نظره عابره الي الصحاح السته

اشارة

سرشناسه : شاكر، عبدالصمد

عنوان و نام پديدآور : نظره عابره الي الصحاح السته/ تاليف عبدالصمد شاكر

مشخصات نشر : ]1376.

مشخصات ظاهري : ص 526

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : عربي

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس

موضوع : احاديث اهل سنت -- نقد و تفسير

رده بندي كنگره : BP109/ش 2ن 6 1376

رده بندي ديويي : 297/28

شماره كتابشناسي ملي : م 78-6163

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المقدمة

الحمد لله ربِّ العالمين، مدبّر المخلوقين، مرشد المكلّفين، هادي المتقين، والصلاة والسلام علي البشير النذير والسراج المنير محمّد خاتم النبيين وآله وصحبه الصالحين. وبعد، الشريعة الاسلامية تقوم علي ركنين اصليين لا يمكن الاكتفاء باحدهما دون الآخر، وهما: كتاب الله، وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (1) . لا خلاف في كتاب الله تعالي، فانّه وصل إلي المسلمين بالتواتر، بل فوقه وبالضرورة، بل لا اشكال في حفظه من الزيادة والنقيصة، وما ورد في بعض روايات أهل المذاهب من نقص بعض الآيات لم يعتن بها العلماء

ص: 5


1- 1. سورة الحشر 59: 7.

- سوي الشاذ منهم - وأوّلوها، فكأنّ تلك الروايات عندهم مطروحة مردودة تحكيماً لقوله تعالي: (وإنّا له لحافظون) (1) .

الاختلاف في السنة

نعم، وقع للعلماء اختلاف في فهم المراد من جملة من الآيات الكريمة منه، وهذا الاختلاف أمر عادي ومغفور لهم شرعاً ما لم يستند إلي عناد وتقليد اعمي، بل للمخطيء أجر، وان كان للمصيب أجران علي ما نطق به الحديث النبوي. وأمّا السنة، فبعضها ثبت بالتواتر وواضح الدلالة، فهذا ممّا لا خلاف في لزوم قبوله بين المسلمين. واكثرها ثبت بطريق الآحاد وبغير التواتر، فاختلف فيه المسلمون من جهتين: 1 - من جهة الثبوت والسند، فيري فرد أو أهل مذهب صحّة الرواية عن النبي الاكرم صلي الله عليه وسلم فيعتمدوا عليها، ويري الآخرون ضعفها - لجهالة الراوي أو ثبوت كذبه، أو معارضتها بغيرها أو بأقوي منها - فيهملوها أو يردّوها أو يرجحّوا غيرها عليها. وهذا الاختلاف - كما تري - صغروي وفي تشخيص السنّة وتعيينها، وأمّا الكبري وهي قبول قول النبي صلي الله عليه وسلم وسنّته، فممّا تسالم عليه المسلمون بجميع مذاهبهم بلا شائبة تردد. 2 - من جهة تعيين المراد والاستظهار من متون الاَحاديث في غير النصوص منها. والمؤلف الفقير قضي برهة من وقته في مطالعة كتب الاَحاديث

ص: 6


1- 2. سورة الحجر 15: 9. وأمّا ما تري في كتب المجادلين من نسبة النقيصة إلي الشيعة أو إلي أهل السنة، فهو من هوي النفس والغرور والجهل أو اثر العناد والريال والدولار واغواء الاستعمار سود الله وجوههم.

الواردة من طرق أهل السنّة والشيعة وتحقيقها والتعمّق فيها، وفي مذاهب العلماء في ما اشترطوا في قبول الاَحاديث وعدمه، وفي ما يخصّ هذه الكتب عند أهلها بحسب الواقع من غير نزعة وعصبية، فأراد أن يبيّن للمحقّقين والمنصفين من أهل السنّة والشيعة نتائج بحثه وثمرات فحصه،

التقليد والعصبية

غير مبال بغيظ المتعصبّين والمقلدين من المنتحلين إلي أهل العلم، فان الحق أحق ان يتبع، والله يهدي من يشاء إلي الصراط المستقيم. واعلم اني ألّفت كتابين، أحدهما: في الروايات الواردة من طرق الشيعة، وثانيهما: في الروايات الواردة من طرق أهل السنة، وهو هذا الكتاب الماثل بين يديك أيّها القارئ الكريم، وهو أقلّ من الكتاب الاَول، اسأل الله تبارك وتعالي التوفيق لاتمامه واصابة الحق ثم التوفيق لطبعه وجعله مفيداً لطلاب الحق وروّاد العلم. وينبغي ذكر أُمور قبل الشروع في مقاصد الكتاب: (الاَمر الاَول): ايّاك وسوء الظن بالعلماء، فانّ الله تعالي أمر الناس باجتناب الكثير من الظن وهو ظن السوء بالمؤمنين كلّهم، فكيف بقادتهم وعلمائهم وأهل فضلهم الذين اكرمهم الله تعالي في كتابه بقوله: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (1) . وايّاك وسرعة الاسترسال علي كلّ الرواة واهل العلم والمؤلّفين، والاعتماد المطلق في كلّ ما يقولون وينقلون في دينك، فان سرعة الاسترسال لا تستقال، والتقليد الاَعمي وترك التحقيق واهمال البحث والنظر ونسيان حكم العقل بمجرد اتباع الآباء وصلاح السلف ممّا لا يقبله ديننا

ص: 7


1- 3. الزمر 39: 9.

وكتابنا السماوي، والسلف لا عصمة لهم، فمنهم متعمّق مصيب، ومنهم معتد مريب، ومنهم معتدل غير رقيب وحسيب: (فبشر عَبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اُولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أُولوا الالباب) (1) فكن ممّن هداه الله، ومن اُولي الاَلباب، ولا تكن من الذين قالوا: (إنّا وجدنا آباءنا علي أُمة وإنّا علي آثارهم مقتدون) (2) فتكون علي آثارهم بغير حجة وبرهان مقتدياً، فتدخل في قوله تعالي: (ويجعل الرجس علي الذين لا يعقلون) (3) . (الامر الثاني): للعصبية عوامل تنتهي كلّها إلي الجهل، واقبح منها اثارة التعصّب بين المسلمين والقاء العداوة والبغضاء والتنازع - بل التقاتل - بأيد مأجورة بدعم من جهات كما تعارف اليوم، وهو من اظهر مصاديق الافساد في الارض وتخريب الدين. فايّاك والاقتراب من هؤلاء الكتّاب الاَُجراء الاشقياء، وايّاك والتعصّب، بان تري الحق كلّه في مذهبك والباطل كلّه في سائر المذاهب، وإذا وفّقك الله ان تحتمل بعض الحق في سائر المذاهب الاسلامية وبعض الباطل في مذهبك فقد نلت الخير، وانّي بعد مطالعة كتب الشيعة اقتنعت واعتقدت أُموراً: أوّلها: بطلان كثير من المقولات الواردة في كتب أهل السنة في حقّهم، وانّها كذب وافتراء نعوذ بالله منه. ثانيها: امكان التعايش السلمي والاخاء الاسلامي بين الشيعة وأهل

ص: 8


1- 4. الزمر 39: 17، 18.
2- 5. الزخرف 43: 23.
3- 6. يونس 10: 100.

السنّة من دون الغاء شيء من اصولنا الاعتقادية كما يصر عليه جماعة من المحققين من الطرفين، خلافاً لجمع من اغبياء منهما، هذا إذا اغلقنا الطريق امام وسوسة المتعصبين وافساد الماجورين، وسلكنا سبيل العقل والدين. ثالثها: وجود مشتركات كثيرة في فروع العقائد واصول الفرعيات الفقهية والاخلاق والتاريخ وغير ذلك ومن اهتم بتدوين هذه المشتركات في مؤلف كبير فقد خدم الاسلام والمسلمين احسن خدمة. رابعها: انّ الشيعة ربّما يعملون ببعض روايات أهل السنة في المسائل الفرعية - إذا لم يوجد عندهم نصّ عليها - كحديث: «علي اليد ما اخذت حتّي تؤديه»، وحديث: «إذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم» وغير ذلك، يظهر ذلك للمراجع في كتبهم الفقهية الاستدلالية بكثرة. بل استقر رأيهم في الاَزمنة الاَخيرة في علم الرجال علي قبول روايات أهل السنة وغير الشيعة من الفرق الاسلامية، وقد ثبتت وثاقتهم لديهم، وهذا هو رأي الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي صاحب المؤلفات الكثيرة في الكلام والتفسير والحديث والرجال والفقه، ويسمّونه بشيخ الطائفة، وهو أعظم عندهم من الاِمام أبي حنيفة عند الاحناف، فتري المحققين منهم لا يعملون برواية رجالها كلّهم من الشيعة بدعوي ضعف بعضهم أو جهالة وثاقته، ولكن يعملون برواية فيها بعض رجال أهل السنة بدعوي ثبوت وثاقته عندهم، وهذا من كمال انصافهم وانقيادهم للحق وبعدهم عن العناد والعصبية. يقول الطوسي المشار إليه: واما إذا كان (الراوي) مخالفاً في الاعتقاد لاَصل المذهب وروي مع ذلك عن الاَئمّة... وان لم يكن من الفرقة المحقّة خبر يوافق ولا يخالفه... وجب العمل به... ولاجل ما قلنا عملت

ص: 9

الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلوب، ونوح بن دراج والسكوني وغيرهم عن أئمّتنا (1) . والسكوني - أي إسماعيل بن مسلم أبي زياد الشعيري - هذا قد روي في الاَُصول والفروع، وكتبهم مملوءة من رواياته، وهو من أهل السنّة. ويقول العسقلاني (المتوفّي 862 ه-): ثم انّ بعضهم قسّم البدعة قسمين: بدعة كبري، وبدعة صغري، فالبدعة الصغري: كغلو التشيّع أو كالتشيّع بلا غلو ولا تحرق، فهذا كثير في التابعين واتباعهم، مع الدين والورع والصدق، فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بيّنة. والبدعة الكبري: كالرفض الكامل والغلو فيه، والحطّ علي أبي بكر وعمر(رض) والدعاء إلي ذلك، فهؤلاء لا يقبل حديثهم ولا كرامة. وأيضاً فلا استحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم... أقول: هذه الجملة الاخيرة رجم بالغيب منشؤها العصبية لا غير. وقال العسقلاني بعد جملات: وبالجملة، اختلف الناس في رواية الرافضة علي ثلاثة أقوال: احدها: المنع مطلقاً، والثاني: الترخيص مطلقاً إلاّ فيمن يكذب ويضع، والثالث: التفصيل، فتقبل رواية الرافضي الصدوق العارف بما يحدّث وتردّ رواية الرافضي الداعية ولو كان صدوقاً. ونسب هذا التفصيل إلي أكثر أهل الحديث (2) انتهي. أقول: من ابعد نفسه عن المكابرة ولسانه عن قول الزور يعلم صحة

ص: 10


1- 7. انظر العدة 1: 379 - 387.
2- 8. لسان الميزان 1: 9 - 10.

القول الثاني كما هو نظر رجاليي الشيعة وفقهائهم إلاّ ما شذ، فلا بدّ للطائفتين من الاذعان بانّ المعتبر في الراوي هو صدقه سواء كان سنياً أو شيعياً. وهذا هو الخط الوسط الموصل للحق، وبه تقترب الطائفتان المسلمتان، وكلمة الله هي العليا.

حول أحاديث الشيعة

خامسها: انّه لا يوجد عند الشيعة كتاب يحكم بصحة جميع رواياته، فاعظم كتبهم واشهرها هو الكافي والفقيه - أي من لا يحضره الفقيه - والتهذيب والاستبصار، وجماهير علمائهم من الفقهاء والاصوليين والمتكلّمين والمفسّرين وسائر اصنافهم لا يعتمدون علي جميع أحاديث هذه الكتب، بل ينظرون أوّلاً إلي اسنادها ومنها يحكمون بصحتها أو ضعفها (1) ، واحسن من هذا انهم لا يعتمدون علي تصحيحات صدرت من بعضهم، فاذا قال فقيه ان الرواية الفلانية صحيحة لا يحكم غيره بصحتّها إذا لم يقف علي وثاقة رواتها، فالتوثيق أمر، والتصحيح أمر آخر، ويقولون انّ الثاني أمر اجتهادي لا يجوز قبوله لمجتهد آخر، وأمّا التوثيقات الرجالية فيقبلونها من باب قبول خبر الثقة في الحسيات، كما جرت عليه بناء العقلاء في معايشهم. وهذه الحرية والابتعاد عن الجمود لا توجد عند أهل السنّة بالنسبة إلي الصحاح الستة، بل اصبح الغلو في صحّة رواياتها من علامة الاخلاص والايمان!!! ونحن مع تقديرنا لجامعي الصحاح والاقرار بفضلهم لا نجوّز تقليدهم لغيرهم بوجه مطلق، فانّ ذلك تحقير للعقل والضمير وابطال

ص: 11


1- 9. وذهب جمع من الاخباريين منهم إلي صحة روايات هذه الكتب وبالخصوص الكافي منها، ولكن المحققين منهم ابطلوا تلفيقاتهم باتقن ادلّة.

لانصاف العلم ولا نرضي به كما لا يرضي الله سبحانه وتعالي به. وهكذا لا نجوّز تقليد الفقهاء وأرباب المذاهب بوجه مطلق، حتّي وان خالفوا لم يخالفوا النصوص المعتبرة الواردة من النبي الاَعظم صلي الله عليه وسلم، فانّه صد عن سبيل الله وضلال واضلال. وهل يقدر أحد أن يدّعي انّ الاِمام الاَعظم أبا حنيفة رحمه الله، قال بوجوب العمل بفتواه، وان كان مخالفاً للحديث النبوي إذا ثبت اعتباره؟ وهل افتي بوجوب تنفيذ أقواله علي جميع المسلمين من الشيعة الامامية وغيرهم من اتباع الشافعي ومالك واحمد (رض) حتّي نمنعهم نحن عن العمل بمذاهبهم، سبحانك هذا بهتان عظيم وحسبان لئيم، وسبيل عقيم. والحق أوسع من مذهب واحد واجتهاد متفرد، بل الانحصار علي الاربعة عمل المقلدين، ولا أصل له عند العلماء المحقّقين. سادسها: انّ تدوين الحديث نشأ عندهم من زمان علي رضي الله عنه، وزمان الحديث يدوم من حياة النبي صلي الله عليه وسلم إلي وفاة الاِمام الحسن العسكري في سنة 260ه-، وامّا عند أهل السنّة فابتدأ التدوين من القرن الثالث علي ما يأتي بيانه، ولهذا التفاوت آثاره.

الغرض من التأليف

(الامر الثالث): انّما صرفت برهة من عمري في البحث عن أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم في كتب أهل السنة وكتب الشيعة لاَمرين: الاَول: للوصول إلي السنّة المقدّسة النبوية، فانّها عماد الشريعة وأحد ركني الاسلام القويين، وتمييز صحيحها وسليمها من ضعيفها ومجعولها ممّا زيد عليها أو نقص منها عمداً أو سهواً: (والّذينَ جاهَدُوا فينا

ص: 12

لنَهدينّهم سُبلنا وانّ اللهَ لمعَ المحسنين) (1) . الثاني -: التقريب بين الشيعة وأهل السنة بتعريف الحق وتعيين الباطل والايصاء بطرد الغلو في حق الاَكابر وترك توهين سائر أرباب المذاهب، وانا اعتقد اعتقاداً جازماً بانّه مهما الغيت الاَباطيل والمفتعلات من عقائد الطرفين وحذفت أحاديثهما المجعولة المنقولة في كتبهما قصرت المسافة بينهما جداً. (2) . واما إذا بنينا نحن علي اهانة أهل البيت لا سيما علي وزوجته والحسن والحسين أو انكار فضائلهم، وعلي اكبار كلّ صحابي وإن كان من المتخلفين والاعراب الذين لم يدخل الايمان في قلوبهم رغماً للعقل والحق، وبني الشيعة علي تثبيت غلو جهالهم وغلاتهم واهانة جميع الصحابة ولم يراعوا حتّي حق السابقين الاَولين من المهاجرين والانصار، فلاشك في فشل كلّ محاولة رامت للتقريب بينهم حتّي وان شلت - ولن تشل أبداً - يد الاستعمار وضعف - وانّي يضعف - سحر الريال والدولار وغيرهما من النقود التي تسلّم إلي الاجراء بالملايين. فيا ايّها المسلمون اتقّوا الله حقّ تقاته ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، ويسلّط عليكم اليهود والنصاري فضلاً عن كفّار الغرب الرأسماليين الحاقدين عليكم وعلي دينكم الطامعين في ثرواتكم، فاطردوا.

ص: 13


1- 10. العنكبوت 29: 69.
2- 11. نعم لايمكن التقريب بين المسلمين - الشيعة والسنة - بالتسامح والتجامل، وتبادل كلمات أدبية اخلاقية، وكتمان حقائق مرّة، وعدم حذف الاباطيل، وعدم تشهير الكاذبين والمفرّقين وتجارّ الدين، والغض عن الخرافات المنتحلة إلي المذاهب، وعدم قطع جذور مباني المقلّدة الظاهرين بصورة العلماء الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انّهم يحسنون صنعاً.

نواقص في الاحاديث

من بينكم الوهابية الاميركية الفاسدة، والقاديانية المعلونة، والبهائية الخبيثة، وسائر المذاهب الباطلة المخترعة، ولا تباعدوا بعضكم عن بعض باسم الشيعة والسنة، باسم الحنفية والزيدية والمالكية والشافعية والحنبلية والجعفرية، فكونوا اخوة بررة متحابّين في الله ومتمسّكين بدينه الخالد الاسلام وكتابه المعجز القرآن المجيد ورسوله الخاتم الامين محمّد صلي الله عليه وسلم وآله وصحبه، ولا تسابّوا، ولا تباغضوا، ولا تكفّروا بعضكم بعضاً، فيفرح به أعداؤكم، وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الاثم والعدوان.

تمهيد الكتاب

(الامر الرابع): كنت في أوائل عهدي بمطالعة كتب الحديث أعتقد أو أميل إلي صحّة كلّ ما أقرأ فيها وانّه صادر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، وانّ الرواة - ولا سيما المذكورين في الصحاح الخمسة أو الستة - صادقون، وانّه لم يقع في سبيل نقل أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم ما يوجب تشويش البال وتشتت الخاطر ولا وجه للتردد فضلاً عن الانكار والردّ، ولكن بعد انّ تكرّرت مطالعتي وتعمّق تتبّعي وكثرت مراودتي وصرت من أهل الدار وقفت علي حقيقة الحال، فاضطررت إلي ترك الجمود وأقوال الرجال إذ وجدت خللاً وضعفاً في متون الاَحاديث وحال الرواة، فاقتنعت بانّ جميع ما دوّن في كتب الاَحاديث المؤلّفة من قبل محدّثي أهل السنة والشيعة غير معتبر، كما انّ جميعها غير باطل، فمنها الصحيح، ومنها الضعيف، ومنها الموضوع، ومنها المجهول، ولا فرق في ذلك بين كتاب وكتاب. فحينما كنت اتفحص الاَحاديث في كتب الشيعة واكتب عنها، فذكرت حول رواياتهم الضعيفة والمجهولة والمعتبرة اكبر تفصيل، اسأل الله تعالي أن يجعله نافعاً لهم ولا اريد انّ اذكره هنا حتّي بالاشارة، فانه تكرار بلا

ص: 14

فائدة. وحينما شرعت التحقيق في أحاديث الصحاح الستة علمت انّ ما اشتهر بين جمع كثير من صحّة جميع أحاديثها - لا سيما أحاديث البخاري ومسلم - رحمهما الله تعالي - أمر مخالف للواقع ومبالغة جزافية علي خلاف العقل وما نعلمه من الدين والتاريخ، فقبولها تحقير للعقل وانحراف عن خط القرآن الكريم. وعمدة ما يجلب نظر المحقّق المنصف في أحاديث الصحاح من الخلل والنقص والضعف الموجبة لسقوط مقدار منها عن درجة الصحة والحجية أُمور نشير اليها، منها: 1 - عدم وثاقة جملة من رواتها أو ثبوت كذبهم، حتّي في كتابي البخاري ومسلم. 2 - مخالفة متون عدّة منها للواقع بحكم العقل أو بقرينة قوية شرعية أو تاريخية. 3 - تعارض جملة من الاَحاديث فيما بينها بحيث يعلم كذب احدي الطائفتين المتعارضتين بعد استحالة اجتماع النقيضين أو الضدين، بل يحتمل كذب كلتيهما فيما إذا كان مدلولهما من الضدين اللذين لهما ثالث. وفي اثناء التحقيق والتعليق علي بعض أحاديث هذه الكتب وقفت علي كتاب ممتع ألّفه فضيلة الشيخ المتتبّع الشجاع محمود أبو ريه، المولود في 15 ديسمبر 1889، المتوفّي في 11 ديسمبر 1970م، باسم «اضواء علي السنة المحمدية» أو دفاع عن الحديث، فرأيته مقويّاً لبعض مقاصد كتابي، فاقتبست منه جملة من مطالبه جاعلاً لها في مقدمة الكتاب، ليكون المطالع اقرب إلي القبول وأبصر بما اذكره في صلب مقاصد الكتاب،

ص: 15

فجزاه الله عن الحق والعلم والمحققين أحسن الجزاء. فكتابي هذا - نظرة عابرة إلي الصحاح الستة - مشتمل علي مقدّمة، وستة مقاصد، وخاتمة، وليعلم القارئ من أول الاَمر انّي لا اعده باستيعاب ذكر كلّ حديث يستحق النقد والرد والترديد، ولا أذكر كلّ ما يحسن التنبيه عليه، فان هذا يحتاج إلي مجال أوسع ودقّة زائدة لم اوت توفيقها أو قصرت همتي عن نيلها، ولعلّ أحداً أو جماعة بعد ذلك يقومون به وكلّ ميسّر لما خلق له. وانّي اتمنّي اليوم الذي تنقّح فيه الاَحاديث المعتبرة الصحيحة عن غيرها من الموضوعات بجهد أهل التحقيق والتدقيق، وما ذلك علي الله بعزيز. ثم اتمنّي فوق ذلك اليوم الذي يغلب التحقيق علي التقليد، وتتقدّم الحقيقة علي العصبية، وسلوك الصراط المستقيم بدلاً عن مختلف الطرق، والله العاصم والموفق.

مراحل الحديث

اشاره

لا بدّ أن نبحث مختصراً في هذا المقام عن مراحل ثلاث للحديث النبوي صلوات الله علي محدّثه. المرحلة الاَولي: نقل الحديث. المرحلة الثانية: كتابة الحديث. المرحلة الثالثة: تدوين الحديث في الكتب. نعم نبحث عن هذه المراحل حتّي تتبيّن للمحقّقين قيمة الاَحاديث الموجودة بأيدينا المكتوبة في كتبنا، فيكون أهل البحث علي معرفة تامّة بشريعتهم، ولا يخبطون خبط عشواء ويهوون إلي أودية الافراط والتفريط

ص: 16

(وكذلك جعلناكم أُمّة وسطا) (1) .

نقل الحديث

الثابت من الآثار انّ الصحابة أو المشهورين منهم يقلّلون نقل الحديث، بل ينهون عن تكثيره أو عن أصل نقله، واليكم ذكر هذه الآثار ممّا يحضرني عاجلاً من غير استيفاء واستقصاء. أ - عن الذهبي في تذكرة الحفاظ: من مراسيل ابن ملكية (عبدالله بن عبيد الله قاضي مكّة في زمن ابن الزبير المتفق علي توثيقه): انّ الصدّيق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: انّكم تحدّثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله، وحرّموا حرامه (2) . ب - وعن ابن عساكر، عن محمّد بن اسحاق قال: أخبرني صالح بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: ما مات عمر بن الخطاب حتّي بعث إلي أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق عبدالله بن حذيفة وأبا الدرداء وأبا ذر وعقبة بن عامر، فقال: ما هذه الاَحاديث التي افشيتم عن رسول الله في الآفاق؟ قالوا: تنهانا؟ قال: لا، اقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم! نأخذ منكم ونردّ عليكم. فما فارقوه حتّي مات. ج - وعن تذكرة الحفاظ (3) عن شعبة، عن سعيد بن ابراهيم، عن

ص: 17


1- 12. البقرة: 143.
2- 13. تذكرة الحفاظ 1: 3.
3- 14. تذكرة الحفاظ 1: 7.

أبيه: انّ عمر حبس ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الانصاري فقال: قد اكثرتم الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم (1) . د - وعن ابن سعد وابن عساكر، عن محمود بن لبيد قال: سمعت عثمان بن عفان علي المنبر يقول: لا يحل لاحد يروي حديثاً لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر، فانّه لم يمنعني أن أُحدّث عن رسول الله أن لا اكون من أوعي اصحابه! إلاّ انّي سمعته يقول: «من قال عليَّ ما لم أقل فقد تبوأ مقعده من النار». ه- - وعن جامع بيان العلم وفضله (2) لحافظ المغرب ابن عبد البر، عن الشعبي، عن قرظة: خرجنا نريد العراق فمشي معنا عمر إلي صرار (بالكسر موضع قرب المدينة) ثم قال لنا: أتدرون لِمَ مشيت معكم؟ قلنا: اردت ان تشيّعنا وتكرمنا؟ قال: انّ مع ذلك لحاجة خرجت لها، انكم لتأتون بلدة لاَهلها دوي كدوي النحل، فلا تصدروهم بالاحاديث عن رسول الله وانا شريككم. قال قرظة: فما حدّثت بعده حديثاً عن رسول الله. وللرواية صورة أُخري لاحظ مقدمة سنن ابن ماجه (3) . وكان عمر يقول: أقلّوا الرواية عن رسول الله إلاّ فيما يعمل به (4) .

ص: 18


1- 15. ولو فعل أبو الحسن عليٌّ هذا الفعل مع طلحة والزبير ولم يأذن لهما بالخروج إلي العمرة لم يبتل بحرب الجمل في البصرة، مع انّه علم قصدهما وقال - كما نقل عنه -: ما يريدان العمرة، بل يريدان الفتنة، لكن لعمر اخلاقه ولعلي اخلاقه - كلّ ميسر لما خلق لاَجله.
2- 16. جامع بيان العلم وفضله 2: 120.
3- 17. انظر مقدمة سنن ابن ماجه رقم 28.
4- 18. صححه الحاكم في المستدرك 1: 102.

أقول: بل عمر منع الناس عن كتابة حديث النبي الاَكرم في حياته صلي الله عليه وسلم، وقال: انّه صلي الله عليه وسلم قد غلبه الوجع أو انّه يهجر! وادّعي انّه حسبنا كتاب الله، حتّي غضب النبي صلي الله عليه وسلم وأمر بخروجهم من عنده بقوله: «قوموا عني». و - وعن طبقات ابن سعد، عن السائب بن يزيد: انّه صحب سعد ابن أبي وقاص من المدينة إلي مكة، قال: فما سمعته يحدّث عن النبي حديثاً حتّي رجع. وسئل عن شيء فاستعجم وقال: انّي أخاف أن احدّثكم واحداً فتزيدوا عليه المائة! (1) (2) . ز - اخرج البخاري عن السائب بن يزيد قال: صحبت طلحة بن عبيدالله وسعد بن أبي وقاص والمقداد بن الاسود وعبد الرحمن بن عوف (رض) فما سمعت أحداً منهم يحدّث عن رسول الله، إلاّ انّي سمعت طلحة يحدّث عن يوم أُحد (3) . ح - وعن ابن عساكر، عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لاَبي هريرة: لتتركنَّ الحديث عن رسول الله أو لاَلحقنّك بأرض دوس (أي بلده) (4) . أقول: الروايات في هذا الموضوع كثيرة كلّها تثبت رغبة كبار الصحابة عن التحدّث بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم، إمّا مطلقاً، وإمّا في الجملة.

ص: 19


1- 19. مستدرك الحاكم 2: 102.
2- 20. أقول يخاف سعد من الذين يعيشون الصدر الاَول وخير القرون، ولا تغفل انّ جمعاً كثيراً ممّن يخافهم سعد من الصحابة، فما حال القرون الآتية في التزييد، ولو كان سعد حيّاً اليوم لقال: زدتم علي واحد ألفاً!!! ثم انّ المذكور في مقدمة سنن ابن ماجه برقم 29 سعد بن مالك.
3- 21. فتح الباري 6: 28.
4- 22. فتح الباري 2: 120.

ثم انّ المستفاد ممّا نقلنا - زائداً علي هذا المقصود - أُمور أُخر نشير اليهما تتميماً للفائدة: (الاول): انّ الاَصل في النهي عن نقل الحديث أو اكثاره هم الخلفاء الثلاثة لا سيّما عمر، فهل النهي المذكور سياسي يتعلق بمقام الخلفاء أو غير سياسي، فيه وجهان، وربّما يظهر فيما بعد ما هو الصحيح منهما ان شاء الله تعالي. (الثاني): انّ الصحابة في زمن الصدّيق قد اختلفوا في أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم، وهذا الاختلاف قد يكون بتكذيب بعضهم بعضاً في النقل، وقد يكون بسبب تعارض الاَحاديث، وهذا أيضاً يرجع إلي الكذب أو الاشتباه في النقل، فانّ النبي الاَمين المعصوم صلي الله عليه وسلم لا يختلف كلامه ولا يتناقض قوله وعمله. وعليه فلا بدّ من قبول الاَحاديث مع التثبّت في حال الصحابة، وعدم قبول منقولاتهم بوجه مطلق فضلاً عن قبول آرائهم، ولا يجوز لنا أن نعتقد فيهم ما لا يعتقد هؤلاء بانفسهم، فانّه من الغلو والسفه. (الثالث): ظاهر كلام أبي بكر الحكم باهمال الاَحاديث مطلقاً وحصر الحلال والحرام بحلال القرآن وحرامه، وهذا أمر مهم عميق لا يدركه إلاّ الكاملين من المحقّقين. (الرابع): يظهر من قول عمر: (ونردّ عليكم) انّ في أحاديث الصحابة ما هو مخالف للواقع سهواً أو عمداً، ونقل عن عمران بن حصين الصحابي - المتوفّي سنة 52 ه- -: والله إن كنت لاَري انّي لو شئت لحدّثت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم يومين متتابعين، ولكن أبطأني عن ذلك انّ رجالاً من أصحاب الرسول الله صلي الله عليه وسلم سمعوا كما سمعت، وشهدوا كما شهدت، ويحدّثون أحاديث ماهي كما يقولون، وأخاف أن يشبه لي كما شبه لهم،

ص: 20

فاعلمك انهم كانوا يغلطون لا انهم كانوا يتعمدّون (1) . وعن بسر بن سعيد: اتقوا الله وتحفّظوا في الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدّث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ويحدثنا عن كعب ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله (2) . (الخامس): انّ اكثار الحديث عنه صلي الله عليه وسلم كان محرّماً بنظر عمر، فانّه عزر المكثرين بالحبس، ضرورة عدم جواز حبس المسلم وايذائه علي أمر مباح أو مستحب، بل مكروه. وهذا يبطل نظر الغالين في حقّ الصحابة بانّهم كلّهم عدول. (السادس): يظهر من كلام عثمان انّ الكذب في نقل الحديث قد كثر بعد زمن الشيخين، ولذا لم يحلل للناس نقل ما لم يسمع في زمانهما، وذيل كلامه أيضاً يعرض بالكاذبين. (السابع): يظهر من قول الفاروق في ذيل الخبر الخامس (إلاّ فيما يعمل به) انّ نظره إلي منع نقل الاَحاديث الواردة في فضائل بعض الصحابة مخافة أفتتان الناس به، فيوهن مقام الخلافة في قلوبهم. ويظهر من غيره انّ السبب في النهي هو الخوف من الكذب علي رسول الله صلي الله عليه وسلم عمداً أو غفلة. (الثامن): يظهر من الخبر السادس انّ السبب في ترك تحدّث الصحابة هو كذب المستمعين، وانّهم يزيدون علي كلام واحد مائة. وهذا السبب الذي خافه ابن أبي وقاص يجب ان لا ننساه حتّي عند الاعتماد علي أحاديث الصحاح الستة، والله الهادي، وقد مرّ في الخبر الاَول سبب آخر،

ص: 21


1- 23. اضواء علي السنة المحمدية 114، مختلف الحديث لابن قتيبة 49.
2- 24. سير اعلام النبلاء 2: 436.

وهو اختلاف الناقلين، واختلاف من بعدهم أشد الاختلاف. يبقي في المقام سؤال وهو انّ الذين امتنعوا من الصحابة من نقل الحديث هل هو بداع نفسي منهم مخافة الكذب علي رسول الله صلي الله عليه وسلم أو بزجر حكومي من الخلفاء - لا سيّما الخليفة الثاني -؟ الظاهر هو الثاني، ويدعمه قرائن - كما يأتي عن أبي هريرة - وكما يستفاد من كلام عثمان السابق وغيره، والله العالم.

كتابة الحديث

اشاره

إذا فرضنا النهي عن اكثار نقل الحديث أو عن أصله، وكذا إن فرضنا رغبة جمع من الاَصحاب عن تحديث الناس بأحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم، فكان بوسع جمع منهم أن يحفظ السنّة القوليّة عن الاندراس والنسيان بقيد الكتابة، بأنّ يكتبوا ما يطمئنون بسماعه عن الرسول الخاتم صلي الله عليه وسلم ويودعونه إلي الثقات تكميلاً لاَمر الشريعة، لكن كتابة الحديث بدورها - كنقل الحديث - ابتليت بالمنع والنهي، بل بمنع أشد من منع النقل، واليكم بعض دلائله: 1 - روي الدارمي (شيخ البخاري) ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد، عن أبي سعيد الخدري (رض) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «لا تكتبوا عني شيئاً سوي القرآن، فمن كتب عنّي غير القرآن فليمحه. واخرج الدارمي، عن أبي سعيد: انّهم استأذنوا النبي صلي الله عليه وسلم في أن يكتبوا عنه، فلم يأذن لهم. ولفظ الترمذي: استأذنا النبي صلي الله عليه وسلم في الكتابة، فلم يأذن لنا (1) .

ص: 22


1- 25. سنن الترمذي 2: 91.

2 - وعن زيد بن ثابت: انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم أمرنا ألاّ نكتب شيئاً من حديثه. اقول: والصحيح أن يقول: نهانا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نكتب شيئاً من حديثه. 3 - ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ (1) عن الحاكم ما رواه عن عائشة قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فكانت خمسمائة حديث، فبات يتقلّب، ولمّا أصبح قال: أي بنيّة هلمّي الاَحاديث التي عندك، فجئته بها فأحرقها وقال: خشيت أن أموت وهي عندك، فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به، ولم يكن كما حدّثني فأكون قد تقلّدت ذلك (2) . أقول: وقد مرّ قول أبي بكر: فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرّموا حرامه. 4 - وعن ابن عبد البر والبيهقي - في المدخل - عن عروة: انّ عمر أراد أن يكتب السنن، فاستفتي أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم في ذلك، فاشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله شهراً ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال: انّي اريد أن اكتب السنن ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتب فاكبوا عليها وتركوا كتاب الله وانّي والله لا أشوب (لا البس) كتاب الله بشيء أبداً. 5 - وعن جامع بيان العلم وفضله (3) عن يحيي بن جعدة: انّ عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتب، ثم كتب في الامصار:

ص: 23


1- 26. تذكرة الحفاظ 1: 5.
2- 27. أقول: هذا حال كتاب هذا الصحابي الشهير، فكيف بكتاب البخاري وغيره. ثم أنّ هذا النقل يخالف حديثه الناهي عن كتابة الحديث!.
3- 28. جامع بيان العلم وفضله 1: 64 و65، طبقات ابن سعد 1: 206.

من كان عنده شيء فليمحه (1) . أقول: لا أدري كيفية ارادة عمر واستخارته كما لا أدري - ولا يُدري - من هم أُولئك القوم الذين قبلنا أكبّوا علي أحاديث نبيّهم وتركوا كتاب ربّهم، لكن كان عمر يري بطلان كتابة الحديث حتّي في زمان النبي الاَكرم صلي الله عليه وسلم، حتّي في الحديث الذي يحفظ الاَُمّة من الضلالة بعد نبيها، وكان النبي أراد أن يكتبها بيده أو كان يأمر أحد صحابته بكتابته كما قصَّ ذلك لنا ابن عباس، وأخرجه البخاري في مواضع من كتابه، وقال عمر في وجه منعه واجتهاده: انّه قد غلبه الوجع أو انّه يهجر!!! وحسبنا كتاب الله. 6 - وعنهما، عن ابن سعد، عن عبدالله بن العلاء قال: سألت القاسم ابن محمّد أن يملي عليَّ أحاديث، فقال: انّ الاَحاديث كثرت علي عهد عمر بن الخطاب، فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلمّا أتوه بها أمر بتحريقها، ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب. وقد قرئت المثناة بالثاء المثلثة، وبالشين المعجمة، وبالسين المهملة، وادّعي بعضهم أنَّ المراد بها: مجموعة الروايات الاسرائيلية، وهو نوع توجيه. 7 - وعن الاَسود بن هلال قال: أتي عبدالله بن مسعود بصحيفة فيها حديث، فدعا بماء فمحاها ثم غسلها، ثم أمر بها فأُحرقت، ثم قال: اذكر الله رجلاً يعلمها عند أحد إلاّ أعلمني به، والله لو أعلم أنّها بدير هند

ص: 24


1- 29. أقول: وعن الطبقات الكبري لابن سعد 5: 188: خطب (عمر) الناس يوماً قائلاً: أيّها الناس انّه قد بلغني انّه قد ظهرت في ايديكم كتب فأحبّها إلي الله أعدلها وأقومها، فلا يبقينَّ أحد عنده كتاباً إلاّ أتاني به فأري رأيي، فظنّوا انّه يريد النظر فيها ليقوّمها علي أمر لا يكون فيه اختلاف، فاتوه بكتبهم فأحرقها بالنار!!!.

لبلغتها. بهذا هلك أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون. 8 - وعن تقييد العلم للخطيب البغدادي (1) عن أبي نضرة قال: قلت لاَبي سعيد الخدري: ألا بكتب ما نسمع منك؟ قال: أتريدون أن تجعلوها مصاحف؟ انّ نبيكم كان يحدّثنا فنحفظ. 9 - وعن ابن عباس: كنّا نكتب العلم ولا نكتبه. أي لا نكتبه لغيرنا أو لا نسمح أن يكتب عنا أحد. 10 - وعن أبي سعيد الخدري (2) وكنّا لا نكتب إلاّ القرآن والتشهّد. أقول: ومع هذا التأكيد علي التشهد - حتّي نقل عن عبدالله بن مسعود أنّه قال: علّمني رسول الله صلي الله عليه وسلم التشهد وكفّي بكفّه كما يعلّمني السورة من القرآن - فقد نقلت تسع صيغ للتشهّد، فما بال غيره من أجزاء الصلاة وغيرها من الاَعمال غير المعمولة في كلّ يوم مرات (3) . أقول: والمتتبّع يمكنه أن يجد شواهد غير ما ذكرنا علي عدم كتابة الحديث والنهي عنها ومحو ما كتب من الحديث واحراقه، ومع ذلك فانّ أصل المقصد وهو عدم تقييد الاَحاديث بالكتابة في القرن الاَول الهجري ومدّة بعده أمر مسلَّم لا يقبل الارتياب، وهو من الواضحات التي لا تحتاج إلي دليل وشاهد. ثم انّه ينبغي لنا أن نرجع النظر إلي تلك الشواهد ثانياً ونأخذ منها

ص: 25


1- 30. تقييد العلم: 27.
2- 31. تقييد العلم: 92.
3- 32. لاحظ تفصيل صيغ التشهّد التسع في ص82 إلي ص85 من كتاب أضواء علي السنة المحمديّة.

بعض مطالب أُخر، فمنها: انّ النهي في الخبرين الاَولين مطلق يشمل المؤلفين والمدونين حتّي في القرن الثالث من الهجرة، فهل عصوا حكم النبي صلي الله عليه وسلم؟ أمر لا بدّ فيه من التأمّل. ومنها: انّ احراق أبي بكر الاَحاديث انّما هو لاَجل اشتباه الرواة أو كذبهم في النقل، فيعلم انّه كان قليل الرواية عن الرسول صلي الله عليه وسلم أو عديمها، وإلاّ لم يكن وجه لاحراق ما سمعه عن النبي الاَكرم صلي الله عليه وسلم. ومنها: انّ الناس قد علموا بأهميّة كتابة الحديث، فأشاروا بصحّتها أو لزومها علي عمر، لكن عمر ردّ مشورتهم ولم ينصرف عنها وحدها، بل أمر أهل الاَمصار بمحو الاَحاديث التي كتبوها، وهذا لا لاَجل نهي النبي صلي الله عليه وسلم، وإلاّ لم يكن للاستخارة في شهر واحد وجه، بل مخافة شوب كتاب الله بغيره، لكن عمر كان يعلم بانّ الاَحاديث لا تشوب بالقرآن، وانّه كلام الخالق، وبينهما بون بعيد وتفاوت شديد، وهذا نهج البلاغة لعلي، وهذه الكتب المدّونة في القرن الثالث من الصحاح والمسانيد والسنن قد شاعت وكثرت ولم يشتبه علي أحد بالقرآن وآياته، فالظاهر انّ لاجتهاده في عدم كتابة الحديث ولزوم محو ما كتب إلي انذاك في المدينة والاَمصار دليلاً آخر لم ير ذاك الوقت مصلحة في افشائه، فأبدي وجهاً آخر لاقناع الناس المستشارين، وهم الصحابة الاجلاّء بالطبع. وقد اشرنا إلي منعه عن كتابة حديث واحد أراده النبي صلي الله عليه وسلم لاَجل عدم ضلالة أُمّته بعده، فهل يحتمل انّه أيضاً لئلا يشوب به القرآن؟ ومنها: انّ القاسم بن محمّد يخبر أنّ الاَحاديث كثرت علي عهد عمر ولاَجله أمر بأحراقها، فليعتبر المنصف بكثرة الاَحاديث في زمن خليفة مهيب متشدّد مثل عمر وخوفه منها حتّي أمر باحراقها، ثم بكثرة الاَحاديث

ص: 26

في زمن عثمان حتّي منع ذكر الاَحاديث التي لم تسمع في زمن الشيخين كما مر. قال أبو سلمة لاَبي هريرة - وهو أحد المكثرين المشهورين في صدر الاسلام - أكنت تحدّث في زمن عمر هذا؟ قال: لو كنت أُحدّث في زمان عمر مثل ما أُحدّثكم لضربني بمخفقته. ولو قام عمر من قبره ورأي رواج سوق الجعل والتزوير في الحديث والافتراء علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، ورأي أسوأ واشنع من هذا تعصّب عوّام الناس، وغفلة مدّعي العلم عن تلك المجعولات والمجهولات، لمات غضباً وغيظاً. ولقد حقّت عليهم كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار؟! ومنها: انّ ما علّل به المنع عبدالله بن مسعود غير مفهوم ولا معقول، فانّ سبب هلاك أهل الكتاب انّما هو ترك العمل بكتاب ربّهم وسنّة نبيهم ظلماً وعتواً، وهذا قطعي، وليس سبب هلاكهم تدوين أحاديث نبيّهم والعمل بها وحدها، مع انّه لا ملازمة بين كتابة الروايات وترك العمل بكتاب الله، كما هو المشهود من القرن الثالث إلي يومنا هذا.

بحث توضيحي

لا ريب في انّ السنة القولية لم تتقيّد بالكتابة في القرن الاَول، ولا خلاف فيه، وانّما الكلام في انّه هل باجتهاد من الخلفاء أو بنهي سابق من النبي الاَكرم صلي الله عليه وسلم؟ وعلي الاَول، الداعي لهم إمّا أمر سياسي، وإمّا شيء أعمق منه، إذ لا يحتمل كونه خوفاً من الكذب أو شغل الناس عن كتاب الله أو شوب الكتاب بغيره، إذ بامكانهم تشكيل لجنة من أُمناء الصحابة وعلمائهم لجمع

ص: 27

صحيح الاَحاديث وتدوينها في مجموعة باسم أحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم كما فعلوا ذلك بالنسبة إلي جمع آيات الكتاب الكريم، ولا يترتب علي ذلك أي محذور جزماً. وعلي الثاني، فانّ فرض النهي المذكور أمراً تعبّديّاً صرفاً كجملة من المحرمات الاَُخر التي لا يعلم وجهها، يتجّه السؤال إلي هؤلاء المحدّثين الذين ألّفوا كتب الحديث من الصحاح والمسانيد والسنن هل هم من العصاة المبتدعة؟ ولعلّه لا مناص عنه علي هذا الوجه، واشير في هذا إلي ما قاله بعض المحقّقين، من انّ التابعين لم يدوّنوا الحديث لنشره إلاّ بأمر الامراء. وإن فرض انّ للنهي حكمة مفهومة، فما هي الحكمة المذكورة؟ يقول بعض أهل التحقيق: وقد يكون قريباً من الصواب في حكمة نهي النبي عن كتابة الحديث، هو لكي لا تكثر أوامر التشريع ولا تتسع أدلّة الاحكام، وهو ما كان يتحاشاه صلي الله عليه وسلم حتّي كان يكره كثرة السؤال، أو يكون من الاَحاديث في أُمور خاصة بوقتها بحيث لا يصحّ الاستمرار في العمل بها. يقول صاحب المنار (المجلد العاشر) بعد كلام له: وإذا أضفت إلي هذا ما ورد في عدم رغبة كبار الصحابة في التحديث، بل في رغبتهم عنه، بل في نهيهم عنه، قوي عندك ترجيح كونهم لم يريدوا أن يجعلوا الاَحاديث (كلّها) ديناً عاماً دائماً كالقرآن، ولو كانوا فهموا عن النبي صلي الله عليه وسلم انّه يريد ذلك لكتبوا ولاَمروا بالكتابة... وبهذا يسقط قول من قال: انّ الصحابة كانوا يكتفون في نشر الحديث بالرواية، وإذا اضفت إلي ذلك كلّه حكم عمر بن الخطاب علي أعين الصحابة بما يخالف بعض تلك الاَحاديث، ثم ما جري عليه علماء الاَمصار في القرن الاَول والثاني من

ص: 28

اكتفاء الواحد منهم - كأبي حنيفة - بما بلغه ووثق به من الحديث وإن قلّ، وعدم تعنيه في جمع غيره إليه ليفهم دينه ويبيّن أحكامه، قوي عندك ذلك الترجيح. بل تجد الفقهاء... لم يجتمعوا علي تحرير الصحيح والاتفاق علي العمل به، فهذه كتب الفقه في المذاهب المتّبعة ولا سيّما كتب الحنفية فالمالكية فالشافعية، فيها مئات من المسائل المخالفة للاَحاديث المتّفق علي صحّتها... وقد أورد ابن القيّم في «أعلام الموقعين» شواهد كثيرة جداً من ردّ الفقهاء للاَحاديث الصحيحة عملاً بالقياس أو لغير ذلك، ومن أغربها أخذهم ببعض الحديث الواحد دون باقيه، وقد أورد لهذا أكثر من ستين شاهداً. انتهي كلام هذا المفسّر الفقيه العارف بالاحاديث أعني السيّد رشيد رضا. أقول: ما ذكره هو الواقع خارجاً سواء كان حقّاً أو باطلاً، فانّ الخلفاء لا سيّما عمر رضي الله عنه وأرباب المذاهب لم يكونوا يقيّدون أنفسهم بالاَحاديث، بل يقدّمون اجتهادهم بالقياس وغيره عليها من دون استيحاش وحرج، فلم يكن قيمتها عندهم كقيمة الآيات القرآنية، فالسنّة القولية عند أهل السنة - وإن عدّت أحد ركني الشريعة ادعاءً ولكنّها ليست كذلك - عملاً بأي دليل كان، وإن كان ما أعتذر به السيّد رضا - علي ما عرفته آنفاً - من أحسن الاعتذار، ومنه يظهر أمران آخران، وهما: 1 - انّ ما ذكره جمع من الغافلين من اعتبار روايات الصحاح الستة، وعدم جواز التشكيك في اعتبارها وصدورها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، واتفاق الكلّ علي اعتبارها - خصوصاً علي اعتبار أحاديث البخاري ومسلم - مخالف للواقع، بل هو طبل فارغ لا وزن له سوي صوته! فانّ الصحابة لم يروها معتبرة وفقهاء المذاهب - خصوصاً الاِمام أبو حنيفة - لم يقبلوها كما

ص: 29

اعترف به ابن القيّم، وهو أمر واضح لا مجال للتشكيك فيه اللّهم إلاّ عند من أهمل عقله وغفل عن كلّ شيء سوي صوت طبل المتعسفين المتعصبين خلافاً لاَمر القرآن حيث يقول: (واجتنبوا قَولَ الزورِ) (1) . 2 - انّ بعض الاَعلام من الشيعة الامامية - السيّد شرف الدين العاملي اللبناني - ألّف كتاباً سمّاه النص والاجتهاد، وجمع فيه موارد اجتهاد الصحابة في مقابل النص، وكأنّه يريد التعريض بهم، فنقول في جوابه: انّ هذا الاعتراض انّما يتمّ علي أُصول الشيعة القائلين بمنع الاجتهاد في مقابل النص أشد المنع، وانّ الاَحاديث عندهم كالآيات في الحجيّة والاعتبار إذا جمعت فيها شروط الحجية، ولاَجله ذهبوا إلي بطلان القياس، ولا يتمّ علي مبني أهل السنّة كما عرفت من هذا المقام.

تعقيب تحقيقي

قلت: انّ ما ذكره السيّد رشيد رضا وابن القيّم وغيرهما هو واقع الحال، فلا بدّ من الاذعان به بعنوان انّه أمر وقع في الخارج، وأمّا انّه حقّ أو لا فهو بحث آخر، فأقول هنا انّ الصحيح عندي بطلانه، فانّ النبي الاكرم لم ينه عن كتابة الحديث ونقله فانّه مخالف للعقل والنقل، أمّا عقلاً: فانّ النبي المعصوم المأمور بتبليغ الدين الذي لا ينطق عن الهوي أمر باشياء ونهي عن أشياء وفصَّل كيفية العبادات والمعاملات والسياسات باجزائها وشرائطها، وهو يعلم انّه لا يتمّ شريعة الاسلام إلاّ بالكتاب وما سنّه قولاً وعملاً، ويعلم أيضاً انّ شريعته خالدة مستمرة إلي يوم القيامة، فكيف ينهي

ص: 30


1- 33. وان قال محمود أبو ريه في ص34 كتابه اضواء علي السنة المحمدية (الطبعة الخامسة): ومن الاَحاديث ما تقضي البداهة بصدقه كحديث «لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن»... لكنّا لا نقبل هذه الدعوي منه.

عن كتابة ما هو من عند الله بلسانه، وهل الاَمر بمحو كتابة حديثه إلاّ الاَمر بمحو كتابة الحقّ والنور؟ وهل يمكن استبداله بالاجتهاد والقياس في تمام الاَحكام الفقهية؟ كلا ثم كلا. وأمّا نقلاً: فانّه أمر في موارد بالكتابة، بل أمر قبيل وفاته باتيان دواة وكتاب يكتب كتاباً لا تضل الاَُمّة بعده، وفي هذا دلالة علي شرف الكتابة وعظمتها وعظم فائدتها حيث انّها توجب الحفظ عن الضلال. وعن سنن أبي داود ومستدرك الصحيحين عنه صلي الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو العاص: «أُكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلاّ حقّ». وأيضاً قد ثبت انّ لعلي صحيفة كان فيها جملة من الاَحكام الشرعية - كما سيأتي بحثها - وهذا يبطل ادّعاء النهي من أساسه. وقال صلي الله عليه وسلم كما في لقطة البخاري برقم 2302: «اكتبوا لاَبي شاة». وعن سالم بن عبدالله، عن أبيه، عن النبي صلي الله عليه وسلم: أقرأني سالم كتاباً كتبه رسول الله صلي الله عليه وسلم في الصدقات قبل ان يتوفّاه الله، فوجدت فيه... زكاة (1) . وعن عمرو بن حزم: انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم كتب إلي أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم، فقرئ علي أهل اليمن وهذه نسخته... (2) .

تدوين الحديث

وقال الهروي - كما في محكي ارشاد الساري (3) لم يكن الصحابة

ص: 31


1- 34. سنن ابن ماجه برقم 1798.
2- 35. سنن النسائي 8: 59.
3- 36. ارشاد الساري 1: 7.

والتابعون (1) يكتبون الاَحاديث، انّما كانوا يودوّنها لفظاً ويأخذونها حفظاً، إلاّ كتاب الصدقات، والشيء اليسير الذي يقف عليه الباحث بعد الاستقصاء، حتّي خيف عليه الدروس واسرع في العلماء الموت أمر عمر بن عبد العزيز (الذي تولّي سنة 99 ومات سنة 101) أبا بكر بن (محمّد الانصاري) حزم: أن أنظر ما كان من حديث رسول الله أو سننه فاكتبه لي، فانّي خفت دروس العلم وذهاب العلماء (2) وأوصاه أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن... لكن لا دليل علي انّ ابن حزم فعل شيئاً أم لا؟ بل استظهر بعضهم انّه انصرف عن كتابة الحديث لما عاجلت المنية عمر بن عبد العزيز، ثم عزله يزيد بن عبد الملك عن امرة المدينة وقضائها. ثم انّ هشام بن عبد الملك في ولايته (سنة 105 ه-) طلب من محمّد بن مسلم بن شهاب الزهري، بل قيل انّه أكرهه علي تدوين الحديث، وعلي كلّ لم يعتبر عصر بني أُميّة عصر تصنيف منسق، لانّهم لم يجدوا من آثار هذا العصر كتباً جامعة مبوبة، وما صنعوه انّما هو مجموعات تضم الحديث والفقه والنحو واللغة والخبر وغيره، ولا تحمل علماً واجداً. وعن الغزالي في احياء العلوم: بل الكتب والتصانيف محدثة لم يكن شيء منهما في زمن الصحابة وصدر التابعين، وانّما حدث بعد سنة 120 ه-... وانّما ازدهر التدوين في العصر العباسي بتشويق من المنصور

ص: 32


1- 37. قيل آخر عصر التابعين هو حدود الخمسين ومائة. والحد الفاصل بين المتقدّم والمتأخّر هو رأس سنة 300.
2- 38. صحيح البخاري 1: 49 كتاب العلم باب كيف يقبض العلم.

الدوانيقي، وقيل انّه أول خليفة ترجمت له الكتب السريانية والاعجمية بالعربية في الطب والسياسة والفلسفة والفلك والتنجيم والآداب والمنطق وغيرها. وعن تقييد العلم للخطيب البغدادي عن معمر، عن الزهري قال: كنّا نكره كتاب العلم حتّي أكرهنا عليه هؤلاء الاُمراء فرأينا ألا نمنعه أحداً من المسلمين (1) . وقال أيضاً: استكتبني الملوك فأكتبتهم، فاستحييت الله إذ كتبتها للملوك ألاّ أكتبها لغيرهم (2) . وإليك قائمة باسماء جمع من المؤلّفين علي ما ذكره الذهبي وغيره: 1 - ابن جريح (المتوفّي 150 ه-) التصانيف. 2 - أبو حنيفة (المتوفّي 150 ه-) الفقه والرأي. 3 - سعيد بن عروبة (المتوفّي 156 ه-). 4 - الاَوزاعي بالشام (المتوفّي 156 ه- - أو 157). 5 - حماد بن سلمة (المتوفّي 167 ه-). 6 - مالك بن أنس (المتوفّي 179 ه-) الموطأ. 7 - ابن اسحاق (المتوفّي 151 ه-) المغازي. 8 - معمر اليمني (المتوفّي 153 ه-). 9 - سفيان الثوري (المتوفّي 161 ه-) الجامع. 10 - هشام الواسطي (المتوفّي 188 ه-). 11 - الليث بن سعد (المتوفّي 175 ه-).

ص: 33


1- 39. تقييد العلم: 107.
2- 40. جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 1: 77.

12 - عبدالله بن لهيعة (المتوفّي 174 ه-). 13 - ابن المبارك (المتوفّي 181 ه-). 14 - القاضي أبو يوسف يعقوب (المتوفّي 182 ه-). 15 - ابن وهب (المتوفّي 191 ه-). قيل: ولم يصل الينا من الكتب المبوبّة إلي آخر المائة الثانية (أي في الحديث) إلاّ موطأ مالك. أقول: لسنا بصدد التحقيق حول هذا الموضوع، وانّما ذكرناه تطفلاً، فلنرجع إلي أصل المقصود وهو البحث عن تدوين الحديث وكتبه المشهورة وتاريخه وما يتعلّق به من اعتبار الاَحاديث المنسوبة إلي النبي الاَكرم صلي الله عليه وسلم واعتبارها. فأقول: تحوّل تدوين الحديث بعد عام (200 ه-) إلي حالة أُخري، وهي أن يفرد حديث النبي صلي الله عليه وسلم خاصة بالتدوين كما عرفت آنفاً. فصنّف عبدالله بن موسي العبسي الكوفي (المتوفّي 213) ومسدد بن مسرهد البصري (المتوفّي 228) والحميدي (المتوفي 219) كلّ منهم مسنداً (1) . ، ثم بعد ذلك صنّف أحمد بن حنبل (المتوفّي 241) واسحاق بن راهويه (المتوفّي 237) استاذ البخاري وغيرهما مسانيد (2) .

ص: 34


1- 41. المسند ان يجعل جميع ما يروي عن كلّ صحابي - أي ما يسند إليه - في باب علي حدة مهما كان موضوع الحديث.
2- 42. قيل: ان معاوية استحضر عبيد بن سارية يسأله أخبار الملوك وامر أن يدوّن ما يقول: وقيل: انّ خالد بن يزيد بن معاوية ترجم كتب الفلسفة والنجوم والكيمياء والطب والحروب وغيرها، وهو أول من جمعت له الكتب وجعلها في خزانه، وقيل: انّ ابا جعفر المنصور أول خليفة ترجمت له الكتب السريانية والاَعجمية بالعربية، وهو حمل الفقهاء علي جمع الحديث والفقه.

أمّا الكتب المشهورة المرجوع اليها في الحديث، فهي ما يلي. 1 - الموطأ لانس بن مالك رحمه الله، المولود في سنة (91) أو (92 ه-)، المتوفّي في سنة (179). 2 - كتاب محمّد بن اسماعيل البخاري رحمه الله، المولود في سنة (194 ه-)، المتوفّي في سنة (256 ه-). 3 - كتاب مسلم بن الحجاج النيشابوري؛، المولود في سنة (204 ه-)، المتوفّي في سنة (268 ه-). 4 - سنن أبي داود سليمان بن الاشعث السجستاني، المولود (202 ه-)، المتوفّي في سنة (275 ه-). 5 - سنن الترمذي الضرير محمّد بن عيسي، المولود (209 ه-)، المتوفّي (279 ه-). 6 - سنن النسائي أحمد بن شعيب النيسابوري، المولود (215 ه-)، المتوفّي (303 ه-). وعن ابن خلدون (المقدمة 418): هذه هي المسانيد المشهورة في الملّة، وهي أُمّهات كتب الحديث في السنة، وانّها إن تعدّدت ترجع إلي هذه في الاَغلب. وزاد بعضهم علي الاَُصول الخمسة - أي كتب البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي - سنن ابن ماجه المولود 209 ه- المتوفّي (375) أو (373)، ولذا اشتهرت كلمة الصحاح الستة في لسان العوام، وقيل انّ الكتاب السادس هو سنن الدارمي المتوفّي سنة (255 ه-)، فانّ ابن ماجه اخرج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الاَحاديث. ومن هذا يعرف انّ عمدة التدوين انّما وقعت في القرن الثالث من

ص: 35

الهجرة.

ولادة غير مشروعة

1 - عرفت انّ الصحابة الكبار وأهل النفوذ نهوا عن نقل الحديث أو اكثاره، فأُهمل نقل الاَحاديث إلي حد كبير، وعرفت أيضاً انّ كتابة الحديث قد تركت، إمّا بأمر من النبي الخاتم صلي الله عليه وسلم، وإمّا بأمر من الخلفاء، واستمرت هذه الحالة إلي أوائل القرن الثالث من الهجرة غالبة، والنتيجة الطبيعية من الحالة المذكورة أمران محتومان، ولن تجد لسنّة الله تبديلاً ولا تحويلاً. أحدهما: وقوع تحريف في الاَحاديث زيادة ونقيصة. وثانيهما: ضياع الاَحاديث بكمية كثيرة بموت حامليها أو نسيانهم، وما وصل إلي القرن الثالث - بل القرن الثاني - فانّما هو قليل جداً عادة، لكنّ الاَقاويل المسماة بالاَحاديث مع ذلك زادت وكثرت ونمت، بحيث تندهش العقول منها، واليك بعض شواهد هذا الفضول. 1 - عن أحمد بن حنبل في مسنده: هذا كتاب جمعته وانتقيته من (750) ألف حديث. 2 - وعن محمّد بن عمر الرازي أبي بكر الحافظ: كان أبو زرعة يحفظ (700) ألف حديث، وكان يحفظ (140) ألف حديث في التفسير. 3 - وعن مالك، انّه اختار الموطأ من (100) ألف حديث. 4 - وعن البخاري، انّه أختار كتابه من (600) ألف حديث. 5 - وعن مسلم، انّه اختار كتابه من (300) ألف حديث. 6 - وعن أبي داود، انّه كتب عن رسول الله صلي الله عليه وسلم (500) ألف حديث. 7 - وعن البخاري انّه قال: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي الف حديث غير صحيح.

ص: 36

8 - وعن أحمد انّه قال: صحّ من الحديث سبعمائة ألف حديث وكسر... وظاهر هذا الكلام ان الاَحاديث الصحيحة فقط تزيد عن (700) ألف حديث، وأمّا غير الصحاح من المجهول والضعيف فعدده لم يذكر. 9 - قيل انّ العلماء رووا عشرات آلاف من الاَحاديث في التفسير، وانّ ابن تيمية قد ذكر في كتابه «أُصول التفاسير» انّ الاِمام أحمد قد قال: ثلاثة أُمور ليس لها اسناد: التفسير والملاحم والمغازي (1) ولذلك قال شعبة تسعة أعشار الحديث كذب (2) . أقول: العاقل المنصف المدقّق لا يري في كلام شعبة مبالغة، بل يتوقّف في صدق العشر الواحد منها، فالسنّة - أي الاَحاديث القولية النبويّة - قد غرقت في بحر من الدس والكذب والافتراء، بحيث لايمكن وجدانها لاَي غائص حريص، فانّا لله وانا إليه راجعون، وكأنّ النبي الخاتم يعلم مستقبل أقواله حيث قال: «من قال عليَّ ما لم أقله فقد تبوأ مقعده من النار». أو: «من كذّب عليَّ فهو في النار» ونحوهما من العبارات، لكن الوضّاعين، إمّا لا اعتقاد لهم بالنار، وإمّا لا عقل لهم، حيث أجابوا النبي صلي الله عليه وسلم بانّا لا نكذّب عليك، بل نكذّب لك!!! يقول الدكتور أحمد أمين (3) ومن الغريب اننا لو اتخذنا رسماً بيانياً للحديث لكان شكل «هرم» طرفه المدبّب هو عهد الرسول صلي الله عليه وسلم ثم يأخذ في السعة علي مرّ الزمان، حتّي نصل إلي القاعدة أبعد ما نكون علي عهد

ص: 37


1- 43. مسند أحمد: 14.
2- 44. أنظر ص193 وهامشها وص299 من كتاب أضواء علي السنة المحمدية لمحمود أبو ريه.
3- 45. الاسلام الصحيح: 215.

الرسول، مع انّ المعقول كان العكس. فصحابة رسول الله أعرف الناس بحديثه، ثم يقلّ الحديث بموت بعضهم مع عدم الراوي عنه وهكذا، ولكنّا نري أنّ أحاديث العهد الاَموي أكثر من أحاديث عهد الخلفاء الراشدين، وأحاديث العصر العباسي أكثر من أحاديث العهد الاَموي (1) . وأقول: وبعد ذلك أفلا تعجب ممّا نقل عن البخاري انّه يحفظ مائة ألف حديث صحيح؟!!! لا من ادعاء الحفظ، فانّه خارج عن محل بحثنا، بل من ادّعاء صحّة هذا الكمية الهائلة من الروايات، وهل يرضي نفسه ونفس كل منصف مع نهي الخلفاء عن الرواية أو اكثارها وعن الكتابة ان تصل بعد أكثر من قرنين مائة ألف حديث إلي البخاري وحده علي ما شرطه؟ فلو أقسم أحد ببطلان هذا الادّعاء لم يكن كاذباً وآثماً ولو سألتني عن الحق، قلت: انّ اقتصار البخاري في كتابه علي نقل 2062 حديث فقط خير دليل علي اشتباه هذه الدعوي، أفلا تعقلون؟!

ما هو أسباب هذا التكثر المجعول؟

اليك ما يحضرني عاجلاً: 1 - عدم اقدام الخلفاء الراشدين علي تدوين الاَحاديث المعتبرة في مجموعة لا يبقي بعدها مجال للوضع والكذب، بل من سوء الحظ منعوا من كتابتها وأوجدوا أرضية وسيعة للوضّاعين والمكثرين بما شاءوا. 2 - الغلو المفرط في شأن كلّ من سمّي بالصحابي ولو كان فاسقاً فاجراً، وجعلوا الصحبة ستراً قوياً وجداراً منيعاً عن أي نقد وبحث فضلاً

ص: 38


1- 46. ضحي الاسلام: 128.

عن الاعتراض علي اخطائهم، فتراهم يكرمون المتحاربين منهم من القاتل والمقتول ويتحفونهم بالترضيّة، ويزعمون عدالتهم، وإن صدر منهم ما صدر، فقبلوا أكاذيب أبي هريرة وامثاله باخلاص واعتقدوا كأنّها لم تصدر إلاّ عن لسان رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولئن كان في الصدر الاول عدّة محدودة من أمثال أبي هريرة، لكن تكثّر وتعدّد بعده في الطبقة الثانية أضعاف عدد الطبقة الاولي، وهكذا إلي زمان المدّونين من أرباب المسانيد والصحاح! والواقع انّ غلوّنا في حق الصحابة وعد الجميع في مرتبة عالية من التقوي والاخلاص قد تسبّب ضرراً كثيراً علي الدين والعلم والحقيقة، ومن يزعم انّ اطلاق العقل في التحقيق والبحث عن أحوال الصحابة - حسب موازين الجرح والتعديل الرائجة في حق غيرهم - يوجب التزلزل في اركان التسنّن فهو يعترف - أشعر أو لم يشعر - بانّ بناء التسنّن علي الاَباطيل والمجهولات والعمي المطلق، ولا يوافقه أحد من علماء أهل السنة. 3 - دس الاسرائيليات في الاَحاديث وبثها بين المسلمين ثم أصبحت كونها من أقوال النبي صلي الله عليه وسلم مسلمة لا تقبل الترديد، ولاحظ تفصيله في غير هذا الكتاب. 4 - وجود أُناس فاقدي التقوي لا همَّ لهم سوي هم البطن وهم عبيد الدنيا والدين لعق علي ألسنتهم، فقصّوا علي الناس ما أعجبهم أو ما قويت به السلطة الحاكمة، ونسبوا كلّ ذلك إلي النبي الاَكرم صلي الله عليه وسلم، فحصلوا بذلك علي حطام الدنيا ومتاعها واشتهروا بين الناس، فباعوا الدين بالدنيا. وعرفت فيما مرّ انّ البخاري ادّعي انّه يحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح. وعن مالك بن أنس (91 أو 93 - 179): انّ هذا العلم دين فانظروا

ص: 39

عمّن تأخذون دينكم، لقد أدركت سبعين ممّن يقولون قال رسول الله عند هذه الاساطين (عمد المسجد النبوي)، فما أخذت عنهم شيئاً... (1) 5 - النظام الاَموي كان بحاجة شديدة إلي استخدام الدين لضرب منافسيهم ومخالفيهم من بني هاشم الذين هم أكثر منهم ديناً وعلماً وكرماً وأقرب رحماً إلي الرسول الاَعظم صلي الله عليه وسلم، فصرفوا الملايين في اجارة الدجالين والوضّاعين لابطال الحقّ وإحقاق الباطل (2) . 6 - دس الزنادقة لافساد أمر الشريعة وعقائد الاَُمة. اخرج ابن عساكر - علي ما نقل - عن الرشيد انّه جيء إليه بزنديق فأمر بقتله، فقال: يا أمير المؤمنين أين أنت عن أربعة آلاف حديث وضعتها فيكم أُحرّم فيها الحلال وأُحلّ فيها الحرام. وحكي انّه لما أخذ عبد الكريم بن أبي العوجاء يضرب عنقه قال: لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أُحرّم فيها الحلال وأُحللّ الحرام. وعن حماد بن زيد وضعت الزنادقة علي رسول الله اثني عشر ألف حديث. وعن اسحاق بن راهويه: انّه يحفظ أربعة آلاف حديث مزوّرة. تأكيد ثانوي وممّا يؤكد انّ هذه الكثرة المكثرة من الاَحاديث نشأت من الجعل والكذب لاغراض مادية أو سياسية أو غير ذلك، وانّه لا يصح الاعتماد علي

ص: 40


1- 47. أضواء علي السنة المحمدية: 295.
2- 48. ملوك بني أُميّة لم يطلبوا وضع الحديث في حقّهم فقط، فانّ فسقهم وسوء حالهم من صدر الاسلام كان معلوماً مشهوراً عند المسلمين، بل في تقليل شأن علي وآله، وفي تعظيم مخالفيهم، وفي حوادث تتعلّق بهما، وقد نجحوا في تغيير الرأي العام إلي ما أرادوا.

جميع ما في الصحاح الموجودة - فضلاً عن غيرها كمسند أحمد بن حنبل وغيره - انّ كبار الصحابة الذي عاشوا مع النبي صلي الله عليه وسلم طيلة حياته المباركة وكانت لهم شهرة ومكانة اجتماعية، بل جملة منهم - كالخلفاء - يديرون الدولة الاسلامية وبيدهم أمر العباد والبلاد أقلّوا من الحديث والتحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم. وعن ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: وكان كثير من أَجلّة الصحابة وأهل الخاصة برسول الله صلي الله عليه وسلم كأبي بكر والزبير وأبي عبيدة والعباس بن عبد المطلب يقلّون الرواية عنه، بل كان بعضهم لا يكاد يروي شيئاً كسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة كما يروون (1) . وعن ابن بطال وغيره: كان كثير من كبار الصحابة لا يحدثون عن رسول الله خشية المزيد والنقصان (2) . وقيل: لا يوجد حديث واحد عن أبي عبيدة الجراح وعتبة بن غزوان وأبي كبشة مولي رسول الله صلي الله عليه وسلم وكثير من غيرهم في كتابي البخاري ومسلم (3) . وقيل للزبير - كما في البخاري -: انّي لا أسمعك تحدّث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان. قال: أمّا أنّي لم افارقه، ولكنّي سمعته يقول: «ن كذّب عليَّ فليتبّوأ مقعده من النار».

ص: 41


1- 49. تأويل مختلف الحديث: 56.
2- 50. فتح الباري 6: 28.
3- 51. أضواء علي السنة المحمدية: 57.

وعن ابن عباس: انّا كنّا نحدّث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا لم يكن يكذب عليه، فلمّا ركب الناس الصعبة والذلول تركنا الحديث عنه (1) . وقال أيضاً في جواب بشير بن كعب العدوي حيث قال له: ما لي أراك لا تسمع لحديثي؟ أحدّثك عن رسول الله ولا تسمع! قال ابن عباس: انّا كنّا مدة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله، ابتدرته ابصارنا واصغينا بآذاننا، فلمّا ركب الناس الصعبة والذلول لم نأخذ من الناس إلاّ ما نعرف (2) . فانظر - أيدك الله - انّ ابن عباس لا يعتني بحديث الصحابي، ولا يخطر في ذهنه اصالة العدالة، وانّ الكذب عليه صلي الله عليه وسلم قد فشا وذاع في زمان ابن عباس حتّي سلب اعتماده. واليك قائمة محدودة من روايات بعض الصحابة المشهورين مع دوام صحبتهم: 1 - أبو بكر، فقد روي عنه صلي الله عليه وسلم - علي قول النووي في تهذيبه 142 حديثاً، أورد السيوطي 104 منها في كتابه تأريخ الخلفاء، والبخاري في كتابه 22 حديثاً. 2 - عمر، لم يصح منه إلاّ مقدار خمسين حديثاً، كما عن ابن حزم. 3 - علي، قد أسندوا له - كما عن السيوطي 58 حديثاً، وعن ابن حزم انّه لم يصح منها إلاّ خمسون حديثاً. لم يرو البخاري ومسلم منها إلاّ نحواً من عشرين حديثاً. 4 - عثمان، له في البخاري 9 أحاديث، وفي مسلم 5.

ص: 42


1- 52. نفس المصدر: 66.
2- 53. نفس المصدر: 66.

5 - الزبير، له في البخاري 9 أحاديث، وفي مسلم 1. 6 - طلحة، له في البخاري 4 أحاديث. 7 - ابن عوف، له في البخاري 9 أحاديث. 8 - أُبي بن كعب، له في الكتب الستة ستون حديثاً ونيف. 9 - زيد بن ثابت، له في البخاري 8 أحاديث، واتفق الشيخان علي خمسة. 10 - سلمان الفارسي، له في البخاري 4 أحاديث، وفي مسلم 3 (1) . هذا ومن جملة المكثرين المشهورين أبو هريرة الذي لم يصاحب النبي صلي الله عليه وسلم إلاّ عاماً وتسعة أشهر، فقد نقل أبو محمّد ابن حزم: انّ مسند بقي ابن مخلد قد احتوي من حديث أبي هريرة علي 5374، روي البخاري منها446 (2) . أقول: ومجرد هذا - مع الغض عمّا قيل في حقّ أبي هريرة الذي اختلفوا في تعيين اسمه علي ثلاثين قولاً!!! - يدلّ علي انّ جملة كثيرة من أحاديثه مجعولة قطعاً، إمّا منه، وإمّا من غيره، وهذا العلم الاجمالي يسقط حجية جميع رواياته، كما إذا علمنا بوجود أموال محرّمة في ضمن أموال كثيرة في بيت مثلاً، فان مقتضي القاعدة الاجتناب عن الجميع. وأيضاً قد نقل عن كل واحد من انس والسيدة عائشة (رض) أكثر من 2300 حديث، ولا شكّ في كذب عدّة منها.

الوضع والوضاعون

وعن النووي - في شرح مسلم - نقلاً عن القاضي عياض:

ص: 43


1- 54. أضواء علي السنة المحمدية: 224 و225.
2- 55. نفس المصدر: 200.

الكاذبون ضربان: أحدهما: ضرب عرفوا بالكذب في الحديث وهم أنواع، منهم: من يضع ما لم يقله رسول الله صلي الله عليه وسلم أصلاً كالزنادقة واشباههم، إمّا حسبة بزعمهم كجهلة المتعبدين الذين وضعوا الاَحاديث في الفضائل والرغائب، وإمّا إغراباً وسمعة كفسقة المحدّثين، وإمّا تعصباً واحتجاجاً كدعاة المبتدعة ومتعصّبي المذاهب (1) ، وإمّا اشباعاً لهوي أهل الدنيا فيما أرادوه، وطلب الفوز لهم فيما اتوه. ومنهم من: لا يضع متن الحديث، ولكن ربّما وضع للمتن الضعيف اسناداً صحيحاً مشهوراً... ومنهم: من يكذب فيدّعي سماع ما لم يسمع... ومنهم: من يعمد إلي كلام الصحابة وغيرهم وحكم العرب والحكماء فينسبها إلي النبي صلي الله عليه وسلم. انتهي ملخّصاً. وعن القرطبي في شرح كتاب مسلم: أجاز بعض فقهاء أهل الرأي نسبة الحكم الذي دلّ عليه القياس الجلي إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم نسبة قولية. وعن أبي شامة في كتابه مختصر المؤمل: ممّا يفعله شيوخ الفقه في الاَحاديث النبوية... كثرة استدلالهم بالاَحاديث الضعيفة... نصرة لقولهم، وينقصون في ألفاظ الحديث، وتارة يزيدون، وما أكثره في كتب أبي المعالي وصاحبه أبي حامد. وقيل: ان كتب أئمّة الحديث كالاحياء للغزالي لا تخلو من الموضوعات الكثيرة.

ص: 44


1- 56. قال بعض الباحثين: وليس الوضع لنصرة المذاهب محصوراً في المبتدعة واهل المذاهب في الاَُصول، بل ان من أهل السنة المختلفين في الفروع من وضع أحاديث كثيرة لنصرة مذهبه أو تعظيم امامه واليك حديثاً واحداً وهو: يكون في امتي رجل يقال له محمّد بن ادريس اضر علي امتي من ابليس ويكون في امتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج امتي... ص121 أضواء علي السنة المحمدية.

وعدّ بعضهم من أسباب الوضع التحديث عن الحفظ ولم يتقن الحفظ، واختلاط العقل في أواخر العمر، والظهور علي الخصم في المناظرة لا سيّما إذا كانت في الملاَ، وارضاء الناس واستمالتهم لحضور مجالسهم (كما نشاهد اليوم أيضاً)، وقد ألصق المحدّثون هذا السبب بالقصاص، ويقال: أنه ما أمات العلم إلاّ القصاص، وانّهم اكذب الناس. وأخرج الزبير بن بكار - في أخبار المدينة - عن نافع وغيره من أهل العلم قالوا: لم يقص في زمان النبي صلي الله عليه وسلم ولا في زمان أبي بكر وعمر، وانّما القصص محدث أحدثه معاوية حين كانت الفتنة (1) . أقول: وللوضع أسباب أخر كحسبان هداية الناس بوضع ما يدلّ علي شدة الترهيب وزيادة الترغيب. وعن خالد بن يزيد: سمعت محمّد بن سعيد الدمشقي يقول: إذا كان كلام حسن، لم أرَ بأساً من أن اجعل له اسناداً (2) . وعن الحلية عن شيخ خارجي بعد أن تاب: فانظروا عمّن تأخذون دينكم، فانّا كنّا إذا هوينا أمراً صيّرنا له حديثاً! وعن الطحاوي - في المشكل - عن أبي هريرة مرفوعاً عنه صلي الله عليه وسلم: إذا حدّثتم عني حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به قلته أم لم اقله، فانّي أقول ما يعرف ولا ينكر، وإذا حدّثتم عني حديثاً تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به، فانّي لا اقول ما ينكر ولا يعرف!!! (3) وعن مسلم، عن يحيي بن سعيد القطان: لم نر الصالحين في شيء

ص: 45


1- 57. أضواء علي السنة المحمدية: 123.
2- 58. النووي علي مسلم 1: 32.
3- 59. انظر إلي أبي هريرة كيف يظهر بعض أسباب تكثّره حديثه.

أكذب منهم في الحديث. وعنه أيضاً، عن أبي الزناد: أدركت بالمدينة مائة كلّهم مأمون، ما يؤخذ عنهم الحديث (1) . وعلي كلٌّ قد جمع من الموضوعات ابن الجوزي والسيوطي وغيرهما مجلدات كثيرة. ولاحظ ما مرّ عن قريب في الاَمر الخامس حول أسباب التكثّر المجعول.

موطأ مالك و مسند أحمد

هدفنا في هذا الكتاب هو نظرة عابرة إلي الاَحاديث المروية في الكتب التي تسمّي بالصحاح الستة علي نحو الاجمال دون غيرها من كتب الحديث، ولكنّه يناسب ان نذكر ما قيل حول موطأ مالك ومسند أحمد رحمهما الله توضيحاً لحالهما إجمالاً من دون تعرض لحال احاديثهما بالتفصيل. عن الدهلوي في حجة الله البالغة: انّ الطبقة الاَُولي من كتب الحديث منحصرة بالاستقراء في ثلاثة كتب: الموطأ وصحيح البخاري وصحيح مسلم. والثانية لم تبلغ مبلغ الموطأ والصحيحين، ولكنها تتلوها وهي: سنن أبي داود والترمذي والنسائي. والثالثة مسانيد مصنفات صنّفت قبل البخاري ومسلم وفي زمانهما وبعدهما، جمعت بين الصحيح والحسن، والضعيف والمعروف، والغريب والشاذ والمنكر، والخطأ والصواب، والثابت والمقلوب. وعلي الطبقة الثانية اعتماد المحدثين.

ص: 46


1- 60. اضواء علي السنة المحمدية 137 و138.

ألّف مالك موطأ في أواخر عهد المنصور، وكان ذلك في سنة 148، وسببه - كما عن الشافعي - انّ أبا جعفر المنصور بعث إلي مالك لما قدم إلي المدينة وقال له: انّ الناس قد اختلفوا في العراق فضع للناس كتاباً نجمعهم عليه، فوضع الموطأ. وفي نقل آخر: فقال المنصور انّي عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعت (يعني الموطأ) فتنسخ نسخاً ثم أبعث إلي كلّ مصر من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمر أن يعملوا بما فيها ولا يتعدوها إلي غيرها... قال: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا فانّ الناس قد سبقت اليهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات، وأخذ كلّ قوم بما سبق اليهم وعملوا به ودانوا من اختلاف أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم وغيرهم... وعن السيوطي - في تنوير الحوالك - عن القاضي أبي بكر بن العربي: انّ الموطأ هو الاَصل الاول والبخاري هو الاصل الثاني، وانّ مالكاً روي مائة الف حديث، اختار منها في الموطأ عشرة آلاف حديث، لم يزل يعرضها علي الكتاب والسنة حتّي رجعت الي 500 حديث. وفي رواية ابن الهباب: ثم لم يزل يعرضه علي الكتاب والسنة ويختبرها بالآثار والاَخبار حتّي رجعت إلي 500 حديث. أقول: فانظر إلي شدة ابتذال الحديث بالجعل والوضع وسلب الاعتماد عن الرواة بأن تصل مائة ألف حديث إلي خمسمائة حديث!!!، ويظهر من العبارة المذكورة انّ 9500 حديث من 10000 حديث مختارة من 100000 حديث مخالفة للكتاب والسنة أو الآثار والاخبار فحذفها ثانياً من كتابه. بل عن الديباج المذهّب في معرفة أعيان المذهب (أي المذهب

ص: 47

المالكي): قال عتيق الزبيدي: وضع مالك الموطأ علي نحو عشرة آلاف حديث، فلم يزل ينظر فيه كلّ سنة ويسقط منه حتّي بقي هذا، ولو بقي قليلاً لاَسقطه كلّه!!! وعلي كلّ عن الشافعي انّه أصح الكتب بعد كتاب الله، وقد نقل عن جمع ما يقرب من هذا المدح، لكن قيل انّ مالكاً لم يقتصر في كتابه علي الصحيح، بل أدخل فيه المرسل والمنقطع والبلاغات، ومن بلاغاته أحاديث لا تعرف، كما عن ابن عبد البر. وقيل أيضاً: انّ الروايات عنه مختلفة حتّي بلغت هذه الروايات عشرين نسخة، وقيل: انّها ثلاثون، فلاحظ كلام الزرقاني في شرحه علي الموطأ! وعن بستان المحدثين لعبد العزيز الدهلوي: انّ نسخ الموطأ التي توجد في بلاد العرب في هذه الاَيام متعدّدة عدّ منها 16 نسخة، وقيل: بين الروايات اختلاف كبير من تقديم وتأخير وزيادة ونقص. وعن ابن معين: انّ مالكاً لم يكن صاحب حديث، بل كان صاحب رأي. وعن الليث بن سعد: احصيت علي مالك سبعين مسألة وكلّها مخالفة لسنة الرسول صلي الله عليه وسلم. والدار قطني ألّف جزءاً فيما خولف فيه مالك من الاَحاديث في الموطأ وغيره، وفيه أكثر من عشرين حديثاً. أقول: هذا حال مالك وكتابه الموطأ. وقال أحمد عن مسنده - كما نقل -: انّ هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من 750 ألف حديث، فما اختلف فيه المسلمون من

ص: 48

حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم فارجعوا إليه، فانّ وجدتموه وإلاّ فليس بحجة! وقال أيضاً: عملت هذا الكتاب، أمّا ما إذا اختلف الناس في سنّة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم رجع إليه. وعن مقدمة ابن خلدون: انّ مسند أحمد (1) فيه خمسون ألف حديث!!! سبحانك يا الله. وعن ابن تيمية الحنبلي (2) نقلاً عن أبي نعيم: انّه روي كثيراً من الاَحاديث التي هي ضعيفة، بل موضوعة باتفاق العلماء... وقال: وليس كلّ ما رواه أحمد في المسند وغيره يكون حجّة عنده، بل يروي ما رواه أهل العلم، وشرطه أن لا يروي عن المعروفين بالكذب عنده، وان كان في ذلك ما هو ضعيف... وأمّا كتب الفضائل فيروي ما سمعه من شيوخه سواء كان صحيحاً أو ضعيفاً... ثم زاد ابن أحمد زيادات، وزاد أبو بكر القطيعي (الذي رواه عن ابنه) زيادات، وفي زيادات القطيعي أحاديث كثيرة موضوعة (باتفاق أهل المعرفة)، وهذه شهادة حنبلي علي إمامه. وقال ابن تيمية في كتابه الآخر: وممّا قاله أحمد بن حنبل، ووافقه عليه عبد الرحمن بن مهدي وعبدالله بن المبارك: إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا. وعن ابن كثير:... فانّ فيه (أي المسند) أحاديث ضعيفة، بل موضوعة كاحاديث...

ص: 49


1- 61. المسند: ما أُفرد فيه حديث كلّ صحابي، من غير نظر إلي موضوع الحديث وترتيبه، وصحته وعدمها.
2- 62. انظر الجزء الرابع من منهاج السنة.

وعن العراقي: وأمّا وجود الضعيف في المسند فهو محقق، بل فيه أحاديث موضوعة، وقد جمعتها في جزء، ولعبدالله ابنه فيه زيادات فيها الضعيف والموضوع. وعن أبي شامة نقلاً عن أبي الخطاب: أصحاب الاِمام أحمد يحتجّون بالاَحاديث التي رواها في مسنده، وأكثرها لا يحل الاحتجاج بها... ويقال: انّ أحمد شرع في جمع المسند في أوراق مفردة علي نحو ما تكون المسودة ثم مات، فقام ابنه عبدالله بتدوينه وألحق به ما يشاكله، وضم إليه من مسموعاته ما يشابهه ويماثله، فسمع القطيعي من كتبه من تلك النسخة علي ما يظفر به منها فوقع الاختلاط من المسانيد والتكرار. وقيل أيضاً: انّه قدر الله تعالي انّ الاِمام أحمد قطع الرواية قبل تهذيب المسند وقبل وفاته بثلاث عشرة سنة، فتجد في الكتاب أشياء مكرّرة، ودخول مسند في مسند، وسند في سند (1) . وعن ابن قتيبة: قطع أحمد بن حنبل رواية الحديث قبل وفاته بسنين كثيرة من سنة 228 ه- علي ما يذكره أبو طالب المكي وغيره، فدخل في الروايات عنه ما دخل من الاَقوال البعيدة عن العلم، إمّا من سوء الضبط أو من سوء الفهم أو تعمد الكذب (2) . وعند الفراغ عن المقدّمات نشتغل ببيان مقاصد الكتاب.

ص: 50


1- 63. انظر مقدمة مسند أحمد للشيخ أحمد محمّد شاكر.
2- 64. كتاب الاختلاف في اللفظ: 53.

حول أحاديث صحيح البخاري

مقدمة

انّ محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مغيرة الفارسي ولد ببخاري سنة 194 ه-، وارتحل في طلب الحديث، ولبث في تصنيفه ست عشرة سنة بالبصرة وغيرها حتي اتمّه ببخاري، ومات بخرتنگ قرب سمرقند سنة 256 ه-، فكان عمره أكثر من ستين سنة. وكان مغيرة مجوسياً ثم أُسلم. وعن مقدمة فتح الباري لابن حجر: انّ أبا علي الغساني روي عنه أنّه قال: خرّجت الصحيح من 600 ألف حديث. وعنه أيضاً: لم اخرّج في هذا الكتاب إلاّ صحيحاً، وما تركت من الصحيح أكثر... وعنه: كنّا عند اسحاق بن راهويه - وهو استاذه - فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة الله، فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح، وخرّجت الصحيح من 600 ألف حديث. فهو أوّل من ميّز الصحيح من غير الصحيح في نظره واجتهاده ثم تبعه غيره في ذلك، وكتاب البخاري اشهر الصحاح حتي قيل في حقه: انّه أصح كتاب بعد كتاب الله. وعن الحاكم في تاريخه: قدم البخاري نيسابور في سنة 250 ه-، فأقبل عليه الناس ليسمعوا منه، وفي أحد الاَيام سأله رجل عن (اللفظ بالقرآن)، فقال: افعالنا مخلوقة، وألفاظنا من افعالنا، فوقع بذلك خلاف، ولم يلبث ان حرّض الناس عليه محمّد بن يحيي الذهلي وقال: من قال ذلك فهو مبتدع ولا يجالس ولا يكلم! فانقطع الناس عن البخاري إلاّ مسلم - صاحب الصحيح الآخر - وأحمد بن سلمة، وقد خشي البخاري علي

ص: 51

نفسه فسافر من نيسابور (1) . أقول: لا شكّ أنّ قول البخاري هو الصحيح المعقول. ثم انّ جملة من المحقّقين لم تمنعهم شهرة البخاري من أن ينتقدوه وينتقدوا كتابه، ولا شكّ انّ كلّ انسان له أخطاؤه ونواقصه، ويقبح كلّ القبح من العلماء أن يغلوا في حقّ أي واحد وإن كان مشهوراً أو ينقصوا من حق أي أحد وإن كان مهجوراً، وهذا هو الفارق بين العالم والجاهل. فمن جملة ما اخذوا عليه، انه ينقل الحديث بالمعني، يعني لا يهتم بالفاظ الحديث مع انّها مهمة جداً، فقد نقل أحيد بن أبي جعفر والي بخاري قال: قال لي محمّد بن إسماعيل يوماً: ربّ حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام، وربّ حديث سمعته بالشام كتبته بمصر، فقلت له: يا أبا عبدالله بتمامه؟ فسكت (2) . وبمثله نقل الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (3) . وعن محمّد بن الاَزهر السجستاني قال: كنت في مجلس سليمان بن حرب والبخاري معنا يسمع ولا يكتب، فقيل لبعضهم: ما له لا يكتب؟ فقال: يرجع الي بخاري ويكتب من حفظه (المصدر). وعن العسقلاني: من نوادر ما وقع في البخاري انّه يخرّج الحديث تاماً باسناد واحد بلفظين (4) . ومن جملة ما اخذوا علي كتابه ما ذكره ابن حجر في مقدمة الفتح: انّ

ص: 52


1- 65. انظر هدي الساري 2: 203.
2- 66. هدي الساري 2: 201.
3- 67. تاريخ بغداد 2: 11.
4- 68. فتح الباري 1: 186.

أبا اسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال: انتسخت كتاب البخاري من اصله الذي كان عند صاحبه محمّد بن يوسف الفربري، فرأيت فيه اشياء لم تتم، واشياء مبيضة، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً، ومنها احاديث لم يترجم لها، فاضفنا بعض ذلك الي بعض. قال أبو الوليد الباجي: وممّا يدل علي صحّة هذا القول انّ رواية أبي اسحاق المستملي، ورواية أبي محمّد السرخسي، ورواية أبي الهيثم الكشميهي، ورواية أبي زيد المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير، مع أنّهم انتسخوا من اصل واحد، وانّما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم في ما كان في طرة أو رقعة مضافة انّه من موضع ما، فاضافه اليه، ويبين ذلك أنّك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها احاديث. وذكر في الجزء السابع من فتح الباري شواهد أُخر منها: انّ البخاري ترك الكتاب مسودة وتوفي، وقال: اظن ان ذلك - أي الناقصة - من تصرف الناقلين لكتاب البخاري. أقول: وهذا ممّا يقل الاعتماد علي الكتاب المذكور. ومن جملة هذه المؤاخذات ماانتقده الحفاظ في عشرة ومائة حديث، منها 32 حديثاً وافقه مسلم علي تخريجه، و78 حديثاً انفرد هو بتخريجه (1) . والذين انفرد البخاري بالاخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضعة وثلاثون رجلاً، المتكلم فيه بالضعف منهم ثمانون رجلاً، والذين انفرد مسلم بالاخراج لهم دون البخاري 620 رجلاً، المتكلم فيه بالضعف منهم

ص: 53


1- 69. فتح الباري 2: 81.

160 رجلاً، والاَحاديث التي انتقدت عليهما بلغت مائتي حديث وعشرة، اختص البخاري منها بأقل من ثمانين، وباقي ذلك يختص بمسلم. واما الذين طعن فيهم من رجال البخاري فنحو أربعمائة نفر، فلاحظ تفصيله في المصدر السابق. وعند السيد محمّد رشيد رضا ان المشكلة لا تخص بصناعة الفن - أي السند - بل في المتون أيضاً، فقال: إذا قرأت الشرح (فتح الباري) رأيت له في احاديث كثيرة اشكالات في معانيها أو تعارضها مع غيرها... ويقول الدكتور أحمد امين: ان بعض الرجال الذين روي البخاري لهم غير ثقات، وقد ضعف الحفّاظ من رجال البخاري نحو الثمانين، وفي الواقع هذه مشكلة المشاكل فالوقوف علي اسرار الرجال محال... ان احكام الناس علي الرجال تختلف كل الاختلاف... ولعل من اوضح المثل في ذلك عكرمة مولي ابن عباس، وقد ملاَ الدنيا حديثاً تفسيراً، فقد رماه بعضهم بالكذب، وبأنّه يري رأي الخوارج، وبانّه كان يقبل جوائز الامراء، ورووا عن كذبه شيئاً كثيراً، فرووا انّ سعيد بن المسيب قال لمولاه - برد -: لا تكذب عليَّ كما كذب عكرمة علي ابن عباس، واكذبه سعيد بن المسيب في احاديث كثيرة. وقال القاسم: انّ عكرمة كذّاب يحدّث غدوة بحديث يخالفه عشية. وقال ابن سعد: كان عكرمة بحراً من البحور وتكلّم الناس فيه، وليس يحتج بحديثه. هذا علي حين ان آخرين يوثقونه... فالبخاري ترجح عنده صدقه، فهو يروي له في صحيحه كثيراً، ومسلم ترجح عنده كذبه، فلم يرو له إلاّ حديثاً واحداً في الحج، ولم يعتمد فيه عليه وحده، وانّما ذكره تقوية

ص: 54

لحديث سعيد بن جبير في الموضوع نفسه (1) .

لا يجب الاخذ بكل ما في البخاري

ويقول صاحب المنار في كلام له في هذا المجال: بل ما من مذهب من مذاهب المقلدة إلاّ واهله يتركون العمل ببعض ما صح عند البخاري وعند مسلم أيضاً من احاديث التشريع المروية عن كبار ائمة الرواة، لعلل اجتهادية أو لمحض التقليد، وقد اورد المحقق ابن القيم أكثر من مائة شاهد علي ذلك في كتابه اعلام الموقعين... وعن الانتصار لابن الجوزي، جملة احاديث لم تأخذ بها الشافعية من احاديث الصحيحين، لما ترجح عندهم مما يخالفها، وكذا في بقية المذاهب. اقول: من وقف علي المباحث الماضية لا يبقي له شك في عدم وجوب العمل بكل ما في الصحاح ومنها البخاري، بل يطمئن بكذب جملة منها فلا يبقي للمحقّق سوي الاحتياط التام، واما المقلد والعامي ومدعي العلم فله ما تخيل، بل صحة الرواية عند مؤلف شيء وصحة المتن عن النبي الاَكرم صلي الله عليه سلم شيء آخر وبينهما بون بعيد، فلا تكن من المغرورين.

روايات البخاري

وعن العراقي كما عن شروط الائمة الخمسة ص85 انّ عدد احاديث البخاري يزيد في رواية الفربري علي عدده في رواية ابراهيم بن معقل

ص: 55


1- 70. ضحي الاسلام 2: 117 - 118.

بمائتين، ويزيد عدد النسفي علي عدد حماد بن شاكر النسفي بمائة. وعن ابن حجر في مقدمة الفتح: ان عدد ما في البخاري من المتون الموصولة بلا تكرار 2602، والمتون المعلّقة المرفوعة 159، فمجموع ذلك 2761. وقال في شرح البخاري: انّ عدته علي التحرير 2513 حديث (1) .

نواقص كتاب البخاري

الذي ظهر لي بالتعمّق في روايات البخاري واحاديثه ان فيه نواقص تضر باعتباره وبالاعتماد عليه أو بحسن تأليفه، منها: 1 - لا مناسبة في بعض المواضع بين عناوين الاَبواب ورواياتها كما في غالب كتاب العلم، وكتاب مواقيت الصلاة، وباب إذا لم يجد ماء ولا تراباً وامثالها. 2 - الاحاديث المكررة - سواء بلا مناسبة أو بمناسبة جزئية - في كتابه قد بلغت الي حد تشمئز منه النفس ويتنفر منه الطبع، ولعلها من خصائص هذا الكتاب وحده، فانّه ربمّا كرّر فيه بعض الاحاديث ثلاث عشرة مرة، وست عشرة مرة، وتسع عشرة، بل الي اثنتين وعشرين مرة!!!! ويحتمل ان هذا التكرار الممل المخالف للذوق السليم ليس من صنع المؤلف، فانّه مات قبل تدوين كتابه فتركه مسوداً، فتصرف فيه المتصرفون بلا روّية، وعليه فيقل الاعتماد علي الكتاب المذكور، فان امانة البخاري ووثاقته لا توجدان أو لم تثبتا لهؤلاء المتصرفين.

ص: 56


1- 71. فتح الباري 1: 70.

3 - لا يوجد في كتاب التوحيد - مثلاً - حديث مفيد، بل كثيراً ما لا يستفاد من روايات البخاري معني مفيداً، وهذا شيء عجيب، وكيف يعقل ان تكون جملة كثيرة من احاديث النبي الحكيم الفصيح صلي الله عليه وآله وسلم في أُمور تافهة غير مناسبة لمقام النبوة، وهو افضل البشر عقلاً وعلماً وحكمة؟!!! 4 - لا معني لبعض كتب البخاري، فلاحظ كتاب التمني تجد صدق ما قلنا. 5 - ينبغي ان نسمي مجمع الصحاح - ومنها البخاري - بكتب سيرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، إذ لا توجد في أكثر احاديثها مطالب في العقائد والمعارف والضوابط الكلية في الفقه، ولذا تري فقهاء المذاهب والمجتهدين في الفقه يلجأون الي القياس والاستحسان والمصالح المرسلة، بل ذهب بعض المحققين - كما تقدم ذكره عند البحث عن كتابة الحديث - الي ان الصحابة (رض) لم يفهموا جعل الاحاديث كلّها ديناً عاماً دائماً كالقرآن، والي ان حكمة النهي عن كتابة الحديث هي لكي لاتكثر اوامر التشريع ولا تتسع ادلة الاحكام، وهو ما كان يتحاشاه النبي صلي الله عليه وسلم. نعم خلو كتب الحديث عمّا قلنا واجمال جملة أُخري من روايات هذه الكتب يقويان استنباط هؤلاء المحقّقين من حكمة النهي المذكور، لكن معني ذلك سقوط السنّة القولية عن مقامها السامي في التشريع الاسلامي المقربه عند المذاهب الاسلامية أو جمهور المسلمين، حيث يعدون السنّة بعد كتاب الله تعالي مصدراً أصلياً، اللهم إلاّ ان يقال ان المراد بها هي السنّة العملية دون اخبار الآحاد التي عرفت حالها فيما مر من هذا الكتاب، وان الغلو في اعتبار روايات الصحاح شأن مدّعي العلم والمغرورين دون العلماء الكاملين.

ص: 57

6 - كل منصف تعمق - بعد مطالعة البخاري - في سائر الصحاح يفهم بوضوح انّ البخاري - مع الغض عن نقله الحديث بالمعني كما مر - يري جواز الحذف والتغيير في متون الاحاديث بما يراه مناسباً، وهذا امر خطير يسقط اعتبار الكتاب الي حد بعيد رغم اشتهاره واعتماد معظم اهل العلم عليه، فمن باب المثال يمكن ان يرجع المحقّق الي روايات التيمم الواردة في بحث عمر وعمّار (رض)، وروايات كتاب الاذان، وقصة انكار عمر موت النبي صلي الله عليه وسلم، وقصة منازعة العباس وعلي وما قال لهما عمر، وامثال ذلك. وانا ارجو من القراء الكرام ان لا يتبادروا الي الانكار والغضب، بل ليرجعوا الي البخاري ثم الي سائر الصحاح وكتب الحديث حتي يقفوا علي الحقيقة، والحق احق ان يتبع، نعم ليس سبيل التحقيق في الدين هو تحكيم طريقة الآباء أو اتباع المشهور، اذ رب شهرة لا اصل لها، والمسلم بحكم فطرته ودينه مكلّف باتباع الدليل والله يهدي من يشاء الي الصراط المستقيم، واعلم اني لا اتعرّض لاحاديث البخاري وكذا غيره من الصحاح من ناحية السند إلاّ نادراً ولا اتعرّض لجميع الاحاديث ليكون الكتاب كالشرح للصحاح، بل اتعرض لبعض الروايات (1) .

بدء الوحي

(1) عن عائشة أُمّ المؤمنين انّها قالت: أول مابديء به رسول الله صلي الله عليه وسلم

ص: 58


1- 72. النسخة الحاضرة عندي من البخاري هي المطبوعة بمساعدة دار ابن كثير واليمامة في دمشق وبيروت الطبعة الرابعة (1410 ه-) بتحقيق وتعليق الدكتور مصطفي ديب البغا مدرس في كلية الشريعة - جامعة دمشق، في ستة اجزاء. وحيث ان الدكتور المذكور ذكر لكل حديث رقماً مسلسلاً فأنا اذكر الرقم المذكور بعد نقل الرواية كلاً أو بعضاً.

من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم... فانطلقت به خديجة حتي أتت به ورقة بن نوفل... (1) . اقول: في هذه الرواية ثلاثة اسئلة: أولها: انّ السيدة عائشة تنقل الموضوع كأنّها كانت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم، وكأنّها سمعت كلام جبرئيل في غار حراء، وكأنّها كانت عند خديجة - (رض) - وسمعت كلامها وكلام ورقة بن نوفل لرسول الله وما اجابه النبي صلي الله عليه وسلم، والحال انّها لم تكن ولدت آنذاك، وهذا شيء عجيب، وأي مجوز لنقله في مثل كتاب البخاري، ألمجرد حسن الظن بانّها تنقل كل ذلك عن رسول الله، فان حسن الظن في أُمور الدين لا يكفي لكسب الحقيقة مع ان سوق العبارة في مجموع الحديث لا يناسب النقل، بل العبارة عبارة الشاهد دون الناقل، وهل هذا بمجرده لا يشعر بكذب الحديث؟ ثانيها: انّ ورقة بن نوفل - يعلم باخراج قريش ايّاه صلي الله عليه وسلم من مكة وهو لا يعلم، فهلموا ايها المنصفون - بل يا ايها العاقلون - انظروا نصرانياً يعلم مستقبل النبي الخاتم صلي الله عليه وسلم وهو لا يعلم، ويسأل صلي الله عليه وسلم عنه سؤال تلميذ من استاذه!!! ثالثها: وهو أهمها انّ النبي لم يطمئن بتعينه رسولاً، وكأن الله سبحانه وتعالي لم يقدر علي تفهيم رسوله بما اراد منه واعطاه ايّاه حتي نصحته زوجته، وهو يخشي علي نفسه! واسوأ منه انّ ورقة النصراني عرف الملك وعلم انه صلي الله عليه وسلم بعث رسولاً، وهو يخشي علي نفسه، فانا لله وانا إليه راجعون، وهذا الحديث وامثاله انّما يقبله السذج والبسطاء، ولا يجتريء

ص: 59


1- 73. صحيح البخاري 1: رقم 3 كتاب بدء الوحي.

مسلم فطن ان يقبل ان الرسول الخاتم فهم نبوته بقول زوجته وبقول رجل نصراني اعمي دون وحي منزّل من الله سبحانه وتعالي عليه. علي أن الحديث التالي لجابر بن عبدالله في البخاري يكذب قصة الرجوع الي ورقة، فقلت: زمّلوني زمّلوني، فانزل الله تعالي: (يا أيّها المدّثر قم فأنذر) (1) (2) . وحمله علي وقت آخر لا دليل عليه سوي حسن الظن بالرواة وحفظ كلامهم عن التعارض! نكتة (2) عن أبي موسي قال سئل النبي عن اشياء كرهها، فلما اكثر عليه غضب ثم قال للناس: «سلوني عمّا شئتم» قال رجل: من أبي؟ قال: «أبوك حذافة، فقام آخر فقال من أبي... فلما رأي عمر ما في وجهه قال: يا رسول الله انّا نتوب الي الله عزّ وجلّ. وفي رواية أُخري فبرك عمر فقال رضينا بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد نبياً، فسكت (3) . أقول: للحديث صدر في بعض الكتب لا اذكره احتراماً لعمر، ولاجله حذفه البخاري فصار الكلام مجملاً!

مسح الرجلين

(3) عن عبدالله بن عمرو قال: تخلّف رسول الله صلي الله عليه وسلم في سفر

ص: 60


1- 74. المدثر: 1،2.
2- 75. صحيح البخاري رقم 4638 كتاب التفسير.
3- 76. صحيح البخاري رقم 92 - 93 كتاب العلم.

سافرناه، فأدركنا وقد ارهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح علي ارجلنا فنادي بأعلي صوته: «ويل للاعقاب من النار» مرتين أو ثلاثاً (1) . أقول: يظهر من الرواية انّ الصحابة (رض) كانوا يمسحون علي أرجلهم في الوضوء عملاً بظاهر القرآن أو بتعليم من الرسول صلي الله عليه وسلم أو بكليهما، وقوله صلي الله عليه وسلم: «ويل للاعقاب من النار» ناظر الي لزوم ازالة النجاسة عن الاَعقاب المبطلة للصلاة. وعليه فالرواية تنافي ما ورد في غسل الرجلين، وحمل المسح علي الغسل الخفيف - كما عن بعضهم - تأويل بلا وجه. (4) وعن علي: انّه صلّي الظهر ثم... فشرب وغسل وجهه ويديه، وذكر راسه ورجليه ثم... (2) . أقول: المظنون ان الاصل: مسح رأسه ورجليه، فيد الاَمانة حرّفتها بذكر!

شرط دخول الجنة

(5) وفي رواية أبي هريرة: «اسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال لا اله إلاّ الله، خالصاً من قلبه، أو نفسه» (3) . أقول: هذا المعني وما يقرب منه يستفاد من جملة من الاَحاديث، ومقتضاه عدم اشتراط دخول الجنة بالاعتقاد بنبوة فضلاً عن الاعتقاد بنبوة خاتم النبيين صلي الله عليه وسلم، ولكن لا بدّ من تقييده بغيره كحديث معاذ (4) وغيره.

ص: 61


1- 77. صحيح البخاري رقم 9660 كتاب العلم، صحيح مسلم 3: 131.
2- 78. صحيح البخاري رقم 5239 كتاب الاشربة.
3- 79. صحيح البخاري رقم 99.
4- 80. صحيح البخاري رقم 128 كتاب العلم.

واعلم انّه ورد في جملة من الاَحاديث علي أنّه صلي الله عليه وسلم امر بقتال الناس حتي يقولوا... ومدخول كلمة "حتي" مختلف زيادة ونقيصة اختلافاً كثيراً يشكل احراز ما هو الصحيح منه.

صحيفة علي

(6)عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا،إلاّ كتاب الله أو فهم اعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الاَسير، ولا يقتل مسلم بكافر (1) (2) . (7) عن علي: ما عندنا شيء إلاّ كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلي الله عليه وسلم: المدينة حرم ما بين عائر الي كذا من احدث فيها حدثاً، أو آوي محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، وقال: ذمة المسلمين واحدة، فمن اخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن تولّي قوماً بغير اذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل (3) . أقول: قيل في تفسير (الصرف والعدل): أي التوبة والفدية أو النافلة والفريضة ورواه بتفاوت في كتاب الجزية (4) . (8) وعن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم شيء من

ص: 62


1- 81. وفي الديات من سنن ابن ماجه برقم 2658 أو ما في هذه الصحيفة فيها الديات عن رسول الله (ص)....
2- 82. صحيح البخاري رقم 111.
3- 83. صحيح البخاري رقم 1771 كتاب فضائل المدينة.
4- 84. صحيح البخاري رقم 3008 كتاب الجزية، بتفاوت.

الوحي؟ إلاّ ما في كتاب الله؟ قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلاّ فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الاَسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر (1) . (9) وعن ابن الحنفية: لو كان علي ذاكراً عثمان ذكره يوم جاء اناس فشكوا سعاة عثمان، فقال لي علي: اذهب الي عثمان فاخبره انّها (اي الصحيفة المشتملة علي أحكام الصدقات) صدقة رسول الله صلي الله عليه وسلم، فمر سعاتك يعملون فيها. فأتيته بها، فقال: اغنها عنّا، فاتيت بها علياً فاخبرته، فقال: ضعها حيث أخذتها. وفي نقل آخر: أرسلني أبي وقال: هذا الكتاب فاذهب به الي عثمان، فان فيه أمر النبي في الصدقة (2) . أقول: هذه صحيفة أُخري لعلي رضي الله عنه في احكام الزكاة اعرض عن اخذها - فضلاً عن العمل بها - عثمان. ومنها يظهر بطلان ما: (10) عن ابن عباس حين سئل: أترك النبي صلي الله عليه وسلم من شيء؟ قال: ما ترك إلاّ ما بين الدفتين. ونسب مثله الي محمّد بن الحنفية (3) . (11) عن ابراهيم التيمي عن أبيه قال: خطبنا علي بن أبي طالب قال: من زعم انّ عندنا شيء نقرأه إلاّ كتاب الله وهذه الصحيفة (قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفه) فقد كذب، فيها اسنان الابل، واشياء من الجراحات،

ص: 63


1- 85. صحيح البخاري رقم 2882 كتاب الجهاد.
2- 86. صحيح البخاري رقم 2944 كتاب الخمس.
3- 87. صحيح البخاري رقم 2731 كتاب فضائل القرآن.

وفيها قال النبي صلي الله عليه وسلم: «المدينة حرم ما بين عير الي ثور، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوي محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً، وذمة المسلمين واحدة يسعي بها ادناهم، ومن ادّعي الي غير أبيه أو انتمي الي غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً» (1) . (12) عن أبي الطفيل قال: سئل علي أخصّكم رسول الله صلي الله عليه وسلم بشي؟ فقال: ما خصّنا رسول الله صلي الله عليه وسلم بشيء لم يعم به الناس كافة إلاّ ما كان في قراب سيفي هذا. قال: فاخرج صحيفة مكتوب فيها: «لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الارض، ولعن الله من لعن والده (والديه)، ولعن الله من آوي محدثاً» (2) . (13) وعن علي عليه السلام: ما كتبنا عن رسول الله إلاّ القرآن، وما في هذه الصحيفة... (3) . (14) عن قيس بن عباد قال: انطلقت أنا والاشتر الي علي عليه السلام فقلنا: هل عهد إليك رسول الله شيئاً لم يعهده الي الناس عامة؟ قال: لا، إلاّ ما في كتابي هذا... فاذا فيه: «المؤمنون تكافأ دماؤهم وهم يد علي من سواهم، ويسعي بذمتهم ادناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدثاً فعلي نفسه، ومن أحدث حدثاً أو آوي محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (4) .

ص: 64


1- 88. صحيح مسلم 10: 150.
2- 89. صحيح مسلم 13: 142.
3- 90. سنن أبي داود 2: 223.
4- 91. سنن أبي داود 4: 179 كتاب الديات.

(15) عن الاشتر انه قال لعلي: انّ الناس قد تفشغ بهم ما يسمعون، فان كان رسول الله صلي الله عليه وسلم عهد إليك عهداً فحدثنا به. قال: ما عهد اليَّ رسول الله صلي الله عليه وسلم عهداً لم يعهده الي الناس، غير انّ في قراب سيفي صحيفة فاذا فيها: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم يسعي بذمتهم ادناهم لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده» (مختصر) (1) . ومعني تفشغ: فشا وانتشر بما يسمعون كما ذكره السندي، وضبطه السيوطي في شرحه: تقشع، وفسّره بتصدع واقلع. أقول: لا بدّ من ذكر امور باختصار، منها: 1 - انّ الروايات - كما تري - تختلف اختلافاً شديداً في مطالب الصحيفة كمّاً وكيفاً وترتيباً، وما ادعي أحد من الرواة انّه نقل كلّ ما في الصحيفة، وهذا شيء عجيب. 2 - انّ نفس هذا الاصرار علي نفي الكتاب أو شيء من العلم عند علي ربّما يدل علي عكسه، وانّ الغرض من هذه الروايات انكاره، ويدل عليه الخبر الاَخير من شهرة ذلك - الكتاب أو العهد - بين الناس. 3 - صريح خبر ابن الحنفية وجود كتاب آخر عند علي وهو صحيفة صدقات رسول الله صلي الله عليه وسلم ارسلها الي عثمان ليعمل بها، ولكنّ عثمان ما قبلها وردّها، وهذا يكذّب كل ما في الروايات من الانكار والنفي! 4 - ممّا لا شكّ فيه انّ النبي صلي الله عليه وسلم علّم عليّاً علوماً كثيرة في المعارف والفقه وغيرهما، وانّه كان يلزمه من صغره الي حين موت النبي صلي الله عليه وسلم، وسيأتي انّه صلي الله عليه وسلم يخلو به كل يوم، وكل من قرأ الأحاديث الواردة في حقه

ص: 65


1- 92. سنن النسائي 8: 24.

يعلم ذلك قطعاً. والعجب انّه لم ينكر أحد علي ابي هريرة الوعائين للعلم اللذين اعطاهما له رسول الله صلي الله عليه وسلم، وانّه بث وعاءً واحداً ولم يبث الوعاء الآخر! وكلّ عاقل يعلم انّ عليّاً أعلم من أبي هريرة بكثير، فأي موجب لهذا الانكار؟ 5 - قد ثبت انّ لعليّ كتباً أو كتاباً كبيراً فيه كثير من الحلال والحرام، وقد نقل عنه أولاده كمحمّد بن علي وجعفر بن محمّد في موارد كثيرة. ولعلّ غرض المنكرين الوضّاعين هو نفي وصيّة الخلافة إليه، وهذا النفي لا يتوقّف علي نفي ما هو المعلوم من علومه أو كتابه من رسول الله صلي الله عليه وسلم.

منع النبي عن الكتابة

(16) عن ابن عباس قال: لمّا اشتدّ بالنبي صلي الله عليه وسلم وجعه قال: «ائتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده» قال عمر: انّ النبي صلي الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط. قال: «قوموا عنّي، ولا ينبغي عندي التنازع». فخرج ابن عباس يقول: انّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلي الله عليه وسلم وبين كتابه (1) . (17) وعنه: لمّا حُضِرَ رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي البيت رجال، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «هلمّوا اكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده» فقال بعضهم: ان رسول الله قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده، ومنهم من يقول

ص: 66


1- 93. صحيح البخاري رقم 114 كتاب العلم.

غير ذلك، فلمّا اكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «قوموا (1) ... ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم، ولغطهم (2) . (18) وعنه ما يقرب من سابقه بتفاوت ما، وفيه: وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب... «لا تضلوا بعده». فقال عمر: انّ النبي قد غلب عليه الوجع... ومنهم من يقول ما قال عمر.. (3) . (19) وعنه أيضاً مثل ما مرّ آنفاً (4) . (20) وعنه: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكي حتّي خضّب

ص: 67


1- 94. اخرج البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة عن ابن مليكة: كاد الخيران ان يهلكا أبو بكر وعمر لمّا قدم علي النبي (ص) وفد بني تميم اشار الي احدهما بالاقرع بن حابس التميمي الحنظلي اخي بني مجاشع، واشار الآخر بغيره، فقال: ابو بكر لعمر: انّما اردت خلافي، فقال عمر: ما اردت خلافك، فارتفعت اصواتهما عند النبي (ص)، فنزلت: (يا ايّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون ان الذين يغضون اصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوي لهم مغفرة واجر عظيم). ونقله في كتاب المغازي عن عبدالله بن الزبير بلفظ آخر وفيه: حتي ارتفعت اصواتهما فنزلت في ذلك: (يا ايّها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله) حتي انقضت. أقول: مع الاَسف انّ عمر لم يتأدّب بتأديب الله حتي آخر ايام حياة النبي (ص)، فرفع صوته فوق صوت النبي (ص)، وقدّم بين يدي الله ورسوله، ومنع من امتثال امره، وقال: حسبنا كتاب الله.
2- 95. صحيح البخاري رقم 4169 كتاب المغازي.
3- 96. صحيح البخاري رقم 5345 كتاب المرضي.
4- 97. صحيح البخاري رقم 6932 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.

دمعه الحصباء، فقال: اشتدّ برسول الله صلي الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس فقال: «ائتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً» فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله صلي الله عليه وسلم! قال: «دعوني، فالذي انا فيه خير مما تدعونني اليه» وأوصي عند موته بثلاث: «اخرجوا المشركين من جزيرة العرب، واجيزوا الوفد بنحو ما كنت اجيزهم، ونسيت الثالثة» (1) . (21) وعنه مثل سابقه بتفاوت، ففيه: «ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً»... فقالوا: أهجر استفهموه؟ فقال: «ذروني...» فأمرهم بثلاث... والثالثة خير، إمّا ان سكت عنها، وإمّا ان قالها فنسيتها (2) . (22) وعنه: يوم الخميس وما يوم الخميس؟ اشتدّ برسول الله صلي الله عليه وسلم وجعه فقال: «ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً» فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر استفهموه، فذهبوا يردون عليه، فقال: «دعوني...» واوصاهم بثلاث... وسكت عن الثالثة أو قال: فنسيتها (3) . أقول: فهذه سبعة موارد كرّر البخاري الحديث في كتابه بالفاظ مختلفة، ولا يفهم من هو الذي غير الاَلفاظ فانّ ابن عباس حكي واقعة واحدة لسعيد بن جبير (4168 و2888 و2997)، ولعبيد الله بن عبدالله بن عتبة (114 و4169 و5345 و6932)، ولا يبعد انّ عبيد الله - لمكان فقهه

ص: 68


1- 98. صحيح البخاري رقم 2888 كتاب الجهاد.
2- 99. صحيح البخاري رقم 2997 كتاب الجزية. [
3- 100. صحيح البخاري رقم 4168 كتاب المغازي.

وعلمه - اصلح الرواية بما يخرجها عن الغلظة والشدة، فيخفف السؤال والايراد عليها، ويحتمل انّ التغيير والتعبير عن «الهجر» بغلبة الوجع من صنع البخاري كما اشرنا اليه في المقدمة، والله العالم (1) (2) . وخلاصة الواقعة: انّ النبي صلي الله عليه وسلم في مرض وفاته طلب من جماعة من أصحابه الحاضرين في بيته شيئاً يكتب فيه كتاباً لا يضلّ الاَُمّة بعده أبداً، فقال: عمر وغيره (رض): انّه يهجر ويهذي، وعندنا كتاب الله وحسبنا (فلا نحتاج الي كتابه صلي الله عليه وسلم فلا تقرّبوا اليه شيئاً يكتب فيه الكتاب) فاختلف الحاضرون بين مؤيّد لقول صلي الله عليه وسلم وبين مؤيّد لقول عمر (رضي الله عنه)، فتنازعوا بينهم حتّي كثر اللغط بينهم، فتأثّر النبي الخاتم صلي الله عليه وسلم من الحال فطردهم من بيته بقوله: «قوموا عني أو دعوني» ثم أمرهم بثلاث لم يذكر ابن عباس أو غيره ثالثها. إذا تقرّر ذلك فها هنا أُمور: 1 - هل كان النبي صلي الله عليه وسلم يكتب الكتاب بيده ليكون الحديث دليلاً علي قدرته علي الكتابة بعد النبوة بإفاضة من الله سبحانه وتعالي - وان كان قبلها لا يتلو من كتاب ولا يخطه بيمينه - أو يامر أحداً من الحاضرين بالكتابة؟ فيه وجهان. وربّما يأتي بعض الكلام حوله في المقصد الثاني. 2 - ما هو الموضوع المهم الذي أراد النبي أن يكتبه في تلك الحالة ولا يري أن يكتفي بالبيان القولي، فهل كان امراً جديداً لم يبيّنه لاَُمّته الي ذلك اليوم، او بيّنه لكنّه أراد كتابته في آخر أيام حياته تأكياً وتخليداً له؟

ص: 69


1- 101. واما البكاء، فلا اختلاف فيه، لامكان ان ابن عباس بكي عند سعيد ولم يبك عند عبيد الله، وهذا واضح.
2- 102. انظر صحيح مسلم 11: 90 كتاب الوصية.

العقل يحكم بالوجه الثاني؛ لاستحالة اخفاء النبي أمراً لا تهتدي الاَُمّة بدونه، ورضاه ببقاء الناس علي الضلالة مساوق لابطال رسالته - وهو كما تري - إلاّ ان يدفعه أحد بما يجيء في الاَمر الرابع والسادس. 3 - مع الغض عن الاَمر الثاني، يخطر في اذهاننا ما هو هذا الاَمر العظيم الذي تقع الاَُمّة بعده في الضلالة حتي مع الكتاب والسنّة؟ هل كان الاَمر الحاضر في ذهنه صلي الله عليه وسلم من مباحث التوحيد أو المعاد أو شيء من المعارف الاعتقادية فهذا شيء بعيد غايته، فإنّ الاركان الاعتقادية والاَُصول الدينية قد تقرّرت في الكتاب والسنّة في حياته، ولم يبق شيء منها يشترط في صحة الاسلام أو الايمان، مع ان المناسب علي هذا الاحتمال لزوم التعبير ب-: «لا تكفرون بعدي» مكان «لا تضلّون بعدي». وهل هو من مباحث الحلال والحرام وتفصيل أحكام المسائل الجزئية الفرعية؟ وان شئت فقل تكميل الفقه وبيان فروعه؟ لكنّه غير محتمل؛ لاَنّ بيانها كان يحتاج الي زمان طويل وكتاب مبسوط قطور. ثم أقول: هذا المخزون في ضميره صلي الله عليه وسلم ليس من أُصول الدين ولا من فروعه؛ لاَنّ الله سبحانه اخبر قبل ذلك اليوم بثلاثة اشهر - بزيادة ايام أو بنقيصتها - مخاطباً الاَُمّة الاسلامية: (اليومَ أكملتُ لكُمْ دينكُمْ وأتممتُ عليكُمْ نعمتي ورَضيتُ لكُمْ الاسلامَ ديناً)، والدين عبارة عن الاَُصول الاعتقادية والاحكام الفرعية (1) وموضوعاتها المستنبطة كالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والاعتكاف ونحو ذلك، فمع اكمال الدين لا يبقي شيء يوجب تركه ضلال الاَُمّة.

ص: 70


1- 103. في العبادات والمعاملات والحدود والديات وغيرهما ممّا هو مسطور في الكتب الفقهية اليوم.

4 - في الحديث نكتة مهمة لا بدّ من لفت النظر اليها، وهي انّ هذا الذي أراد صلي الله عليه وسلم ان يكتبه انّما كان يوجب حفظ الاَُمّة عن الضلال بعد حياته حيث قال: «لن تضلّوا» أو «لا تضلّوا»، أو «لا تضلون بعده»، أي بعد هذا الكتاب، فانّه كان عالماً - باعلام الله تعالي - انّه ذاهب في القريب العاجل الي ربه والي الرفيق الاعلي، فهذا الاَمر لا يتعلّق بهداية الناس في حياته وإلاّ لبيّنه للناس قبل ذلك في مكة أو في أوائل هجرته، فانّ تبليغ ما أُنزل اليه من ربه واجب عليه، فان لم يفعل فما بلغ رسالته. وبعبارة أُخري انّ الذي قصد كتابته أمر خطير وحافظ من ضلال الاَُمّة، لكنّه ليس متعلّقاً بايام حياته صلي الله عليه وسلم، بل يتعلّق بحال المسلمين بعد وفاته صلي الله عليه وسلم. وهذا الذي يستفاد بوضوح من قوله صلي الله عليه وسلم: (بعده)، يؤكده قوله تعالي: (اليومَ أكلمتُ لكُمْ دينكم...) فكما انّه ليس من أُمور التوحيد والمعاد وسائر أُصول الاسلام وليس من فروعه أيضاً كما عرفت، كذلك ليس مورداً لابتلاء المسلمين الي ذلك اليوم والي حين وفاته وإلاّ لتوجّه الايراد عليه صلي الله عليه وسلم أولاً: بانّه لم يبيّنه لحد الآن، وثانياً: بانّ الله اكمل الدين فما معني ضلال المسلمين بعده. 5 - من الواضح انّه يخطر في ذهن كثير من أهل العلم وغيرهم انّ مجرد منع جماعة من الصحابة بقيادة عمر (رضي الله عنه) لا يكفي لانصراف النبي صلي الله عليه وسلم عن كتابة هذا الامر المهم المانع عن الضلال، فلم انصرف عنها ولِمَ لم يبيّنه قولاً وشفاهاً حتي طردهم عن بيته وسكت عن مراده؟ وهذا سؤال مهم جداً. وجوابه عندي انّ النبي صلي الله عليه وسلم علم انّ تأكيده علي مراده بالكتابة لا يفيد

ص: 71

تلك الفائدة بعد ما قال عمر (رضي الله عنه) قوله وقبله جمع آخر، إذ لو فرض انّه يكتب بعده ما اراده صلي الله عليه وسلم بكل تأكيد وتغليظ كان بوسع المخالفين ان يقولوا انّه صلي الله عليه وسلم لشدة مرضه هجر وهذي، فلا موجب أو لا مجوّز للعمل به، فلا يتحقّق مراده، ولاجله انصرف عنه. 6 - بعد اللتيا والتي يبقي السؤال السابق بحاله، وانّه ما هو مقصود النبي صلي الله عليه وسلم من هذا المكتوب؟ وأقول في الجواب: لا بدّ من لفت النظر الي ما تفرّقت الاَُمّة عليه بعد وفاته وضلّوا وسقطوا في الفتن والحروب والتقاتل والتكفير والتضليل الي يومنا هذا؟ وهذا الشيء هو مقصوده بالكتابة. ونحن نعتقد بانّ كل منصف إذا تطهّرت نفسه من العصبية والتقليد يفهم انه هو امر الخلافة بعده وتعيين خليفته بشخصه وعينه. أليس وقع الاختلاف بين علي (رضي الله عنه) وغيره في أمر الخلافة ولم يبايع أبا بكر (رضي الله عنه) ستة أشهر طيلة أيام حياة فاطمة، وانّما بايعه حين استنكره وجوه الناس كما نقله البخاري فيما يأتي عن عائشة (رض). ألم يقع التشاجر بين الانصار والمهاجرين في سقيفة بني ساعدة والتكلم بما لا يليق بمسلم؟ وهلا يرجع سبب الفتن الواقعة في خلافة عثمان (رضي الله عنه) الي هذا الامر المقصود بالكتابة؟ أليست حروب الجمل وصفين والنهروان من أوضح آثار الاختلاف في الخلافة؟ ما هو سبب قتل الخليفتين عثمان وعلي وبقاء ما ترتّب عليه الي يومنا هذا، أليس تفرّق المسلمين شيعة وسنة نتيجة الاختلاف في الخليفة بعد النبي صلي الله عليه وسلم، أليست الحروب الداخلية بين المسلمين التي افسدت الحرث والنسل لاجل ذلك؟ أليس ما ابتلي به المسلمون - حتي يومنا هذا-

ص: 72

من الانحطاط والتأخر والانحراف هو نتيجة ذلك الاختلاف الذي ادّي الي تسلّط حكّام الجور من بني أُمية وبني العباس؟ وهكذا وهكذا. وبعد هذا لا اظن بمسلم عاقل يشكّ في مراد النبي صلي الله عليه وسلم وما اراد أن يكتبه، وانّه هو تعيين خليفته بعده أو الخلفاء بعده، فلو كتبه صلي الله عليه وسلم وقبله الصحابة بعده ما ضلّ الناس بعده أبداً، وحيث انّ جماعة من الصحابة منعوه من الكتابة فقد ضلّ الناس كما عرفت. لا يقال قد ذكرت ان آية اكمال الدين اخبرت عن عدم بقا أمر ديني موجب للضلال فيعود الاشكال عليك أيضاً. فانه يقال انّ الآية الشريفة تدلّ علي اكمال أمر التشريع والتقنين في الاَُصول والمعارف وكليات الفقه وحتي أمر الخلافة اجمالاً، كما يظهر من استدلال الشيعة واهل السنة بالآيات والروايات الصريحة أو المشيرة - بزعمهم - علي أمر الخلافة. واما تعيين مصداق الخليفة وشخصه، فهذا لا يمس باكمال التشريع حتي إذا فرضنا (1) اهماله من جانب صاحب الرسالة الي هذا اليوم، لعدم حلول وقت الابتلاء به الي حين وفاته صلي الله عليه وسلم، فبيان الحكم أمر وتعيين مصداقه ومتعلّقه أمر آخر وبينهما بون بعيد، ولذا قال بعض الباحثين ان مراده صلي الله عليه وسلم هو التنصيص علي خلافة أبي بكر. 7 - بقي في المقام سؤالان خطيران مهمان: الاَول: نسبة الهجر الي النبي المعصوم الذي قاله فيه سبحانه وتعالي: (وما ينطقُ عن الهوي إن هو إلاّ وحيٌ يوحي) يوجب الردّة أو الفسق قطعاً، وهذا لا يجتمع مع عدالة الصحابة، بل مع الايمان، بل لو فرضنا

ص: 73


1- 104. خلافاً للشيعة وجمع من أهل السنّة القائلين بتعيين الخليفة من قبله صراحة علي حد زعم الشيعة أو اشارة علي حد زعم جماعة من أهل السنّة.

صحّة جملة (قد غلبه الوجع، أو: قد غلب عليه الوجع) مكان جملة (هجر، أو: أهجر)، بل لو فرضنا انهم قالوا بأبي أنت وأُمي يا رسول الله لا تكتب شيئاً في هذه الحالة لبقي أصل الاشكال بحاله، فإنّ عصيان الرسول محرم ينافي العدالة. الثاني: انّ منع الكتابة أوجب ضلال الاَُمّة ضلالاً ذهبت به الاَموال وسفكت به الدماء ووقعت به البغضاء والعداوة والتفرقة الواسعة بين المسلمين الي يومنا هذا (1) فوزر هذا الضلال الكبير علي المانعين في ذلك المجلس، أو انّه معفو عنهم لاجتهادهم؟! لكن الاجتهاد في مقابل النص لو فرض جوازه لارتفع وجوب اطاعة الرسول صلي الله عليه وسلم الثابت بالآيات الكثيرة الواردة في القرآن وبالضرورة من الدين والعقل. علي ان في خصوص المقام قامت قرينة واضحة علي ابطال هذا الاجتهاد، وهو غضب النبي أو عدم رضاه بالمنع المذكور، وكثرة اللغط واللغو حتي طردهم من عنده بقوله صلي الله عليه وسلم: «قوموا عني»، فامرهم بتركه وقيامهم عنه، ولعلّه لا نظير له في تمام حياته، فانّي لم اجد مورداً اخرج النبي أحداً من اصحابه من بيته حتي في ليلة عرسه مع كراهته لبقائهم في البيت حتي نزلت آية الحجاب كما نقل في الصحاح. وأيضاً صرّح النبي صلي الله عليه وسلم لهم: بانّ الذي انا فيه هو خير ممّا تدعونني اليه، أي هذا المرض المميت خير مما تدعونني اليه من ترك الكتابة، فادّعاء الاجتهاد في المقام غلط واضح، وصدق ابن عباس حيث يقول: انّ

ص: 74


1- 105. ولقد خاف النبي من هذه الحالة حيث حذر اصحابه في حجة الوداع بقوله: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض». (البخاري 121 كتاب العلم) وكرره برقم 4143 و6475 و6669.

الرزية كل الرزية ما حال بين الرسول صلي الله عليه وسلم وبين كتابه. وله حق البكاء، بل ينبغي ان يبكي عليه كلّ مسلم يحب دينه. لكن المانعين، من الصحابة وعلي رأسهم عمر وهو الخليفة الثاني، فما هو المخرج من هذه المشكلة العويصة المحيّرة للعقول؟ وقد ذكر علماء الحديث والكلام أعذاراً كثيرة، لكنّها غير مقنعة عند من نجاه الله من التقليد والعصبية ووفقه لتطبيق الاعتقاد علي الحق دون تطبيق الحق علي الاعتقاد (1) ، ولا شيء أفضل من ان نقول والله العالم، وانا لله وانا اليه راجعون. 8 - ثم انّ في مقالة عمر: (حسبنا كتاب الله) اشكال آخر، وهو انّ قول النبي وفعله وتقريره مصدر ثان للتشريع، ولا شكّ في عدم كفاية القرآن وحده من دون السنّة النبوية لنجاة المسلمين، فكما يجب العمل بالقرآن، يجب العمل بالسنّة بدلالة آيات من القرآن، فرد أمر الرسول ردّ للقرآن أيضاً. علي ان عمر واتباعه يعلمون - اتم علم - بانّ الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم اعلم منهم ومن كل أحد بالقرآن، فلو كان القرآن كافياً لهم لَما قال لهم اكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده أبداً، فاستدلالهم هذا رد اعتقادي علي الرسول صلي الله عليه وسلم، وهذا اقبح من منع اتيان ما يكتب فيه، فانّه مجرد عصيان عملي. (23) وعن العرباض قال: نزلنا مع النبي صلي الله عليه وسلم خيبر... فغضب النبي صلي الله عليه وسلم وقال: «يا ابن عوف اركب فرسك ثم ناد...» فقام صلي الله عليه وسلم فقال: «أيحسب أحدكم متكئاً علي اريكته قد يظن انّ الله لم يحرم شيئاً إلاّ ما في هذا القرآن، ألا واني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن اشياء، انّها لمثل

ص: 75


1- 106. انظر - من باب المثال - الي شرح النووي في تأويل الحديث، فكل ما قاله أو نقله فهو وهن ضعيف، ولا يخفي علي أهل العلم بطلانه بل هو واضح البطلان.

القرآن أو أكثر...» (1) . أقول: كان عمر حاضراً في خيبر وسمع كلام النبي صلي الله عليه وسلم قطعاً لاَنّ الصحابة كلّهم اجتمعوا بأمر النبي للصلاة كما صرّح في الحديث. ويمكن ان نقدم اعتذاراً من قبل الخليفة واتباعه انّهم لم يلتفتوا الي لوازم كلامهم هذا في تلك الساعة. وكم كنت احب ان لا تصدر هذه الجملة وهذا العمل من هؤلاء الصحابة، وكم كنت احب ان لم يعص النبي الرحيم الرؤوف في بيته ولم يهن في آخر حياته الشريفة بهذه الجملة، وكم كنت احب ان لم يضبط التاريخ المعتبر الموثوق به هذه الواقعة في صدره حتي لا يخجل المسلمون من اهل الكتاب وغيره، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السُفُنُ. لطيفة قال عالم سني لعالم شيعي: أليس في اقامة النبي أبا بكر مقامه في صلاة الجماعة - وهي عمود الدين - رمز الي خلافته بعده؟ فاجابه العالم الشيعي: بل هي نص في خلافته! فسأله العالم السني فرحاً مسروراً: اذن لماذا لا تقولون بها؟ فقال العالم الشيعي انّه صلي الله عليه وسلم هجر (في امره بان يقيم أبو بكر الصلاة). فسكت الاَول، ولم يحر جواباً (احتراماً لمقام عمر رضي الله عنه).

ابوهريرة الدوسي

تقدّم في مقدمة الكتاب انّ أبا هريرة روي 5374 حديثاً اخرج البخاري منها 446 حديثاً، ويقول السيّد مصطفي الصادق الرافعي في كتابه

ص: 76


1- 107. سنن أبي داود 3: 167 كتاب الخراج والامارة.

«تاريخ آداب العرب»: وكان اكثر الصحابة رواية أبو هريرة، وقد صحب النبي صلي الله عليه وسلم ثلاث سنين - بل صحب عاماً وتسعة أشهر كما ذكره صاحب كتاب شيخ المضيرة - وعمّر بعده نحواً من خمسين سنة، ولهذا كان عمر وعثمان وعائشة ينكرون عليه ويتهمونه، وهو اول راوية اتهم في الاسلام، وكانت عائشة أشدّهم انكاراً عليه لتطاول الاَيام بها وبه إذ توفيت قبله بسنة... (1) . واليك جملة من الاحاديث التي وردت عن أبي هريرة في صحيح البخاري وغيره والتي تكشف لنا ما حاله: (24) عن حيان سمعت أبا هريرة يقول: نشأت يتيماً، وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، احطب لهم إذا نزلوا، واحدو لهم إذا ركبوا، فالحمد لله الذي جعل الدين قوّاماً، وجعل أباهريرة اماماً (2) . (25) عن أبي هريرة: ما من اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه منّي إلاّ ما كان من عبدالله بن عمرو، فانّه كان يكتب ولا أكتب (3) . أقول: نفس هذا الادعاء يدل علي غلوّه في شأنه وعدم تورّعه في الكلام، إمّا أولاً: فانّه لم يصاحب النبي صلي الله عليه وسلم إلاّ عامين، والحال ان جمعاً من الصحابة صاحبه طيلة عمره الشريف كأبي بكر وعلي وغيرهم، فكيف يدّعي انّه أكثر حديثاً من كل الصحابة. وإمّا ثانياً: لا يعرف عن ابن عمرو انّه أكثر حديثاً منه، فلقد قيل انّ له

ص: 77


1- 108. الاَضواء علي السنة المحمدية: 113.
2- 109. سنن ابن ماجه رقم 2445 كتاب الرهون.
3- 110. صحيح البخاري رقم 113 كتاب العلم.

كتاباً في الادعية فقط، وانّ رواياته لم تتجاوز عن (700) كما عن ابن الجوزي، أو عن (722) كما عن مسند أحمد. وإمّا ثالثاً: فسيأتي منه انّه لم ينس حديثاً، فكيف يدّعي انّ عدم كتابته للحديث أوجبت ان يكون ابن عمرو أكثر رواية منه. ثم الرواية تنافي ما ورد من نهيه صلي الله عليه وسلم عن كتابة الحديث عنه صلي الله عليه وسلم. (26) عن الاَعرج، عنه: انّ الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدّثت حديثاً، ثم يتلو: (انّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات - إلي قوله - الرحيم) انّ اخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق، وانّ اخواننا من الانصار كان يشغلهم العمل في اموالهم، وانّ أبا هريرة كان يلزم رسول الله بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون (1) وكرره البخاري في ثلاثة مواضع أُخر (2) . في هذه الرواية مطالب: 1 - انّ اتهام أبي هريرة باكثار الحديث لم يحدث بعد موته، ولم

ص: 78


1- 111. صحيح البخاري رقم 118 كتاب العلم.
2- 112. وفي صحيح مسلم 16: 52 سمعت أبا هريرة يقول: إنّكم تزعمون انّ أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله (ص) والله الموعد كنت رجلاً مسكيناً اخدم رسول الله (ص) علي ملء بطني وكان المهاجرون يشغلهم... فقال رسول الله (ص) من يبسط ثوبه فلن ينسي شيئاً سمعه مني فبسطت ثوبي حتي قضي حديثه ثم ضممته اليّ فما نسيت شيئاً سمعته منه. ولاحظ ص54 أيضاً. أقول: اما انه خدم رسول الله (ص) لملء بطنه لا لغيره فهو صحيح، وامّا ما يظهر منه من ان قوله في بسط الثوب لاجل شغل المهاجرون والانصار بالمعاملة والزراعة وغيرهما فهو واضح البطلان، ثم انّ قوله هذا يخالف ما يأتي منه من انّه هو السائل لعلاج عدم النسيان، وان الخطاب ببسط ثوبه متوجه إليه وحده، وفي هذا الحديث الخطاب عام لكن لم يرغب فيه غير أبي هريرة!!!!.

يصدر عن واحدٍ وجمع قليل، بل شاع اتهامه في حياته شيوعاً تاماً حتي اخبر هو عن ذلك بقوله: انّ الناس يقولون، وبمثل هذا الاتهام الشائع لم يتهم أحد من الصحابة، ولا يخفي عليك انّ جمعاً من هؤلاء الناس - الذين اتهموه - او كلهم من الصحابة طبعاً. 2 - ليس تمام روايات أبي هريرة في البيّنات المنزلة في الكتاب فقط، ولا في الحلال والحرام فقط حتي تشملها الآية المباركة فيكون عذره مقبولاً، بل انّ جملة من رواياته في أُمور لا تتعلق بالذي ذكرناه، فيعلم منه انّه غير جاد في استدلاله بالآيتين، بل أراد ان يدفع عن نفسه اتهام الناس ايّاه. 3 - يُظهر المهاجرين والانصار وكأنّهم طلاب دنيا بما ينسبه اليهم من الصفق بالاسواق والعمل في اموالهم مع عدم الحضور في مجلس رسول الله صلي الله عليه وسلم، وكانّه هوالذي كان يحضر فقط دون أحد من الصحابة، فيدّعي انّه أكثر حضوراً وحفظاً! ولم يلتفت البخاري ولا غيره من الرواة هل يمكن ان يكون من صحب النبي صلي الله عليه وسلم عشرين سنة علي نية صادقة وحضور متواصل من كبار الصحابة أقلّ حديثاً من هذا الشيخ الذي لم يصحبه حتي مدة عامين؟! ومن يقبل هذا الادعاء منه فهو بسيط وساذج، فسبحان الله من تجارة أبي هريرة بالرواية، تجارة رابحة لدنياه وخاسرة لآخرته. (27) وعن سعيد المقبري: قال أبو هريرة رضي الله عنه: يقول الناس أكثر أبو هريرة، فلقيت رجلاً.... (1) . (28) عن نافع: حدّث ابن عمر انّ أبا هريرة يقول: من تبع جنازة

ص: 79


1- 113. صحيح البخاري رقم 3505 كتاب فضائل الصحابة.

فله قيراط. فقال أكثر أبو هريرة علينا فصدقت - يعني عائشة - وقالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقوله، فقال ابن عمر لقد فرطنا في قراريط كثيرة (1) . أقول: انّ اكثار أبي هريرة كان مشهوراً عند الصحابة، فيتهمه كلّ من سمع منه ما يستبعده كما تري من ابن عمر، وان كان في خصوص المورد قد برّأته عائشة من الكذب. (29) وعنه: قلت: يا رسول الله صلي الله عليه وسلم انّي اسمع منك حديثاً كثيراً انساه قال ابسط رداءك فبسطته، قال فغرف بيديه ثم قال: ضمه، فضممته فما نسيت شيئاً بعده (2) . سبحان الله من كرامة لاَبي هريرة - علي حدّ زعم بعض الناس! - كرامة لم تنل أحداً من كبار الصحابة. والمؤمن الفطن يعلم انّ قصة بسط الرداء تشبه الحكايات المتداولة بين الصبيان، وكأنّ عجالته في انشاء القصة أنسته من المغروف منه، ثم انّه غيّر هذه القصة الي وجه مخالف لما ذكرناه منه هنا، وكأنّه خاف ان ينكشف أمره أو نسي ادعاءه هذا فقال: انكم تقولون انّ أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، وتقولون ما بال المهاجرين والانصار لا يحدّثون عن رسول الله بمثل حديث أبي هريرة... وقد قال رسول الله في حديث يحدثه انه لن يبسط أحد ثوبه حتي أقضي مقالتي هذه ثم يجمع اليه ثوبه إلاّ وعي ما أقول. فبسطت نمرة عليَّ حتي إذا قضي رسول الله صلي الله عليه وسلم مقالته جمعتها الي صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله تلك من شيء (3) .

ص: 80


1- 114. صحيح البخاري رقم 1260.
2- 115. صحيح البخاري رقم 119 كتاب العلم.
3- 116. صحيح البخاري رقم 1942 كتاب البيوع.

أقول: وبين القصتين اختلاف بيّن كما تعلمون، والعجب انّ أحداً من الحاضرين - غير أبي هريرة - لم يرغب في حفظ مقالته صلي الله عليه وسلم تلك!!! اسمع يا أيّها القارئ قول أبي سلمة:... وانكر أبو هريرة الحديث الاول، قلنا ألم تحدّث انّه لا عدوي فرطن بالحبشية. قال أبو سلمة فما رأيته نسي حديثاً غيره!!! (1) . (30) وعنه: حفظت من رسول الله صلي الله عليه وسلم وعاءين، فأمّا أحدهما فبثثته، وأمّا الآخر فلو بثثته قطع هذا الحلقوم (2) (3) . أقول: ولا شكّ أنّه لو كان عمر حياً لم يتمكن من بث وعائه من الاسرائيليات والجعليات وربما قطع حلقومه وبلعومه. يا شيخ المضيرة من اين لك هذه الاسرار دون السابقين الاَولين من المهاجرين والانصار، فهل لك شاهد غيرك في هذه المبالغات والمفتريات علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولو لا اعتماد البخاري علي روايته لاعتقدت انه انما ينقل هذه الروايات وامثالها ليفضح أبا هريرة ويظهر دجله، لكن البخاري لم يوفق للتمييز بين الحق والباطل. (31) عنه، ارسل ملك الموت الي موسي عليه السلام فلمّا جاء صكه، فرجع الي ربه فقال ارسلتني الي عبد لا يريد الموت فردّ الله عليه عينه... (4) . فانظر الي بهتانه علي موسي عليه السلام، وفرض الملك جسماً كثيفاً! لكنه

ص: 81


1- 117. صحيح البخاري رقم 5437 كتاب الطب.
2- 118. نقول لاَبي هريرة ربّما نفهم ما في وعائك الثاني ممّا بثثته من وعائك الاَول، ولو عشت مدة أُخري في بلاط خلفاء بني أُميّة لبثثت الثاني، بل الثالث شئت أم أبيت، لاَنّ كل تاجر وراء تجارته.
3- 119. صحيح البخاري رقم 120.
4- 120. صحيح البخاري رقم 1274.

استحي قليلاً، فلم ينسب كلّ ما حكاه الي رسول الله، ولعله اخذه من كعب الاحبار! (32) وعنه وكلّني رسول الله بحفظ زكاة رمضان... ثم يحكي انّه أتاه شيطان يأخذ من الطعام فاخذه ولكن رحمه، فلما اصبح قال رسول الله: «انه كاذب وسيعود» وعاد فأخذ الطعام فرحمه رغم قوله صلي الله عليه وسلم انّه كاذب، ورحمه الليلة الثالثة أيضاً، فخلّي سبيله حين علّمه قراءة آية الكرسي في كل ليلة عند نومه (1) . (33) وعنه... فقال النبي صلي الله عليه وسلم لا تخيروني علي موسي، فانّ الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم، فاكون أول من أفيق، فاذا موسي باطش جانب العرش!!! فلا ادري أكان فيمن صعق فافاق قبلي أو كان ممّن استثني الله (2) . ولعلّ هذا من الاسرائيليات التي تلقّاها عن كعب الاحبار، ناسباً ايّاه الي رسول الله صلي الله عليه وسلم، وإلاّ لا يحتمل أفضلية موسي عليه السلام من خاتم الانبياء صلي الله عليه وسلم. (34) وعنه: قام رسول الله صلي الله عليه وسلم حين انزل الله عزّ وجلّ: (وانذر عشيرك الاَقربين) قال: «يا معشر قريش اشتروا انفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً، ويا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً، ويا عباس... ويا صفية عمة رسول الله... ويا فاطمة بنت محمّد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً» (3) . أقول: سبحان الله انّ أبا هريرة يخبر - جازماً وقاطعاً - عن أوائل

ص: 82


1- 121. صحيح البخاري رقم 2187.
2- 122. صحيح البخاري رقم 2280 كتاب الخصومات.
3- 123. صحيح البخاري رقم 2602 كتاب الوصايا.

البعثة، فكأن الله اظهره علي غيب مكة وهو باليمن! وقد زلّ البخاري بحسن ظنه عن الصراط المستقيم. ثم انّه قد خفي علي أبي هريرة ونقلة كلامه انّ فاطمة بنت النبي صلي الله عليه وسلم امّا لم تولد انذاك أو كانت طفلة صغيرة لا تصلح لمثل هذا الخطاب!!!

ابوهريرة و تعرضه لمقام الانبياء

(35) وعنه: بينا الحبشة يلعبون عند النبي صلي الله عليه وسلم بحرابهم دخل عمر فأهوي الي الحصي فحصبهم بها فقال: «دعهم يا عمر» (1) . فسلوة لك يا رسول الله عن محدّث ساذج وراو كاذب واناس غافلين، نعم أين انت من مجلس لعب الحبشة، ومتي كان عمر ابعد منك عن اللهو؟! (36) وعنه: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «قرصت نملة نبيّاً من الانبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحي الله إليه: ان قرصتك نملة أحرقت أُمّة من الاَُمم تسبّح» (2) . أقول: فليحكم العقلاء بعدالة ملوك بني اُميّة، فانّهم أفضل من هذا النبي!!! (37) وعنه: عن النبي صلي الله عليه وسلم: «خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً» (3) . (38) وعنه، عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: «اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم» (4) .

ص: 83


1- 124. صحيح البخاري رقم 2745.
2- 125. صحيح البخاري رقم 2856 كتاب الجهاد.
3- 126. صحيح البخاري رقم 3148 كتاب الانبياء.
4- 127. صحيح البخاري رقم 3177 كتاب الانبياء.

(39) وعنه، عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: «لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلاّ ثلاث كذبات...» (1) . (40) وعنه: انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «نحن أحقّ بالشكّ من إبراهيم، إذ قال: (ربِّ أرني كيف تُحيي الموتي قال أوَلم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئنَّ قلبي)» (2) . أقول الآية لا تدل علي شكّ إبراهيم عليه السلام أولاً وخاتم النبيين ليس بأحقّ منه فيه ثانياً. (41) وعنه، عن النبي صلي الله عليه وسلم: «بينما أيوب يغتسل عرياناً خرّ عليه رِجلُ جراد من ذهب، فجعل يحثي في ثوبه فناداه ربه: يا أيوب ألم اكن اغنيتك عمّا تري، قال بلي، ولكن لا غني لي عن بركتك» (3) . (42) وعنه، عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: «انّ موسي كان رجلاً... وان الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسي عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر حتي انتهي الي ملاَ من بني اسرائيل فرأوه عرياناً(!!!) احسن ما خلق الله... وطفق بالحجر ضرباً بعصاه!!! (4) . (43) وعنه، عن النبي صلي الله عليه وسلم: «قال سليمان بن داود لاَطوفن الليلة علي سبعين امرأة، تحمل كلّ امرأة فارساً يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: ان شاء الله، فلم يقل، ولم تحمل شيئاً إلاّ واحداً ساقطاً أحد شقيه»، فقال النبي: «لو قالها لجاهدوا في سبيل الله (5) .

ص: 84


1- 128. صحيح البخاري رقم 3179.
2- 129. صحيح البخاري رقم 3192 كتاب الانبياء.
3- 130. صحيح البخاري رقم 3211 كتاب الانبياء.
4- 131. صحيح البخاري رقم 3223 كتاب الانبياء.
5- 132. صحيح البخاري رقم 3342 كتاب الانبياء.

فهذه هي بعض مفتريات أبي هريرة - راوية الاسلام كما يزعم البعض - إذ هل من المألوف - بل المعقول - ان يطوف رجل ما - مهما اوتي من قوة - علي سبعين امرأة في ليلة واحدة، ثم ما هو السبب الذي من اجله لم يقل سليمان عليه السلام (ان شاء الله)؟! هل هو عدم اعتقاده بالله ام ماذا؟ وبعد هذا يأتي البخاري - وبدون ادني رويّة - ليقول: الاَصح «تسعين امرأة» بدل «سبعين»، وكأنّه جزم بصحة الرواية حسب قواعده الخاصة. فهذا الذي نقلناه عن أبي هريرة ليس بغريب لمن عرف حاله ولكن الغريب ان يدّعي البعض انّ كتاب البخاري هو اصح الكتب بعد كتاب الله! يقول أبو هريرة في محل آخر (1) ، قال سليمان بن داود عليهما السلام لاطوفن الليلة بمائة امرأة... فقال له الملك: قل انشاء الله، فلم يقل ونسي!، فاطاف بهن ولم تلد منهنّ إلاّ امرأة نصف انسان. وله حديث آخر يخبر عن ستين امرأة (2) . انظر ايها العاقل ممن تأخذ دينك، وعلي من تعتمد في أخذ أحاديث رسولك صلي الله عليه وسلم (3) . (44) وعنه: انّ الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة، وانّي كنت الزم رسول الله بشبع بطني... وان كنت لاستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان اخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب (4) . أقول: من كان من الرواة هذا سبيله فهل يمكن الاعتماد عليه؟

ص: 85


1- 133. صحيح البخاري رقم 4944 كتاب النكاح.
2- 134. صحيح البخاري رقم 7031 كتاب التوحيد. أقول: حتي علي رواية الستين وفرض قدرة سليمان عليه السلام علي طوافه عليهن في ليلة واحدة لابد ان نفرض طول الليلة ثلاثين ساعة!!! إذ المباشرة بمقدماتها تحتاج عادة الي ثلاثين دقيقة مثلاً.
3- 135. انظر صحيح مسلم 11: 121 و118.
4- 136. صحيح البخاري رقم 3506 كتاب فضائل الصحابة.

وفي رواية أُخري يقول:... وان كنت لاَشدّ الحجر علي بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً علي طريقهم... فمر أبو بكر فسّألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلاّ ليشبعني، فمرّ ولم يفعل! ثمّ مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلاّ ليشبعني، فمر ولم يفعل (1) . (45) وعنه... فيقول (ابراهيم) لهم: وانّي قد كذبت لهم ثلاث (2) . (46) وعنه قال النبي صلي الله عليه وسلم: «افضل الصدقة...» فقالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: لا هذا من كيس أبي هريرة (3) . انظر كيف انّه كان عند الناس متهماً لكنّ البخاري واقرانه لا يلتفتون الي ذلك! (47) عن ابن عمر قال: انّ رسول الله أمر بقتل الكلاب إلاّ كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية، فقيل لابن عمر: انّ أبا هريرة يقول أو كلب زرع، فقال ابن عمر: ان لاَبي هريرة زرعاً (4) . (48) عن أبي رزين قال: خرج إلينا أبو هريرة فضرب بيده علي جبهته فقال: ألا انّكم تحدّثون انّي أكذب علي رسول الله صلي الله عليه وسلم لتهتدوا واضلّ!!! (5) . أقول: يزعم أبو هريرة ان اكاذيبه سبب لاهتداء المسلمين!!! ثم انّ مسلماً ذكر جملة من فضائل أبي هريرة (6) ولكنّه لم ينقل

ص: 86


1- 137. صحيح البخاري رقم 6087 كتاب الرقاق.
2- 138. صحيح البخاري رقم 4435 كتاب التفسير.
3- 139. صحيح البخاري رقم 5040 كتاب النفقات.
4- 140. صحيح مسلم 10: 237.
5- 141. صحيح مسلم 14: 75.
6- 142. صحيح مسلم ج15 و16 كتاب الفضائل.

حديثاً واحداً عن غير أبي هريرة في حقّه، بل كلّها من قوله! واليك حديثاً واحداً من فضائله. (49) وعن أبي هريرة... قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأُمّي الي عباده المؤمنين ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله: «اللّهم حبب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأُمّه الي عبادك المؤمنين، وحبب اليهم المؤمنين» فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلاّ أحبني (1) . أقول: لكن لم يتّهم أحد من الصحابة كاتّهامه عند المؤمنين، بل هو أول راوية اتّهم في الاسلام! (50) عنه، عن النبي صلي الله عليه وسلم: «لا أعرفنَّ ما يحدّث أحدكم عني الحديث وهو متكيء علي اريكته فيقول: اقرأ قرآنا. ما قيل من قول حسن فانا قلته» (2) . أقول: انظر انّه كيف يروج تجارته في جعل الاحاديث. ولاَبي هريرة ابداعات أُخر ستمر بك بعضها في تضاعيف هذا الكتاب، والكلام حوله طويل، وللاطّلاع انظر كتاب أبي هريرة وكتاب شيخ المضيرة.

النوم لا ينقض الوضوء

(51) عن ابن عباس قال: انّ النبي نام حتي نفخ ثم صلّي. وربما قال: اضطجع حتي نفخ ثم قام فصلّي (3) . وفي صحيح مسلم: ثم نام صلي الله عليه وسلم حتي - نفخ وكنا نعرفه إذا نام بنفخه -

ص: 87


1- 143. صحيح مسلم 16: 52.
2- 144. مقدمة سنن أبي ماجة رقم 21.
3- 145. صحيح البخاري رقم 138 كتاب الوضوء.

ثم خرج الي الصلاة فصلّي (1) .

حرمة الاستقبال والاستدبار في حال التخلي

(52) وعن أبي ايوب الانصاري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «إذا أتي أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولّها ظهره، شرقوا أو غربوا» (2) . وقال: فقدمنا الشام، فوجدناه مراحيض بنيت قبل القبلة، فننحرف ونستغفر الله (3) . اقول: كل ّ الروايات تدلّ علي الحرمة سوي ما عن ابن عمر من انّه رآه صلي الله عليه وسلم مستقبل القبلة، لكنّه لا يسوغ لصرف ظاهر الاحاديث المحرّمة لاحتمال انّه صلي الله عليه وسلم استقبل القبلة في حال الاستنجاء. والمفتي به في فقه الشيعة الاِمامية هو الحرمة، ولا تري في بيوتهم مرحاضاً مستقبل القبلة وان كان ما يدلّ عليها ضعيفاً سنداً من طرقهم، علي انّ أهل السنة يجوزون السهو والنسيان عليه صلي الله عليه وسلم في صلاته فكيف لا يقولون بهما في المقام؟ وربّما يفرق بين البناء والصحراء، لكن احكام الله تعالي لا تختلف بذلك، فاللازم ردّ رواية ابن عمر. ولاحظ اقوال العلماء والمذاهب في غير مقام (4) . (53) عن معقل قال: نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم ان نستقبل القبلتين ببول أو غائط (5) . أقول وهذا عجيب، وأعجب منه ما. (54) عن ابن عمر قال: نهي النبي عن البول مستقبل القبلة في

ص: 88


1- 146. صحيح مسلم 6: 49.
2- 147. صحيح البخاري رقم 144.
3- 148. صحيح البخاري رقم 386 كتاب القبلة، صحيح مسلم 3: 153.
4- 149. صحيح مسلم 3: 153 و145 وشرحه للنووي.
5- 150. سنن أبي داود 1: 4.

الفضاء، فاذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس (المصدر). فإنّ قبلة البعيد هي الجهة فأي شيء يسترها، هل الراحلة التي بال اليها النبي صلي الله عليه وسلم ساترة للقبلة؟!

نزول آية الحجاب

(55) عن عائشة قالت: انّ ازواج النبي صلي الله عليه وسلم كنّ يخرجن... (1) . هذا الحديث يحكي انّ آية الحجاب نزلت باصرار عمر علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، وكان يقول له: احجب نساءك فلم يكن رسول الله يفعل حتي نادي سودة ألا قد عرفناك يا سودة... اقول: الصحيح ان احكام الله تعالي الشرعية كافعاله التكوينية تابعة لمصالح وحِكَم ولا جزاف في التشريع ولا مدخلية للاَذواق فيها، فهذه الرواية وامثالها مخالفة لفلسفة التشريع العالية الحكيمة فلا يحسن قبولها. ويأتي انّه معارض بما يدعيه انس.

احترام المسجد

(56) عن حمزة بن عبدالله، عن أبيه قال: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله صلي الله عليه وسلم فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك (2) . أقول: هل بول الكلب عند عبدالله بن عمر طاهر أو لا يري للمسجد النبوي كرامة ولا لتطهيره من النجس لزوماً ولا أدري كيف رضي البخاري بنقل هذا الاَقوال الباطلة في كتابه؟! (57) عن انس قال: انّ النبي رأي اعرابياً يبول في المسجد فقال:

ص: 89


1- 151. صحيح البخاري رقم 146 كتاب الوضوء.
2- 152. صحيح البخاري رقم 172 كتاب الوضوء.

«دعوه» حتي إذا فرغ دعا بماء فصبه عليه (1) . وفي نقل آخر عنه قال: جاء اعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس، فنهاهم النبي صلي الله عليه وسلم... (2) . ورواه أبو هريرة بلفظ آخر وزاد في آخره: فانّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين (3) . أقول: فانظر أيدّك الله الي هذه الاكاذيب، فهل تقبل انّ النبي اباح ان يبال في بيت الله ومسجده العظيم وهو معبد المسلمين، وهل له نظير في معبد من معابد الاديان؟!

رواية مخالفة للاجماع

(58) عن زيد بن خالد انّه أخبر عن عثمان عدم وجوب الغسل بالجماع المجرد عن الامناء، ونقله عثمان عن جمع من الصحابة (4) . (59) ونقله عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، بل يظهر منه انّه لا غسل مع الامناء عند العجلة (5) . لكن عن النووي: انّ الاَُمّة مجمعة علي وجوب الغسل علي كلّ من الجماع والانزال، وعليه فالاَُمّة مجمعة علي ان كتاب البخاري ليس بأصحّ الكتب بعد كتاب الله تعالي.

الاختلاف في صلاة ليله

(60) عن عبد الله بن عباس انّه بات ليلة عند ميمونة زوج

ص: 90


1- 153. صحيح البخاري رقم 216.
2- 154. صحيح البخاري رقم 219.
3- 155. صحيح البخاري رقم 217، وانظر صحيح مسلم 3: 190.
4- 156. صحيح البخاري رقم 177.
5- 157. صحيح البخاري رقم 178 وانظر 287 و288 و289 كتاب الغسل.

زوج النبي صلي الله عليه وسلم.... (1) . أقول: في اخبار عبدالله بن عباس هنا عن تهجّد النبي اختلاف واضح مع ما نقله عنه في كتاب العلم (2) ، وهذا ممّا يوهن اعتبار الروايات، فانّ اخبار راوٍ واحد عن قضية واحدة بمعان مختلفة يكشف عن تسري الغلط أو الكذب فيها، ولعله من اثر الفصل الكثير بين زمان النقل وزمان التدوين كما عرفته في المقدمة.

صلاة خسوف الشمس

(61) عن اسماء بنت أبي بكر قالت: اتيت عائشة زوج النبي صلي الله عليه وسلم حين خسفت الشمس، فاذا الناس قيام يصلّون، وإذا هي قائمة تصلّي... فلّما انصرف رسول الله صلي الله عليه وسلم حمد الله واثني عليه ثم قال: «ما من شيء كنت لم أره إلاّ قد رايته في مقامي هذا، حتي الجنة والنار، ولقد أوحي اليكم انكم تفتنون في القبور مثل (أو قريباً من) فتنة الدجال...» (3) . أقول: يدلّ الحديث أولاً: علي تشريع صلاة الخسوف، وفي فقه الشيعة الاِمامية وجوب صلاة الكسوف والخسوف، والمشتركات بين الاحاديث المروية من طرقنا وطرق الشيعة لفظاً ومعني أو معني فقط كثيرة كما انّ المشتركات في الاَحكام الفقهية أيضاً كثيرة، ومن يتصدّي لجمع هذه المشتركات في الحديث والفقه تحكيماً للوحدة الاسلامية فقد خدم الاسلام والمسلمين خدمة نافعة جليلة، ويدلّ ثانياً: علي رؤيته صلي الله عليه وسلم لملكوت السموات، وهذا أيضاً وارد في أحاديث الشيعة عن أئمتّهم،

ص: 91


1- 158. صحيح البخاري رقم 181 كتاب الوضوء.
2- 159. صحيح البخاري رقم 117 كتاب العلم.
3- 160. صحيح البخاري رقم 182 كتاب الوضوء.

ويدلّ ثالثاً: عن السؤال في القبر من الميت انّما هو عن النبوة فقط، ويماثله بعض أحاديث الشيعة.

المسح علي العمامة

(62) عن عمرو بن أُميّة قال: رأيت النبي صلي الله عليه وسلم يمسح علي عمامته (1) . أقول: وحيث انّه باطل ومخالف للقرآن أوّله بعضهم بأنّه مسح عليها بعد مسح الواجب من الرأس.

نصب الجريدة يخفف عذاب القبر

(63) عن ابن عباس قال: مرّ النبي بحائط من حيطان المدينة أو مكّة، فسمع صوت انسانين يعذّبان في قبورهما فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «يعذّبان وما يعذّبان في كبير» ثم قال: «بلي كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة» ثم دعا بجريدة فكسر كسرتين فوضع علي كل قبر منهما كسرة. فقيل له: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: «لعلّه ان يخفّف عنهما ما لم تيبسا» (2) . أقول: ظاهر الخبر انّ عذاب البرزخ جسماني إلاّ ان يقال ان سماع صوتهما لم ينقل عن قول النبي صلي الله عليه وسلم بل عن ابن عباس، ولعلّه حدس منه، وانّما علم النبي بعذابهما، والله العالم. ثم انّ تأثير الجريدة (اي غصن النخل الذي ليس عليه ورق) في تخفيف العذاب لا يفهمه العقل العادي فنقبله تعبدّاً وليس للعقل الي خصوصيات البرزخ والقيامة سبيل، والمفتي به في فقه الشيعة استحباب

ص: 92


1- 161. صحيح البخاري رقم 202.
2- 162. صحيح البخاري رقم 213 و215.

وضع الجريدتين مع الميت حين الدفن، وعلّل وجهه في احاديثهم بنفس هذه العلة - أي رجاء تخفيف العذاب أو عدم وصوله - ثم انّ النميمة من الكبائر كما ان عدم الاجتناب عن البول ينجر الي بطلان الصلاة وهو أيضاً من الكبائر فلا يصح قبول الحديث من هذه الجهة.

البول قائما و اهانة النبي الخاتم

(64) عن حذيفة... فأتي سباطة قوم خلف حائط فقام كما يقوم احدكم فبال فانتبذت منه، فاشار إليَّ فجئْته فقمت عند عقبه حتي فرغ (1) . وفي حديث آخر: كان أبو موسي الاَشعري يشدد في البول ويقول: انّ بني اسرائيل كان إذا اصاب ثوب أحدهم قرضه، فقال حذيفة: ليته امسك اتي رسول الله سباطة قوم فبال قائماً (2) . اقول سباطة: موضع يلقي فيه الكناسة وغيرها وبما ان مضمون الرواية يقدح بمقام النبوة وبشخص الرسول الاكرم، فقد أوَّلها بعض المحقّقين بتأويلات ضعيفة، وكان الاَولي لهم ان يقدحوا بما جاء به البخاري وغيره من روايات تنال من مقام صاحب الرسالة، وهم يعلمون بانّ التبوّل قائماً وامام أعين الناس يستقبحه من هو اقلّ ايماناً من المسلمين، فكيف بخاتم الانبياء والرسل الذي نقل عنه صلي الله عليه وسلم: «انّما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق» فهل اخلاق هذا النبي العظيم تسمح له ان يتبوّل قائماً وامام اعين الناس!!

الوضوء للجنب

(65) عن ميمونة قالت: توضأ رسول الله وضوءه للصلاة غير رجليه

ص: 93


1- 163. صحيح البخاري رقم 223 وانظر 222، صحيح مسلم 3: 165.
2- 164. صحيح البخاري رقم 224.

وغسل فرجه... ثم نحي رجليه فغسلهما (1) . اقول: المستفاد من القرآن الكريم حسب قاعدة اصولية قائلة: بانّ التقسيم قاطع للشركة، ان الوضوء يجب علي غير الجنب وانه يغتسل فلا يجب عليه الوضوء، وهذ الرواية تدل علي ان وضوءه لم يكن وضوءاً كاملاً، فان الوضوء المعهود يبطل بترك غسل الرجلين فيحمل علي الاستحباب وهو المحمل لسائر ما ورد في وضوء الجنب، فلا تخالف الكتاب العزيز، وأمّا قولها: ثم نحي رجليه فغسلهما، فلا دليل علي انّه لاَجل الوضوء، بل الظاهر انّه لاَجل الغسل، فافهم، والمتأمل في احاديث الغسل يري عدم وجوب الوضوء معه.

عمل عبث

(66) عن أبي سلمة قال: دخلت أنا واخو عائشة علي عائشة، فسألها اخوها عن غسل النبي صلي الله عليه وسلم، فدعت باناء نحواً من صاع فاغتسلت وافاضت علي رأسها وبيننا وبينها حجاب (2) . أقول: مع فرض الحجاب بينها وبينهما يصبح غسلها لغواً لا فائدة فيه، وعائشة عاقلة لا تفعل ما يضحك منه العقلاء!

عجيبة حول الجماع

(67) عن قتادة، عن انس قال: كان النبي صلي الله عليه وسلم يدور علي نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن احدي عشرة. قال: قلت لانس: أوَ كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدّث انّه أُعطي قوة ثلاثين (3) .

ص: 94


1- 165. صحيح البخاري رقم 246 و254 و256 كتاب الغسل.
2- 166. صحيح البخاري رقم 248 كتاب الغسل.
3- 167. صحيح البخاري رقم 265 كتاب الغسل.

اقول: التحدّث المذكور حدس محض، هذا أوّلاً، وثانياً: انّ اتيان (11) أو (9) زوجة في ساعة واحدة شيء لعلّه لم يعهد من انسان، ولا أدري ما يعني هؤلاء القصاصون المغالون من هذه الاباطيل، ولعلّهم يريدون ان النبي كما هو افضل البشر علماً وعبادةً واخلاقاً ومقاماً كذلك هو افضلهم شهوة، وهذه هي سيرة الجهال في حق عظمائهم. ثم انّ المعجزة أو خرق العادة انما هي في الممكنات دون الممتنعات واتيان احدي عشر زوجة في بيوت مختلفة بما يطلبه من المقدمات غير مقدور في ساعة واحدة، فالحديث وامثاله نوع لعب بالعقول وتعريف الاسلام بدين الخرافات. ثم انّ وقار النبي ليس بأدون من وقار غالب الناس حيث لا يطلعون الغير علي جماعهم، فكيف لا يأنف النبي صلي الله عليه وسلم منه، ولعلّ واضع الحديث اراد تبرئة الحكام الامويين المنهكين في الشهوات وملاعبة النساء والاماء.

كذبة اخري

(68) عن أبي هريرة... فلما قام صلي الله عليه وسلم في مصلاّه ذكر انّه جنب، فقال لنا: «مكانكم» ثم رجع فاغتسل، ثم خرج الينا ورأسه يقطر، فكبّر وصلّينا معه (1) . أقول: من أين علم أبو هريرة انّه صلي الله عليه وسلم كان جنباً، ومن أين علم انّه اغتسل وهو في المسجد، ولعلّه صلي الله عليه وسلم رجع الي منزله لاَمر آخر ثم غسل رأسه للنظافة، فلا عبرة بظن هذا القوّال، مع ان النبي الاَكرم المتوجه الي ربّه المهتم بصلاته غاية الاهتمام يبعد منه كل البعد ان ينسي غسل الجنابة،

ص: 95


1- 168. صحيح البخاري رقم 271.

بل لعلّه لم يتفق ذلك لمعظم احاد أُمّته في حياتهم.

السعادة والشقاوة

(69) عن انس، عنه صلي الله عليه وسلم: «انّ الله عزّ وجلّ وكلّ بالرحم ملكاً يقول: يا رب نطفة، يارب علقة، يا رب مضغة، فاذا أراد ان يقضي خلقه قال: أذكر أم أُنثي، شقي أم سعيد فأمّا الرزق والاَجل فيكتب في بطن أُمّه (1) . أقول: ان الله يعلم ان الجنين بعد حياته وشبابه في الدنيا يعمل أعمال السعداء أو يعمل أعمال الاَشقياء فيخبر الملك عن مستقبله، لا ان الله يخلقه ويجعله سعيداً أو شقياً (وما ربك بظلاّم للعبيد)، وشبيه هذا المعني قد ورد في بعض أحاديث الشيعة أيضاً، والوجه ما ذكرنا.

ما يصح عليه السجود

(70) وعن ميمونة... وهو صلي الله عليه وسلم يصلّي علي خمرته... (2) أقول: الخمرة حصيرة صغيرة تعمل من ورق النخل سميت بذلك لانّها تستر الوجه والكفين من حر الاَرض وبردها كما ذكره المعلّق. فالمقدار المتيقن ممّا يصحّ عليه السجود بعد الارض هو الحصير، وفي حال الاضطرار الثوب كما عن انس: فاذا لم يستطع أحدنا ان يمكن وجهه من الارض بسط ثوبه فسجد عليه (3) .

خصائص النبي

(71) عن جابر بن عبدالله قال: ان النبي صلي الله عليه وسلم قال: اعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الارض

ص: 96


1- 169. صحيح البخاري رقم 312 كتاب الحيض.
2- 170. صحيح البخاري رقم 326 كتاب الحيض.
3- 171. صحيح البخاري رقم 1150.

مسجداً وطهوراً، فأيّما رجل من أُمتّي ادركته الصلاة فليصلّ، واحلت لي المغانم ولم تحل لاَحد قبلي، واعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث الي قومه خاصة وبعثت الي الناس عامة (1) . أقول: يظهر منه انّ الاَُمم السابقة يصلّون في اماكن خاصة ولا يجوز لهم الصلاة في كلّ مكان، كما يظهر منه جواز التيمم علي كل ما يصدق عليه الارض تراباً كان أم غيره. ثم ان المستفاد من مجموع الروايات انّ الشفاعة الكبري والاولي في القيامة للنبي الخاتم صلي الله عليه وسلم وبعده لغيره من الانبياء والاولياء والملائكة والمؤمنين. واعلم انّه لادليل من القرآن الكريم يثبت بأنّ نبياً من الاَنبياء علي نبينا وآله وعليهم السلام بعث الي جميع الناس، والمتيقن انّهم عليهم السلام بعثوا الي قومهم أو الي قوم خاص، بل هو الظاهر من الآيات الكريمة الواردة في حق بعضهم، وهذا هو المطابق للاعتبار العقلي في تلك الازمنة المحدودة روابطها، وأمّا رسالة نبينا الاعظم صلي الله عليه وسلم فلها عموم من وجهين طولاً وعرضاً، فهو بعث الي جميع البشر والي كافة الناس، بل يمكن ان نقول انّه مبعوث الي جميع الكائنات في جميع المجرات نظراً الي قوله تعالي: (وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين) (2) وبعث الي يوم القيامة ولا نبي بعده كما في الحديث المعروف الذي ادّعي السيوطي تواتره: «يا علي انت مني

ص: 97


1- 172. صحيح البخاري رقم 328 كتاب التيمم.
2- 173. الدليل علي انّ العالمين بمعني كل الكائنات سوي الخالق جلت عظمته هو قوله تعالي في سورة الفاتحة: الحمد لله رب العالمين فمتعلق الرسالة الخاتمية يمتد امتداد متعلق الربوبية الالهية. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. فلاحظ وتأمل.

بمنزلة هارون من موسي إلاّ انّه لا نبي بعدي».

التيمم و نظر عمر

(72) عن سعيد بن عبد الرحمن بن ابزي، عن ابيه قال: جاء رجل الي عمر بن الخطاب فقال: انّي اجنبت فلم اصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر انّا كنا في سفر انا وانت، فأمّا انت فلم تصلّ، وأمّا انا فتمعكت فصلّيت، فذكرت ذلك للنبي صلي الله عليه وسلم، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: صلي الله عليه وسلمانّما كان يكفيك هكذا» فضرب النبي صلي الله عليه وسلم بكفّيه الارض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفّيه (1) . ثم ان البخاري ذكر بعض كلمات الرواية منفصلة (2) . اقول: لم يشأ البخاري أن يذكر بعض كلمات الحديث، فانّها لا تناسب مقام الخليفة سواء صدرت منه سهواً أو عمداً، فإنّها مخالفة للقرآن والسنة، ومن ساء ظنه به لاَجل هذا التصرف وامثاله فنحن لا نلومه، وعلي كلٍّ اليك الحديث بكامله من صحيح مسلم الذي لا يشتت الحديث لمجرد الملاحظات كما يظهر لك في غير المقام أيضاً: انّ رجلاً أتي عمر فقال: انّي اجنبت فلم أجد ماء، فقال: لا تصلّ، فقال عمّار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وانت في سرية فاجنبنا، فلم نجد ماء، فأمّا أنت فلم تصلّ، وأمّا أنا فتمعكت في التراب وصلّيت، فقال - النبي صلي الله عليه وسلم -: «انّما كان يكفيك ان تضرب يديك الارض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفّيك». فقال عمر: اتق الله يا عمّار.

ص: 98


1- 174. صحيح البخاري رقم 331 كتاب التيمم.
2- 175. صحيح البخاري رقم 332 و333 و334 و336 وغيرها.

قال: ان شئت لم احدّث به؟! وفي رواية: فقال عمر نوليك ما توليت (1) . (73) وعن أبي وائل قال: قال أبو موسي لعبدالله بن مسعود: إذا لم يجد الماء لا يصلّي؟ قال عبدالله، لو رخّصت لهم في هذا، كان إذا وجد احدهم البرد قال هكذا - يعني تتيمم - وصلّي. قال: قلت: فأين قول عمّار لعمر؟ قال: انّي لم أر عمر قنع بقول عمار (2) . (74) عن شفيق قال: كنت عند عبدالله وأبي موسي، فقال له أبو موسي: أرأيت يا ابا عبد الرحمن إذا اجنب فلم يجد ماء كيف يصنع؟ فقال عبدالله: لا يصلّي حتي يجد الماء. فقال أبو موسي: فكيف تصنع بقول عمّار حين قال له النبي صلي الله عليه وسلم: «كان يكفيك». قال ألم تر عمر لم يقنع بذلك؟ فقال أبو موسي: فدعنا من قول عمار، كيف تصنع بهذه الآية؟ فما دري عبدالله ما يقول، فقال: أنا لو رخّصنا لهم في هذا لاَوشكّ إذا برد علي احدهم الماء ان يدعه ويتيمم... (3) . فقال أبو موسي: فكيف بهذه الآية في سورة المائدة: (فلم تجدوا

ص: 99


1- 176. صحيح مسلم 4: 62 باب التيمم وبهامشه شرح النووي.
2- 177. صحيح البخاري رقم 338.
3- 178. صحيح البخاري رقم 339، ورواه مسلم باختلاف وفيه: فقال عبدالله: لا يتيمّم وان لم يجد الماء شهراً.

ماءً فتيمّموا صعيداً طيباً)؟ فقال عبدالله: لو رخّص لهم في هذه الآية لاَوشكّ إذا برد عليهم الماء ان يتيمّموا بالصعيد. فقال أبو موسي لعبدالله: ألم تسمع قول عمار: بعثني رسول الله صلي الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلي الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: «انّما كان يكفيك ان تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الارض ضربة واحدة ثم مسح الشمال علي اليمين وظاهر كفيه ووجهه. فقال عبدالله أوَلم تر عمر لم يقنع بقول عمار (1) . أقول ما يتعلق بمجموع روايات الباب أُمور: أولاً: انّ عمر لا يري مشروعية التيمم أصلاً، وحتي بعد تذكير عمار ايّاه بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم كما يظهر من كلامه وكلام عبدالله بن مسعود. وكان عمر رضي الله عنه يترك الصلاة عند عدم تمكّنه من الغسل، والله يعلم انّه كم ترك من صلواته اليومية في ذلك الزمن الذي لا يوجد الماء غالباً في البراري؟! بل كان يفتي الناس بترك الصلاة حتي يجدوا الماء كما عرفته من مسلم. ثانياً: هل تركه الصلاة مع التيمم لاَجل اجتهاده في المسألة وانّه لا يري التيمم مشروعاً في الشريعة أو لتنفر طبعه من هذا العمل المهين؟ الظاهر هو الثاني لوجوه:

ص: 100


1- 179. انظر 4: 60 وما بعدها من باب التيمم.

أ: شرع التيمم في سفر بمحضر من جمع كثير فاقدين للماء بمحضر من النبي الاكرم صلي الله عليه وسلم علي ما رواه البخاري عن عائشة في أول كتاب التيمم، والموضوع كان محل ابتلاء كثير من الصحابة في اسفارهم، فاصبح حكم التيمم وبدليته عن الغسل والوضوء واضحاً مشهوراً والمسالة محل ابتلاء الناس في تلك الازمان غالباً، فلا يعقل خفاء مثل هذا الحكم علي مثل عمر. ب: تشريع التيمم لم يصدر عن لسان النبي صلي الله عليه وسلم فقط، بل بوحي من القرآن الكريم الذي يتلوه الصحابة - ومنهم عمر - ليلاً ونهاراً، فهل يمكن انّ عمر والي زمان خلافته لم يكن ملتفتاً الي آية التيمم من سورة المائدة، وهل يرضي عاقل بنسبة مثل هذا الجهل الي الخليفة الثاني وهو هو؟! ج: رواية ابن حصين ففيها: فاستيقظ عمر... قال صلي الله عليه وسلم: «يا فلان ما يمنعك ان تصلّي معنا» قال: اصابتني جنابة، فأمره ان يتيمم بالصعيد... (1) . د: تذكير عمار ايّاه بحكم التيمم وكيفيته عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وعمار لم يكن كأبي هريرة مورد اتهام الخليفة، فانّه صحابي جليل القدر، لكن عمر لم يقبل منه بحيث خاف هو منه وقال له: ان شئت لم احدّث به! وقد ذكر عبدالله بن مسعود بعد ذلك عدم قبول عمر لحديث عمار لاَبي موسي. ولعمري ان ردّ الخليفة علي تشريع التيمم الثابت بالقرآن والسنة القولية واجماع معظم الصحابة يبلبل الفكر ويحير العقل ولا أجد له مفراً. وثالثاً: نسأل عبدالله بن مسعود كيف رددت حديث عمار الموافق

ص: 101


1- 180. صحيح البخاري رقم 3378 كتاب المناقب.

للقرآن بمجرد عدم قبوله من قبل عمر؟ فهل قبوله شرط لحجية الحديث وما ينقله الصحابة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهل تعتقد أن عمر شريك رسول الله في انفاذ سنته وتحكيم كتاب ربه أو كان ردّك للحديث لامر آخر؟! ورابعاً: ان استدلال عبدالله ضعيف وغير مقنع، فانّه يستدل علي جواز ترك الصلاة للمجنب الغير متمكن من الماء يدعوي انّ الترخيص - التيمم - يستلزم ترك الغسل عند برد الماء! والحال ان ترخيص التيمم لعدم وجود الماء وإلاّ يسقط بوجود الماء، فهذا الرجل يري الغسل اهم من ترك الصلاة، ويفتي بجواز تركها تأكيداً علي أهمية الغسل! ولا يدري انّ الغسل كالوضوء مقدمة للصلاة، ومن أحد شرائط صحتها هو التمكن من استعمال الماء. وخامساً: ان اصعب مشكلة في المقام انّما هو في ردّ ابن مسعود آية الكتاب الواردة في تشريع التيمم بمجرد اعتبار ضعيف عرفته من كلامه، وهذا النحو من التجري لا يتوقع من مسلم يؤمن بالله ورسوله، فكأنّه يري نفسه صالحة للتشريع وتاديب الناس وان انجر الامر الي اهمال احكام الله سبحانه الواردة في قرآنه، وهذا ربما يوجب الارتداد فضلاً عن الفسق والظلم علي ما قاله سبحانه في كتابه: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون... الظالمون... الفاسقون). من أنت يابن مسعود حيث تقول في ردّ الآية: ولو رخّصنا لهم في هذا لاَوشكّ - إذا برد علي أحدهم الماء - ان يدعه ويتيمم.؟ أأنت رب العباد وصاحب الشريعة؟ أم انت اعلم بمصالح العباد من الشارع المقدّس؟ والواقع ان التقول بهذا الهذيان انما صدر منه لعجزه عن سؤال أبي موسي، فانّه كان ينكر تشريع التيمم تقليداً لعمر، فلم يعرف ما يجيب عن

ص: 102

القرآن كما يظهر من حديث شفيق: فما دري عبدالله ما يقول! والانصاف انّ الاَمر يدور بين كذب رواة الحديث في الصحيحين وبين عدّ ابن مسعود مخالفاً لله ولرسوله، ولا يجوز الغلو في حق الصحابة بما يوهن الشريعة عند الاجيال القادمة، فرواة الرواية ومن يروي عنهم كلّهم في قفص الاتهام والعصيان لله ورسوله بالافتراء وردّ الكتاب والسنة، ولا يجوز تضليل العقول بعدالة الصحابة أو وثاقة رواة الصحاح أو دعوي حجيّة أقوال السلف (1) ، فانّها مستلزمة لارتكاب التناقض المبطل للشريعة المحمدية - نعوذ بالله منه.

تشريع الصلاة ليلة المعراج

(75) عن أبي ذر: انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبرئيل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وأيماناً فافرغه في صدري، ثم اطبقه، ثم اخذ بيدي فعرج بي الي السماء الدنيا...(ذكر قصة المعراج). وعن انس وابن حزم: ففرض الله علي أمّتي خمسين صلاة... حتي مررت بموسي... قال فارجع الي ربك فانّ أُمّتك لا تطيق ذلك... فقال (الرب) هي خمس وهي خمسون، لا يبدل القول لدي... (2) . أقول انّ: الحكمة والايمان ليسا شيئاً ماديّاً حتي يحتاجا الي ظرف ذهب، ولا يحلان صدر الانسان أيضاً، بل محلهما النفس، فالظاهر ان شق السقف وشق الصدر والطست الذهبي كلّها يراد بها معاني مجازية مناسبة. ثم ان قصة تقليل الصلوات الي خمس بتنبيه موسي عليه السلام قد وردت

ص: 103


1- 181. وكثير منا جعل عقولهم وكتبهم متاحف الآثار القديمة، وانهم علي اثارهم يقتفون.
2- 182. صحيح البخاري رقم 342 كتاب الصلاة.

في بعض روايات الشيعة أيضاً، وانا اقول والله العالم. انّ القصة لا تنطبق علي الموازين. (76) عن عائشة قالت: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين في الحضر والسفر، فاقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر (1) . أقول: مضمون صدر الحديث ورد في روايات الشيعة أيضاً، ولطف حديث البخاري ان السيّدة تخبر عن تشريع الله سبحانه وتعالي مباشرة واهملت استنثاء صلاة المغرب، فانّها شرعت ثلاث ركعات ابتداء بلا اشكال، علي انّها نفسها اتمت الصلاة في السفر كما يأتي.

ثقل الوحي

(77) وعن زيد بن ثابت مرسلاً قال: انزل الله علي رسوله صلي الله عليه وسلم وفخذه علي فخذي، فثقلت عليَّ حتي خفت فخذي (2) .

حد المسلم

(78) عن انس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «امرت ان اقاتل الناس حتي يقولوا لا اله إلاّ الله، فاذا قالوها وصلّوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلاّ بحقها وحسابهم علي الله» (3) . (79) وعن محمود عنه صلي الله عليه وسلم: «فانّ الله قد حرم علي النار من قال لا إله إلاّ الله، يبتغي بذلك وجه الله» (4) . (80) عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «آتاني آت من ربي

ص: 104


1- 183. صحيح البخاري رقم 343.
2- 184. صحيح مسلم 4: 145 كتاب الصلاة.
3- 185. صحيح البخاري رقم 385 أبواب القبلة.
4- 186. صحيح البخاري رقم 415.

فاخبرني - أو قال بشرني -: انّه من مات من أُمّتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة». قلت: وان زني وان سرق؟ قال: «وان زني وان سرق» (1) . أقول: الاحاديث في غاية رفع القتال مختلفة بزيادة ونقيصة من القيود، وجمع هذه الاحاديث والبحث حولها مفصلاً ربما يحتاج الي تأليف رسالة.

اختلاف الصحابة

(81) اختلف عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر فقال الاول: انّه صلي الله عليه وسلم لم يصلّ في الكعبة، وقال الثاني عن قول بلال: انّه صلي الله عليه وسلم صلّي فيها ركعتين بين الساريتين اللتين علي يساره (2) . واليك نموذجاً من هذه الاختلافات وهي كثيرة: 1 - اختلاف سهل وجابر في بناء المنبر (3) . 2 - اختلاف عائشة وغيرها في بطلان الصلاة بالكلب والمرأة والحمار (4) . 3 - اختلاف عائشة مع معاوية وأبي هريرة في ركعتين بعد العصر (5) . 4 - اختلاف ابن عمر وابي هريرة (6) .

ص: 105


1- 187. صحيح البخاري رقم 1180 كتاب الجنائز.
2- 188. صحيح البخاري رقم 388 - 389 أبواب القبلة.
3- 189. صحيح البخاري رقم 436 - 437.
4- 190. صحيح البخاري رقم 486 - 489.
5- 191. صحيح البخاري رقم 562 - 563 - 565.
6- 192. صحيح البخاري رقم 1036 - 1038.

5 - اختلاف ابن عمر وعائشة في نافلة الظهر (1) . والاستقصاء والتفصيل محتاجان الي تأليف رسالة مستقلة، وستأتي شواهد أُخري في اثناء الكتاب، والغرض انّ الصحابة قد اختلفوا في نقل الاحاديث وردّ بعضهم بعضا. فالقول بوجوب اخذ كلّ ما ينقل عنهم علي المسلمين مخالف للاعتبار العقلي وتحكم واغفال.

سهوه و نومه عن الصلاة

(82) عن عبدالله قال: صلّي النبي الظهر خمساً، فقالوا أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صلّيت خمساً. فثني رجليه وسجد سجدتين (2) … أي بعد ما سلّم (3) . (83) وعنه صلّي النبي... زاد أو نقص... انّما انا بشر مثلكم أنسي كما تنسون، فاذا نسيت فذكّروني... (4) . (84) عن أبي هريرة صلّي بنا رسول الله صلي الله عليه وسلم احدي صلاتي العشاء... فصلّي بنا بركعتين ثم سلّم... يقال له ذو اليدين قال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: «لم أنس ولم تقصر» فقال: «أكما يقول ذو اليدين؟» فقالوا: نعم (5) . أقول: نفيه النسيان أولاً ثم سؤاله عنه لا يخلو عن ركاكة، فوقع في النقل تصرّف من بعضهم.

ص: 106


1- 193. صحيح البخاري رقم 1126 - 1127.
2- 194. صحيح البخاري رقم 396.
3- 195. صحيح البخاري رقم 1168.
4- 196. صحيح البخاري رقم 392.
5- 197. صحيح البخاري رقم 468.

(85) عن أبي قتادة... فاستيقظ النبي صلي الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس... (1) . (86) عن عبدالله بن بحينة: انّ رسول الله قام من اثنتين من الظهر لم يجلس بينهما، فلما قضي صلاته سجد سجدتين ثم سلّم بعد ذلك (2) ، وفيها روايات تتعلق بسهوه ونسيانه صلي الله عليه وسلم. أقول: ويقرب منها ما ورد في روايات الشيعة، لكنّ علماءهم اختلفوا في رده وقبوله والاكثر علي الرد والطرح. وقد بحثنا معهم ذلك في غير هذا الكتاب.

ما يدل علي انه تعالي جسم

(87) عن عبدالله بن عمر ان رسول الله رأي بصاقاً... فقال: «... فلا يبصق قبل وجهه، فانّ الله قبل وجهه إذا صلّي» (3) . (88) عن انس، عن النبي:... أو ربّه بينه وبين قبلته (4) . (89) عن جرير قال كنا عند النبي فنظر الي القمر ليلة - يعني بدر - فقال: «انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته...» (5) . (90) عن أبي هريرة انّ الناس قالوا: يا رسول الله هل نري ربّنا يوم القيامة؟ قال: «هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه حجاب».

ص: 107


1- 198. صحيح البخاري رقم 570 كتاب مواقيت الصلاة.
2- 199. صحيح البخاري رقم 1167 أبواب السهو.
3- 200. صحيح البخاري رقم 398 أبواب المساجد، صحيح مسلم 4: 38، وانظر سنن أبي داود 1: 129.
4- 201. صحيح البخاري رقم 407.
5- 202. صحيح البخاري رقم 529 كتاب مواقيت الصلاة.

قالوا: لا، يا رسول الله. قال: «فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟». قالوا: لا. قال: «فانكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة، فيقول من كان يعبد شيئاً... وتبقي هذا الاَُمّة وفيها منافقوها، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربّكم، فيقولون هذا مكاننا حتي يأتينا ربّنا، فاذا جاء ربّنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربّنا... فيضحك الله عزّ وجلّ منه...» (1) . (91) وعن أبي هريرة انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «ينزل ربّنا تبارك وتعالي كلّ ليلة الي السماء الدنيا...» (2) . (92) وعنه... فقال صلي الله عليه وسلم: «ضحك الله الليلة» (3) . (93) عن أبي سعيد الخدري: انّ اناساً في زمن النبي صلي الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله هل نري ربنا يوم القيامة؟ قال النبي صلي الله عليه وسلم: «نعم، هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة ضوء ليس فيها سحاب». قالوا: لا. قال: «وهل تضارون في رؤيته ليلة البدر ضوء ليس فيه سحاب؟». قالوا لا: قال النبي صلي الله عليه وسلم: «ما تضارون في رؤية الله عزّ وجلّ يوم القيامة إلاّ

ص: 108


1- 203. صحيح البخاري رقم 773 كتاب صفة الصلاة.
2- 204. صحيح البخاري رقم 1094، سنن أبي داود 2: 34.
3- 205. صحيح البخاري رقم 3587 كتاب فضائل الصحابة.

كما تضارون في رؤية احدهما. إذا كان يوم القيامة اذن مؤذن... حتي إذا لم يبق إلاّ من كان يعبد الله من برٍّ أو فاجر آتاهم ربّ العالمين في ادني صورة من التي رأوا فيها! فيقال: ماذا تنتظرون... ونحن ننتظر ربّنا الذي كنا نعبد، فيقول: أنا ربّكم!، فيقولون لا نشرك بالله شيئاً. مرتين أو ثلاثاً» (1) . ورواه أبو هريرة ولكن بزيادة تناسب مذاقه، واليك بعض جملاته: وتبقي هذه الاَُمّة فيها منافقوها، فياتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ بالله منك! هذا مكاننا حتي يأتينا ربّنا فاذا اتانا ربّنا عرفناه!، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول: انا ربّكم، فيقولون انت ربّنا! فيتبعونه... حتي يضحك منه، فاذا ضحك منه... (2) . أقول: هذه الاحاديث المذكورة تثبت أُموراً: 1 - انّ الله له صورة محسوسة. 2 - تتبدل صوره فهو محل الحوادث. 3 - انّ المنافقين يرونه كالمؤمنين. 4 - ان الله يتحرك فيجيء في ميدان القيامة فيروح ثم يأتي. 5 - له صورة معروفة عند المؤمنين. 6 - انّ الله يضحك. وامّا تأويل الرؤية من دون كيف (بلكفة) فشيء يذكره جملة من متكلمي الاشاعرة، والاحاديث تنفيها. (94) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «انّ لله ملائكة...

ص: 109


1- 206. صحيح البخاري رقم 4305 كتاب التفسير.
2- 207. صحيح البخاري رقم 6204 كتاب الرقاق.

فيسألهم ربّهم - وهو أعلم منهم - ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبّرونك... فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا، والله ما رأوك. قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة...» (1) . (95) عن انس قال: قال النبي: «لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتي يضع ربّ العزة فيها قدمه، فتقول قط قط وعزتك...» (2) . (96) عن جرير بن عبدالله قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم: «انكم سترون ربكم عياناً» (3) . (97) وعن أبي هريرة، عن النبي صلي الله عليه وسلم: «... حتي يضع فيها قدمه فتمتلئ ويرد بعضها الي بعض...» (4) . (98) عن عبدالله قال: جاء حبر من اليهود فقال: انّه إذا كان يوم القيامة جعل الله السماوات علي اصبع، والارضين علي اصبع، والماء والثري علي اصبع، والخلائق علي اصبع، ثم يهزهن.. فلقد رأيت النبي يضحك... تعجباً وتصديقاً لقوله...» (5) . (99) عن معاوية بن الحكم... فقال صلي الله عليه وسلم لها: «أين الله؟» قالت في السماء. قال: «من أنا».

ص: 110


1- 208. صحيح البخاري رقم 6045 الدعوات.
2- 209. صحيح البخاري رقم6284كتاب الاِيمان والنذور، وانظرصحيح سلم17: 183و184.
3- 210. صحيح البخاري رقم 6998 كتاب التوحيد.
4- 211. صحيح البخاري رقم 7011 كتاب التوحيد.
5- 212. صحيح البخاري رقم 7075 كتاب التوحيد.

قالت: انت رسول الله. قال: «اعتقها فانّها مؤمنة» (1) . (100) عن أبي هريرة عنه صلي الله عليه وسلم: «ينزل ربّنا تبارك وتعالي كلّ ليلة الي السماء الدنيا» (2) . (101) عن جبير... ان عرشه علي سمواته لهكذا - قال باصابعه مثل القبة - وانّه ليئط به اطيط الرحل بالراكب، انّ الله فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته (3) . (102) عن أبي هريرة رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يضع ابهامه علي اذنه والتي تليها علي عينه... يقرؤها، أي قوله تعالي: (انّ الله يأمركم أن تودّوا الاَمانات - الي قوله - سميعاً بصيرا) يعني انّ لله سمعاً وبصراً (4) . (103) أورد ابن ماجه احاديث في مقدمة سننه (5) ، وهذه الاحاديث تدلّ علي جسميته تعالي. نذكر ثلاثة منها ههنا: (104) عن أبي رزين قلت: يا رسول الله انري الله يوم القيامة، وما آية ذلك في خلقه؟ قال: «يا رزين أليس كلكم يري القمر مخلياً به». قال: قلت: بلي. قال: «فالله أعظم، وذلك آية في خلقه» (6) .

ص: 111


1- 213. صحيح مسلم 5: 24.
2- 214. صحيح مسلم 6: 36.
3- 215. سنن أبي داود 4: 232 كتاب السنة.
4- 216. صحيح البخاري رقم 233.
5- 217. سنن ابن ماجه رقم 177 - 202 المقدمة في باب فيما انكرت الجهمية.
6- 218. سنن ابن ماجه رقم 180 المقدمة.

(105) وعنه قال: قال رسول الله: «ضحك ربّنا من تنوط عباده وقرب غيره» قال: قلت: يا رسول الله أويضحك الرب؟ قال: «نعم». قلت: لن نعدم من ربّ يضحك خيراً! (106) عن العباس عنه صلي الله عليه وسلم: «... ثم فوق السماء السابعة بحر... ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين اظلافهن وركبهن كما بين سماء الي سماء، ثم علي ظهورهن العرش... ثم الله فوق ذلك. قيل: الاَوعال جمع وعل، وهو تيس الجبل، وهي الحاملة للعرش الحامل لله! (107) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «آتاني الليلة ربّي تبارك وتعالي في احسن صورة - قال: احسبه قال: في المنام - فقال: يا محمّد هل تدري فيم يختصم الملاأ الأعلي؟ قلت: لا قال: فوضع يده بين كتفي حتي وجدت بردها بين ثدييَّ (1) . أقول: كلّ ذلك باطل ومخالف للعقل: (وما قدروا الله حقّ قدره).

رؤيته من خلفه

(108) عن أبي هريرة: انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «هل ترون قبلتي ههنا، فوالله ما يخفي عليَّ خشوعكم ولا ركوعكم انّي لاَراكم من وراء ظهري (2) . (109) وعن انس عنه صلي الله عليه وسلم قال: «انّي لاَراكم من ورائي كما أراكم» (3) .

ص: 112


1- 219. سنن الترمذي 3: 98.
2- 220. صحيح البخاري رقم 408.
3- 221. صحيح البخاري رقم 409، انظر صحيح مسلم 4: 149 وما بعده.

اقول: وهل الرؤية المذكورة بصرية أو علمية فيها وجهان، والله تعالي العالم.

بناء المسجد علي القبر

(110) عن عائشة... فقال صلي الله عليه وسلم: «انّ اولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا علي قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، فاولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» (1) . (111) عنها وعن ابن عباس...: «لعنة الله علي اليهود والنصاري اتخذوا قبور انبيائهم مساجد» (2) . (112) وعن أبي هريرة: «قاتل الله اليهود اتخذوا قبور انبيائهم مساجد» (3) . (113) عن عائشة، عن النبي صلي الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه -: قال: «لعن الله اليهود والنصاري اتخذوا قبور انبيائهم مساجد» قالت ولولا ذلك لابرزوا قبره غير انّي اخشي ان يتّخذ مسجداً» (4) . أقول: المتيقن من مدلول الاحاديث جعل القبر موضعاً للسجود عليه سواء قصد منه عبادة النبي أم لا، لكن حديث عائشة الاَول يدلّ علي منع بناء المسجد علي محل فيه قبر الانسان الصالح. وعلي كل، هذه الاحاديث لا تنهي عن الصلاة جنب قبر النبي وغيره كما في المسجد النبوي وكما في مسجد دمشق المشتمل علي قبر يحيي عليه السلام.

ص: 113


1- 222. صحيح البخاري رقم 417 كتاب المساجد.
2- 223. صحيح البخاري رقم 425.
3- 224. صحيح البخاري رقم 426.
4- 225. صحيح البخاري رقم 1265 كتاب الجنائز.

حكم التكبير في كل رفع و وضع

(114) عن عمران بن حصين قال: «صلّي مع علي رضي الله عنه بالبصرة فقال: ذكرنا هذا الرجل صلاة، كنّا نصلّيها مع رسول الله صلي الله عليه وسلم، فذكر انّه كان يكبّر كلّما رفع وكلّما وضع (1) . أقول: يظهر من هذا وشبهه انّ صورة صلاته صلي الله عليه وسلم لم تبق معمولاً بها عند المسلمين، فقد طرأ عليها بعض التغييرات، وهي تتكرّر كلّ يوم خمس مرات، فكيف بسائر العبادات.

الفئة الباغية النارية

(115) عن أبي سعيد في بناء المسجد... كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلي الله عليه وسلم فينفض التراب عنه، ويقول: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم الي الجنة ويدعونه الي النار» قال: يقول عمار: اعوذ بالله من الفتن (2) . أقول: فعلي واصحابه هم الداعون الي الجنة فهم علي حق، ومعاوية واصحابه هم الفئة الباغية الداعون الي النار فهم علي باطل، ثم ان الداعي الي النار لا يكون في الجنة.

قاعدة من ادرك ركعة

(116) عن أبي هريرة عنه صلي الله عليه وسلم: «من ادرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» (3) .

ص: 114


1- 226. صحيح البخاري رقم 751، ولا حظ صلاة أبي هريرة وقوله في آخرها (752)، وقريب من هذا رواية مطرف (753).
2- 227. صحيح البخاري رقم 436، وانظر صحيح مسلم 18: 39 وعن أُم سلمة أيضاً عن النبي(ص) 18: 41.
3- 228. صحيح البخاري رقم 555 وانظر 554.

النبي ما صلي العصر

عن جابر: انّ عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسبّ كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت أُصلّي العصر حتي كادت الشمس تغرب. قال النبي صلي الله عليه وسلم: «والله ما صلّيتها...» فصلّي العصر بعدما غربت الشمس (1) . والحديث غير قابل للتصديق في حقه صلي الله عليه وسلم لاَن للصلوات مراتب اضطرارية، وقد نقل مسلم في كتابه عن عبدالله بن عمر انّه يومئ ايماء. ويظهر من الحديث انّ جمعاً من الصحابة لم يصلّوا العصر يومئذ. وفي رواية عن جابر انّ عمر قال: ما كدت أُصلّي العصر - أي يوم الخندق - حتي غربت، قال: فنزلنا فصلّي بعدما غربت الشمس (2) . يظهر منها انّ عمر وحده لم يصلّ العصر، ولا يبعد صحته، وان الرواية الاَُولي مجعولة كجعل ما يدلّ في غير البخاري انّه صلي الله عليه وسلم ترك أربع صلوات.

الجلوس قبل القيام

(117) عن مالك... يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل ان ينهض في الركعة الاَُولي (3) .

اقتداء امام بآخر في صلاته واحدة

(118) عن عائشة... فأجلساه الي جنب أبي بكر، قال: فجعل أبو بكر يصلّي وهو يأتم بصلاة النبي، والناس بصلاة أبي بكر والنبي صلي الله عليه وسلم قاعد (4) .

ص: 115


1- 229. صحيح البخاري رقم 571.
2- 230. صحيح البخاري رقم 513.
3- 231. صحيح البخاري رقم 645 كتاب الجماعة والامامة.
4- 232. صحيح البخاري رقم 655، وقد صرّح في حديث آخر برقم 681: فكان أبو بكر يصلّي قائماً وكان رسول الله يصلّي قاعداً يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله، والناس مقتدون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه.

أقول: في الرواية سؤالان أحدهما: انّه لِمَ لم يقتد الناس كلّهم بصلاته؟ وكيف علمت عائشة انّهم اقتدوا بأبيها لا به صلي الله عليه وسلم؟! وثانيهما: انّ الواجب علي أبي بكر ان يقتدي جالساً لا قائماً، فان عائشة نفسها روت انّه صلي الله عليه وسلم صلّي جالساً (لمرض) وصلّي وراء قوم قياماً، فاشار اليهم ان اجلسوا، فلما ان انصرف قال: «انّما جعل الامام ليؤتم به... وإذا صلّي جالساً فصلوا جلوساً» ويدلّ عليه حديث انس (1) ، وحديث أبي هريرة (2) . لكن في حديث آخر عن عائشة: فتأخّر أبو بكر رضي الله عنه وقعد النبي الي جنبه وأبو بكر يسمع الناس التكبير (3) . فيظهر منه: انّ أبا بكر لم يكن اماماً بل مقتدياً ومكبراً، فهذا ينافي بقية الاَحاديث. ثم انّ المستفاد من بعض الروايات انّ النبي وجد خفة في أول صلاة صلاها أبو بكر، فذهب للصلاة. ومن بعضها الآخر انّه في غير الصلاة الاَُولي. وعلي كلّ لم ينقل انّ أبا بكر بكي في صلاته لاَجل انّه رجل رقيق القلب، وانّه اسيف، وانّه لا يسمع الناس من البكاء كما تدّعي عائشة، فسبحان الله من عاطفة البنت لاَبيها.وأيٍّ كان السبب فانّ في اقامة النبي أبا بكر للصلاة وامامته للمصلين غموضاً؛ لاختلاف الاَحاديث فيها بحيث يفهم نفوذ السياسة فيها، وسنذكر في ما يأتي أيضاً بعض قصتها.

ص: 116


1- 233. صحيح البخاري رقم 656 و657.
2- 234. صحيح البخاري رقم 689.
3- 235. صحيح البخاري رقم 680.

النهي عن صلاة رمضان جماعة

(119) عن زيد بن ثابت: انّ رسول الله اتخذ حجرة - قال: حسبت انّه قال من حصير - في رمضان فصلّي فيها ليالي، فصلّي بصلاته ناس من اصحابه، فلّما علم بهم جعل يقعد فخرج اليهم فقال: «قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم فصلّوا أيّها الناس في بيوتكم، فانّ أفضل الصلاة صلاة المرأة إلاّ المكتوبة» (1) . (120) وعن عائشة انّها قالت - في جواب من سألها كيف كانت صلاة رسول الله صلي الله عليه وسلم في رمضان؟ -: ما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره علي أحدي عشرة ركعة... (2) . أقول: الرواية مجعولة، فانّها تخالف كلّ ما ورد في صلاته صلي الله عليه وسلم لنوافل رمضان.

الاعتدال بعد الركوع و بعد السجود

(121) عن أبي هريرة في حديث عنه صلي الله عليه وسلم: «... ثم اركع حتّي تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتّي تعتدل قائماً ثم اسجد حتّي تطمئن ساجداً ثم ارفع حتّي تطمئن جالساً... ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» (3) . وفي حديث انس: وإذا رفع رأسه قام حتّي نقول قد نسي (4) . وعن البراء: كان ركوع النبي صلي الله عليه وسلم وسجوده، وإذا رفع رأسه من الركوع

ص: 117


1- 236. صحيح البخاري رقم 698، وانظر حديث عائشة رقم 1077.
2- 237. صحيح البخاري رقم 1097 كتاب التهجد.
3- 238. صحيح البخاري رقم 760.
4- 239. صحيح البخاري رقم 767.

وبين السجدتين قريباً من السواء (1) .

القنوت

(122) عن أبي هريرة: لاَُقرأنّ صلاة النبي صلي الله عليه وسلم، فكان أبو هريرة رضي الله عنه يقنت في الركعة الاَُخري من صلاة الظهر وصلاة العشاء وصلاة الصبح بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار (2) ، وكان دعاؤه صلي الله عليه وسلم علي المخالفين له من مضر! (3) . (123) وعن انس: كان القنوت في المغرب والفجر (4) . (124) وعن محمّد: سئل أنس اقنت النبي صلي الله عليه وسلم في الصبح؟ قال: نعم. فقيل له: أوقنت قبل الركوع؟ قال: بعد الركوع يسيراً (5) . وعن عاصم قال: سألت أنس عن القنوت، فقال: قد كان القنوت. قلت: قبل الركوع أو بعده؟ قال قبله. قال: فانّ فلاناً أخبرني عنك أنّك قلت بعد الركوع؟ فقال: كذب! انّما قنت رسول الله بعد الركوع شهراً... (6) ولعل البخاري لا يري الكذب مانعاً عن الصحة!

ص: 118


1- 240. صحيح البخاري رقم 767.
2- 241. صحيح البخاري رقم 764.
3- 242. صحيح البخاري رقم 771.
4- 243. صحيح البخاري رقم 765.
5- 244. صحيح البخاري رقم 956 كتاب الوتر.
6- 245. صحيح البخاري رقم 957 كتاب الوتر.

ابتداع النداء الثالث والاتمام في السفر بمني

(125) عن السائب قال: كان النداء يوم الجمعة أوّله إذا جلس الامام علي المنبر علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر (رض)، فلمّا كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث علي الزوراء (1) . قيل: الزوراء موضع بالسوق بالمدينة. (126) وعنه: انّ الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان... (2) . (127) وعنه: انّ التأذين الثاني يوم الجمعة أمر به عثمان... (3) . وعن عبدالله رضي الله عنه: صلّيت مع النبي بمني ركعتين وأبي بكر وعمر، ومع عثمان صدراً من امارته ثم أتمّها (4) . أقول: لا يجوز مثل هذا التغيير في احكام الشرع، فسامحه الله. وفي حديث: انّ عبدالله بن مسعود لمّا سمع اتمام الصلاة من عثمان استرجع ثم قال: صلّيت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم بمني ركعتين... فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان (5) . وتبعت عائشة عثمان في ذلك (6) .

بدعة مروان

(128) عن أبي سعيد... فأوّل شيء يبدأ به - أي رسول الله صلي الله عليه وسلم -

ص: 119


1- 246. صحيح البخاري رقم 870.
2- 247. صحيح البخاري رقم 871.
3- 248. صحيح البخاري رقم 873.
4- 249. صحيح البخاري رقم 1032.
5- 250. صحيح البخاري رقم 1034.
6- 251. صحيح البخاري رقم 1040.

الصلاة ثم... فيعظهم... فإذا مروان يريد أن يرتقيه - المنبر - قبل ان يصلّي فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع، فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله. فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم! فقلت: ما أعلم والله خير ممّا لا أعلم. فقال: انّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة (1) ، القصة كغيرها نقلت بالفاظ مختلفة (2) .

توسل عمر بالنبي و عمه

(129) عن انس: انّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقي بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم انّا كنّا نتوسّل اليك بنبينا فتسقينا، وانا نتوسل اليك بعمّ نبينا فاسقنا، قال: فيسقون (3) . أقول: يظهر من الرواية انّ توسّل عمر بالعباس في الاِستسقاء كان عادة له، وانّ التوسّل جائز، وانّ أهل بيته صلي الله عليه وسلم أفضل عندهم من الصحابة. (130) وعن عبدالله بن دينار قال: سمعت ابن عمر يتمثّل بشعر أبي طالب. وابيض يستسقي الغمام بوجهه++ ثمال اليتامي عصمة للاَرامل الصلاة في كسوف الشمس اخرج البخاري روايات فيها والظاهر انّه واجبة وجوباً عينياً، بل يظهر من بعضها وجوبها لخسوف القمر أيضاً، فلاحظ كتاب الكسوف. وفي بعض الروايات: هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت

ص: 120


1- 252. صحيح البخاري رقم 913.
2- 253. انظر صحيح مسلم 6: 177 وسائر الكتب.
3- 254. صحيح البخاري رقم 964.

أحد ولا لحياته، ولكن يخوّف الله بها عباده... (1) . أقول: يشكل صدور الجملة الاَخيرة من رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولعلّها من زيادة بعض الرواة، إذ الكسوف والخسوف أمران عاديان غير موجبان للخوف. واعلم ان عبدالله بن الزبير لم يعرف كيفية صلاة الكسوف فصّلاها ركعتين كصلاة الصبح، واعترف أخوه عروة انّه أخطأ السنّة (2) .

نومه في السحر

(131) وعن عائشة: ما الفاه السحر عندي إلاّ نائماً. تعني النبي صلي الله عليه وسلم (3) أقول: الرواية مجعولة؛ لاَنّ الاحاديث - حتّي عن عائشة - متّفقة علي انّه لا ينام بعد صلاة الوتر حتّي يصلّي المكتوبة، ولذا أوّله بعضهم بالاضطجاع، وهو كما تري تأويل باطل. نعم هو وارد في حديثها الآخر (4) . وفي رواية عنها: فقلت يا رسول الله أتنام قبل ان توتر؟ فقال: يا عائشة انّ عيني تنامان ولا ينام قلبي (5) .

تعليم الاستخارة

(132) عن جابر بن عبدالله: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعلّمنا الاستخارة في الاَُمور كما يعلّمنا السورة من القرآن، يقول إذا همَّ أحدكم بالاَمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقل: اللهم اني استخيرك بعلمك.. (6) .

ص: 121


1- 255. صحيح البخاري رقم 1010.
2- 256. صحيح البخاري رقم 1016.
3- 257. صحيح البخاري رقم 1082.
4- 258. صحيح البخاري رقم 1107.
5- 259. صحيح البخاري رقم 1096.
6- 260. صحيح البخاري رقم 1109 أول أبواب التطوع.

المنع من شد الرحال

(133) عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: لا تشدّ الرحال إلاّ الي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، والمسجد الاقصي (1) . وقريب منه حديث أبي سعيد الخدري (2) . أقول: المستثني منه ظاهراً أو القدر المتيقّن هو المساجد لا مطلق الاَماكن؛ لجواز شدّ الرحال إلي التجارة والنزهة وصلة الرحم وتحصيل العلم وغير ذلك، فيلزم علي الثاني تخصيص الاكثر المستهجن. والرواية منصرفة إلي السفر البعيد. ولما رواه ابن عمر: كان النبي صلي الله عليه وسلم يأتي مسجد قبا كل سبت ماشياً وراكباً وكان عبدالله يفعله (3) .

عجيبة

(134) عن عائشة: انّ رسول الله كفّن في ثلاثة أثواب... (4) . أقول: ان الذي غسّل رسول الله صلي الله عليه وسلم وكفّنه ودفنه هو علي، ولم يرووا عنه شيئاً في ذلك وهذه عائشة تخبرهم عن كفن رسول الله، وهذا لعمر الله عجيب!

اعتراض عمر علي النبي

(135) عن ابن عمر: انّ عبدالله بن أُبي لمّا توفي جاء ابنه إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله اعطني قميصك أُكفّنه فيه، وصلّ عليه، واستغفر له فاعطاه النبي صلي الله عليه وسلم قميصه فقال: «آذني أُصلّي عليه»، فاذنه.

ص: 122


1- 261. صحيح البخاري رقم 1123 كتاب التطوع.
2- 262. صحيح البخاري رقم 1139.
3- 263. صحيح البخاري رقم 1135.
4- 264. صحيح البخاري رقم 1205.

فلّما أراد ان يصلّي عليه جذبه عمر رضي الله عنه فقال: أليس نهاك أن تصلّي علي المنافقين؟ فقال: «أنا بين خيرتين» قال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، أن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم. فصلّي عليه، فنزلت: (ولا تصلّ علي أحد مات منهم أبداً) (1) . (136) وعن جابر: أتي النبي صلي الله عليه وسلم عبدالله بن أُبي بعدما دفن، فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه (2) . (137) وعن ابن عباس عن عمر... وثبت اليه فقلت: يا رسول الله أتصلّي علي ابن أُبي وقد قال يوم كذا وكذا: كذا وكذا... فتبسم رسول الله وقال: «أخّر عني يا عمر» فلما اكثرت عليه قال: «اني خيّرت فاخترت، لو اعلم اني زدت علي السبعين يغفر له لزدت عليها». قال: فصلّي عليه رسول الله ثم انصرف، فلم يمكث إلاّ يسيراً حتّي نزلت الآيتان من براءة علي رسول الله: (ولا تصلّ علي أحد - إلي قوله - وهم فاسقون) فعجبت من جرأتي علي رسول الله... (3) . أقول: في المقام مباحث لا بدّ من تحقيقها في محل آخر.

البكاء والنياح علي الميت

(138) عن المغيرة: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: «انّ كذباً عليَّ ليس ككذب علي أحد، من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار». سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: «من نيح عليه يعذّب بما نيح عليه» (4) .

ص: 123


1- 265. صحيح البخاري رقم 1211.
2- 266. صحيح البخاري رقم 1211.
3- 267. صحيح البخاري رقم 1300 كتاب الجنائز.
4- 268. صحيح البخاري رقم 1229، وانظر صحيح مسلم 6: 235.

(139) وعن ابن عمر، عن أبيه، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «الميت يعذّب في قبره ما نيح عليه» (1) . (140) وعن عبدالله بن عبيدالله... فقال عبدالله بن عمر لعمرو بن عثمان ألا تنهي هذا عن البكاء، فانّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «انّ الميت ليعذب ببكاء أهله عليه...» فلمّا أصيب عمر دخل صهيب يبكي... فقال عمر رضي الله عنه: يا صهيب أتبكي عليَّ وقد قال رسول صلي الله عليه وسلم: «انّ الميت يعذّب ببعض بكاء أهله عليه» (2) . (141) وعن أبي بردة، عن أبيه: لمّا اصيب عمر رضي الله عنه جعل صهيب يقول: واأخاه، فقال عمر: أما علمت انّ النبي صلي الله عليه وسلم قال:«أنّ الميت ليعذب ببكاء الحي» (3) . (142) وعن عبدالله بن عمر قال: اشتكي سعد بن عبادة... وأنّ الميت يعذب ببكاء أهله عليه، وكان عمر رضي الله عنه يضرب فيه بالعصاوير من الحجارة ويحثي بالتراب (4) . أقول: انّ المغيرة وعمر يحدّثان عن النبي صلي الله عليه وسلم بانّ الميت يعذّب بما نيح عليه، والمغيرة لاَجل التأكيد علي نقله ورفع الشبهة ينقل أولاً شدة حرمة الكذب عليه صلي الله عليه وسلم، ثم انّ عمر وابنه يخبران عن تعذيب الميت ببكاء أهله أو ببكاء الحي عليه. نعم، اشتبه عمر في تطبيق الحديث علي بكاء صهيب عليه، فانّه كان حيّاً غير ميت، ولا يخفي علي أحد الفرق بين الاحياء والاموات في الاحكام، وهذا عجيب من عمر لكنه ليس بأعجب من

ص: 124


1- 269. صحيح البخاري رقم 1230.
2- 270. صحيح البخاري رقم 1226 كتاب الجنائز، وهكذا قال لبنته حفصة كما في صحيح مسلم 6: 208.
3- 271. صحيح البخاري رقم 1228.
4- 272. صحيح البخاري رقم 1242.

تركه الصلاة والتيمم كما مر. وقد بكي النبي علي سعد بن عبادة وهو حي، فقال: «انّ الله لا يعذّب بدمع العين...» (1) . ثم نقول للعوام ومن بحكمهم من مدعيي العلم الذين يدعون انّ كتاب البخاري أصحّ الكتب بعد كتاب الله ما هو داع البخاري من نقل هذه الروايات الباطلة المجعولة؟ أليس هو نقل عن عائشة أنّ أباها - أبا بكر - بكي علي النبي بعدما توفاه الله (2) . أليس نقل عن عبدالله بن جابر انّه بكي علي أبيه المقتول والنبي لا ينهاه، وعمتّه كذلك تبكي علي أخيها، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظلّه بأجنحتها حتّي رفعتموه» (3) . أليس هو روي في اخباره صلي الله عليه وسلم عن شهادة زيد وجعفر وعبدالله بن رواحة وانّ عيني رسول الله لتذرفان (4) أي يسيل منهما الدمع. أليس هو نقل... وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف وانت يا رسول الله؟ فقال: يا ابن عوف انّها رحمة ثم اتبعها باخري فقال: «انّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلاّ ما يرضي ربنا، وانّا بفراقك يا ابراهيم لمحزونون» (5) . أليس هو روي: شهدنا بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم ورسول الله جالس علي القبر، ورأيت عينيه تدمعان فقال... (6) .

ص: 125


1- 273. صحيح مسلم 6: 226.
2- 274. صحيح البخاري رقم 1186 كتاب الجنائز.
3- 275. صحيح البخاري رقم 1187.
4- 276. صحيح البخاري رقم 1189.
5- 277. صحيح البخاري رقم 1241.
6- 278. صحيح البخاري رقم 1277.

فالبكاء علي الميت من الرحمة ولا ينهي الله عن الرحمة، فضلاً عن أمره بضرب الباكي بالعصا والحجارة وحثيه بالتراب كما صدر من عمر. ومهما كان الامر ففتوي عمر شيء ونقل الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم شيء آخر، والحق انّ البكاء علي الميت مباح، بل حسن ولا يعذب الميت به حتّي وان كان حراماً، لما علم بالضرورة من الدين من انّ أحداً لا يعذب بفعل الآخر، كيف وهل اراد رسول الله صلي الله عليه وسلم ببكائه ان يعذّب جعفر الطيار وصاحباه وابراهيم ابنه وغيرهم ممّن بكي عليهم، وهل يدري أبو بكر انّ بكاءه علي النبي صلي الله عليه وسلم يعذّبه؟ (نعوذ بالله من ان يقال بعذاب النبي). ثم تعالوا معي نستمع إلي قول عائشة وهي تردّ علي رواية عمر - وابنه حيث قالت: رحم الله عمر، والله ما حدّث رسول الله صلي الله عليه وسلم انّ الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله قال: «انّ الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه» وقالت: حسبكم القرآن: (ولا تزر وازرة وزر أُخري) (1) . وقالت أيضاً: انّما مرّ رسول الله صلي الله عليه وسلم علي يهودية يبكي أهلها، فقال: «انّهم ليبكون عليها وانّها لتعذب في قبرها» (2) . أقول: امّا استدلالها بالآية الكريمة فصحيح كما اشرنا اليه من قبل، وامّا حديثها الاَول فيرد عليه انّه لا وجه لزيادة عذاب الكافر ببكاء أهله عليه، فانّه مخالف للعقل، وانّما هو يعذب بكفره وعصيانه فقط، ومخالف للآية الكريمة المذكورة أيضاً. ثم نسأل أُم المؤمنين أي وجه لانكارك - فضلاً عن تأكيدك بالقسم - الحديث المذكور ولم تكوني مع رسول الله في المسجد وميادين الحرب

ص: 126


1- 279. صحيح البخاري رقم 1226.
2- 280. صحيح البخاري رقم 1227.

وجميع مجالسه صلي الله عليه وسلم، بل في بيته دائماً ولك ليلة من تسع أو ثمان ليال. ثم ان في حديث عائشة اختلافاً وتناقضاً يدلّ علي سقوط اعتباره، فمرّة تقول في ردّ كلام عمر انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «انّ الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله». وثانية تدّعي انّه صلي الله عليه وسلم قال: «انهم يبكون عليها - اليهودية - وانّها لتعذّب في قبرها. وثالثة تدّعي في ردّ كلام ابن عمر انّه قال: «انّه ليعذب بخطيئته وذنبه، وان أهله ليبكون عليه الآن» (1) وهذا عام يشمل الكافر والمسلم. فكأنّ عائشة تحدّث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم بما تهواه، وكأنّ لها نيابة عامة عنه صلي الله عليه وسلم في كلّ ما تشاء بيانه! وعن أبي موسي... قال عمر: والله لقد علمت انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «من يبكي عليه يعذب»، فذكرت ذلك لموسي بن طلحة فقال: كانت عائشة تقول: انّما كان أولئك اليهود! (2) . والحق انّه ليس كلّ ما روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم يمكن قبوله والاعتماد عليه؛ وذلك لوجود الاختلاف والتناقض بين الصحابة في نقل الرواية الواحدة، وهذا الاختلاف بيّن لمن تأمّل في روايات البخاري، وما نقلناه عنه خير شاهد لذلك، فكيف يدّعي البعض انّ من قال بصدور جميع احاديث البخاري عن رسول الله لم يكن علي خطأ!

خرافة حول الدجال

(143) عن عبدالله بن عمر: انّ عمر انطلق مع النبي صلي الله عليه وسلم في رهط (3) .

ص: 127


1- 281. صحيح البخاري رقم 3759.
2- 282. صحيح مسلم 6: 230، وانظر ص232 أيضاً إلي آخر الجزء السادس.
3- 283. الرهط ما دون العشرة من الرجال.

قِبَلَ ابن صياد حتّي وجدوه يلعب مع الصبيان عند اطم (1) بني مغالة - وقد قارب ابن صياد الحلم - فلم يشعر حتّي ضرب النبي صلي الله عليه وسلم بيده ثم قال لابن صياد: «تشهد انّي رسول الله؟». فنظر اليه ابن صياد فقال: اشهد انّك رسول الاُميين، فقال ابن صياد للنبي صلي الله عليه وسلم: اتشهد انّي رسول الله؟ فرفضه وقال: «آمنت بالله ورسله» فقال له: «ماذا تري؟» قال ابن صياد يأتيني صادق وكاذب: فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «خلط عليك الامر» ثم قال له النبي: «انّي خبأت لك خبيئاً». فقال ابن صياد هوالدخ (2) . فقال: اخسأ فلن تعدو قدرك. فقال عمر: دعني يا رسول الله اضرب عنقه. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «ان يكنه فلن تسلّط عليه، وان لم يكنه فلا خير لك في قتله» (3) . ويزيد ابن عمر في حديثه: انطلق بعد ذلك رسول الله وأُبي بن كعب إلي النخل التي فيها ابن صياد وهو يختل (4) ان يسمع من ابن صياد شيئاً قبل ان يراه ابن صياد، فرآه النبي وهو مضطجع... فقالت - أي أُمّه - يا صاف - وهو اسم ابن صياد -: هذا محمّد، فثار ابن صياد، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «لو

ص: 128


1- 284. بناء من حجر كالقصر.
2- 285. قيل أراد ان يقول الدخان فلم يستطع.
3- 286. صحيح البخاري رقم 1289 كتاب الجنائز.
4- 287. أي يستغفل.

تركته لبين» (1) . أقول: الرواية ككثير من روايات البخاري مجملة ومحصلّها انّ النبي كان يظن أو يحتمل ان صافاً هو الدجال، وهو يحب استعلام حاله، فلم يوفق له! ثم الظاهر من الرواية انّ عبدالله لم يكن مع النبي في مرتين وإلاّ لذكره بطبع الحال، فنسأله من أين جاء بالقصة ومن الذي أخبره؟ (144) وعنه... ثم ذكر الدجال فقال: «انّي انذركموه، وما من نبي إلاّ قد أنذر قومه، لقد انذره نوح قومه، ولكن سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعلمون انّه أعور وانّ الله ليس بأعور» (2) . أقول: هذا الكلام بريء منه رسول الله صلي الله عليه وسلم، إذ من غير المعقول صدوره عنه صلي الله عليه وسلم فالتمييز الذي ذكر - انه اعور وانّ الله ليس بأعور - لا تقوله حتّي ربات الحجال، فكيف برسول الله صلي الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوي! فياحسرة علي كذب الناقلين وعقل المحدّثين الغافلين. (145) وعن أبي سعيد الخدري قال: صحبت ابن صائد إلي مكّة فقال لي: أما قد لقيت من الناس، يزعمون انّي الدجال، ألست سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «انّه لا يولد له». قال: قلت: بلي. قال: فقد ولد لي أوَ ليس سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم: «لا يدخل المدينة ولا مكة». قلت: بلي. قال: فقد ولدت بالمدينة، وهذا أنا اُريد مكّة، ثم قال لي في آخر قوله: أما والله انّي اعلم مولده ومكانه واين هو.

ص: 129


1- 288. صحيح البخاري رقم 1289 كتاب الجنائز.
2- 289. صحيح البخاري رقم 2892 كتاب الجهاد، وانظر صحيح مسلم 18: 55.

قال: فلبسني (1) . وبسند آخر: ألم يقل صلي الله عليه وسلم انّه يهودي، وقد اسلمت... فقال أما والله انّي لاَعلم الآن حيث هو، واعرف أباه وأُمّه. قال: وقيل له: أيسرّك أنّك ذاك الرجل. قال: فقال: أوَ عرض عليَّ ما كرهت. (146) وعنه: قال رسول الله لابن صائد: «ما تربة الجنة؟». قال درمكة بيضاء، مسك يا أبا القاسم. قال: «صدقت» (2) . الدرمك: هو الدقيق الحواري الخالص البياض كما قيل. وفي رواية أُخري عنه: انّ ابن صائد سأل النبي عنها، فاجابه بما مر! فلتقرَّ اعين غلاة الصحاح بهذه الخزعبلات التي نسبت إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم زوراً وبهتاناً. (147) عن محمّد بن المكندر قال: رأيت جابر بن عبدالله يحلف بالله انّ ابن صائد الدجال، فقلت: أتحلف بالله. قال: انّي سمعت عمر يحلف علي ذلك عند النبي صلي الله عليه وسلم، فلم ينكره صلي الله عليه وسلم (3) . (148) عن نافع، عن ابن عمر: لقيته - أي ابن صائد - مرتين... فلقيته لقية أُخري وقد نفرت عينه... فقالت - أي حفصة لاَخيها عبدالله - ما تريد اليه ألم تعلم انّه قد قال: انّ أول ما يبعثه علي الناس غضب يغضبه (4) .

ص: 130


1- 290. صحيح مسلم 18: 50.
2- 291. صحيح مسلم 18: 52.
3- 292. صحيح مسلم 18: 53.
4- 293. صحيح مسلم 18: 58.

أقول: كل هذه الروايات تدلّ علي أنّ ابن صائد هو الدجال، وحيث انّه لم يخرج فلا بدّ ان يقال انّه حيٌّ غائب سيخرج فيما بعد! ثم انّ مسلماً اخرج في كتابه أحاديث في حق الدجال (1) من تأمّل فيها يعرف انّ الدجالين والوضّاعين قد لعبوا بالدجال، فقد رووا فيه من المتناقضات، وقاموا مقامه في تضليل الناس البسطاء، وروّجها المحدّثون تثبتاً لفضلهم وتضلّعهم في السنّة القولية النبوية، فصارت جزءً من الدين تعالي الله عن ذلك علوا كبيراً، ونحن نبرئ رسوله المعصوم الحكيم عن هذه المتناقضات، ففي بعض هذه الاحاديث: «الدجال ممسوح العين، مكتوب بين عينه كافر - ثم تهجّاها (الرسول صلي الله عليه وسلم) ك، ف، ر - يقرؤه كلّ مسلم» (2) . وفي بعضها: «معه نهران يجريان». وفي بعضها: «انّ معه ماء أو ناراً فناره بارد، وماؤه نار». وفي بعضها: «انّ لبثه أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم». وفي بعضها: «انّه يمر بالخربة فيقول لها: اخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها!... وانّه يقتل رجلاً ممتلئاً شباباً ثم يحييه، فيبعث عيسي بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق فيقتله... فيبعث الله ياجوج وماجوج». وفي بعضها قال الراوي - المدّعي انّه ما سأل رسول الله صلي الله عليه وسلم أحد عن الدجال اكثر ممّا سألت - قلت: انّهم يقولون انّ معه الطعام والانهار! قال: «هو أهون علي الله من ذلك»، انظر إلي هذا التناقض الصريح. وفي بعضها: قلت: انّهم يقولون معه جبال من خبز ولحم ونهر من ماء.

ص: 131


1- 294. صحيح مسلم 18: 60 - 87.
2- 295. ولم ينقل أحد انّه رأي هذه الكتابة بين عيني ابن صائد، فكيف قالوا انّه الدجال!.

قال: «هو أهون علي الله من ذلك». وفي بعضها: انّه أعور العين اليسري. وفي بعضها أعور العين اليمني! وفي بعضها: انّ فاطمة بنت قيس قصت قصة طويلة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم انّه صلي الله عليه وسلم حدّث عن تميم الداري الذي كان رجلاً نصرانياً فأسلم، وانّه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً، فلعب الموج بهم شهراً في البحر! حتّي مغرب الشمس، فدخلوا جزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبُلهُ من دُبُره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت أنا الجساسة! فارشدتهم الي رجل في الدير، فدخلوا الدير فإذا فيه أعظم انسان رأوه، واشدّه وثاقاً، مجموعة يداه إلي عنقه، ما بين ركبتيه إلي كعبة بالحديد... انّي مخبركم عني أنا المسيح - أي الدجال -. وهي قصة خيالية أخرجها مسلم بعنوان حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولا أدري اخترعتها بنت قيس أو نسبها اليها واضع من الرواة. وفي بعضها: فترجف: «المدينة ثلاث رجفات، يخرج اليه منها كلّ كافر ومنافق (ومنافقة)». وفي بعضها: «يتبع الدجال من يهود اصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة». أقول: لا انكر اصل خروج الدجال وانّما انكر هذه الاحاديث التي ذكرتها، وان سألت عن زمن خروجه فاقول لك: والله العالم. ثم أنّ القصة قد ذكرت في سنن ابن ماجه في كتاب الفتن بعبارات مختلفة لعبت بها أيدي القصاص والجعال، ففي بعضها: «انّه يخرج من خراسان».

ص: 132

وفي بعضها: «من خلة بين الشام والعراق». وفي بعضها: «انّ أيّامه أربعون سنة، السنة كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة». وفي بعضها: «انّ خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد... قيل فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير، والتسبيح والتحميد، ويجري ذلك عليهم مجري الطعام؟». وزاد ابن ماجه في سننه قصة ياجوج وماجوج أيضاً بوجه يكذّبه الحس (1) .

فطرة الايمان

(149) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «ما من مولود إلاّ يولد علي الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه» (2) . أقول: وقريب منه ما في روايات الشيعة عن أئمتهم ويدل عليه قوله تعالي: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم)، والحاصل ان علاقة الانسان بالله تعالي ليست تلقينية كما يظن جماعة من الملحدين، بل فطرية بفطرة العقل أو القلب أو بفطرة العقل والقلب معاً، وبحثه موكول إلي محله، وفي بعض روايات الشيعة الامامية انّ جواب الكفار في قوله: (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله) راجع إلي فطرتهم، أي لو رجعوا إلي فطرتهم التي خلقهم عليها لاَجابوكم بالتوحيد، وفي الآية وجه آخر، وهو انّ الخطاب متوجّه إلي مشركي قريش القائلين بتوحيد الخالق في الجملة وتعدّد المعبودين.

ص: 133


1- 296. سنن ابن ماجه رقم 4080.
2- 297. صحيح البخاري رقم 1293.

سمع الموتي

(150) عن ابن عمر: اطلع النبي علي أهل القليب فقال: «وجدتم ما وعد ربكم حقاً». فقيل له: تدعو أمواتاً؟ فقال: «ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون» (1) . (151) عن ابن عمر: وقف النبي صلي الله عليه وسلم علي قليب بدر فقال: «هل وجدتم ما وعد ربّكم حقاً؟ ثم قال: «انّهم الآن يسمعون ما أقول ما أنتم بأسمع منهم». فذكر لعائشة، فقالت: انّما قال النبي صلي الله عليه وسلم: «انّهم الآن يعلمون انّ الذي كنت أقول لهم هو الحق» ثم قرأت: (أنّك لا تسمع الموتي وما أنت بمسمع من في القبور) (2) . (152) وعن نافع، عن عبدالله: قال ناس من أصحابه: يا رسول الله تنادي ناساً أمواتاً؟ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «ما أنتم باسمع لما قلت منهم» (3) . أقول: لا يعلم وجه لانكار عائشة لحديث ابن عمر، وعدم علمها لا يدلّ علي عدم صدور الحديث منه صلي الله عليه وسلم، والظاهر انّها اعتمدت في ردّه علي الآيتين، والحال انّه لا منافاة بينهما وبين الحديث، وإذا قلنا انّ عائشة وابن عمر لم يحضرا بدراً سقط الحديثان معاً عن الاعتبار، ولعلّه لاَجله لم يذكر مسلم حديث عائشة في صحيحه (4) ، حيث اقتصر علي نقل حديث انس

ص: 134


1- 298. صحيح البخاري رقم 1304 كتاب الجنائز.
2- 299. صحيح البخاري رقم 3760، وانظر 3759.
3- 300. صحيح البخاري رقم 3802.
4- 301. صحيح مسلم 17: 206.

الموافق لقول ابن عمر. وسواء صح قوله أو قولها فالحديث يدلّ علي الحياة البرزخية.

عذاب القبر و عائشة

(153) انّ عائشة لم تكن عارفة بعذاب القبر فأخبرتها يهودية! فسألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عنه فقال: «نعم، عذاب القبر حق». قالت عائشة: فما رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد صلّي صلاة إلاّ تعوّذ من عذاب القبر (1) . أقول: مدلول كلامها انّ رسول الله تشاغل بالتعوّذ من عذاب القبر بتذكير اليهودية! وانّه لم يتعوّذ قبله ولو مرة واحدة عند عائشة! (154) وفي حديث آخر عنها: انّ عجوزين من عجز يهود المدينة قالتا له: انّ أهل القبور يعذّبون من قبورهم... فما رأيته بعد في صلاة إلاّ تعوّذ من عذاب القبر (2) . علي كلٍّ لم يفهم انّ الصحيح هو اخبار عجوز أو عجوزين، وشيخنا البخاري لا يلتفت إلي هذا الاختلاف، والواقع لو انّ أحداً من الباحثين وسعه الوقت فيؤلف كتاباً في جمع مختلفات متون الاحاديث المذكورة في كتاب البخاري لجاء كتاباً كبيراً يبطل خرافة كون كتاب البخاري أصحّ الكتب، واحاديثه أوثق الاحاديث بأتمّ وجه. وللسيدة او للوضّاعين عليها صورة ثالثة للقصة تقول: دخل عليَّ رسول الله صلي الله عليه وسلم وعندي امرأة من اليهود، وهي تقول: هل شعرت انّكم تفتنون في القبور؟ قالت: فارتاع رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال: «انّما تفتن يهود».

ص: 135


1- 302. صحيح البخاري رقم 1306.
2- 303. صحيح البخاري رقم 6005 كتاب الدعوات.

قالت عائشة: فلبثنا ليالي، ثم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «هل شعرت؟! انّه اوحي اليَّ انّكم تفتنون في القبور...» (1) . وهذا الحديث المجمع عليه - علي حسب زعم مسلم - زاد في طنبور المشكلة نغمة أُخري، وهي أعلمية يهودية من خاتم المرسلين صلي الله عليه وسلم في حوادث البرزخ، هدي الله الغالين والغافلين.

استئذان عمر من عائشة

(155) عن عمرو بن ميمون... يا عبدالله بن عمر اذهب إلي أُمّ المؤمنين عائشة فقل: يقرأ عمر بن الخطاب عليك السلام، ثم سلها أن أُدفن مع صاحبيَّ، قالت: كنت أريده لنفسي فلاُوثرنّه اليوم علي نفسي... فان أذنت لي فادفنوني وإلاّ فردّوني إلي مقابر المسلمين (2) . أقول: لم نفهم وجه الاستئذان، فانّ ما تركه النبي صدقة - كما حدّث وأصرّ عليه أبو بكر - وعلي فرض كونه ميراثاً فأصحاب الحق بنو فاطمة وجميع أزواجه صلي الله عليه وسلم، فما معني الاستئذان من إحداهن؟ ثم انّ عائشة بأي دليل شرعي أعدّت المكان لمدفنها وهي فرد من المسلمين أو فرد من الورثة، ولم تكن وصيّة وقيّمة ولا وليّة أمر المسلمين. والواقع انّ السياسة رفعتها وعظّمتها، وهذا هو السبب في شهرتها وكثرة الحديث عنها دون سائر زوجاته صلي الله عليه وسلم، فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر. تم الجزء الاول من البخاري حسب النسخة الموجودة عندي.

تحريف القرآن و ما يلحق به

نذكر هنا ما ورد في البخاري وغيره من الصحاح في تحريف القرآن

ص: 136


1- 304. صحيح مسلم 5: 85.
2- 305. صحيح البخاري رقم 1328.

ليكون اسهل تناولاً. وهكذا فعلت في بعض الموارد الاَُخر. (156) عن عبدالله... (وما اُوتوا من العلم إلاّ قليلاً) قال الاعمش: هكذا في قراءتنا (1) . والمذكور في المصاحف الشريفة: (وما أُوتيتم). (157) عن ابن عباس: كان عكاظ و... فنزلت: (ليس عليكم جناج ان تبتغوا فضلاً من ربّكم في مواسم الحج) (2) . وعن المعلّق: انّه خلاف المشهور فهي قراءة شاذة لها حكم حديث الاحاد، فتكون تفسير الآية وليست بقرآن. وفي سنن أبي داود بعد نقل الحديث: فحدثني عبيد بن عمير انّه كان يقرأها في المصحف! (158) وعن انس... فكنا نقرأ: (ان بلغوا قومنا ان قد لقينا ربّنا فرضي عنا وأرضانا) ثم نسخ بعد... (3) . (159) وعنه أُنزل في الذين قتلوا في بئر معونة قرآن قرأناه ثم نسخ بعد: (بلغوا قومنا ان قد لقينا ربّنا فرضي عنا ورضينا عنه) (4) . والفرق بين النقلين ظاهر في الموردين في أول الآية وآخرها (5) . (160) في قراءة عبدالله: (ونادوا يا مال) مكان (يا مالك) (6) . (161) وقرأ ابن عباس: (امامهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصباً وأما

ص: 137


1- 306. صحيح البخاري رقم 125 وغيره.
2- 307. صحيح البخاري رقم 1945 كتاب البيوع.
3- 308. صحيح البخاري رقم 2647 كتاب الجهاد.
4- 309. صحيح البخاري رقم 2659 كتاب الجهاد.
5- 310. انظر صحيح مسلم 5: 178.
6- 311. صحيح البخاري رقم 3058 كتاب بدء الخلق.

الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين) (1) . وفي صحيح مسلم مثله بزيادة: سفينة صالحة (2) . (162) عن علقمة... فقرأت عليه: (والليل إذا يغشي والنهار إذا تجلّي والذكر والاَُنثي) قال والله أقرأنيها رسول الله من فيه الي في (3) وفي البخاري (4) مازال بي هؤلاء حتّي كادوا يستنزلوني عن شيء سمعته من رسول الله صلي الله عليه وسلم!. أقول: وهذا الحديث يدلّ علي انّ كلمة (ما خلق) في القرآن زيادة، ولكن اجماع المسلمين علي خلافها. (163) وعن ابن عباس انّه يقرأ: (الا انّهم تثنوني صدور...) (5) . (164) وعنه لما نزلت: (وانذر عشيرتك الاَقربين ورهطك منهم المخلصين) خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم... فنزلت: (تبت يدا أبي لهب وتب وقد تب) هكذا قرأها الاعمش (6) . (165) عن ابن عباس: قال عمر لقد خشيت ان يطول بالناس زمان حتّي يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله... (7) . (166) وعن عكرمة... قال: لولا ان يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي (8) . (167) وعنه عن عمر - في حديث طويل - ثم انّا كنا نقرأ فيما نقرأ من

ص: 138


1- 312. صحيح البخاري ذيل 3220 كتاب الانبياء.
2- 313. صحيح مسلم 15: 142.
3- 314. صحيح البخاري رقم 3532 كتاب فضائل الصحابة، وانظر صحيح مسلم 6: 109 و110. ومسلم: 1533.
4- 315. برقم 1533.
5- 316. صحيح البخاري رقم 6 - 4405 كتاب التفسير.
6- 317. صحيح البخاري رقم 4687 كتاب التفسير، صحيح مسلم 3: 82 و83.
7- 318. صحيح البخاري رقم 6441 كتاب المحاربين.
8- 319. صحيح البخاري بعد رقم 6748 كتاب الاحكام.

كتاب الله: (أن لا ترغبوا عن ابائكم فانّه كفر بكم ان ترغبوا عن آبائكم) أو (ان كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم...) (1) . (168) عن أبي ذر... ثم قرأ صلي الله عليه وسلم: (ذلك مستقر لها) في قراءة عبدالله (كتاب التوحيد) وفي المصحف الشريف لمستقر لها. (169) عن أبي يونس... فأملت عائشة عليَّ (حافظوا علي الصلوات والصلاة الوسطي وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلي الله عليه وسلم (2) . (170) عن أبي هريرة... من نسي الصلاة فليصلّها إذا ذكرها فانّ الله قال: (أقم الصلاة لذكري...). قال يونس: وكان ابن شهاب يقرؤها: للذكري (3) . (171) عن عائشة انّها قالت كان فيما اُنزل من القرآن: (عشر رضعات معلومات يحرمن) ثم نسخ بخمس معلومات، فتوفّي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن (4) . (172) عن عمر بن الخطاب... فكان مما أُنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلنا، فرجم رسول الله صلي الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فاخشي ان طال بالناس زمان ان يقول قائل: مانجد الرجم في كتاب الله... وانّ الرجم في كتاب الله حق (5) . (173) قال أبو داود: قراءة ابن مسعود: (يسئلونك النفل) مكان (عن الانفال) (6) .

ص: 139


1- 320. صحيح البخاري رقم 6442 كتاب المحاربين.
2- 321. صحيح مسلم 1: 130، سنن النسائي 1: 236 وغيره.
3- 322. صحيح مسلم 5: 183.
4- 323. صحيح مسلم 10: 29 و30 كتاب الرضاع، سنن أبي داود 2: 230.
5- 324. صحيح مسلم 11: 191 كتاب الحدود.
6- 325. سنن أبي داود 3: 78 كتاب الجهاد.

(174) قرأ مطرف: (فئة تقاتل في سبيل الله ببدر) (1) . (175) عن عائشة: لقد نزلت آية الرجم، ورضاعة الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله صلي الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها (2) . أقول: وعلي حال الحديث فليبك الباكون. (176) عن أبي مسعود الانصاري: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (الله أحد الواحد الصمد) تعدل ثلث القرآن (3) . (177) وعن عبدالله بن مسعود قال: علي قراءة من تأمروني اقرأ؟ لقد قرأت علي رسول الله صلي الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة، وانّ زيداً لصاحب ذوابتين يلعب مع الصبيان (4) . وفي حاشية السندي علي المقام: قاله يوم أُمر أن يقرأ القرآن علي مصحف عثمان ويترك مصحفه، فكان بينهما فرق باعتبار أنّ بعض ما نسخ تلاوته من القرآن قد بقي عند بعض الصحابة مكتوباً في مصاحفهم. أقول: لو كان الفرق بينهما بهذا لم يعترض ابن مسعود علي ذلك، لاَنه اعتراض باطل. (178) عن ابن مسعود أقرأني رسول الله صلي الله عليه وسلم: (انّي أنا الرزّاق ذو القوة المتين) (5) . أقول: في المصحف الشريف: (انّ الله هو الرزّاق ذو القوة

ص: 140


1- 326. سنن أبي داود 3: 154كتاب الخراج.
2- 327. صحيح البخاري رقم 1945 كتاب النكاح.
3- 328. سنن ابن ماجه رقم 3789 كتاب الادب.
4- 329. سنن النسائي 8: 134.
5- 330. جامع الترمذي 3: 15.

المتين). (179) عن رجل، عن ربيعة قال: قدمت المدينة فدخلت علي رسول الله صلي الله عليه وسلم... ثم قرأ: (... ماتذر من شيء اتت عليه إلاّ جعلته كالرويم) (1) . (180) عن أُبيّ بن كعب انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال له: انّ الله أمرني أنّ أقرأ عليك القرآن، فقرأ عليه (لم يكن الذين كفروا) وقرأ فيها: (انّ الدين عندالله الحنفية المسلمة لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية من يعمل خيراً فلن يكفره) وقرأ عليه: (لو انّ لابن آدم وادياً من مال لابتغي اليه ثانياً ولو كان له ثانياً لابتغي اليه ثالثاً ولا يملأ جوف بن آدم إلاّ تراب ويتوب الله علي من تاب) (2) .

نقص سورتين من القرآن

(181) عن أبي الاسود قال: بعث أبو موسي الاشعري إلي قرّاء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم فاتلوه، ولا يطولّن عليكم الاَمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم. وانّا كنّا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأُنسيتها غير انّي قد حفظت منها: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغي وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب). وكنا نقراً سورة كنّا نشبهها باحدي المسبحات فأُنسيتها غير اني حفظت منها: (يا أيّها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون تكتب شهادة في اعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة) (3) .

ص: 141


1- 331. جامع الترمذي 3: 109.
2- 332. صحيح سنن الترمذي 3: 245.
3- 333. صحيح مسلم 7: 140 كتاب الزكاة.

زوجاته

(182) عن أُمّ سلمة (رض): انّ النبي استيقظ ليلة فقال: «سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتنة، ماذا أنزل من أمر الخزائن (ماذا فتح من الخزائن 115)، من يوقظ صواحب الحجرات، يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة» (1) . أقول: الحديث في البخاري مكرر، والتكرار في البخاري كثير وخارج عن الحد المتعارف إلي حدّ ممّل، والفاظه لاَجل تصرّف الرواة مختلفة، وهذا الاختلاف شائع منتشر في احاديثه، والباحث يقطع بعدم صدور كل هذه الروايات من النبي الاكرم صلي الله عليه وسلم. (183) وعن عبيد الله في حديث عن عائشة: فخرج بين رجلين تخط رجلاه الارض، وكان بين العباس ورجل آخر. قال عبيد الله: فذكرت ذلك لابن عباس ما قالت عائشة، فقال لي: هل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة؟ قلت: لا. قال: هو علي بن أبي طالب (2) . أقول: كرّره البخاري في كتابه سبعة عشرة مرة! وعلي كل حال انّ عائشة تبغض علياً بحيث تتنفّر من اسمه فلا تذكره، ولا لوم عليها فانّ عاطفة النساء أكثر من عقلها، وقد ورد عنه صلي الله عليه وسلم: «يا معشر النساء... تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين اذهب للب الرجل الحازم من احداكن» (3) .

ص: 142


1- 334. صحيح البخاري رقم 115 - 1074 وغيره.
2- 335. صحيح البخاري رقم 634.
3- 336. صحيح البخاري رقم 1393 كتاب الزكاة.

(184) وعنها: كنت اغتسل أنا والنبي من اناء واحد من الجنابة (1) . ومثل هذا الجملة نقلت عنها كثيراً، ونري ميمونة انّها تحدّث عن غسل رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا تخبر عن غسلها حياء (2) . (185) وعن عائشة: انّ النبي كان يتكيء في حجري وأنا حائض... (3) . (186) وعنها: كنت اغتسل أنا والنبي صلي الله عليه وسلم من اناء واحد كلانا جنب، وكان يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض... (4) . (187) وعنها: انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يصلّي وهي بينه وبين القبلة علي فراش أهله اعتراض الجنازة (5) . وفي حديث: ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما! (188) وعنها: لقد رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يوماً علي باب حجرتي، والحبشة يلعبون في المسجد، ورسول الله يسترني بردائه انظر إلي لعبهم (6) . ولاحظ روايات الموضوع وهي تصف نفسها بحريصة علي اللهو في بعض هذه الاحاديث الشريفة (7) . وقالت: جاء حبش يزفون في يوم عيد في المسجد فدعاني النبي صلي الله عليه وسلم،

ص: 143


1- 337. صحيح البخاري رقم 260.
2- 338. صحيح البخاري رقم 256 - 257 كتاب الغسل.
3- 339. صحيح البخاري رقم 293.
4- 340. صحيح البخاي رقم 295.
5- 341. صحيح البخاري رقم 376.
6- 342. صحيح البخاري رقم 443 كتاب المساجد.
7- 343. صحيح مسلم 6: 183 وما بعدها.

فوضعت رأسي علي منكبه (1) . ومعني الزفن هو الرقص. فصار مسجده مرقصاً بقول عائشة. أقول: هذا الكلام المفتري لا يصدّقه من كانت له ادني معرفة باخلاق خاتم الانبياء والرسل، واي عاقل يصدّق بان يجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم مسجده مكاناً للعب واللهو بدل العبادة والذكر والذي من اجلهما اسس المسجد، فسبحان الله من كذب الدجالين وسذاجة البخاري. (189) وعنها - انّه ذكر عندها ما يقطع الصلاة، فقالوا: يقطعها الكلب والحمار والمرأة -: لقد جعلتمونا كلاباً، لقد رأيت النبي صلي الله عليه وسلم يصلّي وانّي لبينه وبين القبلة، وأنا مضطجعة علي السرير... (2) . يفهم من جملة (فقالوا) انّ جمعاً كثيراً نقلوا قطع الصلاة بالثلاثة. (190) وعنها: دخل عليَّ رسول الله وعندي جاريتان تغنيان بغناء بغاث، فاضطجع علي الفراش وحوّل وجهه! ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلي الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله عليه السلام (3) فقال: «دعهما». فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا. وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فأمّا سالت النبي صلي الله عليه وسلم وأمّا قال: «تشتهين تنظرين؟» فقلت: نعم. فأقامني وراءه خده علي خده! وهو يقول: «دونكم يا بني ارفدة»

ص: 144


1- 344. صحيح مسلم 6: 186.
2- 345. صحيح البخاري رقم 489.
3- 346. وكلمة عليه السلام ذكرت في حق علي أيضاً وكذا كلمة عليها السلام في حق فاطمة في البخاري، انظر رقم 498 وما بعد رقم 1038 ورقم 1983 ورقم 2552 - الصلح ورقم 2946 - الخمس ورقم 3810 - المغازي ورقم 2945 - الخمس ورقم 3014 - الجزية ورقم 3538. وقد كثر ذكرها في سنن أبي داود في حقّهما.

حتّي إذا مللت قال: «حسبك؟». قلت: نعم. قال: فاذهبي (1) . أقول: وفي حديث آخر: قال أبو بكر أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم... فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «يا ابا بكر انّ لكلّ قوم عيداً وهذا عيدنا» (2) . والمستفاد من هذا انّه صلي الله عليه وسلم كان شريك عائشة في استماع غناء جاريتين اجنبيتين - نعوذ بالله منه - وهي تنظر إلي الرجال اللاعبين الاجانب! (191) وعنها: انّ أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في ايام مني تدفقان وتضربان والنبي متغش بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبي عن وجهه فقال: «دعهما يا أبا بكر، فانّها أيام عيد وتلك أيام مني!». وقالت عائشة: رأيت النبي صلي الله عليه وسلم يسترني وأنا انظر إلي الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر، فقال النبي: «دعهم امنا بني رفدة» يعني من الاَمن (3) . أقول: تريد عائشة الاستعلاء علي أبيها وعلي عمر بهذه القصة، وتريد أن تقول انّ القصة تكرّرت في مني والمدينة ان لم نقل انّه لا حافظة لكذوب، ومعني دونك: أي داوموا في عملكم، وبنو رفدة الحبشة، والعجب من القصاص انّه لم يزد في آخر القصة انّه صلي الله عليه وسلم قال هذه من

ص: 145


1- 347. صحيح البخاري رقم 907.
2- 348. صحيح البخاري رقم 909 كتاب العيدين.
3- 349. صحيح البخاري رقم 944.

المناسك: «فخذو عني مناسككم». واعلم: انّ الاَمر يدور بين حسن الظن بالبخاري ورواة كتابه بتصديق الحديث واهانة صاحب الرسالة الالهية، وبين تقديس الرسول الاكرم صلي الله عليه وسلم وتكذيب الرواة وتقبيح البخاري، فانت أيّها المسلم العاقل اختر أيهما تشاء. (192) عنها: الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأُقرّت صلاة السفر واتمّت صلاة الحضر. قال الزهري: فقلت لعروة ما بال عائشة تتم؟ قال: تأوّلت ما تأوّل عثمان (1) . أقول: الرواية نص في عدم تشريع التمام في السفر، فلا يبقي مجال للتأويل. (193) وعنها: ان كان رسول الله صلي الله عليه وسلم ليتعذر في مرضه «اين أنا اليوم اين أنا اليوم اين أنا غداً؟» استبطاء ليوم عائشة، فلمّا كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري، ودفن في بيتي (2) أي بين صدري وعنقي. أقول: أولاً: فيه تناقض لما ادّعته من انّ الازواج وهبن حقهن لها في مرضه (3) وثانياً: انّ فيه مبالغة نسائية باردة وسيأتي وجهها. (194) وعنها: كنت اطيب رسول الله لاِحرامه حين يحرم ولحلّه قبل أن يطوف بالبيت (4) .

ص: 146


1- 350. صحيح البخاري رقم 1040 كتاب تقصير الصلاة.
2- 351. صحيح البخاري رقم 1323.
3- 352. ويتناقض ايضاً مع ما نقل عنها من انّه (ص) قال لهن: لا استطيع ان ادور بينكن، فان رأيتن ان تأذنَّ لي فاكون عند عائشة فعلتن فاذنّ له. ص250 ج2 سنن أبي داود. فيفهم ان كل ذلك مختلق.
4- 353. صحيح البخاري رقم 1465 كتاب الحج.

(195) وعن صفوان... فجاء الوحي... اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات... واصنع في عمرتك كما تصنع في حجّك (1) . فهذه الرواية تبطل قول عائشة - كما لا يخفي - لكنّ البخاري وغيره يحمل الاولي علي حين الاحرام والاُخري علي ما قبل الغسل، وهذا الجمع نحو من اللعب بالروايات ولا شاهد عليه. (196) وعنها: ان كان رسول الله ليقبّل بعض ازواجه وهو صائم، ثم ضحكت (2) . ومعني ضحكها انّها هي التي قبّلها. (197) وعنها: انّ النبي صلي الله عليه وسلم اراد ان يعتكف، فلمّا انصرف إلي المكان الذي اراد أن يعتكف، إذا اخبية خباء عائشة وخباء حفصة وخباء زينب، فقال: «آلبر تقولون بهن؟» ثم انصرف فلم يعتكف... (3) . وفي حديث آخر (4) «ما حملهن علي هذا؟ آلبر؟ انزعوها فلا اراها...». أقول: اختلاف الالفاظ في احاديث البخاري كثير بحيث يسلب الاعتماد عليها، والواقع انّ جواز النقل بالمعني والفصل بين زمان الصدور والتدوين أوجبا عدم التحفظ علي كلامه صلي الله عليه وسلم، فما اغفل واجهل من يدّعي انّ ما في البخاري قد صدر عن لسانه صلي الله عليه وسلم. ومن اقسم ان اكثره لم يصدر عن لسانه صلي الله عليه وسلم لا شيء عليه عند من دقق نظره في المتون.

ص: 147


1- 354. صحيح البخاري رقم 1463.
2- 355. صحيح البخاري رقم 1827 كتاب الصوم.
3- 356. صحيح البخاري رقم 1929 كتاب الاعتكاف.
4- 357. صحيح البخاري رقم 1936.

(198) وعن ابن عباس: لم أزل حريصاً علي أن اسأل عمر عن المرأيتين من ازواج النبي صلي الله عليه وسلم اللتين قال الله لهما: (ان تتوبا فقد صغت قلوبكما...) فقال (عمر) واعجبي لك يا ابن عباس عائشة وحفصة... فاعتزل النبي صلي الله عليه وسلم من اجل ذلك الحديث حين افشته حفصة إلي عائشة، وكان قد قال: «ما أنا بداخل عليهن شهراً» من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله... (1) . (199) عن عائشة: انّ نساء رسول الله صلي الله عليه وسلم كن حزبين، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر أُمّ سلمة وسائر نساء رسول الله صلي الله عليه وسلم، وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله عائشة، فإذا كان عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم أخرّها حتّي إذا كان رسول الله صلي الله عليه وسلم في بيت عائشة... فقال صلي الله عليه وسلم لها - أي لاَم سلمة -: «لا تؤذيني في عائشة، فانّ الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلاّ عائشة» ثم انّهن دعون فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم... ان نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر... فقال: «يا بنية ألا تحبّين ما أحب!» فارسلن زينب بنت جحش... فرفعت صوتها حتّي تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها... فتكلمت عائشة ترد علي زينب حتّي اسكتتها... (2) . (200) وعنها... وكان يقسم لكلّ امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة... (3) . أقول: كرّره البخاري عشرين مرة في كتابه، ولا يري له نظير بين

ص: 148


1- 358. صحيح البخاري رقم 3236 كتاب المظالم.
2- 359. صحيح البخاري رقم 2442 كتاب الهبة.
3- 360. صحيح البخاري رقم 2453.

العقلاء المؤلفين

(201) وعنها: كان رسول الله يسأل في مرضه الذي مات فيه، يقول: «اين أنا غداً أين أنا غداً» يريد يوم عائشة! فأذنَّ له ازواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتّي مات عندها. قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور عليَّ فيه في بيتي... (1) . أقول: صدره وذيله متناقضان فتأمّل، والشيعة تقول انّه صلي الله عليه وسلم كان عند فاطمة وعلي والحسنين، وعلي هو الذي تصدّي لتجهيزه صلي الله عليه وسلم، ولو كان صلي الله عليه وسلم في بيت عائشة لم يمكن لعلي تغسيله وتدفينه صلي الله عليه وسلم، علي أن جملة من زوجاته صلي الله عليه وسلم كن مخالفات لها، فلا يرضين كونه صلي الله عليه وسلم في بيتها. (202) عن انس... فكان في بيت عائشة فجاءت زينب فمد يده اليها، فقالت: هذه زينب، فكفّ النبي صلي الله عليه وسلم يده، فتقاولتا حتّي استخبتا واقيمت الصلاة، فمر أبو بكر علي ذلك فسمع اصواتهما فقال: اخرج يا رسول الله إلي الصلاة واحث في افواههن التراب... اتاها أبو بكر فقال لها: قولاً شديداً (2) . (203) عن عائشة: كنت اغار علي اللاتي وهبن انفسهن لرسول الله صلي الله عليه وسلم (3) . (204) عن سلمان... انّ جبرئيل عليه السلام أتي نبي الله صلي الله عليه وسلم وعنده أُمّ سلمة قال: فجعل يتحدث ثم قام، فقال النبي صلي الله عليه وسلم لاَُمّ سلمة: «من هذا؟» أو كما قال.

ص: 149


1- 361. صحيح البخاري رقم 4185 كتاب المغازي.
2- 362. صحيح مسلم 10: 47.
3- 363. صحيح مسلم 10: 49.

قال: قالت: هذا دحية... (1) . (205) عن عائشة: انه اعتلّ بعير لصفية بنت حيي وعند زينب فضل ظهر، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم لزينب: «اعطيها بعيراً». فقالت: أنا اعطي تلك اليهودية؟ فغضب رسول الله صلي الله عليه وسلم فهجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر (2) . (206) عن أُمّ محمّد في قصة مخاصمة عائشة مع زينب حتّي قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لعائشة: «سبيّها، فسبت عائشة زينب، وان زينب ذهبت إلي فاطمة وقالت لها: انّ عائشة وقعت بكم وفعلت، فجاءت فاطمة وجاء علي و... فلاحظ الرواية (3) . أقول: انظر السب والافتراء بينهن علي فرض صحّة الحديث. (207) عن عائشة: إذا التقي الختانان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله صلي الله عليه وسلم فاغتسلنا (4) . أقول: سبحان الله من قلّة الحياء. (208) وعنها في قصة الافك... فدعا رسول الله علي بن أبي طالب واُسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فامّا اُسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم، فقال اُسامة: اهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلاّ خيراً، وامّا علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك.

ص: 150


1- 364. صحيح مسلم 18: 8.
2- 365. سنن أبي داود 4: 198.
3- 366. سنن أبي داود 4: 276 كتاب الادب.
4- 367. سنن ابن ماجه رقم 608.

فدعا رسول الله بريرة... (1) . أقول: لم تكن عائشة حاضرة مجلس الاستشارة بطبع الحال، فلا نعلم من هو الذي اخبرها بمقالة هؤلاء المستشارين؟ وعلي كل حال فانَّ عائشة تظن انّ علياً لم يكن محباً لها كحب اُسامة، بل اشار إلي طلاقها، فهذا من أحد اسباب عدائها له، وأنا لا أطمئن بصدور هذا الكلام من علي ولا بعدمه منه، وكلا الفرضين محتمل، والله العالم. (209) عن عبدالله: قام النبي صلي الله عليه وسلم خطيباً فاشار نحو مسكن عائشة، فقال: «هنا الفتنة - ثلاثاً - من حيث يطلع قرن الشيطان» (2) . (210) عن علي، عن النبي صلي الله عليه وسلم: «خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة» (3) . (211) عن عائشة: ما غرت علي امرأة للنبي صلي الله عليه وسلم ما غرت علي خديجة، هلكت قبل ان يتزوّجني، لما كنت اسمعه يذكرها، وأمره الله ان يبشّرها ببيت من قصب، وان كان ليذبح الشاة فيهدي إلي خلائلها منها ما يسعن (4) . (212) وعنها: ما غرت علي امرأة ما غرت علي خديجة، من كثرة ذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم اياها، قالت: تزوجني بعدها بثلاث سنين، وأمره ربّه عزّ وجلّ أو جبرئيل عليه السلام ان يبشرها ببيت في الجنة من قصب (5) . (213) وعنها ما غرت علي أحد... ما غرت علي خديجة، وما

ص: 151


1- 368. صحيح البخاري رقم 2518 كتاب الشهادات.
2- 369. صحيح البخاري رقم 2937 كتاب الخمس.
3- 370. صحيح البخاري رقم 3604 كتاب فضائل الصحابة.
4- 371. صحيح البخاري رقم 3605 كتاب فضائل الصحابة، وانظر صحيح مسلم 15: 201.
5- 372. صحيح البخاري رقم 3606.

رأيتها، ولكن كان النبي يكثر ذكرها، وربّما ذبح الشاة... فربّما قلت له: كأنّه لم يكن في الدنيا امرأة إلاّ خديجة، فيقول: «انّها كانت وكانت، وكان لي منها ولد» (1) . (214) عن اسماعيل قال: قلت لعبدالله بن أبي أوفي: بشر النبي صلي الله عليه وسلم خديجة؟ قال: نعم، ببيت من قصب (2) لا صخب (3) فيه ولا نصب (4) (5) . (215) عن أبي هريرة أتي جبرئيل النبي صلي الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها اناء فيه أدام أو طعام أو شراب، فإذا هي اتتك فأقرأ عليها السلام من ربّها ومني، وبشّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب (6) . أقول: وأبو هريرة لم يكن بمكة. (216) عن عائشة: استأذنت هالة بنت خويلد أُخت خديجة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فعرفها استئذان خديجة، فارتاع لذلك فقال: «اللهم هالة» قالت: فغرت، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر، قد أبدلك الله خيراً منها (7) . أقول: فافضل زوجاته صلي الله عليه وسلم واحبّهااليه هي خديجة، ثم حمية عائشة

ص: 152


1- 373. صحيح البخاري رقم 3607.
2- 374. قيل: لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف، وقيل: انابيب من جوهر.
3- 375. الصوت المختلط المرتفع.
4- 376. المشقة أو التعب ثم الغيرة الحمية والانفة.
5- 377. صحيح البخاري رقم 3608، وانظر صحيح مسلم 15: 200.
6- 378. صحيح البخاري رقم 3609.
7- 379. صحيح البخاري رقم 3610، وانظر امثال هذه الاحاديث في صحيح مسلم 15: 200 - 202.

وانفها علي خديجة، حبيبة رسول الله صلي الله عليه وسلم، ربّما توقف المحقق من الاعتماد علي رواياتها واحاديثها، فانها امرأة شابة اسيرة احاسيسها، وان كانت الصحاح مشحونة باقوالها، والله العالم بصحتها. (217) وعنها: تزوّجني النبي وأنا بنت ست سنين... فاسلمتني اليه صلي الله عليه وسلم وأنا يومئذ بنت تسع سنين (1) . (218) وعنها لابن الزبير في مرض موتها، دخل ابن عباس فاثني عليَّ، وودت أني كنت نسياً منسياً (2) . أقول: وكأنّها تذكرت موقفها في حرب الجمل وعداوتها لبني هاشم. (219) عنها: انّ النبي صلي الله عليه وسلم تزوّجها وهي بنت سبع سنين، وزفّت اليه وهي بنت تسع سنين، ولعبها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة (3) . (220) وعنها: يا رسول الله أرأيت لو نزلت وادياً وفيه شجرة قد أُكل منها، ووجدت شجراً لم يؤكل منها، في ايّها كنت ترتع بعيرك؟ قال: «في التي لم يرتع منها» (4) تعني نفسها. أقول: أسفاً علي البخاري وضبط مثل هذه الروايات. (221) وعن ابن عباس، عن عمر: فدخلت علي عائشة فقلت: يا بنت أبي بكر أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلي الله عليه وسلم! فقالت: ما لي وما لك يا ابن الخطاب، عليك بعيبتك (5) . (222) وعنها: انّها زفّت امرأة إلي رجل من الانصار، فقال نبي الله صلي الله عليه وسلم:

ص: 153


1- 380. صحيح البخاري رقم 3681.
2- 381. صحيح البخاري رقم 4476 كتاب التفسير.
3- 382. صحيح مسلم 9: 208.
4- 383. صحيح البخاري رقم 4789.
5- 384. صحيح مسلم 10: 82.

«يا عائشة ما كان معكم لهو، فانّ الاَنصار يعجبهم اللهو!» (1) . (223) عن أبي هريرة: انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «المرأة كالضلع ان اقمتها كسرتها، وان استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج» (2) . (224) وعن عائشة: انّ النبي كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلي الله عليه وسلم فلتقل: انّي أجد منك ريح مغافير، اكلت مغافير، فدخل علي أحدهما فقالت: له ذلك... (3) . أقول: هذا اعتراف بكذب أحدهما، فكيف تقبل احاديثهما. (225) وعنها:... فدخل علي حفصة بنت عمر فاحتبس اكثر ما كان يحتبس فغرت... فقلت لسودة... فقولي أكلت المغافير... فقولي له: جرست نحلة العرفط... وقولي انت يا صفية ذاك... فلما دار اليَّ قلت له نحو ذلك، فلمّا دار إلي صفية قالت له مثل ذلك... (4) . أقول: يظهر من الروايتين انّ عائشة تكذب ولا تري حتّي في كذبها علي النبي صلي الله عليه وسلم حرجاً، وتضلّ حفصة وسودة وصفية وتشوقهن إلي الكذب، فيكذبن والكذب من المحرمات، علي ان الكاذب لا تقبل رواياته، وقد ملاَوا صحاحهم من رواياتها، فانا لله وانا اليه راجعون. علي انّ النبي صلي الله عليه وسلم اعتزل نساءه من أجل ذلك الحديث حين افشته حفصة إلي عائشة 29 ليلة من شدة موجدته - أي غضبة - عليهن كما يقص ذلك عمر (5) .

ص: 154


1- 385. صحيح البخاري رقم 4867 كتاب النكاح.
2- 386. صحيح البخاري رقم 4889 كتاب النكاح.
3- 387. صحيح البخاري رقم 4966 كتاب النكاح، صحيح مسلم 10: 74.
4- 388. صحيح البخاري رقم 4967، صحيح مسلم 10: 75.
5- 389. صحيح البخاري رقم 4982.

(226) وعنها: كنت ألعب بالبنات عند النبي، وكانت لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلي الله عليه وسلم... (1) . أقول: قد اخذنا من هذه السيدة اللاعبة شطر ديننا! (227) عن عمار:... ولكنّ الله تبارك وتعالي ابتلاكم ليعلم ايّاه تطيعون أم هي (2) . أقول: جعل عمار متابعة عائشة في حرب الجمل في مقابل متابعة المسلمين لله. (228) وعن عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلي الله عليه وسلم من اناء واحد ونحن جنبان (3) . (229) وعنها:... فأرسل ازواج النبي صلي الله عليه وسلم زينب بنت جحش... وهي التي تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلي الله عليه وسلم، ثم تشرح قصة نزاعها معها (4) . (230) وعنها: ما رأيت صانعاً طعاماً مثل صفية، صنعت لرسول الله صلي الله عليه وسلم طعاماً فبعثت به، فأخذني أفْكَل (5) فكسرت الاناء، فقلت: يا رسول الله ما كفارة ما صنعت؟ قال: «اناء مثل اناء وطعام مثل طعام» (6) . (231) وعنها: لمّا قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم المدينة وهو عروس بصفية بنت

ص: 155


1- 390. صحيح البخاري رقم 5779 كتاب الادب.
2- 391. صحيح البخاري رقم 6687 كتاب الفتن.
3- 392. صحيح مسلم 4: 5.
4- 393. صحيح مسلم 15: 206.
5- 394. أفْكَل: في نهاية ابن الاثير 3: 466 أي رعدة، وهي تكون من البرد أو الخوف، ومنه حديث عائشة: «فأخذني أفْكَل وارتعدت من شدة الغيرة».
6- 395. سنن أبي داود 3: 297 كتاب البيوع.

حيي جئن نساء الانصار فاخبرن عنها... فقال: كيف رأيت؟ قلت: ارسل يهودية وسط يهوديات (1) . (232) عن عمر: انّ رسول الله طلّق حفصة ثم راجعها (2) . (233) عن عبدالله: قام النبي صلي الله عليه وسلم خطيباً فاشار نحو مسكن عائشة فقال: «ههنا الفتنة - ثلاثاً - من حيث يطلع قرن الشيطان» (3) . (234) عن ابن عمر: خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم من بيت عائشة فقال: «رأس الكفر من ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان (4) . وامّا زيادة كلمة (يعني المشرق) فهي من الرواة أو اجتهاد أرباب الصحاح.

الاطفال

(235) عن ابن عباس: سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال: «الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين» (5) . (236) وعن أبي هريرة: سئل النبي عن ذراري المشركين، فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» (6) . (237) وعن سمرة بن جندب، عنه صلي الله عليه وسلم في حديث طويل: «والشيخ في أصل الشجرة ابراهيم عليه السلام، والصبيان حوله فأولاد الناس» (7) .

ص: 156


1- 396. سنن ابن ماجه رقم 1980 كتاب النكاح.
2- 397. سنن ابن ماجه رقم 2016 كتاب النكاح.
3- 398. صحيح البخاري باب ما جاء في بيوت ازواج النبي (ص).
4- 399. صحيح مسلم.
5- 400. صحيح البخاري رقم 1317 كتاب الجنائز.
6- 401. صحيح البخاري رقم 1318.
7- 402. صحيح البخاري رقم 1320.

أقول: يأتي الكلام حول الموضوع.

شعور أبي بكر بموته

(238) عن عائشة:... قال: ارجو فيما بيني وبين الليل... فلم يتوفَّ حتّي أمسي من ليلة الثلاثاء، ودفن قبل ان يصبح (1) .

ما وضع عن الامة

(239) عن ابن عباس، عن النبي صلي الله عليه وسلم: «انّ الله وضع عن أُمّتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه». (240) ورواه أبو ذر بلفظ: «تجاوز عن أُمّتي» (2) .

الجمع بين الصلاتين

(241) عن ابن عباس: انّ النبي صلي الله عليه وسلم صلّي بالمدينة سبعاً وثمانياً، الظهر والعصر والمغرب والعشاء (3) . فقال أيوب: لعلّه في ليلة مطيرة؟ قال: عسي. أقول: نردّ الاحتمال المذكور إلي محتمله، والعمدة هو متن الحديث. (242) وعنه: صلّي النبي صلي الله عليه وسلم سبعاً جميعاً، وثمانياً جميعاً (4) . (243) وعن عبدالله بن عمر: رأيت رسول الله إذا اعجله السير في السفر يؤخّر المغرب حتّي يجمع بينها وبين العشاء... (5) . وعبدالله نفسه أيضاً يجمع بين الصلاتين كما ورد عنه في البخاري مكرّراً.

ص: 157


1- 403. صحيح البخاري رقم 1321.
2- 404. صحيح البخاري رقم 2043 و2045 كتاب الطلاق.
3- 405. صحيح البخاري رقم 518 كتاب مواقيت الصلاة.
4- 406. صحيح البخاري رقم 537.
5- 407. صحيح البخاري رقم 1041، وانظر 5: 213 صحيح مسلم.

(244) عن سالم، عن أبيه: كان النبي صلي الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جدّ به السير (1) . (245) وعن ابن عباس: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان علي ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء (2) . (246) وعن انس: كان النبي صلي الله عليه وسلم يجمع بين صلاة المغرب والعشاء في السفر. (247) وعنه: انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يجمع بين هاتين الصلاتين في السفر. يعني في المغرب والعشاء (3) . (248) وعنه: انّ النبي صلي الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر إلي وقت العصر، ثم يجمع بينهما... (4) . (249) وعن ابن عباس: صلّيت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ثمانياً جميعاً، وسبعاً جميعاً (5) . أقول: وكلامه مطلق يشمل السفر والحضر. (250) وعن انس: كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخّر الظهر حتّي يدخل أوّل وقت العصر، ثم يجمع بينهما. وفي حديث آخر: ويؤخّر المغرب حتّي يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق (6) .

ص: 158


1- 408. صحيح البخاري رقم 1055 كتاب تقصير الصلاة.
2- 409. صحيح البخاري رقم 1056.
3- 410. صحيح البخاري رقم 1059.
4- 411. صحيح البخاري رقم 1060، صحيح مسلم 5: 224.
5- 412. صحيح البخاري رقم 1120.
6- 413. صحيح مسلم 5: 215.

(251) وعن ابن عباس: صلّي رسول الله صلي الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر (1) . (252) وعنه صلّي رسول الله صلي الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر... سالت ابن عباس كما سألتني فقال: اراد أن لا يحرج أحداً من اُمّته (2) . (253) وعنه: جمع بين الصلاتين في سفرة سافرها في غزوة تبوك... فقلت لابن عباس: ما حمله علي ذلك؟ قال: اراد أن لا يحرج أُمّته (3) . (254) وعن معاذ بن جبل: جمع رسول الله صلي الله عليه وسلم في غزوة تبوك... فقال: اراد أن لا يحرج اُمّته. أقول: والروايات في ذلك كثيرة (4) . (255) وعن العقيلي قال رجل لابن عباس: الصلاة فسكت، ثم قال: الصلاة فسكت، ثم قال: الصلاة فسكت، ثم قال: لا أُمّ لك أتعلمنا بالصلاة وكنّا نجمع بين الصلاتين علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم. وفي شرح النووي (5) وذهب جماعة من الاَئمّة إلي جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين واشهب من اصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال، والشاشي الكبير من اصحاب الشافعي عن ابن اسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر. أقول: الجمع علي قسمين: صوري وحقيقي، والاول: تأخير الاَولي

ص: 159


1- 414. صحيح مسلم 5: 215.
2- 415. صحيح مسلم 5: 215.
3- 416. صحيح مسلم 5: 216.
4- 417. انظر صحيح مسلم 5: 215 - 218.
5- 418. صحيح مسلم 5: 219.

إلي آخر وقتها وتقديم الثانية في أول وقتها. والثاني: علي قسمين: جمع تقديم، وهو أداء الثانية في وقت الاَُولي، وجمع تأخير، وهو أداء الثانية في وقت الاولي، وكلاهما جائز في السفر والحضر، للاحاديث، وعملاً باطلاق القرآن الكريم. وبعض هذه الاحاديث نص في الجمع الحقيقي.

اهل بيت النبي

(256) عن عبد المطلب بن ربيعة - في حديث طويل - ثم قال صلي الله عليه وسلم: «انّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد، انّما هي أوساخ الناس... (1) . قال النووي في شرحه علي مسلم في باب تحريم الزكاة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وعلي آله: وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم. (257) عن ابن عباس في جواب نجدة بن عامر الحروري:... وكتبت تسألني عن ذوي القربي من هم؟ وانّا زعمنا انّا هم، فأبي ذلك علينا قومنا (2) . وفي سند آخر: سألت عن سهم ذي القربي الذي ذكر الله من هم؟ وانّا كنّا نري انّ قرابة رسول الله صلي الله عليه وسلم هم نحن، فأبي ذلك علينا قومنا. (258) عن عائشة: خرج النبي صلي الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر اسود، فجاء الحسن بن علي فادخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فادخلها ثم جاء علي فادخله، ثم قال: (انّما يُريد الله ليذهِبَ عنكُم الرجسَ..) (3) .

ص: 160


1- 419. صحيح مسلم 7: 179 كتاب الزكاة.
2- 420. صحيح مسلم 12: 193 كتاب الجهاد.
3- 421. صحيح مسلم 15: 194.

أقول: المرط: الكساء، والمرحل المنقوش عليه: رحال الابل. وقيل في تفسير الرجس: الشك، العذاب والاثم. وعن الازهري: الرجس اسم لكلّ مستقذر من عمل. (259) عن سهل بن سعد الساعدي... وسأله الناس بأي شيء دوي جرح النبي صلي الله عليه وسلم... كان علي يجيء بترسه فيه ماء وفاطمة تغسل عن وجهه الدم، فاخذ حصير فاحرق فحشي به جرحه (1) . (260) عن الاحنف بن قيس: ذهبت لاَنصر هذا الرجل، فلقيني أبو بكرة فقال: اين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرجل. قال: ارجع فانّي سمعت رسول الله يقول: «إذا التقي المسلمان بسيفهما، فالقاتل والمقتول في النار» فقلت يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «انّه كان حريصاً علي قتل صاحبه» (2) . أقول: المراد بالرجل كما صرّحوا به هو علي، وفي صحيح مسلم: اُريد نصر ابن عمّ رسول الله صلي الله عليه وسلم. ولا شكّ ان مقاتليه من الفئة الباغية الداعية إلي النار كما ورد في حق اصحاب صفين، والمورد من مصاديق قوله تعالي: (فقاتلوا التي تبغي حتّي تفيء إلي أمر الله) ولكن هذا الرجل - أي عليّاً - لاحظّ له عند الناس. والظاهر انّ أوّل من عبّر عنه بالرجل هي السيدة عائشة علي ما مرّ واظن انّه استعمل فيه في جملة من الموارد في البخاري وغيره.

ص: 161


1- 422. صحيح البخاري رقم 240 كتاب الوضوء.
2- 423. صحيح البخاري رقم 31 كتاب الايمان، انظر صحيح مسلم 18: 20.

(261) وعن سهل بن سعد: جاء رسول الله صلي الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد علياً في البيت، فقال: «اين ابن عمك؟». قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج... هو في المسجد راقد. فجاء رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط ردائه عن شقه واصابه تراب، فجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول: «قم أبا تراب، قم أبا تراب» (1) . أقول: لعلّهم افتعلوه مصداقاً لقوله صلي الله عليه وسلم في حق فاطمة: «من اغضبها فقد اغضبني!». (262) عن علي: انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي عليه السلام ليلة فقال: «ألا تصليان؟» فقلت: يا رسول الله انفسنا بيد الله فإذا شاء ان يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلنا ذلك ولم يرجع اليَّ شيئاً ثم سمعته وهو مولٍّ، يضرب فخذه وهو يقول: (وكان الانسان أكثر شيء جدلا) (2) . أقول: واليك أول الآية: (ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كلّ مثل وكان الانسان...) فالمراد من الجدل هو ما يقابل قبول امثال الآيات القرآنية، افرض انّ القصة حق لكنّ هل يصحّ أن ينقلها علي وبنوه وهي شنيعة عليهم؟ فهذه الجعليات اساءت ظن الشيعة بالبخاري وبكتابه. وأنا اظن - وظن الاَلمعي يقين - انّ المراد بكلمة فلان في رواية عبدالله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: «يا عبدالله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل، فترك قيام الليل» هو علي فبدله البخاري أو غيره بكلمة: فلان. (263) عن ابن عباس: كان النبي صلي الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين: «اعيذكما بكلمات الله التامة من كلّ شيطان وهامة، ومن كلّ عين لامة» ثم يقول:

ص: 162


1- 424. صحيح البخاري رقم 430 كتاب المساجد.
2- 425. صحيح البخاري رقم 1075 كتاب التهجد، صحيح مسلم 6: 65.

«كان أبوكم يعوّذ بهما اسماعيل واسحاق» (1) . (264) عن سعيد بن المسيب، عن أبيه انّه أخبره: لمّا حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلي الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبدالله ابن اُميّة بن المغيرة قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لاَبي طالب: «يا عم قل لا اله إلاّ الله، كلمة اشهد لك بها عند الله». فقال أبو جهل وعبدالله بن أُميّة: يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبدالمطلب. فلم يزل رسول الله صلي الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتّي قال أبوطالب اخر ما كلمهم هو علي ملّة عبد المطلب وأبي أن يقول: لا اله إلاّ الله. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «أما والله لاستغفرن لك ما لم انه عنك» فانزل الله تعالي فيه: (ما كان للنبي) الآية (2) . أقول: هلاّ يسأل البخاري أحد انّ المسيب هل شهد وفاة أبي طالب وسمع، ما قاله النبي صلي الله عليه وسلم والمشركان أو انّه رأي في نومه! مع أنّ الآية في سورة البراءة، وهي مدنية، فقد خاب من افتري، وعبد المطلب كان موحداً، فلا يأبي هو ومن علي ملّته من كلمة التوحيد. وفي حديث آخر في آخره: ونزلت: (انّك لا تهدي من أحببت) (3) . (265) عن عباس بن عبد المطلب قال للنبي صلي الله عليه وسلم: ما اغنيت عن عمك، فانّه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: «هو في ضحضاح من نار، ولو لا أنا لكان في الدرك الاَسفل من النار» (4) .

ص: 163


1- 426. سنن أبي داود 4: 235 كتاب السنة، سنن ابن ماجه رقم 3525 كتاب الطب.
2- 427. صحيح البخاري رقم 1294.
3- 428. صحيح البخاري رقم 3671.
4- 429. صحيح البخاري رقم 3670 كتاب فضائل الصحابة.

(266) وعن أبي سعيد الخدري انه سمع النبي وذكر عنده عمه فقال: «لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه» (1) . أقول: وهل يشفع النبي - وكذا الانبياء والملائكة - للكفار، ولمن لا يرتضي منه؟! (267) عن أبي هريرة... فأخذ أحدهما - أي الحسنان - تمرة فجعله في فيه، فنظر اليه رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخرجها من فيه فقال: «أما علمت انّ آل محمّد صلي الله عليه وسلم لا ياكلون الصدقة» (2) . وفي خبر آخر: «أما شعرت انّا لا ناكل الصدقة» (3) . وفي خبر آخر عنه: انّ الحسن بن علي اخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه. فقال النبي صلي الله عليه وسلم بالفارسية: «كخ كخ أما تعرف انّا لا ناكل الصدقة» (4) . (268) عن شهاب، عن علي بن حسين: انّ حسين بن علي رضي الله عنهما أخبره انّ علياً عليه السلام قال: «كانت لي شارف من نصيبي من المغنم، وكان النبي أعطاني شارفاً من الخمس، فلمّا اردت ان ابتني بفاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم واعدت رجلاً صوّاغاً من بني قينقاع ان يرتحل معي فنأتي باذخر اردت ان ابيعه من الصواغين واستعين به في وليمة عرسي» (5) . أقول: الشارف: الناقة المسنّة، الصوّاغ: الذي يصوغ الحلي،

ص: 164


1- 430. صحيح البخاري رقم 3672.
2- 431. صحيح البخاري رقم 1414 كتاب الزكاة.
3- 432. صحيح البخاري رقم 1420.
4- 433. صحيح البخاري رقم 2943 كتاب الخمس، وانظر أول الجزء 18 من صحيح مسلم.
5- 434. صحيح البخاري رقم 1983.

وقينقاع: قبيلة يهودية، والاذخر: الذي طلب عباس من النبي صلي الله عليه وسلم تحللها من قوله: (ولا يعضد شجرها...) قال: لصياغتنا ولسقف بيوتنا (1) . (269) عن أبي هريرة:... فجلس صلي الله عليه وسلم بفناء بيت فاطمة فقال: «أثمَّ لكع أثمَّ لكع...» فجاء يشتد حتّي عانقه وقبّله وقال: «اللهم أحبّه وأحبّ من أحبّه» (2) . واللكع: الصغير، والمراد به الحسن بن علي. (270) عن زيد بن وهب عن علي: اهدي الي النبي حلّة سيراء فلبستها، فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي (3) اخرجه بعد حديث اعطاء رسول الله حلّة لعمر، فكساها عمر أخاً له بمكّة مشركاً! (271) عن ابن عمر: اتي النبي بيت فاطمة فلم يدخل عليها، وجاء علي فذكرت له ذلك، فذكره للنبي صلي الله عليه وسلم قال: «اني رأيت علي بابها ستراً موشياً» فقال: ما لي وللدنيا، فأتاها علي فذكر ذلك لها، فقالت: ليأمرني فيه بما شاء قال: «ترسل به إلي فلان، أهل بيت بهم حاجة (4) . والموشي: المنقوش والمخطط: بألوان شتي. السيراء: ذات خطوط يخالطها شيء من الحرير. (272) عن سعد: لمّا نزلت هذه الآية: (تعالوا ندعُ أبناءَنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم) الآية، دعا رسول الله صلي الله عليه وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: «اللهم هؤلاء أهلي» (5) .

ص: 165


1- 435. صحيح البخاري رقم 1984.
2- 436. صحيح البخاري رقم 2016، انظر صحيح مسلم 15: 193.
3- 437. صحيح البخاري رقم 2471 كتاب الهبة.
4- 438. صحيح البخاري رقم 2471.
5- 439. جامع الترمذي 3: 32 (صحيح الاسناد).

(273) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «رأيت جعفراً يطير في الجنة مع الملائكة» (1) . (274) وعن البراء، انّ النبي صلي الله عليه وسلم قال لجعفر بن أبي طالب: «أشبهت خَلقي وخُلقي». (275) عن أبي سعيد: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة». (276) عن ابن عمر في حديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: «انّ الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا» (2) . (277) عن اُسامة... فقال: «هذان ابناي وابنا ابنتي، اللّهمَّ إنّي أُحبُّهما فأَحبَّهما، وأَحبَّ من يُحبُّهما» المصدر. (278) عن يعلي بن مرة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «حسين مني وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً، حسين سبط من الاسباط» (3) . (279) عن انس: لم يكن أحد منهم أشبه برسول الله صلي الله عليه وسلم من الحسن بن علي. المصدر. (280) عن انس: كنت عند ابن زياد فجيء، برأس الحسين، فجعل يقول بقضيب له في انفه ويقول: ما رأيت مثل هذا حُسناً. قال: قلت: أما انّه كان من أشبههم برسول الله صلي الله عليه وسلم. (281) عن عمارة: لما جيء برأس عبيد الله بن زياد واصحابه نضّدت في المسجد في الرّحبة، فانتهيت اليهم وهم يقولون: قد جاءت قد جاءت،

ص: 166


1- 440. جامع الترمذي 223.
2- 441. المصدر ص224.
3- 442. المصدر 225.

فإذا حيّة قد جاءت تخلل الرؤوس حتّي دخلت في منخري عبيد الله بن زياد فمكثت هنية، ثم خرجت فذهبت حتي تغيّب، ثم قالوا: قد جاءت قد جاءت، ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً. المصدر. (282) عن البراء في صلح الحديبية: وقال لعلي: «انت مني وأنا منك» (1) . (283) عن سهل بن سعد: قال النبي يوم خيبر: «لاُعطيَّن الراية غداً رجلاً يفتح علي يديه، يُحبُّ الله ورسوله: ويُحبُّه الله ورسوله» فبات الناس ليلتهم أيهم يعطي فغدوا كلّهم يرجون، فقال: «أين علي؟» فقيل: يشتكي عينه، فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع، فاعطاه، فقال: أقاتلهم حتّي يكونوا مثلنا؟ فقال: «انفذ علي رسلك حتّي تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلي الاسلام واخبرهم بما يجب عليهم، والله لاِنْ يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم» (2) . (284) عن أبي عبد الرحمن - وكان عثمانياً - فقال لابن عطية - وكان علوياً -: انّي لاََعلم ما الذي جرأ صاحبك علي الدماء سمعته يقول: بعثني... فقال صلي الله عليه وسلم: «ما يدريك لعلّ الله اطلع علي أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فهذا الذي جرّأه» (3) . أقول: غرض البخاري من نقل هذه المقالة انّ علياً انّما سفك دماء الناس المحاربين له في البصرة وصفين والنهروان لانّه شهد بدراً وقد سمع من رسول الله صلي الله عليه وسلم: «انّ الله سبحانه رخصّ للبدريين ماشاؤا فانّه مغفور لهم».

ص: 167


1- 443. صحيح البخاري رقم 2552.
2- 444. صحيح البخاري رقم 2847 كتاب الجهاد، انظر صحيح مسلم 12: 185.
3- 445. صحيح البخاري رقم 2915 كتاب الجهاد.

أقول: أولاً: انّ هذا الترخيص (اعملوا ما شئتم) مخالف للعقل والقرآن واساس التشريع الديني، بل يتناقض مع جميع القوانين الدولية والاعراف العقلائية كما لا يخفي، فالجملة مجعولة كسائر الجعليات. يقول القرآن لسيد البشر وخاتم المرسلين وقائد البدريين والمجاهدين: (اذاً لاَذقناك ضعف الحياة وضعف الممات..)، (انّي اخاف انْ عصيت ربي عذاب يوم عظيم..)، (عبس وتولي ان جاءه الاعمي..) ثم هل يمكن لمسلم يقرأ من القرآن (من قتل مؤمناً متعمداً..) وقرأ (من قتل نفساً... فكأنما قتل الناس جميعاً) وغير ذلك ثم يتجرأ لسفك الدماء لاجل الحديث المذكور؟!!! وثانياً انّ كلمة (لعلّ) في الحديث المذكور يبطل اجتهاد العثماني والبخاري. وثالثاً: انّ هذا الاستظهار مخالف للتاريخ والسلوك الفقهي الاسلامي، فانّ البادين بالحرب هم مخالفوا علي دونه وهم البغاة، ولا شكّ انّ قتال البغاة جائز أو واجب، فأي حرج علي علي في ذلك، وقد تقدّم انّ قاتل عمار فئة باغية داعية إلي النار وعمار يدعوهم إلي الجنة. فاستناد علي في حروبه هو قوله تعالي: (فقاتلوا التي تبغي حتّي تفيء إلي أمر الله) دون جملة: (لعلّ الله أطلع) علي انّ النبي اخبره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. (285) عن علي بن حسين: انّهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه لقيه المسور بن مخرمة فقال له: هل لك اليَّ من حاجة تأمرني بها؟ فقلت له: لا.

ص: 168

فقال له: فهل انت معطي سيف رسول الله صلي الله عليه وسلم، فانّي اخاف ان يغلبك القوم عليه، وايم الله لئن اعطيتنيه لا يخلص اليَّ أبداً حتّي تبلغ نفسي. انّ علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل علي فاطمة عليها السلام، فسمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يخطب الناس في ذلك علي منبره هذا وأنا يومئذ محتلم، فقال: «انّ فاطمة مني وأنا اتخوّف أن تفتن في دينها) ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس فأثني عليه في مصاهرته ايّاه قال: «حدثني فصدقني، ووعدني فوفّي لي، واني لست أحرّم حلالاً ولا احلّ حراماً، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله ابداً» (1) . المستفاد من الرواية أُمور: 1 - انّ سيف رسول الله وصل من علي بن أبي طالب إلي علي بن حسين، وفي روايات الشيعة انّ جميع سلاح رسول الله وكتبه وما وصل اليه صلي الله عليه وسلم من آثار الانبياء عند أئمة أهل البيت، ولم يسلّمها علي إلي بيت المال أو إلي الخليفة، لانّه ينكر حديث: «لا نورث ما تركناه صدقة». 2 - انّ أهل البيت كانوا في معرض الظلم من النظام الاموي بعد مقتل الحسين. 3 - انّ النبي انّما منع علياً من التزوج مخافة ان تفتن فاطمة بسبب الغيرة في دينها، لكنّ العقل لا يقبل كون هذا الكلام من الرسول صلي الله عليه وسلم، فانّ النبي - وهو رحمة للعالمين - كيف لم يتخوّف علي بنات سائر المؤمنين وجوّز تعدّد الزوجات؟ علي انّ هذا التخوّف غالبي فيبطل به تشريع تعدّد الزوجات وان هو إلاّ كالرد علي الله في احكامه، ومع الغض عن كلّ هذا نحن نعلم بانّ النبي يعلم بأنّ بنته كاملة عاقلة اذهب الله عنها الرجس، وهي

ص: 169


1- 446. صحيح البخاري رقم 2943 كتاب الخمس، وانظر أول الجزء 18 من صحيح مسلم.

سيدة نساء الجنة، ولا تفتن في دينها من ألف ضرة، علي انّه صلي الله عليه وسلم قد جمع بين بنت أبي بكر وعمر وبنت عدو الله اليهودي - حفصة وعائشة وصفية - ولا يبعد انّ قصة خطبة بنت أبي جهل قصة مجعولة من اجراء بني اُميّة ولا أصل لها، أتري انّ النبي يمدح أبا العاص بن الربيع الاموي بالصدق والوفاء تعريضاً بمن هو منه بمنزلة هارون من موسي؟

تسبيح فاطمة

(286) عن علي: «انّ فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقي من الرحي ممّا تطحن، فبلغها أنّ رسول الله صلي الله عليه وسلم اتي بسبي، فأتته تسأله خادماً فلم توافقه فذكرت لعائشة، فجاء النبي صلي الله عليه وسلم فذكرت ذلك عائشة له، فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا فذهبنا لنقوم فقال: علي مكانكما، حتّي وجدت برد قدميه علي صدري، فقال: «ألا أدلكما علي خير مما سألتماه، إذا اخذتما مضاجعكما فكبّرا الله أربعاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وسبحا ثلاثاً وثلاثين، فان ذلك خير لكما ممّا سألتماه» (1) . أقول: الشيعة يواظبون علي هذه الاذكار دبر كلّ صلاة، وهي معروفة عند عامتهم.

بنو المطلب و بنو هاشم شيء واحد

(287) عن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم... اعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «انّما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد» (2) . (288) عن عقبة: صلّي أبو بكر... فراي الحسن يلعب مع الصبيان

ص: 170


1- 447. صحيح البخاري رقم 2945 كتاب الخمس.
2- 448. صحيح البخاري رقم 2971 كتاب الخمس.

فحمله علي عاتقه وقال: بأبي شبيه بالنبي لا شبيه لعلي. وعلي يضحك (1) . (289) عن عائشة: أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشي النبي صلي الله عليه وسلم فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «مرحباً بابنتي» ثم اجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسرَّ اليها حديثاً فبكت، فقلت لها: تبكين، ثم أسرَّ اليها حديثاً فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً اقرب من حزن، فسألتها عمّا قال، فقالت: ما كنت لاَفشي سرّ رسول الله صلي الله عليه وسلم، حتّي قبض النبي صلي الله عليه وسلم، فسألتها فقالت: أسرَّ اليَّ انّ جبرئيل كان يعارضني القرآن كلّ سنة مرة، وانّه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلاّ حضر أجلي، وانّك أول أهل بيتي لحاقاً بي، فبكيت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين، فضحكت لذلك» (2) . (290) عن سعد: قال النبي صلي الله عليه وسلم: «أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي» (3) . (291) عن المسورة: انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «فاطمة بضعة مني، فمن اغضبها اغضبني» (4) . (292) وعنه: «... وانّ فاطمة بضعة مني، وانّي اكره ان يسوءها...» (5) . (293) عن انس: اُتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي عليه السلام فجُعِل في طست، فَجَعل ينكت، وقال في حسنه شيئاً (!)، فقال انس:

ص: 171


1- 449. صحيح البخاري رقم 3349 كتاب المناقب.
2- 450. صحيح البخاري رقم 3426 كتاب المناقب، انظر صحيح مسلم 18: 5 و6.
3- 451. صحيح البخاري رقم 3503 كتاب فضائل الصحابة، ورواه مسلم في صحيحه وفيه: إلاّ انّه لا نبي بعدي.
4- 452. صحيح البخاري رقم 3510 كتاب فضائل الصحابة.
5- 453. صحيح البخاري رقم 3523.

كان اُشبههم برسول الله صلي الله عليه وسلم، وكان مخضوباً بالوسمة (1) . (294) وعن ابن عمر:... أهل العراق يسألون عن الذباب، وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، وقال النبي: «هما ريحانتاي من الدنيا» (2) . (295) عن البراء: رأيت النبي والحسن بن علي علي عاتقه، يقول: «اللهم انّي احبّه فاحبّه». (296) عن علي: «أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة» (3) . أقول: فويل لمخالفيه يوم القيامة. (297) عن قيس بن عباد: سمعت أبا ذر يقسم قسماً انّ هذه الآية: (هذان خصمان اختصموا في ربّهم) نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة (4) . (298) عن زيد بن ارقم:... قام رسول الله صلي الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعي خماً بين مكّة والمدينة فحمد الله وانثي عليه ووعظ وذكر ثم قال: «أما بعد، ألا أيّها الناس فانّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فاجيب، وأنا تاركُ فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدي والنور فخذو بكتاب الله واستمسكوا به» فحث علي كتاب الله ورغبّ فيه ثم قال: «وأهل بيتي اذكركم الله في أهل بيتي، اذكركم الله في أهل بيتي، اذكركم الله في أهل بيتي». فقال له حصين: ومن اهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته.

ص: 172


1- 454. صحيح البخاري رقم 3538 كتاب فضائل الصحابة.
2- 455. صحيح البخاري رقم 3543.
3- 456. صحيح البخاري رقم 3747 كتاب المغازي.
4- 457. صحيح البخاري رقم 3751، وانظر آخر صحيح مسلم.

قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم (1) . (299) عن المسور بن مخرمة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «انّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها» (2) . وفي رواية أُخري: «فانّما ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها، ويوذيني ما آذاها». وفي شرح النووي: قال العلماء في هذا الحديث تحريم أيذاء النبي صلي الله عليه وسلم بكلّ حال وعلي كلّ وجه، وان تولد ذلك الايذاء ممّا كان اصله مباحاً وهو حي. (300) عن بريد: خطبنا رسول الله صلي الله عليه وسلم فاقبل الحسن والحسين عليهما قميصان احمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فصعد بهما (المنبر)، ثم قال: «صدق الله (انّما أموالكم وأولادكم فتنة) رايت هذين فلم اصبر» فأخذ في الخطبة (3) . (301)... فقال لنا: «انّ هذه الصدقة انّما هي أوساخ الناس، وانّها لا تحل لمحمد ولا لآل محمّد صلي الله عليه وسلم». (302) عن بريدة: انّ رسول الله عقّ عن الحسن والحسين (4) .

ص: 173


1- 458. صحيح مسلم 15: 179 و180.
2- 459. صحيح مسلم 8: 3.
3- 460. سنن أبي داود 1: 289.
4- 461. سنن النسائي 7: 164.

(303) وعن ابن عباس: عقّ رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الحسن والحسين رضي الله عنهما بكبشين كبشين (1) . (304) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلي الله عليه وسلم، فلن اسبه، لان تكون لي واحدة منهنّ أحب اليَّ من حمر النعم، سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول له - خلّفه في بعض مغازيه -... «أما ترضي ان تكون مني بمنزله هارون من موسي، إلاّ انّه لا نبوة بعدي»، وسمعته يوم خيبر: «لاَعطين الراية رجلاً يُحبّ الله ورسوله، ويُحبّه الله ورسوله...»، ولما نزلت هذه الآية: (فقل تعالوا ندعُ ابناءنا وابناءكم) دعا رسول الله صلي الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: «اللهم هؤلاء أهلي» (2) . أقول: وفي رواية أبي هريرة: ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «... يفتح الله علي يديه...». قال عمر بن الخطاب: ما احببت الامارة إلاّ يومئذ، فتساورت لها رجاء أن اُدعي. (305) عن انس: بعث النبي صلي الله عليه وسلم ببراءة مع أبي بكر ثم دعاه فقال: «لا ينبغي لاَحد أن يبلّغ هذا إلاّ رجل من اهلي» فدعا علياً فاعطاه ايّاها (3) . (306) عن ابن عباس: بعث النبي أبا بكر وأمره أن ينادي بهذه الكلمات، ثم اتبعه علياً... فإذا علي، فدفع اليه كتاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، وامر علياً أن ينادي بهؤلاء الكلمات.

ص: 174


1- 462. سنن النسائي 7: 166.
2- 463. صحيح مسلم 15: 176 ولاحظ ص3: 214 جامع الترمذي.
3- 464. جامع الترمذي 3: 55.

فانطلقا فحجّا، فقام علي أيام التشريق فنادي: «ذمة الله ورسوله بريئة من كلّ مشرك، فسيحوا في الارض أربعة أشهر، ولا يحجنّ بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلاّ مؤمن» وكان علي ينادي، فإذا عيي قام أبو بكر فنادي بها (1) . (307) عن علي: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انّه لعهد النبي الاَُمّي صلي الله عليه وسلم اليَّ: أن لا يحبني إلاّ مؤمن، ولا يبغضني إلاّ منافق» (2) . (308) عن علي: تقدّم عتبة بن ربيعة وتبعه ابنه واخوه، فنادي: من يبارز، فانتدب له شباب من الانصار فقال: من انتم، فاخبروه، فقال: لا حاجة لنا فيكم، انّما اردنا بني عمّنا. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «قم يا حمزة، قم يا علي، قم يا عبيدة بن الحرث» فاقبل حمزة إلي عتبة، واقبلت إلي شيبة، واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان، فاثخن كلّ واحد صاحبه، ثم ملنا علي الوليد فقتلناه، واحتملنا عبيدة (3) . (309) عائشة... بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة ادخلتها بها علي أبي العاص، فلما رآها رسول الله صلي الله عليه وسلم رقّ لها رقّة شديدة وقال: «ان رأيتم أن تطلقوا لها اسرها، وتردوا عليها الذي لها» فقالوا نعم... وبعث رسول الله زيد بن حارثة ورجلاً من الانصار، فقال: «كونا ببطن ياجج حتّي تمرّ بكما زينب، فتصحبا بها حتّي تأتيا بها» (4) . (310) عن ابن أعبُد: قال لي علي رضي الله عنه: ألا احدثك عني وعن فاطمة

ص: 175


1- 465. المصدر ص55.
2- 466. صحيح مسلم 1: 64.
3- 467. سنن أبي داود 3: 53 كتاب الجهاد.
4- 468. سنن أبي داود 3: 62.

بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم، وكانت من احب أهله اليه؟ قلت: بلي. قال: انّها جرّت بالرحي حتّي أثّر في يدها، واستقت بالقربة حتّي أثّر في نحرها، وكنست البيت حتّي اغبرت ثيابها. فاتي النبي خدم، فقلت: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً... فإذا اخذت مضجعك فسبحي ثلاثاً وثلاثين، واحمدي ثلاثاً وثلاثين، وكبري أربع وثلاثين، فتلك مائة، فهي خير لك من خادم. قالت: رضيت عن الله عزّ وجلّ وعن رسول الله صلي الله عليه وسلم (1) . (311) عن سفينة:... فقالت فاطمة: لو دعونا رسول الله صلي الله عليه وسلم فأكل معنا، فدعوه، فجاء فوضع يده علي عضادتي الباب... فقلت: يا رسول الله ما ردّك؟ فقال: «انّه ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتاً مزوقاً» (2) . ادبه صلي الله عليه وسلم (312) عن عمرو: ما رئي رسول الله صلي الله عليه وسلم يأكل متكئاً قط ولا يطأ عقبه رجلان (3) .

انه مضي مسموما

(313) عن ابن مسعود: كان النبي صلي الله عليه وسلم يعجبه الذراع، قال: وسمّ في الذراع، وكان يدري انّ اليهود هم سمّوه (4) . (314) عن حنش، عن علي عليه السلام قال: بعثني رسول الله إلي اليمن قاضياً، فقلت: يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي

ص: 176


1- 469. سنن أبي داود 3: 150 كتاب الخراج.
2- 470. سنن أبي داود 3: 343 كتاب الاَطعمة.
3- 471. المصدر 3: 347.
4- 472. المصدر 3: 349.

بالقضاء، فقال: «انّ الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك...» فما زلت قاضياً أو ما شككت في قضاء بعد (1) . (315) عن علي قال: كان لي من رسول الله مدخلان، مدخل بالليل، ومدخل بالنهار، فكنت إذا اتيته وهو يصلّي يتنحنح لي (2) . (316) وعن ابن عباس: انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم عقّ عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً (3) . (317) عن انس: انّ النبي صلي الله عليه وسلم اتي فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلي فاطمة رضي الله عنها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطّت رجليها لم يبلغ رأسها.. (4) . (318) عن ابن عمر: انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم اتي فاطمة رضي الله عنها فوجد علي بابها ستراً فلم يدخل، قال: وقلمّا كان يدخل إلاّ بدأ بها فجاء علي رضي الله عنه فرآها مهتمة فقال: مالك؟ قالت: جاء النبي صلي الله عليه وسلم اليَّ فلم يدخل، فأتاه علي فقال يا رسول الله انّ فاطمة اشتد عليها انّك جئتها فلم تدخل عليها. قال: «وما أنا والدنيا، وما أنا والرقم». فذهب إلي فاطمة فأخبرها بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقالت: قل لرسول الله صلي الله عليه وسلم ما يأمرني بها؟ قال: قل لها: «فلترسل إلي بني فلان» (5) .

ص: 177


1- 473. المصدر 3: 300.
2- 474. سنن ابن ماجه رقم 3708 كتاب الادب.
3- 475. المصدر ص106.
4- 476. سنن أبي داود 4: 61.
5- 477. سنن أبي داود 4: 70.

النهي عن البكاء بعد الثلاثة

(319) عن عبدالله بن جعفر: انّ النبي أمهل آل جعفر ثلاثاً ان يأتيهم، ثم أتاهم فقال: «لا تبكوا علي أخي بعد اليوم...» (1) . أقول: يفهم منه أن ما نقله مسلم عن عائشة بخلاف ذلك ضعيف.

حبه لفاطمة

(320) عن ثوبان: كان رسول الله إذا سافر كان آخر عهده بانسان من أهله فاطمة، واول من يدخل عليها اذا قدم فاطمة، فقدم من غزاة وقد علقت مسحاً أو ستراً علي بابها وحلّت الحسن والحسين قلبين من فضة، فقدم فلم يدخل، فظنت أن ما منعه أن يدخل ما رأي، فهتكت الستر، وفككت القلبين عن الصبيين، وقطعته بينهما، فانطلقا الي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهما يبكيان، فأخذه منهما وقال: «يا ثوبان اذهب بهذا الي آل فلان - أهل بيت بالمدينة - انّ هؤلاء أهل بيتي أكره أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا...» (2) . (321) عن أبي رافع: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم اذّن في اُذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة (3) . (322) عن عائشة: ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً وهدياً ودلاً (حديثاً وكلاماً) برسول الله صلي الله عليه وسلم من فاطمة كرّم الله وجهها. كانت إذا دخلت عليه قام اليها فأخذ بيدها وقبّلها واجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت اليه فاخذت بيده فقبّلته واجلسته في مجلسها (4) ، أقول وهذه مرتبة.

ص: 178


1- 478. سنن أبي داود 4: 81.
2- 479. سنن أبي داود 4: 85 كتاب الترجل.
3- 480. سنن أبي داود 4: 330 كتاب الادب.
4- 481. سنن أبي داود 4: 357 كتاب الادب.

عظيمة لفاطمة

(323) عن أبي هريرة: انّ الاقرع بن حابس أبصر النبي صلي الله عليه وسلم وهو يقبّل حسيناً، فقال انّ لي عشرة من الولد ما فعلت هذا بواحد منهم، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «من لا يَرحم لا يُرحم» المصدر. (324) عن عائشة وأُمّ سلمة قالتا: أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نجهزّ فاطمة حتي ندخلها علي علي، فعمدنا الي البيت ففرشناه تراباً ليّناً من اعراض البطحاء، ثم حشونا مرفقتين ليفاً فنفشناه بايدينا، ثم اطعمنا تمراً وزبيباً، وسقينا ماءً عذباً الي عود فعرضنا في جانب البيت ليلقي عليه الثوب ويعلقّ عليه السقاء، فما رأينا عرساً أحسن من عرس فاطمة (1) . الاعراض: الجوانب. مرفقتين: مخدتين. (325) عن أبي رافع قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم أذّن في أُذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة (2) . (326) عن عمر بن أبي سلمة: لما نزلت هذه الآية علي النبي صلي الله عليه وسلم: (انّما يُريدُ اللهُ ليذهبَ عنكم الرجسَ أهل البيتِ ويُطهّركم تطهيراً) في بيت أُمّ سلمة، فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء، وعلي خلف ظهره فجلله بكساء، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا». قالت أُمّ سلمة: وانا معهم يا نبي الله؟ قال: «انت علي مكانك، وانت علي خير» (3) .

ص: 179


1- 482. سنن ابن ماجه رقم 1911 كتاب النكاح.
2- 483. جامع الترمذي 2: 93.
3- 484. جامع الترمذي 3: 92.

(327) عن حبشي بن جنادة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «علي منّي وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلاّ أنا أو علي» (1) . (328) عن جابر بن عبدالله: انّ النبي صلي الله عليه وسلم قال لعلي: «انت منّي بمنزلة هارون من موسي، إلاّ انّه لا نبي بعدي» (2) . (329) عن ابن عباس: انّ النبي أمر بسد الابواب إلاّ باب علي. المصدر. (330) وعنه: أول من صلّي علي. المصدر. (331) وعن زيد بن ارقم: أول من أسلم علي. المصدر. (332) عن حذيفة:... قال صلي الله عليه وسلم: «انّ هذا ملك لم ينزل الارض قط قبل الليلة، استاذن ربّه ان يسلّم عليَّ ويبشرني بانّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» (3) . (333) عن جابر: رأيت رسول الله في حجّة يوم عرفة وهو علي ناقته القصوي يخطب فسمعته يقول: «يا أيّها الناس أنّي تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي» (4) . (334) عن زيد بن ارقم: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي احدهما اعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء الي الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» (5) . (335) حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمّد بن إسماعيل قالا: حدثنا

ص: 180


1- 485. المصدر 214.
2- 486. المصدر 3: 215.
3- 487. المصدر 3: 226.
4- 488. المصدر 3: 226.
5- 489. المصدر 3: 227.

عبدالسلام بن صالح أبو الصلت الهروي، ثنا علي بن موسي الرضا، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «الايمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالاركان». قال أبو الصلت: لو قرِيء هذا الاسناد علي مجنون لبرأ (1) .

ولاية علي

(336) عن البراء بن عازب قال: اقبلنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في حجّته التي حجّ، فنزل في بعض الطريق، فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي فقال: «ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟». قالوا: بلي. قال: «ألست أولي بكل مؤمن من نفسه». قالوا: بلي. قال:«فهذا ولي من أنا مولاه، أللّهمّ وال من والاه، أللّهم عاد من عاداه» (2) . (337) عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم جيشاً... فاقبل اليه رسول الله صلي الله عليه وسلم والغضب يعرف في وجهه فقال: «ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، انّ عليّاً مني وانا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن من بعدي» (3) . (338) عن أبي الطفيل يحدّث عن أبي سريحة أو زيد بن ارقم - شك شعبة - عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» (4) .

ص: 181


1- 490. مقدمة المصدر: 65.
2- 491. مقدمة المصدر 116.
3- 492. جامع الترمذي 3: 213.
4- 493. المصدر.

(339) عن سعد بن أبي وقاص قال: قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل عليه سعد، فذكروا علياً فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» وسمعته يقول: «انت مني بمنزلة هارون من موسي، إلاّ انّه لا نبي بعدي» وسمعته يقول: «لاَُعطين الراية اليوم رجلاً يُحبّ الله ورسوله» (1) .

مزاج علي

(340) كان أبو ليلي يسمر مع عليٍّ، فكان يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فقلنا لو سألته؟ فقال: انّ رسول الله بعث اليَّ وأنا أرمد العين يوم خيبر... فتفل في عيني ثم قال: «اللّهم اذهب عنه الحر والبرد» قال: فما وجدت حرّاً ولا برداً بعد يومئذ، وقال: «لاَبعثنَّ رجلاً يُحبّ الله ورسوله ويُحبُّه الله ورسوله ليس بفرار» فتشرَّف له الناس فبعث الي عليٍّ فأعطاه إياه (2) . (341) عن ابن عمر: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما» (3) . (342) عن حبشي بن جنادة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «علي مني وأنا منه، ولا يؤدّي عني إلاّ علي» (4) . (343) وعن علي: «انا عبدالله، وأخو رسوله صلي الله عليه وسلم، وانا الصدّيق الاَكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب، صلّيت قبل الناس لسبع سنين» (5) .

ص: 182


1- 494. مقدمة سنن ابن ماجة رقم 121.
2- 495. (أي اعطي الراية اياه) مقدمة سنن ابن ماجة رقم 117.
3- 496. مقدمة سنن ابن ماجة رقم 144.
4- 497. المصدر.
5- 498. المصدر رقم 120.

وعن الزوائد: هذا اسناد صحيح رجاله ثقات، رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال وقال: صحيح علي شرط الشيخين. (344) عن العباس بن عبد المطلب: كنّا نلقي النفر من قريش وهم يتحدّثون، فيقطعون حديثهم، فذكرنا ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: «ما بال اقوام يتحدّثون، فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم، والله لا يدخل قلب رجل الايمان حتي يحبّهم لله ولقرابتهم مني» (1) . (345) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «من أحبَّ الحسن والحسين فقد أحبّني، ومن ابغضهما فقد ابغضني» (2) . (346) عن يعلي بن مرّة: انّهم خرجوا مع النبي صلي الله عليه وسلم الي طعام دعوا له، فإذا حسين يلعب في السكة، فتقدّم النبي، أمام القوم وبسط يديه، فجعل الغلام يفرّ ههنا وههنا ويضاحكه النبي صلي الله عليه وسلم حتي أخذه، فجعل إحدي يديه تحت ذقنه والاُخري في فأس رأسه فقبّله وقال: «حسين منّي وأنا من حسين، اُحبَّ الله من أحبَّ حسيناً، حسين سبط من الاَسباط» (3) . (347) عن زيد بن ارقم: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين: أنا سلم لمن سالمتم، وحرب لمن حاربتم» (4) . (348) عن بريدة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «انّ الله أمرني بحبّ أربعة، وأخبرني انّه يحبّهم». قيل: يا رسول الله من هم؟

ص: 183


1- 499. مقدمة سنن ابن ماجة رقم 140.
2- 500. المصدر رقم 143.
3- 501. مقدمة سنن ابن ماجة رقم 144.
4- 502. مقدمة سنن ابن ماجة رقم 145.

قال: «عليّ منهم - يقول ذلك ثلاثاً - وأبو ذر وسلمان والمقداد» (1) . (349) عن بريدة: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يخطب، فاقبل حسن وحسين عليهما قميصان احمران يعثران ويقومان، فنزل النبي صلي الله عليه وسلم فأخذهما فوضعهما في حجره، فقال: «صدق الله ورسوله (انّما أموالكم وأولادكم فتنة) رايت هذين فلم أصبر» ثم أخذ في خطبته (2) . (350) عن العامري: جاء الحسن والحسين يسعيان الي النبي، فضمّهما اليه وقال: «انّ الولد مبخلة مجبنة» (3) . (351) عن أُمّ الفضل: يا رسول الله رأيت كأن في بيتي عضواً من اعضائك، قال: «خيراً رأيت، تلد فاطمة غلاماً فترضعيه فولدت حسيناً أو حسناً فارضعته بلبن قثم...» (4) .

عدالة الصحابة

(352) عن عقبة بن عامر... فقال صلي الله عليه وسلم: «انّي فرط لكم، وانا شهيد عليكم، وانّي والله انظر الي حوضي الآن وانّي اعطيت مفاتيح خزائن الارض أو مفاتيح الارض، وأنّي والله ما اخاف عليكم ان تشركوا بعدي، ولكن اخاف عليكم أن تنافسوا فيها» (5) . (353) عن مروان بن الحكم: شهدت عثمان وعلياً، وعثمان ينهي عن المتعة وان يجمع بينهما، فلمّا رأي عليٌّ أهل بهما: «لبيك بعمرة وحجة»، قال: ما كنت لادع سنة النبي صلي الله عليه وسلم لقول أحد (6) .

ص: 184


1- 503. المصدر رقم 149.
2- 504. سنن ابن ماجة رقم 3600 كتاب اللباس.
3- 505. سنن ابن ماجة رقم 3666.
4- 506. سنن ابن ماجة رقم 3923 كتاب تعبير الرؤيا.
5- 507. صحيح البخاري رقم 1279 كتاب الجنائز.
6- 508. صحيح البخاري رقم 1488.

(354) عن سعيد بن المسيب قال: اختلف عليٌّ وعثمان - وهما بعسفان - في المتعة، فقال عليٌّ: ما تريد إلاّ أن تنهي عن أمر فعله النبي صلي الله عليه وسلم فلمّا راي ذلك عليٌّ أهلَّ بهما جميعاً (1) . (355) عن اُسامة: اشرف النبي علي اُطم من آطام المدينة فقال: «هل ترون ما أري، انّي لاَري مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر» (2) . أقول: التشبيه بمواقع القطر يدلّ علي عمومية الفتنة وشمولها. ثم الاطم: الحصون التي تبني بالحجارة، أو هو كلّ بيت مربع مسطح كما قيل. (356) عن جابر: بينما نحن نصلّي مع النبي صلي الله عليه وسلم إذ اقبلت من الشام عير تحمل طعاماً، فالتفتوا اليها حتي ما بقي مع النبي صلي الله عليه وسلم إلاّ اثنا عشر رجلاً، فنزلت: (وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا اليها) (3) . (357) وعن عبيد الله بن عمير: انّ أبا موسي الاشعري استاذن علي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلم يؤذن له - وكأنّه كان مشغولاً - فرجع أبو موسي، ففرغ عمر فقال: ألم اسمع صوت عبدالله بن قيس ائذنوا له. قيل: قد رجع. فدعاه، فقال: كنّا نؤمر بذلك. فقال تأتيني علي ذلك بالبيّنة فانطلق الي مجلس الانصار فسألهم فقالوا: لا يشهد لك علي هذا إلاّ اصغرنا أبو سعيد الخدري، فذهب بأبي سعيد الخدري، فقال عمر: أخفي هذا عليّ من أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ ألهاني الصفق بالاسواق. يعني الخروج الي تجارة (4) .

ص: 185


1- 509. صحيح البخاري رقم 1494 كتاب الحج.
2- 510. صحيح البخاري رقم 1779 كتاب فضائل المدينة.
3- 511. صحيح البخاري رقم 1953، وصحيح مسلم 6: 150.
4- 512. صحيح البخاري رقم 1956، وانظر صحيح مسلم 14: 130 و134.

وفي بعض الروايات: وإلاّ أوجعتك، وفي بعضها: فوالله لاُوجعنَّ ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك. يستفاد منها أمران. 1 - انّ عمر لا يعتمد علي قول الاشعري، ولا يراه صادقاً، فيطلب منه البيّنة عملاً بقوله تعالي: (ان جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا). 2 - قلّة علم عمر بالسنة القولية حتي عمّا يعلمه الصغار، اشتغالاً بالمعاملة في السوق، فهو رجل عمل لا رجل علم. (358) عائشة في قصة الافك... فقام سعد بن معاذ... فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية، فقال: كذبت لعمر الله لا تقتله - أي ابن أبي بن سلول - ولا تقدر علي ذلك، فقام اسيد بن الحضير فقال: كذبت لعمر الله، والله لنقتلنه، فانك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان (الاوس والخزرج) حتي هموا، ورسول الله صلي الله عليه وسلم علي المنبر، فنزل فخفّفهم حتي سكتوا وسكت... (1) . (359) قال عروة أيضاً: لم يسم من أهل الافك أيضاً إلاّ حسان بن ثابت، ومسطح بن اثاثة، وحمنة بنت جحش في ناس آخرين... (2) . ومسطح بدري. (360) عن انس... فلما اتاه - أي عبدالله بن أُبي - النبي صلي الله عليه وسلم قال: اليك عنّي، والله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الانصار منهم: والله لحمار رسول الله أطيب ريحاً منك، فغضب لعبدالله رجل من قومه فشتمه، فغضب لكلّ واحد منهما اصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والاَيدي والنعال، فبلغنا انّها اُنزلت: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا

ص: 186


1- 513. صحيح البخاري رقم 2518 كتاب الشهادات، وانظر صحيح مسلم 17: 109.
2- 514. صحيح البخاري رقم 3910 كتاب المغازي.

بينهما) (1) . انظر ثم تفكّر هل يصح أن يقال بانّ الصحابة كلّهم عدول؟! لعن الله العصبية الحمقاء (2) . (361) عن المسور ومروان - في قصة الحديبية -: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لاصحابه: «قوموا فانحروا ثم احلقوا». قال: فوالله ما قام منهم رجل حتي قال ذلك ثلاث مرات، فلمّا لم يقم منهم أحد دخل علي اُمّ سلمة فذكر لها ما لقي من الناس... (3) . (362) عن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت علياً... فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقينّ الثياب، فاخرجته من عقاصها، فاتينا به رسول الله صلي الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة الي اناس من مشركين... ولا رضاً بالكفر بعد الاسلام، فقال رسول الله: «لقد صدقكم» قال عمر: يا رسول الله دعني اضرب عنق هذا المنافق (4) . الحديث يدلّ أوّلاً: علي انّ حاطباً اخبر الكفار ببعض أمر رسول الله، وهو حرام بلا شك، وثانياً: علي انّ عمر سبّه واستدعي قتله بعد تصديق النبي صلي الله عليه وسلم باسلامه. (363) وعن البراء: جعل النبي صلي الله عليه وسلم علي الرجالة يوم اُحد - وكانوا خمسين رجلاً - عبدالله بن جبير، فقال: «ان رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتي ارسل اليكم، وان رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم

ص: 187


1- 515. صحيح البخاري رقم 2545.
2- 516. انظر صحيح مسلم 12: 159.
3- 517. صحيح البخاري رقم 2581 كتاب المشروط.
4- 518. صحيح البخاري رقم 2845 كتاب الجهاد.

فلا تبرحوا حتي ارسل اليكم»... قالوا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة... فنهاهم النبي صلي الله عليه وسلم ان يجيبوه... فما ملك عمر نفسه فقال... (1) . (364) عن ابن عباس:... فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله صلي الله عليه وسلم... (2) . أقول: نسبة الهجر الي النبي المعصوم الذي لا ينطق إلاّ عن الوحي ليست منافية للعدالة وحدها، بل ربّما للايمان أيضاً، والله العاصم الغفور. (365) ما يأتي في منازعة العباس وعلي وانّهما استبّا، أي سب كلّ واحد صاحبه (3) ،ويأتي فيها اعتقاد علي في الخليفتين، وكذا اعتقاد العباس في حقهم (4) ، وما قيل في تأويله ضعيف ولا يعتدّ به (5) . (366) عن انس: انّ اناساً من الانصار... فقال لهم (رسول الله صلي الله عليه وسلم): «انكم سترون بعدي اثرة شديدة فاصبروا حتي تلقوا الله تعالي ورسوله علي الحوض». قال انس: فلم نصبر (6) . قوله: اثرة، اي استبداد بالاموال وحرمانكم منها. أقول: المستبدون هم المهاجرون لا محالة. (367) عن عاصم: سألت أنساً عن القنوت، قال: قبل الركوع.

ص: 188


1- 519. صحيح البخاري رقم 2874 كتاب الجهاد، وانظر سنن أبي داود 3: 53.
2- 520. صحيح البخاري رقم 2888 كتاب الجهاد.
3- 521. صحيح البخاري رقم 6875 الاعتصام بالكتاب والسنة.
4- 522. وهذا التساب وسب الخليفتين وقع في محضر جمع من الصحابة كعثمان وابن عوف والزبير وسعد وغيرهم، ولم يقل أحد بأنّه مخالف لعدالة الصحابة، والواقع انّهم لا يرونها في حق انفسهم وانّما هي اختراع الغلاة في حقهم.
5- 523. انظر صحيح مسلم 12: 72 كتاب الجهاد.
6- 524. صحيح البخاري رقم 2978 كتاب الخمس.

فقلت: انّ فلاناً يزعم انك قلت بعد الركوع. فقال: كذب (1) . (368) عن ابن عباس: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «تمشون حفاة... ثم يؤخذ برجال من اصحابي ذات اليمين وذات الشمال فأقول: اصحابي، فيقال: انّهم لم يزالوا مرتدّين علي اعقابهم منذ فارقتهم، فأقول: كما قال العبد الصالح عيسي بن مريم (وكنت عليهم شهيداً...) (2) . وفي حديث آخر... فأقول: يا رب اصحابي، فيقول انك لا تدري ما أحدثوا بعدك...(وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم)- الي قوله - (الحكيم)قال: فيقال: انّهم لم يزالوا مرتدّين علي اعقابهم (3) . (369) عن ابن ميمون:... فقال (العباس لعمر): ان شئت فعلت، قال (عمر): كذبت (4) . (370) وعنه: فقالوا اوص: يا أمير المؤمنين استخلف، قال: ما أجد أحداً أحقّ بهذا الاَمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفّي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمّي علياً وعثمان والزبير وطلحة وسعد وعبدالرحمن... (5) أقول: فلو كان رسول الله صلي الله عليه وسلم راضياً عن جميع اصحابه لبطل قول عمر هذا، فلو كان كلّهم عدولاً لكان صلي الله عليه وسلم عنهم راضياً لا محالة. (371)... فقال ابن عباس: كذب عدو الله (6) يريد به نوفاً البكالي

ص: 189


1- 525. صحيح البخاري رقم 2999 كتاب الجزية.
2- 526. صحيح البخاري رقم 3263 كتاب الانبياء، وانظر 4349 كتاب المغازي.
3- 527. صحيح البخاري رقم 6161 كتاب الرقاق، وانظر صحيح مسلم 17: 194.
4- 528. صحيح البخاري رقم 3497 كتاب المناقب.
5- 529. صحيح البخاري رقم 3497 كتاب المناقب.
6- 530. صحيح البخاري رقم 4448 كتاب التفسير.

المؤمن، لكنّ الظاهر انّ ابن عباس لم يقله، وانّما وضعه عليه بعض الفاسقين. (372) عن ابن عباس: أود أن اسأل عمر، فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان اللتان تظاهرتا علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، فما اتممت كلامي حتي قال: عائشة وحفصة (1) . (373) عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: ذهبت اسّب حسان... (2) . أقول:إذاكان عروة يسبّ حسان الصحابي - مع أنّ سبّ المؤمن فسوق (3) - فكيف يعتمد علي رواياته؟ والله يعلم انّ كم افتري من لسان خالته. (374) عن عبدالله - في تقسيم غنائم حنين -:... فقال رجل: والله انّ هذه القسمة ما عدل فيها، وما اريد فيها وجه الله (4) . (375) عن سالم: كان عبدالله بن عمر إذا قيل له الاحرام من البيداء، قال: البيداء تكذبون فيها علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، ما أهلَّ رسول الله صلي الله عليه وسلم إلاّ من عند الشجرة حين قام به بغيره (5) . فعبدالله يري انّ الصحابة يكذبون علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، ومن جملة هؤلاء جابر بن عبدالله حيث نقل انّه صلي الله عليه وسلم أهلَّ من البيداء (6) . (376) عن عائشة:... فدخل عليَّ وهو غضبان، فقلت: من اغضبك يا رسول الله ادخله النار، قال: «أَوَما شعرت انّي أمرت الناس بأمر فإذا هم

ص: 190


1- 531. صحيح البخاري رقم 4630.
2- 532. صحيح البخاري رقم 5798 كتاب الادب.
3- 533. لا يقال ان حسان تلوث في قصة الاِفك؟ فانه يقال لاحق لعروة في سبّه حتي وان لم يتب حسان ولم يغفر الله ذنبه ولم تغفره عائشة. وهذا واضح. وعنه: صلي الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي. وعنه: سباب المؤمن فسوق كما في البخاري برقم6656 كتاب الفتن.
4- 534. صحيح مسلم 7: 158 كتاب الزكاة.
5- 535. صحيح مسلم 8: 92.
6- 536. صحيح مسلم 8: 173.

يتردّدون...» (1) . أقول: لم يقبلوا من رسول الله صلي الله عليه وسلم الاحلال من العمرة، فانّه كان علي خلاف عادتهم في الجاهلية كما يظهر من الاحاديث، ومن اشد المنكرين في ذلك عمر كما هو معروف ومنصوص في الصحاح، فعن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهي عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبدالله، فقال: علي يديَّ دار الحديث، تمتّعنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم، فلمّا قام عمر قال: انّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء وإنّ القرآن قد نزل منازله، فاتمّوا الحجّ والعمرة لله كما أمركم لله وأبتّوا نكاح هذه النساء، فلن أُوتي برجل نكح امرأة الي أجل إلاّ رجمته بالحجارة (2) . وسيأتي في المقصد الثاني بعض الكلام في متعة الحج. (377) عن ابن عباس: انّ سمرة باع خمراً فقال عمر: قاتل الله سمرة، ألم يعلم انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها» (3) . (378) عن أبي عبد الرحمن قال: خطب علي فقال: ايّها الناس اقيموا علي ارقّائكم الحد من احصن منهم ومن لم يحصن، فان أمة رسول الله صلي الله عليه وسلم زنت فامرني أن اجلدها... (4) . (379) عن أبي اسحاق قال: سمعت البراء وسأله رجل من قيس أفررتم عن رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال البراء: ولكن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم

ص: 191


1- 537. صحيح مسلم 8: 155.
2- 538. صحيح مسلم 8: 168.
3- 539. صحيح مسلم 11: 7، وانظر سنن النسائي 7: 177. (اجمل الشحم وجمله أي اذابه).
4- 540. صحيح مسلم 11: 214.

يفر... أقول: الفرار من الجهاد كبيرة تنافي العدالة وان لحقه العفو، فانّ العفو عن العقاب شيء وبقاء العدالة شيء آخر. (380) عن علي بن أبي طالب:... فغضب رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال: «ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتي يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم علي هذا...» (1) . (381) عن زيد بن خالد: انّ رجلاً من اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم توفّي يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال: «صلّوا علي صاحبكم» فتغيّر وجوه الناس لذلك، فقال: «انّ صاحبكم غلّ في سبيل الله» ففتّشنا متاعه فوجدنا خرزاً من خرز اليهود لا يساوي درهمين (2) . (382) عن عبدالله وحذيفة، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «أنا فرطكم علي الحوض، وليرفعنَّ رجال منكم ثم ليختلجنَّ دوني فاقول: يا رب اصحابي! فيقال: انّك لا تدري ما أحدثوا بعدك!» (3) . أقول: الخطاب في قوله (منكم) متوجّه الي الحاضرين، فلا يشمل من خالف أبا بكر في اداء الزكاة (4) . (383) عن انس، عن النبي صلي الله عليه وسلم: «ليردنَّ عليَّ ناس من أصحابي الحوض حتي عرفتهم اختلجوا دوني، فاقول: اصحابي! فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك» (5) .

ص: 192


1- 541. سنن أبي داود 3: 65 كتاب الجهاد.
2- 542. المصدر ص68.
3- 543. صحيح البخاري رقم 6205 كتاب الرقاق ورقم 6642 كتاب الفتن.
4- 544. انظر صحيح مسلم 14: 59.
5- 545. صحيح البخاري رقم 6211 كتاب الرقاق.

(384) عن سهل بن سعد: قال النبي صلي الله عليه وسلم: «انّي فرطكم علي الحوض، من مرَّ عليَّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً ليردنَّ عليَّ أقوام اعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم... فقال (النعمان): اشهد علي أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها: «فاقول: انّهم منّي، فيقال: انّك لا تدري ما احدثوا بعدك، فاقول: سحقاً سحقاً لمن غير بعدي» (1) . (385) عن أبي هريرة، عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: «يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي، فيجلون عن الحوض فأقول: «يا رب أصحابي! فيقول: انّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انّهم ارتدّوا علي ادبارهم القهقري» (2) . (386) عن ابن المسيب، انّه كان يحدّث عن اصحاب النبي: انّ النبي صلي الله عليه وسلم قال: «يرد عليَّ الحوض رجال من اصحابي فَيُحَلَّؤن عنه، فأقول: يا رب اصحابي، فيقول: انّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انّهم ارتدّوا علي أدبارهم القهقري (3) ورواه أبو هريرة أيضاً. (387) عن اسماء بنت أبي بكر: قال النبي صلي الله عليه وسلم: «انّي علي الحوض حتي انظر من يرد عليَّ منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فاقول: يا رب منّي ومن اُمتّي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون علي اعقابهم». فكان ابن أبي مليكة يقول: اللّهم انّا نعوذ بك أن نرجع علي اعقابنا أو نفتن عن ديننا» (4) .

ص: 193


1- 546. صحيح البخاري رقم 6212 كتاب الرقاق، وصحيح مسلم 14: 53 و54.(سحقا أي بعدا).
2- 547. صحيح البخاري رقم 6213 كتاب الرقاق.
3- 548. صحيح البخاري رقم 6214.
4- 549. صحيح البخاري رقم 6220 كتاب الرقاق، صحيح مسلم 14: 55.

(388) وعن أبي هريرة، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم إذا زمرة حتي عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمَّ. فقلت: أين؟ قال: الي النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: انّهم ارتدّوا بعدك علي أدبارهم القهقري. ثم إذا زمرة حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمَّ. قلت: أين. قال: الي النار. قلت: ما شأنهم. قال: انّهم ارتدّوا بعدك علي أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم، إلاّ همل (1) النعم» (2) . (389) وعن أبي هريرة: انّ سعد بن عبادة الانصاري قال: يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «لا». قال سعد: بلي، والذي كرمك بالحق. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «اسمعوا الي ما يقول سيدكم» (3) .

ص: 194


1- 550. الهمل: ضوال الاِبل، واحدها: هامل. اي انّ الناجي منهم قليل في قلة النّعم الطالة «النهاية لابن الاثير 5: 274».
2- 551. صحيح البخاري رقم 6215 كتاب الرقاق.
3- 552. صحيح مسلم 10: 131.

(390) وعن ابن عباس: قام رسول الله صلي الله عليه وسلم بالموعظة فقال: «... أول من يكسي يوم القيامة إبراهيم، وانّه سيؤتي برجال من اُمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فاقول: ربّ أصحابي، فيقال: انّك لا تدري ما احدثوا بعدك... فيقال: هؤلاء لم يزالوا مرتدّين علي أعقابهم منذ فارقتهم» (1) . (391) عن عائشة: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول وهو بين ظهراني اصحابه: «انّي علي الحوض انتظر من يرد عليَّ منكم، فوالله ليقتطعنَّ دوني رجال، فلاَقولنّ أي ربّ منّي ومن اُمتّي، فيقول: انّك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون علي اعقابهم» (2) . (392) عن اُم سلمة... فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «انّي لكم فرط علي الحوض، فإيّاي لا يأتينَّ أحدكم فيُذَبّ عنّي كما يذبُّ البعير الضّال، فاقول: فيم هذا؟ فيقال: انّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً» (3) . (393) عن عقبة بن عامر: انّ رسول الله... فقال: «انّي فرط لكم... وانّي والله لاَنظر إلي حوضي الآن... وانّي والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها» (4) . أقول: ربّما يدلّ الحديث علي انّ سبب الارتداد والمنع عن الحوض هو التنافس في الدنيا. وفي رواية أُخري: ان تتنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا.... فكانت آخر ما رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم علي المنبر.

ص: 195


1- 553. جامع الترمذي 3: 78.
2- 554. صحيح مسلم 15: 56.
3- 555. صحيح مسلم 15: 56.
4- 556. صحيح مسلم 15: 57.

(394) عن قيس: قلت لعمار... ولكن حذيفة أخبرني عن النبي صلي الله عليه وسلم في أصحابي اثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سمّ الخياط... (1) . (395) عن حذيفة... كنّا نخبر انّهم (اصحاب العقبة، وهي عقبة في طريق تبوك) أربعة عشر... واشهد بالله انّ اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد... فقال: «انّ الماء قليل فلا يسبقني اليه أحد» فوجد قوماً قد سبقوه فلعنهم يومئذ (2) . (396) عن عائشة - كما في صحيح مسلم -: صنع رسول الله أمراً فترخص فيه، فبلغ ذلك ناساً من اصحابه فكأنهم كرهوه وتنزّهوا عنه، فبلغه ذلك فقام خطيباً فقال: «ما بال رجال بلغهم عنّي أمر...». وفي رواية: فغضب حتي بان الغضب في وجهه. (397) عن أبي هريرة - في قصة رجم الاسلمي -: فسمع النبي صلي الله عليه وسلم رجلين من اصحابه... حتي رجم رجم الكلب... فقال صلي الله عليه وسلم: «انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار». فقال يا نبي الله من يأكل من هذا؟ قال: «فما نلتما من عرض اخيكما آنفاً اشدّ من أكل منه...» (3) . أقول: فراجع كتاب حدود السنن لاَبي داود ففيه ذكر من زني أو زنت أو شرب الخمر من الصحابة. (398) عن عائشة: لمّا نزل عذري قام النبي صلي الله عليه وسلم... أمر بالرجلين

ص: 196


1- 557. صحيح مسلم 17: 124.
2- 558. صحيح مسلم 17: 126.
3- 559. سنن أبي داود 4: 146 كتاب الحدود.

والمرأة فضربوا حدّهم (1) . أي حسان بن ثابت، ومسطح بن اثاثة، وحمنة بنت جحش. (399) عن قيس قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا الذي صنعتم في أمر علي، أرأياً رأيتموه أو شيئاً عهده اليكم رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال: ما عهد الينا رسول الله صلي الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده الي الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرني عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم: «في اصحابي اثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سمّ الخياط، تكفيكهم الدبيلة» وأربعة لم احفظ ما قال شعبة فيهم (2) . أقول: فسر الدبيلة في حديث آخر: بسراج من النار، وزاد: يظهر في اكتافهم حتي ينجم من صدروهم. وانت إذا دقّقت في هذا الكلام تعرف انّ عماراً طبّق هؤلاء علي مقاتلي علي، ويؤيده انّ النبي صلي الله عليه وسلم قال له: «تقتلك الفئة الباغية الداعية الي النار». وقد أخرج الحاكم عن أبي سعيد الخدري وصحّحه انّ النبي صلي الله عليه وسلم قال لعلي: «انّك تقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله». (400) عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة التوبة، قال: التوبة؟ قال: بل الفاضحة، ما زالت تنزل ومنهم ومنهم حتي ظنوا ان لا يبقي منّا أحد إلاّ ذكر فيها... (3) . (401) عن المسور بن مخرمة: انّ عمر... فقال المغيرة بن شعبة: شهدت رسول الله صلي الله عليه وسلم... فقال (عمر): ائتني بمن يشهد معك، فاتاه

ص: 197


1- 560. المصدر ص160.
2- 561. صحيح مسلم 17: 124.
3- 562. صحيح مسلم 18: 165.

بمحمد بن مسلمة... (1) . (402) عن علي بن أبي طالب قال: «كنت إذا سمعت من رسول الله صلي الله عليه وسلم حديثاً... وإذا حدّثني عنه غيره استحلفته، فإذا حلف صدّقته...» (2) . (403) عن عبدالله بن عمرو: كان علي ثقل النبي صلي الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «هو في النار» فذهبوا ينظرون، فوجدوا عليه كساء أو عباءة قد غلّها (3) . (404) عن ابن مسعود... بعرفات...: «ألا وانّي فرطكم علي الحوض وأكاثر بكم الاُمم، فلا تسوّدوا وجهي! ألا وانّي مستنقذ اُناساً ومستنقذ منّي اُناس، فاقول: يا ربي اصحابي؟ فيقول: انّك لا تدري ما أحدثوا بعدك» (4) . (405) عن ابن عباس: كانت امرأة تصلّي خلف رسول الله صلي الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس، قال: وكان بعض القوم يتقدم في الصف الاَول لئلا يراها،ويستأخر بعضهم حتي يكون في الصف المؤخّر إذا ركع، يعني نظر من تحت ابطه، فانزل الله عزّ وجلّ: (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) (5) . أقول ولو كان للمسلم ذرة عقل وحياء لم يقل بعدالة جميع الصحابة مع هذه الاحاديث وغيرها.

ص: 198


1- 563. سنن أبي داود 4: 190 كتاب الديات، وفي سنن ابن ماجه - كتاب الفرائض برقم 2724 فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله (ص)... فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمّد بن مسلمة....
2- 564. سنن ابن ماجه رقم 395 اقامة الصلاة.
3- 565. سنن ابن ماجه رقم 2849 الجهاد.
4- 566. المصدر 3057 المناسك.
5- 567. انظر سنن النسائي 3: 66، وجامع الترمذي أيضاً.

الجبار

(406) عن أبي هريرة: العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس (1) . قيل: العجماء البهيمة، وسميّت بذلك لانّها لا تتكلم. ومعني جبار أي جنايتها هدر، ليس فيها ضمان. وفسّر قوله: المعدن جبار، بانّه لا زكاة فيما يستخرج منه. وهذا التفسير لا دليل عليه. والركاز: الكنوز المدفونة قبل الاسلام.

تخريب الكعبة

(407) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة (2) . أقول: وفي بعض أحاديث الشيعة المعتبرة سنداً عندهم: انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «تاركوا الحبشة ما تاركوكم، فوالذي نفسي بيده لا يستخرج كنز الكعبة إلاّ ذو السويقتين» (3) . ونقل في البحار عن نهاية ابن الاثير: وانّما صغر الساقين؛ لانّ الغالب علي سوق الحبشة الدقة والحموشة.

قضاء الحج عن الحي والميت

(408)عن ابن عباس... انّ أُمّي نذرت أن تحج، فلم تحج حتي ماتت، أفأحجّ عنها؟ قال: «نعم حجّ عنها، أرأيت لو كان علي أُمّك دين، أكنت قاضيته

ص: 199


1- 568. صحيح البخاري رقم 1428 كتاب الزكاة.
2- 569. صحيح البخاري رقم 151 كتاب الحج.
3- 570. بحار الانوار 18: 145.

اقضوا الله فالله أحق بالوفاء» (1) . أقول: يظهر من كلامه صلي الله عليه وسلم وجوب قضاء كل العبادات، والمورد لا يقيد الاطلاق. (409) عن ابن عباس:... انّ فريضة الله علي عباده في الحج ادركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع ان يستوي علي الراحلة، فهل يقضي عنه أن احجّ عنه؟ قال: «نعم» (2) . أقول: لا يجوز الاستنابة عن الحي في اتيان العبادات الواجبة عليه إلاّ في الحج لهذا الحديث.

تعارض في سفر المرأة مع محرم

(410) إذن عمر لا زواج النبي صلي الله عليه وسلم في آخر حجّة حجّها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف (3) . أقول: ويعارضه ما عن ابن عباس وغيره عنه صلي الله عليه وسلم: «لا تسافر المرأة إلاّ مع ذي محرم...» (4) .

من أحدث بالمدينة

(411) عن انس: عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «المدينة حرم... من أحدث فيها فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين» (5) .

صوم العاشر من المحرم

(412) عن عائشة: انّ قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية

ص: 200


1- 571. صحيح البخاري رقم 1754.
2- 572. صحيح البخاري رقم 1755.
3- 573. صحيح البخاري رقم 1761.
4- 574. صحيح البخاري رقم 1763 - 1765.
5- 575. صحيح البخاري رقم 1768.

ثم أمر رسول الله بصيامه حتي فرض رمضان، وقال صلي الله عليه وسلم: «من شاء فليصمه، ومن شاء أفطر» (1) . (413) عن الربيع، قالت: أرسل النبي صلي الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلي قري الانصار: «من اصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن اصبح صائماً فليصم» (2) . (414) عن ابن عباس: قدم النبي المدينة فرأي اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ماهذا». قالوا يوم صالح، هذا يوم نجّي الله بني اسرائيل من عدوهم فصامه موسي. قال: «فانا أحقّ بموسي منكم» فصامه وأمر بصيامه (3) . (415) وعن أبي موسي: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً، قال النبي: «فصوموه انتم» (4) . وله نقل آخر، وفيه: «نحن أحق بصومه» فأمر بصومه (5) . (416) عن ابن عباس: ما رأيت النبي يتحري صيام يوم فضّله علي غيره إلاّ هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني شهر رمضان (6) . (417) وعن عائشة: كان عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي يصومه، فلّما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلّما نزل رمضان كان من شاء صامه ومن شاء لا يصومه (7) .

ص: 201


1- 576. صحيح البخاري رقم 1794.
2- 577. صحيح البخاري رقم 1759 كتاب الصوم.
3- 578. صحيح البخاري رقم 1900 وانظر 3727.
4- 579. صحيح البخاري رقم 1901.
5- 580. صحيح البخاري رقم 3726.
6- 581. صحيح البخاري رقم 1902.
7- 582. صحيح البخاري رقم 3619 كتاب فضائل الصحابة، اقول: انظر صحيح مسلم 8: 4 - 13.

أقول: المستفاد من رواية عائشة وعبدالله بن عمر وغيرهما انّ أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، فصامه النبي صلي الله عليه وسلم ثم أمر الناس بصومه حين قدم المدينة، ثم فرض صوم رمضان ونسخ وجوبه وبقي مستحباً. ولكن المستفاد من خبر عبدالله بن عباس وأبي موسي انّ النبي لم يكن متلفتاً الي صوم عاشوراء وانّما علم به بعد قدومه المدينة من اليهود، فأمر به لاَحقيّته من اليهود بموسي عليه السلام، فالاَحاديث بين ما يسند صومه وصوم المسلمين بأمره صلي الله عليه وسلم الي تقليد أهل الجاهلية، وبين ما يسنده الي تقليد اليهود، وهنا تناقض آخر نقل في كتاب مسلم عن عبدالله بن عباس، واليك نصّه: (418) حين صام رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يارسول الله انّه يوم تعظّمه اليهود والنصاري، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل ان شاء الله صمنا اليوم التاسع» قال فلم يأت العام المقبل حتي توفّي رسول الله صلي الله عليه وسلم (1) . فتري الحديث يقول: انّ النبي لم يكن عالماً بأنّ اليهود والنصاري يعظّمون يوم عاشوراء، فلمّا علم به عزم علي ترك صومه وقصد صوم اليوم التاسع، لكنّه توفي قبل حلول العام المقبل. وفي هذا الحديث اُمور اُخر، منها: انّ امره بصوم يوم عاشوراء كان باقياً الي قبل سنة من موته لا انّه نسخه وجوب صوم رمضان. وثانياً: انّ تعظيم اليوم المذكور لم يكن مختصاً باليهود، بل ويعظّمونه النصاري أيضاً. وثالثاً: انّ النبي لم يصم اليوم التاسع أصلاً، لكن هنا حديثاً آخر

ص: 202


1- 583. صحيح مسلم 8: 12 كتاب الصيام.

يقول انّه صلي الله عليه وسلم كان يصوم اليوم التاسع!، واليك نصّه من كتاب مسلم: (419) عن الحكم... فقال (عبدالله بن عباس): إذا رأيت هلال المحرم فاعدد واصبح يوم التاسع صائماً. قلت: هكذا كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصومه. قال: نعم (1) . أقول: المتأمّل في هذه الروايات المتعارضة المتضاربة يفهم انّها موضوعة مجعولة من قبل بني أُميّة الفجرة، ويزيد في وضوح كذبها انّه لا أثر لهذا الصوم في ما نقل عن آثار أهل الجاهلية، وهؤلاء اليهود والنصاري لا يعرفون يوم عاشوراء ولا صومه وهم ببابك!، لعن الله الكاذبين المفترين علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وعلي سنته.

رحمة للعالمين

(420) عن جابر: انّ امرأة من الانصار قالت لرسول الله صلي الله عليه وسلم: يا رسول الله ألا أجعل لك شيئاً تقعد عليه، فانّ لي غلاماً نجاراً. قال: «ان شئت». قال: فعملت له المنبر، فلّما كان يوم الجمعة قعد النبي صلي الله عليه وسلم علي المنبر الذي صنع، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها، حتي كادت ان تنشق، فنزل النبي صلي الله عليه وسلم حتي أخذها فضّمها اليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتي استقرت، قال: «بكت علي ما كانت تسمع من الذكر (2) .

معاوية

(421) وعن الحسن: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب

ص: 203


1- 584. صحيح مسلم 8: 11.
2- 585. صحيح البخاري رقم 1989 كتاب البيوع.

امثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: اني لاَري كتائب لا تولّي حتي تقتل أقرانها، فقال له معاوية - وكان والله خير الرجلين -: أي عمرو، وان قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لي بامور الناس، من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم، فبعث اليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة وعبدالله بن عامر بن كريز فقال: اذهبا الي هذا الرجل، فاعرضا عليه، وقولا له، واطلبا اليه. فاتياه فدخلا عليه فتكلمّا وقالا له فطلبا اليه، فقال لهما الحسن بن علي: «انا بنو عبدالمطلب قد اصبنا من هذا المال، ان هذه الاُمّة قد عاثت في دمائها». قالا: فانّه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب اليك ويسألك. قال: «فمن لي بهذا؟». قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئاً إلاّ قالا: نحن لك به، فصالحه، فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم علي المنبر والحسن بن علي الي جنبه، وهو يقبل علي الناس مرة وعليه أُخري ويقول: «ان ابني هذا سيد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين». أقول: يدلّ الحديث علي انّ الحسن بن علي انّما أراد قتال معاوية لاَجل المال، فحيث انّهما ضمناه له صالح معاوية، والحسن لا يهمه قتل المسلمين، وانما معاوية يحزنه أمر المسلمين ونسائهم وضيعتهم وكانت المصالحة بهذه السهولة، وهل الواقع كذلك يا شيخنا البخاري ويا حسن البصري؟ من هو سيد شباب أهل الجنة، ومن هو رأس الفئة الباغية الداعية الي النار، ولا يمسخ التأريخ بهذه الموضوعات الاَمويّة.

كذبة

(422) عن أبي بكرة، عن النبي صلي الله عليه وسلم: «شهران لا ينقصان شهراً: عيد

ص: 204

رمضان، وذو الحجة» (1) والاحاديث أيضاً تعارضه.

بدعة و نعم البدعة

(423) عن عبد الرحمن: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان الي المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون... فقال عمر: انّي أري لو جمعت هؤلاء علي قارئ واحد لكان امثل، ثم عزم فجمعهم علي اُبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة اُخري والناس يصلّون بصلاة قارئهم قال عمر: نعم البدعة هذه... (2) . أقول: مرّ انّ عائشة كانت تنكر أصل صلاة التراويح مخبرة عنه صلي الله عليه وسلم ما كان يزيد في رمضان وغيره علي أحدي عشرة ركعة... (3) . ثم نقول لعمر رضي الله عنه: لا تكون البدعة حسنة أبداً، بل هي الي النار.

ليلة القدر

تدلّ الاحاديث علي أنّها في العشر الاَواخر أو السبع الاَواخر علي اختلاف بينها كما في غيرها، والحاصل انّ ليلة القدر باقية ويستحب فيها العبادة، وهي ليلة مباركة وقد ورد في بعض الاَحاديث عنه صلي الله عليه وسلم: «انّي رأيت ليلة القدر ثم انسيتها...» لكن بناء علي انّه صلي الله عليه وسلم هو الذي تنزل عليه الملائكة والروح لا يعقل نسيانه لها، فانّ الملائكة والروح تنزل فيها من كل أمرِ، فلا أحد تلقي اليه علم اُمور السنّة إلاّ رسول الله صلي الله عليه وسلم في حياته.

تأثير الاسلام

(424) عن ابن عوف: لما قدمنا المدينة آخي رسول الله صلي الله عليه وسلم بيني وبين

ص: 205


1- 586. صحيح البخاري رقم 1813، وانظر صحيح مسلم 7: 199 كتاب الصيام.
2- 587. صحيح البخاري رقم 1906.
3- 588. انظر صحيح البخاري رقم 1909.

سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: انّي أكثر الانصار مالاً فاقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإذا حلّت تزوجتها. فقال عبدالرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟... (1) .

التأمين الحكومي في الاسلام

(425) عن أبي هريرة: عنه صلي الله عليه وسلم: «من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك كلاًّ- أي عيالاً لا نفقة لهم أو ديناً لا وفاء له كما قيل - فإلينا» (2) . وعنه بلفظ آخر: قال النبي صلي الله عليه وسلم: «ما من مؤمن إلاّ وأنا أولي به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم (النبي أولي بالمؤمنين من انفسهم) فايّما مؤمن مات وترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك ديناً أو ضياعاً - عيالاً محتاجين يضيعون ان تركوا - فليأتني فأنا مولاه» (3) .

نزول القرآن علي سبعة أحرف

(426) عن عمر بن الخطاب: سمعت هشام... يقرأ سورة الفرقان علي غير ما اقرؤها... فقال صلي الله عليه وسلم: «هكذا اُنزلت، انّ القرآن اُنزل علي سبعة أحرف فاقرؤوا منه ما تيسر» (4) . (427) عن ابن عباس: انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: اقرأني جبرئيل علي حرف، فلم أزل اتزيده حتي انتهي الي سبعة أحرف» (5) . (428) عن انس: انّ حذيفة... فقال حذيفة لعثمان: ادرك هذه الاُمة

ص: 206


1- 589. صحيح البخاري رقم 1943 كتاب البيوع.
2- 590. صحيح البخاري رقم 2268.
3- 591. صحيح البخاري رقم 2269.
4- 592. صحيح البخاري رقم 2287.
5- 593. صحيح البخاري رقم 3047، وانظر صحيح مسلم 6: 101.

قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصاري، فارسل عثمان الي حفصة أن ارسلي الينا بالمصحف... وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم انتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فانّما نزل بلسانهم... وارسل الي كلّ اُفق بمصحف ممّا نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق (1) . (429) عن عمر: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلي الله عليه وسلم... فإذا هو يقرأ علي حروف كثيرة لم يقرأنيها رسول الله صلي الله عليه وسلم... من أقرأك... قال: أقرأنيها رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقلت كذبت!... فقال رسول الله: «كذلك أُنزلت» ثم قال: «أقرأ يا عمر» فقرأ - القراءة التي أقرأنيها، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «كذلك انزلت، ان هذا القرآن انزل علي سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسّر منه» (2) . (430) عن اُبي: كنت في المسجد، فدخل رجل يصلّي، فقرأ قراءة انكرتها عليه، ثم دخل رجل آخر، فقرأت قراءة سوي قراءة صاحبه... فأمرهما رسول الله صلي الله عليه وسلم فقرءا فحسن، فحسّن النبي صلي الله عليه وسلم «شأنهما... فقال: «يا أُبي ارسل اليَّ أن اقرأ القرآن علي حرف، فرددت اليه أن هون علي اُمّتي، فرد اليَّ الثانية اقرأ علي حرفين... فرد اليَّ الثالثة اقرأه علي سبعة احرف»... (3) . (431) وعنه: «... ثم جاء الثالثة فقال: انّ الله يأمرك ان تقرأ اُمّتك القرآن علي ثلاثة أحرف» فقال: اسأل الله معافاته ومغفرته... ثم جاءه الرابعة... علي سبعة أحرف... (4) .

ص: 207


1- 594. صحيح البخاري رقم 4702 كتاب التفسير.
2- 595. صحيح البخاري رقم 4706 كتاب فضائل القرآن، وانظر صحيح مسلم 6: 99.
3- 596. صحيح مسلم 6: 102.
4- 597. صحيح مسلم 6: 103.

أقول: الروايتان من صحابي واحد، وبينهما اختلاف من وجوه، فلاحظ (1) ومع الغض عن اختلاف الاحاديث فيما بينها (2) يتوجّه اليها اسئلة: فمنها: انّ القرآن بايديكم فاوجدوا له سبعة عبارات تقرؤون بها، هل يمكن لكم هذا؟ والجواب منفي قطعاً، فهذا دليل كذب هذه الاَحاديث. ومنها: انّ ما في بعضها من انّ الاُمّة لا تقدر قراءة القرآن علي حرف واحد، فهذا ايضاً مخالف للواقع، فانا نري الاُمّة اليوم يقرؤونه علي حرف واحد في تمام ارجاء المعمورة. وثالثاً: ما معني جمع عثمان القرآن، وقوله: انّه نزل علي لسان قريش، وخوف الصحابة من اختلاف الناس علي قراءات مختلفة؟ وهل فعل عثمان وجمعه الناس علي قراءة واحدة مخالف لاَمر الله وكلام رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ أو هو فعل حسن؟ ورابعاً: هل القول بهذه الاَحاديث، وتبديل الكلمات لا يبطل اعجاز القرآن وفصاحته المعجزة من اساسه؟ وخامساً: هل لا يبطل به تحدي القرآن الناس باتيان سورة منه، إذ يمكن ان يأتي به علي ستة أوجه! اُخر. وسادساً: هل يمكن لعاقل يدّعي انّ الله انزل مثل القرآن ستة امثال من عباراته؟ أو يدّعي انّ الله فوّض اتيانه الي الناس، فيتناقض التحدّي

ص: 208


1- 598. انظر سنن أبي داود 2: 77 كتاب الصلاة.
2- 599. من أوجه الاختلاف ما في النسائي: قال: «نعم انّ جبرئيل وميكائيل عليهما السلام أتياني، فقعد جبرئيل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبرئيل عليه السلام: القرآن علي حرف، قال ميكائيل: استزده، حتي بلغ سبعة أحرف، فكلّ حرف شاف كاف» سنن النسائي 2: 154.

المشار اليه؟ فالمقطوع به كذب هذه الاحاديث. وربّما قيل - فراراً عن هذا الفضيحة - انّ المراد بسبع أحرف هي لغات أهل الحجاز، والهذيل، وهوازن، وطي، وثقيف، وبني تميم، أو القراءآت السبع للقرّاء، لكنّه أيضاً تأويل غلط كما حقّقه مؤلف تفسير البيان في مقدّمته بما لا مزيد عليه. وهنا أمر اُخر، وهو انّ الشعوب الاسلامية في آسيا واروبا وافريقيا واميركا ربّما لا يقدرون علي اداء بعض الحروف إلاّ بصعوبة، فبعضهم ينطق حرف القاف كافاً، وبعضهم كالگاف الفارسية، وبعضهم ينطق حرف الفاء كحرف پ الفارسية، وبعضهم يبدّلون الكاف بحرف ج، وبعضهم يبدّلون حروف الحاء والعين بالهمزة، والصاد بالسين، والظاء والضاد بالزاي، واللام بالراء، والطاء بالتاء، فهل يمكن ان نطبّق الحروف السبعة علي هذا؟ فمن قرأ: الاُمد لله لب الئالمين... مالك يوم الدين... نابد... نستئين... سرات المستغيم أو المستكيم أو المستگيم... گير المگزوب عليهم ولا الزالين، فقد قرأ القرآن المنزّل، وصحّ صلاته، وان تمكن من تعلّم العربية الفصحي الرائجة وتركها مع القدرة علي ادائرها؟ ونقول: لئن اجتمعت الانس والجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً والصحيح عدم صحّة هذا التطبيق - كما لايخفي - علي انّه لا يمكن بيان ثلاثة وجوه علي هذا الاحتمال فضلاً عن سبعة، نعم إذا لم يقدر أحد علي القراءة الصحيحة فلا شكّ في صحّة الصلوات بها عند الاضطرار، لكن سقوط التكليف بها اضطراراً أو ثواب القراءة بها أمر وصدق القرآن حقيقة عليه أمر آخر. ولقد احسن وتجرّأ جرأة جميلة جلال الدين السيوطي حيث ذكر في

ص: 209

شرحه علي سنن النسائي حينما اخرج هذه الاحاديث (انّ هذا القرآن نزل علي سبعة أحرف): والمراد به أكثر من ثلاثين قولاً حكيتها في الاتقان والمختار، عندي انّه من المتشابه الذي لا يدري تأويله (1) . أقول: والاَحسن له ان يحكم بوضعه رأساً لوجوه مرّت. (432) عن اُبي بن كعب: لقي رسول الله صلي الله عليه وسلم جبرئيل، فقال: «يا جبرئيل انّي بعثت الي اُمّة اُميّين، منهم: العجوز، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط» قال: «يا محمّد انّ القرآن أنزل علي سبعة أحرف» (2) .

جواز الدفاع

(433) عن عبدالله بن عمرو قال سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: «من قتل دون ماله فهو شهيد» (3) . أقول: هكذا ورد من طريق الشيعة أيضاً، والحديث محتاج الي بحث فقهي ليس هنا موضع ذكره.

قصة خرافية موضوعة (العنبر بعد العنقاء)

(434) عن جابر: بعث رسول الله بعثاً قبل الساحل، فأمر عليهم أبا عبيدة الجراح وهم ثلاثمائة وانا فيهم... ثم انتهينا الي البحر، فإذا حوت مثل الظرب (الجبل الصغير)، فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة، ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من اضلاعه فنصباً، ثم أمر براحلة فرحلت، ثم مرت تحتهما فلم تصبهما (4) .

ص: 210


1- 600. سنن النسائي 2: 152.
2- 601. جامع الترمذي 3: 15.
3- 602. صحيح البخاري رقم 2348 كتاب المظالم.
4- 603. صحيح البخاري رقم 2351.

أقول: إذا فرض أكل كلّ شخص في 24 ساعة مرتين يبلغ عدد الآكلين منها 10800 شخصاً! وفي صحيح مسلم: فإذا هي دابة تدعي العنبر! قال: قال أبو عبيدة. ميتة، ثم قال: لا، بل نحن رسل رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي سبيل الله، وقد اضطررتم فكلوا فاقمنا عليه شهراً (!) ونحن ثلاثمائة حتّي سمنا... فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فاقعدهم في وقب (1) عينه، وأخذ ضلعاً من اضلاعه فأقامها، ثم رحل أعظم بعير معنا، فمرّ من تحتها... فارسلنا الي رسول الله صلي الله عليه وسلم منه فأكله! (2) . وفي رواية أُخري: فأكلنا منها نصف شهر وفي أُخري: ثماني عشرة ليلة! أقول للاذكياء: ايّاكم وأخذ دينكم من أصحاب العنبر ثاني العنقاء!

سيرة النبي في مأكله

(435) عن عائشة: ان كنّا لننظر الي الهلال ثم الهلال، ثلاثة اهلّة في شهرين، وما أوقدت في ابيات رسول الله صلي الله عليه وسلم نار، فقلت: يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت الاَسودان: التمر والماء! إلاّ انّ قد كان لرسول الله جيران من الانصار كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلي الله عليه وسلم من ألبانهم فيسقينا (3) . أقول: المنيحة هي الشاة أو الناقة التي تعطي للغير لينتفع بلبنها ثم يردّها علي صاحبها.

ص: 211


1- 604. قيل: الوقب: داخل العين ونقرتها.
2- 605. صحيح مسلم 13: 87 كتاب الجهاد.
3- 606. صحيح البخاري رقم 2428.

تناقض في أكل الحمار الوحشي

(436) عن أبي قتادة... فابصروا حماراً وحشياً... فناولته العضد - أي النبي صلي الله عليه وسلم - فأكلها حتي نفدها وهو محرم (1) . (437) عن الصعب: انّه اهدي لرسول الله حماراً وحشياً... امّا انّا لم نرده عليك إلاّ انّا حرم (2) . (438) وعن ابن عباس... وترك الضب تقذّراً... وأكل علي مائدة رسول الله، ولو كان حراماً ما أكل علي مائدة رسول الله صلي الله عليه وسلم (3) . أقول: وينافيه قوله تعالي (ويحرم عليهم الخبائث).

انما الرضاع من المجاعة و كذبة مستهجنة

(439) عن عائشة... قلت: هذا أخي من الرضاعة قال: «يا عائشة انظرن من اخوانكن، فانّما الرضاعة من المجاعة» (4) . قيل: أي جوع الرضيع الذي يسده اللبن، ولا يكون ذلك إلاّ في الصغر. (440) وعنها - كما في صحيح مسلم (5) -: جاءت سهلة بنت سهيل الي النبي صلي الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله انّي أري في وجه أبي حذيفة من دخول سالم (وهو حليفه). فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «ارضعيه». قالت: وكيف ارضعه وهو رجل كبير. فتبسم رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال: «قد علمت انه رجل كبير».

ص: 212


1- 607. صحيح البخاري رقم 2431.
2- 608. صحيح البخاري رقم 2434.
3- 609. صحيح البخاري رقم 2436.
4- 610. صحيح البخاري رقم 2504، صحيح مسلم 10: 34.
5- 611. صحيح مسلم 10: 31 كتاب الرضاع.

وفي حديث آخر: «ارضعيه تحرمي عليه...» فقالت: انّي قد ارضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة!!! أقول قال النووي في شرحه: ويحتمل انّه عفي عن مسّه للحاجة، كما خصّه مع الكبر. ونقل عن القاضي قوله: لعلّها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها. أقول: هذا الحديث عن عائشة كذبة وقحة وفرية مستهجنة علي النبي الخاتم صلي الله عليه وسلم، ولا ادري واضعها - عليه ما عليه - ونفس هذا الحديث في كتاب مسلم اقوي دليل علي وجوب الاحتياط مع الاحاديث، وعدم الاغترار بما اشتهر - شهرة كاذبة - من صحّة أحاديث البخاري ومسلم وغيرهما، ولا بدّ من النظر عند أخذ الاحاديث في الاسناد والقواعد وسائر الاُمور، وكلّ من له فطرة سليمة يعرف انّ هذا الحديث - مع الغض عن سابقه بان الرضاعة من المجاعة - لعب بالدين فعله الكاذبون وروّجه البسطاء المحدّثون، ولعائشة حديث آخر نقله مسلم، واليك نصّه مختصراً: (441) قالت اُمّ سلمة لعائشة: انّه يدخل عليك الغلام الايفع الذي ما احب أن يدخل عليَّ فقالت عائشة أما لك في رسول الله اسوة، ان امرأة أبي حذيفة... فقال رسول الله: «ارضعيه حتي يدخل عليك...» (1) . اقول: لا ادري ما تريد عائشة من هذا الحديث، إذ لم يكن لها لبن، ويمكن أن يقال انّه أمرت اختها بارضاعه فتكون خالة له. وحسن ظننا بها انّ الحديث لم يصدر عنها، بل هو مكذوب عليها.

نسيان النبي عن آيات

(442) عن عائشة: سمع النبي صلي الله عليه وسلم رجلاً يقرأ في المسجد، فقال:

ص: 213


1- 612. صحيح مسلم 10: 32 كتاب الرضاع.

«رحمه الله لقد اذكرني كذا وكذا آية اسقطتهنّ من سورة كذا وكذا» (1) . أقول: هل تقبل أيّها المسلم انّ الرسول نسي آيات من سورة؟! علي انّ الله يقول: (سنقرئُكَ فلا تنسي) (2) فهل تقبل نسيان النبي وتردّ عقلك والقرآن تصديقاً للبخاري ورواته أم تكذب الحديث تصديقاً للقرآن ومقام النبوة؟

بلوغ الابن

(443) عن ابن عمر... (3) . أقول: يظهر من الخبر انّ بلوغ الرجل بكونه ابن خمس عشرة.

القرعة

لاحظ ما ورد فيها في الباب (30) من كتاب الشهادة، لكن احاديثها كغالب احاديث البخاري ناقصة.

هل الرسول يكتب

(444) عن البراء... ثم قال لعلي: «امح رسول الله» قال: «لا والله لا أمحوك أبداً» فاخذ رسول الله الكتاب فكتب: «هذا ما قاضي عليه محمّد ابن عبدالله، لا يدخل مكة سلاح إلاّ في القراب...» (4) . أقول: اختلفت كلمات البخاري في هذه القصة كغيرها، ولعلّ الاجماع منعقد علي انّه لم يكتب سواء قلنا بقدرته عليها من جهة النبوة أم لا، وقد صرّح البراء بانّه صلي الله عليه وسلم لا يكتب فقال لعلي: «امح... (5) وفي كتاب...: فأخذ رسول الله صلي الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب

ص: 214


1- 613. صحيح البخاري رقم 2512 كتاب الشهادات.
2- 614. الاَعلي 6.
3- 615. صحيح البخاري رقم 2512 كتاب الشهادات.
4- 616. صحيح البخاري رقم 2522.
5- 617. صحيح البخاري رقم 3013 كتاب الجزية.

فكتب...! (1) واستقصاء اختلافات احاديث البخاري في الفاظه وجملاته يحتاج الي تأليف رسالة.

ما تركناه صدقة

(445) عن عائشة - في حديث طويل حول مطالبة فاطمة بميراث أبيها -: فقال أبو بكر انّ رسول الله قال: «لا نورث ما تركناه صدقة (2) ...» (3) . (446) وعن أبي هريرة: انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «لا يقتسم ورثتي ديناراً، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة» (4) . فرحم الله أبا هريرة حيث رحم زوجاته وعامله صلي الله عليه وسلم باستثناء نفقتهن ومؤنة عامله من الصدقة، ولسوء حظ فاطمة لم يوجد من يضع استثناء نفقتها من الصدقة! ومر ان عمر ارسل ابنه الي عائشة يسألها الاذن في أن يدفن في جنب رسول الله وأبي بكر، فكأنّ الحديث نسي أو كأن غير عائشة لم يكن من أولياء الميراث. (447) عن عيسي: أخرج الينا انس نعلين جرداوين لهما قبالان، فحدّثني ثابت البناني بعد عن انس انّهما نعلا النبي صلي الله عليه وسلم (5) . الاَجرد: البالي. القبال: الزمام الذي بين الاصبع الوسطي والتي تليها أو ما يشدّ به سير النعل كما قيل.

ص: 215


1- 618. صحيح البخاري 4005 كتاب المغازي.
2- 619. قال بعض الشيعة: انّ كلمة ما الموصولة مفعولة لقوله: «لا نورث» فمعني الحديث: ما جعلناه صدقة لا نورثه لكنّه - حينئذ - غير مختص به صلي الله عليه وسلم وبالانبياء، بل يشمل جميع المكلفين ويأتي بحثه.
3- 620. صحيح البخاري رقم 2926.
4- 621. صحيح البخاري رقم 2624.
5- 622. صحيح البخاري رقم2940.

(448) عن أبي بردة قال: أخرجت إلينا عائشة كساء ملبداً وقالت: في هذا نزع روح النبي صلي الله عليه وسلم. وزاد سليمان عنه: أخرجت الينا عائشة ازاراً غليظاً مما يصنع باليمن وكساء من هذه التي يدعونها الملبدة. ولاحظ الجزء الرابع عشر من كتاب مسلم. (449) وعن علي بن الحسين: انّ المسور قال له: فهل انت معطي سيف رسول الله، فانّي أخاف أن يغلبك القوم عليه... (450) عن اسماء:... انّها اخرجت جبة كسروانية... فقالت: هذه كانت عند عائشة حتي قبضت، فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلي الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمرضي ونستشفي بها. (صحيح مسلم). أقول: فأين حديث كون ماله «صدقة، وعلي فرض الميراث فكيف أخذتها عائشة وحدها حتي ورثتها اختها؟ أقول: المنصف الحر المتعمق يفهم انّ الغرض من حديث «لا نورث» هو حرمان فاطمة فقط من ميراث ابيها، والواقع انّ حرمانها منه وجعلها وبعلها في عيشة ضيقة كان ممّا يستلزمه استحكام الخلافة في ذلك الزمان. ثم انّه مرّ في مقدّمة هذا الكتاب انّ أبا بكر أحرق خمسمائة حديث جمعها، للشكّ في صحتها كما تخبر به بنته عائشة، ولعلّ حديث «لا نورث» من تلك الاَحاديث التي احرقها، وسيأتي فيما بعد صورة جديدة ومتكاملة من «لا نورث!».

كلام حول فدك

انّ فاطمة ادّعت انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم نحلها فدكاً في حياته، فلم يقبل أبو بكر قولها، وطلب منها بيّنة، فشهدت لها اُمّ أيمن وزوجها علي بن أبي طالب عليه السلام، ذكر ذلك جماعة كثيرة من العلماء، منهم

ص: 216

ابن حجر في صواعقه (الشبهة السابعة)، ومنهم الفخر الرازي في تفسير الكبير (سورة الحشر)، وابن تيمية، وصاحب السيرة الحلبية، وابن القيّم، وغيرهم. وبما انّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وانّها ممّن اُذهب الله عنها الرجس وطهّرها تطهيراً - كما في الصحاح - قولها يفيد القطع بصدقه ومطابقته للواقع، فلا معني لطلب الشاهد منها، بل لا يجوز اغضابها، فانّ من اغضبها اغضب النبي صلي الله عليه وسلم كما نقله البخاري، وهو محرّم قطعاً، مع انّ عليّاً شهد لها، وهو أيضاً ممّن أذهب الله عنه الرجس، وهو مع الحق والحق معه (1) . ولا شكّ انّ عليّاً وفاطمة لم يكونا أقلّ شأناً من جابر، فانّه قال لمّا مات رسول الله صلي الله عليه وسلم جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي، فقال أبو بكر: من كان له علي النبي صلي الله عليه وسلم دين أو كانت له قبله عدة فلياتنا، قال جابر: فقلت: وعدني رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يعطيني هكذا وهكذا، فبسط يديه ثلاث مرات. قال جابر: فعدّ في يدي خمسمائة ثم خمسمائة ثم خمسمائة. (صحيح مسلم كتاب الفضائل). فتري أبا بكر يصدّق جابراً في دعواه بلا بيّنة، ولا يصدّق عليّاً وفاطمة، إلاّ أن يقال انّ استحكام خلافته يتوقّف علي حرمان فاطمة وهو أهم من حقّها، وللبحث تتمة تمرّ بك عن قريب، فانتظر. وهنا أمر آخر، وهو ما أخرجه البخاري في كتاب الوكالة من باب

ص: 217


1- 623. لاحظ الحديث في الملل والنحل للشهرستاني، وتاريخ بغداد 14: 321، وتاريخ ابن عساكر 3: 119، وكنز العمال 5: 30 علي ما نقلوا عنها.

المزارعة بالشطر عن ابن عمر: انّ النبي صلي الله عليه وسلم عامل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فكان يعطي أزواجه مائة وسق، ثمانون وسق تمر وعشرون وسق شعير، فقسّم عمر خيبر، فخيّر أزواج النبي صلي الله عليه وسلم أن يقطع لهنّ من الماء والارض أو يمضي لهنّ، فمنهنّ من اختار الارض، ومنهنّ من اختار الوسق، وكانت عائشة قد اختارت الارض. فكيف قسّم عمر الارض علي أزواج النبي صلي الله عليه وسلم؟ وكيف حرم أولاد فاطمة، وما هي اسباب هذا الحكم؟ ثم انّه تقدّم في مقدّمة الكتاب أنّ أبا بكر منع الناس عن احاديث رسول الله، وقال: لا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه. فلماذا هو حدّث عن رسول الله ولم يرجع الي كتاب الله؟

الجمع الاول

(451) عن زيد بن ثابت: نسخت الصحف في المصاحف، ففقدت آية من سورة الاَحزاب كنت اسمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقرأ بها، فلم أجدها إلاّ مع خزيمة بن ثابت الانصاري (من المؤمنينَ رجالٌ صَدَقوا ما عاهدوا اللهَ عليه) (1) . (452) وعنه:... فقمت فتتبّعت القرآن اجمعه من الرقاع والاكتاف والعسب وصدور الرجال، حتي وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الانصاري لم أجدهما مع أحد غيره: (لقد جاءَكُم رسولٌ مِنْ أَنفُسِكُم عزيزٌ عليه ما عنتُمْ حريصٌ عليكُم) الي آخرهما (2) . قيل: أي لم يجدهما زيد مكتوبتين مع غيره. ثم الرقاع: جمع رقعة.

ص: 218


1- 624. صحيح البخاري رقم 2652.
2- 625. صحيح البخاري رقم 4402 كتاب التفسير.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.