد أو فارس كرار سادسا: مثل ابن‌مسعود في ورعه و دينه اذا كان يري و يروي حلية المتعة و يروي ذلك أئمة الأمة مثل: البخاري و مسلم و أمثالهما الذين قال هو فيهم في ما يأتي أنهم نقدوا الأحاديث نقد الصيارفة، و لم يبق في كتب الأمة زيف أو دخيل، و يستشهد بعده بآية (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) [الأنعام / 87]وجب قبول قوله و اتباعه، و لم يجز رد روايته و حقا أنه اذا اعتثد حرمة الزنا و استباح المتعة - كما حكاه عن نفسه - فلابد أن يكون استباحها بنص الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و لا يمكن أن يعتدي علي القرآن يضرب بعضي الروايات ببعضها، و انما تلا آية (لا تحرموا) مستشهدا بها لما سمعه و ثبت عنده من احلال النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن الله تعالي للمتعة ورادا بذلك علي من حرمها و لا يمكن أن يبتذل في سبيل قضاء شهواته آية (لا تحرموا) و لا أن يعتدي فما ذكره أدل علي خلاف مراده. و مثل هذا الذي وقع من ابن‌مسعود في علمه و دبنه و أدبه مثل من تزوج بحسناء و قال لا تحرموا. أما الاعتداء و ابتذال السنة و الآيات في سبيل تأييد هوي النفس فهو ما فعله هذا الرجل في صرف الروايات و الآيات عن موردها بغير دليل و لا موجب سوي شهوة النفس، و ابن‌مسعود لا يمكن أن يبتذل آية من كتابه الله، ولكن عد هذا الرجل الاستشهاد بالآية الكريمة علي ما تدل و تنطبق عليه ابتذالا لها هو عين الابتذال للحق و الصواب و الاخلال بواجب الآداب. و لم يفهم لقوله - و لا أقل بين الصحابة - معني، فهل يري أن الصحابة كلهم في ذروة واحدة، فمروان بن الحكيم و الوليد بن عقبة و المغيرة بن شعبة و بسر بن أرطأة و أضرابهم في درجة الخلفاء الراشدين لا يقلون عنهم في شي‌ء. فظهر أن قوله أن هذا الكلام كان ملفقا كلام ملفق مزوق بعيد عن الحقيقة و الحق. [ صفحه 363]

الروايات المدعي فيها النسخ

مسلم في صحيحه بسنده عن سلمة بن الأكوع: رخص رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، عام أوطاس، في المتعة ثلاثا ثم نهي عنها. [396] .

روايات سبرة بن معبد الجهني

مسلم في صحيحه بسنده عن الربيع بن سبرة؛ أن أباه غزا مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فتح مكة. قال: فأقمنا خمس عشرة (ثلاثين بين ليلة و يوم) فأذن لنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في متعة النساء فخرجت أنا و رجل من قومي. ولي عليه فضل في الجمال و هو قريب من الدمامة مع كل واحد منا برد فبردي خلق و أما برد ابن‌عمي فبرد جديد غض. حتي اذا كنا بأسفل مكة، أو بأعلاها. فتلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطة. فقلنا: هل لك أن يستمتع منك أحدنا؟ قالت: ويراها صاحبي تنظر الي عطفها. فقال: ان برد هذا خلق و بردي جديد غض. فتقول: برد هذا لا بأس به. ثلاث مرات أو مرتين. ثم استمتعت منها فلم أخرج حتي حرمها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. [397] . و بسنده عن الربيع بن سبرة بن معبد، عن أبيه؛ أن نبي الله صلي الله عليه و آله و سلم، عام فتح مكة، أمر أصحابه بالتمتع من النساء قال: فخرجت أنا و صاحب لي من بني سليم. حتي وجدنا جارية من بني عامر. و كأنها بكرة عيطاء. فخطبناها الي نفسها. و عرضنا عليها بردينا. فجعلت تنظر فتراني أجمل من صاحبي. و تري برد صاحبي أحسن من بردي. فأمرت نفسها ساعة. ثم اختارتني علي صاحبي. فكن معنا ثلاثا. ثم أمرنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بفراقهن. [398] . [ صفحه 364] و بسنده عن الربيع بن سبرة، عن أبيه أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نهي يوم الفتح عن متعة النساء. [399] . و بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه؛ أنه أخبره؛ أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نهي عن المتعة زمان الفتح متعة النساء و أن أباه كان تمتع ببردين أحمرين. [400] . و بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه، عن جده قال: أمرنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتي نهانا عنها. و بسنده عن سبرة الجهني أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نهي عن المتعة. و قال: ألا أنها حرام من يومكم هذا الي يوم القيامة. و من كان أعطي شيئا فلا يأخذه. [401] . و بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه، أنه قال: أذن لنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بالمتعة. فانطلقت أنا و رجل الي امرأة من بني‌عام. كأنها بكرة عيطاء. فعرضنا عليها أنفسنا. فقالت: ما تعطيني؟ فقلت: ردائي. و قال صاحبي: ردائي. و كان رداء صاحبي أجود من ردائي. و كنت أشب منه. فاذا نظرت الي رداء صاحبي أعجبها. و اذا نظرت الي أعجبتها. ثم قالت: أنت ورداؤك يكفيني فمكثت معها ثلاثا. ثم أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: «من كان عنده شي‌ء من هذه النساء التي يتمتع، فليخل سبيلها». [402] . و بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني أن أباه قال قد كنت استمتعت في عهد النبي صلي الله عليه و آله و سلم امرأة من بني عامر، ببردين أحمرين. ثم نهانا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن المتعة. [403] . [ صفحه 365] و بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدثه، أنه كان مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا أيها الناس! اني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء. و أن الله قد حرم ذلك الي يوم القيامة. فمن كان عنده منهن شي‌ء فليخل سبيله. و لا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا. [404] . و بسنده عن الربيع بن سبرة، عن أبيه، أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم نهي عن نكاح المتعة. [405] . الامام أحمد بن حنبل في مسنده فيما أخرجه من حديث سبرة بن معبد، بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم الفتح فأقمنا خمس عشرة من بين ليلة و يوم قال: قال: فأذن لنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في المتعة قال: و خرجت أنا و ابن‌عم لي في أسفل مكة، أو قال في أعلي مكة فلقينا فتاة من بني‌عامر بن صعصعة كأنها البكرة العنطنطة قال: و أنا قريب من الدمامة، و علي برد جديد غض، و علي ابن عمي برد خلق قال: فقلنا لها: هل لك أن يستمتع منك أحدنا؟ قالت و هل يصلح ذلك؟ قال: قلنا: نعم قال: فجعلت تنظر الي ابن عمي فقلت لها: ان بردي هذا جديد غض، و برد ابن عمي هذا خلق قالت: برد ابن عمك هذا لا بأس به قال: فأستمتع منها فلم نخرج من مكة حتي حرمها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. [406] . و بسنده عن ربيع بن سبرة، عن أبيه أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نهي عن متعة النساء يوم الفتح. [407] . و بسنده عن ربيع بن سبرة: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في حجة الوداع ينهي عن نكاح المتعة. [408] . [ صفحه 366] و بسنده عن الربيع بن سبرة، عن أبيه: خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من المدينة في حجة الوداع، الي أن قال: فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت و بين الصفا و المروة، ثم أمرنا بمتعة النساء، فرجعنا اليه، فقلنا: يا رسول الله انهن قد أبين الا الي أجل مسمي. قال: «فافعلوا» قال: فخرجت أنا و صاحب لي علي برد و عليه برد، فدخلنا علي امرأة فعرضنا عليها أنفسنا، فجعلت تنظر الي برد صاحبي فتراه أجود من بردي، و تنظر الي فتراني أشب منه، فقالت: برد مكان برد و اختارتني فتزوجتها عشرا ببردي فبت معها تلك الليلة، فلما أصبحت غدوت الي المسجد فسمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو علي المنبر يخطب يقول: «من كان منكم تزوج امرأة الي أجل، فليعطها ما سمي لها، و لا يسترجع مما أعطاها شيئا و ليفارقها فان الله تعالي قد حرمها عليكم الي يوم القيامة». [409] . و بسنده عن الربيع بن سبرة، عن أبيه: نهي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن نكاح المتعة. [410] . و بسنده عن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه أمرهم بالمتعة قال: فخطبت أنا و رجل امرأة قال: فلقيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم بعد ثلاث فاذا هو يحرمها أشد التحريم، و يقول فيها أشد القول، و ينهي عنها أشد النهي. [411] . و بسند عن الربيع بن سبرة، عن أبيه سبرة الجهني أنه قال: أذن لنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في المتعة قال: فانطلقت أنا و رجل هو أكبر مني سنا من أصحاب النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فلقينا فتاة من بني‌عامر كأنها بكرة عيطاء، فعرضنا عليها أنفسنا. فقالت: ما تبذلان؟ قال كل واحد منا: ردائي قال: و كان رداء صاحبي أجود من ردائي، و كنت أشب منه قالت: فجعلت تنظر الي رداء صاحبي ثم قالت: أنت [ صفحه 367] ورداؤك تكفيني قال: فأقمت معها ثلاثا قال: ثم قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «من كان عنده من النساء التي تمتع بهن شي‌ء فليخل سبيلها» قال: ففارقتها. [412] . و بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلما قضينا عمرتنا، قال لنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «استمتعوا من هذه النساء». و الاستمتاع عندنا ذكرها يوم في المسند!؟ التزويج، قال: فعرضنا ذلك علي النساء فأبين الا أن يضرب بيننا و بينهن أجلا قال: فذكرنا ذلك للنبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: «افعلوا» فانطلقت أنا و ابن عم لي و معه بردة و معي بردة، و بردته أجود من بردتي، و أنا أشب منه، فأتينا امرأة فعرضنا ذلك عليها فأعجبها شبابي و أعجبها برد ابن عمي، فقالت برد كبرد قال: فتزوجتها فكان الأجل بيني و بينها عشرا قال: فبت عندها تلك الليلة ثم أصبحت غاديا الي المسجد فاذا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بين الباب و الحجر يخطب الناس يقول: «ألا و ان الله تبارك و تعالي قد حرم ذلك الي يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شي‌ء فليخل سبيلها و لا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا. [413] . ابن‌ماجة القزويني في سننه بسنده عن الربيع بن سبرة، عن أبيه، قال: خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في حجة الوداع. فقالوا: يا رسول الله! ان العزبة قد اشتدت علينا. قال: «فاستمتعوا من هذه النساء» فأتيناهن. فأبين أن ينكحننا الا أن نجعل بيننا و بينهن أجلا. فذكروا ذلك للنبي صلي الله عليه و آله و سلم. فقال: «اجعلوا بينكم و بينهن أجلا». فخرجت أنا و ابن‌عمي لي. معه برد و معي برد. و برده أجود من بردي. و أنا أشب منه. فأتيا علي امرأة، فقالت: برد كبرد. فتزوجتها فمكثت عندها تلك الليلة. ثم غدوت و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قائم بين الركن و الباب، و هو يقول: «أيها الناس! اني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع. ألا و ان الله قد [ صفحه 368] حرمها الي يوم القيامة. فمن كان عنده منهن شي‌ء فليخل سبيلها. و لا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا» [414] . هذه هي روايات سبرة التي أخرجها مسلم، و ابن‌حنبل، و ابن‌ماجة نقلناها كلها ليتضح ما في دعاواه و آرائه من الفساد، و هو قد أشار اليها ص 133 مستدلا بها علي التحريم المؤبد. فقال: و قد روي الامام أحمد، و الامام مسلم عن سبرة الجهني التحريم المؤبد من يوم الفتح الي يوم القيامة. و نقول: أولا: انها كما دلت علي التحريم المؤبد يوم الفتح دلت علي الاباحة يوم الفتح، و علي الاباحة في حجة الوداع، و به تبطل دعواه السابقة انها لم تكن مباحة في شرع الاسلام أصلا و أنها من بقايا أحكام الجاهلية و مبالغة في ذلك و اطالة لسانه بسوء القول: فكيف عرف دلالتها علي التحريم. و عمي عن دلالتها علي الاباحة؟! ثانيا: انها لا تصلح دليلا لما زعمه من التحريم المؤبد من وجوه. الأول: انها مع تسليم سندها معارضة بما مر من الروايات عن جابر، و عمران ابن الحصين، و ابن‌مسعود، و ابن‌عباس و ابن‌عمر، و سلمة بن الأكوع و غيرهم، و تلك أرجح لكثرة رواتها. و روايات سبرة انما رواها الربيع بن سبرة عن أبيه، فهي بمنزلة رواية واحدة مع تأكيد تلك بالاستشهاد بآية تحريم الطيبات و التصريح ببقاء الاباحة الي خلافة الشيخين حتي نهي عنها عمر، و تأكيد ابن‌عمر ذلك بالحلف بأنهم لم يكونوا علي عهد الرسالة زانين و لا مسافحين، و تصريح عمران بن الحصين بنزول آية المتعة، و العمل بها، و عدم نسخها، و عدم نهي النبي صلي الله عليه و آله و سلم عنها طول حياته، و أن الذي حرمها قال ذلك برأيه. الثاني: انها مختلفة في تاريخ الاباحة و النسخ، ففي بعضها من روايات مسلم و ابن‌حنبل أنهما كانا يوم الفتح، و في بعضها من روايات ابن‌حنبل و ابن [ صفحه 369] ماجة أنهما كانا في حجة الوداع. و في بعضها من روايتهما لم يعين الوقت، و اذا ضممنا الي ذلك ما ورد في اباحتها، و تحريمها يوم خيبر، و عمرة القضاء، و حنين، و أوطاس، و تبوك و تكون قد أبيحت و نسخت سبع مرات كما تقدم مفصلا في أول البحث عند الكلام علي قوله أن المتعة من غرائب الشريعة، و كما فصلناه في الحصون المنيعة. الثالث: ان مضامينها متنافية متناقضة مع كونها حكاية لواقعة واحدة مع شخص واحد، فرواية سبرة الأولي التي فيها التحريم يوم الفتح فيها تناقض بين روايتي مسلم و ابن‌حنبل، فمسلم روي أن سبرة كان جميلا و برده خلق و صاحبه من قومه كان قريبا من الدمامة و برده جيد، و أن الذي تمتع بها هو سبرة دون صاحبه و أحمد روي أن القريب من الدمامة هو سبرة و برده جيد غض و برد ابن‌عمه خلق و أن الذي استمتع بها هو ابن‌عمه لا هو، و رواية سبرة الأولي في صحيح مسلم و مسند أحمد ظاهرها أن الأذن كان بعد خمسة عشر يوما من دخول مكة. و روايتا مسلم و أحمد الأخريان ظاهرهما أن الترخيص كان حين دخول مكة لقوله حين دخلنا مكة، فلما قدمنا مكة طفنا ثم أمرنا بمتعة النساء، و روايتا مسلم و أحمد الأولتان دلتا علي أن سبرة خرج مع رجل من قومه ابن‌عم له، و رواية مسلم الثانية علي أنه خرج مع صاحب له من بني‌سليم و سبرة من جهينة و جهينة أبوبطن من قضاعة ابن معد بن عدنان. و بنو سليم بطن من مضر بن نزار بن معد بن عدنان و هو سليم بن منصور و بنو سليم بن فهم أيضا فرقة من الأشاقر و هم بطن من دوس و دوس فرقة من غسان و غسان بطن من قحطان، و جميع العرب الموجودين يرجعون الي عدنان و قحطان و قضاعة كما في عيون المسائل، فلا يتوهمن متوهم أن بني‌سليم من جهينة. و روايتان من روايات مسلم دلتا علي أن سبرة تمتع بامرأة من بني‌عامر ببرد واحد، و رواية ثالثة لمسلم علي أنه استمتع بامرأة من بني‌عامر ببردين أحمرين، فكم مرة تمتع سبرة يوم فتح مكه مع أن في الروايات ما يدل علي أن ذلك كله حكاية لواقعة واحدة صدرت معه يوم الفتح، فان راوي هذه الروايات كلها عنه شخص واحد و هو [ صفحه 370] ابنه الربيع بن سبرة، و هي متحدة في أكثر الخصوصيات مثل خروجه مع رجل، و عرضهما أنفسهما علي المرأة، و رفيقه دميم أكبر منه سنا، و هو جميل شاب، و تردد المرأة بينهما لذلك، و اختيارها الشاب و كونها من بني‌عامر، وكونها مثل البكرة العنطنطة أو العيطاء التي بمعناها، فكيف تتفق معه كل هذه الخصوصيات كل مرة و مع ذلك فمرة كان هذا يوم الفتح، و مرة في حجة الوداع، و مرة كان هو الشاب الجميل الذي برده ردي‌ء فاختارته المرأة، و مرة بالعكس، كل هذا مما يدل علي أن هذه الروايات موضوعة مضافا الي أمور أخري ذكرناها في الحصون المنيعة لبطلان هذه الروايات.

زعمه الاجماع علي تحريم المتعة من الصحابة و الأمة

قال (في ص 127): «أجمعت الشيعة علي أن عمر نهي عن متعة النساء علي ملأ من الصحابة و الامام علي وشيعته عنده وسيفه بيده حاضر و لم ينكر ذلك علي عمر منكر، فهذا اجماع علي ثبوت النهي و علي ثبوت النسخ. و المجلس كان مجلس استشارة و لم يكن أحد يسكت فيه خوفا أو وهما، و لم يكن من دأب علي أن يسكت في مثل هذه الساعة علي مثل هذه المسألة، و في السكوت هدم لحكم جليل من أحكام الدين هو شعار له و شارة. و دعوي التقية بعد كل هذه شأن ذليل متهور يهرأ و يهزأ و يتفل علي وجه الحق ثم ينجو بالسوأة، و ابن‌عباس كان قد اشتهر عنه القول بالمتعة حتي جرت مجري الأمثال، و كان يقول بالمتعة جماعة من الصحابة، و عن جابر أنهم كانوا متمتعون من النساء حتي نهاهم عنها عمر ثم امتنعوا. و النهي زمان عمر كان باجماع من الصحابة فيهم علي، و الاجماع اجماع علي ثبوت نهي الشارع، و علي ثبوت النسخ من الشارع، ثم قد أجمعت الأمة علي منع المتعة و الامتناع عنها. و قد كانت في عهد الرسالة تثبت سنة و تخفي علي جملة من الصحابة كثيرة، و علمها عند واحد أو جماعة ويري صحابي رأيا من عند نفسه يخالفها أو لا يخالفها، و ابن‌عباس قد خفي عليه سنة في أبواب الربا و الصرف، كما خفي عليه و علي جماعة من الصحابة تحريم المتعة حتي أجمعت شوري الصحابة عند [ صفحه 371] عمر و علي علي أن الشارع حرمها تحريم الأبد، و هذا معني قول جابر أنهم كانوا يتمتعون حتي نهاهم عمر». و (في ص 133): «قال ابن‌المنذر: جاء من الأوائل الترخيص في المتعة، و لا أعلم اليوم من يجيزها الا بعض الشيعة، و قال عياض: ثم وقع الاجماع علي تحريمها. و تمتع جماعة من صحابي أو تابعي ليس بحجة، ثم خلاف جماعة لم يبلغها حديث التحريم، أو بلغها و عملت علي خلافه لا يقدح أصلا و أبدا في الحجة؛ اذ قد صح عند الأمة حديث التحريم المؤبد باجماع في شوري الصحابة زمن عمر، و وافقته الأمة». و في (ص 135): «ثبت عندأهل العلم و أئمة الاجتهاد و أئمة المذاهب تحريم المتعة بوجوه، و ذكر منها اجماع الأمة علي التحريم بعد ما تقرر النهي و النسخ في شوري الصحابة زمن عمر، و كان علي حاضرا بالمجلس، و قد ثبت باجماع الشيعة و أهل السنة و الجماعة و برواية زيد بن زين العابدين، و محمد بن الحنفية عن امام الأئمة و أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام تحريم المتعة تحريم أبد، الرواية ثابتة قطعا، و دعوي التقية ساقطة بالضرورة فالاجماع قطعي». و (في ص 126): «روي الامام مالك و الزهري عن أئمة أهل البيت، عن علي أميرالمؤمنين عليه‌السلام أن النبي نهي يوم خيبر عن نكاح المتعة. روي الامام الشافعي عن ابن‌عيينة عن الزهري عن الحسن [415] عن أبيه الباقر محمد بن علي عن علي بن أبي‌طالب أن النبي حرم نكاح المتعة يوم خيبر [416] روي محمد بن الحنفية، عن أبيه علي بن أبي‌طالب أن منادي رسول الله نادي يوم خيبر: ألا ان الله و رسول الله ينهاكم عن المتعة. و الامام الطحاوي في معاني الآثار روي بسند ثابت أن عليا قال لابن عباس: انك رجل تائه ألم تعلم أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نهي [ صفحه 372] عن متعة النساء. و روي عن عبدالله بن عمر: و الله لقد علم ابن‌عباس أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حرمها يوم خيبر (و روت كتب الشيعة بالسند عن زيد بن زين العابدين علي عن آبائه عن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم حرم يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية و نكاح المتعة، و الشيعة لا تنكر هذه الرواية و ان قالت أنها وردت مورد التقية و دعوي التقية بعد ثبوت الرواية هراء و هواء و طعن علي دين الامام». و (في ص 141): «ثبت بسند أجمع عليه الشيعة و الأمة أن شوري الصحابة و ركنها الأعظم علي عليه‌السلام قررت و أقرت علي تحريم المتعة تحريم الأبد زمن النبي صلي الله عليه و آله و سلم». و (في ص 147): «بعدما ذكر حيث - قيل لعمر يعيب عليك الناس - المتقدم قال: و به - أي بهذا الحديث - يرتد عن دينه ما ابتهرته الشيعة علي لسان الامام علي عليه‌السلام أنه كان يقول: «لو لا نهيه عن المتعة ما زني الا شقي أو الا شفا - قليل - فذلك القول من عمر رد لهذا القول الذي وضعته الشيعة علي لسان علي الي أن قال: فلو كان علي صار يقول هذا القول بعد زمن الفاروق لكان أذل الناس». و (في ص 149): «العرب قبل الاسلام كانت لها أنكحة دامت حتي صارت عادة أبطلها الاسلام و منها المتعة، فدامت في صدر الاسلام حتي تقرر في شوري الصحابة زمن عمر ثبوت النهي و النسخ و تحريم الأبد، فنهي عنها عمر، فأشيع اشاعة غرض أو غفلة أن الناهي انما هو عمر، فبقي الاختلاف زمن التابعين حتي رجع الأكثر الي ما كان يراه عمر، فأجمعت الأمة بعده علي التحريم الا الشيعة، و لم يكن بيدها من دليل الا ارغام بمجرد و لم يوجد لها من زخرفة الا أنها شارة لأهل البيت عليهم‌السلام و شعار للأئمة عليهم‌السلام». و نقول: كلامه هذا كسائر كلماته قد اشتمل علي أمور هي عبارة عن دعاو مجردة عن دليل و مماحكات و تمحلات و تناقضات و مصادمات للبديهة و مخالفات لاجماع المسلمين، و دعوي للاجماع في محل الخلاف [ صفحه 373] و للقطع في موضع القطع بالعدم و غيرها من هذا النسخ. فلنتكلم علي كل واحد منها علي حدة: الأول: زعمه اجماع الصحابة علي ثبوت النهي، و استدلاله بأنه وقع علي ملأ منهم، و لم ينكره أحد، و علي عليه‌السلام حاضر، فكان اجماعا. و فيه أن حضوره غير معلوم و من الذي ذكره. و مما يضحك الثكلي قوله: «وشيعته عنده وسيفه بيده» فهل كان الموقف موقف حرب و طعن و ضرب و احداث فتنة في الاسلام هي أعظم مفسدة مما حصل، و لعله يقصد بذلك الهزء و هو أولي به. و لو كان عند علي عليه‌السلام من شيعته من يغني عنه لنفعه قبل هذا الموقف، و لم يكن عنده حمزة و لا جعفر و لا عبيدة. وسيفه و لم يكن في يده بل في غمده لا يؤذن لا بالسل، و لو فرض أنه كان حاضرا و سكت، فقد سكت فيما هو أعظم من تلك الساعة. و من عند كلامه علي التقية أنه لم يكن أعظم من موسي عليه‌السلام كليم الله حين قال: (ففررت منكم لما خفتكم) [الشعراء / 21]. و لا من هارون عليه‌السلام لما قال: (ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني) [الأعراف / 150]. ولا من لوط عليه‌السلام اذ قال: (لو أن لي بكم قوة) [هود / 80]و لا من محمد صلي الله عليه و آله و سلم. و قد فر من قومه لما تعاقدوا علي قتله الي الغار، فاختفي فيه ثلاثا ثم الي المدينة مستخفيا. علي أن دعوي عدم انكاره كذب و افتراء فقد قال: لولا ما تقدم به فلان ما زني الا شفا أو ما هذا معناه، و هذا غاية ما يمكنه من الانكار، و أما زعمه أن الشيعة ابتهرته و وضعته علي لسان علي صلي الله عليه و آله و سلم يكذبه أنه انما رواه عن علي عليه‌السلام علماء غير الشيعة ممن تسموا بأهل السنة، فالابتهار ليس الا من هذا الرجل الذي لا يبالي ما يقول و بذلك يرتد عن دينه ما «ابتهره» [417] علي الشيعة غير هياب و لا مبال من أنها وضعته علي لسان علي عليه‌السلام. ففي تفسير الطبري [418] بسنده عن شعبة عن الحكم، قال علي عليه‌السلام: لو لا أن عمر نهي عن [ صفحه 374] المتعة، ما زني الا شقي. و مثله عن الثعلبي في تفسيره. و في الدر المنثور في تفسير كلام الله بالمأثور للسيوطي أخرج عبدالرزاق و أبوداود في ناسخه و ابن‌جرير عن الحكم، قال علي عليه‌السلام: لولا أن عمر نهي عن المتعة ما زني الا شقي [419] و من ذلك يعلم مبلغ أمانة هذا الرجل و مبلغ علمه بالأحاديث و مبلغ أدبه في قوله فلو كان علي عليه‌السلام صار يقول الخ. و ما يدريه أنه قاله في زمن الفاروق أو بعده. أما الروايات التي أسندت اليه روايات التحريم؛ فهي مخالفة لما رواه عنه الأئمة عليهم‌السلام من ذريته الذين هم أعرف بمذهبه من كل أحد فلا يتلفت اليها. و التقية قد بينا عند الكلام عليها أنها ثابتة في العقل و النقل، و أنها من الدين، فما كلامه هذا الا هراء و هواء و طعن علي دين الاسلام كما أن دعوي عدم انكار أحد عليه أيضا كذب و افتراء، فقد أنكر عليه جماعة و أبوا عليه هذا النهي كما مر عند ذكر ثبوتها بالسنة، ففي الدر المنثور للسيوطي قال: أخرج عبدالرزاق و ابن المنذر من طريق عطاء عن ابن‌عباس قال: يرحم الله عمر، ما كانت المتعة الا رحمة من الله رحم بها أمة محمد، و لولا نهيه عنها ما احتاج الي الزنا الي شقي [420] (الحديث). و في النهاية الأثيرية عن كتاب الهروي ما لفظه في حديث ابن‌عباس ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم لولا نهيه عنها ما احتاج الي الزنا الا شفي أي الا قليل من الناس. و قال الأزهري: أي الا أن يشفي أن يشرف علي الزنا و لا يواقعه [421] و في لسان العرب في الحديث عن عطاء سمعت ابن‌عباس يقول: ما كانت المتعة و ساق الحديث الي أن قال: و الله لكأني أسمع قوله الا شفي عطاء القائل [422] - و دعوي رجوعه عنها باطلة مختلقة كدعوي قول علي عليه‌السلام له: انك [ صفحه 375] رجل تائه الخ. [423] و ابن‌عباس انما أخذ القول باباحتها عن علي و ابن‌عمر لم يكن ليقول: و الله لقد ابن‌عباس أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حرمها، فانه قدح في ابن‌عباس بمخالفة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم عالما لا يقدم عليه ابن عمر مع أن المروي عنه انكار تحريمها. و قوله: و الله ما كنا علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم زانين و لا مسافحين و جوابه لمن قال له: ان أباك نهي عنها مشهور، و ممن رواه الترمذي [424] عن قول عمران بن الحصين نزلت آية المتعة في كتاب الله و عملنا بها مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلم تنزل آية تنسخها، و لم ينه عنها النبي صلي الله عليه و آله و سلم حتي مات و في رواية عنه أن الله أنزل في المتعة آية و ما نسخها بآية أخري و أمرنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بها و ما نهانا عنها ثم قال رجل برأيه ما شاء أو فقال بعد رجل برأيه ما شاء [425] و قول جابر فعلناهما مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما [426] كالصريح في أن الامتناع لنهي عمر لا لغيره و هو انكار ضمني و ما أسنده الي جابر لا يدل عليه شي‌ء من الأحاديث المنقولة المار ذكرها، فهو يقول في أحدها: استمتعنا علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أبي‌بكر و عمر، و في الأخر كما نستمتع بالقبضة علي عهد رسول الله و أبي‌بكر حتي نهي عنه عمر في شأن عمرو بن حريث، و في الثالث فعلناهما - أي المتقين - مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعدلهما. فهل في هذا الكلام دلالة علي أن من لم يبلغه النسخ كان يتمتع يعتقد أن الأمر باق حتي ثبت النسخ بشي‌ء من الدلالات كما يزعمه هذا الرجل فهو افتراء علي جابر و تفسير كلامه بما لا يرضي به و لم ينسبه أحدا اليه. نعم، لم ينكر عليه أحد انكار ممانعة و مقاومة، و من ذا الذي يجسر علي [ صفحه 376] هذا و هو يقول: أنا أحرمهما و أعاقب عليهما فيعرض نفسه للعقاب، و يقول: لو كنت تقدمت لرجمت. و ممن أفتي بها أبي بن كعب كما مر عند الكلام علي آية (فما استمتعتم) و كان فتواه هذه طول حياته، و قال المرتضي في الشافي: أفتي بالمتعة جماعة من الصحابة و التابعين وعد من الصحابة عبدالله بن عباس و عبدالله بن مسعود و جابر بن عبدالله الأنصاري و سلمة بن الأكوع [427] و زاد العلامة في كشف الحق المغيرة بن شعبة و معاوية بن أبي‌سفيان و في كشف الحق قال محمد بن حبيب البختري: كان ستة من الصحابة و ستة من التابعين يفتون باباحة المتعة للنساء. [428] و ظاهر هذا النقل عنهم أنهم كانوا يفتون بها طول حياتهم كما أن ذلك صريح ما مر عن ابن‌عباس و ابن‌عمر و عمران، كل هذا و هو يتحمل و يقول: انه خفي عليهم تحريم المتعة حتي أجمعت شوري الصحابة علي أن الشارع حرمها يحمل علي ذلك قول جابر المتقدم مع أنه لا يدل علي الاجماع علي التحريم، بل علي الامتناع لأجل النهي بعد سماع هذا التهديد، فظهر فساد دعواه اجماع الصحابة علي النهي و سخفها، و أنها دعوي للاجماع في محل الخلاف، و أغرب من ذلك دعواه أنه ثبت باجماع الشيعة و من تسموا بأهل السنة و برواية زيد وابن الحنفية عن علي عليه‌السلام تحريم المتعة تحريم أبد، فستعرف أنه لا اجماع لا من الشيعة و لا من غيرهم، و كيف جمع الشيعة علي روايته عن علي عليه‌السلام و تخالفه، و أن جميه أئمة أهل البيت عليهم‌السلام كانوا يفتون عليها كما روي ذلك عنهم بالتواتر و الاتفاق أصحابهم و أتباعهم من شيعتهم و محبيهم الذين هم أعرف بمذهبهم من كل أحد و هو مع ذلك يشتط و يقول بلا خجل و لا مبالاة الاجماع قطعي و رواية النهي عن زيد و ابن‌الحنفية عن أميرالمؤمنين علي بالتحريم باطلة قطعا؛ لأنها مخالفة لما ثبت عنه بالتواتر المتقدم سواء أكانت دعوي التقية ساقطة أم قائمة، فقوله الرواية ثابتة قطعا [ صفحه 377] و دعوي التقية ساقطة بالضرورة، فالاجماع قطعي، كلها دعاو ساقطة لا برهان عليها أسرع مدعيها الي دعوي القطع - علي عادته - في محل الشك أو القطع بالخلاف كما ظهر فساد قوله: ان النهي زمن عمر كان باجماع الصحابة فانه وحده هو الناهي، و لم ينقل عن أحد غيره أنه نهي، بل جماعة أبوا عليه هذا النهي كما مر و فساد قوله لم يكن أحد يسكت خوفا أو وهما، و قوله أو وهما و هم منه ذكر مثله سابقا عند الكلام علي التقية و بينا وهمه فيه و ظهر أنه وحده هو المتهور الذي يهرأ و يهزأ و ينقل علي وجه الحق، ثم ينجو بالسوأة و أن هذه العبارات السيئة التي اعتادها و تفاصح بها (يهرأ و يهزأ) لا أحد أحق بها منه.الثاني: زعمه أن هذا الاجماع اجماع علي ثبوت النسخ و النهي من الشارع و فيه. مع أن الاجماع أصلا غير واقع، فضلا عن أن يكون علي ثبوت نهي الشارع - أن الناهي قد أسند النهي الي نفسه بقوله: متعتان كانتا علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنا أنهي عنهما و أعاقب عليهما [429] بطريق الحصر، و تقديم الضمير المنفصل علي فعل النهي الدال صريحا علي أنه هو الناهي لا غيره، كما تقرر في علم البيان في مثل قولنا أنا فعلت كذا و لو كان المراد نهي الشارع لكان اسناد النهي الي الشارع بأن يقال نهي الشارع عنها متعينا؛ لأنه أدخل في القبول منه و لم يكن ليسنده الي نفسه. الثالث: زعمه ثبوت النهي و النسخ و تحريم الأبد في شوري الصحابة و أن المجلس الذي وقع تحريمها فيه كان مجلس استشارة، و فيه أنه لم يكن مجلس استشارة كما زعم ولكنه مجلس انذار و تهديد، و أنها لم تكن شوري من الصحابة و في ذلك المجلس الذي يدعيه و انما كان تحريم و تهديد و وعيد من رجل واحد فقط، و أن هذه الشوري المزعومة الموهومة لم يحضرها علي و لم يكن ركنها الأعظم و لا غير الأعظم و لم يكن لها أركان و لا بناء و لم يكن الا تحريم رجل واحد و تهديده المخالف بالعقاب علي أن الاستشارة لا محل لها في [ صفحه 378] الأحكام الشرعية و أحكام الشرع لا تكون بالشوري و بالآراء و انما سبيلها نص الشارع: (و ما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر / 7]و ليس سبيلها آراء الرجال حتي يشيروا فيها بنفي أو باثبات و انما الاستشارة في الحروب و سياسة الملك و أمور الدنيا، و هل تكون الشوري ناسخة لوحي الله تعالي؟ و اذا كانت المتعة حرمت في زمن النبي صلي الله عليه و آله و سلم تحريم الأبد فلابد أن يكون اطلع علي هذا التحريم كافة الصحابة لا سيما بعد أن تكرر النهي سنة سبع و ثمان و تسع عشرة في آخر حياة النبي صلي الله عليه و آله و سلم في حجة الوداع، فهل يحتمل عاقل أنه بقي أحد يجهل هذا النهي لو كان و كيف خالفه جماعة من الصحابة، و أي حاجة الي شوري الصحابة في هذا الحكم بعد وفاة النبي صلي الله عليه و آله و سلم بعدة سنين، فهذا كله يبطل ما يقوله و يناقض ما يدعيه و يدل علي أن الأمر علي خلاف ما زعمه و اجتماع شوري الصحابة عند عمر و علي علي تحريمها افتراء علي الصحابة و ما أبعد الشوري عن قول من يقول لو تقدمت لرجمت، علي أن هذه الشوري التي يدعيها ان كان أصحابها قالوا بالتحريم اجتهادا فهو مردود عليهم لعدم عصمتهم و ان كانوا رووه عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم و كان النهي ثابتا عندهم، فأي حاجة الي الشوري؟ الرابع: زعمه اجماع الأمة بعد الصحابة علي التحريم، و هي دعوي واضحة البطلان، قال المرتضي في الشافي: أفتي بالمتعة جماعة من الصحابة و التابعين وعد من التابعين أباسعيد الخدري، و سعيد بن جبير، و ابن‌جريح، و مجاهد و غيرهم ممن يطول ذكره [430] و زاد العلامة في كشف الحق عطاء و قد اعترف صاحب الوشيعة (ص 132) بأنه كان يقول بالمتعة جماعة من التابعين منهم طاوس، و عطاء، و سعيد بن جبير، و جماعة من فقهاء مكة منهم ابن‌جريح، و مر قول محمد بن حبيب البختري كان ستة من التابعين يفتون باباحة المتعة للنساء، فهذا كله يكذب حصول الاجماع في عصر التابعين، و من بعدهم كما ثبت كذب حصوله في عصر الصحابة و يدل علي أنه لم يحصل لا علي المنع و لا علي الامتناع. [ صفحه 379] قال المرتضي في الشافي: فأما سادة أهل البيت و علماؤهم فأمرهم واضح في الفتيا بها كعلي بن الحسين زين‌العابدين، و أبي‌جعفر الباقر، و أبي‌عبدالله الصادق، و أبي‌الحسن موسي الكاظم، و علي بن موسي‌الرضا عليهم‌السلام [431] أما تهويله بأنه ثبت عند أهل العلم، و أئمة الاجتهاد، و أئمة المذاهب تحريم المتعة باجماع الأمة، فأهل العلم هم أهل البيت الذي أمرنا أن نتعلم منهم، و لا نعلمهم و أن لا نتقدمهم و لا نتأخر عنهم، و اذا أردنا دخول مدينة علم المصطفي أن نأتي بابها علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام سيد أهل البيت و كلهم أفتوا باحلالها. أما أئمة الاجتهاد فدعوي افتائهم كلهم بتحريمها غير ثابت، ففي حاشية مجمع الأنهر شرح ملتقي الأبحر في الفقه الحنفي المطبوع بالآستانة سنة 1319 لصاحب الشرح ج 1 ص 270 ما لفظه: و قال مالك هو - أي نكاح المتعة - جائز لأنه كان مباحا فليبق الي أن يظهر ناسخه. و ذكر في الشرح المذكور أنه منسوخ باجماع الصحابة، ثم قال: فعلي هذا يلزم عدم ثبوت ما نقل من اباحته عند مالك. ففزع عدم ثبوت النقل علي النسخ باجماع الصحابة و حيث أن اجماعهم غير متحقق بل عدمه ثابت بافتاء جماعة منهم بذلك كابن عباس و ابن‌مسعود و ابن‌عمر و جابر الأنصاري و عمران بن الحصين و غيرهم ممن تقدم، فالتفريع غير ثابت. و لو فرض افتاؤهم كلهم بتحريمها، فحكم القرآن الكريم، و السنة النبوية، و أقوال أكابر الصحابة و التابعين و الفقهاء أمثال ابن‌جريح، فقيه مكة، مقدمة. الخامس: اعترافه بأن ابن‌عباس و جماعة من الصحابة كانوا يقولون بالمتعة و أن جابرا كان يقول: انهم كانوا يتمتعون من النساء حتي نهاهم عنها عمر و اعتراف ابن المنذر بثبوت الترخيص في المتعة من الأوائل الذي لا يمكن أن يكون ترخيصا في حكم جاهلي مناقض و مكذب لقوله السابق: انها لم تشرع في الاسلام و أنها من بقايا أنكحة الجاهلية، و أنها كانت أمرا تاريخيا لا حكما شرعيا، ولكنه ينقل ما يكذبه و يحتج به و لا يبالي. [ صفحه 380] السادس: زعمه أنها كانت تثبت سنة و تخفي علي جماعة كثيرة من الصحابة و التباس الأمر عليهم لو أمكن في غير هذا المقام، فهو هنا غير ممكن بعد ما نودي بتحريمها - علي ما زعموا - مرارا عديدة علي رؤوس الأشهاد، و في غزوات متعددة احدها يوم فتح مكة المتأخر عن صدر الاسلام كثيرا، و في آخر حياة النبي صلي الله عليه و آله و سلم في حجة الوداع، فبقاء حكمها خافيا عنهم، أو عن بعضهم طول حياة النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و مدة خلافة أبي‌بكر، و شطرا من خلافة عمر و استمرارهم علي فعلها حتي نهاهم عمر في شأن عمر بن حريث؛ ممتنع عادة، و لا يؤمن به صغار العقول فضلا عن كامليها. السابع: زعمه أن تمتع جماعة من صحابي أو تابعي ليس بحجة يبطله أن الصحابة الذين تمتعوا أسندوا ذلك الي ترخيص النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أمره كما نصت عليه الأخبار التي نقلناها، فكيف لا يكون حجة، و اذا كان تمتع جماعة من الصحابة مع اسنادهم الترخيص الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم ليس بحجة فتحريم صحابي واحد مع اسناده التحريم الي نفسه و مخالفة جماعة من صحابي و تابعي و غيرهم له كيف صار حجة و التمست له الوجوه البعيدة و سردت و أولت لأجله الروايات الصحيحة. و زعمه أن الجماعة المخالفة لم يبلغها حدث التحريم أو بلغها و عملت علي خلافه يبطله ان عدم بلوغها ممتنع عادة كما عرفت و احتمال بلوغها و عملها علي خلافة أشنع و أبشع فانه نسبة لاجلاء الصحابة الي الاقدام علي الزنا عمدا و مخالفة نهي النبي الصريح و فيهم مثل ابن‌مسعود الذي وصفه (ص 130 - 128) بأعلي صفات الفضل، و منها أن أقوم الناس بأدب الدين و أشبه الصحابة هديا بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم، و كيف يلتئم هذا مع عدالة جميع الصحابة و مع كون عصرهم أقدس العصور و أفضلها كما قاله فيما سلف سيما عصر الرسالة و مع قوله ص 129 فأين قول الكتاب (و ليستعفف) [النور / 33]الآية. و من كان المخاطب بقوله (اصبروا و صابروا) [آل عمران / 200]و هل يمكن أن يكون صحابة أفضل نبي أوهن و أوقح من صحابة أي نبي كان، و قد كانوا رهبان ليل، فأي تهور أعظم من هذا أو أي تناقض أقبح منه! و حديث التحريم المؤيد [ صفحه 381] ما صح و لن يصح و كيف يصح حديث مضطرب يقتضي أن تكون أبيحت و حرمت سبع مرات، و قد بينا عدم صحة حديث التحريم في الحصون المنيعة بما لا مزيد عليه. و ما أسنده الي جابر لا يدل عليه شي‌ء من أحاديثه المتقدمة و هي: استمتعنا علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أبي‌بكر و عمر. كنا نستمتع بالقبضة علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أبي‌بكر حتي نهي عنه عمر في شأن عمرو بن حريث فعلناهما أي المتعتين مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ثم نهانا عنهما عمر، فلم نعد لهما، فهل يتوهم أحد عنده ذرة من فهم أن معني هذا الكلام ان من لم يبلغه النسخ كان يتمتع بقبضة يعتقد أن الأمر باق حتي ثبت النسخ و التحريم المؤبد، فهو افتراء علي جابر و تفسير كلامه بما لا يرضي به و لا يدل عليه و لم ينسبه أحد اليه. الثامن: زعمه أن أشيع اشاعة غرض أو غفلة أن الناهي هو عمر، و هذا تمويه و ستر للحقائق فقد ترك الخداع من كشف القناع بقوله: أما أحرمهما و أعاقب عليهما، و الغفلة لا يتوهمها الا الغارق في الغفلة، و أي غفلة تبقي بعد هذا التصريح. نعم، أشيع اشاعة غرض لا غفلة فيه أن النهي من صاحب الشرع و ليس كذلك و بقاء الاختلاف زمن التابعين دليل علي بطلان قرار الشوري الذي زعمه. و لم يكن بيد من قال بحرمتها من دليل؛ الا ارغام من أحلها، و متابعة من حرمها مع الاعتراف بعدم عصمته، و لم يوجد لها من زخرفة الا أشباه هذه الزخرفات التي يذكرها هذا الرجل.

دعوي رجوع ابن عباس عن القول بالمتعة

قال (ص 133): «قال الشعبي: حدثني بضعة عشر نفرا من أصحاب ابن‌عباس أنه ما خرج من الدنيا حتي رجع عن قوله في الصرف و المتعة، فان لم يقبل رجوعه فاجماع التابعين بعده يرفع قوله و الأمة ترث العلم و لا ترث ضلال أحد». و نقول: دعوي رجوع ابن‌عباس عنها باطلة، فقد اشتهر القول بها عنه اشتهارا ما له من مزيد حتي نظمت فيه الأشعار، ففي الدر المنثور للسيوطي [ صفحه 382] و غيره من طريق سعيد بن جبير، قلت لابن عباس: ماذا صنعت ذهب الركاب بفتياك و قالت فيه الشعراء. قال:، و ماذا قالوا؟ قلت: قالوا: أقول للشيخ، لما طال مجلسه: يا صاح هل لك في فتيا ابن‌عباس؟ هل لك في رخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتي مصدر الناس؟ [432] . و رجوعه لم يصح، و الرواية بذلك عن الشعبي مع ارسالها و كون النفر الذين رووا ذلك عن ابن‌عباس مجهولين، و مع انحراف الشعبي عن علي و بني‌هاشم، و كونه نديم الحجاج، و قاضي عبدالملك بن مروان لم تكن لتعارض ما صحت و استفاضت روايته. و في الكشاف عن ابن‌عباس أن آية (فما استمتعتم) محكمة - يعني لم تنسخ - و كان يقرأ (فما استمتعتم به منهن) الي أجل مسمي [433] و هو يدل عن عدم رجوعه و في النهاية الأثيرية عن كتاب الهروي ما لفظه و في حديث ابن‌عباس ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم لولا نهيه عنها ما احتاج الي الزنا الا شفي أي الا قليل من الناس، و قال الأزهري: أي الا أن يشفي أي يشرف علي الزنا و لا يوافقه [434] (النهاية). و روي مسلم في صحيحه بسنده أن عبدالله بن الزبير قام بمكة، فقال: ان أناسا أعمي الله قلوبهم كما أعمي أبصارهم يفتون بالمتعة. يعرض برجل فناداه فقال: انك لجلف جاف، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل علي عهد امام المتقين يريد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك، فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك، قال النووي في شرح صحيح مسلم: يعرض برجل يعني: يعرض بابن عباس. [435] و من ذلك يفهم أن هذه المسألة دخلتها العصبية، و استمرت حتي اليوم و في تفسير الفخر الرازي: قال عمارة سألت ابن‌عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح؟ قال: لا سفاح و لا نكاح. قلت: فما هي؟ قال: متعة كما [ صفحه 383] قال الله تعالي قلت: هل لها عدة؟ قال: نعم، عدتها حيضة. قلت: هل يتوارثان؟ قال: لا [436] و الظاهر أن مراده من نفي كونها نكاحا نفي النكاح الدائم بحيث يترتب عليها جميع أحكامه، و كأنه فهم ذلك من سؤال السائل، و الا فما ليس بنكاح فهو سفاح. علي أن فتوي ابن‌عباس ليست هي المستند، فسواء عندنا رجوعه عنها و عدمه. و قوله: «الأمة ترث العلم و لا ترث ضلال أحد» من جملة هذيانه الذي لا يرجع الي محصل و لا يرتبط بالمقام و الأمة التي يتغني دائما بذكرها كما ترث العلم قد ترث الضلال؛ لأن العصمة ليست الا لذي الجلال و من شاء الله. و يأتي قريبا في الحوار بين ابن‌عباس و ابن‌الزبير ما يدل علي اشتهار القول بالمتعة عن ابن‌عباس اشتهارا لا يقب التكذيب و أن اسناد الرجوع اليه مجرد تلفيق.

قصة أسماء ذات النطاقين

قال (ص 131): «فلو قلنا: ان أسماء ذات النطاقين بنت الصديق، أخت السيدة عائشة أم المؤمنين، تزوجها الزبير حواري النبي صلي الله عليه و آله و سلم نكاح متعة، فمن يثبت لنا أن هذا النكاح كان متعة الي أجل فانقطع بانقضاء الأجل. و الحزم قد يوجب علي الصديق الاحتياط تداركا للأمر عند ظهور عدم القيام بين الزوجين، فالغالب أن الصديق - و قد كان حازما - احتاط لعقيلته، فشرط علي الزبير أمرا به تتطلق كريمته اذا تركته و شاع في الناس أنه نكاح الي أجل، ثم وضعت ألسنة الرواة علي لسان السيدة أسماء النكاح كان متعة بأجرة الي أجل لأن سادة قريش كانت تستنكف الاتجار بشرف المرأة و الصديق كان أسود و أغني من أن تمتع عقيلته نفسها بأجرة لضرورة أو ضعة هذا الذي وقع و من ادعي غيره فقد افتري». و نقول: الأحكام الشرعية تشمل جميع المكلفين لا فرق فيها بين أحد و أحد، يستوي ذات النطاقين و ذات النطاق الواحد، و أخت السيدة عائشة أم [ صفحه 384] المؤمنين و أخت أم‌جميل زوجة أبي‌لهب و الزبير حواري النبي و غيره. فاذا قلنا انه تزوج أسماء نكاح متعة كان هذا العقد منعقدا الي أجل فانقطع بانقضاء الأجل؛ لأن ذلك هو معني نكاح المتعة لغة و شرعا و عرفا و غيره يحتاج الي دليل و اثبات، و لا يكفي فيه التخرص بمقتضي الشهوات، فقوله: الغالب أن الصديق «الخ» تخرص علي الغيب و قول بغير علم و لو جاز مثله لجاز لكل أحد أن يقول الغالب كذا و الغالب كذا، فيؤول كل حديث لا يوافق هواه علي ما يوافق، و حينئذ تقع الفوضي في الدين و لا يسلم لنا خبر و لا حديث، فالألفاظ لها ظاهر يجب الأخذ به و العمل عليه و لا يجوز العدول عنه بقول الغالب أن المراد. علي أنه لو كان شي‌ء مما قاله واقعا لنقل و لاعتذر به ابن‌الزبير و أمه أسماء حين قال له ابن‌عباس: ان أول مجمر سطع في المتعة لمجمر آل الزبير، و حين قال: سل أمك عن بردي عوسجة؛ فانها لم تزد حين سألها علي أن قالت: يا بني، احذر هذا الأعملي الذي ما أطاقته الانس و الجن، و اعلم أن عنده علم فضائح قريش و مخازيها كما يأتي قريبا. و اذا كان الصديق حازما و الحزم يوجب عليه اشتراط أمر تنفسخ به عقدة النكاح عند ظهور عدم القيام، فلم لم يستعمل هذا الحزم الا في تزويج ابنته ذات النطاقين من الزبير حواري الرسول صلي الله عليه و آله و سلم؟ و لم لم يحتط هذا الاحتياط في تزويج أخته من الأشعث بن قيس الذي ارتد ثم تاب فردها اليه؟ و الأشعث كان أولي بأن يحتاط منه لأنه ليس في درجة الزبير، و كيف لم يوجب عليه الحزم الاحتياط هناك، و أوجبه عليه في حق حواري الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في تزوجه بذات النطاقين لشد سفرة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بنطاقها أو لشعة و لم يستعمل هذا الحزم غيره من الصحابة حين زوجوا بناتهم و أخواتهم، فلم ينقل أن أحدا منهم استعمل مثل هذا الحزم و اشترط مثل هذا الشرط، - و هم كانوا أولي بذلك - فليس كل بناتهم مثل ذات النطاقين تحسن التبعل و لا كل أصهارهم مثل حواري الرسول يطيع أوامر الله في زوجته. كل ذلك يدلنا علي أن هذا الشرط الذي صورته مخيلته لم يقع من الصديق و أنه مجرد اختلاق. و اشتراط أمر به تتطلق كريمته من زوجها الزبير اذا تركته قهرا عليه ينافي ما سبق منه من أن النكاح من أقوي العقود ينعقد انعقادا يبطل كل الشروط ولكن التناقض في كلامه [ صفحه 385] طبيعة. و نسبته الي السنة الرواة الوضع علي لسان السيدة أسماء أن النكاح كان متعة بأجرة أجل قدح في الصحابة أو من بعدهم من الرواة و نسبته لهم الي الكذب و الوضع علي لسان ذات النطاقين بنت الصديق أخت أم‌المؤمنين زوجة الحواري، و هو أيضا مناقض لقوله المتقدم أن الأخبار لم يبق فيها زيف أو دخيل و اعتراف منه بالوضع في أخباره و تكذيب لنفسه في ما ادعاه علي الشيعة مرارا أنها تضع و لا تحسن الوضع، و لعله رأي هنا أن رواته وضعت و أحسنت الوضع. وروي ابن أبي‌الحديد و غيره أن ابن‌الزبير خطب بمكة و ابن‌عباس تحت المنبر، فقال: ان هاهنا رجلا أعمي الله قلبه، كما أعمي بصره، يزعم أن المتعة حلال من الله و رسوله، الي أن قال: و قد قاتل أم‌المؤمنين و حواري رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. فقال ابن‌عباس لقائده سعيد بن جبير بن هشام مولي بني أسد بن خزيمة: استقبل بي وجه ابن‌الزبير و أرفع من صدري، و كان قد كف بصره فاستقبل به وجهه، و أقام قامته، فحسر عن ذراعيه، ثم قال: يا ابن‌الزبير: قد أنصف القارة من راماها أنا اذا ما فئة نلقاها ترد أولاها عن أخراها حتي تصير حرضا دعواها فأما العمي، فان الله تعالي يقول: (فانها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور) [الحج / 46]. الي أن قال: فأما المتعة فسل أمك أسماء اذا نزلت عن بردي عوسجة. و أما قتالنا أم‌المؤمنين فبنا سميت أم‌المؤمنين لا بك و لا بأبيك، فانطلق أبوك و خالك [437] الي حجاب مده الله عليها فهتكاه عنها، ثم اتخذاها فتنة يقاتلان دونها، وصانا حلائلهما في بيوتهما، فلا أنصفا الله و لا محمدا من أنفسهما اذ أبرزا زوجة نبيه وصانا حلائلهما، و أما قتالنا اياكم فانا لقيناكم زحفا فان كنا كفارا فقد كفرتم بفراركم منا و ان كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم ايانا، و أيم الله لولا مكان صفية فيكم و مكان خديجة فينا لما تركت لبني [ صفحه 386] أسد بن عبدالعزي عظما الا كسرته. فلما عاد ابن‌الزبير الي أمه سألها عن بردي عوسجة، فقالت: ألم أنهك عن ابن‌عباس و عن بني‌هاشم فانهم كعم الجواب اذا بدهوا؟ قال: بلي، و عصيتك. فقالت: يا بني احذر هذا الأعمي الذي ما أطاقته الانس و الجن و اعلم أن عنده فضائح قريش و مخازيها بأسرها، فاياك و اياه آخر الدهر. فقال في ذلك أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي من أبيات: يا ابن‌الزبير لقد لاقيت بائقة من البوائق فألطف لطف محتال ان ابن‌عباس المعروف حكمته خير الأنام له حال من الحال عيرته المتعة المتبوع سنتها و بالقتال و قد عيرت بالمال [438] . فاحتز مقولك الأعلي بشفرته حزا وحيا بلا قيل و لا قال [439] . و في العقد الفريد عن الشعبي أن ابن‌الزبير حين قال لابن عباس: أفتيت في المتعة؟ قال له ابن‌عباس في جملة كلام: ان أول مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير. [440] . و قوله: «سادة قريش كانت تستنكف الاتجار بشرف المرأة» تهويش بارد فاسد فانها اذا ثبتت حلية المتعة كان القائل بأنها اتجار بشرف المرأة رادا علي الله و رسوله و مستهزئا بأحكامه، و ليس في حلال امتهان لشرف، و يمكن أن يقال مثله في الدائم بأنه اتجار بشرف المرأة؛ لأنها تأخذ مقابل و طء الزوج لها ثمنا هو المهر و نفقة و نحو ذلك من العبارات الشعرية التي يقصد منها مجرد التنفير أو الترغيب، و لا تستند الي حق و لا صواب، و السيادة لا توجب لارتفاع علي أحكام الله و لا تجوز الاستكبار عنها و الاستنكار و اطاعة أمر الله ليس فيها ضعة علي أحد، و بذلك ظهر أن الذي وقع غير ما ادعاه و أندعوي وقوعه محض افتراء. [ صفحه 387]

زعمه النكاح المطلق لا يشمل المتعة و كل آية فيها النكاح تحريم لها

قال (ص 128): «النكاح اذا أطلق لم يكن يشمل نكاح المتعة لا لغة و لا شرعا»، و (في ص 152): «اذا أطلق النكاح لا ينصرف الا علي هذا العقد الدائم في تعارف أهل اللغة و عرف الشرع» و (في ص 165): «نسخت المتعة بكل آية نزلت في النكاح» و (في ص 135 و 136): «كل آية فيها حل النكاح أو تحريمه يدل علي تحريم المتعة فان النكاح اذا أطلق لا يشملها لا لغة و لا شرعا لا يطلق علي ماء الورد اسم الماء الا بالاضافة و لا يطلق اسم الأزواج و اسم امرأة الرجل و نساء المؤمنين علي المتمتع بهن. هذه بينة لغوية بيانية انكارها مكابرة و استكبار. (و الذين هم فروجهم حافظون الا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) [المؤمنون / 6](فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون) [المؤمنون / 7]. لا ريب أن التمتع ابتغاء وراء ذلك، فالتمتع عدوان و ذلك اشارة، و لا اشارة الا الي مشاهد، و لا مشاهد الا الأزواج، و مطلق الأزواج لا تشمل الا صاحبة تعيش معك في بيتك تملك عصمتها بنكاح مطلق دائم، و لم يرد لا في اللغة و لا في القرآن الكريم و لا في كتب العهدين العتيق و الجديد اطلاق اسم المرأة علي من يتمتع بها بأجرة أو بقوة، و جاء في أسفار التوراة اسم زانية و بغي علي من تمتع بها بأجرة و ترك عندها رهنا عصاه و خاتمه شارة رياسة و قوله النذيرة: (أني يكون لي غلام و لم يمسسني بشر و لم أك بغيا) [مريم / 20]حكاية لما كان عليه عصرها سمته بغاء و بغيا ثم قص القرآن قول اليهود: (ما كان أبوك امرأ سوء و ما كانت أمك بغيا) [مريم / 28]فجعل التمتع بغاء من جانب المرأة و سوء أسوأ من جانب الرجل». و نقول: بلغ من جهل هذا الرجل و تعصبه و عناده أن يستدل في أكثر المواضع بعين الدعوي، و يرتب أقيسة صغرباتها ممنوعة، و يستنتج منها نتائج باطلة، و كان الأولي بنا عدم تضييع الوقت في رد كلامه هذا الذي يعد من المهملات لولا طبع كتابه و انتشاره، و أخذنا علي أنفسنا رده، فزعمه أن النكاح اذا أطلق لا يشمل المتعة لا لغة و لا شرعا افتراء علي اللغة و الشرع، بل هو [ صفحه 388] نكاح لغة و شرعا. و المتمتع بها زوجة لغة و شرعا. في الكشاف في تفسيراته(الا علي أزواجهم): فان قلت هل فيه دليل علي تحريم المتعة قلت: لا؛ لأن المنكوحة نكاح المتعة من جملة الأزواج. [441] . و في القاموس: النكاح الوطوء و العقد له [442] و قياس ذلك علي الماء و ماء الورد غير صحيح، بل هو كالماء و ماء البحر و ماء النهر، فما جعله بينة لغوية بيانية لا بينة فيه لا لغوية و لا بيانية الا عند من يريد المكابرة و الاستكبار علي أنه لو سلم جدلا أن النكاح المطلق لا يشمل المتعة لم يصح أن يعلل به، قوله: «ان كل آية فيها حل النكاح أو تحريمه يدل علي تحريم المتعة» لأن تحليل شي‌ء أو تحريمه لا يدل علي تحريم غيره، فاذا قال الشارع: خلق الله الماء طهورا لا يدل علي أنه خلق ماء الورد نجسا، و لو قال: الماء نجس لم يدل علي أن ماء الورد نجس، فهذا نوع آخر من استدلالات هذا الرجل المنبئة عن جهله المطبق. و قد ظهر أنه لا ريب في بطلان قوله: «لا ريب أن التمتع ابتغاء وراء ذلك، و أن قوله الأزواج لا تشمل الا صاحبة تعيش معك في بيتك بنكاح دائم». لم يزد فيه علي مجرد الدعوي كأكثر دعاواه، و أن الصاحبة التي تعيش معك في بيتك تشمل الدائمة و المنقطعة، و الأجل يمكن كونه عشرات السنين و أن دعواه عدم اطلاق المرأة و الزوج علي من يتمتع بها في اللغة و القرآن الكريم افتراء علي اللغة و القرآن الكريم، بل يشملهما اسمهما بلا ريب كما مر عن الكشاف، و أن قوله علي من يتمتع بها بأجرة مجرد تضليل و سوء قول دعاه اليه حب التشنيع بالباطل لسوء طويته و لا ينطق به الا جاهل، و قوله أو بقوة لا يفهم له معني و لو فهم مراده منه لكان كسائر هذيانه و كلام التوراة الذي استشهد به لم ينقل لفظه ليعلم انطباقه علي ما يدعيه، و هبه كذلك فما لنا و لكلام التوراة [ صفحه 389] المنسوخ و كتب العهدين الذين أولع، و شغف بالاستشهاد بهما في كل مناسبة يكفينا عنها كتاب ربنا و سنة نبينا و لغة قومنا، و دعواه أن قول مريم عليهاالسلام (و لم أك بغيا) حكاية لما كان عليه عصرها و أن الذي كان فيه هو المتعة افتراء علي البتول و بغي علي الشرائع، فليس في كلامها الا أنها لم تكن زانية و كذلك قول اليهود، فترهاته هذه لا ترتكز علي أصل و لا أساس.

زعمه آيات الطلاق و متاع التسريح و العدة تدل علي تحريم المتعة

قال (ص 136) ما حاصله: «آية (اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن و سرحوهن سراحا جميلا) [الأحزاب / 49]دلت علي أن عقد النكاح المشروع لا ينقطع الا بطلاق و نكاح المتعة ينقطع بغير طلاق، و لا يوجب متاع التسريح فلا يكون مشروعا و علي أن العقد لا يوجب العدة الا بعد المس و المس لا يوجب العدة الا علي الأزواج. (و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا) [البقرة / 234](و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة / 228]، فكل نكاح لايوجب به القرآن عليها العدة باطل بالضرورة و لا آية أوجبت عدة متعة». و نقول: هذا استدلال غريب و استنباط عجيب قاده اليه رأي غير مصيب. أولا: آية اذا نكحتم المؤمنات واردة في بيان حكم الطلاق و لا طلاق الا في الدائم، و كل مفادها أن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها و لها المتعة، و فهم من آية تنصيف المهر لمن فرض لها مهر أن المتعة لمن لم يفرض لها مهر و ليست مسوقة لبيان عن عقد النكاح بماذا ينقطع بل لبيان أنه اذا انقطع بالطلاق قبل الدخول فلا عدة عليها و لها المتعة مع عدم تسمية المهر، فأين هي من الدلالة علي أن عقد المتعة غير مشروع؛ لأنه ينقطع بغير طلاق، و لا يوجب متاع التسريح هي بعيدة عن ذلك أبعد من السماء عن الأرض و لا يستدل بها عليه من عنده ذرة من فهم. [ صفحه 390] ثانيا: عقد النكاح المشروع ينقطع بالموت و العيب و الخلع و المباراة بناء علي أنهما غير الطلاق، فقوله: لا ينقطع الا بطلاق، غير صحيح. ثالثا: دعواه أنها دلت علي أن العقد لا يوجب العدة الا بعد المس، باطلة؛ فانها انما دلت علي أن عدة الطلاق لا تجب الا بالمس لا مطلق العدة. رابعا: قوله: و المس لا يوجب العدة الا علي الأزواج، من توضيح الواضح و التطويل بلا طائل. خامسا: تعليل ذلك بآية عدة الوفاة غير صحيح؛ لأن عدة الوفاة تجب علي المدخول بها و غيرها كما مر. سادسا: كون كل نكاح لا يوجب به القرآن عليها العدة باطلا بالضرورة؛ لأن جميع الأحكام لا يجب أخذها من القرآن، بل بعضها يؤخذ من السنة. سابعا: قوله و لا آية أوجبت عدة في المتعة، باطل؛ لأن آية عدة الوفاة تشمل الدائمة و المنقطعة، و عليه فتوي أئمة أهل البيت و علمائهم، أما عدة انقضاء الأجل مع الدخول فثبتت بالسنة.

زعمه آيات الطلاق و الصداق و غيرها تدل علي تحريم المتعة

قال (ص 137): «من وجوه تحريم المتعة كل آيات الطلاق و الصداق و العدة و المواريث و الحقوق (و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف) [البقرة / 228]تدل دلالة ظاهرة قطعية تفيد اليقين علي أن العقد الحلال انما هو هذا النكاح الذي تثبت به كل هذه الأشياء و هذه الحقوق، فكل عقد لا يترتب عليه طلاق و لا ارث و لا يكون فيه لها مثل الذي عليها لا يكون حلالا هذه بينته في كل الشرائع و كل القوانين». و نقول: هذا استدلال آخر من استدلالاته العجيبة التي لا ترتكز علي أصل معطوف علي ما سبق، فأحكام الشرع تابعة لأدلتها و عناوين موضوعاتها: (و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر / 7]فاذا دل الدليل علي حلية المتعة وجب الأخذ به، و اذا جاء في الشرع: أن الطلاق لا يكون الا في الدائم، [ صفحه 391] و أن المتمتع بها لا يقع بها الطلاق، و تبين بانقضاء العدة، وجب الأخذ به و لم يكن بينهما تناف و لا مخالفة للآيات، و أما الصداق فثابت في كل منهما، قل أو كثر بغير فرق، و العدة ثابتة علي كل منهما في الوفاة من غير فرق، و في الطلاق مع الفرق بالأدلة الفارقة، و ليس في ذلك ما يخالف آيات القرآن. و أما الميراث، فلو لم تخصص آيات المواريث بالدائمة بالأدلة الصحيحة لقلنا به في الكل، فلما قام الدليل علي التخصيص قلنا به و لم يكن فيه مخالفة للآيات، و هكذا الكلام في الحقوق، فظهر أن هذه الآيات لا تدل دلالة قطعية و لا ظنية علي حصر العقد الحلال في النكاح الذي تثبتت به هذه الأشياء و هذه الحقوق، و أنه اذا دل دليل علي عدم ثبوت بعضها في نوع من أنواع النكاح لم يكن ذلك منافيا لتلك الآيات، و أن قوله كل عقد لا يترتب عليه هذه الأشياء لا يكون حلالا جزاف من القول لا يستند الي دليل و لا برهان و أنه لا بينة من ذلك في شي‌ء من الشرائع، و أما قوانين الدول فليست مستندا لأحكام الشرع الا عند هذا الرجل الذي يستشهد بها و بالكتب المنسوخة.

عدم ارث القاتلة و الكافرة و عدم نفقة الناشز

قال (ص 137): «و المجادل الذي يتحيل في دحض الحق بالباطل يقول القاتلة و الكافر لا ترث و الناشزة لا نفقة لها. و قوله في عقيدته باطل؛ لأن السقوط عند قيام المانع لا ينافي و لا ينفي الوجوب بأصل العقد، و لعل هوي التشيع يبيح التشييع، و أن يقول شيعي لعامي قولا يراه في أصل فقه مذهبه باطلا. فعقد القاتلة انعقد موجبا للأرث، و الناشزة للنفقة؛ و انما سقط الحق الثابت بمانع حدث بعد. و عقد الكافرة انعقد موجبا للارث و سقط الأرث بمانع قائم حين العقد قصاصا لأنها لا تري الأرث بدينها، أما اذا كانت تري الارث بدينها أو بقانون الدولة فالارث ثابت بالعقد لا يسقط باختلاف الدين». و نقول: لهذا المجادل المتحيل لدحض الحق بالباطل الذي لا تخلو كلمة من كلماته من سوء القول الذي لا يعتمده الا جاهل: ان من يحرم المتعة قد استدل علي تحريمها بحصر النكاح المحلل في [ صفحه 392] الزوجة و ملك اليمين (الا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) [المؤمنون / 6]و ليست المتمتع بها ملك يمين، و هو واضح ولا زوجة، و الا لورثت و وجبت نفقتها، فلما لم ترث و لم تجب نفقتها؛ دل علي أنها ليست بزوجة. فأجابهم أصحابنا بأن انتفاء الارث أو النفقة لا يوجب انتفاء الزوجية لانتفاء الارث في القاتلة و الكافرة، و النفقة في الناشز مع بقاء الزوجية تدل علي أنه لا ملازمة بين الزوجية و الارث، و لا بينها و بين النفقة بحيث كلما وجدت وجدا، و كلما انتفيا انتفت، تكون الوجوب بأصل العقد و السقوط لمانع لا يضر شيئا حيث ثبت امكان تخلف الارث و النفقة عن الزوجية سواء أكان ذلك لمانع طاري‌ء أو لمانع من أول الأمر، فبطل الاستدلال بانتفاء الارث و النفقة علي انتفاء الزوجية، فكما جاز أن ينتفي الارث أو النفقة لحصول مانع مع اقتضاء العقد لهما جاز أن ينتفيا لحصول مانع من أول الأمر كما اعترف هو في الكافرة؛ لكنه أراد أن يتحيل لدحض الحق بالباطل فلم تتم حيلته، فقال: ان سقوط ارثها كان قصاصا لأنها لا تري الارث بدينها. نحن نقول: لا ملازمة بين الزوجية و الارث، فانتفاؤه لا يوجب انتفاءها؛ لأن الزوجة الكافرة لا ترث اجماعا، و انتفاء ارثها لا يوجب انتفاء زوجتها سواء أكان ذلك قصاصا أم غير قصاص، فالمتمتع بها كذلك و الزوجة الكافرة و المتمتع بها كلاهما فيها مانع الارث من حين انعقاد الزوجية، فلا يجي‌ء في الكافرة الجواب الذي لفقه في القاتلة من أن أصل العقد مقتضي للارث و ان سقط الارث بمانع حادث. و جعله الارث ثابتا اذا كانت تراه بدينها، أو بقانون الدولة لا يفهم له معني، فاذا أراد ارثها من المسلم فهو منتف بالاجماع، سواء أكانت تري الارث بدينها أم لا، بل أجمع أهل نحلته علي عدم التوارث من الجانبين مع اختلاف الدين، و أي مدخل لقانون الدولة في أحكام الشرع. و ان أراد ارث الكافرة من الكافر فهو غير محل الكلام، فظهر أن قول الشيعة في رد هذا الاستدلال لا يخالف أصول الفقه عندهم، و أنهم لم يحتجوا علي غيرهم بما يرونه باطلا في عقيدتهم كما تشدق به، و تفاصح بقوله هوي التشيع يبيح التشييع و هو بعيد عن الفصاحة قريب من أن يكون مهملا. [ صفحه 393]

آية و ابتغوا ما كتب الله لكم

و قال (ص 138) ما حاصله بعد حذف كثير من عباراته الفارغة: «من وجوه تحريم المتعة قوله تعالي: (و ابتغوا ما كتب الله لكم) [البقرة / 187 ]و قد كتب الله لنا في حل النكاح مقاصد مطلوبة أصلية قضاء الوطر فيها مطلوب تابع، فالنكاح لم يشرع لمجرد قضاء الوطر؛ بل لأغراض مشروعة مطلوبة و سفح الماء في الشهوة و اقتضاء الشهوة بالمتعة لا يقع وسيلة الي المقاصد التي كتب الله لنا، فلا يكون مشروعا، و هذا برهان عقلي بمعني معقول افادته نصوص الكتاب الكريم الحكيم. المتعة لا ينبني عليها المجتمع؛ الا اذا كان شيوعيا يشترك في نسوته رجاله أو يشرك كل امرأة في نفسها رجاله. المتعة لا ينبني علي قواعدها بيت عائلة أو أسرة، و لا يقول علي عمودها نسب، و لا تنمو من نواتها شجرة لها أغصان و لها أفنان، و كل هذه مقاصد أصلية مطلوبة في بقاء النوع بالنكاح، فحيث لا تتحقق يقينا لا يكون فيها النكاح مشروعا، فنكاح المتعة باطل بحكم الكتاب و نصوصه الظاهرة». و نقول: الأحكام الشرعية انما تثبت بنص الشرع لا بهذه الخزعبلات، و المقاصد المطلوبة الأصلية التي كتب الله لنا كما تتحقق في الدائم تتحقق في المتعة، فانها أحد قسمي النكاح بلا فرق سوي الأجل و الطلاق. و جعله المتعة نظاما شيوعيا يشترك فيه الرجال في النساء و النساء في الرجال افتراء منه علي الحق، و اجتراء علي الله و رسوله و دينه. متي كانت المتعة كذلك و هي تزويج بعقد و مهر وعدة كالدائم، فأي اجتراء و افتراء أعظم من جعلها نظاما شيوعيا، و المتعة ينبني علي قواعدها بيت عائلة، و يقول علي عمودها نسب و ولدها ولد شرعي، و تنمو من نواتها شجرة لها أغصان و أفنان، و ان افتري موسي تركستان و أكثر من الهذيان فانها لا تفترق عن الدائم الا بالأجل الذي يجوز أن يكون عشرات من السنين، فهذه الفلسفة الباردة التي سماها برهانا عقليا أفادته نصوص الكتاب ما هي الا سفسطة و مخرقة و نصوص الكتاب بريئة منها بعيدة [ صفحه 394] عنها، و لا تزيد أن تكون اجتهادا واهيا سخيفا في مقابل نصوص الكتاب، و زعمه أن نكاحها باطل بحكم الكتاب و نصوصه الظاهرة باطل بحكم الكتاب و السنة و نصوصهما القطعية؛ علي أنه يلزم علي مقتضي فلسفته هذه ألا يكون نكاح التي علم أنها لا تلد ليأس أو غيره مشروعا لأنه لم يقصد به الا سفح الماء في الشهوة، و لا تتحقق به تلك المقاصد الأصلية المطلوبة التي ذكرها.

فتوي ابن جريج فقيه مكة باباحة المتعة

قال (ص 133): «و قد أسرف في القول باباحة المتعة فقيه مكة ابن‌جريج كما كان يسرف في العمل بها حتي أوصي بنيه بستين امرأة، و قال: لا تتزوجوا بهن فانهن أمهاتكم و قد روي أبوعوانة في صحيحه عن ابن‌جريج عن هذا المسرف المتمتع أنه قال لهم بالبصرة: اشهدوا أني قد رجعت عن المتعة. أشهدهم بعد أن حدثهم فيها ثمانية عشر حديثا أنه لا بأس بها، و بعد أن شبع و عجز». و نقول: نسبته ابن‌جريج الي الاسراف في القول و العمل اسراف منه، و ليس هو أهلا لأن يتجرأ و يقول هذا القول في ابن‌جريج، فقيه الحرم، و أحد الأعلام و الأئمة الحفاظ الفقهاء المحدثين، و من أوعية العلم و العباد، صائمي الدهر، و من لم ير أحسن صلاة منه، و من تظهر عليه خشية الله، و هو من أهل نحلته، و ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ، فقال: ابن‌جريج الامام الحافظ، فقيه الحرم، أبوالوليد و يقال، أبوخالد عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج الرومي الأموي، مولاهم المكي الفقيه صاحب التصانيف أحد الأعلام، حدث عن جماعة وروي عنه السفيانان و مسلم بن خالد و ابن‌علية و حجاج بن محمد و أبوعاصم و روح و وكيع و عبدالرزاق و أمم سواهم، قال أحمد بن حنبل: كان من أوعية العلم؛ و هو ابن أبي‌عروبة أول من صنف الكتب، و قال عبدالرزاق: ما رأيت أحدا أحسن صلاة من ابن‌جريج، كنت اذا رأيته علمت أنه يخشي الله. و يقال: ان عطاء قيل له من نسأل بعدك؟ قال هذا الفتي ان عاش، يعني ابن‌جريج. و قال أبوعاصم: كان ابن‌جريج من العباد و كان يصوم الدهر الا ثلاثة [ صفحه 395] أيام من الشهر و كانت له امرأة عابدة. و عن عبدالرزاق، كان من ملوك القراء و خرجنا معه فأتاه سائل فأعطاه دينارا، قال جرير كان ابن‌جريج يري المتعة تزوج ستين امرأة، قال ابن‌عبدالحكم: سمعت الشافعي يقول: استمتع ابن‌جريج بتسعين امرأة حتي أنه كان يحتقن في الليلة بأوقية شيرج طلبا للجماع، قال ابن‌قتيبة مولده بمكة سنة 80 [443] و قال الواقدي: مات سنة 150 [444] و اخباره أهل البصرة أنه رجع عن المتعة بعد ما روي فيها ثمانية عشر حديثا أنه لا بأس بها و بعدما تمتع بستين أو تسعين امرأة الله أعلم بصحته و لو كان صحيحا لأشار الذهبي في ترجمته، فما هو الا موضوع مختلق، و كيف يمكن أن يرجع عن القول بها بعدما روي ثمانية عشر حديثا أنه لا بأس بها الا أن يراد بالرجوع تركها لكبر سنه.

خبر عبدالله الليثي مع الباقر

قل (ص 124): «في الكافي و التهذيب: سألنا الباقر عن المتعة؟ فقال: أحلها الله في كتابه و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و سلم نزلت في القرآن: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) [النساء / 24]فهي حلال الي يوم القيامة. فقيل له: يا أباجعفر مثلك يقول هذا و قد حرمها عمر، فقال: و ان كان فعل. فقيل: فانا نعيذك بالله من ذلك أن تحل شيئا حرمه عمر؟ فقال: أنت علي قول صاحبك و أنا علي قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، هلم ألاعنك أن القول ما قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أن الباطل ما قاله صاحبك، فأقبل عبدالله الليثي و قال: أيسرك أن نساءك و بناتك و أخواتك و بنات عمك يفعلن ذلك فأعرض الباقر عليه‌السلام حين ذكر نساءه و بنات عمه». [445] . و في (ص 142): «فكيف يكون امام دين يستجيز في بنات الأمة أمرا اذا [ صفحه 396] ذكر في نسائه و بنات عمه يظل وجهه مسودا و هو كظيم يعرض غضبان، يتواري من سوء ما ذكر به بناته، فهل يمكن أن يستجيز شرع القرآن في بنات نبيه. (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم) [الأحزاب / 6]فالمؤمنون أخوة أبوهم النبي و أزواجه أمهاتهم و بنات الأمة بناته». و في (ص 140): «لا نشك أن الليثي قد أغلظ و أساء الأدب في خطاب الامام بهذا. و لو أنه ذكر للباقر عليه‌السلام قصة لوط عليه‌السلام: (يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله و لا تخزون في ضيفي) [هود / 78]لكفي و لأصاب و لم يسي‌ء الأدب. قصة عرض لوط بناته لا محمل لها الا نكاح المتعة و لا يستحلها لوط الا في غاية الضرورة و النبي لوط عليه‌السلام و قد وقع في غاية الضرورة، و لم ينس غاية الأدب فاكتفي بعرض بناته، و ما اعتدي بعرض بنات الأمة». و قال (ص 141): «قصة عرض لوط بناته تدل دلالة أدبية علي تحريم المتعة مثل تحريم الزنا، فان قول القائل الكريم، أحمل عار بناتي أهون علي من أن أحمل عارا في ضيوفي، معناه: ان عار الضيوف أقبح. هذا أدب قديم عادي و كرم سامي، أما التمتع ببنات الأمة فأدب شيعي و كرم شيعي، هذا هو عذر الليثي في خطاب أوجب اعراض الامام و هذا عذر يقطع الكلام و لا يترك مجالا لامتهان و لا لعان». و في (ص 142): «كنت لا أزال أتعجب تعجب حيرة من قوم كانوا يأتون الذاكران و يذرون ما خلق لهم ربهم من أزواجهم و هم قوم عاد كيف قالوا في بنات خيرات حسان عرضهن لهم أبوهن: (لقد علمت ما لنا في بناتك من حق و أنك لتعلم ما نريد) [هود / 79]و هذا القول أدب نزيه جليل كان ينبغي أن يكون لفقيه حكيم، و امام كريم يكرم أمته تكريما، و يحترم ملته احتراما، و هذه عبرة عابرة فهل من معتبر (و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) [القمر / 17]. و نقول: انما أعرض الامام الباقر عن عبدالله الليثي حين ذكر نساءه و بنات عمه؛ لما بدا منه من الجفاء، و الغلظة، و سوء الأدب من ذكر نسائه و بنات عمه في مجالس الرجال في معرض التشنيع و التهجين المنافي للشهامة و الغيرة، عملا [ صفحه 397] بقوله تعالي (و اعرض عن الجاهلين) [الأعراف / 199]و أشد منه جفاء و غلظة و سوء أدب، قول هذا الرجل في حق امام أهل البيت و باقر علوم جده صلي الله عليه و آله و سلم يظل وجهه مسودا و هو كظيم يتواري من سوء ما ذكر به بناته، و مثل هذا قد تكرر منه مرارا، أما تمويهه هذا الذي كرره مرارا علي عادته، فقد كررنا جوابه أيضا بأن الأحكام الشرعية تتبع الدليل و لا تتبع التمويه و التهويل، فالمتعة ان كان عليها دليل شرعي لم يكن لقوله كيف يستجيز في بنات الأمة كذا؟ بنات الأمة بناته، و أمثال هذه الألفاظ، و ان لم يكن عليها دليل بطلت سواء أكن بنات الأمة بناته أم لا؟ و اعراض الامام الباقر عليه‌السلام عن الليثي لما عرفت مما لا يرتبط بحلية المتعة أو بحرمتها و اباحة الأشياء لا ترفع قبح ذكر بعض الأمور في المجالس و المحافل و ذكر النساء في مجالس الرجال، فهل اباحة الفعل تسوغ أن يقال لرجل: أيسرك أن ابنتك يطأها زوجها، و يتفخذها، و يضاجعها و يضمها، و يقبلها؟ و هل اذا قيل له ذلك فأعرض و غضب و زجر المتكلم يكون ملوما؟ و يسوغ أن يقال له: كيف تستجيز في بنات الأمة أمرا اذا ذكر في بنتك غضبت و ترجرجت؟ و هل يدل علي أن تلك الأمور محرمة؟ بل اباحة الفعل بالأصل لا ترفع قبحه من بعض الناس، كالأكل علي الطريق، و غير ذلك مما لا يحصي، و اذا كانت المتعة مباحة فلا يلزم أن يفعلها كل أحد، فكم من مباح تيرك تنزها و ترفعا. و نظير ما قاله الليثي للباقر عليه‌السلام [446] ما قاله بعض أئمة المذاهب لبعض أصحاب الأئمة عليهم‌السلام، فقال له: ما قولك في المتعة؟ فقال: حلال. فقال: أيسرك أن يتمتع بناتك أو أخواتك؟ قال: ما شأن البنات و الأخوات هنا. شي‌ء أحله الله و ان كرهته نفسي، فما حيلتي ولكن ما قولك في النبيذ فقال: هو حلال، فقال أيسرك أن تكون بناتك و أخواتك نباذات. قال: شي‌ء أحله الله و ان كرهته نفسي فما حيلتي [447] و جواب ابن‌عمر المشهور المعروف حين قيل له: [ صفحه 398] ان أباك حرمها هو عين جواب الامام الباقر و قد رواه الترمذي [448] و لم نر أحدا اعترض عليه بمثل اعتراض هذا الرجل علي الامام الباقر عليه‌السلام بكلامه الخشن البذي‌ء. و أما تعليمه لليثي بأنه لو ذكر الباقر عليه‌السلام قصة لوط عليه‌السلام لكفي و لأصاب و لم يسي‌ء الأدب. فهو لم يخرج به عن الخطأ و اساءة الأدب بأفحش أنواعها بنسبة نبي الله لوط عليه‌السلام الي أنه بناته للزنا، و نسبة الامام الباقر عليه‌السلام باقر العلم كما سماه جده صلي الله عليه و آله و سلم الي أنه جهل ما اهتدي هو اليه بزعمه، و الامام الباقر عليه‌السلام يعلم من تفسير القرآن و معانيه ما لا يعلمه هو و لا الليثي و لا غيرهما من جميع العلماء، و قد خلف بهذا الذي نسبه الي لوط عليه‌السلام أقوال أئمة المفسرين. ففي مجمع البيان في تفسير (هؤلاء بناتي)، معناه أن لوطا لما هموا بأضيافه عرض عليهم نكاح بناته، و قال هن أحل لكم من الرجال، فدعاهم الي الحلال قيل: أراد بنته لصلبه عن قتادة، و قيل: أراد النساء من أمته لأنهن كالبنات له، فان كل نبي أبوأمته، و أزواجه أمهاتهم عن مجاهد و سعيد بن جبير، ثم قيل: عرضهن بالتزويج و كان يجوز في شرعه تزويج المؤمنة من الكافر كما كان في أول الاسلام ثم نسخ، و قيل: أراد التزويج بشرط الايمان عن الزجاج، و قيل كان لهما سيدان مطاعان فيهم فأراد أن يزوجهما بنتيه زعوراء وريتاء [449] فظهر أن قوله قصة عرض لوط بناته لا محمل لهاالا المتعة افتراء علي كتاب الله و علي نبيه، و أن قوله أن لوطا عليه‌السلام وقع في غاية الضرورة، و لم ينس غاية الأدب، فاكتفي بعرض بناته و ما اعتدي بعرض بنات الأمة - تعريضا بالامام الباقر عليه‌السلام - لا بقوله من عنده أدني فهم، فلوط عليه‌السلام لم يكن ليعرض بناته الا للحلال كما يدل عليه قوله (هن أطهر لكم) و لم يكن ليدفع الحرام [ صفحه 399] بالحرام، و أن نسبة عرض بناته بالحرام اليه اساءة أدب عظيمة، و ضرورة دفع اللواط لا تجوز عرض الزنا، و لم يصل الي ذلك الا علم هذا الرجل و الدلالات التي خلقها الله تعالي و عرفها العلماء هي ثلاث، ولكن هذا الرجل بعلمه الجم و ذهنه الحاذق اخترع دلالة رابعة هي الدلالة الأديبة، فاستدل بها علي حرمة المتعة، و جعل قول القائل الكريم أحمل عار بناتي أهون من أن أحمل عارا في ضيوفي أدبا قديما عاديا و كرما ساميا، و جعله عذرا لليثي في اساءته الأدب مع الامام الذي أوجب اعراضه عنه. نعم، هذا أدب لكنه أدب حديث تركستاني و كرم جديد خرافي اطلع الله عليه هذا الرجل، و لم يطلع عليه أحدا من خلقه سواه، فخرج به عن دائرة الأدب مع أئمة أهل البيت عليهم‌السلام و شيعتهم و مع أنبياء الله عليهم‌السلام فنسب نبي الله لوطا عليه‌السلام الي عرض بناته للزنا دفعا للواط بضيوفه لأن عار الضيوف أقبح، فأي أدب و كرم يصل الي درجته و يلزم علي قياس قوله هذا أن رجلا لو جاءه قوم يريدون أن يفعلوا بضيوفه فعل قوم لوط فعرض نفسه لهم أن يكون ذلك منه أدبا عاديا و كرما حاتميا ساميا. و هذا عذر بقطع الكلام فان من يجعل عرض نبي من الأنبياء بناته للزنا من الأدب و الكرم لا مجال للكلام معه، و لا أزال أتعجب من استنباطات هذا الرجل و تمحلاته التي لا يساعد عليها لفظ، و قد زاد تعجبي منه الآن حيث قد أدي به تفكيره بعد طول حيرة الي أن يجعل اللوطيين اللواط المحرم الفاحش علي النكاح المحلل الطاهر هو أدبا نزيها جليلا كان ينبغي أن يكون لفقيه حكيم و امام كريم، و لسنا ندري كيف استفاد من قولهم (ما لنا في بناتك من حق) [هود / 79]انه أدب نزيه جليل، و كأنه حمله علي أنه عرضهن عليهم للزنا، فأبوا الزنا، فلذلك جعله أدبا نزيها جليلا أو علي أنهم أبوا الزنا بهن لأنهن بناته احتراما له، و كلاهما غير صواب فلوط عليه‌السلام عرض بنات عليهم للتزويج الملل لا المحرم فأجابوه بأنه قد علم أنه لا أرب لعم و لا رغبة في نكاح الاناث و أنا يريدون نكاح الذكور، و حالهم كان معلوما مشهورا عنده و عند غيره فهذه عبرة عابرة من جملة عبر هذا الرجل، فهل من معتبر. [ صفحه 400]

زعمه النكاح هزله جد فلا ينعقد الا دائما

قال (ص 165): «لا تنكر الشيعة أن النكاح جده جد و هزله جد، و ما يكون هزله جدا اذا انعقد لا ينعقد الا لازما أقوي من عقد البيع يوجب ملكا لا يرتفع الا بالموت أو بالطلاق و انقطاع المتعة بدون طلاق لم يكن الا من عدم الانعقاد». و نقول: هذا الكلام هو بالهزل أشبه منه بالجد، و الي الهذيان أقرب منه الي القصد. العقود كلها يشترط فيها القصد، و الهزل ليس له أثر عند الشيعة في جميع العقود، و كونه لا يرتفع الا بالموت أو بالطلاق استدلال بعين الدعوي و هو في كلامه كثير، بل هو نوعان أحدهما: يرتفع بما ذكر و الآخر بانقضاء الأجل، و جعله الانقطاع بدون طلاق دليل عدم الانعقاد طريف جدا، فان كل عقد مؤجل ينقطع بانقطاع الأجل كالاجارة التي تنتهي بانتهاء أجلها و ذلك دليل الانعقاد و لو كان غير منعقد لم يحتج الي انقضاء الأجل.

خبر النوبية و مرعوش

ذكر (في صفحة 141) فضائل الخليفة الثاني، ثم قال: «حتي أن نوبية أعتقها عبدالرحمن بن خالد و كانت ثيبة رؤيت حبلي، و اعترفت أنها حبلت من مرعوش بدرهمين، فأمر بها عمر فجلدت مائة ثم غربت، و سقط الحد لأنها جاهلة و لم يكن علي ليسكت و قد شهد عذاب مؤمنة مسكينة جاهلة، و علي يعلم أن المتعة بدرهمين حلال و شعار لبيت النبوة». و نقول: من ضروريات الفقه الاسلامي أن الحدود تدرأ بالشبهات، فلو كانت تزوجت متعة بدرهمين؛ لكان ذلك شبهة دارئة للحد بالاجماع، فكيف يحدها الخليفة مائة حد الزاني غير المحصن مع وجود الشبه و الجهل. و قوله: سقط الحد لأنها جاهلة لا يفهم له معني؛ لأنه مناقض لقوله: فأمر فجلدت مائة و ان كانت محصنة و سقط حد الرجم لجهلها، فلماذا جلدت مائة؟ و القضية ان صحت ظاهرة في الزنا أو هي مجملة و كيف كان فلا يصح الاستشهاد بها و لم [ صفحه 401] يتيسر لنا حين التحرير ماجعتها. و تكريره قول و شعار لبيت النبوة و ما في معناه مظهرا له بمظهر السخرية لايدل الا علي جهله و قلة بضاعته و أنه أحق بالسخرية.

آية: (و اذ أسر النبي)

ذكر (في ص 128) و أشار اليه (في ص 142): «قيل للصادق عليه‌السلام هل تمتع النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال نعم: و قرأ (و اذ أسر النبي الي بعض أزواجه) [التحريم / 3]حديثا و أطال في ذلك و كرر علي عادته في أنه ان لم يكرر الشي‌ء عشرا فما فوق فلا أقل من مرتين و شنع ما شاءت له بذاءة لسانه. و لا نعلم من أين نقل هذا الذي عزاه الي الصادق عليه‌السلام و لا يصح أن ينسب الينا في تفسير القرآن غير ما ذكره أكابر مفسرينا كالشيخ الطوسي في التبيان، و الطبرسي في مجمع البيان، و جمع الجوامع دون غيرها، و أمامنا الآن مجمع البيان و قد ذكر في تفسير الحديث الذي أسره النبي صلي الله عليه و آله و سلم الي بعض أزواجه وجوها كثيرة منها: أنه كان يتعلق بمارية القبطية عن الزجاج، و في خبر: أنه يتعلق بمن يملك بعده [450] و ليس فيها هذا الذي ذكره، فأطالته في ذلك و تشنيعه لا يعود بالشناعة الا عليه.

تصديق المرأة في أنها خلية من زوج

تعجب (في ص 145) من تجويز الصادق عليه‌السلام التمتع بمن تدعي أنه ليس لها زوج و عدم ايجاب التفتيش. و هذا التعجب في غير محله، فالنساء مصدقات في مواضع كثيرة بدون قيام البينة في الحيض و الطهر و انقضاء العدة و غير ذلك، فاذا أفتي الامام الصادق عليه‌السلام وارث علم جده الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بتصديقهن في الخلو من الزوج لم يكن ذلك محل تعجب و لا استغراب، كما لم يكن محل تعجب و لا استغراب [ صفحه 402] فتوي الامام أبي‌حنيفة كما ذكره الخطيب في تاريخ بغداد بأنه اذا شهد شاهدان عند القاضي بأن فلانا طلق زوجته، و هما يعلمان بأنهما كاذبان، فحكم القاضي بطلاقها، جاز لأحد الشاهدين أن يتزوجها. [451] .

المحلل و المحلل له

قال (ص 146): «الشارع لعن المحلل و المحلل له، و المحلل لم يلعنه الا لأنه نكاح متعة و لو كان نكاح المتعة جائزا لما كان للشارع أن يلعنه، و لكان لعنه جهلا من الشارع لشرعه، ثم لكان لغوا قول القرآن: (فان طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا) [البقرة / 230]لأن حرمة المرأة بعد الثلاث لزوجها الأول تنتهي بذوق العسيلة و الانتهاء بالذوق قد نص عليه الشارع». و نقول: هذا أيضا من استدلالاته و استنباطه الغريبة التي انفرد بها و خبط فيها خبط عشواء، و ليس لها معني محصل، بل من نوع الهذيان فان نكاح المحلل نكاح دائم لا نكاح متعة بالاتفاق؛ لاحتياجه الي الطلاق كما دل عليه قوله: (فان طلقها) فخبط و خلط نكاح المحلل بنكاح المتعة. و المحلل له لعنهما الشارع؛ لأنهما فعلا فعلا دنيئا فكان فعلهما مكروها، و المكروه قد ورد اللعن عليه في موارد كثيرة كالنائم في البيت وحده و المسافر وحده، و الأكل طعامه وحده، و المحلل شبه في الشرع بالتيس المستعار، و المحلل له قد طلق زوجته ثلاثا ففعل ما يوجب تحليلها، فصار ملوما بذلك و يدل كلامه علي أن نكاح المحلل محصور في نكاح المتعة، و لذلك لعنه الشارع، و لولا ذلك لم يكن له أن يلعنه، و لكان لعنه جهلا من الشارع لشرعه، و الحال أن نكاح المحلل محصور في النكاح - الدائم كما مر - بالاتفاق و هو جائز بضرورة دين الاسلام، و اذا كان زنا فكيف جوزه الشارع ليحصل التحليل بقوله: حتي تنكح زوجا غيره، و كيف صححه و أوجب الطلاق بعده اذا أراد المراجعة، أفيكون تمحل [ صفحه 403] و سخافة و خبط و خلط أعظم من هذا؟!!! و. قوله: ثم لكان لغوا قول القرآن: (فان طلقها) كأنه يريد به أنه لو جاز نكاح المتعة لحصل به التحليل، فلا يحتاج الي قوله: (فان طلقها) لأن نكاح المتعة ينقضي بانقضاء الأجل و هو تمحل كسابقه، فان قوله: (فان طلقها) يدل علي أنه لا يكفي في التحليل نكاح المتعة، بل لابد من كونه دائما و أي دلالة لذلك علي كون نكاح المتعة غير جائز، فاذا قال الشارع: النكاح الدائم و النكاح الي أجل كلاهما صحيح، و المحلل في طلاق الثلاث هو الدائم المؤجل كان قوله: (فان طلقها) مقيدا للنكاح في قوله (حتي تنكح زوجا غيره) بالنكاح الدائم، فأي تناف بين هذه الأحكام و أي شي‌ء أوجب أن يكون قوله: (فان طلقها) لغوا الا في مخيلة هذا الرجل.

الامر بتزوج الأبكار

قال (ص 171): «روت أمهات كتب الشيعة نبي الأمة صلي الله عليه و آله و سلم الأمر بتزوج الأبكار فانهن و أنهن قال: و هذه السنة قد جمعت مقاصد النكاح و بركات الزواج و لا تكون في متعة الشيعة». و نقول: ما ربط الأمر بتزويج الأبكار بمتعة الشيعة و ما بقي عليه الا أن يستدل علي حرمة المتعة بلمع البرق و قصف الرعد و نزول المطر، و اذا كانت هذه المقاصد و البركات لا توجد في متعة الشيعة، فهل توجد في تزوج الثيبات، فان قال: لا، كان تزوج الثيبات حراما كالمتعة و ان قال: نعم، فقد كاذب في قوله: لا توجد في متعة الشيعة، فانظر و اعجب.

الحكومة الايرانية و الحكومة التركية

قال (ص 172): «العجم و نساؤها و الحكومة بمملكة الشيعة في عذاب بئيس و حرج ضيق شديد من متعة فقهاء الشيعة و من احدي سيئات متعة الشيعة ما كنت أراه في بلادها من ابتذال المرأة في شوارع مدن العاصمة و قراها ابتذالا لا يمكن أن يوجد أفحش منه و لا في نظام الشيوع المطلق، و كتبت في هذه [ صفحه 404] الجماعة من مجتهدي العاصمة، و قلت: هلا يوجد علي مثل هذه المهانة عندكم من غيرة! وهلا يوجد لكم منها من تأثر! و ما رأيت علي وجه مجتهد عند ذلك الا بشاشة و هشاشة تبسم ان كان استهان بي فقد استخف و استهان بدينه و أمته و أمهاته من قبل، و حكومات الأمم الاسلامية اليوم أرشد في شرف دينها و صلاح دنياها من فقهاء الأمة، فحكومة الدولة الايرانية نراها اليوم بفضل مليكها الأعظم قد فسخت المتعة فسخا قطعيا بتاتا، و أعظم حكومة شيعية بفضل ملكها الأجل قد اهتدت الي عقد معاهدة مع أقوي حكومة سنية تركية، و لم تزل أمهات الكتب في المدارس تبذر بذور العداء في قلوب الأساتذة و الطلبة». و (في ص 185): «يعجبني غاية الاعجاب أن حكومة الدولة الايرانية التي تسعي في اصلاح حياة الأمة و دنياها و في تعمير الوطن و احيائه أخذت في اصلاح دين الأمة، فمنعت منعا باتا متعة فقهاء الشيعة، و أخذت في تصفية عقائد الأمة في مدارسها و كلياتها و كتبها تستبدل ايمان الامام علي أميرالمؤمنين و عقيدة أهل البيت عليهم‌السلام بعقائد الشيعة الامامية التي في أمهات كتبها المتأخرة» و (في صفحة ي) «أري ابتذال النساء و حرمات الاسلام في شوارع مدنكم بلغ حدا لا يمكن أن يراه الانسان في غير بلادكم». و نقول: ليهنئه ما عند العرب و نسائها لا سيما البلد الذي ألف كتابه و طبعه فيه و عند الحكومة بمملكة غير الشيعة من النعيم المقيم و السعة العظيمة من ترك متعة فقهاء الشيعة فدور البغاء فيها غاصة بالمومسات و بلد طبع كتابه تزيد علي ذلك (الخول) و ما كنا نود أن يجري قلمنا بمثل هذا لولا أنه اضطرنا اليه. و من احدي محاسن تحريم متعة الاسلام ما كان يراه في بلاد الاسلام لا سيما البلد الذي ألف كتابه و طبعه فيه من انتشار دور البغاء و ابتذال المرأة في شوارع مدن العواصم و قراها، فان كان يريد أن جميع النساء في مدن العاصمة التي رآها و قراها كما وصف فقد كذب و افتري. نساء مدن العاصمة التي رآها (حين رآها) من أشد النساء تسترا و تحجبا و عفافا وصيانة فانه رآها قبل اجبار الحاكم - الذي أشاد بمدحه النساء علي السفر و ان كان يريد أنه يوجد أفراد من النساء [ صفحه 405] مبتذلات، فليقل لنا هل لا يوجد مثل ذلك في كل بلد من بلاد الاسلام علي ظهر الكرة الأرضية؟ و نساء مدن الاسلام في ايران ان لم تكن أعف و أستر من نساء سواها فليست دونها في الستر و العفاف. فقوله: ابتذالا لا يمكن أن يوجد أفحش منه في نظام الشيوع المطلق، كذب فاحش ساقه اليه التعصب و العناد، و بهتان لا بهتان أفحش منه، و ظلم لا ظلم أشنع منه، و اذا كان كتب لبعض مجتهدي العاصمة بما قال، فيقول لهم: هلا يوجد علي مثل هذه المهانة عندكم من غيرة؟! فدور البغاء في بلادكم منتشرة و الفتيان و الفتيات يسبحون و يسبحن جميعا علي شاطي‌ء البحر عارين و عاريات، و هلا يوجد لكم منها من تأثر، و ان كان كتب فهل رأي علي وجه واحد منهم بشاشة و هشاشة تبسم أو عبوس و تقطيب تألم. حسبنا أيها الرجل كلاما فارغا و تشتيتا و تفريقا بين المسلمين و عيبا بما فيك مثله أو أكثر. و أي فائدة تجنيها من عيبك أمة عظيمة بغير ما فيها أو بما فيك مثله و أعظم، ثم تزعم أن بشاشة العالم في وجهك - بما طبع عليه من مكارم الأخلاق - هي استهانة بك و استخفاف و استهانة بدينه و أمته و أمهاته من قبل. تغضب علي المجتهدين و تصفهم بسي‌ء الوصف لأنهم لا يتابعونك علي تحريم ما أحله الله، فلو كنت ذا غيرة علي الدين و الاسلام و المسلمين لدعوتهم الي مباحثتك و انتصبت - بما أوتيته من بلاغة و قوة حجة - لمخاصمتهم و حججتهم و خصمتهم، و سجلت ما دار بينك و بينهم و طبعته و نشرته ليعلم الناس حينئذ أن الحق و الصواب في جانبك. و ان كانت الأخري سلمت لهم و رجعت عن رأيك، أما أن تأتي الي عاصمة ايران و تتبع العورات، و تعد السيئات، و تغضي عن الحسنات، و تكتب في ورقة بعض الكلمات، التي لا تسمن و لا تغني من جوع، ثم تأتي مصر و تطبع و تنشر بأقبح العبارات، و أبشع الألفاظ ما خيلته لك و اهمتك و لا يوافقك علي أكثره أهل مذهبك، و يطبعه لك من لا يهمه الا أن ينتفع في دنياه بدراهم معدودة، فليس هذا من سيرة أهل الدين و العلم و الاخلاص، و قد جئتنا الي الكوفة و سألتنا عن التقية و المتعة فأجبناك فلم تنبس ببنت شفة، و ذلك بعدما سألت صاحب أصل الشيعة فأجابك [ صفحه 406] فلم تتكلم بحرف، و انما كتبت بعد رجوعك لبغداد أسئلة في دفتر تنتقد بها الشيعة لا تمت العلم و لا الي الانصاف بصلة وصلتنا فأجبناك عنها، و أجابك غيرنا و ممن أجابك عالم في البصرة لم تنشر شيئا من أجوبته كما اعترفت به في وشيعتك، فهلا باحثتنا حين رأيناك بالكوفة و باحثت صاحب أصل الشيعة و أقنعتنا بحججك الواضحة، ثم طبعت ما دار بيننا و نشرته ليعرف الناس فضلك و أن الحق في جانبك. أما ما جئت ترمي به من مكان سحيق فما أجدره بقول القائل: و اذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده و النزالا [452] . و ينبغي للأمم الاسلامية من جميع الفرق ان تبادر قبل فوات الفرصة الي العمل بنصائح هذا الرجل، فتقتدي بحكومات الأمم الاسلامية، و تدع الاقتداء بفقهاء الأمة لتنال بذلك شرف‌الدين و صلاح الدنيا. فان حكومات الأمم الاسلامية اليوم هي أرشد في شرف دينها و صلاح دنياها من فقهاء الأمة - عند هذا الرجل. أليس كذلك فعلي المسلمين اليوم - حفظا لدينهم و دنياهم - أن يمشوا علي نهج أعظم حكومة شيعية و أقوي حكومة سنية تركية. و ان كانت أمهات الكتب في المدارس تبذر بذور العداء في قلوب الأساتذة و الطلبة فقد أصبح الأساتذة و الطلبة - و الحمدلله - بفضل ما بذرته الوشيعة في قلوبهم من بذور الألفة وم الاتحاد مع غيرهم اخوانا علي سرر متقابلين. و حكومة الدولة الايرانية - التي يقول عنها أنها أخذت في اصلاح دين الأمة و أعجبه ذلك غاية الاعجاب و قد منعت أشياء كثيرة غير ما ذكره و أجابت أشياء كثيرة، فكان عليه أن يذكر ذلك لنعرف أعجبه ذلك أيضا غاية الاعجاب؟ أم دون الغاية؟ أم لم يعجبه أصلا؟ و أن لا يقتصر علي ذكر شي‌ء واحد يوافق هواه. و شيعة علي و أهل البيت أقرب الي يطلعوا علي ايمانه و علي عقيدة أهل البيت من صاحب الوشيعة و من المدارس و الكليات الجديدة و كتبها. [ صفحه 407]

المتعة شارة أهل البيت

مما أولع به هذا الرجل و كرره في كلامه علي عادته في التطويل و التكرير الممقوتين و جعله نقدا علي الشيعة قوله: المتعة شارة أو شعار أو حيلة لأهل البيت عليهم‌السلام و للأمة، ففي (ص 31): «كان الباقر و الصادق عليهماالسلام يبالغان في المتعة و يقولان: من لم يستحل متعتنا و لم يقل برجعتنا فليس منا و يجعلها علماء الشيعة شارة أهل البيت عليهم‌السلام و شعار الأئمة». و (في ص 126): «تقول الشيعة تفتخر أن حلية المتعة و زينة التمتع شعار لأهل البيت عليهم‌السلام و شارة لبيت النبوة»، و (في ص 127): «و في السكوت (من علي عليه‌السلام) هدم لحكم جليل من أحكام الدين هو شعار له و شارة»، و (في ص 141): «و لم يكن علي عليه‌السلام ليسكت و هو يعلم أن المتعة بدرهمين حلال و شعار لبيت النبوة»، و (في ص 135): «و جعل المتعة حلية لأهل البيت عليهم‌السلام أو شارة و شعار للأئمة عليهم‌السلام لا يكون الا جنفا من جنف أو شنيعة من شنيعة يصدق فيها قول القائل عدو عاقل خير من صديق جاهل»، و (في ص 135) بعدما عبر عن المتعة بعبارات قبيحة. قال: «فكيف يجعل شارة لبيت نبوة العرب الا من عجمي كسروي مدائني اذا لقي عربيا سمعت له شهيقا و هو يفور يكاد يتميز من الغيظ» و (في ص 144): «لم يوجد للشيعة زخرفة الا أن المتعة شارة لأهل البيت و شعار للأئمة» و (في ص 148): «ثم تعدت الشيعة و اعتدت حتي ادعت أن المتعة شارة للأئمة و شعار لأهل البيت» و (في ص 159): «أي كلمة يمكن أن تكون أضيع من آية: (و من يكفر بالايمان) [المائدة / 5]لو قلنا ان متعة الشيعة شعار أهل البيت بيت النبوة، و قلنا أنها شارة أئمة الدين» و (في ص 164): «الزنا أقرب الي الحل من متعة تجعل شعارا لبيت نبوته - نبوة الشرع-». و نقول: ليس المقام مقام مفاخرة و افتخار، بل مقام بيان حكم شرعي - الشيعة ذكرته و استدلت عليه، و هو لم يزد علي تكرير العبارات الفارغة التي لا طائل تحتها و علي السباب و الشتم و البذاءة و سوء القول، و لم يأت بدليل و لا [ صفحه 408] شبه دليل، فليفتخر ما شاء بتحريم ما أحله الله، فتشدقه بهذه الألفاظ الممقوتة و تفاصحه جنفا من جنف. شنيعة من شنيعة. لا يعود الا بالمذمة و الشناعة عليه، و نسبة الجهل اليه، و اذا كان عدو عاقل خير من صديق جاهل، فما قولك بعدو جاهل و كيف يجعل شارة لبيت نبوة العرب شرعه و أباحه نبي العرب و العجم، و يجعل شارة للمسلمين ما لم يشرعه ذلك النبي و هو شعار العجم و المجوس، و قد خالف بقوله من عجمي كسروي الخ قوله تعالي: (ان أكرمكم عند الله أتقاكم) [الحجرات / 13]و قول نبيه صلي الله عليه و آله و سلم: لا فضل لعربي علي عجمي الا بالتقوي. [453] ان أحد خير من أحد الا بالتقوي. فشهيقه هذا و هو يفور يكاد يتميز من الغيظ سيؤدي به الي الثبور، و قد وجد للشيعة الأدلة القاطعة المتقدمة لا ما زخرفه من أنه لم يوجد لها زخرفة الا أنها شارة للبيت، و الشيعة لا تتعدي و لا تعتدي، بل هو معتد في جعله الزنا أقرب الي الحل مما نزل بحله القرآن و جاءت به بعدم نسخه السنة المطهرة.

تجاوزه الحد في الافتراء و القذف و التشنيع و سوء القول

أفرط هذا الرجل في تشنيعه و افترائه علي الشرع المطهر و سوء قوله، فجعل المتعة زنا بل أقبح من الزنا فاستحق حد القاذف و لئن سلم من ذلك في الدنيا فلن يسلم منه في الآخرة. فقال (في ص 134): «المتعة بأجرة سماها القرآن البغاء: (و لا تكرهوا فتياتكم علي البغاء) [النور / 33]و اذا كان عرض المتعة و أجرتها حراما و الاكراه يوجب عقاب الله و غضبه فنفس العمل أشد و أفحش»، و (في ص 145): «أما متعة الشيعة اليوم فهو زنا مستحل». ثم أكثر من أمثال هذه الكلمات حسبما أداه اليه أدبه و تعصبه و تنصبه. فقال: «هي زنا فاحشة و مقتا و زيادة استحلال زيادة في الكفر و زيادة في الفساد بها يترك الرجل فراشه و يهجر ربة البيت فتكفر [ صفحه 409] و تبرأ، ثم تدعو علي الآمر بها و تلعنه و بها تفسد العائلة، و (في ص 164): «فأي فرق بين متعة الشيعة و بين زنا برضا أو بقهر، و ان كان فرق فعلي فائدة حل الزنا اذ قد يكون زنا لا يكون فيه اتجار يهين المرأة، و الزنا أقرب الي الحل من متعة يتاجر بها الشرع و من متعة تجعل شعارا لبيت نبوته و نبيها أبو أمته و أزواجه أمهات بناتها» و (في ص 165): «متعة الشيعة زنا و زيادة استحلال و عقيدة باطلة بدعوي التقرب بها الي الله». و نقول: زعمه أن المتعة سماها القرآن بغاء افتراء منه علي القرآن، فهي نكاح بعقد و مهر أجازه القرآن و ابداله المهر بالأجرة لقصد التشنيع لا يعود الا بالشناعة عليه، و جعله ذلك من قبيل اكراه الفتيات علي البغاء بغي منه و عناد للحق و افتراء علي كتاب الله، فأكراه الفتيات كان من المشركين علي الزنا و البغاء بأجرة من دون محلل شرعي، و قد نهي الله عنه في كتابه كما نهي عن سائر المحرمات و المتعة بعقد و مهر الي أجل قد رخص الله فيه في كتابه و اعترف جملة من أجلاء الصحابة بعدم نسخه و فعلته الصحابة في عصر الرسالة و بعده، و فعله التابعون، فتسوية أحدهما بالآخر عين الجهل و العناد و الافتراء علي الكتاب و السنة. و الفحش الذي جاء في كلامه يوجب لقائله عقاب الله و غضبه و يلحق به فاحشة و مقتا، و زيادة في الكفر، و زيادة في الفساد، و زيادة استحلال للحرام، و عقيدة باطلة، و كون الرجل بها يترك قرانه، و يهجر ربة البيت، فتفعل ما تفعل لا يفترق شيئا عن تعدد الزوجات و ملك اليمين الذي لا ينحصر في عدد بالاتفاق، فانه يقال فيهما بذلك، يترك الرجل فراشه و يهجر ربة البيت، فتكفر و تبرأ ثم تدعو علي الآمر به، و تلعنه و به تفسد العائلة، فهل يوجب ذلك تحريم تعدد الزوجات؟ هذا علم صاحبنا، و هذه أدلته و الأحكام الشرعية تثبت بنصوص الشارع لا بمثل هذه التلفيقات و الكلمات التي لا طائل تحتها، و التي تدل علي جهل قائلها كقوله أيضا اتجار يهيه المرأة متعة يتاجر بها الشرع، فما أحله الله لا اهانة فيه لأحد، و انما هذا الكلام اهانة لشرع الله تعالي و تهجين لأحكامه، و اذا كان النبي أبا أمته و أزواجه أمهات بناتها، فهو بما شرعه و أحله و أمر به أعرف [ صفحه 410] بما يهينها و يشرفها من هذا الرجل الذي جاء يكيل الدعاوي كيلا بلا دليل و لا برهان. ان هذا الرجل يتهجم علي الأحكام و يقول في المتعة انها زنا بل يفضل الزنا عليها، و قد كذب بذلك نفسه في دعواه فيما تقدم أنها كانت تنعقد دائما و يبطل الأجل. و هذا يبطل افتراءه هنا بجعلها زنا. و الامام أبوحنيفة و زفر قالا بانعقادها دائما و بطلان الأجل. علي أن المسائل الخلافية و الاجتهادية في النكاح لا يجوز نسبة أحد فيها الي الزنا اذ لا أقل من كونه نكاح شبهة، أفلا يكفي في حصول الشبهة استناد مستحلها الي الكتاب و السنة و الاجماع و فتاوي أئمة أهل البيت و الشرع الاسلامي صحح نكاح المجوس و سائر الفرق و لم يقل أحدا انه زنا. ثم ما يقول فيما اذا خالف الامام الشافعي و الامام مالك في احدي الروايتين عنه بقية المذاهب الأربعة، فقال بأنه يحل للرجل أن ينكح المتولدة من زناه كما حكاه الشعراني في ميزانه و غيره، و أشار اليه الزمخشري بقوله من أبيات: و ان شافعيا قلت قالوا بأنني أبيح نكاح البيت و البنت تحرم [454] . و ما يقول في قول الامام أبي‌حنيفة الذي حكاه الخطيب في تاريخ بغداد في ترجمة أبي‌حنيفة أنه لو شهد شاهدان كذبا و هما يعلمان أنهما كاذبان بأن فلانا طلق زوجته فحكم القاضي بطلاقها جاز لأحد الشاهيدن أن يتزوجها. [455] هل يقول ان ما حكم به الامامان الشافعي و أبوحنيفة زنا أو يقول انه نكاح صحيح و يستشهد بذلك بقول البوصيري: و كلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم [456] . لا شك في أنه يقول بالثاني، فاذا كيف يجعل زنا ما أفتي به أئمة أهل البيت: السجاد و الباقر و الصادق و الكاظم و الرضا عليهم‌السلام و فقهاؤهم و وافقهم حبر الأمة ابن‌عباس و عدد غير يسير من أجلاء الصحابة و التابعين، و وافقهم [ صفحه 411] الامام مالك في احدي الروايتين كما مر وابن جريح فقيه مكة لا شك أنه لا يجرأ علي ذلك رجل يؤمن بالله و اليوم الآخر و عنده ذرة من علم. و هل كان الامام الصادق و باقي أئمة أهل البيت أقل فقها و علما من أئمة المذاهب الأربعة حتي تكون فتواهم نفي تصحيح النكاح مقبولة و فتوي الصادق و باقي الأئمة غير مقبولة، و هم ان لم يكونوا أفقه من أئمة المذاهب فليسوا دونهم.

عباراته الشنيعة التي تفوه بها

قد استعمل في تهجين أمر المتعة (عبارات ذكرها في ص 135 و 139 و 140 و 146 و 160 و 162) لا يتفوه بها ذو علم و أدب، و لا ترجع الي دليل مثل: المتعة اتجار المرأة بفرجها ببدنها و عرضها. المتعة تجرح شرف المرأة. المتعة اجارة المرأة نفسها ليتمتع بها الرجال، أو تجارة المرأة بفرجها امتهان لها و هتك لشرفها، و فتك بعزتها. المتعة اجارة و اجارة المنفعة بيع و تجارة. و لم يستحل دين تجارة المرأة ببدنها و عرضها و شرفها و عفافها. بذل المرأة نفسها في سبيل الهوي و الحب اجابة لداعي الهوي أقرب الي العفاف و الشرف من بذلها في سبيل حفنة من الحب. نحن نقول: أداء التراويح جماعة شعار للسنة، فهذا القول يمكن أن يكون له وجه أدبي و ديني، أما اتجار المرأة بفرجها فلن يكون الا خزيا لا يدانيه خزي يحمر منه وجه الأدب و يسود منه جلد الأجرب. و أخس رجل لا يرضي أن يتمتع أحد بأخته أو بنته، فكيف يستحلها الفقيه و الامام في بنات الأمة و المرأة اذا أجرت نفسها أو اتجرت بها مرة يتجنبها الرجال، و من يمكن أن يكون أكفر بالايمان في آية المحصنات من عاد يترك المحصنة و يتمتع بالتي تتجر ببدنها فتؤجره بكف من بر أو حفنة من شعير. (و الله يريد أن يتوب عليكم و يريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما). و منهم الذين يتبعون الشهوات هل هم الا الذين يستحلون التمتع بكف من بر؟ ثم يقولون: من لم يقل بكرتنا و يستحل متعتنا فليس منا يكفينا كل تعب في سبيل تحريم متعة النساء كلمة المتعة وحدها التي تجرح شرف المرأة فان الانسان غاية للكون [ صفحه 412] و للتشريع الي آخر ما تفلسف به مما لا طائل تحته. و قد أكثر من سفاسفه هذه، و أطال في زخارفه و أطنب في هذيانه فيما هو من هذا البحر و علي هذه القافية، و تجاوز الحد في سوء قوله و أطال بما أوجب الملال، و كرر و أعاد علي عادته الشنيعة، و عاد الي هذه المهزلة مرارا بعبارات تركنا أكثرها لعدم فائدة في نقلها واكتفينا بنموذج منها و الأحكام الشرعية لا تثبت و لا تنتفي بتزويق العبارات و تنميقها و تجنيسها و تسجيعها. هتك و فتك. الحب و الحب و لا بعبارات الفحش المنفرة و البذاءة و لا بالتكرير و التطويل، وليس الحكم في حسم النزاع الا الدليل. فالمتعة ان دل الدليل علي اباحتها لم تحرم بهذه العبارات التي ملؤها البذاءة و الفحش، و ان لم يدل الدليل علي اباحتها كفي ذلك في حرمتها من غير حاجة الي هذه العبارات التي هي صفات قائلها. فتعبيره عما أحله الله بهذه العبارات لا يكون الا خزيا عليه لا يدانيه خزي يحمر من وجه الدين و يسود منه جبين الحق، ولكن هذا الرجل لا يحمر وجهه و لا يصفر من أقواله هذه التي اسود منها وجهه عند أهل الحق و تعبيره باتجار المرأة بفرجها و أمثاله لا يشبه الا قول من يريد أن يعيب التزوج و يستحسن الترهب، فيقول: التزوج اتجار المرأة بفرجها لأنها تأخذ المهر من الزوج ثمنا مقابل الوطء و تأخذ النفقة مقابل الاستمتاع، و قول من يقول: ان فلانا المتزوج بفلانة يمتهنها في شرفها، يطأوها و ينظر الي فرجها، و ينظر اليها عارية و يفعل و يفعل الي غير ذلك من ألفاظ الفحش و البذاءة التي يمكن أن يعبر بها عن النكاح المحلل و هو بعينه قول من كان يأبي الصلاة من المشركين، و يقول لا أحب أن يعلوني استي، فيأبي الاسلام لذلك، و هو بعينه فعل أهل الجاهلية في وأدهم بناتهم تخلصا من عار التزويج أو غيره، و أراد هذا الرجل أن لا يفوته التشبه بهم، فجعل ما أباحه شرع الاسلام و نطق باباحته الكتاب و السنة و اتفق جميع المسلمين علي أنه شرع، و اختلفوا في نسخه مثل الزنا بل علي الزنا أقرب الي الشرف و العفاف منه، و هذا رد علي الله و رسوله و جميع علماء المسلمين الذين اتفقوا علي أنه شرع و سخرية بدين الله و ذم له سواء أكانت شرعيتها باقية أم منسوخة، و هذا ما لا يستحله دين من الأديان، و حفنة من الحب التي كرر ذكرها في كل مناسبة ليعيب و يشنع بها [ صفحه 413] قد ذكرنا مرارا أنها يصح أن تجعل مهرا في كل نكاح، و قد نقل ذلك هو عمن حرمها في قوله: فالآل من شاء نكح بقبضته و فارق عن ثلاث، فما بالك تعيب ما يلزمك عيبه كما ذكرنا غير مرة اتفاق المسلمين علي أن كل ما يتمول يصح كونه مهرا قل و كثر و قد كان في عصر الرسالة يكون المهر تعليم سورة و كون أخس رجل لا يرضي أن تتمتع أخته أو بنته قد مر اعتراض أحد أئمة المذاهب به علي هشام بن الحكم فأجابه بأنه شي‌ء أحله الله و ان أبته نفسي، فما حيلتي ولكن ما تقول في النبيذ؟ قال: حلال، قال: أيسرك أن تكون أختك أو بنتك نباذة [457] فأفحمه كما أن قوله اجارة المرأة نفسها ليتمتع بها الرجال يمكن أن يقال مثله في النكاح الدائم بأنه بيع المرأة نفسها ليتمتع بها الرجال و يطؤها الزوج و يفعل كذا و كذا، و اذا طلقت تمتع بها زوج آخر، فاذا طلقت تمتع بها ثالث، فتكون قد باعت نفسها ليتمتع بها الرجال. أليس كل ذلك حق و واقع في الشرع، فهل هو عيب الا علي قائله، و اذا صح له دعوي أن المتعة اجارة؛ لأنها الي أجل بمال صح أن يدعي أن النكاح الدائم بيع لأنه تمليك لا الي أجل بمال. أما استشهاده بالجماعة في التراويح و الجماعة في الفرائض، فكل عبادة لم يرد فيها رخصة من الشارع لا يمكن أن يكون لها وجه أدبي و وجه ديني، و الذي سن الجماعة في التراويح لقصد الاجتماع علي العبادة [458] هو الذي حرم المتعة في شأن عمرو بن حريث لما تمتع بامرأة فحملت فرأي فيها مفسدة [459] ، و هو الذي أسقط «حي علي خير العمل» من الأذان و الاقامة لئلا يعلم الناس أن الصلاة خير العمل فيتركوا الجهاد [460] ، و هو الذي أمضي الطلاق ثلاثا بلفظ واحد قصدا لردع الناس عن الطلاق [461] ، و كان يري الاجتهاد في الأحكام و كان له في ذلك قصد حسن، ولكننا بعد أن علمنا أن الله أكمل الدين و انقطع الوحي، [ صفحه 414] و ليس لأحد أن يجتهد في تغيير الأحكام لم يلزمنا اتباعه. أما الجماعة في الفرائض فمن ضروريات دين الاسلام؛ فلا وجه لذكرها في المقام الا التطويل، و قوله اذا آجرت المرأة نفسها أو اتجرت بها مرة يتجنبها الرجل مما يضحك الثكلي، فهي لم تفعل ذلك و انما تزوجت بعقد و مهر الي أجل باباحة من الله و رسوله، فان كان ذلك اجارة و تجارة فليكن الدائم بيعا و تجارة كما مر، و أما أنه يتجنبها الرجال فمع فرض صحته يأتي مثله في الطلاق، فمن تزوجت و طلقت مرارا يتجنبها الرجال، فيلزم علي مقتضي قوله أن لا يشرع الطلاق، و اذا فرض أن شيئا مباحا يوجب تجنب الرجال لها لا يجعله ذلك محرما، و دعواه أن لفظ المتعة وحده يكفيه في تحريمها طريفة جدا، فلفظ المتعة قد جاء في القرآن بلا ريب بآية (فما استمتعتم) [النساء / 24]و هو يقول انها واردة في النكاح الدائم. فاذا هي كافية في تحريم النكاح الدائم و من يمكن أن يكون أكفر بالايمان في آية حل المحصنات من عاد يفضل الزنا علي ما أحله الله و يتلاعب بالآيات و يحملها علي هواه و ما أحقه بقوله تعالي: (و يريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما) [النساء / 27]من هم الذين يتبعون الشهوات هل هم الا أمثال هذا الرجل الذي يحرم ما أحله الله و رسوله اتباعا لشهوة نفسه و ميلا مع هواه. قال (ص 126): «و اذا افتلينا كتب الشيعة و اجتلينا حالها في حلية المتعة فلا علينا الا أن اقتفينا اجتهاد أئمة المذاهب و اقتدينا به ثم اكتفينا بنوره و اهتدينا به الي هدي الله في كتابه». و نقول: لا نكلفه افتلاء كتب الشيعة، بل يكفيه أن ينظر نظرة واحدة في كتب قومه بشي‌ء من الانصاف، فيتضح له أن ما نزل به الكتاب، و أباحه النبي الكريم، و عملت به الصحابة و التابعون عدة سنين لم يكن لأحد أن يحرمه برأيه، و هو غير معصوم، و ان أبي فله اقتفاؤه اجتهاد أئمة مذهبه و اقتداؤه بهم، و لنا اقتفاؤنا لأهل بيت نبينا و أئمة مذهبنا الذين ندعي بهم يوم يدعي كل أناس بامامهم و اقتداؤنا بهم. امتثالا لقول نبينا صلي الله عليه و آله و سلم: «اني تارك فيكم الثقلين كتاب [ صفحه 415] الله و عترتي أهل بيتي». و قد اكتفينا بنورهم و اهتدينا به الي هدي الله في كتابه، فأي الفريقين أحق بالاصابة، و أحق بالأمن. و هيهات أن يهدي الي هدي الله في كتابه الأنور يخرج من مشكاة بيت النبوة و مصابيح الهدي أئمة بيت النبوة. مع أن افتاء أئمة المذاهب كلهم بتحريمها غير صحيح؛ لافتاء الامام مالك بها كما مر، و نحن قد افتلينا وشيعته فما وجدنا فيها الا الدعاوي الفارغة و المخالفات لاجماع المسلمين. و اعلم أن المتعة عند الشيعة ان وقعت فانما تقع نادرا و في حالات استثنائية، و هم يرونها عيبا و ان كانت حلالا فليس كل حلال يفعل.

اعتذاره عن التطويل

قال (ص 148): «لقد علمت أني أسهبت اسهابا انتهي بي الي الاملال، و عذري فيه أن مسألة شرف النساء أو ابتذالهن له في حياتنا الاجتماعية الأدبية أهمية عظيمة، و أحاديث المتعة متضاربة متعبة لا تطمئن قلب الفقيه المجتهد، و كتب الشيعة قد أسرفت في القول بها ابتيارا و الوضع فيها ابتهارا حتي عدت عدوانا، و عادت عداء، فعدت سفح ماء الحياة في غوار المتمتعات تقربا الي الله ارغاما لمن استنصر الله به في دينه، ثم تعدت و اعتدت حتي ادعت المتعة شعارا لأهل البيت نزل فيها القرآن الكريم. باختصار. و نقول: لقد صدق في أنه أسهب و أطال بما أدي الي الاملال من دون جدوي و لا شبه جدوي سوي ألفاظ مزوقة مجنسة مسجعة بما زادها برودة و سماجة ابتيارا ابتهارا عدت عدوانا عادت عداء فعدت تعدت و اعتدت ادعت مدعيا أنه يريد المحافظة علي شرف النساء، و الله و رسوله أعظم محافظة علي شرفهن بما أودع في الكتاب العزيز و السنة المطهرة في هذه المسألة. و يا ليته أتي بشي‌ء يصح الاعتماد عليه في هذه الأخبار المتضاربة التي كشف تضاربها عن الوضع فيها انتصارا لمن حرمها باجتهاده و ارغاما لمن أحلها بدلالة الكتاب و السنة لا عن الوضع في ما روته الشيعة كما زعم. و هذه الأحاديث المتضاربة المتبعة قد أتعب أناس قبله أنفسهم في ترقيعها و اصلاحها فلم يتسطيعوا و لو يأتوا بشي‌ء كما بيناه في «الحصون المنيعة»، و هم كانوا أعلم منه و أعرف، [ صفحه 415] و أقدر علي التوجيه و الاصلاح، و لا يصل هو الي ما يقارب درجة أدناهم، و الشيعة أشد ورعا و أعظم تقوي من الاسراف في القول و الوضع و العداء بغير حق بما ورثته عن أئمتها الطاهرين، و أهل بيت نبيها الطيبين، و ما نسبت الي أهل البيت الا ما أفتوا به، و الي القرآن الكريم الا ما نزل فيه، و انما الاسراف و الابتيار و الوضع و الابتهار و التعدي و الاعتداء منه و من أمثاله.

المعاوضة في النكاح

قال (ص 157): «و اذا نظر الفقيه الحصين الي عقد النكاح يراه عقد معاهدة حيوية تأخذ المرأة ميثاقها الغليظ من زوجها و ان وجدنا أو ادعينا في عقد النكاح معني المعاوضة، فأصل المعاوضة بين الزوجين، فلذلك لا ينعقد عقد النكاح الا بذكرهما في الايجاب و القبول و الا بحضورهما في المجلس، و تسلم كل للآخر و المال من طرف المرء ليس بعوض أصلا أبدا لكنه زائد وجب عليه لها علي سبيل الكرامة». و نقول: هذه فلسفة جديدة في النكاح و نوع جديد من العلم اختص به هذا الرجل، و لم يطلع عليه فقهاء المسلمين، فكلهم يقولون: ان المهر عوض البضع و المعاوضة بين الزوجين بمعني أن من أحدهما العوض و من الآخر المعوض. نعم، جوز الشارع العقد بدون ذكر المهر عوض البضع. أما هو فيقول: المعاوضة بين الزوجين بمعني أن أحدهما عوض و الآخر معوض، لكنه لم يبين أيهما العوض و أيهما المعوض؟ فهل الزوجة عوض الزوج أو الزوج عوض الزوجة؟ هذا بقي مبهما في كلامه. و أغرب من ذلك تعليله بأن النكاح لا ينعقد الا بذكرهما في الايجاب و القبول مع أن كل عقد كذلك، ففي البيع يقال بعتك كذا بكذا، فيقول: قبلت، كما يقال: زوجتك فلانة بمهر كذا. فيقول: قبلت. و الميثاق الغليظ الذي أخذته الزوجة من الزوج و هو العقد، قد ذكره الله تعالي في معرض التوبيخ للزوج علي أخذ شي‌ء من المهر بقوله تعالي: (و آتيتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا و اثما مبينا و كيف تأخذونه و قد [ صفحه 417] أفضي بعضكم الي بعض و أخذنا منكم ميثقا غليظا) [النساء / 20 و 21]فدل علي أن الميثاق الغليظ كان علي المهر و أن المعاوضة بين البضع و المهر فهو يدل علي خلاف ما ادعاه و يثبت ما نفاه. و أغرب من هذا التعليل تعليله بأنه لا ينعقد عقد النكاح الا بحضور الزوجين في المجلس، و تسلم كل الآخر فانه لم يسمع من مسلم عالم و لا جاهل قبله، و كأنه أخذه من الذين لا يزال مستشهدا بأحكام كتابهم.

صاحب كتاب أصل الشيعة

قال (ص 149): «صاحب كتاب أصل الشيعة قد أتي بفرية كبيرة بهيتة اذ تكلم علي طبقات الشيعة، و افتري ابتهارا من غير استحياء علي كل من ذكرهم فيها بالتشيع الذي عليه شيعة اليوم هم براء من كل عقيدة أبدعتها أمهات كتب الشيعة. كل يؤمن ايمان علي و يتولي كل صحابي يغسل رجليه و يمسح علي خفيه لم يكن لأحد منهم عقيدة الشيعة في الامامة. نعم، كل كان يحب أهل البيت محبة أهل السنة و الجماعة لهم: فان كان في حب الحبيب حبيبه حدود لقد حلت عليه حدود و نقول: لم يزد في كلامه علي سوء القول من دون حجة، و ليس ذلك من دأب أهل العلم. و أمهات كتب الشيعة كأصحابها منزهة عن الابتداع ليس دأبها الا الاتباع للحق و ان وجد فيها ما لم يصح فهو موجود في سواها، و الذين ذكرهم صاحب أصل الشيعة في طبقات الشيعة الله أعلم بعقائدهم و سرائرهم، و كونهم ليسوا علي عقيدة الشيعة اليوم لم يأت عليه بدليل، فهذا الكلام لا يفيد الا التطويل. و أما محبة أهل البيت فقد ذكرنا عند تعرضه لها كيف يجب أن تكون. و البيت الذي استشهد به الأولي أن يقال بدله: و كل محب كان في الحب صادقا فعن طاعة المحبوب ليس يحيد [ صفحه 418]

خبر حسبنا كتاب ربنا

قال (في 144): «بعدما ذكر جملة من فضائل الخليفة الثاني أن النبي وافقه في آخر عهد من حياته حين قال: حسبنا كتاب ربنا. لم ينكر قوله و انما أنكر نزاع الناس، فقال: قوموا عني و لا ينبغي عندي التنازع، و قال: انه لا يرتاب في أن هذا وفاق من النبي له». و نقول: خبر حسبنا كتاب ربنا كان الأولي به أن لا يتعرض له و ا يضطرنا الي الجواب عن كلامه فيه لأنه قد اقترن بقوله: غلب عليه الوجع و غلبه الوجع، و كان ابن‌عباس يقول: ان الرزية ما حال بين رسول الله و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم و لغطهم، رواه البخاري في صحيحه في باب قول المريض قوموا عني [462] و رواه ابن‌سعد في الطبقات [463] و في رواية أخري للبخاري فقالوا: ما شأنه أهجر؟ و روي هذه الرواية الطبري في تاريخه [464] و ابن‌سعد في الطبقات، و في رواية أخري لابن سعد في الطبقات، فقال بعض من كان عنده: ان نبي‌الله ليهجر [465] و في رواية أخري لابن سعد فقالوا: انما يهجر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [466] و في رواية للطبري في تاريخه فقالوا: ان رسول الله يهجر [467] و ذلك يبطل كل ما قاله هذا الرجل.

رعية الامام الجائر و الامام العادل

قال (ص 35): «روي الكافي أن الباقر كان يقول: ان الله قال لأعذبن كل رعية دانت بولاية امام جائر و لا أستحي و ان كانت الرعية في أعمالها بررة تقية، [ صفحه 419] و لأعفون عن كل رعية في الاسلام دانت بولاية امام عادل من الله و لا أستحي، و ان كانت الرعية ظالمة مسيئة في أي كتاب، قال الله هذه الكلمات ثم ما الفائدة من أمثال هذه الكلمات». و نقول: قد بينا في ما سلف أن الكتب فيها الغث و السمين، و الصحيح و السقيم، ولكنا نقول: من دان بولاية امام جائر كان شريكا له في جوره و لا يمكن أن يكون برا تقيا في كل أعماله، و اذا عمل بعض أعمال البر يجوز أن لا يقبلها الله؛ لأنه انما يتقبل من المتقين، و يكون أبعد عن عفو الله؛ لأنه مشاق له في عقيدته، و العقيدة يكون المخطي‌ء فيها أبعد عن العذر؛ لأن الله تعالي أقام الحجج و البراهين الساطعة، و وهب للناس العقول التي يميزون بها بين الحق و الباطل. فالمخالف للحق في عقيدته اما معاند أو مقصر بخلاف من يرتكب المعصية لشهوة دعته الي ذلك فيرجي له أن يشمله الله بعفوه اذا لم يقصر في عقائده، و ان صح الحديث جاز أن يكون من الأحاديث القدسية التي رواها الباقر عن آبائه عن جده الرسول صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عن الله تعالي.و الفائدة من أمثال هذه الكلمات هي تهجين الجور و الظلم و المبالغة في اردع عن معاونة الظالم علي ظلمه و الحث علي العدل و علي معاونة العادل علي عدله. و قد نسي هو أو تناسي اطالته الكلام في أشياء كثيرة لا فائدة فيها.

النسي‌ء

قال (ص 35 و 36): «ما هو النسي‌ء الذي هو زيادة في الكفر، و هل كان له عند العرب قبل الاسلام نظام يدور عليه حساب السنين و سنو عمر النبي صلي الله عليه و آله و سلم هل عدت علي وفق نظام النسي‌ء أو كان للعرب تقويم خال عن النسي‌ء، به كان يعد عمر الانسان في الوافي الكتاب 5 ص 45 أن حساب الشهور عند الأئمة كان روميا ما وجه اتخاذ الأئمة حساب الروم و شهورهم و سنيهم، و حساب العرب كان عربيا و تاريخ الهجرة عربي ما وجه اتباع الروم و وجه الابتداع». و نقول: النسي‌ء فعيل من النس‌ء و هو التأخير. و سميت العصا منسأة لأنه [ صفحه 420] يؤخر بهاالشي‌ء و يبعد. و النسي: هو جعل شهر من الأشهر الحرم مكان شهر، كانوا في الجاهلية اذا احتاجوا الي القتال في شهر من الأشهر الحرم قاتلوا فيه و جعلوا مكانه شهرا آخر قال الله تعالي في سورة التوبة: (ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات و الأرض منها أربعة حرم) [النساء / 36]ثلاثة منها سرد ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و واحد فرد و هو رجب، و كانت العرب تحرم القتال في الشهور الأربعة. في مجمع البيان:و ذلك مما تمسكت به من ملة ابراهيم و اسماعيل، ثم قال الله تعالي: (انما النسي‌ء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما و يحرمونه عاما ليواطؤا عدة ما حرم الله) [التوبه / 37]في مجمع البيان: «كانوا أصحاب غارات و حروب، فربما كان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون فيه، فكانوا يؤخرون تحريم المحرم الي صفر فيحرمونه و يستحلون المحرم، فيمكثون بذلك زمانا، ثم يزول التحريم الي المحرم و لا يفعلون ذلك الا في ذي‌الحجة، قل ابن‌عباس معني (زيادة في الكفر) أنهم أحلوا ما حرم الله، و حرموا ما أحل الله، ثم ذكر أن الذي كان ينسؤهما كان يقول: اني قد نسأت المحرم العام و هما العام صفرن، فاذا كان العام القابل قضينا فجعلناهما محرمين، و قال مجاهد: كان المشركون يحجون في كل شهر عامين، فحجوا في ذي‌الحجة عامين، و في المحرم عامين، و في صفر عامين، و كذلك في الشهور حتي وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي‌القعدة، ثم حج النبي صلي الله عليه و آله و سلم في العام القابل حجة الوداع فوافقت في ذي‌الحجة فذلك حين قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم ألا و أن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات و الأرض. السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم. أراد أن الأشهر الحرم عادت الي مواضعها و عاد الحج الي ذي‌الحجة و بطل النسي‌ء [468] و في تفسير الرازي أن القوم علموا أنهم لو رتبوا حسابهم علي السنة القمرية، فانه يقع حجهم تارة في الصيف و تارة في الشتاء، و كان يشق عليهم الأسفار، و لم ينتفعوا بها في المرابحات و التجارات، لأن سائر الناس من سائر [ صفحه 421] البلاد ما كانوا يحضرون الا في الأوقات اللائقة الموافقة، فعلموا أن بناء الأمر علي رعاية السنة القمرية يخل بمصالح الدنيا، فتركوا ذلك و اعتبروا السنة الشمسية، و لما كانت السنة الشمسية زائدة علي السنة القمرية بمقدار معين، احتاجوا الي الكبيسة و حصل لهم بسبب تلك الكبيسة أمران أحدهما: جعل بعض السنين ثلاثة عشر شهرا و انتقال الحج من بعض الشهور القمرية الي غيره، فكان الحج يقع في بعض السنين في ذي‌الحجة، و بعده في المحرم، و بعده في صفر، و هكذا في الدور حتي ينتهي بعد مرة مخصوصة مرة أخري، فحصل بسبب الكبيسة هذان الأمران: الزيادة في عدة الشهور و تأخير الحرمة الحاصلة لشهر الي غيره.ثم قال: و أما المفسرون فانهم ذكروا في سبب هذا التأخير وجها آخر، فقالوا: ان العرب كانت تحرم الشهور الأربعة و كان ذلك شريعة ثابتة من زمان ابراهيم و اسماعيل عليهماالسلام، و كانت العرب أصحاب حروب و غارات فشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون فيها و قالوا: ان توالت ثلاثة أشهر حرم لا نصيب فيها شيئا لنهلكن و كانوا يؤخرون تحريم المحرم الي صفر، فيحرمونه و يستحلون المحرم. قال الواحدي: و أكثر العلماء أن هذا التأخير ما كان يختص بشهر واحد، بل كان ذلك حاصل في كل الشهور، و هذا القول عندنا هو الصحيح علي ما قررناه [469] يعني أنهم كانوا اذا أخروا المحرم الي صفر أخروا صفر الي ربيع و هكذا حتي ينتهي بعد مدة الي ذي الحجة، و نظامه عند العرب في الجاهلية الذي يدور عليه حساب السنين هو هذا الذي نقله الواحدي عن أكثر العلماء. و سنو عمر النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم تكن تعد علي وفق النسي‌ء بحيث تخالف عدد الشهور. نعم، ذكروا في سيرته صلي الله عليه و آله و سلم أنه حملت به أمه أيام التشريق من ذي الحجة و ولد في ربيع الأول، فان كان ربيع تلك السنة كان حمله أقل من ستة أشهر و لا يكون الحمل أقل من ستة أشهر بنص القرآن، و ان كان ربيع السنة القابلة كانت مرة حملت أكثر من سنة و هو خاف ما اتفق عليه فقهاء أهل البيت [ صفحه 422] و رواياتهم من أن أقصي مدة الحمل سنة، و أجيب باحتمال أن يكون ذلك محمولا علي النسي‌ء بأن يكون ذوالحجة الذي حملت فيه هو شهر آخر غير ذي الحجة لأجل النسي‌ء و لعله يريد هذا. أما عند من قال بجواز تأخر الحمل أكثر من سنة بل سنين فلا يجي‌ء هذا اشكال. و أما ما ذكره من أن في الوافي أن حساب الشهور كان عند الأئمة روميا فهو يشير الي ما في الوافي ج 5 ص 45 عن الفقيه و التهذيب عن عبدالله ابن‌سنان عن أبي‌عبدالله عليه‌السلام أنه قال: تزول الشمس في النصف من حزيران علي نصف قدم، و في النصف من تموز علي قدم و نصف، و في النصف من آب علي قدمين و نصف، و في النصف من أيلول علي ثلاثة أقدام و نصف، و في النصف من تشرين الأول علي خمسة و نصف، و في النصف من تشرين الآخر علي سبعة و نصف، و في النصف من كانون الأول علي تسعة و نصف، و في النصف من كانون الآخر علي سبعة و نصف، و في النصف من شباط علي خمسة و نصف، و في النصف من آذار علي ثلاثة و نصف، و في النصف من نيسان علي قدمين و نصف، و في النصف من أيار علي قدم و نصف، و في النصف من حزيران علي نصف قدم. قال صاحب الوافي: «هذا الحديث يبين اختلاف الظل الباقي عند الزوال بحسب الأزمنة كما أشرنا اليه سابقا و الظاهر أنه مختص بالعراق و ما قاربها كما قاله بعض علمائنا» [470] و غير خفي أن حساب زوال الشمس و تقديره بالاقدام لا يتم الا علي الحساب الشمسي الرومي للشهور لا علي الحساب العربي القمري. و هذا ليس معناه أن حساب الشهور كان عند الأئمة روميا كما لا يخفي و لا يتوهمه من عنده أدني معرفة حتي يسأل عن وجه اتخاذ الأئمة حساب الروم و شهورهم و سنيهم مع أن حساب العرب و تاريخ الهجرة كان عربيا، و يجعل ذلك ابتداعيا؛ بل هذه فضيلة و منقبة للامام الصادق عليه‌السلام و في تطبيقه معرفة زوال الشمس بالاقدام علي الأشهر الرومية التي لا يمكن معرفته و تطبيقه الا عليها، و ما ربط هذا بالنسي‌ء و بسني عمر النبي صلي الله عليه و آله و سلم. [ صفحه 423]

حجات النبي

قال (ص 26): «نحن نعلم أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قد حج بعد الهجرة حجة واحدة، و يقول الباقر و الامام الصادق: ان النبي قد حج بمكة مع قومه عشرين حجة كلها كانت مستترة لأجل النسي‌ء كان في قومه كثرة قبل النبوة، فكيف أمكن له الاستتار، و لم يكن بعد النبوة فرض الحج بمكة، و لم يكن متعبدا بعد النبوة الا بشرعه، فعلي أي شريعة كان يحج؟ و هل كان يحضر في مواسم الحج مع الناس؟». و نقول: اتفق المسلمون كافة علي أنه صلي الله عليه و آله و سلم لم يحج بعد الهجرة الا حجة واحدة و هي التي تسمي حجة الوداع أو حجة الاسلام. رواه الكليني في الكافي [471] بسنده عن جعفر عليه‌السلام. (لعله أبوجعفر) و قال ابن‌سعد في الطبقات الكبير: قالوا انه صلي الله عليه و آله و سلم أقام بالمدينة عشر سنين يضحي و لا يحج حتي كان في ذي‌القعدة سنة عشر من الهجرة فحج حجة الوداع [472] و في السيرة الحلبية: لم يحج صلي الله عليه و آله و سلم من المدينة غيرها قيل لاخراج الكفار الحج عن وقته؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يؤخرون الحج في كل عام أحد عشر يوما حتي يدور الدور الي ثلاث و ثلاثين سنة فيعود الي وقته، فلذلك قال عليه الصلاة و السلام في هذه الحجة: الا أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات و الأرض. فان هذه الحجة كانت في السنة التي عاد فيها الحج الي وقته و كانت سنة عشر. [473] . و أما حجاته صلي الله عليه و آله و سلم قبل النبوة، ففي رواية الكليني السابقة أنه حج بمكة مع قومه حجات. و في رواية الكليني بسنده عن الصادق عليه‌السلام حج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عشر حجات مستترا في كلها يمر بالمأزمين فينزل فيبول [474] و في رواية عشرين [ صفحه 424] حجة [475] ، و روي محمد بن ادريس الحلي في آخر السرائر عن جامع البزنطي عن زرارة، سمعت أباجعفر و أباعبدالله من بعده عليهماالسلام يقولان: حج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عشرين حجة مستترة منها عشر حجج أو قال سبع - الوهم من الراوي - قبل النبوة [476] هذه هي الروايات الواردة في ذلك من طرقنا و ليس فيها أن الاستتار كان لأجل النسي‌ء كما قال، فيمكن كونه لأجله فان حجهم بسبب النسي‌ء كان يقع في غير أشهر الحج، فيحج هو في أشهر الحج مستترا، و يمكن أنه كان يستتر في بعض أعمال حجة عنهم لأنهم كانوا أهل جاهلية يخالفون الشرع في بعض أعمال الشرع التي منها أنهم كانوا يقفون بجمع و هو مع بقية العرب يقف بعرفة كما يأتي. أما غيرنا فاختلفوا كم حج قبل الهجرة بعد اتفاقهم علي أنه لم يحج بعدها الا حجة واحدة فقيل: حج بعد النبوة قبل الهجرة حجة واحدة، رواه ابن‌سعد في الطبقات بسنده عن مجاهد [477] و قيل: حج بعد النبوة قبل الهجرة حجتين و هما اللتان بسنده كان عندهما بيعتا العقبة الأولي و الثانية، و أن الحجة التي بايعه فيها ثمانية أو ستة من الأنصار كما يأتي هي العقبة الأولي لا غيرها لكن ابن‌سعد قال: انها غيرها. و قيل: انه حج بعد النبوة قبل الهجرة ثلاث حجات، احداها: قبل العقبة الأولي و هي التي أسلم فيها ثمانية أو ستة من الأنصار حين عرض عليهم‌السلام بمني. و الثانية: الحجة التي لقي فيها اثني عشر رجلا من الأوس والخزرج، و الثالثة: الحجة التي بايعه فيها السبعون عند العقبة الثانية قاله ابن‌سعد في الطبقات [478] و في السيرة النبوية لدحلان أنه صلي الله عليه و آله و سلم لم يحج بعد فرض الحج غير حجة الوداع، قال قال أبواسحق السبيعي: و حج و هو بمكة أخري، ولكن قوله أخري يوهم أنه لم يحج قبل الهجرة الا واحدة وليس كذلك، بل حج قبلها مرارا قبل: حجتين، و قيل: [ صفحه 425] ثلاث حجج. قال: و الحق الذي لا ارتاب فيه كما في شرح الزرقاني علي المواهب أوه لم يترك الحج و هو بمكة لأن قريشا في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج. و اذا كانوا و هم علي غير دين - يحرضون علي اقامة الحج فكيف يظن به أنه صلي الله عليه و آله و سلم يتركه؟ قال: و قد ثبت حديث جبير بن مطعم أنه رأي النبي صلي الله عليه و آله و سلم واقفا بعرفة و أنه من توفيق الله له و كانت قريش تقف بجمع و لا تخرج من أرض الحرم، و كان صلي الله عليه و آله و سلم يخالفهم و يصل الي عرفة و يقف بها مع بقية العرب. و صح أنه صلي الله عليه و آله و سلم كان يدعو قبائل العرب الي الاسلام بمني ثلاث سنين متوالية، قال الزرقاني فلا يقبل نفي ابن‌سعد أنه لم يحج بعد النبوة الا حجة الوداع؛ لأن المثبت مقدم علي الثاني، و لذلك قال ابن‌الجوزي حج قبل النبوة و بعدها حجات لا يعلم عددها، و قال ابن‌الأثير في النهاية كان يحج كل سنة قبل أن يهاجر [479] كلام دحلان. و اذا كان بقاؤه بمكة بعد النبوة و قبل الهجرة ثلاث عشرة سنة يكون قد حج بعد النبوة و قبل الهجرة ثلاث عشرة حجة - و حينئذ فما ورد في روايتنا كما سبق من أنه حج مع قومه قبل الهجرة عشرين حجة هو الصواب يكون حج سبعا قبل البعثة و ثلاث عشرة بعدها أو ثمانية قبلها و اثنتي عشرة بعدها. و أما فرض الحج ففي السيرة الحلبية قال الجمهور: فرض الحج كان سنة ست من الهجرة، و قيل: سنة تسع، و قيل: سنة عشر، و قيل: فرض قبل الهجرة و استغرب. [480] . و اذا عرفت ذلك كله علمت أن حجه صلي الله عليه و آله و سلم قبل الهجرة أو قبل النبوة أو بعدها عدة حجات بمكة مع قومه لا يختص برواياتنا عن الامامين الباقر و الصادق عليهماالسلام و أن حجه بعد النبوة قبل الهجرة لابد أن يكون قبل فرض الحج في شرع الاسلام لأنه لم يفرض الا بعد الهجرة كما عرفت. أما أنه كان في قومه كثرة، فكيف أمكنه الاستتار فكثرة قومه لا تمنعه من الاستتار بأن يحج وحده أو [ صفحه 426] مع قومه، و يستتر في بعض الأعمال. و أما أنه بعد لنبوة لم يكن فرض الحج بمكة و لم يكن متعبدا بعد النبوة الا بشرعه فلا يختص بنا، فان ورد علينا ورد علي غيرنا، و هذا يدل علي قلة اطلاعه. و اذا ثبت أنه كان يحج قبل أن يفرض الحج فلا بد أن يكون ذلك علي شريعة غيره، و اعتراضه بأنه بعد النبوة لم يكن متعبدا الا بشرعه غير وارد لأن ذلك انما يسلم فيما له فيه شرع، أما قبل فرض الحج في شرعه فلا مانع أن يتعبد فيه بشرع غيره، و يمكن أن يكون قد شرع الحج في حقه خاصة بعد النبوة و ان لم يكن قد شرع في حق غيره. و أما قبل النبوة فحال الحج كغيره من الأحكام و العبادات و للأصوليين خلاف مشهور في أنه قبل النبوة هل كان متعبدا بشرعه أو بشرع غيره؟! و من ذلك يعلم الجواب عن قوله هل كان يحضر في مواسم الحج، و كيف كان فايراد هذه المسائل في فقه عقائد الشيعة لا وجه له. قال (ص 36): «حج أبوبكر و علي مع الناس في السنة التاسعة. تقول كتب الشيعة: ان حج السنة التاسعة كان في ذي‌القعدة في دور النسي‌ء، و كيف يصح ذلك و الكتاب الكريم سماه: يوم الحج الأكبر». و نقول: كتب الشيعة التي بأيدينا لم نجد فيها ما ذكره، ففي مصباح المتهجد للشيخ الطوسي: في أول يوم من ذي الحجة سنة تسع من الهجرة بعث النبي صلي الله عليه و آله و سلم سورة براءة حين نزلت عليه مع أبي‌بكر، ثم نزل علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه لا يؤديها عنك الا أنت أو رجل منك، فأنفذ عليا حتي لحق أبابكر فأخذها منه و هو صريح في أن حج تلك السنة كان في ذي‌الحجة لا في ذي‌القعدة [481] و قال الطبرسي في تفسير قوله تعالي: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) [التوبة / 2]اختلف في هذه الأشهر الأربعة فضل ابتداؤها يوم النحر عن مجاهد و هو المروي عن أبي‌عبدالله عليه‌السلام، و قيل: من أول شوال، و قيل: ابتداؤها يوم النحر لعشرين من ذي‌القعدة لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت، ثم [ صفحه 427] صار في السنة الثانية في ذي الحجة و فيها حجة الوداع و كان سبب ذلك النسي‌ء عن الجبائي [482] ، فهو لم يقل ان حج تلك السنة كان في ذي‌القعدة، بل نقله عن الجبائي، و لم ندر ما هي كتب الشيعة التي تقول ذلك، و ان كانت تقول ذلك و قد شاركتها في هذا القول كتب غير الشيعة. قال الامام الرازي في تفسير الآية: اختلفوا في هذه الأشهر الأربعة، فقيل: ان ابتداءها شوال، و قيل: ابتداؤها العشرون من ذي‌الحجة، و قيل: ابتداء تلك المدة كان من عشر ذي‌القعدة الي عشر من ربيع‌الأول؛ لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت بسبب النسي‌ء الذي كان فيهم، ثم صار في السنة الثانية في ذي‌الحجة أي حجة الوداع. و الديل عليه قوله عليه الصلاة و السلام: ألا ان الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات و الأرض [483] فهو قد نقل ما نقله الطبرسي و ظهر منه ترجيح القول الأخير. و في الكشاف في تفسير (ان عدة الشهور عندالله اثنا عشر شهرا) الي قوله (منها أربعة حرم) [التوبة / 36]ثلاثة سرد ذوالقعدة و ذوالحجة و المحرم، و واحد مفرد و هو رجب و منه قوله عليه‌السلام في خطبته في حجةالوداع الا أن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات و الأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذوالقعدة و ذوالحجة و المحرم. و رجب مضر الذي بين جمادي و شعبان و المعني رجعت الأشهر الي ما كانت عليه و عاد الحج في ذي‌الحجة و بطل النسي‌ء الذي كان في الجاهلية و قد وافقت حجة الوداع ذي‌الحجة و كانت حجة أبي‌بكر قبلها في ذي‌القعدة [484] فظهر أن ذلك الي كتب الشيعة وحدها كان عن قصور في اطلاعه. و حينئذ فيسأل كيف حج أبوبكر و علي في ذي‌القعدة في دورالنسي‌ء و هو من سنن الجاهلية؟ و يمكن الجواب من وجهين: الأول: أن الحج لم يكن قد فرض بناء علي أنه قد فرض سنة عشر من الهجرة كما هو أحد الأقوال المتقدمة [ صفحه 428] في الفصل الذي قبل هذا و يؤيده أن الحج لو كان مفروضا قبل سنة عشر لما تركه النبي صلي الله عليه و آله و سلم و عدم استطاعته له بعيد لا سيما أن مكة المشرفة كانت قد فتحت سنة ثمان من الهجرة، و اذا لم يكن الحجة مفروضا فلا مانع من حج أبي‌بكر و علي في دور النسي‌ء لغاية تبليغ علي سورة براءة. الثاني: يمكن أن يكون أبوبكر و علي خرجا مع المشركين في حجهم في ذي‌القعدة و بلغ علي عليه‌السلام سورة براءة في الموسم، ثم حج هو و أبوبكر في ذي‌الحجة من تلك السنة، و هذا الجواب يتم سواء أقلنا بأن الحج كان قد فرض أم لا، و لا ينافي ذلك أن يكون حج وحده حجا صحيحا، و الله أعلم. و من هنا تعلم عدم المنافاة بين ذلك و بين تسميته في الكتاب الكريم بيوم الحج الأكبر الا علي القول بأن يوم الحح الأكبر يوم عرفة أو يوم النحر، و القول بأنه وقع في ذي القعدة. و أن غيره من علماء غير الشيعة قالو بوقوعه في ذي القعدة، فتوجه عليهم الاعتراض. أما علي القول بأن الحج الأكبر هو مطلق الحج؛ لأن العمرة تسمي الحج الأصغر أو أنه سمي الحج الأكبر لاجتماع المسلمين و المشركين فيه فلا يرد هذا الاعتراض أيضا و كل ذلك يدل علي قصور اطلاعه.

اسانيد الشيعة و غيرهم و أخبارهم

قال (ص 46) بعد ذكر بعض أخبار نقلها من كتب الشيعة: «و هذه و أمثالها تشهد شهادة قطعية أن الشيعة تضع و لا تحسن الوضع لا ذوق للشيعة في الوضع و لا مهارة. تروي كتب الشيعة أن اماما من أئمة أهل البيت يقول: ذروا الناس فان الناس أخذوا عن الناس، و أنتم أخذتم عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم». و (في ص 47): «نقلا عن شرح الكافي للمجلسي (28 - 1) أن شيوخنا رووا عن الباقر و الصادق و كانت التقية شديدة، و كانت الشيوخ تكتم الكتب، فلما خلت الشيوخ و ماتت، وصلت كتب الشيوخ الينا. فقال امام من الأئمة: حدثوا بها فانها صادقة. تعترف الشيعة أنه لم يكن عندها علم الحلال و الحرام [ صفحه 429] و المناسك الي زمن الباقر و الصادق. نري أن التقية جعلت وسيلة الي وضع الكتب. ثم جعل كل هذا دليلا علي جواز العمل بالوجادة. هذا خلاصة للشيعة في أسانيد الأخبار و الكتب. يقول أهل العلم: ان أخبار الشيعة متونها موضوعة، و أسانيدها كلها مفتعلة مختلقة. و الوضع زمن الأموية و العباسية كان شائعا غاية الشيوع للدعوة و الدعاية لأسباب سياسية. و قد كان أعداء الاسلام و أعداء الدولة الاسلامية من اليهود و المجوس يتظاهرون بالدين نفاقا، و يضعون الأحاديث مكرا بالدين نفاقا، و يضعون الأحاديث مكرا بالدين و اثارة للفتن. و أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كان من الشيعة المتظاهرة و أخرجتها العصبية من ذكر الفضائل الي تعداد الرذائل. و كل متن يناقض المعقول أو يخالف الأصول أو يعارض الثابت من المنقول فهو موضوع علي الرسول». و (في ص 48): «كان لأئمة الأمة رواية محيطة أحاطت احاطة مفترقة مستغرقة علي كل ما رويت (كذا) لم تغادر صغيرة و لا كبيرة الا حصتها، و كان لهم دراية نافذة واسعة حتي نقدت الأحاديث بعد التثبت في أسانيدها نقد الصيارفة خالص النقود من زيوفها، ثم دونت الجوامع في الصحاح و دونت المسانيد فيما صح و حسن و ثبت من الأحاديث، فما فات الأئمة شي‌ء من سنن النبي و أحاديثه و لم يدخل و لم يبق في كتب الأمة زيف أو دخيل. و كان لهم دراية نافذة واسعة و كانت لهم رعاية صادقة ناصحة». و (في ص 49): «و روايات أهل البيت أئمة الشيعة - ان كان لهم رواية - فكلها ينتهي الي علي أميرالمؤمنين و كل ما صح و ثبت عن علي فقد روته أئمة الأمة قبل أئمة الشيعة بزمن و هم أدركوه، و هم كانوا أعلم و أحرص. هذا ما للشيعة و ما لأئمة الأمة في مسألة الأسانيد و المتون. فاجلالا لأهل البيت و احتراما لأئمة الشيعة أنكر كل أخبار الشيعة لو ثبت بعض ما في كتب الشيعة، فالأئمة و أهل البيت جاهلة، سيئة الأدب، قليلة الدين. في أبواب ما نزل من الآيات في الأئمة و الشيعة و في أعداء أهل البيت دليل لا يزر عيبا علي من يقول: كل ما في كتب الشيعة موضوعة، كل ما روي في تأويل الآيات و تنزيلها [ صفحه 430] استخفاف بالقرآن و لعب بالآيات، لا يدل الا علي جهل القائل بها لو ثبت أخبار الكافي في القرآن و في تأويل الآيات و تنزيلها فلا قرآن و لا اسلام و لا شرف لأهل البيت و لا ذكر لهم». و نقول: الشيعة لا تضع و لا تحسن الوضع، و لا ذوق لها فيه، و لا مهارة، و لا تحتاج اليه، و هي غنية بما ورثته من علوم آل محمد - مفاتيح باب مدينة العلم، و شركاء القرآن - عن الوضع و الكذب، و غيرها قد يضع و يحسن الوضع و يكون له فيه ذوق و مهارة و قد يضع و لا يحسن الوضع و يكون وضعه من دون ذوق و مهارة كمن روي «ما أبطا عني جبرئيل الا ظننت أنه بعث الي فلان» «و ما أبطأ عني الوحي الا ظننت أنه نزل في آل فلان» [485] فواضع هذا لقلة ذوقة و مهارته لم يتفطن الي أن فيه نسبة النبي صلي الله عليه و آله و سلم الي الظن بعدول الباري تعالي عن نبوته و الي الظن بأن نبوته قد انقطعت و من شكره في استمرار النبوة أو ظن انقاطعها لم يكن مسلما فضلا عن أن يكون نبيا خاتم الأنبياء و سيدها و أفضلها. و قد وضعوا لأمير الشام حين أدر عليهم الأموال من بيت المال المسلمين أحاديث في ذم علي بن أبي‌طالب لم يكن لهم ذوق و لا مهارة في وضعها (منها) أن آية (و اذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل) [البقرة / 205]نزلت في علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام و منها: أن عليا خطب بنت أبي جهل فخطب النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قال في خطبته لاها الله لا تخطب بنت عدو الله علي بنت رسول الله فاطمة بضعة مني من أذاها فقد آذاني [486] حتي نظم ذلك مروان بن أبي‌حفصة شاعر بني العباس متقربا بذلك اليهم فقال: وساء رسول الله اذا ساء بنته بخطبته بنت اللعين أبي‌جهل كما ذكره ابن أبي‌الحديد [487] و غيره من المؤرخين. فواضع هذا لا ذوق له [ صفحه 431] في الوضع و لا مهارة، فانه لم يتفطن الي أن عليا في مكانته في الاسلام لا يمكن أن تصدق نسبة الافساد في الأرض اليه، و أنه لا يمكن أن يتزوج علي الزهراء في حياتها، و أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لو قال ذلك لكان قدحا في نبوته - و العياذ بالله - لتحريمه ما أحله الله؟ و ان صح قول أحد الأئمة: الناس أخذوا عن الناس، و أنتم أخذتم عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان راجعا الي الفتوي لا الي الرواية، اذ كل من يروي يسند حديثه الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. أما الفتوي فالشيعة تأخذ أحكامها عن أئمة أهل البيت الذين أخذوا عن آبائهم عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و غيرها يأخذ أحكامه عن الناس من أئمة المذاهب الذين يعلم أنهم يفتون بالاجتهاد الذي يجوز فيه الخطأ لكن صاحبه معذور أخطأ أم أصاب. و الشيعة كغيرهم قسموا أسانيد الأخبار و الكتب الي أقسامها المعروفة عند الجميع من: الصحيح، و الحسن، و الموثق، و الضعيف، و المجهول، و المرسل، و المقطوع، و المضمر، و الآحاد، و المتواتر، و غيرها من الأقسام المفصلة في كتب الدراية للشيعة و لغيرها. و أما تحمل الرواية فطرقه عندهم هي ما عند غيرهم كالسماع من الشيوخ و القراء عليهم و الاجازة و الوجادة و غيرها مما فضل في كتب الدراية فسخه لطريقة الشيعة في الأسانيد و تحمل الرواية و ابرازه لها بهذا الشكل تعصب منه و قلة أمانة، و قوله: ان شيوخنا رووا الي قوله صادقة؛ الدال علي جواز تحمل الرواية بالوجادة لا غبار عليه فانها أحد طرق التحمل فذكره في معرضها النقد قلة انصاف، و ماذا ينكر من اشتداد التقية المؤدي الي كتمان الكتب، و هل كان جزاء من ينتمي الي أئمة أهل البيت و يأخذ دينه عنهم غير القتل بشر القتلات و أفظعها. قد حبس الرشيد محمد بن أبي‌عمير أحد أصحاب الكاظم و رواة الحديث، و ضربه أشد الضرب ليدل علي أصحاب موسي بن جعفر، فكاد يبوح لشدة البلاء، ثم عصمه الله و دفنت أخته كتبه في غرفة، فتلفت بما أصابها من المطر و أمثال هذا كثير لا يحصي، و كم بنيت الحيطان علي العلويين، و وضعوا أحياء في أساطين البناء، و كم خلد شيعة أهل البيت في السجون، و أودعوا المطامير! أليس بعد هذا كافيا في لزوم [ صفحه 432] التقية!؟ فقوله: نري أن التقية جعلت وسيلة الي وضع الكتب، ثم جعل هذا دليلا علي جواز العمل بالوجادة رأي فاسد و مقال جائر. التقية لم تجعل وسيلة الي وضع الكتب، و التقية التي لا يمكن انكار وجوبها لا يسوغ لمنصف أن يعيب بها و يجعلها نقدا و وضع الكتب علي لسان أئمة أهل البيت و التوسل الي ذلك بالتقية لا داعي له حتي يرتكبه رواة الشيعة، فان كان الاحتياج الي الوضع لقلة علوم أهل البيت فهم ينابيع العلم و الحكمة و الذين أمرنا بأن نتعلم منهم و لا نعلمهم، و ان كان حبا بالوضع و الكذب فهؤلاء الرواة قد اتسموا بالعدالة و الوثاقة و التحرز في كتب الرجال، و هم أبعد عن الكذب و الوضع من كل أحد، و ان وجد بينهم مقروح فيه، فالشيعة ترد أحاديثه و لا تقبلها و جعله هذا الكلام دليلا علي أن الشيعة لم يكن عندها علم الحلال و الحرام و المناسك الي زمن الباقر و الصادق عليهماالسلام سوء فهم منه و عناد و تعصب، فاذا كانت شيوخ الشيعة تكتم بعض الكتب المروية عنهما في زمن شدة التقية، ثم ظهرت تلك الكتب عند خفة التقية، فليس معناه أنه ليس عند الشيعة غير هذه الكتب، و لا أن الشيعة لم تكن تعلم ما في هذه الكتب من الحلال و الحرام و المناسك و تعمل به كيف لا و هم رواتها و حفظتها، و انما المراد، أنها لم تكن منتشرة انتشارها زمن خفة التقية و أول الكلام صريح في أنها مروية عن الباقر و الصادق، و معمول بها في زمانهما و قبل زمانهما، فكيف يقول لم يكن عندها علم الحلال و الحرام الي زمنهما، ولكنه لا يدري ما يقول. و الشيعة ورثت علم الحلال و الحرام و المناسك أولا عن أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، باب مدينة علم المصطفي، و فاصل القضايا، و حلال المشكلات، و الذي قال فيه الخليفة: «لولا علي لهلك عمر»، «قضية و لا أبوالحسن لها»، «لا عشت لمعضلة ليس لها أبوالحسن». و له من المؤلفات جمع القرآن و تأويله، و كتاب أملي فيه ستين نوعا من أنواع علوم القرآن، و ذكر لكل نوع مثالا يخصه و هو الأصل لكل من كتب في أنواع علوم القرآن، و كتاب الجامعة، و كتاب الجفر، و صحيفة الفرائض، و كتاب في زكاة النعم؛ و كتاب في أبواب الفقه؛ و كتاب آخر في الفقه؛ و عهده للأشتر. و وصيته لابن الحنيفة، و كتاب عجائب أحكامه، و قد [ صفحه 433] تكلمنا علي هذه الكتب في الجزء الأول من أعيان الشيعة [488] ثم عن أولاده أئمة الهدي، و مصابيح الدجي، واحد الثقلين واحدا بعد واحد. و انما كان انتشار ذلك في زمن الصادقين. و حاشا أهل العلم أن يقولوا في أخبار الشيعة و متونها ما ذكره و ان قاله قائل فهو من أهل الجهل، بل هو أجهل من كل جاهل، و ما يحمل قائل ذلك عليه الا العداوة و العصبية، و قلة الخوف من الله تعالي. و أخبار الشيعة متون و أسانيد كأخبار غيرها، بل هي أقرب الي الصحة لأنها لا تعمل و لا تعتقد الا بما يرويه الثقات عن الثقات، عن الأئمة الهداة، عن جدهم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل، عن الله تعالي كما قال الشاعر: و وال أناسا قولهم و حديثهم روي جدنا عن جبرئيل عن الباري و لا تأخذ بما يرويه مائة ألف أو يزيدون و تحكم بعدالتهم جميعا و فيها أمثال: بسر بن أرطأة و مروان بن الحكم و المغيرة بن شعبة و الوليد بن عقبة و أضرابهم و فيهم الذين أقاموا لأم المؤمنين أربعين أو خمسين شاهدا يشهدون زورا أن هذا ليس ماء الحوأب، فكانت أول شهادة زور أقيمت في الاسلام، و تسبب عنها قتل عشرات الألوف من المسلمين. و اذا كان الوضع شائعا زمن العباسية و الأموية، فمن هم الذين كانوا يضعون الأحاديث غير علماء السوء من الأمة المعصومة - عنده - كانوا يضعونها لمن يبذل لهم الأموال و توليهم الولايات ضد أهل البيت و في مدح أعدائهم و الذين ابتدأوا بالوضع و حملوا الناس عليه بالترغيب و الترهيب هم ملوك بني‌أمية في ملكهم العضوض، فبذل أول ملك منهم الأموال العظيمة و ولي الولايات الجليلة لمن يروي له حديثا في ذم علي و أهل بيته، ثم فيمن يروي في فضائل غيرهم، ثم تبعه بنوأبيه علي ذلك مدة ملكهم، ثم بني العباسية علي هذا الأساس لأسباب يسميها المؤلف سياسية، و بأي اسم سماها فهي لا تخرج عن العداوة لأهل البيت الطاهر و قصد اخفاء فضلهم و غمط حقهم، و يأبي الله ذلك. [ صفحه 434] أما أهل البيت و شيعتهم فلم يكونوا في حاجة الي وضع و لا في فقر الي اختلاق لغناهم بالفضائل و المناقب التي اعترف بها العدو قبل الصديق، بل لم يكونوا قادرين علي اظهارها للملأ و هي حق حتي كانوا لا يجسرون أن يصرحوا باسم علي اذا رووا عنه؛ فيقولون حدثني أبوزينب أو رجل من أصحاب رسول الله، و منعوا عن أن يسموا باسمه أو يكنوا بكنيته. و قد قال بعض من تسموا بأهل السنة في حق أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام: «ما أقول في رجل أخفي أولياؤه فضائله خوفا و أعداؤه حسدا و ظهر من بين ذين ما ملأ الخافقين» [489] و كون اليهود و المجوس كانوا يضعون الأحاديث كلام خال عن التحصيل قاله مخادع ماهر، و تبعه عليه كثيرون، فنسبوا وضع الأحاديث و المكر بالدين و اثارة الفتن الي اليهود المجوس سترا للأمر و الصواب. ان الذين فعلوا ذلك هم الذين أسلموا كرها و تظاهروا بالدين نفاقا، و أحقادهم يوم بدر و غيره باقية في صدورهم و هم أعداء الاسلام، فبذلوا الأموال وولوا الولايات لمن يضع لهم الأحاديث في ذم علي و أهل بيته و مدح غيرهم، مكرا بالدين، و اثارة للفتن، و عداوة لصاحب الشرع و أهل بيته، و لم يظهر المراد من قوله: الشيعة المتظاهرة و لعل المراد ما في قوله السابق يتظاهرون بالدين نفاقا. و الصواب: أن أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل و الذم كان ممن قدمنا ذكره كما ذكره ابن أبي‌الحديد في شرح النهج و غيره [490] ، أما الشيعة فأئمتها غنية بالفضائل لا تحتاج الي الاختلاق كما مر و قد كان ابراهيم بن محمد الثقفي من أهل الكوفة ألف كتابا في المناقب و المثالب، فأشار عليه أهل الكوفة أن لا يظهره خوفا عليه، فسألهم: أي البلاد أبعد عن الشيعة؟ فقالوا: أصفهان، فحلف أن لا يروينه الا بأصفهان ثقة منه بصحة أسانيده، فانتقل الي أصفهان و رواه بها. [491] . و الشروط التي ذكرها لمتون الأحاديث ليس الشأن في ذكرها بل الشأن في [ صفحه 435] تطبيقها و معرفة أن أي حديث يناقض المعقول، و أي حديث لا يناقضه، فحديث النظر الي الله تعالي يوم القيامة يقول المعتزلة: انه محال محال مناقض للمعقول، و يقول الأشاعرة: أنه غير مناقض. و الشأن في أن أي القولين أصح، و الأصول التي يدعي ان الحديث يناقضها تختلف فيها الأنظار، فالمهم تصحيح الصحيح منها و الثابت من المنقول عند قوم قد لا يثبت عند آخرين، و هكذا كل كلامه تطويل بلا فائدة. و كل أمة تدعي لأئمتها ما ادعاه لأئمته، و الله أعلم بالمصيب منها و المخطي‌ء، و الاختلاف في أحوال الرجال من الرواة ينفي الجزم بأنه لم يبق في الكتب زيف أو دخيل، و اذا كانت أئمة الأئمة نقدت الأحاديث كما وصف فلماذا رد أحاديث أعظم أئمة الحديث في المتعة - كما مر -: البخاري و مسلم و ابن‌حنبل و النسائي و ابن‌ماجة الدالة علي مشروعيتها؟ و قال: انها لم تشرع و بالغ في ذلك، و قال في بعضها هذا كلام لفقته ألسنة الرواة الي آخر ما مر وهنا يقول: لم يبق في أخبار الأمة زيف أو دخيل، فكان في ذلك كالنعامة قيل لها، احملي. قالت: أنا طير. قيل لها: طيري. قالت: أنا جمل. أو كالبومة قيل لها: ما بال رأسك كبير؟ قالت: أنا شويخة. قيل: فما بال ذنبك صغيرا؟ قالت: أنا قديخة. قيل: ما تصديق من رأسك الي ذنبك. و قوله عن أهل البيت ان كان لهم رواية عجيب. و هل الرواية الا لهم. فقد روي راو واحد و هو أبان بن تغلب عن امام واحد و هو جعفر بن محمد الصادق ثلاثين ألف حديث. و قال الحسن بن علي الوشا: أدركت في مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كل يقول: حدثني جعفر بن محمد [492] و أحصي الحافظ ابن‌عقدة الرواة عن جعفر بن محمد من الثقات خاصة فكانوا أربعة آلاف [493] و قد صنف أصحاب الأئمة فيما رووه في فنون شتي ما يزيد علي ستة آلاف و ستمائة كتاب، و قال البهائي في الوجيزة: ان ما تضمنته كتبنا من هذه [ صفحه 436] الأحاديث يزيد علي ما في الصحاح الستة بكثير كما يظهر لمن تتبع أحاديث الفريقين و هذا الرجل يقول ان كانت لهم رواية. ما ضر شمس الضحي و الشمس مشرقة أن لا يراها الذي في عينه رمد قوله: كلها تنتهي الي علي؛ الصواب أن روايات أهل البيت أئمة الشيعة - الذين تفتخر الشيعة بأنهم أئمتها و تدعي بهم يوم يدعي كل أناس بامامهم - كلها تنتهي الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عن الله تعالي كما قال أحد أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ما مضمونه: كل ما حدثتكم به فسندي فيه أبي عن جدي عن أبيه عن جده عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [494] و كون كل ما صح و ثبت عن علي روته أئمة الأمة قبل أئمة الشيعة بزمن يرده أنه متي كان من يسميهم أئمة الأئمة يروون حديث علي في عهد من عهود الاسلام أفي العهد الأول الذي سئل عنه الخليل بن أحمد النحوي و اشترط عليه السائل أن لا يبوح به في حياة السائل، فقال الخليل: هذا يدل علي أن الجواب أعظم من السؤال. فقال: رأيت الصحابة كأنهم بنو أم و أب، و عليا كأنه ابن‌علة، فأجابه الخليل بجواب معروف و اشترط عليه كتمان الجواب مدة حياة الخليل، أم في العهد الأموي و العباسي و كان لا يجسر أحد أن يروي عنه حديثا كما مر و استمر ذلك الي اليوم، فقام موسي التركستاني ينكر فضلهم و يفضل عليهم من لا يلحقهم في فضل. و الذي للشيعة في الأسانيد أنه لا يقبلون الا ما رواه الثقات عن الثقات حتي ينتهي الي صاحب الشرع، و في المتون أنهم لا يقبلون ما يناقض المعقول أو يخالف الثابت من المنقول، و قد ملأت كتبهم في أحوال الرجال و البحث عن عدالتهم و ضعفهم الخافقين. و الذي لأئمة من يسميهم الأمة قد علم حاله مما مر. و هذه التهويلات بتلك الألفاظ الهائلة: لا قرآن، لا اسلام، لا شرف، لا سماوات، لا أرضون، لا بحار، لا أنهار، لو ثبت كذا فكل ما في كتب الشيعة موضوع. لو ثبت كذا فهو استخفاف بالقرآن. لا تدل الا علي جهل قائلها. لماذا كل هذا [ صفحه 437] التهويل لأن ما ذكر يخالف ما يعتقده موسي جار الله و لعل فما يعتقده حقا و باطلا و صوابا و خطأ ليس موسي جار الله معصوما، و ان ادعي العصمة لنفسه و لأمة في مواضع لا تحصي من «وشيعته». نحن لا نقول بصحة كل ما في كتب الأخبار للشيعة لا في الأحكام الشرعية و لا غيرها لا الكافي و لا غيره، و لا ندعي العصمة التي يدعيها له و لأمته، بل في هذه الأخبار جميع أقسام الحديث مما يحتج به و ما لا حجة فيه، فعلينا أن نبحث عن صحة سند الحديث و ضعفه، و قد تكفلت بتوثيق الرجال و تضعيفهم كتب الرحال و لا يلزمنا الاعتقاد أو العمل بكل ما صح سنده، بل نطرح ما خالف الكتاب و السنة و اجماع المسلمين أو خالف العقل. و اذا كان جميع ما في كتب الأخبار صحيحا فلماذا وضعت كتب الرجال، و لماذا قسم الحديث الي أقسامه المعروفة، فقوله لو ثبت كذا فالأئمة و أهل البيت جاهلة، سيئة الأدب، جهل منه و سوء أدب و انكاره كل أخبار الشيعة احتراما للأئمة - بزعمه - تعد منه و تجاوز للحد كدعواه وضع كل ما في كتب الشيعة. فاذا كان في هذه الأخبار ما يخالف رأيه لا يترتب عليه ما ذكره من اللوازم اذ يجوز علي رأيه الخطأ و الصواب، و يجوز أن يكون في هذه الأخبار ضعيف السند، فاصداره هذه الأحكام الجائرة علي كل أخبار الشيعة تهور و خطأ. و أشار (ص 50) الي بعض ما في الكافي، و قال: «انه أصح كتاب عند الشيعة»، ثم أتي بعبارات أساء فيها الأدب كثيرا مع الامام الصادق عليه‌السلام، امام أهل البيت، لم نر من مقتضي الأدب نقلها. و هو لا يساوي تراب أقدام الصادق، و قد بينا أن الشيعة لا تعمل و لا تعتقد بكل ما في الكافي، و لا تراه كله صحيحا، و تقسم أخباره الي الأقسام المعروفة التي فيها الصحيح و الضعيف سواء أكان أصح كتاب عندها أم أضعفه.

ام العباس

قال (ص 33): «كلام كتب الشيعة في أم‌العباس فيه شي‌ء من سوء الأدب لا أرتضيه و هذه قد عادت للشيعة و كتبها عادة»، و (في ص 50): «ما في الوافي في أم العباس لعله نزعة شيعية زادتها الشيعة علي الشعوبية». [ صفحه 438] و نقول: هذه مسألة تاريخية ذكرها كافة المؤرخين من الشيعة و غيرهم، فتخصيص كتب الشيعة بذلك قلة انصاف منه، و هذه و أمثالها قد عادت له عادة. و الشعوبية لم تؤثر شيئا في تاريخ الاسلام و لم يحوجها أهل الاسلام الي زيادة شي‌ء فيه. و الشيعة أصدق حديثا من أن تزيد علي الشعوبية أو غيرها، ولكن نزعات العداوة للشيعة تحمل علي مثل هذا القول.

ايمان جد النبي و أبيه و أمه و عمه

قال (ص 51): «(مسائل حسنة فقهية في كتب الشيعة) يعجبني غاية الاعجاب عقيدة الشيعة في جد النبي عبدالمطلب و عمه أبي‌طالب و أمه الثانية فاطمة أم علي. عن الصادق: يحشر عبدالمطلب أمة وحده عليه سيماء الأنبياء و هيبة الملوك. نزل جبرئيل علي النبي عن الله تعالي اني قد حرمت الناس علي صلب أنزلك، و بطن حملك، و حجر كفلك. و مثل هذه الأحاديث و ان كانت رويت علي طريق الدعاية و علي قصد تأييد هوي من الأهواء، فان قلبي يميل الي هذه العقيدة و ان لم يكن عندي لها دليل بل يميل قلبي الي توسيع هذه العقيدة في عمود النسب حتي يدخل في دائرة الرحمة الالهية التي رسمها اشعاع بركة النبي كل ما لم يرد فيه نص الحرمان. و كنت أستبعد غاية الاستبعاد قول ابن‌حزم في كتابه الأحكام في أصول الأحكام: و قد غاب عنهم أن سيد الأنبياء هو ولد كافر و كافرة. عجيب من مثل هذا الامام الكبير محمد بن حزم مثل هذه الصراحة و مثل هذا القطع، و قد كان والد النبي و أمه علي دين ابراهيم أو أمكن أن يكون علي دينه». و نقول: العقائد لا تكون بالاعجاب و لا بميل القلب، بل تكون بالدليل و الدليل علي اسلام من ذكرك النور علي السطور. بما روي عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الذين هم أولي بالاتباع من كل أحد و منه الحديث الذي نقله، فالصلب الذي أنزله عبدالله و يمكن شموله لجميع أجداده الي آدم، و البطن الذي حمله آمنة، والحجر الذي كفله عبدالمطلب و أبوطالب و زوجته فاطمة بنت [ صفحه 439] أسد، لكنه لم يذكر أباه و أمه الوالدة مع ذكرهما في الرواية و مع أن الوالدة أولي بالذكر من المربية المتفق علي اسلامها، و يزد اسلام أبي‌طالب بما سيجي‌ء، و مع ذلك لم يقل به أكثر قومه لأحاديث موضوعة رويت في عصر الملك العضوض علي طريق الدعاية ضد أهل البيت النبوي قصد تأييد هوي من الأهواء، عداوة لمن ولده و آخر حجر كفله بل عداوة له نفسه، و أخذها من تأخر بالقبول غفلة عن حالها، و بناء علي بعض الأسس غير الثابتة في قبول الخبر حين ينتهي الي صحابي. و زعمه أن أحاديث ايمان هؤلاء رؤيت علي سبيل تأييد الدعاية و علي قصد تأييد هوي من الأهواء، لم يسقه اليه الا هوي من الأهواء. و يقول: ان عقيدة اسلام هؤلاء ليس لها عنده دليل؛ مع أن الدليل علي اسلام أبي‌طالب مما لا ينبغي الشك فيه، و لذلك نصره و حامي عنه و تحمل أذي قومه في سبيله، و أوصي أولاده عليا و جعفرا عند موته بنصره، فقال: ان عليا و جعفرا ثقتي عند مسلم الخطوب و الكرب لا تخذلا و انصرا ابن عمكما أخي لأمي من بينهم و أبي و الله لا أخذل النبي و لا يخذله من بني ذو حسب [495] . و صرح بالاسلام في شعره في عدة مواضع، و انما كان يخفي اسلامه ليتمكن من نصره فهو الذي يقول: و لقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا [496] . و يقول: ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب لدينا و لا يعني بقول الأباطل كذبتم و بيت الله نخلي محمدا و لما نطاعن دونه و نناضل و ننصره حتي نصرع حوله و نذهل عن أبنائنا و الحلائل [497] . [ صفحه 440] الي غير ذلك من أشعاره. أما قول الصادق الذي ترويه الشيعة فلا يصلح دليلا عنده لأن الشيعة - بزعمه -: كل أحاديثها موضوعة. و مثل هذه الأحاديث رويت علي سبيل الدعاية و لتأييد هوي من الأهواء. و أولي بذلك ما روي بضدها من أن والدي النبي صلي الله عليه و آله و سلم ماتا كافرين و أنهما في النار. و كيف يقول بما لم يرد فيه نص الحرمان. و قد وردت في هؤلاء نصوص الحرمان - بزعم أصحابه - و العجب منه أنه فيما يصيب فيه يبني اصابته علي غير دليل، و كان يستبعد غاية الاستبعاد ما قاله ابن‌حزم من أن سيد الأنبياء ولد كافر و كافرة، و يتعجب منه. ولكنه لو لم ينظر ابن‌حزم بعين الرضا - التي هي عن كل عيب كليلة - لما استبعد أن يصدر منه مثل هذا الكلام فقد أتي ابن‌حزم في كتابه الفصل من التعصب بالباطل علي الشيعة و الأكاذيب و قلب الحقائق بما تقشعر منه الجلود و تسميته بالامام الكبير ليست الا لذلك.

الطلاق و الغسل و المسح

قال (ص 52): «و أستحسن الكثير من أقوال الشيعة في أدب الطلاق و نظامه. و لا أستحسن غلو الشيعة في تحريم غسل الرجلين في الوضوء، و غسل كل شي‌ء و كل الأعضاء في كل حال و علي كل حال مباح في الأصل، فالتحريم جهل عظيم. و غسل الأرجل تعبدا و تنظفا سنة قديمة ثبتت في كل الأديان السماوية و وردت في أسفار موسي علي أنها سنة ابراهيم». و (في ص 54): «و المسح بالرؤوس له تاريخ قديم و لم يثبت في دين من الأديان السماوية الا الغسل في الأرجل».

الغسل و المسح في آية الوضوء

و (في ص 52): «و الغسل المسح في الأرجل قرآن متواتر وفي سنة النبي كلاهما سنة متواترة و قول الباقر و الصادق: يأتي علي الرجل سبعون سنة ما قبل [ صفحه 441] الله منه صلاة لأنه غسل الرجلين تحكم استكبار عند (كذا) جلال الله و تحجير لاختيار الله» و (في ص 54 - 52): «و ابن‌عباس كان يقول في آية (و امسحوا برؤوسكم و أرجلكم) لا أجد في القرآن الا المسح لكن الأمة أبت الا الغسل. و مثل هذا أسلوب محاورة للصحابة في المناظرة، و في تقرير الاشكال كان يقول هذا علي ملأ من فقهاء الصحابة للمذاكرة و الاستفادة و فيهم امام الأئمة علي أميرالمؤمنين، و أفضل الأمة، وافقه الصحابة الامام عمر الفاروق، و هو الذي كان يقدم ابن‌عباس علي شيوخ الصحابة في مجالس العلم اجلالا لعلمه، و اعتمادا علي عظيم أدبه، فتسليم الصحابة اجماع منهم علي أن وظيفة الرجلين هي الغسل و الا لأنكروا عليه قوله: لكنكم أبيتم الا الغسل، و كان هذا الاجماع قبل الصادق و أبيه الباقر بقرن كامل. فتحريم غسل الأرجل لابد أن يكون موضوعا علي لسان الصادق، و الا فالصادق جاهل يعاند جده المعصوم. و ابن‌عباس كان من أعلم تلاميذ علي و أكثرهم تعلقا بعلي، و كان يوم الاجماع من شيعة علي و ان ارتد بعد مدة و صار كافرا علي ما تزعمه الشيعة (401:2) أصول الكافي. و روي أهل العلم بسند كل رجاله. ان ابن‌عباس قال اكتفاء القرآن الكريم في التيمم بمسح الوجوه و الأيدي يرشد الي أن وظيفة الأرجل في الوضوء هي المسح فقط، فالتيمم هو مسح ما كان يغسل في الوضوء و ترك ما كان يمسح في و لا ريب أن هذا القول فيه فقه جليل لطيف، و حدس سريع خفيف، الي ما في أوضاع الشرع من الانتظام العجيب الحصيف. و عندنا عليه زيادة وذلك أن الآية فيها الوجهان و كل وجه آية بذاتها، و حمل أحد الوجهين علي الآخر تكلف نحوي، و تصرف في قول القائل من غير اذنه، و اعتداء علي قصده، و حجر علي اختياره، و بيان معني الوجهين حق مخصوص للشارع، و الشارع كان يعمل بكلا الوجهين كان يغسل رجليه و هو أغلب أحواله في احتفائه و قد يمسح رجليه و هو منتعل متخفف (لابس خفا) و اذا راعينا معني النظافة من الأحداث و الأخباث في الوضوء و مصلحة التيسير و رفع الحرج؛ عرفنا أن النصب أمر بغسل الأرجل في حال الاحتفاء، و الخفض تيسير بمسح الأرجل في حال الانتعال، و الاختفاف علي أنه رخصة. نعم، لو كان التيمم عزيمة في شرع الاسلام و الوضوء و رخصة [ صفحه 442] لكان لمسح الأرجل في حال احتفائها وجه جواز، ثم لما كان لتحريم غسل الأرجل من وجه لا شرعا و لا عقلا، فقد قلنا: ان غسل كان شي‌ء في كل حال مباح و هو ضروري في الأحيان، فلا يأتي شرع بتحريمه الا علي قاعدة شيعية امامية. كل ما عليه العامة فساد و الأخذ بخلاف ما عليه الأمة رشاد. و هذه القاعدة هي أصل من أصول الفقه عند الشيعة» و (في ص 54 و 55) «و المسح باليد زمن ابراهيم و قبله بقرون كان رمز تقديس، و كل شي‌ء يراد تقديسه كان الكاهن يمسحه بيده و ملكي صادق (كذا) كبير عصره دعا لابراهيم و باركه مسح بيديه رأسه رمزا علي أن يكون اماما للأنبياء و أبا الجمهور، و هذا من أعجب أعاجيب ما وقع في التاريخ القديم ترويه التوراة بقول فصل و عبارات جزيلة، يصدقه القرآن الكريم في آيات جليلة، و ما كان يقدس الانسان بمسح رأسه الا غيره، و لم يكن انسان يتقدس بنفسه، و أحياه الاسلام فكرم الانسان و هده الي أن الانسان لا يتقدس الا بعمله و أقر المسح رمزا للتقديس، و جعل المسح ثالث أركان الوضوء قبل غسل الأرجل؛ لأن اهتداء الانسان في سبيل حياته لا يستقيم الا اذا استقام رأسه و تقدس عقله، و لعل (كذا) لأجل هذا المعني تأخر نزول آية الوضوء الي عشرين من نبوته لأن الأمة لم تتقدس الا بعد عقدين من سعيه».

المسح علي الخفين

قال (في ص 31): «كتب الشيعة اذا تعصبت علي المسألة تجازف في الكلام، تتجاوز حدود التشدد في المبالغة، مثل ما روي في المسح علي الخفين، كان الصادق يقول يأتي علي الرجل سبعون سنة ما قبل الله منه صلاة لأنه مسح علي خفيه لأنه غسل الرجلين». و (في ص 55): سورة المائدة و آية الوضوء و التيمم نزلت في السادسة من الهجرة و عدد هذه الآية في السورة صار تاريخا لنزولها. و آية التيمم نزلت في سفر النبي الذي ضاع فيه جزع أم‌المؤمنين عائشة، و مقتها مشهورة كانت في السادسة و علي أعلم بمنازل الآيات. و ما في التهذيب عن الباقر: أن عمر جمع الصحابة و فيهم علي فقال: ما تقولون في المسح علي الخفين؟ فقام المغيرة بن شعبة: فقال رأيت النبي يمسح، فقال [ صفحه 443] علي: قبل المائدة أو بعدها؟ فقال: لا أدري. فقال علي: سبق الكتاب الخفين انما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة. مع كونه خطأ تاريخيا أو موضوعا شاهد علي اجماع من في المجلس أن النبي كان يمسح علي الخفين حيث أن عليا لم ينكر علي المغيرة قوله رأيت النبي يمسح علي خفيه. و اذ ثبت أن النبي كان يمسح علي خفيه فهذا الفعل من الشارع بيان لمعني الجر في: و أرجلكم» و (في ص 46): «ثبت المسح علي الخفين في آخر أيامه بالمدينة في حديث عبدالله البجلي و كان بعد حجة الوداع. هذا بعض ما لأهل العلم في المسح علي الرجلين و الغسل؛ و المسألة معركة حرب كبيرة لم تكن في القرن الأول فلنضع أوزارها بعد اليوم». و نقول: أحكام الشرع ليست بالاستحسان بل بالدليل عن صاحب الشرع، فاستحسان أقوال الشيعة في الطلاق و عدم استحسانها، في غسل الرجلين في الوضوء، لا قيمة له. نعم، يمكن الاستدلال علي صحة الحكم بموافقته للحكمة و طريقة الشارع في باقي أحكامه و علي فساده بمخالفته لذلك، و كيف كان فنحن نحمد الله علي أن استحسن بعض أحكامنا و لم يستقبحها كلها. و غسل كل شي‌ء و كل الأعضاء مباح في الاصل لا يقول أحد بتحريمه لا من الشيعة و لا من غيرها، لكن اباحته في الأصل لا تجعله جزءا من الوضوء الذي هو محل الكلام اذ لا يكفي في ذلك الأصل. فاستدلاله علي كونه جزء الوضوء باباحته في الأصل جهل عظيم لا يستبعد صدوره منه. و قد نسخ ديننا جميع الأديان السماوية و أسفار موسي و غيرها، فلا شغل لنا منها بغير الدين الاسلامي و ما نزل به القرآن الكريم. و التنظف لا يحتاج الي الأديان السماوية و التعبد يجب أخذه من ديننا لا من غيره، فالاستشهاد بالأديان السماوية تطويل بلا طائل، صح ما حكاه عنها أم لا، فان كان موسي جارالله يريد غسل رجليه اتباعا لما جاء في أسفار موسي فله شأنه. و قد خبط في آية الوضوء خبط عشواء كعادته و تمحل و تعسف و لم يأت بطائل، فادعي أن الغسل و المسح كلاهما متواتر في القرآن و السنة، و لا تواتر [ صفحه 444] في الغسل لا في القرآن و لا في السنة. أما القرآن ففي الآية قراءتان الجر و النصب في: و أرجلكم، فاذا سلم أن القراءتين متواترتان يكونان بمنزلة آيتين مستقلتين كما قال. فقراءة الجر تعين المسح لتعين عطف الأرجل علي الرؤوس، و أما قراءة النصب فأما أن تعطف فيها الأرجل علي الوجوه أو علي محل الجار و المجرور، و كلاهما جائز بحسب القواعد العربية، لكن عطفها علي الوجوه يلزم منه التعقيد اللفظي المخل ببلاغة القرآن الموهم خلاف المقصود بتأخير لفظ عن موضعه و تقديم لفظ، فتكون كقولك أكرم زيدا أو عمرا و استخف بخالد و بكر مع ارادة أن بكرا مأمور بالكرامة لا بالاستخفاف به فتعين عطف الأرجل علي قراءة النصب علي محل الجار و المجرور فان العطف عليه سائغ شائع قال: معاوي اننا بشر فاسجح و لسنا بالجبال و لا الحديدا [498] . و يكون ذلك جمعا بين القراءتين، و هذه حجة من قال بالمسح. أما من قال بالغسل فحمل قراءة النصب علي عطف الأرجل علي الوجوه، و قراءة الجر علي المجاورة نحو هذا جحر ضب خرب بجز خرب لمجاورة ضب و كلاهما غير صحيح؛ أما الأول: فيلزم منه التعقيد اللفظي المخل ببلاغة القرآن، و أما الثاني: فهو ضعيف فلا يحمل عليه القرآن علي أن الجر بالمجاورة لا يصح مع الفاصل و هو هنا موجود و هو حرف العطف. ان قيل: نصب الأرجل دال علي عطفها علي الوجوه قلنا: نصبها لا يعين ذلك لبقاء احتمال عطفها علي محل الجار و المجرور الذي هو عربي جيد. ان قيل: تأخير الأرجل لبيان أن غسلها يجب أن يكون بعد مسح الرؤوس، قلنا: لا دلالة في التأخير علي ذلك؛ لأن الواو لا تفيد الترتيب بل مطلق الجمع. ان قيل: قراءة الجر لا تنافي الغسل لأن غسل الأرجل لما كان مظنة الاسراف عطفت علي الممسوح لبيان أنه يبنغي أن تغسل غسلا خفيفا يشبه المسح لئلا يلزم الاسراف كما قاله صاحب [ صفحه 445] الكشاف [499] قلنا: هذا الغاز يجب أن يصان عنه كلام الله تعالي المبني علي بلاغة الاعجاز مع أنه الغاز بما لا يفهم و لا يهتدي اليه و لا بقول المنجم، و لم يقع مثله في كلام. و العجب من صاحب الكشاف كيف يتفوه بمثله لكن من يريد جعل ما لا يكون كائنا لابد أن يقع في مثل هذا. فتعين أن تكون الأرجل في قراءة النصب معطوفة علي محل الجار و المجرور و بذلك يكون المسح متعينا علي كل حال، فزعمه أن الغسل في الأرجل قرآن متواتر هذر من القول لا يعرف له معني صحيح، حتي لو سلمنا تواتر قراءة النصب، و حمله قراءة النصب علي الغسل، و قراءة الجر علي المسح علي الخفين ستعرف فسادها، و أما السنة، فدعواه تواترها بالغسل و المسح علي الخفين مجازفة محضة فظهر أن جعله قول الباقر و الصادق تحكم، استكبار عن جلال الله و تعجيزا لاختيار الله ما هو الأمر علي كتاب الله و تحكم استكبار و عناد لأمر الله و اساءة أدب عظيمة مع أولياء الله. أما فلسفته الباردة و تمحله الفاسد في كلام ابن‌عباس فلا يجدي نفعا، فابن عباس لم يقل ذلك ليجعله أسلوبا لمحاورة و المناظرة و تقيرا للاشكال و لا للمذاكرة و الاستفادة، بل قاله عن اعتقاد وردا علي من يقول بالغسل، و هل يقبل قوله: لا أجد في القرآن الا المسح التأويل؟ و هل يمكن أن يعارض قول الناس قول الله ليكون محلا للمناظرة و المذاكرة؟! و دعواه اجماع الصحابة التي أعدها لكل حادث طريفة جدا، فاذا كان عدم الانكار يفيد الاجماع فعدم انكارهم قوله: لا أجد في القرآن الا المسح، اجماع منهم علي أن وظيفة الرجلين هي المسح، و الا لأنكروا عليه قوله: لا أجد في القرآن الا المسح، فهو قد ادعي دعويين: احداهما: أنه لا يجد في القرآن الا المسح، و الثانية: ان الناس قد أخطأوا بقولهم بالغسل لمخالفته للقرآن، و الصحابة قد سمعوا ذلك منه و سكتوا، فعلي قوله يكون سكوتهم اجماعا منهم علي صحة الدعويين، و كان هذا الاجماع قبل أن يخلق الله موسي جار الله بما يزيد عن ألف و ثلثمائة [ صفحه 446] سنة. فقوله باجماع الصحابة علي أن وظيفة الرجلين الغسل، افتراء منه علي الصحابة، و جهل و معاندة لصاحب الشريعة المعصوم، و كيف كان، فابن عباس مخالف، فأين الاجماع؟! و أما أفضل الأمة بعد سيد الأمة فهو من لم يشاركه أحد من الأمة في فضائله كما شهد له بذلك خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين بقوله: من فيه ما فيهم لا يمترون به و ليس في القوم ما فيه من الحسن [500] . و شهدت له بذلك شواهد اليقين التي لا يمكن ردها. و أما أن فيهم أفقه الصحابة فهو لم يدع ذلك لنفسه حين قال: كل الناس أفقه منك حتي المخدرات [501] لولا علي لهلك عمر [502] قضية ولا أبوحسن لها [503] لا عشت لقضية ليس لها أبوحسن. [504] . و لم يكن يقدم ابن‌عباس و يأخذ بقوله كما زعم، بل الذي كان يقدمه و يأخذ بقوله في الفتاوي و الأمور المشكلة هو علي بن أبي‌طالب، و حسبك ما مر من أقواله آنفا، و قد أخذ بقوله في وضع التاريخ، و غزو الفرس، و حلي العكبة و غيرها، و أين ابن‌عباس و غير ابن‌عباس من علي ابن أبي‌طالب؟!. و ابن‌عباس لم يجسر علي اظهار قوله في العول في حياته، بل أظهره بعد وفاته كما مر في العول. و بذاءة لسانه - التي اعتادها - في حق الصادق امام أهل البيت الطاهر، و في حق غيره قد دلت علي سوء أدبه و عدم صفاء نفسه، و ان أبرزها بصورة التعليق. وجد الصادق أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب معصوم بالبرهان القاطع لا بمثل دعاواه الفارغة. و اذا كان ابن‌عباس من أعلم تلاميذ علي [ صفحه 447] و أكثرهم تعلقا به؛ فلابد أن يكون أخذ قوله: لا أجد في القرآن الا المسح منه، و لا يمكن أن يترك علي و تلميذه قول القرآن الي قول الناس و هو من شيعته يوم الاجماع الذي لو صح؛ لكان علي عكس ما توهمه موسي جارالله كما يعلم مما مر و قبله و بعده الي آخر حياته، و ما نسبه الي الشيعة في حقه سخافة لا يقولها أحد منهم و لا تستحق الجواب، و لم أجدها في أصول الكافي في الطبعة التي عندي. نعم، روي كثير من المؤرخين أنه أخذ مال البصرة و ذهب الي الحجاز، فان صح، فهي موبقة عظيمة لا تختص الشيعة بالقائها عليه، ولكن المحققين من علماء الشيعة و غيرهم لا يصححون نسبة ذلك اليه، و يقولون انه لم يفارق عليا حتي استشهد، بدليل ما ذكروا أنه هو الذي أخذ البيعة للحسن بالكوفة بعد قتل أبيه [505] ، و لا يبعد أن يكون ما نسب اليه موضوعا من أعداء بني‌هاشم عامة و آل أبي‌طالب خاصة، أو أنه صدرت منه هفوة، ثم تاب منها، و عاد الي علي ولكن مؤلف الوشيعة لا يألو جهدا في نسبة القبائح الي شيعة أهل البيت عليهم‌السلام فتعود تلك القبائح عليه. و الاستنباط اللطيف العجيب الذي استنبطه ابن‌عباس و لا شك أنه أخذه من قدوته علي بن أبي‌طالب، و علي أخذه من منبع الرسالة. مع ثناء صاحب الوشيعة عليه بتلك العبارات يخالفه و يقول: عندنا عليه زيادة. و انما هي كزيادة زياد في آل حرب، فحمل احدي القراءتين علي الأخري بالوجه الصحيح الذي تقتضيه لغة العرب، و فصاحة القرآن و بلاغته، أم لازم واجب دفعا للتناقض و رفعا للتعارض وصول لبلاغة القرآن الكريم عن التعقيد اللفظي. فاذا كانت القراءتان متواترتين، و كانتا بمنزلة آيتين مستقلتين، فلا مناص عن الجمع بينهما بما ذلك، و ليس ذلك تكلفا بل حمل علي وجه عربي جيد جاءت لغة العرب الفصيحة بمثله، و لا حجرا علي اختيار الشارع، فالشارع لا يمكن أن يختار ما لا يدل عليه اللفظ و ما يوجب سقوط بلاغة القرآن و لزوم التعقيد في عبارته. أما الحمل علي وجوب الغسل حال الاحتفاء و المسح علي النعل و الخف حال لبس أحدهما، فذلك فرع صحة عطف الأرجل علي الوجوه، وقد [ صفحه 448] عرفت فساده. فهو تصرف في قول الله تعالي من غير اذنه و بما لا يرضاه و بما لا يصححه تكلف نحوي و لا صرفي، و بما يوجب التعقيد في كلامه تعالي، و اعتداء علي قصده، و افتراء عليه، و تقييد بغير مقيد، والآية تنص علي المسح بالأرجل لا بجلود الشياة و البقر و الابل، و المكلف أمر بأن يوضي‌ء جلده لا جلود الأنعام و ارادة الخفاف من الأرجل مجاز ينافيه أصالة الحقيقة و فقد القرينة. و مسح الرسول صلي الله عليه و آله و سلم علي الخفين لم يثبت ان لم يثبت عدمه. و أئمة أهل البيت الذين نزل القرآن و الأحكام في بيتهم و علي جدهم، و ورثوا علومه أعرف بالأحكام بمعاني القرآن من موسي تركستان و من كل انسان، و هم قد أوجبوا المسح بالرجلين دون الغسل و دون المسح علي الخف. و مسح المنتعل بالنعل العربية برجليه ممكن بادخال يده تحت التراك، فلو فرض أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم مسح منتعلا لم يناف ذلك المسح بالرجلين، و ليس بيان معني الوجهين حقا مخصوصا بالشارع كما توهم، بل الله تعالي خاطب الناس بما يفهمون، فعليهم العمل بما يفهمون من غير انتظار بيان آخر، و الشارع لا يمكن أن يأتي ببيان آخر يخالف اللغة و التخاطب، و يخل ببلاغة القرآن، و عمله بكلا الوجهين لم يثبت، بل ثبت خلافه كما مر. و أما مراعاة معني النظافة و التيسير و رفع الحرج و غير ذلك من هذه العبارات المزوقة، فأحكام الشرع تثبت بنص الشارع و توقيفه لا بالحدس و الظن و التخمين و المناسبات و الاستحسانات و تنميق العبارات، و حكم الشرع لا يعرفها الا الشارع و ليس لعقولنا طريق اليها، و قد عرفت أن النصب لا يمكن أن يكون أمرا بغسل الأرجل لا في حال الاحتفاء و لا غيرها، و ان الخفض نص في وجوب المسح بالرجلين؛ لا بالخفين و النعلين، لأن الخف و النعل ليسا برجل. فهذا التفصيل الذي فصله بأن النصب أمر بالغسل حال الاحتفاء للتنظيف، و الخفض أمر بالمسح حال الانتعال أو الاختفاف يشبه الألغاز في الكلام، و لا يستند الي مستند غير الأوهام و المناسبات و الاستحسانات التي لا يجوز بناء الأحكام الشرعية عليها، و أنه تلاعب بآيات القرآن، و اذا كان المسح رخصة حال الاختفاف، فليكن كذلك حال الاحتفاء أيضا تيسيرا لعدم وجود الماء الكافي لغسل الرجلين في كثير من الحالات. [ صفحه 449] فالتيسير فيه أولي من التيسير في نزع الخف و النعل اللذين لا مشقة فيهما. و الوضوء و التيمم كلاهما عزيمة لا رخصة فيهما بالمعني المعروف للعزيمة و الرخصة من الوجوب و الاستحباب و الاباحة. و الرخصة بمعني التيسير مجرد مناسبة لا يبتني عليها حكم شرعي، فقوله: لو كان التيمم عزيمة و الوضوء رخصة؛ لكان لمسح الأرجل في حال احتفائها وجه جواز. عار عن الفائدة. و في كتاب ربنا و دلالته الواضحة غنية عن هذه التمحلات الباردة، و قد بينا أن المتنازع فيه هو كون الغسل جزءا من الوضوء الذي هو عبادة واجبة أو مستحبة، فقوله: انه مباح و أنه ضروري في الأحيان لا يأتي شرع بتحريمه لا يصدر من أحد ينسب الي علم، فالاباحة لا تثبت الوجوب و كونه ضروريا في بعض الأحيان لا يجعله جزءا من العبادة، و لم يأت شرع بذلك الا علي قاعدة موسوية تركستانية مستوحاة من هوي النفس. و قد بينا في أوائل الكتاب عند ذكره لخلاف ما عند العامة بطلان قوله كل ما عليه العامة «الخ» و أن كونه أصلا من أصول الفقه عند الشيعة لا أصل له، فراجع. و هذا الرجل مولع بأقوال التوراة يستشهد بها في كل مناسبة لكن بما لا ينطبق علي مدعاه. ما لنا و للتوراة حسبنا كتاب ربنا الذي نسخ التوراة و الانجيل. يقول: ان كبير عصر ابراهيم دعا لابراهيم و باركه بمسح رأسه بيديه، و ابراهيم عليه‌السلام غني باتخاذ الله له خليلا عن كبير عصره و دعائه و مباركته. و يجعل من أعجب الأعاجيب موافقة القرآن الكريم في ايجاب مسح الرأس في الوضوء لذلك. لكن من أعجب الأعاجيب اشتغاله بهذه الأمور. يقول: ما كان يقدس الانسان بمسح رأسه الا غيره، و الاسلام جعل الانسان لا يتقدس الا بعمله فيمسح رأسه بيده. و نحن نقول: الانسان لا يتقدس الا بعمله في الاسلام و قبل الاسلام و في كل عصر، و يرجي له البركة بمسح الصالحين في الاسلام و غيره، و كون الكاهن كان يمسح كل ما يراد تقديسه بيده موجود مثله في الاسلام، فالنبي صلي الله عليه و آله و سلم كان يمسح رؤوس الأطفال و يبارك عليهم، و يدعو لهم، و كل مولود يولد كان يؤتي به الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم [ صفحه 450] ليبارك عليه [506] و كل رجل صالح يرجي منه ذلك، و كل رجل في الاسلام و غيره لا يباركه بمسح رأسه الا غيره، أما هو فبركته لا تزداد و لا تحدث بمسحه رأسه انما يرجي له البركة بمسح صالح رأسه، و خص الرأس؛ لأنه أشرف عضو في الانسان، و كون الانسان يمسح رأسه بيده في وضوئه لا يدل علي أنه لا تحصل له البركة بمسح أحد الصالحين رأسه، و مسح الرأس باليد في الوضوء عبادة أمر الله بها لا لأنها بركة و تقديس من الانسان لنفسه. فهذا و الذي جعله علة لجعل المسح ثالث، أركان الوضوء، و الذي جعله علة لتأخر نزول آية الوضوء كلها تمحلات و فلسفات باردة و تطويل بغير فائدة، ككون الأمة لم تتقدس الا بعد عقدين من سعيه، أي بعد عشرين سنة من نبوته حين نزلت آية الوضوء، و الأمة لم تقدسها آية الوضوء، و لا يقدسها الوضوء؛ انما يقدسها اخلاص ايمانها و شريف أعمالها، و هذا كان حاصلا لبعضها من أول البعثة و بعضها لم يحصل له شي‌ء منه طول حياته كالذين مردوا علي النفاق من أهل المدينة و من حولها من الأعراب و المؤلفة قلوبهم، و بعضها كان تقديسه ضعيفا بضعف ايمانه و عمله. و نسبة كتب الشيعة الي التعصب و المجازفة مر عند الكلام علي المتعة أنها بعيدة عن ذلك. و اذا ثبت بالدليل وجوب المسح دون الغسل و عدم جواز المسح علي الخف لم يكن في قول الصادق عليه‌السلام تشدد، فالعمدة هو الدليل لا هذه الألفاظ الفارغة. و كون آية الوضوء و التيمم نزلت في السادسة من الهجرة لم نجد ما يدل علي صحته بعد البحث، و لم يذكر هو مأخذه. و كون عدد الآية في السورة صار تاريخا لنزولها، أي أنها الآية السادسة من السورة موقوف علي صحة ذلك، و كذلك كون آية التيمم نزلت في السفر الذي وقع فيه حديث الافك لم نجد مستنده، و لا ذكره هو. و الباقر عليه‌السلام أعرف بمنازل الآيات من كل أحد منزه عن الخطأ، و اتباعه [ صفحه 451] عن الوضع لأنه باقر العلم و المتوسع فيه بشهادة جده الرسول صلي الله عليه و آله و سلم [507] و لأنه شريك القرآن بحديث الثقلين، و وارث علوم جده اميرالمؤمنين عليه‌السلام الذي اعترف موسي جارالله بأنه أعلم بمنازل الآيات، و أتباعه منزهون عن الوضع لغناهم بعلمه. و كون رواية الباقر عليه‌السلام شاهدا علي اجماع من في المجلس أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم كان يمسح علي الخفين غريب، اذ لم يقل ذلك الا المغيرة بن شعبة و الباقون لم يعلم رأيهم و علي عليه‌السلام كذب المغيرة ضمنا بقوله: سبق الكتاب الخفين، و معناه: أن قوله و أرجلكم يدل علي وجوب مسح الرجل، و الخف ليس رجلا، و سأله أولا أن هذه الرؤية كانت قبل المائدة أو بعدها؟ فان قال قبل المائدة أجابه: بأن آية الوضوء التي في المائدة لم تكن أنزلت بعد، و ان قال بعد المائدة، رد عليه: بأنه سبق الكتاب الخفين، فلما قال لا أدري اقتصر في الرد علي الثاني الدال علي أنه بعد نزول آية الوضوء لم يسمح علي الخفين. و لو فرض أن عليا لم ينكر ذلك علي المغيرة، فكيف دل علي اجماع من في المجلس و هم لم يتكلم منهم أحد؟ و دون ثبوت مسح النبي صلي الله عليه و آله و سلم علي الخفين خرط القتاد حتي يكون بيانا لمعني الجر و معني الجر واضح لا يحتاج الي بيان. ولسنا نعرف مبلغ حديث عبدالله البجلي من الصحة و أحاديث أئمة أهل البيت الذين أمرنا بالتمسك بهم كما أمرنا بالتمسك بالقرآن و الذين هم أصدق حديثا من البجلي و الجدلي و من كل أحد أنكر المسح علي الخفين و هي أولي بالاتباع. و المسألة كانت معركة حرب كبيرة في القرن الأول و بعده، و كفي في ذلك مخالفة علي أعلم الأمة و ابن‌عباس حبرها. و مما مر تعلم أنه لم يجي‌ء بشي‌ء يوجب وضع أوزارها بعد اليوم و يقتضي هذا التبجح.

مال الناصب و نكاح الاماء

قال (ص 60): «نحن لا نقول قول الشيعة و قول الصادق في مال الناصب بل نقول قول الاسلام: كن في مال الغير و حقه كما تريد أن يكون الغير في [ صفحه 452] حقك و مالك. و للشيعة في كتبها ميل منتشر الي الازدحام في النساء. رجل أمته تحت عبده يأمر عبده أن يعتزلها و لا يقربها حتي تحيض فاذا حاضت بعد مسه اياها ردها عليه بغير نكاح، فسيدها يطؤها بملك اليمين و عبده يطؤها بملك النكاح. عن الصادق: رجل زوج عبده أمته ثم اشتهاها يقول له: اعتزلها فاذا طمثت و طأها ثم يردها عليه اذا شاء، و ليس لعبد رجل طلاق في أمة الرجل ان زوجه اياها؛ لأن الله يقول (عبدا مملوكا لا يقدر علي شي‌ء) هذا مبلغ فقه الصادق و هذه عصمته». و نقول: هل يصدق قول هذا الرجل كن في مال الغير «الخ» قول جماعة من أصحابه، و فعلهم في حقنا بما لا يسعنا بيانه، و لا نود ذكره و لا الاشارة اليه لولا ما يضطرنا اليه؛ هذا الرجل بتشنيعاته علينا بالباطل، و حاشا للشيعة أن تقول ألا بما قاله نبيها صلي الله عليه و آله و سلم: لا يحل ما امري‌ء الا عن طيب نفسه [508] فهي أشد تمسكا به من كل مسلم. و أن تقتدي الا بمثل قول زين العابدين عليه‌السلام: لو أن قاتل الحسين استودعني السيف الذي قتله به لأديته اليه. [509] . و قد تسافل الزمان أي تسافل حتي صار موسي التركستاني يهزأ بفقه الامام جعفر بن محمد الصادق، فقيه أهل البيت، و وارث علوم آبائه عن جده الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، واحد الثقلين اللذين لا يضل المتمسك بهما الي يوم القيامة، فيقول هذا الكلام بلا خجل و لا استحياء. و اذا كانت سخافة هذا التركستاني أدته الي أن يرد علي الله و رسوله و يخالف اجماع المسلمين فيورث ولد الولد مع الولد كما مر فلا نستغرب منه رده علي جعفر الصادق وفقه الصادق الذي عن أبيه أجداده عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عن الله تعالي لم يؤده الي أن (يبيح الطلا و هي الشراب المحرم) و لا أن (يبيح نكاح البنت و البنت تحرم) و لا أن (يبيح لهم أكل الكلاب و هم هم) كما أشار اليه الزمخشري الحنفي في أبياته [ صفحه 453] المشهورة المطبوعة علي أول الكشاف. [510] و ماذا نقم من فقه الصادق. فهل ينكر قول الله تعالي (عبدا مملوكا لا يقدر علي شي‌ء) [النحل / 75]أو ينكر دلالته علي المطلوب، أو يري من المحال أن يطلق الرجل أمته المزوجة من عبده، أو يفسخ نكاحها و يطأها بعدما اعتدت، ثم يردها عليه بقعد أو تحليل. أما تشدقه بأن للشيعة في كتبها ميلا فتتوالي الازدحام في النساء فهو من باب «أساء فهما فأساء اجابة»، فقد أجمعت فقهاء الشيعة علي أن من زوج عبده أمته حرم علي المولي و طء الأمة حتي تحصل الفرقة و تنقضي عدتها، فاذا أراد ردها علي العبد لا يجوز الا بعقد جديد، أو احلال جديد عند من يجوز احلال المولي أمته لعبده. قال فقيه الشيعة، جعفر بن سعيد الحلي المعروف بالمحقق، في كتاب شرائع الاسلام في بحث نكاح الاماء: اذا زوج عبده أمته كان عقدا صحيحا لا اباحة، و له أن يفرق بينهما بغير لفظ الطلاق [511] و قال أيضا: يحرم علي المالك و طء مملوكته اذا زوجها حتي تحصل الفرقة و تنقضي عدتها اذا كانت ذات عدة [512] و قال في بحث العدد: عدة الأمة في الطلاق مع الدخول قرءان و ان كانت لا تحيض و هي في سن من تحيض اعتدت بشهر و نصف سواء أكانت تحت حرام عبد [513] ثم قال: لو طلقت الأمة بعد الدخول لم يجز للمولي الوطي‌ء الا بعد الاعتداد [514] و في الجواهر في شرح قوله (يحرم علي المالك وطي‌ء مملوكته اذا زوجها): بغيره و لو عبده و بعد قوله (اذا كانت ذات عدة): بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه مضافا الي النصوص المعتبرة. عشر لا يجوز نكاحهن و لا غشيانهن وعد منها: أمتك و لها زوج. و نحوه الآخر بزيادة: و هي تحته. يحرم من الاماء عشر: وعد منها أمتك، و لها زوج. أمتك، و هي في عدة [515] . [ صفحه 454] فعلم من ذلك: أن تزويج المولي عبده أمته لا يكون الا بالعقد له عليها أو باحلالها له عند من جوز الاحلال، و أن المولي له أن يطلقها أو يفسخ العقد، و أن اذا طلق أو فسخ بانت من العبد فلا يجوز رجوعه اليها الا بعقد أو احلال جديد، فان ورد ما يخالف ذلك من الروايات، وجب رده لمخالفته الاجماع أو حمله علي ما يوافقه. و هو الذي أشار اليه في أول كلامه بقوله: رجل أمته تحت عبده «الخ»، فقد أشار به الي ما روي عن الباقر عليه‌السلام أنه سئل عن قول الله تعالي: (و المحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم) [النساء / 24]قال: هو أن يأمر الرجل عبده و تحته أمته فيقول له: اعتزل امرأتك، و لا تقربها، ثم يحبسها عنه حتي تحيض، ثم يمسكها فاذا حاضت بعد مسه اياها ردها عليه بغير نكاح [516] فهذه الرواية بظاهرها مخالفة للنص و الاجماع الدالين علي أن النكاح الأول بطل بفسخ العقد فيجب ردها و عدم العمل بها، أو حملها علي التحليل بناء علي جوازه فان فيه خلافا بين أصحابنا. و شرط العمل بالخبر عندنا أن لا يخالف المشهور، فكيف بما خالف الاجماع، و ليس كل ما أودع في كتب الأخبار يمكن العمل به، و قد مر عند ذكر علوم الأئمة روايات في مسند الامام أحد دالة علي أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم جوز الأكل في شهر رمضان بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس، فهل لنا أن نعيب بها أهل السنة لأنها وردت في صحاحهم مع علمنا بأنهم لا يعملون بها؟ فقوله: فسيدها يطؤها بملك اليمين، و عبده يطؤها بملك النكاح تهجينا للأمر و تشنيعا لا يعود بالشناعة الا عليه؛ لتوهمه أن العبد و السيد يشتركان في وطئها هذا بالعقد و هذا بملك اليمين، فصدق عليه: أساء فهما فأساء اجابة. أما الرواية الثانية: فليس فيها الا أنه يردها عليه اذا شاء، و المراد: أنه يردها عليه بعقد أو احلال فليس فيها ما يخالف شيئا مما ثبت، فهذا فهم موسي جار الله و هذه معرفته. [ صفحه 455]

كل ما لنا حل لشيعتنا

نقل (في ص 60 و 61): «أحاديث فيها الصحيح و السقيم، و الغث و السمين، عن بعض الأئمة تتضمن: كل ما لنا فهو حل موسع لشيعتنا لتطيب مواليدهم - أنا و أهل بيتي أورثنا الله الأرض و نحن المتقون و الأرض كلها لنا، و ما أخرج الله منها من شي‌ء فهو لنا. ثم رتب عليه أن كل الأموال للامام، فلا يحل لأحد لا نكاح و لا تجارة و لا طعام الا باباحة من الامام. ثم قال: كل هذه دعاوي لا تكون لنبي و لا امام و لا لأحد من الفراعنة و النماردة». و نقول: في هذه المنقولات حق و باطل. فالحق أن للامام نصف الخمس من الغنائم و هو سهم الله الراجع الي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و سهم ذوي القربي، و أنهم أحلوا لشيعتهم ما أخذ من السبي، و للامام فيه نصف الخمس لتطيب مواليدهم. أما من لا يعتقد ذلك فهو حل له بطبيعة الحال و نكاحه صحيح. و أما أن كل الأموال للامام لا يحل نكاح و لا تجارة و لا طعام الا باباحته، فباطل لا يعتقده أحد منا، و هذه كتب الفقه عندنا خالية من ذلك، و قد بينا غير مرة أنه لو كان كل ما في كتب الحديث صحيحا لما احتيج الي علم الرجال و علم الدراية. فتهويله بألفاظه الخشنة يشبه فعل الفراعنة و النماردة.

زعمه الشيعة تنكر علي الأمة مذاهبها

قال (ص 61): «الشيعة تنكر علي الأمة مذاهبها و أعمالها، ثم نقل حديثين يتضمن أحدهما اعادة الناصب الزكاة اذا عرف هذا الأمر، و الآخر اعادة المخالف الحج كذلك. قال عن الصادق: انه كان يقول لا يستقيم الناس علي الفرائض و الطلاق و الزكاة الا بالسيف». و نقول: و من تسميهم الأمة ينكرون أيضا علي الشيعة مذاهبها و أعمالها «فما بال باؤكم تجر، و باؤنا لاتجر» و الخبران ان صحا محملهما، فقد شرط من شروط الزكاة و الحج و قومه لا يعتقدون فيما يخالفهم دون ذلك، فما باله يعتقد بما فيه مثله. و الخلاف بين أئمة أهل البيت و غيرهم من الفقهاء في العول [ صفحه 456] و التعصيب من أحكام الفرائض معروف و مشهور، و كذلك الطلاق، فعند أئمة أهل البيت عليهم‌السلام لا يصح طلاق المدخول بها الحاضر معها زوجها في حال الحيض و لا في طهر المواقعة، و يشترط حضور ضاهدين عدلين يسمعان الطلاق و كونه بالعربية الصحيحة بلفظ: أنت طالق. دون الملحون، و دون غيره مما يؤدي معناه، و اذا قال: أنت طالق ثلاثا لم تقع الا واحدة. و باقي الفقهاء يجيزونه في حال الحيض مع قولهم: انه بدعة و في طهر المواقعة و لا يشترطون الأشهاد، و يجيزون الطلاق بالملحون و المحرف و المصحف و كل ما يفيد معني الطلاق، و وقوع الثالث بلفظ واحد. و قد اعترف هو في ما سبق بأنه أعجبه مذهب الشيعة في الطلاق. و في الزكاة بعض الاختلاف و جل الأمة أخذت في الفرائض و الطلاق و الزكاة بغير أقوال أهل البيت و نبذت أقوالهم، فلذلك قال الصادق هذا القول. و يمكن أن يراد في خصوص الزكاة معني آخر هو أنه لا يؤدي الناس الزكاة الا بالسيف و كيف كان، فأي انتقاد علي الشيعة في ذلك؟!

الرجعة

حكي (في ص 62 و 63) عن المجلسي و صاحب الوافي أن أخبار الرجعة متواترة و قال رجعة جماعة من أولياء الله و أعدائه لأجل الانتقام من الأموية لن تقع. و نقول: الرجعة أمر نقلي ان صح النقل به لزم اعتقاده و الا فلا، و لا يستحق كل هذا التهويل و لا كل هذ الاستنكار لولا التعصب و الاستكبار، و جزمه بأنها لن تقع دعوي منه لعلم الغيب الذي اختص الله به. و قد كثر التشنيع بها علي الشيعة من خصومهم و هو ظلم، فان كان من حيث دعوي و هو أنها محال أو مستبعدة فهو يشبه قول منكري البعث (اذا كنا ترابا و عظاما أانا لمخرجون) [النمل / 67]فرد الله تعالي عليهم (أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد) [ق / 15]و قد وقع نظيرها في الأمم السالفة فيما حكاه القرآن الكريم (أو كالذي مر علي قرية و هي خاوية علي عروشها قال أني حيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه) [البقرة / 259](ألم تر الي الذين [ صفحه 457] خرجوا من ديارهم و هم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم) [البقرة / 243]و قد قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: لتسلكن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتي لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه [517] و ان كان من جهة عدم ثبوت الرواية بها عندكم فذلك لا يوجب عيب من يدعي ثبوت الرواية بها عن أهل بيت نبيه، و لا يوجب الجزم لأنها لن تقع و التقول علي قدرة الله، و كان عليكم أن تنظروا في أسانيد رواياتها فان كان فيها ضعف رددتموها من هذه الجهة، و كان قولكم مقبولا، و حجتكم ظاهرة. أما ردها بمجرد الدعوي بقول: لن تقع، فليس من دأب أهل العلم و الانصاف. و قد أجاب السيد الحميري سوارا القاضي بحضرة المنصور، فيما رواه المفيد في الفصول حين قال سوار: يا أميرالمؤمنين انه يقول بالرجعة. فقال السيد أقول بذلك علي ما قال الله تعالي (و يوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) [النمل / 83](و حشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) [الكهف / 47]فعلمناه أن هنا حشرين عاما و خاصا و قال سبحانه (ربنا أمتنا اثنتين و أحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الي خروج من سبيل) [غافر / 11]. (فأماته الله مائة عام ثم بعثه) [البقرة / 259]. (ألم تر الي الذين خرجوا من ديارهم) [518] [البقرة / 243].

الولاية

و حكي عن المجلسي و صاحب الوافي أيضا أن أخبار الولاية متواترة، ثم قال: «و الولاية في الدين تعم جميع المسلمين يدخل في آياتها الامام علي و أولاده مثل دخول كل مؤمن و أولاده و الولاية وظيفة دينية أو حق ديني يستوي فيها الكل من غير تقدم و تأخر». و نقول: الولاية التي صغر أمرها و حقر شأنها و سوي فيها بين علي و أولاده [ صفحه 458] و سائر الناس لحاجة في نفسه هيهات أن تكون كذلك، بل هي الولاية الثابتة بقول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم، و من كنت مولاه فهذا علي مولاه [519] ، و بقوله تعالي: (انما وليكم الله و رسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون) [المائدة / 55]الخاصة بمن تصدق بخاتمه في صلاته و هي راكع، و الثابتة بقوله صلي الله عليه و آله و سلم: اني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله و عترتي أهل بيتي و أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض [520] مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله كان آمنا. [521] مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها هوي. [522] .

تأويل آيات في الكافي

أطال (في ص 63) و أطنب و طول و هول بأن في الكافي نزول آيات في ما يكون من الصحابة بعد وفاة النبي و أن الصحابة و الأمة أنكرت ما لعلي و لأولاده حسدا و بغيا و أمثال ذلك. و نقول: الكافي و غيره من كتب الأخبار لا يقول واحد من الشيعة بأن جميع ما فيه صحيح كما قلنا مرارا، كما لا يمكنكم أن تقولوا بأن جميع ما في كتب أخباركم صحيح؛ و اذا كان كذلك فما فائدة علم الرجال و كتب الرجال و دراية الحديث. و الشيعة لا تعتمد في تفسير القرآن الكريم علي غير ما في كتب أئمة مفسريها كالتبيان الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، و مجمع البيان للطبرسي، و جمع الجوامع له، و كلها مطبوعة، و ليس معني اعتمادها عليها أنها [ صفحه 459] تري كل ما فيها صوابا فان العصمة لله وحده و لمن عصمه. و حسد كثير من الأمة لعلي و ولده ملحث بالضروريات لا يحتاج فيه الي الروايات.

الخمس و الزكاة

قال (ص 66): «يعجبني و أستحسن رأي الشيعة في تعميم ما غنمتم من شي‌ء من آية الغنائم. فانها و ان نزلت في غنائم الحرب الا أن حادثة النزول لا تخصص عموم العام المستغرق المؤكد. (ما غنمتم من شي‌ء) يدخل فيه غنائم الحرب من المنقول و غيره و ما استفيد من المعادن و الكنوز و ربح التجارة و الزراعة و الصناعة. هذا فقه جليل لطيف فان مقادير الزكاة أربعة: (1) خمس غنائم الحرب و المعادن و الركاز و الكنوز. (2) نصف الخمس في بعض ما تخرجه الأرض بالزرع و هو العشر. (3) ربع الخمس في البعض الآخر و هو نصف العشر. (4) ثمن الخمس في الذهب و الفضة و أموال التجارة. و هذا نظام هندسي صعودا أو هبوطا مثل سلسلة سهام الفرائض معناه أن حق الشرع في جميع الأموال خمس ما يربح منها. و نصاب الفضة مائتا درهم، حق الشرع منها خمسة دراهم، و نصاب الذهب عشرون مثقالا حصة الزكاة منه نصف مثقال. فهذا ارشاد من الشارع الي أن الربح المأذون فيه غايته خمسة و عشرون في كل مئتين من الفضة و الذهب فنسبة حصة الزكاة الي مقدار النصاب واحدة هي خمس الربع الذي يحصل منه في الغالب و مقدار النصاب في الأموال واحد و هو أربعون نصاب الذهب عشرون مثقالا فيها نصف مثقال، و نصاب الفضة مائتا درهم زكاتها خمسة دراهم، ثم ذكر دية الانسان و أطال بما لا فائدة فيه، و قال هذا الرأي أرانيه الله في معني هذه الآية (و ما غنمتم من شي‌ء)». و (في ص 72) قال: «ان آية الخمس في بيان الأئمة و عقيدة الأمة خاصة بغنائم الحرب». ثم أكد أنها عامة و أطال في بيان ذلك. [ صفحه 460] و (في ص 69): «و عليه ينهار بعض الانهيار ما يراه الشيعة الامامية في الخمس و أهليه و في مصارفه و ينهار تمام الانهيار ما تعتقده في معني هذه الآية، فان الخمس لو جعلت ثلاثة أسداسه للامام أو نائبه و الثلاثة الباقية حق الفقراء من بني‌هاشم، فأي شي‌ء يبقي لليتامي و المساكين و ابن السبيل. و مسألة الغنائم و كونها من خصائص هذه الأمة فيها اشكال من وجوه، منها: أن غنائم الغلبة في القرون الأولي ذكرها القرآن الكريم في سور متعددة و منها: أن غنائم الغلبة في القرون الأولي ذكرها القرآن الكريم في سور متعددة و منها: أن الامام أحمد و جماعة رووا حديثا معناه أن الغنائم لم تحل لهذه الأمة الا لأنها ضعيفة، فحلها لها ضرورة و ليس بشرف لها، فان الجهاد لم يشرع الا لوجه الله و الدين فقط لا للغنائم (تريدون عرض الدنيا و الله يريد الآخرة) [الأنفال / 67]فشي‌ء لم يجعل حلالا الا لأجل الضعف كيف يكون حقا لآل محمد و كثير من أئمة الأمة. حرمة الصدقة علي النبي و أهل بيته كرامة جليلة و تنزيه عظيم من ريبة و أوساخ، و لا يلحق علي أهل البيت بمثل هذه الكرامة الجليلة نقصان يحتاج الي جره بخمس الغنائم. ثم لو كان الخمس عوضا عن حرمة الصدقة لاستحقه من يستحق الصدقة علي نحو استحقاق الصدقة، و لا يستأهل الصدقة الا الفقير، ثم لا يستأهل الفقير الا علي وجه جواز الصرف، لا علي وجه وجوب الصرف». و (في ص 70): «فما معني كون الخمس حقا فرضا لآل محمد، و محمد و آل محمد أكرم علي الله و عند الله من أن يجعلهم الله فقراء الا الي الله». ثم ذكر أقوال الشيعة في الخمس في زمن غيبة الامام، و بينها أقوال شاذة لا يعمل بها أحد، و قولان هما العمدة: سقوطه زمن الغيبة، و دفعه لنائب الامام و هو المجتهد العادل يصرفه علي مهمات الدين، و مساعدة الضعفاء و المساكين». ثم قال: «كل هذه الأقوال كلمات تخرج من أفواه الشيعة لم تقلها و لا تقولها شريعة و نحن لا ننكرها». و نقول: قد أخطأ في جعل هذه الأقوال في الخمس كله، بل هي في نصفه و النصف الثاني يصرف علي فقراء بني‌هاشم جبرا لما فاتهم من الصدقة المحرمة عليهم، و قوله: لم تقلها و لا تقولها شريعة، دعوي منه شنيعة في بابها فقد قالتها [ صفحه 461] شريعة علماء آل‌محمد الذين أخذوا دينهم و شريعتهم عن ثقات أئمتهم عن جدهم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عن الله تعالي، فبطل تعجبه بقوله و نحن - أي الشيعة - لا ننكرها تعجبا من عدم انكارهم». و (في ص 73 و 74) قال: «ان للأئمة في آية الخمس أقوالا قيل: يقسم الخمس علي ستة و هم المذكورون في الآية حكي عن أبي‌العالية، و أن سهم الله يصرف الي البيت و عمارة المساجد. و قيل: علي خمسة بجعل سهم الله و رسوله واحدا. و قيل: لله و لرسوله مفتاح الكلام فان الارض كلها لله، ثم الحكم لله و لرسوله و الخمس للأربعة: لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابن السبيل. سهم الرسول كان له في حياته فهل سقط بموته؟. قيل: هو باق يصرف الي الخليفة بعده، و قيل: سقط. و سهم ذوي القربي كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم يصرفه الي بني‌هاشم و بني‌المطلب. و قال: انما بنوهاشم و بنوالمطلب شي‌ء واحد في الاسلام و الجاهلية. و قد أجمع الصحابة في عهد الخلافة الراشدة و فيهم علي علي تقسيم الخمس علي ثلاثة أسهم لليتامي و المساكين و ابن‌السبيل. و النص معلوم لهم فكان اجماعا». و (في ص 75): «ثبت أن النبي اذ قسم أموال بني النضير قسمها بين المهاجرين و لم يعط الأنصار». و (في ص 78) عند الكلام علي فدك: «في الأم للامام الشافعي أن الفاروق قال لعلي في المسلمين اليوم خلة فان أحببتم تركتم حقكم من الخمس و جعلناه في خلة المسلمين و أهل البيت هم أحق الناس بالايثار و أكرم الخلق كافة و أرحم الناس بأمة محمد». و نقول: هذه هو الأمر الثاني الذي أعجبه من آراء الشيعة مضافا الي الأمر الأول و هو الطلاق فنحمد الله علي ذلك. ولكن ادماجه الخمس في الزكاة غير صواب. فالخمس في الغنائم سواء أخصصناها بغنائم الحرب أم عممناها لأرباح التجارة و الزراعة و الكنوز و المعادن. و مصرفه لله و لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابن السبيل‌بنص القرآن الكريم و الزكاة في ثلاثة أشياء النقدين [ صفحه 462] و الغلات و الأنعام و مصرفها للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل بنص القرآن الكريم و قد سمي الأول خمسا (فان لله خمسه) و الثاني زكاة (أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة). أما ما تفلسف به و قال: ان الله أراه اياه من أن مقادير الزكاة التي أدرج فيها الخمس أربعة و جعلها كلها تدور علي الخمس، و أنه نظام هندسي كسهام المواريث فالا يبتني علي أساس فالله قد فرض الخمس في الغنائم و العشر و ربعه في الزكاة و الخمس لا ربط له بالزكاة سواء أسمينا العشر و نصفه و ربعه بأسمائها، أم سميناها نصف الخمس و ربعه و ثمنه، فتغيير اسمها لا يوجب اندراج الخمس فيها، و لا جعل ذلك نظاما هندسيا و ما ربط الهندسة بالمقام، و سهام الفرائض اقتضي تفاوتها في المقدار أن يكون فيها ثمن و ربع و نصف و سدس و ثلث و ثلثان، و ليس لنظام الهندسة في ذلك دخل، و ارجاع الزكاة الي الخمس، و زعم أن معناه أن حق الشرع في جميع الأموال خمس ما يربح منها، و أن جعل جعل زكاة مئتي درهم خمسة دراهم و عشرين مثقالا لا نصف مثقال ارشاد الي أنه ينبغي أن يكون ربح المئتين خمسة و عشرين لا أزيد، أو أن ربحها في الغالب كذلك. تخرص بلا دليل و الربح ليس له حد و لا غلبة في ذلك، و الزكاة في الذهب و الفضة علي المال المخزون سنة اذا بلغ النصاب و لم يغير و زكاة مال التجارة غير هذا، فهذه الفلسفة التي تبجح و افتخر بأن الله أراه اياها لم تصادف محلها. و الخمس ثلاثة أسداسه للامام أو نائبه و الثلاثة الأسداس الباقية للفقراء من بني‌هاشم و منهم اليتامي و المساكين و ابن‌السبيل؛ لأن المراد يتامي بني‌هاشم و مساكينهم و أبناء السبيل منهم كما صح عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام، فلا ينهار ما يقولونه لاتمام الانهيار و لا بعضه، و انما تنهار أقاويله و تمحلاته الفاسدة. و كتاب الله جعل الزكاة مقابلة للخمس قبل كتب الشيعة، (و اعلموا أن ما غنمتم من شي‌ء فان لله خمسه) [الأنفال / 41](أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة) [ صفحه 463] [النور / 56](انما الصدقات للفقراء) [التوبة / 60]فجعله الزكاة قسما من الخمس، مجرد تمحل. و اذا كان بيان المقادير لم يجي‌ء في القرآن الا في آية الخمس فقد جاء بيانها في السنة المطهرة. و اشكاله علي كون الغنائم من خصائص هذه الأمة بأن القرآن ذكر غنائم الغلبة في سور متعددة لا يتعلق لنا به غرض، فلم يصح عندنا أنه من خصائصها، و سواء أصح أم لم يصح لا فائدة فيه. أما استشهاده بحديث الامام أحمد و تفسيره له بما يوافق هواه فيشبه ما ذكره سابقا من أن آل محمد لا حق لهم في الخلافة؛ لأن لهم الله أو ما هذا معناه. و هنا يقول: الخمس لا يستحقه آل محمد؛ لأنه جعل لأجل الضعف، بحديث لا يدري ما هو و لا مبلغ صحته وضعفه، و ليس ذلك بشرف لهم، فينبغي أن يحرم آل محمد من الخمس و أن يموت فقراؤهم جوعا لئلا ينقص شرفهم كما حرموا من الخلافة محافظة علي شرفهم، و كون الجهاد لم يشرع الا لوجه الله و الدين فقط لا للغنائم طريف جدا؛ فاذا كان الجهاد شرع لذلك فهل يلزم أن يحرم المجاهدون من الغنائم؟. اذا فالله تعالي حيث أمر بقسمة الغنائم في المجاهدين، قد خالف شرعه، و الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في قسمتها في المجاهدين، مخطي‌ء. و اذا كان الله و لرسوله فيها حق مع كون حلها ضرورة لأجل الضعف و ليس بشرف، فلآل محمد أسوة بالله و برسوله، فشرفهم لا يزيد علي شرف الله و الرسول. هذه فلسفات موسي جار الله و تعمقه في فهم الآيات و الأحاديث. و الآية التي ذكرها صدرها، (ما كان لنبي أن يكون له أسري حتي يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا) [الأنفال / 67]نزلت يوم بدر حين رغب المسلمون في أخذ الفداء من الأسري و كان الاسلام ضعيفا أما بعد قوته فقد قال الله تعالي: (فامامنا بعد و اما فداء) [محمد / 4]و بذلك يظهر أنها خارجة عما أراد. و حرمة الصدقة علي النبي و أهل بيته تنزية عظيم لهم من الأوساخ، أما أنه تنزيه من ريبة فلا. و النقصان الذي يلحقهم بحرمانهم من الزكاة نقصان مالي، لا نقصان أدبي، فجبر بالخمس. [ صفحه 464] و العوض لا يجب أن يساوي المعوض من كل وجه من أن نصف الخمس لا يستحقه الا الفقراء من بني‌هاشم، و منهم اليتامي و المساكين و ابن السبيل. أما النصف الآخر و هو سهم الله و سهم الرسول، فيصرفه الرسول أو الامام أو نائبه فيما ينوبه و في مصالح المسلمين علي أن هذا اجتهاد منه في مقابل النص فان الأخبار صرحت بأن الخمس جعل لبني هاشم مقام الزكاة تنزيها لهم عن أوساخ الناس، كما ستعرف عند ذكر ما رواه الطبري في آية الخمس. و لا يفهم معني لقوله و لا يستأهل الفقير الا علي وجه جواز الصرف فان الفقير أحد مصارف الزكاة و أقله الوجوب التخييري. و كون الخمس حقا فرضا لآل محمد قد عرفت معناه بما لا مزيد عليه، ولكن فلسفة موسي جارالله اقتضت أن يبقي فقراء آل محمد حفاة عراة جياعي يتكففون الناس لأنهم أكرم علي الله و عند الله من أن يجعلهم الله فقراء الا اليه. و جعل نصيبهم في خمس الغنائم يغنيهم عن سؤال الناس و يقوم بحاجتهم، ينافي كرامتهم كما اقتضت فلسفته فيما سبق؛ أن جعل نصيب لهم في الخلافة ينافي كرامتهم، فالواجب أن يبقوا رعايا يحكم فيهم من لا يساويهم؛ لئلا تنقص كرامتهم، و اذا كان الله لم يجعلهم فقراء الا اليه فقد جعل لهم الخمس من ماله الذي رزقه عباده. و هبني قلت: ان الصبح ليل أيعمي العالمون عن الضياء و الأقوال التي نقلها عن الشيعة في الخمس قد أخطأ في جعلها في الخمس كله بل في نصف الخمس. أما النصف الثاني فيصرف علي فقراء بني‌هاشم جبرا لما فتهم من الصدقة المحرمة عليهم. و قوله: لم تقلها، و لا تقولها شريعة دعوي في بابها شنيعة، فقد قالتها شريعة علماء آل محمد المأخوذة عن ثقات أئمتهم عن جدهم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عن الله تعالي، فبطل تعجبه بقوله و نحن - أي الشيعة - لا ننكرها تعجبا من عدم انكارهم لها. و الأقوال التي نقلها عن الأئمة في آية الخمس تخالف ما حكاه الطبري في تفسيره حيث قال: اختلف أهل التأويل في ذلك، فقيل: (فان لله خمسه) [الأنفال / 41]مفتاح كلام، و لله [ صفحه 465] الدنيا و الآخرة و ما فيهما، و انما معني الكلام: فان للرسول خمسه [523] فخمس الله و خمس رسوله واحد. و قال أبوالعالية الرياحي: كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يؤتي بالغنيمة فيقسمها علي خمسة، أربعة لمن شهدها، ثم يأخذ الخمس، فيأخذ منه قبضة فيجعلها للكعبة، و هو سهم الله، ثم يقسم ما بقي علي خمسة: سهم للرسول، و سهم لذي القربي، و ثلاثة للثلاثة الباقية. و قال آخرون ما سمي لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من ذلك، فانما هو مراد به قرابته و ليس لله و لا لرسوله منه شي‌ء، فاما من قال سهم الرسول لذوي القربي فقد أوجب الرسول سهما و ان كان صلي الله عليه و آله و سلم صرفه الي ذوي قرابته فلم يخرج من أن يكون القسم كان علي خمسة أسهم. [524] . فصرح في القول الأخير بأن المراد بذي القربي قرابة الرسول، و به صرح الطبري أيضا [525] و هو لم يذكره، و هو مما يبطل تفسيره يأتي ذوي القربي فيما يأتي، و جعل السهام علي القول الأول خمسة، و هو جعلها أربعة، و انما الذي جعلها أربعة من قال: ان سهم الرسول لذوي قرابته. و الصواب أن سهم الرسول من الخمس باق بعد وفاته، و أنه للامام بعده و هو نصف الخمس، و النصف الثاني لفقراء بني‌هاشم كما ثبت عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام. و المشهور بين أصحابنا اختصاص سهم ذوي القربي ببني هاشم دون بني‌المطلب أخي هاشم، و صرف النبي صلي الله عليه و آله و سلم ذلك الي الهاشميين أو هم المطلبيين دليل علي أنهم المرادون في آيتي الخمس و الفي‌ء. و زعمه الاجماع علي قسمة الخمس ثلاثة أسهم؛ دعوي مجردة مخالفة لنص القرآن كسائر اجماعاته المتقدمة التي أعدها لكل نازلة، و من أين لنا أن نعلم أنه لم ينكره أحد أو أنهم تمكنوا من انكاره فلم ينكروه؟ و الذي قسمه النبي صلي الله عليه و آله و سلم من أموال بني النضير بين المهاجرين دون الأنصار ليس هو سهم ذي القربي، بل سهام اليتامي و المساكين و ابن السبيل، [ صفحه 466] بناء علي أن المراد بهم غير بني‌هاشم، كما ستعرف المدلول عليه بقوله تعالي بعد آية الفي‌ء الآتية (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم و أموالهم) [الحشر / 7]الي آخر الآية، أو أن أموال بني النضير مما أوجف عليه بخيل و ركاب، فالذي قسمه بين المهاجرين هو سهم المجاهدين من الغنيمة. و ما حكاه عن الشافعي في الأم مع كونه من أخبار الخمس و لا محل لذكره في فدك، صريح في أن لبني هاشم حقا في الخمس متميز لا سهما في الأخماس الأربعة الباقية كما يزعمه هو، و أن الفاروق كان يعتقد ذلك فطلب الي علي ترك حقهم في الخمس موقتا جبرا لخلة المسلمين، و لو كان المراد حقهم في الأخماس الأربعة الباقية لما كان لطلب تنازلهم وحدهم وجه؛ لتساويهم مع غيرهم فيها، فالحديث عليه الا له سواء أراد الاستدلال به علي مسألة فدك بدليل ذكره فيها، أم علي مسألة الخمس، و كون أهل البيت أحق الناس بالايثار و أكرم الخلق و أرحم الناس بالأمة لا ربط له بما فيه الكلام، و هو أنه هل لهم حق في الخمس و هو سهم ذي القربي، أولا؟ و ايثارهم و كرمهم و رحمتهم لا تنفي ذلك و لا تثبته و لا ترتبط به، و اذا كانوا كذلك - عند هذا الرجل - فهل يكون جزاؤهم أن ننكر حقوقهم التي فرضها الله لهم في كتابه؛ ليتم لهم الايثار و الكرم و الرحمة؟ و هذا الخبر قد روي نظيره السيوطي في الدر المنثور في تفسير كلام الله بالمأثور فقال: أخرج ابن المنذر عن عبدالرحمن بن أبي ليلي: سألت عليا، فقلت: يا أميرالمؤمنين أخبرني كيف كان صنع أبي‌بكر و عمر في الخمس نصيبكم؟ فقال: أما أبوبكر فلم تكن في ولايته أخماس، و أما عمر فلم يزل يدفعه الي في كل خمس حتي كان خمس السوس و جنديسابور، فقال و أنا عنده: هذا نصيبكم أهل البيت من الخمس، و قد أخل ببعض المسلمين و اشتدت حاجتهم. فقلت: نعم، فوثب العباس بن عبدالمطلب، فقال: لا تعرض في الذي لنا. فقلت: ألسنا أحق من المسلمين، و شفع أميرالمؤمنين؟ فقبضه، فوالله ما قبضناه و لا صدرت عليه في ولاية عثمان، ثم أنشأ علي يحدث، فقال: [ صفحه 467] ان الله حرم الصدقة علي رسوله فعوضه سهما من الخمس عوضا عما حرم عليه، و حرمها علي أهل بيته خاصة دون أمته، فضرب لهم مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سهما عوضا مما حرم عليهم [526] ، و هذا الخبر دال علي أن عمر كان يري أن نصيبهم في الخمس لهم بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و أنه غير السهام الأربعة كما مر في الذي قبله، و أنه انما شفع اليهم شفاعة في صرف علي المسلمين المعوزين، و أن العباس لم يرض بذلك، و أن عليا دعاه كرم نفسه أو ما الله به أعلم الي القبول، و أنه في ولاية عثمان لم يقدر علي أخذه و لعله قبلها أيضا كذلك، و قول عبدالرحمن كيف كان صنعهما في الخمس نصيبهم؟ دال علي أنه كان يعتقد أنه حق لهم حيث وصفه بأنه نصيبهم مرسلا له ارسال المسلمات، و أن كونه نصيبهم كان معروفا مشهورا، و ما في هذه الرواية من أنه لم يكن في ولاية أبي‌بكر أخماس قد ينافي ما في روايتي سعيد بن جبير و الحاكم الآتيتين قريبا، من أن أبابكر رد نصيب القرابة و جعل يحمل به في سبيل الله، و أن عليا كان يلي الخمس حياة أبي‌بكر، لكن الظاهر أن المراد بذلك العقارات الثابتة فلا منافاة و التولية لم يعلم ثبوتها قال: و أخرج ابن أبي‌حاتم عن ابن‌عباس، قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: رغبت لكم عن غسالة الأيدي لأن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم. [527] و أخرج ابن أبي‌شيبة عن مجاهد: كان آل محمد لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم الخمس. [528] و أخرج ابن أبي‌شيبة و ابن‌مردويه عن علي: قلت: يا رسول الله ألا توليني ما خصنا الله به من الخمس؟ فولانيه [529] و أخرج الحاكم و صححه عن علي: و لأني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم خمس الخمس، فوضعته مواضعه حياة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أبي‌بكر و عمر [530] و يأتي عند ذكر المراد بذي القربي ما له علاقة بالمقام. [ صفحه 468]

الفي‌ء

قال (ص 74): «أما الفي‌ء: ما أفاء الله علي رسوله و لم توجف عليه الأمة من قيل و لا ركاب فكله لا خمسه لله و لرسوله. ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فلله و لرسوله و لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابن‌السبيل. أما بعد النبي فالفي‌ء كله لكل الأمة». و نقول: آية الفي‌ء هي قوله تعالي في سورة الحشر: (و ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فلله و للرسوله و لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابن‌السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوه و اتقوا الله و الله شديد العقاب، للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم يبتغون فضلا من ربهم و رضوانا و ينصرون الله و رسوله و أولئك هم الصادقون) [الحشر / 7 و 8]. فقوله: كله لله و لرسوله، الصواب أن يضيف اليه الأربعة الباقية المذكورة في الآية، و كونه كله لكل الأمة بعد النبي غير صواب، بل الصواب أنه للامام القائم مقامه و لذوي قربي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و هم بنوهاشم كما ثبت عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام و لليتامي و المساكين و ابن‌السبيل، و يأتي بيان المراد منهم. و في تفسير الرازي عن الواحدي: كان الفي‌ء في زمن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم مقسوما علي خمسة أسهم، أربعة منها له خاصة، و الخمس الباقي يقسم علي خمسة أسهم سهم منها لرسول الله أيضا و الأسهم الأربعة لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابن‌السبيل، و أما بعد وفاته عليه الصلاة و السلام فللشافعي فيما كان من الفي‌ء لرسول الله قولان: أحدهما: أنه للمجاهدين، و الثاني: أنه يصرف الي مصالح المسلمين. [531] . [ صفحه 469]

من هم ذوو القربي في آيتي الخمس و الفي‌ء

قال (في ص 75): «و من ذوو القربي في آية الفي‌ء و قد جاء ذكره في آيات كثيرة، و حيثما ذكر فقد ذكر بعده اليتامي و المساكين، و لم يوجد في آية من قرينة تدل علي أنه ذو قربي الرسول. و القرآن الكريم بين ذوي القربي في آية الفي‌ء فقال: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم و أموالهم يبتغون فضلا من الله و رضوانا و ينصرون الله و رسوله أولئك هم الصادقون) [الحشر / 8]للفقراء لا يمكن أن يكون بدلا من (لله) و لا من (لرسوله) فلم يبق الا أن يكون بدلا من لذي القربي، فذو القربي من ترك دياره و أمواله و بذل نفسه و نفيسه و نصرالله و نصر رسوله، يبتغي قفضلا من الله و رضوانا لا عرضا من الدنيا و هم المهاجرون، فذوو القربي في آية الفي‌ء هم المهاجرون بنص القرآن الكريم لا يدخل فيهم ذوو قربي النبي الا بوصف كونه هاجر مع النبي». و (في ص 76 و 77): «أما ذوو القربي في آية الغنائم فهو مثل ذوي القربي في آية (و آتي المال علي حبه ذوي القربي و اليتامي و المساكين) ذو القربي من صاحب المال و ذو القربي من أصحاب الغنائم قريب النبي و قريب غيره سواه من غير فرق. و خمس الغنائم حق الله. و حق الشرع من الغنائم فيه معني الزكاة و الصدقة لم يكن يأخذوه ذو قربي النبي و الكريم، و لم تكن تصرفه الخلافة الراشدة الرشيدة الا في اليتامي و المساكين و ابن السبيل، و لم يكن النبي يعطي أحدا من ذوي قرباه الأسهم من الأخماس الأربعة الباقية لا من الخمس الذي كان يعتبر من أوساخ المال حقا للمساكين. و قد رأينا في تاريخ التشريع و تاريخ الاسلام أن الله تعالي كان ينجي أهل البيت و ينجيهم من كل مظان التهم تثبيتا لدينه، يذهب عنهم الرجس و يطهرهم تطهيرا. نعلم علم اليقين أن النبي كان يؤثر أهل الصفة و الأرامل علي أهل بيته و علي أحب الخلق اليه السيدة فاطمة. و حين شكت اليه الطحن و الرحي و سألته [ صفحه 470] أن يخدمها من السبي و كلها الي الله و قال لها و لعلي: ألا أدلكما علي خير مما سألتمانيه؟ [532] ... كان هذا رأي النبي و كانت السيدة سيدة نساء العالمين فاطمة أقرب الناس الي أبيها في كل آدابه، و أحق من انصار بأدبهم اذ يقول القرآن فيهم: (و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون علي أنفسهم و لو كان بهم خصاصة) الآية. و نقول: مر قول في الخمس أن أسهم ذوي القربي كان يصرفه النبي صلي الله عليه و آله و سلم الي بني‌هاشم و بني‌المطلب و هو يدل علي الدوام و الاستمرار، فيدل علي أنه ما كان يصرفه اليهم الا لأنه حقهم، فما الذي أسقط حقهم منه بعد وفاته. و في تفسير الرازي بعد ذكر آية الفي‌ء ما لفظه: «و اعلم أنهم أجمعوا علي أن المراد من قوله و لذي القربي بنوهاشم و بنوالمطلب» [533] فلو فرض أنه ليس في الآيات التي فيها ذو القربي قرينة تدل علي أنه ذو قربي الرسول، ففي الاجماع المدعي من الرازي و غيره و في صرف النبي صلي الله عليه و آله و سلم سهم ذي قربي اليهم في حياته و في الأخبار الآتية ما يدل علي ذلك، أفلا يكفي هذا قرينة علي ارادتهم مع أن المتبادر لأول وهلة منه هو ذلك، و لا يحتاج الي قرينة أخري فان (أل) في القربي للعهد و لا قربي معهودة سواهم مضافا الي الأخبار الكثيرة الواردة في أن المراد بذي القربي في آيتي الخمس و الفي‌ء قرابة النبي صلي الله عليه و آله و سلم من طريق أهل البيت عليهم‌السلام و غيرهم التي لا يبقي معها مجال للشك و الريب، أما من طريق أهل البيت فكثيرة لا حاجة بنا الي نقلها و أما من طريق غيرهم. فما رواه الطبري في تفسيره بسنده عن ابن‌عباس: كانت الغنيمة تقسم علي خمسة أخماس، فأربعة منها لمن قاتل عليها، و خمس واحد يقسم علي أربع، فربع لله و الرسول و لذي القربي، يعني قرابة النبي صلي الله عليه و آله و سلم فما كان لله و الرسول فهو لقرابة النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و لم يأخذ النبي صلي الله عليه و آله و سلم من الخمس شيئا، و الربع الثاني لليتامي، [ صفحه 471] و الربع الثالث للمساكين، و الرابع لابن السبيل [534] ثم قال الطبري: و أما قوله و لذي القربي - يعني في آية الخمس - فان أهل التأويل اختلفوا فيهم، فقيل: هم قرابة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من بني‌هاشم [535] - و ذكر من قال ذلك فروي بسنده عن خصيف عن مجاهد: كان آل محمد لا تحل لهم الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس [536] و بسند آخر عن خصيف عن مجاهد: كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أهل بيته لا يأكلون الصدقة فجعل لهم خمس الخمس [537] و بسند آخر عن خصيف عن مجاهد قال: قد علم الله أن في بني‌هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس فكان الصدقة [538] و بسنده عن السدي عن ابن الديلمي، قال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام: أما قرأت في الأنفال (و اعلموا أن ما غنمتم من شي‌ء فان لله خمسة و الرسول و ذي القربي) قال: نعم. قال: فانكم لأنتم هم.قال: نعم [539] و بسند آخر عن خصيف عن مجاهد، قال: هؤلاء قرابة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذين لا تحل لهم الصدقة [540] و بسنده عن عطاء عن ابن‌عباس أن نجدة كتب اليه يسأله عنه، فكتب اليه: كنا نزعم أنا نحن هم، فأبي ذلك علينا قومنا. [541] قال الطبري و قيل: بل هم قريش كلها [542] ، وذكر من قال ذلك فروي عن سعيد المقبري، قال: كتب نجدة الي ابن‌عباس يسأله عن ذي القربي، فكتب اليه ابن‌عباس: قد كنا نقول أنا هم، فأبي ذلك علينا قومنا، و قالوا: قريش كلها ذوو قربي [543] و في الدر المنثور: أخرج الشافعي، و عبدالرزاق في المصنف، و ابن أبي‌شيبة، [ صفحه 472] و مسلم، و ابن‌جرير، و ابن‌المنذر، و ابن أبي‌حاتم، و ابن‌مردويه، و البيهقي، في سننه عن ابن‌عباس و ذكر مثله. ثم قال: و أخرج ابن أبي‌شيبة و ابن‌المنذر من وجه آخر عن ابن‌عباس أن نجدة الحروري أرسل اليه يسأله عن سهم ذي القربي الذين ذكر الله، فكتب اليه: أنا كنا نري أنا هم فأبي علينا قومنا، و قالوا: لمن تراه؟ فقال ابن‌عباس: هو لقربي رسول الله قسمه لهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كان عمر عرض علينا من ذلك عرضا رأيناه دون حقنا، فرددناه عليه، و أبينا أن نقبله، و كان عرض عليهم أن يعين ناكحهم، و أن يقضي عن غارمهم، و أن يعطي فقيرهم، و أبي أن يزيدهم علي ذلك [544] قال الطبري: و قيل سهم ذي القربي كان للرسول، ثم صار من بعد لولي الأمر من بعده. عن قتادة أنه سئل عن سهم ذي القربي؟ فقال: كان طعمة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما كان حيا فلما توفي جعل لولي الأمر من بعده. قال: و قيل بل سهم ذي القربي كان لبني هاشم و بني‌المطلب خاصة، و ممن قال ذلك الشافعي [545] ، و كانت علته في ذلك ما روي بالاسناد عن جبير بن مطعم، قال: لما قسم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سهم ذي القربي من خيبر علي بني‌هاشم و بني‌المطلب مشينا أنا و عثمان بن عفان فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء أخوتك بنوهاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم، أرأيت أخواننا بني‌المطلب، أعطيتهم و تركتنا، و انما نحن و هم منك بمنزلة واحدة. فقال: انهم لم يفارقونا في جاهلية و لا اسلام، انما بنوهاشم و بنو المطلب شي‌ء واحد. ثم شبك يديه احداهما بالأخري. ثم قال الطبري: و أولي الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال سهم ذي القربي كان لقرابة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من بني‌هاشم و حلفائهم من بني‌المطلب؛ لأن حليف القوم منهم و لصحة الخبر الذي ذكرناه بذلك عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. ثم قال: و اختلف أهل العيم في حكم هذين السهمين - سهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و سهم ذي القربي - بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال بعضهم: يصرفان في معونة الاسلام [ صفحه 473] و أهله [546] و عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي‌طالب ابن الحنفية كما صرح به في الدر المنثور: اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال قائلون: سهم النبي لقرابة النبي صلي الله عليه و آله و سلم. و قال قائلون: سهم القرابة لقرابة الخليفة، و اجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل و العدة [547] و قال آخرون: انهما الي والي أمر المسلمين [548] و قال آخرون: سهم الرسول مردود في الخمس و الخمس مقسوم علي ثلاثة أسهم علي اليتامي و المساكين و ابن السبيل و هو قول جماعة من أهل العراق. [549] و قال آخرون: الخمس كله لقرابة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [550] ، ثم روي بسنده عن المنهال بن عمرو: سألت عبدالله بن محمد بن علي و علي بن الحسين عن الخمس، فقالوا: هو لنا فقلت لعي: ان الله يقول اليتامي و المساكين و ابن السبيل قال: يتامانا و مساكيننا [551] ثم قال: و الصواب من القول في ذلك هندي أن سهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مردود في الخمس و الخمس مقسوم علي أربعة أسهم علي ما روي عن ابن‌عباس: للقرابة سهم و للثلاثة الباقية ثلاثة أسهم؛ لأن الله أوجب الخمس لأقوام موصوفين بصفات كما أوجب الأربعة الأخماس الآخرين، و قد أجمعوا أن حق الأربعة الأخماس لن يستحقه غيرهم، فكذلك حق أهل الخمس لن يستحقه غيرهم، و غير جائر أن يخرج عنهم الي غيرهم. كما غير جائز أن تخرج بعض السهمان التي جعلها الله لمن سماه في كتابه بفقد بعض من يستحقه الي غير أهل السهمان الأخر [552] و في الدر المنثور في تفسير كلام الله بالمأثور للسيوطي: أخرج ابن أبي‌شيبة عن السدي (و لذي القربي) قال: بنو عبدالمطلب [553] و أخرج ابن‌اسحق و ابن أبي [ صفحه 474] حاتم عن الزهري و عبدالله بن أبي‌بكر أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قسم سهم ذي القربي من خيبر علي بني‌هاشم و بني‌المطلب [554] و أخرج ابن‌مردويه عن زيد بن أرقم، قال آل محمد الذين أعطوا الخمس آل علي و آل عباس و آل جعفر و آل عقيل [555] و أخرج ابن أبي‌حاتم و أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله: (و اعلموا أنما غنمتم من شي‌ء) يعني من المشركين (فان لله خمسه و للرسول و لذي القربي) يعني قرابة النبي صلي الله عليه و آله و سلم الي أن قال: و كان المسلمون اذا غنموا في عهد النبي أخرجوا خمسه فيجعلون ذلك الخمس الواحد أربعة أرباع فربعه لله و للرسول و لقرابة النبي فما كان لله فهو للرسول و القرابة و كان للنبي نصيب رجل من القرابة و الربع الثاني للنبي الي أن قال: فلما توفي النبي رد أبوبكر نصيب القرابة فجعل يحمل به في سبيل الله [556] الدر المنثور. و قد ظهر بما مر: أن جل الروايات متوافقة علي أن المراد بذي القربي هم قرابة النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و هم بنوهاشم لأنهم القرابة القريبة المتبادرة عند الاطلاق، أو هم و بنوالمطلب، و أن القول بأنهم قريش كلهم ما هو الا تحامل علي بني‌هاشم و حسد لهم، كما يشير اليه قول ابن‌عباس السابق: كنا نزعم، أو نقول، أو نري أنا نحن هم فأبي ذلك علينا قومنا، و قالوا: قريش كلها ذوو قربي الدال علي أن ابن‌عباس لم يزل متمسكا بأن بني‌هاشم هم ذوو القربي و أن سائر قريش أبت عليهم ذلك بدون حق، فأشار الي معتقده من طرف خفي، و صرح بعض التصريح اذ لم يمكنه التصريح التام، و أصرح من ذلك ما في حديثه الثاني حيث قال: هو لقربي رسول الله و أن عمر كان عرض عليهم من ذلك عرضا رأوه دون حقوقهم فردوه عليه و لم يقبلوه، كما ظهر أن غير بني‌هاشم قد طالب بذلك في حياة النبي صلي الله عليه و آله و سلم فمنعه. و الحجة التي مرت عن الطبري حجة قوية، و هي قاضية بأن ذوي القربي هم بنوهاشم، و غير جائز أن يخرج سهمهم الي [ صفحه 475] غير أهل السهمان الأخر و أن الذين قالوا بخلاف ذلك ما قالوه الا بالظن و التخمين و لم يستندوا الي مستند. و كما أن للفقراء المهاجرين الي آخر الآية، لا يمكن أن يكون بدلا من (لله) و (لرسوله) لا يمكن أن يكون بدلا من لذي القربي؛ لما مر من ظهوره في قربي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و دلالة الاجماع و الروايات علي ذلك، فتعين كونه بدلا من اليتامي و المساكين و ابن‌السبيل، فزعمه كونه ذو القربي في آية الفي‌ء هم المهاجرون بنص القرآن هو كسائر مزاعمه لا نصيب له من الصحة. و ان سلم أن ذا القربي في آية (و آتي المال علي حبه ذوي القربي) أريد به ذو القربي من صاحب المال، فلا يلزم أن يكون ذوالقربي في آية الغنائم مثله يراد به ذو القربي من أصحاب الغنائم، بعد ورود تفسيره في الأخبار و كلام العلماء بأن المراد به قربي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و دعوي الاجماع علي ذلك كما مر. و كون خمس الغنائم فيه معني الزكاة و الصدقة ليس بصواب، فانه مأخوذ بالسيف و القهر و الغلبة لا بالصدقة. و جملة من الأخبار السابقة قد نصت علي أن الخلافة الراشدة كانت تصرفه فيهم، و أنها صرحت بأنه حقهم علي أنها خالفت ما ثبت من الشرع - و لم يدع أحد فيها العصمة - لا يجب اتباعها، و قد ثبت بما مر أن ذوي القربي في آيتي الخمس و الفي‌ء هم بنو هاشم. و لذوي قرابة النبي الكرام أسوة بالله و برسوله في كونهما مع اليتامي و المساكين و ابن السبيل، فلو كان ذلك يخل بمجد أو شرف لما ذكر الله و رسوله معهم. و المجد و الشرف ليس بالغني و المال بل بمحاسن الصفات و الأفعال، و كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم يفتحر بالفقر، و يقول: الفقر فخري [557] و لم يكن الغني شرفا الا عند الجهال. علي أن المراد بالثلاثة هم يتامي بني‌هاشم و مساكينهم و ابن السبيل، فهم كما يأتي فاذا كان أحدهم يتيما أو مسكينا أو ابن‌سبيل فما الحيلة [ صفحه 476] حتي لا يكون مع اليتامي و المساكين و أبناء السبيل. و مجد النبي الكريم و شرف ذوي قرابته الكرام يقتضي - علي رأي هذا الرجل - أو يحرموا من كل شي‌ء: من الخلافة و الأمارة، و من خمس الغنائم و من الفي‌ء ليبقوا رعايا فقراء يتكففون الناس، و يتم لذلك مجدهم و شرفهم. مع أن هذا اجتهاد في مقابل النصوص الكثيرة المتقدمة و زعمه أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يكن يعطي أحدا من ذوي قرباه الا من الأخماس الأربعة، تقول علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فقد كان يعطي بني هاشم سهم ذوي القربي، و قد اعترف بذلك فيما سبق من كلامه في الخمس، ولكنه لا يبالي بتناقض كلامه يقسم الأخماس الأربعة الباقية في المجاهدين، و لا يعطي بني‌هاشم منها شيئا اذا لم يكونوا مجاهدين و يمنعهم من الزكاة التي هي من أوساخ الناس تنزيها لهم و تشريفا، و الخمس لا يعتبر من أوساخ المال لكونه غنيمة أخذ بالسيف و القهر و الغلبة، و كون بعضه حقا للمساكين الذين هم مساكين بني‌هاشم و فقراؤهم لا يجعله من أوساخ المال. و قد عرفت تصريح الأخبار الكثيرة بأن الله تعالي جعل الخمس لبني هاشم عوضا عن الزكاة التي هي أوساخ الناس، و غسالة الأيدي، تكريما لهم و تشريفا، و هذا الرجل يصادم بآرائه الشاذة قول الله و رسوله. و اذا أعطي النبي صلي الله عليه و آله و سلم أهل البيت حقهم المفروض لهم في الكتاب العزيز لم يكن في ذلك تهمة لينجيهم و ينجيهم منها، و منعهم من حقهم ظلم و تاريخ التشريع و تاريخ الاسلام الذي انفرد بفهمه، و التجنيس بين ينجهم و ينجيهم لا يفيد شيئا من ذلك و اذهاب الرجس عنهم و تطهيرهم لا يكون بمنعهم حقهم. و كلامنا في أن سهم ذي القربي من الخمس هل هو حق لأهل البيت و بني‌هاشم، أولا؟ و نحن نقول: دلت الأدلة السابقة علي أن سهم ذي القربي من الخمس هو حق لهم، فكون النبي صلي الله عليه و آله و سلم كان يؤثر الفقراء من الغرباء علي حب الناس اليه من أهل بيته لا ربط له بذلك بوجه من الوجوه لا نفيا و لا اثباتا، فاذا كان يؤثر الغرباء علي القرباء، فهل هذا معناه أن قرابته ليس لهم حق في الخمس؟ كما أن كون سيدة نساء العالمين أقرب الناس اليه في كل [ صفحه 477] آدابه ليس له ربط باستحقاقها من الخمس و عدمه، فتنميق الألفاظ و تزويقها لا يكون دليلا للأحكام.

من هم اليتامي و المساكين و ابن السبيل في آيتي الخمس و الفي‌ء

في مجمع البيان: انهم من بني‌هاشم أيضا لأن التقدير: و لذي قرباه، و يتامي أهل بيته و مساكينهم، و ابن السبيل منهم، قال: وروي المنهال بن عمرو عن علي بن الحسين عليه‌السلام في قوله (و الذي القربي و اليتامي و المساكين و ابن السبيل) قال: هم قربانا و مساكيننا و أبناء سبيلنا. و قال جمع من الفقهاء: هم يتامي الناس عامة و كذلك المساكين و أبناء السبيل و قد روي ذلك أيضا عنهم عليهم‌السلام. روي محمد بن سلم عن أبي‌جعفر عليه‌السلام أنه قال كان أبي يقول: لنا سهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و سهم ذي القربي و نحن شركاء الناس في ما بقي [558] .

الزكاة

قال (ص 71): «تقول كتب الشيعة: زكاة الشيعة للشيعة فان لم يجد ينتظر سنين ثم يطرحها في البحر. ثم ذكر آيات الانفاق و آيات الزكاة، و قال: الانفاق و الزكاة في عرف القرآن شي‌ء واحد و لم يكن في الملك نصاب كانوا ينفقون من كل شي‌ء من غير حد و كانوا في كل ما يؤمرون يأتون بغاية الكمال لذلك كان القرن الأول أفضل الأمة و خير البرية». و نقول: طرحها في البحر كذب و افتراء، فمصرف الزكاة أصناف ثمانية بنص القرآن الكريم. أحدها: سبيل الله و هو عندنا كل مصلحة أو قربة، فمهما عدمت المصارف لا يعدم سبيل الله، فكيف يتصور عاقل أنها تطرح في البحر؛ ولكنه اعتاد أن لا يتورع عن كذب و لا بهتان. و ارادة الزكاة من الانفاق ممكن و ليس بمتعين، و اذا لم يكن في الملك نصاب فليس ذلك بزكاة، و كونهم كانوا ينفقون من كل شي‌ء من غير حد، و يأتون فيما يؤمرون بغاية الكمال أن أريد أن [ صفحه 478] ذلك كان في جميعهم، فهو خلاف المحسوس. و قد بخلوا بدرهم أو بعض درهم يقدمونه بين يدي نجواهم صدقة و لم يعمل بذلك الا علي بن أبي‌طالب حتي نسخ [559] و تركوا النبي صلي الله عليه و آله و سلم يخطب يوم الجمعة و خرجوا للنظر الي العير لما سمعوا صوت الطبل حتي لم يبق معه الا نفر قليل و عاتبهم الله تعالي بقوله (و اذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا اليها و تركوك قائما) [560] و بنو آدم لم يتساووا في الصفات في عصر من الأعصار. و حديث كون العصر الأول أفضل الأمة مر بيان فساده.

فدك

قال (ص 79 - 77): «فدك قرية خارج المدينة قرب خيبر ذات نخل، كانت من صفايا النبي خالصة له اذ لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و لم ترها السيدة فاطمة قط، و لا تتصرف فيها في حياة النبي أصلا. كان النبي من غلاتها ينفق علي أهل بيته، و علي أحب الخلق اليه السيدة فاطمة و أهل بيتها، قدر الكفاية و علي ذوي الفاقة من أهل المدينة، و بعد النبي دفعها الصديق الي علي يصرف غلاتها في الجهات التي كان النبي يجعلها فيها كما سلم لعلي السيف و البغلة و العمامة و كثيرا غير ذلك من الآثار المباركة، و لم يكن له من جهة الارث لأن ابن العم لا يرث عند وجود العم، قام علي بادارة فدك مدة، ثم في السنين الأخيرة من خلافة عمر قال علي لأميرالمؤمنين عمر: بنا عنها العام غني و للمسلمين اليها حاجة، فاجعلها علي المسلمين تلك السنة. و السيدة سيدة نساء العالمين راجعت الصديق ميراثها من أبيها ارثا أو نحلة؛ و اذ سمعت حديث النبي فيما تركه الأنبياء اكتفت به و انصرفت؛ اذ رأت الحق ثم لم ترجع و لم تنازع: و كانت أرفع و أعلي من كل ما ترويه كتب الشيعة، و كانت غنية غني [ صفحه 479] النفس، مستغنية غني المال، و كان قلبها بموت أبيها و حسراتها عليه أشغل من أن يحمل شيئا علي صاحبيه في الدنيا و الآخرة... و لما انتهي الأمر الي علي سلك في فدك و سهم ذوي القربي مسلك الخلافة الراشدة، ترك فدك علي ما كانت عليه. لم يكن من شأن الامام المعصوم و هو أميرالمؤمنين و بيده القوة لا يخالفه أحد أن يقر الباطل علي بطلانه و أن يبطل الحقوق. و قيل له في فدك، فقال: اني لأستحيي من الله ان أراد شيئا معه الصديق و أمضاه الفاروق، و الشيعة لا تنكر هذه الرواية عن محمد بن اسحق سألت أباجعفر محمد بن علي قلت: أرأيت عليا حين ولي العراق و ما ولي من أمر الناس كيف صنع في سهم ذوي القربي و فدك؟ قال: سلك طريق أبي‌بكر و عمر. قلت: و كيف ذلك و أنتم تقولون ما تقولون، قال: أما والله ما كان أهله يصدرون الا عن رأيه. فقلت: فما منعه؟ قال: كان يكره أن يدعي عليه مخالفة أبي‌بكر و عمر. و انما تدعي أن عليا كان في آخر الأمر علي بقية من التقية قوية. هذه دعوي فارغة ليس للشيعة عليها من دليل و دعوي تطعن في دين الامام و تذهب بعصمته. و نحن لا نرتاب أن عليا كان يري الحق مع الصديق و الفاروق فيوافق وفاق عقيدة لا وفاق نفاق و تقية. و ان السيدة فاطمة راجعت الخليفة في الارث و قالت: أيرثك أولادك و لا أرث أنا رسول الله؟ فروي لها انا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، و صدقت روايته، ثم لم تجد في نفسها حرجا مما قضي به و لم تهجره هجر مغاضبة، بل ان كانت هجرته فهجر اشتغال عنه بأبيها و بشوق اللحاق به». و نقول: أما أن فاطمة عليهاالسلام لم تر فدكا فممكن رأتها في سترها المتناهي، بحيث أنها كانت تخرج لزيارة مقابر الشهداء ليلا، و لم تشأ أن يري جنازتها أحد، فاتخذ لها النعش المغطي شبه الهودج يمكن أن لا تخرج الي فدك، و أما أنها لم تتصرف فيها في حياة النبي صلي الله عليه و آله و سلم أصلا، فباطل. روي أبوسعيد الخدري أنه لما نزلت (و آت ذا القربي حقه) [الاسراء / 26، الروم / 38]أعطي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاطمة عليهاالسلام فدك. حكاه المرتضي في الشافي الذي يرده به علي المغني للقاضي أبي‌بكر الباقلاني من علماء المعتزلة: ثم قال و قد روي من [ صفحه 480] طرق مختلفة غير طريقة أبي‌سعيد أنه لما نزل قوله تعالي: (و آت ذا القربي حقه) دعا النبي صلي الله عليه و آله و سلم فاطمة عليهاالسلام فأعطاها فدك [561] و في نهج‌البلاغة: «بلي كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم و سخت عنها نفوس قوم آخرين». [562] . و اذا كان قد دفعها الصديق الي علي و قام بادارتها مدة فما وجه غضب فاطمة حتي ماتت واجدة عليه كما رواه البخاري في صحيحه و هجرته [563] و لماذا دفنها علي ليلا سرا و أخفي قربها بوصية منها حتي أنه لا يعرف قبرها علي التعيين الي اليوم؟ و أما السيف و البغلة و العمامة و غيرها من الآثار المباركة فالذي ثبت عندنا و رواه ثقافتنا أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم دفعها كلها في حياته في مرض موته الي علي بمحضر جمع كثير من المهاجرين و الأنصار، و لولا ذلك لكانت ارثا لفاطمة وحدها. و الصحيح أن عليا لم يقم بادارة فدك، و لم تدفع اليه بعد وفاة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و خرجت عن يده و يد زوجته الزهراء و لم تعد الي ورثة الزهراء الا في خلافة عمر بن عبدالعزيز و خلافة السفاح و المهدي و المأمون، و أن ما ذكره من قول علي لعمر: نبأ عنها العام غني «الخ»، مختلق لا صحة له. و في آخر خلافة عمر كانت قد كثرت الفتوحات و فتحت علي المسلمين مملكتا كسري و قيصر، و كثرت عليهم الأموال، و تقلبوا في النعيم فلم يكن بهم حاجة الي نخلات بيد علي وابنيه لو فرض أنها في أيديهم، و علي قعيد بيته لا يلي ولاية، و لا يؤمر علي جيش، أو لا يقبل التأمير و انما يعمل في أرضه بينبع أو غيرها، و لم يكن ذا ثروة ليتنازل للمسلمين عنها لغناة و حاجتهم. و قد روي أبوبكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري في كتاب السقيفة - علي ما حكاه ابن أبي‌الحديد بسنده أن أبابكر كان يأخذ غلتها فيدفع اليهم منها ما يكفيهم و يقسم [ صفحه 481] الباقي، و كان عمر و عثمان و علي يفعلون كذلك، فلما ولي معاوية اقطع مروان بن الحكم ثلثها، و عمرو بن عثمان بن عفان ثلثها، و يزيد بن معاوية ثلثها، فلم يزالوا يتداولونها حتي خلصت كلها لمروان أيام خلافته فوهبها لعبد العزيز ابنه، فوهبها عبدالعزيز لابنه عمر فلما ولي عمر بن عبدالعزيز الخلافة كانت أول ظلامة ردها دعا حسن بن حسن بن علي بن أبي‌طالب و قيل: علي بن الحسين فردها عليه. و يمكن أن يكون دعاهما معا. و كانت بيد أولاد فاطمة مدة ولاية عمر بن عبدالعزيز فلما ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم فصارت في يد بني مروان كما كانت يتداولونها حتي انتقلت الخلافة عنهم، فلما ولي السفاح ردها علي عبدالله بن الحسن بن الحسن، ثم قبضها المنصور لما حدث من بني حسن ما حدث، ثم ردها المهدي ابنه علي ولد فاطمة ثم قبضها موسي بن المهدي و هارون أخوه حتي ولي المأمون، فردها علي الفاطميين، فلم تزل في أيديهم حتي ولي المتوكل فأقطعها عبدالله بن عمر البازيار، و كان فيها أحد عشرة نخلة غرسها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بيده، فكان بنوفاطمة يأخذون ثمرها، فاذا قدم الحج أهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم، فصرم عبدالله بن عمر البازيار ذلك الثمر وجه رجلا يقال له بشر بن أبي‌أمية الثقفي الي المدينة فصرمه، ثم عاد الي البصرة ففلج [564] هذه في فدك التي كانت بيد أهل البيت من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم و سخت عنها نفوس آخرين، فانظر في هذا الخبر تجد فيها العبر لمن أبصر و تدبر، و لله در دعبل حيث يقول: أري فيأهم في غيرهم مقتسما و أيديهم من فيئهم صفرات [565] . و يظهر أن نخلها كان كثيرا يعتد به بحيث يقطعه معاوية أثلاثا لثلاثة أشخاص كبراء كما مر. أما دعواه أنها اذا سمعت الحديث فيما ترك الأنبياء اكتفت و انصرفت الخ - التي قلد فيها غيره - فكان الأولي به عدم نبش هذا [ صفحه 482] الدفائن و أن لا يضطرنا الي ذكر ما لا نحب ذكره، و لو أتي علي دعاواه هذه الطويلة العريضة بدليل أو شبه دليل لكان لنا أن نجيبه عنه، أما و قد اقتصر علي الدعاوي المجردة فكان الأولي أن لا نجيبه بشي‌ء؛ ولكننا لا نترك جوابه بأمور يسيرة نشير اليها اشارة الضرورة، فنقول: دعواه هذه يكذبها ما رواه الامام البخاري في صحيحه من أنها ماتت و هي واجدة عليه [566] و قد ادعي نحو هذه الدعوي القاضي عبدالجبار الباقلاني في كتاب المغني فقال: انها لما سمعت ذلك كفت عن الطلب [567] ، و أجابه المرتضي في الشافي بقوله: لعمري أنها كفت عن المنازعة و المشاحنة لكنها انصرفت مغضبة متظلمة متألمة و الأمر في غضبها و سخطها أظهر من أن يخفي علي منصف [568] ، فقد روي أكثر الرواة الذين لا يتهمون بتشيع و لا عصبية من كلامها في تلك الحال و بعد انصرافها عن مقام المنازعة ما يدل علي ما ذكرناه من سخطها و غضبها، ثم روي ما يدل علي ذلك. و في شرح النهج لابن أبي‌الحديد عند ذكر فدك قال: انه يذكر الأخبار و السير المنقولة من أفواه أهل الحديث و كتبهم في أمر فدك لا من كتب الشيعة و رجالهم، قال: لأنا مشترطون علي أنفسنا أن لا نحفل بذلك و جميع ما نرويه من كتاب أبي‌بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري في السقيفة و فدك، و أبوبكر الجوهري هذا عالم، محدث كثير الأدب، ثقة، ورع، أثني عليه المحدثون و رووا عنه مصنفاته [569] ثم ذكر روايته خطبة فاطمة لما بلغها اجماع أبي‌بكر علي منعها فدك [570] و هي صريحة بخلاف ما يدعيه، ثم ذكر كلامها في مشهد الأنصار و هو أيضا صريح في خلاف ما يدعيه شرح النهج الي أن قال: قالت والله لا كلمتك أبدا. قال: والله لا هجرتك أبدا، قالت: و الله لأدعون الله [ صفحه 483] عليك، قال: و الله لأدعون الله لك، فلما حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلي عليها فدفنت ليلا [571] ثم ذكر روايته كلامها لنساء المهاجرين و الأنصار [572] و هو أيضا دال علي خلاف ما يدعيه هذا الرجل، و من قلدهم شرح النهج و خبر استئذانهما عليها في مرضها يدل علي خلاف ما يدعيه شرح النهج، و ذكر قول عبدالله بن الحسن بن الحسن كانت أمي صديقة بنت نبي مرسل فمات و هي غضبي علي انسان فنحن غضاب لغضبها، و اذا رضيت رضينا [573] ، و كتب الشيعة لم ترو الا مطالبتها بحقها و لم نسمع في كل بني آدم أن أحدا كان أرفع و أعلي من أن يطالب بحقه و يحتج عليه لكن هذا الرجل - متابعة لنصر هواه - رأي آراء شذ فيها عن جميع الخلق، فهو يري ان جعل نصيب لأهل البيت في الخلافة نقص عليهم، و ان جعل نصيب لهم في الخمس و الفي‌ء يوجب التهمة لهم كما مر، و هنا يري أن مطالبتهم بحقهم تنافي رفعتهم و علوهم فانظورا و اعتبروا يا أولي الأبصار. و كونها غنية غني النفس لا يمنعها من المطالبة بحقها و لا ينافيه، أما غني المال فلم يكن لها من كل ما أظلته السماء غير فدك. و تفننه بتعبيره تارة بغنية، و أخري بمستغنية لا يخرج عن البرودة. و اذا كان قلبها بموت أبيها و حسراتها عليه أشغل من أن يحمل شيئا علي صاحبيه في الدنيا و الآخرة، فقد كان الأولي بهما - و لم يحصل لهما شرف في الدنيا و الآخرة، فقد كان الأولي بهما - و لم يحصل لهما شرف في الدنيا و الآخرة الا بصحبة أبيها أن لا يرداها عن شي‌ء طلبته و يرضيا المسلمين من مالهما - لو فرض أنه لا حق لها فيما طلبته - أو يسترضياهم لها كما فعل أبوها يوم بدر فاسترضاهم ليردوا ما بعثت به ابنته زينب في فداء بعلها أبي‌العاص ابن‌الربيع و يطلقوه فلها ففعلوا [574] و ما كانت زينب تبلغ منزلة فاطمة سيدة نساء العالمين و لا أبوالعاص - و هو يومئذ كافر - يبلغ رتبة علي بن أبي‌طالب. و القلوب لا يمنعها شغلها بالحزن [ صفحه 484] علي موت الأحباء و بالحسرات عليهم مهما بلغ من أن تحمل وجدا و غيظا علي أحد اذا اقتضي الحال ذلك، بل يزيدها. و دعواه أنه لم يكن يخالف أميرالمؤمنين عليه‌السلام في زمن خلافته أحد دعوي فارغة فما أكثر المخالفين له، فهل تمكن من عزل شريح القاضي و من أبطال الجماعة في نافلة شهر رمضان حين كانوا يصيحون واسنة... و من القضاء في المواريث علي مقتضي فتواه حين قال لقضاته: اقضوا كما كنتم تقضون. و لو كانت التقية و الخوف تطعن في دين الامام و تذهب بعصمته - كما زعم لطعنت في دين موسي كليم الله واحد أولي العزم من الرسل و في نبوته و عصمته حين قال (ففررت منكم لما خفتكم) [الشعراء / 21]في دين هرون و ذهبت بعصمته حين قال (ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني) [الأعراف / 150]في دين لوط و ذهبت بعصمته اذ قال (لو أن لي بكم قوة أو آوي) [هود / 80]، و في دين محمد و نبوته و عصمته حين فر من أهل مكة هاربا و اختفي ثلاثا في الغار، و قبل ذلك كان يعبد ربه بمكة مستخفيا، و الرواية الأولي عن علي في فدك التي ذكرها لا تعرفها الشيعة بل تنكرها، و كم من فرق بينها و بين الثانية عن الباقر عليه‌السلام التي صرحت بأن الذي منعه عن أخذ فدك و سهم ذوي القربي كراهة أن يدعي عليه مخالفة الشيخين الذي لا يحتمله الناس منه لا أنه ليس له فيهما حق، و هي أيضا ليست من روايات الشيعة، و انما رواها أبوبكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري في كتاب السقيفة شرح النهج [575] و هو بنص ابن أبي‌الحديد ليس من الشيعة [576] ، فظهر بما ذكرنا أن دعوي أن عليا كان علي بقية من التقية ليست دعوي فارغة، و انما دعاوي هذا الرجل كلها جوفاء فارغة. وأذا كان لا يرتاب فيما نسبه الي علي و الزهراء، فنحن لا نرتاب في أن دعاواه لا تستند الي دليل و لا برهان، و منها دعواه هده علي علي و القلوب لا يعلم ما فيها الا خالقها، و قوله: لا وفاق نفاق، و تقيه، جهل منه و نفاق فقد بينا [ صفحه 485] أن الخوف حصل للأنبياء والرسل فأحري أن يحصل لعلي - و هو لا يراه بالعين التي براه بها الشيعه - لا الا فردا من أفراد الامه كما صرح به في بعض كلامه، واذا كان اظهار الوفاق خوفا نفاقا فأحري أن يكون أمرا بالنفاق قوله تعالي: (الا أن تتقوا منهم تقاة) [آل عمران / 28]تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا، و أما أن الزهراء صدقت و لم تجد في نفسها حرجا، فيكذبه ما مر مفصلا، و لا حاجة الي اعادته، و أما أنها أن هجرته فهجر اشتغال عنه بأبيها و بشوق اللحاق اليه، فما هو الذي أوجب أن تحزن علي أبيها كل هذا الحزن حتي أوجب أن تهجر الخليفة و تشتغل عنه بشوق اللحاق بأبيها، و هل كانت تجهل ما أمر الله به من الصبر علي المصائب و ما نهي عنه من الجزع و هي لم يؤت اليها بشي‌ء يغضبها، بل كانت محترمة معظمة مرفهة منعمة أديت اليها جميع حقوقها، فما الذي يحزنها كل هذا الحزن و يشغلها كل هذا الشغل و يشوقها الي اللحاق بأبيها هل هو الا أمر عظيم اشتهت معه الموت؟ ولكن هذا الرجل لا يدري ما يقوله أله أم عليه.

التفويض

ذكره (في ص 86) و ذك له معاني باطلة، و قال: ان الشيعة تعتقد ببطلانها و أن معتقدها كافر غال، ولكنه أطال بذكرها لغير فائدة. و قال (في ص 87): «من معاني التفويض أن الله خلق نبيه علي أحسن أدب و أرشد عقل، ثم أدبه فأحسن تأديبه، فقال: (خذ العفو و أمر بالمعروف و اعرض عن الجاهلين) ثم أثني عليه فقال: (و انك لعلي خلق عظيم) ثم فوض اليه دينه (و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا). (و من يطع الرسول فقد أطاع الله)، ثم فوض النبي ذلك الي الأئمة فلا يختار النبي و لا الامام الا ما فيه صلاح و صواب و لا يخطر بقلبه ما يخالف مشيئة الله، و ما يناقض مصلحه الأمة مثل الزيادة في عدد ركعات الفرض و تعيين النوافل، فرض الله الصلوات ركعتين ركعتين، و أضاف النبي الباقي فأقره الله، و سن النبي [ صفحه 486] النوافل أربعا و ثلاثين ركعة، فأقر الله ذلك، و ذلك اظهارا لكرامة النبي و الامام، و لم يكن أصل التعيين الا بالوحي، ثم لم يكن الاختيار الا بالالهام، و له في الشرع شواهد حرم الله الخمر و حرم النبي كل مسكر، فأجازه الله و لا فساد في مثل ذلك عقلا، و قد دلت الأخبار عليه». و (في ص 89): «من معاني التفويض، التفويض في بيان العلوم و الأحكام و في تفسير الآيات، سأل ثلاثة الصادق عن آية فأجاب كل واحد بجواب، و اختلاف الأجوبة كان يقع اما علي سبيل التقية و اما أنه كان للامام أن يبين معني الآية. فالتفويض ثابت في التفسير مثل ثبوته في الأحكام، و التفويض في الحكم كما كان لصاحب موسي في سورة الكهف و كما وقع لذي القرنين. و التفويض في الاعطاء و المنع كما وقع لسليمان: (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب). و نقول: عقيدة الشيعة في النبي، و في جميع الأنبياء صلوات الله عليه و عليهم لا تعدو أنهم لا يقولون علي الله الا الحق لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون. و كل نقل أتي عنهم لا يمكن رده الي هذا فهو باطل، أو موكول علم تأويله اليه تعالي، و في الامام أنه قائم مقام النبي صلي الله عليه و آله و سلم لا يخالفه و لا يخالف حكم الله في قول و لا عمل. أما حديث الزيادة في الفرائض و تعيين النوافل فاذا صح سنده فليس فيه شي‌ء ينافي ذلك، فالله تعالي فرض الفرائض و النبي زاد في عدد ركعاتها بالهام منه تعالي، أو بغيره. و سن النوافل كذلك و حرم كل مسكر كذلك فأمضاه الله. أي خلل أو نقد في ذلك أو اتباع لغير أمر الله! ثم ان هذا الذي حكاه عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم من الزيادة في عدد ركعات الفرض و تعيين النوافل و تحريم المسكر و جعله نقدا لعقائد الشيعة قد ذكر مثله في حق الخليفة الثاني، فقال: أنه كان يقول قولا أو يري رأيا فيقبله النبي و يوافقه الله من فوق عرشه، فكيف صار ما هو من فضائل الفاروض عيبا و نقدا لغيره. و ان صح ما نقله عن الصادق في الجواب عن الآية، كان محمولا علي أنه بين لأحدهم بعض ما تدل عليه، و للآخرين البعض الآخر بما لا ينافي مدلولها. [ صفحه 487]

الغلاة و المفوضة و سبب الغلو

حكي (ص 89) قول الصدوق في رسالة العقائد: «اعتقادنا في غلاة الشيعة و المفوضة أنهم كفار و أنهم أضل من جميع أهل الأهواء المضلة، ثم قال: و من بين الشيعة ليس بغال: الشيعة تفرط افراطا في الأئمة ثم تفرط تفريطا في الأمة، و في القرن الأول يدعون العصمة و تمام الاحاطة في الأئمة و يطعنون علي الأمة و القرن الأول أفضل قرون الأمة». و في (ص 91 و 92): «هل لا نسب و لا قرابة بين تلك العقائد التي يعدها صدوق الشيعة سفاهة و ضلالة و بين تلك الدعاوي المسرفة التي تسندها كتب الشيعة الي الأئمة اسناد افتخار عنه المنافرة و تعداد الفضائل للأئمة علي ما ترويه كتب الشيعة؟ كلمات ثقلت في السماوات و الأرض و لهم دعاوي عريضة تخترق السماوات الي العرش ان كانت أكثرها لموضوعة. الا اني أتوهم أن بعضها ثابت بالضرورة، و الا لما ترك أئمة الفقه و أئمة السنن و الأحاديث أخبار الأئمة من ولد الامام علي أميرالمؤمنين، و لما عادت الأئمة من أهل البيت أئمة الاجتهاد و أئمة السنن». ثم أورد عدة أحاديث فيها ما لا تعتقده الشيعة و فيها ما لا يضر اعتقاده. و تمادي في اساءة الأدب و سوء القول في حق الأئمة و لا يسما في حق الامام الصادق و أبيه الباقر بما نمسك عنه عنان القلم و كفي ذلك في مبلغ دينه و أدبه و كفي ذما لقائله صدور مثله منه. و (في ص 103 و 104): «أبوالخطاب محمد بن المغلاص كان من أخص أصحاب الصادق حتي نشر دعوته و لعنه الصادق و طرده، و لم يكن الا ماكرا يتظاهر بالتشيع، و لما تمكن من نشر دعوته لو لم تكن للأئمة تلك الدعاوي العريضة. و هل يكون للصادق حق في لعن هذا القائم و هو ابن‌دعاويه العريضة. و للشيعة في كتبها باب في نفي الربوبية من الأئمة، و هل توجد ضرورة الي عقد مثل هذه الأبواب السخيفة في كتاب أهل التوحيد و الاسلام لو [ صفحه 488] لم تكن تفرط من الأئمة كلمات في مثل هذه الدعاوي الفارغة التي تكاد السماوات ينفطرن منه (كذا) و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا». و نقول له: اقلب تصب، فالشيعة لم تفرط و لن تفرط، بل أنت أفرطت افراطا في القرن الأول، فزعمت أن أقوال أهله تعادل السنة النبوية الثابتة كما مر مع اعتراف قومك بعدم عصمة أهله، و فرطت تفريطا في الأئمة فزعمت أنهم كسائر الأمة، و فضلت عليهم من لا يساويهم، و أسأت الأدب معهم في عدة مواضع من وشيعتك. أما الشيعة فلا تغلو و تبرأ من كل غال، كما نقلته أنت عن الصدوق في رسالته في عقائد الشيعة الامامية؛ ولكنك مع ذلك تماحك و تعاند و تقول من من الشيعة ليس بغال، و تري أن اسناد بعض المعجزات الي الأئمة و الاحاطة بالعلم الذي ورثوه عن جدهم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم معدن العلوم غلوا، و يسند قومك الي جماعة من الصحابة ما هو أعظم و لا يرونه و لا تراه أنت غلوا فأي انصاف هذا؟ و الشيعة ان ادعت العصمة و الاحاطة للأئمة فلم تدع ذلك جزافا كأقوالك، بل ادعته بحجة و برهان. و زعمه الطعن علي الأمة و القرن الأول مر الكلام عليه في صدر الكتاب ككونه أفضل القرون... و العجب منه أنه رأي رسالة الصدوق في عقائد الشيعة التي نقل عنها هذا الكلام و هي تصرح بأن القرآن هو ما بين الدفتين بغير زيادة و لا نقصان، و مع ذلك نسب الي الشيعة القول بتحريف القرآن كما مر في صدر الكتاب. و النسب الذي يدعيه بين عقائد الغلاة و عقائد المعجزات - ان صح - فهو كالنسب بين تأليه عيسي بن مريم، و بين ابرائه الأكمه و الأبرص، و احيائه الموتي باذن الله، فيلزم علي قياس قوله أن لا ينسب لعيسي شي‌ء من ذلك في القرآن؛ لئلا يصير ذلك سببا لاعتقاد الألوهية فيه. علي أن هذا النسب لو كان هو السبب لأثر في آصف و من نسبت اليهم المعجزات من الصحابة كما مر، و انما السبب الضلال الذي به عبدت و ألهت الأحجار و الأشجار و النجوم و غيرها. و اذا صح عند الشيعة فضائل و معجزات لأئمتهم حق لهم أن يسندوها اليهم اسناد افتخار عند المنافرة و تعداد الفضائل. و كان في زمن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم رجل من جملة كتاب الوحي، ثم ارتد [ صفحه 489] و هرب و جعل يقول معناه كنت أغير في ألفاظ الوحي و اقرأه علي محمد و هو يعلم، فهذا كحال ابن مقلاص. و الامام الصادق عليه و علي آبائه و أبنائه أفضل الصلاة و السلام كان أتقي لله و أعلم و أعرف و أنزه و أشرف من أن يدعي ما ليس له و ما ليس فيه علي رغم كل من يدعي خلاف ذلك. و تهويله بأن للأئمة في كتب الشيعة كلمات ثقلت في السماوات و الأرض الي آخر ما هول به. و زعمه أن أكثرها موضوعة، و توهمه ثبوت بعضها بالضرورة الذي جمع فيه بين الوهم و هو الغلط، و الضرورة المفيدة للقطع توهم فاسد. فأئمة أهل البيت كانوا أصدق أهل زمانهم و أوثقهم و أورعهم، فلا يمكن أن يصدر ما لا يوافق الحق، و ليس كلها نسب اليهم في كتب الأخبار للشيعة تصححه الشيعة كما ذكرناه غير مرة؛ و الا لما وضعت كتب الرجال و الدراية، بل انها توجب عرض الخبر علي الكتاب و السنة و الأخذ بما وافقهما و طرح ما خالفهما و لو صح سنده. و كتب الأخبار عند الشيعة كما هي عند غيرها فيها الصحيح و الضعيف اذا علم ذلك فكل حديث يرويه أي شخص كان يخالف الكتاب و السنة، أو اجماع المسلمين، أو فيه غلو يوجب المشاركة في شي‌ء من صفة الربوبية، أو يخالف ما ثبت بالضرورة من دين الاسلام، فهو باطل، طرحه أو تأويله، و أئمة أهل البيت براء منه و الشيعة أيضا بريئة منه، و لو قال بمضمونه أحد فهي لا تشك في غلطه و خطئه، و كل حديث يدل علي معجز أو منقبة لأهل البيت أو علم أو مكانة لهم عندالله يمكن وقوعها و لا ستحيل عقلا أو شرعا صدورها، و روتها الثقات وجب قبولها، و لم يجز ردها. هذه عقيدة الشيعة و هذه طريقتها و كل ما ينسب اليها سوي ذلك فهو باطل، و لو وجد في كتاب جمعه أحدها فهي لم تكن في وقت من الأوقات تعتقد ما في تلك الكتب، و لا تزال تجاهر و تصرح بأن في كتب الأخبار الصحيح و السقيم، فلابد من النظر أولا في السند، فاذا صح نظر في المتن، فان خالف ما ثبت من الكتاب أو السنة أو اجماع المسلمين وجب طرحه، و لو كان سنده في غاية الصحة. أفيجوز بعد هذا كله التنديد و سوء القول الذي تجاوز به هذا الرجل الحد حتي تعدي الي امام أهل البيت وفقيههم الامام جعفر الصادق الذي اتفق المسلمون كافة علي عدالته و وثاقته و وفور علمه [ صفحه 490] و فضله. و اسشتهاده لثبوت بعض تلك الأمور من الأئمة بأنه لولا ذلك لما ترك أئمة الفقه و أئمة السنن و الأحاديث أخبار الأئمة من ولد علي و لما عاداهم الأئمة؛ استشهاد بما لا شاهد فيه، فأئمة الفقه لا نجد لهم عذرا في ترك أقوال أئمة أهل البيت و أخبارهم؛ الا مداراة ملوك زمانهم الذين علم انحرافهم عن أهل البيت عليهم‌السلام و عمن يميل اليهم خوفا علي ملكهم - ان صح أن يكون ذلك عذرا - بعد أحاديث الثقلين، و باب حطة، و سفينة نوح. فالذين يحتاجون الي الاعتذار عنهم هم أئمة الفقه و السنن لا أئمة أهل البيت عليهم‌السلام. أما أئمة السنن و الأحاديث فكلهم رووا عن أئمة أهل البيت الا واحدا لم يرو عن الصادق معتذرا بأنه لم ير التقية لا ما توهمه هذا الرجل، ولكنه روي عن عمران بن حطان مادح عبدالرحمن بن ملجم علي قلته أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب، و قد رووا عن عمر بن سعد قاتل الحسين عليه‌السلام. و أئمة أهل البيت عليهم‌السلام لم تعاد أحدا من أئمة الاجتهاد و أئمة السنن، و انما كانت ترد بعض فتاواهم و أخبارهم بالدليل. و الحاجة الي عقد باب نفي الربوبية عن الأئمة انما هي لرد دعاوي الغالين و المبطلين، فهو كالآيات النافية لألوهية عيسي عليه‌السلام و عبادة الأصنام، و الأئمة منزهون عن الدعاوي الفارغة و هم شركاء القرآن لا يفارقونه و لا يفارقهم بنص حديث الثقلين، فكل ما يسند اليهم أو يقال عنهم مما ينافي جلالة قدرهم و عظمة قدسهم باطل مردود أيا كان مسنده، و قائله و اساءته الأدب في حقهم تكاد السماوات يتفطرن منها.

الخلافة الراشدة و أهل البيت

قال (ص 78): «ما في كتب الشيعة و كتب الأخبار في شأن الصحابة و الخلافة الراشدة مع أهل البيت كلها كانت مما تتلوه الشياطين علي ملك الاسلام و دولته. كلها تهم علي أهل البيت و افتراء بل فرية عظيمة طاعنة في دين أهل البيت و أدب الأئمة قبل أن تكون طعنا في غيرهم». [ صفحه 491] و نقول: ما أهون الدعاوي علي مدعيها اذا كانت مجردة عن الدليل، ما لنا ولكتب الطرفين التي انفرد بها أهلها لننظر في ما اتفق عليه الجميع، و اتفقت فيه الأخبار، و أجمع عليه أهل السير و الآثار، و ننبذ التقليد و مذهب الآباء و الأجداد، و حينئذ يظهر لنا جليا ما كانت تتلوه الشياطين علي دين الاسلام و شريعته و تلصقه به و هو منه بري‌ء، و يظهر لنا من هو المفتري علي أهل البيت، و تمييز الطعن و الافتراء لا يكون بالأقوال المجردة، و بألفاظ التهويل الفارغة.

معجزات الأئمة

قال عند الكلام علي التفويض (ص 78) عند ذكر بعض معانيه: «تقول كتب الشيعة ان الأخبار تمنع من القول بهذا. و ان صح في كتب الشيعة من الأئمة معجزات لم تكن للنبي يوما من الأيام». و نقول: المعجزات أو الكرامات هي الأمور الخارقة للعادة التي يجريها الله علي يد عباده من نبي أو وصي أو ولي لاثبات دعوي النبوة أو لمصلحة من المصالح. و هذه لا مانع عقليا يمنع من اجراء الله لها علي أيدي الأوصياء و الأولياء، و منكر ذلك منكر لقدرته تعالي، و الاعتقاد بها متوقف علي صحة النقل و ليس كل من يدعي له المعجزة و الكرامة تكون الدعوي له صحيحة. و الشيعة لم تذكر من معجزات الأئمة الا ما روته الرواة الذين فيهم الثقات و غيرهم و التمييز لكتب الرجال و علمائها. و المعجزات التي استعظمها، و قال: انها لم تكن للنبي يوما من الأيام هي داخلة في ذلك، و مهما عظمت فلا تزيد علي احضار آصف بن برخيا وزير سليمان بن داود عرش بلقيس من اليمن الي فلسطين قبل أن يرتد الي سليمان طرفه، و لا تزيد علي ما ذكر مما حاصله أن بعض الصحابة كان يقول: كنت أحدث - يعني تحدثني الملائكة - حتي اكتويت، فلما اكتويت انقطع ذلك عني فلما عدت [ صفحه 492] عاد [577] وروت كتب الأخبار لغير الشيعة ما معناه أن رجلين من الصحابة كانا اذا رجعا من عند النبي صلي الله عليه و آله و سلم ليلا تضي‌ء لهما عصي أحدهما، فاذا افترقا أضاءت لكل واحد عصاه [578] و حديث يا سارية الجبل مشهور معروف، و حاصله أن جيشا للمسلمين كان يحارب في خلافة عمر و قائده يسمي سارية، فنظر عمر و هو يخطب علي المنبر الي الجيش و قد أوشك جيش العدو أن يغلبه، فنادي: يا سارية الجبل فسمعه سارية و بينهما مسافات شاسعة فاعتصم بالجبل و سلم فما رجع الجيش أخبروا بذلك [579] وروي الحافظ ابن‌حجر في تهذيب التهذيب ما معناه أن عمر بن عبدالعزيز كان يحضر معه الخضر يسدده، و أن بعض الصالحين رآه معه فسأله: من كان معك؟ قال: أو قد رأيته. قال: نعم. قال: انك رجل صالح، هذا أخي الخضر، يحضر معي يسددني [580] الي غير ذلك مما يجده المتتبع في كتب غير الشيعة المعتمدة عندهم، و لم نجد أحدا منهم يستنكره و يستعظمه، و قد جعل صاحب العقائد النسفية و شارحها حديث يا سارية الجبل دليلا علي ثبوت المعجزات للأولياء. و لا رأينا موسي جارالله يفوه في ذلك بكلمة، فاذا روت الشيعة في حق العترة الطاهرة شيئا من الكرامات تناولته الألسن بالتكذيب و الاستنكار و الاستعظام، و نسبوا قائله الي الغلو و قال فيه هذا الرجل أنه لم يكن للنبي في يوم من الأيام.

الحكم بين الأمم لله وحده

قال (ص 90): «القرآن الكريم نزل بأدب عظيم في العقائد و اختلاف الأمم (أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون) [الزمر / 46](ان الله يفصل [ صفحه 493] بينهم يوم القيامة) [الحج / 17]فالحكم بين الأمم و الفصل بين العقائد لله وحده يوم القيامة فقط. و نقول: اذا كان القرآن الكريم نزل بهذا الأدب العظيم في العقائد، و اختلاف الأمم و جعل الحكم و الفصل له وحده يوم القيامة، فما باله لم يتأدب بهذا الأدب، و لا بشي‌ء منه و نصب نفسه للحكم بين الأمم، و الفصل بين العقائد في الدنيا، و قام يشنع و يهجم و ينتقد و يزيد و يرعد و يطبع و نشر يريد حمل الناس اعتقاداته شاؤوا أم أبوا، ما نراه الا يقول ما لا يفعل و يعلم ما لا يعمل.

زعمه أن النبي يدعو و يتكلم للعقيدة الباطلة

قال (ص 107): «من الأعاجيب التي تناسب حال كتب الشيعة ما ورد في التوراة: اذا قام في وسطك نبي أتي بمعجزة و قال لتذهب وراء آلهة أخري فلا تسمع لكلام ذلك النبي؛ لأن الرب الهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الهكم من كل قلوبكم وراء الرب الهكم تسيرون و اياه تعبدون و ذلك النبي يقتل لأنه تكلم بالزيغ. قال: و هذا يفيد أن الله قد يضع الكلمات الباطلة و العقائد الفاسدة علي أفواه الأنبياء امتحانا، فعلي الأمة أن لا تأخذ بالكلام الفاسد و العقيدة الباطلة و لو تكلم بها نبي أو أتي بها رسول». و نقول: قد أولع هذا الرجل بالاستشهاد بالتوراة المحرفة المنسوخة من أعجب الأعاجيب أن يتكلم بهذا الكلام رجل يدعي العلم فيستشهد بكلام متناقض، و يقول: انه يناسب حال كتب الشيعة فمن يتكلم بالزيف الموجب للقتل كيف يكون نبيا و يأتي بمعجزة. و يزيد هو في هذا التهور فيقول: انه يفيد أن الله قد يضع الكلمات الباطلة و العقائد الفاسدة علي أفواه الأنبياء. مع أنه اذا كان يضع ذلك علي أفواههم لم يبق وثوق بكلامهم، فيكون نقضا للغرض، و منافيا لعصمة الأنبياء، فلا يمكن أن يكون الامتحان بمثل هذا، و كفي هذا دليلا علي علم هذا الرجل و حسن أدبه مع الأنبياء، و بذلك تعلم أنه تشبيهه حال كتب الشيعة بذلك تهور منه و افتراء. [ صفحه 494]

البداء

قال (ص 104): «حدثت في مذهب الاسلام عقيدة يهودية محضة عقيدة البداء لله، فاذا قال امام قولا أو أخبر أنه سيكون له قوة و ظهور، ثم لا يقع ما قاله، أو يقع خلافه، فكأن الامام يقول به الله في ذلك الأمر فأتي بغيره». و (في ص 109): «كانت للأئمة أخبار لا تقع أو قد يقع خلافها، و كان يحدث بهذا السبب لبعض الشيعة ارتياب في الأئمة، و كان الأئمة في مثل هذه الأحوال يدعون البداء لله. و أكثر الشيعة ما كانوا يعرفون أسرار البداء و الأئمة كانت تقول: ان معرفة أسرار البداء صعب (كذا) لا يتمكن منها كل أحد، و من أجل ذلك حدثت التقية عند الأئمة الا أن أكثر الأئمة ما كانوا يقومون بها، و لم يكن امام يتحاشي من كلام صعب لا يتحمله الا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه للتقوي، ثم نسج منها عقيدة علم مخزون و سر مكنون لا يذاع الا للشيعة». و (في ص 110) تكلم علي البداء فأطال بلا طائل كعادته في تفسير البداء و الاستشهاد بالآيات و طول لسانه و نسب الي الشيعة - كذبا و بهتانا - أنها تقول بالبداء بمعناه الظاهري و أن الأئمة و منهم الصادق تقول به - و كذب - و استدل علي بطلان البداء بمعناه الظاهري بما كفته الشيعة مؤونة الاستدلال عليه. و (في ص 111 و 112): «الله جل جلاله مقدس الا أن لسان النبوة اذا عبر عن شي‌ء فضرورة البيان بلسان البشر تضطره الي تعبير قد يكون فيه تشبيه. فلسان البيان يميل و يتنازل الي تلبس و تشبيه أما الايمان فهدي الي التقديس و التنزية. تأخذ بكل من غير تأويل و تجمع كلا من غير تعطيل و تحويل. ثم استشهد بآيات في التوراة فيها التصريح بالبداء لله تعالي بمعناه الظاهري، و أنه لم يكن يعلم فبدا له فعلم. و التصريح بالاستراحة، و الفراغ، و الحزن، و الندم، و الأسف، و النسيان و قال: ان ذلك تعبير بشري تدلي اليه التعبير السماوي جريا علي فهم الانسان و عرفه. ثم أول كل ذلك بما لا يظل بنقله. ثم قال: فالبداء [ صفحه 495] عقيدة يهودية ثم أعدت عقيدة البداء عدوي الوباء من أسفار التوراة بألسنة الأئمة قلوب الشيعة الي كتب الشيعة». و (في ص 114) نقل الرويات الدالة علي البداء عند الشيعة و أطال. و (في ص 115): «تقول كتب الشيعة تزخرف قولها ان البداء منزلته في التكوين منزلة النسخ في التشريع. فالبداء نسخ تكويني كما أن النسخ بداء تشريعي. قال: و هذا القول زخرفة اذ لا بداء في النسخ و الحكم كان موقتا في علم الله. فأين البداء؟ نعم، بدا لنا ذلك من الله بعد نزول النسخ فالبداء لنا في علمنا لا لله». و (في ص 115): «تقول الشيعة لا بداء في القضاء و لا بداء بالنسبة الي جناب القدس الحق و لا بداء عند ملائكته القدسية و لا في هتم الدهر الذي هو ظرف الوجود القار و الثبات البات. و انما البداء في القدر في امتداد الزمن الذي هو أفق التقضي و التجدد و ظرف التجريد و التعاقب و لا بداء الا بالنسبة الي الكائنات الزمانية و بالنسبة الي من في عالم الزمان و المكان و اقليم المادة كل هذه و ان كانت أقوالا صحيحة الا أنها زخرفة لا تثبت البداء لله». و (في ص 116): «حكي عن أصول الكافي ان أول من قال بالبداء من بني‌اسماعيل هو عبدالمطلب جد النبي كان يعلم بنبوة ابنه بأخبار الأنبياء و اذ غاب في رعاية أبله قال يا رب أتهلك آلك و لمحا تفطن بامكان البداء قال: ان تفعل فأمر ما بدا لك، ثم استدل علي أن عبدالمطلب لم يقل بالبداء ثم قال: نعم قال عبدالمطلب حين هجم الحبشة لهدم البيت: لا هم ان المرء يمنع أهله فامنع حلالك ان كنت تاركهم و كعبتنا فأمر ما بدا لك ثم قال في تفسيره: ان كنت أنا تركتهم فأمر ما في دفع العدو يبدو منك بقضائك، فاستجاب الله دعاءه، فبدا له أن يرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم [ صفحه 496] بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول، فالبداء من الله في هذه الحادثة هو ظهور قضاء قد كان منه في سابق علمه». و في (ص 117): «ثم الكلام علي زعم كتب الشيعة ماض واقع و الشرط في كلام العاقل لا يفيد الا الأمل في المستقبل فلابد أن يكون معني الكلام فأمر ما يبدو منك في منع عدوك من بيتك أو في انجاء نبيك و حفظه هذا معني الكلام و لا يمكن غيره». و (في ص 118): «للشيعة في كل ما تدعيه عقيدة تعصب عصيب يضطرها الي وضع فاحش فقد وضعت حديث أخذ الميثاق من كل نبي أن يقول بالبداء يقول الباقر: يوحي الله الي الملكين أن اكتبا عليه قضائي و قدري، و نافذ أمري، و اشترطا لي البداء، فأي حاجة لله أن يشترط أو كيف يكون شأن الله ان لم يشترط و لمن و علي من يكون الاشتراط و كتب الشيعة من دعوي البداء لله في حرج عظيم تتحول و تتحيل في التخلص منه و لو بتحريف كلمة عن موضعها يقول الصادق: ما بعث الله نبيا الا أخذ عليه ثلاث خصال: الاقرار له بالربوبية، و خلع الأنداد، و أن الله يقدم ما يشاء و يؤخر ما يشاء. يريد الصادق أن يوهم بذلك أن تقديم ما يشاء أو تأخير ما يشاء هو البداء، بل هو الاختيار و الاختيار لا يكون الا بالعلم لا بالبداء و تفسير البداء بالاختيار تحريف في كلمات القرآن الكريم». و (في ص 120): «عاد الي البذاءة و التكرير و فسر البداء بما لم يفسره به أحد و هو أن الله قد يعلق بركة لعبد علي حركة تقع من العبد، فاذا وقعت ترتب عليها فعل الله. ثم قال: و بداء الشيعة في كتبها عقيدة يهودية محضة سلكته الكتب عن ألسنة الأئمة في قلوب الشيعة تخلصا من تبعة دعوي من دعاويها و أدب الأئمة خالص من كلها بري‌ء». و نقول: البداء مصدر بدا يبدو بداء، أي ظهر، و يستعمل في العرب بمعني الظهور بعد الخفاء، فيقال: فلان كان عازما علي كذا ثم بدا له فعدل عنه. و قد أجمع علماء الشيعة في كل عصر و زمان علي أنه بهذا المعني باطل [ صفحه 497] و محال علي الله؛ لأنه يوجب نسبة الجهل اليه تعالي، و هو منزه عن ذلك تنزيهه عن جميع القبائح، و علمه محيط بجميع الأشياء احاطة تامة جزئياتها و كلياتها لا يمكن أن يخفي عليه شي‌ء ثم يظهر له، ولكن ورد في بعض الأخبار من طرق الشيعة نسبة البداء اليه تعالي كما ورد في القرآن الكريم: (يدالله) [الفتح / 10](خلقت بيدي) [ص / 75](الرحمن علي العرش استوي) [طه / 5](و جاء ربك) [الفجر / 22](الله يستهزي بهم) [البقرة / 15]((و غضب الله عليهم) [الفتح / 6]. وورد في بعض الأخبار عند الجميع أن الله ينزل الي سماء الدنيا. و كما علمنا بالدليل العقلي أن الله تعالي منزه عن الأعضاء و الجوارح و عن التركيب و عن الاستواء علي العرش كاستواء أحدنا علي السرير و عن النزول و الصعود و المجي‌ء و الذهاب، لاستلزام ذلك المكان و الجهة و هما من لوازم الجسم الحادث، و عن الغضب الذي هو انفعالي نفساني، و عن الاستهزاء الذي هو ظهور فعل في البدن و الجوارح. و كل ذلك من لوازم الحدوث. كذلك علمنا أن الله تعالي لا يبدو له شي‌ء بعد أن كان خفيا عنه لاستلزامه الجهل، و الله منزه عنه، و كما لزم حمل الآيات المذكورة و الخبر المذكور علي ما لا ينافي نزاهته تعالي أو ايكال علمه اليه، كذلك يلزم حمل البداء الوارد في بعض الأخبار علي معني لا ينافي نزاهته تعالي، و هو مناسب للفظ البداء كل المناسبة بأن يراد بالبداء الاظهار بعد الاخفاء لا الظهور بعد الخفاء. و معناه أن يظن حدوث شي‌ء في الكون لسبب من الأسباب، ثم يفعل الله تعالي ما يبطل هذا الظن، و لما كان هذا شبيها بالبداء أطلق عليه لفظ البداء مجازا، فالبداء نسخ في التكوين كما أن النسخ المعروف نسخ في التشريع. فكما أنه تعالي يحكم حكما من الأحكام من وجوب أو تحريم أو غيرهما يكون ظاهره الاستمرار بحيث لو لم ينسخ لكان مستمرا و لا يصرح باستمراره؛ و الا لكان نسخه مناقضا لذلك، و لا بتحديده بزمان؛ و الا لكان توقيتا لا نسخا ثم ينسخه، فيكون الناسخ قرينة علي أن هذا الظهور غير مراد، و أن الحكم كان في الواقع محدودا لكنه لم يظهر تحديده لمصحلة اقتضت ذلك، فالنسخ انما هو للظهور لا نسخ للحكم في الواقع لأن النسخ معناه الازالة فان كان الحكم مستمرا في علم الله واقعا الي الأبد كان [ صفحه 498] نسخه محالا؛ للزوم التناقض أو الجهل بتبعية الأحكام للمصالح و المفاسد. فمع كون المصلحة توجب الاستمرار لا يجوز النسخ و مع كونها لا توجبه لا يجوز الحكم بالاستمرار الا من الجاهل، و ان كان في الواقع محدود الي حين النسخ لم يكن ذلك نسخا اذ لا ازالة هنا. و لذلك قال بعض الفرق من غير المسلمين باستحالة النسخ، و كذلك قد يظهر من بعض الأمارات حدوث شي‌ء في الكون، ثم يظهر بطلان ذلك فيعبر عنه بالبداء مجازا لشبهه بمن كان يريد فعل شي‌ء ثم بدا له أن يفعل خلافه، مثل ما ورد في حق الكاظم عليه‌السلام أنه بدا الله في شأنه فانه كان يظن أن الامام بعد الصادق هو ابنه اسماعيل لأنه أكبر ولده و الامامة للأكبر بحسب النص، فلما توفي اسماعيل في حياة أبيه ظهر أنه ليس بامام، فالله تعالي أظهر بموته بطلان ما كان يظن من امامته و عبر عن ذلك بالبداء مجازا. و نظير ذلك ما يحكي أن عيسي عليه‌السلام أخبر بموت عروس ليلة زفافها فوجدت في الصباح غير ميتة، و تحت فراشها حية و علم أنها تصدقت بصدقة تلك الليلة فدفع الله عنها الموت، و هذه كان قد قدر الله عمرها الي ليلة زفافها و كان اخبار عيسي عليه‌السلام بناء علي ما علمه من ذلك التقدير، و كان مشروطا بعدم التصدق، و كان الله تعالي يعلم بأنها ستتصدق و لا تموت، و عيسي عليه‌السلام يجهل ذلك، و هذا هو المحو و الاثبات الوارد في الكتاب العزيز (يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب) [الرعد / 39]فلا محو الا بعد اثبات كما اعترف به في «وشيعته» فلابد من حمل المحو علي محو ما ثبت ظاهرا لا ما ثبت واقعا و الا لزم نسبة ما لا يليق اليه تعالي، و هذا هو معني البداء المجازي.

پاورقي

[1] مثل توريثه ان الابن مع الابن و غير ذلك كما ستطلع عليه المؤلف.
[2] ديوان المتبني، شرح علي العسيلي، مؤسسة النور للمطبوعات، لبنان، 1997، ص 323.
[3] روضات الجنات، ج 5، ص 314. و ذكر البيت الأول نقلا عن كشكول البهائي.
[4] تفسير الطبري، الجزء الخامس، ص 12، ط، دارالفكر، تفسير الرازي، ط. دار احياء التراث العربي، الجزء العاشر، ص 40.
[5] تفسير الرازي، ج 10، ص 43.
[6] معجم لآلي الشعر، اميل يعقوب، مجموعة من دور النشر، 1998، نقلا عن ديوان النابغة الجعدي، ص 69.
[7] المصدر نفسه، نقلا عن ديوان عنترة، ص 26.
[8] البيت هو هكذا: أيا رب، اني لم أرد بالذي به مدحت عليا غير وجهك فارحم و هو للسيد الحميري.... و قد تلاعب في ألفاظه مؤلف الوشيعة موسي جار الله. (راجع ديوان السيد الحميري، شرح ضياء الأعلمي، مؤسسة النور، ص 188).
[9] معجم لآلي الشعر، اميل يعقوب - مجموعة من دور النشر 1998، نقلا عن مجمع الأمثال: ج 2، ص 364، و البيت لمالك بن زيد مناة. [
[10] ديوان السيد الحميري، شرح ضياء الأعلمي، مؤسسة النور، ص 188، و البيت كما في الديوان يبدأ ب: فيا رب.
[11] منهاج السنة، تقي الدين أحمد عبدالحليم، ابن‌تيمية، المكتبة العلمية، بيروت.
[12] الفصل في الملل و الأهواء و النحل، أبومحمد علي بن أحمد، ابن حزم الظاهري، دارالجيل.
[13] الاعتقادات للشيخ الصدوق، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكر الألفية لوفاة الشيخ المفيد، مصنفات الشيخ المفيد رقم 5. ايران - قم 1413 ه، باب 37، باب الاعتقاد في نفي الغلو و التفويض، ص 97.
[14] الاستحسان: هو العدول بالمسألة عن حكم نظائرها الي حكم آخر، لوجه أقوي يتقضي هذا العدول. القياس: هو الحاق صورة مجهولة الحكم بصورة معلومة الحكم لأجل أمر جامع بينهما يقتضي ذلك الحكم. مفتاح الوصول، ص 129.
[15] صحيح مسلم، بشرح النووي، ج 5، ص 184. كتاب صلاة المسافرين و قصرها، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، ح 54.
[16] المصدر نفسه، ج 5، ص 184. كتاب صلاة المسافرين و قصرها، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، ح 55.
[17] المصدر نفسه، ح 56.
[18] المصدر نفسه، ح 57.
[19] المصدر نفسه، ص 185، كتاب صلاة المسافرين و قصرها، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، ح 58.
[20] صحيح البخاري، تحقيق عبدالله بن باز، دارالفكر 1994، المجلد الأول، ج 1، ص 156، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت العصر، ح 549.
[21] معادن الجواهر و نزهة النواظر، السيد محسن الأمين، دارالزهراء، 1401 ه - 1981 م، ج 1، ص 360 - 353.
[22] الذكري، ص 118، طبعة قديمة سنة 1272 ه، و طبعة جديدة، ج 2، ص 336.
[23] راجع: كتاب الفقه علي المذاهب الأربعة، عبدالرحمن الجزيري، دارالكتب العلمية، لبنان 1990، ج 1، ص 345.
[24] أخرج مالك في موطئه «أن المؤذن جاء الي عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح، فوجده نائما. فقال: الصلاة خير من النوم، فأمر عمر يجعلها في نداء الصبح»، موطأ مالك، 25 / 1.
[25] كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوقع الطلاق الثلاث في مجلس واحد طلقة واحدة. فعن ابن‌عباس قال: «طلق ركانة زوجته ثلاثا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنا شديدا، فسأله رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: كيف طلقتها؟ قال: ثلاثا. قال صلي الله عليه و آله و سلم: في مجلس واحد؟ قال: نعم. قال صلي الله عليه و آله و سلم: فانما تلك واحدة، فارجها ان شئت». لكن في عهد عمر جعل طلاق الثلاث طلقات. انظر: وركبت السفينة، مروان خليفات، مركز الغدير، بيروت، ص 303.
[26] الخلاف للشيخ محمد بن الحسن الطوسي، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، 1407 هج، ج 1، ص 616.
[27] كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبدالوهاب، السيد محسن الأمين، مؤسسة الأعلمي، بيروت، وطبع أيضا في ملاحق أعيان الشيعة للمؤلف، دارالتعارف، بيروت.
[28] بحارالأنوار لدرر أخبار الأطهار، و الشيخ محمد باقر المجلسي، في 110 مجلدات، طبع في بيروت و ايران.
[29] غاية المرام في شرح شرائع الاسلام، الشيخ مفلح الصيمري البحراني، في أربعة أجزاء، طبع دار الهادي، بيروت.
[30] مستدرك الصحيحين، 600 / 4، ح 8669، مسند أحمد، 424 / 3، ح 10920، حلية الأولياء، 101 / 3، سنن أبي داود، 107 / 4، ح 4283.
[31] انظر: اقرأ حول الامام المهدي (عج) - مهدي حسن علاءالدين - الناشر، الدار الاسلامية - بيروت مساوي 1999. (ببلوغرافيا تضمنت 744 كتابا حول الامام المهدي (عج) منها: منتخب الأثر في الامام الثاني عشر للشيخ لطف الله الصافي الكلبيكاني، و الزام الناصب في اثبات حجة الغائب للشيخ علي يزدي الحائري، و بحث حول المهدي للسيد محمد باقر الصدر، و الامام المهدي لمحمد علي دخيل، و الامام المهدي للدكتور محمد طي.
[32] التنزيه لأعمال الشبيه، رسالة كتبها المؤلف لتصحيح بعض التصرفات و الأعمال التي كانت تواكب المجالس الحسينية و مواكب العزاء.
[33] راجع مروج الذهب، 304 - 301 / 2، العقد الفريد، 259:4 و 260.
[34] تاريخ الأمم و الملوك للطبري، و مؤسسة الأعلمي، لبنان، د. ت، ج 2، ص 446.
[35] المصدر نفسه، ص 447.
[36] راجع: شرح نهج‌البلاغة لابن أبي الحديد، ج 10، ص 111.
[37] الجمل و النصرة لسيد العترة في حرب البصرة، الشيخ المفيد، مكتب الاعلام الاسلامي. قم، ايران 1416 ه، ص 148 و 149 و نقلا عن النهاية، ج 5، ص 80.
[38] صحيح البخاري، مجلد 3، ج 5، ص 97. كتاب المغازي، ح 4241 / 4240.
[39] قتل معاوية بن أبي‌سفيان حجر بن عدي سنة 51 هجرية في مرج غذراء مع ستة من أصحابه.
[40] المستدرك علي الصحيحين، 373 / 2 ح 3312 و 163 / 3 ح 4720، المرقاة في شرح المشكاة 552 / 10 ح 6183، المعجم الكبير للطبراني، 27 / 12 ح 12388.
[41] الدر المنثور للسيوطي، 174 / 1، مصنف ابن أبي‌شيبة، 503 / 7 ح 52. انظر: أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، دار التعارف، 1406 ه - 1986 م، ج 1، ص 533.
[42] انظر: وفاة الصديقة الزهراء، السيد عبدالرزاق المقرم: ط 1403 ،1 ه - 1983 م، مؤسسة الوفاء، ص 106.
[43] انظر: صلح المحسن، الشيخ راضي آل ياسين، مؤسسة النعمان، 1412 ه - 1991 م، ص 365.
[44] راجع: مقتل الحسين، السيد عبدالرزاق المقرم، دارالكتاب الاسلامي، 1399 ه - 1979 م.
[45] أبوعبدالله سفيان بن سعيد بن مسروق الكوفي، يروي أنه كان مجمعا علي امامته بحيث يستغني عن تزكيته مع الاتقان و الحفظ و المعرفة و الضبط و الورع و الزهد، توفي سنة 161 ه، تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، ج 9، ص 159، ترجمة رقم 4763.
[46] ديوان دعبل بن علي الخزاعي، ص 296، و الأبيات منسوبة اليه.
[47] تحت راية الحق، علي محمد علي دخيل، دارالمرتضي، لبنان 1997، ص 327، نقلا عن أدب الطف، ج 3، ص 29.
[48] في لسان العرب، في الحديث، فتمعر وجهه أي تغير. و أصله قلة النضارة و عدم اشراق اللون، من قولهم: مكان امعر، و هو الجدب الذي لاخصب فيه. اه. (المؤلف).
[49] مناقب آل أبي‌طالب، محمد بن علي بن شهرآشوب، دارالأضواء، 1412 ه - 1991 م، ج 3، ص 36.
[50] المصدر نفسه، 14 / 1.
[51] لسان الميزان لابن‌حجر، ج 3، ص 359 - 357، ترجمة رقم 1449، حرف العين.
[52] صحيح مسلم، 26 - 22 / 5، ح 2408، مسند أحمد، 492 / 5، ح 18780، كنزالعمال، 178 / 1، ح 640 / 13 ،898 و 641، ح 37620 - 37619.
[53] سنن الترمذي، 622 / 5، ح 3788 و ص 621، ح 3786، الدر المنثور، 349 / 7، المعجم الكبير للطبراني، 170 / 5 ح 4981.
[54] المستدرك علي الحيحين، 373 / 2، ح 163 / 3 ،3312، ح 4720، المرقاة في شرح المشكاة، 552 / 10، المعجم الكبير للطبراني، 27 / 12، ح 12388.
[55] الدر المنثور للسيوطي، 174 / 1، مصنف ابن أبي‌شيبة، 503 / 7، ح 52، كنزالعمال: 434 / 2، ح 4429، المعجم الكبير للطبراني، 45 / 3، ح 2637.
[56] من الصحابة السابقين الي الاسلام، و من المقربين لأميرالمؤمنين الامام علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام واستشهد بغوطة دمشق في وقعة كانت بين المسلمين و الروم سنة 13 ه.
[57] شرح نهج‌البلاغة لابن أبي الحديد، ج 20، ص 222.
[58] أخبار شعراء الشيعة، لأبي عبدالله محمد بن عمران المرزباني الخراساني، شركة الكتبي للطباعة و النشر، لبنان 1993 م، ص 218. في ترجمة مروان بن محمد السروجي.
[59] أبوالفرج الأصفهاني، علي بن الحسين (356 - 289 ه).
[60] فرق الشيعة، الحسن بن موسي النوبختي، دارالأضواء، بيروت، 1404 ه - 1984 م، ص 17.
[61] تفسير الطبري، 265 / 15.
[62] الدر المنثور، 589 / 8، الصواعق المحرقة، ص 161.
[63] وقعة صفين، نصر بن مزاحم المنقري، منشورات مكتبة المرعشي، قم 1382 ه، ص 340.
[64] صحيح البخاري: مج 2، ج 4، ص 250 باب مناقب علي، ح 3706.
[65] المستدرك علي الصحيحين، محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري، دارالكتب العلمية، 1411 ه - 1990 م، ج 2، ص 131، ح 2559.
[66] صحيح البخاري، مج 2، ج 4، باب مناقب علي بن أبي‌طالب، ح 859.
[67] سن الترمذي، 595 / 5 ج 3720، الصواعق المحرقة، ص 122، سنن ابن ماجة: 44 / 1 ح 120.
[68] خصائص النسائي (ضمن السنن)، 154 / 5 ح 8541، المستدرك علي الصحيحين، 132 / 3، ح 4621، مسند أحمد، 420 / 3 ح 10896 و ص 501 ح 11364.
[69] نهج‌البلاغة، الكتاب رقم 45.
[70] شرح النهج، 291 / 16، دارالجيل، تحقيق محمد أبوالفضل ابراهيم.
[71] الهيتمي في مجمعه، 111 / 9، كنزالعمال 154 / 6، كنوز الحقائق، ص 161. كتاب الفتوح، ابن‌أعثم الكوفي، دارالندوة الجديدة، بيروت، ج 5، ص 241.
[72] بحارالأنوار، ج 45، ص 133. تمثل يزيد بن معاوية، بعد معركة الحرة بهذا البيت: ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل و الدلالة واضحة علي أنه كان يريد الثار لقتلي المشركين في معركة بدر. راجع: البداية و النهاية لابن كثير، دارالكتب العلمية، بيروت، حوادث سنة 154 / 4 ،61.
[73] شرح نهج‌البلاغة لابن أبي الحديد، ج 2، ص 127 و 128.
[74] راجع: مقاتل الطالبيين، لأبي الفرج الأصفهاني، و فيه تسجيل لأهم الحوادث التي جرت علي آل البيت، و ما لا قوه من العباسيين، و بخاصة خلال عهد المنصور (ت 158 ه) و الرشيد (ت 193 ه) والمتوكل (ت 247 ه).
[75] ديوان الشريف الرضي، منشورات الأعلمي، لبنان د. ت.، ج 2، ص 525، قافية الفاء.
[76] ديوان أبي فراس الحمداني، تبويب د. علي بو ملحم، دار و مكتبة الهلال، لبنان 1995، ص 132.
[77] تاريخ الطبري: ج 4، ص 313 - 187)خبر مقتل حجر و أصحابه) و شذرات الذهب: ج 1، ص 57، و معجم البلدان: ج 4، ص 103)عذراء) رقم التسلسل 8251.
[78] انظر: الغدير، ج 11، ص 41 و 42 و 44.
[79] راجع: شرح النهج لابن أبي‌الحديد و تاريخي الطبري و ابن‌الأثير و كتب أسماء الصحابة. قال الشاعر في عمر بن عبدالعزيز لما رفع السب: و ليت فلم تشتم عليا و لم تخف بريا، و لم تتبع مقالة مجرم و قال الشريف الرضي، يخاطب عمر بن عبدالعزيز: أنت نزهتنها عن السب و الشتم فلو أمكن الجزاء جزيتك.
[80] النهاية في غريب الحديث: ج 5، ص 80، و تاريخ الطبري: ج 3، ص 477.
[81] تاريخ الطبري: ج 3، ص 477.
[82] الاحكام في أصول الأحكام، علي بن محمد الآمدي، دارالكتب العلمية، لبنان، د. ت المجلد الأول، ج 2، ص 320.
[83] راجع: نظرية عدالة الصحابة، أحمد حسين يعقوب، الدار الاسلامية، لبنان 2000، ص 58 - 54.
[84] أسد الغابة: ج 2، ص 142 في ترجمة خالد بن الوليد.
[85] مناقب آل أبي‌طالب: ج 3، ص 226.
[86] المستدرك علي الصحيحين: ج 1، ص 93، ح 106 و ص 219، ح 445، و جامع الأصول لابن الأثير، داء احياء التراث، لبنان: ج 1، ص 409، ح رقم 7471. في الأول: لتتبعن، و في الحديث الثاني: لتسلكن.
[87] حلية الأولياء، 172 / 4، صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ح 213 ،210.
[88] الاصابة في تمييز الصحابة، ابن‌حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 ه / 1995 م، ج 1، ص 589، ترجمة رقم 1163.
[89] أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن‌الجزري، دار الكتب العلمية، بيروت 1415 ه - 1994 م، ج 1، ص 538، ترجمة رقم 752.
[90] تهذيب التهذيب، ابن‌حجر العسقلاني، دار احياء التراث العربي، بيروت 1993 م، ج 1، ص 372، ترجمة رقم 1088.
[91] هذا شطر بيت للحارث بن حلزة (بكسر الحاء و تشديد اللام المكررة) اليشكري، قال: لا تكسع الشول بأغبارها انك لا تدري من الناتج قال الجوهري: كسع الناقة اذا ضرب خلفها (بكسر الخاء و سكون اللام) بالماء البارد ليزاد اللبن في ظهرها؛ و ذلك اذا خاف عليها الجدب في العام القابل: قال الحارث بن حلزة: لا تكسع الشول بأغبارها انك لا تدري من الناتج و الشول جمع شائلة علي غير قياس، و هي التي أتي عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فجف لبنها. (و الأغبار) جمع غبر كقفل و أقفال، و هو بقية اللبن في الشرع. يقول: لا تغزر ابلك أي تترك حلبها و تطلب بذلك قوة نسلها و احلبها لأضيافك فلعل عدوا يغير عليها فيكون نتاجها له دونك / و قال الخليل: هذا مثل، و تفسيره اذا نالت يدك من قوم شيئا بينك و بينهم أحنة فلا تبق علي شي‌ء انك لا تدري ما يكون في الغد (المؤلف).
[92] يشير الي قول علي عليه‌السلام في خطبته لما بلغه غلبة بسر بن أبي‌أرطأة علي اليمن مخاطبا أصحابه: أما والله لوددت أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم. هنالك لو دعوت أتاك منهم فوارس مثل أرمية الحميم قال ابن أبي‌الحديد: و هم بنو فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضرحي مشهور بالشجاعة - منهم علقمة بن فراس، و هو جذل الطعان، و منهم ربيعة بن مكدم بن حدثان بن جذيمة بن علقمة بن فراس الشجاع المشهور حامي الظعن حيا و ميتا، و البيت المتمثل به لأبي جندب الهذلي، و أول الأبيات: ألا يا أم زنباع أقيمي صدور العيس نحو بني تميم و قال الشريف الرضي: الأرمية جمع رمي و هو السحاب و الحميم هنا وقت الصيف و انما خص الشاعر سحاب الصيف بالذكر لأنها أشد جفولا و أسرع خفوقا لأنه لا ماء فيه، و انما يكون السحاب ثقيل السير لا متلائه بالماء و ذلك لا يكون في الأكثر الا زمان الشتاء، و انما أراد الشاعر وصفهم بالسرعة اذا دعوا و الاغاثة اذا استغيثوا و الدليل علي ذلك قوله هنالك لو دعوت أتاك منهم. (المؤلف).
[93] انظر: أعيان الشيعة: ج 2، ص 578.
[94] شرح نهج‌البلاغة، لابن أبي‌الحديد: ج 20، ص 29.
[95] تفسير الطبري، ج 28، ص 161.
[96] صحيح البخاري، ج 2، ص 142 و 143، باب 25 الغرفة و العلية المشرفة. ج 2468.
[97] السيرة الحلبية، 140 - 70 / 3، بيروت: دارالتراث العربي.
[98] تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري، دارالمعارف، ط 5، ج 4، ص 458. و الكامل في التاريخ، ابن الأثير، دار صادر، بيروت، 1385 ه / 1965 م، ج 3، ص 206.
[99] تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري، منشورات الأعلمي، ج 3، ص 477. [
[100] المصدر نفسه، ج 3، ص 470.
[101] راجع: الكامل في التاريخ، ج 3، ص 210.
[102] المصدر نفسه، ج 3، ص 394، تاريخ الطبري، ج 4، ص 115.
[103] مقاتل الطالبيين، أبوالفرج الأصفهاني، مؤسسة الأعلمي، 1987 م، ص 55.
[104] تفسير الرازي، 673 / 30، ط دار احياء التراث العربي، تفسير الآية 18 من سورة الجن.
[105] مجمع البيان، للطبرسي، 560 / 10، ط دارالمعرفة، تفسير الآية 18 من سورة الجن.
[106] الدر المنثور، 306 / 29 ط دار الفكر.
[107] راجع: الاصابة: ج 8، ص 231، ترجمة رقم 11461.
[108] صحيح البخاري: ج 2، ص 264، باب فضائل عائشة من كتاب فضائل أصحاب النبي صلي الله عليه و آله و سلم، ح 3769.
[109] مجمع البيان لعلوم القرآن، الشيخ الطبرسي، 560 / 8 ط دارالمعرفة.
[110] الدر المنثور، 603 / 22 ط دار الفكر.
[111] هكذا في النسخة المطبوعة، و هي غير مضمونة الصحة، و لا يخفي أن العبارة ناقصة فلعله سقط شي‌ء من الطابع و يدل عليه ما في غاية المرام عن مسند أحمد بن حنبل في آخر الحديث. فاجتذب من تحتي كساء خيبريا كان بساطا لنا علي منامة في المدينة فلفه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أخذ طرفي الكساء و ألوي بيده اليمني الي ربه عزوجل، و قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجب و طهرهم تطهيرا الحديث (المؤلف).
[112] الدر المنثور، ج 22، ص 604.
[113] المصدر نفسه.
[114] المصدر نفسه.
[115] المصدر نفسه.
[116] المصدر نفسه.
[117] المصدر نفسه، ص 605.
[118] المصدر نفسه، ص 605.
[119] المصدر نفسه، ص 605.
[120] المصدر نفسه.
[121] المصدر نفسه.
[122] المصدر نفسه.
[123] المصدر نفسه.
[124] المصدر نفسه.
[125] تفسير الطبري، ط دارالفكر، ج 22، ص 5.
[126] شرح الأخبار، ج 3، ص 300، و الاحتجاج، ص 361.
[127] مجمع البيان، ج 8، ص 860 - 558.
[128] تفسير الطبري، 8/22.
[129] الدر المنثور، 603 / 22 ط دارالفكر.
[130] تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني، ج 4، ص 169.
[131] جامع الأصول: ج 10، ص 409، ح رقم 7471.
[132] مجمع البيان، للطبرسي، ج 9، ص 176.
[133] سنن الترمذي، 622 / 5 ح 3788، المعجم الكبير، للطبراني، 170 / 5 ح 4981، الدر المنثور، 349 / 7.
[134] جامع الأصول، ج 10، ص 409، ح رقم 7471.
[135] المعجم الكبير للطبراني، 186 / 6 ح 5943، سنن ابن ماجة، كتاب الفتن باب افتراق الأمم ح 3994.
[136] راجع: عوالي اللآلي: ج 4، ص 77 و 67 و ميزان الحكمة، مج 3، ص 3067 باب 2837، ح 13695.
[137] الكافي، الأصول، ج 1، ص 79 باب صفة العلم و فضله و فضل العلماء، ح 2.
[138] المستدرك علي الصحيحين، 373 / 2، ح 3312.
[139] كنز العمال، 434 / 2، ح 4429.
[140] صحيح البخاري، مجلد 1، ج 1، ص 40 و 41 باب اثم من كذب علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم ح 106 و 107 و 108 و 109 و 110 و السنن الكبري، ج 4، ص 120، ح 7169 و فيهما اختلاف يسير.
[141] صحيح البخاري، مج 2، ج 4، ص 35. كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي‌طالب، ح 3706.
[142] محمد بن الحسن الشيباني، ولد سنة 131 ه، توفي 189 ه، و سمع من أبي حنيفة و غلب عليه مذهبه و عرف به، وله كتب كثيرة في الفقه و الأصول، منها المبسوط، و الجامع الكبير و الحجة علي أهل المدينة. الاعلام، الزركلي، ج 1، ص 80.
[143] أبويوسف القاضي، يعقوب بن ابراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي، كان تلميذ أبي‌حنيفة و من أتباعه. و قيل: انه أول من لقب بقاضي القضاة، و توفي سنة 182 ه. (الكني و الألقاب، الشيخ عباس القمي، مؤسسة الوفاء، ج 1، ص 188).
[144] مجمع البيان، ح 6، ص 603، في تفسير آية (ان ابراهيم كان أمة).
[145] كنزل‌العمال: ج 1، ص 103، الفصل الخامس، أحكام البيعة من الاكمال، ح 463 و ح 464. و راجع: ميزان الحكمة، المجلد الأول، ص 120 باب 22 الامامة، الامامة العامة، (1) ح 843 - 840.
[146] راجع فضائل الخمسة في الصحاح الستة: ج 2، ص 53 باب في قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم اني تارك فيكم الثقلين.
[147] كنزالعمال: ج 1، ص 186، ح 946.
[148] المستدرك للحاكم، 137 / 3، ح 4637، أسد الغابة، 95 / 4، ترجمة علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، رقم 3789.
[149] الغدير، ج 6، ص 93 و 94 و 101 و 104 و 106 و غيرها.
[150] تاريخ الأدب العربي لعمر فروخ، دارالعلم للملايين، لبنان 1989 م، ج 3، ص 127.
[151] صحيح مسلم، ج 12، ص 171 - 168 كتاب الامارة، باب الناس تبع لقريش و الخلافة في قريش، ح 10 - 5، صحيح البخاري، مج 4، ج 8، ص 161، ح 7222.
[152] كنز العمال: ج 1، ص 103، ح 463 و ح 464.
[153] راجع فضائل الخمسة في الصحاح الستة، ج 2، ص 52.
[154] سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد، الارشاد، ج 1، ص 330، منشورات المفيد، لبنان 1993.
[155] الاستيعاب، ج 3، ص 208، ترجمة 1875.
[156] الاتقان في علوم القرآن، دارالكتب العلمية، لبنان 1995، ج 2، ص 412)طبقات المفسرين).
[157] شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 46.
[158] طبع هذا الكتاب عدة طبعات في دمشق، و بيروت، و آخرها في مؤسسة الأعلمي، 1986 م.
[159] الاستيعاب، ج 3، رقم الترجمة 1875.
[160] البحار، ج 3، ص 223، ح 1.
[161] الصواعق المحرقة، لابن حجر الهيتمي، دارالكتب العلمية، لبنان 1993، ص 304.
[162] الفهرست لابن‌النديم، دارالكتب العلمية 1996، لبنان، ص 52، تسمية الكتب المصنفة في تفسير القرآن.
[163] صحيح مسلم، ج 18، ص 63، كتاب الفتن، باب 24، باب قصة الحسباسة، ح 2942 / 119.
[164] مسند أحمد، 463 / 5، ح 23423.
[165] المصدر نفسه، 467 / 5، ح 23454.
[166] المصدر نفسه، 468 / 5، ح 23462.
[167] المصدر نفسه، 473 / 5، ح 23504.
[168] حلية الأولياء و طبقات الأصفياء، الحافظ أبونعيم أحمد بن عبدالله الأصفهاني، دارالكتب العلمية، بيروت، ج 3، ص 197، ترجمة رقم 236.
[169] بحارالأنوار، الشيخ محمد باقر المجلسي، دار احياء التراث العربي، ج 47، ص 226.
[170] الاحتجاج، ج 2، ص 362 - 358.
[171] حلية الأولياء و طبقات الأصفياء، ج 3، ص 197.
[172] الاحتجاج، ج 2، ص 361.
[173] بحارالأنوار، ج 47، ص 240، ح 25 نقلا عن كنزالفوائد للكراجكي.
[174] أسد الغابة، ج 2، ص 142، ترجمة خالد بن الوليد.
[175] المصدر نفسه، ج 1، ص 706. الارشاد، الشيخ المفيد، بيروت، دار المفيد 1414 ه - 1993 م، ص 184.
[176] مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، لابن منظور، ج 8، ص 27 - 5.
[177] الكامل في التاريخ، ابن‌الأثير، حوادث سنة 132 ه، ج 5، ص 444.
[178] الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبدالبر القرطبي، ج 1، ص 323.
[179] سنن الترمذي، دارالكتب العلمية 1408 ه - 1987 م، كتاب المناقب (50)، باب مناقب أبي‌ذر رضي الله عنه (36) حديث رقم 3802.
[180] تاريخ الطبري، م. س، ج 4، ص 458. الكامل في التاريخ، م. س، ج 3، ص 206.
[181] مروج الذهب و معادن الجوهر، علي بن الحسين المسعودي، مؤسسة الأعلمي 1411 ه - 1991 م، ج 2، ص 376.
[182] راجع: الغدير في الكتاب و السنة و الأدب، الشيخ عبدالحسني الأميني، مؤسسة الأعلمي، بيروت 1414 ه - 1994 م، ج 6، ص 122.
[183] تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، دار احياء التراث العربي، 1993 - 1413 م، ج 4، ص 283، ترجمة رقم 5648.
[184] تنزيه الأنبياء و الأئمة، الشريف المرتضي، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1412 ه - 1991 م، ص 218.
[185] أعلام النبوة، الشيخ أبوالحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي، دارالكتب العلمية، بيروت، 1406 ه - 1986 م، ص 108.
[186] اللزوميات، أبوالعلاء المعري، دارالكتب العلمية، بيروت 1406 ه - 1986 م، ج 1، ص 227.
[187] قصص الأنبياء المسمي عرائس المجالس، الثعلبي، دارالرائد العربي، بيروت، ص 378.
[188] وقعة صفين، لنصر بن مزاحم المنقري، منشورات مكتبة المرعشي، قم 1404 ه، ص 437.
[189] المصدر نفسه، ص 289.
[190] المصدر نفسه، ص 483.
[191] شرح نهج‌البلاغة، ابن أبي‌الحديد، دارالهدي الوطنية، بيروت، ج 2، ص 184.
[192] البداية و النهاية، ابن‌كثير، دارالكتب العلمية، بيروت، 1415 ه - 1994 م، المجلد الرابع، ج 8، حوادث سنة 61 ه، ص 154.
[193] الخطط المقريزية، تقي‌الدين أحمد بن علي المقريزي، مكتبة مدبولي، 1998 م، ج 3، ص 422.
[194] المقصود هو الوليد بن عقبة. انظر: مختصر تاريخ دمشق، ابن‌منظور، ج 25 و 338 / 26.
[195] المقصود بذلك مروان بن الحكم.
[196] المقصود بذلك أم‌المؤمنين عائشة.
[197] المقصود بذلك معاوية بن أبي‌سفيان.
[198] مقاتل الطالبيين، ص 77.
[199] تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي.
[200] مناقب الامام علي بن أبي‌طالب، الفقيه علي بن محمد الشافعي الشهير بابن المغازلي، دارالأضواء، بيروت 1412 ه - 1992 م، ص 218 ،147 ،140)رقم الأحاديث، 289 ،172 ،156).
[201] فرائد السمطين، ابراهيم بن محمد الجويني الخراساني، تحقيق محمد باقر المحمودي، مؤسسة المحمودي، 1398 ه - 1978 م، ج 1، ص 326.
[202] راجع فضائل الخمسة من الصحاح السنة، ج 2، ص 242.
[203] تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري، الأعلمي، مصر، ج 2، ص 197.
[204] مناقب الامام علي بن أبي‌طالب، لابن المغازلي، ص 126، ح 140.
[205] المصدر نفسه، ص 127، حديث رقم 141.
[206] مدينة المعاجز، ج 1، ص 196 و 202 و 205 و 207 و 210 و 207 و 210 و 217، و ج 4، ص 285.
[207] الصواعق المحرقة في الرد علي أهل البدع و الزندقة، ابن‌حجر الهيتمي المكي، دارالكتب العلمية، بيروت 1414 ه - 1993 م، ص 197)الفصل الرابع).
[208] اسم الكتاب: «المناقب و المثالب» و قد ذكر الخبر بتمامه ابن حجر العسقلاني في «لسان الميزان»، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ج 1، ص 102، ترجمة رقم 300.
[209] المغني في أبواب التوحيد و العدل، الدار المصرية للتأليف و الترجمة، في عشرين جزءا، و كتاب الشافي في الامامة، الشريف المرتضي، في 4 أجزاء، طبع في مؤسسة الصادق، طهران.
[210] صحيح البخاري، كتاب فرض الخمس، طبع دارالفكر، بيروت 1414 ه - 1994 م، باب ما جاء في بيوت أزواج النبي و ما نسب من البيوت اليهن، حديث رقم 3104.
[211] البيت لابن أبي‌الحديد المعتزلي.
[212] ابن أبي‌الحديد في شرح النهج ناسبا له الي الحديث المرفوع، المجلد السابع، ج 13، ص 285.
[213] المستدرك علي الصحيحين، ج 3، ص 34، حديث رقم 4327، و الارشاد، ج 1، ص 103.
[214] الارشاد في معرفة حجج الله علي العباد، الشيخ المفيد، دارالمفيد، 1414 ه - 1993 م، ج 1، ص 105 و 106.
[215] مناقب آل أبي‌طالب، ج 3، ص 226.
[216] أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، دارالتعارف، ج 6، ص 319.
[217] ديوان الشريف الرضي، مؤسسة الأعلمي، ج 2، ص 525، قافية الفاء.
[218] ديوان صفي الدين الحلي، ص 89.
[219] كتاب خصائص أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، الامام أحمد بن شعيب النسائي، دارالكتاب العربي، ط 1407 ،1 ه - 1987 م.
[220] راجع كتاب غزوات أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب، الشيخ جعفر نقدي، ط 1، مؤسسة الأعلمي، 1413 ه - 1992 م.
[221] تاريخ الطبري، ج 2، ص 425. (حوادث السنة الثانية من الهجرة).
[222] الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي، دارالفكر، بيروت، 1414 ه - 1993 م، ج 8، ص 589، (سورة البينة).
[223] المصدر نفسه، ج 8، ص 589.
[224] الصواعق المحرقة، ابن‌حجر الهيتمي المكي، ص 247.
[225] النهاية في غريب الحديث و الأثر، ابن‌الأثير، المكتبة العلمية، بيروت، ج 4، ص 106، باب القاف مع الميم (قمح).
[226] ربيع الأبرار و نصوص الأخبار، محمود بن عمرالزمخشري، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1412 ه - 1992 م، ج 2، ص 159 (الباب الثالث و العشرون).
[227] تنزيه الأنبياء، الشريف المرتضي، مؤسسة الأعلمي، 1412 ه - 1991 م، ص 141.
[228] مسند أحمد، 277 / 1، ح 1466، الدر المنثور 260 / 4، تاريخ بغداد، 52 / 8 رقم 4115، الاستيعاب، 34 / 3.
[229] ديوان الامام علي عليه‌السلام الرواية الصحيحة، جمع السيد محسن الأمين، دارالمرتضي، بيروت، 2000 م، ص 29.
[230] المستدرك علي الصحيحين، ج 3، ص 716، ح رقم 6589.
[231] ديوان أبي فراس الحمداني، ص 131 و فيه بدل (وردهم) (ودهم).
[232] الآية كاملة: (فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحاكم).
[233] للاطلاع علي المزيد من واقعة غدير خم، و ذكر مصادرها، يراجع الغدير، العلامة الشيخ عبدالحسين الأميني النجفي، بأجزائه الأحد عشر، طبع و تحقيق مركز الغدير، 1995، قم، ج الأول، ص 31 (واقعة الغدير).
[234] الغدير، م. س، 50 / 2.
[235] شرح ديوان أبي تمام، ضبطه: شاهين عطية، دارالكتب العلمية، لبنان، ص 151.
[236] ديوان أبي‌فراس الحمداني، دار مكتبة الهلال، 1995 م، ص 131 (قصيدة الدين مخترم).
[237] و قد روي الطبري خبر خروج النبي صلي الله عليه و آله و سلم بين رجلين هما الفضل بن العباس و علي عليه‌السلام، ج 3، ص 189 (حوادث سنة 11 ه).
[238] مستدرك المسائل و مستنبط المسائل، الميرزا حسين النوري، مؤسسة آل البيت لاحياء التراث، 1411 ه - 1991 م، ج 13، ص 400، ح رقم 15721.
[239] الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، السيد علي خان الشيرازي، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403 ه - 1983 م، ص 104.
[240] شرح نهج‌البلاغة لابن أبي‌الحديد، ج 5، ص 16.
[241] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير، المجلد 11، الجزء 19، ص 121، دارالفكر - لبنان، 1988 م. و قد استعاض عن لفظ: «وصيي و خليفتي» بلفظ «كذا و كذا».
[242] تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري، ج 2، ص 320.
[243] دلائل النبوة، أبوبكر أحمد بن الحسين البيهقي، دارالكتب العلمية، بيروت، 1405 ه - 1985 م، ج 2، ص 484، (باب أتباع سراقة بن مالك بن جعشم أثر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم).
[244] أمالي الشيخ الطوسي، أبوجعفر بن محمد بن الحسن الطوسي، مؤسسة الوفاء، بيروت 1401 ه - 1981، ص 280 ح رقم 29443.
[245] كنزالعمال في سنن الأقوال و الأفعال، المتقي الهندي، مؤسسة الرسالة، 1413 ه - 1993 م، ج 10، ص 280 ح رقم 29443.
[246] صحيح مسلم: ج 11، ص 75، كتاب الوصية، باب ترك الوصية، ج 1637 ،20، راجع شرح النويي للحديث.
[247] تاريخ الطبري، ج 3، دارالمعارف بمصر، ط 4، ص 224.
[248] الغدير: ج 4، ص 233، و في البيت الأول: (فيم) بدل (كيف)، و في البيت الثالث، (لا رفع فيه و لا وضع) بدل (لاخفض فيه و لا رفع).
[249] راجع الغدير: ج 6، ص 106 - 101.
[250] نهج‌البلاغة، خطبة رقم 224.
[251] الاحتجاج / الطبرسي، مؤسسة الأعلمي، لبنان 1989، ج 1، ص 75.
[252] مناقب آل أبي‌طالب، ج 3، ص 226.
[253] شرح نهج‌البلاغة، لابن أبي‌الحديد، تحقيق: محمد أبوالفضل ابراهيم، دارالجيل، لبنان - 1987، ج 1، ص 143 و 144.
[254] تاريخ الطبري، دارالمعارف، مصر، الطبعة الرابعة، ج 3، ص 202. شرح نهج البلاغة، ابن أبي‌الحديد، تحقيق: محمد أبوالفضل ابراهيم، دارالجيل، لبنان 1987، المجلد الأول، ج 1، ص 151.
[255] شرح نهج‌البلاغة، لابن أبي‌الحديد، ج 20، ص 221 و 222.
[256] كمال‌الدين و تمام النعمة، الشيخ الصدوق، مؤسسة الأعلمي، لبنان 1991 م، ص 204.
[257] الاعتقاد، الشيخ الصدوق، طبع طهران، 1370 ه، ص 63.
[258] التبيان في تفسير القرآن، الشيخ أبوجعفر محمد بن الحسن الطوسي، مكتب الاعلام الاسلامي، قم 1409 ه، ج 1، ص 3.
[259] مجمع البيان لعلوم القرآن، الشيخ الطبرسي، مطبعة العرفان، صيدا، ج 1، ص 15، و طبعة دار المعرفة، ج 1، ص 83 و 84.
[260] المصدر نفسه، ج 1، ص 15.
[261] آلاء الرحمان في تفسير القرآن، محمد جواد البلاغي، داراحياء التراث العربي، لبنان، د. ت، ص 26.
[262] المصدر نفسه، ص 26.
[263] كشف الغطاء عن خفيات مبهمات الشريعة الغراء، كتاب القرآن، المبحث 8 / 7، ص 298، ط ايران.
[264] آلاء الرحمان في تفسير القرآن، ص 26.
[265] مسند الامام أحمد بن حنبل، 142 / 5، ح 21168.
[266] المصدر نفسه، 158 / 5، ح 21260.
[267] المصدر نفسه، 159 / 5، ح 21261.
[268] صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغي ثالثا، 125 / 7.
[269] مسند الامام أحمد، 159 / 5، ح 21264.
[270] المصدر نفسه، 159 / 5، ح 21265.
[271] صحيح البخاري، 33 / 8، ح 6830.
[272] تاريخ دمشق لابن‌عساكر، 228 / 2.
[273] جامع الأصول من أحاديث الرسول، ابن‌الأثير، داراحياء التراث العربي، 1403 ه - 1983 م، ج 3، ص 33.
[274] كنزالعمال، 594 / 2، ح 4715 و 4816.
[275] الاتقان، 143 / 1، الدر المنثور للسيوطي، 696 / 8.
[276] الاحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبوالحسن الآمدي، طبع بيروت، دارالكتب العلمية، ج 1، ص 138)القسم الأول).
[277] تفسير الطبري، 12 / 5.
[278] صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب (و النهار اذا تجلي) ح 101 / 6 ،4943.
[279] المصدر نفسه، باب (و ما خلق الذكر و الأنثي)، ح 101 / 6 ،4944.
[280] الاحكام في أصول الأحكام، م. س، ج 1، ص 141 ،138.
[281] راجع: جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام، ج 9، ص 296 - 291، نقلا عن مفتاح الكرامة جامع المقاصد، ج 2، ص 254 و 246، مدارك الأحكام، ج 3، ص 338، سعد السعود، ص 145.
[282] النشر في القراءات العشر، ج 1، ص 9، طبعة بيروت.
[283] التبيان في تفسير القرآن، الشيخ أبوجعفر الطوسي، ج 1، ص 7.
[284] مجمع البيان، م. س، ج 1، ص 15.
[285] البرهان في علوم القرآن، الامام بدرالدين الزركشي، دارالكتب العلمية، بيروت، ج 1، ص 396)النوع الثاني و العشرون).
[286] آلاء الرحمان في تفسير القرآن، ج 1، ص 30.
[287] البداية و النهاية: ج 5، ص 239 مع اختلاف يسير.
[288] كتاب مقتل الحسين، أبومختف الأزدي، منشورات مكتبة المرعشي، قم ص 30.
[289] تاريخ الطبري: ج 6، ص 454 - 450 حوادث سنة 176 ه.
[290] ديوان أبي فراس الحمداني، دار و مكتبة الهلال، بيروت، 1995 م، ص 133.
[291] الكشكول للبهائي، الطاهر أحمد الزواي، مفتي الجمهورية العربية الليبية، د. ت، ج 1، ص 226.
[292] وفيات الأعيان لابن خلكان، بيروت: دار صادر، ج 6، ص 153.
[293] المصدر نفسه، ج 6، ص 152 و 153.
[294] يتيمة الدهر في محاسن شعراء أهل العصر، عبدالملك الثعالبي النيسابوري، دارالكتب العلمية، بيروت، 1403 ه - 1983 م، ج 2، ص 394.
[295] شرائع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام، المحقق الحلي، مؤسسة اسماعيليان، قم 1373 ه - ش، ج 4، ص 7)كتاب الفرائض).
[296] صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب (وفاة موسي و ذكره بعد) ح 157 / 4 ،3407. صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب (فضائل موسي عليه‌السلام) ح 104 / 15 ،157، مسند الامام أحمد بن حنبل: مسند أبي‌هريرة، ح 261 / 2 ،7664. تاريخ الطبري: 305 / 1.
[297] شرح نهج‌البلاغة، ابن أبي‌الحديد، ج 4، ص 58. (فصل في ما روي من سب معاوية و حزبه لعلي).
[298] حلية الأولياء، ج 3، ص 207.
[299] التفسير الكبير للامام الفخر الرازي، دار احياء التراث العربي، بيروت 1415 ه - 1995 م، المجلد الثالث، ص 194، سورة آل عمران، الآية: 28.
[300] أصول الكافي، ج 2، ص 223، كتاب الايمان و الكفر - باب التقية، الحديث رقم 16.
[301] التفسير الكبير للامام الفخر الرازي، م. س، المجلد الثالث، ص 194.
[302] المصدر نفسه، المجلد السابع، ص 274)سورة النحل، الآية: 106).
[303] مجمع البيان لعلوم القرآن، الشيخ الطبرسي، ج 6 - 5، ص 598، سورة النحل، الآية: 106.
[304] المستدرك علي الصحيحين، م. س، ج 2، ص 3.9، حديث رقم 3362) كتاب التفسير، تفسير سورة النحل).
[305] أصول الكافي، كتاب الايمان و الكفر - باب التقية، الحديث رقم 10، ج 2، ص 222.
[306] الجامع لأحكام القرآن، الامام القرطبي، ط دارالكتب المصرية، ج 19، ص 39.
[307] الطبقات الكبري، محمد بن سعد بن منيع، دارالكتب العلمية، بيروت، 1411 ه - 1991 م، ج 1، ص 180)ذكر خروج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أبي‌بكر الي المدينة للهجرة).
[308] م. ن، ج 1، ص 181.
[309] تاريخ اليعقوبي، مؤسسة الأعلمي، 1993 م - 1413 ه، ج 2، ص 197 و 198.
[310] ميزان الاعتدال في نقد الرجال، ج 2، ص 100، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، دارالفكر، بيروت، ج 1، ص 414)ترجمة رقم 1519).
[311] و أشار الي صدره ليس في الرواية - المؤلف -.
[312] أصول الكافي، ج 2، ص 221، باب التقية، ح 5.
[313] المصدر نفسه، ج 2، ص 220، باب التقية، ح 2.
[314] المصدر نفسه، باب التقية ح 3.
[315] تفسير الرازي، 446 / 21.
[316] حلية الأولياء، 207 / 3.
[317] الكامل في التاريخ، ابن‌الاثير، 485 / 3.
[318] تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، ج 5، ص 447، ترجمة رقم (7779).
[319] معالم العلماء لابن شهرآشوب، منشورات المطبعة الحيدرية، النجف 1961 م، ص 148 في المجاهرين.
[320] المصدر نفسه، ص 148 في المجاهرين.
[321] المصدر نفسه، ص 149 في المجاهرين.
[322] المصدر نفسه، ص 152 في المتقين.
[323] الكامل في التاريخ، ابن‌الأثير، ج 9، ص 255)حوادث سنة 407 ه).
[324] شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي، دارالكتب العلمية، بيروت، المجلد الرابع، الجزء الثامن، ص 249.
[325] تاريخ بغداد، الحافظ أبوبكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، مكتبة الخانجي - القاهرة، ج 13، ص 373.
[326] الانتصار، السيد الشريف المرتضي، ضمن سلسلة الينابيع الفقهية، كتاب المواريث، ج 22، ص 64.
[327] تكملة حاشية رد المختار، بيروت: دارالفكر، ص 380.
[328] فيض القدير للمناوي: 356 / 4، ط مصر 1356، الرياض النضرة للمحب الطبري،294 / 2، ط الاتحاد المصري، كنزالعمال، 96 / 3 ط دائرة المعارف النظامية حيدرآباد، 1312.
[329] فتح الباري، 105 / 17، ط الحلبي 1378، نور الأبصار للسبلنجي، ط المطبعة الميمنية 1322.
[330] كنز العمال، 179 / 3، ط دائرة المعارف النظامية سنة 1312، فيض القدير، 46 / 3.
[331] الظاهر أن الأخير لا مصدق له - المؤلف -.
[332] تهذيب الأحكام، الشيخ أبوجعفر محمد بن الحسن الطوسي، دارالتعاريف للمطبوعات، 1412 ه - 1992 م، كتاب الفرائض و المواريث، باب في ابطال العول و العصبة، ج 9، ص 215، ح 963. و رواه أيضا بتفاوت، في فروع الكافي، الشيخ الكليني، كتاب المواريث، باب في ابطال العول، ح 3، ومن لا يحضره الفقيه، الشيخ ابن‌بابويه الصدوق، ج 4، ص 130 باب ابطال العول في المواريث، ح 3.
[333] المستدرك علي الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج 4، ص 378، ح 38 / 7985.
[334] راجع: صحيح مسلم بشرح النووي، ج 9، ص 88 و 89، كتاب الحج، ب 74، ج 415.
[335] المسألة أثناء الخطبة ليس فيها حسن أدب، و يظهر أن ذلك كان متعارفا، فقد جاء في نهج‌البلاغة أن رجلا من أهل السواد أعطاه كتابا و هو يخطب فجعل ينظر فيه - المؤلف.
[336] انظر: الفقه الاسلامي و أدلته، الدكتور وهبة الزحيلي، دارالفكر، 1989، ج 8، ص 341. رد المحتار علي الدر المختار، حاشية ابن‌عابدين، ج 5، ص 501، باب العول.
[337] النهاية في غريب الحديث و الأثر، ابن‌الأثير، ج 3، ص 320 مادة (عول).
[338] تهذيب الأحكام، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، ج 9، ص 222، ح 970.
[339] الانتصار، الشريف المرتضي، أبوالقاسم علي بن أبي‌أحمد الحسين الموسوي، ضمن سلسلة الينابيع الفقهية، مؤسسة فقه الشيعة، ج 22، ص 68.
[340] التهذيب، الشيخ الطوسي، ج 9، ص 222، كتاب الفرائض و المواريث، باب في ابطال العول و العصبة، ص 21، ح 970.
[341] سلسلة الينابيع الفقهية، كتاب المواريث، الانتصار، ج 22، ص 79.
[342] تكملة حاشية رد المحتار لابن عابدين، ج 1، ص 374.
[343] المصدر نفسه.
[344] اللزوميات، لأبي العلاء المعري، دارالكتب العلمية، 1986، ج 1، ص 375.
[345] مجمع البحرين، الشيخ فخرالدين الطريحي، دار و مكتبة الهلال، 1989، بيروت، ج 3، ص 248.
[346] كشف الظنون عن أسامي الكتب و الفنون، حاجي خليفة، دار احياء التراث العربي، ج 1، ص 591.
[347] الغدير: ج 2، ص 336 و البيت لأبي تمام.
[348] صحيح مسلم بشرح النووي: ج 8، ص 168، ب 23، جواز التمتع، ح 167.
[349] راجع: تاريخ الطبري، ج 5، ص 486 و الكامل في التاريخ، ج 5، ص 232 حوادث سنة 121 ه.
[350] سلسلة الينابيع الفقهية، كتاب المواريث، 60 / 22.
[351] تهذيب الأحكام للطوسي، كتاب الفرائض و المواريث باب في ابطال العول و العصبة، 225 / 9.
[352] المصدر نفسه، كتاب الفرائض و المواريث، باب ابطال القول و العصبة، ج 9، ص 228.
[353] المصدر نفسه، (كتاب) الفرائض و المواريث باب في ابطال العول و العصبة، 224 / 9.
[354] أصول الكافي للكليني، ج 1، ص 293 ب 94، ح 9.
[355] المستدرك للحاكم: كتاب (معرفة الصحابة) باب (مناقب العباس بن عبدالمطلب)، 366 / 3 ح 5409، الطبقات الكبري، ترجمة العباس بن عبدالمطلب، 9 / 4.
[356] راجع: الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 2، ص 91.
[357] الجامع الصحيح سنن الترمذي، ج 3، ص 430، ب 28، حديث 1122.
[358] صحيح البخاري: ك (النكاح) ب (157 / 6)32، ح 5116، ح 5117، ح 5118. صحيح مسلم: ك (النكاح) ب (نكاح المتعة) ح 11، ح 157 - 153/9 ،17. مسند أحمد بن حنبل، 398 / 3، ح 14492. سنن النسائي: ك (النكاح) ب (تحريم المتعة)، 125 / 6. سنن الترمذي ك (النكاح) ب (28) ح 1121 و 430 / 3 ، 1122.
[359] سنن الترمذي: ك (النكاح) ب (28) ح 420 / 3 ،1122.
[360] مسند أحمد بن حنبل، 398 / 3، ح 14492. راجع: لا تضيعوا السنة، مصطفي خميس، دار الغدير، 1998، ص 345.
[361] التفسير الكبير للرازي، 41 / 4.
[362] صحيح مسلم بشرح النووي: ك (النكاح) ب (نكاح المتعة)، 153/9 انظر متن الشرح للنووي.
[363] صحيح مسلم بشرح النووي: ك (النكاح) ب (نكاح المتعة)، 155 /9 انظر متن الشرح للنووي.
[364] الوشيعة.
[365] مجمع البيان لأبي علي الطبرسي، دارالمعرفة، لبنان 1986، ج 1، ص 227.
[366] المهارج / 30، كذلك في سورة المؤمنون، الآية: 6.
[367] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، المجلد: (4)، ج (5)، ص 12. دارالفكر - لبنان، 1988 م.
[368] التفسير الكبير للامام الفخر الرازي، دار احياء التراث العربي، لبنان، 1995، المجلد الرابع، الجزء العاشر، ص 40.
[369] تفسير الثعالبي، جواهر الحسان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي، ج 1، ص 363.
[370] جامع البيان عن تأويل القرآن، الطبري، دارالفكر، بيروت، 1988، المجلد الرابع، ج 5، ص 12.
[371] كأنه أبونصيرة المتقدم في سند الروايات الأخر و صحف أحدهما بالآخر - المؤلف.
[372] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، دارالفكر، لبنان، 1988، المجد 4 و 5، ص 12 و 13.
[373] الدر المنثور في التفسير المأثور، السيوطي، دارالفكر، 1993، المجلد الثاني، الجزء الخامس، ص 485 - 483.
[374] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، دارالفكر، لبنان، 1988، المجلد الرابع و الخامس، ص 12 و 13.
[375] معجم لآلي الشعر، ص 379، نقلا عن شرح ديوان المتنبي للبرقوقي، ج 4، ص 346.
[376] مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي، ج 3، ص 55.
[377] التفسير الكبير للامام الفخر الرازي، دار احياء التراث العربي، لبنان، 1995، المجلد الرابع، الجزء العاشر، ص 44.
[378] الغدير في الكتاب و السنة والأدب، الشيخ عبدالحسين أحمد الأميني النجفي، ج 1، ص 35، مركز الغدير للدراسات الاسلامية - قم 1995 م.
[379] املاء ما من به الرحمن، لأبي البقاء العكبري، دارالكتب العلمية، لبنان 1979، ج 1، ص 175.
[380] مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي، المجلد الثاني، الجزء الثالث، ص 53، دارالمعرفة، لبنان، 1986.
[381] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، دارالفكر، لبنان، 1988 م، المجلد الرابع، الجزء الخامس، ص 14.
[382] تا مصدر نفسه.
[383] التفسير الكبير للامام الفخر الرازي، دار احياء التراث العربي، لبنان، 19 م، المجلد الرابع، الجزء العاشر، ص 43.
[384] كتاب الناسخ و المنسوخ، هبة الله بن سلامة المفسر، ص 33.
[385] المصدر نفسه.
[386] صحيح البخاري، المجلد الثالث، الجزء الخامس، ص 157، كتاب رقم (67)، كتاب النكاح، باب رقم (32)، الحديث رقم (5118 ،5117) دارالفكر لبنان، 1994 م.
[387] صحيح مسلم بشرح النووي، دارالكتب العلمية - لبنان، 1995، الجزء التاسع، ص 156، كتاب رقم (16) كتاب النكاح، باب رقم (3)، حديث رقم (1405) ،(13).
[388] المصدر نفسه، حديث رقم (14).
[389] صحيح البخاري، دارالفكر - لبنان، 1994، المجلد الثالث، الجزء السادس، ص 145. كتاب رقم (67) كتاب النكاح، باب رقم (8)، حديث رقم (5075).
[390] المصدر نفسه، الجزء الخامس، ص 224، كتاب رقم (65)، كتاب تفسير القرآن، باب رقم (9)، حديث رقم (4615).
[391] ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري، شهاب‌الدين أحمد بن محمد القسطلاني، الطبعة السادسة، المطبعة الأميرية ببولاق مصر، 1305 ه، ج 7، ص 107.
[392] صحيح مسلم، الجزء التاسع، ص 153. كتاب رقم (16)، كتاب النكاح، باب (3)، حديث رقم (1404) ،(11).
[393] المصدر نفسه.
[394] المصدر نفسه، ص 156، كتاب رقم (16)، كتاب النكاح، باب (3)، حديث رقم (12).
[395] المصدر نفسه، ص 156. راجع الهامش، قوله: (ثم قرأ عبدالله: (يا أيهاالذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم)).
[396] التفسير الكبير للامام الفخر الرازي، داراحياء التراث العربي، لبنان، 1995. المجلد الرابع، الجزء العاشر، ص 41.
[397] صحيح مسلم بشرح النووي، دارالكتب العلمية - لبنان، 1995، الجزء التاسع، ص 153، الهامش.
[398] المصدر نفسه، ص 156. كتاب رقم (16)، كتاب النكاح، باب (3)، حديث رقم (15).
[399] المصدر نفسه، ص 157. كتاب رقم (16)، كتاب النكاح، باب (3)، حديث رقم (16).
[400] المصدر نفسه.
[401] مسند الامام أحمد بن حنبل، دارالكتب العلمية - لبنان، 1993.الجزء الثاني، ص 129، حديث رقم (5696)، مسند عبدالله بن عمر.
[402] المصدر نفسه، الجزء الرابع، ص 532، الحديث رقم (19930) مسند البصريين.
[403] التفسير الكبير للامام الفخر الرازي، دارالكتب العلمية - لبنان، 1995، المجلد الرابع، الجزء العاشر، ص 41. أما عمران بن الحصين فانه قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالي و لم ينزل بعدها آية تنسخها، و أمرنا بها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و تمتعنا بها، و مات و لم ينهنا عنه، ثم قال رجل برأيه ما شاء.
[404] مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي، الجزء الثالث، ص 52.
[405] الخصال، للشيخ الصدوق، ج 1، ص 298 و 299، باب الخمسة، ح 70.
[406] المصدر نفسه، ج 1، ص 165، باب الثلاثة، ح 217 و 218.
[407] صحيح مسلم بشرح النووي، الجزء التاسع، ص 157. كتاب رقم (16): كتاب النكاح، باب (3)، حديث رقم (18).
[408] المصدر نفسه، ص 158. كتاب رقم (16)، كتاب النكاح، باب (3)، حديث رقم (20).
[409] المصدر نفسه، ص 160. كتاب رقم (16)، كتاب النكاح، باب (3)، حديث رقم (23).
[410] صحيح مسلم بشرح النووي، الجزء التاسع، ص 160. كتاب رقم (16)، كتاب النكاح، باب (3)، حديث رقم (25).
[411] المصدر نفسه، ص 160، كتاب رقم (16)، كتاب النكاح، باب (3)، حديث رقم (26).
[412] المصدر نفسه، ص 160. كتاب رقم (16)، كتاب النكاح، باب (3)، حديث رقم (22).
[413] المصدر نفسه، ص 161،. كتاب رقم (16)، كتاب النكاح، باب (3)، حديث رقم (28).
[414] المصدر نفسه، ص 158، كتاب رقم (16)، كتاب النكاح، باب (3)، حديث رقم (1406) (19).
[415] المصدر نفسه، ص 161. كتاب رقم (16)، كتاب النكاح، باب (3)، حديث رقم (27).
[416] المصدر نفسه، ص 159. كتاب رقم (16)، كتاب النكاح، باب (3)، حديث رقم (21).
[417] المصدر نفسه، ص 160، كتاب رقم (16)، كتاب النكاح، باب (3)، حديث رقم (24).
[418] مسند الامام أحمد بن حنبل، ج 3، ص 496، حديث رقم (15352).
[419] المصدر نفسه: ج 3، ص 495، حديث رقم (15343).
[420] مسند الامام أحمد بن حنبل، حديث رقم (15344).
[421] المصدر نفسه، حديث رقم (15351).
[422] المصدر نفسه، ج 3، ص 496، حديث رقم (15356).
[423] مسند الامام أحمد بن حنبل، حديث رقم (15353).
[424] المصدر نفسه، حديث رقم (15355).
[425] مسند الامام أحمد بن حنبل، حديث رقم (15357).
[426] هكذا في النسخة، و لعل في العبارة سقطا - المؤلف.
[427] سنن الحافظ ابن‌ماجه القزويني، دارالكتب العلمية - لبنان، ج 1، ص 631. كتاب رقم (9) النكاح، باب رقم (44)، حديث رقم (1962).
[428] تبعنا لفظه في هذه الجملة مع عدم ظهور صحتها عربية - المؤلف.
[429] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، المجلد الرابع، ج 5، ص 13.
[430] الدر المنثور في التفسير المأثور، السيوطي، دارالفكر - لبنان، 1993، المجلد الثاني، ج 5، ص 486.
[431] المصدر نفسه، ص 487.
[432] النهاية في غريب الحديث و الأثر، ابن‌الأثير، المكتبة العلمية - بيروت لبنان، ج 2، ص 488 / مادة (شفا).
[433] لسان العرب، ج 8، مادة (متع)، ص 330.
[434] الدر المنثور في التفسير المأثور، المجلد الثاني، ج 5، ص 486، أخرج النحاس عن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام أنه قال لابن‌عباس: انك....
[435] الجامع الصحيح و هو سنن الترمذي، بتحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، دارالكتب العلمية: لبنان، ج 3، ص 185. كتاب الحج: رقم (7)، باب رقم (12)، حديث رقم (824). (باب ما جاء في التمتع).
[436] التفسير الكبير للامام الفخر الرازي، المجلد الرابع، ج 10، ص 41.
[437] مسند أحمد بن حنبل، ج 3، ص 398، ح 14493.
[438] الشافي الامامة، الشريف المرتضي، الجزء الرابع، ص 198، مؤسسة الصادق، طهران - ايران، 1987، تحقيق السيد عبدالزهراء الحسيني الخطيب.
[439] نهج الحق و كشف الصدق، العلامة الحلي، دارالهجرة، قم، 1414 ه، ص 283.
[440] زاد المعاد لابن القيم، 244 / 1، تفسير القرطبي، 167/2، تفسير الرازي، 201 / 3 و 202.
[441] الشافي في الامامة، الشريف المرتضي، م. س. 198/4.
[442] المصدر نفسه، ج 4، ص 199.
[443] الدر المنثور، م 2، ج 5، ص 487.
[444] الكشاف للزمخشري، 498 / 1.
[445] النهاية في غريب الحديث و الأثر لابن الأثير الجزري، 489 - 488 / 2.
[446] صحيح مسلم بشرح النووي: ك (النكاح) ب (نكاح المتعة(161 - 159 / 9 ،27.
[447] تفسير الفخر الرازي، م 4، ج 10، ص 41.
[448] يريد به طلحة لأنه تيمي و أم ابن‌الزبير تيمية.
[449] لأن ابن‌الزبير قال لابن عباس في ما قال أنه أخذ مال البصرة و ترك المسلمين بها يرتضخون النوي.
[450] شرح النهج لابن أبي‌الحديد، 131 - 129 / 20.
[451] ابن عبد ربه، العقد الفريد، 162 / 5.
[452] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، الامام الزمخشري، دارالكتاب العربي، 1407 ه - 1987 م، ج 3، ص 177)سورة المؤمنون).
[453] القاموس المحيط، الامام الفيروزآبادي الشافعي، دارالكتب العلمية، 1415 ه - 1995 م، ج 1، ص 349. مادة (النكاح).
[454] تذكرة الحفاظ، الذهبي، مؤسسة التاريخ العربي، داراحياء التراث العربي، لبنان، المجلد الأول، ج 1، ص 169، (الطبعة الخامسة من الكتاب).
[455] المعارف، ابن‌قتيبة عبدالله بن مسلم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1992، ص 488.
[456] راجع: تهذيب الأحكام، الطوسي، الجزء السابع، ص 225، حديث رقم (1081)، و كذلك: ص 224، حديث رقم (1079).
[457] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج 7، ص 225، ح 1081.
[458] الكافي، الفروع، للكليني، دارالتعارف للمطبوعات، لبنان، 1993، مجلد 5، ج 3، (أبواب المتعة) باب 285، ح 8.
[459] الجامع الصحيح سنن الترمذي، ج 3، ص 185، كتاب الحج: رقم (7). باب رقم (12)، حديث رقم (824).
[460] مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي، انتشارات ناصر خسرو، ايران، المجلد الخامس، ج 9 و 10، ص 474.
[461] مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 10، ص 471 و 472.
[462].
[463] ديوان المتنبي، شرح علي العسيلي، مؤسسة الأعلمي، 1417 ه - 1997 م، ص 323.
[464] مجمع الزوائد و منبع الفوائد، الحافظ نور الدين الهيثمي، دارالكتاب العربي، ج 8، ص 84)باب لا فضل لأحد علي أحد الا بالتقوي).
[465] ترجمة الزمخشري المطبوعة بالجزء الأخير من الكشاف، دارالكتاب العربي، 1407 ه - 1987 م.
[466] تاريخ بغداد، 373 / 13.
[467] أروع ما قيل في مديح الرسول، اميل ناصيف، دارالجيل، لبنان 1990، ص 45.
[468] الظاهر أنه مؤمن الطاق، النعمان الأصول كما في الكافي، الفروع مجلد 5، ج 3، ص ب 285.
[469] صحيح البخاري: كتاب صلاة التراويح، ح 308 / 2 ،2010، ارشاد الساري، 4 / 5.
[470] صحيح مسلم: ك (النكاح) ب (نكاح المتعة) ح 157 / 9 ،16.
[471] المصدر نفسه: ك (الطلاق) ب (طلاق الثلاث) ح 60 / 10 ،1472.
[472] كنز العرفان، 158 / 2.
[473] صحيح البخاري: ك (المرضي) ب (قول المريض: قوموا عني)، ح 11/7 ،5669. طبقات ابن‌سعد، 188 / 2.
[474] طبقات ابن‌سعد، 187 / 2.
[475] تاريخ الطبري، مؤسسة الأعلمي، لبنان. د. ت، ج 2، ص 436، حوادث سنة 10 ه.
[476] طبقات ابن‌سعد، 187 / 2.
[477] المصدر نفسه، 188 / 2.
[478] تاريخ الأمم و الملوك، للطبري، مؤسسة الأعلمي، لبنان د. ت ج 2، ص 436 حوادث سنة 10 ه.
[479] مجمع البيان، م.س.، 45 / 5 و 46.
[480] تفسير الرازي، م 6، ج 16، ص 45.
[481] راجع: جواهر الكلام، ج 7، ص 98 و 99.
[482] فروع الكافي: ك (الحج)، ب (حج النبي صلي الله عليه و آله و سلم)، 244 / 4.
[483] طبقات ابن‌سعد، 131 / 2.
[484] السيرة الحلبية: 256 / 3.
[485] فروع الكافي: ك (الحج) ب (حج النبي صلي الله عليه و آله و سلم)، 244 / 4، ح 2.
[486] المصدر نفسه، 244 / 4، ح 3.
[487] السرائر لابن ادريس، ج 3، ص 573.
[488] طبقات ابن‌سعد، 145 / 2.
[489] المصدر نفسه، 173 - 168 / 1.
[490] السيرة النبوية و الآثار المحمدية، السيد أحمد زيني دحلان، دار احياء التراث العربي، بيروت، ج 3، ص 3)بهامش السيرة الحلبية).
[491] السيرة الحلبية، برهان‌الدين الشافعي، داراحياء التراث العربي، ج 3، ص 257.
[492] مصباح المتهجد للشيخ الطوسي، ص 672.
[493] مجمع البيان للطبرسي، ج 5، ص 5 و 6.
[494] تفسير الرازي، م 5، ج 15، ص 524.
[495] تفسير الكشاف، ج 2، ص 269.
[496] شرح نهج‌البلاغة، ابن أبي‌الحديد، ج 12، ص 178.
[497] كنز العمال، ج 13، ص 677.
[498] شرح نهج‌البلاغة، ابن أبي‌الحديد، ج 4، ص 65.
[499] أعيان الشيعة، ج 1، ص 97 - 90.
[500] شرح نهج‌البلاغة، لابن أبي‌الحديد، ج 1، ص 16 و مع اختلاف يسير.
[501] المصدر نفسه: ج 4، ص 63.
[502] روضات الجنات، محمد باقر الخوانساري، الدار الاسلامية، لبنان 1991، ج 1، ص 15.
[503] الامام الصادق و المذاهب الأربعة، أسد حيدر، مكتبة الصدر، طهران، 1413 ه، ج 1، ص 55.
[504] روضات الجنات، ج 1، ص 218 ترجمة رقم 58.
[505] الارشاد، الشيخ المفيد، ص 187.
[506] ديوان أبي‌طالب، جمع الدكتور محمد التونجي، دارالكتاب العربي، 1414 ه، 1994 م، ص 22.
[507] المصدر نفسه، ص 91.
[508] ديوان أبي‌طالب، جمع أبي‌هفان المهزمي، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي، مجمع احياء الثقافة الاسلامية، قم، ص 34.
[509] مجمع البيان، ج 3، ص 256.
[510] تفسير الكشاف للزمخشري، ج 1، ص 611.
[511] المستدرك علي الصحيحين، للحاكم النيسابوري. دارالكتب العلمية، لبنان 1990، ج 3، ص 124، ح 193 / 4595.
[512] شرح صحيح البخاري للقسطلاني، 57 / 8، الكشاف، 357 / 1، تفسير ابن‌كثير، 467 / 1، تفسير القرطبي، 99 / 5.
[513] الرياض النضرة، 142 / 3، الاستيعاب لابن عبدالبر، 39 / 3، التفسير الكبير للرازي، 15 / 28.
[514] طبقات ابن‌سعد، 339/2، الاصابة، 509/ 2، أسد الغابة، 100 / 4 رقم3783.
[515] المستدرك علي الصحيحين، 628 / 1 ح 1682، الصواعق المحرقة، ص 179، فيض القدير، 357 / 4.
[516] الارشاد للشيخ المفيد، 8 / 2، بحارالأنوار، تاريخ الامام الحسن ب(17)، ح 362 / 43 ،4.
[517] مختصر تاريخ دمشق، 78 / 23، المناقب لابن شهرآشوب، 196 / 4، مناقب آل أبي‌طالب، 197 / 4.
[518] مسند الامام أحمد بن حنبل، 517 / 3 ح 15494، مستدرك الحاكم: ك (العلم) ح 170 / 1 ،318.
[519] السنن الكبري، للبيهقي، ج 6، ص 160، ح 1153 مع اختلاف يسير.
[520] وسائل الشيعة: ك (الوديعة) ب (وجوب أداء الأمانة الي البر و الفاجر، ح 13)نقلا عن أمالي الصدوق).
[521] تفسير الكشاف للزمخشري، ترجمة المصنف ح.
[522] شرائع الاسلام للمحقق الحلي، ك (النكاح) القسم الثالث (نكاح الأماء)، 257 / 2.
[523] المصدر نفسه، 259 / 2.
[524] المصدر نفسه، ك (الطلاق) بحث العدد، 30 / 3.
[525] المصدر نفسه، 31 / 3.
[526] جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام، 284 / 30.
[527] فروع الكافي للكليني: ك (النكاح)، ب (303)، ح 488 / 5 - 2، التهذيب للطوسي: ك (النكاح)، ب (30) ح 311 /7 ،48.
[528] مسند أحمد، 355/ 5، ح 18011، سنن ابن‌ماجة، 63 / 1 ح 116، الرياض النضرة، 114 / 3.
[529] سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد، الفصول المختارة، الشيخ المفيد، دارالمفيد، لبنان 1953، ج 2، ص 94.
[530] صحيح مسلم: ك (فضائل الصحابة)، ب (فضائل علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام)، 22 / 5، ح 2408. مسند أحمد، 492 /5، ح 18780، سنن الترمذي، 622 / 5، ح 3788.
[531] المستدرك علي الصحيحين، 160 / 3 ح 4711، ح 4720، مجمع الزوائد، 163 / 9، المرقاة في شرح المشكاة، 552 / 10، ح 6183.
[532] مجمع الزوائد، ج 9، ص 168، و فيه: غفر له بدلا عن آمنا.
[533] المستدرك علي الصحيحين، 373 / 2، ح 3312، و فيه: غرق بدلا من هوي، و المعجم الكبير للطبراني، 27 / 12، ح 12388.
[534] تفسير الطبري، مجلد 6، ج 10 ص 2.
[535] المصدر نفسه، ص 3 و 4.
[536] المصدر نفسه، ص 6.
[537] الدر المنثور للسيوطي، المجلد 4، ج 10، ص 68.
[538] المصدر نفسه، ص 68.
[539] المصدر نفسه، ص 69.
[540] المصدر نفسه، ص 71.
[541] المصدر نفسه، ص 71.
[542] التفسير الكبير للرازي، م 10، ج 29، ص 507.
[543] بحارالأنوار، للمجلسي، داراحياء التراث العربي، لبنان 1983، ج 43، ص 85، باب 4، ح 8، و صحيح البخاري المجلد 2، ج 4، ص 58 و 59، كتاب الخمس، ب 6، ح 3113.
[544] تفسير الرازي: مجلد 10، ح 29، ص 507.
[545] تفسير الطبري، م 6، ج 10، ص 6 - 4.
[546] المصدر نفسه.
[547] المصدر نفسه.
[548] المصدر نفسه.
[549] المصدر نفسه.
[550] المصدر نفسه.
[551] المصدر نفسه.
[552] المصدر نفسه، ص 5.
[553] المصدر نفسه.
[554] المصدر نفسه، ص 16.
[555] الدر المنثور للسيوطي، م 4، ج 10، ص 65.
[556] تفسير الطبري، م 6، ج 10، ص 6.
[557] تفسير الطبري، م 6، ج 10، ص 6.
[558] الدر المنثور للسيوطي، م 4، ج 10، ص 68 و 69.
[559] تفسير الطبري، مجلد 6، ج 10، ص 8.
[560] المصدر نفسه.
[561] المصدر نفسه.
[562] المصدر نفسه.
[563] المصدر نفسه.
[564] الدر المنثور، مجلد 4، ج 10، ص 68.
[565] المصدر نفسه، ص 69.
[566] المصدر نفسه.
[567] المصدر نفسه.
[568] اتحاف السادة المتقين للزبيدي، 218 / 8، تذكرة الموضوعات للتفني، 178 ،87، الأسرار المرفوعة لعلي القاري، ص 255.
[569] مجمع البيان للطبرسي، ج 9، ص 391.
[570] تفسير الطبري، 20 / 14، أسباب النزول للواحدي، ص 276، سنن الترمذي، 379 / 5، ح 3300.
[571] الدر المنثور للسيوطي، 165 / 8، تفسير الرازي، م 10، ج 30، ص 545.
[572] الشافي في الامامة للشريف المرتضي 90 / 4.
[573] نهج‌البلاغة، كتاب 45.
[574] صحيح البخاري، ك (فرض الخمس)، ب (فرض الخمس، ح 52 / 4 ،3093، ك (المغازي) ب (غزوة خيبر)، ح 97 / 5 ،4240.
[575] شرح النهج لابن أبي‌الحديد، 216 / 16 و 217.
[576] بحارالأنوار، ج 49، ص 260، ب 17، ح 15.
[577] صحيح البخاري، مجلد 3، ج 5، ص 97 كتاب المغازي، ح 4240 و 4241.
[578] مأساة الزهراء، السيد جعفر مرتضي العاملي، دارالسيرة، لبنان، 1997، ج 72 ص 76 نقلا عن المغني.
[579] الشافي في الامامة، للشريف المرتضي، ج 4، ص 68 و 69.
[580] شرح نهج‌البلاغة، لابن أبي‌الحديد: ج 16، ص 210.
[581] المصدر نفسه، ص 211.
[582] شرح نهج‌البلاغة، لابن أبي‌الحديد، ص 214.
[583] المصدر نفسه، ص 233.
[584] المصدر نفسه، ص 232.
[585] تاريخ الطبري، ج 2، ص 164، حوادث سنة 2 هجرية.
[586] شرح النهج، ج 16، ص 286 - 210.
[587] شرح النهج، ج 16، ص 210.
[588] صحيح مسلم، بشرح النووي، ج 8، ص 168، ب 23، جواز التمتع ح 167.
[589] مسند أحمد بن حنبل، ج 3، ص 332، مسند أنس بن مالك، ح 13876.
[590] الغدير، للأميني، ج 5، ص 44 و 8 ص 84 فراجع.
[591] تهذيب التهذيب، ج 4، ص 300.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.