منار الهدي في النص علي إمامة الإثني عشر

اشارة

عنوان: منار الهدي في النص علي امامه الائمه الاثني عشر
پديدآورنده: علي بحراني
ناشر: دار المنتظر {لبنان-بيروت}
تعداد جلد: 1
محل نشر: لبنان ـ بيروت
سال نشر: 1405
نوبت چاپ: 1
شماره جلد:
تعداد صفحه: 720
تيراژ:
زبان: عربي
قطع: وزيري
جنس جلد: گالينگور

مقدمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم قضية الإمامة من قضايا الإسلام الكبري، بل هي أكبرها بل كل ما حدث في الإسلام من القضايا منحدر منها، ومتفرع عنها، وقد حصل الخلاف فيها والنزاع عليها يوم لحق الرسول (صلي الله عليه وآله) بالرفيق الأعلي بل وقبل أن يوسد في الثري وهذا من المسلمات التي لا مرية فيها، وانقسمت الأمة الواحدة إلي مذاهب يطول عرضها، سنة وشيعة، أشاعرة ومعتزلة إلي آخر ما هنالك. وصار لكل مذهب من هذه المذاهب أصوله وفروعه التي يتميز بها عن المذهب الآخر، بل تشعب المذاهب الواحد إلي شعب متفرقة، ولم يقتصر خلافهم علي مسألة الإمامة فحسب، فهم بعد أن آمنوا بالله تعالي وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، اختلفوا في صفاته سبحانه وتعالي، كما اختلفوا في الأنبياء من حيث أفضليتهم علي الملائكة أو أفضلية الملائكة عليهم، وفي عصمتهم وعدمها، وإذا كانت هل هي قبل النبوة أو بعدها، وهل هي من كبائر الذنوب وصغائرها، وهل في التبليغ وغيره، وفي القرآن الكريم من حيث القدم والحدوث، وفي المعراج هل هو بالروح أو الجسد أو بهما جميعا، وفي القبر ونعيمه وعذابه، وفي خلق الجنة والنار وعدمه إلي آخر ما هو مسطور في كتب الملل والنحل. [ صفحه 6] ولم يقتصر الخلاف علي الأصول والعقائد بل انسحب علي الفروع بقسميها التكليفي والوضعي، وربما اختلف أهل المذهب الواحد في المسألة الواحدة في كثير من مسائل العبادات والمعاملات تعرف ذلك بأول نظرة إلي الكتب التي حفلت بالفقه المقارن ومسائل الخلاف. وكل ما ذكرنا فرع عن الخلاف في الإمامة. وليت الخلاف اقتصر علي الكلام والجدل بل تخطاه إلي ما هو أدهي وأمر فكم قامت من حروب، وسفكت دماء، وهتكت حرمات، واستبيحت محرمات، وبيعت ضمائر، واشتريت ذمم وقد وصف ذلك عالم من علماء الأزهر وكاتب من كتاب مصر صفة لم يسبق فيها. يقول الشيخ عبد الله عفيفي في كتابه القيم " المرأة العربية في جاهليتها واسلامها 2 / 135 ": ما زال المسلمون منذ لحق النبي بربه وهم من أمر خليفته، والقائم بالأمر من بعده، في فتنة غاشية تعصف بهم تارة وتقر دونهم رابضة مترصدة متحفزة تارة أخري، فهي يومئذ غافية غفوة الذئب نائمة هاجعة ساكنة مستجمعة، كذلك تدافعت الحقب علي الخلاف والدم ينغر من حروفها، والمهج تسيل علي أطرافها، وشفار السيوف تصل من أقطارها، ورسل الموت رائحة بأسود الغابة، وفتيان الضراب من كل معتزم لو جرد في سبيل الله عزمته لفل بها الصفوف، وجندل الألوف.. ". حتي قال الشهرستاني في الملل والنحل 1 / 27: " أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذا ما سل سيف في الإسلام علي قاعدة دينية في كل زمان مثل ما سل علي الإمامة في كل زمان " فمن يوم الدار إلي يوم الجمل وصفين والنهروان، ثم من فاجعة كربلا إلي يوم الحرة إلي انتهاك حرمة البلد الحرام والمسجد الحرام وإلي آخر ما تعرض له التاريخ في طوله وعرضه، ولعل ما خفي علي الناس أكثر، إذ أن التاريخ كتبته السياسة، وليس بوسع الباحث أن [ صفحه 7] يطمئن إلي كثير مما نقل فيه. وليست لتلك البداية نهاية إلا أن يشاء الله تعالي فما زلنا نقاسي آلام تلك الفتن والمحن ونتجرع مرارتها. وعسيت أن تقول - كما قال بعضهم -: إذا كان الأمر كذلك فلماذا " لا يسد هذا الباب، لأن وجود الإمام الذي ترتضيه الأمة وتتفق عليه متعذر، لأن آراء الناس مختلفة، وأهواءهم متباينة، وقلوبهم شتي، وهذا يستدعي إثارة الفتن، وقيام الحروب، والتجربة التي مر بها الأولون يجب أن يعتبر بها التالون، فاللازم ترك هذا الأمر والابتعاد عن هذا المحذور ". وهذا القول قد يروق لبعض الناس، ويروونه جميلا في ظاهره لولا الوقوع في محذورين: الأول: فسح المجال للطغاة والمستبدين ليتحكموا في رقاب الناس وأعراضهم وأموالهم، ويحكموا فيهم بغير ما أنزل الله سبحانه. الثاني: لزوم أمر الإمامة، إذ ليس للمسلم مندوحة عنها، لأن أمر الإمامة لازم لا يكمل الدين ولا يتم الإيمان إلا به، ولا يقوم الإسلام إلا عليه، لتعلق أمور الدنيا والآخر بها، لأن القرآن الكريم ينادي: { يوم ندعو كل أناس بإمامهم } [1] والنبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) والله لا يريد أن يطبق في الأرض إلاحكمه { إن الحكم إلا لله } [2] { ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } [3] { ومن لم يحكم بما أنزل فأولئك هم الكافرون... هم [ صفحه 8] الظالمون... هم الفاسقون } [4] والقرآن لم ينزل ليوضع بين يدي الحكام للحلف به والحكم بغيره، أو لتفتتح به الإذاعات، ثم يعقبه ما لا يرضي الله تعالي، أو ليكون زخارف تعلق علي الجدران، أو تمائم تناط بالأعناق، أو ليتلي في المآتم، أو ينقش علي ألواح القبور، أو ليطرح عليها، القرآن أنزل للأحياء لا للأموات، وللعمل لا للتلاوة فحسب. وهيهات أن تنفذ أحكامه، وتقام حدوده ما لم يكن بين الناس من يؤتمن علي حفظه، ويقوم بتطبيقه، ولا يمكن أن يقوم بهذه المهمة، أو يضطلع بهذه المسؤولية إلا شخص له صفات خاصة تؤهله لهذا المقام الأسمي، وذلك هو الذي تجب طاعته، ويلزم اتباعه، لأنه خليفة الرسول، والقائم مقامه { من يطع الرسول فقد أطاع الله } [5] وهو ولي الأمر الذي أمر الله تعالي باتباعه { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } [6] وموضع ذي بال كهذا لا بد أن ينال من اهتمام العلماء - علي اختلاف مذاهبهم - ما لم ينله موضوع سواه، ولذا كثرت المؤلفات في الإمامة من صدر الإسلام وإلي يوم الناس هذا حتي تجاوزت العشرات بل المئات من المجلدات تعرف ذلك بمراجعة معجمات الرجال، وفهارس الكتب، عدا من تعرض لذلك ممن خصصوا لهذا الموضوع في كتبهم أبوابا، أو تعرضوا لذكره استطرادا، وقد طال الكلام فيها وعرض، في وجوبها وعدمه، وإذا وجبت هل هل هي واجبة علي الله تعالي أم علي الخلق؟ وهل هذا الوجوب من جهة الشرع أو العقل، أو من قبلهما معا، وفي صفات الإمام من حيث العصمة وعدمها والقرشية وغيرها، وهل وهل وهلم جرا. [ صفحه 9] وقد كان عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي: تعرض لذلك في مواطن عديدة في شرحه علي نهج البلاغة، وتحامل علي الإمامية، وانبري لنقض أقوالهم بكل ما أوتي من بلاغة في القول، وبراعة في الكلام. وذلك ما حدي بطائفة من علماء الإمامية لإفراد كتب في الرد عليه. وكان من جملة من تصدي للرد علي ابن أبي الحديد، ونقض كلامه صاحب " منار الهدي " وفي أثناء رده علي ابن أبي الحديد تعرض أيضا للرد علي علاء الدين علي بن محمد القوشجي المتوفي سنة 879 ه من أكابر علماء الأشاعرة في كلامه حول الإمامة في كتابه المعروف ب (الجديد في شرح التجريد) أي تجريد الاعتقاد لنصير الدين الطوسي إذ لا يقل عن ابن أبي الحديد في الميل علي الإمامية، والطعن في عقائدهم كما ستطلع علي الكثير من ذلك في ثنايا هذا الكتاب. أما صلتي ب (منار الهدي) وعملي فيه، فأني كنت قد اطلعت علي هذا الكتاب مصادفة قبل أربعين عاما تقريبا في مكتبة أحد الأعلام في كربلاء فتصفحت جملا من فصوله في صفحات مختلفات فاستحسنت بعضها، وراقني كثير منها، ثم لم أره بعد ذلك الحين إلا قبل ثلاث سنوات أثناء إقامتي في البحرين فهاجت بي الذكري، وأخذني الحنين إلي أيام الشباب، فأعدت النظر فيه، فرأيت أن أخرج مصادره، وأعلق عليه ففطنت لشئ فيه هو أن المؤلف قوي الحجة، ناصع البرهان إلا أن في لهجته شيئا من الغلظة والشدة علي خصميه - المعتزلي والقوشجي - كنت أتمني لو أنه كان لين العريكة معهما، فرأيت أن أخفف منها، وألطف بعضها بشئ من التنقيح والتهذيب علي أن لا أغير شيئا من معناه وأن تغير شئ من مبناه، وقد حاولت أن أحافظ علي عبارات المؤلف ما وجدت إلي ذلك سبيلا. ولا يسمي عملي هذا تصرف في الكتاب، أو تحريف له فالتنقيح [ صفحه 10] والتهذيب، والاختصار والتجريد طريق سلكه كثير من الفضلاء قبلي، ثم رأيت أن أسميه من بعد ذلك ب: (أشعة من منار الهدي) أما مؤلف " منار الهدي " فهو الشيخ علي بن عبد الله بن علي البحراني الستري علم من أعلام البحرين، ذلك البلد الطيب الذي أنجب كثيرا من العلماء والفقهاء، والفلاسفة والحكماء، والأدباء والشعراء في ماضي الدهر وحاضره. كما عرف بالولاء لأهل البيت عليهم السلام منذ أن دخله الإسلام، أو منذ أن دخل هو طواعية في الإسلام أيام رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حيث قد تعاقب عليه ولاة عرفوا بالتشيع لعلي عليه السلام أمثال أبان بن سعيد بن العاص الأموي والعلاء بن الحضرمي، وساعد في ذلك تهجير زياد بن أبيه في أيام ولايته علي العراق جماعة عرفوا في ولاء أهل البيت ومحبتهم، ولجوء آخرين إلي البحرين فرارا من بطش الحجاج أيام بني مروان، فأسسوا للإيمان قواعد راسخة، وشيدوا للعلم صروحا شامخة، لا تزعزعها القواصف مهما اشتدت الأعاصير، وعصفت الرياح. ولد المؤلف في البحرين ولم تذكر لنا المصادر تاريخ ولادته، لا مسقط رأسه من قري البحرين، والمظنون أنه ولد في قرية " سترة " وهي القرية التي ينسب إليها، نشأ في البحرين، وتعلم فيها، وتخرج بعلمائها وخصوصا والده وهو أيضا من العلماء الأعلام، فعل وانتهل حتي ارتوي - وإن كان طالب العلم لا يشبع نهمه ولا تروي غلته ما دام يتنسم روح الحياة - فأصبح عالما يشار إليه بالبنان، وفقيها يرجع إليه في الأحكام، ثم بدا له أن يهاجر إلي مطرح من بلاد عمان لحاجة الناس إليه هناك، ولكثرة العلماء في البحرين [ صفحه 11] فحل بينهم، يهذب النفوس، ويشحذ الأفكار، ويطهر القلوب، ويدعو إلي سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وهدي الله به إلي الحق أمة من الناس، حتي قيل: إنه تحول بسببه إلي مذهب أهل البيت عليهم السلام أكثر من ثلاثين ألفا، وصار له هناك من جليل الآثار، وصالح الأعمال ما يذكر به، ويشكر عليه. ثم بعد ما أصاب هدفه، ونال قصده تحول إلي " لنجه " أحد مواني إيران الشمالية، ليواصل دعوته فقام فيها بما قام به في سابقتها ومكث فيها بقية أيامه حتي لقي ربه مسموما من قبل أعداء الله الذين كبر عليهم ما يدعوهم إليه، فكان أحد " شهداء الفضيلة " وذلك في شهر جمادي الأولي سنة 1319 ه. فكان يومه مشهودا، وكان لفقده رنة حزن وأسي من كل من عرف فضله، واستضاء بنور علمه، تغمده الله برحمته، وحشره مع من يتولاه. أما آثاره العلمية فهي: 1 - رسالة عملية في الطهارة والصلاة. 2 - رسالة في الفرق بين الإسلام والإيمان. 3 - رسالة في التوحيد. 4 - رسالة في نقض الاختيار في الإمامة. 5 - رسالة في وجوب الاخفات في البسملة في ثالثة المغرب والركعتين الأخيرتين من العشاء. وقد نقض هذه الرسالة الشيخ صالح بن أحمد البحراني رحمه الله. 6 - رسالة في التقية. 7 - رسالة في المتعة. 8 - قامعة أهل الباطل في الرد علي محرمي الشعائر الحسينية. ط [ صفحه 12] 9 - أجوبة المسائل المسقطية. 10 - لسان الصدق في الرد علي بعض أحبار النصاري. 11 - منار الهدي وهو هذا الكتاب الذي بين يديك وقد قرظه الشيخ علي البلادي صاحب كتاب " أنوار البدرين " بقوله: هذا " منار الهدي " حقا وذا علمه - هذا لسان الهدي صدقا وذا قلمه فالزم محجته، واسلك طريقته - تلقي النجاة يقينا حين تلتزمه.. الخ. استقينا هذه الترجمة من كتاب " شهداء الفضيلة " للشيخ عبد الحسين الأميني صاحب كتاب " الغدير "، وكتاب " أنوار البدرين " للشيخ علي البلادي، " والذريعة " لاغا بزرك الطهراني، وما نقله لي شفاها كل من سماحة العلامة الجليل السيد جواد الوداعي، والخطيب الفاضل الشيخ محمد صادق العصفور وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. بيروت 20 محرم الحرام سنة 1405. عبد الزهراء الحسيني الخطيب [ صفحه 13]

ديباچه الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الغني لذاته، والمتوحد بصفاته، والمتفرد في أفعاله الذي لم يشاركه أحد في صنع مخلوقاته، ولم يوازره وزير في إنشاء برياته، الذي لم يخلق الخلق عبثا، ولا فطر السماوات والأرض وما بينهما باطلا { ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار } [7] الذي لم يكلف عباده شططا، ولم يتركهم سدي، ولم يعذب أحدا من خلقه حتي يبعث إليهم رسلا يدلونهم علي طريق الهدي ويصدونهم عن سبيل الردي تقوم له بهم علي العباد الحجة، وتستبين بهم المحجة لئلا تكون للناس علي الله حجة بعد الرسل، والصلاة والسلام علي من ختمت به النبوة وكملت به الرسالة ووضحت به الدلالة، وقامت به الحجة وتمت به النعمة واجتمعت به الكلمة وحصلت به الألفة، وائتلفت به القلوب المختلفة، وانتظمت به أمور الناس بعد المباينة والفرقة، واتفقت به الأهواء المتشتتة، والآراء المتشعبة، ولم الله به الشعث وشعب به الصدع، وآمن به السبل، وصدق به الرسل، وفضله علي جميع من خلق ونسخ بشرعه أديان من سبق وأنزل عليه قرآنا مجيدا وفرقانا حميدا، أقام به الأود [8] وهدي به إلي الراشد وسوي به العوج، وفك به من الرنج [9] إمام المتقين [ صفحه 14] وسيد المرسلين وشفيع يوم الدين سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله النبي الأمي، وعلي آله البررة الأخيار الناسجين علي منواله، والمقتفين أثره في أفعاله وأقواله، حجج الله علي بريته، وخلفاء رسوله علي أمته الحافظين لكتابه وسنته والعاملين بأحكام شريعته والمطهرين من مقارفة معصيته، والمنزهين عن ارتكاب مخالفته الذين ماز [10] الله بولايتهم الخبيث من الطيب ببديع حكمته كما قال في محكم كتابه { ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم علي الغيب.. } [11] ففرض ولاءهم علي لسان نبيه الكريم الأمين فامتاز به الغث من السمين، وأبي عن حمله من خبثت طينته من الأشقياء وسارع لحمله وقبوله من سبقت له من الله الحسني، وعلي أصحابه المنتهين إلي أمره والمنزجرين بزجره ما هدل الحمام [12] وهطل الغمام. أما بعد: فيقول المفتقر إلي فيض ربه السبحاني علي بن عبد الله بن علي البحراني ألهمه الله تقواه وأتاه هداه: إن أمر الإمامة والإمام، مما شاع فيه بين الأمة الجدال والخصام، وطال فيه البحث والكلام، وبذل كل فريق جهدهم في إثبات ما ذهبوا إليه، وأجهد كل قوم أنفسهم في تقوية ما اعتمدوا عليه، فكم جمع أصحابنا المتقدمون فيه من مصنف فائق، وكم حرر أسلافنا الصالحون فيه من مؤلف رائق أقاموا في تلك الصحف والمصنفات علي صحة مذهبهم الأدلة الواضحة، وأظهروا عليها البراهين اللائحة، التي انجلي غبارها وسطع منارها مما فيه كفاية كل طالب ومنتهي رغبة كل راغب بحيث لم تبق لقائل مقالة ولا لمتعلل علة ولا لخصم [ صفحه 15] عذر إلا مكابرا مال عن التحقيق وتنكب قصد الطريق بالشبهة وحاد بسوء النظر عن سواء المحجة فتاه في فيافي الضلالة، وارتكس في غمرات الفتنة ممن جعل شهوة نفسه أمام عقله، وصير الخطأ صوابا بجهله واقتصر من الدليل علي حقية مذهبه وتصحيح طريقته علي تقليد الأسلاف وحسن الظن فيمن تحقق منهم لله ولرسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) الخلاف، ممن حقت عليهم كلمة العذاب بتركاضهم [13] في مهاوي الشك والارتياب وتهافتهم علي الدنيا تهافت الفراش والذباب، فخالف الرشاد علي عمد وسلك فج الهلاك مقدرا للسلامة والنجاة، وليس إعراض المعاند عن الهدي بناقض للحق ولا حجاج المكابر بمبطل للصدق ولا إنكار الجاحد بموهن لما أقامه أصحابنا من الدليل ولا بمبهم لما أوضحوه في تلك الزبر من نهج السبيل، بل كان ما زبروه كافيا وما رقموه شافيا، وإنما أنكره من انحرف فهمه كما ينكر الماء العذب من انحرف مزاجه والداء إنما هو منه لا من الماء، فشكر الله مساعيهم الجميلة وضاعف مثوباتهم الجزيلة، وجعلنا من المنتظمين في سلك عقدهم والواردين صافي وردهم، بيد [14] أن التصنيف الحادث لا يفقد فائدة اهملها الأولون والتأليف الجديد لا يعدم التنبيه علي دقيقة أغفلها السابقون، لاستغنائهم عن إيرادها في ذلك الزمان وتجدد الحاجة إليها في هذه الأزمان، فلذا تجشمت هذه الخطة وخضت هذه اللجة وولجت هذه الغمرة، مع قلة البضاعة وكثرة الإضاعة، ومكابدة المحن ومعاناة صروف الزمن وتوارد الهموم وتتالي الغموم وغربة [ صفحه 16] الديار والابتلاء بمعاشرة الأغمار [15] ومصاحبه الأغيار وكثرة الحساد ومقاساة الأمور الشداد، فصنفت هذا الكتاب المحتوي علي إثبات النص علي مولانا أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب وأولاده الأحد عشر المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين بالإمامة، معتصما بالله ومتوكلا عليه في الاسعاف، والإعانة علي ما طلبت والتسديد والارشاد إلي ما قصدت، فلا حول ولا قوة إلا به، ولا انتصار إلا بنصره، ولا التجاء إلا إلي منيع عزه، ولا استمداد إلا من إلهامه ولا استعانة علي أمر إلا بمعونته وتوفيقه، ورغبت إليه أن يجعله للمسترشدين مرشدا وللسائلين، منجحا، وللسالكين سبيل الانصاف هاديا، وأن يجعله لي في القيامة ذخرا، وإليه مقربا وأن يجعلني لثوابه مستحقا، ويجعل لي به عند النبي (صلي الله عليه وآله) وسيلة وقربا، ويزرع لي به في قلوب المؤمنين ودا أنه مجيب الدعوات ومعطي الأمنيات، واقتصرت في مقام الحجة علي ذكر ما صح عند الخصوم من دليل عقل معروف عدله، أو آية محكمة فيها بيان الأمر وفصله، أو خبر ثبت في صحاح أخبارهم والمعول عليه من كتبهم، مما وضح معناه ودليله وبان جده وزال هزله، ولم أذكر في خلال المباحث حديثا من طرقنا خاصة إلا لمرام آخر كالبيان لأصحابنا ما يدل علي قولنا من أحاديث أئمتنا (عليه السلام) لتزداد بصيرتهم كما ذهبت حيرتهم لا لاحتج به علي الخصم فإنه لا يجوز الاحتجاج علي أحد إلا بما يعتقد صحته ويسلم حجيته، وذلك سبيل الانصاف وصراط من جانب الزيغ والاعتساف، [16] وقد بذلت فيه جهدي وأتعبت فيه كدي وجريت فيه إلي غاية مقدرتي، طلبا لمرضاة الله وتقربا به إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) ونصرا لدين الله عز وجل ووسمته إذ سميته [ صفحه 17] ب (منار الهدي في إثبات النص علي الأئمة الاثني عشر النجباء) ورتبته علي مقدمة وفصلين مستعينا علي تحقيقه وتنميقه برب الثقلين. اللهم افتح لي أبواب فضلك وانشر علي من خزائن علمك، اللهم زدني علما وفهما واشرح لي صدري ويسر لي أمري، وثبت قدمي واعصم من الزلل والخطل قلبي، [17] واجر الحق علي لساني إنك ذو الفضل العظيم، بحق نبيك الكريم وآله الأبرار أولي الشرف القديم وبحق من عظمت قدره من خلقك يا رب العالمين. [ صفحه 19]

في بيان معني الإمامة

في بيان معني الإمامة، قد عرفها المتكلمون وحدوها: بأنها رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص إنساني خلافة عن النبي، فخرج بقيد العموم مثل رئاسة القاضي وأمير الحاج وأمير الجيش وأمير بلاد وناحية ورئاسة من جعله الإمام نائبا عنه مطلقا لأنها لا تعم الإمام، وفي الدين والدنيا متعلق تلك الرئاسة، والمراد بالدنيا هنا ما يتعلق بأمر المعاش من إصلاح البلاد وإزالة الفساد وأخذ الحقوق وغير ذلك، وبقيد الشخصية تعدد الإمام في العصر الواحد، فلا يكون مستحق الإمامة في عصر واحد أكثر من إمام واحد إذ لا يجوز في عصر واحد إمامان لاستلزامه التكليف. بالمحال، وبيان ذلك: أن الإمام واجب الطاعة علي المكلفين البتة، فلو كانا اثنين في عصر واحد فأمر أحدهما بأمر ونهي الآخر عنه فإنه يجب بحكم الطاعة لهما فعل ذلك المأمور به وتركه في حال واحدة وظاهر أن ذلك محال، وما يستلزم المحال محال، ثم يلزم أما ترك طاعتهما معا فيخرجان عن كونهما واجبي الطاعة وامتثال قول أحدهما دون الآخر وحينئذ إما أن يكون بغير مرجح والترجيح بغير مرجح قبيح عقلا فهو غير جائز، وإما أن يكون لمرجح فكان واجب الطاعة بالمرجح هو الإمام البتة [18] ، وخرج الآخر عن كونه إماما وهو المطلوب، [ صفحه 20] وبعبارة أخري: لو كان في عصر واحد إمامان واجبا الطاعة فأمر أحدهما بشئ ونهي الآخر عنه فإما أن يجب امتثال أمرهما معا فيجب فعل ذلك الشئ وتركه في حال واحدة وذلك ممتنع لامتناع اجتماع الضدين، أو عدم امتثال أمرهما معا فيكون من هو واجب الطاعة محرمة طاعته في حال واحدة هذا خلف أو ترجيح قول أحدهما بغير مرجح وهو قبيح أو تقديم قول أحدهما لمرجح فيكون هو الإمام ويخرج الآخر عن الإمامة لعدم وجوب طاعته فلما كان في اجتماع إمامين في عصر واحد لزوم المحال أو خلاف المفروض من طاعة الإمام والترجيح بدون المرجح وجب وحدة الإمام في الزمان الواحد، ولذا ورد عن مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه سئل: أيكون إمامان في عصر واحد؟ قال: (لا إلا وأحدهما صامت) [19] ومن هذا بطل ما ينقل عن الزيدية من جواز نصب إمامين في عصر واحد كل واحد في ناحية [20] ، وهذا لا يرفع التناقض ولا يزيل المحذور إن لم يزده لو فرض صدور أمر كل منهما إلي أهل ناحية الآخر بشئ وصدر من الآخر نهي أهل ناحيته عنه تقدير طاعة أهل الناحيتين لكلا الإمامين واستشراء الفساد بعصيان كل من أهل الناحيتين لإمام الأخري عند طلبه منهم الطاعة فيحدث القتال ويشيع الجدال، ومن هذا علم بطلان ما قيل: إن غاية الأمر أنه لا بد في كل اجتماع من رئيس مطاع منوط به النظام والانتظام، لكن من أين يلزم عموم رئاسته جميع الناس وشمولهما أمر الدين والدنيا علي ما هو المعتبر في الإمام؟ مع أنه أجاب عنه أهل الاختيار: بأنا نعلم أن انتظام أمر الدين والدنيا علي جهة العموم علي وجه يؤدي إلي الصلاح فيهما مفتقر إلي رياسة عامة لأنه لو تعدد الرؤساء في الأصقاع والبقاع لأدي إلي منازعات ومخاصمات [ صفحه 21] تؤدي إلي اختلال النظام، ولو كانت الرئاسة مقصودة علي الدنيا لفات انتظام أمر الدين الذي هو المقصد الأهم من الإمامة انتهي. فإن قيل: نفرض اتفاق الأئمة في الأمر والنهي فيزول المحذور، قلنا: أنتم تجعلون الإمام كواحد من المجتهدين فهذا الفرض غير ممكن الحصول علي قولكم لأن اتفاق المجتهدين في جميع أحكام الدين وأمور الدنيا مما لم يقع ولا يقع أبدا علي أن التزام هذا الفرض يقتضي الحكم بوحدة الإمام، لأن الآمر والناهي علي قولكم واحد والباقين موافقون له في الحالين تابعون لأمره ونهيه فيكون هو الإمام وأولئك أتباعا له فهم من جملة الرعية المطيعين فلا تعدد علي هذا في الإمام إذ لا رئاسة لمن لا يأمر ولا ينهي إلا تبعا لغيره، وبالجملة فالمعتمد هو وجوب وحدة الإمام في العصر واستقلاله بالنهي والأمر وعموم رئاسة علي جميع المكلفين. وبقيد الإنسان يخرج الملك وغيره فلا يكون الملك إماما قال الله تعالي: { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون } [21] وورد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): (إن لله لم ينزل ملائكة يجعلهم في الأرض حكاما وإنما جعل ذلك من البشر، قال تعالي: { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القري } [22] وإذ امتنع أن يكون الرسول ملكا امتنع أن يكون الإمام كذلك للأولوية أو للاشتراك في العلة وهي عدم قيام الحجة علي المكلفين بإتيان الملك بما هو خارق للعادة لعدم ثبوت كونه معجزا لاحتمال أنه من قدرة الملك لا من فعل الله لتصديقه في دعواه الرسالة لأن قدرة البشر تعجز عن قليل من قدرة الملك فلم يكن في إتيانه بما يعجز عنه البشر معجزة تقوم بها الحجة علي صحة رسالته وغير ذلك من العلل ليس هنا [ صفحه 22] مقام بيانها ومحله مبحث النبوة، وهذا يتمشي علي قواعدنا من اشتراط المعجزة في الإمام كالنبي، وعلي قواعد غيرنا للسمع والأولوية، أو لأنه نائب عن النبي فيجب أن يكون من نوعه أو علة أخري. وبقيد الخلافة خرجت النبوة، وفي بعض الحدود نيابة عن النبي والمعني واحد، ونقل عن بعض الفضلاء أنه عرف الإمامة بأنها رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص إنساني بحق الأصالة، قيل: واحترز به عن نائب يفوض إليه الإمام عموم الولاية فإن رئاسته عامة لكن ليست بالأصالة، وأجيب بأن النائب المذكور لا رئاسة له علي إمامه فليست رئاسته بعامة فتخرج بقيد العموم ولا يحتاج في إخراجها من الإمامة إلي ذكر الأصالة، وجعل بعض الأفاضل موضع خلافة عن النبي في الحد لفظ بحق النيابة عن النبي أو بواسطة بشر وكلاهما يؤدي مؤدي لفظ الخلافة عن النبي إلا أن الأول يزيد عليه بالتصريح بإخراج الإمامة بالاختيار من الحد حيث أخذ حق النيابة قيدا للرئاسة ولا يعلم أن النائب تحق له النيابة عن النبي إلا بنصه عليه، وظني أن هذا التقييد زائد عن مفهوم الإمامة من حيث هي هي، فإن كون الإمامة مشروطة صحتها بالنص أم تصح بالاختيار أمر آخر وراء مفهومها وحقيقتها. وأما الثاني: وهو قوله بواسطة أحد من البشر فلا يقتضي أكثر من كون الإمام منصوبا من قبل أحد من البشر وهذا لا ينفي الاختيار في الإمامة فيرجع في نفسه فيها إلي أمر آخر وهو ما سنذكره من الأدلة علي بطلان الاختيار، علي أن كلا من لفظ الخلافة والنيابة يقتضي النص عندنا لزوما لأن مرادنا من الإمامة الصحيحة ولا تكون كذلك إلا باستخلاف النبي واستنابته ولا يكون ذلك إلا بنصه فيكون بحق في قوله بحق النيابة مستغني عنه لأنه مؤكد لا مؤسس. [ صفحه 23] ثم إن الإمامة تجامع النبوة فإن كل نبي إمام، وقد تكون مجردة عن النبوة كإمامة الأئمة في هذه الأمة لختم النبوة بنبينا (صلي الله عليه وآله وسلم) فلا نبي بعده، والإمامة في النبي من حيث النبوة غير الإمامة من حيث النيابة عن النبي لثبوت الأولي بثبوت النبوة وعدم احتياجها إلي أمر آخر واحتياج الثانية إلي نصب النبي إذ ليس كل نبي نائبا عن الذي قبله وإلا لتعددت النواب لكثرة الأنبياء في الأمم السالفة والمعلوم خلافه، فإن موسي ما كان وصيه إلا يوشع بن نون وداود لم يكن وصيه إلا ابنه سليمان وكذا غيرهما من الأنبياء كل نبي يوصي إلي واحد بعينه فيكون خليفته مع تعدد الأنبياء في تلك الأزمان وإن جميعهم أئمة من حيث النبوة لأن كل نبي إمام وليس كل إمام من حيث النيابة نبيا وإلا لامتنعت الإمامة في نواب نبينا (صلي الله عليه وآله وسلم) لامتناع النبوة فيهم ولذا احتاج موسي في استخلافه أخاه هارون إلي نصه عليه بقوله: (اخلفني في قومي) [23] ولم يكف في نيابته عنه كونه نبيا مرسلا معه، فظهر أن الإمامة من حيث النيابة عن الأنبياء منفكة عن الإمامة من حيث النبوة وبالعكس، وأن حيثية أحدهما غير حيثية الأخري واختلاف الحيثيات كاف في اختلاف الحقائق وتغاير المفهومات وإن اجتمعتا في الوجود في شخص واحد كاجتماعهما في هارون وأشباهه من الأنبياء الذين كانوا نوابا عمن كان قبلهم من الأنبياء بنصبهم لهم واستخلافهم إياهم علي أممهم في إنفاذ الأحكام وإقامة أمر الدين كشيث وسام وإسماعيل وإسحاق وغيرهم، وبين الإمامتين عموم وخصوص من وجه. وأيضا للإمامة مفهومان آخران قال الشيخ أبو علي في مجمع البيان: " المستفاد من لفظ الإمام أمران أحدهما أنه المقتدي به في أفعاله وأقواله، والثاني: أنه الذي يقوم بتدبير الأمة وسياستها والقيام بأمورها [ صفحه 24] وتأديب جناتها وتولية ولاتها وإقامة الحدود علي مستحقيها ومحاربة من يكيدها ويعاديها، فعلي الوجه الأول لا يكون نبي من الأنبياء إلا وهو إمام، وعلي الوجه الثاني لا يجب في كل نبي أن يكون إماما إذ يجوز ألا يكون مأمورا بتأديب الجناة ومحاربة العداة والدفاع عن حوزة الدين ومجاهدة الكافرين " انتهي [24] ، وأنت خبير بأن الإمامة المذكورة في الحد شاملة للوجهين المذكورين لأنها رئاسة في الدين والدنيا فتخرج النبوة بقيد الخلافة أو النيابة، ثم إن الإمامة علي ما هي مذكورة في الحد هي الملك العظيم المذكور في قوله تعالي: { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } [25] فالكتاب النبوة، والحكمة العلم والملك العظيم الإمامة وهي عبارة عن فرض الطاعة علي المكلفين وهو معني الرئاسة العامة وفي قوله تعالي في شأن داود: { وآتاه الله الملك والحكمة } [26] جمع الله له النبوة والرئاسة العامة كما جمعهما من قبله لموسي (عليه السلام) ومن بعده لابنه سليمان كما جمعا لنبينا (صلي الله عليه وآله وسلم) واختص نوابه بالثاني لأن النبوة قد ختمت به والرسالة قد كملت برسالته فلا نبي بعده ولا شريعة بعد شريعته، وقد أنكر تقسيم الشيخ أبي علي (رحمه الله) في زماننا هذا من لم يعرف معني الإمامة وزعم أن النبي لا يلزم أن يكون إماما مطلقا وهو مع ذلك يدعي أنه من العارفين لكنه جاهل جهله ولا عبرة بمثله. ثم اعلم أيضا أن للإمام تقسيما آخر وهو إما أن يكون الإمام إماما ليس عليه إمام أو يكون إماما وعليه إمام. والأول: يختص باهل الشرائع الست وهم آدم ونوح وإبراهيم وموسي [ صفحه 25] وعيسي ومحمد (صلي الله عليه وآله) لأنهم أئمة الأمم وليس علي واحد منهم إمام يأتم به. والثاني: يشتمل علي ما سواهم من الأنبياء والأئمة لرجوع الجميع منهم إلي شرائع الستة المذكورين فقد حصل الاتفاق علي انحصار الشرائع المبتدأة والناسخة في تلك الست وأن لا شريعة غيرها، روي الشيخ الجليل ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني بالسند عن ابن أبي يعفور [27] قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أولوا العزم من الرسل وعليهم دارت الوحي نوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد صلي الله عليهم وعلي جميع الأنبياء) [28] وروي بسنده عن درست بن أبي منصور [29] قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (الأنبياء والمرسلون علي أربع طبقات فنبي منبأ في نفسه لا يعدو غيرها، ونبي يري في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ولم يبعث إلي أحد وعليه إمام مثلما كان إبراهيم علي لوط، ونبي يري في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك وقد أرسل إلي طائفة قلوا أو كثروا كيونس قال الله تعالي ليونس { وأرسلناه إلي مائة ألف [ صفحه 26] أو يزيدون } [30] قال يزيدون ثلاثين ألفا وعليه إمام، والذي يري في نومه ويعاين في اليقظة وهو إمام مثل أولي العزم.. الخبر ( [31] والأخبار عن ساداتنا في هذا المعني كثيرة مودعة في محالها ولا حاجة إلي التطويل بنقلها لوضوح المقام عند أولي الأفهام وغير خفي عليك أن الإمام المبحوث عنه هنا من القسم الثاني لكون إمامته خلافة عن النبي. [ صفحه 27]

هل أن نصب الإمام واجب أم لا

اشاره

في نصب الإمام هل هو واجب أم لا؟ وعلي تقدير وجوبه فهل هو واجب علي الله أو علي المكلفين؟ وهل هو من جهة العقل أو السمع، وقد اختلف الناس في ذلك فذهب الأشاعرة والمعتزلة والزيدية إلي وجوبه علي الخلق ثم اختلفوا فقال: الأولون سمعا، وقالت المعتزلة والزيدية: عقلا، وقال الحرورية: إنه غير واجب مطلقا [32] وقال أبو بكر الأصم [33] من المعتزلة أنه يجب مع الخوف وظهور الفتن ولا يجب مع الآمن لعدم الحاجة إليه وقال الفوطي [34] وأتباعه: يجب مع الآمن لإظهار شعائر الشرع ولا يجب عند ظهور الفتن لأن الظلمة ربما لم [ صفحه 28] يطيعوه وصار سببا لزيادة الفتن [35] وذهب أصحابنا الإمامية إلي أنه واجب علي الله عقلا وهو المعتمد وعليه المعول، ولنا في ذلك وجوه: الأول: إن كل ما دل علي وجوب النبوة من الفوائد التي من جملتها معاضدة النقل فيما يدل عليه العقل، واستفادة الحسن والقبح في الأفعال التي لا يهتدي العقل إلي مواقعها وحفظ النوع الإنساني وتكميل أشخاصه وتعليم الأخلاق الفاضلة والسياسات الكاملة ورفع الاختلاف عنهم في أمر دينهم ودنياهم، وغيرها مما ذكر هناك فهو دال علي وجوب الإمامة لأنها خلافة عنها والإمام خليفة النبي في جميع منازله إلا في تلقي الوحي بلا واسطة أحد من البشر فإن ذلك مخصوص بالنبي، ولو لم تجب الإمامة بعد النبوة لزالت فائدة البعثة لأن النبي إذا ارتحل من الدنيا إلي جوار الملك الأعلي ولم يجعل الله له خلفا يقوم بتلك المصالح ويقرر تلك الفوائد ويجمع الأمة عن شتات الكلمة رجع الناس بعد النبي إلي الاختلاف واستعمال الآراء المؤدي إلي الخلط في الدين، وذهاب الألفة وتشتيت الكلمة لاستغناء كل برأيه واتباع كل مريد شئ هواه، فيرجع الأمر من الصلاح إلي الفساد، وتضعف قواعد شريعة النبي لكثرة الاختلاف فيها وتذل تلك الملة لافتراق أهلها وعدم تناصرهم كما نشاهده في هذا الزمان الذي منع الناس فيه أنفسهم اللطف بإخافة الإمام من استيلاء الكفرة اللئام علي أهل الإسلام وإبطالهم أحكام شريعة سيد الأنام وقعود المسلمين عن جهادهم لعدم اجتماعهم وتعاونهم وما ذاك إلا لعدم رجوعهم إلي رئيس مطاع مأمون علي الدين، ومعلوم علي هذا أن فوائد البعثة مع عدم نصب إمام لا تبقي بل تزول وتفني فوجب علي الله في حكمته نصب الإمام لإبقاء فوائد النبوة كما وجب في الحكمة إحداث النبوة لحصول تلك الفوائد والعقلاء يجزمون بأن ما وجب إحداثه لإدراك مصلحة يجب إبقاؤه [ صفحه 29] أو إحداث ما يقوم مقامه لاستبقاء تلك المصلحة.

الامام لطف من الله تعالي في حق عباده

الثاني: إن الإمام لطف من الله في حق عبادة لأنه يقرب إلي الطاعة ويبعد عن المعصية، وبيانه إلي الناس إذا كان لهم رئيس مطاع يمنعهم من المحظورات ويحثهم علي الطاعات كانوا معه إلي الطاعة أقرب ومن المعصية أبعد منهم بدونه وذلك هو الإمام فيكون لطفا واللطف واجب علي الله تعالي، والمعتزلة يوافقونا في وجوب اللطف علي الله والأشاعرة ينفونه بناء علي أصلهم من نفي الحسن والقبح العقليين وقد أبطل أصحابنا هذا الأصل وهدموه بما لا مزيد عليه من القول في مبحث العدل، وليس هذا الموضع محل ذكره فليطلب من موضعه، علي أنه يكفي في بطلان قولهم قوله تعالي: { ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزي } [36] فإنه واضح في وجوب اللطف علي الله تعالي، واعترض مخالفونا علي هذا الدليل بأن الإمام إنما يكون لطفا إذا خلا عن المفاسد كلها وهو ممنوع، لأن أداء الواجبات وترك الحرام مع عدم الإمام أكثر ثوابا لكونهما أقرب إلي الإخلاص لانتفاء كونهما من خوف الإمام والجواب من وجوه. الأول: القدح في العلة فإن أداء الواجب علي وجهه وترك الحرام من جميع جهاته لا يحصل بدون الإمام. الثاني: منع أكثرية الثواب في أداء الواجب وترك الحرام بدون الإمام لقربه إلي الإخلاص لاحتمال إرادة الرياء أو خوف المسلمين أن يسقطوا منزلته لا سيما إذا كان الشخص من أولي المناصب فليس عدم الإمام بكاف في قرب العمل إلي الإخلاص. [ صفحه 30] الثالث: إنه لو كان احتمال الخوف من الإمام في أداء الواجب وترك الحرام مفسدة توجب خروجه عن كونه لطفا لكان احتمال الخوف من النبي في إظهار كلمة الإسلام وفعل الواجب وترك الحرام مفسدة توجب خروجه عن كون بعثته لطفا لاشتراك العلة فيهما فيجب ألا يبعث نبي واللازم باطل بالاتفاق فالملزوم مثله، علي أن اللطف كما علمت هو ما يحصل به الحث علي الطاعة والردع عن المعصية ولا يبلغ إلي حد الإلجاء فالخوف منه في أداء الواجب وترك الحرام هو نفس كونه لطفا فكيف يكون مخرجا له عن اللطف؟ فحاصل هذا الاعتراض أن اللطف ليس بلطف ولا خفاء في تناقضه فالاعتراض به باطل من أصله غير محتاج إلي الجواب عنه، والعجب من القوشجي [37] كيف اعترض به علي الدليل ثم عقبه بقوله: ولو سلم فإنما يجب لو لم يقم لطف آخر مقامه كالعصمة مثلا لم لا يجوز أن يكون زمان يكون الناس فيه معصومين مستغنين عن الإمام، والجواب أن هذا الفرض معلوم الاستحالة كما نعلم استحالة أن يكون زمان يكون الناس جميعهم في مؤيدين بالوحي السماوي والإلهام الإلهي والعصمة فيكونون مستغنين عن النبي لوجهين: الأول: إن النفوس البشرية ليست بجملتها ذوات ذكاء وفطنة بحيث تكون قابلة للهداية بدون واسطة ولا ذوات قوة ونباهة بحيث يشرق عليها نور العرفان فتستغني به في ترك القبيح عن مؤدب كما هو المشاهد في الأمصار والأعصار، بل كثير من النفوس كالحشرات لا تقبل التعليم ولا التأديب كما قال تعالي: [إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا] [38] فأين الجميع من [ صفحه 31] العصمة بل من العدالة!. الثاني: ما ورد في الكتاب العزيز من الأخبار عن أكثر الناس بعدم الإيمان تارة وعدم العلم أخري وعدم الفقه ثالثة وتخصيص الشاكرين بالأقل مطلق غير مقيد بوقت مثل قوله: [ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ولكن أكثرهم لا يعلمون وأكثرهم الفاسقون وقليل من عبادي الشكور وقليل ما هم] [39] إلي غير ذلك من الآيات الموجبة للقطع بامتناع هذا الفرض بل بامتناع حصول العدالة لجميع الناس فيكون ما فرضه غير واقع دائما، ثم لو سلمنا إمكان وقوع الفرض عقلا لرددناه بمقتضي العادة المستمرة المفيدة لليقين، وبيان ذلك أنا إنما نتكلم علي ما جرت به العادة الموجبة للقطع بأن ذلك الفرض وهو عصمة جميع الناس لم يحصل فيما مضي من الأزمنة ولا يحصل فيما يأتي لتساوي الأزمان وإشخاص النوع الإنساني وحذو هذه الأمة حذو من سبقها من الأمم كما أفصح عنه قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيما صح من الأخبار [40] ، فكان العلم بامتناع عصمة جميع الناس من جهة العادة جاريا مجري العلم بامتناع عصمة جميع الناس من جهة العادة جاريا مجري العلم بامتناع انقلاب أواني الجمادات وصيرورتها جالا كاملين علماء ومشائخ مهذبين فضلاء من جهتها، وإن كان غير ممتنع ذلك في قدرة الله تعالي فعلم أنه لا لطف يقوم مقام الإمام، بل تعين انحصار اللطف فيه، فوجب في حكمة الله نصبه لأن الاخلال بما وجب في الحكمة قبيح لا يصدر من الحكيم، فإن حصل زمان تنخرق فيه العادة ويعصم الناس فيه عن آخرهم حكمنا باستغنائهم عن الإمام من هذا الوجه لا من جميع الوجوه لكن [ صفحه 32] ذلك لا يحصل أبدا فالحاجة إلي الإمام حاصلة دائما، هذا كله مع أن العلم بالتجاء العقلاء في جميع الأعصار والأمصار إلي نصب الرؤساء في حفظ نظامهم وضبط أحوالهم دال علي انتقاء طريق سوي الإمامة وعدم قيام غير الإمام مقامه، وإلا لكانوا يلتجئون إليه ويتمسكون به، ومن هذا يعلم انحصار اللطف عند العقلاء في الإمام فيتعين وجوبه، وعلم من جميع ما ذكرنا امتناع الفرض المذكور عقلا وسمعا وعادة، ومنه يتضح صحة ما قاله رئيس المحققين نصير الدين [41] في التجريد من معلومية انتفاء المفاسد وانحصار اللطف في الإمام للعقلاء [42] ، وقول القوشجي إنهما مجرد دعوي فاسدناش؟؟ عن غير تأمل وقال أيضا في الاعتراض علي دليلنا: " وأيضا إنما يكون لطفا إذا كان الإمام ظاهرا قاهرا زاجرا عن القبائح قادرا علي تنفيذ الأحكام وإعلاء لواء الإسلام، وهذا ليس بلازم عندكم فالإمام الذي ادعيتم وجوبه ليس بلطف والذي هو لطف ليس بواجب " والجواب المعارضة بالأنبياء فإن النبي لطف ولم يشترط في كونه لطفا قدرته علي الزجر عن القبائح وقهره علي الطاعة ولم تبطل نبوته وإمامته بعصيان العصاة، فإنا نعلم بأخبار الكتاب العزيز أن نوحا. وهودا ولوطا (عليهم السلام) عصاهم قومهم ولم يقدروا علي الزجر عن القبائح وإنفاذ الأحكام، وأن إبراهيم خليل الرحمن ألقاه قومه في النار ليحرقوه، وأن هارون عصاه بنو إسرائيل وعكفوا علي عبادة العجل [ صفحه 33] ولم يستطع كفهم عن ذلك، وموسي طلبه فرعون ليقتله ومن معه ولم يقدر علي مدافعة فرعون واضطر إلي عبور البحر، وأن عيسي بن مريم أراد اليهود قتله فرفعه الله، وغيرهم من الأنبياء الذين أوذوا وقتلوا وكلهم لم يكونوا متمكنين مما ذكره من القهر والزجر والقدرة علي تنفيذ الأحكام وإعلاء لواء الإسلام [43] إما دائما أو في أكثر الأحوال ومع هذا لم تبطل نبوتهم وإمامتهم في حال من الأحوال ولا كان عدم تمكنهم واقتدارهم علي ما ذكره وسطره مخرجا لهم عن كونهم ألطافا ولا مقتضيا للقدح في إمامتهم، وإذا لم يكن عدم القدرة علي إنفاذ الأحكام وإعلاء لواء الدين موجبا لخروج النبي عن كونه لطفا من الله في خلقه لم يكن ذلك مبطلا للطفية خليفته لتساويهما في كونهما معا منصوبين من قبل الله تعالي فلا يخرجان عن الإمامة بعصيان الخلق، وقد علمت أن نبينا محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم) قد كذبه قومه كأبي جهل وأبي لهب وأبي سفيان وأضرابهم من رؤساء قريش وأرادوا قتله وأخافوا سبيله وجهدوا أنفسهم في ذلك حتي ألجئوه تارة إلي الحصار وأخري إلي الغار والهجرة عن الوطن إلي الدار [44] ورمته العرب عن قوس واحدة وبذلوا جهدهم في قتله وقتل من معه افتري أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) حين كان غير متمكن من الزجر عن القبائح ولا من إعلاء لواء الإسلام وغير قاهر أولي العصيان ليس بنبي ولا إمام وليس بلطف من الله في الأنام فيكون قد بطلت بذلك نبوته وزالت إمامته ولطفيته؟ ما أراك تقول ذلك ولا ترضي به، بل تقول نبوته (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يبطلها تكذيب المكذبين وإمامته (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يفسدها عصيان العاصين، وكونه [ صفحه 34] لطفا لم يزله عناد المعاندين، وإذا لم تقل بأن عدم التمكن والقهر في النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قادح في صحة نبوته ولا مبطل لفرض إمامته ولا مخرج له عن اللطف لزمك القول بأن عدم التمكن مما ذكرته أيضا غير قادح في إمامة وصيه ولا مزيل للطفية خليفته لاتحاد العلة، ثم إنا نعلم أن التكليف لطف لأنه زاجر عن القبيح وحاث علي الطاعة، وهو عبارة عن أمر ونهي وأنه لا يخرجه عن اللطفية عدم عمل المكلفين بمقتضاه، وخروجهم من حدوده، ومن ذا يتبين أن عمل أناس بمقتضي اللطف وإجابتهم إياه ليس بشرط في كون اللطف لطفا؟ فعدم حصوله لا يبطل لطفية اللطف فالإمام لا يبطل لطفيته عدم تمكنه من الأمور التي ذكرها المعترض لعصيان الرعية، فما ادعينا وجوبه لطف فيكون واجبا، وهذا الجواب هو الحاصل من كلام جماعة من قدماء أصحابنا كالصدوق [45] وابن قبة [46] في إبطال تلك الشبهة وأجاب أصحابنا المتأخرون كنصير الدين الطوسي وجمال الدين الحلي (رضي الله عنه) [47] عنها بأن وجود الإمام لطف تصرف أو لم يتصرف لقيام حجة الله [ صفحه 35] علي عباده به ولأن المكلف إذا علم بوجود إمام في العالم يجوز ظهوره وتسلطه علي الرعية فيعاقب العصاة ويؤدب الجناة كان إلي فعل الطاعة والانزجار عن المعصية أقرب منه إذا علم انتفاء وجوده فيحصل من وجوده اللطف وإن لم يتصرف، وتصرفه الظاهر لطفا آخر لا يفوت الأول بفواته وعدمه إنما جاء من قبل المكلفين وسوء اختيارهم حيث أخافوا الإمام وتركوا نصرته ففوتوا أنفسهم مصلحة تصرفه في إنفاذ الأحكام وإقامة الحدود وأخذ الحقوق وإعزاز الدين وحماية الإسلام والمسلمين حتي ألجئوه إلي الاستتار والغيبة. وحاصل هذا الوجه أن الواجب علي الله في الحكمة إيجاد الإمام ودلالة العباد عليه وليس يجب علي الله تصيير العباد منقادين لحكم الإمام ومطيعين لأمره، بل الواجب في حكمة الله أمرهم بطاعته والواجب عليهم الانقياد له والتسليم لأمره والرضا بحكمه ونصرته علي من ناواه، وقد قال تعالي لنبيه: [فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيها شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما] [48] والله سبحانه قد فعل ما وجب في حكمته فأوجد الإمام ودل عليه وأمر بطاعته بقوله: [أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم] [49] والعباد لم يفعلوا ما وجب عليهم من الطاعة للإمام فكان فوات اللطف الظاهر وهو تصرف الإمام منهم ولذا قال بعض المحققين: " التحقيق أن اللطف في أمر الإمامة يتم بأمور منها ما يجب علي الله تعالي وهو خلق الإمام وتمكينه من القدرة والعلم والنص عليه باسمه ونسبه وهذا قد فعله الله تعالي، ومنها ما يجب علي الإمام وهو تحمله الإمامة [ صفحه 36] وقبوله لها وهذا قد فعله الإمام، ومنها ما يجب علي الرعية وهو المساعدة والنصرة له وقبول أوامره وامتثال قوله وهذا لم يفعله الرعية، فكان اللطف الكامل منهم لا من الله تعالي ولا من الإمام " انتهي فتبين أن وجود الإمام لطف علي الاستقلال غير متوقف علي التصرف فبطل بذلك ما قال القوشجي: " بأنا لا نسلم أن وجوده بدون التصرف لطف " لأنا قد بينا أن مسارعة العبد إلي الطاعة وانزجاره عن القبيح بسبب علمه بوجوده وإمكان تصرفه أقرب منه إذا علم عدمه لأنه إذا اعتقد وجوده كان دائما يخاف ظهوره ويترقب تصرفه فيمتنع من القبائح، وذلك هو اللطف. وأما قوله: " بأن مجرد الحكم بخلقه وإيجاده في وقت ما كاف في هذا المعني فإن ساكن القرية إذا انزجر عن القبيح خوفا من حاكم من قبل السلطان مختف في القرية لا أثر له كذلك ينزجر خوفا من حاكم علم أن السلطان يرسله إليها متي شاء " ففاسد لأن محصله أن علم المكلف بقدرة الله تعالي علي إيجاد إمام في وقت من الأوقات وتمكينه من التصرف قائم مقام وجوده في حصول الخوف للمكلف فيحصل به اللطف ولا يحتاج في ذلك إلي كون الإمام موجودا، وفساده من وجوه. الأول: إن ما فرضه خوف من المعدوم ولا خفاء أن الخوف من المعدوم غير حاصل للعقلاء بخلاف الخوف من الموجود المترقب ظهوره فإن الخوف منه حاصل فكان لطفا دون الأول، فقوله بعد: " وليس هذا خوفا من المعدوم بل موجود مترقب " عدول عما فرضه ومغالطة في القول فإن الفرض أنه ليس بموجود لكن يمكن وجوده وأما إذا كان موجودا كان هو عين ما فرضناه لا ما فرضه. الثاني: إن المكلف لو علم أن في القرية حاكما مختفيا من جهة السلطان سيظهر ويعاقب علي فعل القبيح يكون دائما خائفا من اطلاعه عليه إذا فعل [ صفحه 37] قبيحا لعلمه بوجوده وعدم معرفته بعينه وتصوره أن إنكاره فعل القبيح لا ينفعه إذا ظهر ذلك الحاكم لاطلاعه عليه بخلاف ما إذا علم خلو القرية منه ولم يبق إلا علمه بإمكان وجوده فيما بعد فإنه لا يرتدع عن القبيح لذلك لتمكنه من الانكار عند وجود ذلك الحاكم وهذا ظاهر عند العقلاء فاللطف يحصل بما فرضناه دون ما فرضه للفرق الظاهر بين الحالين.

الرد علي من قال: الإمامة واجبة علي العباد عقلا

الثالث: إن ما ذكره لا يتمشي علي قواعدهم لأن نصب الإمام عندهم ليس من الله بل من المكلفين فلا إمام علي قولهم يترقب نصبه من الله فلا لطف حاصل بالمرة، وقد علم من هذا أن اللطف منحصر في وجود الإمام وأن العلم بإمكان إيجاده لا يقوم مقام وجوده فثبت أن وجوده لطف فهو واجب في حكمة الله ووضح سلامة الدليل من الخدش فيه، كل هذا مع ما في كلامه من التدافع فإنه فيما مر عليك من قوله أبطل لطفية الإمام بخوف المكلف منه في أداء الطاعة فمقتضي كلامه هناك أن الإمام لا يكون لطفا إذا كان متمكنا من ردع العاصين ومعاقبة الجانين فيكون لطفية مشروطة بعدم تصرفه ثم هو هنا يقول أن الإمام لا يكون لطفا إلا إذا كان متصرفا قاهرا زاجرا عن القبيح، فما جعله هنا شرطا في كون الإمام لطفا جعل ضده هناك شرطا في ذلك، وهذا تناقض واضح فيكفي في بطلان قوليه تضادهما وتنافيهما. الثالث [50] من أدلتنا أنه لا شك أن الله تعالي أنظر لخلقه منهم لأنفسهم وارأف بهم وأرحم بهم منهم علي أنفسهم، وليس من نظر الله لهم ورأفته عليهم ورحمته بهم أن يتركهم هملا ويهملهم سدي كالغنم لا راعي لها بل مقتضي الرحمة والرأفة بهم يوجب في حكمة الله أن ينصب لهم من يقيم أودهم [51] ويجمع كلمتهم ويهتدون إلي سبيل النجاة بضياء علمه وينزجرون [ صفحه 38] عن القبيح بنافذ حكمة ويقتدون في أمر دينهم ودنياهم بقوله وفعله وذلك هو الإمام، فنصب الإمام واجب في الحكمة بمقتضي نظر الله لخلقه ورأفته بهم وهو المطلوب، وهذا الوجه لبعض متكلمينا من أصحاب أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) [52] ولا قدح باحتمال قيام إيجاب الله علي العباد نصب الإمام لحصول الفوائد المذكورة مقام نصبه لهم إماما في حصول الرأفة بهم لأن ذلك مناف للرأفة للعلم بأن تفويض الأمر إلي الخلق مما يوجب لهم الاختلاف والنزاع المؤدي إلي الفساد واختلال النظام لاختلاف الآراء وميل الأهواء فيميل كل قوم إلي شخص غير الذي اختاره غيرهم فيقع الخصام ويشيع الجدال فيما بينهم فلا يتم الغرض المطلوب بل تصير الرحمة بذلك نقمة وهو خلاف المراد. احتج القائلون بوجوب نصب الإمام علي العباد عقلا بأن في نصب الرئيس دفعا للضرر عن أنفس الخلق ودفع الضرر واجب عقلا أما الأولي فظاهرة لأن الخلق إذا لم يكن لهم رئيس يحسم مادة النزاع فيما بينهم ويأخذ للضعيف من القوي انتشر أمرهم وفشا الفساد فيهم، وأما الكبري فمعلومة والجواب أنه لا نزاع في كون الإمامة دافعة للضرر وكون دفع الضرر واجبا إنما النزاع في تفويض الأمر إلي اختيار الخلق فإنا لا نسلم كون الإمامة علي هذا الوجه دافعة للضرر لاختلاف الخلق في تعيين الإمام فيؤدي إلي الضرر المطلوب زواله كما قدمناه فالواجب جعل ذلك إلي الله تعالي علي أن الاختيار في الإمامة سنبطله إن شاء الله تعالي في محل الكلام عليه بأدلة واضحة. واحتج القوشجي للأشاعرة بوجوه قال: الأول: وهو العمدة إجماع الصحابة حتي جعلوا ذلك أهم الواجبات [ صفحه 39] واشتغلوا به عن دفن الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وكذا عقيب موت كل إمام، روي أنه لما توفي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) خطب أبو بكر فقال: " يا أيها الناس من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد رب محمد فإنه حي لا يموت، لا بد لهذا الأمر ممن يقوم به فانظروا وهاتوا آراءكم رحمكم الله ". وهذه الحجة فاسدة من وجوه. الأول: إن دعوي الإجماع من الصحابة علي المبادرة إلي تعيين الإمام ونصبه خطأ فاحش فقد صح في روايات قومه وأهل مذهبه أن الذين بادروا إلي ذلك الأنصار وثلاثة من المهاجرين أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ومضوا ينازعون الأنصار في سقيفة بني ساعدة حتي غلبوا عليهم وجميع المهاجرين غيرهم لم يحضروا ذلك الأمر ولا بادروا إليه وهم وجوه الصحابة وأعلم الصحابة علي (عليه السلام) وهو وجميع بني هاشم وأشياعهم يشتغلون بجهاز النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ودفنه عن ذلك الأمر، فأين إجماع الصحابة علي المبادرة إلي نصب الإمام واشتغال جميعهم به عن دفن الرسول كما ادعاه؟ فلو كان نصب الإمام علي الرعية واجبا لكان أحق الناس بالمبادرة إليه علي بن أبي طالب وشيعته مثل عمه العباس، وسلمان وأبي ذر والمقداد وأضرابهم، ولو كان مبادرة الثلاثة والأنصار إلي المنازعة في الخلافة حقا لما تأخر علي (عليه السلام) وشيعته لأنه مع الحق والحق معه ولما قعد عنه أكابر الصحابة عندهم كعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعثمان بن عفان وأشباههم فلا إجماع منهم علي ما ذكره المحتج. الثاني: إن الذين بادروا إلي عقد الإمامة من الصحابة الذين ذكرناهم لم يكن غرضهم ما ذكره من تعيين الإمام لكونه واجبا وإنما كان غرضهم أمرا [ صفحه 40] دنيويا، أما الأنصار فسارعوا إلي ذلك خوفا من أن تلي الخلافة قريش فيأخذوا منهم ثار من قتله الأنصار من رجال قريش في حروب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وأما الثلاثة المذكورين فبادروا إلي ذلك خوفا من خروج الأمر من أيديهم وولاية الأنصار عليهم، ولم يكن أحد الفريقين طلب بما أراد أمرا دينيا ولا وجها شرعيا كما ادعاه في الحجة، وقد روي ما ذكرناه جميع من روي أخبار الصحابة كأبي بكر الجوهري [53] ومحمد بن جرير الطبري [54] ويحيي بن جابر البلاذري [55] وغيرهم من رجال العامة وثقاة محدثيهم وها نحن نذكر بعض ما رواه مما يصرح بما قلناه وينطق بما إليهم نسبناه، قال أبو بكر الجوهري: أخبرنا أحمد بن إسحاق بن صالح، قال: حدثنا عبد الله بن عمر عن حماد بن زيد عن يحيي بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: لما توفي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) اجتمعت الأنصار إلي سعد بن عبادة فأتاهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة فقال الحباب بن المنذر: منا أمير ومنكم أمير والله ما ننفس هذا الأمر عليكم أيها الرهط ولكنا نخاف أن يليه بعدكم من [ صفحه 41] قتلنا أبناءهم وآباءهم وإخوانهم فقال عمر بن الخطاب: إذا كان ذلك قمت إن استطعت، فتكلم أبو بكر فقال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء والأمر بيننا نصفان كشق الأبلمة [56] فبويع [57] .

طرف من حديث السقيفة

وروي الطبري في التاريخ حديثا طويلا فيه ذكر السقيفة وذكر الفلتة من كلام عمر وفيه حكاية عمر قول أبي بكر للأنصار: يا معشر الأنصار إنكم لا تذكرون فضلا إلا وأنتم له أهل، وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لقريش أوسط العرب دارا ونسبا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين يعني عمر وأبا عبيدة - إلي أن قال -: فلما قضي أبو بكر كلامه قام رجل من الأنصار فقال: " أنا جذيلها المحكك: وعذيقها المرجب [58] منا أمير ومنكم أمير " وارتفعت الأصوات واللغط فلما خفت الاختلاف قلت لأبي بكر: أبسط يدك أبايعك فبسط يده فبايعته وبايعه الناس ثم نزونا علي سعد بن عبادة فقال قائلهم قتلتم سعدا فقلت: اقتلوه قتله الله إلي أن قال: خشيت إن فارقت القوم ولم يكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فإما أن نبايعهم علي ما لا نرضي أو نخالفهم فيلوث فيكون فسادا [59] وفي رواية أبي بكر الجوهري من حديث أحمد بن إسحاق عن أحمد بن سيار عن سعيد بن كثير الأنصاري بعد كلام أبي بكر للأنصار فقال الأنصار: ما نحسدكم علي خير ساقه الله إليكم، ولا أحد [ صفحه 42] أحب إلينا ولا أرضي عندنا منكم، ولكنا نشفق فيما بعد هذا اليوم ونحذر أن يغلب علي هذا الأمر من ليس منا ولا منكم [60] إلي آخر ما ذكر، فهذه الأخبار وغيرها من أحاديثهم ناصة علي أن غرض المسارعين إلي عقد الإمامة ليس ما ذكره المحتج من أداء الواجب الذي هو تعيين الإمام، وإنما كان غرضهم ما ذكرناه عنهم من الأمور الدنيوية، وتنطق بأن الثلاثة الذين حضروا مع الأنصار من المهاجرين كان مطلبهم ألا يلي الأمر غيرهم وليسوا قاصدين أمرا وراء هذا من الأمور الراجعة إلي الدين فقط كما قال، وأيضا لو كان غرض من سارع إلي عقد الإمامة أمرا دينيا لم يكن لإعراضهم عن المجلس الذي اجتمع فيه الناس لتجهيز الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وجه إذ جلوسهم في ذلك المجلس لم يكن مانعا لهم من إجالة الرأي وإدارة المشورة فيما بينهم في تعيين الإمام وعقد البيعة له هناك علي برد ورضا فتركهم ذلك المجلس ومخاصمتهم في السقيفة وما جري لهم من النزاع فيها المؤدي إلي قول عمر: اقتلوا سعدا قتله الله وقول الحباب بن المنذر: إن شئتم لنعيدنها جذعة [61] وقوله: والله لا يرد علي أحد ما أقول إلا حطمت أنفه وغير ذلك من الأقوال الغليظة المذكورة في الأحاديث التي نقلنا منها ما تقدم وغيرها دليل علي أن القوم قصد كل منهم المغالبة والاستبداد بالأمر وأنهم سارعوا إليه قبل أن يعقد لغيرهم فيفوتهم ما طلبوا من الرئاسة لأداء ما وجب عليهم من تعيين من يصلح للإمامة وكل هذا ظاهر لمن نظر في الأخبار نظر متأمل، فإذا كان أغراض القوم هي ما عرفت من المطالب النفسية والشهوات الدنيوية كيف يكون فعلهم أصلا يبني عليه القواعد الشرعية، وحجة يعتمد عليها في الأصول الدينية؟ هذا بعيد من التحقيق وناء عن نظر أهل النظر بواد سحيق. [ صفحه 43] الثالث: إن الكلام الذي ذكره من قول أبي بكر وجواب الصحابة له علي الوجه المذكور مما لا أصل له ولا ورد في شئ من أخبارهم علي هذا النهج [62] بل أخبارهم ناطقة بأن بيعة أبي بكر لم تكن عن مشاورة ومناظرة وإنما كانت مغالبة ووقعت فلتة وإجماع الناس علي ذلك وما تقدم من الأخبار شاهد به ويكفيك من ذلك قول عمر علي صهوة المنبر: إن بيعة أبي بكر فلتة [63] وغيرها من الأخبار روي الجوهري في خبر سعيد بن كثير قال: لما قبض النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، ثم ذكر كلام سعد وما ردوا عليه من الإجابة إلي توليته وما ترادوه بينهم من الكلام إلي أن قال: فأتي الخبر عمر فأتي منزل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فوجد أبا بكر في الدار وعليا في جهاز رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم) وكان الذي أتاه معن بن عدي [64] فأخذ بيد عمر وقال: قم فقال عمر أني عنك مشغول فقال إنه لا بد من قيام فقام معه فقال له: إن هذا الحي من الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة معهم سعد بن عبادة يدورون حوله أنت المرجي ونجلك المرجي وثم أناس من أشرافهم وقد خشيت الفتنة فانظر يا عمر ماذا تري واذكر لأخوتك واحتالوا لأنفسكم فأتي انظر إلي باب فتنة قد فتح الساعة إلا أن يغلقه الله، ففزع عمر أشد الفزع حتي أتي أبا بكر [ صفحه 44] مع عمر فحدثه الحديث ففزع أبو بكر أشد الفزع وخرجا مسرعين إلي سقيفة بني ساعدة، وساق الكلام الواقع في السقيفة من خصام أبي بكر وصاحبيه للأنصار [65] . وقال أبو بكر الجوهري: سمعت أبا زيد عمر بن شبة يحدث رجلا بحديث لم أحفظ إسناده قال: مر المغيرة بن شعبة بابي بكر وعمر وهما جالسان علي باب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) حين قبض فقال ما يقعد كما قالا: ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه يعنيان عليا (عليه السلام) فقال أتريدون أن تنتظروا خيل الحلبة [66] من هذا البيت وسعوها في قريش تتسع [67] قال فقاما إلي سقيفة بني ساعدة أو كلاما هذا معناه وغير ذلك من أخبارهم المصرحة بخلاف ما ذكره هذا المحتج والناطقة بمغايرته، علي أن جميع أصحاب السيرة رووا كلام أبي بكر بعد قول عمر: إن رسول الله لم يمت ولا يموت حتي يظهره الله علي دينه قالوا جميعا: فجاء أبو بكر وكشف عن وجه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقال: بأبي وأمي طبت حيا وميتا والله لا يذيقك الله الموتتين ثم جزع والناس حول عمر وهو يقول لهم: إنه لم يمت ويحلف فقال: أيها الحالف علي رسلك ثم قال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله تعالي: [إنك ميت وإنهم ميتون] [68] وقال: [أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم] [69] هذا كلامه الذي نقله جميع [ صفحه 45] أهل السيرة من أوليائه [70] وليس فيه مما ذكره القوشجي من طلب أبي بكر من الصحابة تعيين الإمام وإجابتهم له بما ذكره هناك حرف واحد وما ذكرناه دليل واضح علي أن القول المذكور لم يقع وأنه شئ افتعله القوشجي من نفسه أو غيره من متكلميهم ليصلحوا به أمرهم، ويقووا به مذهبهم، فلا حجة فيما ذكر إذ لم يرد به خبر، ولا وجد له في كتب الأخبار أثر، والكذب لا تقوم به الحجة الشرعية عند أولي الألباب، ومما بيناه استبان أنه لا استشارة ولا جواب فضلا عن أن يكون وقع اتفاق من الصحابة علي تعيين الإمام، وحصول الإجماع. الرابع: إن خبره لو صح لكان مناقضا لغرضه ومعاندا لمطلبه لأن فيه بعد كلام أبي بكر وطلبه من القوم تعيين الإمام قالوا: صدقت لكنا ننظر في هذا الأمر، وهذا القول دال علي التأني والمهلة لا علي المسارعة والعجلة كما لا يخفي علي من له اطلاع وممارسة بكلام العرب ومحاوراتهم، فما احتج به الرجل علي مراده مخالف له فلا يصح له الاحتجاج به لو صح وروده فكيف ودون ذلك أهوال؟ ومما ذكرنا من الوجوه يعلم يقينا اجتثاث أصل هذا الدليل وانقلاع أساسه وانطماس رسومه واعتفاء أثره مع أنه العمدة عندهم فزال عمادهم وبطل إليه استنادهم. الثاني: [71] من أدلته أن الشارع أمر بإقامة الحدود، وسد الثغور، وتجهيز الجيوش، للجهاد وكثير من الأمور المتعلقة بحفظ النظام وحماية بيضة الإسلام مما لا يتم إلا بالإمام وما لم يتم الواجب المطلق إلا به وكان مقدورا فهو واجب علي ما مر.الجواب من وجهين [72] . [ صفحه 46] الأول: منع توجه الخطاب بذلك لعامة المكلفين ابتداء بل الخطاب متوجه به كذلك إلي الأئمة والمكلفون مأمورون بطاعتهم ومعاونتهم عليه ومنهيون عن التخلف عن أمرهم فالخطاب به توجه إليهم بواسطة وجوب مؤازرة الأئمة عليهم في ذلك كله فهو خطاب ثانوي وقوله تعالي: [فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين علي القتال] [73] وقوله تعالي: [يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم] [74] وقوله تعالي: [ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه] [75] وقوله تعالي: [فليحذر الذين يخالفون عن أمره أنتصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم] [76] وغيرها من الآيات الجارية هذا المجري وقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيما استفاض: (لي عليكم أن لا تأمروني ولا أن تنهوني وإنما عليكم أن تسمعوا وتطيعوا) شواهد صدق علي ما قلناه، إذا الإمام في ذلك كله كالنبي لأنه خليفته فليس علي المكلفين تعيين من يتوجه له الخطاب من الشارع بذلك كما أنه ليس عليهم أن يعينوا شارعا يتوجه له الأمر من الله به، بل علي الشارع تعيين شخص لذلك كما كان علي الله تعالي أن يبعث شارعا بما يريد من الشرع واستقلال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في حياته بتأمير الأمراء دليل علي أن تعيين الأمير العام من بعده له وعليه لا للرعية ولا عليهم وإلا لفوض لهم ذلك في حياته فتبين أن عامة الناس ليسوا بمأمورين بتلك الأمور المذكورة علي الإطلاق وبذلك بطل الدليل. الثاني: إن التكليف بذي المقدمة بواسطة التكليف بذيها مشروط بقدرة [ صفحه 47] المكلف عليهما كما ذكره في دليله وأما إذا لم يكن المكلف قادرا عليها كالوقت للصلاة والاستطاعة للحج والنصاب للزكاة لم يكلف بها ولا بذيها، بل يكلف به إذا حصلت وتحصيل الإمام غير مقدور للمكلفين من جهتين. الأولي: إنه يشترط في الإمام المنصوب أن يكون مرضيا عند الله للإمامة ومعرفة المرضي عند الله لذلك من دون نص عليه متعذرة علي سائر المكلفين لعدم اطلاعهم علي الغيب وانقطاع الوحي بموت النبي وعدم المؤيد علي قول المستدل بالهام من الله وتفهيم وكون الظن لا يغني من الحق شيئا ولأن الظاهر قد يخالفه الباطن فربما يختار المكلفون من يؤدي نصبه إلي الفساد المطلوب إزالته من نصب الإمام وهم يظنون أنه صالح فلا يكون لله رضا وحيث كان معرفة من يصلح للإمامة عند الله ويكون نصبه لله رضا غير مقدور للرعية لم يجز أن يكونوا مأمورين به فبطل الدليل، اللهم إلا أن يقولوا إن الإمام لا يلزم أن يكون مرضيا عند الله ولا موسوما بالصلاح للإمامة لديه فحينئذ نجيبهم ونقول: فما الفرق بين هذا الإمام وبين الملوك المتغلبين علي العباد بالقهر والجبر، وأي فائدة في نصب هذا الإمام للدين، وأي مصلحة في حكومته للمسلمين، وكيف يجوز طاعة من لم يكن مرضيا عند الله للأمر والنهي؟ علي أنه لا يتم به الواجب المطلق لعدم قيامه بجميع الوظائف الشرعية ولسنا نتكلم في مثل هذا ولا موضع للقول فيه ولا اعتناء لنا بشأنه ولا حاجة لنا في ذكره إلا بما يذكر أمثاله كنمرود وفرعون. الثانية: إن الإمام المرضي عند جميع المسلمين يستحيل أن يكون واحدا بعينه باتفاق لاختلاف الآراء وتشعب الأهواء وميل كل فرقة إلي اختيار شخص لا سيما عند كثرة المسلمين وانتشارهم في البلاد وقبح الجبر فيما سبيله الاختيار وعدم جواز ترجيح اختيار البعض علي البعض الآخر لفقد المرجح فأين قدرة المكلفين علي تعيين واحد بعينه وما يختاره قوم يأباه قوم آخرون؟ وحديث أبي بكر مع الأنصار في السقيفة وما جري بينه وأصحابه وبين علي [ صفحه 48] (عليه السلام) والزبير ومن معهما وحديث غضب طلحة وتابعيه لنص أبي بكر علي عمر وعدم رضا علي (عليه السلام) والزبير ومن معهما أو حديث غضب طلحة وتابعيه لنص أبي بكر علي عمر وعدم رضا علي (عليه السلام) وجملة من الصحابة كعمار والمقداد وأمثالهما ببيعة عثمان وعدم انقياد جماعة كثيرة لعلي (ع) ظنا منهم أن إمامته ببيعة من بايعه كالأولين دليل واضح وبرهان لائح علي أنه لم يل الخلافة من رضي به جميع أهل الحل والعقد من المسلمين ولا أمكن لأحد تحصيل رضاهم بإمامته فكيف يكلفون بما لا يمكن حصوله أو يكلف أحدهم بما لا يمكن له تحصيله وهو رضا غيره باختياره فيقال له صير غيرك راضيا بما تختار ثم يكلف ذلك الغير بتصيير الأول راضيا بما يختار والأمران متقابلان والتكليفان متعاندان ولا يحصل بالقطع واليقين إلا بالإكراه وتحكيم حد الحسام وأعمال ماض السنان في الرؤس والأجسام، وأين هذا من الرضا المطلوب والاختيار المقصود؟ فبان أن نصب الإمام علي وجه لا يستلزم شيئا من المفاسد غير مقدور للأنام فبطل تكليفهم به المدعي. الثالث: من أدلتهم أن في نصب الإمام الاستجلاب منافع لا تحصي واستدفاع مضار لا تخفي وكل ما هو كذلك فهو واجب أما الصغري فتكاد أن تكون من الضروريات بل من المشاهدات وتعد من العيان الذي لا يحتاج إلي البيان وذلك لأن الاجتماع المؤدي إلي صلاح المعاش والمعاد لا يتم بدون سلطان قاهر يدرأ المفاسد ويحفظ المصالح ويمنع ما تتسارع إليه الطباع وتتنازع إليه الأطماع، وكفاك شاهدا ما يشاهد من استيلاء الفتن والابتلاء بالمحن بمجرد هلاك من يقوم بحماية الحوزة ورعاية البيضة وإن لم يكن علي ما ينبغي من الصلاح والسداد ولم يخل عن شائبة شر وفساد، ولهذا لا ينتظم أمر أدني اجتماع كرفقة طريق بدون رئيس لا يصدرون إلا عن رأيه ومقتضي أمره ونهيه، بل ربما يجري مثل هذا فيما بين الحيوانات العجم كالنحل لهم عظيم يقوم مقام الرئيس ينتظم به أمرها ما دام فيها وإذا هلك انتشرت الأفراد [ صفحه 49] انتشار الجراد وشاع فيما بينهم الهلاك والفساد، وأما الكبري فبالإجماع. والجواب أما المنافع الكثيرة في نصب الإمام فأمر معلوم وكذلك أن حفظ النظام منوط به وبدونه يختل أمر الدين وليس هذا محل النزاع، وأما دعوي تفويض الله نصبه إلي الأمة الذي هو موضع النزاع فغير مسلمة علي أنها هي مطلوبهم والدليل غير ناهض بها ولا واف بإثباتها وإنما غايته الدلالة علي وجوب نصب إمام يحصل به النفع ويدفع به الضرر، وعلي هذا يكون لطفا فيكون واجبا علي الله تعالي: ولم تكن فيه دلالة علي جعل ذلك للعباد، وهذا المعني هو المتنازع فيه وأيضا دل الدليل علي وجوب نصب الإمام لاستجلاب المنافع ودفع المضار والمفاسد، وفي تفويضه إلي المكلفين عكس ذلك المراد ونقيض الوجه المطلوب لما ذكرنا سابقا من اختلاف الآراء في الاختيار وميل كل طائفة من الناس إلي شخص بعينه غير من مالت إليه الطائفة الأخري فيقع بين العباد الجدال والخصام ويختل به النظام المطلوب التئامه من نصب الإمام وميل كل من الناس إلي هواه وأخذ كل منهم برأيه ومشتهاه، لا سيما إذا كان له الخيرة في ذلك وهذا أمر مشاهد بالعيان المستغني عن البيان وحصول الفساد بذلك أمر معلوم باللزوم وتسليم الخصوم وقد منعوا به من نصب إمامين في زمان واحد، ومن المعلوم لدي كل فاهم أن الاختلاف والفتنة اللذين نشأ منهما الفساد في هذه الأمة فسفكت الدماء وعطلت الحدود وغيرت الأحكام واختل نظام دين الإسلام إنما كانا من جعلهم نصب الإمام إلي الخلق واختلافهم في الاختيار [77] فتبين أن في جعل تعيين الإمام إلي الرعية لزوم مفسدة تزول بها المصلحة التي وجب لأجلها نصب الإمام وذلك غير جائز علي الحكيم، فالواجب لدفع المفسدة التي لا تحصل المصلحة إلا به أن يكون الإمام منصوبا من قبل من لا يجوز لأحد من الرعية مخالفته ولا [ صفحه 50] تسوغ لأحد من الناس معصيته ليكون ذلك حاسما للنزاع وقاطعا لطريق ذوي الأطماع، وليس كذلك إلا من هو منصوب من الله تعالي، فنصب الإمام لذلك يكون واجبا عليه فالدليل إن لم يكن لنا لم يكن علينا. وأما ما ذهب إليه الخوارج وما قال به أبو بكر الأصم وما ذهب إليه الفوطي وأتباعه [78] فهو مع كونه فاسدا بما دل من الأدلة علي وجوب الإمام مطلقا مبني علي جعل تعيين الإمام موكولا إلي العباد وقد أقمنا البرهان علي بطلانه وزيفنا أدلته وهدمنا رفيع بنيانه، وإذا بطل الأصل تبعه في البطلان فرعه لا سيما وحجة الخوارج موجبة لبطلان الاختيار حيث قالوا: " إن في نصب الإمام إثارة للفتن لأن الآراء مختلفة والأهواء متباينة فيميل كل حزب إلي أحد فتهيج الفتن وتقوم الحروب وما هذا شأنه لا يجب بل كان ينبغي أن لا يجوز إلا أن احتمال الاتفاق علي الواحد أو تعينه وتقرره باستجماع الشرائط وترجيحه من بعض الجهات منع الامتناع وأوجب الجواز " وأنت خبير بأن ما احتملوه غير حاصل ولا حصل فيما مضي فلم يبق إلا أن يكون نصب الإمام محرما وهو فاسد باتفاق المسلمين وواجبا علي الله دون الرعية لإزالة الخوف مما ذكروه من هيجان الفتن وقيام الحروب وهو المطلوب وحجة أبي بكر الأصم مبنية أيضا علي أن مصلحة نصب الإمام مقصورة علي إزالة الخوف وتأمين سبل المسلمين وليس بصحيح فإن للإمام مصالح كثيرة غير ذلك قد مر ذكرها وسيأتي وحجة الفوطي منقوضة بأن من جملة المصالح التي لأجلها نصب الإمام إزالة البدع وإذهاب الفتن وإماطة الاختلاف وردع أهل المعاصي عنها فلا يكون وجودها مانعا من وجوب نصبه والأمر في ذلك ظاهر.

فائدة جليلة

هي فرع ما أصلناه ونتيجة ما أبرمناه، إعلم أرشدنا الله وإياك إلي الحق [ صفحه 51] أن أصحابنا الإمامية وبعض فرق الشيعة قالوا إنه لا يجوز خلو زمان التكليف من إمام معصوم تقوم به الحجة لله علي خلقه وتزاح به علتهم، وتجتمع به كلمتهم، وتحصل به ألفتهم، ويدلهم علي مراشدهم ويهديهم إلي سبيل نجاتهم، ويبين لهم ما اختلفوا فيه من أمر دينهم وينتظم به أمر دنياهم، وتنجح به مطالبهم ومصالحهم في معاشهم ومعادهم، ويزول به الشك ويتضح به الحق وترتفع به الحيرة ويقمع به الباطل ويقام به الأود ويثقف به العوج، ويستبين بنوره طريق الهدي ويستضيئون بضياء علمه في حنادس الجهل وغياهب الظلماء، ولا يشترط تمكنه ولا علي الله تمكينه من إقامة عمود الدين وإعزاز دولة الإسلام بنفسه، بل يجب عليه القيام بذلك مع وجود المعين والناصر وبذل الطاعة ممن يحصل به النصرة والانتصار علي الأعداء، وخالفنا في ذلك مخالفونا القائلون بأن نصب الإمام من قبل الرعية من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم، فجوزوا خلو العصر من إمام بتلك المثابة علي أن مقتضي أدلة الطائفتين كما عرفت وجوب نصب الإمام عل العباد في كل زمان وإن تركه إخلال بالواجب عقلا كما عن المعتزلة أو شرعا كما عن الأشاعرة، ولازم ذلك ارتكاب الجميع منهم العصيان بتركهم نصب الإمام الذي تحصل به حماية حوزة الإسلام ويدفع به الضرر عن المكلفين في جميع الأزمان، إذ لا نراهم فعلوا ما أوجبوه علي أنفسهم والتزموا به في مذهبهم من قديم الأعصار فدخلوا بإخلالهم بالواجب عندهم في زمرة العاصين وكانوا بتركهم إياه في عداد الفاسقين، وحسبك بلزوم الفسق لهم وتوازرهم عليه لإهمالهم ما وجب عليهم بحكمهم دليلا علي فساد قولهم وبطلان مذهبهم، ومن ثم كان الصحيح ما عليه أصحابنا، ولنا علي ذلك مضافا إلي الأصل أدلة كثيرة من العقل والنقل.

لا يجوز خلو الأرض من إمام

الأول: إنا بينا أن الإمام لطف وأن اللطف منحصر فيه، واللطف واجب علي الله تعالي والأزمان متساوية والمكلفون متماثلون، فليس زمان [ صفحه 52] أولي باللطف من زمان ولا مكلف أحق به من مكلف آخر وليس يجوز في حكمة الله منع بعض المكلفين اللطف، فوجب إذن كون الإمام موجودا في جميع أزمنة التكليف فلا يجوز علي الله تعالي بمقتضي حكمة إخلاء زمان من أزمنة التكليف من إمام بالمعني المذكور وذلك بخلاف النبي فإنه وإن كان لطفا إلا أن اللطف غير منحصر فيه لقيام الإمام مقامه فيما بعث له من المصالح والفوائد فلذا جاز خلو الزمان من رسول حي ولم يجز خلوه من إمام ولذا قال العلامة جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي عطر الله مرقده في بعض كتبه.

النبوة لطف خاص والإمامة لطف عام

" الإمامة لطف عام والنبوة لطف خاص لإمكان خلو الزمان من النبي الحي بخلاف الإمام " انتهي وللشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه في هذا المقام كلام طويل لا بأس بنقل جملة منه لما فيه من الفوائد الجليلة قال روح الله روحه ونور ضريحه: " والفترات بين الرسل (عليهم السلام) كانت جائزة لأن الرسل مبعوثة بشرائع الملة وتجديدها ونسخ بعضها بعضا وليس الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) كذلك، ولا لهم ذلك لأنه لا ينسخ بهم شريعة ولا تجدد بهم ملة، وقد علمنا أن بين نوح وإبراهيم وبين إبراهيم وموسي وبين موسي وعيسي وبين عيسي ومحمد (صلي الله عليه وآله وعليهم) أنبياء وأوصياء يكثر عددهم، وإنما كانوا مذكرين لأمر الله مستحفظين مستودعين لما جعل الله تعالي عندهم من الوصايا والكتب والعلوم، وما جاءت به الرسل عن الله عز وجل إلي أممهم، وكان لكل نبي منهم مذكر عنه ووصي ومودع استحفظ من علومه ووصاياه، فلما ختم الله عز وجل الرسالة بمحمد (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يجز أن تخلو الأرض من وصي هاد مذكر يقوم بأمره ويؤدي عنه ما استودعه، حافظا لما ائتمنه عليه من دين الله عزو جل فجعل الله ذلك سببا لإمامة منسوقة منظومة متصلة لما اتصل أمر الله عز وجل لأنه لا يجوز أن تتدارس آثار الأنبياء والرسل [ صفحه 53] وأعلام محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وملته وشريعته وفرائضه وسنته وأحكامه، أو تنسخ وتخفي عليها آثار رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وشرائعه إذ لا رسول بعده، ولا نبي والإمام ليس برسول ولا نبي ولا داع إلي شريعة ولا ملة غير شريعة محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وملته فلا يجوز بين الإمام والإمام الذي بعده فترة والفترات بين الرسل جائزة فلذلك وجب أن لا بد من إمام محجوج به، ولا بد أيضا أن يكون بين الرسول والرسول وإن كان بينهما فترة إمام وصي يلزم الخلق حجته ويؤدي عن الرسل ما جاءوا به عن الله تعالي وينبه عباده علي ما أغفلوا يبين لهم ما جهلوا ليعلموا أن الله عز وجل لم يتركهم سدي ولم يضرب عنهم الذكر صفحا ولم يدعهم من دينهم في شبهة ولا من فرائضه التي وظفها عليهم في حيرة، والنبوة والرسالة سنة من الله جل جلاله والإمامة فريضة والسنن تنقطع ويجوز تركها في حالات والفرائض لا تزول ولا تنقطع بعد محمد (صلوات الله عليهم) وأجل الفرائض وأعظمها خطرا الإمامة التي تؤدي بها الفرائض والسنن وبها كمال الدين وتمام النعمة فالأئمة من آل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) لأنه لا نبي بعده يحملون العباد علي محجة دينهم ويلزمونهم سبل نجاتهم ويجنبونهم موارد هلكتهم، ويبينون لهم من فرائض الله عز وجل ما سد عن أفهامهم ويهدونهم بكتاب الله عز وجل إلي مراشد أمورهم فيكون الدين بهم محفوظا لا يعترض فيه الفسقة وفرائض الله عز وجل مؤداة لا يدخلها ذلل وأحكام الله خالصة لا يلحقها تبديل ولا يزيلها تغيير، فالرسالة والنبوة سنن والإمامة فرائض الله الجارية بمحمد (صلي الله عليه وآله وسلم) لازمة لنا ثابتة علينا لا تنقطع إلي يوم القيامة مع إنا لا ندفع الأخبار التي رويت أنه كان بين محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وعيسي (عليه السلام) فترة لم يكن فيها نبي ولا وصي ولا ننكرها ونقول إنها أخبار صحيحة ولكن تأويلها غير ما ذهب إليه مخالفونا من انقطاع الأنبياء والأئمة [ صفحه 54] الرسل (عليهم السلام) وإنما معني الفترة أنه لم يكن بينهما رسول ولا نبي ولا وصي ظاهر مشهور كمن كان قبله وعلي ذلك دل الكتاب المنزل أن الله عز وجل بعث محمدا علي حين فترة من الرسل لا من الأنبياء والأوصياء ولكن قد كان بينه (صلي الله عليه وآله وسلم) وبين عيسي أنبياء وأئمة مستورون خائفون منهم خالد بن سنان العبسي نبي لا يدفعه دافع ولا ينكره منكر لتواطؤ الأخبار به بذلك عن الخاص والعام وشهرتها عندهم وأن ابنته أدركت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ودخلت عليه فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (هذه ابنة نبي ضيعه قومه خالد بن سنان العبسي) [79] وكان بين مبعثه وبين نبينا صلوات الله عليه وآله خمسون سنة، وهو خالد بن سنان بن بعيث بن مريطة بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس حدثني بذلك جماعة من أهل الفقه والعلم " إلي أن قال: " وبعد فلولا الكتاب المنزل وما خبرنا الله عز وجل علي لسان نبينا المرسل (صلي الله عليه وآله وسلم) وما اجتمعت عليه الأمة من النقل عنه (صلي الله عليه وآله وسلم) في الخبر الموافق للكتاب أنه لا نبي بعده لكان الواجب للحكمة أنه لا يجوز أن تخلو العباد من رسول منذر ما دام التكليف لازما لهم، وأن يكون الرسل متواترة إليهم علي ما قال الله عز وجل: [ثم أرسلنا رسلنا تتري كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا] [80] فلما أخبر الله عز وجل [ صفحه 55] أنه قد ختم رسله وأنبيائه بمحمد (صلي الله عليه وآله وسلم) سلمنا ذلك وأيقنا أنه لا رسول بعده وأنه لا بد لنا ممن يقوم مقامه وتلزمنا حجة الله عز وجل به " إلي أن قال: " فالرسل والأنبياء والأوصياء لم تخل الأرض منهم وقد كانت لهم فترات من خوف وأسباب لا يظهرون فيها دعوة ولا يبدون أمرهم إلا لمن أمنوه حتي بعث الله محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم) فكان آخر أوصياء عيسي (عليه السلام) رجلا يقال له أبي ويالط وروي في ذلك أخبارا جمة " إلي آخر ما قال. [81] ولنقتصر مع ما ذكرناه في صدر الاستدلال في هذا الوجه علي كلامه فقد بلغ منه المرام فجزاه الله خيرا عن المسلمين والإسلام.

لله تعالي الحجة علي الناس و لا تقوم إلا بنصب مرشد

اشاره

الثاني: [82] إن الحجة لا تقوم لله تعالي علي خلقه بدون مرشد مأمون يبين للناس أمر الدين وتزاح به علة المكلفين ويهدي العباد إلي طريق الصواب ويرفع عنهم الاختلاف والحيرة ويؤيده قوله تعالي: [إنما أنت منذر ولكل قوم هاد] [83] الدال علي أن كل قوم لا بد لهم من هاد يهديهم إلي سبل الحق واعلم أن مبني هذا الدليل علي خمس مقدمات.

ان حكم الله تعالي واحد لا يختلف باختلاف المجتهدين

الأولي: إن الله سبحانه وتعالي في كل واقعة حكما معينا لا يختلف باختلاف المجتهدين ويدل علي هذه المقدمة آيات كثيرة مثل قوله تعالي: [وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم] [84] وقوله تعالي: [وكل شئ أحصيناه في إمام مبين] [85] وقوله تعالي:: [ما فرطنا في [ صفحه 56] الكتاب من شئ] [86] وما أشبهها من الآيات وكلها ظاهرة غاية الظهور في أن لكل أمر وفعل حدا وحكما عند الله تعالي وليس شئ عنده مهملا غير محدود بحد ولا محكوم عليه بحكم، وقد استفاض في الروايات عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من طرق أصحابنا أن الله جعل لكل شئ حدا وجعل لمن يتعدي ذلك الحد حدا، وأما ما يحتج به للمخالفين النافين تعيين حكم الله تعالي في كل واقعة من قوله تعالي: [يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته] [87] وقوله تعالي: [وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم] [88] فضعيف وتقرير حجتهم أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مأمور بتبليغ الأمة ما أنزل إليه من ربه وبيانه لهم، ومن المعلوم أنه لم يخالف الأمر فقد بلغ ما أنزل الله إليه وبينه وما بلغه الأمة وبينه لهم لم يف ببيان جميع الأحكام فلو كان لله تعالي في كل واقعة حكم لأنزله إلي نبيه ولو أنزله إليه لبلغه وبينه لأنه مأمور بذلك ولو بلغة وبينه لنقل إلينا وحيث لم ينقل إلينا مع توفر الدواعي علي نقله من حكم الشريعة إلا ما نقل علمنا نه لم ينزل عليه شيئا غيره فلم يكن لله في ذلك الغير حكم وكان الحكم فيه الاجتهاد فما أدي إليه نظر المجتهد في الواقعة الغير المبنية فهو حكم الله في حقه وحق مقلديه وهذه الحجة هي العمدة في احتجاجهم وليس لهم غيرها ما يعتني به أو يحتاج إلي الجواب عنه وهذه حجة منقوضة وشبهة مردودة بوجوه: الأول: منع العموم في آية التبليغ وإرادة الخصوص منها كما يشير إليه قوله تعالي فيها: [وإن لم تفعل فما بلغت رسالته] [89] فإنه لا يستقيم إلا بجعل مسمي رسالته المفعول لبلغت مغايرا لمصداق [ما أنزل إليك] [ صفحه 57] ليكون المعني بلغ هذا الأمر الخاص فإن لم تبلغه كنت بمنزلة من لم يبلغ ما سبق من الرسالة التي بلغتها ولو كان المراد العموم فيما أنزل إليك لم يكن لقوله تعالي: [فإن لم تفعل] الخ موقع لأن معناه يكون علي هذا بلغ جميع ما أنزل إليك وإن لم تبلغ جميع ما أنزل إليك لم تبلغ جميع ما أنزل إليك فوازنه وزان اضرب زيدا فإنك إن لم تضربه لم تضربه ومن البين لدي أولي الفطنة أن الكلام علي هذا التقدير غير مفيد لأن الجزاء هو عين الشرط فلم يحصل جزاء إذا لا بد في إفادة الجملة الشرطية من تغاير الشرط والجزاء، فعلي المعني المذكور من العموم يجب أن يكون الجزاء كلاما آخر مثل أسقطنا أجرك وعاقبناك وما جري هذا المجري وأقل ما فيه أن تكون الآية علي هذا الوجه خارجة عن قانون البلاغة والفصاحة التي نزل بهما القرآن فيكون مرغوبا عنه ومما يقوي ما ذكرناه من إرادة الخصوص من الآية بل يعينه أنها نزلت بعد نزول أكثر القرآن وبعد تبليغ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كثيرا من الفرائض والأحكام في أصول الدين وفروعه فيكون المقصود من الجملة أنك إن لم تبلغ ما أنزل إليك من ربك في هذا الأمر الخاص كنت كأنك لم تبلغ ما بلغت سابقا من رسالة ربك لكتم انك هذا الأمر، وفائدتها الحث والتأكيد علي المسارعة إلي تبليغ ذلك الأمر الخاص وهذا واضح لمن تأمل وذلك الأمر المذكور وهو تبليغ الناس أمر ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لا جميع الأحكام أي بلغ ما أنزل إليك من ربك في ولاية علي (عليه السلام) وهو المروي عن ابن عباس وجابر بن عبد الله من طريق الكلبي عن أبي صالح رواه الحاكم أبو القاسم الحسكاني أبو إسحق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي في تفسيره [90] وقال بمضمونه ومن أصحابنا رواه من الطريق المذكور [ صفحه 58] العياشي في تفسيره [91] وهو المتفق عليه في الرواية عن أئمتنا (عليهم السلام) بين أهل النقل عنهم، وهو الأصح أو أن الله بعث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) برسالة ضاق بها ذرعا وهاب قريشا فأنزل الله عليه الآية لإزالة تلك الهيبة وهو المروي عن الحسن البصري [92] وليس فيه ظهور مخالفة للقول الأول لاحتمال إرادته من الرسالة الوجه الأول وهو تبليغ ولاية علي (عليه السلام) ويومي إليه قوله وهاب قريشا إذ لم يرد أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) هاب قومه في تبليغ أمر إلا ولاية علي فإنه خاف منهم أن يكذبوه فيها وينسبوه إلي المحاباة كما جاء في الرواية عن ابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري برواية الحسكاني والثعلبي، أو المراد بلغ ما أنزل إليك من آيات القرآن وهو مروي عن ابن عباس أيضا وهو محتمل منها ويدخل الأول فيه بالعموم لأن ولاية علي منزلة في الآيات وبالجملة فكافة المفسرين قائلون بأن المراد من (ما أنزل) إليك الخصوص ولم ينقل أنها نزلت في الأمر بتبليغ جميع الوحي إلا عن عائشة وليس قولها مما يعارض ما ذكرناه مع أن في تصديق روايتها لو خلت عن معارض غاية الإشكال فكيف وقد خالفت جميع الأقوال التي كلها متفقة علي أن المراد من الآية الخصوص لا العموم المؤيدة بظهور الآية بل صراحتها في ذلك علي أن قولها لا يستلزم العموم لأن المروي عنها أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يكتم شيئا من الوحي للتقية ونحن نقول بذلك ونعتقد أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يكتم للتقية شيئا من الوحي وإنما كتمه لمصلحة أخري لأجلها أمر بكتمانه كعدم حاجة الناس إليه في زمانه (صلي الله عليه وآله وسلم) فلم يبينه لجميعهم أو غير ذلك من المصالح وكلامها لا ينفي ما أثبتناه فانتفي الخلاف عما نقول وآية التبيين يحتمل فيها ما ذكر عن ابن عباس أخيرا في آية التبليغ هو تبيين آيات القرآن أو تبيين [ صفحه 59] الشرائع والدلائل علي توحيد الله تعالي، ويحتمل أن يكون المبلغ والمبين بفتح اللام والياء في الآيتين الفرائض الدينية والأحكام الكلية والحدود الشرعية لا جميع الأحكام حتي الجزئية في الوقائع المتجددة ولا جميع الوحي، وهذا الوجه وإن لم يذكره أحد من المفسرين إلا أنه قريب من مفهوم الآيتين وإذا لم يكن المبلغ والمبين في الآيتين عامين سقط احتجاج الخصوم بهما علي مطلبهم، إذ لا دليل لهم فيهما إلا علي تقدير عموم المبلغ والمبين وشمولهما لجميع الأحكام كما هو ظاهر. الثاني: سلمنا أن مفاد الآيتين ظاهر العموم ولكن قد عارضتهما آيات أخر دالة علي أن لله في كل واقعة حكما معينا وأن لكل شئ عنده حدا مثل الآيات المتقدمة ومثل قوله جل وعلا: [وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلي الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب] [93] فإنها ظاهرة بل صريحة في أن كل ما حصل فيه اختلاف بين الأمة فلله فيه حكم معين ولم يكن مهملا عند الله تعالي والمنصوص لا يكون فيه اختلاف ومثل آيات الرد عند الشارع إلي الله وإلي الرسول وإلي أولي الأمر، وبيان توجيهها أن الرد إلي الله وإلي الرسول وإلي أولي الأمر عند التنازع في الحكم إما أن يكون لبيان الحكم ورفع الاختلاف فيه في تلك الواقعة أولا والثاني باطل قطعا وعلي الأول إما أن يكون لله تعالي في تلك الواقعة حكم معين بينه لرسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) وبينه الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) لولي الأمر أولا فإن كان الثاني فلا فائدة عليه في الرد عند التنازع إلي الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) إذ الاختلاف علي هذا لا يرتفع بالرد إليه لأن جوابه علي هذا الوجه للمختلفين إذا رجعوا إليه أنه ليس لله فيما اختلفتم فيه حكم معين بينه لي وانتظر بيانه لي حتي أخبركم به فيزول الاختلاف عنكم بل الحكم في واقعتكم [ صفحه 60] هذه دائر مدار الاجتهاد فما أدي إليه اجتهاد أحدكم فهو حكمه فليعمل عليه وهكذا يكون الجواب من ولي الأمر بعد الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) ومن الله أيضا فأي فائدة علي هذا في الرد إليهم عند التنازع إذا لم يكن الاختلاف مرتفعا به، بل يكون عبثا والله لا يأمر به فيثبت الأول وهو كون الرد إليهم لبيان الحكم المعين في الواقعة ورفع الاختلاف فيها بالبيان للمختلفين ذلك الحكم ومنه يثبت أن لله فيها حكما معينا وهو المطلوب، ومثل ذلك آيات أخر سيأتي ذكرها، وحيث حصل التعارض وجب الجمع بحمل الآيتين علي إرادة تبليغ أحكام خاصة وتبيينها لا علي جميع الأحكام وقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) للمظاهرة (وما أظنك إلا وقد حرمت عليه) بعد قوله (لم ينزل علي فيك قرآن) [94] شاهد بأن كل واقعة تقع فلله فيها حكم معين وأن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ينتظر الحكم فيها من الله تعالي حتي يحكم به. الثالث: سلمنا عموم الآيتين وشمولهما لجميع الأحكام وعدم تخصيصهما من الوجه السابق لكن لا نسلم وجوب التبليغ والتبيين لجميع المكلفين لم لا يجوز أن يكون تبليغ جميع الأحكام وتبيينه للبعض من المكلفين وهم أولوا الأمر وبه يحصل امتثال الأمر وآية الرد إليهم عند الاختلاف شاهدة بذلك بما مر من التقريب وما سيأتي، ولا ينافيه لفظ الناس وفي آية التبيين الظاهر في الجميع لإطلاق الناس في القرآن العزيز علي الواحد وعلي الجماعة قلوا أو [ صفحه 61] كثروا قال الله تعالي: [الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم] [95] وقال: [ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس] [96] وقال عز وجل: [أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله] [97] ومثله كثير يطول به الكلام والنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد بلغ جميع الوحي والأحكام وبينها لخلفائه الكرام فحصل المطلوب. الرابع: سلمنا العموم في الوجهين المبلغ والمبلغين والمبين والمبينين لهم لكن لا نسلم أن المراد تبيين جميع الوحي والأحكام لجميع الناس وتبليغهم إياها تفصيلا، لم لا يجوز أن الأمر بالتبليغ والتبيين لبعضهم تفصيلا في جميعها وللباقين تفصيلا وإجمالا، وإحالتهم علي من فصل له الجميع فيما لم يبينه لهم مفصلا؟ فيكون النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي هذا الوجه قد بلغ جميع الأحكام وبينها لجميع الناس وسينكشف لك هذا الوجه في المقدمة الآتية والنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد فعل ذلك فبين للأمة مفصلا ما بين من الفرائض وحدودها والمحرمات ومواضعها ودلهم علي من يرجعون إليه في بيان ما لم يبينه لهم فقال: (إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي) [98] وقال في شأن عترته (تعلموا منهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم) [99] وقال: (أقضاكم علي) [100] يعني أعلمكم بالقضاء وقال لعلي [ صفحه 62] (عليه السلام) فيما رواه أبو نعيم عن أنس: (أنت تؤدي عني وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي) [101] إلي غير ذلك مما سيأتي مشروحا عند ذكر النصوص علي أمير المؤمنين (عليه السلام) إن شاء الله تعالي وكله مصحح عند الخصوم، علي أنهم حيث اعترض جماعة من محققي الإمامية علي رواية أبي بكر عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) [102] فقالوا كيف يبين النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ذلك لأبي بكر ولم يبين لأهل الميراث أجابوهم بأنه إذ بين المولي من بعده فقد بين للأمة مع حكمهم بأن ولاية المذكور ليست من قبل الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وإنما هي من وجه اختيار قوم من الصحابة وهذا لازم فيما ذكرناه في الوجه الثالث وهنا من أن البيان للعترة بيان لجميع الناس لا سيما وولايتهم (عليهم السلام) كانت بنصه (صلي الله عليه وآله وسلم) عليهم ودلالته وإشارته إليهم بصريح القول وواضح المعني، وقد علم من جملة ما ذكرناه بطلان ما ادعوه من أنه ليس لله في غير ما نص عليه في الكتاب والسنة من الأحكام حكم معين في الوقائع وسلمت مقدمتنا الحاكمة بنقيض دعواهم من الايراد، ومن ذلك يتضح بطلان ما حكموا به من الاستغناء بالاجتهاد في غير المنصوص من الوقائع عن الرجوع إلي مستحفظ الأحكام ومستودع الوحي والمخصوص بعلم التأويل من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ومن يحل محله من أطائب ذريته المخصوصين من الله بالتفهيم والإلهام لبطلان ما بنوا عليه ذلك الحكم المردود من انتفاء حكم الله في جميع الوقائع والحوادث، وبعد فكيف يجوز عاقل علي ربه الحكيم العليم عدم علمه بكثير من الأمور وأنه لا يدري أهي [ صفحه 63] داخلة في حيز التحليل والتحريم حتي يحكم فيها ربيعة الرأي [103] وسالم بن أبيحفصة [104] والأوزاعي [105] وأبو حنيفة [106] وأضرابهم فهنالك يحدث له العلم بحكمها وتتجدد له المعرفة بحدها ورسمها فلا يزال علي هذا يخرج من جهل إلي علم باستمداده من أهل الرأي والقياس واستفادته من اجتهادهم المقرون بالشك والالتباس كما هو لازم قولهم الذي دلهم عليه الوسواس الخناس أعوذ بالله من هذه الجرأة العظيمة المستلزمة لنسبة الجهل للخالق الحكيم الخبير كأنهم لم يسمعوا قوله تعالي: [والله بكل شئ عليم، أليس الله بأحكم الحاكمين، إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين] [107] وغيرها من الآيات الكثيرة في الذكر الحكيم، علي أن صحة ما قلناه وبطلان قول الخصوم لا يحتاج من الدليل إلي أكثر مما ذكرناه من استلزام قولنا تنزيه البارئ تعالي عن النقص واستلزام قولهم نسبة الجهل إلي الحي القيوم وتحصيله العلم ومعرفته الحكم في خلقه وبريته وأفعالهم من اجتهاد المجتهدين فلقد وقع الحق وبطل ما كانوا يعملون. [ صفحه 64]

ان النبي بين الأحكام للأمة مجملا وللامام مفصلا

أي من المقدمات الخمس علي إثبات أن لكل قوم هاد. إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يبين جميع الأحكام مفصلة لكل الأمة بل بين لجميعهم بعضا تفصيلا وبعضا إجمالا وبين الكل لخلفائه مفصلا وأمر الأمة: بالأخذ عنهم والتعلم منهم والأدلة علي هذه المقدمة ظاهرة متكثرة. الأول: إن الأمة قد اختلفوا في الأحكام اختلافا شديدا ولو بين النبي (صلي الله عليه وآله) لجميعهم كل الأحكام مفصلة لما اختلفوا أما الأولي فمن المشاهدات، وأما الثانية فلأن اختلافهم في الحكم بعد بيان الرسول (صلي الله عليه وآله) أما لتعمدهم مخالفته وميلهم إلي الهوي وترك النص إلي الرأي أو لنسيان الجميع بيان الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وكل منهما غير جائز عند مخالفينا لأنهم لا يجوزون علي الصحابة الخطأ ولا مخالفة نص النبي (صلي الله عليه وآله) بل يحكمون بأنهم متبعون له في أفعاله وأقواله وأن إجماعهم حجة فلا سبيل إلي الحكم عليهم في اختلافهم بتعمد مخالفة بيان النبي (صلي الله عليه وآله) ولا نسيانه إذ ذاك يخرج إجماعهم عن الحجية فلم يبق إلا الحكم علي أن اختلافهم لعدم البيان إليهم علي التفصيل وهو المطلوب، وأما نحن فلا ننكر تعمد البعض لمخالفة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) في بعض الأحكام وتركهم نصه [108] وحصول الشبهة لبعض آخر بذلك حتي يخرج النص في نظره عن النصية فيحمله علي أبعد محامل التأويل لكن نمنع ذلك عن الكل في جميع الأحكام لو كانت كلها مبينة بالتفصيل لا عن البعض في البعض ولا من جهة [ صفحه 65] الشبهة، ولذا إنا نمنع اجتماع الأمة علي الخطأ في مثل وجوب الصلوات الخمس وعدد ركعاتها ومقادير نصب الزكاة وكيفية الحج ومواقفه وغير ذلك من الضروريات لأن الإمام في جملتهم يقينا وهو لا يجوز عليه الخطأ، فإن قيل فمن أين جاء الاختلاف وأنتم قلتم: إن النبي (صلي الله عليه وآله) قد بلغ الأمة جميع الأحكام بعضها تفصيلا وبعضها إجمالا ودل العباد علي من يرجعون إليه في بيان ما لم يفصله؟ قلنا: جاء الاختلاف من مخالفتهم أمر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بالرجوع إلي من أمرهم بالأخذ عنه والتمسك به في رفع ذلك عنهم وعدولهم عنه إلي آرائهم واجتهادهم إلا قليلا من الصحابة، فإن قيل: من هذا الرجل الذي أمر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) الناس بالرجوع إليه لرفع الاختلاف ببيان الحكم فعدلوا عنه إلي ما ذكرتم؟ قلنا: ذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد سبق ذكر يسير من الأدلة الواردة في أمر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بالتمسك به والأخذ عنه وسيأتي الكثير منه في موضعه إن شاء الله ومن بعده للطيبين من ولده (عليهم السلام) فإن قيل: فأنتم لم اختلفتم مع رجوعكم إلي من بين له النبي (صلي الله عليه وآله) جميع الأحكام مفصلة علي قولكم ولم لم يرفع الاختلاف عنكم ببيان الحق قلنا: إنا لا ننكر الاختلاف بيننا في مسائل الفقه وإنما نشأ ذلك من جهة عدم تمكن الحجة (عليه السلام) من بيان الحق للخوف علي شيعته من الطواغيت وذلك أنه قد ثبت بالتواتر شدة الخوف علي الإمامية في زمن ظلمة من بني أمية وبني العباس حتي آل الأمر إلي استحلالهم دم من يتهم بتشيع أو يذكر أهل البيت بخير فكان الإمام (عليه السلام) يفتي بعض شيعته بمر الحق ويفتي آخر بما يحتمل التأويل والوجوه ويفتي آخرين بما يوافق أقوال العامة لئلا تجتمع شيعته علي أمر واحد فيعرفوا فيؤخذ برقابهم وليس مزج الحق بغيره أو إخفائه في حكم أو أحكام في الفتوي للخوف علي النفس من الإزهاق بأعظم من إظهار الكفر وسب الرسول (صلي الله عليه [ صفحه 66] وآله وسلم) الذي جاز لعمار بن ياسر (رضي الله عنه) وغيره من المؤمنين لدفع القتل عن نفوسهم حتي أنزل الله عذره وعذر غيره في الكتاب بقوله عز وجل: [إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان] [109] وقوله تعالي: [إلا أن تتقوا منهم تقية] [110] وقوله تعالي في رجال ونساء من أهل مكة آمنوا أظهروا الكفر خوفا من أهاليهم فلم يكونوا معروفين بالإيمان ولأجل أن لا يصيبهم ضرر من المسلمين وهم لا يعلمون بهم صار صلح الحديبية [ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما] [111] بل كان دفع الضرر عنهم سببا لدفع القتل عن الكفار فمن هذا جاء الاختلاف بيننا وقد صح في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من الطريقين أنه لما استشاره قضاته فقالوا بم نقضي بين الناس؟ قال: (اقضوا كما كنتم تقضون حتي يكون للناس جماعة) [112] وهذا القول تصريح منه بأن قضاءهم السابق غير مرضي عنده، ولو كان عنده مرضيا لما علق الرخصة فيه إلي غاية يمكن حصولها وتبيين منه بأنه لم يتمكن في تلك الحال من بيان الحق، وحمل الناس عليه لعدم إذعانهم له بالطاعة التامة، وعدم تسليمهم إليه المقادة واختلافهم عليه وعصيانهم أمره، هذا وهو خليفة في الناس فما ظنك به في زمان تغلب من قبله وما ظنك بالأئمة من ذريته في حال تغلب الظلمة والطواغيت عليهم وعلي تابعيهم وما [ صفحه 67] زال الخوف علي الشيعة موجودا في وقت ظهور أئمتهم ولم يذهب شدة الخوف عنهم ويحصل لهم بعض الأمن في الجملة إلا من بعد اختفاء الحجة (عليه السلام) واستتاره حيث أخاف الطواغيت سبيله وعلم الظلمة أن لا إمام ظاهر للشيعة فهناك حصل الاختلاف لهم لعدم الوصلة إلي الإمام الذي يزول الاختلاف ببيانه ولم يبق إلا الأخذ بما روي عن آبائه وهو علي ما وصفنا لما ذكرنا فبقي الاختلاف الأول قائما كما هو، ومع هذا فإنا نقطع بأن كل مسألة اختلفنا فيها أن أحد الأقوال فيها هو حكم الله إلا أنا لا نعلمه بعينه فليس اختلافنا كسبيل اختلاف الخصوم لأن خلافهم واختلافهم حصل من اعرضاهم عن قول الحجة، واختلافنا مسبب عنه لحسن نظره إلينا، وأقوالنا لا تخلو من الحق وأقوالهم تخالفه دواما أو غالبا فافترقت الحال بيننا وبينهم وحصل العذر لنا ولم يحصل لهم فإن قالوا: إنكم وافقتمونا في زمان غيبة إمامكم في الاجتهاد فأنتم مثلنا قلنا لهم: ولا سواء فإن اجتهادنا باستعمال قوانين نصبها لنا الحجة (عليه السلام) في تميز الحق من الباطل بقدر وسعنا وطاقتنا واجتهادكم باستعمال الأقيسة التي اخترعها إبليس واحتج بها علي جواز ترك السجود لآدم والآراء التي نصبها لرد أمر الله تعالي وبين الوجهتين غاية البعد، وأيضا أن اجتهادنا في تحصيل حكم الله ممن قوله الحجة فنعذر بعد بذل الجهد إن أخطأنا واجتهادكم أنتم في تحصيل غير حكم الله إذ لا حكم له في تلك الواقعة عندكم فاجتهادكم لا لإحداث حكم لا يعرفه الله قبل ذلك بزعمكم ليحكم به عليكم وهو مع ما فيه من الزلل العظيم تصرف في ملك الغير بغير إذنه، وإيجاب ما لم يوجبه الله أو تحريم ما لم يحرمه، فالخطأ لازم له علي كل حال، والمعذورية مرتفعة علي جميع الأحوال لأن حكم ما لم يحرمه الله ولم يوجبه الإباحة البتة فإيجابه أو تحريمه خلاف حكم الله فكان اجتهادنا غير اجتهادكم فاجتهادنا مقدمة للواجب وهو تحصيل حكم الله في الواقعة واجتهادكم لإخراج المباح عن الإباحة والتكليف بما لم يكلف الله به [ صفحه 68] بزعمكم فزال اعتراضكم واندفع إيرادكم. الثاني: قوله تعالي: [ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم] [113] وتوضيح ذلك أن الرد إلي أولي الأمر عند الاختلاف إما لجهل المختلفين الحكم أو لا فإن كان الأول ثبت أن النبي (صلي الله عليه وآله) لم يبين لجميع الأمة كل الأحكام بالتفصيل بل بينها جميعها كذلك إلي أولياء الأمر بعده فيثبت المطلوب وإن كان الثاني كان التكليف بالرد إلي أولي الأمر تحصيلا للحاصل وهو ممتنع، فالتكليف به قبيح لا يكلف الله به علي أنه لا فائدة في الرد إلي ولاة الأمر مع العلم بالحكم من بيان النبي (صلي الله عليه وآله) فالأمر به عبث، هذا كله مع ظهور الآية من قوله تعالي: [لعلمه الذين يستنبطونه منهم] في الأول وهو كون الفائدة في الرد إلي أولي الأمر حصول علم للمستنبطين كانوا قبل الرد إلي أولي الأمر يجهلونه لكون هذا الجملة جواب الشرط في قوله [ولو ردوه] وحصول الجواب متوقف علي حصول الشرط ومفقود قبله فعلم المختلفين بالحكم قبل الرد إلي أولي الأمر مفقود وإذا فقد العلم ثبت ضده وهو الجهل فاتضح من هذا أن المختلفين قبل ردهم ما اختلفوا فيه إلي أولي الأمر واستعلامهم الحال منهم غير عالمين بحكم الله الواقعي في تلك الواقعة وما ذاك إلا لعدم التفصيلي لهم من النبي (صلي الله عليه وآله) وهو المراد. الثالث: ما ثبت عند الخصوم من أن عند بعض الصحابة من القرآن ما ليس عند البعض الآخر وأنه قتل من الصحابة في حرب مسيلمة [114] قوم [ صفحه 69] يقرؤون من القرآن شيئا لم يكن عند باقي الصحابة ولهذا لما أراد أبو بكر وعمر جمع القرآن كان من جاءهم بشئ منه وأقام عليه بينة قبلوه منه ومن لم يقم بينة علي ما أتاهم به منه ردوه واتفق الخصوم علي أنه لم يكن يحفظ القرآن جميعه في عصر النبي (صلي الله عليه وآله) من الصحابة إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهذا أوضح دليل علي أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يبين جميع لفظ القرآن لكل الصحابة بل يقرأ ما ينزل عليه منه علي من حضره منهم فما ظنك بمعانيه وبباقي الأحكام وقد روي مخالفونا أن زيد بن ثابت [115] لما أنكر عليه عمر في دعواه شيئا سمعه من رسول الله (صلي الله [ صفحه 70] عليه وآله وسلم) من جهة أن المنكر لم يسمعه جبهه بكلام قال فيه: لقد علمت أنه يؤذن لي وادخل وأنت تمنع في كلام آخر وصريحه دعوي زيد أنه سمع من النبي (صلي الله عليه وآله) ما لم يسمع عمر ولا من كان في طبقته وقد صدق عمر في دعواه في روايتهم تلك وادعي عبد الله بن مسعود [116] علم ما لم يعلمه زيد بن ثابت المذكور إلي غير ذلك مما هو مزبور في التواريخ والسير مما يعطي أن الصحابة كانوا مقرين بأن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بين لبعضهم ما لم يبين لبعض آخر وكفي بذلك شاهدا علي ما ندعيه. الرابع: إنه قد صح أن النبي (صلي الله عليه وآله) خص بعض الصحابة من العلوم بما لم يخص به سائرهم فأفضي من العلوم والأسرار والأحكام لعلي (عليه السلام) بما لم يفض بجزء منه إلي جميع الصحابة ثم بين لهم ذلك بقوله (صلي الله عليه وآله وسلم) " أنا مدينة الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها) [117] وقال فيه (علي خازن علمي وعيبة علمي) [118] وما أشبه ذلك من الأقوال ولهذا قال علي (عليه السلام) علي المنبر [ صفحه 71] وقد وضع يديه علي بطنه (هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله هذا ما زقني رسول الله (صلي الله عليه وآله) زقا أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فوالله لو سألتموني عن فئة تضل مائة وتهدي مائة لأخبرتكم بقائدها وسائقها إلي يوم القيامة وما من آية من كتاب الله نزلت في ليل أو نهار أو سهل أو جبل أو حضر أو سفر مكيها ومدنيها إلا وأنا عالم بتفسيرها وتأويلها وناسخها ومنسوخها) [119] وفيمن نزلت وقال لكميل بن زياد [120] (يا كميل إن هنا - وأشار إلي صدره - لعلما جما لو أصبت له حملة) وكثيرا ما يقول ما يضارع هذه المقالات ولما خطب يوما وذكر كلاما يخبر فيه عن قوم من الأتراك وما يفعلون في بلاد الإسلام من الفساد وقت خروجهم قال بعض أصحابه وكان كلبيا لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فضحك (عليه السلام) وقال للرجل (يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب وإنما هو تعلم من ذي علم وإنما علم الغيب علم الساعة وما عدده الله سبحانه إذ يقول: [إن الله عنده علم الساعة] [121] الآية، فهذا علم الغيب لا يعلمه أحد إلا الله وما سوي ذلك فعلم علمه الله نبيه (صلي الله عليه وآله) فعلمنيه ودعا بأن يعيه صدري وأن تضطم عليه جوانحي) إلي غير ذلك وكذلك خص النبي (صلي الله عليه وآله [ صفحه 72] وسلم) حذيفة بن اليمان [122] من أحوال المنافقين وفسر له من أسمائهم ما لم يفسر بعضه لكثير من الصحابة حتي أن عمر احتاج أن يسأله عن نفسه أهو من المنافقين أم لا كما رواه مخالفونا وأسر لسلمان أشياء كثيرة لم يظهرها لغيره من أصحابه وهكذا مما يطول ذكره. الخامس: أنه لو لم يكن النبي (صلي الله عليه وآله) بين لقوم ما لم يبين لغيرهم ولشخص ما لم يبينه لآخر من الأحكام لسقطت أخبار الآحاد وحرم العمل بها، وبيانه أن مضمون خبر الواحد لم يطلع عليه إلا راويه ولم يسمعه من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلا هو والمفروض أن النبي (صلي الله عليه وآله) لم يخص أحدا ببيان حكم دون أحد وأنه بين جميع الأحكام لكافة الصحابة فما هو من بيان النبي فهو معلوم لجميعهم وما ليس معلوما لجميعهم فهو ليس من بيانه (صلي الله عليه وآله وسلم) وخبر الواحد غير معلوم لكافتهم فيجب أن لا يكون من بيان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيكون مكذوبا ومخالفونا لا يرضون بذلك ولا يجوز عندهم إسقاط أخبار آحاد الصحابة وكيف يرضون به وهو مبني صحة مذهبهم ولولا العمل بها لزال أساس أئمتهم كما لا يخفي علي العارف بالحال ومنه يثبت المدعي. السادس: أنه قد صح عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنه قال: [ صفحه 73] (أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلم الناس علي قدر عقولهم) [123] ومن المعلوم أنه ليس في وسع جميع الصحابة معرفة جميع الأحكام الإلهية ولا في قدرة كافتهم حمل كلها وحفظ عامتها فوجب بمقتضي ذلك أن يخص بعضهم دون بعض بقدر ما يحتمله من العلم وقد روي عن عبد الله بن مسعود قال: " ما حدثت رجلا حديثا لا يبلغه عقله إلا كان له فتنة " ويروي مثله عن ابن عباس، والعقل السليم يحكم بصدق مضمونه، وقد صح عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا عبد امتحن الله قلبه للإيمان ولا يعي حديثنا إلا صدور أمينة وأحلام رزينة) [124] وكل ذا مروي عند مخالفينا في بعض كتبهم ويشير إليه من التنزيل قوله تعالي: [لا يكلف الله نفسا إلا وسعها] [125] وما أشبهه، وكل هذه الأدلة سالمة من القدح فيها يثبت المطلوب.

ان الله تعالي في كل واقعة حكما و لا يريد إلا العمل بحكمه

إن الله سبحانه وتعالي أراد من العباد العمل في كل واقعة بما هو حكمها عنده لا بما أدي إليه نظرهم واجتهادهم، يدل علي ذلك آيات كثيرة من القرآن كقوله تعالي: [ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون] [126] وفي أخري [فأولئك هم الظالمون] وفي ثالثة [فأولئك [ صفحه 74] هم الفاسقون] وقوله تعالي: [إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين] [127] وقوله سبحانه: [ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام] [128] وهذه الآية والتي قبلها وما أشبههما من أوضح الأدلة علي بطلان الاجتهاد لنفيه في الأولي حكم من سواه ونهيه في الثانية عن القول بالتحليل والتحريم بدون دلالة من قوله وكل ذلك ينافي بصريحه الرخصة في الاجتهاد كما تري، وقوله عز وجل: [فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما] [129] علق حصول الإيمان من المكلفين علي تحكيمهم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيما اختلفوا فيه ورضاهم بحكمه وتسليمهم لقضائه وهو يناقض رضاه منهم بالاجتهاد ومثلها قوله تعالي: [ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا] [130] وقوله تعالي: [أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون] [131] والآيات الدالة علي هذا المطلب كثيرة جدا. ومنها آيات الرد إلي الله وإلي الرسول وإلي أولي الأمر فإنها صريحة فيه، إذ لو رضي الله من المجتهدين بالعمل باجتهادهم، لم يكن في الرد إليه وإلي رسوله (صلي الله عليه وآله) وإلي ولاة الأمر عند التنازع والاختلاف فائدة، بل يكون عبثا لا يأمر به الحكيم فيجب أن يكون الرد المذكور لطلبه منهم العمل بحكمه المعين في الواقعة لا بما أدي إليه نظرهم وحصل من اجتهادهم وهو واضح لا يحتاج إلي زيادة البيان، والآيات الناهية عن اتباع [ صفحه 75] الظن وعن القول علي الله بغير علم مثل قوله تعالي: [ولا تقف ما ليس لك به علم] [132] وغيرها والآيات الواردة في ذم المقلدين لأسلافهم كلها علي كثرتها صريحة فيه، وتعدادها يوجب التطويل فلنكتف بالإشارة إليها مع ما ذكرناه، فإن قال قائل: فإنكم اختلفتم في كثير من المسائل الشرعية أفتري أن الله أراد منكم الاختلاف ولم يرد منكم العمل بالحكم المعين في تلك المسائل فإن قلتم: نعم، قال: خصومكم فنحن مثلكم قد أراد منا الاختلاف دون الحكم المعين وبطلت مقدمتكم، وإن قلتم لا، ناقضتم أنفسكم وأثبتم مخالفتكم لمراد ربكم وعلي كلا الوجهين لا يصح قولكم؟ قلنا أما نحن فإن الله تعالي رخص لنا في الاختلاف فيما اختلفنا فيه من المسائل الشرعية ولم يرد منا الاجتماع علي الحكم المعين فيه في زمان تغلب الظلمة علي الأئمة الحق ومنعهم إياهم من التصرف، والدليل علي ذلك ما ثبت في الشريعة المطهرة من اختلاف الأحكام باختلاف الأحوال والأشخاص، فإنا نعلم يقينا أن الله عز وجل أراد من مكلف في مسألة حكما معينا في حال وأراد منه في حال أخري حكما آخر وأراد من بعض أفراد المكلفين حكما في شئ وأراد فيه حكما آخر من آخرين فقد علمنا أن الله تعالي أوجب علي واجد الماء الوضوء للصلاة أو الغسل وأوجب علي فاقده التيمم، وأوجب علي المرأة في حال خلوها من الحيض والنفاس الصلاة والصيام وأوجب تركهما عليها في وقتهما، وأوجب علي الآمن الحاضر إتمام الصلاة وأوجب علي الخائف مطلقا وعلي المسافر قصر الصلاة الرباعية، وأوجب الجمعة علي الحر الصحيح الحاضر الذي بينه وبين محلتها أقل من فرسخين وأسقطها عن العبد والمرأة والمريض والمسافر ومن هو بعيد عنها بأكثر من فرسخين، وأوجب الزكاة علي من ملك النصاب ولم يوجبها علي من لم يملكه والحج علي المستطيع [ صفحه 76] وأسقطه عن غير المستطيع، وحرم الميتة والدم ولحم الخنزير علي العباد وأحل ذلك للمضطر غير الباغي والعادي، وحرم قتل المسلم وأحل قتل الباغي والعادي وقاطع الطريق، وحرم الكفر وأحل إظهاره عند الاكراه والخوف علي النفس وعدم القدرة علي دفع العدو عنها كما مر ذكره في قضية عمار إلي غير ذلك مما ورد في الشريعة الاختلاف فيه، ولا يخفي علي ذوي الخبرة مواضعه. وبالجملة أن الممنوع اختلاف حكم الله باختلاف المجتهدين ورضاه بالاجتهاد في دينه لا تغيير الله حكم المكلف بتغير أحواله وإذا أثبت اختلاف حكم الله علي المكلفين باختلاف أحوالهم فيما ذكرناه وفي غيره مما يطول المقام بنقله صح أن يرخص الله للإمام بل يريد منه في حال عدم تمكنه من تشخيص الحكم المعين في الواقعة لاتباعه وعدم تمكنهم من العمل به علي التعيين لخوفه الضرر علي نفسه في بيانه وعليهم في العمل به إلقاء الخلاف بينهم وخلط الحق بغيره في كثير من المسائل وأن يريد من كل واحد من شيعة الإمام العمل بما ألقي إليه الإمام من الحكم وما فهمه من قول الحجة لأن في ذلك دفع ضرر عن النفس ودفع الضرر عنها واجب، وكل ما توقف عليه الواجب وكان مقدورا فهو واجب عقلا وسمعا فإذا حصل الأمن وذهب الخوف عنا زالت الرخصة في الاختلاف وتعين علي الإمام تعيين الحكم المعين لرعيته وعليهم العمل به، نسأل الله تعجيل الفرج. وأما خصومنا فإن الله أراد منهم ما أراد منا من الإقرار للإمام بالإمامة والانقياد لطاعته والتسليم لأمره، والأخذ عنه والرجوع إليه في الأحكام، ولو أنهم فعلوا ذلك إذن لزال الخوف عن الإمام في بيان الحق لاتباعه إذ لا مخالف له وعنهم في العمل به لأن المسلمين علي هذا كلهم يكونون أتباع الإمام فلا خوف لأحد منهم علي أحد، لكن الخصوم لم يفعلوا شيئا من ذلك فلم يؤدوا ما أراد الله منهم من طاعة الإمام، بل أنكروا إمامته وخالفوه [ صفحه 77] ومنعوه وأتباعه من مخالفتهم وألزموه وإياهم بموافقتهم، وتوعدوه بالقتل إن لم يفعل وقتلوا من الأئمة من لم يقبل ما طلبوا منه من موافقتهم، ومن اتهموه بتبعية الإمام من المسلمين، فكان اختلافهم في الشرعيات ناشئا عن مخالفتهم ما أراد الله من طاعة الإمام وفرعا علي معصيته في حكمه المعين عليهم من تحري مخالفة الإمام فلم يكن الله ليريد منهم الاختلاف المسبب عن مخالفتهم مراده ولا ليرخص لهم فيه لأن أصل اختلافهم في أحكامه خروجهم عن طاعته في أمره وردهم عليه حكمه، والله تعالي لا يرخص لأحد من الخلق في معصيته ورد أمره ولا في أصل ذلك وفرعه، فكانت حالنا غير حالهم ولم يكونوا مثلنا لأنا غير قادرين علي إزالة المانع من إظهار الحق وهم متمكنون من إزالته ببذل الطاعة للإمام فافترقت الحال بيننا وبينهم، فإن قالوا: فما منع الإمام من جهاد العدو ودفعهم ليتمكن من بيان الحق وما منع أتباعه من معونته علي ذلك؟ قلنا: المانع للجميع عن الأمرين كون أتباع الإمام في جميع الأوقات لقلتهم بالإضافة إلي مخالفيهم غير متمكنين من نصرة الإمام إلي حد يبلغ به الغلبة علي أعدائه ودفعه الضرر عن نفوس أوليائه ليحصل له الإمكان من تعيين الحكم الواقعي فكان حكم الله في حقه وحقهم السكوت والكف فسبيلهم في هذه الحال سبيل المسلمين في مكة قبل الهجرة فإن الله أوجب عليهم الكف وترك الجهاد وأخبر عن ذلك عز وجل: [ألم تر إلي الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة الآية] [133] وذلك لضعف المسلمين يومئذ عن مدافعة المشركين ولزوم إتيان المشركين عليهم لو جاهدوهم لكثرتهم، وقد علم جميع الناس أن من جاهد من أئمة الحق لإحياء الدين قهر وقتل أفظع قتلة، وذلك لقلة ناصريه وسالم من قبله لكثرة خاذليه ولم يبلغ سيد أئمة الهدي مطلبه ولم يدرك مأربه من إقامة عمود الدين، [ صفحه 78] وإظهار الحق ونشر الأحكام لقصور أهل طاعته عن مقاومة مناويه وقلة مواليه عن عدد معاديه، فمن أين تحصل قدرة الباقين علي ذلك مع تفاقم الخطب واشتداد شوكة الظالمين وتشييد أركان دولة الفاسقين واحتياج الإمام في إزاحة الظلم والعدوان إلي اشتباك الحروب واستمرار القتل واستعار نار الوغا وإزهاق النفوس وليس معه من يقوم ببعض ذلك ويصبر عليه؟، فانزاح الاعتراض واتضح من جملة ما قلناه دفع الايراد وثبوت المراد بتوفيق من بيده التوفيق للسداد.

لا يكلف الله سبحانه بما لا سبيل إلي معرفته

إنه لا يجوز أن يكلف الله العباد بما لا سبيل لهم إلي معرفته ولا طريق لهم إلي استعلامه لأنه تكليف ما لا يطاق، والله تعالي منزه عن التكليف به، وهذه المقدمة قد دل عليها العقل والنقل، فأما العقل فإن العقلاء يستقبحون مؤاخذة الغافل ومعاقبة من لم يعلم قبل التنبيه والإعلام حتي شاع عند أولي الألباب أنه لا تكليف إلا بالبيان، وأما النقل فالآيات كثيرة مثل قوله تعالي: [ذلك إن لم يكن ربك مهلك القري بظلم وأهلها غافلون] [134] وقوله تعالي: [وما كنا مهلكي القري حتي نبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا] [135] وقوله: [وما كنا معذبين حتي نبعث رسولا] [136] وقوله: [لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل] [137] وقوله تعالي: [ولو إنا أهلكناهم بعذاب من قبله وقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك [ صفحه 79] من قبل أن نذل ونخزي] [138] وقوله تعالي: [لا يكلف الله نفسا إلا وسعها] [139] [لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها] [140] وقوله تعالي: [ما جعل عليكم في الدين من حرج] [141] وأي حرج أعظم من تكليف الإنسان بما لا يعلمه ولا دليل له عليه فيكون منفيا بعموم الآية؟، والآيات الدالة علي هذا المعني بالصريح غير ما ذكرناه كثيرة لا نطيل بذكرها القول، ومن السنة قول النبي (صلي الله عليه وآله) المستفيض [لا ضرر ولا ضرار في الدين] وتكليف الإنسان بما لا يعلم ضرر عليه ظاهر، وكثير من السنة صريح في المعني مما لا حاجة إلي ذكره، ولا يخفي علي الفطن الخبير علي أن ذلك هو المعروف من سيرة النبي (صلي الله عليه وآله) فإنه ما قاتل أحدا من المشركين إلا بعد الإنذار والإعذار إليه وإقامة الحجة إن طلبها منه، وهذه كانت سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) وبالجملة فالأمر في هذا واضح ومنكر ذلك مكابر لا يلتفت إليه لأنه قائل بوقوع المحال وهو محال وأولئك بعض حشوية العامة وبعض أهل الضلال الناسبين إلي الله تعالي القبيح قبحهم الله وأعمي بصائرهم وأعاذنا من مقالتهم.

لا طريق إلي معرفة الحكم المعين إلا من جهة بيان الامام

إنه لا طريق إلي معرفة الحكم المعين عند الله في الواقعة إلا من بيان خليفة الرسول (صلوات الله عليه)، والدليل علي ذلك أن نصوص الكتاب والسنة لا تفي إلا بيسير من الأحكام الشرعية، وظواهرهما لا تفيد اليقين [ صفحه 80] لكثرة الاختلاف فيهما واحتمالها الوجوه المتعددة، وباطن الكتاب لا تبلغه عقول الرجال ولا أفهام الناس كيف والله تعالي يقول: [وما يعلمه إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به] [142] وليس الراسخ في العلم إلا الإمام المؤيد من الله بالإلهام كما سيأتي فيه البيان التام، وأخبار الآحاد لا تفيد إلا ظنا مع أن كلا من ظواهر الكتاب والسنة النبوية المتواترة وأخبار الآحاد، لا تستوعب الأحكام والوقائع، والإجماع الضروري لم يحصل إلا في قليل من أحكام الشرايع، وما ليس بضروري لا يفيد العلم مع أن حجيته بدون دخول من لا يجوز الخطأ عليه في الأحكام في جملة المجمعين غير ثابتة لجواز الخطأ علي الآحاد فيجوز علي الجملة، ولا قدح في ذلك بالأخبار المتواترة لأنها إخبار عن محسوس والإجماع إخبار عن أمر نظري، وليس يتطرق إلي المحسوسات من الخفاء والاشتباه ما يتطرق للأمور النظرية غير اليقينية فلذلك امتنع الاشتباه في المحسوسات علي الخلق الكثير عادة دون النظريات وحصل القطع بأخبار جماعة كثيرة لا يحتمل تواطئهم علي الكذب فيها دون النظريات والمعاني المعقولة فإن احتمال اتفاق الأفهام علي الخطأ فيها قائم فتبين الفرق وزال القدح، والقياس لا يفيد إلا وهما غير معتبر في الشرع، لأن المطلوب معرفة الحكم باليقين لا بالوهم، علي أن أصحابنا أبطلوه من الأصل واحتج لإبطاله شارح الباب الحادي عشر بأن مبني شرعنا علي اختلاف المتفقات كوجوب الصوم آخر رمضان وتحريمه أول شوال، واتفاق المختلفات كوجوب الوضوء من البول والغائط، واتفاق القتل خطأ والظهار في الكفارة، هذا مع أن الشارع قطع سارق القليل دون غاصب الكثير، وجلد بقذف الزنا وأوجب فيه أربع شهادات دون الكفر وذلك كله ينافي القياس، وقد قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) (تعمل هذه الأمة برهة بالكتاب وبرهة [ صفحه 81] بالسنة وبرهة بالقياس فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا وأضلوا) [143] انتهي قلت: والأدلة علي بطلان القياس كثيرة قد تكفلت ببيانها كتب أصحابنا في الأصول وليس الغرض هنا التنصيص علي بطلان القياس حتي نستزيد من الأدلة علي فساده وإنما الغرض نفي كونه طريقا إلي تحصيل الحكم التكليفي وهو حاصل بما ذكرناه، وأما الرجوع إلي البراءة الأصلية فظاهر أنه مستلزم لرفع أحكام كثيرة لأنها عبادة عن أصالة براءة الذمة من الوجوب والتحريم فليست بطريق لبيان الأحكام فتبين أن لا طريق لمعرفة جميع أحكام الله المطلوبة من المكلفين إلا بيان الإمام لأن بيان الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يحصل في الجميع لكافة الناس كما مر بيانه ووضح برهانه فلا بد من قائم مقامه في ذلك وهو خليفته والوارث منزلته ليبين للأمة ما احتاجوا إليه، وحيث سلمت هذه المقدمات وصحت ثبت منها أن الحجة لله لا تقوم علي العباد والعلة لا تزاح عنهم في جميع أزمنة التكليف إلا بهاد يهديهم إلي الحق ومرشد يرشدهم إلي الصواب ودليل يدلهم علي طريق الهدي وعالم لا يتغير علمه يبين لهم ما اختلفوا فيه من أمر الدين ويقيم لهم الكتاب ويوضح لهم متشابهات الآيات ويفصل لهم مجملات السنة ويفسر لهم ما جهلوه من حدود الملة وذلك هو الإمام، فإذن يجب في حكمة الله تعالي لذلك نصب إمام يحصل به المطلوب في كل أزمنة التكليف ولا يجوز أن يخلو عصر من أعصار التكليف ولا وقت من أوقاته عمن يحصل به الغرض المذكور وتكون له تلك المرتبة الشريفة. الثالث [144] من الكتاب المجيد وهو قوله تعالي: [يوم ندع كل أناس [ صفحه 82] بإمامهم] [145] فإنه صريح في أن لكل أناس إماما، وإضافته إلي ضميرهم يدل علي تغيره بتغيرهم فيكون لكل عصر إمام، وقد قال المفسرون في معني الآية أنه ينادي في الموقف يا أتباع فلان ويا أصحاب فلان فينادي كل قوم باسم إمامهم، وهو نص فيما قلناه من أنه لا بد في كل عصر من إمام، وأنه شخص إنساني لا القرآن إذ لا يتغير بتغير الأزمان ولا يكني عنه بفلان، وقوله تعالي: [إنما أنت منذر ولكل قوم هاد] [146] وهو أيضا نص في أن كل قوم لا بد أن يكون فيهم هاد يهديهم إلي حكم الله ويدلهم علي ما يقربهم إليه وليس عصر من الأعصار إلا وفيه من هو كذلك، فإذن وجود الإمام واجب في كل أعصار التكليف، وجملة من الآيات المتقدمة تومي إليه وكذا غيرها وإن لم تكن صريحة فيه.

من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية

الرابع: الأخبار الدالة علي عدم خلو العصر من حجة لله علي خلقه عالم لا يتغير علمه فمنها الخبر المشهور وهو قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية) [147] وفي لفظ عبد الله بن عمر كما رواه الإسكافي [148] (من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية) ولفظ الصدوق [ صفحه 83] منا: (من مات وليس له إمام..) إلي آخره وذكر بهاء الدين الشيخ الجليل محمد بن حسين بن عبد الصمد العاملي في شرح الأربعين لفظ الحديثين هكذا (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) [149] مشعرا بالاتفاق عليه وعلي كل حال فالخبر دال علي أنه في كل زمان إمام تجب معرفته علي المكلفين ولا يجوز لأحد جهله وأن من مات من المسلمين ولم يأتم به مات ميتة كفر ولم ينفعه إسلامه ولا ما عمله من افعال الخير، ولما قلناه طرق عبد الله بن عمر بن الخطاب علي الحجاج بابه ليلا ليبايعه لعبد الملك بن مروان فقال الحجاج لحاجبه: قل له يأتي الصبح فأبي أن ينصرف قبل المبايعة وذكر الحديث [150] مستدلا به وأنه خاف أن يطرقه الموت في تلك الليلة فيموت ولا إمام له كما رواه العامة من أمره وفعله ولا يجوز أن يكون المراد بالإمام في الحديث المذكور القرآن كما زعم بعض أهل الخلاف لوجوه. الأول: إن القرآن لا يجهله أحد من المسلمين ولا يزعم مخالفته أحد، والإمام المذكور في الخبر مما تقع عليه الخفية وتعرض للناس فيه الجهالة، وإنهم يكونون بين عارف به وجاهل ومؤمن به وتارك فيكون غير القرآن. الثاني: إن الإمام المذكور في الخبر مما يتغير بتغير الأزمنة وتغير المكلفين ولو لم يكن كذلك لم يعرض للناس عدم معرفته فيموت منهم من ليس عارفا به ولا معتقدا إمامته والقرآن لا يتغير بتغير الزمان فيكون الإمام المذكور غير القرآن. الثالث: إن لفظ الإمام ظاهر في شخص إنساني له رتبة الإمامة لأنه هو المتبادر منه عند الإطلاق ويرشد إليه أن الإمام في الخبر لو كان المراد به القرآن [ صفحه 84] لكان المراد إما معرفة أحكامه أو العمل به أو معرفة أنه كتاب الله وأن ما فيه من الأحكام عن الله وهو التصديق به المعبر عنه بالمعرفة الإجمالية، لا شئ غير هذه الثلاثة فإن كان المراد الأول فأكثر المسلمين غير عارفين بأحكام القرآن وإنما يعرفه الأوحدي من العلماء والمقلد لا يطلق عليه لفظ المعرفة في العرف القديم ولا باعتبار اللغة العربية فيجب حينئذ أن يكون جميع الناس مكلفين بمعرفة أحكام القرآن ومعانيه عن نظر واجتهاد ومن قصر عن ذلك من المسلمين مات كافرا وهذا مخالف لاتفاق الأمة إذ لا يشترط أحد من أهل العلم ذلك في صحة الإيمان ثم كيف تحصل لأحد من العلماء معرفة معاني القرآن والإحاطة بما فيه من الأحكام علي التمام مع اشتماله علي المتشابه والمجمل والخاص والعام والناسخ والمنسوخ وغير ذلك من الوجوه، وعلي هذا لا يموت أحد من الناس إلا كافرا لتعذر الإحاطة بمعرفة القرآن عليه ولا شك في بطلان هذا الوجه وملزومه، وإن كان الثاني فأكثر الناس غير عاملين بالقرآن بل نبذوا أحكامه وتركوا أوامره وعصوا زواجره ولم يعمل به ولا يخالفه في جميع الأحكام إلا يسير بل أيسر من اليسير ومن عمل من الناس به لم يعمل من أحكامه إلا بالقليل فيجب علي هذا أن من مات وهو عاص فقد مات كافرا لعدم امتثاله لبعض أحكام القرآن علي أن ذلك لازم في أكثر الناس لما أخبر الله سبحانه في القرآن عن عصيان أكثر الناس بقوله: [وقليل من عبادي الشكور] [151] وقوله تعالي:: [ولا تجد أكثرهم شاكرين] [152] وبطلان هذا واضح كالأول لا سيما عند الخصوم، وإن كان الثالث فذاك لا يجهله مسلم ولا ينكره مقر بنبوة نبينا محمد (صلي الله عليه وآله) فلا معرض للجهالة فيه فلا معني لتقسيم الناس بين ميت علي معرفته وميت علي الجهل به كما هو مفاد الخبر فظهر من ذلك أن المراد بالإمام فيه غير القرآن، ولا يجوز [ صفحه 85] أن يراد منه إمام المذهب مطلقا - كما أنه ربما يقول به متعصب من القوم المخالفين لوجوه.

المراد بالإمام إذا أطلق إمام الجميع

الأول: إن المتبادر من لفظ الإمام في المقام - بل إذا أطلق مطلق - الرئيس العام المنصوب من قبل الملك العلام لا فقيه قلده في فتاواه جملة من الرعاع وحثالة من الناس والتبادر أمارة الحقيقة. الثاني: إن تسمية الفقيه الذي قلده قوم علي ما ذكرناه بالامام إنما هو شئ طار من متأخري مخالفينا واصطلاح جديد منهم ولم يكن معروفا في القديم ولا يعرفه الصحابة ولا التابعون ولا من بعدهم بطبقات متعددة وإنما يعرفون من الإمام الرئيس العام، فيلزم أن جعلنا لفظ الإمام في الخبر واقعا علي فقيه مقلد لقوم أن يكون النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) خاطب أصحابه بما لا يعرفونه وكلفهم بما لا يفهمونه وذلك غير جائز. الثالث: إن الإمام في الخبر لو كان كما يظن من أنه الفقيه المذكور لوجب أن يكون الناس قبل اختراع المذاهب الأربعة ماتوا علي الكفر حتي الأئمة الأربعة لأنهم ماتوا ولم يعرفوا أنهم بالمنزلة التي جعلها لهم أكثر العامة ولا دخل في خلدهم ذلك ولا ظنوا أنهم يكونون أئمة لا يجوز مخالفتهم وقتا ما، ويكون الصحابة ومن بعدهم ماتوا كفارا لأنهم لم يعرفوا أن أئمة المذاب ويكونون فلانا وفلانا إلي آخرهم، وهذا ما لا يقول به مميز ولا المراد السلطان المتغلب الجائر كما ذكره بعض العامة إذ لا تجوز ولايته ولا الركون إليه بنص القرآن في قوله تعالي: [ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار] [153] فكيف يكفر من مات جاهلا به وغير معتقد إمامته، وهذا لا يرتاب فيه ذو فهم ولقد رووا عن إمامهم أبي حنيفة أنه قال: " لو دعاني اللص [ صفحه 86] الدوانيقي إلي حمل آجرة إلي بناء مسجد ما أطعته " [154] وإذا بطل ما احتملوه من الاحتمالات في الخبر في معني الإمام تعين أن يكون المراد منه ما ذكرناه وهو الرئيس العام المنصوب من الله لهداية الناس وحماية حريم الإسلام، والظاهر من ابن أبي الحديد [155] ظهورا يقرب إلي التصريح أن المراد بالامام في الخبر الأئمة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأن من مات وهو عارف بهم كان مؤمنا ومن مات ولم يعرفهم مات فاسقا وخلد في النار وأراد بهم الخلفاء الأربعة ومن صحت إمامته بعدهم عند أصحابه، وليس المراد من الإمام من هو في زمان المكلف الميت، وجوابه معلوم مما ذكرناه في أول الكلام علي معني الخبر ويؤيده ما رووه وهو أيضا من الراوين لفعل عبد الله بن عمر مع الحجاج وقد مر ذكره فإنه مصرح بأنه فهم من الإمام المذكور في الخبر إمام زمان المكلف لا الإمام الذي مضي زمانه وانقضي دوره، وإن كان قصر في النظر حيث جعل إمام الفساق الذي تجب عداوته كإمام الحق الذي تجب معرفته، بل رجح الأول علي الثاني فقعد عن بيعة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وخذله مع الخاذلين وفعل ما سمعت في بيعة عبد الملك ولقد أزري عليه الحجاج بذلك واستحقره حتي أنه لم يجلس له ولم يعطه يده بل أخرج إحدي رجليه من اللحاف وهو نائم وقال بايعها فإن يدي عنك مشغولة [156] وهذا من فرط جهله أو شدة عداوته لأمير المؤمنين (عليه السلام) يرثها لا عن كلالة، والحاصل أن الخبر واضح في أن لكل زمان إماما تجب معرفته علي المكلفين ولا يسعهم جهله لا سيما علي ما ذكره البهائي في لفظ الحديث، والاحتمالات مزيفة وهو المطلوب روي ثقة الإسلام محمد بن يعقوب [ صفحه 87] الكليني بسنده عن بريد قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في قول الله تبارك وتعالي: [أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس] [157] فقال: (ميت لا يعرف شيئا ونورا يمشي به في الناس إماما يأتم به، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها قال: الذي لا يعرف الإمام) [158] وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالي: [ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خير كثيرا] [159] قال: طاعة الله ومعرفة الإمام [160] انتهي. ومنها: قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في حديث الثقلين (لم يفترقا حتي يردا علي الحوض) فبين بذلك أنه لا بد من متمسك به مع القرآن من عترته في كل زمان لا ينقطع في وقت ما دام التكليف باقيا حتي يردا عليه الحوض وهو وقت انقطاع التكليف وذلك المتمسك به الذي هو قرين القرآن هو الإمام المدعي إذ لا يجوز أن يكون غيره فيكون باقيا ما بقي التكليف كبقاء القرآن فيجب أن يكون في كل عصر من هو كذلك حتي تصدق القضية التي لا يجوز عليها الكذب. ومنها: ما رواه الحاكم وصححه علي شرط الشيخين من قول النبي (صلي الله عليه وآله): (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف) [161] وروي أحمد بن حنبل عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض) [162] وروي جماعة من محدثيهم عن النبي (صلي الله عليه [ صفحه 88] وآله وسلم) قال: (النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي) [163] وفي رواية أخري (أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات من كانوا يوعدون) [164] قال في إسعاف الراغبين وهو من أشد المخالفين بعد نقل هذه الأخبار وقد يشير إلي هذا المعني قوله تعالي: [وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم] [165] قيام أهل بيته مقامه في الأمان لأنهم منه وهو منهم كما ورد في بعض الطرق انتهي [166] . أقول وهذه الأخبار صريحة في أنه ما دام التكليف باقيا فلا بد من شخص من العترة يؤمن به أهل الأرض من الاختلاف وأن الأرض لا يمكن خلوها من شخص بهذه المثابة ولو خلت منه لهلك أهلها وذهبوا، فهم أمان لأهل الأرض من الهلاك والاختلاف، وليس كذلك إلا من ذكرناه وهو الإمام المنصوب من قبل الله لبيان الأحكام ورفع الاختلاف وإزالة الاشتباه عن المكلفين في الحلال والحرام لا مع جميع قرابة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إذ ليس كلهم ممن يرضي مذهبه ويحمد طريقه. وبالجملة أنه لا يصلح لرفع الاختلاف ويكون أمانا منه ومن الهلاك للعباد إلا من هو مؤيد من الله بالإلهام ومخصوص من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بالاعلام لا يتغير علمه ولا يتبدل حكمه وما سواه لا يكون كذلك كما هو ظاهر، وهذا تصديق ما روي عن أئمتنا (عليهم السلام) في هذا المعني روي الشيخ الجليل محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسي بن يونس عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أحدهما [ صفحه 89] (عليهما السلام) قال: (قال: إن الله لم يدع الأرض بغير عالم ولولا ذلك لم يعرف الحق من الباطل) وعن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تبقي الأرض بغير إمام؟ قال: (لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت) وعن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسي عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: أتبقي الأرض بغير إمام؟ قال: (لا) قلت: فإنا نروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنها لا تبقي بغير إمام إلا أن يسخط الله علي أهل الأرض أو علي العباد فقال: (لا تبقي إذا لساخت) [167] وعن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسي عن أبي عبد الله المؤمن عن أبي هراسة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله) وعن الحسين بن محمد عن معلي بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبي علي بن راشد قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): (إن الأرض لا تخلو من حجة وأنا والله ذلك الحجة) [168] إلي غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يضيق بنقل بعضها المقام. ومما يدل علي المطلب من كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) وأقواله الذي ثبت عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في حقه (إنه مع الحق والحق معه) كثير نذكر منه شيئا. فمنها: قوله لكميل بن زياد في كلام طويل (اللهم بلي لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهورا وإما خائفا مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيناته وكم ذا وأين؟ أولئك والله الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا يحفظ الله حججه وبيناته حتي يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم علي حقيقة البصيرة وباشروا روح اليقين واستلانوا ما [ صفحه 90] استوعره المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلي أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلي دينه، آه آه شوقا إلي رؤيتهم) [169] وهذا الكلام نص صريح في وجوب دوام الحجة وبقاء الخليفة في الأرض ما دام التكليف باق لا يموت واحد حتي يخلفه من يقوم مقامه وحمل ابن أبي الحديد هذا الكلام علي الأبدال السائحين [170] في الأرض فاسد يرد قوله (عليهم السلام): (وخائفا مغمورا) فإن الأبدال الذين عناهم ابن أبي الحديد لا خوف عليهم من أحد ثم إنه من أين يكون لأحد هذا المقام الذي ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام) وهذه الأوصاف غير الأئمة بالمعني الذي قدمناه خصوصا قوله (عليه السلام): (لئلا تبطل حجج الله وبيناته " وقوله: " هجم بهم العلم علي حقيقة البصيرة " إلي آخر الأوصاف إذ من المعلوم البتة أنه ليس أحد من المقلد الذين لا يعرفون الحلال والحرام إلا من فتوي إلي أبي حنيفة ومالك والشافعي وأضرابهم الذين يقيسون الدين برأيهم بقائم لله بالحجة وهو مقلد لمن لم يقم بها فمن أين هجم العلم بهؤلاء علي حقيقة البصيرة؟ بل من أين حصلت لهم البصيرة هم مقلدون لمشايخهم، وهم مختلفون؟ والخارج عن تقليد المشائخ الأربعة غير صحيح العبادة عند المعتزلي فمن أين يكون قائما بحجة الله إلي آخر الأوصاف؟ ومن أرادهم بقوله لم ينالوا من البصيرة ما يبل صدي الظمئان؟ علي إنا لا نعرف الأبدال السائحين في الأرض ولم ندرك منهم من هو مصداق هذه الأوصاف حتي نجعل من لم نره منهم بحكمه كما رأينا الإمام الظاهر وجعلنا الغائب بحكمه بل إنا لا نعرف السائحين إلا القوم الذين يقال لهم الكلندرية والعامة يسمونهم أولياء ويطلق عليهم الناس لفظ الدراويش وهؤلاء قوم لا يصلون فضلا عن أن يكونوا يحسنون الصلاة افتري هؤلاء الذين عناهم أمير المؤمنين بأن باشروا [ صفحه 91] روح اليقين أو أنهم خلفاء الله في أرضه والدعاة إلي دينه؟ وسائحا غير هؤلاء لا نعرفه، إن صريح كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) أن القوم الذين وصفهم منهم ظاهر ومنهم مستور وكلام المعتزلي مصرح بأن جميع السائحين مستورون لا يعرفون، فلا يطابق كلامه لفظ الخبر ومعناه فلا يصلح أن يحمل عليه، وبالجملة أن كلام المعتزلي لا معني له وإنما هو من ضيق الخناق فيتعلل بما لا يجدي نفعا والله الهادي. ومنها: قوله (عليه السلام) في خطبة له (والهجرة قائمة علي حدها الأول ما كان لله في أهل الأرض حاجة من مستسر الأمة ومعلنها لا يقع اسم الهجرة علي أحد إلا بمعرفة الحجة في الأرض فمن عرفها وأقر بها فهو مهاجر ولا يقع اسم الاستضعاف علي من بلغته الحجة فسمعتها أذنه ووعاها قلبه) [171] وهذا الكلام من أصرح الصريح في أن الأرض لا تخلو من إمام تجب معرفته وإن من عرفه صح عليه اسم الهجرة فسمي مهاجرا وإن من لم يعرفه سمي مستضعفا لا دين له وهو قوله (عليه السلام)، لا يقع اسم الهجرة علي أحد إلا بمعرفة الحجة في الأرض ولا يقع اسم الاستضعاف إلي آخره وأن ذلك باق ما دام التكليف موجودا وهو قوله (عليه السلام) " ما كان لله في أهل الأرض حاجة " وقد اعترف المعتزلي بذلك فإنه لما ذكر الفرق بين هذه الهجرة التي ذكرها أمير المؤمنين وبين الهجرة التي ذكرها النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بقوله: (لا هجرة بعد الفتح) وخص الأولي بالهجرة إلي الإمام قال: ثم ذكر يعني أمير المؤمنين أنه لا يصح أن يعد الإنسان من المهاجرين إلا بمعرفة إمام زمانه وهو معني قوله: (إلا بمعرفة الحجة في الأرض) قال: فمن عرف الإمام وأقر به فهو مهاجر قال: ولا يجوز أن يسمي من عرف الإمام مستضعفا - إلي أن قال -: وشيعة الإمام ليست الهجرة بالبدن مفروضة عليهم بل تكفي معرفتهم به وإقرارهم بإمامته فلا يقع اسم الاستضعاف [ صفحه 92] عليهم [172] انتهي قوله: ولازم قوله أنه من المستضعفين لأنه لا إمام له علي طبق مذهبه والخلفاء الفساق الذين في زمانه من بني العباس لا يصلحون للإمامة علي الوجه المذكور في قول أصحابه، وإمامنا المستور عن أهل الغرور لا يثبت هو وجوده بل ينفيه في مواضع كثيرة بالصريح من كلامه فبقي حينئذ بلا إمام عدل فهو من المستضعفين لا محالة، والعجب منه في هذا الموضع أنه لم يذكر أن الإمام الذي معرفته تكون هجرة هو القطب الذي كان يدعيه في شرح كثير من خطب أمير المؤمنين المشابهة في المعني لهذه الخطبة، وأظنه هنا نسي ذلك و لم يتصور أن الكلام نص في مذهب الإمامية ليتصدي لدفعه ولو بالراح ولستره ولو بالزجاج، وأنت خبير بأن الكلام المذكور صريح وأي صريح فيما ندعيه. واعلم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أراد بالمهاجر والمستضعف في قوله المذكور وأشار به إلي ما في قوله تعالي: [إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها] [173] الآية فمن عرف الإمام في زمانه كان مهاجرا في الأرض وإن لم يخرج من منزله ومن جهل إمام زمانه فهو مستضعف وإن جاب الأقطار. ومنها: قوله في خطبة (وإنما الأئمة قوام الله علي خلقه وعرفاؤه علي عباده ولا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه) [174] الخطبة، وهي وفق المدعي لأن قوله (عليه السلام): " الأئمة قوام الله علي خلقه " صريح في دوام وجود الإمام واستمراره باستمرار زمان التكليف، لأن القائم علي الخلق والعريف عليهم يستحيل أن يكون غير موجود ولا حي ولا عارف بأحوالهم، وقوله (عليه السلام): " لا يدخل الجنة " [ صفحه 93] الخ. معناه أنه لا يدخل الجنة إلا من عرفهم بالإمامة وأقر لهم بها وعرفوه بالاقرار لهم بذلك فيجب حينئذ أن يكون في كل عصر إمام قائم لله علي خلقه وعريف عليهم يدخل الجنة من أقر له بالإمامة ويدخل النار من أنكر إمامته ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة وهو المطلوب، والكلام ظاهر في سعة علم الإمام لتمكنه من معرفة عارفية ومنكريه مع بعد ديارهم وكثرتهم، وهو تصديق ما ورد من طرقنا عن أهل البيت أن الإمام يعرف أولياءه وأعداءه في أقاصي الأرض وأدانيها، وأن الدنيا عند الإمام بمنزلة الدرهم في كف الإنسان يقلبه يعلم أعلاها وأسفلها كما رواه المشائخ الكبار مثل محمد بن الحسن الصفار ومحمد بن يعقوب وابن بابويه وغيرهم من أكابر محدثينا في كتبهم، وليس المراد أن الأئمة يعرفون أولياءهم يوم القيامة خاصة كما ذكره ابن أبي الحديد في شرح الخطبة [175] لأن الذين لا يعرفون أولياءهم إلا في الآخرة لا يسمون عرفاء الله علي خلقه في الدنيا لأن العريف النقيب والرئيس، علي أن معرفة الولي والعدو في الآخرة لا يختص بالأئمة بل الخلق كلهم ينكشف لهم حينئذ الغطاء فيعرف أهل الجنة أولياءهم ويكونوا (إخوانا علي سرر متقابلين)، ويعرف أهل النار أولياءهم (كلما دخلت أمة لعنت أختها) ويعرف المظلوم ظالمه وإن كان بعد موته بذكر سئ ويعرف المحسن من أحسن إليه كذلك كما هو معلوم لدي العارفين فلا فضل للأئمة في هذا يوم القيامة علي غيرهم ثم إن المتبادر من قوله: " لا يدخل الجنة " الخ. إنه لا يدخل الجنة إلا من عرفهم في الدنيا بالإمامة وعرفوه في الدنيا بالاقرار لهم بها ولا يدخل النار إلا من أنكر إمامتهم في الدنيا وأنكروه، أي لم يعرفوه في الدنيا بالاقرار لهم بالإمامة وهو يؤيد المطلب ويوضحه، وكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا المعني كثير وسيأتي بعض منه في آخر الكتاب في موضع يشبه هذا الموضع أو هو فرعه إن شاء الله تعالي. [ صفحه 94]

الرد علي من قال بجواز خلو العصر من إمام

احتج قوم من الخصوم علي جواز خلو العصر من إمام بقوله تعالي: [لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك] [176] وبقوله تعالي: [وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير] [177] وأجاب أصحابنا عنه بأن الآيتين نفي للرسول لأن النذير هو الرسول كما يدل عليه قوله في الآية الثانية [ما أرسلنا] وقوله تعالي: [وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جائهم نذير ليكونن أهدي من إحدي الأمم] [178] وكثير من الآيات وليس في الآيتين نفي الأنبياء والأوصياء الهادين إلي الله تعالي والأول نقول به فإنا نجوز خلو العصر من رسول مبعوث بل من نبي ولا نجوز خلوه من وصي هاد تقوم به الحجة لله علي العباد والآيتان لا تنفيانه فلا حجة لكم فيهما علي ما ادعيتم أقول أما قوله تعالي في الأولي: [ما آتاهم من نذير من قبلك] [179] وفي الثانية: [وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير] [180] فمحتمل لأن يكون الله تعالي أخبر أنه لم يرسل في قريش رسولا منهم قبل النبي (صلي الله عليه وآله) وإن كان أرسل فيهم من غيرهم وبلغتهم دعوة الرسل (عليه السلام) إلي توحيد الله تعالي فليس في الآيتين دلالة علي انتفاء الرسل مطلقا وإنما أقصي دلالتهما علي انتفاء رسول إلي قريش عن أنفسهم قبل النبي (صلي الله عليه وآله) ويؤيد ما قلناه قوله تعالي: [وإن من أمة إلا خلا فيها نذير] [181] فإنها ناصة علي أنه لا تخلو أمة من الأمم من رسول إليهم منذر يخوفهم من العقاب وقد اعترف بذلك شيخ المعتزلة أبو علي الجبائي [182] فقال وفي هذا دلالة علي أنه لا [ صفحه 95] أحد من المكلفين إلا وقد بعث إليهم الرسول وأنه سبحانه أقام الحجة علي جميع الأمم انتهي ومثل ما قلناه في الآيتين قال به الحسن البصري في قوله تعالي: [لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون] [183] فقال: (لم يأتهم نذير من أنفسهم وقومهم وإن جائهم من غيرهم) ويحتمل أيضا أن المراد ما أتاهم من نذير من قبلك علي حسب ما جئت به وكذلك في الآية الثانية وهذا كما قاله قوم في [لتنذر قوما] الآية فتبين أن الآيتين اللتين احتج بهما الخصم لا تدلان علي خلو العصر من الرسل فضلا عن أن تدلا علي خلوه من الأوصياء الهادين فسقط الاحتجاج بهما رأسا، وأما الآية الثالثة وهي قوله تعالي: [لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم] فقد عرفت ما قيل فيهما مما لا ينفي وجود الرسل إلي قريش من غيرهم، علي أن المروي عن عكرمة [184] في معناها لتنذر قوما كما أنذر آباؤهم بجعل ما مصدرية لا نافية وحرف التشبيه محذوف كما حذف في قوله تعالي: [وهي تمر مر السحاب] [185] وهذا القول أدل علي المطلوب من الأول ويعضده آيات كثيرة [وإن من أمة] الآية، وآيات نفي الحجة للناس علي الله بعد الرسل وقوله تعالي: [ثم أرسلنا رسلنا تتري كلما جاء أمة رسولها كذبوه] [186] وقوله تعالي: [قل قد جائكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين] [187] جوابا لقولهم [ صفحه 96] [لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك] [188] الآية كما قاله بعض الأفاضل وأما في الظاهر فهي جواب لقول اليهود [لن نؤمن لرسول حتي يأتينا بقربان تأكله النار] [189] كما قصه الله من قولهم فلا حجة فيها علي المقصود فهذه الآيات دالة علي أن الله عز وجل لم يترك أمة بغير رسول تقوم به الحجة عليهم وقال الشيخ الصدوق: " إن معني الآية الأولي وهي قوله تعالي: [لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك] [190] أي ما جاءهم رسول بتبديل شريعة ولا نسخ ملة ولم ينف الهداة الدعاة من الأوصياء " [191] انتهي وهو محتمل أيضا. أما قوله: تعالي: [وما آتيناهم من كتب يدرسونها] [192] فلا دلالة فيه علي نفي الرسول وإنما غاية دلالته علي أنه لم ينزل الله علي قريش كتبا من السماء بلسانهم قبل القرآن وهذا ما لا ينكره أحد ولا ينفع الخصم إذ لا يجب في كل رسول أن يكون معه كتاب وله شريعة بل يجوز إرسال الرسل يدعون إلي شريعة واحدة ولتأكيد ما في العقول كما ذهب إليه الإمامية وأبو علي الجبائي وأتباعه من المعتزلة، ودل علي الأول الاتفاق علي أن لا شريعة لأحد من الأنبياء إلا لآدم ونوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وأن كل الرسل غيرهم يدعون إلي الشرائع السابقة علي شريعتنا، والحاصل أن الآيات لا تدل علي نفي الرسل مطلقا بوجه من الوجوه، ولو نزلنا للخضم عن الحجة وقلنا بدلالتها علي ذلك لم تكن دالة علي نفي إمام هاد تقوم به الحجة لله علي العباد كما عرفت من البيان، وقد وضح من ذلك سلامة أدلتنا الدالة علي وجوب وجود إمام في كل زمان من أزمنة التكليف عن [ صفحه 97] معارض فتعين القول به والمصير إليه، ولا بأس بنقل بعض الأخبار عن أئمتنا (عليهم السلام) في هذا المعني روي ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني بسنده عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): [إنما أنت منذر ولكل قوم هاد] فقال: رسول الله (صلي الله عليه وآله) المنذر وعلي الهادي، يا أبا محمد هل من هاد اليوم؟ قلت: بلي جعلت فداك ما زال منكم هاد بعد هاد حتي دفعت إليك فقال: (رحمك الله يا أبا محمد لو كان إذا نزلت آية علي رجل ثم مات ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب ولكنه؟؟يجري فيمن بقي كما جري فيمن مضي) [193] . وروي الصدوق رئيس المحدثين بسنده عن أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الله تبارك وتعالي لم يدع الأرض إلا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان فإذا زاد المؤمنون ردهم وإذا نقصوا شيئا أكمله لهم ولولا ذلك لالتبست علي المؤمنين أمورهم). وبسنده عن عبد الأعلي بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سمعته يقول (ما تترك الأرض بغير عالم ينقص ما زادوا ويزيد ما نقصوا ولولا ذلك لاختلطت علي الناس أمورهم) [194] . وعن سليمان الأعمش عن الصادق جعفر بن محمد في حديث قال: (ولم تخل الأرض منذ خلق الله الخلق من حجة الله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ولا تخلو حتي تقوم الساعة من حجة لله فيها ولولا ذلك ولم يعبد الله) قال سليمان فقلت للصادق فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: (كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب) [195] اللهم ثبتنا علي [ صفحه 98] الحق وموالاة الحجة إنك تثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. [ صفحه 101]

في شروط الإمام

في عصمة الإمام و أدلتها

اشاره

في عصمة الإمام وينبغي أولا بيان معني العصمة، فقد اختلف فيها المتكلمون بعد الاتفاق علي أنها في اللغة المنع ومنه قوله تعالي: [والله يعصمك من الناس] [196] وقوله تعالي [لا عاصم اليوم من أمر الله] [197] فذكر أصحابنا أن العصمة لطف خفي يفعله الله تعالي بالمكلف بحيث لا يكون له داع إلي ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته علي ذلك، وفسرها بأنها الأمر الذي يفعله الله من الألطاف المقربة إلي الطاعات التي يعلم معها أنه لا يقدم علي المعصية بشرط لا ينتهي ذلك الأمر إلي الإلجاء، وفسرها بعض آخر بأنها ملكة نفسانية لا تصدر عن صاحبها المعاصي، وكل هؤلاء متفقون علي أن العصمة لا يشترط فيها سلب القدرة علي المعصية، وذهب قوم إلي اشتراط سلب القدرة علي المعصية في العصمة، ثم اختلفوا في معناها فقال قوم: إن المعصوم مختص في بدنه وفي نفسه بأمر يقتضي امتناع إقدامه علي المعصية فالعصمة علي هذا هي ذلك الأمر المذكور، وقال بعض: إن العصمة هي القدرة علي الطاعة وعدم القدرة علي المعصية، وهو قول أبي [ صفحه 102] الحسين البصري، [198] وأصحابنا رضوان الله عليهم لا يختلفون في قدرة المعصوم علي المعصية لكنه لا يفعلها، ولا يصح نسبتها إليه، بل ينبغي أن يقال: إنه لا يشترط في العصمة ألا تخطر المعصية بباله إذ لولا ذلك لكان مسلوب القدرة، وإلا صح ما قاله أصحابنا: إن المعصوم لو لم يكن قادرا علي فعل المعصية لما كان مكلفا بتركها إذ شرط التكليف بالشئ القدرة علي فعله وتركه إذ لا يصح أن يقال إن الإنسان مكلف بترك الطيران إلي السماء كما أنه لا يجوز أن يكلف بالطيران إليها لعدم الاستطاعة إلي ذلك والتالي باطل فقد علمنا بتوجه الأمر والنية إلي المعصومين من الأنبياء والأوصياء وإذا بطل التالي بطل المقدم، وأيضا لو كان المعصوم غير قادر علي فعل المعصية لما استحق علي تركها ثوابا ولا مدحا لأنه في تركها مجبور علي الترك وملجأ إلي الاجتناب، ولا مدح لمجبور ولا ثواب لملجأ كما لا يخفي والكل باطل بالاتفاق إذ لا نزاع في استحقاق المعصوم علي ترك المعصية المدح والثواب والكتاب دال عليه فالمقدم باطل أيضا، إذا عرفت هذا فاعلم أن الناس قد اختلفوا في أن الإمام يجب أن يكون معصوما أم لا؟ فذهب أصحابنا الإمامية ووافقهم الإسماعيلية إلي أن الإمام يجب أن يكون معصوما من أول عمره إلي آخره عن ارتكاب المعاصي كبائرها وصغائرها وعن الخطأ في الأحكام، وقال باقي الفرق لا يجب في الإمام العصمة بل تكفي العدالة، والأصح هو مذهب أصحابنا ولنا علي ذلك وجوه من الأدلة عقلا وسمعا. الأول: إن المحوج إلي الإمام هو جواز الخطأ علي الأمة في العلم والعمل فلو جاز الخطأ علي الإمام فيهما لوجب له إمام آخر وذلك الإمام أيضا إن كان معصوما ثبت المطلوب وإلا احتاج إلي إمام آخر فيتسلسل إلي غير النهاية [ صفحه 103] والتسلسل باطل فوجب أن يكون الإمام معصوما دفعا للزوم التسلسل لولاه، وأجاب القوشجي عن هذا الدليل بأن للأشاعرة أن يقولوا لا نسلم أن الحاجة إلي الإمام لما ذكرتم، بل لما ذكرنا في وجوب نصب الإمام ولا يلزم أن يكون معصوما. أقول: وجوابه قد عرفته فيما سبق عند إيراد ما احتج به علي وجوب نصب الإمام سمعا فإنا بينا هناك بطلان ما قال وبينا أن الحاجة إلي الإمام هو ما ذكرناه لا ما ذكره خاصة بما لا مزيد عليه. الثاني: إن الإمام حافظ للشرع فلو جاز الخطأ لم يكن حافظا له هذا خلف إما أنه حافظ للشرع فلما نبينه وما بيناه في المقدمة، وإما أن المخطئ غير حافظ للشرع فظاهر لا يحتاج إلي بيان فوجب أن يكون الإمام معصوما. وأجاب القوشجي عنه بأن الإمام ليس بحافظ للشرع بذاته بل بالكتاب والسنة واجتهاده الصحيح فإن أخطأ في اجتهاده فالمجتهدون يردون والآمرون بالمعروف يصدون وإن لم يفعلوا أيضا فلا نقص للشريعة القويمة. أقول: هذا الجواب فاسد أما قوله: ليس حافظا للشرع بذاته، فما أدري ما عني به؟ فإن كان يعني أن الإمام علمه ذاتي كعلم البارئ تعالي لا يحتاج إلي التعلم فذلك ما لا يدعيه أحد من الناس، وإنما المدعي كونه معلما من الرسول (صلي الله عليه وآله) جميع ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم ودنياهم ومفهما من الله علم التأويل بحيث لا يشذ عنه حكم واقعة من الوقائع ولا يسئل عن شئ إلا وهو يعلمه من كتاب الله علما لا تغير فيه ولا تبديل ولا اختلاف وليس علما اجتهاديا وحكما نظريا يختلف باختلاف النظر ويتغير بتغير الاجتهاد، وإن عني بقوله بذاته هذا المعني المدعي فليس هذا علما ذاتيا وإنما هو علم من الكتاب والسنة وليس بخارج عنهما لكنه علم يقيني لا يتطرق [ صفحه 104] عليه التبدل والاختلاف بتبدل الأنظار واختلاف الاعتبار فيخطي تارة وطورا يصيب كحال أئمة المجيب، وأما قوله واجتهاده الصحيح فهو مناقض لقوله فإن أخطأ في اجتهاده فأين الصحة مع الخطأ، وقد تقدم منا تحقيق بطلان الاجتهاد الذي عناه الذي هو ملازم لمخالفة الحق دائما وأنه ليس طريقا لبيان أحكام الله ولم يتعبد الله عباده به في المقدمات الخمس وأوضحناه أتم الإيضاح وسيأتي له مزيد بيان. وبالجملة إنا أثبتنا أن الإمام حجة الله علي خلقه والحجة لا تقوم بالمجتهد لجواز الخطأ عليه كما اعترف به المجيب في كلامه، وقوله: فالمجتهدون يردون فيه الحكم بانقلاب المحجوج حجة والمأمور الذي تجب عليه الطاعة أميرا واجب الطاعة وهذا إخراج للإمام عن الإمامة لما علمت أنها رئاسة عامة في الدين والدنيا والمردود عن اجتهاده مرؤوس لا رئيس ومحكوم عليه لا حاكم، وقوله: والآمرون بالمعروف يصدون، أظهر قبحا فإن المصدود الممنوع من إمضاء الحكم من سائر الرعية وأداني الناس ليس له رئاسة علي أحد، وليت شعري أي إمامة ورئاسة تبقي لذلك الإمام الذي لا يؤمن عليه الخطأ في الأحكام مع رد الرعية اجتهاده وإبطالهم قوله ومنعهم إياه من إمضاء الحكم الذي اجتهد فيه؟ وهل هذا علي ما ذكر إلا مأمور منهي يساس ويؤدب من رعيته الذي نصب لسياستهم وتأديبهم فلا يكون علي هذه الحالة إماما البتة مع ما يلزم من وجوب طاعة مجتهد ومخالفة آخر وذلك أن الإمام إذا اجتهد في حكم فخالف فيه اجتهاد قوم مجتهدين قد اختلفوا؟ أيضا علي قولين أو ثلاثة، لما علمت من أن الاجتهاد غير منضبط فحينئذ كل فريق يخطئون الإمام ويأمرونه بالرجوع إلي قولهم فليخبرنا القوشجي عن إمامه ذلك عن رأي أي الفرق يصدر وبقول أيهم يأخذ ولأمر أيهم يطيع مع لزوم الترجيح من دون مرجح في تقديم تقليده لكل واحدة من الفرق علي الأخري والاقتداء بها دون أختها، فهو مرتهن دائما بعصيان فرقة لطاعته الأخري [ صفحه 105] ومصدود عن الأمر دائما لدوام اختلاف المجتهدين؟ افتري هذا إماما أم هو أذل المأمومين؟ وبعد فمن أين توجه عليه الخطأ في الاجتهاد عند القوشجي وأصحابه واحتيج إلي الانكار عليه من المجتهدين مع حكمهم بأن كل مجتهد مصيب؟ وهل يبقي علي هذا القول فضل لمجتهد علي مجتهد آخر حتي يكون أحدهما يرد الآخر عن اجتهاده ويصده عن حكمه؟ ثم لو قلنا بعدم الإصابة في الاجتهاد الذي هو مخالف لقول المجيب فمن أين علم أن المخطئ هو الإمام وأن المصيب غيره؟ وهل يعلم ذلك إلا من هو مطلع علي باطن حكم الله في الواقع؟ وإذا وجد هذا فهو الإمام لا محالة، لا ذلك المجتهد المخطئ والمجيب ينفيه فيلزم حينئذ عدم جواز رد مجتهد من الناس اجتهاد غيره الإمام ومن سواه لتساويهم في عدم العلم بالإصابة أو الخطأ علي القول بالتخطئة وفي الإصابة معا علي القول بالتصويب، فلا يكون لواحد رياسة علي الآخر فلا إمام ولا مأموم إلا الرعاع والأوباش فإن إمامهم من يقلدونه، فما أكثر الأئمة علي هذا القول لو كان قائلوه يشعرون ولما قالوه يفهمون، وقوله: فإن لم يفعلوه الخ فهو أفحش من الجميع لأنه إخراج للأمر بالمعروف الواجب عن الوجوب ولا يخفي ما فيه من المناقضة، وقوله فلا نقص للشريعة القويمة، إن أراد أن عصيان المجتهدين بترك رد إمامهم المخطئ وترك الانكار عليه لا يغير حكم الله ولا يبدل فرضه فلا ينقلب به الحرام حلالا ولا الحلال حراما بل يلزم العاصي الإثم علي المعصية فذلك صحيح عندنا لكنه لا يرضي به لاستلزامه اتفاق الأمة علي الخطأ وهو خلاف مذهبه، وإن أراد أن عصيان المجتهدين في تركهم النكير علي إمامهم الخاطئ لا يوجب الإثم لهم ولا يخرجهم من حيز العدالة وعصيان الإمام وخطؤه لا يبطل إمامته فذلك باطل باتفاق الأمة والنص من الكتاب والسنة، ومن المحال أن يكون كف الناس عن إنكار المنكر مسقطا عنهم الإثم ومجوزا لفاعل المنكر فعله، والحاصل أن هذا الكلام تدليس وتلبيس لا معني له ولا فائدة فيه وأنت بعد الإحاطة بما [ صفحه 106] قررناه لا ترتاب في بطلانه وبذلك يسلم دليلنا من الايراد ويتم به المراد. الثالث [199] إن الإمام لو أقدم علي المعصية لوجب الانكار عليه وهو مضاد لوجوب إطاعته الثابت بقوله تعالي: [أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم] [200] ومفوت للغرض من نصبه وهو امتثال أوامره واجتناب مناهيه واتباعه فيما يفعله فيكون من تجب طاعته والاقتداء به في القول والفعل يجب الانكار عليه والبراءة من فعله، أو يلزم الإثم بترك النكير عليه، أو يخرج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن كونهما واجبين، وكله باطل فوجب أن يكون الإمام معصوما لدفع هذه المحذورات، وأجاب عنه القوشجي بأن وجوب الإطاعة إنما هو فيما لا يخالف الشرع، وأما فيما يخالفه فالرد والانكار فإن لم يتيسر فسكوت عن اضطرار أقول: وهذا ليس بجواب عن الدليل بالمرة، وإنما هو تدليس وتشبيه علي غير ذي الروية، لأن قوله: إن وجوب الإطاعة إنما هو فيما لا يخالف الشرع مسلم لا ينكره أحد ولا ندعي خلافه وكذلك قوله وأما فيما يخالفه فالرد والانكار صحيح مسلم وهو خلاف المدعي، فإن المدعي أن الإمام لا يجوز عليه الخطأ وارتكاب المعصية، ولو جاز عليه ذلك فحين يواقع الخطيئة إن وجب الانكار عليه خرج عن كونه واجب الطاعة وهو واجب الطاعة بالنص والاجماع، وإن لم يجب الانكار عليه خرج الواجب عن كونه واجبا وهو كذلك باطل فحينئذ وجب كونه معصوما لا يواقع معصية ولا يحتاج إلي الانكار عليه ويكون الراد عليه عليه قوله رادا علي الله ورسوله، وليس المدعي أن الإمام يخالف الشرع فتجب إطاعته في مخالفة الشرع ولا يجوز الانكار عليه وجوابه إنما يتوجه علينا لو كان هذا مدعانا وليس هذا هو فسقط الجواب من أصله ولا يتوجه له الجواب إلا بإقامة حجة علي منع اللوازم الباطلة مثل أن يمنع وجوب الانكار علي الإمام إذا عصي [ صفحه 107] ويقيم عليه دليلا وغير ذلك من اللوازم المذكورة في الدليل مع مباشرة الإمام المعصية وهو لم يقم علي منع شئ منها حجة بالمرة، فليس إيراده بوارد علينا بل هو مما نقول به ونجعله جزءا من الدليل كما تري، وقوله: فإن لم يتيسر فسكوت عن اضطرار واه جدا، لأنه يستلزم أمرين قبيحين: أما كون ذلك الإمام العاصي متظاهرا بالمعصية ومتغلبا علي الأمة بمن يوافقه من العاصين بحيث يبلغ تغلبه إلي خوف أهل العلم والفضل من الانكار عليه إذا عصي ولا يقدرون علي إظهار النكير عليه لتجبره وتكبره عن قبول الحق والعمل به ومعلوم أن هذا ليس بإمام مرشد ولا رئيس عادل، بل هو ظالم جائر وجبار فاسق ولا يصلح أن يكون إماما إلا للقوشجي وأمثاله وليس كلامنا في مثل هذا العنيد المريد، ولا يجوز للقوشجي أن يناضل ويخاصم عن مثل هذا الإمام الفاجر الذي يدعو إلي النار ويتكلف لنصرته كلاما مسجعا لا حقيقة له يشبه سجع الكهان، وليس هذا بإمام أصلا حتي نحتاج إلي البحث عنه، وهذا المعني هو الأقرب والأنسب بعدم تيسر الانكار والسكوت عن اضطرار في كلامه، أي إن الناس يضطرون إلي السكوت عن ذلك الإمام فلا ينكرون عليه لخوفهم من شره وطغيانه، وأما كون الأمة موافقين له علي المعصية فاضطروا إلي السكوت لاتفاق الجميع علي العصيان وهذا كما تري مستلزم لإجماع الأمة علي الخطأ واتفاقهم علي الباطل وإلا كيف يتصور عجز كافتهم وعدم قدرة جميعهم عن الانكار علي ذلك الفاسق لولا مواطاتهم معه علي الخطيئة وهو باطل عنده فبطل جوابه من جميع وجوهه وصح دليلنا، اللهم إلا أن يقول إن الإمام لا يشترط فيه العدالة أيضا كما يفهم من كلام جماعة من قدماء العامة وحينئذ يلزمه الائتمام بمن وجبت منه البراءة بقوله تعالي: [ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار] [201] فيستحق ما وعد الله من العذاب والخزي علي ولاية الظالمين ومعونتهم وبئس هذا المذهب مذهبا. [ صفحه 108] الرابع [202] إن الإمام لو أقدم علي المعصية للزم من ذلك انحطاط درجته عن أقل العوام لأنه أعرف بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات فصدور المعصية منه أقبح من صدورها من العوام وذلك ينافي علوه وأبهة رياسته ويكون أنزل درجة من العوام ورعاع الناس فوجب أن يكون معصوما، ولا قدح للقوشجي فيه وكأنه لا يمنع كون الإمام ناقص الدرجة عن عوام الناس كما يظهر من كلاميه المتقدمين. الخامس [203] إن الإمام أمين المسلمين علي دينهم وخازنهم علي أموالهم فلو لم يكن معصوما لم يؤمن عليه من تغيير الأحكام والمحاباة في القضاء بين المسلمين والايثار بالمال لرغبة أو رهبة كما وقع لأئمة القوم فيجئ الفساد من حيث طلب الصلاح، والعدالة لا تكفي لجواز ارتفاعها عند عروض الأسباب الداعية إلي ما ذكرنا إذ ليست من الصفات اللازمة فلا يحصل بها الأمن اليقيني من تغيير الأحكام والإيثار بالمال فلا تنحسم بها مادة التهمة المثيرة للخلاف والفتنة فوجب كون الإمام معصوما لحسم تلك المواد المنافية للغرض من نصب الإمام الذي من جملته حصول الألفة به. السادس [204] إنه لو لم يكن في الأمة معصوم يجوز عليه الخطأ في الأحكام لم يكن إجماعهم حجة لجواز الخطأ علي كل الأفراد فيجوز علي الجملة كما بيناه أولا ويشير إليه قوله تعالي: [أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم] [205] وقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (ألا لا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف) [206] فإن هذا الخطاب لا [ صفحه 109] يوجه إلا لمن يجوز عليه الخطأ وهو كما تري موجه إلي الجملة فيخرج الإجماع عن الحجية لكنه حجة عند الخصوم فيجب أن يكون في المجمعين من لا يخطئ في الحكم لتثبت بوجوده في المجمعين حجية الإجماع ويجب أن يكون ذلك هو الإمام لأنه أولي الناس بهذه المنزلة فالإمام معصوم. السابع: إنه قد حصل الاتفاق في النقل عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (لا تزال طائفة من أمتي علي الحق حتي تقوم الساعة) [207] وحينئذ إن كانت تلك الطائفة فيهم معصوم من الخطأ يرجعون إلي قوله ويأخذون بحكمه ويعتمدون في الدين علي بيانه فذلك المراد ويكون ذلك هو الإمام لما ذكرنا من قريب، وإن لم يكن فيهم معصوم بتلك المثابة وجب أن يكونوا كغيرهم من الطوائف يخطئون ويصيبون فلم يكونوا علي الحق أبدا إذ لا خصوصية لهم علي غيرهم من الفرق وعلي هذا توجب لهم دوام الإصابة ولا مانع لهم عليه من الخطأ، فمن أي وجه كانوا ملازمين للصواب مستمرين علي الحق علي أن لازم ذلك كون الطائفة بأسرهم معصومين ولا قائل به بل هو خلاف ما قاله خصومنا من انتفاء معصوم في الأمة فيجب أن يكون الأول هو المقصود، وهو أن تلك الطائفة فيهم من لا يجوز عليه الخطأ في الأحكام وهم تابعوه في أقواله وأفعاله فكانوا بتبعية المعصوم معصومين من الخطأ وذلك المعصوم هو الإمام وهو المطلوب ولو قلنا بأن الطائفة التي لا تزال علي الحق [ صفحه 110] هم الأئمة إمام بعد إمام لكان ذلك أدل علي المراد من إثبات عصمة الإمام من الأول فتأمل. الثامن: قوله عز وجل: [وإذ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين] [208] وجه الدلالة أن الآية تضمنت سؤال إبراهيم الخليل ربه القاهر الجليل أن يجعل من ذريته إماما فأجابه الله تعالي بأن الإمامة وهو قوله [عهدي] لا تنال الظالمين فلا يكون من جري عليه اسم الظلم لها أهلا ولا لمقامها مستحقا إذ من المعلوم ضرورة أن الخليل (عليه إسلام) لم يسأل الإمامة لظالم في حال ظلمه ولا لعاص في وقت عصيانه، وإنما سألها لمن كان من ذريته في حال استقامته وصلاحه، فأخرج الله منها الظالم فيلزم أن يكون المراد بالظالم من جري عليه اسم الظلم وقتا ما فيجب من ذلك أن يكون مستحق الإمامة من لم يجر عليه اسم الظلم من أول عمره إلي آخره وذلك معني العصمة، ثم إن الظلم يطلق علي الشرك والكفر وسائر المعاصي فمن إطلاقه علي الشرك قوله تقدس وتعالي: [إن الشرك لظلم عظيم] [209] ومن إطلاقه علي الكفر قوله تعالي: [والكافرون هم الظالمون] [210] ومن إطلاقه علي سائر المعاصي قوله تعالي: [لكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون] [211] فسمي أخذ الربا ظلما ونقص الغريم رأس مال معامله ظلما وليس واحد منهما بكفر اتفاقا وقوله تعالي: [لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم] [212] معلوم أن المراد من عدم محبة الله الجهر بالسوء من القول في المسلمين لا في الكفار إذ لا [ صفحه 111] حرمة لهم في الإسلام بالاجماع فكان معني الآية أن من ظلم مسلما في ماله أو عرضه أو بدنه من المسلمين جاز للمظلوم أن يذكره بسوء ما صنعه، وليس غصب مال مسلم أو شتمه مثلا أو ضربه بغير حق كفرا وقد سماه الله ظلما، وقوله تعالي: [فمن قتل مظلوما] الآية [213] وإذا كان المقتول مظلوما فالقاتل ظالم البتة وليس القتل بكفر وقد سماه الله ظلما وقوله تعالي: [إن عدة الشهور عند الله اثني عشر شهرا - إلي قوله - منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم] [214] فسمي القتال في الأشهر الحرم ظلما وهو ليس بكفر وقوله عز وجل: [قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين] [215] فجعل حرمان الفقراء والمساكين من حصتهم وهو حقهم عند صرام أصحاب الجنة جنتهم ظلما وهو ليس بكفر إلي غير ذلك من الآيات التي يطول تعدادها، فحينئذ وجب في الإمام العصمة من جميع الذنوب التي يصدق عليها اسم الظلم والكفر وغيره من المعاصي من أول عمره إلي آخره لئلا يكون اسم الظلم جاريا عليه في بعض أحواله وأطواره فيخرج عن استحقاق الإمامة التي هي عهد الله ويسقط حظه عن نيلها لاشتراط كون الإمام غير ظالم في صريح الآية، فالآية المذكورة ولله الحمد صريحة في وجوب عصمة الإمام غاية الصراحة لا تقبل التأويل وقد اعترف الفخر الرازي وهو من أعاظم المخالفين بدلالتها علي ذلك في تفسيره وصرح بأنهم تركوا العمل بمضمونها علي عمد قال: " أما الشيعة فإنهم يستدلون بها علي صحة قولهم في وجوب العصمة ظاهرا وباطنا، وأما نحن فنقول مقتضي الآية ذلك إلا أنا تركنا الباطن فتبقي العدالة معتبرة " [216] انتهي فانظر لكلامه وتصريحه بمخالفتهم مقتضي الآية من [ صفحه 112] غير حجة لتتضح لك حالهم في تعمدهم مخالفة الحق وارتكاب الباطل علي علم ويقين، ومنها علم أن من أسلم عن كفر لا يصلح للإمامة لفوات العصمة وما أجاب به القوشجي عن الآية بأن غاية الأمر ثبوت التنافي بين الظلم والإمامة ولا محذور إذا لم يجتمعا باطل بما سبق من البيان من أن المسؤول له الإمامة ليس الظالم في حال ظلمه ولا ذلك بمقام خليل الرحمن ولا يجوز عاقل يخاف الله نسبة ذلك إليه بل لمن كان في حال الصلاح أعم من أن يكون ممن يجري منه الظلم أو غيره، وحيث كان الجواب واردا بإخراج الظالم من استحقاق الإمامة التي هي عهد الله تعين أن يكون المراد به من جاز صدور الظلم منه أو صدر منه الظلم اناما؟؟ لا الظالم وقت ظلمه إذ ليس مسؤولا له الإمامة فلو كان هو المراد من الجواب لم ينطبق علي السؤال ولكان السؤال باقيا بغير جواب وهو خلاف المعلوم المتفق عليه من كون هذا الجواب لذلك السؤال، وأيضا إن الظالمين اسم فاعل وال موصولة واسم الفاعل إذا كان صلة الأل تعين كونه للماضي فإذا قيل جاء القائم كان المراد به الذي قام فمعني الظالمين بحسب اللغة العربية الذين ظلموا قبل لا ينالهم عهد الإمامة وإن صلحوا لا الظالمين في الحال لأنه خلاف العربية فكانت الآية صريحة في وجوب عصمة الإمام قبل الإمامة وفي أن نيل الإمامة مشروط بسبق العصمة فيجب حصولها أيضا في الحال وفي المآل في الإمام لأنها شرط لنيل الإمامة وإذا زال الشرط زال المشروط فزال اعتراض المعترض وذهب إيراده فليتأمل المقام فإنه حقيق بالتأمل، ومما يضحك الحزين غفلته [217] عن معني قوله أن غاية الأمر ثبوت التنافي بين الظلم والإمامة، فإنه يتضمن أن الإمام كلما ظلم زالت إمامته، وعلي هذا لو نصب إمام فظلم بعد نصبه بلا فصل وجب عزله لتنافي الإمامة والظلم باعترافه فيظلم كذلك فتكون حاله حال الأول وهكذا فجاز أن ينصب في يوم واحد عشرة أئمة وأكثر ويعزلوا لأن الفرض [ صفحه 113] أن الإمام ليس بمعصوم وصدور الظلم منه جائز فأي شئ علي هذا أضيع من هذه الإمامة؟ وأي ذليل وناقص أذل وانقص من هذا الإمام الذي ينصب ويعزل في ساعة واحدة؟ وهل بمثله يعز الدين وتقوي شوكة المسلمين، أوليس أنه لا مخرج من هذا المحذور الذي يتضمنه كلام المجيب إلا باشتراط العصمة في الإمام أو لا يدري أنا لم نشترط العصمة في الإمام إلا من جهة ما ذكره من تنافي الظلم والإمامة فما جعله ردا علينا هو الدليل لنا وهل زادنا به إلا تقوية لو كان يشعر، ولو أن اعترافه بما اعترف به شيخه الرازي من تركهم العمل بمقتضي الآية كما مر عليك من كلامه لكان أولي به وأليق بمذهبه، والحمد لله علي إظهار الحق لأهله. التاسع: قوله تعالي: [أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم] [218] وجه الدلالة أنه تعالي أمر بإطاعته علي الإطلاق لأنه المالك للعباد والأمر والنهي ولا يأمر ولا ينهي إلا بمقتضي حكمته ولا يسأل عما يفعل وعباده يسألون وأمر بطاعة الرسول علي الإطلاق أيضا فعرفنا من ذلك أن الرسول (صلي الله عليه وآله) لا يأمر إلا بحق ولا ينهي إلا عن باطل فهو معصوم من الخطأ والزلل بعصمة الله له وتثبيته إياه علي نهج الصواب، ولولا ذلك لما أطلق وجوب إطاعته ثم أطلق الأمر بطاعة أولي الأمر كما أطلقه في طاعة نفسه وطاعة رسوله (صلي الله عليه وآله) ولم يقيده بقيد ولم يشترط فيه شرطا فعلمنا من ذلك أيضا أن أولي الأمر معصومون من الخطأ مطهرون من العصيان ملازمون للصواب، لا يأمرون إلا بمعروف ولا ينهون إلا عن منكر، إذ لا يجوز أن يأمر الله علي الإطلاق بطاعة من يجوز منه الخطأ في الأحكام ومقارفة الذنوب العظام بل يجب في الحكمة أن يكون الأمر بالطاعة له مشروطا بموافقة طاعة الله وموافقة الحق لا مطلقا كما أنا رأينا [ صفحه 114] البارئ تعالي اشترط في مواضع كثيرة وقيد الوعد والمدح بلزوم التقوي والاستمرار علي الوفاء حيث كان الممدوح والموعود ممن يجوز عليه الخطأ والمخالفة مثل قوله تعالي: [يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن] [219] وقوله تعالي: [إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث علي نفسه ومن أوفي بما عاهد عليه الله فسنؤتيه أجرا عظيما] [220] وقوله تعالي: [يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويغفر لكم] [221] وغير ذلك من الآيات الكثيرة، وحيث لم يشترط في طاعة أولي الأمر شيئا لزم أن يكونوا ملازمين لطاعته لا يخرجون منها إلي معصية وأولوا الأمر هم الأئمة، فالإمام معصوم، فمن كان من أولي الأمر فهو معصوم ومن ليس بمعصوم فليس من أولي الأمر، ولا يعارض ما ذكرناه قوله تعالي: [ولقد أوحي إليك وإلي الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك] الآية [222] وما جري مجراها من الآيات لأنها أدب للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وتهديد لغيره لأن الله قد عصمه من الشرك ومداهنة الكفار فلم يكن الشرط في الحقيقة متوجها إليه بل إلي الأمة وكان الله تعالي كثيرا ما يخاطب النبي (صلي لله عليه وآله وسلم) في القرآن وهو يريد الأمة كقوله تعالي: [يا أيها النبي إذا طلقتم النساء] [223] وغير ذلك، حتي قيل نزل القرآن بإياك أعني واسمعي يا جارة، والفائدة في توجيه الخطاب ظاهرا إلي النبي (صلي الله عليه وآله) في الآية المذكورة ومشابهاتها تهويل أمر الشرك وتعظيمه وقطع أطماع الطامعين من الناس في المغفرة مع الاشراك بعد الإيمان [ صفحه 115] لأنهم إذا سمعوا أن الله توعد نبيه الكريم مع ما نوه باسمه في القرآن الحكيم بإحباط عمله إن أشرك علموا أنه لا رجاء لغيره في عفو الله عنه إذ أشرك فيحذرون غاية الحذر من الشرك، وليس حال من علمت عصمته بالأدلة القاطعة مثل النبي (صلي الله عليه وآله) كحال غيره ممن علمت عدم عصمته حتي يرتكب في أمره من التأويل ما يرتكب في معلوم العصمة للزوم الجمع بين الأدلة القطعية فتبصر فاندفع إيراد الخصوم بعون الحي القيوم وثبت من الآية ما ندعيه من عصمة الإمام. العاشر [224] إن الإمام منصوب لردع العصاة وتأديب الجناة وإقامة الحدود وإذا لم يكن معصوما من مباشرة القبائح كان في نهيه عن المنكر داخلا في زمرة المذمومين وحاصلا في حيز الملامين الذين قال الله في أمثالهم [أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم] [225] فأي إمامة لمن كان مذموما معاتبا يأمر بالمعروف ويتركه وينهي عن المنكر ويرتكبه وكيف يكون مثل هذا القيم لله علي عباده والصادع بدينه والذاب عن حريم الحق وهو يهتكه ويوهنه بعصيانه، حاشي لله أن يكون مثل هذا خليفة الله في أرضه وحجته علي خلقه ودليله في عباده وأمينه في بلاده علي حلاله وحرامه وحدوده وأحكامه وهو من جملة العاصين ومن القوم المذنبين، وأي عاقل يتصور أن يكون العاصي أهلا لخلافة الله ومستوجبا لنيل عهد الله ومستحقا للنيابة عن أنبياء الله؟ فإن هذه الأوصاف الثابتة للإمام لا يجوزها العقل السليم إلا لمن كان معصوما ولم يكن بشئ من الذنوب موصوما، علي أنا لم نر خليفة لنبي فيما مضي إلا مطهرا من الذنوب مبرئا من العيوب ونبينا سيد الأنبياء أفيجوز أن يكون خليفته من العصاة والخائضين في الجهالات؟ إن في هذا لافتراء عظيما علي رب الأرضين والسماوات، فيجب أن يكون الإمام معصوما من مواقعة الخطيئات، وأنت ما [ صفحه 116] أظنك تشك في ذلك بعد الإحاطة بما بيناه والتأمل فيما قررناه. احتج ابن أبي الحديد علي عدم اشتراط العصمة في الإمام بقول أمير المؤمنين في وصيته لابنه الحسن (عليهما السلام) أو محمد بن الحنفية [226] (أي بني إنه لما رأيتني بلغت سنا ورأيتني أزداد وهنا بادرت بوصيتي إليك وأوردت خصالا منها قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي وأن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوي وفتن الدنيا فتكون كالصعب النفور، وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شئ قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك) هذا آخر ما يمكن تعلقه به من الكلام قال: قوله (عليه السلام): " أو أن أنقض في رأيي " هذا يدل علي بطلان قول من قال: إنه لا يجوز أن ينقص في رأيه وأن الإمام معصوم عن أمثال ذلك وكذلك قوله للحسن " أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوي وفتن الدنيا " يدل علي أن الإمام لا يجب أن يعصم من غلبات الهوي وفتن الدنيا [227] أقول ليس في هذا حجة ولا تحصل به معارضة بل ينبغي أن يحمل في أمير المؤمنين وفي ابنه إن كان هو الحسن علي [ صفحه 117] أنه خرج مخرج ما جرت به العادة في البشر من حيث الجملة من تقلب أحوالهم وتصرف الأمور بهم وحصول التغيير لهم في الأجسام والآراء وغلبة النفس والهوي علي عقولهم لا خصوص الموصي والموصي لأنه (عليه السلام) هنا في مقام التأديب والموعظة وإرادة المبادرة بها وقصد تعجيلها إلي ابنه ومقتضي الحال أن يذكر الداعي إلي ذلك والمسبب إليه في الواعظ والموعوظ ولا شئ أنسب في ذلك مما ذكره ولا أدخل في المقام مما زبره، ولو أنه قال أنا لا أخاف علي رأيي نقصا ولا علي جسمي وهنا ولا أتخوف عليك من حدوث أمر يصدك عن الاقبال علي حمل الموعظة ولا أحاذر عليك من عروض عارض يمنعك من العمل بموجبها لم يكن لموعظته موقع ولم يبق لتعجيلها والمبادرة بها سبب ولا داع فذكر ما ذكر ليحسن منه المسارعة إلي الوعظ ويحمد منه التعجيل فيه إلي ابنه وليس الغرض بيان أنه يجوز حصول ما خافه علي نفسه وعلي ابنه لهما، وإذا كان للكلام فائدة أخري لم يتعين حمله علي أحد الفائدتين إلا بقرينة ولا قرينة تعين حمله علي ما قاله ابن أبي الحديد بل القرنية تعين حمله علي ما قلناه لقيام الأدلة التي سلفت علي وجوب عصمة الإمام وما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) في تلك الوصية قبيل هذا الكلام وهو قوله (عليه السلام): (غير أني حيث تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي فصدقني رأيي وصرفني عن هواي وصرح لي محض أمري فأفضي إلي جد لا يكون فيه لعب وصدق لا يشوبه كذب) [228] فإنه يدل علي عصمته من تغيير ما هو عليه من الرأي لقوله فأفضي إلي جد لا يكون فيه لعب الخ. فلما حصلت المعارضة في كلامه وجب حمل أحدهما علي ما لا يخالف الأدلة الخارجية للتوفيق بين الكلامين ولا يكون ذلك إلا بما قلناه، علي أنا نعلم يقينا أنه ليس كلما يفرض الواعظ وقوعه من الموعوظ حتي يتوجه له النهي عنه مما يجب أن يكون صدوره من الموعوظ جائزا عند الواعظ، ولا كلما يفرض [ صفحه 118] الواعظ صدوره من نفسه يعتقد جواز صدوره منه، فإنا سمعنا الله يقول لنبيه (صلي الله عليها وآله وسلم) [يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين] [229] وقال تعالي: [لا تجعل مع الله إلها آخر فتلقي في جهنم ملوما مدحورا] [230] وقال تعالي: [قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم أليم] [231] من المعلوم أن الله عز وجل يعلم أن نبيه محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم) لا يطيع الكافرين والمنافقين ولا يجعل معه إلها آخر ولا يعصيه فيعذبه لأنه قد عصمه وسدده في القرآن من هذا كثير، وقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) (أنا سيد الأنبياء ولا فخر ولو عصيت لهويت) [232] وهو يعلم أنه لا يعصي لعلمه بأن الله قد أيده وعصمه وهداه واجتباه، وأخبر عنه إنه لا ينطق عن الهوي لكنه (صلي الله عليه وآله) ذكر ذلك في مقام الوعظ والتحذير من العصيان كما وردت به الرواية فليكن كلام أمير المؤمنين جاريا هذا المجري بل الواجب حمله عليه، وكيف لا وأمير المؤمنين (عليه السلام) قد علم من أخبار الله في آية التطهير وأخبار النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في كثير من أقواله الصريحة الآتية إن شاء الله تعالي أنه لا يصيبه تغير في رأي ولا زلل في قول، وقد أخبر (عليه السلام) بذلك عن نفسه بما ذكرناه مرارا فقال (والله ما ظللت ولا ضل بي ولا زللت ولا زل بي وما زلت علي السبيل الواضح ألفظه لفظا) [233] إلي غير ذلك من أقواله المصرحة بأنه ليس [ صفحه 119] بشاك في نفسه ولا متخوف عروض نقص في رأيه وقد ملئ بها نهج البلاغة وغيره مما لا مجال إلي إنكاره ولا سبيل إلي دفعه. والحاصل أن ما استدل به المعتزلي علي مطلبه ليس بدليل بعد ما سمعت فيه من الكلام ولا يعارض علي ما فيه من الاجمال والاشتباه الأدلة الصريحة الدالة علي وجوب عصمة الإمام كما لا يخفي علي ذي حجي، وأن الاستناد إلي مثل هذه الأقوال المجملة القابلة للتأويل والمعارضة الأدلة الصراح بها تشبث بما لا يجدي نفعا ولا يغني من الحق شيئا.

يجب عصمة الإمام عن الغلط والنسيان والسهو كوجوب عصمته من الآثام

واعلم أنه كما يجب عصمة الإمام عن ارتكاب الآثام والخطأ في الأحكام كذلك يجب عصمته عن الغلط والسهو والنسيان لأنه قدوة الأنام ومعتمد أهل الإسلام، فلو جاز عليه ذلك لم يحصل الوثوق التام بقوله ولا تطمئن النفوس في الاقتداء بفعله لتجويزها صدور الفعل منه إذ ذاك علي جهة الغلط أو السهو أو النسيان وذلك كما علمت مناف لمنصب الإمام ومناقض للغرض من نصبه فوجب أن يكون معصوما مما ينافيه. وأجاز الصدوق محمد بن علي بن بابويه وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد [234] وقوع السهو والنسيان من الإمام في غير تبليغ الأحكام لكنه من فعل الله به لا من فعل الشيطان ولا من ضعف قوته الحافظة بناء علي جواز صدور [ صفحه 120] السهو من الأنبياء علي الوجه المذكور، حتي قال محمد بن الحسن أن أول درجة في الغلو نفي السهو عن الأنبياء واستندا في إجازتهما ذلك إلي أخبار وردت بنسيان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في الصلاة وأنه سلم علي نقص ساهيا، وأن الله سبحانه وتعالي أنساه كخبر ذي اليدين [235] وما شابهه وهو مستند ضعيف إذ مثل هذه الأخبار الآحاد لا يعارض بها الأدلة القطيعة من العقل والنقل، بل السبيل فيها الرد أو الحمل علي أنها خرجت مخرج التقية لأن ذلك مذهب جميع مخالفينا فيجب إرجاعها إلي قولهم، لا سيما وقد وردت أخبار أخر بإزائها تنفي ما اشتملت عليه وتنقض ما تضمنته، ومنها الخبر الذي ورد عن الرضا (عليه السلام) في صفات الإمام [236] فيتعين فيها ما ذكرناه " وأقل الأمور تساقط الأخبار من الطرفين والرجوع إلي الأدلة الثابتة والأخذ بها وهي تثبت عصمة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) من جميع ما ينفر منه الطبع ويحصل منه عدم الوثوق والاطمئنان بهم في القول والفعل فيثبت المطلوب علي أن اتفاق الإمامية علي ذلك حاصل أو هو الحجة، وخلاف الشيخين المذكورين غير قادح فيه لمعلومية نسبهما ومن ذلك يعلم أن نسبة السهو إلي الأنبياء تقصير ونفيه عنهم حق وصواب والله الهادي. وقد تبين مما حررناه وجوب كون الإمام منزها عن الخصال الدنية [ صفحه 121] والآفات الردية والخلائق الغير المرضية، كالبخل والجبن والغلظة والفظاظة والبرص والجذام والعنن وغيرها من الأمراض المنفرة والمسقطة لمحل الإمام من القلوب كل ذلك لمنافاتها منصبه واحتمال وقوعه في المعصية لو كان بخيلا أو جبانا باستئثاره بمال أو منعه حقا أو فراره من زحف، ويكون أيضا منزها عن الطعن في نسبه وقد ذكر في أخبارنا وذكره أيضا بعض أصحابنا أنه يشترط في الإمام أن يكون مسلما لا عن كفر استناد إلي آية الخليل، وقد علمت أن اشتراطنا العصمة في جميع العمر يكفي عنه لدخوله فيه وقد قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (من عبد صنما ووثنا لا يكون إماما).

يجب أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه

اشاره

ينظر في هذه الرواية وأمثالها كتاب تحفة العالم. يجب أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه ولنذكر أولا معني الفضل فنقول الفضل علي معنيين أحدهما كثرة الثواب فيقال: زيد مثلا أفضل من عمرو أي أكثر ثوابا منه، والثاني الجمع للخصال الحميدة من العلم والحلم والعبادة والسخاوة والشجاعة وغير ذلك كما يقال فلان أفضل من فلان أي أجمع منه لخصال الخير وأرجح منه فيها، ومن المعني الأول قوله تعالي: [وفضل الله المجاهدين علي القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسني وفضل الله المجاهدين علي القاعدين أجرا عظيما] [237] أي جعل له ثوابا زائدا علي القاعدين، ومنه ما ورد في الحديث (ركعتان يصليهما متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها اعزب) [238] وما ورد (أن العالم أفضل من سبعين عابدا) [239] وما أشبه ذلك ومن المعني الثاني قوله تعالي: [ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير مما خلقنا تفضيلا) [4] يريد أنه [ صفحه 122] جمع لهم خصالا زائدة علي خصال كثير من خلقه وليس يريد الثواب لدخول الكفار في الآية والكافر لا ثواب له يقينا، وقوله تعالي: [ونفضل بعضها علي بعض في الأكل] [5] وقوله تعالي: [تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم فوق بعض درجات وآتينا عيسي بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس] [6] يحتمل المعنيين وهو في لفظ التفضيل والايتاء أقرب إلي الثاني كما أن لفظ ورفع إلي درجات يختص بالأول وقوله تعالي: [ولقد فضلنا بعض النبيين علي بعض وآتينا داود زبورا] [7] يحتمل الوجهين أيضا، إذا تبينت ذلك فاعلم أن أصحابنا الإمامية قد اتفقوا علي أنه يشترط في الإمام أن يكون أفضل أهل زمانه من رعيته بالمعنيين جميعا وهذا القول هو المعتمد ولنا علي صحته وجهان من الدليل أحدهما خاص والثاني عام. فالأول: في المعني الأول أن الإمام متحمل أعباء الخلافة وقائم بإرشاد الأمة ومقيم للوظائف الشرعية مجرد نفسه لسياسة الرعية وحماية حوزة الدين ولم شعث المسلمين مكاشف للأباعد والأقارب في إمضاء الأحكام وإقامة الحدود علي جميع أهل الإسلام فكان تكليفه أشق من غيره فوجب أن يكون ثوابه أكثر لأن كثرة المشقة في التكليف توجب الأكثرية في الثواب، ولأن الإمام متبوع ومن سواه من الرعية تابع له ومقتد به والمتبوع يجب أن يكون أكثر ثوابا من التابع كما يرشد إليه حديث (من سن سنة كان له أجرها وأجر العامل بها إلي يوم القيامة من غير أن ينتقص من أجورهم شئ) [8] ولذا [ صفحه 123] كان صلحاء الصحابة أفضل من صلحاء من بعدهم لأنهم السابقون إلي الدين ومتبوعون فيه وغيرهم تابع لهم.

الامام يجب أن يكون أعلم الناس

وفي المعني الثاني: أما اشتراط كون الإمام أعلم من كل رعيته فلأنه مقتدي الأمة فلو كان فيهم من هو أعلم منه لوجب عليه الاقتداء بذلك الغير فخرج الإمام عن كونه مقتدي الأمة فلم يكن إماما، ولأنه الذي ترد إليه الأمة الأمر عند التنازع فيرفع عنهم الاختلاف بيانه كما دلت عليه آية: [ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم] [240] علي ما مر من توضيحها، وإذا كان في المختلفين من هو أعلم منه لم يرتفع الخلاف ببيانه بل احتاج هو إلي بيان ذلك الأعلم فلم يحصل بالرد إليه الغرض من رفع الاختلاف وإزالة الشبه وذلك خلاف المراد من الرد فوجب أن يكون هو الأعلم وأن علمه لا يتغير ولا يختلف كما مر عليك بيانه في المقدمة وبعضه في المسألة الأولي.

الامام يجب أن يكون أسخي الناس

وأما اشتراط كونه أسخي فلأنه ولي أموال المسلمين وخازنها فإذا لم يكن سخيا تاقت نفسه إلي جمع المال وادخاره فساءت حاله عند أصحابه وسقطت من القلوب منزلته، إذ من المعلوم أن السخي الباذل تكون له جلالة عظيمة في النفوس وقبول عند الناس ومحبة أكيدة وموقع في القلوب، والإمام أولي بذلك كله من غيره وأحوج إلي أن تقع جلالته في النفوس فيحصل المسارعة إلي إنفاذ أوامره ونواهيه، ويكون مرجوا سيبه [241] ممدودة إليه أعناق الرجال، وهكذا يجب أن يكون الإمام، وأن البخيل الشحيح لا جلالة له في النفوس ولا تعظيم ولا محبة ولا قبول، بل يكون ثقيلا علي القلوب محقرا عند العباد، والإمام يجب أن يكون منزها عن ذلك لأنه ينافي ما يجب من ولايته، ولأجل [ صفحه 124] ما ذكرنا يجب أن يكون الإمام أزهد أهل زمانه وأورعهم وأتقاهم وأكثرهم علي المندوبات مواظبة وللمكروهات الشرعية اجتنابا ليكون أعبد الناس وأبعدهم عن همز هامز ولمز لامز.

الامام يجب أن يكون أحلم الناس

وأما اشتراط كونه أحلم الناس فللعلة التي ذكرها الله تعالي في كتابه لنبيه (صلي الله عليه وآله وسلم) [ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك] [242] وإذا كانت الغلظة في النبي (صلي الله عليه وآله) وهو صاحب الشريعة موجبة لانفضاض الناس عنه فهم إلي الانفضاض عن الإمام بها أقرب، ولأنه لو كان في الرعية من هو أحلم من الإمام لكان عند الناس أكمل وكانت القلوب إليه أميل والإمام أحق بهذه المرتبة فوجب أن يكون أحلم من رعيته ليعظم قدره في النفوس وتأتلف له القلوب، ومن هنا يجب أن يكون خاليا من العجلة والطيش والتضجر والتبرم في مقام الحكم والفتوي وقسمة الفئ والأموال، متأنيا في الأمر وفيما يرد عليه من الوقائع والحوادث ومحاورة الخصوم لأنه الحاكم بين المسلمين والقاسم لفيئهم وأموالهم من الصدقات والغنائم وغير ذلك من الحقوق وليتمكن سائله من طلب التفهم والخصم عنده من بيان حجته والشاهد من أن يتتعتع في شهادته إلي غير ذلك من المصالح التي يتوقف عليها حصول ميزان العدل والانصاف الذي يقوم به الإمام.

الامام يجب أن يكون أشجع الناس

وأما اشتراط كونه أشجع فلأن الإمام الفئة التي يرجع إليها المسلمون في القتال فإذا لم يكن أثبت منهم قلبا وأمضي منهم في جهاد العدو فإذا ما حاد كما يحيدون [243] وفر كما يفرون فلأي فئة حينئذ يرجعون، ومن هذا يشترط أن يكون الإمام أقوي أهل زمانه في أمر الله تعالي لأنه المتولي لإنفاذ الأحكام [ صفحه 125] وإقامة الحدود وأخذ القصاص وتجهيز الجيوش وسد الثغور، وإذا لم يكن أقوي الأمة في ذلك قصر عما لا يقصر عنه غيره وذهب بقصوره جملة من مصالح نصبه، ومن ذلك يجب أن يكون أسد الناس رأيا وأحسنهم للأمور تدبيرا فيما لا يخالف الشرع، وأصبرهم علي احتمال المكاره وتحمل الشدائد في جنب الله ليكون القدوة للرعية في الصبر والاحتمال، وقد أشار إلي ذلك كله أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له قال فيها (أيها الناس إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه) [244] وقال في أخري: (إن أولي الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به) قال المعتزلي الرواية أعلمهم والصحيح أعملهم [245] أقول ولا مناقشة معه في ذلك لأن الكلام علي كلا الوجهين دال علي قولنا بأوضح دلالة وقال (عليه السلام): (إن العجلة والطيش لا تقوم بهما حجج الله وبيناته) إلي غير ذلك من أقواله.

تقديم المفضول علي الأفضل قبيح عقلا و نقلا

والثاني [246] من وجوه الأول العقل وبيانه أن تقديم المفضول علي الأفضل قبيح عقلا، وتقديم المساوي ترجيح بدون مرجح، وهو أيضا قبيح فإنا نقطع بذم العقلاء رجلا أراد سلوك طريق لحاجته إليه وقد أخبره رجل ثقة عالم بتلك الطريق مجرب لها مطلع علي أخبارها بأنها طريق حزنة [247] لا يمكن السلوك فيها إلا بشدة المشقة فترك سلوكها وفوت نفسه الحاجة ترجيحا لقول هذا الجاهل غير الثقة علي [ صفحه 126] قول ذلك العالم الثقة المجرب، ونجزم بتوجه العقل إلي تجهيله في ذلك ولومه وعذله علي ترجيحه خبر ذلك الجاهل علي خبر ذلك المطلع الثقة وتفويته حاجته لذلك، وهذا أمر وجداني لا شك فيه، وما ذاك إلا لما ارتكز في العقول السليمة من قبح تقديم المفضول علي الأفضل ولزوم العكس، وأيضا إن المقطوع به من سيرة الناس في الأعصار والأمصار من المسلمين والكفار استقباح تقديم أهل الغباوة والحمق في جميع الأمور التي لها شأن وخطر علي ذوي الفطنة والذكاء، وتقديم المتهورين علي ذوي الآراء السديدة في المشورة وإجالة الرأي في عقد أو حل، وتقديم من ليس كاملا ومتقنا في الصناعات والحرف علي أولي الكمال والاتقان فيها، وما ذاك إلا لاستقباح العقول تأخير الأفضل وتقديم المفضول، فيثبت ذلك في الشرع إذ لا تخالف بين العقل والشرع في المعلومات والمعتزلة يسلمون ذلك فيثبت المطلوب. الثاني النقل من الكتاب والسنة فمن الكتاب قوله تعالي [وكونوا مع الصادقين] [248] فأوجب الكون مع الصادق، ولا يتم إلا بترك الكون مع غير الصادق مع فرض اختلافهما فتكون الآية نصا في وجوب تقديم الأفضل علي المفضول، وقوله تعالي [أفمن يهدي للحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون] [249] وهذه الآية صريحة في أن الهادي إلي الحق بعلمه أحق بالاتباع ممن يحتاج في الاهتداء إلي من يهديه والأحق بالشئ من ليس لغيره فيه حق معه فالآية ناصة كالأولي علي وجوب اتباع الأفضل وترك المفضول، وحاثة علي ذلك بأشد ما يكون من الحث، ومهددة علي المخالفة كما هو صريح قوله تعالي [فما لكم كيف تحكمون] فثبت من صريحها وجوب تقديم الأفضل علي المفضول علي أن ابن أبي الحديد قد [ صفحه 127] استدل بها علي تحريم القول بأفضلية غير علي (عليه السلام) وسماه منكرا، وحكم أن الآية ناهية عنه، وإذا استدل بها علي تحريم تفضيل غير علي (عليه السلام) عليه لفضله الظاهر وجب أن يحرم اتباع غيره لذلك لأنها في النهي عن اتباع المفضول وترك الأفضل نص، وفيما ذكره باللزوم وقوله عز من قائل [هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب] [250] فبين عز وجل أنه لا تجوز التسوية بين العالم وبين غير العالم فمن قدم غير العالم علي العالم واقتدي به وترك العالم فقد رجح غير العالم علي العالم، وإذا كانت التسوية بينهما غير جائزة بصريح الآية فكيف يجوز تقويم المرجوح منهما علي الراجح؟ فالآية ظاهرة ظهورا بينا في لزوم تقديم الأفضل علي المفضول، وغير ذلك من الآيات التي يطلع عليها من طلب علم القرآن وتأمل دلالاته. ومن السنة كثير فمنها ما رواه ابن أبي الحديد عن أحمد بن حنبل في كتاب الفضائل قال خطب رسول الله (صلي الله عليه وآله) الناس يوم الجمعة فقال: (قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا منها ولا تعلموها، قوة رجل من قريش تعدل قوة رجلين من غيرهم، وأمانة رجل من قريش تعدل أمانة رجلين من غيرهم، أيها الناس أوصيكم بحب ذي قرباها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب (عليه السلام) [251] الخبر وهو صريح في وجوب تقديم قريش لفضلها علي الناس، وتقديم علي لفضله عليها فدل علي ما قلناه ومما يرشد إلي ذلك مما لا ينكر من فعل النبي (صلي الله عليه وآله) أنه لم يؤمر علي علي (عليه السلام) أحدا من الصحابة وأمر علي من سواه الأمراء وأمره هو علي كل من كان من الصحابة في مواضع كثيرة وما ذاك إلا لأن عليا (عليه [ صفحه 128] السلام) أفضل الصحابة وأنه لا يجوز تقديم المفضول علي الأفضل وهذا الوجه بعينه استدل به أبو سعيد الحسن البصري [252] علي أفضلية علي (عليه السلام) علي جميع الصحابة وقد رواه عنه ابن أبي الحديد وصححه عنه [253] ومنه يستفاد وجوب تقديم الأفضل، ولولا ذلك لأمر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي علي (عليه السلام) من الصحابة في وقت من الأوقات، بل لو كان ذلك جائزا لوجب علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يفعله وقتا ما ليبين للناس الجواز، فإن قيل: إنما لم يأمر النبي (صلي الله عليه وآله) علي علي (عليه السلام) غيره لأنه أشجع من غيره وأعرف بقيادة الجيوش، قلنا: فهذا اعتراف منك بأن الأفضل مقدم علي المفضول، وهو عين مدعانا لأنا ندعي أنه لا يجوز تقديم أحد في أمر علي من هو أفضل منه فيه، وأنت باعتراضك اعترفت لنا بما ندعي. ومنها ما صح روايته عند الخصوم واشتهر بينهم أنه لما طعن الصحابة علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في تأميرة أسامة بن زيد [254] علي جلة [ صفحه 129] المهاجرين والأنصار وقالوا يؤمر هذا الغلام الحدث علي جلة المهاجرين والأنصار قام خطيبا فقال فيما أجابهم به: (لأن طعنتم علي في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبله وأيم الله إنه كان لخليقا بالإمارة وابنه من بعده لخليق بها وإنهما لمن أحب الناس إلي) إلي قوله (فإنه من خياركم [255] فما نري الصحابة رجعوا في إنكارهم إلا إلي قبح تقديم المفضول علي الأفضل لزعمهم أن في القوم الذي أمر عليهم أسامة من هو أفضل منه وما نري النبي (صلي الله عليه وآله) أجاب عن إنكارهم إلا بأن أسامة خليق بالإمارة لأنه من خيارهم ولم يجبهم بأنه لا بأس بتقديمه لأن المفضول يجوز تقديمه علي الأفضل ومن هذا الخبر يعلم أن الصحابة لا يجوزون تقديم المفضول علي الأفضل وإن غلطوا في التفضيل وأنهم إن قدموا المفضول فهو خلاف مذهبهم أو لتوهمهم أفضليته غلطا. ومنها ما رووه وصححوه من قول النبي (صلي الله عليه وآله) لأبي الدرداء [256] حين كان يمشي أمام أبي بكر (أتمشي أمام من هو خير منك!) وهذه الرواية [257] وإن لم تكن عندنا بشئ لكنا نحتج بها علي مخالفينا من باب إلزام الخصم بما ألزم به نفسه وهي صريحة تمام الصراحة في قبح تقدم المفضول علي الأفضل في المشي فما ظنك في تقدمه عليه في الإمامة والأمر والنهي والحكم والصلاة وغير ذلك من المناصب الشرعية، وهل تجويز ذلك إلا مخالفة لما صح عندهم عن الرسول (صلي الله عليه وآله) علي عمد. [ صفحه 130] ومنها ما استفاض من طرقنا عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنه قال (من أم قوما وفيهم من هو أفضل منه لم يزل أمرهم في سفال إلي يوم القيامة) [258] وفي رواية أخري (من تقدم قوما وفيهم من هو أعلم منه كبه الله علي منخريه في النار) وهما صريحتان في المدعي وليس للخصوم أن يقدحوا فيهما بعد ما رووا عن النبي (صلي الله عليه وآله) ما يوافق مضمونهما مما مر ذكره وغيره، وما يفهم من مذهب الصحابة مما مضي بيانه ويأتي عن قريب وقد تبين من جملة ما حررناه وجوب أفضلية الإمام علي رعيته، وأنه لا يجوز أن يكون في رعية الإمام من هو أفضل منه بوجه من الوجوه، وخالفنا في ذلك أكثر العامة من الأشاعرة وغيرهم فجوزوا إمامة المفضول، وبالغ في ذلك المعتزلة غاية المبالغة فصححوا إمامة الخلفاء الثلاثة مع ذهاب المعظم من محققيهم كمعتزلة بغداد قاطبة وجماعة كثيرة من معتزلة البصرة إلي تفضيل علي (عليه السلام) علي جميع الصحابة بالمعنيين من التفضيل وصرح عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد المدائني وهو من أعاظم المعتزلة في شرح نهج البلاغة تمام التصريح [259] به قال وهو يخبر عن الله بزعمه: وقدم المفضول علي الأفضل لمصلحة اقتضاها التكليف [260] والمقصود من هذه العبارة أن الله أوجب الاقتداء بالمفضول واتباعه وترك اتباع الأفضل للمصلحة المذكورة وفي كتابه عنه ونقلا عن أصحابه مثل هذا كثير. أقول وهذه الدعوي مع ما فيها من الافتراء علي الله قد كذبتها مضافا [ صفحه 131] إلي ما مضي من الأدلة سيرة أئمة المعتزلي وما صح نقله عنده من طريقهم وذلك من وجوه. الأول إن أبا بكر لما قال لأصحاب السقيفة " هذان عمر وأبو عبيدة فبايعوا أحدهما " قال له عمر " كيف أتقدم عليك وأنت أقدم مني إسلاما وأنت صاحب رسول الله (صلي الله عليه وآله) وثاني اثنين في الغار، وقدمك رسول الله (صلي الله عليه وآله) في الصلاة رضيك رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لديننا أفلا نرضاك لدنيانا "؟ وقال للناس " أيكم يطيب نفسا أن يتقدم قدمين قدمهما رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في الصلاة " [261] فنري عمر لم يجوز لنفسه ولا لغيره التقدم علي أبي بكر لأفضلية أبي بكر عليه وعلي غيره في الخصال التي ذكرها بزعمه لا لشئ آخر وما نراه قال لأبي بكر نعم أنا أفضل منك أوهنا من هو أفضل منك، ولكن المصلحة التي اقتضاها التكليف تقديمك علي من هو أفضل منك كما ادعاه المعتزلي. الثاني: إن أبا بكر لما استخلف عمر قال له طلحة: " ماذا أنت قائل لربك إذا قدمت عليه وقد وليت علينا فظا غليظا " فغضب أبو بكر وقال لطلحة " أبالله تخوفني إذا لقيت ربي فسألني قلت خلفت عليهم خير أهلك " فقال طلحة " أعمر خير الناس يا خليفة رسول الله " فاشتد غضبه فقال " أي والله هو خيرهم وأنت شرهم " [262] فما نري أبا بكر احتج علي تقديمه عمر علي الناس إلا لأفضليته عليهم عنده، وما نري طلحة أنكر علي أبي بكر تقديمه عمر إلا لمفضوليته عنده وكونه علي صفة لا يصلح صاحبها للإمامة، وهي كونه فظا غليظا كما صرح به، وما أجاب أبو بكر طلحة عن ذلك ولا اعتذر [ صفحه 132] له بما قال المعتزلة بأن عمر ليس أفضل عندي منكم ولكن جاز تقديمه عليكم لمصلحة اقتضاها التكليف بل أجابه بأنه خيرهم كما سمعت. الثالث أن عمرو بن العاص لما كلم عمر وطلب منه أن يكلم أبا بكر أن يجعله أميرا علي جيوش المسلمين بالشام ويعزل أبا عبيدة ويجعله تحت أمره أجابه عمر بأن أبا عبيدة عندنا خير منك وقد سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: أبو عبيدة أمين هذه الأمة) فامتنع أبو بكر وعمر من تقديم ابن العاص علي أبي عبيدة لأفضلية أبي عبيده عليه [263] عندهما كما تري لا لما ذكره المعتزلي وقبيله إلي غير ذلك مما رووه من أقوال أئمتهم وأفعالهم مما هو مماثل في المعني لما ذكرناه وكل ذلك رواه ابن أبي الحديد وصححه وهو صريح في مخالفة قوله ومناقضة دعواه، فاتضح منه أن المعتزلة والأشاعرة وغيرهم قد خالفوا أئمتهم وتركوا قول من جعلوا دعواهم وسيلة لتقديمهم وكفي بقولهم بطلانا مخالفته لحكم من يقتدون به والذي يمكن تمسك المعتزلة به في قولهم ذلك وجهان يظهران من مطاوي كلام ابن أبي الحديد. الأول إن النبي (صلي الله عليه وآله) أمر علي أبي بكر وعمر وعثمان أبا عبيدة بن الجراح مرة وأمر عليهم عمرو بن العاص تارة وخالد بن الوليد أخري وأسامة بن زيد رابعة [264] وأبو بكر وعمر وعثمان أفضل من هؤلاء المؤمرين عليهم بالإجماع فيعلم من ذلك جواز تقديم المفضول علي الأفضل، والجواب أنه إن أراد إجماع الصحابة فقد عرفت أنه قائم علي قبح [ صفحه 133] تقديم المفضول علي الأفضل ولذا أنكروا علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) تأمير أسامة بن زيد زعما منهم أن أسامة مفضول بالنسبة إلي المؤمر عليهم ولم ينكروا تأمير أبي عبيدة وعمرو وخالد علي أبي بكر وعمر وعثمان فدل ذلك من فعلهم وقولهم علي أنهم لا يرون لهم فضلا علي الأمراء المذكورين في ذلك الزمان وإن قال به البعض بعد ما صار الثلاثة خلفاء فهو قول متجدد، وقد فضل الأنصار سعد بن عبادة علي أبي بكر وقدموه عليه لولا ما رواه عمر من قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (الأئمة من قريش) وادعاء أبي بكر وصاحبيه القرابة من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وميل بعض الأنصار لقريش حسدا لسعد وطعن سعد المذكور علي أبي بكر وعمر بالمعصية في قوله: لو اجتمع الثقلان ما بايعتكما أيها الغاصبان، وطعن الحباب بن المنذر علي عمر بالجهل وطعن طلحة عليه بالفظاظة والغلظة وأنكر علي أبي بكر قوله فيه " إنه خير الناس "، وكل ذلك محقق عندهم فأين الإجماع من الصحابة علي فضلهم فضلا عن أفضليتهم؟ علي إن هذا الإجماع المدعي لو تحقق منهم لكان مناقضا لقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في حديث تأمير أسامة وإذا كان الإجماع مناقضا لقول النبي (صلي الله عليه وآله) كان باطلا والحق أن أفضلية الثلاثة لم تكن معروفة في زمان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بين الصحابة وأنها بعده من المختلف فيه بينهم وإن أراد إجماع الأشاعرة فهو لا يرضي به فإنهم وإن لم يستقبحوا تقديم المفضول علي الأفضل بناء علي أصلهم من نفي الحسن والقبح العقليين لكنهم يفضلون الثلاثة علي علي (عليه السلام) في معني كثرة الثواب، وهو يبطل ذلك كله وإن أراد إجماع أصحابه المعتزلة فهو معارض بإجماع الشيعة علي تفضيل أسامة علي أبي بكر وعمر وعثمان وأن الباقين أحسن حالا منهم لا سيما في كثرة الجهاد، والشيعة أكثر من المعتزلة فيحتاج في ترجيح أحد الإجماعين علي الآخر إلي مرجح من الأدلة فإن احتج بالسبق [ صفحه 134] إلي الإسلام أجيب بأن السبق علي أبي عبيدة ممنوع في عمر فإن أبا عبيدة أسلم قبله وعثمان أيضا غير متحقق إسلامه قبل أبي عبيدة وخاصية السبق علي أسامة منتفية لتولده في دعوة الإسلام وعدم سبق الكفر منه، ثم إن السبق إلي الإسلام لا يصلح بنفسه خاصة أن يكون موجبا للأفضلية إذا عارضه ما هو مثله أو أقوي منه من الصفات الموجبة للتفضيل ما لم ينضم إليه المساواة في باقي الصفات الحميدة ليكون للسابق الزيادة علي الآخر المساوي في الصفات بالسبق فيفضله به وذلك بأن نفرض شخصين تساويا في الخصال المحمودة لكن أحدهما أسبق في الإسلام من صاحبه فالسابق أفضل بالسبق من اللاحق أما إذا كان اللاحق قد أدرك من صفات الخير مثل العلم والسخاوة وكثرة الجهاد وغير ذلك مما يقابل السبق ويربو عليه ولم يكن للسابق من ذلك شئ أو لم يكن فيه توغل كاللاحق لم يكن السابق أفضل من المسبوق، وآية [لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل] [265] الآية ظاهرة في المعني الأول بل لا تحتمل غيره وقوله تعالي [إن الله لا يضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثي] [266] شاهد للمعني الثاني فغير ممتنع أن يكون لعمرو بن العاص وخالد بن الوليد بعد دخولهما في الإسلام خصائص تقابل سبق الثلاثة وتربو عليه وبذلك قدمهما رسول الله (صلي الله عليه وآله) عليهم، هذا كله إذا أريد من الأفضلية كثرة الثواب، وأما إذا أريد الجمع للخصال الحميدة كان استحقاق عمرو وخالد التقدم في الإمارة علي الثلاثة أوضح من أن يوضح لحصول الشجاعة والثبات في الجهاد فيهما دونهم، ولو احتج بالأحاديث المروية في فضل الثلاثة أجيب بوجهين: الأول إنها مفتعلة موضوعة كما دل عليه احتجاج أبي بكر وعمر علي [ صفحه 135] المنازعين لهما في أمور كثيرة قد مر بعضها لخلوه عن ذكر شئ منها مع احتياجهم إليها لأن حديثا منها أوضح من جميع ما احتجوا به علي مطالبهم مما لا يغني شيئا ولا يجدي نفعا، ولم لا احتج أبو بكر أو احتج عمر له علي الأنصار بما يروي بعد من قول النبي (صلي الله عليه وآله): (لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدم عليه غيره) واحتج أبو بكر علي طلحة في تفضيل عمر الذي ادعاه بقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (ضرب الحق علي لسان عمر [267] لو كان شئ من ذلك موجودا فعدم تعرضهم لها مع الحاجة إليها وارتفاع المانع من ذكرها دليل علي عدم وجودها عندهم وإذا لم تكن موجودة عندهم كانت لا محالة موضوعة، والأمر في عثمان أوضح لأن حاجته كانت إلي الحجة الصحيحة أشد، وتلك الأخبار في حقه لو كانت موجودة لكان الاحتجاج بها أنفع له مما ذكره من كل غث وسمين مما لم يدفع عنه حجة خصومه، علي إن بعض العامة طعن فيها بالوضع لما ذكرناه، وطعن الشيعة فيها لذا وغيره معلوم مشهور فتكون باطلة لا تقوم بها حجة وسيأتي لهذا زيادة توضيح في موضع هو أملك به من هذا الموضع. [ صفحه 136] الثاني [268] إنها معارضة بما روي من مدح المأمرين المذكورين وقد رواه من روي مدح الثلاثة من المحدثين مثل (أبي عبيدة أمين هذه الأمة) و (عمرو بن العاص أحب الناس إلي) و (خالد سيف الله) والتأمير يكون قرينة الترجيح فإن رد الجميع بالوضع فلا احتجاج بالكل فتأمل الوجه الثاني [269] إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) رضي بتقديم أبي بكر وعمر وعثمان عليه في الخلافة وهو عند نفسه أفضل منهم وعندنا كذلك، ولو لم يجز تقديم المفضول علي الأفضل عنده لما رضي بتقدمهم عليه، وهذه الحجة مع إنها معتمدهم واهية جدا والجواب عنها يمنع المقدمة الأولي فإن عدم رضي أمير المؤمنين بتقدم أبي بكر عليه أظهر من الشمس الضاحية، وقد روي هذا المحتج فيما صح عنده من الروايات امتناع علي (عليه السلام) عن بيعة أبي بكر مع جملة من أصحابه وهم خيار الصحابة وصلحاؤهم، وتألمه من تقدم أبي بكر عليه حتي أخرج إلي البيعة بالقهر والغلبة علي أوعر وجه وأشد هوان هو ومن معه وروي أيضا أن عليا استنصر الناس علي أبي بكر، كان يركب فاطمة علي حمار ويأخذ معه الحسن والحسين ويمضي إلي دور المهاجرين والأنصار يطلب منهم النصرة علي أبي بكر وتطلب فاطمة (عليها السلام) منهم له الانتصار علي أبي بكر فلم يجبه إلا أربعة أو خمسة [270] وقد عيره معاوية بذلك في مراسلاته وبأنه قيد إلي البيعة كما يقاد البعير المخشوش [271] فما أنكر شيئا من ذلك بل كان من جوابه لمعاوية (وقلت: إني أقاد كما يقاد البعير [ صفحه 137] المخشوش فلعمري لقد أردت أن تذم فمدحت وإن تفضح فافتضحت وما علي المؤمن من غضاضة إذا كان مغلوبا عليه ما لم يكن شاكا في دينه أو مرتابا في يقينه) [272] كل ذلك رواه [273] وروي أيضا أن عليا (عليه السلام) كان يقول (لو وجدت أربعين ذوي عزم لنا هضت القوم) [274] يعني أبا بكر وأصحابه فأين رضاه بتقدم أبي بكر علي هذا وما سيأتي بعده من البيان في مواضعه؟ فالمعلوم من ذلك أن عليا (عليه السلام) ما ترك مناجزتهم إلا لعدم وجوده الناصر وأمور أخري يأتي إيضاحها إن شاء الله فإذا بطل رضاه بتقدم الأول بطل رضاه بتقدم الأخيرين البتة، وتظلمه (عليه السلام) منهم في زمان خلافته في كلماته وخطبه مشهور معلوم، وقوله في بعض خطبه في أيام الجمل (فوالله ما زلت مدفوعا عن حقي مستأثرا علي منذ قبض الله نبيه حتي يوم الناس هذا) [275] معروف غير منكور قد رواه المحدثون وصححه ابن أبي الحديد [276] ولو عمدنا إلي ذكر ما ورد في الروايات المصححة عند الخصم من تظلمه (عليه السلام) وتألمه وتشكيه من تقدم الثلاثة عليه إذن لاحتاج إلي كتاب مفرد، وليس المقصود هنا إلا بيان عدم رضاه بتولي القوم عليه وهو حاصل ببعض ما ذكرناه، ومنه صح أن يدعي رضي أمير المؤمنين (عليه السلام) بتقدم من تقدم عليه مبطل في دعواه فبطل ما بني عليه من القول بجواز تقديم المفضول علي الأفضل علي أن المعتزلي قد ذكر في موضع من كلامه ما حاصله أن الناس الذين لم يشاهدوا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ولم يسمعوا منه ما قال في حق علي (عليه السلام) من [ صفحه 138] الأقوال الجميلة إنما دعاهم إلي القول بأفضلية المتقدمين عليه في الخلافة تقديمهم عليه فيها لاعتقادهم أن الأفضلية هي سبب التقديم وهذا الكلام مؤيد لما قلناه من أنه قد ارتكز في العقول قبح تأخير الأفضل عن المفضول وذلك مبطل لما يقول ولهذا كان من قدم الثلاثة علي أمير المؤمنين (عليه السلام) مع اشتهار فضائله وشياع مناقبه ووفور مآثره وتواتر أقوال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في تفضيله وتبجيله اعتمادا علي فعل قوم من الناس ظهرت منهم مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله) في مواضع كثيرة مخالفا لمذهبه ومكابرا لمقتضي عقله فلا عذر له عند الله يوم المئاب ولا حجة له عند الحساب لاكتفائه بالتقليد عن النظر مع وضوح الأمر وصراحته. ثم ما أدري أي مصلحة في التكليف اقتضت تقديم المفضول علي الأفضل [277] والتكليف دائر مدار المصلحة وهي عندنا وعنده عقلية والعقل ينكر تقديم المفضول ويقبحه؟ فأين هذه المصحلة؟ ما هذا إلا تناقض في القول وتشبث بما لا يسمن ولا يغني من جوع فبطل ما قال وصح ما قلنا من وجوب تقديم الأفضل علي المفضول. وبعد فأي عاقل يجوز لنفسه ترك الأخذ بقول رجل فاضل متقن للأحكام محرز لأدلة المسائل العلمية والعملية ويأخذ بقول رجل قاصر العلم ضعيف الاتقان؟ أو يقدم لقيادة الجيوش رجلا خوارا لا يصبر عند اللقاء ولا يثبت عند منازلة الأعداء؟ بل يفر ويولي الدبر ويؤخر عن ذلك رجلا مقداما صبورا عند الهزاهز وقورا عند الشدائد قويا علي محاولة الشجعان بصيرا في مطاعنة الاقران عارفا بقيادة الجيوش وسياسة الأمور كرارا غير فرار ويقدم في المشورة في الأمور المهمة رجلا جامدا القريحة متردد الذهن ضعيف العزم علي [ صفحه 139] رجل ثاقب الرأي ماضي العزيمة صرام للأمور نافذ البصيرة عارف بأنواع المصالح والمفاسد، أو يقدم في الأمانة رجلا غير تام الوثاق ولا مستكمل الديانة علي رجل آخر معروف بالعفاف والأمانة وكمال الديانة مقطوع بصلاحه مشهورة ثقته إلي غير ذلك من الأوصاف المتقابلة التي لا يرتاب عاقل غير معاند ولا مكابر في استقباح تقديم القاصر فيها علي الكامل؟!! ولكن القوم [278] خالفوا عقولهم وناقضوا أحلامهم فسفهوها بقبح أقوالهم وكل ذلك إرادة منهم لتصحيح إمامة القاصرين من المتقدمين، وقد بان مما حررناه بطلان ما أثبتوه والله المستعان.

يشترط في أن يكون قريبا من النبي

اشاره

من المسائل في شروط الإمام. يشترط في الإمام أن يكون قريبا من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في النسب بل يجب أن يكون أقرب الناس إليه، أما القرابة في الجملة فظاهر الصحابة والتابعين بل جميع المسلمين عليها، ولذا احتج بها أبو بكر وصاحباه في السقيفة علي الأنصار عند رومهم مبايعة سعد بن عبادة، وروي لهم عمر عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (أن الأئمة من قريش [279] واحتج لقريش علي الأنصار جماعة منهم فانصرفوا بها عن مبايعة سعد واحتج أمير المؤمنين (عليه السلام) بها علي أبي بكر وأصحابه في استحقاق [ صفحه 140] الإمامة دونهم، فما أنكر الاحتجاج بها علي أولويته بالخلافة منهم أحد بل اعتذر منهم من اعتذر بأمور أخري كما سيأتي مشروحا ولم يخالف في ذلك ممن ينتحل الإسلام إلا الخوارج [280] ولا عبرة بهم لخرقهم إجماع المسلمين، نعم ربما يتصور الخلاف في اشتراط الأقربية من النبي (صلي الله عليه وآله) في الإمامة فإن أكثر المخالفين لم يشترطوها وأصحابنا جميعا علي الاشتراط، والعباسية كذلك وهذا هو الأصح وعليه المعتمد لنا قوله تعالي [وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله] [281] في الأنفال وفي الأحزاب [وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين] [282] وهما شاملتان للمال والمنزلة بل هما للمنزلة أقرب وفيها أظهر لأن سياق الآيتين في معني الولاية لا سيما الثانية فإنها في مساق ولاية النبي (صلي الله عليه وآله) وهو قوله تعالي: [النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام] الآية وذلك مرجح ليس له معارض، وقوله تعالي في إبراهيم (عليه السلام) [وجعلها كلمة باقية في عقبه] [283] والكلمة الإمامة وهو إشارة إلي قوله تعالي عز وجل [إني جاعلك للناس إماما] [284] وبه قال جماعة من المفسرين وهو عند أصحابنا متفق عليه فالآية صريحة في المطلوب وقوله جل وعلا [إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين ذرية بعضها من بعض] [285] يومي إلي ذلك بل يصرح به قول النبي (صلي الله عليه وآله) (لا يؤدي عني إلا أنا [ صفحه 141] ورجل مني) [286] لعموم اللفظ ولأنه إذا لم يجز أن يؤدي عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بعض الأمور من هو بعيد عنه في النسب فكيف يجوز أن يؤدي عنه إلي جميع الأمة جميع الأحكام الشريعة في الدين والدنيا فدل ذلك علي اشتراط الأقربية من النبي (صلي الله عليه وآله) في الإمام فإن قيل: إذا حكمتم بأن الإمام يجب أن يكون أقرب الناس إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم لزمكم القول بأن العباس بن عبد المطلب هو الإمام بعد رسول الله كما قاله العباسية لأنه العم والعم أقرب من ابن العم وأنتم لا تقولون بذلك، قلنا لهذا جوابان عندنا معروفان وآخران مذكوران. الأول وأن ابن العم للأبوين أقرب عندنا من العم للأب فيجوز الميراث دونه ويحجبه، وهذا مذهب أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن المحقق أنه لا يقول إلا الحق وقد قال به قوم من الفقهاء كنوح بن دراج [287] . وأبي بكر بن عياش [288] وغيرهما وعلي (عليه السلام) ابن عم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لأبويه فإن أم عبد الله وأبي طالب جميعا فاطمة بنت عمرو المخزومية وأم العباس أخري غيرها فهو عم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لأبيه خاصة فيكون علي (عليه السلام) أقرب منه إلي النبي (صلي الله عليه [ صفحه 142] وآله وسلم).

القرابة بمفردها لا يستحق بها الإمامة

الثاني أن القرابة بمفردها غير كافية في استحقاق منزلة النبي صلي الله عليه وآله بل تحتاج إلي أن ينضم إليها باقي الشروط من العصمة والأفضلية والعباس غير معصوم وعلي أفضل منه بالإجماع فكان أحق بمقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) منه، ومن هذا الوجه قدمنا عليا (عليه السلام) علي أخيه عقيل مع تساوي نسبهما الصوري إلي النبي (صلي الله عليه وآله) وكون قرابتهما منه واحدة وأما الوجهان الآخران. فأحدهما ما ذكره علي (عليه السلام) وسيأتي ذكره مشروحا في إيراد النصوص عليه وهو مبايعته النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) حين جمع بني عبد المطلب ودعاهم إلي مبايعته علي أن من بايعه يكون أخاه ووزيره ووارثه وخليفته فبايعه علي (عليه السلام) دونهم [289] .

بين الرشيد والكاظم في هذه المسألة

والثاني مروي عن أبي الحسن موسي بن جعفر إنه ذكره للرشيد [290] واحتج به عليه مع أول الوجهين الأولين حين ناظره في استحقاق علي (عليه السلام ميراث النبي (صلي الله عليه وآله) دون العباس وهو أن عليا أسلم وهاجر فكانت له ولاية النبي (صلي الله عليه وآله) والعباس تأخرا إسلامه ولما أسلم لم يهاجر فلم يكن له من ولاية النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في الميراث شئ لقوله تعالي: [والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتي يهاجروا] [291] فلذلك لم يكن للعباس (رضي الله عنه) [ صفحه 143] مقام النبي (صلي الله عليه وآله) ولقد أخرجه عمر من الشوري لذلك وادخل عليا دونه، وذلك حجة علي المعترض فبطل اعتراضه كما بطل اعتراض هارون الرشيد علي أبي الحسن لما ذكر له الوجه المذكور وبما ذكرنا من الوجوه بطل قول قوم رعف بهم الزمان يسمون العباسية قالوا: بأن الإمامة بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لعمه العباس لأنه الأقرب فادعوا له ما لم يدعه لنفسه وما ذكره أيضا بعض جهلة العامة ردا علي الشيعة من أن الإمامة إن كانت بالقرابة وجب أن يكون العباس هو الإمام بعد الرسول (صلي الله عليه وآله) لأنه العم وهو أقرب من ابن العم وعلي (عليه السلام) ابن العم فلا يكون له مقام النبي (صلي الله عليه وآله) مع وجود عمه العباس لما علمت من أن الإمامية لم يسلموا أقربية العباس للنبي (صلي الله عليه وآله) من علي (عليه السلام) وقد ذكرنا دليل المنع ووافقهم عليه من وافقهم من غيرهم مثل نوح بن دراج وهو من قضاة هارون الرشيد وأبي بكر بن عياش وهو من الأجلاء عند العامة ولم يجعلوا القرابة بمفردها مقتضية لاستحقاق الخلافة بدون حصول باقي الشروط فاندفع الاعتراض عنهم وزال من أصله وثبت المدعي من اشتراط الأقربية من النبي (صلي الله عليه وآله) في الإمام وأما الحسن والحسين فاستحقا الإمامة لتساويها في قرابة النبي (صلي الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) فلم يكن ولد الحسن يستحقونها مع الحسين (عليه السلام) وهو الأقرب إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وعلي، ثم هي بعد الحسين لمن كان أقرب إلي الإمام الذي قبله مع جمعه باقي الشروط ولذا صارت بعد الحسين في ولده خاصة ولم تصر في ولد الحسن لتساوي الجميع في القرب من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام)، لأن ولد الحسين (عليه السلام) [ صفحه 144] اختصوا بالقرابة من الحسين وهو الإمام بعد الحسن دون ولد الحسن. فكان ولد الإمام أولي به بمفاد الآيتين فلم يكن ميراث الحسين (عليه السلام) من جده وأبيه يعود بعده إلي ولد أخيه دون ولده ولا يشتركون فيه، ومن هذا بطل قول من قال من الزيدية وغيرهم بأن الإمامة بعد الحسين جائزة لذريته وذرية أخيه الحسن لتساوي قرابة الكل منهم إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وإلي أمير المؤمنين، ومنه أيضا يفسد قول الكيسانية بانتقال الإمامة بعد الحسين إلي أخيه محمد بن علي وهو ابن الحنفية ثم من بعده لولده وأنه هو القائم المنتظر إلي غير ذلك من خرافاتهم واختلافاتهم، لأن علي بن الحسين أقرب إلي أبيه وإلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من عمه محمد (رض)، وبطل قول الإسماعيلية لأن موسي (عليه السلام) أقرب إلي أبيه أبي عبد الله، من ولد أخيه إسماعيل إذ لا خلاف في أن الولد أقرب من ولد الولد وليست لإسماعيل إمامة في حياة أبيه إذ لا إمامة للاحق إلا بعد مضي السابق وإسماعيل مات قبل أبي عبد الله (عليه السلام)، وبطل قول الفطحية بإمامة عبد الله بن جعفر [292] لعدم العدالة فيه دون العصمة والعلم وباقي الشروط وبهذا أيضا يبطل جميع ما ذكرناه من الأقوال وغيرها من خرافات فرق الشيعة غير الإمامية وغيرهم من فرق الناس والله الموفق للصواب. [ صفحه 145]

في طريق الإمامة

اشاره

أي من مسائل شروط الإمام. في طريق الإمامة وقد اختلف الناس في ذلك فذهب أصحابنا الإمامية إلي أن الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أو مدلولا عليه من الإمام الذي قبله، أو يدعي الإمامة فيقيم معجزا يدل علي صدقه، ولا خلاف بين الأمة في أن النص والتعيين من النبي (صلي الله عليه وآله) أمر مستقل تثبت به الإمامة، وإنما الخلاف في كون النص شرطا فلا تثبت الإمامة بدونه ودون الوجه الثاني، وهذا مذهب أصحابنا (رضي الله عنهم) وهو الحق المتبع، وذهب العامة وغيرهم من الفرق إلي أن الإمامة تصح بالاختيار وتثبت ببيعة أهل الحل والعقد كما تثبت بالنص، وذهب الزيدية إلي أن كل فاطمي عالم زاهد خرج بالسيف وادعي الإمامة فهو إمام، وهذا المذهب مشارك لما قبله في الضعف والوهن، وستسمع الحجة علي إبطالهما وذهب العباسية إلي أن تعيين الإمام يكون بالنص والميراث ومرادهم الأقربية، ولا نزاع بيننا وبينهم إلا في تعيين الأقرب الوارث وقد مر بيان ذلك من قريب، فإن قيل إنكم قلتم: إن نصب الإمام واجب علي الله فيكون منصوبا من قبله ثم قلتم هنا: إن الإمامة تحتاج في ثبوتها إلي نص من الرسول (صلي الله عليه وآله) فلا اعتراض فيه لأنه يوحي إليه فيعرفه الله الإمام من بعده ويأمره بنصبه فيكون منصوبا من الله علي لسان الرسول (صلي الله عليه وآله) لكن الإمام من أين تحصل له معرفة من نصبه الله بعده في الإمامة حتي يدل عليه والوحي قد انقطع وليس الإمام عندكم يوحي إليه فلا محالة يكون المدلول عليه مختار الإمام الذي قبله لا منصوبا من الله فرجع قولكم في الإمامة إلي الاختيار أيضا قلنا: ليس الأمر كما ادعيت بل لنا في الجواب عن هذا الايراد وجوه. الأول أن الوحي وإن كان قد انقطع فما انقطعت الإلهامات فجائز أن [ صفحه 146] يلهم الإمام ويفهم من الله معرفة الإمام الذي اختاره للإمامة من بعد كما يلهم غير ذلك من الأمور فيدل الأمة علي الإمام بعده وينص عليه بدلالة الله إياه عليه من طريق الالهام، وليس القول بالإلهام مما نختص به نحن بل جملة من خصومنا يثبتونه لكافة أهل العرفان المسلمين عندهم باهل الله من إمام غيره، وقد صرح ابن عربي محيي الدين عند الخصوم بأن المهدي إذا خرج يلهم الشريعة ويحكم بما القي إليه ملك الالهام منها [293] وصرح الحافظ جلال الدين السيوطي في الكشف بأن عيسي إذا نزل يفهم جميع أحكام الشريعة المحمدية من القرآن من غير احتياج إلي الحديث كما فهمها منه نبينا (صلي الله عليه وآله وسلم) لانطوائه علي جميعها وإن قصرت أفهام الأمة عن فهم ما يفهمه صاحب النبوة [294] وقال بعضهم أظنه أبا حامد الغزالي كلاما في هذا المعني طويلا ومن جملته قوله " فالنبوة والرسالة من حيث عينها وحكمها ما انقطعت وما نسخت وإنما انقطع الوحي الخاص بالرسول والنبي من نزول الملك علي أذنه وقلبه " وكان قبل هذا الكلام قال " إن النبوة والرسالة انقطعت من الوجه الخاص ثم بقي منها المبشرات " ثم قال بعد ذلك: " وأما الأولياء فلهم في هذه النبوة مشرب عظيم " إلي آخر كلامه في هذا الشأن، وقد ذكر الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا في النمط العاشر في أسرار الآيات من كتاب الإشارات صحة الالهام والعلم بالغائبات للأولياء من جهة استكمال النفس الإنسانية القوة التي هي مبدأ الأفعال الغريبة، قال في موضع " إذا قلت الشواغل الحسية وبقيت شواغل أقل لم يبعد أن يكون للنفس فلتات تخلص عن شغل التخيل إلي جانب القدس فانتقش فيها نقش من الغيب فساح إلي عالم التخيل وانتقش في الحس المشترك وهذا في حال النوم أو [ صفحه 147] في حال مرض ما، يشغل الحس ويوهن التخيل " [295] ثم ذكر علل ذلك وقال بعدها: " فإذا كانت النفس قوية الجوهر تسع للجوانب المتجاذبة لم يبعد أن يقع لها هذا الخلس والانتهاز في حال اليقظة " [296] وقال في موضع آخر مشيرا إلي هذه القوة: " هذه القوة ربما كانت للنفس بحسب المزاج الأصلي لما يفيده من هيئة نفسانية تصير للنفس الشخصية تشخصها وقد تحصل المزاج وقد يحصل بضرب من الكسب يجعل النفس كالمجردة لشدة الذكاء كما يحصل لأولياء الله الأبرار " وقال في موضع " إذا بلغك أن عارفا حدث عن غيب فأصاب متقدما ببشري أو نذير فصدق ولا يتعسرن عليك الإيمان به فإن لذلك في مذاهب الطبيعية أسبابا معلومة [297] " إلي غير ذلك من كلماته المصرحة بهذا المعني، وإذا سلم الخصوم صحة الالهام للأولياء من جهة الشرع والحكمة ثبت جوازه وحصوله للإمام لأنه علي ما نقول ولي الأولياء وعماد الأصفياء الذي لا يشوب عمله شائبة التغير ولا يخاط حكمه شئ من التبديل فوجب أن يكون ملهما مفهما. الثاني أن النبي (صلي الله عليه وآله) قد بين للإمام بعده جميع ما علمه الله من العلوم والأسرار كما ذكرنا فيما مر ومن المعلوم أن الله تعالي أخبر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بعدد أوصيائه وأسمائهم وصفاتهم فكان من جملة ما بينه لخليفته ثم بينه الخليفة إلي من يكون بعده وهكذا وبهذا صرحت جملة من الآثار. الثالث أنه لا يبعد أن النبي (صلي الله عليه وآله) يخبر كل إمام زمان بمن يكون الإمام بعده مشافهة أو في المنام وليس في ذلك مانع فقد ذكر مخالفونا ذلك وجوزوه في الأولياء بزعمهم، قال ابن عربي " جزم بعض [ صفحه 148] المحققين القياس علي جميع أهل الله لكون رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مشهودا لهم فإذا شكوا في صحة حديث أو حكم رجعوا إليه في ذلك فأخبرهم بالأمر الحق يقظة ومشافهة " انتهي [298] وقال السيوطي: " إن عيسي إذا أنزل يجتمع به يعني نبينا (صلي الله عليه وآله وسلم) فلا مانع من أن يأخذ عنه ما يحتاج إليه من أحكام شريعته وكم من ولي ثبت أنه اجتمع به يقظة وأخذ عنه فعيسي أولي " [299] انتهي وأمثال ذلك من كلامهم كثيرا مثلما ذكره الواقدي في فتوح الشام من أخبار النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لأبي عبيدة بأمور كثيرة مما يدور بين النصاري من الكلام والتدبير والمشورة في المنام [300] فإذا صح مشاهدة النبي (صلي الله عليه وآله) عندهم للأولياء وأخذهم عنه وإخباره إياهم في النوم بأمور من الغيب فالإمام أولي لأنه سيد الأولياء، وهذا الوجه وارد في أخبارنا أيضا فاندفع الايراد وانزاح الإشكال، وإذا تحققت ما رسمناه فاعلم أن لنا علي ما ذهبنا إليه وجوها من الأدلة. الأول إنا بينا أن الإمام يجب أن يكون معصوما، والعصمة أمر خفي لا يطلع عليها في أي شخص هي إلا علام الغيوب الذي أيد ذلك الشخص بها فلا يعرف صاحبها إلا من قبله إما بالنص عليه أو إظهار المعجزة علي يديه، أما وجوب عصمة الإمام فقد أثبتناه بالأدلة القاطعة، وأما إن العصمة أمر خفي فلما علمت من معناها، ولأنه ليس في خلق الإنسان ما يدل علي أنه معصوم أو غير معصوم، وأما ما كان خفيا فلا يعرف إلا من جهة الله تعالي [ صفحه 149] بأحد الوجهين المذكورين فأمر ظاهر لا يحتاج إلي البيان فيثبت المطلوب. الثاني أن سيرة النبي (صلي الله عليه وآله) تقتضي التنصيص علي الإمام وذلك أنه أشفق علي الأمة من الوالدة علي ولدها حريص علي إرشادهم وهدايتهم ولهذا علمهم الأمور الجزئية حتي ما يتعلق بقضاء الحاجة والاستنجاء وما شاكل ذلك، وقد وصفه الله بالرأفة بالمؤمنين والحرص علي إرشادهم في الكتاب المبين، في قوله تعالي: [لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز علي ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم] [301] فمن كان بهذه المثابة من الشفقة علي الأمة والرأفة بهم لا يجوز في العقل أن يتركهم من غير أن يبين لهم مفزعهم ومن يرجعون إليه في أمور دينهم ودنياهم فتحصل لهم بترك بيانه في دينهم الحيرة وتعتريهم في أمورهم الجهالة والشبهة، كلا إن العقل يحيل ذلك عن النبي الرؤف الرحيم بالأمة، الذي اعتني ببيان أمور لا نسبة لها بالإمامة ولا تعد شيئا بالنسبة إلي الخلافة فكيف يهمل الأمر الأهم من لم يهمل الأمور الجزئية من المستحبات والمكروهات، علي أن أبا بكر ما جوز لنفسه ترك بيان خليفته، وعمر بين أن الخلافة بعده جائزة لستة وجعل الرأي لواحد منهم ولم يجوز لنفسه ترك بيان من يصلح بعده للخلافة، أفتري النبي (صلي الله عليه وآله) يقصر في إصلاح الأمة عن الرجلين وهو علي ما علم من حاله في الشفقة بالأمة ومن منصبه في إبلاغ الفرائض التي أعظمها وأجلها الإمامة إليهم؟ وحيث أن سيرة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) تقتضي التنصيص وجب أن يكون الإمام منصوصا عليه. الثالث أن الاختيار يؤدي إلي التنازع ويفضي إلي التجاذب لاحتمال أن يختار كل فرقة من الناس رجلا للإمامة فتقوم الفتنة بين الأئمة وأصحابهم علي [ صفحه 150] ساق، وكذلك في الفاطميين علي ما قاله الزيدية، إذ لا مانع من قيام فاطميين أو أكثر بالسيف يدعون إلي أنفسهم كل منهم عالم زاهد فيحصل من ذلك النزاع الشديد والخصام اللديد، فيجب أن يكون الإمام منصوصا عليه لدفع هذه المحذورات المنافية للمطلوب من نصب الإمام، وأنت خبير بأن الفساد الذي شاع في هذه الأمة من الحروب وسفك الدماء وانتهاك المحارم في الصحابة وغيرهم علي ما هو مذكور ومسطور كله ناش من الاختيار في الإمامة [302] والعدول عن النص ومتفرع عليه، ولا مدفع له إلا بالتزام النص علي الإمام، وقد تقدم في المقدمة تحقيق في هذا المطلب ما لا يزيد عليه.

فحوي بعض الآيات و صراحة بعضها في كون الإمامة موقوفة علي النص

الرابع فحوي بعض الآيات وصراحة بعضها في كون الإمامة موقوفة علي النص من الله تعالي. فمنها قوله عز من قائل: [وإذ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين] [303] والدلالة من وجهين. الأول إن إبراهيم (عليه السلام) لما شرفه الله تعالي بجعله يعني نصبه إماما طلب من الله عز وجل اسمه أن يجعل في ذريته أيضا إماما وقد علمت فيما مر من الكلام أن الإمامة تجامع الرسالة وتجامع النبوة وتخلو منهما والخليل (عليه السلام) سأل الأعم ولم يخصص المسألة بالإمامة المجامعة لأحد الأمرين، فلو كانت الإمامة بجميع مراتبها تصح بالاختيار لما سأل إبراهيم ربه أن يجعل من ذريته إماما، بل كان يختار من يشاء من ذريته وينصبه إماما، وحيث سأل الله ذلك وطلبه علمنا أن الخليل كان يعلم من إعلام الله [ صفحه 151] له أن الإمامة موقوفة علي اختيار الله لا اختيار البشر، وإذا لم يكن للخليل اختيار في نصب الإمام فكيف يكون ذلك لسائر الناس؟ وبما ذكرناه يبطل ما احتمله الرازي في تفسيره [304] من كون الإمامة المطلوبة لإبراهيم النبوة ولا ينالها من عبد صنما وقتا ما علي أنه قد أبطل قوله هذا بما ذكرناه عنه في مسألة العصمة من جعله الآية دالة علي عصمة الإمام ظاهرا وباطنا وأن أصحابه تركوا دلالتها علي ذلك واكتفوا بالعدالة في الإمام وجعلوها دليلا علي اشتراط العدالة في الإمام ولا يكون هذا المعني إلا في الإمامة المجردة عن النبوة فثبت أنه مقر بأن الإمام بالمعني الأعم هو المطلوب ثم يقول في هذا المقام: " إن مطلوب إبراهيم الإمامة بالنبوة والنبوة عنده لا تكفي فيها العدالة لقوله ولا ينالها من عبد صنما وقتا ما فكان بعض كلامه مناقضا لبعض وهذا دأب القوم وديدنهم في مذاهبهم وأقوالهم لضيق مسلكهم. الثاني إن الله تعالي أجاب إبراهيم بقوله [لا ينال عهدي الظالمين] فسمي الإمامة عهده، ومن المعلوم أن عهد الله لا ينال إلا من قبله وليس للخلق في جعله لانسان معين صنع، ولو كانت الإمامة تجوز عند الله باختيار الخلق وترام بذلك لقال لإبراهيم أن الإمامة ليست موقوفة علي نصبي ونصي بل جعلت الاختيار في تعيين الإمام لخلقي فاختر أنت من ذريتك من تشاء أو من عرفته في نظرك صالحا لها فأنصبه إماما، ولما لم يجب الله إبراهيم (عليه السلام) بذلك بل أجابه بما سمعت علمنا أن الإمامة لا تكون إلا بنص من الله تعالي وهو المطلوب. ومنها قوله تعالي [ألم تر إلي الملأ من بني إسرائيل من بعد موسي إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا تقاتل في سبيل الله] إلي أن قال تعالي: [وقال [ صفحه 152] لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أني يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم وقال لهم نبيهم أن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسي وآل هارون تحمله الملائكة] [305] الآية والملك في بني إسرائيل بمعني الإمام في هذه الأمة، لأنه منصوب، لإقامة الحدود وإمضاء الأحكام وأخذ القصاص وتجهيز الجيوش وقتال أهل الشرك، ودلالة الآية علي المطلوب من جهات. الأولي: إن بني إسرائيل لما أرادوا ملكا يقيم فيهم الأحكام ويقاتل بهم العدو في سبيل الملك العلام طلبوا من نبيهم أن ينصب لهم ملكا لذلك المرام، ولو كانت الإمامة جائزة بالاختيار لما احتاجوا في نصب الإمام إلي تعيين النبي وقالوا [ابعث لنا ملكا] يعني انصب بل كانوا يختارون لأنفسهم من شاؤوا فيجعلونه عليهم ملكا، ولما كانوا سألوا نبيهم نصب واحد من قبله فتوقفهم عن نصب الملك وطلبهم إياه من نبيهم دليل علي أن ليس لهم في الإمامة اختيار. الثانية قول نبيهم: [إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا] ولم يقل إني بعثت لكم فدل ذلك علي أن النبي ليس له اختيار في تعيين من شاء للإمامة وإنما له أن يخبر الأمة عن الله بأن فلانا المخصوص قد جعله الله لكم إماما فالامامة إذن بالنص لا بالاختيار. الثالثة: إنهم لما أبوا إمامة طالوت وأرادوا نصب من يختارون بقولهم [أني [ صفحه 153] يكون له الملك علينا] الخ رد الله قولهم وأبطل اختيارهم بقوله تعالي [إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم] فأبان بذلك بطلان الاختيار في الإمامة وعدم ثبوتها به وجعلها موقوفة علي اصطفائه وهو اختيار الله عز وجل من يختار لها من خلقه لا من يختاره لها، وبالزيادة في العلم والجسم يعني الشجاعة ومن المعلوم أن من يختار الله لا يعلم إلا من قبله فوجب من صريح الآية أن يكون الإمام منصوصا عليه من الله تعالي علي لسان النبي أو الوصي وأن يكون أعلم أهل زمانه وأشجعهم، ولو لم يكن ذلك شرطا لم يكن لذكره معني وحمل هذه الآية علي بطلان الاختيار بعد النصر لا قبله كما قاله بعضهم فاسد مردود بالجهتين الأوليين، وبأنهم لم يطلبوا الاستقلال بالاختيار وإنما طلبوا أن ينصب لهم من يكون لهم رضا بمعني أن يكون من يختاره الله للملك يوافق اختيارهم ويطابق غرضهم فهم من أول أمرهم علي هذا، وقد أبطل الله اختيارهم من أصله ورد عليهم ما اقترحوه ولم يجعل لهم في الاختيار مطلقا نصيبا فيدل ذلك بصريحه علي أن الإمامة ليس للخلق فيها اختيار لا علي جهة الاستقلال ولا علي الاشتراك فيثبت المطلوب علي أنه لا فرق بين الحالين في الحقيقة، بل إذا لم يجز الاختيار بعد النص لم يجز قبله إذ ليس لأحد أن يحكم بدون حكم الله قبل الحكم وبعده. الرابعة: قوله [والله يؤتي ملكه من يشاء] دل الكلام صريحا علي أن الإمامة ملك الله يؤتيها من يشاء إتيانه إياها لا من يشاء خلقه فدل ذلك بأوضح دلالة علي أن الخلق ليس لهم اختيار ولا مدخل في اختيار الإمام أصلا وأنها موقوفة علي اختيار الخالق مطلقا قبل النص وبعده بمعني أنه ليس لأحد أن يرد النص علي واحد بعينه من الله تعالي بنظر واجتهاد ولا أن ينصب إماما من دون نصب الله إياه فأزال بذلك الفرقان بين الحالين الذي ادعاه ذلك الجهول، وهو أيضا وجه رابع في رد قوله وفساد دعواه. [ صفحه 154] الخامسة: قوله تعالي: [إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت] [306] الخ فإنه نص في أن الإمامة تحتاج في ثبوتها إلي دليل وبرهان وهو المعجز وليست مما تثبت لمدعيها بدون حجة ودليل ولا بقول أحد من الناس وتسميته ذلك المدعي إماما وتصديقه في دعواه الإمامة، وهذا هو نص مذهب الإمامية وهو أوضح دليل علي بطلان الاختيار في الإمامة كما تري، والآية محكمة ومضمونها جار في هذه الأمة ولم يرد عن أحد من المفسرين السابقين من العامة والخاصة أنها منسوخة الحكم أو أن حكمها مخصوص ببني إسرائيل دون هذه الأمة فلا يجوز لهم الاختيار في الإمامة خاصة دوننا بل عامة لهذه الأمة أنزلها الله لبيان سنته في الذين خلوا ولن تجد لسنة الله تبديلا فتكون حجة علي من قال بالاختيار في الإمامة، فما قاله جاهل من حشوية العامة [307] بأن مضمون الآية مخصوص بالأمم السالفة دون هذه الأمة زور وبهتان وظلم وعدوان وذلك مبلغه من العلم، وليس دعوي النسخ مما ثبت باللسان من دون حجة ولا بيان ولا حجة علي النسخ إلا العصبية والعناد والميل إلي شهوة النفس وردها الحق لتصحيح ما فعله الأسلاف، وهذا مما لا يعبأ به عند المناظرة والحجاج ولا تقوم به حجة ولا يصح به حكم، علي أن هذا الحكم مما لا تختلف فيه المصالح بحسب الأزمان والأشخاص حتي يعرض له النسخ والتخصيص بل حال كحال النبوة التي لا تصح أو المعجزة لأنها خلافة عن النبوة فسبيلها في جميع الأمم واحدة. ومنها قوله تعالي: [وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة] [308] [ صفحه 155] دلت الآية علي نفي الخيرة للخلق مطلقا في الخلق والحكم فليس لهم أن يثبتوا حكما ولا ينفوا حكما من قبل أنفسهم ولا أن يختاروا أحدا فيقدموه في منزلة ويأخروا غيره عنها بل الحكم في ذلك كله لله تعالي، فكانت الآية ناصة علي أنه لا يجوز لأحد أن يختار إماما فينصبه في الإمامة بعد نص الله وقبله كما هو مفادها إذ لو صح ذلك لكان مناقضا لمدلول الآية وحيث بطل الاختيار في كل شئ بطل الاختيار للناس في الإمامة فوجب أن يكون الإمام منصوصا عليه. ومنها قوله تقدس وتعالي: [وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم] الآية [309] وهي وإن كانت ظاهرة في نفي الاختيار بعد النص لا قبله إلا أنا قد بينا أنه لا فرق بين الأمرين وأنه ليس لأحد أن يوجب حكما أو ينفي واجبا من دون إيجاب الله ونفيه ولا أن يعطي أحدا منزلة ويثبت له مقاما لم يعطه الله إياه ولم يثبته له وقد كان ذلك فيما قضاه الله وأنزله في كتابه حيث يقول [إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين] [310] وغيرها من الآيات فلا يجوز لأحد أن يختار شيئا ويوجبه لم يختره الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) ولم يحكما به. ومنها قوله تعالي: [إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين] [311] ومن البين أن في آل إبراهيم أنبياء وأئمة بإمامة مجردة من النبوة كالملوك المنصوبين من قبل الله في بني إسرائيل والاصطفاء واقع علي [ صفحه 156] الجميع فتكون الإمامة باصطفاء الله كالنبوة، إذ لا تخصيص في الآية بالنبوة وإذا كانت الإمامة باصطفاء الله بطل أن تكون ثابتة باختيار الناس. ومنها قوله تعالي: [أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما] [312] والملك العظيم هو الإمامة، وهو حاصل بإيتاء الله وإذا كانت الإمامة لا تكون إلا بإيتاء الله بطل أن تكون باختيار من الناس وثبت من مدلول هذه الآيات الظاهرات توقف الإمامة علي النص وعدم صحتها بالاختيار، ولعمري أن الاحتجاج بها علي المطلب كاف لأولي الأنظار المجانبين لطريق الاستكبار والله الهادي.

الامامة خلافة الله في أرضه

الخامس إن الإمامة خلافة الله في أرضه لا ينكر ذلك أحد من أهل العلم والمعرفة وقد صرح بذلك الخلفاء حتي الذين كانت خلافتهم بالاختيار فكانوا يسمون أنفسهم خلفاء الله كما لا يخفي علي من قرء السير والأخبار والتواريخ والآثار، وما زال الناس من ذوي الفضل يقولون في الإمامة أنها خلافة الله في إني جاعل في الأرض خليفة] [1] وقال تعالي: [يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق] [2] وقال تعالي: [وقال موسي لأخيه هارون اخلفني في قومي] [3]

لا يجوز لغير الله سبحانه التحليل والتحريم

السادس وهو مؤلف من مقدمتين الأولي أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يوجب شيئا أو يحرم شيئا بهواه ورأيه من تلقاء نفسه من غير دليل من كتاب الله أو سنة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وإن من أوجب شيئا أو حرمه سئل من أين أخذه فإن أقام عليه شاهدا من كتاب أو دليلا ثابتا من سنة قبل منه وإلا رد عليه وأبطل قوله وأدخل في جملة القائلين علي الله بغير علم والمفترين علي الله الكذب، وهذه المقدمة مما صح عليها اتفاق المسلمين قولا فإنك لا تجد أحدا من الناس يقول إنه يجوز الحكم في إيجاب أو تحريم بدون حكم الله ولا أنه يجوز مخالفة الله في حكمه وقد ورد القرآن الكريم بالنهي عن القول علي الله بغير علم ولعن الكذبة المفترين وورد مثله في سنة سيد المرسلين بما لا يحصي كثرة من الآيات والروايات مثل قوله تعالي [ولا تقف ما ليس لك به علم وأن تقولوا علي الله ما لا تعلمون ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون فجعلتم منه حراما وحلالا قل الله أذن لكم أم علي الله تفترون] [313] وغير ذلك من الآيات وقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيما تواتر واستفاض عنه (كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) [314] فمن المتيقن أن الموجب والمحرم [ صفحه 158] بغير حجة من الله كاذب علي الله وعلي رسوله ومفتر عليهما الكذب فيكون مستحقا للعن ومستوجبا للبعد من رحمة الله لأن الله يقول [فنجعل لعنة الله علي الكاذبين] [315] ويكون الحاكم بدون دليل من الشرع الشريف حاكما بخلاف ما أنزل الله فيدخل في عموم قوله تعالي [ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون] [316] ثم كيف يجوز لأحد من الناس الإيجاب والتحريم والتحليل بدون قول الله تعالي والنبي الذي هو سيد الرسل لم يكن له ذلك بل هو مأمور بأن يحكم بحكم الله ولا يتعداه ولا يعمل بسواه قال الله تعالي خطابا له [اتبع ما أوحي إليك من ربك] [317] وقال [واستقم كما أمرت] [318] وقال [إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله] [319] ولم يقل له احكم بما تراه أنت وما تشتهيه، ومعني أراك أعلمك وقال [ليس لك من الأمر شئ] [320] وقال تعالي [ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين] [321] وغير ذلك من الآيات في هذا المعني وإذا كان الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) منهيا عن الحكم برأيه مع أنه أسد البرية رأيا افتري يجوز الله الحكم بالرأي لسائر الناس؟ وإذا لم يجعل الله للنبي (صلي الله عليه وآله) أمر التحليل والايجاب والتحريم أفيجوز أن يجعل ذلك لغيره؟ فثبت من ذلك كله أن الموجب والمحرم بدون حجة من الله من كتاب أو سنة متعمد للكذب علي الله [ صفحه 159] ومفتر عليه، ومتعمد الكذب علي الله كافر مستحق اللعن والعذاب والطرد من رحمة الله والإبعاد كما عرفت أولا.

يجب طاعة الإمام و لا تجور معصيته

الثانية: إن الإمام هو الرئيس الذي تجب علي المسلمين طاعته وتحرم علي المكلفين معصيته وتجب موالاته ومعاداة أعدائه، والنصيحة له ولزوم جماعته وهذا أمر متفق عليه لا يحتاج إلي الإطالة فيه بنقل الأدلة، ويكفيك منه ما بين في المقدمة مما أوضحناه هناك فحينئذ نقول لأهل الاختيار إذا بدر جماعة من الناس قلوا أو كثروا بعد موت النبي فبايعوا رجلا ونصبوه إماما فإنهم لا محالة أوجبوا بذلك علي المكلفين طاعته وحرموا عليهم معصيته فهل أوجبوا ما أوجبوه لذلك الرجل من الطاعة وحرموا ما حرموه له من المعصية وسموه إماما بنص من الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) عليه بالخصوص ليكونوا قد أوجبوا وحرموا بحكم الله؟ أم بهوي أنفسهم وميل شهوتهم؟ فإن كان الأول فذلك خارج عن معني الاختيار ومطابق لقولنا أن الإمامة لا تكون إلا بنص من الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) فلا اختيار علي هذا، وإن كان الثاني كانوا بإيجابهم ما لم يوجبه الله وتحريمهم ما لم يحرم داخلين في زمرة المفترين علي الله الكذب والقائلين عليه بغير علم، إذ قد علمت من صريح الآيات أن الله تعالي لم يفوض إلي أحد أن يحكم بما أراد في دينه من وجوب وتحريم عموما ولا خصوصا، ومن ادعا ذلك فعليه البيان وإقامة البرهان وأني له بذاك، فبطل بذلك الاختيار في الإمامة لاستلزامه كذب المختارين علي الله، ولو كلفهم الله باختيار الإمام لاغتفر لهم القول عليه بغير علم لكنه تعالي لم يغتفر ذلك لأحد، اللهم إلا أن يقولوا إن الإمام علي وجه الاختيار لا تجب طاعته، وإنما هو كالملوك الجائرين فحينئذ يخرج من معني الإمامة الشرعية ونستريح من كلفة تصحيح إمامته وإبطالها، ومن هذا يعلم أنه لا تثبت الإمامة إلا بالنص وليس الاختيار بطريق لها. [ صفحه 160] السابع إنه لا شك أن الإمام يجب أن يكون مصلحا لأمر الرعية مع صلاحه في نفسه في الدين والدنيا ويجب أن يكون عادلا في الأحكام الشرعية جميعا فلو تعدي حكم الله في شئ من الأحكام لكان مفسدا مبتدعا مفتريا للكذب علي الله مستحقا لاسم الظلم والكفر لحكمه بخلاف حكم الله وليس مثل هذا بإمام قطعا عند أهل الدين، فنقول حينئذ لأصحاب الاختيار إذا قلتم بأن الإمامة تثبت بالاختيار فأخبرونا عنكم تريدون إماما مصلحا أم مفسدا؟ لا سبيل لهم إلي الثاني بل لا بد من أن يقولوا نريد إماما مصلحا، فيقال لهم: فهل يجوز أن تقع خيرتكم علي الأفسد وأنتم تظنون أنه الأصلح أم تقولون إن خيرتكم لا بد أن تقع علي الأصلح وتوافق خيرة الله في باطن الأمر؟ فإن قالوا: بالأول قلنا: فقد بطل بهذا صحة الإمامة بالاختيار لاحتمال كون المختار مفسدا وعدم القطع بكونه مصلحا فلا يكون مقطوعا بصلاحه للإمامة لعدم الجزم بحصول ما هو شرط في الإمام فيه وهو الصلاح، لأن المفروض هو كون الاختيار غير مقتض لصلاحه ولا موجب لإصلاحه فبطلت إمامته لبطلان شرطها، وإن قالوا بالثاني قلنا لهم فيلزم من ذلك دعواكم علم الغيب ومعرفة العواقب ويلزم أن تكونوا أسد رأيا من أعاظم الأنبياء المرسلين فإنا وجدنا منهم من اختار في أمور ليس لها خطر الإمامة أحد يظن أنه صالح لما اختاره فبان أنه غير صالح لذلك في باطن الغيب فلم توافق خيرته خيرة الله. هذا موسي بن عمران الذي كلمه الله تكليما واصطفاه برسالاته وفرق له البحر وأنزل عليه التوراة وظلله وقومه بالغمام إلي غير ذلك مما أعطاه اختار من قومه وهم ألوف سبعين رجلا لميقات ربه ليكونوا شهودا له عند قومه علي خطاب الله تعالي إياه وهو يظن أنهم صالحون فكفروا كما حكي الله تعالي من خطابهم لنبيهم موسي بقوله عز وجل وقالوا [لن نؤمن لك حتي نري الله [ صفحه 161] جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم] [322] فوقعت خيرته علي الأفسد وهو يظن أنه الأصلح. وهذا نبينا محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو سيد الرسل وأفضل الخلق أجمعين قد اختار أبا بكر لتبليغ آيات من سورة براءة إلي أهل مكة ويقرؤها في الموسم بناء علي صلاحيته لذلك في الظاهر فلم تكن خيرته مطابقة لخيرة الله في باطن الغيب فأتاه جبرائيل (عليه السلام) عن الله تعالي يقول " لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك " فأعطاها عليا (عليه السلام) وعزل عنها أبا بكر والقصة مشهورة كالشمس وفيها سر عجيب وإشارة لطيفة ليس هنا مقام بيانها، فإذا كان الكليم والحبيب من أولي العزم من الرسل وناهيك بهما لما اختارا من دون وحي وقعت خيرتهما علي غير الأصلح لما اختاراه ولم توافق خيرتهما خيرة الله فكيف يدعي أحد من الناس أو يدعي له أن رأيه لا يخطئ الواقع وأن خيرته من قبل نفسه ملازمة لإصابة خيرة الله حتي يكون الذي ينصبه من تلقاء نفسه وميل قلبه لله رضا وأنه مختار الله؟ وأي شئ أعظم فرية علي الله وأشد كفرا من دعوي أن أحدا من الناس أسد رأيا وأجود إصابة من الأنبياء المرسلين بحيث أن خيرته تلازم إصابة الواقع وتوافق خيرة الله دون الأنبياء من أولي العزم؟ ما أظن أحدا من المسلمين عاقلا يسوغ لنفسه ذلك، ولا يتجاسر علي هذه الدعوي، فإذن خيرة الناس لا يلزم منها إصابة الواقع فليس لهم أن يختاروا إماما لأنا بينا أن شرط صحة الاختيار علم المختار بصلاحيته من اختاره لما اختاره في باطن الأمر عند الله تعالي وقد أخبر الله تعالي عن ذلك بقوله [ولقد اخترناهم علي علم علي العالمين] [323] فليس للجاهل بما هو صالح عند الله أن يختار عليه ويفرض إمامة من لم يفرض الله [ صفحه 162] إمامته، فتبين من جميع ذلك أن الاختيار في الإمامة لا عبرة به ولا تأثير له ولا تعويل عليه والإمام به ليس بإمام حق تجب طاعته ولا بدليل هدي يتحتم الاقتداء به، ومن أنصف عرف ذلك وتحققه، وإذا بطل كون الإمامة بالاختيار وجب أن تكون بالنص أو المعجز إذ لا طريق غير ذلك لها فثبت ما قلناه والله الهادي.

الاجماع لم يحصل علي أحد بعد الرسول

واعلم أنه ليس لمخالفينا علي ما ادعوا من صحة الإمامة بالاختيار حجة من آية أو رواية، ولا عثرنا لهم في كتبهم علي ذلك بمتمسك يتمسكون به، ولا ذكروا له دليلا سوي ما حدث من بعض الصحابة حيث بايعوا أبا بكر ونصبوه إماما ولم يكن منصوصا عليه، فلولا أن الاختيار طريق للإمامة لم تكن إمامة أبي بكر صحيحة لكنها صحيحة لإجماع الصحابة عليها فيكون الاختيار مثبتا للإمامة لم نجد لهم سوي هذه الشبهة الواهية وفسادها ظاهر لأهل النظر، بل ليست مما ينبغي أن يذكرا وذلك من وجوه. الأول أنها مصادرة علي المطلوب إذ لا تصح إمامة المذكور إلا بعد جواز الاختيار والاختيار باطل بالأدلة، والباطل لا يثبت شيئا ولا يصححه، فكان الواجب أولا أن يصححوا الاختيار بدليل حتي يثبتوا به إمامة الرجل، وهم إنما صححوا الاختيار بإمامته التي لا تصح إلا بالاختيار فيلزم من ذلك الدور وهو باطل. الثاني منع الإجماع فإن المعروف من معني الإجماع عند الخصوم كما ذكروه في كتبهم الأصولية أنه عبارة من اتفاق أهل الحل والعقد، ومعلوم أن اتفاق أهل الحل والعقد لم يحصل علي إمامة أبي بكر بالرضا والاختيار، بل كان الناس بعد النبي (صلي الله عليه وآله) علي ثلاث فرق، فرقة مالوا إلي علي (عليه السلام) وأخري إلي سعد بن عبادة، وأخري إلي أبي بكر، وما زال الاختلاف باقيا إلي يومنا هذا ولقد أجاد من قال. [ صفحه 163] وكيف صيرتم الإجماع حجتكم++ والناس ما اتفقوا يوما ولا اجتمعوا أمر علي بعيد عن مشورته++ مستكره فيه والعباس ممتنع وليس يخفي علي ذي اطلاع ما وقع بين الصحابة في خلافة أبي بكر من الخصام والنزاع، وإن أكثر من بايعه ليس علي وجه الرضا، وسيأتي جملة من بيان ذلك وقد مضي شئ منه إشارة فلا إجماع ولا اتفاق، وإن كان الإجماع اتفاق جماعة ولو كانوا اثنين أو ثلاثة فذلك مخالف لما ذكروه من معني الإجماع، بل ليس إجماعا قطعا وجزما إذ لو كان كذلك لكان كل قول اتفق عليه ثلاثة مثلا كان إجماعا فإذن كثرت الإجماعات وتعارضت وفساد هذه الدعوي بين لا يحتاج إلي البيان الذي فهم. الثالث منع حجية الإجماع المدعي، وذلك أنا بينا فيما مر أن الإجماع لا يكون حجة إلا بدخول من لا يجوز عليه الخطأ في جملة المجمعين، ومن المتفق عليه بين المسلمين أنه لا معصوم من الداعين إلي بيعة أبي بكر ولا من المبايعين، بل لم تدع العصمة لرجل من الصحابة إذ ذاك إلا لعلي [324] (عليه السلام) وقد صح عند كل الأمة أن عليا لم يدخل في بيعة أبي بكر وأبي خلافته وأنكرها وما زال منكرا لها حتي أكره علي البيعة وقد روي البخاري ومسلم في صحيحهما [325] أن عليا (عليه السلام) امتنع من بيعة أبي بكر مدة حياة فاطمة وقد عاشت بعد أبيها ستة أشهر فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي (عليه السلام) فضرع إلي مبايعة أبي بكر، ومن اليقين أن البيعة لو كانت حقا لما قعد عنها علي (عليه السلام) (وهو مع الحق والحق [ صفحه 164] معه) [326] . وليس بعد الحق إلا الضلال بنص الكتاب. وأما مبايعته أبا بكر بعد انصراف وجوه الناس عنه فأمر اضطراري إذ لا يسعه الانفراد بنفسه، علي أن الأمر خلاف هذا وإنما ذكرنا الرواية حجة علي الخصم، وإذا لم يكن علي الذي هو ثابت العصمة مع المجمعين فلا عبرة بالاجماع لو كان قد حصل، والحاصل أن مبني هذه الشبهة علي الوثوق بجملة الصحابة والحكم عليهم بأنهم لا يتعمدون مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وهذا المبني متهدم وسيتضح لك فساده تمام الاتضاح في الفصل الثاني إن شاء الله، وأنت بعد تأمل الأدلة المتقدمة وما حررناه هنا لا تشك في بطلان هذه الشبهة واندفاعها. الرابع إن الإمامة لو كانت بالاختيار لم تكن أئمتهم أئمة لأن معني اختيار المسلمين هو اختيار أهل العلم والرأي منهم في جميع بلاد الإسلام، وأقل ما يفهم من الاختيار اختيار أهل الفضل والعلم من بلد الإمام بأن يجتمعوا بعد موته ويتشاوروا فيما بينهم ويجيلوا الرأي حتي تتفق كلمتهم علي واحد معين وتظهر لهم جلية الحال فيه، فإذا اجتمع رأيهم عليه بعد المشاورة والنظر بايعوه لا معني للاختيار غير هذا ولا ريب أن البيعة لواحد إذا وقعت علي غير هذا الوجه لم تكن واقعة باختيار المسلمين فتقع باطلة لبطلان شرطها وهو اختيار المسلمين، ومن يدعي للاختيار معني غير هذا فهو مكابر جاحد أو جاهل معاند، ومعلوم أن واحدا من أئمتهم لم تقع إمامته علي هذا الوجه، هذا أبو بكر وهو رئيس أئمتهم لم تقع بيعته إلا باختيار رجلين عمر بن [ صفحه 165] الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح لم يحضرها من المهاجرين غيرهما وحضرها المغيرة بن شعبة وهو إذ ذاك ليس من أهل الشوري عند القوم وجميع أهل الفضل من المهاجرين غير حاضرين لم يشاوروا فيها ولم يناظروا، والأنصار وهم المعتمد في نصرة الإسلام نازعوا فيها وخاصموا فأخرجهم عمر بن الخطاب من الشوري بما روي عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (إن الأئمة من قريش) فلم يجعل لهم في الإمامة اختيارا وكانوا قد اختاروا سيدهم سعد بن عبادة الخزرجي وأقعدوه في سقيفة بني ساعدة ليبايعوه فأبطل عمر وصاحباه أمرهم بالرواية المذكورة تارة وبغيرها أخري وأخرجوهم من هذا الأمر بالمرة، وحسبك من ذلك قول عمر " كانت بيعة أبي بكر فلتة " [327] يعني بغير مشورة كما قاله تابعوه في معناها، وإلا فالكلمة أعظم من ذلك كما يصرح به قوله بعد " وقي الله المسلمين شرها فمن عاد إلي مثلها فاقتلوه " والكل مذكور مبين في مواضعه فأين اختيار المسلمين في هذا الأمر وأين مشاورتهم في هذه البيعة؟ وليس لأحد أن يدعي خلاف ذلك لأنه يدخل حينئذ في حيز العناد البحت والجهل الصرف بما وقع عليه أمر بيعة الرجل فلم تكن بيعة أبي بكر واقعة باختيار المسلمين بالقطع واليقين، وإنما هي باختيار عمر وأبي عبيدة خاصة، فإن قال قائل: إن اختيار الرجلين المذكورين ماض علي جميع المسلمين فليس لهم بعد اختيارهما اختيار قلنا له: أولا هذا رجوع عن القول بالاختيار ومناقض له وعدول إلي القول بالاختصاص ولا بد من إبطالك أحد المتناقضين، فأبطل ما شئت منهما تخصم، ويقال له ثانيا: فيلزمك الحكم بفسق من تخلف من عظماء الصحابة عن بيعة أبي بكر ولم يعتد باختيار الرجلين ولا جعله مؤثرا شيئا حتي ألزم قوم منهم بالمبايعة عل غير وجه جميل [ صفحه 166] كعلي (عليه السلام) ومن معه مثل العباس وبني هاشم والزبير وسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار وبقي جماعة علي الآباء والامتناع كسعد بن عبادة وتابعيه من حيث أنهم لم يجعلوا اختيار عمر وأبي عبيدة ماضيا عليهم ولم يرضوا بمن اختاراه، قل ما شئت تخصم نفسك وتبطل مذهبك إن قلت: إن اختيار الرجلين غير ماض علي المسلمين أبطلت تلك البيعة وطعنت في صحتها وعاقديها، وإن قلت أن اختيار الرجلين ماض علي المسلمين طعنت فيمن رده وأبطله وجعل وجوده كعدمه، فاختر - أعزك الله - من هذين الوجهين ما تريد يكن فيه إبطال مذهبك وتكذيب دعواك هذه الحال في بيعة أبي بكر. وأما خلافة عمر فإنها صدرت باختيار أبي بكر خاصته ولم تكن بمشاورة غيره، وطلب فيها طلحة الشوري وأباها هو وقوم معه أشد الآباء وأزري علي أبي بكر استخلافه عمر وخوفه من الله في ذلك، فجبهه أبو بكر وتنقصه بأن قال له " عمر خير الناس وأنت شرهم [328] " وتهدده وتوعده بما هو عند مخالفينا مذكور وفي كتبهم مسطور وقد مر عليك ذكره، فأين اختيار المسلمين في هذه البيعة،؟ بل هي أعظم من سابقتها اختصاصا ومن أين جاز لأبي بكر أن يجعل لعمر الخلافة من غير مشاورة المسلمين من أهل السابقة والعلم والدين من الصحابة وهو يعلم أنها لا تصح إلا باختيارهم كما قلتم؟ وكيف زاد علي ما فعل بإجبار من أبي عن بيعة عمر مع سبقه عليه اسلاما وكونه أكثر منه جهادا علي طاعته؟ وكيف استحل عمر الولاية من جهة أبي بكر خاصة مع عدم رضا جماعة من أعيان المسلمين وهو القائل لأبي بكر حين اقطع عينيه بن حصين والأقرع بن حابس [329] أرضا بعد ما استشار من حوله من المسلمين [ صفحه 167] " أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتها هذين الرجلين أهي لك خاصة أم بين المسلمين؟ قال: بين المسلمين، قال: فما حملك أن تخص بها هذين دون جماعة المسلمين قال: استشرت الذين حولي، فأشاروا بذلك، فقال: أفكل المسلمين أوسعتهم مشورة ورضا " فقال " أبو بكر " فقد كنت قلت لك إنك أقوي علي هذا الأمر مني لكنك غلبتني " وقد كان قبل أن يأتي أبا بكر ويسأله بما سمعت أخذ كتاب الإقطاع من الرجلين ثم تفل فيه فمحاه كما رواه أولياؤه من فعله فواعجباه من عمر يرد اقطاع أبي بكر لعيينة والأقرع أرضا خربة مع رضا كثير من المسلمين بذلك لعدم رضا جميعهم ثم يتولي الخلافة بقول أبي بكر وعهده إليه مع عدم رضا جماعة من المسلمين مثل طلحة وأضرابه ولم يقل لأبي بكر لا أتولي بقولك حتي توسع كل المسلمين عذرا ومشورة؟ وأين هو إذ ذاك عن كلامه الأول وهو يعلم أن الخلافة باختيار المسلمين فأين الاختيار وأين المشورة في خلافته وهل هي إلا فلتة كالأولي؟! ثم البيعة الثالثة لعثمان مثلها فإن عمر قصر الاختيار فيها في ستة أخرج جميع المسلمين منها ومن المشورة فيها ثم أخرج منها خمسة وقصرها علي رأي واحد وهو عبد الرحمن بن عوف وأبطل اختيار الباقين، وأمر بقتل من خالف عبد الرحمن من الخمسة وغيرهم وبقتل الستة جميعا إن مضت ثلاثة أيام ولم يبايعوا الواحد منهم، فأين اختيار المسلمين في ذلك؟ وأين وقوع هذه [ صفحه 168] البيعة باختيارهم؟ وإنما وقعت بخيرة عبد الرحمن خاصة وكان جماعة من خيار الصحابة كعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وأمثال هذين وسعد بن أبي وقاص في رواية كلهم أشاروا علي عبد الرحمن بمبايعة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وترك مبايعة عثمان فلم يلتفت إلي قولهم ولم يشر بمبايعة عثمان إلا رجل طليق من بني مخزوم ممن لا تجوز مشاورة مثله في تمرة من بيت مال المسلمين [330] فضلا عن الرئاسة العامة علي الأمة فأين اختيار أهل الفضل من الصحابة لهذه البيعة؟ وكل هذه الأمور معلومة لا يستطيع أحد إلي إنكارها سبيلا فاللازم علي الخصوم إما القول ببطلان اختيار المسلمين في الإمامة وأنها كالملك الجبري تكون لمن غلب كما هي حالها بعد الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وإما القول ببطلان إمامة الثلاثة لعدم وقوعها باختيار المسلمين كما عرفت أو الحكم بفسق كثير من الصحابة الطاعنين في تلك المبايعات والرادين لها كما مر عليك بيانه مشروحا في المقام وإن كان مختصرا وكل ذلك لا يقول به الخصوم فما أدري ماذا يقولون؟ وبماذا يجيبون في هذه الإمامة التي يقولون إنها باختيار المسلمين ثم يعقدها لواحد آخر علي رغم إناف المسلمين، فما أشد مناقضة هذا الفعل لذلك القول، ومن هذا يعلم أن الإمامة لا تصح بالاختيار، وأنها لم يلها أحد باختيار المسلمين من أئمة القوم بالمرة فلا بد في صحتها وثبوتها من النص وقد تبين غاية التبين من جميع ما ذكرناه أن كل من ادعي الإمامة أو ادعيت له بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ما خلا عليا (عليه السلام) ليست إمامته صحيحة لفقدانهم الشروط الواجبة في الإمام بأدلة القاطعة والبراهين النيرة اللامعة من العصمة والقرابة والنص عليهم من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) والفضل لا سيما بالمعني الثاني من معنييه وهو الجمع للصفات الحميدة [ صفحه 169] لقصورهم عن كثير من الصحابة في ذلك فضلا عن أن يوازنوا فيها أمير المؤمنين، ولم يكن أحد منهم إماما بالنص عليه من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) باتفاق الأمة وإقرار الخصوم، وإذا بطلت إمامة الكل ما خلا إمامنا عليا (عليه السلام) تعين أن يكون هو الإمام بالضرورة لعدم جواز إمامته غيره، وعدم جواز خلو الأرض من إمام وذلك هو المطلوب والمراد، ولنختم هذا الفصل بإيراد حديث شريف في هذا المعني رواه الشيخان الجليلان محمد بن يعقوب الكليني، ومحمد بن علي بن بابويه القمي واللفظ هنا لمحمد بن يعقوب قال قدس الله نفسه وطهر رمسه أبو محمد القاسم بن العلا رحمه الله رفعه عن عبد العزيز بن مسلم قال كنا مع الرضا بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا اختلاف الناس فيها فدخلت علي سيدي (عليه السلام) - يعني الرضا - فأعلمته خوض الناس فيه فتبسم ثم قال: (يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم إن الله عز وجل لم يقبض نبيه (صلي الله عليه وآله) حتي أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شئ بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال الله عز وجل [ما فرطنا في الكتاب من شئ] [331] وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره (صلي الله عليه وآله) [اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا] [332] وأمر الإمامة من تمام الدين ولم يمض (صلي الله عليه وآله) حتي بين لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم علي قصد سبيل الحق وأقام لهم عليا (عليه السلام) علما وإماما وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة إلا بينه فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله ومن رد كتاب الله فهو كافر، هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها [ صفحه 170] اختيارهم، إن الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلا مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم، إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشار بها ذكره فقال: [إني جاعلك للناس إماما] فقال الخليل (عليه السلام) سرورا بها [ومن ذريتي] قال الله تبارك وتعالي: [لا ينال عهدي الظالمين] [333] فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلي يوم القيامة وصارت في الصفوة، ثم أكرمه الله تعالي بأن جعلها في ذرية أهل الصفوة والطهارة فقال: [ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين] [334] فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتي ورثها الله عز وجل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال جل وتعالي [إن أولي الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين] [335] فكانت له خاصة فقلدها (صلي الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) بأمر الله عز وجل علي رسم ما فرض الله فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله جل وعلا [وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلي يوم البعث] [336] فهي في ولد علي (عليه السلام) خاصة إلي يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد (صلي الله عليه وآله) فمن أين يختار هؤلاء؟!. إن الإمامة هي منزلة الأنبياء ووراثة الأوصياء. [ صفحه 171] إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين (عليهما السلام). إن الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين. إن الإمامة أس الإسلام النامي وفرعه السامي، بالامام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفئ والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف. الإمام يحل حلال الله ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعو إلي سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة. الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار. الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجي وإجواز البلدان والقفار ولجج البحار. الإمام الماء العذب علي الظمأ والدال علي الهدي والمنجي من الردي. الإمام النار علي اليفاع الحار لمن اصطلي به والدليل في المهالك من فارقه فهالك. الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل والشمس المضيئة والسماء الظليلة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة. الإمام الأنيس الرفيق والوالد الشفيق والأخ الشقيق والأم البرة بالولد الصغير ومفزع العباد في الداهية النئاد. الإمام أمين الله علي خلقه وحجته علي عباده وخليفته في بلاده والداعي إلي الله والذاب عن حرم الله. [ صفحه 172] الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ من العيوب المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين. الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب، فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره، هيهات هيهات ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وخسئت العيون وتصاغرت العظماء وتحيرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألباء وكلت الشعراء وعجزت الأدباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه وفضيلة من فضائله وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله أو ينعت بكنهه، أو يفهم شئ من أمره أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه لا كيف وإني وهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين؟ فأين الاختيار من هذا وأين العقول عن هذا وأين يوجد مثل هذا؟ يظنون أن ذلك يوجد في غير آل الرسول محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الأباطيل فارتقوا مرتقا صعبا دحضا تزل عنه إلي الحضيض أقدامهم راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلا بعدا قاتلهم الله أني يؤفكون ولقد راموا صعبا وقالوا إفكا وضلوا ضلالا بعيدا ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين رغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله (صلي الله عليه وآله) إلي اختيارهم والقرآن يناديهم [وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله عما يشركون] [337] وقال عز وجل [وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله [ صفحه 173] ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم] [338] الآية وقال [ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون أم لكم فيه لما تخيرون أم لكم أيمان علينا بالغة إلي يوم القيامة إن لكم لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين] [339] وقال عز وجل [أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها أم طبع الله علي قلوبهم فهم لا يفقهون أم قالوا سمعنا وهم لا يسمعون إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون أم قالوا سمعنا وعصينا بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم] فكيف لهم باختيار الإمام والإمام عالم لا يجهل وراع لا ينكل معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة مخصوص بدعوة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) ونسل المطهرة البتول لا مغمز فيه في نسب ولا يدانيه ذو حسب في البيت من قريش والذروة من هاشم والعترة من الرسول (صلي الله عليه وآله) والرضا من الله عز وجل، شرف الأشراف والفرع من عبد مناف نامي العلم كامل الحلم مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر الله عز وجل ناصح لعباد الله حافظ لدين الله إن الأنبياء والأئمة يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله جل وتعالي [أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون] [340] وقوله تبارك وتعالي [ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا] [341] وقوله في طالوت [إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم [ صفحه 174] والجسم والله يؤت ملكه من يشاء والله واسع عليم] [342] وقال لنبيه (صلي الله عليه وآله وسلم) [أنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما] [343] وقال في الأئمة من أهل بيت نبيه وعترته وذريته [أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفي بجهنم سعيرا] [344] وأن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاما فلم يعي بعده بجواب ولا يحير فيه عن الصواب فهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد آمن من الخطأ والزلل والعثار، يخصه الله بذلك ليكون حجته علي عباده وشاهده علي خلقه و [ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم] [345] فهل يقدرون علي مثل هذا فيختارونه، أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه تعدوا وبيت الله - الحق ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، وفي كتاب الله الهدي والشفاء فنبذوه واتبعوا أهواءهم فذمهم الله ومقتهم وأنفسهم فقال جل وتعالي [ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين] [346] قال [فتعسا لهم وأضل أعمالهم] [347] وقال [كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله علي كل قلب متكبر جبار] [348] وصلي الله علي النبي محمد وآله وسلم تسليما كثيرا تمام [ صفحه 175] الخبر [349] . وهو كما تري قد اشتمل علي المطالب الجليلة وصرح بالفوائد الجزيلة نسأل الله التوفيق لفهم معانيه والعمل علي ما فيه إنه خير مسؤول وأكرم مأمول. [ صفحه 179]

في ذكر النصوص علي أميرالمؤمنين والأئمة

ايراد النصوص علي أميرالمؤمنين خاصة

اشاره

في إيراد النصوص علي سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالإمامة، واعلم أن لأصحابنا في إثبات الإمامة لأمير المؤمنين (عليه السلام) بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بلا فصل ثلاثة طرق. الأول: إبطال إمامة غيره ممن ادعيت له الإمامة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لتثبت له الإمامة بالضرورة. الثاني: النصوص الواردة في إمامته من الكتاب والسنة النبوية. الثالث: ظهور المعجز علي يده مع دعواه الإمامة. أما الطريق الأول فقد بيناه في آخر الفصل الأول بما يكفي في البيان لأولي الأذهان وسيأتي في مطاوي هذا الفصل له مزيد تبيان إن شاء الله. وأما الطريق الثاني: فنقول إن الإمامية وجملة من فرق الشيعة متفقون علي أن المنصوص عليه من الله ومن الرسول (صلي الله عليه وآله) بالإمامة بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيكون هو الإمام بعده (صلي الله عليه وآله وسلم) إذ لا نص علي غيره باتفاق الأمة، وزعم ابن أبي الحديد وشيوخه المعتزلة كالأشاعرة أنه لا [ صفحه 180] نص علي علي (عليه السلام) بالإمامة صريحا يقطع العذر ويقيم الحجة وإنما كان هناك تلويح لا تصريح وتعريض لا توضيح لا تثبت به الحجة القاطعة للمنازعة وإنما طلبها بالأفضلية والقرابة من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، والأشاعرة قالوا بعدم النص علي علي (عليه السلام) وأن أبا بكر أحق منه بالخلافة لأنه أفضل، وغير ذلك. مما تصدي قوم من أصحابنا لإبطاله وأبطلوه، وستسمع في كلامنا إفساده بحول الله وقوته، فلنجعل أصل المناظرة هنا مع ابن أبي الحديد ونقتصر من النصوص علي جملة مما رواه هو وصححه، أو ما روي في الكتب الصحيحة بزعمه وقبل ذكر النصوص لا بد من بيان معني النص في هذا المقام فنقول: المراد بالنص في هذا الموضع الأمر الدال علي الإمامة بالصريح من فعل وقول، فالفعل مثل تأهيل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) رجلا لإمرة لا يصلح ذلك الفعل إلا له (صلي الله عليه وآله وسلم)، مثل أن يعلم من قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه لا يبلغ عنه الأمر الفلاني مثلا إلا من كان صالحا لأن يقوم مقامه فيبعث رجلا للتبليغ عنه فإنه يعلم بهذا الفعل أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) أهله لمقامه من بعده ورشحه لخلافته ويكون المخالف له رادا للنص وطاعنا فيه، والقول ما أفاد معني الإمامة إما بلفظها أو ما يقاربه في المعني كلفظ الإمرة والإمارة وما شاكلهما، أو بلفظ الوصي والخليفة والوزير وشبهه، أو بلفظ الطاعة مثل أن يقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فلان إمام بعدي أو أميركم وشبههما، أو هو وصيي وخليفتي أو طاعته طاعتي، أو هو وزيري، أو أن يقول هو مثلي أو تمسكوا به من بعدي، أو هو وليكم، أو منزلته مني منزلة فلان من فلان ويشير إلي خليفة نبي فهذه الألفاظ كلها دالة علي الإمامة فهي نصوص صريحة فيها من غير ضم شئ إليها داخلي أو خارجي، ومثلها فلان وارثي فلان أحق بمقامي أولي بي فلان المختار بعدي فلان سيد أمتي، وقد يفيدها ألفاظ أخر كقول النبي (صلي الله [ صفحه 181] عليه وآله وسلم) فلان أحبكم إلي الله فلان أعلمكم فلان أقربكم إلي فلان أشدكم جهادا أو أكثركم فلان لا يزال علي الحق فلان خير أمتي، فهذه الألفاظ تدل علي الإمامة بضم اشتراط العصمة والأفضلية والأعلمية والأقربية إلي الرسول (صلي الله عليه وآله) في الإمام ولا يعرف في النص علي الإمامة أوضح من هذه المذكورات، ومن طلب لذلك لفظا أوضح منها أو مثلها في هذا الباب لم يجده، ومن شك فقد نازع مقتضي عقله وأخرج اللفظ عن معناه وصرفه في غير مؤداه، وهذا لا يعجز عنه أحد من العارفين بفنون الكلام حتي في كلمتي الشهادتين (لا إله إلا الله محمد رسول الله) لكنه بدون قرينة صارفة عن الحقيقة عين العناد ومنه يجئ الباطل والفساد، والمعاند لا يلتفت إليه، وكيف يستفاد نص أبي بكر علي عمر بالخلافة من قوله إني عهدت إلي عمر بن الخطاب ويعرف منه استخلافه ولا يعرف من قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لرجل مخصوص هو وصيي النص عليه بالاستخلاف وكلا اللفظين بمعني واحد؟ فإن عهدت إلي فلان بمعني أوصيت إليه كما نص عليه أهل اللغة فما ظنك بغيره من الألفاظ التي ذكرت مما هو أصرح منه وهل يجوز لعاقل أن يقول أنا أفهم من قول أبي بكر إني عهدت إلي عمر أنه استخلفه ولا أفهم من قول رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) (علي وصيي) أنه استخلفه؟ فكيف بقوله: (علي إمامكم بعدي علي خليفتي علي أمتي) [350] إلي غير ذلك من الألفاظ الصريحة؟ وهل يرتاب عاقل في إفادتها النص بالخلافة وهو قد قطع بنص أبي بكر علي عمر باللفظ المذكور إلا أن يسلك مسلك العناد الذي لا دواء له، نعوذ بالله من طاعة الهوي، [ صفحه 182] فإذا تقرر ذلك وانتقش معناه في صحيفة قلبك فاعلم أنه قد ورد عن النبي (صلي الله عليه وآله) النص علي أمير المؤمنين بالإمامة بالفعل والقول بتلك الألفاظ وما أدي معناها وغيرها مما يدركه المتتبع لكتب الأخبار وكتب الاستدلال في الإمامة، فالفعل الصريح في النص.

قصة تبليغ براءة في الموسم

منه: أخذ النبي (صلي الله عليه وآله) سورة براءة من أبي بكر وعزله عنها بعد أن بعثة بها ليقرأها في الموسوم وينفذ حكمها نيابة عن الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وبعثه عليا (عليه السلام) بها لذلك مع قوله لأبي بكر لما سأله أنزل في شئ قال: (لا، لكن لا يبلغ إلا أنا أو رجل مني) [351] والقضية معلومة لا شك فيها عند الأمة وهي كما كانت دالة علي إمامة علي (عليه السلام) لأنه المبلغ عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي الأمة كذلك هي دالة علي نفي صلاحية غيره للإمامة لأنها ناصة علي أنه لا يصلح أن يبلغ عن النبي (صلي الله عليه وآله) بعض آيات من سورة [ صفحه 183] براءة إلي أهل مكة ولم يرتضه الله لذلك ولم يجعله له أهلا، فكيف يرتضيه الله للرئاسة العامة وهي التبليغ عن النبي (صلي الله عليه وآله) للأمة جميع أحكام شريعته في الدماء والأموال والفروج وإنفاذها فيهم؟ لأن الإمام هو المبلغ عن الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) أحكام الشريعة إلي أمته والقائم بتنفيذها فيهم لا معني للإمامة غير هذا يقينا، ومن لم يرتضه الله لتبليغ بعض الأحكام القليلة لأناس من الأمة عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فبالأولي أن الله لا يرتضيه لتلك الرئاسة العامة والمنزلة الجليلة، ولما كان علي (عليه السلام) هو المرتضي للتبليغ عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من دون تخصيص وأن حاله في ذلك كحال الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) فهو القائم مقامه في التبليغ إلي الأمة، كان هو الإمام المرتضي لتلك الرئاسة الكبري والأمر في ذلك واضح لا يخفي علي ذي حجي فكيف علي خصومنا وهم من الفضلاء لولا ما وقع علي أفهامهم من ظلمات الشبهات فحالت بينها وبين إبصار الأمور الظاهرة والحق الواضح. ثم أن قول النبي (صلي الله عليه وآله) (أو رجل مني) إما أنه يريد أنه منه في قرابة النسب فيكون ذلك حجة لنا علي ما نقول من أن الإمام يجب أن يكون من ذوي قربي الرسول (صلي الله عليه وآله) ومن لم يكن من ذوي قرابته لا يصلح لخلافته أو أنه بالاتباع كقوله تعالي حكاية عن إبراهيم الخليل (عليه السلام): [فمن تبعني فإنه مني] [352] وقد قال الله سبحانه وتعالي [قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله] [353] ومحبة الله سبحانه وتعالي لعلي (عليه الصلاة والسلام) ومحبته لله تعالي ثابتة بقوله (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم خيبر: (يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) [ صفحه 184] وقرابته لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ثابتة بالنسب واتباعه له مما لا يختلف فيه اثنان ولذا كان المخصوص بتبعية الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وبمحبة الله تعالي فهو الإمام المرتضي بنص الله، القاطع ونص رسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) المثبت للحجة والمزيل للأعذار الواهية، فإنه علي كلا التقديرين في معني " مني " يوجب خروج غيره عن صلاحيته للإمامة كما سمعت، فأي نص يريد ابن أبي الحديد علي إمامة علي (عليه السلام) أصرح من هذا النص الصريح. ولعمري أن هذه القصة المتفق عليها [354] كافية في النص علي إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ونفي إمامة غيره عند أولي الألباب، ولا يحتاجون في ذلك إلي غيرها وإن كان موجودا قد طبق الآفاق والاعتذار في هذا بأن عادة العرب إذا عقدوا بينهم عقدا وعهدا لا يقوم بتبليغه إلي المعاهدين إلا العاقد أو من هو قريب منه في النسب كالأخ وابن العم فجري الأمر في براءة علي قاعدة العرب فلم يكن فيه دلالة علي إثبات مقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي مطلقا ونفي أبي بكر عن صلاحيته له مطلقا كما قاله المعتزلة والأشاعرة اعتذار واهن وتعلق بما لا ينفع كتعلق الغريق بالحشيش ودفع للنص بالشبهات الركيكة، لأنا نقول لهم: أولا إنكم علمتم أن النبي (صلي الله عليه وآله) لا يعمل في أمر الدين والدنيا وتقديم أحد أو [ صفحه 185] تأخيره بعادات العرب أهل الجاهلية ولا يعتمد عليها ولم يأمره الله بذلك بل نهاه في كثير من الآيات عن ذلك مثل قوله تعالي [ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا] [355] وقوله: [ولا تتبع أهواء الذين لا يؤمنون] [356] وغير ذلك، وإنما اعتماده في كل الأشياء علي قواعد دين الله دون قواعد الجاهلية وعاداتها كيف لا والله تعالي يقول في حقه [وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي] [357] فأبطلت هذه الآية وما قبلها ما ادعاه الخصوم من كون عزله عن براءة وبعث علي (عليه السلام) بها جاريا علي عادات العرب وأثبتت أنه لبيان استحقاق مقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وعدم استحقاقه علي أبين وجه، وأيضا لو كان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في ذلك مراعيا لعادات العرب لبعث ببراءة من أول الأمر رجلا من أقاربه كعلي (عليه السلام) أو عمه العباس أو عقيل أو غيرهم من بني هاشم فإنهم كانوا معه في المدينة، وهو (صلي الله عليه وآله) عالم بعادات العرب ولم يبعث أبا بكر بها ثم كيف يعقل أن الله يأمر نبيه (صلي الله عليه وآله) وسلم بأن يجري علي عادات أهل الجاهلية وهو قد بعثه لإزالتها وإماتتها بدين حنيفي وملة إسلامية لا يقبل الله سواها، وقد قال (صلي الله عليه وآله) (إن الله أذهب بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بأنسابها) [358] وهو معلوم من قوله (صلي الله عليه وآله) لا ريبة فيه وقال الله وجل وعلا مخاطبا له [اتبع ما أوحي إليك من ربك] [359] ولم يقل اتبع عادات العرب وبعد فأي نبي بعثه [ صفحه 186] الله باتباع عادات الكفرة وأهل الجاهلية حتي يكون سيد الرسل (صلي الله عليه وآله وسلم) كذلك فنسبه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي العمل بعادات أهل الجاهلية، ونسبة الله إلي أمره نبيه بذلك نسبة قبيحة مخالفة للعقل والنقل من الكتاب والسنة توجب الخروج من الدين والبعد من الملة الإسلامية لا يجوز لمسلم أن يدعيها ولا يجترئ مؤمن علي اعتقادها لمخالفتها الكتاب والسنة وضرورة العقل لكن ذلك ليس بكثير علي الخصوم، وحيث بطل ما ادعوا صح أن القصة دالة علي ما ذكرناه من بيان مستحق مقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ومن لا يستحق دون ما ذكروه لبطلانه بالأدلة القطعية ونقول لهم ثانيا إذا كان بعث النبي (صلي الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) ببراءة وعزله أبا بكر عنها كان جاريا علي عادة العرب لأن عادتهم جرت بأن إبلاغ العهود لا يكون إلا للعاقد أو أحد من أقاربه كما قلتم وجب أن تجري الإمامة ذلك المجري فإن العرب قد جرت عادتهم واستقرت بأن مقام الرجل الشريف من بعد موته يكون لا قرب الناس إليه لا سيما من يقوم مقامه في حياته من ذوي قرابته، ولم تجر عادتهم بإعطاء مقامه الأباعد فوجب أن يكون الإمام بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) دون غيره علي عادة العرب لأنه أقامه مقامه في حياته وهو أقرب الناس إليه ويجب لذلك أن يكون تخصيص الله ورسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) عليا بتبليغ براءة نصا منهما علي أن عليا (عليه السلام) هو القائم مقام النبي (صلي الله عليه وآله) بعد وفاته دون باقي أقاربه لإقامته إياه مقامه في حياته فلا ينازعه أحدا من أقارب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في مقام النبي (صلي الله عليه وآله)، وأما أبو بكر فإنه خارج بعادة العرب عن خلاقة النبي (صلي الله عليه وآله) علي كل حال فما خرجت القصة علي دعواكم عن كونها نصا علي استخلاف أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد النبي (صلي الله عليه وآله) بلا فصل، [ صفحه 187] وعدم صلاحيته لذلك المنصب وليس في ذلك خفاء، ودعوي القوشجي في شرح التجريد أن النبي (صلي الله عليه وآله) لم يدفع براءة إلي أبي بكر ثم عزله عنها بعلي (عليه السلام) وإنما بعثه أميرا علي الموسم وأردفه بعلي عليه السلام) ليقرأ براءة، مخالف لما شاع وذاع وتواتر في القصة بين المفسرين وأهل السيرة واستفاض في روايات محدثيهم، ولسنا نشك أنه كلام مختلق موضوع ويدل علي ذلك مضافا إلي شهرة القصة ما سيأتي من احتجاج عبد الله بن عباس علي عمر بن الخطاب في تفضيل علي (عليه السلام) علي أبي بكر بعزله عن براءة بعلي (عليه السلام) فلم ينكره عمر ولا ادعا خلافه، علي أن ذلك لا يدفع حجتنا لأنا نقول علي هذه الدعوي أن غيره لا يصلح للتبليغ عن النبي (صلي الله عليه وآله) في شئ من الأحكام ولو صلح لذلك لاعطاه براءة وأمره بتبليغها وإذا لم يصلح لأن يبلغ عنه (صلي الله عليه وآله وسلم) في حياته بعض الأحكام إلي قوم خاصين من الأمة لم يصلح بالضرورة للقيام مقام النبي (صلي الله عليه وآله) بعد وفاته في تبليغ جميع الأحكام لكل الأمة فلا فرق في ذلك بين عدم تأميره عليها من أول الأمر وبين عدم إقراره عليها بعد التأمير لإفادة الأمرين معني واحدا كما عرفت، وما توهمه القوشجي من الفرق بين الحالين تجاهل وتغافل. وأما ابن أبي الحديد فعنده كغيره منهم إن عزل أبي بكر عن براءة ثابت كالشمس المنيرة صرح به في كتبه وأشعاره [360] وعلي كل حال يكون إعطاء النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) براءة إن كان من أول الأمر وإن كان بعد عزل أبي بكر عنها إعلاما للناس وإفهاما لهم إنه لا [ صفحه 188] يصلح للتبليغ عنه أحكام الشريعة وعهود المعاهدين غيره فهو القائم مقامه في حياته فيجب أن يكون خليفته بعده والمؤدي عنه لأمته وهو المطلوب، وهذا بحمد الله واضح لكن المتجاهل عن الحق والمقلد لأسلافه لا حيلة فيه.

كلمة للحسن البصري حول القصة

ومن الفعل: الصريح الناص علي إمامة أمير المؤمنين وأنه لا يجوز أن يتقدم عليه في الإمامة أحد بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أن النبي (صلي الله عليه وآله) أمر الأمراء من أصحابه علي غير علي (عليه السلام) ولم يؤمر عليه أحدا فما خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) في جيش ورسول الله (صلي الله عليه وآله) ليس في ذلك الجيش إلا وعلي (عليه السلام) هو الأمير علي الجيش، ولا بعثه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي بلد إلا وهو أمير علي من بها من الصحابة وغيرهم، ولا خلفه في المدينة إلا وهو خليفته فيها، وهذا أمر معلوم لا يشك فيه عاقل، وقد روي ابن أبي الحديد عن الواقدي قال سئل الحسن - يعني البصري عن علي (عليه السلام) وكان يظن به الانحراف عنه ولم يكن كما يظن فقال: " ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع، ائتمانه علي براءة، وما قال له في غزاة تبوك فلو كان غير النبوة شئ لاستثناه، وقول النبي (صلي الله عليه وآله) الثقلان كتاب الله وعترتي، وأنه لم يؤمر عليه أمير قط وأمرت الأمراء علي غيره " [361] انتهي ومن هذا يعلم أن دعوي القوشجي تأمير أبي بكر علي علي (عليه السلام) يوم بعثه ببراءة باطلة كسائر دعاويه المزخرفة الفاسدة التي لا تحتاج في بطلانها إلي إكثار القول ونقل الحجج، ويعلم منه أيضا بطلان دعوي ابن أبي الحديد أنه لم يرو عزل أبي بكر عن إمارة الموسم إلا الشيعة، فإن روايته المذكورة عن الواقدي عن الحسن مصرحة بأن عليا (عليه السلام) لم يؤمر عليه أحد قط فلو كان أبو بكر أمير الموسم وعلي فيه لكان أبو بكر أميرا [ صفحه 189] عليه وحصل التناقض في القول، وابن أبي الحديد مصدق لقول الحسن غير طاعن فيه، فإثباته لرواية محدثيهم زعم إمارة أبي بكر علي الموسم وطعنه في رواية عزله عنه ونسبتها إلي الشيعة خاصة مناقضة في قوليه إما لجهل أو تجاهل، وعل هذا فتكون رواية الشيعة أرجح لأن مثل الحسن والواقدي وأمثالهما من العامة قد وافقهم، والثانية باطلة مردودة لاختصاص جماعة منهم بها، وصح من كل ذلك أن عليا (عليه السلام) لم يؤمر عليه أحد من الصحابة في حال من الأحوال، وتقرير النص من هذا الفعل: أن النبي (صلي الله عليه وآله) حيث لم يؤمر علي علي (عليه السلام) أحد دل ذلك من فعله أنه لا يجوز أن يتأمر علي علي (عليه السلام) أحد من الصحابة وأن يجوز له التأمر عليهم، وإذا لم يصح ان يتأمر عليه أحد من الأمة في زمان النبي (صلي الله عليه وآله) لم يصح ذلك لأحد بعد موت النبي (صلي الله عليه وآله) إذ لا فرق بين الحالين، وإذا لم يجز لأحد التأمر علي علي (عليه السلام) في حال من الأحوال وجب أن يكون هو أمير الأمة بعد الرسول (صلي الله عليه وآله) فهو الإمام لا محالة بعده ولا يجوز لأحد التقدم عليه إذ ليس إلا أمير مطاع أو مأمور مطيع كما رووه عنه وما سواهما خارج من الملة، ولما كان غيره كأبي بكر وعمرو وعثمان وأبي عبيدة وأضرابهم، ممن أمر عليهم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) غيرهم كان ذلك دالا علي جواز تقدم الغير عليهم فلا يكونون أئمة، وهذا الفعل كسابقة نص علي إمامة علي (عليه السلام) كما هو نص علي صلاحية غيره للإمامة لدلالته علي عدم جواز تقدم الغير عليه ففيه وفي سابقة الكفاية في النص لابن أبي الحديد لو كان ينصف، اللهم إلا أن يريد منا نصا مثل النص الذي أراده أهل مكة من النبي (صلي الله عليه وآله) في قولهم: [أو تأتي بالله والملائكة قبيلا] [362] فيقول لنا جيئونا بالنبي (صلي [ صفحه 190] الله عليه وآله وسلم) لنشاهده ويقول لنا أنا فعلت ذلك لأعلم الناس أن عليا (عليه السلام) هو الإمام بعدي والقائم مقامي وأن الإمامة لا تجوز لغيره وإني بذلك الفعل قد نصصت عليه فحينئذ نقر بالعجز عن هذا ونقول إنما علينا أن نأتيكم من فعل النبي (صلي الله عليه وآله) بدليل وشاهد ونقيم عليكم حجة من قول النبي (صلي الله عليه وآله) ويكون جوابنا هنا لهم شبيها بجواب النبي (صلي الله عليه وآله) لأولئك المقترحين عليه وهو قوله تعالي: [قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا] [363] وليت شعري كيف يفهم عويم بن ساعدة الأنصاري الأوسي استخلاف رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لأبي بكر من أمره له بالصلاة كما ذكره عنه ابن أبي الحديد [364] وغيره ويفهم عمر رضا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بأبي بكر لديهم وتقديمه عليهم من ذلك كما هو مشهور من قوله ولا يفهم من ذينك الفعلين الواضحين إرادة الله ورسوله استخلاف علي (عليه السلام) وتقديمه، ما هذا إلا تحير في المعلومات وشك في الواضحات وذلك من أعظم الغفلات نسأل الله العصمة عن طاعة الهوي، علي أن الصلاة لا يشترط عندهم في إمامها العدالة فضلا عن الأفضلية فلو صح أن النبي (صلي الله عليه وآله) أمره بالصلاة ولم يفد علي قولهم عدالته فكيف يفيد أفضليته وخلافته، وأني ودون صحته خرط القتاد وكيف يصح وأمير المؤمنين ينكره ويقول إن الأمر صدر من عائشة كما رواه ابن أبي الحديد [365] وقد صح عنده (أن عليا مع الحق والحق معه) [366] فما ينكره علي لا يكون إلا [ صفحه 191] حقا فأمر أبي بكر بالصلاة غير صادر عن النبي (صلي الله عليه وآله) قطعا بخلاف الأمرين المذكورين الثابتين من فعل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعلي (عليه السلام) لأنهما لا يحتملان إلا إرادة التقديم علي الغير والاستخلاف كما بيناه ودفعنا به تعليلات القوم العليلة.

ما ورد من النصوص بلفظ الإمامة

وأما القول: فالوارد منه بلفظ الإمامة جملة من الأخبار عن النبي (صلي الله عليه وآله) منه قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) (علي إمام البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله) رواه الحاكم بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري [367] وهو ممن لا يقدح الخصوم في روايته لأنه من أكابر محدثيهم. ومنه ما رواه ابن أبي الحديد عن أبي نعيم الحافظ الاصفهاني في حلية الأولياء عن أنس بن مالك في حديث قال فيه له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) (أول من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين وسيد المسلمين ويعسوب الدين وخاتم الوصيين وقائد الغر المحجلين) قال أنس فقلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار وكتمت دعوتي فجاء علي (عليه السلام) فقال (صلي الله عليه وآله) (من جاء يا أنس)؟ فقلت علي (عليه السلام) فقام إليه مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه فقال علي (عليه السلام) يا رسول الله لقد رأيت منك اليوم تصنع بي شيئا ما صنعته قبل قال (صلي الله عليه وآله) (وما يمنعني وأنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي) [368] وهذا الحديث دال علي أن المؤدي عن النبي (صلي الله عليه وآله) المبين للأمة ما اختلفوا فيه [ صفحه 192] من بعده هو صاحب الأوصاف المتقدمة في صدر الحديث من كونه إمام المتقين إلي آخرها وهو المستحق لها دون من سواه ممن لا يصلح للأداء عن النبي (صلي الله عليه وآله) تسع آيات من سورة براءة. ومنه: ما رواه عنه في الكتاب المذكور عن أبي بردة الأسلمي أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: (إن الله عهد إلي في علي عهدا فقلت: يا رب بينه لي قال: اسمع إن عليا راية الهدي وإمام أوليائي ونور من أطاعني وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين من أحبه فقد أحبني ومن أطاعه فقد أطاعني فبشره بذلك فقلت بشرته يا رب فقال: أنا عبد الله وفي قبضته فإن يعذبني فبذنوبي لم يظلم شيئا أن يتم لي ما وعدني فهو أولي وقد دعوت له فقلت: اللهم اجل قلبه واجعل ربيعه الإيمان بك قال: قد فعلت ذلك غير أني مختصة بشئ من البلاء لم أختص به أحدا من أوليائي فقلت رب أخي وصاحبي قال: إنه سبق في علمي أنه لمبتل ومبتلي به) [369] . وبإسناد آخر بلفظ آخر في الكتاب المذكور عن أنس بن مالك عن النبي (صلي الله عليه وآله): (إن رب العالمين عهد إلي في علي عهدا أنه راية الهدي ومنار الإيمان وإمام أوليائي ونور جميع من أطاعني إن عليا أميني غدا يوم القيامة فصاحب رايتي، بيد علي مفاتيح خزائن رحمة ربي). وفي الكتاب المذكور قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (مرحبا بسيد المؤمنين وإمام المتقين) فقيل لعلي (عليه السلام) كيف شكرك؟ فقال أحمد الله علي ما أتاني وأسأله الشكر علي ما أولاني وأن يزيدني مما [ صفحه 193] أعطاني) [370] .

توجيه ابن أبي أبي الحديد بأن المراد بالإمامة في النصوص الإمامة في الفتوي

وقال ابن أبي الحديد: روي ابن ديزيل، قال: حدثنا زكريا بن يحيي قال: حدثنا علي بن القاسم عن سعيد بن طارق عن عثمان بن القاسم عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) (ألا أدلكم علي ما إن تسالمتم عليه لم تهلكوا إن وليكم الله وإمامكم علي بن أبي طالب فناصحوه وصدقوه فإن جبرائيل أخبرني بذلك) فهذه الأحاديث الصحيحة عند الخصم كلها ناصة علي علي (عليه السلام) بالإمامة ومصرحة بأنه إمام البررة وإمام المتقين وإمام الأولياء وإمام الصحابة كما هو نص حديث زيد بن أرقم وصريحها أن من كان من المتقين البررة وأولياء الله وأصحاب الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) فإمامه علي (عليه السلام) ومن لم يكن إمامه عليا (عليه السلام) فليس من المتقين البررة ولا من الأولياء ولا من الصحابة بل هو خارج عن هذه المراتب الشريفة وداخل في أضدادها فكيف تجوز لهم الإمامة وقد جعلهم الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) مأمومين فأي نص أوضح من هذه النصوص علي ما ندعيه من إمامة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من بعد النبي (صلي الله عليه وآله) وأي صريح أصرح منها في ذلك؟ ويعجبني من ابن أبي الحديد قوله بعد نقله حديث زيد بن أرقم: " فإن قلت: هذا نص صريح في الإمامة فما الذي تصنع المعتزلة بذلك؟ قلت: يجوز أن يريد به أنه إمامهم في الفتاوي والأحكام الشرعية لا في الخلافة " [371] انتهي وهذا الجواب مع أنه حرف اللفظ عن معناه وعدول به عن نصه من غير سبب داع إلي ذلك كما هي عادة هؤلاء القوم فيكون فاسدا لا يدفع ما نقوله ولا يرد ما ندعيه لأن دعوانا إنما هو وجود النص من الله ومن [ صفحه 194] الرسول (صلي الله عليه وآله) علي علي (عليه السلام) بالإمامة الذي كان ابن أبي الحديد وأصحابه ينكره وكذلك إخوانهم من الأشاعرة ومضاهوهم ينكرون وها هو موجود كما ندعي فثبت مدعانا وبطل إنكارهم، ولسنا ندعي عليه وعلي أصحابه وأمثالهم أنهم يقفون علي النص ولا يتعدونه ولا يخرجونه عن معناه بآرائهم ولسنا ننكر منه تحريفهم الكلم عن مواضعه، بل نقر لهم بأن المعروف من سيرتهم والمعلوم من طريقتهم لكنه عين العصبية والعناد المنهي عنه في الدين. ثم يقال لابن أبي الحديد: جميع أهل العلم لا يعرفون من معني الإمام الشرعي إلا الرئيس العام علي الأمة في إنفاذ الأحكام الشرعية، ولا يعرف الصحابة من لفظ الإمام إذا أطلق إلا هذا المعني كما بيناه سابقا، وهذا هو الخليفة البتة وليسوا يعرفون من معني الإمامة الشرعية إلا الرئاسة العامة في أحكام الدين علي سائر المكلفين وتلك هي الخلافة عن الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) لا محالة، وتسمية المفتي إماما إنما هو اصطلاح حدث بعد مضي أكثر من خمسمائة سنة من الهجرة بسبب ذكره بعض الشافعية في كلام طويل ولم يكن قبل ذلك معروفا فلا يصح حمل الإمام في الأحاديث النبوية عليه يقينا، وقد أوضحنا فيما سبق أن الإمام العام هو العالم بأحكام الدين وموضحها للمكلفين ومن سواه ليس بإمام عام، علي أن لفظ الخبر وهو قوله: (صلي الله عليه وآله): (ما إن تسالمتم عليه لم تهلكوا) أي توافقتم ثم إتيانه بلفظ الإمام بعد قوله: (إن وليكم الله) لا يحتمل إلا إرادة الرئيس العام لا غيره، ويزيده وضوحا قوله: (صلي الله عليه وآله): (فناصحوه وصدقوه) إذ المناصحة لا محصل لها ولا موقع خصوصا إذا كانت مطلوبة من جميع الناس كما هو صريح اللفظ إلا للإمام العام الذي هو الخليفة، ويؤكده زيادة أيضا قوله (صلي الله عليه وآله): (فإن جبرائيل أخبرني بذلك) فإنه (صلي الله عليه وآله) قصد بهذا القول [ صفحه 195] إخبارهم بأن نصه علي علي (عليه السلام) بالإمامة بوحي من الله إليه لا من قبل نفسه وليس يحتاج إلي بيان هذا إلا إذا كان المقصود من الإمامة المعني المطلق لا معني خاصا وهذا ظاهر لكل ذي فهم، وأما الإمامة بمعني الرئاسة في غير الأحكام الشرعية التي هي أحكام الدين فغير معروفة عند أحد من الصحابة ولا من الفقهاء والمتكلمين بأنها إمامة شرعية وأنها خلافة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، وإنما تعرف بأنها ملك جبري وسلطان جوري، فإذا أقررت بأن عليا هو الإمام في أحكام الدين بنص الخبر لزمك الإقرار بأنه خليفة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) إذ لا خلافة في الشرع غير الإمامة في أحكام الدين، ولزمك إذا جعلت غيره خليفة في غير الأحكام الشرعية الإقرار بأنه ليس بإمام من أئمة الدين فهو غير واجب الطاعة علي المكلفين ولا لازم المناصحة علي المؤمنين فليس بإمام شرعي فلا يكون خليفة الرسول، لأن الخلافة هي الإمامة العامة في الدين والأحكام الشرعية، بل هو سلطان جائر دنيوي فما زدت بجوابك علي أن أثبت إمامة صاحبنا وأوضحت النص عليها وأخرجت غيره من الإمامة الشرعية وأدخلته في الرئاسة الدنيوية لا الدينية وذلك هو مطلبنا الأهم وغرضنا المقدم، والذي كنا نناضل الفرق المخالفة عليه، إذ لسنا نزيد في القول علي أن من عداه ليس بإمام في أحكام الدين تجب طاعته والاقتداء به فيها، وأن الإمام في ذلك كله هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأنه ظلم واغتصب حقه وصريح قولك الاعتراف بدلالة الخبر علي قولنا وذلك هو المراد، فكأنك بما قلت قد قلدت جيد مذهبنا قلائد النور وخلعت علي قولنا خلع السرور، ثم يقال له أيضا: ألست حكمت بما قلت: بأن عليا (عليه السلام) إمام أبي بكر في الأحكام الشرعية كما هو إمام غيره من الصحابة فيها، وأن أبا بكر إمام علي (عليه السلام) لأنه الخليفة فحينئذ يكون كل من علي وأبي بكر إماما ومأموما في حال واحدة كل [ صفحه 196] منهما واجب الطاعة علي الثاني، وهل سمعت ورأيت رجلا إماما لغيره في حال وذلك الغير إمام لذلك الرجل في تلك الحال؟ وهل وجد ذلك في شرائع النبيين؟ أو عقل عند ذوي العقول المنصفين؟ كلا بل هذا تناقض لا تجوز العقول حصوله، وتضاد لا تحتمل جمعيه لأن اجتماع المتضادين واتلاف المتناقضين مما يمتنع في العقل ولا يعرفه أهل العلم والفضل، فيكون القول المستلزم له باطلا فيجب أن يكون الإمام في الأحكام الشرعية لجميع المسلمين وهو الخليفة للرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) لئلا يلزم التناقض والتضاد اللذان لا يجوزان عقلا ولا شرعا، ثم نقول له أيضا إنك حيث قلت أن عليا إمام الصحابة في الفتاوي والأحكام الشرعية والإمام هو الذي يجب علي المأمومين الاقتداء به ولا يجوز لهم مخالفته فأخبرنا عن إمامك أبي بكر هل أخذ في إبطال دعوي فاطمة بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في فدك بفتوي إمامه علي (عليه السلام) في الأحكام؟ أم بخلاف فتواه؟ وكذلك في رده شهادته لفاطمة (عليه السلام) وفي منعها ميراثها؟ وفي درءه الحد عن خالد بن الوليد لما قتل مالك بن نويرة وزني بامرأته؟ وإحراقه الفجاءة السلمي وإسقاطه سهم أولي القربي من الخمس؟ وتخلفه عن جيش أسامة، ورده عمر من الجيش؟ وغير ذلك من الأفعال [372] هل أخذ بفتوي إمامه علي (عليه السلام) في جميعها أم بغير فتواه؟ فإن قال أخذ في ذلك كله بفتوي علي (عليه السلام) فقد أبطل وأحال وادعي ما لا يعرف وما يكذبه فيه كل أحد، وإن قال أخذ في ذلك وغيره بغير فتوي علي (عليه السلام) بل بضدها كما هو المعلوم بين الأمة فيلزمه أحد الأمرين: إما إثبات المعصية لأبي بكر لمخالفته فتوي إمامه في الفتوي، أو إخراج علي (عليه السلام) من الإمامة في الفتاوي والأحكام الشرعية التي اعترف بصراحة الخبر فيها فيكون [ صفحه 197] قد كذب الخبر الصحيح عنده وأبطل ما حكم به، فليختر عز الدين عبد الحميد من هذين الوجهين ما يريد يكفه في مناقضته نفسه وإبطال مذهبه وجرائته علي أئمته، فتبين لك من هذه الجملة الوافرة عصمة تلك الأخبار الصريحة عن التأويل، وامتناعها عن القال فيها والقيل، وبها يتحقق النص علي إمامة أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، ويبطل ما قاله ابن أبي الحديد، وأعجب من قوله الأول قوله بعده: " وأيضا فإنا قد شرحنا من قول شيوخنا البغداديين ما محصوله أن الإمامة كانت لعلي (عليه السلام) إن رغب فيها ونازع عليها، وإن أقرها في غيره وسكت عنها تولينا ذلك الغير وقلنا بصحة خلافته، وأمير المؤمنين لم ينازع الأئمة الثلاثة ولا جرد السيف ولا استنجد الناس عليهم " [373] إلي آخر ما قال مما معناه إن أمير المؤمنين (عليه السلام) فعل ذلك لحكم هو وأصحابه علي المتقدمين عليه بالهلاك " [374] وفي هذا الكلام من الوهن ما لا يخفي وهو من وجوه:.

طرف من أخبار السقيفة

الأول: حكمه عليهم بالهلاك لو نازعهم علي (عليه السلام) وهذا يناقض القول بصحة إمامتهم بعد البيعة لهم كما يقوله هو وأصحابه لأن إمام الحق لا يجوز قتاله ولا منازعته ولا تجريد السيف في وجهه، بل لا تجوز مخالفته في أمره ونهيه، وإذا كانت إمامتهم صحتها موقوفة علي رضاه لم يجز لهم عقدها قبل حضوره ومشاورته فإن رغب فيها سلموها له وإن رضي بغيره عقدوها لذلك الغير وشئ من ذلك لم يكن، فإنه (عليه السلام) لم يشاور في واحدة من بيعات الثلاثة البتة بالاتفاق، وتصحيح هذا الخصم فإن عمر قد عقدها لأبي بكر في السقيفة وعلي غير حاضر ولا مشاور ولازم قول المعتزلي أن بيعة أبي بكر في السقيفة غير صحيحة لعدم مشاورة أمير المؤمنين [ صفحه 198] فإلزامه الناس بمبايعته بعد خروجه من السقيفة ظلم وعدوان، وعقدها أبو بكر لعمر ولم يشاور عليا (عليه السلام) وعقدها عبد الرحمن بن عوف لعثمان بوصية من عمر وعلي (عليه السلام) كاره، وكل ذلك معلوم لا نزاع فيه فتقع إمامتهم علي ما قال باطلة يصححها، ولازم قوله فسادها. الثاني: قوله إن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يستنجد الناس عليهم فإنه دفع للمعلوم باللسان، فقد روي أن عليا أركب فاطمة علي حمار وأخذ الحسن والحسين، فما ترك أحدا من أهل السابقة إلا مضي إليه وذكر له حقه ودعاه إلي نصرته علي أبي بكر وأصحابه فعل ذلك ثلاث ليال في كلها لم يجبه إلا أربعة أو خمسة [375] فمن فعل ذلك كيف يقال فيه أنه لم يستنجد الناس وأنه سكت عن طلب الخلافة ورضي بخلافة غيره؟ الثالث: إنه " قوله (عليه السلام) ما جرد السيف " وهذا باطل فإنه قد روي أن الزبير جرد السيف بأمره (عليه السلام) وخرج شاهرا سيفه حين أتي عمر وأصحابه بأمر أبي بكر واقتحموا علي علي (عليه السلام) وأصحابه البيت ليجالدهم بذلك السيف فأخذ من عنده، ونادي أبو بكر بأخذه اضرب به الحجر ففعل، وساقوا عليا وأصحابه بالعنف الشديد، ومن المعلوم أن هذا تجريد للسيف لكنه لم يجد علي ذلك ناصرا ولا معينا فلا يجوز أن يقال فيه أنه ما جرد السيف. الرابع: قوله " ولم ينازعهم " فإن هذه دعوي كاذبة كذبا صراحا، وأي منازعة أعظم مما جري منه معهم وتخلفه عنهم معلوم واحتجاجه عليهم مشهور وطعنه فيهم مواجهة بتظاهرهم علي أخذ حقه مذكور وفي كتاب خصمنا وغيره مسطور؟ وسيأتي بعضه في نقل حجته علي ما يدعي من عدم النص إن شاء [ صفحه 199] الله تعالي ونذكر هنا قطعة صالحة من ذلك مما نبطل به دعواه فنقول قال في كتابه [376] قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب عن أبي لهيعة عن أبي الأسود قال غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر وغضب علي والزبير فدخلا بيت فاطمة معهما السلاح فجاء عمر في عصابة منهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش [377] وهما من بني عبد الأشهل فصاحت فاطمة (عليها السلام) وناشدتهم فأخذوا سيفي علي والزبير فضربوا بهما الجدار حتي كسروهما ثم أخرجهما عمر، يسوقهما حتي بايعا وقال خصمنا [378] ابن أبي الحديد أيضا، " قال أبو بكر وحدثنا أبو زيد عمر بن شبه وساق السند إلي سلمة بن عبد الرحمن قال: لما أجلس أبو بكر علي المنبر كان علي والزبير وناس من بني هاشم في بيت فاطمة فجاء عمر إليهم وقال والذي نفسي بيده لتخرجن إلي البيعة أو لأحرقن البيت عليكم فخرج الزبير مصلتا سيفه فاعتنقه رجل من الأنصار وزياد بن لبيد فدق به فندر [379] السيف فصاح أبو بكر وهو علي المنبر " اضرب به الحجر " [380] قال أبو بكر الجوهري " وقد روي في رواية أخري أن سعد بن أبي وقاص كان معهم في بيت فاطمة والمقداد بن الأسود أيضا وأنهم اجتمعوا (عليه السلام) أن يبايعوا عليا (عليه السلام) فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت فخرج إليه الزبير بالسيف وخرجت فاطمة (عليها السلام) تبكي وتصيح " [381] . [ صفحه 200] قال المعتزلي، وقال أحمد بن عبد العزيز الجوهري أيضا: " وحدثنا ابن غفير قال: حدثنا أبو عون عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي جعفر محمد بن علي أن عليا (عليه السلام) حمل فاطمة علي حمار وسار بها ليلا إلي بيوت الأنصار يسألهم النصرة وتسألهم فاطمة الانتصار فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد مضت بيعتنا لهذا الرجل لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به، فقال علي (عليه السلام): أكنت أترك رسول الله (صلي الله عليه وآله) ميتا في بيته لا أجهزه وأخرج إلي الناس أنازعهم في سلطانه " [382] . قال وقال أبو بكر: " حدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد وساق السند عن الليث بن سعد قال: تخلف علي عن بيعة أبي بكر فأخرج ملببا [383] يمضي به رقصا [384] وهو يقول معاشر المسلمين علام يضرب عنق رجل من المسلمين لم يتخلف لخلاف " [385] . [ صفحه 201] وهذه الأخبار وأضعافها مما رواه ابن أبي الحديد عن الثقاة عنده، وسيأتي أيضا جملة أخري منها إن شاء الله تعالي كلها دالة بأوضح دلالة علي أن عليا (عليه السلام) رغب في الخلافة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وطلبها وطلبها له جماعة من أعيان الصحابة وحضروا ليبايعوه وجمعوا السلاح لولا أنهم عوجلوا وغلب علي أمرهم، وأنه (عليه السلام) نازع في خلافة أبي بكر أشد المنازعة وجرد أصحابه السيف بأمره لقتال أتباعه، واستنجد الناس عليه ودعاهم إلي حربه وإعانته علي ذلك فاطمة بنت رسول الله (صلوات الله عليها) فلم يجد منجدا ولا معينا، وأنه غير راض بخلافة أبي بكر ومصرحة بذلك أتم تصريح وأنه ما سكت وكف، بل غلب وقهر وأخرج ملببا وأوعد بإحراق منزله وهو بيت النبوة، وواضحة في أنه (عليه السلام) ما غمد السيف وترك المناهضة لأبي بكر واتباعه إلا بعد أن تحقق عنده عدم الناصر له، فهو سكوت عن اضطرار لا عن رضا واختيار، ولو لم توجد هذه الأخبار وأمثالها الدالة علي ما ذكرناه لكان في قوله (عليه السلام) المشهور عنه في خطبة النهج (فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت واغضيت علي القذي وشربت علي الشجي وصبرت علي أخذ الكظم وعلي أمر من طعم العلقم) [386] كفاية في الدلالة علي أن علة سكوته وكفه عن جهادهم فقده الناصر والمعين وليس عن رضا نفس، وأنه تجرع في صبره عن ذلك ما هو أمر من العلقم فمن يقول هذا القول وأشباهه وهو كثير كيف يعقل أنه كف عن رضا وسكت عن اختيار؟ ما هذا إلا تجاهل وتغافل؟ وقد وضح من هذه الأخبار بطلان ما قاله ابن أبي الحديد أن عليا (عليه السلام) ما نازع الثلاثة ولا طلب في أيامهم الخلافة واقض عجبا منه ومن أغاليظه حيث يروي هذه الأخبار [ صفحه 202] وأمثالها مع كونها نصا في طلب أمير المؤمنين الخلافة وعدم رضاه بخلافة الرجل وأنه أخرج من بيته مقهورا وطلب ناصرا فلم يجد، ثم يقول إن عليا (عليه السلام) ما نازع أبا بكر ولا طلب الخلافة لنفسه في زمانه ولا جرد السيف ولا استنجد الناس ولا ولا، فليختر ابن أبي الحديد الآن أحد وجهين لا محيص له عن واحد منهما إما تكذيب هذه الأخبار التي صححها، أو تكذيب علي (عليه السلام) فيما أخبر به عن نفسه من عدم الرضا بخلافة من تقدم عليه وأنه لم يكف عن منابذتهم ومناجزتهم إلا لعدم المعين وفقدان الناصر فيكون قد كذب من هو مع الحق والحق معه بروايته، وكذب ثقات المحدثين عنده، وإما أن يحكم ببطلان خلافة من تقدم عليه ويجزم بخروجهم من الإمامة لعدم شرط صحتها عنده وهو عدم رضا أمير المؤمنين (عليه السلام) بها كما تقدم في قوله، لأنا قد أقمنا الأدلة الصحيحة لديه علي عدم رضا علي (عليه السلام) بها بتمام التحقيق، وأي الوجهين اختاره ابن أبي الحديد فقد أمكن الرأي من ثغرة نحره وذبح نفسه بخنجره فليكن ذلك محققا.

ما ورد من النصوص بلفظ الإمرة

وأما ما ورد بلفظ: الإمارة والإمرة فلم يورده ابن أبي الحديد ولكنه أورد ما هو بمعناه وزيادة، ومن المعلوم أنه لا فرق بين أن يذكر الشئ أو يذكر مرادفه فليس بين قولك جاءني بشر وجاءني إنسان أو حيوان ناطق فرق في إفادة المعني المقصود فها نحن نذكر ذلك عنه قال في أوائل شرح النهج: " وتزعم الشيعة أن يعني عليا (عليه السلام) خوطب في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بأمير المؤمنين خاطبه بذلك جملة المهاجرين والأنصار ولم يثبت ذلك في أخبار المحدثين [387] إلا أنهم قد رووا ما يعطي هذا المعني وإن لم يكن اللفظ بعينه وهو قول رسول الله (صلي الله عليه وآله) له (أنت يعسوب الدين والمال يعسوب الظلمة)، وفي رواية أخري (هذا يعسوب المؤمنين وقائد الغر [ صفحه 203] المحجلين) واليعسوب ذكر النحل وأميرها، روي هاتين الروايتين أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني في المسند وفي كتابه في فضائل الصحابة ورواهما أبونعيم الحافظ في حلية الأولياء انتهي [388] . أقول: وقد مر ذكر هذه اللفظة في الأحاديث المذكورة أولا فراجع وفي رواية أبي رافع عن أبي ذر من قول الرسول (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) (وأنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الكافرين) وستأتي بتمامها إن شاء الله وقد اعترف ابن أبي الحديد كما سمعت في كلامه بأن معني اليعسوب الأمير فثبت من ذلك أن عليا (عليه السلام) أمير المؤمنين علي لسان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إذ لا فرق بين اللفظ ومرادفه عند جميع العقلاء فيثبت أنه إمامهم لأن معني أمير المؤمنين إمامهم بغير اختلاف فهي نص علي إمامته بلا ريب، فمن كان من المؤمنين وأهل الدين فعلي أميره ومن لم يكن علي أميره فليس من المؤمنين ولا من أهل الدين، فما أنكر ابن أبي الحديد أن يكون جملة من المهاجرين والأنصار خاطبوا عليا (عليه السلام) بأمير المؤمنين في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم [389] ثم أنكروا ذلك بعد وأخفوه كسائر ما أنكروا من فضائله وأخفوا من مناقبه، فإنه قد تواتر عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنه قال: (سلموا علي علي بإمرة المؤمنين)، فأخفي القوم ذلك وستروه فصار مجهولا عند العامة ومعلوما عند الخاصة وسيأتي اعتراف المعتزلي بأن القوم قد فعلوا بفضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) ما ذكرناه وبه يزول ما استنكر منه هنا مع اعترافه بورود مماثلة في المعني وكل ذلك من استحكام الشبه في أوهام القوم.

ما ورد بلفظ الوصي

وأما ما ورد بلفظ: الوصي فكثير منها ما رواه ابن أبي الحديد عن صاحب كتاب الفردوس وأكثره عنه وعن أحمد بن حنبل عن النبي (صلي الله عليه وآله) قال [ صفحه 204] (كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق آدم قسم ذلك النور وجعله جزئين فجزء أنا وجزء علي ثم انتقلنا حتي صرنا في عبد المطلب فكان لي النبوة ولعلي (عليه السلام)الوصية) [390] . وفي حديث أنس المتقدم قول رسول الله (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام): (وخاتم الوصيين وقائد الغر المحجلين) وروي ابن أبي الحديد في شرح النهج عن علي (عليه السلام) أنه قال: (أنا خاتم الوصيين وأن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عهد إلي وأني وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وما يعطي هذا المعني في كثير من كلامه. وروي عن أبي مخنف أنه لما بلغ حذيفة بن اليمان أن عليا (عليه السلام) قد قدم ذا قار واستنفر الناس دعا أصحابه فوعظهم وذكرهم الله وزهدهم في الدنيا ورغبهم في الآخرة، وقال لهم " الحقوا بأمير المؤمنين ووصي سيد المرسلين فإن من الحق أن تنصروه " [391] .

اشعار الصحابة والتابعين في الوصاية

ومن أشعار الصحابة والتابعين المتضمنة أنه وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كثير لا يحصي وقد رواه المحدثون الموثقون عند الخصوم كأبي مخنف لوط بن يحيي الأزدي وإبراهيم بن ديزيل الهمداني ونصر بن مزاحم المنقري وغيرهم من أهل التواريخ والسير كل روي منه شيئا. وذكر ابن أبي الحديد منه طائفة ونحن هنا نذكر منه نبذة يسيرة تبركا وتيمنا بمدحه (عليه السلام) فمن ذلك قول أبي الهيثم بن التيهان [392] وكان [ صفحه 205] بدريا. قل للزبير وقل لطلحة إننا++ نحن الذين شعارنا الأنصار نحن الذين رأت قريش فعلنا++ يوم القليب [393] أولئك الكفار كنا شعار نبينا ودثاره++ تفديه منا الروح والأبصار إن الوصي إمامنا وولينا++ برح الخفاء وباحت الأسرار [394] . أقول قوله (رضي الله عنه): إن الوصي إمامنا إلي آخر البيت، إخبار عن نفسه وعن أمثاله من قومه وهم صلحاء الأنصار بأنه كان يعتقده وإياهم إمامة أمير المؤمنين سابقا ويخفونه في نفوسهم في زمان الثلاثة ويسرون عن الناس قد أظهروه اليوم وباحوا به حيث ارتفع الخوف وزال المانع من إظهاره بوجود الناصر والمعين عليه، ففيه دليل ظاهر علي أن أبا الهيثم وأشباهه لم يكونوا معتقدين إمامة غيره، وإنما الإمام عندهم بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لأنه وصيه ولكنهم يجمجمون [395] ذلك في الصدور ويخفونه حتي تمكنوا من إظهاره فأظهروه، ونحن علي ما هم عليه إن شاء الله. وقال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين [396] وكان بدريا أيضا يوم الجمل. أعايش خلي عن علي وعيبه++ بما ليس فيه إنما أنت والده وصي رسول الله من دون أهله++ وأنت علي ما كان من ذاك شاهده [ صفحه 206] وحسبك منه بعض ما تعلمينه++ ويكفيك لو لم تعلمي غير واحده إذا قيل ماذا عبت منه رميته++ بقتل ابن عفان وما تلك أيده وليس سماء الله قاطرة دما لذلك++ ولا الأرض الفضاء بمائده [397] . والأخير من الأبيات يومي إلي أنه غير آمر بما جري لعثمان. وقال النعمان بن العجلان الأنصاري [398] . كيف التفرق والوصي إمامنا++ لا كيف إلا حيرة وتخاذلا لا تغبنن عقولكم لا خير في++ من لم يكن عند البلابل عاقلا وذروا معاوية الغوي وتابعوا++ دين الوصي لتحمدوه اجلا [399] . وقال عبد الله بن العباس بن عبد المطلب: وصي رسول الله من دون أهله++ وفارسه إن قيل هل من منازل فدونك إن كنت تبغي مهاجرا++ أشم كنصل السيف غير حلاحل [400] . وقال حسان بن ثابت في جملة أبيات أيام المخاصمة بين المهاجرين والأنصار بعد موت النبي (صلي الله عليه وآله): جزي الله عنا والجزاء بفضله++ أبا حسن خيرا ومن كأبي حسن سبقت قريشا بالذي أنت أهله++ فصدرك مشروح وقلبك ممتحن تمنت رجال من قريش أعزة++ مقامك هيهات الهزال من السمن حفظت رسول الله فينا وعهده++ إليك ومن أولي به منك من ومن ألست أخاه في الهدي ووصيه++ وأعلم منهم بالكتاب وبالسنن فحقك ما دامت بنجد وشجة++ عظيم علينا ثم بعد علي اليمن [401] . [ صفحه 207] إلي ذلك من الأشعار من محبيه ومبغضيه مما لا يسع المقام عشر عشيرها مما تضمن لفظ الوصي والولي فقد صح أن عليا (عليه السلام) وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ومنه يعلم أن ما ذكره ابن أبي الحديد عن عائشة وبعض تابعيها من أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لم يوص [402] باطل بلا شبهة لمعارضته لشهادة خيار الصحابة لعلي (عليه السلام) بأنه وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ودلالة الأخبار علي ذلك، وعائشة متهمة في علي (عليه السلام) وكيف تقر له بالوصية وهي تعيبه وتذمه وهي في الغاية القصوي من البغض له، وإلا فهي شاهدة وصية الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) إليه ونصه عليه كما هو صريح شعر خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين الذي ذكرناه وأيضا أن شهادة عائشة وتابعيها علي النفي وشهادة الجماعة لعلي (عليه السلام) علي الاثبات وشهادة الاثبات مقدمة علي الشهادة علي النفي إجماعا من أهل العلم.

معني الوصي والوصية

ثم إن المعروف من معني الوصي علي جهة الإطلاق هو القائم مقام الموصي في جميع ما للموصي الولاية فيه وعليه. ومن معني الوصية إقامة الموصي الوصي مقامه في جميع ما له التصرف فيه والولاية عليه ولا معني للوصي والوصية عند العلماء غير هذا والمعروف من [ صفحه 208] معني وصي النبي هو القائم مقامه في الأمر والنهي بعهد من النبي إليه، وإذا كان علي (عليه السلام) هو الوصي لرسول الله (صلي الله عليه وآله) كان هو القائم مقامه في تنفيذ الأحكام وسياسة الأمة وغير ذلك من ولايات النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيكون هو خليفته والإمام بعده، إذ لا معني لخلافته إلا القيام مقامه ولا معني لوصيه إلا القائم مقامه بنصبه إياه، ولا معني للإمامة إلا هذا ولا يعرف لها معني غيره، وهذا بحمد الله واضح.

اعتراف ابن أبي الحديد بالوصية وعجزه عن توجيهها والرد عليه

قال ابن أبي الحديد " وأما الوصية فلا ريب عندنا أن عليا (عليه السلام) كان وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وإن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا إلي العناد ولسنا نعني بالوصية النص والخلافة لكن أمورا لعلها إذا لمحت أشرف وأجل " [403] انتهي. قول إخراج اللفظ عن صريح معناه تشهيا من دون حجة بينة ولا سبب داع هو ديدن ابن أبي الحديد وأصحابه وأمثالهم، وليس النزاع بيننا وبينهم في هذا كما علمت أولا فإنا مقرون لهم بأنهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه ويدفعون النصوص بالشبهات ويصرفون الألفاظ الصريحة عن معانيها بمجرد الشهوات هذه عادتهم المعروفة وسجيتهم المألوفة، وإنما النزاع بيننا وبينهم أنا ندعي النص من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) علي علي (عليه السلام) بالإمامة والقائم مقامه فعلينا أن نأتي من أقوال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بما هو صريح في المعني ونص في المطلب مثل لفظ الإمام والأمير والوصي وما أشبهها مما سنورده، وقد أتينا منه بما يقرون به ولا ينكرونه وما نسبوا جاحده إلي العناد مع أن ذلك الجاحد أم المؤمنين عائشة [ صفحه 209] وبعض من الناس كما قدمنا، وليس علينا أن نحبس ألسنتهم عن التأويلات الفاسدة والتمحلات الممتنعة التي لو صدرت عن غيرهم لحملوه علي عدم الفهم وحكموا عليه بالبلادة والعصبية والعناد، فلا ذنب لنا ولا إبطال لدعوانا بسبب تأويلاتهم الركيكة الباطلة بل حجتنا واضحة وحجتهم داحضة. فما ذنبنا إن جاش بحر بفضلنا++ وبحرك ساج لا يواري الدعا مصا [404] وما قدمنا من بيان معني الوصي متكفل بإبطال دعوي ابن أبي الحديد بأن الوصية في غير الخلافة ولأنه يدعي التقييد في المطلق فعليه أن يأتي بالمقيد، وأني له به؟ ولنا علي إبطال قوله مضافا إلي ما ذكرنا وجوه أخر. الأول: أن الوصية لا تثبت بغير النص من الموصي علي الوصي يقينا وإذا سلم الخصم أن عليا (عليه السلام) وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وذلك ما ندعي، فقوله ولسنا نعني بالوصية النص كلام لا معني له. الثاني: إن أهل العقول من جميع المسلمين لا يعلمون منزلة بعد النبوة أشرف وأجل من الإمامة حتي تنصرف وصية النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي علي (عليه السلام) إليها كما ادعاه فعليه وعلي من يدعي دعواه تبيين تلك المنزلة حتي نعرفها، ثم لو كانت ثمة منزلة أعلا وأجل من الإمامة كما ذكر لكانت أيضا منضمة إليها وداخلة معها علوم الوصية فتتناول جميع المنازل حتي يثبت المخصص وليس ثمة مخصص، فقوله: " لعلها إذا لمحت أشرف وأجل " دعوي مستحيلة، ولو أمكنت لكانت مع الإمامة مندرجة في [ صفحه 210] الوصية، الثالث: إن المسلمين من أولي العلم كافة يعلمون أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يترك أموالا كثيرة ولا خلف أطفالا صغارا يحتاج إلي الإيصاء في حفظ أموالهم والقيام بمصالحهم إلي وصي يقوم بذلك وليس له حاجة في الوصية إلا في القيام مقامه بمصالح الأمة وحماية الملة وإنفاذ الأحكام وجهاد المشركين ودعوتهم إلي دين الإسلام لا غير ذلك، فوصيه هو المنصوص عليه منه بذلك والمنصوب منه له وتلك هي الإمامة بلا ريبة ولا يشك في ذلك عاقل غير معاند. الرابع: إن الأخبار المذكورة والأشعار الواردة التي قدمناها وغيرها يتبادر من لفظ الوصي فيها بل لا يفهم من معناها إلا كون أمير المؤمنين وصي رسول الله علي ما هو المعني المعروف من أوصياء الأنبياء وهو الخلافة بعدهم لا شئ آخر، فإن قول النبي (صلي الله عليه وآله): (لي النبوة ولعلي الوصية) وقوله: (صلي الله عليه وآله وسلم) (خاتم الوصيين) [405] لا يعقل منه إلا أن لعلي خلافة الأنبياء، وأنه خاتم خلفاء النبيين، لأن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء فلا نبي بعده فلا خليفة نبي بعد علي (عليه السلام) بدون واسطة خليفة غيره، لأن الوصية المقابلة للنبوة هي الخلافة من غير شبهة، والوصي المقابل للنبي هو الخليفة بعده لا يتصور منه غير هذا المعني ولا يراد به غيره عند الإطلاق ببديهة العقل، وليس يعقل منها الفطن اللبيب إن لعلي الوصية المقابلة للنبوة في أمر مخصوص، أو أنه خاتم الوصيين في أمور أخر غير الخلافة كمال أو حكم خاص أو سر في معني خاص ولا يحملها علي هذا المعني إلا معوج الفهم بسبب استيلاء الشبه علي عقله ومما زجتها للبه، فيجعل عقله تبعا لمشتهاه، وسالكا في أثر تقليده ومما [ صفحه 211] يزيد المعني وضوحا في أن المراد بالوصي هو القائم مقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في جميع أمره ما رواه ابن أبي الحديد قال: قال: نصر يعني ابن مزاحم المنقري وحدثنا عبد العزيز بن سياه قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت قال: حدثنا سعيد التيمي المعروف بعقيصا قال: كنا مع علي (عليه السلام) في مسيره إلي الشام حتي إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد عطش الناس واحتاجوا إلي الماء، فانطلق بنا علي (عليه السلام) حتي أتي إلي صخرة ضرس [406] في الأرض كأنها ربضة عنز [407] فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا تحتها ماء فشرب الناس وارتووا ثم أمرنا فأكفاناها حتي إذا مضي قليلا، قال: أمنكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه؟ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين قال: فانطلقوا إليه، فانطلق هنا رجال ركبانا ومشاة فاقتصصنا الطريق إليه حتي انتهينا إلي المكان الذي نري أنه فيه فطلبناه فلم نقدر علي شئ، حتي إذا عيل علينا انطلقنا إلي دير قريب منا فسألناهم أين هذا الماء الذي عندكم؟ قالوا: ليس قربنا ماء، فقلنا: بلي إنا شربنا منه، قالوا: أنتم شربتم منه؟ قلنا: نعم، فقال صاحب الدير: والله ما بني هذا الدير إلا لذلك الماء وما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي " [408] ومن المعلوم أنه لا يريد بوصي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) هنا إلا الخليفة بعده لا ما يقوله ابن أبي الحديد وأصحابه والأشاعرة. الخامس: إن إيصاء النبي (صلي الله عليه وآله) إلي رجل في أمر مخصوص أو أمور مخصوصة لا يصيره وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي الإطلاق، ولا يسمي عند أحد بوصي الرسول (صلي الله عليه [ صفحه 212] وآله وسلم)، فقد روي ابن أبي الحديد وغيره أن أبا أيوب الأنصاري قال في كلام أن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، " عهد إلينا أن نقاتل مع علي (عليه السلام) الناكثين والقاسطين والمارقين " [409] ولا نجد أحدا قال إن أبا أيوب وقومه أوصياء الله (صلي الله عليه وآله) ورووا أن أبا ذر قال " إن رسول الله (صلي الله عليه وآله) عهد إلي أنه يلي غسلي وتجهيزي قوم من المؤمنين " [410] في حديث طويل ولم يقل أحد من الصحابة وغيرهم أن أبا ذر وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله) ورووا أن عمار بن ياسر قال: يوم صفين في كلام " عهد إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه يكون آخر زادي من الدنيا ضياحا من لبن " [411] ورووا عن كثير من الصحابة مثل هذا ولم يسم أحد منهم بوصي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لذلك الأمر الذي عهد إليه رسول الله (صلي الله عليه وآله) فيه والأمور المخصوصة وهذا مما يدل صريحا علي أنه لا يسمي رجل وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي الإطلاق إلا المنصوص عليه بخلافته والموصي إليه منه بالقيام مقامه، فأمير المؤمنين وصي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بهذا المعني لا غيره فهو الإمام بعده لا محالة وقد اتضح الأمر وزال تشبيه المعتزلي وثبت المراد والله ولي التوفيق إلي السداد. [ صفحه 213]

ما ورد بلفظ الخليفة

وأما ما ورد بلفظ الخليفة: فهو الخبر الصحيح عند القوم كافة قال ابن أبي الحديد " وأما خبر الوزارة فقد ذكره الطبري في تاريخه عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: لما أنزلت هذه الآية [وأنذر عشيرتك الأقربين] [412] علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) دعاني فقال: يا علي إن الله أمرني أن انذر عشيرتك الأقربين فضقت بذلك ذرعا وساق الرواية - إلي أن قال - ثم تكلم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني علي هذا الأمر علي أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها جميعا فقلت: أنا وإني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا: أنا يا رسول الله أكون وزيرك عليه، وأعاد القول فأمسكوا واعدت ما قلت، فأخذ برقبتي ثم قال لهم: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا إليه وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع " [413] وهذه الرواية مع صحتها عند الخصوم نص صريح في أن عليا (عليه السلام) خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي من يطيعه، وأنه وصيه ووزيره فأي نص علي الخلافة أصرح من هذا؟ ولشهرة هذه الرواية احتج بها أبو جعفر الإسكافي في نقضه علي الجاحظ [414] وما أدري ماذا يقول ابن أبي [ صفحه 214] الحديد في ذلك فإنه لم يتعرض فيها بتأويل؟ وأظنه لعجزه عنه، ولو أدرك إليه منفذا لسارع عليه ولعله يري أن أمير المؤمنين خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في أمور أخري كما قال في الوصية فيكون جوابه، هنا مثل جوابه هناك.

ما ورد بلفظ الوزارة

وأما ما ورد بلفظ الوزارة: فمنه حديث أبي ذر عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وفيه بعد ما ذكرنا في لفظ اليعسوب وأنت أخي ووزيري والحديث المتقدم صريح، وقال ابن أبي الحديد بعد ذكره (ويدل علي أنه (عليه السلام) وزير رسول الله (صلي الله عليه وآله) من نص الكتاب والسنة قول الله تعالي [واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري] [415] وقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في الخبر المجمع علي روايته بين فرق الإسلام: (أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي) فأثبت له جميع مراتب هارون ومنازله من موسي، فإذن هو وزير رسول الله) صلي الله عليه وآله) وشاد أزره ولولا أنه خاتم النبيين لكان شريكا في أمره " [416] ، انتهي. أقول: فإذا كان علي (عليه السلام) وزير رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) والوزير هو المعين علي الأمر فإذن علي (عليه السلام) هو معين رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي إظهار دعوة الإسلام وإقامة أحكام النبوة فيكون له مقامه في حياته وبعد وفاته والأمر ظاهر، ثم إن ابن أبي الحديد حيث استفاد من هذا الحديث أنه نص في وزارة علي لرسول الله (صلي الله عليه وآله) لأنها من جملة منازل هارون من موسي بنص الكتاب وأن جميع منازل هارون من موسي إلا النبوة ثبتت لعلي (عليه [ صفحه 215] السلام) من رسول الله (عليه السلام)، فيلزمه علي هذا الحكم أيضا بأن الحديث نص في خلافة علي (عليه السلام) لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لأن الخلافة ثابتة لهارون بنص الكتاب وهو قوله تعالي: [وقال موسي لأخيه هارون اخلفني في قومي] [417] الآية ورسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يستثنها مع النبوة فتكون خلافة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ثابتة لعلي (عليه السلام) بنص الكتاب والسنة كما ثبتت الوزارة له بنصهما علي ما قررا أفأبلغ شاهد من هذا يريد عبد الحميد؟ وهل تراه يخفي عليه مثل هذا المعني الواضح كالشمس الصاحية؟ ولكن غلب عليه ألف المذهب وتقليد الأسلاف كما غلبا علي غيره فصاروا يرون الحق باطلا والنص الجلي متشابها والمعني الواضح خفيا والصواب خطأ فإذا ورد عليهم ما يوافق مذهبهم من المشتبهات صيروه كالبدر الأتم وضوحا وصراحة، وإذا عثروا علي ما يطابق مشتهاهم من المزخرفات المضطربة الألفاظ تلقوه بالقبول الأعظم ووصفوه بغاية الصحة ونهاية الفصاحة، أو جاءهم في ذلك شئ من الموهونات صيرورة كالطود الأشم قوة ورجاحة، فنعوذ بالله من كتمان الحق للأغراض الدنيوية وترويج الباطل للعناد والعصبية.

ما ورد بلفظ الطاعة

وأما ما ورد بلفظ الطاعة: فمنه ما تقدم في حديث الخلافة والوزارة من قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (اسمعوا له وأطيعوه) وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم) في حديث أبي برزة المتقدم إخبارا عن الله تعالي في شأن علي (عليه السلام) وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين من أحبه فقد أحبني ومن أطاعه فقد أطاعني) [418] وإذا كان علي (عليه السلام) طاعته طاعة الله وجب أن يكون خليفة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لأن الذي طاعته طاعة [ صفحه 216] الله هو النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لقوله تعالي: [من يطع الرسول فقد أطاع الله] [419] ولا نبوة بعد نبينا (صلي الله عليه وآله) فتبقي الخلافة، فالحديث نص علي إمامته لوجوب طاعته ولا طاعة واجبة لغير الله والنبي والإمام، وفي حديث أنس المتقدم: (وإمام أوليائي ونور جميع من أطاعني) والمراد بنور من أطاعني قدوتهم الذي يقتدون به في الأحكام ويهتدون به عن الضلال، وإذا كان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أمر بالسمع والطاعة لعلي وجعله الله قدوة المطيعين وهاديهم وجب أن يكون إماما، لأن غير الإمام لا يجب له السمع والطاعة علي المكلفين، وإنما ذلك لولي الأمر خاصة، ويستفاد من الخبر أن من لم يقتد بعلي (عليه السلام) في دينه فليس مطيعا لله لأنه لم يأتم بالنور الذي جعله لمن أطاعه ولم يستضئ بضياه فلم يكن من أهل النور، فإذن ليس هو من أهل طاعة الله، وفي حديث عمار أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال: (يا عمار طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله) رواه كثير من خصومنا [420] .

علي نفس محمد

وأما ما ورد بالمثلية: فمن القرآن قوله تعالي: [وأنفسنا وأنفسكم] [421] ولم يدع غير علي (عليه السلام) بالاجماع، فهو إذن نفس الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وليس علي جهة الاتحاد قطعا فيكون المراد به المثلية، وإذا كان مثل الرسول (صلي الله عليه وآله) وجب أن يكون الإمام بعده إذ لا نبي بعد محمد (صلي الله عليه وآله وسلم). ومن السنة ما رواه ابن أبي الحديد عن أحمد بن حنبل أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال: (لتنتهن يا بني وليعة [ صفحه 217] أو لأبعثن إليكم رجلا كنفسي يمضي فيكم أمري يقتل المقاتلة ويسبي الذرية) قال أبو ذر فما راعني إلا برد كف عمر من حجزتي من خلفي يقول من تراه يعني؟ فقلت: إنه لا يعنيك وإنما يعني خاصف النعل وإنه (قال هو هذا) [422] قال: وقال لوفد ثقيف (لتسلمن أو لأبعثن إليكم رجلا مني أو قال عديل نفسي فليضربن أعناقكم وليسبين ذراريكم وليأخذن أموالكم) قال عمر ما تمنيت الإمارة إلا يومئذ وجعلت انصب لها صدري رجاء أن يقول هو هذا فالتفت فأخذ بيد علي فقال: (هو هذا مرتين) [423] وقول النبي (صلي الله عليه وآله) في حديث مشهور سيأتي ذكره (إن عليا مني وأنا من علي) وإذا كان علي (عليه السلام) نفس الرسول (صلي الله عليه وآله) وعديل نفسه، وأنه منه كان مماثلا له البتة، ولما كان النبي (صلي الله عليه وآله) خاتم الأنبياء فلا نبوة بعده وجب أن يكون علي (عليه السلام) الإمام بعده لقضية المماثلة وإلا فلا معني للمماثلة قطعا، ومثله قوله (صلي الله عليه وآله) (علي أخي) لأن الأخوة النسبية بينهما معلومة الانتفاء فثبت أنه (صلي الله عليه وآله) يريد بها المماثلة، وليس إلا في الصفات فما لرسول الله (صلي الله عليه وآله) من الصفات غير النبوة فهو ثابت لعلي (عليه السلام) للمماثلة ومن جملة ذلك الإمامة، فهذا نص صريح من الرسول (صلي الله عليه وآله) علي استخلاف علي (عليه السلام) من غير شك وفي قول (مني) معني عميق وهو أنه مخلوق من نوره وأن ذلك النور كان في أول الخلق شيئا واحدا ثم انقسم إلي قسمين أحدهما كان النبي (صلي الله عليه وآله) والثاني عليا (عليه [ صفحه 218] السلام) فكل واحد من الآخر، فعلي (عليه السلام) عديل نفس رسول الله وكنفسه بعد الانقسام والعديل بمعني المعادل، وهو أيضا نفس الرسول (صلي الله عليه وآله) لأنهما في الأصل نور واحد يدل علي ذلك صريحا حديث ابن أبي الحديد عن مسند أحمد بن حنبل وكتابه في الفضائل وعن كتاب الفردوس من قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق آدم قسم ذلك النور فيه وجعله جزئين فجزء أنا وجزء علي) [424] . الخبر وقد ذكرناه بتمامه في لفظ الوصية، ومثله في طرقنا وطرق غيرنا كثير وهذا المعني هو الذي يشير إليه أمير المؤمنين متبجحا به ومفتخرا بقوله في مواضع كثيرة (وأنا من محمد كالضوء من الضوء) [425] وحق له أن يفتخر بذلك ويتبجح به ويحتج علي خصمه به فإنه لا فضل أعلا منه وإن علا ولا رفعة إلا وهي دونه ولا شرف إلا وهو منحط عنه، فقد فاق به الأنبياء المرسلين رفعة ومجدا وشرفا وفضلا ولقد أحسن الحسن البصري في قوله كما رواه عنه الخصم: (ولقد آخا رسول الله (صلي الله عليه وآله) بين أصحابه فآخا بين علي وبين نفسه فرسول الله خير الناس نفسا وخيرهم أخا) [426] انتهي. وإذا كان النبي (صلي الله عليه وآله) قد صرح في علي (عليه السلام) بهذه المقالات بمحضر من الصحابة فأي شئ تراه ترك بعد هذا المقال من النص علي استخلافه عليا (عليه السلام) حتي يقول ابن أبي الحديد وأشباهه: ليس هناك نص صريح وإنما هو تعريض وتلويح، نسأل الله أن يوفقنا لإبطال الباطل وتصحيح الصحيح، وأي عاقل منصف سلم [ صفحه 219] من علة تقليد السلف وألف الشبه يشك في إمامة علي (عليه السلام) بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد أن سماه (صلي الله عليه وآله وسلم) (علي عديل نفسي ونفسي): ويرتاب في أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أراد بذلك استخلافه؟ أو يجوز تقديم من ليس من النبي علي من هو عديل نفسه في مقامه (صلي الله عليه وآله) حاشا وكلام يأبي العقل الذكي ذلك إلا بعلة.

ما ورد بلفظ التمسك

وأما ما ورد بلفظ التمسك: به من بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وما هو في معناه فكثير شئ منه بإفراده بنفسه وشئ منه بضمه إلي عترة النبي (صلي الله عليه وآله) وشئ منه بضمه إلي الكتاب والعترة معا، ونحن نورده جميعا فنقول: روي ابن أبي الحديد عن الحافظ أبي نعيم في حلية الأولياء وعن أحمد بن حنبل في المسند وكتاب الفضائل عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (من سره أن يحيي حياتي ويموت ميتتي ويتمسك بالقضيب من الياقوتة التي خلقها الله تعالي بيده ثم قال لها كوني فكانت فليتمسك بولاء علي بن أبي طالب) [427] وعن أبي نعيم عن النبي (صلي الله عليه وآله) في حديث سنذكر صدره فيما يأتي إن شاء الله قال: فيه فلما جاء أرسل إلي الأنصار فأتوه فقال: (يا معشر الأنصار ألا أدلكم علي ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا) قالوا بلي يا رسول الله قال: (هذا علي فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي فإن جبرائيل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل) [428] وعن الحافظ أبي نعيم عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنه قال: (من سره أن يحيي [ صفحه 220] حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي فليوال عليا من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهما وعلما فويل للمكذبين من أمتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي) [429] والموالاة والاقتداء بمعني المتابعة وهو معني التمسك وهذه الرواية كما أنها نص علي إمامته علي (عليه السلام) كذلك هي نص علي إمامة الأئمة من عترة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ونص في حرمان الشفاعة لمن كذب بإمامتهم وقطع صلة النبي (صلي الله عليه وآله) فيهم فقد صرحت بحقيه مذهب الإمامية الاثني عشرية بأتم تصريح وبينته بأوضح بيان. وروي ابن أبي الحديد عن أحمد بن حنبل في المسند وكتاب الفضائل عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه خرج علي الحجيج عشية عرفة فقال لهم: (إن الله باهي بكم الملائكة عامة وغفر لكم عامة وباهي بعلي خاصة وغفر له خاصة إني قائل لكم قولا غير محاب فيه لقرابتي، إن السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب عليا في حياته وبعد موته) [430] تمام الخبر والمحبة من لوازمها المتابعة والطاعة ومن لم يطع أحدا فليس بمحب له وقد نطق بذلك الكتاب الإلهي في قوله تعالي: [قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله] [431] من يتبع الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) فهو غير محب لله وقال بعض الأبرار. تعصي الإله وأنت تزعم حبه++ هذا كلام في المقال بديع لو كان قولك صادقا لأطعته++ إن المحب لمن يحب مطيع [ صفحه 221] فمحبة علي (عليه السلام) طاعته ومتابعته وهذا معني التمسك.

استبعاد القوشجي سماع الصحابة للنصوص ومخالفتها ورد المؤلف عليه

واعلم أن في إخبار النبي (صلي الله عليه وآله) عن نفسه بعدم المحاباة لقرابته فيما قال فيهم ظهورا أو إشعارا بعلمه (صلي الله عليه وآله وسلم) بأن جماعة من أصحابه يتهمونه بمحاباة قرابته فيما شرفهم به علي غيرهم من الأفعال والأقوال ولولا ذلك لكان قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) في الخبر غير محاب فيه لقرابتي قليل الفائدة بل لا فائدة فيه أصلا، لأنه (صلي الله عليه وآله) إذا كان عالما من جميع أصحابه عدم اتهامه بالمحاباة لقرابته فيما يفضله به من قول وفعل كان إخباره بنفي ذلك عنه إخبار لعالمين به ومعتقديه، ولا ريب أن إخبار العالم بنسبة الخبر أو معتقد حصولها عديم الفائدة، وإنما يكون مفيدا إذا كان المخبر يجهل نسبة الخبر أو يعتقد نقيضها ليفيد إعلامه بما جهل أورده عن الخطأ في الاعتقاد فتحقق من هذا أنه لا تتحقق فائدة في ذلك الإخبار إلا مع علم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من جماعة من أصحابه اتهامه بالمحاباة لقرابته عمدا منهم أو جهلا ليكون نفيه المحاباة عن نفسه تكذيبا للمتعمد ورفعا لجهل الجاهل وإزالة لتجويز المجوز فتحصل فائدة تامة فيظهر من البيان أن نسبة جماعة من الصحابة إلي النبي (صلي الله عليه وآله) محاباة القرابة واقعة فمن العجب قول بعض الخصوم [432] (إن الصحابة لو سمعوا من رسول الله (عليه السلام) نصا ما عدلوا عنه) لأن من يتهمه كيف تبعد منه مخالفته، وقول بعضهم ما حاصله " إن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لم يوص ولو أوصي ما تأمر أبو بكر علي وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وإن أبا بكر ود أنه سمع من رسول الله كلمة فتكون في أنفه خزمة " وقول القوشجي محصوله: أنه لا يظن ذو مسكة أن الصحابة سمعوا [ صفحه 222] النصوص الجلية علي علي (عليه السلام) من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فخالفوها، واستبعاد عبد الحميد المعتزلي صدور ذلك من الصحابة كما لما يصدر منهم تغيير القبلة والصوم إلي آخر لغطهم فإن هذا الحديث الصحيح عندهم يبطل دعاويهم ويذهب خرافاتهم، ومثله ما رواه المعتزلي وغيره عن علي (عليه السلام) من قوله: (إنه لعهد النبي الأمي إلي أن الأمة ستغدر بك من بعدي) [433] ويشير إلي ذلك أيضا ما قدمنا من حديث أبي نعيم في لفظ الإمام، وقول النبي (صلي الله عليه وآله) فيه مخبرا عن الله في حق علي (غير أني مختصه بشئ من البلاء لم أختص به أحدا من أوليائي إلي قوله إنه لمبتلي ومبتلي به)، وإلا فأي نص وأي وصية أوضح وأصرح من هذه الأقوال المؤكدة والألفاظ الصريحة والكلمات الظاهرة؟ مثل: (إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا وليقتد بالأئمة من بعدي فل يوال عليا من بعدي [434] ، مع تأكيد الجميع ببشارة المحبين وتوعد الغاصبين بما هو مذكور في تلك الأخبار وهل فوق هذا في الوصية والنص مزيد؟ والحمد لله الحميد.

انا مدينة العلم وعلي بابها وأحاديث أخري

ومن ذلك قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في الحديث المشهور وقد رواه ابن أبي الحديد: (إنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها) [435] وهو صريح في أن من أراد علم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فليأخذه عن علي (عليه السلام) فالتمسك به لازم لأنه باب العلم الذي يجب علي الناس أخذه والعمل به لقوله تعالي: [ما أتاكم الرسول [ صفحه 223] فخذوه] [436] فثبت منه وجوب التمسك بعلي لمن أراد علم الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، ومن لم يرده فهو كافر مرتاب وفاجر كذاب. من ذلك ما رواه ابن أبي الحديد من قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (علي خازن علمي) قال: وقال فيه تارة أخري (عيبة علمي) أقول: وهما مشهوران أيضا [437] واستفادة التمسك منهما بعلي (عليه السلام) بتقريب ما ذكرناه في حديث (أنا مدينة العلم). وروي ابن أبي الحديد عن أبي نعيم في الحلية وأحمد بن حنبل في المسند عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنه قال: (يا علي إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إليه منها هي زينة الأبرار عند الله تعالي الزاهد في الدنيا جعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا ولا ترزأ [438] منك شيئا ووهب لك حب المساكين فجعلك ترضي بهم أتباعا ويرضون بك إماما فطوبي لمن أحبك وصدق فيك وويل لمن أبغضك وكذب فيك) [439] والمتابعة له هي التمسك به وهي زينة الأبرار التي ذكرها النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) نسأل الله أن يجعلنا من أولئك المساكين الذين رضيهم أمير المؤمنين (عليه السلام) له أتباعا وبه متمسكين ثم إن الخبر مصرح بالإمامة فهو من المعاضد للأخبار التي ذكرت في مقامها ومن ذلك حديث الحافظ عن أنس وقول رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في علي (عليه السلام): (إنه راية الهدي ومنار الإيمان) [ صفحه 224] وقد ذكرناه ومن المعلوم أن راية الهدي يجب اتباعها، ومنار الإيمان يجب الاقتباس منه والاقتداء به، وذلك معني التمسك بلا ريب.

حديث الثقلين

ومن ذلك الحديث المتواتر في الجملة وهو حديث الثقلين وقد صححه ابن أبي الحديد [440] وهو مروي بأسانيد كثيرة وألفاظ مختلفة بالزيادة والنقصان فمنها (إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي) ومنها (إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي كتاب الله الثقل الأكبر وعترتي الثقل الأصغر فتمسكوا بهما فإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض) [441] وغير ذلك من الألفاظ والأسانيد وعلي كل حال فهو نص صريح في وجوب التمسك بالعترة الذين أمير المؤمنين (عليه السلام) سيدهم وحاث علي لزوم متابعتهم، ومصرح بأن قولهم قول القرآن فالمخالف لهم مخالف للقرآن علي عمد فهو فاسق ظالم فالخبر ناص علي إمامة العترة المحمدية بلا شك لأن واجب المتابعة علي الإطلاق هو الإمام لا غيره من الأمة، وعترة النبي (صلي الله عليه وآله) هم الذي دعاهم للمباهلة يوم نصاري نجران وقال فيهم ذلك اليوم (اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) كما هو مشهور عند المفسرين [442] ومعلوم عند المحدثين ولا شك أن المخاطبين بالتمسك بالثقلين بالمشافهة هم الصحابة فهم مأمورون باتباع الكتاب والعترة وبه يبطل ما ادعا خصومنا أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) [443] للتناقض [ صفحه 225] الظاهر لكل ذي فهم إلا أن يحمل علي إرادة العترة من لفظ الأصحاب كما قال أمير المؤمنين في بعض خطب النهج مخبرا عن وبنيه (نحن الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب) الخطبة [444] وهو موافق لما روي من طريقنا أن النبي (صلي الله عليه وآله) فسر الأصحاب الذين هم كالنجوم إذ سئل عنهم باهل بيته وعترته، فما أدري أهل السقيفة إذ قالوا ما قالوا وفعلوا ما فعلوا بالثقلين تمسكوا أم بآرائهم أخذوا وما بعد عبادان قرية فليجبنا ابن أبي الحديد بحق لا بما يختار ويريد، مما يربي علي كلام المبرسمين [445] سماجة ويزيد فإن مثل ذلك مما لا ينفع عند الخصام ولا يقنع به في الحجة ذوو الأفهام. وروي ابن أبي الحديد عن أحمد بن حنبل في كتاب الفضائل عن [ صفحه 226] النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه خطب الناس يوم جمعة فقال: (أيها الناس قدموا قريشا ولا تقدموها - إلي أن قال - أيها الناس أوصيكم بحب ذي قرباها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب) [446] الخبر والمحبة تستلزم المتابعة كما ذكرنا من قبل بل إذا كانت مأمورا بها كما هنا كانت هي نفس المتابعة لا غير، وسيأتي ما يوضح هذا المقام بأتم إيضاح فدلالة الخبر علي وجوب التمسك بعلي (عليه السلام) ظاهرة غاية الظهور، فهو الإمام الواجب اتباعه بعد الرسول (صلي الله عليه وآله) وإلا فلا فائدة في التمسك به إذا كان المتبوع في الأمر والنهي غيره بل لا تمسك به علي هذا بالمرة وإنما المتمسك به ذلك المطاع المتبع وهو غيره علي قول الخصوم وهو (عليه السلام) مأمور عندهم باتباع ذلك الغير فأين إذن وجوب التمسك بأمير المؤمنين (عليه السلام) بعد النبي (صلي الله عليه وآله) الذي صرحت به أخبارهم ونصت عليه رواياتهم الصحيحة مما ذكرناه هنا وغيره؟ فلازمهم أما رد الأخبار وتكذيبها ولا سبيل لهم إلي ذلك، أو الإقرار بأنها نص في إمامة علي (عليه السلام) من بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وبطلان إمامة غيره؟ وهو المراد والتأويلات الفاسدة مردودة مع أنها في المقام مفقودة.

ما ورد بلفظ الولي في القرآن والسنة

وأما ما ورد بلفظ الولي: فمن القرآن قوله: [إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون] [447] وهي عند المفسرين نازلة في أمير المؤمنين (عليه السلام) حين تصدق في ركوعه بخاتمة علي السائل، ورووا ذلك عن أبي ذر (رضي الله عنه) وعن عبد الله بن العباس (رضي الله عنه) ورواه عنه المحدثون من الخصوم أيضا [ صفحه 227] وصححوه [448] وبالجملة فالاتفاق حاصل عليه، والولي هنا هو الأولي بالتصرف لقول الله تعالي: [النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم] وجملة [وهم راكعون] حال من ضمير [ويؤتون الزكاة] أي يؤتون الزكاة في حال ركوعهم وإذا كان علي (عليه السلام) هو الأولي بالناس بولاية الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) عليهم كان هو الإمام إذ لا ولاية كذلك لغير الإمام ولا ولاية لغير علي (عليه السلام) من الصحابة للحصر ب " إنما " فالآية نص في إمامة علي (عليه السلام) وفي نفي إمامة غيره بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ومتي قيل: كيف جعل لفظ الجمع موضع المفرد وما الفائدة في ذلك إذا كان المراد الواحد دون الجمع؟ قلنا: وضع الجمع موضع المفرد وارد في كلام العرب علي كثرة إذا قصدوا تعظيم ذلك الواحد وتفخيم شأنه، وفي القرآن الكريم من ذلك الكثير قال الله تعالي: [والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون] [449] وقال تعالي: [إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا] [450] والاستدلال علي هذا المطلب مما لا حاجة إليه لوضوحه وحمل الولاية في الآية علي ما لا يرجع إلي فرض الطاعة والإمامة مثل المعونة والنصرة كما قاله القوشجي وقبيله والمعتزلي وأصحابه فاسد، لأنه يستلزم أن لا معين ولا ناصر للمؤمنين إلا الله تعالي والنبي (صلي الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) لدلالة الحصر بأنما علي ذلك كما ذكرنا فيجب ألا يكون بعض المؤمنين ناصرا ومعينا لبعض، وهو خلاف نص الله تعالي بقوله: [والمؤمنون بعضهم أولياء بعض] [451] وما يخالف كتاب الله باطل مردود، [ صفحه 228] علي أنه يلزم علي قوله أن لا يكون المتقدمون علي (عليه السلام) من أعوان المؤمنين وأنصارهم لا في زمان النبي (ص) ولا بعده فلا يجوز جعلهم أئمة لأن الإمام ناصر المؤمنين وهم أنصاره فيجب أن يكون علي (عليه السلام) هو الإمام بعد الرسول (صلي الله عليه وآله) لثبوت نصرة المؤمنين له مطلقا بالآية وهذا لا يرضي به القوشجي وحزبه، فما ارتكبه من التأويل الفاسد لدفع حجتنا كان لقولنا محققا ولمذهبه مبطلا وهو يقدر بجهله أنه أزال بتأويله استنادنا إلي الآية في إثبات إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو ما زادنا إلا تقوية وانتصارا بإخراجه أئمته من ولاية المؤمنين وحمل وهم راكعون علي العطف والاستيناف دون الحال كما ارتكبه هو أيضا وأشباهه فلا تكون الآية خاصة بعلي (عليه السلام) مع ما فيه من المخالفة لقول المفسرين منهم والمحدثين من اختصاص الآية بعلي (عليه السلام) كمجاهد [452] والسدي [453] وعطا [454] والثعلبي [455] وأبي بكر الرازي [456] . [ صفحه 229] والرماني [457] والطبري [458] وغيرهم مستلزم لعطف الجملة الاسمية المحضة علي الجملة الفعلية المحضة وذلك مرغوب عنه في العربية ومرجوع عند أهل اللغة فلا يحمل عليه القرآن الكريم الذي هو في أعلا طبقات البلاغة وأيضا مستلزم للتكرير الغير المفيد لأن قوله عز وجل [يقيمون الصلاة] دخل فيه الركوع فذكره ثانيا تكرير غير مفيد فيكون مرجوحا يصان عنه الكتاب العزيز، وجعل الجملة المذكورة حالا مفيد فائدة قريبة فالحمل عليه أولي، بل هو الواجب والاستئناف ممتنع لتلبس الجملة بضمير الذين يؤتون الزكاة ولأنه لم يبق لها معني محصل إذا قطعت عن ما قبلها ومع هذا كله إن قوله تعالي: [إنما وليكم الله] خطاب للمؤمنين كافة والنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) داخل فيهم قطعا لأن الله وليه وقوله: [ورسوله] خارج من الخطاب وقوله: [والذين آمنوا] لا بد فيه من أحد وجهين إما أن يكون إخراجا لواحد خاص فقد تم المعني وثبت أن ذلك الواحد هو الولي الذي تجب طاعته بطاعة الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) ولا قائل من العلماء علي تقدير اختصاص الآية وكون الولاية فيها بمعني فرض الطاعة بأن المعني بها غير علي (عليه السلام) فتثبت إمامته بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ضرورة - وإما أن يكون إخراجا لكل المؤمنين الذين يصلون ويزكون ويركعون كما هو مقتضي قول الخصم فحينئذ لم يبق مخاطب بالآية وكان المضاف هو عين المضاف إليه وكان كل مؤمن هو ولي نفسه وهو محال لأن الخطاب بالآية غير مرتفع بالاتفاق، والواجب في ذلك أن يكون من جعلت له الولاية غير المخاطبين بالآية الذين جعلت عليهم الولاية حتي يكون ولي ومولي عليه وليس علي تأويل الخصم إلا الولي خاصة، فالخطاب إذن قد [ صفحه 230] ارتفع وهو باطل بدون تأمل فبطل ما تأولوه من التأويلات الركيكة وانزاح ما تمحلوه من التمحلات الممتنعة وتبين أن الآية نص في إمامة أمير المؤمنين بلا ريب.

خبر الغدير

ومن السنة خبر الغدير الذي ملأ الاسماع وطبق البقاع وذكر في إسعاف الراغبين [459] أنه مروي عن ثلاثين رجلا من الصحابة وذكر غيره أن طرق هذا الحديث تزيد علي مائة طريق روي أحمد بن حنبل في مسنده عن البراء بن عازب (رضي الله عنه) قال " كنا مع النبي (صلي الله عليه وآله) في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) تحت شجرتين فصلي الظهر وأخذ بيد علي (عليه السلام) فقال (صلي الله عليه وآله): ألستم تعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم، قالوا: بلي، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم فوال من والاه وعاد من عاداه)، فلقيه عمر بن الخطاب بعد ذلك فقال له هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولي كل مؤمن ومؤمنة [460] ورواه أحمد بن الحسين البيهقي بهذا اللفظ أيضا مرفوعا إلي البراء بن عازب [461] في حديث الزهري في ذكر خطبة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بغدير خم ثم قال يعني النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) (أيها الناس من أولي الناس بالمؤمنين) قالوا الله ورسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) أولي بالمؤمنين، يقول ذلك ثلاث مرات ثم قال في الرابعة وأخذ بيد علي (عليه السلام) (اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) يقولها ثلاث مرات (ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب). [ صفحه 231] وفي رواية الحافظ أبو الفتوح أسعد بن أبي الفضائل بن خلف في كتابه الموجز بسنده عن حذيفة بن أسيد الغفاري وعامر بن أبي ليلي بن ضمرة في ذكر الخطبة أيضا ثم قال يعني النبي (صلي الله عليه وآله) (يا أيها الناس ألا تسمعون ألا فإن الله مولاي، وأنا أولي بكم من أنفسكم ألا ومن كنت مولاه فعلي مولاه) [462] وأخذ بيد علي (عليه السلام) فرفعها حتي نظرها القوم ثم قال: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) [463] وبعض المحدثين رواه مختصرا بدون المقدمة المذكورة وهي قوله (صلي الله عليه وآله) (ألستم تعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم) إما اختصارا أو تدليسا أو استغناءا بما بعدها في إفادة المراد لا لأنها غير موجودة في أصل كلام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فقدح القوشجي في دلالة الخبر علي المقصود بأن أكثر من رواه لم يرو المقدمة المذكورة معه مقدوح أولا بوجودها في قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) برواية جملة من أكابر المحدثين كما سمعت فلا سبيل إلي إنكارها وثانيا بأن الباقي كاف في الدلالة علي المطلب لو لم تكن مذكورة قبله في أصل قول النبي (صلي الله عليه وآله) وخطبته وهذا الخبر مما احتج به أمير المؤمنين (عليه السلام) علي أهل الشوري في جملة ما احتج به علي أولويته بالإمامة فما أنكره من القوم منكر ولا قدح فيه قادح، وقد صحح ذلك المعتزلي واعترف به القوشجي [464] فقول بعض الخصوم أن الخبر غير متواتر [ صفحه 232] تعصب محض وعناد صرف ومن هذا شأنه فهو ملئ بالجهالات ودفع الضرورات فلا يلتفت إليه. وروي ابن أبي الحديد هذا الخبر في مواضع كثيرة من كتابه قال في موضع " وروي عثمان بن سعيد عن شريك بن عبد الله [465] قال لما بلغ عليا (عليه السلام) أن الناس يتهمونه فيما يذكره من تقديم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إياه وتفضيله علي الناس، قال: أنشد الله من بقي ممن لقي رسول الله وسمع مقاله في يوم غدير خم إلا قام فشهد بما سمع، فقام ستة ممن عن يمينه من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وستة ممن عن شماله من الصحابة أيضا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول ذلك اليوم وهو رافع بيد علي: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه [466] وذكر قول النبي (صلي الله عليه وآله): (وأدر الحق معه حيث دار) في موضع آخر مفردا [467] . والمولي هنا يراد به الأولي والأحق بالأمر مثله. في قوله تعالي: [مأواهم النار هي مولاهم] [468] وقوله تعالي: [ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون] [469] لأنه في الشرط مراد به ذلك لثبوته للنبي (صلي الله عليه وآله) بالكتاب في قوله عز وجل: [النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم] [470] الآية والجزاء علي منوال الشرط وارد [ صفحه 233] فيراد به ما يراد بشرطه فثبت أن عليا (عليه السلام) هو الأولي بالأمر والأحق به، فيكون هو الإمام بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) لدخول من سواه في ولايته بواسطة دخولهم في ولاية رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فلا يصلح أحد منهم للتقدم عليه في أمر من الأمور، كما لا يصلح لهم التقدم علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ولا يجوز حمل المولي في الخبر علي غير الأولي بالأمر من معانيه لامتناع المعتق والمعتق للفاعل والمفعول وشبههما يقينا واتفاقا، وخروج الناصر والمعين وما آل إليهما بالقرنية اللفظية والعقلية، أما اللفظية فقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قبل ذلك: (أنا أولي بكم من أنفسكم) فإنها تعين أن المراد من قوله (من كنت مولاه فعلي مولاه) من كنت أولي به من نفسه، وإلا فلا فائدة في هذا الكلام في المحل ولا حاجة إلي أخذ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) اعتراف القوم به ثلاث مرات، كما في حديث الزهري، ومرة واحدة كما في غيره، فتكون لغوا ولا يجوز أن يكون كذلك كلام الرسول (صلي الله عليه وآله) فتكون لما ذكرناه من إرادة رفع الاشتراك عن لفظ المولي وتعيين معني الأولي منه، وأما العقلية فلأن مقتضي المقام ذلك لأن جميع الناس وأخبارهم في ذلك الوقت الشديد الحر لا ينصرف ذهنا ولا يحتمل عقلا لأن يكون إخبارا بما كان معلوما قبل ذلك للمخبرين، بل ينصرف عقلا إلي الإخبار بأمر غير معلوم لهم سابقا، ليكون تأسيسا لحكم وكون علي (عليه السلام) ناصرا ومعينا لمن كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) وليه أمر معلوم لكل الحاضرين، فالإخبار به قليل الفائدة، بل لا فائدة فيه وهل هو إلا تحصيل حاصل يصان فعل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عن مثله، فلا بد أن يكون الإخبار عن ما ليس بمعلوم للمخاطبين ليعلموه وما هو إلا إثبات ولاية النبي (صلي الله عليه وآله) علي المؤمنين لعلي (عليه السلام) والمشترك يرتفع اشتراكه بالقرينة المعينة لإرادة أحد معانيه [ صفحه 234] منه، وهي هنا موجودة علي ما نقول كما تري، فتعين أن المراد بلفظ مولي في الخبر الأولي بالتصرف، وبه يثبت المطلوب. وبالجملة أن هذا الخبر نص صريح علي أمير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة يقينا لا ينبغي للخصوم الشك فيه، ولا التشكيك، لولا ما ارتكبوه فيه من التأويلات البعيدة الباردة التي يحكم الذوق المستقيم باستحالتها للشبهة التي اتخذوها حقا والبدعة التي جعلوها سنة، وكيف يصح أن يريد النبي (صلي الله عليه وآله) هنا بالمولي الناصر والمعين وابن العم والحليف كما قالوه، فيكون (صلي الله عليه وآله وسلم) قد قام في حر الظهيرة وجمع الناس في سعير الهاجرة يخبرهم عن شئ علموه أولا علي لسانه من القرآن الكريم في قوله تعالي: [والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض وغيرها] [471] من الآيات الكثيرة وعرفوه من قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) مرات متعددة، وتيقنوه من دون خبر إذ لا يجهل أحد أن عليا ابن عم رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأن من كان ابن عم أحدهما فهو ابن عم الآخر والحليف كذلك وينبئهم عن علي (عليه السلام) بشئ لا يختص دون المؤمنين كافة، ولا دون سائر بني هاشم في ذلك المقام الوعر، وهذا لو فعله سائر الناس أو صدر من بعض عامتهم لنسبه العقلاء إلي ضعف العقل، وطعن فيه أهل الروية بقلة الرأي، فكيف يصدر مثله عمن لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي، فيجب أن النبي (صلي الله عليه وآله) إنما أخبرهم في ذلك المشهد بشئ من الولاية يختص به علي (عليه السلام) دون سائر المؤمنين ودون باقي بني هاشم، وما هو إلا أنه ولي بولاية الرسول (صلي الله عليه وآله) علي المؤمنين وأولي بالتصرف فيهم من أنفسهم باليقين، فيكون هو الإمام لا معني للمولي هنا إلا [ صفحه 235] هذا كما ذكرنا، ولا يشك في هذا إلا من خالطت العصبية لحمه ودمه، وأعرض عن التأمل في دلالات الكلام والنظر في مقتضيات الأحوال فحاد عن قبول الحق، واعتمد علي ما ألفه من زخارف الأسلاف، أهل العصبية والاعتساف، وأما من وقف عند النص وتأمل مقتضي الحال، وترك التعلل بالشبهات الواهية، فإنه لا يرتاب في أن الخبر نص واضح علي أمير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة العامة، ولذا قال أبو الهيثم فيما ذكرنا من شعره. إن الوصي إمامنا وولينا.. البيت. يريد أولي بنا كما لا يخفي علي المتأمل في كلامه. وروي ابن أبي الحديد عن إبراهيم بن ديزيل [472] في كتاب صفين، قال حدثنا يحيي بن سليمان، قال حدثنا ابن فضيل، قال حدثنا الحسن بن الحكم النخعي، عن رياح بن الحارث النخعي، قال: كنت جالسا عند علي (عليه السلام) إذ قدم عليه قوم متلثمون فقالوا السلام عليك يا مولانا، فقال لهم، (أو لستم قوما عربا) قالوا بلي ولكنا سمعنا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) فقال: لقد رأيت عليا ضحك حتي بدت نواجذه ثم قال اشهدوا ثم إن القوم مضوا إلي رحالهم فتبعتهم، فقلت لرجل منهم، من القوم؟ قال: نحن رهط من الأنصار وذاك يعنون - رجلا منهم - أبو أيوب صاحب منزل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فصافحته [473] وهذا الخبر ظاهر أي الظهور في أن القوم [ صفحه 236] فهموا من لفظ المولي في كلام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إرادة الأمير الذي هو الإمام فسلموا علي علي بالموالاة بدل الإمارة لأنها عندهم بمعناها فمرادهم بمولانا أميرنا ولو كان مرادهم المعونة والنصرة لم يكونوا سلموا عليه بالإمرة لكنهم قصدوا من اللفظ المذكور التسليم عليه بها، ولولا ذلك لما كان لضحك علي (عليه السلام) واستبشاره باستدلالهم علي ذلك بالحديث معني ولا لقوله لأصحابه اشهدوا فائدة لأنهم لا يشكون قبل ذلك في أنه من المؤمنين الذين صرح القرآن بأن بعضهم معين بعض وناصره بل لا يشكون في أنه سيد المؤمنين وإمامهم في ذلك الوقت، ثم إن راوي الحديث يفهم منه أنه فهم من قصد الأنصار الولاية العامة لا المعونة والنصرة فتأمل. قال ابن أبي الحديد وقال أبو بكر: وحدثني علي بن سليمان النوفلي قال سمعت أبي يقول: ذكر سعد بن عبادة يوما عليا (عليه السلام) بعد يوم السقيفة فذكر أمرا من أمره نسيه أبو الحسن يوجب ولايته فقال ابنه قيس بن سعد أنت سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول هذا في علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم تطلب الخلافة ويقول أصحابك: منا أمير ومنكم أمير؟ لا كلمتك والله من رأسي بعدها كلمة أبدا [474] انتهي. فهذا كما تري دال علي أن من طلب الخلافة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من القوم ليس لعدم علمه بنص الغدير بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا لأن هذا اللفظ لا يوجب له الإمامة ولكن كان ذلك منهم حبا للرئاسة وطلبا للإمرة وتعمدا لمخالفة نص الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) لذلك الغرض ولذا أنكر قيس علي أبيه طلب الخلافة بعد سماع [ صفحه 237] ذلك، وقال: ما سمعت ولولا علمه بأن الولاية لعلي (عليه السلام) في قول النبي (صلي الله عليه وآله) يراد بها الإمامة والإمارة دون المعونة والنصرة، وعلمه بأن أباه يعلم ذلك لما كان يتوجه له الانكار علي أبيه بوجه من الوجوه ولا صح له أن يتبرئ من مكالمته بحال من الأحوال، ولولا أن سعدا فهم من الولاية ما فهمه ابنه منها لاعتذر إليه عن فعله ودفع عنه إنكاره بما يعتذر به خصومنا اليوم من حمل الولاية علي المعونة والنصرة، وأقول: سقيا لربع قيس في صدعة بالحق وعدم التفاته في القول به إلي القرابة وإنكاره الباطل حتي علي أبيه مع كونه سيد الأنصار، وهذه قاعدة طالب الحق المنصف وطريقته لا يعاند إذا ظهر له الحق ولا يعدل عنه ويتعلل فيه لرضي القرابة والعشيرة والشيوخ والاسلاف وحب الرئاسة والجاه، وقد وضح من جملة ما حررناه أن الأنصار ومن سمع الخبر من منصفي التابعين قد عرفوا وحكموا أن مراد النبي (صلي الله عليه وآله) (من كنت مولاه فعلي مولاه) الأولوية بالأمر وهي الإمارة العامة والإمامة الكبري والخلافة العظمي لا معني غيرها مما يذكره الخصوم، افتري خفي علي المهاجرين مثل أبي بكر وعمر وعثمان وأبي عبيدة وعبد الرحمن وأضرابهم مع شدة ملازمتهم للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وقوة فهمهم وعلمهم علي ما يدعي الخصم ما كان ظاهر للأنصار ظهور الشمس في رابعة النهار؟ أم تعمدوا مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) طلبا للرئاسة وكتموا نص الرسول (عليه السلام) علي علي (عليه السلام) طمعا في الإمارة كما فعل سعد بن عبادة عند طلبه ذلك فلما فاته الأمر أظهر ما أخفاه وأبرز ما كتمه؟ فانظر ما قلناه بعين التبصر والإنصاف فإنك لا تشك بعده في صحة ما نذهب إليه، ومما يعين ما قلناه مضافا إلي ما ذكرناه قول النبي (صلي الله عليه وآله) في آخر الخبر (اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) فإن المراد من موالاة الله موالي علي (عليه السلام) هدايته وإثابته إياه، ومن [ صفحه 238] معاداته معادي علي (عليه السلام) إضلاله ومعاقبته، والمراد من موالاة علي (عليه السلام) متابعته والاقتداء به، ومن معاداته مخالفته والعدول عنه إلي غيره لا النصرة والحلف في الموضعين، ولا الخذلان والمحاربة في المقامين، لأنه لو كان المراد ذلك لكان قول النبي (صلي الله عليه وآله) بعده (وانصر من نصره واخذل من خذله) تكريرا عديم الفائدة، ولا يجوز حمل كلام النبي المطهر علي ذلك، وإذا استوضحت جهة استدلالنا بالخبر الشريف علي قولنا وعرفت صراحته في مذهبنا فاعلم أن الذي حاوله المخالفون فيه وزعموا أنه ناقص لدلالته علي ما ندعيه ومخرج له عن الحجية علي ما نبتغيه وجوه أربعة. الأول: منع تواتره لأنه لم يروه البخاري ومسلم والواقدي كما قاله القوشجي وغيره منهم فلا يكون حجة في المقام يعارض به الإجماع، وهذا الوجه وما بعده من الوجوه التي يتعللون بها في دفع الحق الواضح قد اشتمل بياننا علي تزييفها وإبطالها علي أوضح وجه، ولكنا هنا نذكرها مفصلة ونردف كل وجه بما يبين فساده ويوضح بطلانه. فنقول في الجواب عن هذا أن الداعي لمن ذهب من الخصوم إلي منع تواتر الخبر المذكور هو الشبهة الحاصلة من تقدم الثلاثة علي علي (عليه السلام) وتركهم وأصحابهم العمل به واستبعاد مخالفتهم للرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) فيما كان معلوما وكل ذلك مردود أما تقدم الثلاثة فلا يكون معارضا للخبر حتي يثبت أنه واقع علي وجه شرعي وهذا هو موضع النزاع والخبر لا نزاع في صحته وإن نوزع في تواتره فيكون أقوي من صحة تقدمهم والاستبعاد ليس بدليل حتي يعارض به الأدلة لا سيما ومخالفة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) من القوم واقعة في حياته وبعد وفاته، وسيأتيك توضيحه في موضعه، فما هو بمقتض عدم تواتر الخبر في نفسه لأن شرط [ صفحه 239] التواتر وهو كونه خبر جماعة يفيد بنفسه القطع موجود فيه لكثرة طرقه وإقرار الصحابة به من موافقي علي ومخالفيه كما علمت، وترك البخاري وصاحبيه روايته لا يدل علي عدم تواتره مع رواية من سواهم من المحدثين وأهل السيرة له، وكم من حديث متواتر لم يذكره البخاري وصاحباه خصوصا إذا كان حجة عليهم، ومتي قال مخالفونا إن تخلف علي ومن معه وسعد بن عبادة ومن اتبعه عن أبي بكر وإنكارهم بيعة غير قادح في الإجماع علي إمامته فلا ينبغي لهم أن يقدحوا في الإجماع علي الخبر المذكور بترك البخاري وصاحبيه روايته مع عدم تصريحهم بإنكاره، فالاعتراض في الخبر من هذا الوجه مندفع. الثاني [475] عدم تعيين المولي فيه بمعني الأولي واحتمال كونه لغيره من المعاني كالناصر والحليف، وزاد الصبان الشافعي في كتابه إسعاف الراغبين [476] علي ذلك أنه لم يعهد كون المولي بمعني الأولي لا شرعا وهو واضح، ولا لغة إذ لم يذكر أحد من أئمة العربية أن مفعلا بمعني أفعل والجواب عنه أن نقول لهم: إنكم حكمتم علي لفظ مولي في قوله تعالي: [مأواكم النار هي مولاكم] [477] وفي قول النبي (صلي الله عليه وآله) (أيما امرأة نكحت بدون إذن مولاها) [478] إنه بمعني الأولي ومالك الأمر للقرينة الحالية والمقالية ونفيتم عنه ما سوي ذلك من معانيه ولازم ذلك الحكم علي مولي في الخبر بأنه بمعني الأولي بالمؤمنين لوجود القرينتين الحالية والمقالية علي إرادته منه ونفي ما سواه من المعاني كما ذكرنا أولا وهما دليلان يجب العمل بهما في المقام كما [ صفحه 240] أوجبتم العمل بهما في غيره وترك العمل بالدليل للتشهي غير جائز شرعا. وأما الجواب عن زيادة الصبان وهذره فبأن مولي قد عهد كونه بمعني الأولي شرعا وعرفا ولغة فأما في الشرع فالرواية المتقدمة تشهد به فقد جمع أصحابه وغيرهم علي لفظ مولي فيها بمعني الأولي شرعا، ومثله في الآيات كثير قال الله تعالي: [ولكل جعلنا موالي مما ترك الولدان والأقربون] [479] أي أولي بالميراث وقال تعالي: [وإني خفت الموالي من ورائي] [480] إلي الأولي بميراثه من غيرهم، وكل هذا مما لا نزاع فيه، وأما في اللغة فبوجوه. الأول: إن أبا عبيدة معمر بن المثني وهو إمام نقلة اللغة العربية قد ذكر: أن مولي بمعني الأولي ونص عليه وحمل عليه لفظ موالي في الآية المذكورة [481] . وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في كتابه المترجم بالعبارة في صفات الله: أصل تأويل الولي الذي هو أولي أي أحق ومثله المولي، وقال بعد تأويل ذلك بأن الله هو مولي الذين آمنوا والولي والمولي معناهما سواء وهو الحقيق بخلقه المتولي لأمورهم، وقال في كتاب معاني القرآن: " الولي والمولي في كلام العرب واحد " [482] ، وقال: أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه المعروف بالمشكل " المولي الولي والمولي الأولي بالشئ " وذكره أيضا غيرهم [ صفحه 241] من أئمة اللغة واعترف بثبوت ذلك وصحته القوشجي في شرح التجريد. الثاني: وروده في القرآن كما في الآيات المذكورة وغيرها، وفي السنة مثل الرواية المتقدمة وغيرها وهما أفصح الكلام العربي. الثالث: وروده في أشعار العرب علي كثرة. قال لبيد بن ربيعة العامري: فغدت كلا الفرجين تحسب أنها++ مولي المخافة خلفها وأمامها [483] . فالمولي فيه بمعني الأولي مثله في قوله تعالي: [مأويكم النار هي مولاكم] قاله ثعلب النحوي وأبو عبيدة، وقال الشنفري جابر بن ثابت الأزدي. وإني لمولي الصبر أحباب بزة++ علي مثل قلب السمع والحزم أفعل أي إني أولي بالصبر من غيري، وأنا مالك أمره، وذلك أنه يصف نفسه بكثرة الصبر زيادة علي غيره من ذوي الصبر فلا بد من معني التفضيل. وقال عمرو بن البراقة الفهمي. إذا جر مولانا علينا جريرة++ صبرنا لها إنا كرام دغاثم وننصر مولانا ونعلم أنه++ كما الناس مجروم عليه وجارم فمولانا في البيتين بمعني سيدنا قاله شراح الشواهد وهو بمعني الأولي بنا والمالك لأمرنا. وقال الأخطل: فأصبحت مولانا من الناس بعده++ وأحري قريش أن تهاب وتحمدا [ صفحه 242] وقال غيره: كانوا موالي حق يطلبون به++ فأدركوه وما ملوا وما لعبوا والشواهد عليه كثيرة، وإطلاق المولي في لسان العرب علي مالك العبد معلوم غير مجهول، وبه ورد الكتاب العزيز قال الله تعالي: [ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر علي شئ وهو كل علي مولاه] والمراد به الأولي به والمالك لأمره، أما في العرف فلأن إطلاق لفظ " المولي " علي من بيده أمر المرأة في النكاح وعلي مالك العبد أمر شائع ذائع بين الفقهاء والمحدثين وعامة الناس في جميع الأقطار بحيث لا ينكر ولا يدفع، فقد جاء مولي بمعني الأولي بالشئ والأحق به شرعا ولغة وعرفا، بل قال بعض المحققين من أهل الاطلاع علي دقائق اللغة العربية: إن الأصل في المولي الأولي بالشئ والأحق به وما سواه من معاني المولي راجع إليه، فالمعتق مولي لأنه أولي بميراث المعتق وهذا مولي لأنه أولي بنصرة المعتق من غيره، وابن العم لأنه أولي بنصرة ابن عمه لقرابته، والورثة موالي لأنهم أولي بميراث الميت من غيرهم، والحليف لأنه أولي بأمر محالفه للمحالفة التي جرت بينهما، والولي لأنه أولي بنصرة من يواليه، والسيد لأنه أولي بتدبير من يسوده انتهي والصبان في غفلة عن هذا كله، والجواب عن قوله: أن مفعلا لم يرد بمعني أفعل، من وجهين. الأول: إنا قد أثبتنا بالأدلة الظاهرة والبراهين الزاهرة مجئ هذا الحرف من مفعل بمعني أفعل فلا يضرنا عدم مجئ غيره بمعناه لأنا لا ندعي العموم وإنما الدعوي في واحد وقد أثبتناها. الثاني: إنه ليس المدعي أن مولي صفة بمعني الأولي حتي يرد قوله وإنما المدعي أن مولي اسم للأولي وقد اعترف بذلك القوشجي وغيره من محققيهم وبوروده كذلك في كلام العرب وأشعارهم فزال اعتراض الصبان. [ صفحه 243] الثالث: [484] تسليم أنه بمعني أولي لكن لا نسلم أنه أولي بالإمامة، بل بالاتباع له والقرب منه كقوله تعالي: [إن أولي الناس بإبراهيم للذين اتبعوه] [485] وقول التلاميذ: نحن أولي بأستاذنا مثل به في المقام القوشجي. والجواب إنا لا ندري ما مرادهم من هذا العبارة المضطربة الألفاظ الزائلة المعني ولا بد من أن يكونوا أرادوا أحد وجوه إما أنهم أرادوا أن معني قول النبي (صلي الله عليه وآله) " من كنت مولاه فعلي مولاه " من كان لي تابعا فهو لعلي تابع فيكون حاصله أن من لم يكن تابعا لي فليس تابعا لعلي فمن لم يكن تابعا لعلي (عليه السلام) فليس بتابع للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، فيقال لهم: علي هذا فأبو بكر وأصحابه تابعون للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أم غير تابعين له فإن كانوا له تابعين لزمهم أن يتبعوا عليا بعده، والمتبوع هو الإمام وإن لم يكونوا للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أتباعا لم تجز لهم خلافته فدلالة الخبر علي المدعي بحالها وإن أرادوا أن معناه من كنت تابعه فهذا معني قبيح لأن النبي (صلي الله عليه وآله) لم يتبع أحدا من الناس، بل هو الرئيس المتبوع، وإن أرادوا أن معناه من كان تابعا لي كان علي تابعا له، فهو معني مستهجن جدا لأن مراد النبي (صلي الله عليه وآله) من الكلام مدح علي (عليه السلام) بالاتفاق، وعلي هذا المعني يكون مدحا لواحد غير معين ويكون علي (عليه السلام) ملزوما بتبعية ذلك الغير فلا مدح له وهو خلاف المراد، ولا تنصرف عبارتهم إلي غير هذه المعاني الثلاثة، والأول لنا لا علينا وإن كان من لفظ الخبر بعيدا، والأخيران مع ما فيهما مما سمعته بعيدان عن حاق اللفظ فحمل كلام النبي (صلي الله عليه وآله) عليهما بين الفساد، وأما الأولي في الآية [ صفحه 244] فلولا القرنية الدالة من العقل علي أن التابع لا يلي أمر المتبوع لدلت علي ولاية الأمر لكن القرنية صارفة عنه وهي دليل متبع، ومع هذا كله فإن خروج أولي في الآية عن معني الأحقية إلي معني المتابعة غير مسلم لأنه علي قولهم بمعني إن أتبع الناس لإبراهيم للذين اتبعوه وهذا ممتنع من جهة أن اسم التفضيل يدل علي المشاركة والزيادة ومن لم يتبع إبراهيم لم يشارك متبعيه في متابعته وحيث لا مشاركة فلا تفضيل، وكذا لا مشاركة في الأقربية بين تابعيه ومن لم يتبعه فينتفي التفضيل في الأقربية أيضا فكان لا محالة الأولي فيها باقيا علي معناه، والمراد أن الأولي بطريقة إبراهيم والأحق بدينه من جميع الناس من كان تابعا له من الأنبياء والأوصياء وأتباعهم في الملة الحنيفية بدليل قوله تعالي: بعد (وهذا النبي) فإن النبي (صلي الله عليه وآله) غير تابع شريعة إبراهيم في التحليل والتحريم ليكون مؤتما به بالاجماع وإنما تبعيته لإبراهيم كونه علي الملة الحنيفية مثله والذين آمنوا بالنبي (صلي الله عليه وآله) فالآية رد علي اليهود والنصاري وغيرهم من الفرق المدعين أنهم علي دين إبراهيم وطريقته هذا ظاهرها وسرها أن الأولي بمقام إبراهيم والأحق بإمامته المجعولة تابعوه من ذريته في الدين القويم الذين لم يجر عليهم اسم ظلم طول أعمارهم، وهذا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) والذين آمنوا الذين لم يلبسوا إيمانهم بظلم، وهم علي (عليه السلام) وأطائب أولاده فهي تشير إلي قوله تعالي: [وجعلها كلمة باقية] [486] في عقبه يعني الإمامة وهذا الوجه هو الوارد عن علماء أهل البيت في معني الآية [487] فهي دالة علي مطلبنا من جميع الجهات وبعيدة عن مطلبهم، وكذا مثال القوشجي فإن المراد منه أن التلاميذ أحق بفوائد أستاذهم وعوائده من غيرهم وذلك موافق لنا لا له، وليس [ صفحه 245] المراد منه إنا أتبع لأستاذنا كما لا يخفي علي المتدبر، ثم لو سلمنا حمل الولاية في الآية والمثال علي ما ذكروه لكن لا نسلم جواز حمل الخبر عليهما لاختلاف التأليف المقتضي لاختلاف المعني، فإن الأولي في الآية مسند إلي التابعين وإبراهيم متعلق الولاية فجاز أن يكون المعني إن أقرب الناس لإبراهيم المتبعون له، وفي المثال كذلك وفي الخبر الولاية مسنده إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فلا يجوز أن يكون أراد النبي (صلي الله عليه وآله) من كنت تابعا لامتناع ذلك، وعلي ما قالوه يكون المعني هكذا نعم لو قال (صلي الله عليه وآله وسلم) من كان مولاي فهو مولي علي لجاز حمله علي ما قالوه علي ما فيه من القول الذي مر فتبين من هذا أن حمل الخبر علي ما في الآية مستحيل وليس ذلك بخفي علي من له معرفة بعلم العربية ولا علي مثل القوشجي ولكن يلجئهم ضيق المسلك إلي ترك ما يعلمون، والله المسدد لمن طلب السداد. الرابع: [488] تسليم أنه الأولي بالأمر لكن في المئال بعد الثلاثة لا بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فلا يدل علي بطلان إمامة الثلاثة ونحن نقول بذلك ونقر بأنه رابع الأئمة والجواب أن نقول لهم إذا قررتم بأن معني " من كنت مولاه فعلي مولاه " من كنت أولي به من نفسه فعلي أولي به من نفسه فلا بد لكم من التزام أحد أمرين لا محيص لكم عن اختيار واحد منهما، إما أن تحكموا علي المتقدمين عليه بأنهم من المؤمنين الذين كان النبي (صلي الله عليه وآله) أولي منهم بأنفسهم في اعتقادهم أو بأنهم ليسوا منهم فإن أجبتم بالأول فلازمه أن يكون علي (عليه السلام) أولي بهم من أنفسهم بعد النبي (صلي الله عليه وآله)، لأن من كان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أولي به من نفسه فعلي أولي به من نفسه علي جهة [ صفحه 246] العموم في الشرط المقتضي لعموم الجزاء لتناول القضية جميع الأشخاص والأوقات كما هو دأب الشرطية المطلقة العامة، فيجب أن يكون علي إمامهم إذ كان أولي بهم من أنفسهم، ولا يجوز لهم أن يولوا عليه ولا علي أنفسهم وقد جعله رسول الله عليهم وليا وأولي بهم من أنفسهم فبطلت إمامتهم قطعا، وإن أجبتم بالثاني فقد أخرجتموهم من حيز الإيمان ونفيتموهم من ملة الإسلام لأن من لم يعتقد أن النبي (صلي الله عليه وآله) أولي به من نفسه فهو كافر والكافر لا يجوز أن يكون إماما بالاجماع ونص الكتاب وهذا الوجه لا تجوزونه بل تحكمون بكفر من نسب إلي الثلاثة الكفر فبقي الوجه الأول وهو يعين بطلان إمامتهم فثبت المطلوب وصحت دلالة الحديث علي إمامة علي (عليه السلام) بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بلا فصل وعدم جواز إمامة غيره كائنا من كان. وأما قول صاحب الإسعاف بأن تجويز النسيان علي سائر الصحابة السامعين لهذا الحديث مع قرب العهد في غاية البعد، [489] فباطل لأنا لم ندع نسيان الصحابة للحديث، ولا جهالتهم بمراد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) منه، ولا عدم معرفتهم دلالته علي إمامة علي (عليه السلام) وعموم ولايته علي الناس كافة بعد النبي (صلي الله عليه وآله)، وكيف وعمر بن الخطاب لما سمعه عرف جميع ذلك منه وقال مخاطبا لعلي (عليه السلام): هنيئا لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولي كل مؤمن ومؤمنة، كما قدمنا ذكره في رواية أحمد بن حنبل والبيهقي عن البراء بن عازب [490] ، أفترانا ندعي أن عمر كان شاكا في دلالة الحديث علي أن عليا أولي [ صفحه 247] بكل المؤمنين والمؤمنات من أنفسهم بعد النبي (صلي الله عليه وآله) وهو يقول ما سمعت ويصرح به؟ أو تري أنه أراد تهنئته بأن ناصر المؤمنين الذي يشاركه فيه جميعهم كما تدعون؟ بل هنأه بالخلافة والإمامة بلا ريبة، وهذا من أقوي الأدلة علي ما ذكرنا سابقا من أن الصحابة عرفوا من الحديث النص من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي علي (عليه السلام) بالإمامة، ولم يعرض لهم نسيانه ولا ارتياب في معناه وذلك مدعانا عليهم ولذا لا نعذرهم فيما فعلوا وقوله: وزعم أن الصحابة علموا هذا النص ولم ينقادوا له عناد باطل مردود بما بيناه من قرب في تهنئة عمر لعلي (عليه السلام)، وما ذكرناه في حديث سعد بن عبادة وابنه قيس، وحديث تسليم الأنصار علي أمير المؤمنين (عليه السلام) بالولاية، وغير ذلك، وليس الصحابة بمعصومين حتي يجب تنزيههم عن الخطأ، في الأحكام وارتكاب العصيان وقد صدرت من بعضهم المخالفة للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في كثير من الأمور وفي كثير من القضايا والأحكام وسنذكره مفصلا في محله إن شاء الله، فما ذكره من عدم انقياد القوم لنص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مع علمهم به هو اليقين عندنا من فعلهم، وليس فيه عناد أصلا بعد انتفاء عصمتهم بالاجماع، وثبوت المخالفة منهم للرسول (صلي الله عليه وآله) بالتواتر، بل هو عمل بالدليل وإنما يكون عنادا إذا ثبتت عصمتهم أو عدم مخالفتهم للنبي (صلي الله عليه وآله) في شئ من الأمور دائما وكل ذلك لم يكن فلا سبيل إذن إلي رد الأدلة الصريحة حذرا من تجويز المخالفة علي الصحابة، ولسنا نحكم بذلك علي جميع الصحابة فنعارض بما روي عن النبي (صلي الله عليه وآله) (لا تجتمع أمتي علي ضلال) [491] ، لأنا [ صفحه 248] نقول إن عليا وأصحابه الأخيار ما زالوا علي العمل بذلك النص في سرهم وإن لم يتمكنوا من إظهاره في زمان تغلب الأولين، والحق معهم وحجة الله فيهم والإمام بالحق علي قولهم فهو الإجماع الصحيح فاندفع ما أورده الصبان بإذن الواحد المنان، ثم إنه زاد في كتابه وجها خامسا في الايراد علي الخبر لا ينبغي أن يذكر لهجنته لولا أن الواجب علي المناظر الاستظهار في الحجة وإزالة جميع الشبه الواردة علي دليله. قال [492] خامسها كيف يكون ذلك نصا في إمامة علي (عليه السلام) مع أن عليا بنفسه صرح بأنه (صلي الله عليه وآله وسلم) لم ينص عليه ولاعلي غيره كما في البخاري وغيره انتهي [493] . أقول: ما أضعف ما يتشبث به هؤلاء القوم في إخفاء الحق الزاهر، وما أوهن ما يتعلقون به في إطفاء نور الهدي، وهل خفي علي أحد من ذوي المعرفة ادعاء أمير المؤمنين (عليه السلام) النص عليه من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بهذا الخبر وغيره، واستشهاده من معه من الصحابة علي ذلك وشهادة جماعة منهم له به، وقد قدمنا ذكر شئ منه ويأتي غيره، ولا نعرف موضعا صرح (عليه السلام) فيه بعدم النص عليه، وكيف يصرح بعدم النص عليه وهو ما زال يدعي النص ويستشهد عليه وهل هذا إلا تناقض لا يجوز أن يقع من أدني العقلاء فكيف يصدر منه مع استكمال بصيرته ووفور علمه وحكمته! وذكر البخاري ذلك وأمثاله عنه غير مقبول [ صفحه 249] فإنه متهم في ذلك لموافقة غرضه ومطابقة مذهبه، وهل هو في ذلك إلا كثعالة شاهده ذنبه، ومن روي له مثله، فليس بدليل أصلا لو لم يكن له معارض فكيف وقد عارضه ما هو معلوم من تصريح علي (عليه السلام) بوجود النص عليه من النبي (صلي الله عليه وآله) فمن المقطوع به أن ما ذكره البخاري منكر من القول وزور فهو باطل يقينا هذا والناقل لم يذكر لفظ البخاري ليزيل عن نفسه تهمة الكذب علي شيخه والحوالة في مثل هذا المقام غير جائزة عند المناظرة، ولا يثبت بها الاحتجاج، ولذا كان للخصم أن يقول لعلك تقولت علي الشيخ أو لعله من كلامه لا من روايته فلا يكون حجة أو لعلها رواية ليس صريحة كما يدعي وتدعي والتأويل البعيد فيها ليس بمقبول منكم وإلا لقبلناه في حديث الغدير، ولو ذكر اللفظ لم يتوجه عليه شئ من ذلك ولكان الاحتجاج فيه والايراد متوجها علي البخاري دونه. وأما الرواية التي نقلها أبو العباس الدمشقي في تاريخه عن ابن عساكر فلا شك أنها مصنوعة مزورة فلا ريب في بطلانها لاشتمالها علي اعتراف أمير المؤمنين (عليه السلام) بما تواتر عنه القول بضده مثل عدم عهد النبي (صلي الله عليه وآله) إليه في قتال أهل الجمل وإخوانهم من أهل الشام مع اشتهار الرواية بوصية النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وقوله (صلي الله عليه وآله) (إن فيكم من يقاتل علي تأويل القرآن) الخبر [494] ، وقول أبي أيوب الأنصاري: عهد إلينا رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن نقاتل مع علي الناكثين والقاسطين والمارقين رواه ابن ديزيل: ونصر بن مزاحم [495] وعلي أن خلافة [ صفحه 250] الأولين بنص الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) عليهما وقد حصل الاتفاق علي رده بيعة أبي بكر حتي أخرج إليها قهرا وقد شرحنا ذلك فيما مر فكيف يعترف بالنص ويخالفه وهو منزه عن مخالفة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) في جميع الأمور، ولتضمنها نسبة أمير المؤمنين (عليه السلام) إلي نفسه ما صح عند المؤالف والمخالف أنه لم يفعله ومن جملته أنه يغزو إذا أغزاه أبو بكر وعمر وعثمان وقد صح عند كل أهل الرواية أنه لم يخرج من المدنية غازيا في زمان الثلاثة قط وامتناعه عن الخروج مع عمر إلي الشام حين دعاه إليه معروف [496] ، ومذاهبه المخالفة للثلاثة مشهورة، وفي كتب القوم مذكورة، وتصريحه بدفعهم إياه وأخذهم حقه وغصبهم مقامه علي ذروات المنابر معلوم، قد بيناه في مواضع من هذا الكتاب يستغني بشرحه فيها عن ذكره هنا، وكلما كان من الروايات مخالف للمعلوم فالواجب رده والحكم عليه بالبطلان خصوصا إذا كان مما يختص به المدعي ولم يروه خصمه كهذه الرواية، علي أن هذا الرجل قد ذكر قبل الوجه المذكور بقليل أن عليا قد احتج بالخبر علي إمامته في خلافته فكيف يعتبر باحتجاج علي (عليه السلام) علي إمامته بالخبر ثم يقول ولم يطل الكلام أن عليا قد اعترف بعدم النص عليه! فانظر إلي هذا التضاد الشديد البين في كلامه فيا سبحان الله ما أبعد هؤلاء الجماعة عن التأمل فيما يقولون؟ وقد بينا سابقا أن الحديث المذكور قد احتج به أمير المؤمنين (عليه السلام) علي أهل الشوري في اختصاصه بالإمامة دون غيره باعتراف الخصوم من معتزلة وأشاعرة فلا وجه لتخصيص الصبان احتجاجه (عليه السلام) بالحديث بأيام خلافته، ثم يقال له: إذا كان علي قد احتج به علي إمامته في خلافته باعترافك فوجب أن يكون حجة علي ذلك أبدا إذ لا تخصيص فيه بوقت، بل هو صريح في تناول جميع [ صفحه 251] الأوقات، وبذلك تبطل إمامة المتقدمين مع ما في اعترافك بهذا من إكذابك نفسك في دعواك اعتراف أمير المؤمنين (عليه السلام) بعدم النص وتكذيبك البخاري في ذكره ذلك كما قلت، فتأمل أيها المنصف في تناقض كلام هؤلاء القوم لتعلم (أي الفريقين أحق بالأمن) [497] وقد اتضح من جميع ما ذكرنا سلامة الخبر من الايرادات وخلوصه من التشكيكات وعصمته من التمويهات، وثبت أنه نص علي إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد سيد المرسلين (صلي الله عليه وآله وسلم) وذلك المراد.

ان عليا مني و أنا من علي... الحديث

ومنها: ما رواه ابن أبي الحديد عن أكثر المحدثين وعن أحمد بن حنبل في المسند وكتاب الفضائل ولفظ الرواية بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد في سرية وبعث عليا (عليه السلام) في سرية أخري وكلاهما إلي اليمن، وقال إن اجتمعتما فعلي علي الناس وإن افترقتما فكل واحد منكما علي جنده، فاجتمعا وأغارا وسبيا نساء وأخذا أموالا وقتلا ناسا، وأخذ علي (عليه السلام) جارية فاختصها لنفسه فقال خالد لأربعة من المسلمين منهم بريدة الأسلمي اسبقوا إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فاذكروا له كذا واذكروا له كذا لأمور عددها علي علي (عليه السلام) فسبقوا إليه فجاء واحد من جانبه فقال: إن عليا فعل كذا فأعرض عنه، فجاء الآخر فقال: إن عليا فعل كذا فأعرض عنه، فجاء بريدة الأسلمي فقال: يا رسول الله إن عليا فعل كذا وأخذ جارية لنفسه فغضب (صلي الله عليه وآله وسلم) حتي احمر وجهه وقال: (دعوا لي عليا) يكررها (إن عليا مني وأنا من علي وإن حظه في الخمس أكثر مما أخذ وهو ولي كل مؤمن من بعدي). [ صفحه 252] قال ابن أبي الحديد: رواه أبو عبد الله أحمد في المسند غير مرة [498] والمراد أنه رواه بطرق متعددة وروي الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: (ما تريدون من علي ما تريدون من علي ما تريدون من علي إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي) [499] . أقول: وهو نص صريح غاية الصراحة في أن عليا (عليه السلام) ولي المؤمنين بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ولا معني للولاية بعد النبي (صلي الله عليه وآله) إلا الإمامة، ولا يجوز حملها علي المعونة والنصرة لأنه يلزم من ذلك أن عليا في حياة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) غير ناصر للمؤمنين ولا معين لهم وإنما يكون كذلك بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وهذا ظاهر البطلان بالبديهة، وهل نصر الإيمان والمؤمنين في حياة الرسول (صلي الله عليه وآله) أحد كنصره أو ذب عن حريم الإسلام أحد كذبه فتعين أن المراد الأول فهو النص الواضح الذي لا تدخله الشبه ولا يتطرق إليه فاسد التأويل ولذا قال أمير المؤمنين في خطبة له: (فوالله إني لأولي الناس بالناس)، رواها المعتزلي [500] المنكر النص عليه ومن هنا يعلم فساد ما قاله الصبان حيث قال: والجواب عما يوهمه ظاهره يعني الخبر من تقديمه علي غيره واستحقاقه الإمامة عقب وفاته (صلي الله عليه وآله وسلم) يؤخذ مما ذكرناه في حديث (من كنت مولاه) وأنا أقول جواب هذا الكلام المتهافت يؤخذ مع ما ذكرناه هنا من جوابنا عليه هناك وقد صرح [ صفحه 253] الحديث كما تري بأن القوم كانوا مبغضين لعلي (عليه السلام) في حياة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وأنهم مجهدون أنفسهم في عيبه ونقصه عند رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ليغضب عليه لكنهم لم يجدوا إلي ذلك سبيلا فما فاتهم منه في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله) أدركوه منه بعد وفاته فدفعوه عن مقامه وأخرجوه قهرا إلي من قدموه عليه. قال ابن أبي الحديد قال أبو بكر: وحدثني أبو زيد عمر بن شبة عن رجاله قال: جاء عمر إلي بيت فاطمة في رجال من الأنصار، ونفر قليل من المهاجرين فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلي البيعة أو لأحرقن البيت عليكم فخرج الزبير مصلتا بالسيف فاعتنقه زياد بن لبيد الأنصاري ورجل آخر فندر [501] السيف من يده فضرب به عمر الحجر فكسره، ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقا عنيفا حتي بايعوا أبا بكر [502] ، ولا شك أن من سكن في قلبه ذلك البغض القديم لعلي في حياة النبي (صلي الله عليه وآله) يحدث منه بعد وفاته (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) هذا الفعل الذميم، ويأتي لهذا زيادة تحقيق في موضعه فترقب، ومن تبصر أدني تبصر عرف يقينا أن القوم قد ارتكبوا من أمير المؤمنين أمر عظيما، وأنهم تعمدوا إنكار فضله وإخفاء النص عليه من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأنهم قصدوا مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله في جميع ما عهد إليهم في حقه وما أوضحه لهم من علو شأنه، أو لا تراهم كيف شاهدوا غضب النبي (صلي الله عليه وآله) عليهم من ذكرهم عليا (عليه السلام) بشئ من سئ القول وإبدائهم الشكاية منه إليه! [503] ثم هم يعمدون بعد أيام إلي حرق بيته ويخرجونه ملببا يسوقونه ومن معه سوقا عنيفا، فماذا [ صفحه 254] تظن بالنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لو رآهم حين أخرجوا عليا (عليه السلام) علي تلك الحال في ذل وصغار؟!! وهل يجوز لعاقل لبيب أن يستبعد عليهم مخالفة نص الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو يري منهم هذه المخالفات، ويعلم من أفعالهم هذه المنكرات بعد مشاهدتهم من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ما سمعت من غضبه الشديد لقول في علي دون فعل فيقول [504] لو سمع الصحابة نصا من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي علي (عليه السلام) لما خالفوه! لأنا لا نظن عليهم مخالفته وهذان الحديثان قالعان لشبهتهم التي إليها يستندون كما تري وسيأتي من الأخبار ما هو أصرح في هذا المطلب ثم إن الحديثين يدلان علي أن ما يفعله علي (عليه السلام حق وصواب لأن النبي (صلي الله عليه وآله) لم يسمع الشكاية فيه ولو جاز عليه الخطأ لم يكن يحابيه ولا يراعيه فزالت بحمد الله كل شبهة وذلك من فضل الله وعونه.

حديث المنزلة

وأما ما ورد بلفظ المنزلة: فهو الحديث المتفق علي روايته بين الأمة وهو قول النبي (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) يوم توجه إلي تبوك واستخلفه علي المدينة فقال علي (عليه السلام): خلفتني علي النساء والصبيان فقال: (أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي) هذه صورة الحديث عن سعد بن أبي وقاص [505] وصورته عن [ صفحه 255] العباس بن عبد المطلب عن عمر بن الخطاب عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (وأنت مني بمنزلة هارون من موسي كذب من زعم أنه يحبني وهو يبغضك) في خبر رواه في الخصائص [506] وكثير من الناس يرويه (أنت مني بمنزلة هارون) إلي آخر ما مر عن سعد، وقد تقدم في حديث الوزارة ذكره وذكر معناه، وجملة الأمر فيه أن لهارون من موسي منزلة الأخوة والوزارة وشد الأزر والشركة في الأمر والخلافة عنه في قومه، فالوزارة تحمل الثقل عنه، وشد الأزر كونه ردأ له يصدقه، والشركة في الأمر النبوة معه، فأثبت النبي (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) منه جميع منازل هارون من موسي ولم يستثن إلا النبوة، فعلي وزير رسول الله وشاد أزره وخليفته في قومه وأخوه وليس من النسب لكنه من جهة المماثلة، ومؤاخاة النبي (صلي الله عليه وآله) متفق عليها، فمفهوم الأخوة ثابت له من الحديث المذكور، وقد قال الحسن البصري فيما تقدم نقله وقال له يوم تبوك ما قال، فلو كان ثمة شئ غير النبوة لاستثناه انتهي، فقدح بعض الخصوم في عموم الخبر لكل المنازل بأن عليا ليس أخا النبي (صلي الله عليه وآله [ صفحه 256] وسلم) يقينا فلا يشمل جميع المنازل مندفع بما ذكرناه من ثبوت الأخوة له إجماعا، وليس كونها من النسب بواجب في صدقها مطلقا حتي تكون خارجة، بل الواجب دخولها في مفهوم الخبر لثبوتها من وجه آخر وصحة إطلاقها علي علي (ع) دائما فيقال هو أخو رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو (صلي الله عليه وآله) كثيرا ما يقول في علي (أخي وابن عمي وأخي وصاحبي)، فالأخوة من هذا الوجه مرادة من الخبر يقينا ولم تستثن، فالخبر شامل لجميع المنازل إلا النبوة لا تخصيص فيه بدونها، وإذا ثبت لعلي جميع تلك المنازل من النبي (صلي الله عليه وآله) التي من جملتها أنه خليفته علي الإطلاق ثبت كونه الإمام بعده، فدلالة هذا الخبر المتواتر علي إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) دلالة نص صريح لا تخفي استفادتها منه إلا علي جاهل صرف لا معرفة له بمعاني الألفاظ، ولا علم له بتراكيب الكلام العربي، أو معاند يرتكب تغيير المعاني ويتعسف طريق التأويل، ولسنا في ذلك نبحث ولا إنصافهم ندعي كما قدمنا القول فيه، وقد تقدم عن ابن أبي الحديد اعترافه باستفادة ثبوت جميع منازل هارون من موسي ومراتبه غير النبوة لعلي (عليه السلام) من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من هذا الحديث، والانكار غير مقبول بعد الإقرار، وما أورده بعض الخصوم كالقوشجي وغيره علي دلالة الخبر علي المطلوب مضافا إلي ما سبق تارة باحتمال كون هارون خليفة لموسي (عليهما السلام) في حياته خاصة لأنه مات قبله، وتارة باحتمال أنه لو بقي بعد موسي أن تكون إمامته بالنبوة لا بالخلافة عن موسي، فلا يلزم أن يكون علي إماما بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لأنه ليس بنبي تشكيك في المعلومات، والجواب عن الأول بأنا إنما نتكلم علي دلالة الألفاظ دون ما يؤل إليه أمر الناس من سبق موت الخليفة علي من استخلفه، فإنا نعلم يقينا أن الرجل إذا أوصي إلي آخر دل علي أنه النائب عنه بعد موته بحيث إذا مات كان للوصي التصرف، ولو [ صفحه 257] مات الوصي قبل الموصي تحقق بموته انفساخ وصيته لا بدلالة اللفظ، فقول موسي (عليه السلام) لهارون (عليهما السلام) (اخلفني في قومي) [507] نص علي استخلافه غير مقيد بوقت، فلو فرض أن موسي (عليه السلام) توفاه الله في مسيره ذاك لكان هارون خليفته بذلك الاستخلاف قطعا، وليس لأحد أن يقول إنه ينعزل بموت موسي (عليه السلام) مع شمول اللفظ للحالين، ولا يقول بذلك نبيه، بل نقول إنه خليفة موسي (عليه السلام) في غيبته وموته غيبة وإن لم يرج زوالها فالحال واحدة، وكذا القول فيما لو رجع ومات بعد رجوعه ولم يصرح بعزل هارون فإنه يكون أيضا خليفته بذلك الاستخلاف الأول، ولا يعترض الشك لعاقل فيه، وأما انفساخ خلافته بموته قبل موسي فليس من جهة قصور الدلالة اللفظية في الاستخلاف، بل من جهة استحالة نيابة الميت عن الحي، فكذا نقول في علي (عليه السلام ثبتت له الخلافة للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي سبيل العموم علي ما ثبتت لهارون ولم يعرض ما يفسخها من فعل أو قول فيجب بقاؤها له بعد موت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بالضرورة وعن الثاني بأن القيام مقام النبي الأول لا يكون بمجرد النبوة فيقوم من بعده من هو نبي مقامه مطلقا، بل لا بد من استخلافه والوصية إليه وإلا لكان كل نبي يقوم مقام من قبله فيلزم تعدد الخلفاء في زمان واحد، وهذا باطل بما صح بالاتفاق أن موسي (عليه السلام) قام مقامه يوشع بوصيته إليه ولم يكن لأنبياء ذلك الزمان مع كثرتهم ذلك المنصب بالنبوة، وكذلك بعد يوشع لوصيه وهكذا إلي طالوت وداود وإلي سليمان وهلم جرا إلي أن جددت شريعة عيسي (عليه السلام) وكان الحال فيها كسابقتها يقوم الثاني مقام الأول بوصية إليه لا بنبوة الثاني فقط، فهرون (عليه السلام) لو بقي بعد موسي (عليه السلام) لكان خليفته بذلك الاستخلاف لا بنبوته وإلا لكان خليفته في حياته بالنبوة ولم يحتج إلي [ صفحه 258] استخلافه في ذلك فلا حاجة إلي قوله (اخلفني في قومي) وأيضا إن موسي (عليه السلام) لو لم يستخلف هارون واستخلف غيره لوجب عليه الطاعة لذلك الغير ولم تكن نبوته نافية عنه تبعية وصي أخيه موسي وخليفته فلا يكون أحد مطلقا خليفة نبي إلا باستخلاف، وهذا ظاهر لكل ذي علم، فكذلك علي (عليه السلام) هو خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بذلك الاستخلاف لأنه لم يعزله ولم يوص إلي غيره بل أكد استخلافه والوصية إليه بخبر الغدير وغيره فثبت المراد وزال الايراد. ومما يقرب شبها من هذا الحديث ما رواه ابن أبي الحديد عن الحافظ أبي نعيم في الحلية من قول النبي (صلي الله عليه وآله) (أخصمك يا علي بالنبوة فلا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع لا يجاحد فيها أحد من قريش أنت أولهم إيمانا بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، واعد لهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية) تمام الخبر [508] فالنبي (صلي الله عليه وآله) لم يخرج من خصائصه ومراتبه عن علي (عليه السلام) إلا النبوة ولوزامها؟؟ فتبقي له الخلافة والإمامة لأنها لم تنقطع بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بالاتفاق، بل بالضرورة من الدين فهو قريب من الخبر الأول في الدلالة فتأمل.

ما ورد بلفظ الوراثة

وأما ما ورد بلفظ الوراثة: فمنه ما رواه ابن أبي الحديد عن أبي جعفر الطبري في التاريخ أن رجلا قال لعلي (عليه السلام) يا أمير المؤمنين بم ورثت ابن عمك دون عمك؟ فقال علي هاؤم [509] ثلاث مرات حتي اشرأب الناس ونشروا أذانهم، ثم قال: جمع رسول الله (صلي الله عليه وآله [ صفحه 259] وسلم) بني عبد المطلب بمكة وهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق [510] ، وصنع مدا من طعام [511] حتي أكلوا وشبعوا وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس، ثم دعا بغمر [512] فشربوا ورووا، وبقي الشراب كأنه لم يشرب، ثم قال: (يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم خاصة وإلي الناس عامة، فأيكم يبايعني علي أن يكون أخي وصاحبي ووارثي، فلم يقم إليه أحد فقمت إليه وكنت من أصغر القوم، فقال: (اجلس) ثم قال ذلك ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول (اجلس) حتي كان في الثالثة فضرب بيده علي يدي، فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي [513] ، وظاهر الحديث بل صريحه أن الناس لا يشكون في أن عليا وارث رسول الله دون عمه العباس، بل هو معلوم عندهم، وإنما يسألون عن السبب في ذلك. قال ابن أبي الحديد: وروي يعني أحمد بن حنبل - عن جعفر بن محمد الصادق قال: كان علي (عليه السلام) يري مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قبل الرسالة الضوء، ويسمع الصوت، وقال له (صلي الله عليه وآله وسلم) (لولا أني خاتم الأنبياء لكنت نبيا، فإن لا تكن نبيا فإنك وصي نبي ووارثه، بل أنت سيد الأوصياء وإمام الأتقياء) [514] وهذا الحديث قد اشتمل أيضا علي ذكر الوصية والإمامة اللتين لا يحتملان إلا الخلافة العامة فهو كما قدمناه من الأخبار في ذلك علي ما قررناه هناك. [ صفحه 260] وروي ابن أبي الحديد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في خطبة: " ورثت نبي الرحمة، ونكحت سيدة نساء هذه الأمة [515] ، وأنا خاتم الوصيين "، الخطبة إلي غير ذلك من الأخبار ووراثة علي (عليه السلام) لرسول الله (صلي الله عليه وآله) أما في المال وذلك غير صحيح عند أصحاب ابن أبي الحديد وإخوانهم من الأشاعرة لوجهين. الأول حديث أبي بكر عن النبي (صلي الله عليه وآله) (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة) [516] . الثاني إن العباس عم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) موجود مع فاطمة بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) والعم عندهم يحجب ابنت العم مطلقا، فلفاطمة نصف وللعباس نصف فلا ميراث لعلي (عليه السلام) من المال، وأما عندنا فلأن ابن العم لا يرث مع الولد مطلقا ذكرا كان أو أنثي، وفاطمة موجودة فالمال جميعه لها فليس لعلي (عليه السلام) ميراث من مال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إجماعا مع أنه وارثه بالنص الصريح، فحينئذ لم يبق إلا المراتب والمنازل، والنبوة في علي (عليه السلام) منتفية لختمها برسول الله (صلي الله عليه وآله) فيبقي الباقي من الفضل والعلم والإمامة فعلي وارث النبي (صلي الله عليه وآله) فيها، فيكون هو الإمام والخليفة من بعده لعموم الوراثة وبقاء ما لم يخرج بدليل قاطع تحت العموم، بل لو قلنا: إن المراد من الوراثة في الأحاديث المذكورة وشبهها هو وراثة الإمامة ولوازمها لا غير لم نبعد عن الصواب، فإن [ صفحه 261] إمعان النظر فيها والتروي في معانيها يوصل إلي فهم ذلك منها، ومن هذا كله يعلم بطلان ما قال ابن أبي الحديد: وأما الوراثة فالإمامية يحملونها علي ميراث المال أو الخلافة ونحن نحملها علي وراثة العلم انتهي، وقد تحقق لك أن الإمامية لا يحملونها علي وراثة المال لإجماعهم علي أن لا وارث مع ولد من ذوي النسب إلا الأبوان، فكلام ابن أبي الحديد فرية عليهم، اللهم إلا بعد وفاة فاطمة فميراث النبي (صلي الله عليه وآله) المالي بواسطتها ينتقل إلي علي (عليه السلام) وولديها الحسن والحسين فيجتمع لهم هنالك المراتب والمال، وأما قبل وفاتها فعلي (عليه السلام) وارث في الإمامة ولوازمها لا يحمل الإمامية الوراثة هنا إلا علي هذا وهي صريحة فيه، وأما تخصيصه إياها بوارثة العلم فهو تخصيص للعام بالرأي، وتقييد للمطلق بالاستحسان، وذلك ميراثه وأصحابه من أسلافهم كما سيأتي القول فيه، وليس ذاك بجائز إذ ليس عليه من الشرع دليل فما إلي القول به سبيل مع أن قوله غير وارد علينا ولا مناقض لنا، بل مواقف لما نقول، لأنا نذهب إلي أن وارث علم النبي (صلي الله عليه وآله) يجب أن يكون هو الإمام بعده، ولا يجوز أن يتقدم عليه أحد من الناس كما بيناه فيما سبق من المقدمة والفصل الأول من وجوب تقديم الأفضل علي المفضول، فقوله لنا لا علينا بل نزيد علي ذلك ونقول إن العقل السليم يجزم بأن وارث علم النبي هو الوارث مقامه وأنهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر عقلا، ووجهه يؤخذ مما أسلفنا من التحقيقات ومن تأمل وأنصف عرف صحة ما نقول.

ما ورد بلفظ الأحقية والأولوية

وأما ما ورد بلفظ الأحقية والأولوية: فما رواه ابن أبي الحديد عن أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لما نزل [إذا جاء نصر الله والفتح] بعد انصرافه (صلي الله عليه وآله وسلم) من غزاة حنين جعل يكثر من سبحان الله استغفر الله ثم قال: (يا علي إنه قد جاء ما وعدت به جاء الفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا وإنه ليس أحد [ صفحه 262] أحق منك بمقامي لقدمك في الإسلام، وقربك مني، وصهرك، وعندك سيدة نساء العالمين، وقبل ذلك ما كان من بلاء أبي طالب عندي حين نزل القرآن فأنا حريص أن أراعي ذلك لولده] [1] انتهي وهذا الحديث نص صريح في أن عليا (عليه السلام) أحق بمقام رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من كل أحد للخصال التي ذكرها (صلي الله عليه وآله) في علي، وهذه الخصال هي التي نقول إن الموصوف بها علي لسان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) هو الإمام لأن من شرط الإمام الاتصاف بها لاقتضائها الفضل، وهو دليل لنا علي الوجهين. وبالجملة فالحديث المذكور نص من النبي (صلي الله عليه وآله) علي علي (عليه السلام) بالإمامة بعده لا يعتريه الريب، ولا يتطرق إليه العيب، ومن الأولوية ما في بعض خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) من قوله: (لا يقاس بآل محمد (صلي الله عليه وآله) من هذه الأمة أحد) إلي أن قال: (ولهم خصائص الولاية) [2] وسنذكرها فيما بعد جميعها إن شاء الله فالمراد بالولاية هنا أوليتهم بمقام الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) لأنه إذا كان لهم حق ولاية الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) كانوا هم الأحق والأولي بمقامه. قال ابن أبي الحديد في شرح الخطبة: ثم ذكر (عليه السلام) خصائص حق الولاية والولاية الإمرة، فأما الإمامية فتقول أراد نص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عليه وعلي أولاده، ونحن نقول لهم خصائص حق ولاية الرسول (صلي الله عليه وآله) علي الخلق انتهي [3] أقول ما أري ابن [ صفحه 263] أبي الحديد في إيراده صنع شيئا، وإنما زاد المعني إيضاحا وزاد الحجة إثباتا، لأنه لو قيل له ما ولاية الرسول (صلي الله عليه وآله) علي الخلق؟ لكان يقول الإمرة عليهم، لا محيص له عن ذلك إذ لا معني لها غيرها، فيقال له: إذا أقررت أن لعلي (عليه السلام) وأولاده حق تلك الولاية كنت مقرا بأن لهم الإمرة لأن الولاية المذكورة هي الإمرة بعينها، فلعلي (عليه السلام) وأولاده الإمرة علي الخلق وهو نص كلام الإمامية الذي أنكرته فإنهم لا يزيدون علي أن لعلي (عليه السلام) وأطهار ولده ولاية النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي الخلق، فنعوذ بالله من اللجاج بغير فائدة ما سوي التعصب للمذاهب وقصد تصحيح قول الأسلاف بما لا يصح به، ومما يشير إلي معني الأحقية والأولوية أخبار فمنها أخبار المماثلة وقد تقدمت. ومنها ما رواه ابن أبي الحديد عن أحمد بن حنبل في المسند وفي كتاب فضائل علي (عليه السلام) عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنه قال: (أنا أول من يدعي به يوم القيمة فأقوم عن يمين العرش في ظله ثم أكسي حلة، ثم يدعي بالنبيين بعضهم علي إثر بعض فيقومون عن يمين العرش ويكسون حللا، ثم يدعي بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) لقرابته مني ومنزلته عندي ويدفع إليه لوائي لواء الحمد آدم ومن دونه تحت ذلك اللواء) ثم قال لعلي (عليه السلام): (ثم تسير به حتي تقف بيني وبين إبراهيم الخليل، ثم تكسي حلة وينادي مناد من العرض نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك علي، أبشر فإنك تدعي إذا دعيت وتكسي إذا كسيت وتحبا إذا حبيت) [4] ودلالته علي أولوية علي بالنبي (صلي الله عليه وآله) [ صفحه 264] ظاهرة من مواضع دعائه دون غيره مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيكون أولي بالنبي (صلي الله عليه وآله) من غيره، وإلا لدعي ذلك الغير، والقرب منه والمنزلة عنده، ولو كان أحد أولي منه لكان أقرب منه إلي النبي (صلي الله عليه وآله) وكانت منزلته عند النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أرفع، لكن ليس غيره كذلك فهو أولي، وإعطاؤه لواء النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فلو كان غيره أولي بالنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لكان له ذلك اللواء، وقوله (صلي الله عليه وآله) في آخر الحديث: (إنك تدعي إذا دعيت) الخ تصريح بالأولوية، وإذا كان أولي به في الآخرة فهو في الدنيا كذلك فيكون هو الأولي بمقامه، فالحديث فيه إشارة إلي إمامته بعد الرسول (صلي الله عليه وآله). ومنها ما رواه عن أحمد في كتاب الفضائل عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (أعطيت في علي خمسا هن أحب إلي من الدنيا وما فيها، أما واحدة فهو كأب بين يدي الله عز وجل حتي يفرغ من حساب الخلائق، وأما الثانية فلواء الحمد بيده آدم ومن ولد تحته، وأما الثالثة فواقف علي عقر حوضي [5]

ما ورد بلفظ المختار

وأما ما ورد بلفظ المختار: فما رواه ابن أبي الحديد عن أحمد بن حنبل في المسند قال قالت فاطمة: إنك والخطاب للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) زوجتني فقيرا لا مال له فقال: (زوجتك أقدمهم سلما، وأعظمهم [ صفحه 265] حلما، وأكثرهم علما أما تعلمين أن الله اطلع إلي الأرض اطلاعة فاختار منها بعلك) [517] أقول هذا الحديث نص واضح في إمامة علي (عليه السلام) بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) لأن الله اختاره بعده فدخل في قوله تعالي: [ولقد اخترناهم علي علم علي العالمين] [518] ولا يختار الله أحدا من الناس، فيقال اختاره الله إلا نبيا أو خليفة نبي ولما كان نبينا (صلي الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء وجب أن يكون اختار الله عليا لخلافته، إذ لا معني لاختيار الله رجلا إلا نصبه نبيا أو إماما، وهذا ظاهر لا يحتاج إلي بيان. ومثله ما رواه ابن أبي الحديد عن محمد بن إسماعيل بن عمرو البجلي قال: أخبرنا عمر بن موسي الوجيهي، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، قال: قال علي (عليه السلام) علي المنبر (ما أحد جرت عليه المواسي إلا وقد أنزل الله فيه قرآنا) فقام إليه رجل من مبغضيه فقال فما أنزل الله تعالي فيك؟ فقام الناس إليه يضربونه، فقال (دعوه تقرأ سورة هود)؟ قال: نعم، قال فقرأ (عليه السلام): [فمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه] [519] ثم قال: (الذي كان علي بينة من ربه محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، والشاهد الذي يتلوه أنا) [520] فدل الحديث بصراحته علي أن عليا هو التالي للنبي (صلي الله عليه وآله) في اختيار الله له فهو الإمام بعده بلا اشتباه، فما هما إلا سابق ولاحق، ومجل ومصل [521] ، فالنبي السابق وعلي اللاحق والنبي (صلي الله عليه وآله) [ صفحه 266] المجلي وعلي المصلي، فصلوات الله عليهما وآلهما. واعلم أن الحديثين خصوصا الأول كما يدلان بنصهما علي إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد النبي (صلي الله عليه وآله) كذلك يدلان علي أنه أفضل من جميع الأنبياء، وذلك لأن سبق الاختيار من الله لأحد دليل علي شدة اعتناء الله تعالي بشأنه قطعا وشدة الاعتناء من الله يوجب الأفضلية للمعتني بشأنه علي غيره، ولما كان المخصوص بسبق الاختيار هو النبي المختار كان أفضل المخلوقين، ولما كان المثني به في الاختيار هو حيدر الكرار كان أفضل البرية بعد النبي الأمين، وهذا بحمد الله ظاهر المنار، ليس عليه غباوة ولا غبار، وهو تصديق ما ورد في هذا المعني من طرقنا من الأحاديث والأخبار، وبه يبطل ما أبطله عز الدين ابن أبي الحديد من القول بأفضلية علي (عليه السلام) علي الأنبياء، واندفع بذلك تشنيعه علي بعض أصحابنا في هذا القول بسبق الإجماع من أصحابنا علي خلافه، فإنه لا إجماع علي خلاف هذا القول من أصحابنا إن لم يكن إجماعهم عليه، والأخبار أدلة وشواهد علي أن ابن أبي الحديد قال بعد روايته جملة أحاديث هذا منها: إن من قيل فيه ما قيل لو رقي إلي السماء، وعرج في الهوي، وفخر علي الملائكة والأنبياء تعظما وتبجحا لم يكن ملوما، بل كان بذلك جدير انتهي، وهو صريح فيما كان ينفيه ويشنع علي قائليه من تفضيل علي (عليه السلام) علي الأنبياء والملائكة، فكان القوم سكاري عن النظر في تناقض أقوالهم، وواعجباه من فاضل محقق يروي مثل هذه الأحاديث وأضعافها محتجا بها علي مذاهبه ومصححا لها في مئاربه ثم يقول لا نص علي علي (عليه السلام بالإمامة، فكأنه لا يفهم معاني هذه الأخبار، ولا يدرك حقائق هذه الآثار، قد أغشت الشبهة قلبه وأعمي التقليد للأسلاف عين بصيرته، فلم يهتد للصواب. [ صفحه 267] وأما ما ورد بلفظ السيادة: فكثير ومنه قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيما تقدم من حديث أنس (أول من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين، وسيد المسلمين) وفي الحديث الآخر المتقدم أيضا: (مرحبا بسيد المؤمنين، وإمام المتقين) ومنه ما رواه ابن أبي الحديد عن الحافظ أبي نعيم في الحلية من قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (ادعوا لي سيد العرب عليا) (عليه السلام) فقالت عائشة: ألست سيد العرب؟ فقال: (أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب) فلما جاء أرسل إلي الأنصار فأتوه فقال لهم: (يا معشر الأنصار، ألا أدلكم علي ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا؟) قالوا: بلي يا رسول الله قال: (هذا علي فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي فإن جبرئيل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل) [522] . وعن أحمد في المسند عن النبي (صلي الله عليه وآله) (النظر إلي وجهك يا علي عبادة، أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة، من أحبك أحبني وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله) [523] فعلي كما تري تارة سيد المسلمين، وأخري سيد المؤمنين، وثالثة سيد العرب، ورابعة سيد في الدنيا وسيد في الآخرة، والسيد هو الرئيس المطاع ومالك الأمر ولا سيادة بأحد هذين المعنيين علي المسلمين والمؤمنين والعرب في الدنيا غير النبوة والإمامة، ولا رئيس بعد النبي (صلي الله عليه وآله) علي المسلمين والمؤمنين إلا الإمام، ولا رئيس علي جميعهم سواه، فيكون علي (عليه السلام) هو الإمام، لأنه الرئيس الواجب الطاعة علي المسلمين، فهي نص في إمامته ومصرحة بخلافته لا يعترض فيها بالشبه كما قاله في الاسعاف أن سيادته لهم من حيث النسب أو نحوه فلا يستلزم أفضليته علي الخلفاء الثلاثة [ صفحه 268] قبله [524] انتهي وعلي ما ذكره فتكون سيادة النبي (صلي الله عليه وآله) علي ولد آدم في النسب فلا يستلزم أفضليته علي الأنبياء ولا علي الثلاثة أيضا والحاصل أن هذا كلام متجاهل متعصب لا يبالي بما قال فيما يوافق مشتهاه، ولو كان له بعض التدبر لكفاه فهم عائشة من إرادة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بلفظ السيادة من التقدم والفضل، ولذا قالت له مستفهمة ألست سيد العرب ولكن ديدن الرجل وأصحابه رد الحق النير بما لا يعقل ولا يمكن من القول كما لا يخفي علي الناظر في كلامهم، وذلك لا يغني من الحق شيئا.

ما ورد بلفظ المحبة و حديث الطير والراية

وأما ما ورد بلفظ المحبة: فمنه حديث الطائر المتواتر، وقد أشار إليه ابن أبي الحديد مرارا، ورواه الحاكم في المستدرك، وقال بعض العامة أنه صح في كتب النقل والأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة، عن أنس بن مالك قال: أهدي إلي النبي (صلي الله عليه وآله) طير مشوي يسمي الحجل، وفي رواية ما أراه إلا حباري [525] فقال: (اللهم اتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير) فجاء علي فحجبته، وقلت: إن رسول الله (صلي الله عليه وآله) مشغول رجاء أن تكون الدعوة لرجل من قومي، ثم جاء علي ثانية فحجبته، ثم الثالثة فقرع الباب، فقال النبي (صلي الله عليه وآله): أدخله فقد غيبته) فلما دخل قال له النبي (صلي الله عليه وآله): (ما حبسك عنا يرحمك الله) قال: هذه آخر ثلاث مرات وأنس يقول إنك مشغول فقال: (يا أنس ما حملك علي ذلك) قلت: سمعت دعوتك فأحببت أن تكون لرجل من قومي فقال (صلي الله [ صفحه 269] عليه وآله وسلم): (لا يلام الرجل علي حبه لقومه) رواه الترمذي [526] انتهي ومنه حديث الراية بخيبر المتواتر وقد رواه جميع المحدثين كالبخاري ومسلم والحاكم والترمذي وغيرهم [527] وذكره ابن أبي الحديد وأشار إليه مرارا وهو قول النبي (صلي الله عليه وآله) (لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرارا غير فرار لا يرجع أو يفتح الله علي يديه) فأعطاها عليا وفتح الله خيبر علي يديه، وفي حديث مسلم قال عمر بن الخطاب: فما أحببت الإمارة إلا يومئذ. ورووا أن حسان بن ثابت قال يخبر عن ذلك: وكان علي أرمد العين يبتغي++ دواء فلما لم يجد من مداويا شفاه رسول الله منه بتفلة++ فبورك مرقيا وبورك راقيا وقال سأعطي راية القوم فارسا++ كميا شجاعا في الحروب محاميا يحب إلها والإله يحبه++ به يفتح الله الحصون الأوابيا [528] . [ صفحه 270] فخص بها دون البرية كلهم++ عليا وسماه الولي المواليا وكان ذلك القول من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في علي بعد رجوع الشيخين براية النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) منهزمين. ومنه الأخبار التي قدمناها المشتملة علي (من أحب عليا فقد أحب الله ومن أحبه أحب رسول الله) بألفاظ مختلفة ومعان متفقة والأحب إلي الله الأكثر ثوابا عنده فيكون أفضل، وكذا الذي يحبه الله ورسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) ومن محبته محبة الله ومحبة رسوله (صلي الله عليه وآله وسلم)، والمحب لله ولرسوله (صلي الله عليه وآله) هو التابع لهما كما قدمنا بيانه في فصل التمسك، وإذا كان علي (عليه السلام) هو المخصوص بمحبة الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، وأحب الخلق لهما وجب أن يكون المقدم والرئيس علي المسلمين لأنه أفضلهم فيكون هو الإمام لقبح تقديم المفضول علي الأفضل والشبهات مندفعة.

ما ورد بلفظ الأعلمية

وأما ما ورد بلفظ الأعلمية وما يؤل إلي ذكر فكثير لا يحصي نذكر منه شيئا يسيرا. فمنه: قول النبي (صلي الله عليه وآله) لفاطمة في حديث الاختيار المتقدم (زوجتك أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما) وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي في حديث خصمه بالنبوة وأبصرهم بالقضية وقدمنا ذكره في حديث المنزلة والأبصر بالقضية هو الأعلم، وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم) في الحديث المشهور (أقضاكم علي) أشار إليه ابن أبي الحديد في مواضع ونقل عن عمر أنه قال: علي أقضانا، والأقضي هو الأعلم بالقضاء. ومنه قول النبي (صلي الله عليه وآله): (خازن وعيبة علمي وأنا مدينة العلم وعلي بابها) وقد مر ذكر ذلك كله مشروحا، علي أنا لا نحتاج [ صفحه 271] هنا إلي الأطناب في القول للاجماع علي أن عليا أعلم الصحابة من جميع أهل العلم، وابن أبي الحديد مقر بذلك ومطنب فيه حتي قال في كلام له يعدد فيه خصائص علي (عليه السلام): والثانية علومه التي لولاها لحكم بغير الصواب في كثير من الأحكام، وقد اعترف بذلك له، والخبر مشهور " لولا علي لهلك عمر " [529] انتهي وإذا كان أعلم وجب أن يكون هو الإمام المتبع، والرئيس المقدم، ولم يجز لمن ليس مثله في ذلك أن يتقدم عليه لقول الله تعالي: [أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون] [530] وغيرها من الآيات، بل بالعقل كما سبق ذكره وإذا كان الأعلم هو الأحق بالاتباع والمتبع هو الإمام لا غيره فعلي (عليه السلام) هو الإمام لأنه الأعلي وهو ظاهر.

ما ورد بلفظ الأقربية

وأما ما ورد بلفظ الأقربية: فمنه ما رواه ابن أبي الحديد عن أحمد بن حنبل في كتاب الفضائل عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنه خطب الناس يوم جمعة فقال: (أيها الناس قدموا قريشا ولا تقدموها، وتعلموا منها ولا تعلموها قوة رجل من قريش تعدل قوة رجلين من غيرهم، وأمانة رجل منهم تعدل أمانة رجلين من غيرهم، أيها الناس أوصيكم بحب ذي قرباها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب (عليه السلام) لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني عذبه الله بالنار) [531] وهذا الخبر نص في أن عليا (عليه السلام) هو [ صفحه 272] ذو القربي من الرسول وهو المخصوص بها دون سائر قريش لتخصيص النبي (صلي الله عليه وآله) إياه بذلك في قوله: (أوصيكم بحب ذي قرباها) ودليل علي إرادة تقديمه علي كل الأمة وتوضيح ذلك أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) حث الناس أولا علي تقديم قريش والتعلم منها فدخل علي بن أبي طالب (عليه السلام) في ذلك لأنه من ذروتها، وأولي الجميع بالعلتين المذكورتين اللتين لأجلهما أمر النبي (صلي الله عليه وآله) بتقديم قريش والتعلم منها، وهما القوة والأمانة، ثم خصص عليا (عليه السلام) بالوصية بحبه ووصفه بصفة أراد بها التعليل علي تخصيصه دون قريش بوجوب الحب المراد منه المتابعة وهي صفة خاصة به، فكان مفاد الحديث قدموا قريشا علي كل الناس لقوتهم وأمانتهم وقدموا عليا (عليه السلام) علي قريش في المتابعة لأنه أقربهم إلي، ثم أكد وجوب تقديمه بما ذكره من أنه (لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق)، إلي آخر ما بينه من الأوصاف المؤكدة لوجوب تقديمه. ومنه قول النبي (صلي الله عليه وآله): (ثم يدعي بعلي لقرابته مني ومنزلته عندي) [532] . ومنه قوله (صلي الله عليه وآله): (وإنه ليس أحد أحق منك بمقامي لقدمك في الإسلام وقربك مني) [533] فصرحت هذه الأحاديث بأن الوصية من النبي (صلي الله عليه وآله) بحب علي (عليه السلام وتقديمه علي قريش وتقديمه في الدعوة مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي غيره، وإن أحقيته بمقام النبي (صلي الله عليه وآله) دون غيره، كل ذلك لقرابته منه فكان ذلك دليلا علي أن الأقربية من الرسول (صلي الله [ صفحه 273] عليه وآله وسلم) تقتضي التقديم والأحقية بمقامه، ويوازرها في هذه الدلالة قوله تعالي: [وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله] [534] وإذا كان علي (عليه السلام) هو الأقرب للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) والأقرب للنبي (صلي الله عليه وآله) هو الأحق بمقامه وأولي بالتقديم وجب أن يكون هو المقدم بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) والقائم مقامه، فهو إذن الإمام وذلك كله مفاد الأحاديث كما سمعت قال ابن أبي الحديد روي أبو عمر بن عبد البر المحدث في كتابه المعروف بالاستيعاب في معرفة الصحابة أن إنسانا سأل الحسن - يعني البصري - عن علي (عليه السلام) فقال: كان والله سهما صائبا من مرامي الله علي عدوه، ورباني هذه الأمة، وذا فضلها وسابقتها، وذا قرابتها من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يكن بالنؤمة عن أمر الله ولا بالملولة في دين الله، ولا بالسروقة لمال الله، أعطي القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة [535] انتهي. أقول وبما ذكرنا هنا يندفع ما أورده بعض الخصوم فيما ذكرناه في مسألة الأقربية من النبي (صلي الله عليه وآله) من أنه لو كانت الإمامة تستحق بالأقربية لكان العباس أحق بها من علي (عليه السلام)، فهذه الأخبار والأقوال رادة لذلك ومثبتة أن عليا (عليه السلام) أقرب للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من العباس وذلك لبعض ما ذكرناه من الوجوه هناك.

ما ورد أنه أشد جهادا

وأما ما ورد أنه أشد جهادا: فإنه أمر متعارف متعالم وقد ذكره أهل المغازي والسير وذكر ابن أبي الحديد في كتابه منه كثيرا ويكفيك في ذلك قول النبي (صلي الله عليه وآله) في خبر الراية المتواتر: (كرارا غير فرار لا [ صفحه 274] يرجع أو يفتح الله علي يديه) [536] وسنذكر جملة من هذا في ذكر شجاعته عند ذكرنا جمعه للصفات الحميدة. قال ابن أبي الحديد في كلام: فإن قيل: لا ريب أن في كلامه - يعني عليا (عليه السلام) تعريض بمن تقدم عليه، فأي نعمة له عليهم؟ قيل: نعمتان الأولي منهما جهاده وهم قاعدون فإن من أنصف علم أنه لولا سيف علي (عليه السلام) لاصطلم المشركون من أشار إليه وغيرهم من المسلمين، وقد علمت آثاره في بدر وأحد والخندق وخيبر وحنين، وأن الشرك فيها فغرفاه فلولا أنه سده بسيفه لالتهم المسلمين كافة [537] انتهي وإذا كان علي (عليه السلام) هو الأشد جهادا والأكثر عناء في نصر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وإعزاز دينه ودفع بأس المشركين عن أهل ملته كان هو الأحق بمقامه، والأولي بالتقديم علي غيره، لأن تلك الصفات تقتضي تقديمه وتعظيمه ولا شئ من التقديم غير الإمامة فيجب أن يكون هو الإمام بعد النبي (صلي الله عليه وآله).

ما ورد أنه مع الحق

وأما ما ورد بأنه مع الحق دائما: فمنه ما رواه كثير من أهل الحديث قال [ صفحه 275] ابن أبي الحديد في شأن علي (عليه السلام) وحكمه في ذلك حكم رسول الله (صلي الله عليه وآله) لأنه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال: (علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار) وقال له غير مرة: (حربك حربي وسلمك سلمي) [538] انتهي. ومنه قول النبي (صلي الله عليه وآله) في حديث الغدير (وأدر الحق معه حيث دار) وقوله (صلي الله عليه وآله): (كتاب الله وعترتي لن يفترقا حتي يردا علي الحوض) [539] وما يعطي هذا المعني من الأحاديث الكثيرة مثل أحاديث (إن طاعته طاعة الله وطاعة رسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) وإن محبته محبة الله) وأحاديث التمسك به والاقتداء وغير ذلك مما مضي ويأتي، وإذا كان علي مع الحق لا يزال ولا يزول عنه كان واجب التقديم لا سيما أنه قد طلب الخلافة، وأنف من تقدم غيره عليه وامتنع من بيعته حتي قهر عليها كما بيناه سابقا، فوجب أن تكون إمامة غيره باطلة إذ ليس بعد الحق إلا الضلال فهذه الأحاديث دالة علي أن عليا (عليه السلام) هو الأولي بمقام الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) فهو الإمام بعده والله الهادي.

ما ورد بأنه خير الأمة

وأما ما ورد بأنه خير الأمة وخير الخلق، وما أدي مؤداه: فكثير منه ما رواه ابن أبي الحديد عن أحمد بن حنبل في المسند عن مسروق قال: قالت لي عائشة إنك من ولدي ومن أحبهم إلي فهل عندك علم من المخدج؟ فقلت: نعم قتله علي بن أبي طالب علي نهر يقال لأعلاه تامرا ولأسفله النهروان بين لخافيق وطرفا [540] قالت: إبغني علي ذلك بينة، فأقمت رجالا شهدوا عندها [ صفحه 276] بذلك قال: فقلت لها سألتك بصاحب القبر ما الذي سمعت من رسول الله؟ فقالت نعم سمعته يقول: (إنهم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقربهم عند الله وسيلة) [541] قال ابن أبي الحديد: وفي كتاب صفين أيضا للمدائني عن مسروق أن عائشة قالت له لما عرفت أن عليا قتل ذا الثدية: لعن الله عمرو بن العاص فإنه كتب إلي يخبرني أنه قتله بالإسكندرية، إلا أنه ليس يمنعني ما في نفسي أن أقول ما سمعته من رسول الله (صلي الله عليه وآله) سمعته يقول: (يقتله خير أمتي من بعدي) [542] . وعن أبي جعفر الإسكافي بسنده عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع قال: أتيت أباذر بالربذة أودعه فلما أردت الانصراف قال: لي ولأناس معي ستكون فتنة فاتقوا الله وعليكم بالشيخ علي بن أبي طالب فاتبعوه، فإني سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول له: (أنت أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيمة، وأنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكافرين، وأنت أخي ووزيري وخير من أترك بعدي، تقضي ديني، وتنجز موعودي) [543] .

خبر العقيلي في مجلس عمر بن عبدالعزيز

وروي ابن أبي الحديد أيضا عن ابن الكلبي عن رجل من ولد عقيل بن أبي طالب حكمه عمر بن عبد العزيز الأموي في قضية المرأة التي حلف زوجها أن علي بن أبي طالب خير هذه الأمة وأولاها برسول الله، وإلا فامرأته طالق [ صفحه 277] ثلاثا فقال العقيلي لعمر: نشدتك الله يا أمير المؤمنين ألم تعلم أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال لفاطمة وهو عندها في بيتها عائد لها يا بنية: ما علتك؟ قالت: الوعك يا أبتاه، وكان علي غائبا في بعض حوائج النبي (صلي الله عليه وآله) فقال لها: أتشتهين شيئا؟ قالت: أشتهي عنبا وأنا أعلم أنه عزيز، وليس وقت عنب فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (إن الله قادر علي أن يجيئنا به) ثم قال: (اللهم ائتنا به مع أفضل أمتي عندك منزلة) فطرق علي الباب فدخل ومعه مكتل [544] قد ألقي عليه طرف ردائه، فقال له النبي (صلي الله عليه وآله) ما هذا يا علي؟ قال عنب التمسته لفاطمة قال: (الله أكبر الله أكبر اللهم كما سررتني بأن خصصت عليا بدعوتي فاجعل فيه شفاء ابنتي) ثم قال: (كلي علي اسم الله يا بنية) فأكلت وما خرج رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي استقلت وبرئت فقال عمر: صدقت وبررت أشهد لقد سمعته ووعيته، يا رجل خذ بيد امرأتك فإن عرض لك أبوها فاهشم أنفه ثم قال: يا بني عبد مناف وكان المجلس جامعا لبني هاشم وبني أمية وأفخاذ قريش والله ما نجهل ما يعلم غيرنا ولا بنا عمي في ديننا ولكنا كما قال الأول: تصيدت الدنيا رجالا بفخها++ فلم يدركوا خيرا بل استحقبوا الشرا وأعماهم حب الغني وأصمهم++ فلم يدركوا إلا الخسارة والوزرا قيل: فكأنما ألقم بني أمية حجرا وكتب إلي عامله ميمون بن مهران الذي بعث بالمرأة وزوجها وأبيها إليه ليحكم في أمرهم أن يستيقن ذلك الحكم ويعمل عليه [545] . [ صفحه 278] قلت: وهذا الخبر الذي رواه العقيلي تدل القصة علي أنه متواتر بين الناس لا سبيل لأحد إلي إنكاره فلهذا لم ينكره من القوم منكر، ولا قال منهم قائل، بل كلهم سلموا لراويه مع أنه جل من في ذلك المجلس مبغضون لأمير المؤمنين، ولا مانع لهم من الطعن في الخبر لو لم يكن معلوما من تقية أو خوف لا سيما عمر بن عبد العزيز فإنه السلطان القاهر إذ ذاك، وقد أقر بأنه روي الحديث ووعاه، فلا شك إذن في صدق الحديث ومعلوميته وما مضي من أحاديث السيادة والاختيار والمحبة ومماثلة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وما يأتي من الأخبار مثل تشبيهه بالأنبياء وغير ذلك كلها تعضد هذه الأخبار المصرحة بأنه خير الخلق وأفضل الأمة في دلالتها، ثم إن نصها علي أفضلية علي (عليه السلام) علي الأمة، بل علي الخلق كافة بمعني كثرة الثواب وإطلاقها يدل علي أفضليته بمعني الأجمع للخصال المحمودة لشمول الخيرية والأفضلية لذلك، مع أن هذا المعني لا ينازع فيه عاقل وسنوضحه إن شاء الله. وروي ابن أبي الحديد أن قيس بن سعد بن عبادة لما أتي مصر عاملا لعلي (عليه السلام) قام خطيبا علي المنبر وقال بعد الحمد لله والثناء عليه وما أراد أن يذكره: أيها الناس إنا بايعنا خير من نعلم بعد نبينا يعني عليا (عليه السلام) فقوموا فبايعوا علي كتاب الله فإن نحن لم نعمل فيكم بكتاب الله فليس لنا عليكم طاعة [546] . وقال المعتزلي أيضا: وروي أبان بن أبي عياش قال: سألت الحسن البصري عن علي (عليه السلام) فقال: ما أقول فيه كانت له السابقة والفضل والعلم والحكمة والفقه والرأي والصحبة والنجدة والبلاء والزهد والقضاء والقرابة، أن عليا كان في أمره عليا، رحم الله عليا وصلي عليه، [ صفحه 279] فقلت يا أبا سعيد: أتقول صلي الله عليه لغير النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ قال: ترحم علي المؤمنين إذا ذكروا وصل علي النبي وآله وعلي (عليه السلام) خير آله قلت: أهو خير من حمزة وجعفر: قال: نعم، قلت: وخير من فاطمة وابنيها قال: نعم والله إنه خير آل محمد كلهم، ومن يشك إنه خير منهم وقد قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (وأبوهما خير منهما) ولم يجر عليه اسم شرك ولا شرب خمر، وقد قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (لفاطمة زوجتك خير أمتي) فلو كان في أمته خير منه لاستثناه، ولقد آخي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بين أصحابه فآخي بين علي ونفسه، فرسول الله خير الناس نفسا وخيرهم أخا فقلت: يا أبا سعيد فما هذا الذي يقال عنك إنك قلته في علي؟ فقال: يا بن أخي احقن دمي من هؤلاء الجبابرة لولا ذلك لسالت بي الخشب [547] انتهي. وقد دل آخر الكلام علي أن إخفاء الحسن القول بأفضلية علي (عليه السلام) علي جميع الأمة كما صرح به هنا وروي فيه الحديث عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إنما كان للخوف علي نفسه من القتل، لأن بني أمية كانوا يقتلون من ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) بخير فكيف من فضله علي الأمة، وهذا أمر شائع معلوم، علي أن المعتزلي مقر بذلك وبه معترف حتي أنه قال في دعوة علي (عليه السلام) للأشتر: إني لا أشك أن الأشتر يغفر الله له ويدخل الجنة بهذه الدعوة فإنها لا فرق عندنا بينها وبين دعوة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) [548] انتهي. ثم إن الأحاديث قد اشتملت تارة علي أنه خير الأمة وخير من يترك النبي [ صفحه 280] (صلي الله عليه وآله) بعده، وخير الخلق والخليقة، فيكون أفضل الخلق حتي الأنبياء والملائكة لأنهم من جملة الخلق والخليقة الذين نص الخبر علي أن عليا (عليه السلام) خيرهم، فكونه (عليه السلام) أفضل الصحابة أمر واضح ومع هذا إنا نعلم يقينا أن الخصال التي توجب الفضل والصفات التي تقتضي كثرة الثواب كلها حصلت له دون غيره واجتمعت فيه دون من سواه وفاق في جميعها كل الناس فيجب أن يكون أفضل بالضرورة وإلا لخرج المقتضي عن كونه مقتضيا وهو باطل، وها نحن نذكر استكماله في خصال الخير مفصلا ونأتي به مشروحا.

نسب علي

أما نسبه (عليه السلام): فهو النسب الجليل الذي لا يساجل [549] ، والمجد الأثيل الذي لا يطاول، فإنه من السرو [550] من قريش، والصريح المهذب من قصي، والذروة من عبد مناف، والسلالة من هاشم، أبوه أبو طالب شريف قريش مانع الجار وحامي الذمار أمنع الناس جانبا، وأبلغهم حجة، وأثبتهم قلبا، وأفصحهم لسانا، وأوفاهم موعدا، وحمايته النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وغيرها تشهد له بذلك، وقال معاوية بن أبي سفيان في أبيات يخاطب بها عمرو بن العاص بعد قتل علي (عليه السلام). نجوت وقد بل المرادي سيفه++ من ابن أبي شيخ الأباطح طالب [551] . [ صفحه 281] ابن عبد المطلب شيبة الحمد، وساقي الحجيج، سيد قريش كلها لا يدافع في ذلك ولا ينازع، ابن هاشم عمرو العلا صاحب الايلاف، ومطعم الأضياف، وشمس بني عبد مناف، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم فهو أول هاشمي ولد من هاشميين، وهو ابن عم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لأبيه وأمه. نسب كأن عليه من شمس الضحي نورا ومن فلق الصباح عمودا. آباؤه آباء رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وأمهاته أمهات رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فهو خير الناس نسبا، وأشرفهم حسبا، وأفضلهم آباء وأمهات لما صح عن النبي (صلي الله عليه وآله) من قوله: (ما افترقت فرقتان من لدن آدم إلا كنت في خيرهما) [552] وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (كنت أنا وعلي نورا واحدا فما زلنا ننتقل من صلب طاهر إلي رحم مطهر حتي افترقنا في عبد الله وأبي طالب) [553] فعلي (عليه السلام) أفضل الصحابة نسبا، وأجلهم أصلا وأكرمهم عنصرا.

علي أعلم الصحابة

وأما إنه أعلم الصحابة: فلقوة حدسه وشدة ذكائه وكثرة ملازمته للرسول (صلي الله عليه وآله) حتي قال: (علمني رسول الله (صلي [ صفحه 282] الله عليه وآله وسلم) ألف باب من العلم فانفتح لي من كل باب ألف باب) [554] ولحرص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي تعليمه وإرشاده وعظم شفقته عليه، لما نزل قوله تعالي: [وتعيها أذن واعية] [555] قال: (اللهم اجعلها أذن علي) وقال علي (عليه السلام) (ما نسيت بعد ذلك شيئا) [556] وقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حين بعثه إلي اليمن قاضيا: (اللهم اهد قلبه وثبت لسانه) قال: (فما شككت بعدها في قضاء بين اثنين) [557] وقال (عليه السلام): (والله لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين أهل التورية بتوراتهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والله ما نزلت من آية في بر أو بحر أو سهل أو جبل أو سماء أو أرض أو ليل أو نهار إلا أنا أعلم فيمن نزلت، وفي أي شئ نزلت] [5] وقضاياه معروفة مأثورة كحكمه في قضية الحمار والبقرة بين يدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) [6] وفتياه في الزانية [ صفحه 283] الحامل [7] ، وفي المرأة التي وضعت لستة أشهر [8] وحكمه في قضية الأرغفة [9] ، وفيمن حلف لا يحل قيد عبده [10] وفي مال الكعبة حين استشاره عمر فيه [11] ، وهو الذي اخترع علم النحو وبين أصوله [12] وينبغي إلحاق ذلك بالمعاجز وغير ذلك مما لا يبلغ إليه فهم، ولا يحوم حوله [ صفحه 284] عقل، وقد رجع إليه الصحابة في كثير من المسائل بعد غلطهم، واحتاجوا إلي بيانه ولم يحتج هو في شئ من الأحكام إلي أحد من الناس، واعترف أكابر الصحابة له بالأعلمية وقال عبد الله بن العباس لما سئل: أين علمك من علم ابن عمك علي (عليه السلام)؟ قال: كالقطرة في المثعنجر يعني البحر المحيط [13] وقال عبد الله بن مسعود ما معناه إن من أراد علم القرآن كما أنزله الله فعليه بعلي بن أبي طالب، وقال عمر غير مرة: " لولا علي لهلك عمر " وقال: " لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن " [14] حتي أن كل فرقة من أهل العلم لتنتمي إليه، وكل ذي طريقة ليتجاذبه وينتهي إليه، فقه كل فقيه وعلم كل عالم، ويكفي في ذلك ما صح في الروايات عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من أنه أعلم الناس فلا شك أنه أعلم الصحابة في جميع العلوم فيكون أفضلهم لقول الله تعالي: [قل هل يستوي الذين يعلمون والذي لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب] [15] وقال: [إنما يخشي الله من عباده العلماء]

علي أحلم الصحابة

وأما إنه أحلمهم: فهو كضوء النهار حتي بلغ من حلمه أنه ترك عبد الرحمن بن ملجم في دياره ويعطيه العطاء مع علمه به وقوله فيه مرارا (إنه [ صفحه 285] قاتلي) [558] وعفا عن مروان يوم الجمل مع شدة عداوته له وقوله فيه: (ستلقي الأمة منه ومن ولده يوما أحمر) [559] وعفي عن سعيد بن العاص وكان عدوا له في غاية العداوة وعن عبد الله بن الزبير وكان يشتمه علي رؤوس الاشهاد وأطلقه وقال له: (اذهب فلا أرينك) لم يزده علي ذلك [560] وحسبك بحلمه عفوه عن أهل البصرة بعد ما هزمهم وكانوا قد ضربوا وجهه ووجوه بنيه وأصحابه بالسيوف، ونكثوا بيعته ونصروا عدوه، وعفوه عن عائشة وهي السبب الأعظم في نكث بيعته والإجلاب عليه ولو فعلت عشر ذلك بغيره ثم قدر عليها لمزق جلدها وقطعها إربا إربا، ولما منعه وأصحابه معاوية الماء يوم صفين حين ملك أهل الشام الشريعة فقاتلهم وهزمهم وأراد أصحابه منعهم من الماء قال: (أفرجوا لهم عن الشريعة ففي حد السيف مغني عن ذلك) وكان مع الحلم عظيم الرزانة لم ير طائشا قط، وكان أطلق الصحابة وجها، وأحسنهم خلقا حتي نسبه أعداؤه كعمرو بن العاص إلي الدعابة [561] .

قدمه في الإسلام

وأما قدمه في الإسلام: فمعلوم لأنه لم يجر منه كفر قط وكان يصلي قبل الناس مع رسول الله سبع سنين وقال رسول الله (أولكم اسلاما علي بن أبي طالب) [562] وقال: (أقدمهم سلما) وكان علي (عليه السلام) يقول علي [ صفحه 286] المنابر: (أنا أول من صلي وأول من آمن بالله ورسوله، ولم يسبقني إلي الصلاة إلا نبي الله) [563] ولم يرد عليه أحد قوله مع أنهم كانوا يردون عليه في أقل شئ مما يمكنهم الرد فيه ولو من جهة الشبهة أو الجهالة بما يقول، وقد استفاضت الروايات بذلك عن محدثي مخالفينا كالطبري والواقدي وابن عبد البر وابن إسحاق وابن كعب القرظي وابن شهاب الزهري وعبد الله بن محمد بن عقيل وقتادة وغيرهم ورووا ذلك عن عبد الله بن العباس، وسلمان وأبي ذر والمقداد وخباب بن الأرت وأبي سعيد الخدري وزيد بن أسلم وعفيف الكندي والحسن البصري [564] ، وإلي هذا القول ذهب أكثر المخالفين، ولم يخالف فيه إلا شاذ لا يعبأ به وأشعار الصحابة والتابعين فيه كثيرة ومن جملتها قول خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين: وصي رسول الله من دون أهله++ وفارسه مذ كان في سالف الزمن وأول من صلي من الناس كلهم++ سوي خيرة النسوان والله ذو منن [565] . وقول حسان بن ثابت: جزي الله عنا والجزاء بفضله++ أبا حسن خيرا ومن كأبي حسن سبقت قريشا بالذي أنت أهله++ فصدرك مشروح وقلبك ممتحن [566] . [ صفحه 287] وقول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب: وإن ولي الأمر بعد محمد++ علي وفي كل المواطن صاحبه وصي رسول الله حقا وصنوه++ وأول من صلي ومن لان جانبه [567] . وقول أبي سفيان بن حرب في رواية أبي جعفر الإسكافي وفي رواية غيره قول بعض ولد أبي لهب: ما كنت أحسب أن الأمر منصرف++ عن هاشم ثم منها عن أبي حسن أليس أول من صلي لقبلتكم++ وأعلم الناس بالأحكام والسنن وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن++ جبريل عون له في الغسل والكفن [568] وقول هاشم بن عتبة المرقال في صفين: أعور يبغي أهله محلا++ قد عالج الحياة حتي ملا أشلهم بذي الكعوب شلا++ عن ابن عم أحمد المعلا أول من صدقه وصلا [569] وقول شريح بن هاني الحارثي وهو من التابعين: أبا موسي رميت بشر خصم++ فلا تضع العراق فدتك نفسي فلا تجعل معاوية بن حرب++ كشيخ في الحوادث غير نكس هداه الله للإسلام فردا++ سوي عرس النبي وخير عرس [570] . وقول سعيد بن قيس الهمداني: هذا علي وابن عم المصطفي++ أول من أجابه فيما روي هو الإمام لا يبالي من غوي [571] . [ صفحه 288] وقول أبي الأسود الدئلي يهدد طلحة والزبير يوم الجمل: وإن عليا لكم مصحر++ يماثله الأسد الأسود أما إنه أول العابدين++ بمكة والله لا يعبد [572] . وغير ذلك من الأشعار، ولو تعاطينا ذكر الأخبار ورواية الأشعار في هذا الباب حتي نستوفي ما وجدناه من ذلك في كتب الخصوم لطال الكتاب وبلغ إلي غاية الأطناب، وقول من قال: أول من أظهر الإيمان أبو بكر مع شذوذه مردود بمعارضته لهذه الشهرة التي قربت من الإجماع بل كادت تكون إجماعا، ولذا ادعي بعض العامة عليه الإجماع، علي أن أبا جعفر الإسكافي قال في كتاب نقض العثمانية: إن جمهور المحدثين لم يذكروا أن أبا بكرا أسلم إلا بعد عدة من الرجال منهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وجعفر أخوه وزيد بن حارثة وأبوذر الغفاري وعمرو بن عنبسة السلمي وخالد بن سعيد بن العاص وخباب بن الأرت انتهي [573] وقال ابن أبي الحديد أن المخالف في سبق إيمان علي (عليه السلام) شاذ لا يعتد به [574] انتهي ولأجل اشتهار الأمر لم نحتج فيه إلي ذكر ما رواه الخصوم جميعه بل اكتفينا بيسير منه وإذا كان علي (عليه السلام) أسبق في الإيمان كان أفضل لقوله تعالي: [والسابقون السابقون أولئك المقربون] [575] والمقرب أكثر ثوابا البتة.

علي أشجعهم و أكثر جهادا

وأما إنه أشجع الصحابة وأكثرهم جهادا: فأمر معلوم لا يشك فيه ذو فهم وفطنة، بل كونه أشجع البشر أمر أوضح من ضوء النهار كما يشهد به مواقفه المشهورة، ومشاهدة المأثورة في حروب النبي (صلي الله عليه وآله [ صفحه 289] وسلم) وحروبه في أيام خلافته، وقد قال معاوية لعمرو بن العاص لما أشار عليه بمبارزته: أتأمرني بمبارزة أبي الحسن وهو الشجاع المطرق أراك طمعت في إمارة الشام بعدي، وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته كما افتخر بذلك عبد الله بن الزبير علي معاوية فقال له معاوية: لا جرم أنه قتلك وأباك بيسري يديه وبقيت اليمني فارغة يطلب من يقتله بها، ويكفيك شاهدا علي ذلك افتخار رهط قتلاه بأن قتلهم قالت أخت عمرو بن عبد ود: لو كان قاتل عمرو غير قاتله++ بكيته أبدا ما دمت في الأبد لكن قاتله من لا نظير له++ وكان يدعي أبوه بيضة البلد [576] قال ابن أبي الحديد: أما الشجاعة فإنه أنسي فيها ذكر من كان قبله ومحي اسم من يأتي بعده، ومقاماته في الحرب مشهورة يضرب بها الأمثال، وهو الشجاع الذي ما فر قط ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز أحدا إلا قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت الأولي إلي ثانية، انتهي. ولقد قتل صناديد المشركين، وقويت به شوكة الإسلام، واعتز به جانب المسلمين، قتل في غزاة بدر أعيان الكفار وشجعانهم حتي قتل قريبا من نصف القتلي وقتل باقي المسلمين والملائكة المسمون النصف الآخر [577] ، قال القوشجي ومع ذلك كانت الراية في يد علي (عليه السلام) في أحد وقد تفرق عن النبي (صلي الله عليه وآله) أصحابه وانهزموا بعد إن قتل علي (عليه [ صفحه 290] السلام) طلحة بن أبي طلحة وهو المسمي كبش الكتيبة وكان صاحب راية قريش قتله مبارزة بعد أن تحاماه المسلمون وتأخروا عن البراز إليه، ثم أخذ الراية غيره فقتله علي (عليه السلام) أيضا ولم يزل يقتل واحدا بعد واحد حتي قتل تسعة نفر فانهزم المشركون، واشتغل المسلمون بالغنائم فحمل خالد بن الوليد وضرار بن الخطاب الفهري وأصحابهما علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فضربوه بالسيوف والرماح والحجارة وانهزم الناس عنه ما خلا عليا (عليه السلام) فإنه ما زال يجالد عنه حتي رد عنه المشركين، وقتل جملة من فرسانهم وكان قتلاه قريبا من نصف المقتولين وقتل كل المسلمين النصف الآخر قال القوشجي: وجمع له الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) بين اللواء والراية انتهي ونادي جبريل ذلك اليوم: (لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتي إلا علي [578] . وفي يوم الأحزاب حين ظن المسلمون بالله الظنون وزلزلوا زلزالا شديدا، وأتي عمرو بن عبد ود يطلب المبارزة مرارا فأحجم عنه المسلمون وخافوا أشد الخوف والنبي (صلي الله عليه وآله) يحض المسلمين علي مقاتلته ويحرضهم علي منازلته ويعرض عليهم مبارزته فلم يجبه أحد منهم إلا علي فخرج إلي عمرو فقتله وكفي الله المؤمنين القتال به وكان الفتح ذلك اليوم علي يده وقال النبي (صلي الله عليه وآله) (لضربة علي لعمرو خير من عبادة الثقلين) [579] وقال حذيفة: والذي نفس حذيفة بيده [ صفحه 291] لعمله - يعني عليا (عليه السلام) ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمد (صلي الله عليه وآله) إلي يوم القيمة [580] . وفي غزوة خيبر وقد أخذ الراية أبو بكر فرجع مع أصحابه منهزمين خائفين، ثم أخذها عمر من الغد ففعل مثل ذلك، فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) (لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله تعالي ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لا يرجع أو يفتح الله علي يديه) فدعا بعلي (عليه السلام) وهو أرمد فأتي به فتفل في عينيه فبرأ من ساعته، وأعطاه الراية فمضي وقتل مرحبا فانهزم أصحابه اليهود وغلقوا الأبواب فاقتلع علي الباب وجعله جسرا علي الخندق وأمسكه بيده حتي عبر عليه المسلمون فلما انصرفوا أخذه بيده ودحاه أذرعا وكان يغلقه عشرون رجلا وعجز جماعة من المسلمين عن نقله حتي نقله سبعون رجلا من أقويائهم وقال علي (عليه السلام) (ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية ولكن قلعته بقوة ربانية) وكان الفتح علي يده [581] وروي الحافظ ابن عساكر الدمشقي أن عليا (عليه السلام) تترس باب الحصن عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتي فتح الله عليه وهذه الرواية موافقة لرواية أصحابنا. وفي غزاة حنين وقد سار النبي (صلي الله عليه وآله) في اثني عشر [ صفحه 292] ألف مقاتل فتعجب أبوبكر من كثرتهم وقال لن نغلب اليوم من قلة كما ذكره القوشجي وغيره ونظمه ابن أبي الحديد في أشعاره [582] فانهزموا بأجمعهم ولم يبق مع النبي (صلي الله عليه وآله) إلا تسعة من بني هاشم وأيمن بن أم أيمن مولي النبي (صلي الله عليه وآله) يقدمهم علي (عليه السلام) فخرج أبو جرول فقتله علي (عليه السلام) حتي قتل أربعين رجلا فانهزم المشركون وغنمهم المسلمون [583] . وفي غزوة بني المصطلق وغيرها من الوقائع المشهورة والغزوات المأثورة، قال ابن أبي الحديد وهذا الفصل لا معني للاطناب فيه لأنه من المعلومات الضرورية كالعلم بوجود مكة ومصر ونحوهما وإذا كان علي (عليه السلام) أكثر الصحابة جهادا كان أكثرهم أجرا لقوله تعالي: [وفضل الله المجاهدين علي القاعدين أجرا عظيما] [584] فهو أفضلهم.

سخاؤه

وأما إنه أسخي الناس: فيدل عليه إيثاره المحاويج علي نفسه وأهل بيته حتي جاد بقوته وقوت أهل بيته ثلاث ليال علي يتيم ومسكين وأسير فأنزل الله فيه وفي أهل بيته [ويطعمون الطعام علي حبه] السورة بتمامها إلا آيات قليلة منها وتصدق بخاتمة في الصلوات فأنزل الله في حقه: [إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون] [585] ، قال ابن أبي الحديد: وروي المفسرون أنه لم يكن يملك إلا [ صفحه 293] أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية فأنزل فيه: [الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون] [586] وكان (عليه السلام) يسقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة [587] حتي مجلت يده ويتصدق بالأجرة ويشد علي بطنه حجرا وقال الشعبي وقد ذكره: كان أسخي الناس علي الخلق الذي يحبه الله ما قال لا لسائل قط، وكان يكنس بيوت الأموال ويصلي فيها، وكان يقول: (يا صفراء ويا بيضاء غري غيري) حتي إنه لم يخلف ميراثا ولقد قال عدوه ومبغضه معاوية فيه: لو ملك بيتا من تبن وبيتا من تبر لأنفق تبره قبل تبنه، ويكفيك شاهدا علي أنه أسخي الصحابة وأجودهم آية النجوي التي لم يعمل بها غيره ولم يفز بها سواه وهي قوله تعالي: [يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجويكم صدقة] [588] الآية فإن الصحابة جميعهم امتنعوا من مناجاة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بعد نزولها ولم يناجه إلا علي (عليه السلام)، وقد روي أنه أعتق من كسب يده ألف مملوك. [589] .

زهده

وأما إنه أزهد الناس فأمر ظاهر، فإنه (عليه السلام) كان سيد الزهاد وبدل الأبدال، ما شبع من طعام قط وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا، وقل أن يأتدم فإن فعل فبالملح أو الخل، فإن ترقي فبنبات الأرض، فإن زاد فبلبن، وكان لا يأكل اللحم إلا قليلا، ويقول: (لا تجعلوا بطونكم مقابر [ صفحه 294] الحيوان)، وكان نعلاه من ليف وحمائل سيفه من ليف، وكان يرقع قميصه بجلد تارة وبليف أخري، وإذا اشتري قميصا ورأي كمه طويلا قطعه بالشفرة ولم يخطه حتي يبقي متساقطا علي يده، وقد تواترا إعراضه عن لذات الدنيا مع اقتداره عليها لا تساع أبواب الدنيا عليه لأن الأموال كانت تجبي إليه، حتي قال: (يا دنيا يا دنيا إليك عني أبي تعرضت أم إلي تشوقت لا حان حينك هيهات هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك وقد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وملكك حقير) وقال: (والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم) [590] وقال عبد الله ابن أبي رافع دخلت عليه يوما فقدم جرابا مختوما فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا فأكلنا منه، فقلت: يا أمير المؤمنين لم ختمته فقال: (خفت هذين الولدين يلتانه بزيت أو سمن) [591] ، قال القوشجي: وهذا شئ اختص به علي (عليه السلام) ولم يشاركه فيه غيره، ولم ينل أحد بعض درجته انتهي وأخبار زهده وسخائه كثيرة يضيق بها هذا الإملاء وتحتاج إلي مصنف علي حدة، والغرض هنا الإشارة إلي صفاته الحميدة.

عبادته

وأما إنه أعبد الناس فلما تواتر من كثرة صلاته وصيامه حتي كان يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة، وتعلم منه الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد، ويشهد بذلك ما في دعواته ومناجاته من تعظيم جلال الله والخضوع والخشوع له، قال ابن أبي الحديد: وما ظنك برجل يبلغ من محافظته علي ورده أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده والسهام تقع بين يديه، وتمر علي صماخيه يمينا وشمالا فلا يرتاع لذلك ولا يقوم حتي يفرغ من وظيفته، وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده [592] انتهي، [ صفحه 295] وقيل لعلي بن الحسين مع أنه سيد العابدين: أين عبادتك من عبادة جدك، فقال: (عبادتي عند عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول الله (عليه السلام).

انه أحفظ الصحابة للقرآن الكريم

وأما إنه أحفظ الصحابة للقرآن فلما صح أنه (عليه السلام) كان يحفظه علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولم يكن غيره يحفظه، ثم هو أول من جمعه ولم يحتج إلي ما عند أحد غيره منه في جمعه كما احتاج إلي ذلك أبو بكر وعمر لما أرادا جمع القرآن فنادي مناديهما: من كان عنده شئ من القرآن فليأت به، فدل علي أنهما لم يعرفا من القرآن إلا يسيرا، وهذا كله صحيح عند الخصوم، وكان أكثر القراء كأبي عمرو بن العلا وعاصم بن أبي النجود وغيرهما يسندون قراءتهم إليه لأنهم تلامذة أبي عبد الرحمن السلمي وهو تلميذ أمير المؤمنين، وعبد الله بن العباس رئيس المفسرين، وعنه يأخذون وإلي قوله يستندون، وهو تلميذ أمير المؤمنين(عليه السلام) وما زال منقطعا إليه وعنه أخذ ومنه تعلم [593] . وأما إنه أفصح الناس لسانا فيدل عليه خطبه ومواعظه ورسائله، وما اشتملت عليه من المطالب العالية، وعلوم التوحيد وكيفية السلوك، والأخبار عن أحوال العالم العلوي وصفاته، وكيفية إنشاء الخلائق علويها وسفليها وجسمانيها وروحانيها ماديها ومجردها مما لم يجر لأحد من الناس شبهه عشر العشر، بل لا يعلم أحد من الصحابة شيئا منه، ولا يعرفون ما هو ولا يحسنون التعبير عنه، وكل ذلك أورده في كلام عال لم يوازنه كلام أحد من البشر بعد كلام رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وشرح فيه أحوال الدنيا والآخرة بعبارات تحير عقول البلغاء في حسن نظمها ولطافة سبكها، ولم [ صفحه 296] يدون لأحد من الناس عشر العشر مما دون له من الكلام [594] واستشهد القوشجي علي أنه أفصح الناس بكلامه المدون في نهج البلاغة وهو كما ذكر أوضح شاهد وأدل دليل، وقال قال البلغاء إن كلامه تحت كلام الخالق وفوق كلام المخلوق، ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة، وقال عدوه معاوية فيه حين قال له محفن بن أبي محفن: جئتك من عند أعيا الناس: ويحك كيف يكون أعيا الناس فوالله ما سن الفصاحة لقريش غيره [595] .

انه أفصح الصحابة

وأما إنه أسد الصحابة رأيا فلاحتياج جميعهم إلي رأيه في معظم الأمور وبلوغهم المني في أخذهم برأيه كما أشار علي عمر في وقائع كثيرة وصل فيها إلي مطلوبه إذ أخذ برأي علي (عليه السلام)، وأشار إلي عثمان ولو أطاعه لم يجر عليه بعض ما جري، ولم ينخدع قط ولم يتحير في أمر قط، وما عرض له أمر إلا عرف مورده ومصدره، وقال لأصحابه لما رفع أهل الشام المصاحف بصفين: (إنما رفعوها خدعة فناجزوهم) فكان الأمر كما قال، ولو أطاعوه لنجحوا، ولما أراد أصحابه نصب أبي موسي حكما قال لهم: (إني أخاف عمروا أن يخدع يمنيكم هذا ولكن ادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد الله بن عباس) ولو أطاعوه لأفلحوا ولما تمكن عمرو مما أبرمه لكن عصوه فكان الأمر كما قال من خدع ابن العاص لأبي موسي وغير ذلك مما يطول [ صفحه 297] تعداده، وإنما تفرق الناس عنه إلي أعدائه لاقتصاره علي حكم الشريعة، وتقيده بالسنة، وتركه العمل بالحيل الدنيوية وتدبير أمر الدنيا، وأخذه في جميع أموره بما يقتضيه الشرع المحمدي، ولذا قال (عليه السلام): (لولا التقي لكنت أدهي العرب) [596] وغيره دبر دنياه وترك آخرته فصار ممدوحا بالرأي عند الجهال ورغب أهل الطمع إلي دنياه والناس عبيد الدنيا.

سياسته

وأما إنه أسوس الصحابة فذلك مما لا يحتاج إلي بيان فإنه ما حابي أحدا قط ولا آثر قريبا علي بعيد في حكم، وشدته علي العصاة معلومة من سيرته وحربه وكلينه لأهل الإيمان والطاعة.

عدله في الرعية

وأما إنه أعدل الصحابة في الرعية فلما علم من مساواته الناس في القسمة والعطاء لم يؤثر أحدا من الناس علي أحد، ولم يفضل قويا علي ضعيف ولا شريفا علي دني، ولا ذا رحم علي أجنبي، طلب إليه الزبير وطلحة أن يزيدهما في القسمة فلم يفعل وكان يومئذ بمكان رفيع عند الناس [597] وطلب إليه ابن أخيه عبد الله بن جعفر وكان يجريه مجري ولده أن يعطيه زيادة فلم يفعل، وقال له: (لا زيادة لك عندي علي سهمك إلا أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك) [598] أو كلاما ما هذا معناه وطلب منه أخوه عقيل مالا زيادة علي نصيبه من بيت المال وألح عليه في ذلك فوعده بالصبر إلي يوم الجمعة فلما خطب الناس يوم الجمعة التفت إلي عقيل وقال: (ما تقول يا أبا يزيد فيمن خان هؤلاء جميعا في أموالهم) فقال عقيل: بئس الرجل، فقال له: (فهذا أنت تأمرني بذلك) [599] فأسكته عن [ صفحه 298] مطالبته وبعث إليه أسامة بن زيد أن ابعث لي بعطائي ثم لو دخلت فم الأسد بعد ذلك لدخلت معك فكتب (عليه السلام) إليه: (إن هذا الماللمن جاهد عليه ولكن لي مالا بالمدينة فأصب منه ما شئت) [600] وكان تسويته بين الناس أعظم الأسباب في تفرق الناس عنه وتقاعدهم عن نصرته، بل في قتال من قاتله، بل هو السبب في ذلك كله لا سبب غيره، فلم يبال (عليه السلام) بذلك ولا رأي صلاح دنياه مقتضيا لمخالفة السنة في ترك المساواة بين الناس في القسمة، ولما أشير عليه بتفضيل بعض الناس علي بعض في ذلك لإصلاح أمر دنياه وتقوية سلطانه أبي ذلك وقال: (إنه لو كان المال لي لساويت بينهم فكيف وإنما هو مالهم) [601] والأخبار في هذا الباب أجل من أن تجمع في هذا المحل وغيره ولو أراد أثر بالفئ وفضل في العطاء وأصلح بهما أمر دنياه.

علي أحرص الصحابة علي إقامة الحدود

وأما إنه أحرص الصحابة علي إقامة حدود الله فظاهر فإنه ما دافع عن أحد أقيمت عليه شهادة في حد، ولا سلك مسلك التأويل والاستصلاح في إسقاط حد عن أحد صديق أو عدو قريب أو بعيد كما كان يفعل غيره، ولا أغضي عن حق عند أحد كائنا من كان، ولم يلتفت في إقامة حدود الله لغضب أحد من الناس ولا رضاه، وسيرته في ذلك مذكورة في كتب الحديث والسير والتواريخ، فهذه الخصائص والصفات المحمودة هو أبو عذرها وابن بجدتها والسابق في مضمارها قال ابن أبي الحديد بعد تعدادها: وهذه خصائص البشر قد أوضحنا أنه فيها الإمام المتبع فعله والرئيس المقتفي [ صفحه 299] أثره [602] انتهي. ولما أتي عبد الله بن العباس عائشة بعد هزيمتها يوم الجمل رسولا من علي (عليه السلام) إليها في أمر فجعلت تعتل عليه وطفقت تفضل عمر بن الخطاب علي علي (عليه السلام) فقال لها ابن العباس في كلام يطري فيه عليا (عليه السلام): إنه والله أعلا منارا، وأحسن آثارا من أبيك ومن عمر [603] ، فظهر من ذلك كله أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أفضل الصحابة وأكثرهم ثوابا وأجمعهم لخصال الخير، وما ذكرناه قد أقر به الخصوم، ومن كتبهم أخذنا ما ذكرنا.

ولادته في الكعبة المشرفة

ومن جملة ما خصه الله به من المزية كون مولده في الكعبة الغراء علي الرخامة الحمراء فقد أجمع الشيعة علي أن عليا (عليه السلام) ولد داخل الكعبة كما وصفنا ونقلوه متواترا عن أهل بيت النبوة الذين هم مع القرآن لا يفارقهم ولا يفارقونه ورواه من أهل السنة، أبو المعالي الفقيه المالكي في كتاب المناقب عن علي بن الحسين قال كنا عند الحسين في بعض الأيام وإذا بنسوة مجتمعات فأقبلت امرأة منهن علينا فقلنا من أنت رحمك الله قالت: أنا زبدة ابنة العجلان من بني ساعدة، فقلت لها: هل عندك من شئ تحدثينا به؟ قالت: أي والله حدثتنا أم عمارة بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان الساعدي أنها كانت ذات يوم في نساء من العرب إذا قبل أبو طالب كئيبا حزينا، فقلت له: ما شأنك؟ قال: إن فاطمة بنت أسد في شدة من الطلق، ثم أخذ بيدها وجاء بها إلي الكعبة فدخل بها، وقال اجلسي علي اسم الله فطلقت طلقة واحدة فولدت غلاما نظيفا منظفا لم أر أحسن منه [ صفحه 300] وجها فسماه أبو طالب عليا وقال. سميته بعلي كي يدوم له++ عز العلو وفخر العز أدومه وجاء النبي (صلي الله عليه وآله) فحمله معه إلي منزل، أمه قال علي بن الحسين: فوالله ما سمعت شيئا حسنا إلا وهذا من أحسنه [604] ، فلا التفات حينئذ لتوقف ابن أبي الحديد في ذلك زاعما أن المحدثين لا يعترفون به ويزعمون أن المولود في الكعبة حكيم بن حزام بن خويلد [605] إذ لا عبرة [ صفحه 301] بزعمهم بعد ما سمعت فيه من الصحة، ولا ريب أن المحدثين زعموا هذه الفضيلة لحكيم بن حزام ليناقضوا ما ورد لأمير المؤمنين (عليه السلام) كما هي عادتهم والحق لا يزيد إلا علوا وظهورا، والصدق لا يزال يتوقد ضياء ونورا، وإذا ثبت أن عليا (عليه السلام) أفضل الصحابة كما دلت عليه الأدلة ووافقنا عليه أكثر المعتزلة وجب أن يكون هو المقدم والإمام بعد الرسول (صلي الله عليه وآله)، ولا يجوز أن يقدم عليه غيره لأنا قد بينا امتناع تقديم المفضول علي الأفضل لقبحه عقلا والمنع منه شرعا وأقمنا عليه الأدلة الواضحة في موضعه وقد تقدم وبذلك يثبت المطلوب، وزعم الأشاعرة أن الأفضل بمعني الأكثر ثوابا بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أبو بكر ثم من بعده من الخلفاء مرتبا قال القرماني في تاريخ الدول أجمع أهل السنة علي أن الأفضل بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أبو بكر ثم عثمان ثم علي (عليه السلام) ثم باقي العشرة إلي آخر ما قال، وأهل السنة عندهم اسم لمن كانوا علي مثل ما عليه أبو الحسن الأشعري من نفي الحسن والقبح العقليين، ونفي الاستطاعة عن المكلف، وغير ذلك من شبهاته الواهية، وهذا القول فاسد علي تقديران للثلاثة فضلا وما احتج به القوشجي علي ذلك بعد اعترافه بما ذكرناه من مناقب أمير المؤمنين علي أفضلية أبي بكر وعمر عليه كله باطل مردود، ومزور ومختلق فمن احتجاجه علي ذلك الاتفاق الجاري مجري الإجماع علي أفضلية أبي بكر ثم عمر زعم، وأقول ما أدري ما عني بالاتفاق إن كان اتفاق جماعة من أصحابه الأشاعرة كما [ صفحه 302] هو مفاد قول أبي العباس المتقدم فمسلم ولا حجة فيه، وغايته كونه قولا لجماعة من الأمة يطلب عليهم في ثبوته وصحته الدليل فلا يكون هو نفسه دليلا كما ادعي الرجل، وإن عني اتفاق الصحابة فالمنقول عن أفاضلهم تفضيل علي (عليه السلام) علي جميع الناس بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مثل العباس بن عبد المطلب وجملة بنيه، وبني هاشم كافة وبني المطلب كافة، وسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وحذيفة بن اليمان وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله وخالد بن سعيد بن العاص الأموي وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وزيد بن أسلم وبريدة بن الحصيب وأبي الهيثم بن التيهان والبراء بن عازب وقيس بن سعد بن عبادة وأبي سعيد الخدري وأبي أيوب الأنصاري وحجر بن عدي الكندي وزيد بن أرقم وسهل بن حنيف وأخيه عثمان بن حنيف وعبادة بن الصامت وأبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني وعمرو بن الحمق الخزاعي في كثير من أمثالهم، ذكر ذلك جماعة من أهل العلم بأقوال الناس كأبي عمر يوسف بن عبد البر المحدث في كتاب الاستيعاب وأبي جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي وعبد الحميد بن أبي الحديد وغيرهم [606] ، وكل منهم نقل ذلك عن جماعة من المذكورين، وكان الزبير أول الأمر قائلا [607] به ومبالغا فيه حتي صرفه عنه ابنه عبد الله إلي عداوة أمير المؤمنين (عليه السلام) والخروج عليه، وهؤلاء المذكورين هم خيار الصحابة ومن أجمعت الأمة علي وثاقتهم وصدقهم، واعتبار أقوالهم، وكلام جماعة منهم الصريح في التفضيل قد تقدم، ولم يبق من الصحابة ممن صرح بتفضيل غيره إلا من علم فسقه وثبت ضلاله بمحاربته عليا (عليه السلام) وبغضه، وقد صح أنه حربه حرب رسول الله (صلي الله عليه وآله) [ صفحه 303] وبغضه بغضه، كمعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير وأبي هريرة والوليد بن عقبة بن أبي معيط في أضرابهم، أو من اختلفت الأمة في وثاقته وقبول روايته فضلا عن اعتبار قوله، ومن لم يكن من الفريقين من باقي الصحابة المسكوت عن حالهم لم يعرف لهم قول في المسألة فأين إجماع الصحابة علي ما يقول؟ بل أين الشهرة في ذلك بل الحق أن المشهور بين الصحابة عكس ما قال، والتقدم في الخلافة لا يوجب التفضيل عنده وعند أصحابه علي فرض أن التقدم وقع برضي جميع الصحابة، وقد بينا استحالته مرارا فلا اتفاق من الصحابة علي ما قال القوشجي ولا اشتهار له فيما بينهم، وإن عني اتفاق التابعين فحالهم في ذلك كحال الصحابة فالكثير منهم يفضل عليا علي جميع الناس، منهم، أويس القرني، وزيد بن صوحان، وصعصعة بن صوحان، وجندب الخير، وعبيدة السلماني، ومالك بن الحارث الأشتر، وكميل بن زياد، وسعيد بن قيس الهمداني وخلق كثير لا يحصون [608] ، وقد قدمنا تصريح الحسن البصري به، وتصريح عمر بن عبد العزيز به أيضا والتابعين من بني هاشم كذلك، علي أن أكثر الناس من أهل العلم والورع لم يمنعهم من إظهار القول بتفضيل علي (عليه السلام) علي جميع الصحابة إلا الخوف من معاوية وأتباعه ومن تولي بعده من بني أمية وأتباعهم، فإنهم كانوا يقتلون من ذكر عليا (عليه السلام) بخير أو روي عنه حديثا فما ظنك بحال من يفضله؟ وقد مر في كلام الحسن البصري ما يدل عليه ويأتي له زيادة استدلال، وإن عني فرق الإسلام فالشيعة قاطبة يفضلون عليا (عليه السلام) علي جميع الناس وأكثر المعتزلة يوافقونهم علي ذلك فالبغداديون كافة قائلون به كأبي سهل بشر بن المعتمر، وأبي موسي بن صبيح وأبي عبد الله جعفر بن مبشر، وأبي جعفر الإسكافي، وأبي الحسين الخياط، وأبي القاسم البلخي وتلامذته، ومن البصريين أبو علي الجبائي في [ صفحه 304] آخر عمره، وكان قبل من المتوقفين بين علي وأبي بكر خاصة، نقل ذلك عنه أبو القاسم البلخي. ومنهم أبو عبد الله الحسين بن علي البصري،. وقاضي القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد، وقطع علي ذلك بخبر المنزلة. ومنهم أبو محمد الحسن بن متوية، وسيأتي التصريح به عن أبي الهذيل العلاف، ومال قوم منهم إلي التوقف في تفضيل علي (عليه السلام) علي أبي بكر مع القطع علي تفضيله علي عمر كواصل بن عطا وأبي هاشم وأبي الحسين البصري. ومنهم من قال بتفضيل الثلاثة كعمرو بن عبيد، وإبراهيم بن سيار النظام، وعمرو بن بحر الجاحظ، وثمامة بن أشرس وهشام الفوطي، وأبي يعقوب الشحام، وكل أهل قول يحذو حذوهم قوم منهم، وكتب المعتزلة في علم الكلام ناطقة بما قلناه ومن نقلهم نقلنا ومن المحدثين من نسب إليه قوم من العامة في كتبهم وتواريخهم القول بتفضيل علي صريحا كالكيا الهراسي وأمثاله وفي كلام قوم من أعيانهم ما يصرح بالتفضيل قال أحمد بن حنبل: ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي (عليه السلام)، وقال: إن عليا لم تزنه الخلافة ولكنه زانها نقل هذا الكلام ابن أبي الحديد عن ابن الجوزي في المنتظم عن أحمد بن حنبل وقال بعده ما حاصله: أن هذا الكلام يعطي أن جميع من ولي الخلافة غير علي (عليه السلام ذوو نقص ازدان بالخلافة وتم نقصه بها وأن الخلافة قبل ولاية علي(عليه السلام) كانت ناقصة فأتمها بولايته إياها [609] . أقول وهذا الكلام غاية التفضيل، ونهاية التعظيم والتبجيل، ولعمري [ صفحه 305] أن الأمر كما قال وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر مما جاء في علي، فهذه شهادة مشائخهم فأين الاتفاق الذي ادعاه القوشجي علي تفضيل أبي بكر وعمر علي علي (عليه السلام)؟ وأين الشهرة بين الأمة؟ وهل زاد الأمر علي كون المسألة من المسائل الخلافية بين الناس؟ والواجب فيها اتباع الدليل الصحيح كغيرها من مسائل الخلاف، ومن هنا تبين بطلان ما ينسبه قوم من الأشعرية المتعصبين من الابتداع إلي من ذهب من المحدثين والعلماء من متقدمي أصحابهم إلي تفضيل علي (عليه السلام) فيقولون: كان فلان عالما فاضلا وكذا وكذا لصفات من الخير ثم يقولون إلا أنه مال إلي تفضيل علي (عليه السلام) أو قال به فيخرجونه من السنة إلي البدعة بزعمهم لأنه قال بتفضيل علي (عليه السلام)، وذلك عندهم بدعة كما وجدناه في تصانيف قوم منهم وتواريخهم، وكل هذا لتركهم النظر في الأقوال والأدلة وتقليدهم من تقدم من مشائخهم وأساتيذهم علي جهالة لا يعلمون وراء ما سمعوه منهم مذهبا ولا يفهمون غير توجيههم في الأدلة توجيها وذلك لا يغني من الحق شيئا.

رد المؤلف علي القوشجي بتفصيل غيره

واحتج القوشجي ثانيا بقوله تعالي: [وسيجنبها الأتقي الذي يؤتي ماله يتزكي] [610] مدعيا أن الآية نزلت في أبي بكر عند الجمهور، والأتقي هو الأفضل لقوله تعالي: [إن أكرمكم عند الله أتقاكم] [611] وهذا الاحتجاج واه لأن الآية مع احتمال كون الأتقي والأشقي بها بمعني التقي والشقي كقوله تعالي: [الله أعلم حيث يجعل رسالته] [612] . [ صفحه 306] أي عليم وقوله تعالي: [وهو أهون عليه] [613] يعني هين وقول طرفة:. تمنت رجال أن أموت وإن أمت++ فتلك سبيل لست فيها بأوحد كما قاله بعض المفسرين، ويشهد لذلك الاعتبار فإن صاحب النخلة المعني بالأشقي من المسلمين ومن الصحابة المحكوم عليهم عند القوشجي وأصحابه بالجنة فلا يجوز أن يجعل أشقي من أبي جهل وأبي لهب وأمثالهما من المشركين، فلا دليل فيها علي التفضيل مضافا إلي أنها نازلة عند أكثر المفسرين في أبي الدحداح، وهو المروي عن ابن عباس رواه الواحدي وسببه قصة النخلة المشهورة [614] ، وقال غيره نزلت في مصعب بن عمير وذكر ذلك أبو جعفر الإسكافي، ولم يقل إنها نزلت في أبي بكر إلا عروة بن الزبير [615] لأنه اشتري ست رقاب فأعتقها بلال وعامر بن فهيرة وأربعة أخر، وحال ابن الزبير في الكذب معلوم، وميله إلي جده معروف، وليس هذا منه بأعجب من روايته عن خالته عائشة عن النبي (صلي الله عليه وآله): أن عليا والعباس بن عبد المطلب من أهل النار [616] ، وكان سبابا لعلي (عليه السلام) وكثير البغض له، ومن أفسق ممن يسب رجلا من سبه فقد سب رسول الله [ صفحه 307] (صلي الله عليه وآله) كما دلت عليه الأخبار الصحاح عند القوم، ومنها ما رواه الإسكافي عن عثمان بن أبي شيبة، عن عبد الله بن موسي، عن قطر بن خليفة، عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت علي أم سلمة رحمها الله فقالت: لي أيسب رسول الله (صلي الله عليه وآله) فيكم وأنتم أحياء؟ قلت: وأني يكون هذا؟ قالت: أليس يسب علي (عليه السلام) ومن يحبه [617] وما رواه الحافظ أبو عبد الله محمد بن يوسف البلخي الشافعي في كفاية الطالب عن ابن عباس أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (من سبك فقد سبني ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله فقد كبه الله علي منخريه في النار) [618] وما قدمنا من الأخبار عن أحمد بن حنبل وغيره من قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في علي (عليه السلام): (لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق) [619] وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (عدوك عدوي وعدوي عدو الله) [620] فمن كان هذه حاله كيف تقبل روايته فيمن يميل إليه بدون معارض فكيف إذا عارضها رواية الثقاة؟ علي أن شراء أبي بكر بلالا وعامرا الذي هو سبب نزول الآية كما زعم فاسد لأن محمد بن إسحاق والواقدي ذكر أن رسول الله هو الذي اعتقهما، [621] وبالجملة فالاحتجاج بالآية ساقط، ودعوي قول الجمهور أنها نازلة في أبي بكر كما تري زور وبهتان كدعواه الاتفاق المتقدم واحتج أيضا بروايات مفتعلة: [ صفحه 308] فمنها: (اقتدوا بالذين من بعدي أبا بكر وعمر) [622] دخل في الخطاب علي فيكون مأمورا بالاقتداء بهما.

مناقشة المؤلف لبعض الأحاديث

أقول قد ذكر بعض أهل العلم والخبرة بالحديث أن هذه الرواية جميع من رواها رواها الذين بصيغة الجمع، وأبا بكر وعمر بنصب أبا، والجواب عنها وعن غيرها علي جهة العموم من ثلاثة وجوه. الأول إنها مما اختص بروايتها الخصوم وليسوا عندنا من أهل الصدق فلا يلزمنا قبول رواياتهم ولا تقوم لهم بها علينا حجة مع أنهم متهمون في ذلك. الثاني إنه قد طعن في مثل هذه الروايات قوم منهم كالفخر الرازي وحكم بأنها من الموضوعات إذ لم يجر لشئ منها ذكر بين الصحابة والتابعين في مقام الحجة والمناظرة، وطعن فيها سيدنا المرتضي ذو المجدين علم الهدي كذلك [623] وغيره، وهو كما قال، فإن هذه الروايات إنما وضعت وافتعلت في أيام تغلب بني أمية، روي ذلك أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث وابن عرفة نفطويه وهما من أكابر المحدثين قال المدائني في كلام طويل: وكتب معاوية إلي عماله في جميع الآفاق لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم، [ صفحه 309] وقربوهم وأكرموهم واكتبوا لي بما يرويه كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته، ففعلوا ذلك حتي أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر، إلي أن قال: ثم كتب إلي عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلي الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وآتوني بمناقض له في الصحابة فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله، فقرئت كتبه علي الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجري حتي أشادوا بذكر ذلك علي المنابر، وألقي إلي معلمي الكتاب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتي رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتي علموه بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله ثم كتب بعد ذلك إلي عماله نسخة واحدة إلي جميع البلدان، انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه، وشفع ذلك بنسخة أخري، من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره، فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما بالكوفة، حتي أن الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتي يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضي علي ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتي انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلي أيدي [ صفحه 310] الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها، وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها، فلم يزل الأمر كذلك حتي مات الحسن بن علي (عليه السلام) فازداد البلاء والفتنة [624] إلي آخر ما قال من بيان ما فعله معاوية من قتل محبي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وما فعله من بعده في عشيرته من إظهار الفساد بقتل المؤمنين الصادقين، وإكرام الكذابين الوضاعين مما يطول نقله ومثله، قال نفطويه، وبهذا المضمون قال أبو جعفر الإسكافي، ويصدق ذلك [625] ما روي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين من تقسيم المحدثين عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي أربعة أحدهم، منافق يكذب علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) لا يتحرج ولا يتأثم من الكذب عليه [626] وما سيأتي بعد عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) من ذكره مضمون ما قاله المدائني ونفطويه بالصريح، فهذه الأخبار التي احتج بها القوشجي وغيره علي أفضليته الرجلين علي أمير المؤمنين هي تلك الأخبار المزورة المختلقة طاعة لمعاوية وطلبا للدنيا وإيثارا للعاجلة ما زالت تتداول عند قضاة السوء، والفقهاء المنافقين، والقراء المرائين حتي تلقفها حشوية العامة كالبخاري ومسلم وابن مردويه وأضرابهم وزبروها في كتب مع أمثالها إلا ما قل من الأحاديث وسموا تلك الكتب الصحاح، وأقوي دليل علي اختلاقها أن جلها ينتهي إسناده إلي من تظاهر بعداوة أهل البيت كأبي هريرة وعمرو بن العاص وعروة بن الزبير وأشباههم، وأن كل حديث منها [ صفحه 311] مناقض لحديث أو أحاديث من المروي في فضل علي (عليه السلام) وولده وذلك لموافقة غرض معاوية الذي مر في كلام المدائني، فما كان هذه حالة من الأحاديث كيف يكون حجة ودليلا؟ هيهات هيهات ذلك عن التحقيق وناء عن طريق أهل النظر الدقيق. الثالث إن هذه الأخبار علي قلتها وشذوذها قد عارضتها الأدلة الواردة في تفضيل علي (عليه السلام) من الكتاب والسنة الكثيرة التي أجمع الخاصة والعامة علي نقلها وصحتها، ومن جملتها ما تلوناه عليك مما تضمن مماثلة علي (عليه السلام) لرسول الله (صلي الله عليه وآله)، ومماثلته للأنبياء، وما دل علي أنه إمام المتقين وأنه سيد المسلمين، وولي كل مؤمن بعد رسول الله، ومولي من كان رسول الله مولاه، وأنه كلمة الله التي ألزمها المتقين، وأن بيده مفاتيح خزائن الله، وأنه حامل لواء الحمد يوم القيمة، وأنه خير الخلق والخليقة، وغير ذلك مما عددناه نوعا نوعا، وصنفا صنفا، وما سنتلوه عليك في هذا المقام وفيما بعد إن شاء الله تعالي وعارضتها أيضا أدلة العقل والاعتبار، ولا شك أنه عند التعارض يجب الأخذ بالمتفق عليه والمعاضد بالدلالة الخارجية وترك المختلف فيه والمعاند للدلالة الخارجية، فما ظنك بالمطعون في سنده ومتنه مع مخالفته لكتاب الله عز وجل وقد صح عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه (إذا أتاكم الخبر عني فاعرضوه علي كتاب الله. ما وافق كتاب الله فاعملوا به وما خالف فاضربوا به عرض الحائط) بعد إخباره (صلي الله عليه وآله) في أول الكلام بكثرة الكذابة عليه فإذا جاء في الكتاب العزيز أن عليا (عليه السلام) نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كما في آية المباهلة، وجاء أنه ولي الأمة مثل ولاية الله إياهم ورسوله كما في آية الولاية، ولا شك أن نفس الرسول خير الأنفس، وأن [ صفحه 312] ولي المؤمنين خيرهم، ثم أتي عن النبي (صلي الله عليه وآله) أن أبا بكر خير من علي (عليه السلام) فقد حصلت المخالفة الصريحة والمعارضة الظاهرة بين هذا الخبر وبين كتاب الله فوجب بمقتضي أمر الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) رد ذلك الخبر، وضرب الحائط به، وأخبار بهذه المثابة يجب ردها وإسقاطها، ويلزم تكذيبها وإبطالها، ولا يجوز التدين بها ولا التعويل عليها. وأما الجواب الخاص عن الخبر المذكور فبأنه معارض لحديث التمسك بالثقلين كتاب الله والعترة، وحديث الاقتداء بالأئمة من أهل البيت، وحديث: (أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجي ومن تخلف عنها غرق)، وما جري هذا المجري مما رسمناه فيكون مفتعلا لمناقضتها كما مر بيانه فهو باطل، ولو صح لوجب تأويله إلي ما يوافق تلك الأدلة الصحيحة بجعل التقدير اقتدوا بالذين من بعدي من الأئمة يا أبا بكر وعمر، فأبو بكر وعمر مأموران بالاقتداء وليس تقدير الفعل الناصب لأبا بكر بأولي من تقدير حرف الندا بل هذا أولي للتوفيق بين الدليلين وقد جاء حذف حرف النداء من المنادي المعلوم كثيرا نحو قوله تعالي: [يوسف أعرض عن هذا] [627] وقول الشاعر. أبا حكم هل أنت عم مجالد++ وسيد أهل الأبطح المتناحر وقول الآخر: حمامة بطن الواديين ترنمي++ سقاك من الغر الغوادي مطيرها وقول الآخر [628] . [ صفحه 313] تعدون عقر النيب أفضل مجدكم++ بني الضوطري لولا الكمي المقنعا وهذا أمر معروف لا يحتاج إلي الإكثار من شواهده فيكون الخبر حجة لنا لا علينا. ومنها في أبي بكر وعمرهما (سيدا كهول أهل الجنة ما خلا النبيين والمرسلين) [629] والجواب عنه بالخصوص أنه معارض بقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في الحسن والحسين: هما (سيدا شباب أهل الجنة) [630] وبقوله (صلي الله عليه وآله): (سادات أهل الدنيا هم سادات أهل الآخرة أنا وعلي والحسن والحسين وحمزة وجعفر) [631] وقوله لعلي (عليه السلام): (أنت سيد في الدنيا والآخرة) [632] وقوله (عليه السلام) فيه: [ صفحه 314] (هو سيد المؤمنين وسيد المسلمين) [633] فيكون مختلقا لمناقضة هذه الأخبار وشبهها فهو باطل هذا في سنده وفي متنه بمخالفته للكتاب في قوله تعالي: [إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا] [634] وقد صح عن النبي (صلي الله عليه وآله): إن الجنة لا يدخلها شيخ ولا عجوز ولاكهل وإن أهلها جرد مرد علي صفة الشباب) [635] . ومنها (خير أمتي أبو بكر ثم عمرو) والجواب عنه أنه معارض لقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في علي (عليه السلام) والخوارج: (يقتلهم خير الخلق والخليقة) [636] وقوله (صلي الله عليه وآله): (خير الناس حمزة وجعفر وعلي) [637] وما شابه ذلك مما شاع وذاع بين الفريقين فهو مصنوع للمناقضة فيكون باطلا. ومنها: (ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدم عليه غيره) وكيف يكون كذلك وقد عارضه ما تواتر من فعل النبي (صلي الله عليه وآله) فإنه أمر علي أبي بكر أبا عبيدة بن الجراح مرة ومرة عمرو بن العاص وأخري خالد بن الوليد ومرة أسامة بن زيد، وأمر عليه عليا مرارا وما نري النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) امتنع من تقديم غير أبي بكر من الصحابة عليه فكيف يعقل أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول قولا معناه النهي عن تقدم أحد من الصحابة علي أبي بكر ثم يقدم عليه جماعة منهم مرة بعد أخري [ صفحه 315] فينقض قوله بفعله وهو الذي لا ينطق عن الهوي؟ اللهم إلا في مقام النسخ وإذا كان هذا القول منسوخا فلا حجة فيه وآخر عمر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر تحت راية أسامة، والحاصل أن الخبر إذا كان مناقضا لما علم من فعل النبي (صلي الله عليه وآله) كان باطلا بالضرورة، والحديث المذكور هذا شأنه مع معارضته لقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) للأنصار: (هذا علي فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي) [638] ، وقوله (صلي الله عليه وآله): (أوصيكم بحب ذي قرباها [639] أخي وابن عمي علي بن أبي طالب) وحديث المنزلة وغير ذلك من الأحاديث الصريحة في لزوم تقديم علي (عليه السلام) فهو مصنوع لمعارضتها، علي أن المروي في بعض تواريخ القوم أن هذا القول من كلام عمر نفسه ولم ينسبه إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وذلك في كلام طويل خطب به يذكر فيه حديث السقيفة أورده الطبري في تاريخه [640] ، وكذلك هو الحاصل من كلام عمر يوم السقيفة حيث قال: كيف أتقدم قدمين قدمها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) للصلاة، فأخذه القوشجي وأمثاله وصيروه حديثا ينسبونه إلي النبي (صلي الله عليه وآله) جهلا أو تعمدا ليقووا به شبهتهم، وأني والأمر أظهر من أن يخفي! ومع هذا كله إنه لو صح لم يقتض التفضيل لأن مذهب [ صفحه 316] القوم جواز تقديم المفضول، ولو اقتضي لكان دليلهم مخالفا لمذهبهم فيكون عليهم لآلهم. ومنها (لو كنت متخذا خليلا دون ربي لاتخذت أبا بكر خليلا لكن هو شريكي في ديني وصاحبي الذي أوجبت له صحبتي في الغار وخليفتي في أمتي) [641] وهذا قريب من الأول. والجواب عنه أنه لو صح امتناع اتخاذ النبي (صلي الله عليه وآله) أبا بكر خليلا لم يمتنع اتخاذه إياه أخا وما نراه اتخذه أخا يوم المؤاخاة بل جعله أخا لعمر واتخذ هو (صلي الله عليه وآله وسلم) عليا أخا فلو صلح أبو بكر لخلة النبي (صلي الله عليه وآله) لصلح لأخوته لكنه لم يصلح وإلا لأخاه أو أخا بينه وبين علي (عليه السلام)، هذا علي تقدير كون الخلة أعلا شأنا وأقرب مماثلة بين الاثنين من الإخوة كما هو مرام المستدل والأمر بعكس ما رام، فإن الأخوة أدخل في المشابهة وأقرب إلي المماثلة من الخلة، ولذا جاز أن يكون لله خليل ولم يجز أن يكون لله أخ لأن الأخ هو العدل المماثل وليس لله مثيل، والخليل هو المخلص في المودة والاخلاص في محبة الله مطلوب فإذا امتنع أن يكون أبو بكر مخلصا في محبة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فلا فضيلة له البتة وإذا كان علي (عليه السلام) هو الصالح لمماثلة النبي (صلي الله عليه وآله) كان هو الأفضل لا محالة ثم أي مانع من اتخاذ النبي (صلي الله عليه وآله) أبا بكر خليلا من جهة الشرع والخليل علي ما سمعت من معناه، فالكلام جزما لو صح لكان قدحا فيه ولم يكن مدحا لتضمنه لعدم صلاحيته لمودة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) والأمر في ذلك واضح وقوله: (شريكي في ديني) فاسد لأنه لو صح أنه [ صفحه 317] شريك النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في دينه بالمعني الخاص يعني في قوة الإيمان واليقين كما كان لعلي (عليه السلام) لكان له أخا وكان أعلا مرتبة من الخليل، ولزم تناقض الكلام ويكون معناه إنه لا يصلح لي أن أتخذه خليلا لكنه ارفع من ذلك منزلة وأجل منه قدرا، فالمراد من الاستدراك إثبات منزلة لأبي بكر أدني من الخلة والكلام يعطي إثبات منزلة له ارفع منها وكلام النبي (صلي الله عليه وآله) مصون عن التناقض وإن كان المراد من شركة أبي بكر للنبي (صلي الله عليه وآله) في دينه المعني العام يعني الإقرار بالعقائد وأداء الفرائض فالمسلمون كلهم علي هذا المنوال فلا أفضلية له علي أحد عنهم في ذلك فلا معني لمدحه وتفضيله علي غيره بما يشاركه ذلك الغير فيه. وأما حديث الغار فنحن في غناء عن ذكره إذ لا دلالة فيه علي الفضل بوجه من الوجوه بل دلالته علي العكس واضحة من قوله: [لا تحزن] وقوله: [وأنزل السكينة عليه] ولم يقل عليهما والذي أنزلت عليه السكينة هو المؤيد بالجنود وهو النبي (صلي الله عليه وآله) بلا ريب ولماذا لم يشركه الله في السكينة مع النبي (صلي الله عليه وآله) كما أشرك المؤمنين في حنين معه (صلي الله عليه وآله) فيها فقال: [ثم أنزل الله سكينته علي رسوله وعلي المؤمنين] [642] وكانوا تسعة من بني هاشم يقدمهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعاشرهم أيمن بن أم أيمن بإجماع المفسرين وأهل المغازي وأهل التواريخ والسيرة [643] ومن وجوه أخر لا حاجة إلي ذكرها [ صفحه 318] وتطويل المقال بها. وأما قوله: (وخليفتي في أمتي) فباطل بالإجماع لأن الأمة أجمعت علي أن خلافة أبي بكر ليست من جهة النص، ولو صح هذا القول عن النبي (صلي الله عليه وآله) لكان نصا صريحا ولكان احتجاج أبي بكر وعمر به علي الأنصار أولي من احتجاجهم بما ذكروه من القرابة والصلاة لأنه نص قاطع للعذر، ولكان احتجاجهما به علي علي (عليه السلام) وأصحابه إذ امتنعوا من بيعة أبي بكر أولي لهما من تهددهم بحرق البيت عليهم لصراحته في الحجة، لكنه في ذلك الزمان غير موجود وإنما صنع بعد ذلك الوقت لمعارضة مؤاخاة النبي (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) ولحديث (من منكم يبايعني فيكون أخي ووزيري ووارثي وخليفتي علي أمتي). فبايعه علي (عليه السلام) وغيرهما من الأحاديث من أشباههما فهو باطل. ومنها (وأين مثل أبي بكر كذبني الناس وهو صدقني، وآمن بي وزوجني ابنته، وجهزني بماله وواساني بنفسه وجاهد معي ساعة الخوف) [644] وهذا الحديث طريف ينبغي الجواب عنه مقولة مقولة ومنقلة بعد منقلة، فنقول أما [ صفحه 319] تصديقه للنبي (صلي الله عليه وآله) فقد بينا أنه أسلم بعد جماعة من الناس فلم يكن صدقة في حال تكذيب جميع الناس له لتكون القضية كلية، وإذا لم يكن كذلك سقط التمدح بسبق التصديق فلم يبق للكلام موقع في المدح لسقوط الكلية التي بني المدح علي صدقها، وإن كانت مهملة وحملت علي الأكثرية أي كذبني أكثر الناس فجميع من صدق النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في مكة، بل وفي المدينة في أول الهجرة صدقه وكذبه أكثر الناس فلا اختصاص له بذلك فلا مدح فيه يوجب فضلا علي سائر الصحابة. وأما تزويج النبي (عليه السلام) ابنته فما أدري لأيهما الفضل علي الآخر النبي (صلي الله عليه وآله) حين قبلها أم لأبي بكر حين زوجه إياها؟ وبعد فأي رجل من الناس يخطب إليه النبي (صلي الله عليه وآله) ابنته فلا يزوجه إياها حتي يكون تزويج أبي بكر ابنته إياه منة عليه يستحق بها ثناء من النبي (صلي الله عليه وآله) وثوابا كثيرا من الله كما هو مدعي المستدل فلو خطب (صلي الله عليه وآله) إلي الأكاسرة والقياصرة والتبابعة لعدو خطبته بناتهم من أجل النعم الواصلة إليهم فكيف بغيرهم. وأما تجهيزه النبي (صلي الله عليه وآله) بماله فمتي كان ذلك أفي مكة أم في المدينة فإن كان في مكة فكل عالم يعلم أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كان إذ ذاك غنيا بمال خديجة (رضي الله عنها) وكان ينفق منه علي من شاء في أول النبوة ولم يجهز جيشا ولا قاتل عدوا مدة بقائه (صلي الله عليه وآله وسلم) في مكة حتي يحتاج في ذلك إلي معونة أحد، ثم إنا نعلم أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أحوج ما يكون للتجهيز حين أراد الهجرة من الغار إلي المدينة، وقد روي جميع المحدثين أن أبا بكر باع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بعيرين وأخذ منه ثمنهما في تلك الحال فأين التجهيز [ صفحه 320] بالمال بعد قبض ثمن البعيرين؟ وأين موضع هذا التجهيز ومحله؟ ثم من أين له المال الذي يجهز به رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقد صحح عندكم أنه احتاج إلي سفرة في وقت سفره معه (صلي الله عليه وآله) إلي المدينة فلم يجدها وثمنها درهم فقطعت ابنته أسماء نطاقها نصفين فأعطته نصفا ليكون له سفرة فسميت لذلك ذات النطاقين [645] ، وإن قلتم في المدينة فقد أحلتم فإن أبا بكر كان فقيرا وكان هو وغيره من المهاجرين عيالا علي الأنصار، والقرآن ناطق بذلك، والنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إذ ذاك قد أغناه الله بالغنائم والأنفال، فأخبرونا عن تجهيزه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) متي كان وفي أي سفر وأي غزوة؟! دلونا عليه حتي نعلم موضعه ونعرف محله، هذا وقد علم كافة أهل الأثر أنه ترك مناجاة النبي (صلي الله عليه وآله) فيمن تركها لما نزلت آية المناجاة عن أن يتصدق لأجلها ولو بشئ يسير فكيف يجهز رسول الله بماله من ترك مناجاته عجزا من الصدقة ولو كان قادرا لكان ذلك ذنبا احتاج هو وغيره فيه إلي عفو الله عنهم، أفيفعل الندب ويرتكب الذنب ما لكم كيف تحكمون؟ وأيضا أنه قد صح أن عليا (عليه السلام) تصدق بخاتمه [646] ، وتصدق [ صفحه 321] بأربعة دراهم ليلا ونهارا وسرا وعلانية [647] وجاد بقوته وقوت عياله ثلاث ليال [648] فأنزل الله في كل من ذلك قرآنا يتلي بمدحه، ويكشف عن إخلاص عمله، ويعرب عن صدق نيته، مثل قوله تعالي: [إنما نطعمكم لوجه الله] [649] فما بال غيره لم ينزل في تجهيزه النبي (صلي الله عليه وآله) آية تتلي ولا كلمة تقري، أفترون أن الله عز وجل أضاع عمله وهو لا يضيع عمل عامل أم لم يقبله منه فترك ذكره وأهمله، أم لم يكن شئ مما ادعيتم يحتاج إلي أن يبينه الله تعالي فيما أنزله؟! هذا كله مضافا إلي ما صح من فقر أبي بكر حتي احتاج في أيام خلافته إلي أن يجعل له المسلمون قسمة من سهامهم من بيت المال لكل يوم شئ يسير كما صح في سير القوم وتواريخهم فمن هذه حاله من أين له المال حتي يجهز به النبي (صلي الله عليه وآله وسلم). وأما المواساة بنفسه فمتي كان ذلك أفي الشعب حين أجمعت قريش علي حصر رسول الله (صلي الله عليه وآله) فأبو بكر ليس من المحصورين، أم في إيذاء قريش للنبي (صلي الله عليه وآله) فأبو بكر ليس من المحامين بل القائم بحماية النبي (صلي الله عليه وآله) والمواسي له بنفسه والذاب عنه في ذلك كله من لا يهاب الرجال ولا تروعه الأبطال أبو طالب وبنوه ورهطه وأبو بكر في معزل عن ذلك كله فما نعلم الموضع الذي اختص فيه بمواساة النبي (صلي الله عليه وآله) دون غيره إلا أن يدعو حديث الغار وفيه ما فيه - كما تقدم - وأين هو في ذلك ممن بات يفدي النبي (صلي الله عليه وآله) بنفسه ويتوقع الموت في الذب عنه صابرا محتسبا، وأما المجاهدة ساعة الخوف فما علمنا لأبي بكر قتالا ولا سمعنا أنه في [ صفحه 322] موقف بارز قرنا ولا سفك دما فضلا عن أن يكون اختص بجهاد مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) دون غيره، بل المعلوم ضرورة خلاف ذلك فإنه في بدر كان بالعريش ولم ير القتال بوجهه فضلا عن أن يكون قاتل وكان رسول الله لا يكلفه حربا ولا قتالا فإنه لما خرج ابنه عبد الرحمن يوم أحد من عسكر المشركين يدعو المسلمين للمبارزة وينادي هل من مبارز أنا عبد الرحمن بن عتيق فغضب أبوه من قوله وقام مصلتا سيفه يريد مبارزته فنظر إليه النبي (صلي الله عليه وآله) وقال: (يا أبا بكر شم سيفك وأمتعنا بنفسك) [650] ثم لم يلبث بعد ذلك حتي فر مع الفارين، وفاز بالمواساة والجهاد غيره وهو علي الذي لم يزل فائزا بذلك حتي نزل جبرئيل علي النبي (صلي الله عليه وآله) فقال: يا محمد قد عجبت الملائكة من صبر هذا الفتي إنها لهي المواساة فقال: (يا جبرئيل إنه مني وأنا منه (فقال جبرئيل (ع): وأنا منكما [651] ، ولا شك أن حديثهم الذي افتعلوه ليناقضوا به هذا الحديث الصحيح وما جري مجراه، ثم في يوم الأحزاب عجز هو وغيره عن مبارزة عمرو وفاز بالحظ الجزيل من مبارزة الشرك كله وقتله غيره. وفي خيبر رجع منهزما براية النبي (صلي الله عليه وآله) ومن الغد فعل مثل ذلك صاحبه وأدرك الفضيلة السابق إلي الفضائل ابن عم المصطفي. وفي حنين ولي مدبرا مع المدبرين فأين جهاده مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ساعة الخوف؟ وفي أي موضع حصل وفي أي موقف صدر؟ فليدلنا القوشجي وحزبه عليه حتي نعرفه وهل بلغ من الجهاد مع النبي [ صفحه 323] (صلي الله عليه وآله) ما بلغه أدني المسلمين من الصحابة حتي يفضل بجهاده علي جملتهم، وإذا تأملت الأمر عرفت أن مضمون الخبر كذب كله وليس من قول النبي (صلي الله عليه وآله) لأنه لا يقول إلا حقا ولا يمدح أحدا إلا بما فيه من الخير وبما عمل من الأعمال الصالحة وإنما وضعه القوم ليناقضوا به أقوال النبي (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) المشهورة بين الناس مثل قوله (صلي الله عليه وآله): (هو أول من آمن بي وصدقني) وقوله (صلي الله عليه وآله) فيه (أولهم سلما) وليعارضوا به ما شاع لأمير المؤمنين (عليه السلام) من إنفاقه في سبيل الله ما يملكه ولا يجد سواه وما تواتر وعلم من مواساته النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بنفسه وبذله مهجته دونه في ساعات الخوف، ومجالدته الأقران عنه في أوقات الروع، وذبه عنه بحسامه عند التحام القتال ومنازلته الأبطال ليغطوا علي التحقيق بالشبهات وأني لهم بذاك.

علي هو الصديق الأكبر

ومنها: والخطاب لأبي ادرداء؟؟ حين مشي أمام أبي بكر: (أتمشي أمام من هو خير منك والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين علي أحد أفضل من أبي بكر [652] والجواب عنه أنه معارض لكثير من الأخبار الصحيحة الواردة في فضل علي (عليه السلام) مثل قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (الصديقون ثلاثة حبيب النجار، ومؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو أفضلهم) [653] وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم) فيه: (سيد المسلمين ويعسوب المؤمنين وأعظمهم عند الله مزية) [654] ومساواته للأنبياء وغيرها مما مر ذكره وما يأتي فهو مما افتعل [ صفحه 324] للمناقضة فيكون فاسدا ولو صح هذا ومثله لما قال أبو بكر " وليتكم ولست بخيركم " [655] والقول بأنه أراد كسر نفسه باطل لأن الأفضلية حكم من الأحكام لا يجوز إخفاؤه، ونعمة من نعم الله يجب إظهارها ولا يجوز الإخبار بضد الحكم وكتمان نعمة الله، ولهذا قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) (أنا سيد المرسلين ولا فخر)، وقال علي (عليه السلام) علي المنبر: (أنا الصديق الأكبر وأنا الفاروق الأعظم، آمنت قبل إيمان أبي بكر) [656] وأيضا إن المقام مقام إظهار الحجة لأنه إذ ذاك في مخاصمة الأنصار ومخاصمة علي (عليه السلام) في أمر الخلافة وطلبه منه ومن أصحابه البيعة له فلا موضع لكسر النفس وهضمها في ذلك الوقت وهو يطلب طاعة الأشراف لها واتباع أولي الفضل إياها، هذا لو سلمنا عدم قبح إخفاء الحق لهضم النفس مطلقا فكيف ودون تسليم الأقوال البليغة ومن جملته بل زبدته ما أشرنا إليه في أول هذا الكلام، بل إن الشيخ لم يعلم بهذا الحديث الجديد ولا سمعته أذناه ولا أحد من الصحابة في وقته، ولا علم أنه أفضل الصحابة عند أنفسهم ولذا لم يجيبوه ولا واحد منهم بأنك خيرنا، بل مبلغ علمه أنه عند نفسه وعند الناس من جملة الصحابة فأخبر عن نفسه بما هو عليه، وإنما حدث له التفضيل العام فيما بعد من أعداء أهل بيت النبوة كما أوضحناه في أول الأجوبة علي هذه الأخبار ثم أين عمر عن هذا الحديث حين ذهب في السقيفة يحتج لأبي بكر بصحبته النبي (صلي الله عليه وآله) في الغار [ صفحه 325] وتقديم قدميه في الصلاة مما لا يستدل به علي أفضليته، فلم ترك مثل هذا الحديث الصريح في الأفضلية وعدل عنه إلي ما لا حجة فيه. ومنها قال عمرو بن العاص: قلت لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة قلت من الرجال: قال: أبوها قلت: ثم من قال: عمر [657] والجواب عن هذا اللغو مستغني عنه في الحقيقة لأن كذبه بين، وراويه ابن الشانئ الأبتر الملعون علي لسان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لكنا نجري علي العادة في أمثاله فنقول بيان بطلانه من وجهين. الأول: إن هذا الكلام قطعه من كلام الفه ابن العاص يوم صفين يحرض به أهل الشام علي قتال أمير المؤمنين، وسيد الموحدين، وخليفة رسول رب العالمين كما ذكره جامعوا أخبار الوقعة، وقبله ما مضمونه أمرني، رسول الله علي أبي بكر وعمر فظننت أن ذلك لفضل لي عليهما فلما رجعت قلت لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الكلام المذكور بتمامه، وهذا علي فعل بعائشة كذا وكذا لكلام ذكره يعيب عليا (صلوات الله عليه وسلامه) به، ولا شك لأحد أن هذا القول اختلقه ابن العاص وافترعه ليحض أهل الشام علي قتال أمير المؤمنين ليجدوا في ذلك ويبذلوا جهدهم كما اختلق (إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين) [658] . [ صفحه 326] وغير ذلك مما قوي به قلوب أهل الشام، وشحذ به عزائمهم علي الضلال، وكان علي الكذب مقتدرا وبتصنيع الكلام وتزوير البهتان بصيرا، وأي جهل أعظم من جهل من يجعل رواية ابن العاص المعروف بالفسق والكذب دليلا يعارض به الكتاب وصحاح الأخبار مع أن مقام إيرادها مصرح باختلاقها، ومجموع ألفاظها واضح في اصطناعها لكن القوم يأخذون ما يسمعون في الشيخين ويتلقونه بالقبول ولا ينظرون في سنده ولا في متنه، ولا في مقام إيراده، بعكس ما يرد عليهم من أحاديث فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنهم يبذلون الجهد في تهجينها سندا مع وثاقة رواتها، ومتنا مع صراحتها واستقامة معانيها كما فعلوا في خبر الغدير وغيره ولو بالتأويلات التي لا معني لها في العقول، وهذا نتيجة ما في قلوبهم من العصبية. الثاني إنه معارض لما صح نقله من الأحاديث المشهورة في محبة النبي (صلي الله عليه وآله) لعلي وفاطمة والحسن والحسين ومن ذلك ما رواه الترمذي عن عائشة قالت: كانت فاطمة أحب النساء إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وزوجها علي أحب الرجال [659] إليه وقال [ صفحه 327] الإسكافي ولما سئلت عائشة من كان أحب الناس إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قالت: أما من الرجال فعلي وأما من النساء ففاطمة. وروي أبو داود والطبراني والحاكم والترمذي وحسنه عن أسامة بن زيدان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (أحب أهلي إلي فاطمة) [660] وقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) (لأبعثن إليكم رجلا عديل نفسي) وغير ذلك مما اشتمل عليه هذا الكتاب فيكون باطلا كإخوانه. ومنها (لو كان بعدي نبي لكان عمر) [661] والجواب عنه من وجهين. الأول: إن من شروط النبي العصمة عن الشرك عندنا وعندهم وعمر كان مشركا يعبد الأصنام دهرا ومن كان كذلك لا يكون نبيا البتة بنص الكتاب فيجب أن لو كان بعد نبينا نبي أن يكون غير عمر لعدم جواز النبوة له لسبق الكفر منه فمتن الخبر كذب محض. الثاني: معارضته لقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) (أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي) [662] وقوله (صلي الله عليه وآله) له أيضا (إنك تري ما أري وتسمع ما أسمع إلا أنك لست بنبي [663] فهو مما افتعل للمناقضة فيكون باطلا. ومنها في أبي بكر وعمر: (هذان السمع والبصر) [664] والجواب إن هذا [ صفحه 328] القول لو صح لم تثبت به أفضلية فقد صح عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (عمار جلدة بين عيني والمقداد قدمنا قدا) ولم يفضلهما أحد بهذا علي علي (عليه السلام) فكيف وإنما جئ به لمناقضة قول النبي (صلي الله عليه وآله): (علي مني بمنزلة رأسي من بدني) [665] رواه الديلمي عن ابن عباس وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (كنت أنا وعلي نورا واحدا) [666] وما شابه هذا من الأقوال الصحيحة فيكون فاسدا ولو حملناه علي قوله تعالي: [إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا] [667] كما ورد عندنا في تأويله لصح وانقلب عليهما لا لهما لكن ذلك مما نختص بروايته فلا نحتج به علي الخصوم. ومنها قول ابن عمر: كنا نقول ورسول الله حاضر حي أفضل أمة النبي (صلي الله عليه وآله) بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، أقول لا أشك إن هذا القول كان مفتعلا علي ابن عمر كما كان مفتعلا علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وذلك أن ابن عمر من جملة من روي حديث مؤاخاة النبي (صلي الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) حين آخا بين أصحابه وقال سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول لعلي (عليه السلام) (أنت أخي في الدنيا والآخرة) [668] وهل يرتاب أحد في أن النبي (صلي الله [ صفحه 329] عليه وآله وسلم) أراد من هذه مؤاخاة إثبات المماثلة بين كل رجلين آخا بينهما في الصفات العلمية والمشابهة بينهما في الفضل، وإن تخصيصه عليا (عليه السلام) بأخوته قصدا لإبانته بالشرف من بين الصحابة، وإظهارا لتفضيله عليهم، اللهم إلا أن يكون خليا من أدني فهم وأقل تمييز، ثم إنه (صلي الله عليه وآله) أكد المعني الظاهر بما أردفه من الأقوال الصريحة في تفضيل علي (عليه السلام) مثل (ادعو لي سيد العرب عليا) و (أنت مني بمنزلة هارون من موسي) [669] وقوله (صلي الله عليه وآله): لعلي لما نزلت هذه الآية [إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية] [670] (هو أنت وشيعتك تأتي يوم القيمة أنت وهم راضيين مرضيين، ويأتي أعدائك غضابا مقمحين) [671] رواه الطبراني عن ابن عباس، ورواه خطيب خوارزم، ورواه بعضهم عن علي (عليه السلام) وغير ذلك من الأقوال المنتشرة بين الصحابة التي بسببها ذهب إلي تفضيله من ذهب من خيارهم، افتراه بعد ذلك ينقض قوله وفعله فيقول لأصحابه قولوا أفضل أمتي بعدي أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ويقررهم علي هذا القول، أفيعقل عاقل هذا من فعل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ثم كيف يكون القول بتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان في زمن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وحضوره مشهورا بين الصحابة معروفا عندهم ويذهب من ذكرناهم الصحابة وكثير ممن لم نذكرهم إلي تفضيل علي (عليه السلام) علي جميع الناس؟ أفتراهم تعمدوا مخالفة الرسول (صلي الله عليه وآله)؟ فإن قال قائل بجواز ذلك [ صفحه 330] عليهم، قلنا له: إن ذلك يخالف قولك فإنك تذهب إلي أن الصحابة لا يجوز نسبتهم إلي مخالفة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، وإذا سلمنا لك الجواز بناء علي مذهبنا عارضناك بأن الجواز لا يستلزم الوقوع فدلنا علي أمر خالف أولئك القوم فيه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عمدا بقطع ويقين حتي نلحق ذاك بهذا، كما نثبت نحن لك مثل ذلك علي أئمتك وأعوانهم لكنك لا تجد سبيلا إلي مثل ذاك من أصحابنا فبطلت حجتك، وإن قلت: لا يجوز عليهم تعمد مخالفة الرسول (صلي الله عليه وآله) بطل حديثك وذلك هو المراد وأيضا فقد روي صاحب كتاب الخصائص فيه عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله يقول في علي (عليه السلام) ثلاث خصال وددت لو أن لي واحدة منهن وذكرهن وسنذكر الخبر بتمامه بعد إن شاء الله ومعلوم أن المقصود من كلام عمران الثلاث الخصال اللاتي سمعهن من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في علي (عليه السلام) يوجبن التفضيل له علي كل أحد فود أن تكون له واحدة منهن ليتفضل بها علي سائر الصحابة وينال بها الشرف العظيم بين الناس، وإذا كان عمر يعلم أنه أفضل أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بعد أبي بكر وأنه أفضل من علي (عليه السلام) فأي حاجة له إلي خصلة من الخصال التي قالها رسول الله (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) لينال بها تفضيلا؟ وأي فائدة في تحسره علي حصول خصلة واحدة من تلك الخصال لعلمه أنه لا يدرك الجميع يقينا هل ذلك إلا طلب تحصيل الحاصل ولا معني له عند العقلاء، أو تقول أن عمر لم يعلم بحديث ابنه فتكون قد طعنت في عمر بعدم العلم بالمشهورات وذلك أمر يعود عليك بالنقص والنقض، أو تطعن في حديثك وتخرجه من الصدق إلي الكذب لمخالفته الأدلة الصادقة - فاختر ما شئت تخصم، وقد وضح من ذلك كله أن الحديث باطل بلا ريب وأنه موضوع ليقابلوا به الأقوال التي ذكرناها [ صفحه 331] عن النبي (صلي الله عليه وآله) وغيرها من الوارد في تفضيل علي (عليه السلام) صريحا. ومنها عن محمد بن الحنفية قلت لأبي: أي الناس أفضل بعد النبي (صلي الله عليه وآله)؟ قال: أبو بكر قلت: ثم من قال: عمر، وخشيت أن أقول ثم من فيقول: عثمان قلت ثم أنت قال ما أنا إلا رجلمن المسلمين [672] . ومنها عن علي (عليه السلام): خير الناس بعد النبيين أبو بكر وعمر ثم الله أعلم. ومنها عن علي (عليه السلام) لما قيل له: أما توصي فقال (عليه السلام): ما أوصي رسول الله (عليه السلام) حتي أوصي ولكن إن أراد الله بالناس خيرا جمعهم علي خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم علي خيرهم [673] - والجواب إن هذا الأحاديث الثلاثة المفتراة تبطل بما بطل به ما قبلها، وبما صح عن علي (عليه السلام) في رواية الخصوم كالجوهري وغيره حين قال عثمان له: إن أبا بكر وعمر خير منك، فقال علي (عليه السلام): (كذبت أنا خير منك ومنهما) [674] وما كان يقوله علي رؤوس الاشهاد وصهوات المنابر (أنا الصديق الأكبر وأنا الفاروق الأعظم آمنت قبل إيمان أبي بكر) [675] الخبر الذي مر ولا ريب أن مراده من هذا الكلام تفضيل نفسه علي أبي بكر لا يشك في ذلك ذو فهم، وبما صح عنه (عليه السلام) من نسبة المذكورين إلي ظلمه واغتصاب حقه كما أوضحناه أتم إيضاح فيما مضي ويأتي فكيف [ صفحه 332] ينسبهما إلي ذلك ثم يقول هما خير الناس فيكون خير الناس عنده الظالم الغاصب هذا من المحال ثم كيف يصرح علي المنابر بأنه الصديق الأكبر، وأنه أولي الناس بالناس، وأنه وارث رسول الله ووصيه، وخازن علمه كما مر عليك بيان جميعه ثم يقول: ما أنا إلا رجل من المسلمين الذي يعطي بواسطة المقام أنه لا فضل له علي أحد من الناس فأين إذن دعوي الوصية والوراثة للرسول (صلي الله عليه وآله) ودعوي الأولوية بالناس ثم كيف يقول: أنا وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله) [676] ثم يقول: إن رسول الله لم يوص؟ وهذا تناقض عظيم في الأقوال لا يصدر مثله من عاقل فكيف يصدر من باب مدينة العلم والحكمة ومستودع أسرار النبوة، وكيف يدعون علي محمد بن الحنفية ما سمعت والمروي عنه خلاف ذلك؟ ومن جملته ما رواه جامعوا أخبار صفين من محدثيهم ما مضمونه أن عبيد الله بن عمر بن الخطاب خرج يوما يطلب المبارزة فأراد محمد بن الحنيفة مبارزته فمنعه أبوه من ذلك، ومضي هو بنفسه إلي عبيد الله فلما رأي عبيد الله عليا (عليه السلام) قد أتاه رجع عن المبارزة إلي صفه، فرجع أمير المؤمنين فقال محمد له يا أمير المؤمنين إني لأرغب بك عن مبارزة أبيه إلي آخر الخبر [677] ، وهذا صريح في تفضيل محمد أباه علي عمر فكيف يسمع محمد من أبيه أن عمر خير الناس ثم يقول إني لأرغب بك عن مبارزته، ومن ذا يرغب بنفسه أو بأبيه عن مبارزة خير الناس؟ وإنما يرغب أشراف الناس عن مبارزة غير الكفوء وخير الناس فوق الكفاءة فمن المعلوم أن أحاديثهم الثلاثة اختلقوها ليضاهوا ما ذكرناه من أقوال أمير المؤمنين (عليه السلام) من بيان [ صفحه 333] تفضيل نفسه وظلم حقه وغير ذلك فتكون باطلة، ومع هذا كله يلزم عليهم في الحديث الآخر محذوران لو صح. الأول: مخالفة أبي بكر للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) حيث أن النبي (صلي الله عليه وآله) لم يوص إلي أحد وأبو بكر أوصي إلي عمر ومتابعة الرسول (صلي الله عليه وآله) واجبة وأبو بكر قد خالف الواجب ويكون الحديث مناقضا أيضا لما مر في أحاديثهم من دعواهم قول النبي (صلي الله عليه وآله) لأبي بكر: (وخليفتي علي أمتي) فإن هذا القول وصية بالخلافة ونص صريح ومناقضا لقول القوشجي أيضا أن النبي (صلي الله عليه وآله) أوصي إجماعا أما عند الشيعة فلعلي (عليه السلام) وأما عند الأشاعرة فلأبي بكر، ومناقضا أيضا لما رواه البخاري من قول النبي (صلي الله عليه وآله): (ويأبي الله إلا أبا بكر)، وهذا القول وصية ظاهرة فما أدري بهؤلاء القوم علي أي أخبارهم يعولون، وإلي أي أدلتهم يستندون؟ ما تراهم إلا يستدلون في كل باب بما يناقض دليلهم في باب آخر ويعانده، هذا القوشجي يستدل بهذا الحديث المصرح بأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لم يوص علي أفضلية أبي بكر وهو قبل يورد الحديث المصرح بأن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أوصي إلي أبي بكر بالخلافة، ثم هو يرد علي الإمامية في مسألة إنكارهم علي أبي بكر مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله) في الوصية بما ذكرناه من أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أوصي إجماعا ويحتج علي ذلك بخبر البخاري ومع ذلك كله يروون عن أبي بكر أنه قال في حديث طويل: وددت أني سألت رسول الله (صلي الله عليه وآله) عن صاحب هذا الأمر من هو حتي لا ننازعه [678] هذا ودعواه الإجماع علي استخلاف النبي (صلي الله عليه [ صفحه 334] وآله وسلم) منافية لدعواه الإجماع في مسألة نصب الإمام علي أن إمامة أبي بكر برأي الصحابة لا بالنص ولاستدلاله هناك بقول أبي بكر في خطبته لا بد لهذا الأمر ممن يقوم به فانظروا وهاتوا آراءكم، وإذا كان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد استخلف رجلا بعينه فما حاجة خليفته في نظر الصحابة في ذلك وآرائهم، فانظر إلي هذا التناقض العظيم، وما ذاك إلا لخروج القوم عن الصراط المستقيم، وعدولهم عن الحق القويم، فأي حجة لهم في أخبار متعارضة متناقضة يكذب بعضها بعضا ويدفع بعضها الآخر؟ وكفي بذلك فيها بطلانا، فكيف تقاوم الأدلة الصحاح المتوافقة المتطابقة علي أفضلية أمير المؤمنين بعد النبي (صلي الله عليه وآله) علي الخلق أجمعين هذا لا يعقل ولا يحمل. الثاني: إنه يلزم أن معاوية الباغي بنص رسول الله الملعون علي لسانه بقوله لعمار: (تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلي الجنة ويدعونك إلي النار) [679] وقوله صلي الله عليه وآله) في أبي سفيان وابنيه أحدهما معاوية: (لعن الله الراكب القائد والسائق) [680] وقوله (صلي الله عليه وآله): [ صفحه 335] (إذا رأيتم معاوية علي منبري فاقتلوه فإن لم تفعلوا لن تفلحوا) [681] وغير ذلك من الأقوال الشديدة فيه مما صح نقله عند مشايخ القوشجي وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقنت بلعنه ولعن جماعة من أصحابه في الصلاة يكون خير الأمة لأن الله جمع الناس عليه فدانت له الناس بالقهر والغلبة، فيكون أفضل من سعد بن أبي وقاص وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة والذي اختاره عمر بن الخطاب للخلافة وجعله من أصحاب الشوري، وأفضل من الحسن والحسين اللذين هما سيدا شباب أهل الجنة، وأفضل من باقي المهاجرين والأنصار الذين كانوا في ذلك الزمان، وهذا من أبطل ما يكون بغير ريبة، أو إن الله لم يرد بالناس خيرا حين جمعهم علي معاوية بل أراد بهم شرا، وهذا لا يرضي به القوشجي وأصحابه لاستلزامه بطلان إجماعاتهم التي يحتجون بها علي أقوالهم المتناقضة، ومذاهبهم المتنافية، والحاصل أن من نظر فيما حررناه، وتبصر فيما رسمناه لا يكاد يتوقف في بطلان أحاديثهم هذه وما شاكلها، ولا يرتاب في اختلاقها وافتعالها إن كان ذا روية وإنصاف، وإذا بطل ما استند إليه القوشجي من الأخبار وانهدم ما اعتمد عليه من الآثار فلا حاجة إلي التعرض لما ذكره من الأمارات الدالة بزعمه علي تفضيل الثلاثة علي معدن الفضل أمير المؤمنين من كثرة الفتوح والغنائم وغير ذلك مما سنوضح طرقه ونذكر أسبابه، وأغرب ما في كلامه جعله جمع عثمان الناس علي مصحف واحد يعني قراءة زيد بن ثابت وإسقاطه جميع القراءات المروية عن النبي (صلي الله عليه وآله) بطرق ثقات الصحابة كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وشبههما وحرقه المصاحف من الأمارات الدالة علي فضله وأفضليته وهذا مما يقضي بالعجب العجاب [ صفحه 336] حيث يكون ذلك سببا لأفضليته مع أنه من جملة ما نقم عليه وسبب عليه وسببت قتله، مع ما يلزم أيضا من مخالفة القوشجي مذهبه لأن ما ذكره إن كان يقتضي تفضيل عثمان علي علي (عليه السلام) كما هو زعمه ومرامه فيجب أن يقتضي تفضيله أيضا علي أبي بكر وعمر لأنهما لم يفوزا بهذه المنقبة إذ لم ينقل ناقل عنهما أنهما أحرقا المصاحف ولا أسقطا القراءات المروية عن النبي (صلي الله عليه وآله) برواية الثقات والقوشجي لا يسلم ذلك ولا يذعن به فأمارته باطلة من الرأس ولا حول ولا قوة إلا بالله وليت شعري أين هم لو سلموا من الطعن وبرئت ساحتهم من الظلم، وأين غيرهم من أخ الرسول (صلي الله عليه وآله) وخليفته ووزيره ومعينه وسيد المؤمنين به وساقي عطاشي أمته من حوضه يوم الورود علي الله، وأين يقع فضل الفضلاء من فضله وهو منبع الفضائل ومعدن المفاخر والوسائل، وهل سبقه إلي الفضل إلا السابق لكل خير رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأتي بعده مصليا ليكون ذلك المنذر ويكون هو الهادي كما صح في روايات غير لشيعة فقد أخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ما أنزل الله: [يا أيها الذين آمنوا] إلا وعلي أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) في غير مكان وما ذكر عليا (عليه السلام) إلا بخير [682] وأخرج ابن عساكر عنه قال ما نزل في أحد من كتاب الله تعالي ما نزل في علي [683] ، وأخرج عنه أيضا قال: نزل في علي (عليه السلام) ثلاثمائة آية [684] وأخرج الطبراني عنه قال: كانت لعلي (عليه السلام) ثمانية عشر منقبة ما كانت لأحد من هذه الأمة [685] وأخرج ابن عساكر عن ابن [ صفحه 337] مسعود قال أفرض أهل المدينة وأقضاها علي (عليه السلام) [686] وروي الطبراني عن ابن عباس قال لما أنزل قوله تعالي: [إنما أنت منذر ولكل قوم هاد] [687] قال (صلي الله عليه وآله) (أنا المنذر وعلي الهادي وبك يا علي يهتدي المهتدون) [688] ، وروي أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره عن أبي ذر (رضي الله عنه) في حديث قال فيه: قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (اللهم إني محمد نبيك وصفيك، اللهم فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به ظهري) قال أبو ذر: فما استتم دعاؤه حتي نزل عليه جبرئيل من عند الله عز وجل وقال قرأ: [إنما وليكم الله ورسوله الذين آمنوا] [689] الآية وروي أبو المؤيد في مناقبه عن أبي بردة قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ونحن جلوس ذات يوم: (والذي نفسي بيده لا يزال قدم عن قدم يوم القيمة حتي يسأل الله تعالي الرجل عن أربع عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن ماله مما كسبه وفيم أنفقه، وعن حبنا أهل البيت) فقال له عمر: ما آية حبكم فوضع يده علي رأس علي (عليه السلام) وهو جالس إلي جانبه وقال: (آية حبي حب هذا من بعدي) [690] . وروي الواحدي في أسباب النزول عن الحسن والثعلبي والقرطبي قالوا: إن عليا (عليه السلام) وطلحة بن شيبة والعباس افتخروا فقال طلحة: أنا صاحب البيت مفتاحه بيدي ولو شئت كنت فيه، فقال العباس: وأنا صاحب السقاية والقائم عليها، فقال علي (عليه السلام): (لا أدري لقد صليت [ صفحه 338] ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد) فأنزل الله تعالي: [أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله] إلي قوله: [الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون] [691] . وروي في الإسعاف عن ابن السماك أن أبا بكر قال: سمعت النبي (صلي الله عليه وآله) يقول: (لا يجوز علي الصراط إلا من كتب له علي الجواز) [692] فهذا من جملة ما ورد فيه صلوات الله عليه في حديثهم من المحامد العظام فأني يجازيه من لم يفز بشئ من تلك الأوصاف، وكيف يوازنه من لم ينل واحدة من هذه الخصال، وكيف يدرك شأوه من لم يحرز فعلا واحدا مما له من محمود الفعال، فوضح من جميع ما بيناه أن عليا (عليه السلام) هو الأفضل للأدلة السالمة من القدح، والأحاديث البعيدة عن الطعن، ووضوح بطلان ما عارضها مما تعلق به الخصم، فهو الإمام بعد الرسول إذ لا يقدم علي الأفضل المفضول، وهذه الأدلة المذكورة في الفصول كلها نصوص صريحة في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) واضحة في استخلافه وبها يبطل ما أنكره ابن أبي الحديد من النص علي إمامته حيث قال بعد ذكر جملة من أخبار السقيفة وإخراج أمير المؤمنين من بيته علي أصعب وجه: واعلم أن الآثار والأخبار في هذا الباب كثيرة جدا ومن تأملها وأنصف علم أنه لم يكن هناك نص صريح مقطوع به لا تختلجه الشكوك، ولا تتطرق إليه الاحتمالات كما تزعم الإمامية، فإنهم يقولون إن الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) نص علي أمير المؤمنين نصا صريحا جليا ليس بنص يوم [ صفحه 339] الغدير، ولا خبر المنزلة ولا ما شابههما من الأخبار الواردة من طرق العامة وغيرها، بل نص عليه بالخلافة وبأمرة المؤمنين وأمر المسلمين أن يسلموا عليه بذلك فسلموا عليه بها، وصرح لهم في كثير من المقامات بأنه خليفة عليهم من بعده، وأمرهم بالسمع والطاعة ولا ريب أن المنصف إذا سمع ما جري لهم بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يعلم قطعا أنه لم يكن هذا النص، ولكن قد يسبق إلي النفوس والعقول أنه قد كان هناك تعريض وتلويح وكناية وقول غير صريح، وحكم غير مبتوت، ولعله يصده عن التصريح بذلك أمر يعلمه ومصلحة يراعيها، ووقوف مع إذن الله تعالي في ذلك [693] انتهي. أقول: إن العارف المنصف إذا نظر هذا الكلام ووقف علي ما ذكره قائله من النصوص المتقدمة يعلم قطعا أن قائل هذا القول قد سلك مسلك العناد، وخاض بحر العصبية واللداد، وأي نص لم يصرح به الرسول مما يدل علي استخلافه عليا حتي يقال: يصده عن ذاك أمر يعلمه ومصلحة يراعيها، وأي لفظ مما ذكره هذا المورد وأقر بأنه موجب للنص علي الإمامة وأكثر منه لم يرد عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) في حق علي (عليه السلام) قال فيه: (إمام المتقين) [694] وقال فيه: (سيد المسلمين) [695] وقال فيه: (هو ولي كل مؤمن من بعدي) [696] وقال فيه: (خليفتي) [697] في حديث الموازرة وقال (اسمعوا [ صفحه 340] له وأطيعوا) [698] وقال فيه: (وصيي ووزيري وأحق بمقامي بعدي واختاره الله بعدي) [699] وغير ذلك مما سمعت مفصلا فأي نص يريد ابن أبي الحديد أجلي وأوضح من هذه النصوص، وأي لفظ يطلبه للدلالة علي الإمامة أصرح من تلك الألفاظ، وهل يرتاب عاقل أو يختلجه شك في أن قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (علي (عليه السلام) إمام أوليائي، وإمام المتقين، وإمامكم من بعدي) يريد به الإمامة المعروفة ذلك الوقت وما بعده، وهل يوجد لفظ أجلي في الإمامة من هذا اللفظ، أليس بقبيح من عاقل أن يقول: ما أراد النبي (صلي الله عليه وآله) بلفظ امام الإمام؟؟ ولا عني الإمامة، أوليس يقال: لو أراد النبي (صلي الله عليه وآله) أن ينص علي علي (عليه السلام) بالإمامة ما ذا كان يقول أيحتاج في ذلك إلي أكثر من قوله: (علي الإمام بعدي) أو (إمامكم بعدي) فإنه لا يجد سبيلا عن أن يقول بلي يكفيه هذا اللفظ ولا يحتاج في ذلك إلي أكثر منه، وقد قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ذلك مرارا فيما روي الرجل ودع عنك ما رواه غيره زيادة عليه، فهو النص الصريح، ولو تمحل ابن أبي الحديد وقال: لا يكفي في ذلك إلا ما نسبنا إلي الإمامية ادعاءه في كلامنا قلنا له إنك قد رويت ذلك كله فيما رويت عن النبي (صلي الله عليه وآله) بلفظه أو بمرادفه، ولم يبق إلا أمره بالتسليم علي علي (عليه السلام) بالإمرة، فإنه وإن كان صحيحا لكنك لم تروه [700] وليس هذا مما يتوقف النص الصريح عليه حتي تحتج علي عدم النص بعدمه فإنك تسلم أن أبا بكر نص علي عمر نصا صريحا باستخلافه بمجرد قوله: إني عهدت إلي عمر بن الخطاب ولم تحتج أنت ولا غيرك في نصبه عليه إلي إمرة المسلمين أن يسلموا عليه بالخلافة، فليس [ صفحه 341] لك أن تلزمنا بما لم تلزم به نفسك ولم نلتزم به نحن، فإنا نقول: إنه وقع ولسنا نقول أن النص علي علي (عليه السلام) من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) لا يصح إلا به فإن ادعيت ذلك فأثبته علينا وحينئذ قد حصل النص الذي لا تختلجه الشكوك من قولك وروايتك، علي أن الإمامية لا يحتاجون في إثبات النص علي أمير المؤمنين إلي أكثر من خبر الغدير وخبر المنزلة كما زعمت لصراحتهما في ذلك، وهل أبقيا شيئا من معني الإمامة والخلافة حتي يحتاج الإمامية في إثباته إلي دليل غيرهما لو كنت تنصف، وهل مشابههما وغيره من الأخبار إلا مؤكد لهما، ومقو لدلالتهما، ومضاعف لصراحتهما أضعافا مضاعفة، فسبحان الله ما هذا النص الصريح بعد ما طلبت واقترحت؟ ألا تدلنا عليه ما هو وما صفته وما لفظه وما معناه حتي نعلمه ونقف عنده؟ فليس بيننا وبين الحق عداوة، ولم يكن قدمنا عليا علي غيره من الصحابة في الفضل والإمامة طمعا في دنيا نصيبها، ولا رغبة في ثروة ننالها، فإنا نعلم وأنتم تعلمون أن الرئاسة في الدنيا قديما وحديثا لمن ناواه، والمال والثروة والغلبة فيها لمن عاداه، وإن أولياءه ومحبيه ما زالوا مقهورين مغلوبين خائفين، وإنما صرنا إلي ما صرنا إليه لما ساقنا إليه الدليل الواضح، والبرهان المبين الذي أقررتم بصحته، فدلونا علي ما ينقضه مما اجتمعنا نحن وإياكم علي صحته وسلامته من مناقضة بعضه بعضا حتي نعدل إليه، وأما التأويلات الركيكة والاستبعادات الواهنة والتمحلات [701] الممتنعة والتعللات الباردة فليست مما يجوز أن يترك لها الدليل، ولا أن يعدل بها عنه، وبالجملة فما أدري ما هذه النصوص التي تدل علي الإمامة عند ابن أبي الحديد وأصحابه التي لا يختلجها الشك ولا تطرق إليها الاحتمالات، وما تلك الألفاظ الصريحة فيها غير تلك الألفاظ المذكورة حتي نعرفها، فإنا لا [ صفحه 342] نفهم لفظا في الإمامة والخلافة أصرح من لفظ الإمام والخليفة وما رادفهما مما رقمناه ورسمناه حتي نأتيهم به، والصريح جئناهم به من حديثهم فما أذعنوا به، وما ذلك إلا تعللات عن قبول الحق ومدافعة للحجة بالراح، وما أظن القوم إلا أنهم يريدون منا أن نرقي في السماء ثم نأتيهم بكتاب من الله تعالي يقرءونه وفيه إلي عبادي المعتزلة فلان وفلان بأسمائهم أما بعد فإن رسولي محمد بن عبد الله قد نص علي علي بالإمامة والخلافة وقد صدق الإمامية فيما قالوا فيكون حينئذ عند القوم نصا، وهذا شئ تعذر علي الأنبياء والأوصياء فكيف يمكن مثله لرواة أخبارهم ونقله آثارهم والمقتبسين من شعاع أنوارهم، وأظن أنه لو تيسر ذلك لم يقبلوه ولم يصدقوه ولتأولوه ودافعوا فيه، وإلا لصدقوا ما رووه وصححوه عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) من ذلك، وكأنهم اقتدوا بأم المؤمنين عائشة لروايتهم في شأنها (خذوا نصف دينكم من الحميراء) [702] قد روت في حق علي (ع) ما سمعته قريبا وحضرت وصية النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إليه كما قاله خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين في شعره الذي مر عليك، وقد خرجت تحاربه مع أنها سمعت رسول الله يقول لها في حق علي (عليه السلام) (ستقاتلينه يوما وأنت ظالمة له وتنبحك في طريقك كلاب الحوئب) فلما سارت إلي البصرة ووصلت ذلك الماء نبحتها كلابه فسألت عن اسمه فقيل ماء الحوئب فقالت: ردوني فإني سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول كذا وكذا وذكرت الحديث، فلفق لها طلحة والزبير رجالا من الأعراب وقد جعلوا لهم جعلا [ صفحه 343] ورشوة فشهدوا عندها أنه ليس بماء الحوئب فقبلت الإنكار بعد الإقرار وصدقت شهادة الأعراب كأن رسول الله لم يخبرها بذلك، والعجيب أنها بعد ذلك كتبت إلي حفصة تبشرها أن عليا لما بلغه كثرة جمعنا بقي متحيرا وصار كالفرس الأشقر إن تقدم عقر وإن تأخر نحر حتي قال في ذلك كله سهل بن حنيف الأنصاري رحمه الله عذرنا الرجال بحرب الرجال++ فما للنساء وما للسباب أما حسبنا ما أتينا به++ لك الخير من هتك ذاك الحجاب ومخرجها اليوم من بيتها++ يعرفها الذنب نبح الكلاب إلي أن أتانا كتاب لها++ مشوم بأقبح ذاك الكتاب وكل هذا ذكره ابن أبي الحديد ورواه غيره من أهل السير فروايته وأصحابه شيئا والقول بخلافه شئ آخر: ولا أدري كيف قال: ليس علي علي بالإمامة نص صريح وإنما هو تعريض وتلويح بعد روايته لحديث الغدير وقول عمر لعلي (عليه السلام) ذلك اليوم: هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت مولي كل مؤمن ومؤمنة [703] كما روي أيضا عن ابن عباس قال دخلت علي عمر في أول خلافته وقد ألقي له صاع من تمر علي خصفة فدعاني إلي الأكل فأكلت تمرة واحدة وأقبل يأكل حتي أتي عليه ثم شرب من جر كان عنده، واستلقي علي مرفقة له وطفق يحمد الله يكرر ذلك، ثم قال: من أين جئت يا عبد الله قلت: من المسجد قال: كيف خلفت ابن عمك فظننته يعني عبد الله بن جعفر فقلت خلفته يلعب مع أتراب له، فقال: لم أعن [ صفحه 344] ذلك وإنما عنيت عظيمكم أهل البيت، قلت: خلفته يمتح بالغرب [704] علي نخيلات بني فلان وهو يقرأ القرآن، قال: يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفسه شئ من أمر الخلافة؟ قلت: نعم قال: أيزعم أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) نص عليه، قلت: نعم وأزيدك أني سألت أبي عما يدعيه فقال: صدق، فقال عمر: لقد كان من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في أمره ذرو [705] من القول لا يثبت حجة ولا يقطع عذرا، ولقد كان يربع [706] في أمره وقتا ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا وحيطة علي الإسلام، لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا، ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إني علمت ما في نفسه فأمسك، وأبي الله إلا إمضاء ما حتم [707] . قال ابن أبي الحديد: ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في كتابه مسندا [708] انتهي فانظر إلي قولهم أنه ليس علي إمامة علي (عليه السلام) نص صريح وإنما هو تعريض وتلويح فإنه مأخوذ من قوله هنا: لقد كان من رسول الله (صلي الله عليه وآله) في أمره ذرو من القول لا يثبت حجة، ولا يقطع عذرا، وقوله: فمنعت من ذلك، لا يريد به الحقيقة بمعني أنه قال للنبي (صلي الله عليه وآله) لا تفعل لعدم قدرته علي ذلك في ذلك الوقت، لكنه أراد أني قلت قولا علم من رسول الله (صلي الله عليه وآله) إنا نخالفه لو صرح باسم علي (عليه السلام) فترك ذلك لعدم الفائدة، وأشار بهذا إلي قصة الكتاب حيث قال النبي [ صفحه 345] (صلي الله عليه وآله) للحاضرين عنده: (هلم اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا) فقال عمر: اهجر استفهموه، فاختلف الحاضرون، فقالت طائفة: قربوا إليه يكتب لكم، وقالت طائفة أخري: القول ما قاله عمر، فغضب النبي (صلي الله عليه وآله) وقال: (قوموا عني فلا ينبغي عند نبي تنازع) وهذا الحديث مروي في صحاح القوم كصحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرهما وهو بالغ حد التواتر في الجملة، وألفاظه مختلفة بالزيادة والنقص، وصورة ما ذكرناه متفق عليها وذكره ابن أبي الحديد بلفظه مرة وأشار إليه مرارا. ثم يقال لابن أبي الحديد: أليس دل هذا الحديث علي النص من قول علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) نص عليه وقوله حق عندك لأنه مع الحق، ومن شهادة عمه العباس له بذلك، فأين قولك، أنه لا نص هناك وإنكارك علي الإمامية دعواه؟ أولست بإنكارك النص كذبت عليا، ورددت شهادة العباس ولم تكن كذبت الإمامية خاصة؟ وأين قولك في كثير من المواضع: إن عليا لم يحتج علي الصحابة بالنص، وهذا الخبر ينص علي ذلك من قول عمر: أيزعم أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) نص عليه، ومن قول ابن عباس: نعم، أفما في هذا دلالة صريحة علي أن عليا (عليه السلام) كان طالبا للخلافة محتجا علي ذلك بنص الرسول (صلي الله عليه وآله) وأن عمر قد علم ذلك وسمعه، وأن ابن عباس كذلك وأن العباس سمعه وشهد له، افتري باقي الصحابة لم يسمعوا ذلك! ولا ضير أيضا لو لم يسمعوا إذا كان الخصم قد سمع الدعوي والحجة عليها. ثم يقال له أيضا أليس في كلام عمر تناقض بين لأنه أنكر النص أو لا وذكر أنه لا نص وإنما هو شئ من القول لا تقوم به الحجة ولا يقطع العذر [ صفحه 346] ثم قال ولقد أراد رسول الله في مرضه أن يصرح باسمه، أفليس يدل هذا القول علي أن عمر قطع أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) يريد التصريح باسم علي (عليه السلام) وتعيينه للخلافة فأخبر أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) نص عليه بهذه الإرادة، وإذا علم ذلك فلا يحتاج إلي اللفظ لأن الحاجة إلي اللفظ إنما هي لإبراز ما في الضمير، وإذا كان القصد معلوما من الإشارة فلا حاجة إلي اللفظ، وإذا علم عمر من إشارة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي الكتاب إرادته النص علي علي (عليه السلام) فقد علم النص عليه، فكيف يقول لا نص؟ فدل قوله علي أنه رد علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قضاءه ومنعه من إنفاذ حكمه. ثم يقال له أيضا: أي ضرر علي الإسلام إذا ولي الأمة أعلمهم بالكتاب والسنة وأشجعهم وأتقاهم وأقربهم إلي الرسول قرابة حتي يشفق علي الإسلام من ولايته وهو الذي شيد الإسلام بسيفه ومهد قواعده بجهاده؟ وكيف لا تجتمع عليه قريش بعد نص النبي (صلي الله عليه وآله) عليه وأنت تزعم أن الصحابة لا يخالفون نص النبي (صلي الله عليه وآله)؟ وكيف تنتقض عليه العرب مع النص عليه من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) أليس هذا إخبارا صريحا من عمر عن تعمد قريش لمعصية الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) ومخالفته وعدم اعتنائهم بنصه فأين زعمك أن الصحابة لو سمعوا نصا من النبي (صلي الله عليه وآله) لما خالفوه، وهذا عمر يخبر عنهم وهو منهم أنهم ملتزمون بمخالفة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في علي (عليه السلام) إذا نص عليه وصرح باسمه، فحديثك كله نص فيما نقول وشاهد علي ما ندعي، فبطل إنكارك ما قلناه، وكل ما أوردناه علي ابن أبي الحديد وارد عن عمر حرفا بحرف، ثم يقال له أيضا: هب أن قريشا تخالف نص الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وتعصيه لم ابتدأت أنت بذلك وبادرت إلي المخالفة ومنعته من التصريح باسم علي [ صفحه 347] (عليه السلام)، وتحملت مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وابتدعتها لقريش وجرأتهم عليها وطرقتها لهم والنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) حي، ولم وافقتهم وشاركتهم في مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ومعصيته بعد وفاته في عدولهم عن وصيه إلي غيره وكنت أنت المتقدم لهم في ذلك وأول الساعين فيه وأعظم المساعدين عليه؟ وهلا كنت مساعدا لمن نص عليه النبي (صلي الله عليه وآله) كما ساعدت غيره؟ وكيف تركت من قصد النبي (صلي الله عليه وآله) توليته وعدلت عنه وبادرت إلي بزه خلافته وسارعت إلي نصب من لم يشر إليه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في هذا الأمر وادعيت أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) رضيه للدين فرضيته للدنيا؟ وهلا عدلت عن ذلك كله إلي طاعة الرسول حيا وميتا ولا يضرك عصيان من عصي؟ فما أدري ماذا تصنع المعتزلة أيكذبون هذه الأحاديث المروية من الكتب الصحيحة عندهم؟ أم يكذبون عليا (عليه السلام) في دعواه نص الرسول (صلي الله عليه وآله) عليه ويردون شهادة العباس بذلك له؟ أم يكذبون عمر الذي افتعلوا في شأنه (إن الملك ينطق علي لسانه) في إخباره عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه أشار إلي علي (عليه السلام) بالخلافة في أيام حياته وقصد التصريح به في مرضه وأن المنع من التصريح باسمه إنما جاء من قبله مع أن ذلك معاندة لرسول الله (صلي الله عليه وآله) وردا لأمره وجرأة علي الله في مخالفته، وليت شعري كيف يتابع هؤلاء القوم من يحرم الحلال ويحلل الحرام ويقبلون قوله ويقدمونه علي نص الكتاب والسنة، فإذا أخبر عن نفسه بأنه عصي وخالف الرسول (صلي الله عليه وآله) كذبوه، وهذا يدلك علي أنهم قد تحيلوا علي التقليد المحض في مذهبهم والتصديق الصرف لأسلافهم، فهم مذعنون لهم فيما قالوه وإن خالف ما رووه وصححوه وجملة الأمران الأولين قصدوا إلي إنكار النصوص الواردة عن النبي (صلي الله عليه [ صفحه 348] وآله وسلم) علي علي (عليه السلام) وإخفائها وسترها ما استطاعوا قولا وفعلا والآخرون من معتزلة وأشاعرة ورعاع الناس وأهل الأطماع في الدنيا قلدوهم في ذلك واتبعوهم علي غير بصيرة، فتراهم يروون النص الصريح ويقولون ليس هذا بنص صريح، والمنصف المتأمل في أمرهم إذا نظر إلي أقوالهم لا يختلجه الشك ولا يدخله الريب في أن هذه طريقتهم ودأبهم، وليتهم إذا أخفوا نصوص إمامة علي (عليه السلام) اقتصروا علي ذلك ولم يتعدوا عنه إلي تزويرهم الأخبار في ذمه واختلاقهم الأحاديث في فضائل المتقدمين عليه ليعارضوا بها ما لم يجدوا إلي إخفائه وستره سبيلا من مناقبه مثل خطبة ابنة أبي جهل وأن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) غضب عليه لذلك وأنه قال: (إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء) إلي غير ذلك مما ذكروا من الأكاذيب وسيأتي لهذا المبحث كشف وبيان في موضع هو أخلق بذكره من هنا فترقب والحاصل أنه لولا فعل الشيخين بأمير المؤمنين وتهجينهما أمره وتصغيرهما قدره لكانت النصوص المذكورة علي إمامته زاهرة أقمارها، مشرقة شموسها، مضيئة أنوارها تملأ عين كل ناظر وتقرع سمع كل باد وحاضر، لكنهما أطفئا تلك الأنوار الظاهرة وأخفيا تلك الشموس الزاهرة ولولاهما لم يخالف أمير المؤمنين (عليه السلام) أحد من الناس ولكان أجل قدرا من أن يضام ويجترئ أحد من الناس علي منازعته ولقد صرح بهذا معاوية بن أبي سفيان في كتابه إلي محمد بن أبي بكر وهو غير متهم علي الشيخين قال في ذلك الكتاب (فقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا نري حق ابن أبي طالب لازما لنا، وفضله مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده، وأتم له ما وعده، وأظهر دعوته وأفلج حجته قبضه الله إليه فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه، علي ذلك اتفقا واتسقا إلي آخر ما قال من شبه هذا فلقد صدق وليس بصدوق روي هذا الكتاب ابن أبي الحديد عن نصر بن [ صفحه 349] مزاحم المنقري وكان عند ابن أبي الحديد ثقة ثبتا في الحديث [709] فأعطي قول معاوية أن مخالفته لعلي (عليه السلام) ومناوأته له إنما كانت لما فعلاه من ابتزاز حقه في أول الأمر فكان ذلك مطمعا لمعاوية في نيل الرئاسة ومجسرا له علي المخالفة، ولم يكن ذلك منه لعدم علمه بفضل علي (عليه السلام) ولا لجهالته بعدم لزوم حقه علي الناس في حياة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وما ذاك إلا لما بينه النبي (صلي الله عليه وآله) من فضله وما ألزمه الناس من حقه بالقول والفعل، ولا يكون ذلك إلا بنص عليه، فلعمري أن في قول معاوية إقرارا بالنص من جهة اللزوم وتصريحا بمخالفة الشيخين له وذلك هو ما نقول، وهو أعظم حجة علي معاوية حيث صرح بتعمده مخالفة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) في خلعه ما لزمه من حق علي (عليه السلام) تقليدا لفلان وفلان فقد ظهر الحق وتوجه النقض علي ابن أبي الحديد وأصحابه وبطل ما كانوا يعملون. فإن قيل: كيف قبحتم علي المعتزلة صرف ألفاظ الأخبار عن نصوصها والعدول بها عن ظواهرها مع أنهم قصدوا بذلك التوفيق بينها وبين فعل الصحابة وأنتم جوزتم لأنفسكم صرف ألفاظ القرآن الدالة علي صدور المعصية من الأنبياء مثل [وعصي آدم ربه فغوي] [710] وغيرها عن نصوصها وظواهرها إلي مجازات بعيدة كترك الأولي وفعل المرجوح وغير ذلك، فكيف جاز لكم صرف اللفظ عن صريحه إلي بعض محتملاته البعيدة ولم يجز للمعتزلة ذلك؟ قلنا: هذه الحجة هي التي ركن إليها ابن أبي الحديد وقوم من أصحابه واستطاعوا علي الإمامية بها وهي أوهن من بيت العنكبوت، والجواب عنها أن نقول: إنا إنما صرنا إلي ما صرنا إليه من صرف الألفاظ [ صفحه 350] القرآنية الدالة علي صدور المعاصي من الأنبياء عن ظواهرها إلي المجازات مثل ترك الأولي وفعل المرجوح لما ثبت من وجوب عصمة الأنبياء عليهما السلام عن مواقعة الذنوب والخطايا كبائرها وصغائرها بالدليل القاطع من العقل والنقل، فلذلك حملنا الألفاظ الواردة في صدور المعاصي منهم علي ترك الأولي وفعل المرجوح وما أشبه ذلك، وعدلنا بها عن مفادها ظاهرا إلي مجازات بعيدة طلبا للتوفيق بين الدليلين المعلومين، وهربا من تناقض الأمرين القطعيين، ولولا ما قام من الدليل المقطوع به من العقل والنقل علي نزاهة الأنبياء من مباشرة الذنوب وطهارتهم من مقارفة المعاصي والعيوب لتركنا الألفاظ علي حالها، وأبقيناها علي مفادها، ولم نحتج إلي تكلف التأويلات، علي أن المعتزلة قد شاركونا في تأويلها ووافقونا علي صرفها في غير معانيها لوجوب عصمة الأنبياء عندهم، غاية الأمر أنهم حملوها علي الصغائر المكفرة لوجوب عصمة الأنبياء عندهم عن الكبائر خاصة، أما التأويل فعليه الاتفاق بيننا وبينهم وليس الأمر في الصحابة كذلك فإنهم غير معصومين باتفاق الأمة ولم يكن منهم من قيل بعصمته إلا صاحبنا الذي نحن بصدد إثبات النص عليه، فلما كان الصحابة غير معصومين قطعا لم يجز صرف الألفاظ الصريحة عن معانيها إذا خالفت أفعالهم ولم يسغ رد نصوص الكلمات الصحيحة إذا ناقضت سيرتهم إذ لا داعي إلي ذلك بعد انتفاء عصمتهم وجواز وقوع المعصية منهم والسهو والغلط عليهم، فهذا فصل ما بين الأمرين والفارق ما بين الحالين فما ظنك بعد هذا بما إذا كان وقوع العصيان منهم معلوما وصدور المخالفة لله ورسوله منهم متحققا، أفيجوز تخلية اليد من نص اللفظ المعلوم الصدور ممن قوله حجة وتركه والعدول به إلي غير معناه لتصحيح أفعالهم الباطلة في نفسها فنكون قد تركنا المعلوم للموهوم؟ حاشا ما يقول بذا ذو عقل فضلا عن ذي فضل فثبت المراد واندفع الايراد. وأما الأمور الصادرة من النبي (صلي الله عليه وآله) في شأن أمير المؤمنين [ صفحه 351] من افعال وأقوال تنبئ عن عظيم منزلته وجلالته قدره ورفعة شأنه، وتدل علي إبانته إياه علي غيره، وتومي إلي إرادة رئاسته وتشير إلي قصد النبي (صلي الله عليه وآله) إظهار إمامته فهي كثيرة. فأما الأفعال فمنها مؤاخاة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) فإنه قد اتفق الناس علي أن النبي (عليه السلام) حين آخي بين أصحابه آخي بين علي ونفسه، وصفة المؤاخاة رووها عن عبد الله بن عمرو عن عبد الله بن العباس، قال ابن عمر: لما آخي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بين صحابته جاءه علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعيناه تدمعان فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد فسمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: (أنت أخي في الدنيا والآخرة) [711] . وفي حديث ابن عباس قال: لما آخي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار وهو أنه (صلي الله عليه وآله وسلم (آخي بين أبي سكر وعمر وآخي بين عثمان بن عفان وبين عبد الرحمن بن عوف وآخي بين طلحة والزبير وآخي بين أبي ذر والمقداد ولم يؤاخ بين علي بن أبي طالب وبين أحد منهم خرج علي مغضبا إلي أن قال: (أغضبت حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم أؤاخ بينك وبين أحد منهم؟ أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي إلا من أحبك فقد حف بالأمن والإيمان ومن أبغضك أماته الله ميتة [ صفحه 352] جاهلية) [712] . وأما قول النبي (صلي الله عليه وآله) لعلي أخي فهو كثير في الأحاديث المتقدمة والآتية وغيرها، وهذا الفعل من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بعلي (عليه السلام) يدل علي أمرين. أحدهما: إن عليا (عليه السلام) لا يماثله أحد من الصحابة ولو كان له مثيل أو شبيه منهم لآخاه. والثاني: إن عليا (عليه السلام) مماثل لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في صفاته إلا ما خرج بدليل قاطع لأن حقيقة الأخوة رجوع شيئين أو أكثر إلي أصل واحد فهي إذن مماثلة بين اثنين في صفة أو صفات، فمن النسب مماثلة شخصين في التولد من أبوين معا أو من أحدهما، وبين المؤمنين مماثلتهم في الإيمان، وأخوة علي (عليه السلام) للرسول (عليه السلام مماثلة في صفاته، ولما كانت غير معينة في شئ ولا مخصوصة بصفة كانت عامة لكل الصفات إلا ما علم انتفاؤه كالتولد من أبوين أو من أحدهما للعلم بانتفاء ذلك، ومثل النبوة لختمها بالنبي (صلي الله عليه وآله) كما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فبقي ما سواهما من الصفات داخلا في عموم المماثلة مثل العلم والعصمة والأفضلية علي الخلق والإمامة كما قال الحسن البصري فرسول الله (صلي الله عليه وآله) خير الناس نفسا وخيرهم أخا، فمؤاخاة النبي (صلي الله عليه وآله) لعلي دالة علي أن عليا هو الصالح لمماثلته في صفاته والقيام مقامه بعد وفاته، لأن من جملة ما ماثله فيه الإمامة فهو الإمام بعده وأن من سواه غير صالح لمماثلة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وإلا لآخاه، ولا مستحقا لمشاكلة علي (عليه السلام [ صفحه 353] وإلا لآخي بينه وبينه، فمفاده أنه لا يصلح أحد من الصحابة غير علي (عليه السلام) للقيام مقام النبي (صلي الله عليه وآله) في دينه وأمته من بعده، فهذا الفعل يكاد يلحق بالنصوص الصريحة علي إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) إن لم يكن من أدلها وأوضحها عند إعطاء التأمل حقه وليس من أدلة الإشارات والأمارات كما تري، والعجب كيف تقتضي صحبه أبي بكر لرسول الله (صلي الله عليه وآله) في الغار عند أبي عبيدة وعمر إرادة رسول الله (صلي الله عليه وآله) تقديمه عليهما بزعمهما فيمتنعان من التقدم عليه يوم السقيفة كما رواه ابن أبي الحديد [713] وغيره من قولهما مع ما في أمر صحبته الغار من الايراد وعدم تحقق السلامة من الطعن كما سلف منا إشارة إليه ولا تقتضي مؤاخاة النبي (صلي الله عليه وآله) عليا عندهما إرادة تقديمه علي الناس كافة مع ما فيها من التشريف الظاهر، والتفضيل البين، والتنويه الواضح بشأن أمير المؤمنين (عليه السلام) مع ما يشاركه من الأفعال والأقوال، والمدح العظيم والثناء الجسيم من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عليه ما هذا إلا عناد وإنكار صريح الفضل أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ فأعاذنا الله تعالي من الغفلات وقد تقدم هذا كلام في موضع دعت الحاجة إلي ذكره فيها وأوضحنا هناك فيه ما ينتفع به ههنا.

مبيت علي ليلة الهجرة في فراش النبي

ومنها إباتة النبي (عليه السلام) عليا (عليه السلام) علي فراشه لما أراد مشركوا قريش قتله في داره، ونحن نذكر من ذلك ما ذكره ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الإسكافي المعتزلي في نقضه علي الجاحظ، ونكتفي به فإنه قد أتي من ذلك بما لا ينبغي الزيادة عليه، قال في جواب الجاحظ: (ثم يقال له: ما بالك أهملت أمر مبيت علي (عليه السلام) علي الفراش بمكة ليلة الهجرة هل نسيته أم تناسيته؟ فإنها المحنة العظيمة والفضيلة الشريفة التي [ صفحه 354] إذا امتحنها الناظر وأجال فكره فيها رأي تحتها فضائل متفرقة ومناقب متفاوتة وذلك أنه لما استقر الخبر عند المشركين أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مجمع علي الخروج من بينهم والهجرة إلي غيرهم قصدوا إلي معاجلته وتعاقدوا علي أن يبيتوه في فراشه وأن يضربوه بأسياف كثيرة بيد كل صاحب قبيلة من قريش سيف منها ليضيع دمه بين الشعوب ويتفرق بين القبائل ولا يطلب بنوا هاشم بدمه قبيلة واحدة بعينها من بطون قريش وتحالفوا علي تلك الليلة واجتمعوا عليها فلما علم رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذلك من أمرهم دعا أوثق الناس عنده وأمثلهم في نفسه وأبذلهم في ذات الله لمهجته وأسرعهم إجابة إلي طاعته فقال له: (إن قريشا قد تحالفت علي أن تبيتني هذه الليلة فامض إلي فراشي ونم في مضجعي والتف في بردي الحضرمي ليروا أني لم أخرج وإني خارج إن شاء الله تعالي) فمنعه أولا من التحرز وأعمال الحيلة وصده عن الاستظهار لنفسه بنوع من أنواع المكايد والجهات التي يحتاط بها الناس لنفوسهم والجأه إلي أن يعرض نفسه لظبات السيوف الشحيذة من أرباب الحنق والغيظة فأجاب إلي ذلك سامعا مطيعا طيبة بها نفسه ونام علي فراشه صابرا محتسبا واقيا له بمهجته ينتظر القتل ولا نعلم فوق بذل النفس درجة يلتسمها صابر ولا يبلغها طالب (والجود بالنفس أقصي غاية الجود) ولولا أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علم أنه أهل لذلك لما أهله ولو كان عنده نقص في صبره أو في شجاعته أو في مناصحته لابن عمه واختير لذلك لكان من اختاره (صلي الله عليه وآله) منقوصا في رأيه مقصرا في اختياره ولا يجوز أن يقول هذا أحد من أهل الإسلام وكلهم يجمعون علي أن الرسول (صلي الله عليه وآله) عمل بالصواب وأحسن في الاختيار ثم في ذلك إذا تأمله المتأمل وجوه من الفضل منها أنه وإن كان عنده في موضع الثقة فإنه غير مأمون عليه ألا يضبط السر فيفسد التدبير بإفشائه تلك الليلة إلي من يلقيه إلي الأعداء ومنها أنه وإن كان ضابطا للسر ثقة عند من اختاره [ صفحه 355] فغير مأمون عليه الجبن عند مفاجأة المكروه ومباشرة الأهوال فيفر من الفراش فيفطن لموضع الحيلة ويطلب رسول الله (صلي الله عليه وآله) فيظفر به ومنها أنه وإن كان ثقة ضابطا للسر شجاعا نجدا فلعله غير محتمل للمبيت علي الفراش لأن هذا خارج عن الشجاعة إذ قد أقامه مقام المكتوف الممنوع، بل هو أشد مشقة من المكتوف الممنوع، لأن المكتوف الممنوع يعلم من نفسه أنه لا سبيل إلي الهرب وهذا يجد السبيل إلي الهرب وإلي الدفع عن نفسه ولا يهرب ولا يدافع، ومنها أنه وإن كان ثقة ضابطا للسر شجاعا محتملا للمبيت علي لفراش فإنه غير مأمون أن يذهب صبره عند العقوبة الواقعة والعذاب النازل بساحته حتي يبوح بما عنده ويصير إلي الإقرار بما يعلمه وهو أنه أخذ طريق كذا فيطلب فيؤخذ فلهذا قال علماء المسلمين: إن فضيلة علي (عليه السلام) تلك الليلة لا نعلم أحدا من البشر نال مثلها إلا ما كان من إسحاق وإبراهيم عند استسلامه للذبح ولولا أن الأنبياء لا يفضلهم غيرهم لقلنا إن محنة علي أعظم لأنه قد روي أن إسحاق تلكأ لما أمره أن يضطجع وبكي علي نفسه وقد كان أبوه يعلم أن عنده في ذلك وقفة ولذلك قال له [انظر ماذا تري] [714] وحال علي (عليه إسلام) بخلاف ذلك فإنه ما تلكأ ولا تعتع ولا تغير لونه ولا اضطربت أعضاؤه " - أن قال -: " وذلك لعلم كل واحد منهما أن أحدا لا يصبر علي ثقل هذه المحنة ولا يتورط هذه الهلكة إلا من خصه الله بالصبر علي مشقتها والفوز بفضيلتها وله من جنس ذلك افعال كثيرة " ثم قال: " إنه قد ثبت بالتواتر حديث الفراش " قال: " وقال أهل التفسير أن قوله تعالي: [ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين] [715] كناية عن علي (عليه السلام) ثم ذكر إن مكرهم توزيع السيوف علي بطون قريش ومكر الله هو منام علي علي الفراش " قال: " وقد روي المفسرون كلهم أن قول الله [ صفحه 356] تعالي: [ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله] [716] أنزلت في علي (عليه السلام ليلة المبيت علي الفراش " ثم ذكر جوابه عن دعوي الجاحظ أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال لعلي ليلة المبيت (نم فلن يخلص إليك شئ تكرهه) فقال قال شيخنا أبو جعفر: هذا هو الكذب الصراح والتحريف والادخال في الرواية ما ليس منها والمعروف المنقول أنه قال له ثم أورد الرواية وقال: ولم ينقل ما ذكره الجاحظ وإنما ولده أبو بكر الأصم وأخذه الجاحظ ولا أصل له، ولو كان هذا صحيحا لم يصل إليه مكروه وقد وقع الاتفاق أنه ضرب ورمي بالحجارة إلي آخر ما قال [717] . أقول وهذا الأمر إذا تدبره منصف عرف يقينا أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ما كان يؤهل للأمور العظائم إلا أخاه عليا فيشير إلي أن عليا هو الذي يقوم مقام النبي (صلي الله عليه وآله) في عظام الأمور فهو خليفته في أمره حيا وميتا فأين عمرو [718] عن هذا فإذا ذكر لصاحبه الغار لم يذكر لصاحبنا الفراش أليس في تركه ذكر ذلك والإعراض عنه دليل واضح علي أن قصد القوم صرف الأمر منه إلي غيره وإخفاء ماله من الفضل فكيف يستبعد منهم كتمان النص ومخالفته وهذا ظاهر لكل فاهم.

رد علي للودائع بمكة

ومنها إبقاء النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عليا بمكة بعد خروجه لأداء أماناته قال ابن أبي الحديد: قال شيخنا أبو جعفر: والمعروف المنقول أنه قال له: (اذهب فاضطجع في مضجعي وتغش ببردي الحضرمي فإن القوم سيفقدوني ولا يشهدون مضجعي فلعلهم إذا رأوك يسكنهم ذلك حتي يصبحوا فإذا أصبحت فلتقم في أداء أمانتي). [ صفحه 357] وقال ابن أبي الحديد قال محمد بن إسحاق في كتاب المغازي لم يعلم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أحدا من المسلمين ما كان عزم عليه من الهجرة إلا علي بن أبي طالب وأبا بكر بن أبي قحافة أما علي (عليه السلام) فإن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أخبره بخروجه وأمره أن يبيت علي فراشه يخادع المشركين عنه ليروا أنه لم يبرح فلا يطلبوه حتي تبعد المسافة بينهم وبينه وأن يتخلف بعده بمكة حتي يؤدي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الودائع التي عنده للناس وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) استودعه رجال من مكة ودائع لهم لما يعرفونه من أمانته وأما أبو بكر فخرج معه [719] انتهي. وهذا الفعل من النبي (صلي الله عليه وآله سلم) فيه إشارة ظاهرة إلي أن عليا (عليه السلام) هو القائم مقامه فيما ينوبه والمؤدي عنه إذا غاب ما يلزم عليه أداؤه في حضوره فهو خليفته في جميع الأمور وأين غيره من هذين الأمرين وأين يقعون في منزلة هذين الموضعين كلا بل ليس لهما إلا أبو حسن علي صلوات الله وسلامه عليه.

حديث سد الأبواب، إلا باب علي

ومن الأفعال التي أبان بها الرسول (صلي الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) وأظهره بفضل لا يدانيه فيه أحد تركه بابه مفتوحا إلي المسجد حين سد أبواب الصحابة مع إخباره أن ذلك عن أمر الله تعالي والأمر فيه مشهور [720] . قال ابن أبي الحديد الحديث العشرون كانت لجماعة من الصحابة أبواب [ صفحه 358] شارعة في مسجد الرسول (صلي الله عليه وآله) فقال يوما سدوا كل باب في المسجد إلا باب علي فسدت فقال في ذلك قوم حتي بلغ ذلك رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقام فيهم فقال إن قوما قالوا في سد الأبواب وتركي باب علي (عليه السلام) إني ما سددت ولا فتحت ولكني أمرت بأمرفاتبعته رواه أحمد في المسند مرارا وفي كتاب الفضائل [721] . قلت: في هذا ما لا يخفي علي عارف منصف من الإشارة البينة إلي إمامة أمير المؤمنين لأن الله حيث لم يجز لأحد من الصحابة مساواته في فتح باب إلي المسجد ولم يرض بمشاركتهم إياه في ذلك، بل جعله في ذلك شريكا للرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) ومثيلا فيرضي بعد ذلك لهم أن يتقدموه إلي مقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، أو يجوز أن يكون أبو بكر وعمر و عثمان أمراء عليه وحكاما وأئمة له كما يزعم الخصم وهؤلاء هم الذين لم يرض الله بالأمس بمساواتهم إياه في باب شارع إلي المسجد، أتري يعقل ذلك عاقل ويعتقده رشيد، وفي الحديث أيضا دلالة علي أن بعض الصحابة كانوا يتهمون النبي (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) ولا يسلمون له فيه ما فعل به وما قال، ويطلبون مخالفته في ذلك ما استطاعوا ولذلك قالوا فيه ما أوجب أن يقوم فيهم ويخبرهم أن ما فعل بعلي (عليه السلام) من التشريف عليهم عن الله لا عن نفسه وذلك في حياته وسلطانه فما ظنك بعد وفاته.

مناجاة النبي لعلي يوم الطائف

ومنها مناجاة النبي (صلي الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) يوم الطائف روي ابن أبي الحديد عن أحمد بن حنبل في المسند أن النبي (صلي الله عليه وآله) دعا عليا (عليه السلام) في غزاة الطائف فانتجاه وأطال نجواه حتي كره قوم من الصحابة ذلك، فقال قائل منهم: [ صفحه 359] لقد أطال اليوم نجوي ابن عمه فبلغه (صلي الله عليه وآله) ذلك فجمع منهم قوما ثم قال: (إن قائلا قال لقد أطال اليوم نجوي ابن عمه، أما إني ما انتجيته ولكن الله انتجاه) [722] فانظر إلي ما تضمنه هذا الفعل من الرفعة لعلي (عليه السلام) وعلو المنزلة التي تقصر عن تناول أدناها يد المتناول، أوليس صريحا في أن عليا (عليه السلام) هو المخصوص بالعناية الإلهية بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) والمؤهل من الله تعالي: للفيوضات القدسية؟ أفليس في هذا إشارة بينة إلي أنه (عليه السلام) هو التالي للنبي (صلي الله عليه وآله) في الدرجة والمرشح من الله من بعده للرئاسة فهو الإمام بعده والخليفة؟ ثم إن هذا الحديث كسابقة في الدلالة علي أن بعض الصحابة يسؤهم ما كان يفعله النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بعلي (عليه السلام) من التشريف والتفضيل، وينكرون عليه ما يميزه به من التعظيم والتبجيل، ويتهمونه في ذلك بأنه لحجبه إياه وميله إليه لا لأمر الله إياه بذلك ولذا قال في جوابهم: (ما انتجيته ولكن الله انتجاه) والمراد أن الله أمرني بنجواه وأن الله لا ينتجي أحدا ولا يخلو بأحد وإذا كانوا ينكرون علي النبي (صلي الله عليه وآله) فعله وقوله في علي (عليه السلام) وهو حي فهم إلي إنكار فعله به بعد وفاته أقرب ولمخالفة قوله فيه إذ ذاك أشد لزوال ما كانوا يحذرونه من عقوبته لقهره عليهم وقوته ويرشدك إلي هذا ترك عمر وأصحابه يوم السقيفة ذكر ما كان النبي (صلي الله عليه وآله) خص به عليا (عليه السلام) من هذا الفعل وشبهه مما هو معلوم عند كل الصحابة بل تركهم ذكر علي بالمرة وإكثارهم من ذكر الغار والاحتجاج به لأبي بكر فمن كان هذا شأنهم لا يبعد منهم إنكار النص علي علي (عليه السلام) إذ ليس ذلك إلا كإنكارهم مناقبه ذلك اليوم وقد حصل منهم كما تري فأين [ صفحه 360] المستبعدون عليهم مخالفة نص النبي (صلي الله عليه وآله) علي علي (عليه السلام) عن هذا وشبهه مما تقدم ويأتي؟ وهل بقي للاستبعاد بعد ذلك مجال فتأمل.

اختصاص النبي بعلي في الحضر والسفر

ومنها اختصاص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) في أسفاره وحضره ومشاركته له في أموره من حله وارتحاله ومسيره ونزوله، وأنه صاحب رحله في سفره والملاصق له وقت سيره، ومستودع سره في كل أحواله وأوقاته، وكل ذلك مذكور مشهور وفي التواريخ والسير مسطور بحيث لا ينكره إلا جاهل أو متجاهل ولقد ذكر (عليه السلام) من ذلك ما روي في النهج قال (عليه السلام) وهو يخبر عن حاله مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلي صدره، ويكنفني في فراشه ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل) إلي أن قال: (ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر أمه، يرفع لي كل يوم علما من أخلاقه، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلي الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما أري نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه، فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: (هذا الشيطان قد أيس من عبادته إنك تسمع ما أسمع وتري ما أري إلا أنك لست بنبي ولكنك لوزير وإنك لعلي خير) [723] . قال ابن أبي الحديد روي الفضل بن العباس قال: سألت أبي عن ولد [ صفحه 361] رسول الله (صلي الله عليه وآله) الذكور أيهم كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) له أشد حبا فقال: علي بن أبي طالب فقلت سألتك عن بنيه، فقال: إنه كان أحب إليه من بنيه جميعا وأرأف ما رأيناه زايله [724] يوما من الدهر منذ كان طفلا إلا أن يكون في سفر لخديجة، وما رأينا أبا أبربابن منه بعلي ولا ابنا أطوع لأب من علي له [725] .

بين أم سلمة و عائشة حول الخروج إلي البصرة

وروي ابن أبي الحديد عن أبي مخنف قال جاءت عائشة إلي أم سلمة تخادعها علي الخروج للطلب بدم عثمان فقالت لها: يا بنت أبي أمية أنت أول مهاجرة في أزواج رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وأنت كبيرة أمهات المؤمنين، وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقسم لنا من بيتك، وكان جبرئيل (عليه السلام) أكثر ما يكون في منزلك، فقالت أم سلمة: لأمر ما قلت هذه المقالة، فقالت عائشة: إن عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام، وقد عزمت علي الخروج إلي البصرة ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعل الله يصلح هذا الأمر علي أيدينا وبنا، فقالت أم سلمة، إنك بالأمس تحرضين علي عثمان وتقولين فيه أخبث القول، وما كان اسمه عندك إلا نعثلا، وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب أي منزلة كانت عند رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فأذكرك؟ قالت: نعم، أتذكرين يوم أقبل (عليه السلام) ونحن معه حتي إذا هبط من قديد [726] ذات الشمال خلا بعلي (عليه السلام) يناجيه فأطال فأردت أن تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني فهجمت عليهما، فما لبثت أن رجعت باكية فقلت: ما شأنك فقلت إني هجمت عليهما وهما يتناجيان [ صفحه 362] فقلت لعلي: ليس لي من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلا يوم من تسعة أيام أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي؟ فأقبل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي وهو غضبان محمر الوجه، فقال: (ارجعي وراءك والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلا وهو خارج من الإيمان) فرجعت نادمة ساقطة؟ فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك، ثم ذكرتها أيضا حديث: (أيتكن صاحبة الجمل الأزب تنبحها كلاب الحوئب) [727] وقول النبي (صلي الله عليه وآله) لها: (إياك أن تكونيها يا حميراء) قالت عائشة: نعم أذكر هذا فهذا الخبر يدل علي اختصاص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وخلواته بعلي (عليه السلام) دون جميع أصحابه وأكثر من خلواته بأزواجه، ويصرح بأن مبغض علي (عليه السلام) كائنا من كان خارج من الإيمان، وأن عائشة كانت منطوية علي بغضه من ذلك الزمان، وبالجملة فشدة تقريب النبي (صلي الله عليه وآله) عليا وإدنائه منه وتخصيصه إياه بالخلوات دون الأباعد والأقارب أمر معلوم لا يحتاج إلي كثرة الاستدلال عليه، ولصوق علي (عليه السلام) بالنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من حين كان طفلا إلي أن اختار الله لنبيه دار البقاء معروف، قال أبو جعفر الإسكافي في ذكر إسلام علي (عليه السلام): " وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه " إلي أن قال: " بل ما رأيناه إلا ماضيا علي إسلامه مصمما في أمره محققا لقوله بفعله، قد صدق إسلامه بعفافه وزهده ولصق برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من بين جميع من بحضرته، فهو أمينه وأليفه في دنياه وآخرته، فإسلامه هو السبيل الذي لم يسلم عليه أحد غيره، وما سبيله في ذلك إلا كسبيل الأنبياء ليعلم أن منزلته من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كمنزلة هارون من موسي، وأنه وإن لم يكن نبيا فقد كان في سبيل [ صفحه 363] الأنبياء سالكا، ولمنهاجهم متبعا، وكانت حاله كحال إبراهيم (عليه السلام) إلي آخر ما قال [728] ، ولقد أجاد وأتي من فضل أمير المؤمنين ببعض ما يجب أن يقال فيه، ومن ألطف الأشياء وأطرفها معتزلي يقول في علي هذا القول حتي يبلغ به إلي مساواته لإبراهيم الخليل، وهذا من عظيم نعمة الله علي أمير المؤمنين بأن أظهر فضله علي لسان كل ناطق من أهل ولايته وأهل ولاية غيره، وهذه الأفعال كلها مشيرة إلي تقديم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) علي جميع الصحابة من الأقارب والأجانب، فهو المخصوص بالتعظيم والتفخيم والمقصود بالرئاسة والتقديم، مع ما يضاف إلي ذلك من مواقفه المشهودة ومشاهده المحمودة، افتري يحق مقام الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) لغيره؟ وهل تظن الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يحل محله سواه؟ كلا ورب الراقصات [729] إن هذا ما لا يذهب إليه وهم عاقل لبيب ولا يظنه فطن أريب. وأما الأقوال المشيرة إلي إمامة أمير المؤمنين: فمنها: ما رواه ابن أبي الحديد عن أحمد بن حنبل في مسنده وأحمد البيهقي في صحيحه عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنه قال: (من أراد أن ينظر إلي نوح في عزمه، وإلي آدم في علمه، وإلي إبراهيم في حلمه، وإلي موسي في فطنته، وإلي عيسي في زهده، فلينظر إلي علي بن أبي طالب) [730] وهذا الحديث دال بظاهره علي أفضلية علي (عليه السلام) علي [ صفحه 364] الأنبياء لأنه إذا جمع خصال الكل كان أفضل من كل واحد البتة، وهو يكاد يصرح بالنص إذ المقصد من تشبيه علي (عليه السلام) بالأنبياء إظهار ماله من الفضل الفائق علي جميع الوري وإرادة تعظيمه من الأمة وتقديمه علي من لم يكن فيه خصلة من تلك الخصال، وهذا ينافي ما قاله ابن أبي الحديد من جواز جعله سوقة يحكم عليه من لا يساويه ولا يدانيه في فضله فسبحان الله ما أوهن هذا المقال.

لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصاري في المسيح.. الحديث

ومنها قول النبي (صلي الله عليه وآله) لعلي: (والذي نفسي بيده لولا أن تقول طوائف من أمتي فيك ما قالت النصاري في ابن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لا تمر بملأ من المسلمين إلا أخذوا التراب من تحت قدمي كللبركة) رواه ابن الحديد عن أحمد بن حنبل في المسند [731] . أقول: انظر أيها الناظر المتقن إلي ما احتوي عليه هذا الحديث من الفضل الذي لا يدرك العقل معناه ولا يبلغ الادراك إلي الإحاطة بأدناه، حيث دل علي أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد خاف من إظهار ذلك المقال في علي (عليه السلام) ذهاب طوائف من الأمة إلي القول بربوبيته، والمصير إلي اعتقاد إلهيته، كما قالت النصاري في ابن مريم، مع أنه قال فيه من الأقوال الجليلة ما شاع ذكره في الآفاق، ورواه علي كثرته كل قوم علي اختلاف [ صفحه 365] مذاهبهم، فصرح الحديث أن قدر علي (عليه السلام) فوق ما ظهر له من الفضل، وأن النبي (صلي الله عليه وآله) لم يقل فيه مقدار ما هو حقه من المنزلة الرفيعة عند الله تعالي: ولم يبين من كراماته حقيقة ما له من الفضيلة الجليلة، بل بقي بعد ذكر تلك الفضائل العظام، وبيان تلك المناقب الجسام، ما لو قاله فيه لذهب أكثر الأمة فيه إلي الغلو، فليت شعري ما هذا المقال بعد تلك الأقوال، ثم أعظم من ذا أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يقل إن ذلك المقال الذي أخفاه في علي (عليه السلام) هو منتهي فضله ولا غاية مجده فيكون له في فوق ذلك المقال أقوال، وعلي ذلك الفضل أفضال، فأين مبلغ العقول من معرفة حقيقة هذا النور القدسي؟ وأين محل الادراك من الإحاطة بكنه هذا الجوهر العلوي؟ أفيسوغ لعاقل يروي هذا الخبر ويدريه أدني دراية أن يشك في أن المراد منه الإشارة إلي نصب علي إماما، وأنه لا يجوز لأحد أن يتقدمه بعد الرسول ولا يخالفه فيما يقول؟ ولا شك أن من رواه ولم يقل ما قلناه، وما عرف معناه ولا دراه ولا فهم إشارته ولا معزاه كابن أبي الحديد وأصحابه والقوشجي وقبيله وغيرهم فجوزوا أن يتقدم علي المنصوص عليه بهذا التبجيل من يقول (وليتكم ولست بخيركم وعلي فيكم فأقيلوني) [732] وتارة يقول (إن لي شيطانا يعتريني فإذا [ صفحه 366] زغت فقوموني) [733] ويترأس عليه من يقول: (كل الناس أفقه من عمر حتي ربات الحجال) [734] وكل ذا رواه المذكور ولا شك أن الشبهات أغشت أفهامهم، الفتنة أعمت قلوبهم كما قيل: الفتنة إذا أقبلت أعمت عين البصير، فإن قيل: إن الحديث دال علي أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أخفي ذلك القول في علي خوفا من القول بالغلو فيه مع أن هذا القول بالغلو فيه قد حصل، فذهب قوم إلي القول بربوبيته وهم الغلاة عليهم لعاين الله وقريب منهم المفوضة، فما خاف منه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد وقع؟: قلت: إن الحديث دال علي أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يخف من إبداء ذلك المقال في علي (عليه السلام) ذهاب قوم قليلين من الأمة إلي الغلو فيه، وإنما خاف من ذهاب معظم الأمة إلي ذلك ألا تراه يقول: (لولا أن تقول طوائف من أمتي) ولم يقل طائفة ولا قوم، ومن البين أن الغلاة أقل طوائف الأمة فما وقع لم يخفه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وما خافه وأخفي لخوفه ذلك المقال لم يقع، وكيف يريد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) الخوف من حدوث هذا القول مطلقا وهو يقول لعلي (عليه السلام): (يهلك فيك اثنان محب غال وعدو قال [735] وغيره مما يشبهه فأخبر أن قوما يغلون فيه، كما أخبر أن قوما سيعادونه، فمراد النبي (صلي الله [ صفحه 367] عليه وآله وسلم) ما ذكرناه فلا تناقض ولله الحمد.

لعلي ثلاثة آلاف منقبة في ليلة واحدة

ومنها ما رواه ابن أبي الحديد عن أحمد بن حنبل في كتاب الفضائل عن أنس بن مالك أنه لما كانت ليلة بدر قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) (من يستقي لنا ماء؟) فأحجم الناس فقام علي (عليه السلام) فاحتضن قربة ثم أتي بئرا بعيدة القعر مظلمة فانحدر فيها فأوحي الله إلي جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن تأهبوا لنصر محمد وأخيه وحزبه، فهبطوا من السماء لهم لغط يذعر من يسمعه، فلما حاذوا البئر سلموا عليه من عند آخرهم إكراما له وإجلالا، فقال له رسول الله (صلي الله عليه وآله): (لتؤتين يا علي يوم القيامة بناقة من نوق الجنة فتركبها وركبتك مع ركبتي حتي تدخل الجنة) [736] . قلت: ولهذا قال عبد الله بن العباس لما سئل عن علي (عليه السلام): ما أقول في رجل كانت له في ليلة واحدة ثلاثة آلاف منقبة، أو قال: فضيلة، [737] أراد بذلك تسليم الملائكة عليه تلك الليلة وهم كانوا ثلاثة آلاف ملك بنص القرآن، وتسليم كل ملك عليه منقبة فلله در ابن عباس في فطنته ومعرفته بالتأويل، ويا له فضلا حازه أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يسبقه فيه سابق ولا يلحقه لاحق وهو به لحقيق وبنيله لخليق فهو المؤهل من الله للإمارة كما يشير إليه تسليم الملائكة عليه لا من قال فيه ابن أبي الحديد الذي هو من شيعته ومواليه حيث قال مشيرا إلي علي (عليه السلام) وإليه. ولا كان يوم الغار يهفو جنانه++ حذارا ولا يوم العريش تسترا [738] . [ صفحه 368]

حديث الصديقون ثلاثة...

ومنها ما رواه ابن أبي الحديد عن أحمد بن حنبل في كتاب الفضائل عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنه قال: (الصديقون ثلاثة، حبيب النجار الذي جاء من أقصي المدينة يسعي، مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو أفضلهم) [739] وهذا الحديث يصدق ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام): (أنا الصديق الأكبر وأنا الفاروق الأعظم) ويبطل ما قاله القوم في تسمية غيره بالصديق ولو كان ما قالوه حقا لقال النبي (صلي الله عليه وآله) الصديقون أربعة وعده منهم.

حديث إن فيك شبها من عيسي...

ومنها ما رواه ابن أبي الحديد عن أبي جعفر الإسكافي قال: روي أبو صادق عن ربيعة بن ناجذ عن علي (عليه السلام) قال: قال لي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): إن فيك لشبها من عيسي بن مريم أحبته النصاري حتي أنزلته بالمنزلة التي ليست له وأبغضته اليهود حتي بهت تأمه) [740] .

حديث هذا وليي...

ومنها ما قال ابن أبي الحديد: روي الناس كافة أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام): (هذا وليي وأنا وليه عاديت من عاداه وسالمت من سالمه) [741] ونحو هذا اللفظ وهو يدل علي أن موالاته هي الإيمان ولذا قال أبو سعيد الخدري فيما رواه ابن أبي الحديد عن إبراهيم بن هلال الثقفي في كتاب الغارات، كنا نبور أبناءنا بحب علي ابن أبي طالب [ صفحه 369] (عليه السلام) فمن أحبه عرفنا أنه منا، وعن علي في ذلك الكتاب (لايحبني كافر ولا ولد زنا) [742] .

حديث إن فيكم من يقاتل علي تأويل القرآن...

ومنها ما رواه ابن أبي الحديد عن إبراهيم بن ديزيل في كتاب صفين مسند عن أبي سعيد الخدري، قال: كنا مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فانقطع شسع نعله فألقاها إلي علي (عليه السلام) يصلحها ثم قال: (إن منكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله) فقال أبو بكر أنا هو يا رسول الله؟ فقال: لا، فقال عمر بن الخطاب: أنا هو يا رسول الله؟ قال: (لا ولكنه ذاكم خاصف النعل) ويد علي (عليه السلام) علي نعل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يصلحها، قال أبو سعيد: فأتيت عليا فبشرته بذلك فلم يحفل به كأنه شئ قد كان علمه من قبل [743] ، وهذا الحديث مشهور وهو ظاهر أي ظهور في النص علي إمامة علي (عليه السلام) لأن النبي (صلي الله عليه وآله) جعله التالي له في المنزلة، وذلك لأن المنازل ثلاث منزلة النبوة وهو مقام الوحي، ومنزلة الإمامة وهي مقام التأدية عن الرسول (صلي الله عليه وآله) وتبليغ أحكام الكتاب إلي الأمة ومنزلة القبول والطاعة وهي منزلة الرعية فبين النبي (صلي الله عليه وآله) إن منزلة التأدية عنه، والتبليغ وتبيين معاني الكتاب لعلي (عليه السلام) فهو الإمام بعده المبلغ أمته أحكام التنزيل، والمفصل لهم مجملات الوحي، وهو المقاتل الناس علي قبولهم تأويل القرآن منه، وتصديقهم ما يقول عنه، كما أن النبي (صلي الله عليه وآله) قاتل الناس ليقروا بأن القرآن منزل من الله تعالي عليه ويصدقوا بأنه كلام الله ليس بمختلق ولا مكذوب، فرسول الله (صلي الله عليه وآله) مؤسس [ صفحه 370] الملة وعلي (عليه السلام) موضح أحكام الشريعة، ومبين تأويل الكتاب والسنة، فهو الخليفة بعده علي الأمة، فأين يذهب بابن أبي الحديد عن هذا ولقد فهم شيخاه ما أشار إليه النبي (صلي الله عليه وآله) في هذا الحديث من الإمامة؟ فكل تمناها وطلبها ولو لم يعقلوا ذلك من قصد النبي (صلي الله عليه وآله) ما تطاول كل واحد منهما إلي ذلك، وسأل: النبي (صلي الله عليه وآله) أنا هو يا رسول الله فواعجباه كيف كان الشيخان افهم من هذا المعتزلي الجدلي المحقق والخبر رواه أكثر المحدثين.

حديث إن الملائكة صلت علي وعلي علي سبع سنين

ومنها ما رواه ابن أبي الحديد من قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) (إن الملائكة صلت علي وعلي علي سبع سنين ولم تصل علي أحد من الناس) [744] وذلك أنهما كانا يعبدان الله ولم يكن علي وجه الأرض من يصلي لله غيرهما فشريك النبي (صلي الله عليه وآله) في صلاة الملائكة عليه هو الأحق بمقامه. ومنها ما رواه ابن أبي الحديد عن أبي عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد، وعن محمد بن حبيب في أماليه وقال بعد نقله: روي هذا الخبر جماعة من المحدثين وهو من الأخبار المشهورة، وأنه وجده في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق، قال: وسألت شيخي عبد الله بن سكينة عن هذا الخبر فقال: خبر صحيح [745] وهو أنه لما انهزم الناس عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم أحد وأفردوه فوقاه علي بنفسه وفداه بمهجته وجالد الكتائب دونه حتي قتل من قتل منهم ورجعوا ناكصين، فقال جبرئيل لرسول [ صفحه 371] الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (إن هذه المواساة عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتي) فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (وما يمنعه وهو مني وأنا منه) فقال جبرئيل (عليه السلام): (وأنا منكما) فانظر إلي هذا المقام وعظم هذا المرام بحيث أن الملائكة الكرام عجبت من صبره وبلائه ومواساته النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في ذلك الموقف المهول الذي ذهلت فيه العقول، وأن جبرئيل سيد الملائكة يطلب الإضافة إليه كما يطلب ذلك من النبي (صلي الله عليه وآله)، ويعد ذلك من جملة مفاخره وقول النبي (صلي الله عليه وآله) (هو مني وأنا منه) أليس في هذا كله ما يدل أو يشير إلي أن عليا هو المستحق لمقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) والأولي به دون كل أحد [746] .

لا سيف إلا ذوالفقار...

ومنها ما في الخبر المذكور أيضا قال وسمع ذلك اليوم صوت من قبل السماء لا يري شخص الصارخ به ينادي مرارا (لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتي إلا علي (عليه السلام) فسئل رسول الله (صلي الله عليه وآله) عنه فقال (هذا جبرئيل) [747] فانظر أيضا إلي هذه المنقبة الجليلة التي لا يشك من سمعها أن عليا هو المخصوص بعناية الله بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، والمستحق لمنزلته دون غيره من الصحابة، وكيف يتوهم رشيد أن الرجل الذي كان بالأمس نوه الله بذكره، وأمر الملائكة أن تعلن بمدحه لمشاركته الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) في صعاب الأمور، وخوضه دونه غمرات الحروب والذي لا فتي في نصرة الدين وجهاد المشركين وإعزاز الإسلام وحماية الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وطاعة الله مثله، ولا سيف في كل ذلك كسيفه، والمخصوص من الرسول (صلي الله عليه وآله [ صفحه 372] وسلم) بالتقديم في كل شأنه، والتفضيل علي أقاربه وأعوانه، والمعدود عنده للنوائب والمدخر لكشف الشدائد يكون بعده مؤخرا عن مقامه، ومباعدا عن محله يحكم البعداء عليه في ماله ودمه أو يتصوران الله بذلك راض ورسوله! حاشا وكلا، بل كل ما ذكرناه من تنويه الله ورسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) باسم علي (عليه السلام) وإعلان الملائكة بمدحه لبيان أنه خليفة الرسول (صلي الله عليه وآله) بعده في أمته، كما أنه الباذل نفسه في حياته في طاعة الله وطاعته، والصابر المجاهد في إعلاء كلمته، وهذا ظاهر لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد، وهذا الحديث وما قبله يبطلان ما رواه بعض الخصوم من أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) بكت [748] عليا (عليه السلام) ذلك اليوم حين قال لفاطمة: أمسكي هذا السيف غير ذميم فنظر إليه رسول الله (صلي الله عليه وآله) مختضبا بالدم فقال: (لئن كنت أحسنت القتال اليوم فلقد أحسن عاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة، وسهل بن حنيف، وسيف أبي دجانة غير ذميم) [749] فإن هؤلاء وإن كانوا ثبتوا ولم يفروا كما فر غيرهم لكن ليس جهادهم في ذلك اليوم وغيره يشبه جهاد أمير المؤمنين أو يدانيه كما علمت من قول جبرئيل (عليه السلام) في أمر المواساة حتي يقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي إن كنت فعلت كذا فلقد فعل فلان وفلان مثل فعلك، ومن هذا الوجه يضعف حمل الخبر علي إرادة إظهار فضل المذكورين دون تبكيت علي (عليه السلام) ليرتفع التعارض اللهم إلا علي وجه بعيد والله أعلم.

برز الإيمان كله إلي الشرك كله

ومنها قول النبي (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) يوم برز لعمرو بن عبد ود (برز الإيمان كل إلي الكفر كله) رواه ابن أبي [ صفحه 373] الحديد وهو خبر مشهور بل متواتر وما ظهر من شدة حب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) فقد روي ابن أبي الحديد [750] وغيره أن رسول الله إذ ذاك ما زال رافعا يديه مقمحا رأسه نحو السماء داعيا ربه قائلا: (اللهم إنك أخذت مني عبيدة يوم بدر وحمزة يوم أحد فاحفظ علي اليوم عليا (عليه السلام) رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين) قال ابن أبي الحديد: قال شيخنا أبو الهذيل وقد سأله سائل: أيما أعظم منزلة عند الله علي أم أبو بكر، فقال: يا بن أخي والله لمبارزة علي (عليه السلام) عمرا يوم الخندق تعدل أعمال المهاجرين والأنصار وطاعاتهم كلها وتربي عليها فضلا عن أبي بكر وحده، قال: وروي قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن ربيعة بن مالك السعدي قال: أتيت حذيفة بن اليمان فقلت: يا أبا عبد الله إن الناس ليتحدثون عن علي بن أبي طالب ومناقبه فيقول لهم أهل البصيرة: إنكم لتفرطون في تقريظ هذا الرجل فهل أنت محدثي بحديث عنه أذكره للناس؟ فقال: يا ربيعة وما الذي تسألني عن علي وما الذي أحدثك عنه، والذي نفس حذيفة بيده لو وضع جميع أعمال أمة محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) في كفة الميزان منذ بعث الله محمدا إلي يوم الناس هذا ووضع عمل واحد من أعمال علي (عليه السلام) في الكفة الأخري لرجح علي أعمالهم كلها، فقال ربيعة: هذا المدح الذي لا يقام له ولا يقعد ولا يحمل إني لأظنه إسرافا يا أبا عبد الله، فقال حذيفة، يا لكع وكيف لا يحمل وأين كان المسلمون يوم الخندق وقد عبر إليهم عمرو وأصحابه فملكهم الهلع والجزع، ودعا إلي المبارزة فأحجموا عنه حتي برز إليه علي فقتله؟ والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من أعمال أمة محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي هذا اليوم وإلي أن تقوم القيامة [751] انتهي. [ صفحه 374] أقول وفي هذه القصة وقول النبي (صلي الله عليه وآله): (برز الإيمان كله..) [752] من الإشارة إلي تقديمه علي القوم ما لا يخفي علي ذي حجي، ولا يحتاج إلي تبيين وتوضيح، وهل كان شبه علي (عليه السلام) وعمر وذلك اليوم إلا داود وجالوت كما قاله جابر بن عبد الله أو غيره من الصحابة، فهذه الأفعال والأقوال كلها شواهد حق علي إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأدلة صدق علي أنه خليفة رب العالمين، لا يكاد يرتاب فيها إلا من جانب الانصاف، وسلك فج الاعتساف.

اسلام الراهب علي يد علي واستشهاده في صفين

ومما يقوي ما ندعيه ما رواه ابن أبي الحديد عن نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمر بن سعد [753] عن مسلم الأعور عن حبة العرني، ورواه أيضا عن إبراهيم بن ديزيل الهمداني في كتاب صفين، بهذا الإسناد أيضا عن حبة العرني قال نصر: فروي حبة أن عليا لما نزل علي الرقة نزل بموضع يقال له البلخ [754] علي جانب الفرات فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي (عليه [ صفحه 375] السلام): إن عندنا كتابا توارثناه من آبائنا كتبه أصحاب عيسي بن مريم أعرضه عليك فقرأ الراهب الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم الذي قضي فيما قضي وسطر فيما كتب أنه باعث في الأميين رسولا منهم يعلهم الكتاب والحكمة ويدلهم علي سبيل الله، لا فظا ولا غليظا ولا صخابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، بل يعفو ويصفح أمته الحمادون الذين يحمدون الله علي كل نشز وفي كل صعود وهبوط تدل ألسنتهم بالتكبير والتهليل والتسبيح، وينصره الله علي من ناواه فإذا توفاه الله اختلفت أمته من بعده ثم اجتمعت فلبثت ما شاء الله ثم اختلفت فيمر رجل من أمته علي شاطئ الفرات يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ويقضي بالحق ولا يركس [755] الحكم، الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح، والموت عنده أهون من شرب الماء علي الظمآن، يخاف الله في السر وينصح له في العلانية، لا يخاف في الله لومة لائم، فمن أدرك ذلك النبي من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة، ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره، فإن القتل معه شهادة ثم قال: أنا مصاحبك فلا أفارقك حتي يصيبني ما أصابك، فبكي (عليه السلام) ثم قال: (الحمد لله الذي لم أكن عنده منسيا، الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار) فمضي الراهب معه ثم ذكر أنه أصيب بصفين، وأن عليا (عليه السلام) صلي عليه ودفنه، وقال: (هذا منا أهل البيت) واستغفر له مرارا [756] ، فهذا الحديث مصرح بأن عليا (عليه السلام) هو المخصوص بالذكر بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بتعيينه في كتب الله السابقة المنزلة علي الأنبياء فيكون هو الخليفة من بعده، لأن ذكره معه يشير إلي أنه وصيه والقائم مقامه من بعده، ثم انظر [ صفحه 376] إلي ما وصفه الله به في هذا الكتاب مما لا يوازن به وصف ولا يبلغه إلا الأنبياء المرسلون، وهو أدل دليل علي كون المراد من الكتاب بيان أنه (عليه السلام) خليفة النبي (صلي الله عليه وآله) ووصيه إذ لم يذكر غيره علي الخصوص بشئ مما يشير إلي معني الإمامة بالمرة، فليسوا عند الله بخلفاء النبي (صلي الله عليه وآله) يقينا، وأنت إذا نظرت ما رسمناه وتدبرت في جميع ما حررناه نظر متأمل متبصر قطعت وجزمت بأنها نصوص صراح متضحة أي اتضاح في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعلمت يقينا أن إنكار النص عليه ممن روي تلك الروايات أو اطلع عليها في الكتب الصحيحة عنده ناش عن رأي غير سديد، وعقل غير رشيد، كما صدر من أمثال ابن أبي الحديد ونحن نسأل الله التوفيق إلي ولاية مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) ونرغب إلي الله في التسديد. فإن قيل: إنكم رويتم هذه الأحاديث من كتب خصومكم واعتمدتم عليها في مطلبكم، فإن يكن ذلك لوثاقتهم عندكم فيلزمكم قبول روايتهم في أئمتهم، وإن لم يكونوا عندكم موثوقا بهم فليس لكم أن تعتمدوا علي شئ مما رووه، وليس لكم أن تأخذوا من روايتهم ما يوافق مطلوبكم دون ما يخالفه لأن ترجيح بلا مرجح، ومن قبلته لك لا بد أن تقبله عليك. قلنا: أما اعتمادنا علي الروايات المروية في كتب خصومنا الواردة في مناقب أئمتنا عليهم السلام فليس لأنهم عندنا ثقات، ولا أن روايتهم مقبولة، ولا لأنها موافقة لمطلوبنا، بل لأنها مذكورة بألفاظها ومعانيها وأمثال أمثالها مما لا يحصي كثرة في كتب أصحابنا المعتبرة من الطرق الموثوق بها، والأسانيد الموثوق برجالها، ولو لم تكن موجودة عندنا، ومروية من طرقنا، ومثبتة في صحاح أخبارنا، وكثير منها منقول بالتواتر لضربنا عنها الذكر صفحا، ولما عرجنا عليها، ولا التفتنا إليها، وهذا بخلاف روايتهم في [ صفحه 377] أئمتهم فإنهم يختصون بنقلها، وليس في رواية أصحابنا منها عين ولا أثر، فلذا نحن لا نقبلها لعلمنا بعدم وثاقه ناقليها، بل علمنا باصطناعهم إياها، علي أن أكثرها أو جميعها ينتهي إسناده إلي من علمت منهم العداوة لأمير المؤمنين (عليه السلام) وأولاده وذويه، وتزويره الأحاديث في عيبهم وذمهم، فهو يضيف إليها اختلاق أخبار في فضائل المتقدمين عليهم لتكون معارضة لروايات فضائلهم ومناقبهم، ليبلغ غرضه من تهجينها عند الرعاع والغوغاء وينال بذلك الإنعام الوافر عند أعدائهم كأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص وابن عمر وعروة بن الزبير وسمرة بن جندب وأضرابهم وكل هؤلاء مصرحون ببغض أمير المؤمنين (عليه السلام) والانحراف عنه، وقد ذكر ابن أبي الحديد في بيان المنحرفين عن علي (عليه السلام) هؤلاء وجماعة كثيرة من أمثالهم وذكر أقوالهم الشنيعة فيه كل ذلك في شرح النهج [757] وذكر تفصيل ذلك وبيانه قبله أبو جعفر الإسكافي [758] ، ومنها ما اصطنعه أتباعهم من القراء والفقهاء والمحدثين لمثل أغراضهم كما أسلفنا بيانه في رد حجة القوشجي، فمن هذه حالهم كيف يصح الثقة برواياتهم؟ علي أن كثيرا منها مدخول فيه، وكثير منها لائح عليه آثار الوضع، وجلها مخالف لصريح القرآن، وقد أمرنا من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) برد ما خالف القرآن من الأخبار المروية عنه، وقد طعن فيها جماعة من الخصوم بالوضع بعضهم صريحا وبعضهم لزوما من حيث لا يشعرون، وطعن ابن أبي الحديد في بعضها صريحا، والكلام في هذا قدمنا منه ما فيه الكفاية في إبطال احتجاج القوشجي بجملة منها، فهذا هو الفارق بين قبولنا رواية الخصوم في فضائل أئمتنا (عليه السلام) دون روايتهم في فضائل أصحابهم وهو المرجح للقبول [ صفحه 378] والرد، وأما ذكرنا إياها من كتبهم فلأنا في مقام خصام والحجة ما لم يعترف بصحتها الخصم لا تثبت بها الدعوي ولا يقطع بها العذر، فلذا اخترنا نقلها من كتبهم من باب إلزام كل إنسان بما التزم به، ولعدم قدرتهم علي إنكارها إذ لا سبيل لهم إليه إلا بإنكار تلك الكتب، وفي إنكارها إبطال مذهبهم واستئصال طريقتهم، ونقض حجتهم، وذلك هو المطلوب فاندفع الاعتراض بعون الله. [ صفحه 379]

في ذكر طائفة من الاخبار الدالة علي إمامة أميرالمؤمنين

وإذا قد انتهينا إلي هنا فلنذكر طائفة من الأحاديث والأخبار الدالة علي إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) والمشيرة إلي ذلك والمصرحة بفضله مما لم يذكره ابن أبي الحديد ولا أشار إليه، وننقلها من كتب الموافقين له في إنكار النص علي أمير المؤمنين والمشاركين له في تقديم غيره عليه ومن رواياتهم لأنا التزمنا في أول إيراد النصوص أن لا نورد منها إلا ما رواه المعتزلي المذكور بلفظه وبمعناه ومضمونه أو أشار إليه فلذا لم نذكر في تلك المباحث إلا ما كان كذلك علي أنا لم نقطع بأنا قد استقصينا جميع ما ذكره المشار إليه في كتابه مما يدخل في تلك الأبواب، ولم نجزم بأن ما ذكرناه وما سنذكره إن شاء الله تعالي - في مواضعه الآتية جميع ذلك لطول الكتاب وتفرقها فيه فلعلنا أغفلنا ذكر شئ منه إن نسينا وقت جمع هذا الكتاب موضعه، لكني أرجو أن ما نذكره إن كان لا يكون خارجا عن حدود الأنواع المذكورة فنذكر هنا ما أشرنا إليه. فمن ذلك ما رواه الطبراني سليمان بن أحمد بسنده عن عبد الله بن حكيم الجهني قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): (إن الله تبارك وتعالي أوحي لي في علي ثلاثة أشياء ليلة أسري بي بأنه سيد المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين [759] . [ صفحه 380] وروي أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره في حديث طويل عن أبي ذر أنه قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) بهاتين وإلا صمتا يقول في علي بن أبي طالب: (قائد البررة، قاتل الكفرة، منصور من نصره مخذول من خذله) [760] . وروي الترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري قال: ما كنا نعرف المنافقين علي عهد رسول الله إلا ببغضهم عليا [761] (عليه السلام). وفي كتاب الخصائص عن العباس بن عبد المطلب، قال: سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول: كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب إلا بخير فإني سمعت رسول الله يقول في علي ثلاثة خصال وددت لو إن لي واحدة منها كل واحدة منهن أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، وذاك أني كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح ونفر من أصحاب رسول الله إذ ضرب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي كف علي بن أبي طالب وقال: (يا علي أنت أول المسلمين اسلاما وأنت أول المؤمنين إيمانا، وأنت مني بمنزلة هارون من موسي، كذب من زعم أنه يحبني وهو يبغضك، يا علي من أحبك فقد أحبني، ومن أحبني أحبه الله تعالي، ومن أحبه الله تعالي أدخله الجنة، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغضه الله تعالي وأدخله النار) [762] . أقول غير خفي علي من له اطلاع أن الراوي من القسم الثاني وبيان ذلك [ صفحه 381] مضي منه شئ ويأتي منه شطر. وروي ابن خالويه في كتاب الآل عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) لعلي: (حبك إيمان وبغضك نفاق،وأول من يدخل الجنة محبك، وأول من يدخل النار مبغضك) [763] . وعن ابن عباس أن النبي (صلي الله عليه وآله) نظر إلي علي بن أبي طالب فقال له: (أنت سيد في الدنيا، سيد في الآخرة، من أحبك فقد أحبني ومن أبغضك فقد أبغضني وبغضك يغضب الله تعالي فالويل كل الويل لمن أبغضك) [764] .

نزول سأل سائل

روي الثعلبي في تفسيره أن سفيان بن عيينة سئل عن قول الله عز وجل (سأل سائل بعذاب واقع) فيمن نزلت فقالت للسائل لقد سألتني عن مسألة ما سألني أحد عنها حدثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لما كان بغدير خم نادي الناس فاجتمعوا فأخذ بيد علي (عليه السلام) وقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فشاع ذلك فطار في البلاد وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فأتي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي ناقة له فأناخ راحلته ونزل عنها وقال: يا محمد أمرتنا عن الله عز وجل أن نشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصوم فقبلناه، وأمرتنا بالحج فقبلناه، ثم لم ترض بهذا حتي رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا فقلت: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فهذا شئ منك أم من عند الله عز وجل؟ فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (والذي لا إله إلا هو أن هذا من عند الله عز وجل) [ صفحه 382] فولي الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إلي راحلته حتي رماه الله عز وجل بحجر سقط علي هامته فخرج من دبره فقتله، فأنزل الله عز وجل: [سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج] [765] . قال في المناقب مختصر مناقب الحافظ أبي عبد الله البلخي الشافعي وهو يذكر حديث مبيت علي (عليه السلام) علي فراش النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ليلة الغار: وقال بعض أصحاب الحديث: وأوحي الله تعالي إلي جبرئيل وميكائيل أن انزلا إلي علي (عليه السلام) واحرساه في هذه الليلة إلي الصباح، فنزلا إليه وهما يقولان بخ بخ من مثلك يا علي قد باهي الله بك ملائكته [766] .

نزول و من الناس من يشري نفسه الآية

قال: ونقل الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين أن ليلة بات علي بن أبي طالب علي فراش رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أوحي الله إلي جبرئيل وميكائيل: إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختار كل منهما الحياة فأوحي إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد فبات علي فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة فاهبطا إلي الأرض فاحفظاه من عدوه، فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ينادي فيقول: بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة فأنزل الله عز وجل: [ومن [ صفحه 383] الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد] [767] انتهي [768] . أقول وهذا الخبر كما تري يدل علي فضل لا يعلم منتهاه ولا يعرف لأحد من أولياء الله مثل هذه الفضيلة وهو يكذب ما ولده أبو بكر الأصم في حديث المبيت من أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): (لن يصل إليك منهم أمر تكرهه) إذ لو كان الأمر هكذا لم يكن علي (عليه السلام) فدي النبي (صلي الله عليه وآله) بنفسه ولا آثره بالحياة ولم يكن شري نفسه ابتغاء مرضاة الله إذ لا يكون ذلك إلا إذا كان يجوز القتل علي نفسه في مبيته بل يظنه فيكون قد سخي بنفسه في فداء النبي (صلي الله عليه وآله)، أما إذا كان قاطعا بالسلامة لإخبار النبي (صلي الله عليه وآله) إياه بعدم وصول مكروه من المشركين إليه فلا شئ من ذلك بحاصل لأنه إذ ذاك لم يقدم علي مخوف، ولا وطن نفسه علي ملاقاة المكروه، فلا مشقة عليه في ذلك التكليف ومن كان هذا شأنه لا يستحق شيئا من المدح فكيف يباهي الله به سادات الملائكة ويفضله عليهم كما تري؟ فدل المدح من الله تعالي لعلي (عليه السلام) علي أن تلك الزيادة مكذوبة لتهجين هذه الفضيلة حيث لم يكن لغيره ما يدانيها تلك الليلة فلم يباه الله به ملكا ولم تنزل بالتصريح بمدحه آية والحق لا يخفي. ووجه آخر وهو أنه قد صح في رواية الخصوم من غير خلاف أن المشركين كانوا يرجمون عليا بالحجارة تلك الليلة حتي أثر في جسده، وهذا لا شك مكروه وصل إليه من المشركين، ولو كان النبي (صلي الله عليه وآله) أخبره بعدم وصول مكروه إليه منهم إذن ما وصل إليه من ذلك شئ، إذ لا تجوز المخالفة في أخبار النبي (صلي الله عليه وآله) فبطل ما قاله [ صفحه 384] الأصم وتابعوه وبالله التوفيق. وروي البيهقي أن عليا (عليه السلام) ظهر من البعد فقال النبي: (هذا سيد العرب) فقالت عائشة ألست سيد العرب؟ فقال: (أنا سيد العالمين وهذا سيد العرب) ورواه الحاكم عن ابن عباس بلفظ: (أنا سيدولد آدم وعلي سيد العرب) [769] . وروي الترمذي والحاكم وصححه عن بريدة قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم) قيل: يا رسول الله سمهم لنا قال: (علي منهم) يقول ذلك ثلاثا (وأبو ذر والمقداد وسلمان) [770] . أقول: هؤلاء محبوا علي (عليه السلام) حقا ومحب علي يحبه الله ويأمر بمحبته. وأخرج أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن حبيش بن جنادة قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) (علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا علي) [771] . روي الطبراني والحاكم وصححه عن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) إذا غضب لم يجترء أن يكلمه إلاعلي [772] . [ صفحه 385] وأخرجا بإسناد حسن عن ابن مسعود أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (النظر إلي وجه علي عبادة) [773] . وروي أبو يعلي والبزاز عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله: (من آذي عليا فقد آذاني) [774] . وروي الطبراني بسند حسن عن أم سلمة (رضي الله عنها) عن رسول الله قال: (من أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله) [775] . وروي أحمد والحاكم وصححه عنها (رضي الله عنها) قالت: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: (من سب عليا فقد سبني) [776] . وأخرج الملا في سيرته أنه (صلي الله عليه وآله) أرسل أبا ذر ينادي فرأي رحي تطحن في بيته وليس معها أحد فأخبر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بذلك فقال: (يا أبا ذر أما علمت أن لله ملائكة سياحين في الأرض قد وكلوا بمعاونة آل محمد) [777] . أقول هذه المنقبة إن لم تكن من المعاجز كرد الشمس وما أشبهها فهي من الكرامات العظيمة الدالة علي فضل لا يدرك كنهه وهل سمعت بولي من أولياء الله البررة وأنبيائه الكرام تطحن الملائكة بره وتخدمه في مؤنة طعامه [ صفحه 386] غير علي (عليه السلام). وأخرج الطبراني في الأوسط عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: (علي مع القرآن والقرآن مع علي لايفترقان حتي يردا علي الحوض) [778] . قال في الإسعاف وقد روي من طرق عديدة منها صحيح وحسن أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): (أشقي الناس رجلان الذي عقر الناقة والذي يضربك علي هذه) وأشار إلي يافوخه حتي تبتل منه هذه وأشار إلي لحيته [779] . وروي البيهقي والديلمي عن أنس أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (علي يزهر في الجنة ككوكب الصبح لأهل الدنيا) [780] . أقول: وظني أن القوم لمعارضته هذا الخبر وضعوا حديث (سراج أهل الجنة عمر) [781] . وروي الديلمي عن ابن عباس أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (علي مني بمنزلة رأسي من بدني) [782] . أقول لينظر الناظر في هذا المقام العلي الذي ثبت لمولانا علي من النبي (صلي الله عليه وآله) حيث جعله بمنزلة الجزء من بدنه، ثم لم يرض [ صفحه 387] له إلا بأشرف الأعضاء كلها أفتري أن هذا الكلام ليس بنص علي إمامته، ولا حث علي تقديمه في خلافته! بل والله هو من أصرح النصوص علي ذلك وأوضحها، إذ لا يعقل أن النبي (صلي الله عليه وآله) يرضي بتقدم أحد من الناس علي من كان منه بمنزلة الرأس من البدن، وهذا ظاهر لمن وعي قال أبو علي: صح عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنه سئل عن بعض أصحابه فقال قائل: فعلي فقال: (إنما سألتني عن الناس ولمتسألني عن نفسي) [783] . وروي الترمذي والحاكم أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال:(إن الجنة لتشتاق إلي ثلاثة علي وعمار وسلمان) [784] . وروي البخاري ومسلم أن النبي (صلي الله عليه وآله) وجد عليا مضطجعا في المسجد وقط سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب فجعل النبي (صلي الله عليه وآله) يمسحه عنه ويقول: (قم أبا تراب قم أبا تراب) فكانت هذه الكنية أحب الكني إليه لأنه (صلي الله عليه وآله وسلم) كناه بها [785] وروي أحمد في المناقب عن علي (عليه السلام) قال: جلس النبي (صلي الله عليه وآله) في حائط فضربني برجله فقال: (قم فوالله لأرضينك أنت أخي وأبوك والدي قاتل علي سنتي، من مات علي عهدي فهو في كنز الجنة، ومن مات علي [ صفحه 388] عهدك فقد قضي نحبه، ومن مات يحبك بعد موتك ختم الله له بالأمنوالإيمان ما طلعت شمس أو غربت) [786] . وروي الطبراني أن عليا (عليه السلام) قال: إن خليلي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (يا علي إنك ستقدم علي الله أنت وشيعتك راضيين ومرضيين ويقدم أعداؤك غضابا مقمحين) [787] . وروي الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفضيل بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي عن علي (عليه السلام) أنه قال: إن الله تعالي إيانا عني بقوله: [لتكونوا شهداء علي الناس] [788] فرسول الله (صلي الله عليه وآله) شاهد علينا ونحن شهداء الله علي خلقه وحجته في أرضه ونحن الذين قال تعالي: [وكذلك جعلناكم أمة وسطا]. وروي أبو علي (رضي الله عنه) عن أبي الحمد مهدي بن نزار الحسيني قال: حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي قال: أخبرنا أبو بكر الجرجاني قال: حدثنا أبو أحمد البصري قال: حدثنا أحمد بن عمار بن خالد قال: حدثنا يحيي بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لما نزلت [اليوم أكملت لكم دينكم] الآية قال: (الله أكبر علي إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب من بعدي) وقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والله من والاه وعاد من عاداه وانصر من [ صفحه 389] نصره واخذل من خذله) قال الربيع بن أنس: نزلت الآية في المسير في حجة الوداع [789] قال علي بن إبراهيم من أصحابنا: كان نزولها بكراع الغميم فأقامها رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالجحفة [790] .

نزول يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك

وروي الثعلبي في تفسيره بإسناده مرفوعا إلي ابن عباس قال: نزلت هذه الآية: [يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك] في علي (عليه السلام) أمر النبي (صلي الله عليه وآله) أن يبلغ فيه فأخذ رسول الله بيد علي (عليه السلام) فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه) [791] . وروي الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري قالا: أمر الله محمدا أن ينصب عليا للناس ويخبرهم بولايته فتخوف رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن يقولوا حابي ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه فأوحي الله إليه هذه الآية فقام بولايته يوم غديرخم [792] . وروي الواحدي في كتابه المسمي بأسباب النزول عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية: [يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك] يوم غدير خم قال بعض الشافعية هكذا ذكره الشيخ محيي الدين النووي [793] انتهي. [ صفحه 390] وروي أبو طالب الهروي بإسناده عن علقمة والأسود عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال لعمار: (يا عمار سيكون بعدي هنات حتي يختلف وله السيف فيما بينهم وحتي يقتل بعضهم بعضا وحتي يبرء بعضهم من بعض فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب فإن سلك الناس كلهم واديا وسلك علي واديا فاسلك وادي علي وخل عن الناس يا عمار أن عليا لا يردك عن هدي ولا يدلك علي ردي يا عمار طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله) [794] . وروي الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال: حدثني محمد بن القاسم بن أحمد قال: حدثنا أبو سعيد محمد بن الفضيل بن محمد قال: حدثنا محمد بن صالح العرزمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا أبو سعيد الأشجع عن أبي خلف الأحمر عن إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: [واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة] [795] قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي) [796] . أقول وهذا الحديث نص في المطلب وصريح في المقصد قد دل بصراحته علي أن من تقدم علي علي (عليه السلام) في خلافة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فهو بمنزلة من جحد نبوته ونبوة من قبله من الأنبياء كما أسلفنا بيانه ويأتي ما هو واضح فيه إن شاء الله ودعوي الخصوم رضاه معلومة البطلان بالبيان والبرهان. [ صفحه 391] وروي الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: (كونوا مع الصادقين) [797] مع علي (عليه السلام) وأصحابه [798] .

نزول رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه... الآية

روي مشهورا في قوله تعالي: [رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه] [799] أنه يعني حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب: [ومنهم من ينتظر] أنه يعني علي بن أبي طالب وفي رواية بزيادة عبيدة بن الحارث بن المطلب شهيد بدر [800] .

نزول أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا

واتفق المفسرون أن عليا (عليه السلام) هو المؤمن في قوله تعالي: [أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون] [801] فأمير المؤمنين (عليه السلام) هو الصادق علي الإطلاق وهو وأصحابه الثلاثة هم الصادقون بما عاهدوا الله عليه [وما بدلوا تبديلا] كغيرهم وهو المؤمن وهو البر في قوله تعالي: [إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا] [802] وهو [الذي عنده علم الكتاب] في قوله تعالي: [قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب] [803] كما عن ابن مسعود وأبي عبد الرحمن السلمي ويشهد لذلك ما روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: (والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيمن نزلت وأين نزلت وعلي من أنزلت إن ربي وهب لي قلبا [ صفحه 392] عقولا ولسانا ناطقا)، رواه ابن سعد [804] وروي هو وغيره عن أبي الطفيل قال: ل علي (عليه السلام): (سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلاوقد عرفت بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل) [805] . أقول أني يداني هذا من يقول أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله بالرأي فيخبر عن نفسه أنه لم يعرف معاني الكتاب ولم يستعلم أحكامه من النبي (صلي الله عليه وآله) ثم هو يتقدم علي عالم الكتاب في إنفاذ أحكامه في الله للعجب العجاب قال في المناقب سأل معاوية خالد بن يعمر فقال له علام أحببت عليا فقال علي ثلاث خصال علي حلمه إذا غضبوعلي صدقه إذا قال وعلي عدله إذا حكم [806] .

صفة ضرار لعلي عند معاوية

وروي مشهورا أن معاوية قال لضرار بن ضمرة، صف لي عليا فقال: اعفني فقال: أقسمت عليك لتصفه، قال: أما إذا كان كلا ولا بد فإنه والله كان بعيد المدي، شديد القوي، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من لسانه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان غزير الدمعة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخي الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا علي لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غري غيري، أبي تعرضت [ صفحه 393] أم إلي تشوقت، هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك يسير، وعيشك حقير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، فبكي معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ فقال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فهي لا يرقي دمعها ولا يخفي فجعها [807] . وفي مختصر [808] مناقب البلخي الشافعي لبعض الشافعية قال روي عن علي أنه قال في مجلسه العام: (سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن علم السماء فإني أعلمها زقاقا زقاقا وملكا ملكا) فقال رجل من الحاضرين: حيث أدعيت ذلك يا ابن أبي طالب ابن جبرئيل هذه الساعة فغطس قليلا وتفكر في الأسرار ثم رفع رأسه قائلا إني طفت السماوات السبع فلم أجد جبرئيل وأظنه أنت أيها السائل فقال السائل: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب وربك يباهي بك الملائكة ثم سجي عن الحاضرين [809] . أقول ويصدق هذا الخبر قول أمير المؤمنين في بعض خطبه " إني بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض " [810] ويزيل استبعاد النفوس الضعيفة عنه ما أوضحناه في مسألة توقف الإمامة علي النص حيث أقمنا هناك أدلة الحكمة والشرع علي جواز الالهام لأولياء الله. [ صفحه 394] وروي مستفيضا أن النبي (صلي الله عليه وآله) كان جالسا في المسجد وعنده أناس من الصحابة إذا جاء رجلان يختصمان فقال أحدهما يا رسول الله إن لي حمارا ولهذا بقرة وإن بقرته نطحت حماري فقتلته فبدر رجل من الحاضرين فقال لا ضمان علي البهائم فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (اقض بينهما يا علي) فقال علي (عليه السلام): كان الحمار والبقرة موثقين أم كانا مرسلين أم أحدهما موثقا والآخر مرسلا فقال لا كان الحمار موثقا والبقرة مرسلة وصاحبها معها فقال علي (عليه السلام) علي صاحب البقرة الضمان وذلك بحضرة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فقرر حكمه وأمضي قضاءه [811] قال بعض العامة: هناك قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: (أقضاكم علي) [812] . قلت: ما أشبه هذه الواقعة بواقعة الحرث والغنم، وما أشبه حكم أمير المؤمنين فيها بحكم سليمان بن داود، وله (عليه السلام) مثل ذلك ما تضيق صدور الأرقام عن سطره وتعيي رؤوس الأقلام عن نقله ونظمه ونثره، وتكل الألسن عن ذكره ونشره، وقد ذكرنا جملة من الأخبار التي تدخل في سلك هذا الباب في رد احتجاج القوشجي علي أفضلية الثلاثة وجميع ما أثبتناه من الأحاديث والآيات هنا بين ناص علي إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد النبي (صلي الله عليه وآله) ومصرح بخلافته، وبين ظاهر فيها ومشير إليها، وكلها تصرح بأفضليته وتنطق بعلو شأنه وجلالته، فهي لما ذكرناه من النصوص المرتبة في الفصول السابقة معاضدة [ صفحه 395] ولما حررناه من أدلة الإشارات والظواهر مساعدة، وكلها أو جلها مأخوذ من الكتب التي يقر بصحتها خصمنا المعتزلي كما يعترف بثبوتها الأشعري تكون حجة علي كل منهما فيما ندعيه من النص الجلي، علي مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن يهدي الله فهو المهتدي.

الرد علي ابن أبي الحديد لقوله لم يحتج علي بالنص يوم السقيفة

احتج ابن أبي الحديد علي فقدان النص بحديث السقيفة وأن عليا (عليه إسلام) لم يحتج إذ ذاك بالنص ونقل الخبر من كتاب الجوهري وكان يثني عليه بأنه من الثقات المأمونين، قال: ونحن نذكر خبر السقيفة روي أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة قال: أخبرنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أحمد بن سيار قال حدثنا سعيد بن كثير [بن عفير] [813] الأنصاري: أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لما قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة فقالوا إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد قبض، وساق الرواية وهي طويلة فذكر فيها قول سعد بن عبادة للأنصار وإجابتهم إلي توليته، ثم اختلافهم عليه في الاستبداد بالأمر واختيارهم لأن يكون منهم أمير ومن قريش أمير، ومضي أبي بكر وعمر وأبي عبيدة إلي السقيفة واحتجاجهم علي الأنصار بقرابتهم من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، وعرض أبي بكر علي عمر وأبي عبيدة المبايعة لواحد منهما وإبائهما التقدم عليه لأنه ثاني اثنين في الغار ولأن رسول الله أمره بالصلاة وكلام الأنصار، ومخاصمتهم لأبي بكر وصاحبيه، ورضا عمر وأبي عبيدة بخلافة أبي بكر، وموافقة بشير بن سعد الخزرجي، وكان من سادات الخزرج لهما حسدا لابن عمه سعد بن عبادة - وموافقة أسيد بن حضير رئيس الأوس لهم حسدا لسعد أيضا ومنافسة له أن يلي الأمر، وأن الأوس كلهم بايعوا أبا بكر لما تابعه رئيسهم، وحمل سعد بن عبادة وهو مريض إلي منزله [ صفحه 396] وامتناعه من بيعة أبي بكر، واجتماع بني هاشم ومعهم الزبير إلي علي بن أبي طالب، واجتماع بني أمية إلي عثمان، وبني زهرة إلي سعد وعبد الرحمن بن عوف، وقول عمر لهم لما أقبل من السقيفة مع أبي بكر ومن بايعه هناك: مالي أراكم حلقا [814] قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس وبايعه الأنصار! فقام عثمان ومن معه وسعد وعبد الرحمن ومن معهما فبايعوا أبا بكر، قال: وذهب عمرو معه عصابة إلي بيت فاطمة معهم أسيد بن حضير وسلم بن أسلم فقال لهم: انطلقوا فبايعوا فأبوا عليه وخرج الزبير بسيفه فقال عمر: عليكم الكلب، فوثب عليه سلم بن أسلم فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار، ثم انطلقوا به وبعلي ومعهما بنوا هاشم وعلي يقول: (أنا عبد الله وأخو رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي انتهوا به إلي أبي بكر فقيل له: بايع، فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولي بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به علي الأنصار فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثلما عرفته الأنصار لكم وإلا فبوؤا با لظلم وأنتم تعلمون، فقال عمر: إنك لست متروكا حتي تبايع، فقال له علي (عليه السلام): أحلب يا عمر حلبا لك شطرة، اشدد له اليوم أمره ليرده عليك غدا لا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه فقال له أبو بكر: فإن لم تبايعني لم أكرهك، فقال له أبو عبيدة: يا أبا الحسن إنك حدث السن [815] وهؤلاء مشيخة قريش ليس لك تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أري أبا بكر إلا أقوي علي هذا الأمر منك وأشد احتمالا له واضطلاعا به، فسلم له هذا الأمر وارض به، فإنك إن تعش ويطل عمرك فأنت بهذا الأمر خليق، وبه [ صفحه 397] حقيق في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك، فقال علي: يا معشر المهاجرين الله الله لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلي بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، أما كان منا القارئ كتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بالسنة المضطلع بأمر الرعية، والله إنه لفينا فلا تتبعوا الهوي فتزدادوا عن الحق بعدا فقال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان ولكنهم قد بايعوا، وانصرف علي إلي منزله ولم يبايع ولزم بيته حتي ماتت فاطمة فبايع [816] . أقول: وهذه الرواية قد رويت من طرقنا بزيادات من جملتها ذكر علي (عليه السلام) بعض ما قيل فيه من النصوص وأن بشيرا قال ما قال بعد سماعه من علي (عليه السلام) ذكر النص عليه من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأن أبا بكر جاء في تلك الحال برواية (لم يكن الله ليجمع لنا بين النبوة والخلافة) وصدقه من أصحابه من هو علي مثل رأيه إلي آخره ما هناك ولا أشك في أن تلك الأمور أسقطها محدثوا القوم من الخبر لتصريحها بمذهب الإمامية كما هي عادتهم، ويشهد لذلك ما أسلفناه في حديث أحمد بن أبي طاهر عن ابن عباس حين قال له عمر وهو يسأل عن علي (عليه السلام): هل بقي في نفسه شئ من أمر الخلافة؟ قال ابن عباس: قلت: نعم قال: أيزعم أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) نص عليه؟ قلت: نعم وأزيدك أني سألت أبي عما يدعيه فقال: صدق فقد بينا صراحة هذا الكلام في أن عليا (عليه السلام) ما زال طالبا للخلافة محتجا عليها بالنص من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) عليه وأن العباس قد شهد [ صفحه 398] له بالنص عليه، وأن ابن عباس قد علم ذلك وسمعه، وأن عمر قد علم ذلك ولم يخف عليه، ولا يجوز أن يكون غيرهم من الصحابة غير عالم بذلك، لأن الكلام يدل علي أن أمير المؤمنين كان يجهر بذلك ولا يخفيه في جميع أوقاته، ومن البين أن أولي الأوقات بذكره هذا الوقت المذكور الذي كشف فيه عن مقصدهم بالتغلب عليه وبين لهم استحقاقه للأمر دونهم بالدليل، وليس من الجائز أن يتركه في هذا الحين ويذكره بعد ذلك بسنين، فمن اليقين أنه دونهم بالدليل، وليس من الجائز أن يتركه في هذا الحين ويذكره بعد ذلك بسنين، فمن اليقين أنه ذكره في وقته ذاك لكن القوم كتموه وستروه، والمحدثين من الخبر أسقطوه، ولا ضير علينا في ذلك فقد بقي في الرواية ما يرمي الخصوم بسهام نافذة، ويضربهم بسيوف شحيذة، وسنبينه إن شاء الله تعالي. قال ابن أبي الحديد بعد انتهاء الرواية: قلت: هذا الحديث يدل علي بطلان ما تدعي الإمامية [817] من النص علي أمير المؤمنين وغيره لأنه لو كان هناك نص صريح لاحتج به، ولم يجر للنص ذكر وإنما كان الاحتجاج منه ومن أبي بكر ومن الأنصار بالسوابق والفضائل والقرب، فلو كان هناك نص علي أمير المؤمنين أو علي أبي بكر لاحتج به أبو بكر علي الأنصار ولأحتج به أمير المؤمنين علي أبي بكر، فإن هذا الخبر وغيره من الأخبار المستفيضة يدل علي أنه قد كان كاشفهم، وهتك القناع بينه وبينهم. ألا تراه كيف نسبهم إلي التعدي عليه وظلمه، وتمنع من طاعتهم، وأسمعهم من الكلام أشده وأغلظه، فلو كان هناك نص لذكره أو ذكره من كان من شيعته وحزبه، لأنه (لا عطر بعد عروس) وهذا أيضا يدل علي أن الخبر الذي في أبي بكر في صحيح البخاري [ صفحه 399] ومسلم غير صحيح، وهو ما روي من قوله (صلي الله عليه وآله) لعائشة: (ادعي لي أباك وأخاك حتي أكتب لأبي بكر كتابا فإني أخاف أن يقول قائل أو يتمني متمن ويأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر) وهذا هو نص مذهب المعتزلة [818] انتهي. وها نحن ذا نبدأ بذكر ما يخالف مذهبه من صريح الخبر ثم نعود إلي الجواب عن قوله، لنعلمك أن الحجة التي بها علينا يصول عليه لا له وذلك من وجهين: الأول اشتمال الخبر عن منازعة أمير المؤمنين (عليه السلام) القوم ومكاشفته إياهم، ونسبتهم إلي الظلم والتعدي، والتظاهر علي أهل البيت بأخذ مقام رسول الله (صلي الله عليه وآله) وإخراجهم سلطانه من داره إلي دورهم، ورميهم بالمواطأة علي ذلك بقوله لعمر: (أشدد له اليوم أمره ليرده عليك غدا)، ونحو ذلك مما اشتمل عليه الخبر، ولقد صدق فيما قال ولم يزل صادقا فإن أبا بكر أوصي بالأمر إلي عمر وعمر تحسر علي فقد أبي عبيدة وسالم مولي أبي حذيفة حين طعن، وقال لو كان أحدهما حيا لم يتخالجه الشك فيه وذلك يصرح بما تدعيه الإمامية من معاقدة الجماعة علي ابتزاز الأمر وإخراج الخلافة عن أهل بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته، وأن الأمر لأبي بكر وبعده لعمر وبعده لأحد الرجلين المذكورين فصرح الخبر تصريح الليل عن صبحه بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) طاعن في خلافة من تقدم عليه، ويعضد ذلك ما في آخر الخبر من تركه (عليه السلام) مبايعة أبي بكر وملازمته منزله، ولو لم يكن ساخطا ولايته ما ترك بيعته ولا تقاعد عنها لأن الراضي بشئ لا يتركه لا سيما وهو من الأمور الواجبة لوجوب طاعة الإمام ومساعدته وهذا خلاف ما يدعيه ابن [ صفحه 400] أبي الحديد وأصحابه من رضي أمير المؤمنين بخلافتهم، وعدم منازعته إياهم، وأنه لم يطعن عليهم بظلم، ولا باتباع هوي، ولا بتظاهر علي منعه حقا له، وكان الخصم قد ملأ كتابه من ذكر هذه الدعوي، والتظاهر بها علي الإمامية، والخبر المذكور الذي به يصول ويجول يخدش هذه الدعوي ويبطلها كما اعترف هو به في كلامه المنقول فتبين أنه فيما يدعيه من رضا أمير المؤمنين بخلافة من تقدم عليه غير مصيب، وأن الإمامية في إنكارهم رضاه (عليه السلام) بها علي الحق والهدي والصواب والمحجة البيضاء وهذا هو المراد والمطلوب. الثاني إن الخبر قد صرح بأنهم قد سلكوا طريق العناد والعصبية، ولم يسلكوا مسلك الرشاد والحق، وذلك أنهم احتجوا علي الأنصار بالقرابة من الرسول (صلي الله عليه وآله) وأخرجوهم من الأمر بهذه الحجة فلما احتج أمير المؤمنين عليهم بها أعرضوا عن قبولها، وأبوا العمل بموجبها، وضربوا عنها صفحا حيث كانت في هذا المقام مفسدة لما يريدون من الاستبداد بالأمر، واغتصاب علي (عليه السلام) حقه فأجاب بعضهم: بأنك لست متروكا حتي تبايع، فأظهر ما في نفسه من حمية الجاهلية وبعض أجاب: بانا لا نكرهك، وبعض أجاب: بأنك حدث السن، وبعض: بانا لم نسمع هذا الكلام منك قبل، وأي شئ في هذا كله من الجواب عما احتج به أمير المؤمنين (عليه السلام) أما الأول والثاني فظاهر، وأما الثالث فيقال له: أولا إنكم لم تحتجوا علي الأنصار بشيخوخة أبي بكر بل احتججتم بقربه من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، فهذا علي يحتج عليكم بهذه الحجة، فإن كانت عندكم حقا وجب عليكم تسليم الأمر إليه، وأن كانت عندكم باطلا فلا يجوز لكم أن تدفعوا الأنصار عن الأمر بشئ باطل، وحجة فاسدة عندكم، ويقال له ثانيا أين كبر السن يوم المؤاخاة بين الصحابة لم لا أستحق بها أخوة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ما نري استحق أخوة [ صفحه 401] الرسول (صلي الله عليه وآله) إلا حدث السن أفتعجز شيبة أبي بكر عن استحقاقه بها أخوة النبي (صلي الله عليه وآله) في حياته ويستحق بها خلافته بعد وفاته أهذا من الحق والإنصاف؟ وأين التقدم بالسن يوم براءة كيف ما استحق بها التبليغ عن النبي (صلي الله عليه وآله) وأين كانت ذلك يوم عمرو بن عبد ود؟ وأين كانت يوم مرحب وغيرها من الأيام التي يطول بعدها المقام؟ ما نري كانت كلها إلا لذلك الحدث السن فما يمنعه من الخلافة وهو الشجاع العالم التقي الناصر للإسلام، والمحامي عن الدين الفائز بالجهاد والسبق والقرابة بقولك ويقال له: أيضا أي أمر من الأمور له فيه تجربة تزيد علي تجربة علي (عليه السلام) أفي حرب أم في سلم أم في سياسة أم في حكم؟ وأين كانت هذه التجربة له في حياة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لم لا استحق بها عنده التقدم في قيادة الجيوش، وسياسة الأمور؟ ما رأينا استحق ذلك إلا ذلك الحدث السن الذي ادعيت أنه قليل التجربة ومن لم يكن له من التجربة ما يستحق بها أن يكون أمير سرية يسوس أمرها أيستحق بتجربته ولاية الأمة؟! ثم يقال له: إن كان المعتمد عندكم في الخلافة كبر السن والتجربة فالعباس عم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أسن من أبي بكر لا خلاف بين أهل التاريخ في ذلك، وهو كثير التجربة ثاقب الروية زين العقل عظيم الحلم علي ذلك اتفق الناس من أهل الرواية والسيرة والمعرفة بأحوال السلف مع قربه من رسول الله فهو علي هذا أحق بالأمر علي قولكم فلن تعدوا عن أن تكونوا ظلمتم عليا (عليه السلام) إلا أن تكونوا ظلمتم العباس فالظلم لكم لازم علي كل حال. ويقال للرابع وهل يخفي عليك قرب علي (عليه السلام) من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأنه أقرب الخلق منه فما منعك حين احتج أبو بكر وصاحباه علي قومك بقرابة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وتركت نصرة قومك [ صفحه 402] لصحة هذه الحجة عندك من أن تقول لهم صدقتم الأقرب إلي الرسول أحق بمقامه وعلي أقرب إليه منكم فهو الأحق بمقامه من كل أحد فامضوا بنا إليه جميعا لنبايعه ونسلم إليه خلافة ابن عمه ثم يقال له هب إنك لا تدري أولا بقرابة علي (عليه السلام) من رسول الله، أو نسيت ذلك ثم علمت الآن أن الأمر حق لعلي (عليه السلام) بمقتضي حجة أبي بكر علي قومك أليس من الواجب عليك إذ كنت قادرا انتزاع الحق من غير أهله وإيصاله إلي ربه ومستحقه ومساعدته علي ذلك، وهل ذلك إلا بمنزلة شئ تداعاه اثنان فأقام أحدهما بنية علي استحقاقه إياه فحكم له به، ثم جاء ثالث فاستشهد لك البينة فشهدت له بأنه حق فإن ينزع من يد الأول ويدفع إلي هذا أفليس في إعراضهم عن قبول الحجة التي دفعوا بها خصومهم علي أنفسهم إذا احتج بها أمير المؤمنين (عليه السلام) عليهم دليل واضح وبرهان راجح وعلم لائح، علي أنهم مجانبون للحق ومتعمدون علي إنكار الحجة التي يوردها أمير المؤمنين عليهم كائنة ما كانت نصا أو الزاما لا يخفي ذلك من أمرهم علي ذي فطنة وكل هذا نص مذهب أصحابنا الإمامية ومخالف لمذهب أصحاب ابن أبي الحديد المعتزلة ومناقض لأقوالهم من أن الجماعة لم يرتكبوا منكرا ولم يأتوا بباطل، ولم يردوا حجة صحيحة علي أمير المؤمنين، ولم يفعلوا ما يجوز نسبتهم لأجله إلي الظلم والتعدي، وأنهم كانوا علي غاية من الديانة والصلاح ومنزلة رفيعة من العدل والانصاف، وإنما غاية أمرهم أنهم فعلوا غير الأولي، وهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) قد رماهم بجميع ما برئتموهم منه بموجب روايتكم، ونسبهم إلي ارتكاب المعصية ورد الحجة وعدم الخوف من الله، فما أدري أتكذبون روايتكم التي بها تحتجون، أم تفسقون من تعدلون، أم تطعنون في صدق أمير المؤمنين (عليه السلام) لنسبته الظلم إليهم، وهو الصديق الأمين لا محيص لكم عن اختيار واحد من هذه الوجوه الثلاثة فاختاروا منها - أكرمكم الله - ما شئتم يكن فيه قطع حجتكم واستئصال أصل [ صفحه 403] مذهبكم، علي أن في قولهم: إن القوم بولاية أبي بكر وتركهم عليا (عليه السلام) تركوا الأولي وقولهم إن الصحابة فعلوا ما هو الأصلح للإسلام والمسلمين إذ ولوا أبا بكر تناقضا بينا لأن فعل الأصلح واجب، فكيف يكون خلاف الأولي والتخالف في أقوالهم كثير، هذا كله علي تقدير تسليم قول المعتزلي أن الرواة لم يذكروا لأمير المؤمنين (عليه السلام) فيها نصا، وليس الأمر كما ذكر بل الرواية مذكور فيها بعض ذلك صريحا كقوله (عليه السلام) فيها: (وأخو رسول الله) (صلي الله عليه وآله) فإنا قد بينا أن الأخوة تقتضي المماثلة وهي نص في الإمامة، واحتج بالأعلمية عليهم، في قوله: (أما كان منا القارئ لكتاب الله الفقيه في دين الله) وقد قدمنا أن الإمام يشترط أن يكون أعلم أهل زمانه، فهذا من النصوص، واحتج بالقرابة وهي من شروط الإمام أيضا، وقد ذكرنا أن المنصوص عليه بالأقربية كالمنصوص عليه بالإمامة، فهذه من جملة النصوص والقوم لم يقبلوها منه، ولم يجيبوه عنها بشئ من الحجة، واحتجاج أبي بكر علي علي (عليه السلام) بالسابقة غير ذلك كما يوهمه كلام المعتزلي لا أثر له في الخبر، نعم النص الذي يريده ابن أبي الحديد من علي (عليه السلام) أن يذكره وهو إنزال كتاب من السماء لم يأت به أمير المؤمنين ثم إن في قوله (عليه السلام) (نحن أهل البيت أحق بمقامه) إشارة إلي النص لأن الأحقية في الخلافة لا تكون بدون تعيين من الرسول (صلي الله عليه وآله)، وليس من مذهب علي (عليه السلام) الاجتهاد في الأحكام، والقول بالرأي، بل طريقته الوقوف عند النص والاقتصار علي السماع من الكتاب والسنة، وقد شهد بذلك ابن أبي الحديد في مواضع من كتابه، فإذن دعوي علي الأحقية بمقام الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) بدون نص منه عليه ممتنعة لكنه ادعي ذلك فالنص عليه موجود فتبصر، مما يحسن نقله هنا من تظلمات أهل البيت من أئمة المعتزلي ودعواهم النص من رسول الله (صلي الله عليه وآله) [ صفحه 404] عليهم ما ذكره من كلام أبي جعفر الباقر مرارا قال في موضع منها وقد روي أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر قال لبعض أصحابه: " يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس، إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قبض وقد أخبر إنا أولي الناس بالناس فتمالأت علينا قريش حتي أخرجت الأمر من معدنه، واحتجت علي الأنصار بحقنا وحجتنا، ثم تداولتها قريش واحدا بعد واحد حتي رجعت إلينا، فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤد حتي قتل فبويع ابنه الحسن وعوهد ثم غدر به وأسلم، ووثب عليه أهل العراق حتي طعن بخنجر في جنبه وانتهب عسكره، وأولجت خلاخيل أمهات أولاده، فوادع معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته وهم قليل حق قليل، ثم بايع الحسين (عليه السلام) من أهل العراق عشرون ألفا ثم غدروا به، وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم، ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام ونقصي ونمتهن ونحرم ونقتل ونخاف، ولا نأمن علي دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به إلي أوليائهم، وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنا ما لم نقله ولم نفعله ليبغضونا إلي الناس، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (عليه السلام)، فقتلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل علي الظنة، وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلي زمن عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (عليه السلام)، ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتله، وأخذهم بكل ظنة وتهمة حتي أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال شيعة علي (عليه السلام) وحتي صار الرجل الذي يذكر بالخير ولعله يكون ورعا صدوقا يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من سلف من الولاة، ولم يخلق الله تعالي [ صفحه 405] شيئا منها ولا كانت ولا وقعت، وهو يحسب أنها حق لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ولا بقلة ورع " [819] انتهي. وقد صرح صدر الرواية بأن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أخبر الناس أن أهل بيته أولي بالناس من أنفسهم، وهذا هو النص عليهم ثم قوله (عليه السلام): (فتمالأت علينا قريش حتي أخرجت الأمر من معدنه) صريح في نسبة الظلم إلي المتقدمين، وقوله: (واحتجت علي الأنصار بحقنا وحجتنا) واضح في أن القرابة من الرسول (صلي الله عليه وآله) أمر يستحق به الخلافة، وأن ذلك الأمر حقهم وحجتهم، أخذها غيرهم واحتج بها علي الأنصار، والواجب عليه أن يسلم لهم الحق والحجة لأنها لهم دونه، والباقي من الخبر ظاهر وآخره يصرح بوضع القوم واتباعهم الأحاديث المكذوبة علي ما يشتهون ويدعون، وأن أكثر ذلك كان في زمان معاوية، وقد أوضحنا هذا المطلب فيما مر فقد بان من جميع ما ذكرنا واتضح أن الخبر الذي استند إليه ابن أبي الحديد وعليه اعتمد في إبطال النص عاد بالآخرة دليلا لنا ومستندا لقولنا فاندفع لوم اللائمين وعذل العادلين، وتبين الغث من السمين، والحمد لله رب العالمين. ثم نشرع الآن في الجواب عن شبهته والكلام علي دفع ريبته، وإن كان فيما ذكرناه كفاية في إبطال حجته، لكن لا ندع الازدياد من الخير وكثرة الاستظهار بالحجج بعون الله فنقول: من تأمل وتبصره وتدبر وتفكر، ونظر في الأخبار والآثار نظر من أنصف واعتبر علم يقينا أن القوم إذ ارتكبوا من أخذ الخلافة ما ارتكبوا، وحين انتهزوا ما انتهزوا من الفرصة في إدراك الرئاسة، قد عضوا عليها بأسنانهم وقبضوا عليها بأناملهم، لا يرجعون عنها بنص ولا ينتظرون فيها مشاورة ذي فضل، ولا ينزلون عنها بحجة، ولا يبالون فيها من غضب ولا عدول لهم عنها إلا بالسيف لو حصل قد سلكوا فيها مسلك [ صفحه 406] الجبرية والقهر، يلزمون من رأوه ببيعتهم ولا يعذرونه عنها بعذر ولا يقبلون منه عدلا ولا صرفا، حتي استتم لهم ما أرادوا واستتب لهم ما طلبوا، ألا تري لعمر كيف قال في السقيفة حين تم له ما أراد: اقتلوا سعدا قتل الله سعدا وكيف قال للزبير: عليكم الكلب إذا خرج يدافعهم عن الهجوم علي بيت فاطمة كما ذكر في الحديث المذكور، فهم معرضون عن كل حجة ترد عليهم من كل محتج لا يلتفتون إليها ولا يبالون بمن أوردها عليهم، وأنهم مصرون علي إنكار النص إن أورده مورد، ومصمموا العزم عليه ومهيئون من الشبه إلي ما لا يسعهم إنكاره، ولا يمكنهم ستره وكتمانه ما يدفعون به عند العامة سورة المحتج به عليهم، ولم يكونوا في أمرهم مراعين لحجة ولا ناظرين لدليل ولا راجعين عما دخلوا فيه لبرهان مبين والذي يدل علي ذلك وجوه. الأول: ما مر في الخبر من إعراضهم عن قبول الحجة بالقرابة من النبي (صلي الله عليه وآله) حين احتج بها عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وروي ابن أبي الحديد: في موضع آخر أنه (عليه السلام) إذ ذاك خاطب أبا بكر في معرض الحجة بهذين البيتين. فإن كنت بالشوري ملكت أمورهم++ فكيف بهذا والمشيرون غيب وإن كنت بالقربي حججت خصيمهم++ فغيرك أولي بالنبي وأقرب [820] . وهي كانت حجتهم العظمي التي أبطلوا بها دعوي الأنصار وغلبوهم وفلجوا بها عليهم، لا السابقة والفضل كما ذكر المعتزلي، وإن كان ذلك مخالفا لمذهبه إذ لا يجب عنده تقديم الأفضل فلما احتج بها عليهم من هو أولي بها منهم أعرضوا عنها كأن لم يسمعوها ولم يصغ واحد منهم إلي قبولها ولا [ صفحه 407] التفت إليها، بل جنحوا إلي إفسادها وإبطالها بالشبهات، فمال بعضهم إلي التعلل بحداثة السن وآخر إلي عدم سماعها قبل بيعته لأبي بكر فصرح أنه لا يقبل حجة بعد البيعة مع كونها عنده صحيحه، وما النص إلا حجة وقد صرحوا أنهم لا يقبلون الحجة من أمير المؤمنين (عليه السلام) لحداثة سنه ولسبق بيعة أبي بكر علي احتجاجه، فمن بلغ أمرهم إلي هذا المقدار من ترك الإصغاء إلي سماع الحجة والعمل بها وهي الحجة التي يحتجون بها علي خصومهم كيف يمتنع منهم إنكار النص لو أورد عليهم ويبعد عليهم رده لو احتج عليهم؟ الثاني: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) احتج عليهم غير القرابة بأشياء أخر كأخوة الرسول (صلي الله عليه وآله)، والعلم بكتاب الله، والفقه في دين الله وغير ذلك مما اشتمل عليه الخبر، فلم يعرجوا ولا واحد منهم علي قبول ذلك منه وكأنهم لم يسمعوا ما قال وهم في السقيفة يحتجون علي أحقية أبي بكر بالخلافة بفضيلته بصحبة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في الغار، فلما احتج أمير المؤمنين (عليه السلام) لنفسه عليهم بالفضل الفائق أعرضوا عنه ورفضوه فمن لم يقبل حجته لنفسه علي نفسه كيف يقبل غيرها من الحجج أو يلتزم بها. الثالث: اقتحامهم علي بيت فاطمة وإخراجهم عليا ومن معه يسوقونهم سوقا عنيفا بعد التهديد بإحراق البيت عليهم إن لم يفتحوا الباب وتسمية الزبير كلبا كما مر ذكره في الخبر وغيره من الأخبار، وقد ذكر الخصم من ذلك في كتابه الكثير الواسع وذلك كله من دون أن يقيموا عليه حجة أو يوردوا عليه دليلا، ولو لم يكن من ذلك كله إلا قول عمر له (عليه السلام): لست متروكا حتي تبايع، لكفي في الدلالة علي ما نسبناه إلي القوم من عدم استماعهم للحجة وقبولهم للعذر أو وقوفهم عند النص. [ صفحه 408] الرابع: إن العباس بن عبد المطلب لما احتج علي أبي بكر بمحضر جماعة من أصحابه كعمر وأبي عبيدة كما في رواية طويلة ذكرها الخصم من كتاب الجوهري عن البراء بن عازب حيث قال له: فإن كنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ما تقدمنا في أمركم فرطا، ولا حللنا وسطا ولا نزحنا سخطا فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنا كارهين، وما أبعد قولك: إنهم طعنوا فيك من قولك إنهم مالوا إليك إلي أن قال: وأما قولك: إن رسول الله منا ومنكم فإن رسول الله (صلي الله عليه وآله) من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها، وأما قولك يا عمر إنك تخاف الناس علينا فهذا الذي قدمتموه أول ذلك وبالله المستعان [821] ، لم يجبه هو ولا أصحابه بشئ بل تركوا الحجة وأعرضوا عنها كأنهم لم يفهموها، وكانوا في أول الكلام يحتجون بها علي العباس ويقرعونه بها فلما أوردها عليهم وعرفوا أنها له ولأهل بيته دونهم ضربوا عنها صفحا ولم ينقادوا لها ولا نزعوا عما هم فيه لأجلها ولاحتجوا إلي العمل بها، ومن يعرض عن قبول حجته التي يجادل بها علي نفسه فهو بعدم قبول غيرها من الحجج أخلق، وإلي الإعراض عن النص ورده أقرب، وهذه المجادلة وقعت بعد بيعة أبي بكر بيومين والرواية صريحة في أن بني هاشم كانوا كارهين إمارة الرجل ومكرهين علي بيعته، فأين الرضا بخلافته وأين رجوعه وأصحابه إلي الحجة والعمل بمقتضاها حتي يستنكر منهم كتمان النص ودفعه لو أورد عليهم؟ الخامس: ما رواه ابن أبي الحديد عن أبي بكر الجوهري قال: حدثني المغيرة بن محمد المهلبي من حفظه وعمر بن شبة من كتابه بإسناد رفعه إلي أبي سعيد الخدري قال: سمعت البراء بن عازب يقول: لم أزل لبني هاشم محبا [ صفحه 409] فلما قبض رسول الله (صلي الله عليه وآله) خفت أن تتمالأ قريش علي إخراج هذا الأمر عنهم فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول مع ما في نفسه من الحزن لوفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله) فكنت أتردد إلي بني هاشم وهم عند النبي (صلي الله عليه وآله) في الحجرة، وأتفقد وجوه قريش إذ فقدت أبا بكر وعمر وإذا قائل يقول: القوم في سقيفة بني ساعدة - وإذا قائل آخر يقول: قد بويع أبو بكر: فلم البث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها علي يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أبي، فأنكرت عقلي وخرجت اشتد حتي انتهيت إلي بني هاشم والباب مغلق فضربت عليهم الباب ضربا عنيفا وقلت: قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة، فقال العباس: تربت أيديكم إلي آخر الدهر أما إني أمرتكم فعصيتموني، فمكثت أكابد ما في نفسي، ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة وعمارا وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شوري بين المهاجرين، إلي آخر ما قال من إخبار حذيفة الجماعة بما علمه من أمر القوم ومسير المذكورين إلي أبي بن كعب للمساعدة وطلبهم منه فتح بابه وقوله لهم وبالله ما يفتح علي بابي حتي تجري علي ما هي عليه جارية ولما يأتي بعدها شر منها وإلي الله المشتكي [822] ، وقد دل الخبر علي أمور. منها أن الناس يعلمون بغض قريش لبني هاشم في حياة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ولذا خاف البراء من تمالئهم علي إخراج الخلافة عن بني هاشم ولولا ذلك ما كان للخوف معني. [ صفحه 410] ومنها أن الناس يعلمون أن خلافة النبي (صلي الله عليه وآله) لبني هاشم إما من جهة النص وإما من جهة القرابة، وأن إخراجها عنهم ولا يكون إلا بتمالئ قريش عليهم. ومنها أن بيعة الناس لأبي بكر لم تكن برضي واختيار. ومنها أن أبا بكر وأصحابه لم يسمعوا لأحد حجة ولا يحتجوا عليه بدليل ولا يقيموا علي مدعاهم بينة، بل يلزمون الناس بالبيعة قهرا ويصرح بهذين الأمرين من الخبر قوله: لا يمرون بأحد إلا خبطوه إلي آخر الجملة، وذلك كله عين ما نسبناه إليهم من دون زيادة ولا نقص، فمن كانت حالهم هذه كيف يرجعون عما ملكوه بحجة أو يسلموا ما في أيديهم إلي صاحبه ومالكه بنص وبينة؟ ومنها أن جماعة من خيار الصحابة كسلمان ومن معه كانوا رادين بيعة أبي بكر ومنكرين خلافته، وكانوا يسعون في خلعه وإخراجه عن الإمارة جهدهم فما استطاعوا، فأين الإجماع والرضا؟ ومنها أن علماء الصحابة كحذيفة وأبي يرون أن تلك البيعة كانت شرا وما بعدها شر منها وذلك نص ما نقول، فهذه الوجوه كلها شواهد حق وأدلة صدق علي ما ادعيناه، وما إلي القوم عزوناه من دخولهم في الأمر دخول مشاغبة وتغطرس واستكبار عن استماع الحجة، لا دخول متبصر منصف يميل مع الدليل حيثما مال ويقف مع النص أينما وقف، وينضاف إلي ذلك ما كان القوم عليه من الرأي والطريقة فإنه كان من هديهم وسجيتهم رد النصوص بالرأي وتخصيصها بالاستحسان، لا سيما فيما يوطد أساس الإمارة، ويقرر قاعدة الرئاسة وقد وصف ابن أبي الحديد ذلك قاطعا وجازما به في كلام له في سياسة علي وعمرو أن عمر كان مدار سياسته علي ما يراه ما حكم به الشرع قال: ولسنا بهذا القول زارين علي عمر بن الخطاب ولا [ صفحه 411] ناسبين له ما هو منزه عنه، ولكنه كان مجتهدا يعمل بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة، ويري تخصيص عمومات النص بالآراء بالاستنباط من أصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص، ويكيد خصمه ويأمر أمراءه بالكيد والحيلة ويؤدب بالدرة والسوط من يغلب علي ظنه أنه يستوجب ذلك، ويصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستحقون به التأديب كل ذلك بقوة اجتهاده وما يؤدي إليه نظره، ولم يكن أمير المؤمنين يري ذلك وكان يقف مع النصوص والظواهر ولا يتعداها إلي الاجتهاد والأقيسة، ويطبق أمور الدنيا علي أمور الدين ويسوق الكل مساقا واحدا ولا يضع ولا يرفع إلا بالكتاب والنص [823] انتهي وهو صريح فيما ذكرنا سابقا من أن عليا (عليه السلام) لو لم يكن منصوصا عليه لما ادعي أنه أولي بالخلافة من غيره وأحق بمقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) دون من سواه لأنه لا يرفع ولا يضع إلا بالكتاب والنص، واعتراف من المعتزلي بأن عمر وأصحابه كان دأبهم الاعتماد علي آرائهم ورد النصوص بها وعدم التفاتهم إلي حكم الشرع إذا خالف ما يريدون، وإذا كان القوم علي هذه لحال فما يمنعهم من مخالفة النص علي علي (عليه السلام) وماذا يصدهم عن كتمانه ورده؟ وأي مجال يبقي لاستبعاد ذلك منهم. وديدنهم رد النصوص إذا خالفت اجتهاداتهم؟ وهل يخفي علي أحد من أهل الروية مخالفة النص علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لرأي عمرو اجتهاده؟ فهو إذن يري رد النص علي علي (عليه السلام) ومخالفته واجبا وليس يجوز لأحد من أتباعه أن يستنكروا منه فعل الواجب عليه باجتهاده، بل يجب عليهم الحكم بأنه يفعله وما يهمله ولازم ذلك أنه أنكر النص علي علي (عليه السلام) البتة وهو عين ما ندعي، ولعمري لو لم يكن لنا إلا هذا الوجه لكفانا في الدلالة علي مدعانا فكيف والوجوه كثيرة كما [ صفحه 412] تري، ومن البين الذي لا شك فيه أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان عالما بذلك من شأنهم ومطلعا عليه، وكيف يخفي عليه من أمرهم مع المعاشرة المطلعة علي الحال، ورؤيته منهم ما رأي سابقا، وفي ذلك الوقت ما علمه ابن أبي الحديد من أمرهم من جهة الرواية مع بعد المدة وتطاول الزمان، فكان (عليه السلام) قاطعا بإنكارهم النص لو احتج به ابتداء وصرح لهم به، أو إلقائهم بعض الشبه عليه كشبهة النسخ بأمر أبي بكر بالصلاة كما زعموا فلم يكن لذكر النص والحال هذه فائدة، ولم تكن في احتجاجه به عليهم مصلحة إذ لا تقوم به عندهم له حجة لو ذكره ولو شهد به من هناك من شيعته كسلمان وأبي ذر والمقداد وأمثالهم إن جوزنا قدرتهم في تلك الحال علي الشهادة لم يقبل القوم شهادتهم ولم يلتفتوا إليها لمخالفتها غرضهم، وما أدتهم إليه آراؤهم، فكان مقتضي الحكمة وموجب معرفة قواعد الخصوم ترك التعرض للنص لعدم الانتفاع به في المقام لإنكار الخصم إياه، والاتيان بحجة لا يستطيع الخصم إنكارها ولا الطعن فيها، فلذا عدل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الاحتجاج عليهم بالنص واحتج تارة بأخوة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأخري بالأعلمية، وكلاهما مما لا يمكنهم التشبيه فيه، واحتج عليهم بالقرابة التي لا يسعهم إنكارها ولا القدح فيها لأنها حجتهم التي دفعوا بها الأنصار عن الأمر وأبطلوا بها دعواهم من حيث كانت هي النافعة له في المقام، فما مثله في ذلك إلا كرجل يدعي قبل آخر شيئا له علي دعواه حجتان كل منهما تثبت دعواه منفردة وتوجب له ما ادعاه إلا أنه يقطع بإنكار الخصم واحدة من الحجتين لو أوردها عليه، أو أن يلقي عليها شبهة تدفع عنه الاحتجاج عليها بها والأخري يأمن عليها من ذلك كله فإن الواجب العدول عن تلك الحجة التي يخاف عليها ذلك المحذور وإن كانت أقوي إلي ذكر الحجة الأخري التي لا يخشي عليها محذورا، فالمانع لأمير المؤمنين من ذكر النص عليه خوفه إنكار القوم إياه لعلمه ذلك منهم يقينا لا [ صفحه 413] عدم وجوده، وهو مانع قوي وصارف جلي، وكيف لا يكون النص موجودا وهو بعد ذلك يدعيه ويشهد له عمه العباس به، ويعترف سعد بن عبادة بسماعه، ويشهد له ابن عباس بادعائه إياه، وعمر بن الخطاب كذلك كما مر فيما مضي ذكره، فعدوله عن النص والاحتجاج عليهم في موقفه ذاك بالقرابة من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) مع أنها من جملة أسباب استحقاق الخلافة، بل من شروطه كما ذكرناه في موضعه ومع عدم قدرة الخصم علي إنكارها وردها والقدح فيها بوجه من الوجوه هو عين الحكمة وحقيقة المعرفة وقوة نفاذ البصيرة في قطع الخصومة، فإن الحجة المذكورة كافية له فيما طلب وافية له بصحة ما ادعا وإثبات ما رام لو قبلوها منه كما قبلتها الأنصار منهم، أو أذعنوا لها كما أذعن لها خصمهم، وكيف يقبلونها ويذعنون لها وهم مصرون علي العناد متواطئون علي ابتزاز الأمر من صاحبه كما سمعت في الخبر من تعللاتهم العليلة ومما يؤيد ذلك ويوضحه ويكشف عن سره تدافعهم الخلافة في السقيفة وتراميهم بها بعد أن غلبوا الأنصار عليها بين ثلاثة فأشار بها أبو بكر إلي عمر أو أبي عبيدة وعرضها أبو عبيدة علي عمر وردها عمر إلي أبي بكر، ولم يشيروا ولا واحد منهم إلي أحد من بني هاشم ولا ذكروهم في الأمر ولا في المشورة مع تحقق قرابتهم من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، وظهور شرفهم وفضلهم، خصوصا علي بن أبي طالب الذي شاعت مناقبه واشتهرت سوابقه، وما اختفي علي أحد علمه وفضله، فإعراضهم عن ذكره وذكر بني أبيه دليل صريح علي تواطئهم علي سلب بني هاشم خلافة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، وابتزازهم سلطانه ودفعهم عن مقامه، ولازم ذلك تواطئهم علي إنكار النص علي أهل البيت ولم يكن علي (عليه السلام) ليجهل ذلك منهم. ووجه آخر وهو أن مقصد القوم من العدول عن أهل بيت النبي (صلي [ صفحه 414] الله عليه وآله وسلم) إلي أبي بكر اتساع أمر الخلافة في قريش لتنال كل بطن منهم وتكون دولة بينهم يرجوها كل قوم كما رواه ابن أبي الحديد عن الجوهري من قول المغيرة بن شعبة لأبي بكر وعمر: أتريدون أن تنتظروا خيل الحلبة من أهل هذا البيت وسعوها في قريش تتسع [824] ، فقاما إلي السقيفة وقد مر الحديث بتمامه، وكذلك ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) أن مقصدهم ذلك في حديث رواه ابن أبي الحديد عنه، وصرح بعض المحققين من غير أصحابنا من جهة الاستنباط أن مقصد القوم ما ذكرناه نقله عنه المعتزلي المذكور [825] ومن الواضح، أن هذا مقتض قوي لإنكار جميعهم النص علي أمير المؤمنين، ومظاهرتهم أبا بكر وعمر عليه وتظاهرهم علي جملة بني هاشم لعلمهم أنها إذا صارت لهم واستقرت فيهم لا تخرج عنهم إلي سائر بطون [ صفحه 415] قريش أبدا بخلاف باقي قريش فإنها تنتقل فيهم، فربما يقدم أحدهم صاحبه لغرض وليردها عليه عند موته كما فعل الثلاثة في السقيفة، فلذلك استقر رأيهم علي منع أهل البيت ميراثهم من الرسول (صلي الله عليه وآله)، ودفعهم عن حقهم، ولأجل هذا كله عدل أمير المؤمنين عن ذكر النص واستغني عنه! في مخاصمتهم بالقرابة وغيرها مما ذكره من حيث لا محيص لهم عن الاعتراف به، فحاله (عليه السلام) في ذلك الموقف غير حال أبي بكر في السقيفة، فإن عمر وأبا عبيدة كانا له ظهيرا، وعويم بن ساعدة ومعن بن عدي الأنصاريين كانا له ردءا، وهما علي ما روي خصومنا اللذان استنهضاه علي حضور السقيفة، واستحثاه علي المبادرة إلي طلب الخلافة، وجشماه الدخول في هذه الورطة، مخالفة منهما لقومهما الأنصار، وأن بشير بن سعد وكان من رؤوساء الخزرج كان له سندا يخاصم عنه قومه، وأسيد بن حضير رئيس الأوس كان إليه مائلا، وكلهم طالبون منه الازدياد من الحجة، ومتعطشون إلي تظاهره علي دفع الأنصار بالبينة، والباقون مصغون إلي ذكر الحجج غير مستنكفين عن قبولها منه، فلا مانع له من ذكر نص عليه لو كان موجودا ولا صارف له عن الاتيان بقول من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يوجب له الفضيلة لو كان حاصلا، ومع هذا لم نره ذكر نصا عليه ولا قولا من النبي (صلي الله عليه وآله) يوجب المدح له، ولا حجة يختص بها تثبت له دعواه، ولا ذكر له صاحباه شيئا من ذلك، بل رأيناه وصاحبيه ذكروا حجة كانت برمتها لغيره، وكانت يده منها خلوا وهي القرابة، وأشياء لا توجب شيئا من مطلبه ولا تقضي بصحة مأربه وهي الصحبة في الغار والأمر بالصلاة كما زعم، وكل ذلك لا يفيده شيئا مما أراد لو كان للخصومة معه مجال، ولم يكن أمره مبنيا علي التغلب لأن كون الحجة الأولي لعلي (عليه السلام) مما لا غباوة فيه. والثانية أيضا لأن لقائل أن يقول: إن كان اختصاص النبي (صلي الله [ صفحه 416] عليه وآله وسلم) بأبي بكر وخلوته معه في الغار مما يوجب له خلافته فعلي أولي منه بذلك لأن النبي (صلي الله عليه وآله) اختص به مرة وخلا معه وقتا واحدا واختص بعلي مرات كثيرة وخلا معه خلوات متعددة في أوقات لا تحصي، ودع ما لعلي (عليه السلام) ليلة الغار مما لا يوازنه فضل وهو مبيته علي الفراش فكانت هذه أيضا كالقرابة. والثالثة يقال: لهم إنا لا نسلم أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أمره بالصلاة، وإن صح أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد أمره بالصلاة فقد عزله عنها إذ خرج ونحاه عن المحراب لا سيما والتقدم في الصلاة لا يوجب العدالة علي مذهبكم فضلا عن الفضل فأي حجة في الصلاة علي ما ادعي فإذن ليس له حجة علي ما طلب وأراد فعدوله وصاحبيه عن ذكر نص عليه من الرسول (صلي الله عليه وآله) أو قول منه في مدحه وفضله مع احتياجه إليهما وعدم المانع من ذكرهما وانتفاء الصارف عن إيرادهما إلي ذكر حجة هي لغيره لا له وأخري قريبة منها وثالثة لا توجب عدالته إن سلمت له فضلا عن إيجابها خلافته دليل صريح علي أنه لم يكن مما ذكروه من النص عليه شئ موجود، ولا مما رووه في فضله بعد من الأحاديث عن النبي (صلي الله عليه وآله) حديث معروف، ولا من ذاك عين ولا أثر ولم يطلع هو ولا أصحابه علي شئ من ذلك إلي آخر أيامهم، ولو كان في يدهم شئ من ذلك وعندهم منه خبر لأوردوه للحاجة إليه خصوصا لما نسبهم أمير المؤمنين إلي الظلم والتظاهر عليه وعدم الخوف من الله وغير ذلك مما في الخبر، فلم لادرؤا عنهم قوله فيهم بخبر عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في فضل أبي بكر وأي موضع أولي بذكره من ذلك الموضع، ثم في أيام مقاولة المهاجرين والأنصار وما شاع بينهم من الخصام والجدال بعد بيعة أبي بكر مدة وشاعت فيما بينهم في ذلك الخطب والأشعار حتي قال في ذلك [ صفحه 417] النعمان بن عجلان الأنصاري وكان من سادات الأنصار يخاطب أصحاب أبي بكر: وقلتم حرام نصب سعد ونصبكم++ عتيق بن عثمان حلال أبا بكر وليس أبو بكر لها خير قائم++ وأن عليا كان أخلق بالأمر وكان هوانا في علي وأنه++ لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري في أبيات كثيرة [826] ومثله قال غيره من الأنصار وما احتج عليهم أبو بكر ولا أحد من أعوانه بخبر عن النبي (صلي الله عليه وآله) في الشيخ يقتضي استحقاقه الخلافة مع اقتضاء الحاجة إلي ذكره، وعدم الصارف عنه وانتفاء الموانع من إيراده، وغاية ما عندهم في المدافعة ما تشبثوا به في السقيفة من قضية الغار والصلاة فعلم من ذلك أنه ليس لهم في فضل الرجل في ذلك الوقت حديث ولا خبر وإنما أولياؤه بعد ذلك فيه زوروا ما أرادوه فتبين أنه ليس حال أبي بكر في عدم إيراد نص عليه كحال أمير المؤمنين (عليه السلام) في تركه إيراد النص لوجود الداعي إلي تركه هنا ووجود المانع من إيراده وهو تحققه منهم إنكاره ورده مع قيام ما ذكره بثبوت حقه لو أنصفوه وعدم حصول شئ من ذلك في أبي بكر، فهذا فرق ما بين الحالين وتمييز ما بين الأمرين، ويزيد ما بيناه توضيحا وصراحة ما جري يوم الشوري أن عليا (عليه السلام) ذكر له جملة من النصوص عليه من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وطائفة من مناقبه، وناشدهم ذلك كحديث براءة والآخاء وما شابههما، وخبر الغدير والمنزلة وما ضارعهما، التي عددناها في ذكر النصوص كل ذلك يقرون به ولا ينكرون منه شيئا، والقصة مشهورة عند الخصوم، وقد أقر بها القوشجي وابن أبي الحديد وذكر أنها مشتهرة لكنه اقتصر [ صفحه 418] في نقلها علي ذكر جملة مما ذكره أمير المؤمنين من النصوص عليه محتجا به علي القوم، وهم مع تصديقهم إياه واعترافهم بصحة نصوصه لم ينصرفوا بها عن صرف الخلافة عنه إلي غيره، بل بايعوا عثمان وتركوه ولم يعتنوا بتلك النصوص والمناقب وهددوه إن لم يبايع عثمان أن يقتلوه أو يقاتلوه، وعثمان لم يذكر لنفسه فضلا ولا أورد في استحقاقه الخلافة خبرا، وإنما وعدهم بأن يسير فيهم بسيرة الشيخين، وما الأولون بدونهم في رد نصوص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، ومخالفة أقواله لأنهم أتباعهم ومقلدوهم، وهذا من أعدل شاهد علي ما قلناه من عدم اعتناء القوم بنصوص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في حق علي (عليه السلام) طلبا للدنيا وحبا للرئاسة فترك ذكره أمير المؤمنين لهذا. ووجه آخر: وهو أن عليا (عليه السلام) في ذلك الوقت غير محتاج إلي إيراد النص إن سلمنا أنه لم يورده، لأن إيراده إنما هو لإثبات أنه المستحق لمقام الرسول (صلي الله عليه وآله) دون خصمه، وأبو بكر وأصحابه مقرون له بذلك لأنهم قد أثبتوا استحقاق الخلافة بقرابة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، ودفعوا الأنصار عن طلبها وخصموهم بها عن المطالبة فيها، فكان ذلك إقرارا منهم لعلي (عليه السلام) بالحق لأن قرابته من الرسول (صلي الله عليه وآله) وأقربيته من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) معلومة غير مجهولة، ومعروفة غير منكورة، فلذا قال لهم كما في الخبر: (إني أحتج عليكم بما احتججتم به علي الأنصار، فإن كانت الخلافة بالقرابة فأنا أحق الناس بها لأني أقربهم من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) [827] فلم ينكر منهم أحد ذلك، بل أقروا به لكنهم أصروا علي منعه حقه وقالوا له: لا نسلم لك هذا الحق لأنك صغير السن، فأي حاجة بعد هذا [ صفحه 419] لذكر النص؟ وأي فائدة في إيراده وتعداده؟ وهل هو في ذلك إلا كرجل يدعي قبل آخر حقا وله علي صحة دعواه بينة عادلة لكن المدعي عليه في حال المخاصمة أقر له بحقه وقال لا أدفعه إليك ولا أسلمه، فهل تري يحتاج المدعي في إثبات حقه بعد إقرار خصمه به إلي إحضار بينته، أو يحكم عليه حاكم عادل بلزوم إحضارها في ثبوت حقه مع أن البينة لا يصار إليها إلا إذا لم يقر المدعي عليه بصحته دعوي المدعي؟ وإذا حصل الإقرار من المدعي عليه فلا حاجة إلي البينة، أفليس لا يبقي للمدعي بعد إقرار المدعي عليه له بحقه وإصراره علي منعه إلا إجباره علي تسليم الحق وأخذه منه قهرا؟ وإذا لم يجد المدعي من يأخذ له بحقه أو يعينه علي استخراجه من خصمه ويخاف من مطالبته به وصول الضرر إليه لا يبقي له إلا الكف والسكوت إلي وقت التمكن، وكذا أمير المؤمنين (عليه السلام) فعل ما يلزم فعله في الشرع والعقل فإنه قرر خصومه بالحجة فأقروا له بالحق لقضية القرابة وأصروا علي ترك تسليم حقه إليه، فلم يبق عليه بعد هذا إلا استخلاص حقه منهم بالجبر، واستخراجه من أيديهم بالقهر، فطلب الأعوان علي ذلك وطاف علي دور أهل السوابق من الصحابة مركبا فاطمة علي حمار آخذا بيد الحسن والحسين يدعو الناس إلي معاونته علي استيفاء حقه بالسيف إذ لم يبق غيره، فكان يبايعه بالليل أربعون رجلا علي ذلك ويعدهم أن يوافوه صبحا فإذا أصبح لم يوافه إلا أربعة أو خمسة، حتي فعل ذلك ثلاث ليال وهذه حالهم معه كما صح عند خصومنا واشتهر بينهم، فلما تبين له الخذلان من الناس سكت وكف علي ما في صدره من المضض وفي قلبه من الألم، إذ لم يبق بعد فقد الناصر وعدم المعين علي أخذ الحق من الممتنع عن تسليمه إلا الكف والسكوت، لا سيما إذا كان الضرر في ترك الكف عنه مظنونا وصوله إلي صاحب الحق من ذلك الظالم أو من تابعيه، فليس لذكر علي (عليه السلام) النص في المقام موضع، ولا لإيراده موقع، وهو واضح لإخفاء فيه ومكشوف [ صفحه 420] لا سترة عليه وهذا بخلاف أبي بكر وأصحابه فإنهم في تمام الحاجة إلي ذكر نص عليه أو خبر في مدحه، لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) يرميهم جميعا بالظلم والعدوان واغتصاب حقه والعباس بن عبد المطلب كذلك وجماعة من الأنصار وهكذا، فلو كان ثمة له دليل من النصوص لأورده ومنع به خصمه عن نفسه، أو حجة من قول النبي (صلي الله عليه وآله) لناضل بها منازعه، لكنه وصحبه لم يذكروا من ذلك شيئا مع دعاء الحاجة إليه فعلم أنه لا شئ منه بموجود فافترق الأمران، وبالله المستعان، وقد وضح من هذا كله بطلان ما أورده ابن أبي الحديد في المقام وما شنع به علي أصحابنا في موضع آخر حين قال: فإن قالت الإمامية: كان يخاف القتل لو ذكر ذلك يعني النص، قيل لهم: فهلا خاف القتل وهو يعتل ويدفع ليبايع وهو يستصرخ تارة بقبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) وتارة بعمه حمزة وأخيه جعفر وهما ميتان، وتارة بالأنصار، وتارة ببني عبد مناف، ويجمع الجموع في داره ويبث الرسل والدعاة ليلا ونهارا إلي الناس يذكرهم فضله وقرابته، ويقول للمهاجرين خصمتم الأنصار بكونكم أقرب إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأنا أخصمكم بما خصمتم به الأنصار لأن القرابة إن كانت هي المعتبرة فأنا أقرب منكم؟ وهلا خاف من هذا الامتناع ومن هذا الاحتجاج ومن الخلف في داره بأصحابه ومن تنفير الناس عن البيعة التي عقدت حينئذ لمن عقدت له [828] " انتهي وفيه مع اندفاعه بما مضي من البيان فساد واضح من وجهين. الأول: دعواه أن الإمامية يقولون خاف علي (عليه السلام) من ذكر النص والحال أنه ولا واحده من الإمامية بقائل إن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يذكر النص، بل كلهم متفقون علي أنه (عليه السلام) ذكر [ صفحه 421] النص للقوم وذاكرهم لما ساموه البيعة لأبي بكر وخاصمهم به أشد خصام، فلم يقبلوا منه فعدل إلي القرابة التي احتجوا بها علي الأنصار فتعللوا عليه كما رويتم فلم يجد شيئا يكفهم به عن ظلمه وينتزع به من أيديهم حقه إلا السيف، فصمم العزم علي مناجزتهم فلم يجد ناصرا طلب أربعين رجلا ذوي عزم فلم يوافقه ولم يجبه إلا أربعة أو خمسة فكف وسكت، وهذا المشنع ذكر ذلك مرارا في كتابه وصححه واعترف به هنا كما تري، فليس أحد من الإمامية يقول: إن عليا (عليه السلام) لم يذكر النص عليه، بل يقطعون بأنه ذكره ويجزمون بأن القوم ردوه ولم ينقادوا له، ورواياتهم بذلك ناطقة ومصنفاتهم بذلك مصرحة. الثاني قوله: إنه خاف القتل، فإن الإمامية إن قالوا خاف القتل فإنهم يريدون أنه (عليه السلام) خاف القتل من استمراره علي ترك بيعتهم فضرع لها وأجاب دفعا للقتل عن نفسه إذ لا معين له وهو قد صرح بهذا المعني في كثير من خطبه كالشقشقية وغيرها وقد ذكرنا شطرا من كلامه في هذا المعني فيما تقدم وسيأتي منه الكثير إن شاء الله لا إنه خاف القتل من ذكر النص فإنه لا قائل به من الإمامية، فإن كان صادقا فليدلنا علي هذا القائل، نعم إن قال أحد منهم أنه خاف من ذكر النص مجاراة للخصم فإنه يريد أنه خاف منهم إنكاره ورده وذلك صحيح وقد أوضحناه وبيناه فزال تشنيعه علي أصحابنا بقوله هلا خاف من كذا وهلا خاف من كذا هذا كله مع ما يعود عليه في هذا التشنيع من بطلان مذهبه وفساد عقيدته وذلك من وجهين. الأول: إنه ملأ كتابه من الدعوي برضا علي (عليه السلام) بخلافة أبي بكر وروي في ذلك أحاديث كثيرة عن أسلافه، وأن عليا (عليه السلام) لم يدع أحدا إلي نقض بيعة أبي بكر ولا استصرخ الناس لحربه ولا نازعه وأصحابه، وقد قدمنا بعضا من كلامه في هذا في فصل أحاديث لفظ الإمام [ صفحه 422] ثم هو الآن يقول: إنه استصرخ الناس لحرب أبي بكر وكاشف ونازع وعتل ودفع وبث الرسل والدعاة يدعون الناس إلي نقض بيعة الشيخ ومحاربته، فانظر إلي هذ التناقض العظيم في أقواله والتعارض الشديد في كلامه. الثاني: إنه شحن الكتاب أيضا من قوله أن عليا (عليه السلام) لو كاشف القوم ونازعهم وسخط إمارتهم ولم يرضها فضلا عن أن يكون شهر السيف عليهم لحكمنا بضلالهم وهلاكهم كما حكمنا بهذا كله علي من خالفه أيام خلافته لأنه علي الحق دائما ونقل ذلك أيضا عن مشائخه البغداديين ثم هو هنا وغير هنا يذكر أنه (عليه السلام) خالفهم ونازعهم واستصرخ الناس عليهم، ودعا الناس إلي قتالهم، وجمع الجموع في داره لذلك واستغاث منهم بالأموات والأحياء فلازم ذلك عليه أن يحكم عليهم بالضلال ومخالفة الحق وهو لا يحكم عليهم، بل يصرح في مواضع من كتابه بأنهم من الدين والإيمان وصحة اليقين بمكان مكين وغير ذلك من الأوصاف الجميلة التي تزيد علي الوصف، وكان اللازم من هذا عليه تكذيبه في معتقده، أو افتراؤه في أخباره، أو حكمه بضلال أئمته فما كان أغناه عن كشف هذه القبائح، وبيان الفضائح، ونشر هذه المعايب وهذا يصرح لك عن هذا الرجل بأنه نهج منهج الخلط والتخبيط، يقول الشئ وضده ويأتي بالأمر ونقيضه ويعتقد مذهبا ومنافيه كل ذلك عنده صحيح وفي خياله رجيح لا يقف علي حد محدود ولا يقتصر علي مذهب معلوم أعاذنا الله والمؤمنين من المضلات ومن الانغماس في الجهالات.

رد المؤلف علي القوشجي لانكاره النص علي علي

واحتج القوشجي علي فقد النص مطلقا علي أمير المؤمنين وخصوصا قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (سلموا علي علي بإمرة المؤمنين) وقوله (صلي الله عليه وآله) لعلي: (أنت الخليفة بعدي) وقوله (صلي الله [ صفحه 423] عليه وآله وسلم) مشيرا إليه (هذا خليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا) وقوله (صلي الله عليه آله وسلم) حين جمع بني عبد المطلب (أيكم يبايعني ويوازرني يكون أخي ووصيي وخليفتي من بعدي) [829] فبايعه علي (عليه السلام) وهي التي استدل بها سلطان الحكماء والمتكلمين نصير الملة والحق والدين بأن هذه النصوص لم تثبت من يوثق به من المحدثين مع شدة محبتهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) ونقلهم الأحاديث الكثيرة في مناقبه وكمالاته في أمر الدنيا والدين، ولم ينقل عنه في خطبه ورسائله ومفاخراته ومخاصماته وعندنا تأخره عن البيعة إشارة إلي تلك النصوص وجعل عمر الخلافة شوري بين ستة ودخل علي في الشوري، وقال عباس لعلي: امدد يدك أبايعك حتي يقول الناس هذا عم رسول الله (صلي الله عليه وآله) بايع ابن عمه فلا يختلف فيك اثنان، وقال أبو بكر وددت أني سألت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عن هذا الأمر فيمن هو وكنا لا ننازعه، وحاج علي (عليه السلام) معاوية ببيعة الناس لا بنص من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) [830] انتهي. كلامه. والجواب أما قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (سلموا علي علي بإمرة المؤمنين) و (أنت الخليفة بعدي) فمتواتر عند الشيعة فضلا عن كونه مرويا وليس التواتر عند الشيعة علي كثرتهم يقصر في الخبر عن كونه خبرا صحيحا لا سيما إذا لم يكن له مناقض يعتد به وكان له معاضد من الأدلة [ صفحه 424] الصحيحة، وقد ذكرنا في النصوص ما يصرح به عن محدثيهم. وأما قول النبي (صلي الله عليه وآله) (هذا خليفتي فيكم) الخ. وقوله: (يا بني عبد المطلب أيكم يبايعني ويوازرني) الخ فكلاهما في حديث الوزارة حين جمع النبي (صلي الله عليه وآله) بني عبد المطلب بعد نزول قوله تعالي: [وأنذر عشيرتك الأقربين] وقد رواه الثقاة من محدثي العامة واستدل به متكلموهم كابن إسحاق وابن جرير الطبري وأبي جعفر الإسكافي وغيرهم فلا معني لقول المعترض: إن هذه النصوص لم تثبت عمن يوثق به من المحدثين، وأما خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) وكلماته فهي مشتملة علي ذكر النص عليه كثيرا مثل قوله: (وإني لأولي الناس بالناس وإني وارث رسول الله وإني وصي رسول الله وإن رسول الله عهد إلي) ومعناه باليقين استخلفني وكلامه لمن سأله بم ورثت ابن عمك دون عمك وغير ذلك مما مضي ويأتي، ومخاصماته بالنصوص مشهورة فإنه كان دائما يدعي النص عليه من النبي (صلي الله عليه وآله) كما مر في حديث ابن عباس مع عمر بن الخطاب ومخاصمته أهل الشوري بالنصوص أمر معلوم قد اعترف به هذا المعترض وغيره، وبالجملة فدعوي علي (عليه السلام) النص عليه من النبي (صلي الله عليه وآله) واضحة كالشمس الضاحية لا يجهله إلا جاهل محض، ولا ينكره إلا معاند صرف، فلا معني لقول المعترض أنه لم ينقل في كلامه إشارة إلي تلك النصوص لأنه قد اشتهر بها التصريح في كلامه دون الإشارة.

لماذا دخل علي في الشوري

وأما دخوله في الشوري فلوجهين. الأول: إنه خاف القتل في امتناعه من الدخول في الشوري بعد ما عينه عمر لأن امتناعه صريح في الخروج عن طاعته ورد إمامته فلا يأمن أن يأمر بقتله فيقتل وعمر مطاع في أصحابه، وأكثرهم مبغضون لعلي (عليه [ صفحه 425] السلام)، وكيف يحاذر من قتل علي (عليه السلام) لو خالف أمره وقد أوصي بقتل من يخالف عبد الرحمن بن عوف من أهل الشوري، وبقتل ستتهم إن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا علي واحد منهم وعلي فيهم، فأطيع في ذلك كله، وأخذ الستة بذلك من أبي طلحة الأنصاري وصي عمر علي إنفاذ هذه الوصية، ولو لم يفعلوا كما قال لقتلوا جميعا كما صح في روايات القصة عند الخاصة والعامة [831] ، وهذا أمر ظاهر لا ينبغي التشكيك فيه، وأقل الأمور أنه (عليه السلام) يظن الضرر لو امتنع من إنفاذ قول عمر ودفع الضرر المظنون واجب عقلا وشرعا. الثاني: إنه من الجائز أن أمير المؤمنين دخل في الشوري ليتمكن من المطالبة بحقه والإدلاء بحجته علي ذلك وإذا لم يدخل فيها لم يتمكن من ذلك، ولذا أنه خاصم القوم وحاجهم بالنصوص عليه لا بغيرها، وقال هناك (إن لنا حقا أن نعطه نأخذه وأن نمنعه نركب إعجاز الإبل وإن طال السري) [832] وعرض عليه ابن عوف المبايعة علي سيرة الشيخين فأبي إلا علي كتاب الله وسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وكان ذلك إما لاحتماله قبول القوم قول النبي (صلي الله عليه وآله) وإما لإلقاء الحجة لئلا يقول قائل من القوم لا أدري أو نسيت فلم يذكرني أحد، وقد أرسل الله موسي إلي فرعون وهو يعلم أنه لا يؤمن فليس من المقطوع به أن يكون دخول أمير المؤمنين (عليه السلام) في الشوري لرضاه بها وجواز الإمامة عنده بالاختيار، بل ولا من المظنون مع قيام الاحتمالين القويين، [ صفحه 426] وإذا لم يكن رضاه بالشوري معلوما من دخوله فيها سقط الاحتجاج بها علي مراد القوشجي، وهنا وجه ثالث ذكره أصحابنا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه إنما دخل في الشوري للرد علي عمر وصاحبه في روايتهما عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) (ولم يكن الله ليجمع لنا أهل البيت بين النبوة والخلافة) وهو وجه ظاهر الصحة، وأما قول العباس امدد يدك أبايعك ففيه ثلاثة وجوه. الأول: إنها رواية يختص الخصم بنقلها فلا حجة فيها مع أنهم رووا ما يعارضها وهو الخبر المتقدم المشتمل علي شهادة العباس لعلي (عليه السلام) بالنص عليه من النبي (صلي الله عليه وآله)، وإبلاغ ابن عباس عمر ذلك عنه وإقرار عمر ببعض ذلك، بل بكله والترجيح لهذا الخبر لأنه أوضح دلالة ولاعتضاده بالأخبار الصريحة في النص علي علي (عليه السلام). الثاني: إن الرواية لا تدل علي نفي النص بحال لأن قوله: امدد يدك أبايعك الخ ليس فيه ما يدل علي عدم النص لا بالمطابقة ولا بالتضمن وهما ظاهران، ولا بالالتزام إذ لا ملازمة في العقل بين البيعة لئلا يختلف الناس وبين عدم النص إلا بالجزم بعدم مخالفة القوم لنص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لو كان موجودا، والمقطوع به من حالهم خلاف ذلك، نعم هناك ظاهر ضعيف وهو لا يعارض القاطع. الثالث: إنه من الجائز أن يكون العباس دعا عليا (عليه السلام) إلي المبايعة لا لفقد النص عليه، بل دعاه إلي ذلك خوفا اختلاف الناس عليه لعمله منهم ذلك كما أشار إليه بقوله: حتي يقول الناس هذا عم رسول الله (صلي الله عليه وآله) بايع ابن عمه فلا يختلفون فيك [833] فدعاه إلي [ صفحه 427] المبايعة لدفع اختلاف الناس عليه لا لإحداث إمامته بالبيعة، بل ظاهر الحال أن إمامة علي (عليه السلام) كانت معلومة عند العباس وأراد بالبيعة توكيدها ودفع الاختلاف فيها، أو لأنه خاف أن يسبق سابق بالبيعة لعلمه أن القوم لا يقفون مع قول النبي (صلي الله عليه وآله) في علي ونصه عليه لما ظهر له من الأمارات الواضحة وقرائن الأحوال فأراد السبق بمبايعة علي (عليه السلام) ليستقر أمره فلا تفيد بيعة غيره بعد ذلك في النقض عليه ويزول الاختلاف، وإذا جاز ذلك بطل الاستدلال بالخبر إن صح إذ لا حجة فيه حتي يحصل العلم بأن دعاء العباس عليا (عليه السلام) للبيعة لفقد النص عليه لا لفائدة أخري، وليس ذلك بحاصل ولا ظاهر إن لم يكن الظاهر من ذلك خلافة، لأن تقديم العباس عليا علي نفسه في خلافة النبي صلي الله عليه وآله وسلم مع كونه أسن منه يظهر منه أنه كان لسماع العباس من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أن عليا هو خليفته والأحق بمقامه، فكان الخبر لنا لا علينا. وأما قول أبي بكر وددت أني سألت النبي (صلي الله عليه وآله) الخ فإنه قال ذلك تقريرا لإنكار النص علي علي (عليه السلام) وتصنعا منه وتشبيها علي من لم يعلم بأنه ما ظلم واحدا بعينه في تقدمه، ولا في استخلافه عمر من بعده ليكون قوله هذا معارضا لدعوي علي (عليه السلام) النص عليه ويستتم له ما أراد من حرمان أهل البيت حقهم من خلافة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في ظاهر الأمر عند عامة الناس في جميع الأزمنة لما يعلم من أن أهل البيت إن تمكنوا من الخلافة وقتا من الأوقات واستقرت قدمهم فيها ظهر من ظلمه لهم ما كان مستورا عند العامة، وزال الوثوق به عندهم، وفسد ما دبره ولولا ما ألقاه من الشبه هو وموازروه بالقول والفعل لما خفي علي عوام الناس النص علي علي (عليه السلام)، ولا أنكره أحد لوضوحه فضلا عن أن يكون خفيا علي المجيب وأمثاله من المحققين حتي جادلوا فيه أتم الجدال، وبلغوا في إنكاره إلي الجمع بين الأمور المتناقضة [ صفحه 428] والمذاهب المتخالفة، فلذلك قال الرجل ما قال ليشبه علي الجهال فنال ما طلب ولو أنه صرح بما علمه من النص علي علي (عليه السلام) لطعن فيه العامة لتقدمه علي من نص عليه النبي (صلي الله عليه وآله)، وقدحوا في استخلافه صاحبه وهو لم يترأس ليكون مطعونا عليه عند العوام، وإنما فعل ذلك ليكون عندهم موثقا مطاعا في الحياة والممات ليتم مقصده المذكور وتصريحه بالنص يزيل ذلك كله عند سائر الناس وهو خلاف مطلبه، فليس في قوله حجة علي فقدان النص لأن له في إخفائه غرضا قويا، ثم إن استدلال القوشجي بكلام أبي بكر علي انتفاء النص مطلقا علي واحد معين يعود عليه بالنقض في دعواه إجماع أصحابه علي استخلاف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أبا بكر ويرد حديث عائشة الذي هو الدليل عندهم علي ذلك: (وهو ادعي أباك وأخاك) المتقدم ذكره، ويبطل روايته في أبي بكر وهو قول النبي (صلي الله عليه وآله) فيه: (وخليفتي في أمتي) وهذا دأبه [834] - متناقض الأقوال مختل الكلام. وأما محاجة علي (عليه السلام) معاوية ببيعة الناس له بنص فهي إن سلمت مثل محاجته للصدر الأول بالقرابة، وذلك أن النصوص الواردة من النبي (صلي الله عليه وآله) علي علي (عليه السلام) وإن كانت صريحة واضحة ومعاوية يعلمها ولا يجهلها ويعرفها باطنا ولا ينكرها لكن وهن دلالتها وشبه صراحتها علي تابعي معاوية من أهل الشام وأكثر تابعي علي (عليه السلام)، إذ جل من معه يرون أن إمامته بالبيعة لا بالنص عليه ويثبتون تقدم الثلاثة عليه في الخلافة فكان الفريقان يذهبان إلي أن الإمامة بالاختيار لا بالنص وأن النبي (صلي الله عليه وآله) لم ينص علي واحد بعينه، ولو احتج أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنص علي معاوية لم يسلمه له في الظاهر وإن كان يعلم صحته كما لم يسلم له الأولون إذا ذكره، ولم [ صفحه 429] يلتفت إليه أهل الشوري إذ أورده، ولا رآهم الناس من العامة خالفوا النبي (صلي الله عليه وآله) إذ ردوا نصه لتلك الشبهة المرتكزة في نفوسهم وكان يتجه لمعاوية عند أهل الشام وأكثر أهل العراق أن يجيبه بأن يقول: إذا كنت أنت المنصوص عليك بهذه النصوص فلم تقدم عليك فلان وفلان ولم قرن عمر بك في الشوري فلانا وفلانا إلي آخره ولم قدم عليك أهل الشوري فلانا وهؤلاء خيار الصحابة؟ أفتقول إنهم ظلموك وانتهبوا حقك، فإن صرح بما لا يحتمل التأويل بأنهم ظلموه وغصبوه حقه وخالفوا نص رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عليه، وقوله فيه وتقدموا عليه عدوانا كانت هذه هي الطامة الكبري التي ود معاوية لو تكلم أمير المؤمنين (عليه السلام) بكلمة تدل عليها ليجعلها من أعظم الموجبات لمخالفته وقتاله، فما رضاه بقتل عثمان الذي اقتضي لزوم خلافه ووجوب حربه عند أهل الشام إلا دونها بمراتب، فيزدادون بها ضلالا وعتوا عليه ويتفاقم خطبهم ويزيد فسادهم، وهو (عليه السلام) يريد اصلاحهم، ثم ليست هذه مقصورة علي فساد أهل الشام خاصة بل يتمشي الأمر بها إلي فساد أكثر جند أمير المؤمنين (عليه السلام) عليه، لأن عامتهم يرون في الإمامة ما يري أهل الشام ويصححون خلافة الثلاثة، ويوثقونهم ومن معهم من الموازرين لهم فيما فعلوه، ويناقضون عليا (عليه السلام) في مخالفته فتاوي الشيخين كما هو معلوم فكيف يتبعونه إذا صرح بأنهما من الظالمين الغاصبين؟ وقد علم كافة أولي الألباب أن الحجة إذا لم يسلمها الخصم ولا تابعوه لم يكن في الاحتجاج بها عليه فائدة وإن كانت صحيحة، وأنه يجب العدول عنها إلي حجة لا يقدر الخصم علي دفعها ولا يجد سبيلا لي منعها إذا كانت موجودة، هذا كله إذا لم يجر الاحتجاج بها علي المحتج ضررا فكيف إذا كان ذلك يجر الدواهي الدهم عليه ويكون موجبا لفساد أصحابه، وزيادة ضلال أصحاب الخصم وغوايتهم؟ ومع هذا لا يؤمن علي معاوية أن يقيم شهودا عند أهل الشام [ صفحه 430] مثل ابن العاص وأبي هريرة وحبيب بن مسلمة الفهري والضحاك بن قيس وأضرابهم يكذبون عليا (عليه السلام) في دعواه النص، وأن المنصوص عليه فلان وفلان إلي آخر من يريد معاوية والكذب عند هؤلاء علي الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) أهون من شرب الماء البارد علي الظمآن، وخصوصا فيما يعيبون به علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل الشام يصدقونهم في جميع ما قالوا لظنهم فيهم الخير فتبطل الحجة عند أهل الشام مع حصول الضرر، فلهذا كله عدل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ذكر النص إلي الاحتجاج ببيعة المهاجرين والأنصار له إذ كانت هي النافعة في المقام والمعتبرة عند العوام، وأن معاوية لا يستطيع إنكارها ولا يسعه الطعن فيها ولا يتيسر له إنكار ثبوت الإمامة، لأنه هو وجميع من معه والجم الغفير من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) يجعلونها هي الطريق للإمامة ويثبتون بها إمامة المتقدمين، وبها يتعلق معاوية دعواه الطلب بدم عثمان كما زعم وذلك لتقوم بها عليه الحجة ظاهرا ولا يمكنه المدافعة والممانعة ولا يقبل قوله في علي (عليه السلام) أنه يبرء من الشيخين ويفسقهما، كما أكثر من ذلك في كتبه إلي علي (عليه السلام) وهذه عند أهل الذكي من أعظم الأدلة علي بلوغ أمير المؤمنين (عليه السلام) في الحكم ومعرفة سياسة الأمور الغاية القصوي، ولو جري علي من تقدمه من رعيته ما جري عليه إذن ما استقر في الإمارة شهرا ولذا لم يتمكن معاوية ابتداء من التخلف عن بيعته (عليه السلام) عند أهل الشام إلا بطلب قتلة عثمان منه، وأنه إذا دفعهم إليه كان أسرع الناس إلي طاعته فتعلق أولا بأمر مقبول عند أهل الشام غير ثبوت إمامة علي (عليه السلام) ونفيها لعلمه أن أهل الشام لا يقبلون منه ابتداء إبطال بيعة الصحابة لمن بايعوه وببطلان ما دعاهم إليه من الطلب بدم عثمان لو صرح أول الأمر بذلك وتيقنه أن عليا (عليه السلام) لا يجيبه إلي ما طلبه علي الوجه الذي أراد، لأنه غير جائز شرعا من وجوه لا يحسن هنا بيانها فتتم [ صفحه 431] له الحيلة المقصودة له في باطن أمره بهذه الشبهة، فلما تمكن ارتفع عن ذلك إلي القدح في بيعة علي بأنه قتل عثمان ظلما بزعمه أو راض بقتله، ولا تصح الخلافة لقاتل خليفة مظلوم لا لأن بيعة الصحابة لا توجب الإمامة وكانت هذه أيضا شبهة مقبولة عند اتباعه ثم كان كلما تمكن من أمر ارتفع إليه حتي تم له جميع ما حاول وطلب من أمر الدنيا فكان تعلله إذ لم يتمكن من القدح في أول الأمر في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ببيعة المهاجرين والأنصار له بما تعلل به شبيها بتعلل الأولين بحداثة السن إذا أعيتهم الحيلة في دفع حجته، فليس ترك أمير المؤمنين (عليه السلام) مخاصمة معاوية بالنص لكونه مفقودا بل لكونه غير نافع بل مقتضيا للضرر يقينا، وترك ما يوجب الضرر واجب قطعا ولأن مراد أمير المؤمنين (عليه السلام) مطالبة معاوية وأصحابه بالبيعة وذلك متوقف علي ثبوت الإمامة علي ما يرون ولا يكون إلا بالبيعة فخاصمهم ليكون قد أتاهم بما يعرفون ولا ينكرون ليستحقوا علي العصيان من المطيعين القتال ومن الله المقت والنكال، وهذا في الحقيقة لا يجهله محصل ولا يرتاب فيه محقق وبأقل مما بيناه يتضح وجهه، فبطل إيراد القوشجي كله وانزاح تعلله بعون الله ومنه، وقد نتج من كلامنا من أوله إلي هنا دعويان. الأول: إن القوم كانوا يخالفون نصوص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ويردونها بالرأي. الثانية: إن النص موجود علي أمير المؤمنين (عليه السلام) من النبي (صلي الله عليه وآله) فكتمه القوم وأعرضوا عنه ونبذوه وراء ظهورهم.

الاجتهاد في مقابل النص

أما الأولي: فدليلنا عليها مع ما بيناه وأوضحناه حتي من شهادة أوليائهم عليهم ما شاع من صدور مخالفة بعض الصحابة للنبي (صلي الله عليه وآله [ صفحه 432] وسلم) في حياته وما تواتر من مخالفتهم إياه بعد وفاته، منها ما صدرت من شخص معين، ومنها ما صدرت من أشخاص معينين، ومنها ما هو منسوب إلي جملة من القوم من غير تعيين، ونبدأ من القسم الأول بذكر أبي بكر وعمر فإنهما رأس هذا الأمر وسنامه، وجميع البحث في الإمامة يدور عليهما فنقول إن مخالفتهما للنص (صلي الله عليه وآله) جاءت منهما تارة علي الإجماع وأخري علي الانفراد فمما اجتمعنا فيه مخالفتهما للرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) في التخلف عن جيش أسامة مع حث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي تنفيذه مرارا.

مخالفة النبي في التخلف عن جيش أسامة

قال ابن أبي الحديد قال أبو بكر [835] وحدثنا أحمد بن سيار عن سعيد بن الكثير الأنصاري عن عبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن: إن رسول الله (صلي الله عليه وآله) في مرض موته أمر أسامة بن زيد علي جيش فيه جلة المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير، وأمره أن يعبر علي مؤتة حيث قتل أبوه زيد، وأن يغزو وادي فلسطين، فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثاقله، وجعل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يثقل ويخف ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث حتي قال له أسامة: بأبي أنت وأمي أتأذن لي أن أمكث أياما حتي يشفيك الله فقال: (اخرج وسر علي بركة الله) فقال: يا رسول الله إني إن خرجت وأنت علي هذه الحالة خرجت وفي قلبي قرحة منك فقال: (سر علي النصر والعافية) فقال: يا رسول الله (صلي الله عليه وآله) إني أكره أن أسئل عنك الركبان، فقال: (أنفذ لما أمرتك به) ثم أغمي علي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وقام أسامة فجهز للخروج، فلما أفاق رسول الله (صلي الله عليه وآله) سأل عن أسامة والبعث فأخبر [ صفحه 433] أنهم يتجهزون فجعل يقول: (أنفدوا بعث أسامة لعن الله من تخلف عنه) ويكرر ذلك الخبر، [836] ومع هذا الحث الأكيد قد تخلف من تخلف عن البعث المذكور ردا لنص الرسول (صلي الله عليه وآله) بالرأي فإن أحدهما تخلف لطلب الخلافة والثاني لمعاونته ولم ينكر عليهما منكر لأن المتمكن من الإنكار عليهما في تلك الحال يري رأيهما، والمؤمنون وهم أقل قليل مغلوب عليهم، فإذا كان هذان الرجلان قد تخلفا عن جيش أسامة مخالفة للنبي (صلي الله عليه وآله) ولم تمض من المدة ما يحتمل فيه شبهة كنسخ وغيره، وكل ذلك لغرض الإمرة وطلب الرئاسة فكيف يستنكر منهما ويستبعد مخالفة نص الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) علي علي وإنكاره ذلك الغرض المذكور؟ مع أن مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في الإمامة ورد نصه فيها علي مذهب الجماعة أهون من رد نصه في الجهاد لأنهم جعلوا الخلافة من الأمور الدنيوية ولم يجعلوها من الفروض الدينية، والأحكام الشرعية، ألا تري قول عمر لأبي بكر في السقيفة وأمرك رسول الله بالصلاة رضيك رسول الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا [837] ، فجعل الصلاة من الدين والإمامة من أمر الدنيا، ولازم ذلك جعل نص الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) فيها كرأي واحد منهم! فكما يجوز مخالفة ذلك الواحد يجوز مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله) والرجوع إلي ما يؤدي إليه الرأي، وإذا كانوا قد خالفوا النبي (صلي الله عليه وآله) وردوا نصه في الأمور الدينية فأحر بهم أن يخالفوا النبي (صلي الله عليه وآله) فيما زعموا أنه من الأمور الدنيوية لا من الأوامر الشرعية، فتبين هنا أن قول بعضهم: إن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لم يوص ولو أوصي ما تأمر أبو بكر [ صفحه 434] علي وصيه باطل، لأن أبا بكر قد تآمر في هذه الواقعة علي من أمره رسول الله (صلي الله عليه وآله) عليه والحال في الأمرين واحدة، ومتي رأينا أبا بكر وصاحبه وقفا مع النص فيما يخالف غرضهما حتي نستبعد منهما مخالفة النص في الإمامة مع ظهور مخالفته لمطلوبهما ومنعه إياهما من التوصل إلي محبوبهما ما هذا إلا تمحل المحال.

مخالفة أمره بقتل ذي الخويصرة

ومن ذلك مخالفتهما أمره (صلي الله عليه وآله) بقتل ذي الخويصرة التميمي [838] قال ابن أبي الحديد: وفي الصحاح المتفق عليها أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) بينا هو يقسم قسما جاء رجل من بني تميم يدعي ذي الخويصرة، فقال: اعدل يا محمد فقال: (قد عدلت) فقال ثانية: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل فقال (صلي الله عليه وآله): (ويلك ومن يعدل إذا لم اعدل)؟ قال: وفي بعض الصحاح أن رسول الله قال لأبي بكر وقد غاب الرجل عن عينه: قم إلي هذا فاقتله فقام ثم عاد فقال: وجدته يصلي، فقال لعمر مثل ذلك فعاد وقال: وجدته يصلي فقال لعلي (عليه السلام) مثل ذلك فعاد وقال: لم أجده، فقال رسول الله: (صلي الله عليه وآله) (لو قتل هذا لكان أول فتنة وآخرها) [839] الحديث فانظر إلي ترك الشيخين قتل الرجل لأنه يصلي فإنك تجده صريحا في ردهما أمر النبي (صلي الله عليه وآله) بالرأي وتخصيصهما عمومه بالاستحسان؟ هذا والنبي (صلي الله عليه وآله) حي نافذ الحكم شديد السلطان، فإذا تحقق ردا مرة بالرأي في حال حياته وعلو كلمته ولم [ صفحه 435] يحذرا من عقوبته فكيف يستنكر منهما مخالفته نصه في إمامة علي (عليه السلام) بعد وفاته وعلمهما أنه قد فارق الدنيا وأنه لا يأمر بعد ذلك ولا ينهي، أفيرتاب عاقل عالم قد علم بمخالفتهما الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) فيما ذكرناه في جواز أن يخالفا نصه في الإمامة مع ارتكاب خطر العقوبة في الأول والأمن منها في الثاني؟ وهل يصفهما ذو عقل صحيح وذوق رجيح بعدم إمكان المخالفة كما فعل ابن أبي الحديد فواعجبا من قوم هم من ذووي التحقيق يروون شيئا ويحققونه ثم يزعمون عدم إمكان واستحالة وقوعه [فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم] [840] ولعمري لقد أصابتهم الفتنة من غير شك ولا شبهة وبالله المستعان. وفي حديث: أم سلمة المتقدم مع عائشة قالت: وأذكرك أيضا كنت أنا وأنت مع رسول الله في سفر له وكان علي (عليه السلام) يتعاهد نعلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فيخصفها، ويتعاهد أثوابه فيغسلها، فنقبت له نعل فأخذها يومئذ يخصفها وقعد في ظل سمرة، وجاء أبوك ومعه عمر فاستأذنا عليه، فقمنا إلي الحجاب، فدخلا عليه فحادثاه فيما أراد، ثم قالا: يا رسول الله إنا لا ندري قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا من تستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعا، فقال لها: (أما إني قد أري مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرقت بنوا إسرائيل عن هارون بن عمران) فسكتا ثم خرجا، فلما خرجنا إلي رسول الله (عليه السلام) قلت له وكنت أجرأ عليه منا: من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم؟ فقال: (خاصف النعل) فنزلنا فلم نر أحدا إلا عليا، فقلت: يا رسول الله ما أري إلا عليا فقال: (هو ذاك) فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك، فقالت: فأي خروج تخرجين [ صفحه 436] بعد هذا [841] وهو صريح في إخبار النبي (صلي الله عليه وآله) لهما بأنهما يخالفان نصه، ولا يطيعان من يستخلفه، وسكوتهما من دون أن يعتذرا للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أو يعطياه من العهود بالطاعة فيمن يستخلفه عليهم ما يحصل الوثوق ظاهرا بمثله شاهد صدق علي أن ما نسبه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إليهما وإلي أمثالهما من التفرق عن خليفته كان ذلك الوقت مضمرا في قلوبهما، وكانا قد عرفا إشارة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي ما أضمراه من مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله) إن استخلف عليا، وقد فهما إلي من يشير النبي (صلي الله عليه وآله) بالاستخلاف فسكتا علي ما أضمرا، فأي شاهد عدل من هذا يراد منا علي هذه الدعوي؟

حول فدك

ومما اختص به أبو بكر في مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله) وكان عمر له تابعا أخذه فدك من فاطمة (عليه السلام) لروايته التي خالفها بتركه ما ترك رسول الله (صلي الله عليه وآله) عند علي (عليه السلام) كالسيف والدرع والبغلة والعمامة وشبه ذلك وترك حجرات النبي (صلي الله عليه وآله) عند أزواجه (عليه السلام) وتوضيح ذلك أن فدك كانت من الأنفال كما صح عند خصومنا رواه ابن أبي الحديد عن الطبري وغيره [842] وليست فيئا للمسلمين وأن فاطمة (عليه السلام) أتت تطلبها بالميراث من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بادئ بدء فمنعها أبو بكر وروي أنه قد سمع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة) [843] وأنه بعد ذلك ترك [ صفحه 437] المذكورات عند علي (عليه السلام) ولم يتصدق به وترك الحجرات عند الأزواج، فكيف تترك تلك وتؤخذ هذه؟ والاعتذار بأنه لعله تصدق بأثمانها لا يدفع الايراد ولا يجدي نفعا لوجهين. الأول: إنه منع فاطمة الميراث بما زعمه من الرواية علي رؤوس الاشهاد وكانت فاطمة وعلي (عليه السلام) وشيعتهما ينسبونه في ذلك إلي الظلم وافتعال الرواية وكل هذا مصحح عند الخصم فكان تركه المتروكات موجبا لصدق اتهامه بالرواية والظلم والتصدق باطنا بالأثمان لا يرفع عنه التهمة ولا يوجب براءة ساحته لأن منعه فاطمة الميراث لروايته أمر متعالم معروف فالواجب عليه أو يقابله بما يزيل عنه التهمة ويبرئ ساحته من الطعن عليه بافتراء الرواية بأمر مثله معلوم معروف بأن يحضر جماعة من الصحابة ويحضر ذوي عدل يقومون تلك الأشياء بقيمة عادلة فيحضر من ماله قدر ذلك فيتصدق به علانية في ذلك المشهد لأن المعلوم لا يرفعه إلا معلوم مثله وما نراه فعل شيئا من ذلك ولا نقله عنه من أوليائه ناقل ولو فعله لصنفت فيه الكتب وكثرت فيه الأسانيد وكل هذا لم يكن وهو دليل علي أنه لم يكن في السر شئ منه وهم لا يدعون له العصمة حتي يقطع علي باطنه كما يقطع علي ظاهره الثاني إنا لو جوزنا تصدقه سرا فمن أين نقول إنه تصدق بأثمان تلك المتروكات فإن كان من ماله فهو باطل لأنه إذ ولي الخلافة واشتغل بها عن التجارة لم يجد نفقة له ولعياله حتي جعل له المسلمون قسمة من بيت المال المال كل يوم ثلاثة دراهم كما صح عند الخصوم ونقله ابن أبي الحديد عن أبي جعفر الإسكافي [844] فأين له مال يتصدق منه بأثمان المتروكات وإن كان من بيت المال فذلك غير جائز لأن بيت المال حق للمسلمين فليس له أن يؤدي [ صفحه 438] عن ذمته من مالهم شيئا بغير إذنهم ولم ينقل أنه استأذنهم في ذلك فأذنوا له ففعل ثم علي تقدير جواز ذلك كله لا ترتفع المخالفة لأن الصدقة في حديثه متعلقة بأعيان تلك الأشياء لأنه قال ما تركناه صدقة فالواجب دفع أعيان تلك المتروكات في الصدقة ولا يجزي دفع أثمانها وما هو إلا كرجل نذر الصدقة بدينار معين فلا يجزيه التصدق بغيره بلا خلاف وقد ترك تلك الأشياء علي حالها بيد من هي تحت يده فثبتت مخالفته لما رواه ثم هنا وجه آخر من المخالفة لا يدفع وذلك أن لفظ حديثه (ما تركناه صدقة) ومن البين أن الصدقة للفقراء والمساكين لا لعامة المسلمين ولا في وجوه الجهاد كالكراع والسلاح لم ينقل أحد من مواليه أنه كان يقسم غلة فدك في الفقراء والمساكين بل صح عندهم أنه يجعله في بيت المال ويصرفه في أمر الجهاد كما زعم ففعله مخالف لروايته من هذه الجملة قد بان أن الرواية إنما افتعلت افتعالا في ذلك الوقت ليدفع بها قول فاطمة (عليها السلام) ويسكتها عن مطالبتها الميراث لئلا تدعي بعد ذلك ميراث الخلافة لابن عمها علي (عليه السلام) من رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقطع بهذا الخبر المادة التي حذر منها وكان ذا مكنة علي أمثال هذا فلما اندفعت فاطمة عن مطالبة الميراث ترك ما يلزمه من مضمون روايته. وقد نقل ابن أبي الحديد أن عثمان كذب هذه الرواية إذ جائته عائشة في أيام خلافته تطلب ميراث النبي (صلي الله عليه وآله) وطعن عليها ولا أدري كيف طلبها ميراث النبي (صلي الله عليه وآله) والرواية أنه لا يورث أفيكون للزوجة ميراث ولا ميراث للبنت.

اسقاط سهم ذوي القربي من الخمس

ومن ذلك إسقاطه سهم ذوي القربي من الخمس والأنفال وجعلهم كعامة المسلمين فيه وقد خص الله ورسوله ذوي القربي منهما بسهم لا يشركهم [ صفحه 439] فيه غيرهم بنص الكتاب العزيز [845] . ومن ذلك درؤه الحد عن خالد بن الوليد إذ قتل مالك بن نويرة وزني بامرأته وعذره لعمر لما طلب أن يقوده بمالك لأنه مسلم ما هو بأول من تأول وأخطأ فاكفف يدك، وارفع لسانك عنه [846] إلي غير ذلك من الاجتهادات في مقابلة النص، والعمل بالرأي دون الرواية. وأما ما يختص به عمر فمنه مخالفته لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حين قال (ائتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي) ولم يكفه المخالفة للأمر دون أن قال إنه ليهجر استفهموه حسبنا كتاب الله [ صفحه 440] مراغمة لقول الله تعالي: [وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي] ثم افترق الحاضرون فمن قائل القول ما قاله رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ومن قائل القول ما قاله عمر ذكر هذه الرواية ابن أبي الحديد مرارا وهي في صحاح كتبهم كالبخاري وغيره علي اختلاف في الألفاظ وقد مضي هذا الكلام محقق بينا فيه بيانا وافيا وقررنا فيه تقريرا شافيا وإذا صدرت من عمر مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ظاهرا مع قوته ونفاذ أمره كيف يبعد منه مخالفته في نصه علي أمير المؤمنين وهو إنما قال ما قال لأنه فهم أن مقصد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من الكتاب تجديد النص علي علي (عليه السلام) وإشهاد الحاضرين فلما رأي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) الاختلاف من الحاضرين حتي أنهم جعلوه ندا له في القول فجعلوهما كالمجتهدين المختلفين يذهب إلي قول كل منهما فريق عرف أنهم لا يجيبونه إذا نص ولا يعتنون بكتابه إذا كتب، فقال: (قوموا فاخرجوا عني فإنه لا ينبغي عند نبي تنازع) كما هو تمام الخبر وهذا أعجب الأمور وأغربها حيث يجعلون قوله: ندا لقول رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويترددون في أيهما أصح وأيهما الأحق بأن يتبع حتي يترجح عند قوم منهم أن الصحة في جانب قول عمر وأن قول رسول الله (صلي الله عليه وآله) ليس بصحيح وكيف لا يجترئ بعد ذلك علي إنكار النص علي علي (عليه السلام) وإبطاله لو أورده ومن تراه ينكر عليه اليوم وهم بالأمس صيرورة لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ندا وقوله لقوله ضدا بل رجحوا قوله علي قول الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) إلا طائفة من المؤمنين وقليل ما هم فيا له من عجب عجيب، لا ينقضي التعجب منه أبدا وهذا يرشدك إلي صدق ما ندعيه الإمامية من التواطئ علي إنكار النص، ودفع صاحبه.

انفة عمر من الصلح يوم الحديبية

ومنه رد عمر قول النبي (صلي الله عليه وآله) يوم الحديبية حين صالح قريشا فقال علي من عطي الدنية في ديننا وهذا رد علي الله وعلي رسوله (صلي [ صفحه 441] الله عليه وآله) بالرأي وهل تري يعتقد في نفسه أنه أوثق في دين الله من النبي (صلي الله عليه وآله) وهو صاحب الدعوة ومقيم الملة وشارع الشريعة والمؤتمن علي الوحي؟ فإن كان يعتقد ذلك فما قولك فيه، وإن كان يظن أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أخطأ في الحكم حين صالح قريشا فماذا تجيب عنه؟ والنبي (صلي الله عليه وآله) لا ينطق في الأحكام عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي، ولا يتقول علي الله تعالي ولا أدري كيف يوجه هذا؟ وكيف يجاب عنه، ويعتذر منه. وإن كان يعلم أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) هو المصيب وأنه هو المخطئ فهو الرد علي الله وعلي رسوله (صلي الله عليه وآله) وفي أدني هذه المراتب ثبوت ما ندعيه من مخالفته النبي (صلي الله عليه وآله) [847] .

قصة النعلين، والتفضيل في العطاء

ومنه: مخالفته النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيما ذكره الخصوم عن أبي هريرة في قصة النعلين [848] . ومنه: مخالفته النبي (صلي الله عليه وآله) في وضع الدواوين والتفضيل في القسمة والعطاء. [ صفحه 442] ومنه: مخالفته النبي (صلي الله عليه وآله) في حكم البلاد المفتوحة عنوة وتفصيل ذلك مذكور في كتب المطاعن وكل ذلك برأيه. ومنه: مخالفته النبي (صلي الله عليه وآله) في تحريم المتعتين [849] .

اسقاط حي علي خير العمل من الأذان

وإسقاطه من الآذان حي علي خير العمل قال القوشجي صعد يعني عمر المنبر وقال أيها الناس ثلاث كن علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنا أنهي عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن وهي متعة النساء ومتعة الحج وحي علي خير العمل ثم قال وأجيب بأن ذلك مما لا يوجب قدحا فيه فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع [850] .

تحريم المتعتين

أقول: هذا الكلام من أقبح القبائح وأفضح المفاضح وأوهن المغالطات وأسمجها وهو مناقض لما رد به النصوص علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي التي ذكرناها في مناقضته حيث قال: " لو كان في مثل هذا الأمر الخطير المتعلق بأمر الدين والدنيا مثل هذه النصوص الجلية لتواتر نقله بين الصحابة ولم يتوقفوا في العمل بموجبه ولم يترددوا حين اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لتعيين الإمام وأنه كيف يزعم ذو مسكة أن الصحابة مع بذلهم مهجهم وذخائرهم وقتلهم أقاربهم وعشائرهم في نصرة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) خالفوه قبل أن يدفنوه مع وجود هذه النصوص القطعية الظاهرة الدالة علي المراد " [851] فإنه جعل علة الرد لتلك النصوص وإنكار ورودها عدم [ صفحه 443] تجويزه علي الصحابة مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أو استبعاده ذلك منهم وهنا أثبت لعمر مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله) وجعل العلة في جوازها الاجتهاد مع أن رأس القوم الذين خالفوا تلك النصوص هو عمر الذي أخبر عن نفسه أنه خالف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وحرم ما حلله بقطع وجزم وأطاعه من أطاعه من الصحابة فكيف يجوز القوشجي لعمر ومتابعيه مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله) في تحريم المتعتين وحي علي خير العمل وإعطاء أزواج النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) والاقراض ومنع فاطمة وأهل البيت خمسهم والتفضيل في القسمة بالاجتهاد ولا يستبعد ذلك منهم ولا ينكره ويستنكف ويستنكر من مخالفتهم النبي (صلي الله عليه وآله) في نصه علي علي (عليه السلام) ويمنع من جوازها عليهم بالاجتهاد وما الأمران إلا سواء في أن كلا منهما رد لنص النبي (صلي الله عليه وآله) وإبطال لحكمه بل حصوله منهم في هذا أقرب لتعلق الأغراض الدنيوية والشهوات النفسية كحب الرياسة وبغض علي (عليه السلام) وإرادة أن تتسع الخلافة في قريش وغيرها به كما أوضحنا ذلك في مواضع دون الأول إذ لا يتعلق به شئ من هذه الأغراض إلا في الخمس ولم يكن تواتر هذه الأحكام عن النبي (صلي الله عليه وآله) مانعا لعمر وتابعيه عن المخالفة فيها حتي يكون تواتر النصوص علي علي (عليه السلام) مانعا لهم من مخالفتها ولم يتوقفوا في موافقة عمر في خلاف النبي في تلك الأشياء حتي يتوقفوا في موافقته يوم السقيفة في مخالفة النص الجلي علي علي (عليه السلام) من النبي (صلي الله عليه وآله) فما أدري في أي شئ من القولين يصدق القوشجي أفي تجويزه للصحابة الاجتهاد في إبطال حكم الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) في الأحكام الشرعية أم في استبعاده منهم مخالفة نصه في الإمامة مع أنها عندهم ليست من الأمور الدينية والمخالفة عندهم فيها سهلة وما أدري علي أي [ صفحه 444] القولين يعتمد وإلي أيهما يرجع أو أنه مخلط لا يقف علي حد ولا يرجع إلي قول معين يقول في كل موضع ما يدفع به خصمه وإن خالف مذهبه وعاند قوله الآخر وهذا هو المحقق من سيرته والمعروف من طريقته وهو غاية الوهن وضعف الرأي ونهاية الاعوجاج في الطريقة بل العدل والانصاف أن يحكم بأحد الأمرين. إما أن الصحابة يخالفون النبي (صلي الله عليه وآله) مطلقا بآرائهم فلا يجوز له حينئذ الاستبعاد عليهم رد نصه علي أمير المؤمنين بالإمامة وإما أن يمنع من صدور المخالفة منهم للنبي (صلي الله عليه وآله) مطلقا فيكذب الروايات المشهورة والأخبار المتواترة بمخالفتهم حكم الرسول (صلي الله عليه وآله) كما أنكر نصوص الإمامة والوصية، [أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض] [852] وإلا فهو تحكم لا يشبهه إلا النسئ الذي كان الكفار من أهل الجاهلية [يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين] [853] أو متحد به في الطريق وحسبك به نقصا وخروجا عن سواء السبيل وأيضا إذا كان القوشجي قد جوز لعمر ومن يري رأيه مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله) في الأحكام بالاجتهاد فما الداعي إلي تحمله ما تحمل في إنكار مخالفتهم النبي (صلي الله عليه وآله) في نص الإمامة ويكفيه أن يقول النص موجود ولكن الصحابة خالفوه بالاجتهاد ومخالفة المجتهد لغيره ليس ببدع كما قال هنا، وما يرد عليه في هذا يرد عليه في ذاك من دون فرق؟ فإنا معاشر الإمامية نقلوا أن القوم خالفوا نص النبي (صلي الله عليه وآله) في الإمامة كما خالفوه في غيرها كل ذلك [ صفحه 445] باجتهادهم، لكن الاجتهاد في مقابلة النص في جميع الأمور غير مقبول، لكن الأشعري المذكور يقبله منهم في كل الأمور فلتكن الإمامة من جملتها فلا حاجة له إلي الاعتذار عنهم بإنكار النص الواضح وتكلف الدليل عليه وهو يكفيه أن ينسبه إلي الاجتهاد كغيره.

تجويز القوشجي مخالفة النبي بالاجتهاد والرد عليه

ثم اعلم أن صريح كلام القوشجي أنه وجزبه جعلوا النبي كواحد من المجتهدين فجوزوا لعمر مخالفته بالاجتهاد فأسقطوا بذلك وجوب اتباع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ولزوم طاعته، فكأنهم نسوا آيات الكتاب الناصة علي المنع من مخالفته كقوله تعالي: [وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا] [854] وقوله تعالي: [فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم] [855] وقوله تعالي: [ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا] [856] والآيات الدالة نصا علي أن حكمه هو حكم الله، وأنه معصوم عن الحكم بالنظر والاجتهاد مثل قوله تعالي: [وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي] [857] وقوله تعالي: [ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين] [858] وقوله تعالي: [قل إن أتبع إلا ما يوحي إلي من ربي] [859] وغير ذلك من الآيات علي كفر مخالفه وسلوكه طريق الضلال وأنه لا [ صفحه 446] حلال إلا ما حلله ولا حرام إلا ما نهي عنه وأبطله [860] وليس بعده نبي ولا ينسخ بعده حكم وما ورد من الأخبار في ذلك مثل قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (أيها الناس لا نبي بعدي ولا سنة بعد سنتي) والمراد أنه لا نسخ لما ثبت حكمه في سنته بعد وفاته، وخالفوا إجماع المسلمين قاطبة علي ذلك حتي جعلوا صاحب الشريعة ومهبط الوحي ونبي الرحمة كعمر وأن اجتهاده كقول النبي (صلي الله عليه وآله) الذي هو عين حكم الله ومع ذلك لم يتفطنوا إلي أن هذا القول يوجب هدم الشريعة، وإبطال الأحكام النبوية، لأنه إذا جاز مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بالاجتهاد في تحريم حلال وتحليل حرام جاز لكل مجتهد مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في إثبات فريضة لم يفرضها، وإسقاط فريضة فرضها، وجاز زيادة ركعة في صلاة ونقص ركعة من أخري، وغير ذلك من الأحكام، إذ لا فرق بين عمر وغيره من المجتهدين في ذلك ولا بين المذكورات وغيرها من الأحكام، ويتمشي ذلك إلي قلع أساس الشريعة المحمدية فأين إذن وجوب الاتباع ولزوم القبول من النبي (صلي الله عليه وآله) والاستماع وتحريم التشريع في الدين والابتداع؟ علي أن ذلك لو صح لانجر إلي جواز الاجتهاد في ترك العبادات إذ لا فرق بين كل ذلك فيبلغ الأمر إلي الكفر فلا لوم بعد ذلك علي الكفار الذين أداهم اجتهادهم إلي تكذيب النبي المختار فقد جوز القوشجي وأصحابه لعمر مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله) باجتهاده، وإذا جاز ذلك لعمر فلا مانع من جوازه لغيره إذ لا فصل بين الأمرين ولا فارق بين الوجهين، ومن أعجب العجائب أنهم جوزوا الاجتهاد لعمر في مخالفة الرسول (صلي الله عليه وآله) ولم يجوزوا لأحد الاجتهاد في مخالفة عمر فتراهم ينكرون علي من أحل المتعة إنكارا بليغا يعدل [ صفحه 447] الانكار علي من أحل الزنا أو يربي عليه حتي قال بعض فقهائهم [861] لأبي جعفر محمد بن علي الباقر منكرا عليه تحليله المتعة إني أعيدك بالله يا أبا جعفر إن تحلل شيئا حرمه عمر، فأجابه الإمام بما أسكته وفي هذا دلالة بينة علي أن القوم جعلوا لعمر رتبة زائدة علي رتبة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ومنزلة تفوق منزلته لتجويزهم مخالفته بالاجتهاد ومنعهم به من مخالفة وذلك من أعظم الفساد وأشد الالحاد، ومن أعظم الخطوب في الدين المقتضية لمحو شريعة سيد المرسلين، وكان الواجب علي القوشجي وأهل مذهبه إذ جوزوا لعمر الاجتهاد في مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله) أن يجوزوا ذلك لغيره، ويجوزوا للغير مخالفته لأن مخالفة المجتهد لغيره ليست ببدع كما هو علة تجويزهم، وإما أن يمنعوا من مخالفة النبي مطلقا فيحكموا بفسق من خالفه من الصحابة، وغيرهم، ثم الواجب عليهم أيضا إذا أثبتوا لعمر خلاف النبي (صلي الله عليه وآله) وجوزوه له ألا يمتعظوا من قولنا أن عمر قد خالفه في نص الإمامة علي علي (عليه السلام) لتساوي تلك الأمور، ثم انظر إلي قول القوشجي: ولم يترددوا حين اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لتعيين الإمام، فإنك تجده صريحا في أن أبا بكر ليس بمنصوص عليه من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، فأين دعواه الإجماع علي أن النبي (صلي لله عليه وآله وسلم) قد استخلفه؟ وأين رواية البخاري ومسلم (ويأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر) [862] وروايته قول النبي (صلي الله عليه وآله) [ صفحه 448] في أبي بكر (وخليفتي في أمتي) أليس قد كذب الكل بقوله المذكور، وما زال هكذا بعض كلامه يكذب بعضا وقد بينا ذلك من أقواله مرارا لبيان تعصبه وعناده، واعتذر ابن أبي الحديد عن عمر في ذلك وفي قوله أن النبي: يهجر بأنه أخرج هذه الكلمات علي مقتضي جبلته الخشنة وموجب طبعه الجاسي، وما هو عليه من الجفاء والغلظة [863] وهذا الاعتذار عنه إثبات لقصوره عن المرتبة التي أحلوه فيها لأنه إذا كان مجبولا علي الجفوة والخشونة ومطبوعا علي عدم الروية والفطنة كما يقول ابن أبي الحديد لم يجز أن يكون خليفة للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يبلغ عنه إلي الأمة الأوامر والنواهي ويسوس الرعية ويؤدبهم وهو في تلك الحال محتاج إلي سائس ومؤدب، ومفهم ومقوم، وقد قال ابن أبي الحديد في موضع من كتابه أن الخلافة نبوة مختصرة [864] والأمر كما [ صفحه 449] قال أفيجوز في العقل والشرع أن يكون في موضع النبوة المختصرة ومن وصفه هذا القائل بتلك الأوصاف القبيحة المنفرة، لعمرك إن هذا التلاعب في الدين موجب للخسران المبين، ثم إذا حكم عبد الحميد بأن منعه للنبي وقوله ذلك القول فيه كان بموجب ما فيه من الجفاء والجسوة فليحكم عليه بأنه خالف النبي (صلي الله عليه وآله) في نصه علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لذلك ولا يستبعد عليه إنكار النص ورده لأن هذا إن لم يكن أسهل من الأول فهما متساويان، فإذا ثبت صدور أحدهما لا يستنكر منه الآخر فما باله يغضب من قول الإمامية أنهم سمعوا النص علي علي (عليه السلام) من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فخالفوه وأنكروه وهو ينسب عمر إلي أعظم من ذلك فحشا وأشد قبحا، ثم إنا قد ذكرنا من كلامه سابقا ما أثبت مخالفة عمر للنصوص بالرأي فما باله يجيز المخالفة هناك ويتكلف الاعتذار هنا! نعوذ بالله من مناواة الحق ومتابعة الهوي وليس الغرض هنا ذكر جميع الأحداث لأن ذلك كله يحتاج ذكره وبيانه إلي كتاب مفرد، وإنما الغرض هنا ذكر جملة من ذلك لإثبات ما ندعيه عليهم من ردهم نصوص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ولدفع استبعاد من استبعد عليهم مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في علي (عليه السلام) ورد نصه عليه ولنوضح أن خلافهم للنبي (صلي الله عليه وآله) في هذا أسوة لباقي مخالفاتهم إياه في غيره، فلذا نقتصر علي ما ذكرناه لحصول الغرض به. [ صفحه 450] وأما ما صدر من غيرهما من مخالفات النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فنحن نشير إلي جملة منه.

رد عثمان للحكم بن العاص

فمنهم عثمان فإنه رد عمه الحكم بن أبي العاص إلي المدينة وقد حرم رسول الله (صلي الله عليه وآله) عليه سكناها بعد ما طرده عنها وحمي الحمي لنفسه ولبني أبيه وولي مروان أمر الخلافة يفعل ما يشاء وهو فاسق ظالم وأحرق المصاحف بالنار ونفي أبا ذر إلي الربذة وآثر أهل بيته بأموال الفئ ومنع خيار الصحابة منها إلي غير ذلك من مخالفاته وفعلاته مما يزيد علي فعل الرجلين مراتب وتفصيله في كتب المطاعن كنهج الحق لجمال الدين الحلي والشافي للمرتضي علم الهدي وغيرهما من الكتب [865] ولا عذر للقوم عنه في أكثرها إلا بالاجتهاد وهو إثبات لدعوانا لا نقض علينا.

انكار عائشة الوصية

ومنهم عائشة أنكرت الوصية من النبي (صلي الله عليه وآله) إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) مع أنها قد حضرت ذلك [866] كما قال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين في شعره المتقدم. وصي رسول الله من دون أهله++ وأنت علي ما كان من ذاك شاهده ثم لم يكفها ذلك دون أن خرجت عليه تقاتله وتجمع الجموع [ صفحه 451] إلي حربه وتدعو إلي نكث بيعته مع سماعها قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (ستقاتلينه يوما وأنت ظالمة له وتنبحك في طريقك كلاب الحوئب) ومع روايتها ما روت فيه أنه أحب الرجال إلي رسول لله، وما ذكرتها أم سلمة (رضي الله عنها) مما اعترفت به من أقوال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيه وأفعاله، وقد مر هذا كله وسماعها قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لأزواجه: (أيتكن صاحبة الجمل الأزب تنبحها كلاب الحوئب يقتل حولها قتلي كثير كلهم في النار وتنجو بعد ما كادت) [867] رواه ابن أبي الحديد عن المحدثين وقد صححوه وأثبتوه وقد قدمنا في هذا المقام من القول ما يبل الغليل.

كيف بداية الزبير و كيف نهايته

ومنهم الزبير يصلت سيفه لقتال أبي بكر يوم بويع له ويقول لا أحد أحق بالخلافة من علي [868] (عليه السلام) ثم هو بعد ذلك يدعو إلي نكث بيعته ويؤلب الناس علي حربه وما أبعد ما بين الأمرين وقد سمع قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في علي (عليه السلام): (ستقاتله يوما وأنت له ظالم) [869] كل ذلك لأغراض الدنيا واتباع الهوي.

رد سعد حكم النبي في غنائم بدر

ومنهم سعد بن أبي وقاص فإنه رد حكم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إذ قسم غنائم بدر فساوي بين الناس فقال: أتعطي فارس القوم الذي يحميهم كما تعطي الضعيف فقال النبي (صلي الله عليه وآله) وهو غضبان: (ثكلتك أمك إنما تنصرون بضعفائكم) ثم هو يوم الشوري يطعن علي علي (عليه السلام) بالحرص علي الخلافة مع روايته فيه عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا [ صفحه 452] نبي بعدي) ولذا تعجب منه ابن أبي الحديد [870] ولعمري أنه تعجب من غير عجب فإن ديدن القوم مخالفة الرسول (صلي الله عليه وآله) فيما يشتهون لكن تعجبه بمقتضي ما يدعيه فيهم من الديانة.

رد طلحة علي النبي في آية الحجاب

ومنهم طلحة وخبره مشهور ورده علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مذكور لما نزلت آية الحجاب ولقد قال له عمر بن الخطاب بعد ما أدخله في الشوري: إن رسول الله (صلي الله عليه وآله) مات وهو ساخط عليك للكلمة التي قلتها لما نزلت آية الحجاب [871] . أقول وهذا القول من عمر قد صدر بعد قوله: إن رسول الله مات وهو راض عن الستة جميعا، وهذا مثل قوله يوم السقيفة إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (الأئمة من قريش) ثم هو لما طعن تحسر علي سالم مولي أبي حذيفة لينصبه إماما وليس هو بقرشي فما ندري في أي رواية نصدق عمر من رواياته وفي أي قول من أقواله يصيب أو أنه يقول في كل وقت ما يقتضيه ويروي في كل حال ما يناسبه وهذا معلوم من سيرته.

تجاهل سعد بن عبادة حق علي و طلبه الرئاسة

ومنهم: سعد بن عبادة فإنه قد سمع حديث الولاية لعلي (عليه السلام) من النبي (صلي الله عليه وآله) فخالفه وكتمه [ صفحه 453] لطلب الرياسة فلما فاته ما رجاه ذكره وصرح به فقال له ابنه قيس ما قال وقد مضي ذكر خبره.

مناشدة علي أنس بن مالك يوم الرحبة و دعاؤه عليه

ومنهم أنس بن مالك فإن أمير المؤمنين (صلي الله عليه وآله وسلم) حين استنشد الناس في الرحبة أيهم سمع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه فليشهد فشهد من شهد ولم يشهد أنس فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) إنك قد حضرتها يا أنس فقم واشهد فتعلل بالنسيان لكبر سنه ونكل عن الشهادة وليس بناس فقال له أمير المؤمنين إن كنت كاذبا فرماك الله بها بيضاء لا تواريها العمامة فأصابه الوضح فسئل عن سببه بعد فقال ذاك دعوة العبد الصالح علي بن أبي طالب، ثم ذكر للسائل الحديث واعتذاره عن ترك الشهادة بالنسيان، وأنه غير ناس وسئل مرة عن علي (عليه السلام) فقال: إني آليت ألا أكتم شيئا سمعته من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فيه بعد يوم الرحبة، ذاك رأس المتقين، سمعته من نبيكم [872] أفليس هذا صريحا في أنه قبل أن أصابه الوضح بدعاء علي (عليه السلام) كان يكتم ما سمعه من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فيه، وأن نص الغدير من جملة المكتوم، وهل أوقع الناس في الفتنة وصيرهم في الحيرة إلا كتمان قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في علي (عليه السلام) قبل يوم الرحبة وإخفاء نصه عليه قبل ذلك حتي كان ذكره، بعد ذلك غير مجد في رفع الحيرة عن العامة، والتصريح به غير مزيل للفتنة لما الفه الناس من الشبهة. ومنهم أبو هريرة: كان يروي قول النبي (صلي الله عليه وآله) كان يروي قول النبي في علي (عليه السلام): (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) [ صفحه 454] وهو مع ذلك مجمع علي حربه وقتاله مع معاوية، ولم يكفه ذلك دون أن روي الأحاديث المفتعلة في ذمه وتوصل إلي لعنه [873] ودع عنك مثل خالد بن الوليد ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأمثالهم من الجبابرة وتابعيهم من المبغضين لعلي (عليه السلام) كأبي موسي الأشعري والمغيرة بن شعبة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير في أضرابهم وأشباههم. وأما ما نسب من مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله) إلي جماعة من الصحابة معينين أو غير معينين. فمنه مخالفة قوم للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في الخروج إلي أحد وقد اختار (صلي الله عليه وآله) أن يقيم بالمدينة ثم مخالفة الرماة الذين أقامهم علي الثنية وأمرهم ألا يبرحوا عن مكانهم، وأخبرهم إنا لا نزال بخير ما دمتم في موضعكم، فردوا نصه بالرأي وانصرفوا من مركزهم وبه جري علي المسلمين ما جري، وجرح النبي (صلي الله عليه وآله) جروحا كثيرة، وعاني مشقة شديدة [874] .

مخالفات أخري

ومنه إنكار جملة من الأنصار علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فعله في قسمة غنائم هوازن حتي بلغه ذلك منهم فأمر سعد بن عبادة أن يجمعهم له في موضع فقام فيهم خطيبا وأنبهم علي ذلك ولامهم وأبان لهم حسن مافعله [875] . ومنه مخالفة قوم للنبي (صلي الله عليه وآله) حين قال في مرضه (هلم اكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي) فلم يقربوا إليه الدواة والبياض [ صفحه 455] ليكتب لهم ذلك الكتاب وقالوا مع العصيان القول ما قاله عمر حيث نسب رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي الهجر. ومنه ما قال قوم إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) غل لما افتقدوا قطيفة من غنيمة بدر فأنزل الله تعالي: [وما كان لنبي أن يغل] [876] الآية. ومنه قول قوم منهم أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أذن يعيبونه بذلك يعني يصدق كل من أخبره بشئ فأنزل الله تعالي: [قل أذن خير لكم] [877] الآية. ومنهم الذين قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا أرادوا قتل رسول الله (صلي الله عليه وآله) في العقبة عند منصرفة من تبوك ودحرجوا الدباب لناقته لتنفر به وكان معه عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أحدهما يسوق الناقة والآخر يقودها وكانوا اثني عشر رجلا ثمانية من قريش وأربعة من العرب [878] . ومنهم اللامزون النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) " في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) [879] إلي غير ذلك من مخالفاتهم لله ولرسوله (صلي الله عليه وآله) مما صرح به القرآن الكريم، وجائت به الأخبار، واحتوت عليه كتب السير والمغازي والتواريخ والتفاسير، وفرارهم عن النبي (صلي الله عليه وآله) وإسلامهم إياه إلي الأعداء مشهور في كثير من المشاهد قد بين في القرآن منها ما بين، [ صفحه 456] وأوضح منها ما أوضح، ولولا أن شرحه يطول لشرحناه وذكرنا جميع ذلك من خلافهم.

الطعن علي النبي في تأمير زيد بن حارثة

ومنهم من طعن علي النبي (صلي الله عليه وآله) في تأميره زيد بن حارثة ثم طعنهم عليه بعد ذلك في تأميره أسامة بن زيد حتي قام خطيبا ولا مهم وردعهم، ودع عنك البانين [مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين] [880] والفرحين بمقعدهم خلاف رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) [881] والقائلين لا تنفروا في الحر) [882] ومن قال: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل، ومن قال يخاطب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) رادا عليه فعله. أتجعل نهبي ونهب العبيد++ بين عيينة والأقرع فما كان بدر ولا حابس++ يفوقان مرداس في مجمع ولست بدون امرء منهما++ ومن تخفض اليوم لا يرفع وهو العباس بن مرداس السلمي [883] وغير ذلك مما يطول تعداده فما ظنك بشرحه وكله مشروح في كتب الخصوم وقد ذكرنا من قبل رد الصحابة علي النبي (صلي الله عليه وآله) انتجاءه عليا يوم الطائف دونهم وقولهم السئ فيه إذ ترك باب علي (عليه السلام) شارعا إلي المسجد حين سد أبوابهم حتي أخبرهم إنما فعله عن الله لا عن نفسه وبالجملة إن تهمتهم للنبي [ صفحه 457] (صلي الله عليه وآله وسلم) ومخالفتهم إياه كثيرة لا تحصي وكل ذلك بآرائهم وما أدتهم إليه أنظارهم فكيف يستبعد من هؤلاء إنكار النص علي أمير المؤمنين وهذه حالهم وهي كاشفة عن بذلهم الجهد وتحملهم المشاق في إخفاء فضائل أمير المؤمنين وستر مناقبه وطلب التدليس فيها وتلبيسها علي الناس بإلقاء الشبه عليها وقصدهم إلي توهينها وتهجينها خصوصا الصدر الأول وقد اعترف بذلك ابن أبي الحديد في صريح كلامه فإنه لما نقل حديث ذو الكلاع الحميري حين سأل أبا نوح الحميري في صفين عن عمار بن ياسر أهو مع أصحاب علي (عليه السلام) وقال له: إن عمرو بن العاص حدثنا أنه سمع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (يلتقي أهل الشام وأهل العراق وفي إحدي الكتيبتين الحق وإمام الهدي ومعه عمار بن ياسر) فقال له أبو نوح: نعم إنه لفينا، قال قلت: واعجباه من قوم يعتريهم الشك في أمرهم لمكان عمار ولا يعتريهم الشك لمكان علي (عليه السلام) ويستدلون علي أن الحق مع أهل العراق لكون عمار بين أظهرهم ولا يعبأون بمكان علي (عليه السلام) ويحذرون من قول النبي (صلي الله عليه وآله): (تقتلك الفئة الباغية) ويرتاعون لذلك ولا يرتاعون لقوله (صلي الله عليه وآله): (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) ولا لقوله (صلي الله عليه وآله): (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) وهذا يدلك علي أن عليا (عليه السلام) اجتهدت قريش كلها من مبدأ الأمر في إخمال ذكره وستر فضائله وتغطية خصائصه حتي محي فضله ومرتبته من صدور الناس إلا قليلا انتهي كلامه [884] وهو صريح في أن أئمته وتابعيهم من قريش كلها اجتهدوا في ستر فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) وإخفاء مناقبه، ولعمري إن النص بالإمامة عليه من جملة ذلك.، وإن الذي دعاهم إلي ستر مناقبه وخصائصه هو [ صفحه 458] بنفسه الداعي لهم إلي ستر النص عليه وتغطيته لما ذكره في كلامه وهو انمحاء فضل علي (عليه السلام) ومرتبته من صدور الناس حتي لا يقول قائل ظلموه إذ تقدموا عليه أو قدموا غيره، وهذا فضله وهذه مناقبه، وهذا النص من النبي (صلي الله عليه وآله) عليه، فما بال ابن أبي الحديد يثبت علي القوم ستر ما لأمير المؤمنين (عليه السلام) من المناقب وبذل الجهد في تغطية ما له من الخصائص ويأبي عن نسبة إنكار النص عليه بالإمامة إليهم وإخفائه من أن العلة في كتمان النص أقوي، والداعي إلي ستره أشد، والمقتضي للتغطية عليه في أمرهم أتم فنسبته إخفاء النص إليهم علي ابن أبي الحديد من ذاك ألزم لكنه يقتدي في العناد بأئمته وفي ستر الحق بسادته كما هو الجاري في طبيعته ولما بيناه من فعل القوم بفضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لولا شيوعها وانتشارها، وكثرتها واشتهارها، وعناية الله بصاحبها لانطمست أعلامها، وعفت آثارها، وذهبت نضارتها، وخبت نارها لكنها بحمد الله لم تزدد علي الإخفاء إلا ظهورا، وعلي الستر إلا بروزا، وعلي التهجين إلا علوا، وعلي التغطية إلا بهجة وسفورا، وعلي الإخماد إلا توقدا ونورا، فجاء الأمر علي خلاف ما حاولوا، واقتضت الحال عكس ما راموا، فلما أعجزهم إعفاء رسوم تلك الفضائل، وأعياهم إطفاء أنوار تلك المناقب، قصدوا إلي عيب المخصوص بها ونقصه، ونسبته إلي ما يشينه بما زوروه وافتعلوه من تلقاء أنفسهم، فمرة رموه بالدعابة، ومرة بالتيه، وتارة بالزهو، وأخري بالتكبر، وغير ذلك من أنواع النقص مما صرحت العبر ببراءة ساحته منه، ولم يزده في قلوب أهل الإيمان إلا جلالة قدر، ورفعة شأن، وكل ما ذكرناه عن القوم وأضعافه مروي في كتاب خصمنا وكتب أصحابه ومشبهيه مما لولا طول المقام بذكره والخروج عن المرام بسطره لرسمناه وشرحناه، ومن أراده مبينا فليطلبه من الكتاب المشار إليه [885] وهذا الذي قالوه. [ صفحه 459] إذا تأمله الفطن الأريب وجده خارجا من مكنون بغض عظيم، وبارزا من مخزون حقد جسيم، وعلم أنه ناش من لهب نار حسد قديم، ومتولد من أصل وجد مقيم فكان الأمر كما قال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي. وإذا أراد الله نشر فضيلة++ يوما أتاح لها لسان حسود [886] . وقد صح من هذه الجملة أن القوم ما كانوا يتقيدون بنصوص النبي (صلي الله عليه وآله) فيما يخالف أغراضهم، ولا يعتنون بها فيما يضاد مطالبهم، ولا يقدمون من قدمه ويؤخرون من أخره ولا يفضلون من فضله، ويسودون من سوده، بل يقدمون من أحبوا تقديمه ويفضلون من شاؤوا تفضيله، ويؤخرون من أحبوا تأخيره ويذمون من مدحه الله ورسوله (صلي الله عليه وآله وسلم)، كل ذلك برأي منهم، وميل من نفوسهم، لا بدليل شرعي، ولا بحكم إلهي والسبب في ذلك أنهم كانوا يؤثرون اتباع أهوائهم علي أوامر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ونواهيه، ويقدمون طاعة شهواتهم علي طاعته وترك معاصيه، ويجعلون قضاء أوطارهم أولي من استماع دعوته وإجابة مناديه، خصوصا في عترته وذوي قرابته ومواليه، فاندفع الايراد، وثبت المراد، وهذا كله يرشد المتأمل إلي الحكم بصحة ما قيل: إن في القوم من لم يدخلوا في دين النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) دخول إيمان ويقين، ولم يتبعوه لطلب مرضاة الله، وإنما كان ذلك لأغراض دنيوية، ومقاصد نفسية، ولذا تراهم لا يلتفتون من أقواله إلي ما لا يوافق آراءهم، ولا يطابق مشتهاهم، بل يجعلون أمره كأمر واحد منهم فيرتكبون خلافه بغير تجرح ولا تأثم، وقد أفصح بذلك القرآن الكريم والفرقان العظيم حيث يقول تعالي: [لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا [ صفحه 460] قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا] [887] الآية وقوله تعالي: [يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هديكم للإيمان إن كنتم صادقين] [888] فقد روي صحيحا أنها نزلت في رجل من الصحابة لأمر جري بينه وبين عمار بن ياسر في بناء مسجد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وهي قصة معروفة [889] إلي غير واحدة من الآيات الواضحات في هذا المعني، وهذا ينادي بأنهم لولا ما رأوا في الإسلام من العزة والسلطان وانقياد الناس لهم واتساق الأمور لرفضوه، واتبعوا دين آبائهم وطريقة أسلافهم، لكنهم رأوا في إظهار هذه الدعوة والتمسك بهذه الملة عظيم الملك والمنعة وشديد القوة والغلبة، ومسارعة الناس لهم بالطاعة، وإنفاذ الأوامر والنواهي، وانضم إلي ذلك انفتاح ممالك القياصرة والأكاسرة والفراعنة والأتراك وغيرهم عليهم وتملكهم تلك الممالك العظام، فنالوا بذلك من الرفعة والرئاسة ما لم ينله ملك قاهر، ولم يدركه سلطان ظاهر، وعلموا أن في رفضهم هذا الدين ورجوعهم إلي دين آبائهم الماضين زوال هذه الرئاسة الجليلة، وفوات هذه المنزلة النبيلة، وصيرورتهم أذلاء أذنابا تابعين غير متبوعين، كما كانوا عليه في زمان الجاهلية، فلذا داموا علي إظهار الدعوة وتمسكوا ظاهرا بعري الملة، وواظبوا علي الإتيان من وظائف الإسلام بما يزيد الناس فيهم وثوقا ولا يخالف لهم مما أرادوه غرضا كالصلاة والصيام والحج وترك المستلذات من المأكل والمشارب والملابس كما قيل: لئن صبرت عن لذة العيش أنفس++ فما صبرت عن لذة النهي والأمر وحثوا منها علي ما يشدد لهم الأبهة ويقرر لهم قاعدة الإمارة كالجهاد [ صفحه 461] وإقامة الحدود بمقتضي مرادهم، وجباية الأموال وإيثار من ميله إليهم يقوي أمره ويشدده بها، والقلوب علي ما انطوت عليه من أراده الدنيا، وطلب العاجلة، وعدم الالتفات إلي العقبي وثواب الآجلة، فانتشر صيت الإسلام وكثر الداخلون فيه، ورغبوا في التدين به، وضرب بجبرانه وشدت قواعد أركانه، ولولا ذلك كله لأعفوا رسومه وطمسوا معالمه، وكان ذلك لإنجاز ما وعد الله رسوله أن يظهر دينه ويفلج حجته وتصديق ما قاله النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كما رواه الخصم وغيره (إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم في الآخرة) أو قال: (عند الله يوم القيامة) وفي رواية (بالرجل الفاجر) [890] ومع ذلك فقد غيروا من أحكام الشريعة ما قدروا علي تغييره وفعلوا ما أوجبه اختلاف الأمة إلي آخر الدهر وهو إزاحتهم وصي الرسول عن مقعده وبالله المستعان.

لماذا لم يضرب النبي أعناق مخالفيه

فإن قال قائل: فلم لم يضرب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أعناقهم لما ردوا عليه حكمه وقوله لأن رد قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كفر، وإذا لم يكن ذلك صادر ألزم إما أنهم لم يخالفوه أو أن مخالفته بالرأي جائزة إذ لا مانع له في سلطانه من قتل من خالفه. قلنا: هذه الشبهة هي التي جرأت القوم علي خلاف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في حياته، وجسرتهم علي رد نصوصه، حتي أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) أمر في حجة الوداع من لم يسق هديا بالإحلال وأن يجعلها عمرة يتمتع بها إلي الحج وحث علي ذلك غاية الحث وقال: (لو استقبلت من أمري ما استبدرت ما سقت هديا) فعصاه كثير منهم ولم يحلوا وقالوا [ صفحه 462] نخرج إلي الحج تقطر مذاكيرنا من المني كما في صحيح مسلم [891] وهذا عصيان واستهزاء ولم يكونوا ساقوا هديا وسافر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في شهر رمضان فأفطر ولم يفطر جماعة ممن معه من الصحابة فقال: (أولئك العصاة) يكررها ثلاثا رواه مسلم في صحيحه أيضا [892] وكثير من ذلك وكما جرأت أولئك علي خلاف النبي (صلي الله عليه وآله) أوهمت أولياءهم أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) سوغهم ذلك حيث لم يعاقبهم علي ردهم قوله وحكمه بما يقتضي ردعهم، وهذه شبهة ضعيفة جوابها في كتاب الله تعالي وهو قوله: [ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واصفح] الآية فإن الله سبحانه وتعالي أمره بالكف عنهم والعفو والصفح عن زلاتهم لئلا يتفرقوا عنه ويخذلوه فلا يبقي معه إلا القليل: كما أمره الله تعالي بالكف عن المنافقين ودعائهم إلي حرب المشركين وإعطائهم من الغنائم يؤلفهم بها ويستميلهم بذلك إلي قتال العدو لتظهر كلمة الإسلام وتنتشر دعوته في الآفاق مع علمه (صلي الله عليه وآله وسلم) بنفاق المنافقين، وشك المؤلفة قلوبهم فأجري أولئك مجري هؤلاء علي أنهم لم يظهروا جحود ربوبية الله ووحدانيته، ولا إنكار نبوة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وإنما كانت مخالفتهم في أمور أخر من الأحكام وكان يردعهم علي مخالفتهم إياه بأخشن الكلام كما قال لهم يوم الحديبية إذ قال عمر فلم نعطي الدنية في ديننا؟: (ألستم أصحابي يوم أحد إذ تصعدون [ صفحه 463] ولا تلوون علي أحد، ألستم أصحابي يوم كذا؟) يقرعهم بذلك ويبكتهم [893] وإظهاره الغضب حين أراد أن يكتب الكتاب في رزية يوم الخميس فقال من قال: إنه ليهجر وقوله: (قوموا عني فإنه لا ينبغي عند نبي تنازع) [894] وقوله لسعد بن أبي وقاص: (ثكلتك أمك إنما تنصرون بضعفائكم) وهكذا كان يردعهم بالكلام الغليظ ويعفو عما زاد عليه، والسر في ذلك ألا يتوهم الناس أنه ملك جبار لا نبي حليم متواضع، ولو كان نبيا لما قتل قوما دعاهم إلي دينه فأجابوه وانتصر بهم علي عدوه بمجرد زلة أو خطيئة أو مخالفة له في حكم، وهذا ليس من خلق الأنبياء بل من خلق الأنبياء التأني وغفران الزلة وتوضيح الحكم عند المخالفة، وليس من خلقهم قتل أصحابهم في مثل ذلك، فإن موسي قال له قومه: [أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا] وهذا الكلام فيه تشاؤم من موسي (عليه السلام) وتضجر فأجابهم بما قصه الله تعالي: [عسي ربكم أن يهلك عدوكم] [895] الآية وقالوا له: [اجعل لنا إلها كما لهم آلهة] [896] حين مروا بعد خروجهم من البحر بقوم يعبدون شجرة، فأجابهم [إنكم قوم تجهلون] وهذه من أعظم الجرائم لأنهم أرادوا منه أن يصيرهم مشركين وقالوا له: [اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون] [897] بعد امتناعهم عن دخول الأرض المقدسة، وقولهم: [لن ندخلها أبدا ما داموا فيها] [898] وغير ذلك ومع هذه المخالفات العظيمة من بني إسرائيل لموسي (عليه السلام) مما قصه الله في القرآن لم [ صفحه 464] يقتل موسي منهم أحدا ولا دعا عليه بالهلاك، وحال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في الرأفة والحلم أعظم من موسي، ألا تراه في أحد حين أصابه الجراح والمشقة جعل يقول: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) [899] وجعل الدعاء لهم محل الدعاء عليهم، فكيف يقتل قوما مقرين بدينه بصدور مخالفة منهم في قول أو فعل، وإنما يكون القتل والتأديب بارتكاب ما يوجب الحدود، فكان النبي (صلي الله عليه وآله) يعمل معهم كعمل الأنبياء مع أصحابهم وذلك من أوضح الأدلة علي نبوته، فكان يعفو ويصفح عن قتل من خالفه، وإن كان يجوز قتله لدفع توهم الناس أنه ليس بنبي، ولو كان كذلك لسار في أصحابه سيرة الأنبياء في أصحابهم فتركه إياهم وصفحه عنهم من جملة ما يثبت نبوته عند الناس، وقد عفي عن أهل مكة وكانوا مستحقين للقتل وقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) [900] وكم عفي عن مستحق للقتل لكنه مع ذلك كله يردعهم باللسان وإظهار الغضب علي الجرأة والمخالفة، فلو كان خلافهم له جائزا لم يردعهم لكنه جمع بين الأمرين فزالت الشبهة بعون الله، وكيف يجوز رد أمر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) والله تعالي يقول: [فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم] ويقول: [فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما] ويقول: [يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون] [901] وغيرها من الآيات الواضحات في عدم جواز مخالفة الرسول (صلي الله عليه وآله) والقرآن مملوء بها. [ صفحه 465]

قول النبي لعلي: إن الأمة ستغدر بك

وأما الدعوي الثانية: أعني أن هناك نصا من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي علي (عليه السلام) وقد خالفه القوم فلنا عليها وجوه من الأدلة. الأول: دلالة الأخبار الصحاح عند الخصم علي المدعي. فمنها: قول النبي (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) (إن الأمة ستغدر بك من بعدي) فقد رواه ابن أبي الحديد عن أكثر المحدثين ورواه غيره أيضا [902] ، وهذا الحديث نص صريح في أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عهد إليهم في علي (عليه السلام) عهدا وأنهم نقضوا عهده فيه، لأنه لا يخفي علي من له أدني معرفة بأساليب كلام العرب فضلا عن فاضل مدقق أن لفظ الغدر لا يستعمل إلا في نقض عهد متقدم، وقد صرح بذلك الشهاب الفيومي في المصباح المنير وغيره من أهل اللغة، فلا يقال: غدر فلان إلا إذا نقض عهدا معهودا، وأبطل عقدا معقودا يلزمه الوفاء به، كما أن الوفاء الذي هو ضد الغدر معناه البقاء علي مقتضي العهد المتقدم، والاستمرار علي موجب العقد السابق، فإذن ثبت من هذا القول أن النبي (صلي الله عليه وآله) عهد إلي أصحابه عهدا فنقضوه بعد وفاته، ولا عهد نقض في ذلك غير العهد بالخلافة، إذ لم يأخذ الصحابة من علي غيرها، ولم يناقضوه في سواها فصح أنه منصوص عليه وأن القوم خالفوا النص بتعمد فكانوا غادرين وهو عين مدعانا، ولا يجوز أن يحمل ذلك علي ما وقع في أيام خلافة علي (عليه السلام) خاصة لوجوه ثلاثة. الأول: إن الغدر منسوب إلي الأمة، والأمة في ذلك الوقت علي الحقيقة [ صفحه 466] هم الصحابة ومن سواهم تبع لهم، فالغدر لا محالة صادر عنهم وواقع منهم إذ لا مخالفة من غيرهم من جميع الناس إلا بسببهم ودعائهم، أو دعاء أحد منهم إلي المخالفة كما هو معلوم عند أولي العقل والفطنة، فوجب أن يكونوا هم المعينين بالغدر ورؤساء الجمل وصفين من جملتهم، اللهم إلا أن يتمحل متمحل فيقول إن الصدر الأول من الصحابة ليسوا من الأمة فحينئذ يقال له فهم إذن غير مسلمين لأن أمة النبي (صلي الله عليه وآله) من أقر بالشهادتين وإذا لم يكونوا من الأمة كانوا من الكفار. الثاني: إن النبي (صلي الله عليه وآله) قال: (بعدي) فجعل ما بعده من الزمان الذي أوله وقت وفاته ظرفا لغدرهم فيعم جميع الأوقات، والتخصيص بوقت يتوقف علي المخصص ولا مخصص في المقام إلا رأي الخصم وليس الرأي بمقبول. الثالث: إنا إنما نتكلم علي معني الحديث وهو مفيد لثبوت العهد من النبي (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) إليهم لثبوت الغدر منهم، وحيث ثبت الغدر ثبت لتوقفه عليه وذلك هو النص بالإمامة ومن ادعي غيره فعليه البيان فتثبت الإمامة له في جميع الأوقات فمن زحزحه عنها أو حال بينه وبينهما فهو غادر وقد وضح الأمر إلا أن يكذب ابن أبي الحديد وأصحابه رسول الله (صلي الله عليه وآله) فيكفروا، وليس ذلك بكثير عليهم في محبة أئمتهم. ومنها ما رواه ابن أبي الحديد عن يونس بن حبيب [903] عن أنس بن مالك قال: كنا مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) معنا فمرر بحديقة فقال علي يا رسول الله ألا تري ما [ صفحه 467] أحسن هذه الحديقة؟ فقال: (إن حديقتك في الجنة أحسن منها) حتي مررنا بسبع حدائق يقول علي ما قاله ويجيبه رسول الله بما أجابه، ثم إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقف فوقفنا فوضع رأسه علي رأس علي فبكي فقال علي (عليه السلام): ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: (ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حين يفقدوني) فقال: يا رسول الله أفلا أضع سيفي علي عاتقي فأبيد خضراءهم؟ قال: (بل تصبر) قال: فإن صبرت؟ قال: (تلاقي جهدا) قال: أفي سلامة من ديني؟ قال: (نعم) قال إذن لا أبالي [904] وهذا الحديث نص في أن القوم كانت في صدور بعضهم ضغائن علي علي (عليه السلام) أخفوها في حياة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأنهم يبدونها له بعد فقدهم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وليس ما أبدوه بعد النبي (صلي الله عليه وآله) إلا منعه من الخلافة وجحدهم النص عليه وإخراجهم إياه ملببا ليدخل في بيعتهم، فبين رسول الله (صلي الله عليه وآله) إن ذلك من فعلهم وقع لحقد وضغن في قلوبهم علي علي (عليه السلام)، فحينئذ إن كانوا علموا أنه الأحق بمقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من جهة نصه عليه فهو ما نقول من أنهم لم يتقدموا علي علي (عليه السلام) لجهل منهم باستحقاقه التقدم، ولا لعدم اطلاع علي النص عليه من النبي (صلي الله عليه وآله)، وإنما فعلوا ذلك حسدا له وبغضا وهو المطلوب وإن كانوا لم يعلموا بشئ من ذلك ولا وقع شئ منه وإنهم علموا أن الأمر بين المهاجرين شرع فلا يجوز نسبة الضغن إليهم ورميهم بكتمان الحقد، وملاقاة أمير المؤمنين الجهد في صبره علي فعلهم، لكن ذلك كله ثابت لهم بأخبار الصادق الأمين فوجب أن يكونوا جاحدين النص ولا يجوز أن يحمل الخبر علي ما كان من أصحاب [ صفحه 468] الجمل وصفين والنهروان لأن عليا (عليه السلام) إذ ذاك لم يوص بالصبر ولم يصبر، بل أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين بصريح النصوص، ومنها ما سبق ذكره فوضع السيف في نحورهم، وترك للسيدان لحومهم وجرعهم كؤس المنية بحدود المشرفية، وإنما أمر بالصبر وصبر في تغلب الثلاثة علي الأمر فهم المعينون بالضغن بلا مرية. ومنها ما رواه عن أبي جعفر الإسكافي أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) دخل علي فاطمة فوجد عليا نائما فذهبت تنبه فقال: (دعيه فرب سهر له بعدي طويل ورب جفوة لأهل بيتي من أجله شديدة) فبكت فقال: (لا تبكي فإنكما معي وفي موقف الكرامة عندي) [905] والتقرير قريب مما مر ولقد صح ما أخبر به النبي (صلي الله عليه وآله) من حصول الجفوة لأهل البيت في تأمر الثلاثة فإنهم لم يدعوا طليقا كيزيد بن أبي سفيان ومعاوية وابن أبي سرح، ولا متهما ولا ظنينا كالوليد بن عقبة وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم وأشباه هؤلاء وأضرابهم، ولا متهتكا في دينه معروفا بالهزل في الإسلام كأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وأمثالها إلا ولوه ولاية ونال من جهتهم إمارة جيش أو بلد وجباية، ولم يولوا أحدا من بني هاشم شيئا من ذلك بل ما زالوا يبعدونهم، ويقصونهم ليكونوا محقورين ويهون أمرهم علي الناس، ويكونوا في زاوية الخمول فيصيروا منسيين غير مذكورين، ومخفيين غير مشهورين، كل ذلك ليخفي فضل علي (عليه السلام) لأن أهل البيت لو ظهروا لأظهروا فضله، ونشروا مناقبه، فمالت الناس إليه، ورغب أهل الدين فيه، فانعكس علي القوم ما أرادوا واختل عليهم ما دبروا فلذا جفوهم وأقصوهم فكان ذلك من أجله، وهذا يرشدك إلي بطلان ما اعتذر به ابن أبي الحديد وغيره تبعا لأسلافهم فقالوا: إن عليا [ صفحه 469] (عليه السلام) لو ولي الخلافة لانتقضت عليه العرب واختل أمر الملة، فإن العرب لم يكونوا ليجتروا علي خلافه إذا كان المهاجرون والأنصار في طاعته مع ما تمكن في قلوب الناس من هيبته واشتهر فيما بين العرب من شجاعته وبراعته وكيف تنقاد العرب لمن تقدم عليه وهم دونه في الحسب والنسب بسبب طاعة الصحابة لهم ولا تنقاد لعلي (عليه السلام) لذلك مع جلالة قدره وعظيم منزلته، وشدة موقعه من قلوب الناس، وعلو شأنه بشرف النسب وكرم الحسب، وكونه من لب بيت السيادة ومخ بيضة الرئاسة من آباؤه أولياء حرم الله، والذين هم أصحاب وقادة حجاج بيت الله، وأهل السقاية والكرم، وإطعام الطعام، وأهل الرحلتين وأهل الحكومة بين العرب قال الوليد الطائي في صفين. شدوا فداء لكم أمي وأبي++ فإنما الأمر غدا لمن غلب هذا ابن عم المصطفي والمنتجب++ تنمية للعلياء سادات العرب [906] . وكم مثل هذا قيل فيهم من الولي والعدو وفي الإسلام والجاهلية، هذا مع السبق إلي الدين والقرابة القريبة من النبي (صلي الله عليه وآله)، والشجاعة الفائقة، والجهاد العظيم، والعلم الغزير، والجود والسماحة، والزهد والقناعة، وبالله أقسم قسما بارا أنه لو ولي الأمر بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ولم يخالفوا عليه وسلموا له الأمر، وألقوا إليه أزمة الرئاسة لانساقت العرب إلي إجابته طوعا، ومشوا في طاعته ولو حبوا لكانت إمارته عندهم نعمة مشكورة فضلا عن أن تكون إمرة مبرورة، ولكثر الشعر في مدحه واسفر ليل سرورهم بولايته عن صبحه، ولم يتخلف أحد من العرب عن طاعته، ولم يختلف اثنان منهم في إمامته، وقد ظهر من فرح المسلمين [ صفحه 470] ببيعته يوم بويع بعد قتل عثمان ما تواتر في الكتب نقله، وقيلت الأشعار الكثيرة في السرور ببيعته، بل هو بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقد لقي ما لقي والمدائح تقال فيه والألسن تلهج به، والأيدي تشير إليه ويؤنب الجماعة علي عدولهم عنه ففي قول النعمان بن عجلان الأنصاري. وليس أبو بكر لها خير قائم++ وإن عليا كان أخلق بالأمر [907] وفي قول أبي سفيان بن حرب بني هاشم لا يطمع الناس فيكم++ ولا سيما تيم بن مرة أو عدي وما الأمر إلا فيكم وإليكم++ وليس لها إلا أبو حسن علي أبا حسن فاشدد بها كف حازم++ فإنك بالأمر الذي تبتغي ملي [908] . وقول آخر [909] . ما كنت أحسب أن الأمر منصرف++ عن هاشم ثم منها عن أبي حسن أليس أول من صلي لقبلتكم++ وأعلم الناس بالآيات والسنن وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن++ جبريل عون له في الغسل والكفن من فيه ما في جميع الناس كلهم++ وليس في الناس ما فيه من الحسن ماذا الذي صدكم عنه فنعرفه++ ها أن بيعتكم غبن من الغبن [910] . وقول آخر [911] . [ صفحه 471] إلي غير ذلك مما لا يسع المقام نقله وهو مذكور في كتاب خصمنا وغيره، فأني تنتقض العرب علي هذا لولا ما جري عليه، وقد صرح هو (عليه السلام) بهذا المعني وبنينه فيما - رواه ابن أبي الحديد عن عوانة عن يزيد بن جرير عن الشعبي عن شقيق بن سلمة أن عليا (عليه السلام) لما انصرف إلي رحله بعد مبايعة عبد الرحمن لعثمان قال لبني أبيه: (يا بني عبد المطلب إن قومكم عادوكم بعد وفاة النبي (صلي الله عليه وآله) كعداوتهم النبي (صلي الله عليه وآله) في حياته، وإن يطع قومكم لا تؤمروا أبدا، ووالله لا ينيب هؤلاء إلي الحق إلا بالسيف) وعبد الله بن عمر داخل عليهم قد سمع الكلام كله فدخل وقال: يا أبا الحسن أتريد أن تضرب بعضهم ببعض فقال: (اسكت ويحك لولا أبوك وما ركب مني قديما وحديثا ما نازعني ابن عفان ولا ابن عوف) [912] ، الخبر وهو مصرح بما قلناه أن جرأة المتأخرين عليه إنما كانت بسبب الرجلين السابقين وما فعلاه من إخراجه عن مقامه وسترهما فضائله ومزاياه، ولولا جرأتهما عليه وتقدمهما قبله لم يخالفه أحد من الناس، ولا جسر علي مقامه واحد من المسلمين، ولا رام التقدم عليه في الأمر ابن حرة أبدا وقد تقدم قبل هذا من كلام معاوية في كتابه جوابا لمحمد بن أبي بكر (رحمه الله) ما يصرح بهذا المعني، وبعد فهل رأيت أحدا من العرب خالفه حين بويع من تلقاء نفسه بدون تسويل أحد من الصحابة وإملائهم لهم، وتزيينهم لهم فرقته ومخالفته حتي يخالفه من تلقاء نفسه لو ولي الأمر عفوا بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، هؤلاء أهل البصرة قد انقادوا إلي طاعته ورضوا ببيعته، وأطاعوا عما له، ونفذت فيهم أحكامه وأوامره ونواهيه، ولم يسخط أحد إمارته، ولا [ صفحه 472] رد واحد منهم بيعته إلي أن جاءتهم عائشة وطلحة والزبير فتنوهم عن دينهم وأدخلوهم في الضلالة وزينوا لهم الفرقة وشق العصا بالشبه والخدع فلولا مجئ عائشة والزبير وطلحة وتحميلهم إياهم علي نكث البيعة وخلع الطاعة لكانوا ماضين عليها، ومستمرين علي العمل بموجبها ومتحققين بها غير مستنكفين عنها ولا مرتابين فيها، وأولئك أهل الشام لو لم يزين لهم معاوية الشقاق ويعينه علي ذلك عمرو بن العاص علم النفاق فيدعوهم إلي الخلاف ويحملاهم علي عدم الوفاق ويغمساهم في غمرات الغواية، ويسدا عليهم طريق الهداية بما ألقيا في قلوبهم من التشبيهات والتسويلات وملأا به أسماعهم من الأباطيل والأضاليل، وقرعا به آذانهم من الأقاويل الملفقة والأكاذيب ما نازعه منهم منازع ولا صرفهم عن المسارعة إليه صارف، ولا منعهم عن بيعته والقيام بواجب طاعته مانع، بل لو خيروا ابتداء قبل الشبه عليهم لما اختاروا غيره ولا عدلوا به سواه، ولولا صفين لما كانت النهروان ولا ما بعدها من الحروب، فالاختلاف علي أمير المؤمنين إنما جاء من قبل أولئك ولولاهم لأدت الناس جميعا إليه الطاعة، واستقاموا له غاية الاستقامة، وبذلوا له الجهد في النصيحة، ثم لا تمضي برهة من الزمان حتي يتبين للناس في أمر الإمامة الرغوة من الصريح، ويتضح لهم الظالم والمظلوم، ولكن أولئك أفسدوا الأمر عليه ومنعوا العرب الثواب الجزيل في الاجتماع عليه، والطاعة لأمره، وأدخلوهم في العقاب الأليم الطويل بالتفرق عنه ومعصيته، وسبب ذلك كله الأولون كما سمعت وبذلك يصرح قوله في الخبر: (وإن يطع قومكم لا تؤمروا أبدا) وذلك لصرف أولئك الأصحاب وجوه من أطاعهم من الناس عن مودة أهل البيت وولايتهم، وذلك لشدة بغضهم لأمير المؤمنين، فما زال أهل البيت في جفوة من القوم لأجله كما هو صريح قول النبي (صلي الله عليه وآله) فاعتذارهم عن تقدمهم عليه بانتقاض العرب عليه لو ولي الأمر بعد النبي (صلي الله عليه وآله) عذر باطل [ صفحه 473] وقول زائف لا يخفي وهنه وفساده، وبطلانه وكساده علي أهل الفضل والنهي، ولنقتصر في هذا المطلب هنا علي هذا القدر من الكلام فإن فيه الكفاية لذوي الانصاف والغنية لمن حاد عن مزلة الإسراف. ومنها ما رواه عن كثير من المحدثين عن علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال له: (إن الله قد كتب عليك جهاد المفتونين كما كتب علي جهاد المشركين) قال: فقلت: يا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ما هذه الفتنة التي كتب علي فيها الجهاد؟ قال: (قوم يشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وهم مخالفون السنة) فقلت: يا رسول الله فعلام أقاتلهم وهم يشهدون كما أشهد؟ قال: (علي الأحداث في الدين ومخالفة الأمر) فقلت: يا رسول الله إنك كنت وعدتني الشهادة فاسأل الله أن يعجلها لي بين يديك قال: (فمن يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين أما إني وعدتك الشهادة وستستشهد تضرب علي هذا فتخضب هذه فكيف صبرك إذن)؟ قلت: يا رسول الله أليس ذا بموطن شكر قال: (أجل أصبت فأعد للخصومة فإنك مخاصم) فقلت: يا رسول الله لو بينت لي قليلا، فقال: (إن أمتي ستفتن من بعدي فتتأول القرآن، وتعمل بالرأي وتستحل الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع، وتحرف الكتاب عن مواضعه، وتغلب كلمة الضلال، فكن جليس بيتك حتي تقلدها فإذا قلدتها جاشت عليك الصدور، وقلبت لك الأمور تقاتل حينئذ علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله، فليست حالهم الثانية بدون حالهم الأولي) فقلت: يا رسول الله فبأي المنازل أنزل هؤلاء المفتونين من بعدك أبمنزلة فتنة أم بمنزلة ردة؟ فقال: (بمنزلة فتنة يعمهون فيها حتي يدركهم العدل) فقلت: يا رسول الله أيدركهم العدل منا أم غيرنا قال: (بل منا بنا فتح الله وبنا يختم وبنا ألف بين القلوب بعد الشرك، وبنا يؤلف بين القلوب بعد الفتنة) [ صفحه 474] فقلت: (الحمد لله علي ما وهب لنا من فضله) [913] وهذا الحديث صريح في إن القوم افتتنوا بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وضلوا وعملوا بالرأي وحرفوا الكتاب، وفعلوا جميع ما ذكره النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من استحلال المحرمات بالشبهات وهذا كله قبل تقلد علي الخلافة، وإنه مأمور بالجلوس في بيته وترك نزاعهم حتي يتقلد الأمر فحينئذ يقاتل ولا فتنة ولا ضلال بعد موت النبي (صلي الله عليه وآله) إلي تخلف أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا بتأخيره عن الخلافة وتقدم غيره عليه، فإذا لم يكن عليه نص خالفوه، فمن أين جاءهم الضلال ووقعوا في الفتنة وعملوا بالرأي وفعلوا ما ذكر في الخبر، فهو أصرح من الشمس الضاحية في رابعة النهار فيما قاله الإمامية من ضلالتهم وذا مصداق قوله تعالي: [ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون] [914] ومن أعجب العجب قول ابن أبي الحديد ودعواه بعد نقل هذا الخبر صراحته في مذهب المعتزلة ظنا منه أن النبي (صلي الله عليه وآله) إنما عني أهل الجمل وصفين [915] وذلك من جملة غفلاته أو تغافله، ولو فكر لوجد الخبر واضحا في إبطال مذهبه وفساد معتقده والله الهادي. ومنها: ما رواه عن سدير الصيرفي عن أبي جعفر محمد بن علي قال اشتكي علي شكاة فعاده أبو بكر وعمرو خرجا من عنده فأتيا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فسألهما من أين جئتما قالا: عدنا عليا قال: (كيف رأيتماه) قالا: رأينا لما به فقال: (كلا، إنه لن يموت حتي يوسع غدرا [ صفحه 475] وبغيا وليكونن في هذه الأمة عبرة يعتبر به الناس من بعده) [916] وهذا الخبر صريح في حصول الغدر بأمير المؤمنين (عليه السلام) من الأمة، وقد علمت أن الغدر لا يكون إلا بنقض عهد سابق ويثبت المطلوب بمثلما تقرر في الحديث الأول، ثم إنه (صلي الله عليه وآله) ذكر الغدر والبغي فيكون الغدر إشارة إلي ما فعله به القوم بعد النبي (صلي الله عليه وآله) من تقدمهم عليه في الخلافة والبغي إشارة إلي ما فعله تابعوهم من خلافه وحربه بعد بيعة الناس له. ومنها: ما رواه عن جابر الجعفي عن محمد بن علي قال: قال علي (عليه السلام): (ما رأيت منذ بعث الله محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم) رخاء لقد أخافتني قريش صغيرا وأنصبتني كبيرا حتي قبض الله رسوله (صلي الله عليه وآله) فكانت الطامة الكبري، والله المستعان علي ما يصفون) [917] فلو قال قائل لابن أبي الحديد: أخبرنا عن هذه الطامة بعد موت النبي (صلي الله عليه وآله) التي جعلها علي (عليه السلام) أكبر من إخافة المشركين إياه وحربهم إياه في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ما هي، أهي ترك الأولي كما ذكرت وليس كما ذكرت، فترك الأولي لا يساوي بحرب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وحرب ناصره لأن ذا كفر، وترك الأولي غير حرام، فكيف يساوي الجائز بالكفر؟ فما ظنك إذا زيد عليه وقيل إنه أكبر من الكفر، هذا ما لا يجوز اعتقاده، أم هي إنكار القوم النص علي علي (عليه السلام) من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وحجده ومخالفته كما نقول، وهو كما نقول، فيثبت النص وضلال القوم بخلافه فما نره يجيب عن هذا السؤال فالعجب كل العجب منه إذ [ صفحه 476] يقول: لا نص علي علي (عليه السلام) بالإمامة، مع نقله مثل هذه الروايات وتصحيحه إياها، وجميعها يحمله علي إرادة أهل الجمل وصفين وهي تأبي هذا المحمل إباء ظاهرا وترده ردا بينا كما لا يخفي علي ذي دربة بأساليب الكلام، نعم بعضها يتضمن مع الأولين أهل الجمل وصفين. ومنه ما رواه عن جعفر بن سليمان الضبيعي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: ذكر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) ما يلقي بعده من العنت فأطال، فقال له علي: أنشدك الله والرحم يا رسول الله لما دعوت الله أن يقبضني إليه قبلك قال: (كيف أسأله في أجل مؤجل) قال: يا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فعلام أقاتل من أمرتني بقتاله؟ قال: (علي الحدث في الدين) [918] وصدر الخبر وهو قوله: ما يلقي بعده من العنت، صريح أو ظاهر ظهورا بينا في إرادة ما جري عليه من القوم بعد النبي (صلي الله عليه وآله) من إزاحته عن مقامه وإخراجهم الأمر عنه إلي غيره، ويؤكده قوله (عليه السلام): لما دعوت الله أن يقبضني إليه قبلك، فإنه يعطي أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وعده بملاقاة العنت بعد موته بلا فصل، فسأل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يدعو الله يقبضه إليه في حياته لئلا يصيبه ذلك العنت، فأخبره النبي (صلي الله عليه وآله) إنه لا سبيل إلي ما طلب وإذا لم يستحق ذلك المقام بنص الرسول (صلي الله عليه وآله) فلا عنت عليه في التأخير عنه، ولا يعارض ذلك آخر الخبر وهو قوله: فعلام أقاتل الخ لظهوره في إرادة من خالفه بعد البيعة له لأن الأولين لم يؤمر بقتالهم ولو أمر فعل، فلا يكون العنت المذكور أصابه في أيامهم، لأنا نقول هو (عليه السلام) مأمور بقتال الجميع الأولين والآخرين إذا وجد أعوانا لأن الجميع [ صفحه 477] قد حصل منهم الحدث في الدين، والأصل في الحدث الأولون والآخرون تابعوهم عليه والعنت أصاب أمير المؤمنين (عليه السلام) في الزمانين، ولذا طلب الأعوان علي حربهم من أول الأمر فلم يجد فكف عن الحرب لفقد شرط تنجز الأمر لا لأنه غير مأمور بحربهم، إذ لو كان كذلك لما طلب الأعوان علي ذلك وقاتل الآخرين لوجود الأعوان له علي قتالهم فكانت دلالة الخبر ظاهرة أي الظهور فما ذكرناه فثبت مرامنا وصح قولنا أن هناك نصا معروفا عند أكثر الصحابة من النبي (صلي الله عليه وآله) علي علي (عليه السلام)، وأنهم كتموه وخالفوه علي عمد والأخبار التي تشير إلي هذا المعني كثيرة في كتاب الخصم لكنا نذكر الصريح فيه والقريب من الصريح، وسيأتي ذكر شئ من هذا الباب عند ذكر النص علي العترة إن شاء الله تعالي.

من تظلم أميرالمؤمنين

الوجه الثاني مما يدل علي وجود النص وأن القوم خالفوه ما تواتر من تظلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) وشكاياته من القوم بالتصريح، ورميه إياهم بغصب حقه ونهب تراثه، وما ضارع هذا المعني مما لا يجوز حمله علي أنه غير منصوص عليه مثل ترك الأولي وشبهه كما قال ابن أبي الحديد وأصحابه وهي كثيرة جدا، نذكر منها قطعة صالحة نكتفي بها في المطلب. فمنها قوله (عليه السلام) في الخطبة الموسومة بالشقشقية: " أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وأنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحي ينحدر عني السيل ولا يرقي إلي الطير " إلي أن قال: - " فصبرت وفي العين قذي وفي الحلق شجي أري تراثي نهبا " الخطبة ودلالتها علي المدعي من وجهين. الأول: قول علي (عليه السلام) أنه يعلم أن الخلافة حق له وأنه حين تقمصها عالم بأنها حق علي (عليه السلام) وليس له فيها حق فيقال حينئذ من أين علم أن خلافة النبي (صلي الله عليه وآله) حق لعلي (عليه [ صفحه 478] السلام) إن كان علم ذلك من الكتاب والسنة فهو النص الذي ندعيه وإن كان من غيرهما فلا طريق لمعرفة ذلك سواهما، والعقل لا يستقل بمعرفة هذا بتمامه، ولو فرض علمه به من جهة الدلالة العقلية كان ذلك نصا لأنها كالدلالة الشرعية، ونص العقل كنص الشرع، والعلم من أينما حصل وجب العمل به والتعويل عليه، ولا يختص وجوب الاعتماد عليه بحصوله من طريق خاصة دون أخري كما حقق في الأصول، ولا يدفع هذا السؤال حمل الكلام علي علمه بذلك من جهة الأفضلية لبقائه قائما كما هو، فيقال إن كان علم أن عليا (عليه السلام) أفضل منه وأن الإمامة حق للأفضل من الكتاب والسنة فذلك هو النص وثبت مطلوبنا، وإن كان ذلك من غيرهما فالغير ليس بطريق إلي علم هذا أن مقتضي الكلام نفي استحقاقه للخلافة بالمرة. الثاني: قوله (عليه السلام) " أري تراثي نهبا " فأثبت أن الخلافة ميراثه من النبي (صلي الله عليه وآله) وأنه نهب، وأنه صبر علي ذلك علي مضض عظيم ولم شديد، وهذا كالأول فإنه يقال من أين علم علي (عليه السلام) أن خلافة النبي (صلي الله عليه وآله) تراث له لا حق فيها لغيره، إن كان ذلك من قول النبي (صلي الله عليه وآله) أو من الكتاب العزيز فهذا هو النص المدعي وإن كان من غيرهما فليس ذلك الغير بطرق إلي معرفة ذلك وهو عندنا وعندكم لا يقول إلا عن الله ورسول (صلي الله عليه وآله وسلم) ولا يتقول عليهما بالرأي وشبهه، فثبت أنه علم ذلك من النص عليه وهو واضح، فبطل ما ذكره ابن أبي الحديد من حمله علي خلاف الأولي وفسد جميع ما قرره في ذلك، وقوله: إنه ليس بأبعد من تأويل الإمامية قوله تعالي: [وعصي آدم ربه فغوي] [919] بالعدول عن الأولي [920] . [ صفحه 479] إذ لا شباهة لهذا بما ذكرناه ولوجود العصمة في آدم دون أبي بكر وقد مضي بيانه، ومن هذا يظهر أن قول أبي بكر: وددت أني سألت رسول الله (صلي الله عليه وآله) فيمن هذا الأمر فكنا لا ننازعه أهله تمويه. ومنها قوله: (عليه السلام) فيها بعد أن ذكر عمر وإدلاء أبي بكر بالخلافة إليه: - فصبرت علي طول طول المدة وشدة المحنة) ومن المعلوم أنه لا محنة عليه إذا لم يكن مظلوما في أخذ الخلافة منه، ولا يكون مظلوما إذا لم يكن منصوصا عليه فخولف النص، وليس في ترك الأولي ما يبلغ إلي المحنة ولا لشئ مما ذكره هناك. ومنها قوله: لعبد الرحمن بن عوف لما بايع عثمان وعدل عنه: " ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون " [921] والتظاهر معناه المعاونة علي الظلم ولا يكون ذلك بترك الأولي وإنما يكون بمخالفة النص. ومنها قوله: في خطبة عند توجهه لحرب أهل البصرة: (فوالله ما زلت مدفوعا عن حقي مستأثرا علي منذ قبض الله نبيه (صلي الله عليه وآله) حتي يوم الناس هذا " [922] فهي صريحة في دفع القوم إياه عن حقه من بعد أن قبض النبي (صلي الله عليه وآله) بغير فصل ومنها قوله: (عليه السلام) في خطبة له: " زرعوا الفجور وسقوه الغرور وحصدوا الثبور " إلي أن قال: " الآن إذ رجع الحق إلي أهله ونقل إلي منتقله " [923] فانظروا إلي قوله زرعوا إلي آخره، فإنه صريح في نسبتهم إلي الضلالة ولا يختص [ صفحه 480] بمعاوية وغيره من أهل الخلاف عليه أيام خلافته كما زعم ابن أبي الحديد لعدم المخصص إذ ليس معه إلا الرجم بالغيب من مكان بعيد وقوله (عليه السلام) (الآن) الخ مصرح بأن الحق كان عند غير أهله ومنها قوله (عليه السلام) في خطبة: " ألا إن الشيطان قد ذمر حزبه واستجلب خيله ليعود الجور إلي أوطانه ويرجع الباطل إلي نصابه " [924] وهو صريح في أن إمرة السابقين عليه جور وباطل ومنها قوله (عليه السلام): في خطبة رواها ابن أبي الحديد عن أبي الحسن المدايني عن عبد الله بن جنادة: (أما بعد فإنه لما قبض الله نبيه (صلي الله عليه وآله) قلنا نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس لا ينازعنا سلطانه أحد ولا يطمع في حقنا طامع إذ انبري لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا فصارت الإمرة لغيرنا وصرنا سوقة يطمع فيها الضعيف ويتعزز علينا الذليل فبكت الأعين منا لذلك وخشنت الصدور وجزعت النفوس " [925] الخطبة وهي مصرحة بأن عليا (عليه السلام) وارث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) دون الناس ووليه وأن سلطان النبي قد غصبه القوم منه، وأن أعين عترة الرسول (صلي الله عليه وآله) لم تزل لذلك باكية وصدورهم ما زالت خشنة ونفوسهم جازعة، أفيكون هذا كله لترك الأولي كما يدعيه الخصم أو يكون تارك الأولي غاصبا كلا ما هو إلا لفعل محرم وارتكاب محظور وما ذاك إلا لمخالفة نص معلوم. ومنها قوله (عليه السلام): في خطبة مثلها رواها المعتزلي عن الكلبي: (إن الله لما قبض نبيه (صلي الله عليه وآله) استأثرت علينا قريش بالأمر ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة) [926] . [ صفحه 481] ومنها قوله في خطبة يذكر فيها أمر السقيفة (فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت، وأغضيت علي القذي، وشربت علي الشجي، وصبرت علي أخذ الكظم، وعلي أمر من طعم العلقم) ومثل ذلك قوله (عليه السلام): (لو جدت أربعين ذوي عزم) أفيجوز أن يكون هذا كله لترك القوم الأولي وهل يطلب مؤمن رجالا ذوي عزم ولو أربعين ليقاتل رجلا مسلما ترك الأولي أو يفعل هذا عاقل متدين؟ فكيف من هو مع الحق والحق معه؟ أليس ذلك القول منه صريحا في استحقاق المتقدمين عليه القتال؟ وهل يستحق القتل والقتال إلا من هو ظالم غاصب،؟ ولا يكون كذلك إلا أن يكون علي صاحب الأمر بنص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأما إذا لم يكن كذلك بل كان الأمر جائزا له ولغيره وأن الراجح في الحكم أن يكون هو ولي الأمر وولاية غيره مرجوحة لم يجز له ما طلبه لأن فاعل المرجوح لم يستحق شيئا من اللوم فكيف يستحق أن يقاتل ويقتل؟ وأمير المؤمنين لا يفعل الحرام ولا يطلبه فننتج من ذلك أن من طلب قتالهم كانوا مستحقين، وأن ذلك لارتكابهم أمرا عظيما حلت به دماؤهم وما هو إلا رد النص ومخالفة الرسول (صلي الله عليه وآله) إذ لا غيره هناك فتأمل. ومنها قوله (عليه السلام): في كتاب كتبه لأخيه عقيل رواه ابن أبي الحديد عن إبراهيم بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات: (اللهم فاجز قريشا عني الجوازي فقد قطعت رحمي، وتظاهرت علي، ودفعتني عن حقي، وسلبتني سلطان ابن أمي، وسلمت ذلك إلي من ليس مثلي في قرابتي من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وسابقتي في الإسلام إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه ولا أظن الله يعرفه، والحمد لله علي كل حال) [927] وقوله [ صفحه 482] (عليه السلام): (إلا أن يدعي مدع) الخ مشير إلي بطلان ما أثبته العامة للثلاثة من الفضل في كل وقت، بل صريح في نفيه بشديد المبالغة لقوله: (ولا أظن الله يعرفه) يعني أنه لم يكن في علم الله لهم فضل يماثلون به عليا (عليه السلام) فضلا عن أن يكون برز ذلك للناس وظهر وصار معروفا، فمن ادعي لهم ذلك فقد ادعي ما لا أعرفه لهم ولا يعرفه لهم فدعواه لهم مماثلتي باطلة، ومنه يعلم أن الأخبار التي رواها الخصوم في التفضيل كلها باطلة مزورة، وهذا ينضاف إلي ما بيناه أولا من الاستدلال علي بطلانها فأين يذهب بالقوشجي في قوله إن عليا (عليه السلام) قال: خير الناس أبو بكر ثم عمر، كما مر أفلا يسمع هنا كيف نفي عنهم الفضل بالمرة، وبالغ في تأكيد نفيه أشد المبالغة، وهو تصديق ما قلناه هناك. ومنها قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) فيما رواه الخصم عن أبي جعفر الإسكافي عن جابر عن أبي الطفيل قال: سمعت عليا (عليه السلام يقول: (اللهم إني أستعديك علي قريش فأنهم قطعوا رحمي، وغصبوني حقي، وأجمعوا علي منازعتي أمرا كنت أولي به، ثم قالوا: إن من الحق أن نأخذه ومن الحق أن نتركه) [928] فقد صرح في القول بغصب أقوم حقه وبخطئهم في قولهم إن أخذهم الأمر حق وتركه له كذلك، ومعناه أنه ليس من الحق أن يأخذوه كما قالوا، وإذا لم يكن أخذهم إياه حقا كان باطلا وباقي الكلام كالأول. ومنها ما رواه عن أبي القاسم البلخي عن سلمة بن كهيل عن المسيب بن نجبة قال: بينا علي (عليه السلام) يخطب إذ قام أعرابي فصاح: وامظلمتاه فاستدناه علي (عليه السلام) فلما دنا قال له: (إنما لك [ صفحه 483] مظلمة واحدة وأنا قد ظلمت عدد المدر والوبر) [929] . ومنها مناشدته القوم يوم الشوري النصوص عليه من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وتصديق القوم إياه كخبر الغدير وخبر المنزلة وقصة براءة وغير ذلك مما ذكرناه أولا، فقطع عبد الرحمن بن عوف كلامه ولم يلتفت إلي تلك النصوص، ولم يعدل بها عن بيعة عثمان، وأضاف إلي ذلك تهديده بالقتل إن لم يترك الاحتجاج، وينفذ لبيعة عثمان، وقد ذكر ابن أبي الحديد أن ذلك مما استفاض في الروايات، وهذا من أدل الأدلة علي ما ذكرناه من أن القوم لم يعتنوا بنص النبي (صلي الله عليه وآله) وخالفوه تعمدا، ويقوي قولنا إن الذي منعه من ذكر النص في يوم أبي بكر إن صح أنه لم يذكره علمه بأنهم ينكرونه أو لا يلتفتون إليه، وربما يؤدي الأمر إلي قتله إن أطال الخصام بالنصوص، وما ابن عوف باشد من عمر ولا عثمان بأرغب في الخلافة من أبي بكر ولا بأقوي علي ذلك منه، والأمر واضح، فبطل ما قال ابن أبي الحديد من أن ذكر النص كان أسهل عليه حين ساموه البيعة من التظلم والاستصراخ بالأحياء والأموات، وتبين أن تركه ذكر النص إن كان أسلم له من كثير من الضرر. ومنها قوله (عليه السلام): (حين أتوا به إلي أبي بكر ليبايع وهو ينظر إلي قبر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) (ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) [930] فجعل نفسه بمنزلة هارون وجعلهم بمنزلة عبدة العجل، وكفي بهذا وضوحا في تضليله إياهم، وقد روي الخصم هذا الكلام [931] وهو صريح أيضا في أنه (عليه السلام) كان مجبورا علي بيعة أبي بكر مهددا بالقتل [ صفحه 484] إن لم يبايع وهذا نص قول الإمامية. ومنها قوله (عليه السلام) في خطبة: (حتي إذا اقبض الله رسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) رجع قوم علي الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا علي الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أمروا بمودته، ونقلوا البناء عن رص أساسه فبنوه في غير موضعه، معادن كل خطيئة، وأبواب كل ضارب في غمرة قد ماروا في الحيرة وذهلوا في السكرة، علي سنة من آل فرعون من منقطع إلي الدنيا راكن أو مفارق للدين مباين) [932] وهذا الكلام من أصرح الصريح في إرادة الأول واتباعه ووصلهم غير الرحم تقديمهم غيره في مقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ومنعهم عليا (عليه السلام) من ذلك المقام، وهو الأقرب إلي الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وهجرهم السبب المأمورين بمودته تركهم قربي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وقد قال الله تعالي: [قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة والقربي] [933] ونقل البناء عن رص أساسه جعلهم الخلافة في غير موضعها، ولا يجوز حمله علي معاوية وأصحابه كما قاله ابن أبي الحديد لأن الرجوع علي الأعقاب متعقب في الكلام لقبض النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لا فاصل بينهما إذ هو جواب الشرط فهو متصل به، وواقع بوقوعه، ومعاوية قد تأخر أمره عن وقت قبض النبي (صلي الله عليه وآله) بسنين، ومقتضي الجملة حصول الرجوع علي الأعقاب بحصول موت النبي (صلي الله عليه وآله) بلا فصل، فجعل الكلام لمعاوية وأصحابه ممتنع من جهة الدلالة اللفظية إلا أن يدعي مدع ما لم يكن معروفا في العربية، ولا مستعملا عند أهل اللسان، وأيضا قوله: (معادن كل خطيئة وأبواب كل [ صفحه 485] ضارب في غمرة) يبين أن الأولين هم المرادون لا معاوية لأن معاوية من جملة الضاربين في الغمرات فهم بابه إذ لولاهم ما ولي معاوية الشام ولا تأمر عثمان علي المسلمين، ولولا قضية عثمان ما قوي معاوية علي الخلاف والنزاع وإيقاع الفتن، لكن ابن أبي الحديد يصرف القول عن معناه ويحرف الكلم عن مواضعه محاماة علي المشايخ وأني له بذاك وقد لاح الصباح؟ فانظر أيجوز أن يوصف بالرجوع عن الدين علي الأعقاب وأنه معدن كل خطيئة، وباب كل ضارب في غمرة المشبه لآل فرعون في ضلالهم مع باقي الأوصاف من ترك الأولي وفعل المرجوح ولم يخالف نصا ولا غصب حقا ولا نهب ميراثا ثابتا بكتاب الله وسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، كلا ما يجوز ذلك إلا لمن تعمد خلاف الرسول (صلي الله عليه وآله)، وإنكار نصه ونهب ميراثه من مستحقه علي معرفة ويقين وذلك ما نقول. ومنها قوله (عليه السلام): وقد سأله رجل من بني أسد: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به فقال للسائل: (قد استعلمت فاعلم، أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسبا، والأشدون بالنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) نوطا، فإنها كانت إثرة شحت بها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم الله والمعود إليه) [934] وهذا الكلام في غاية الوضوح في إرادة الأولين سؤالا وجوابا، لأن من البين أن مراد السائل استعلام السبب الذي لأجله منعت قريش أهل البيت من مقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته مع أنهم أحق به في جميع الأحوال من كل أحد من الناس وأقامت في ذلك المقام غيرهم، والاستخبار عن علة ذلك والدفع المسؤول عنه هو ما كان بعد قبض النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لأنه هو الفعل الحادث الذي تعلق السؤال بسبب حدوثه من القوم وما بعده [ صفحه 486] إنما هو استمراره، وليس المقصود أولا وبالذات السؤال عن استمرار ذلك الفعل إلا أن يدخل من جهة اللزوم فأتي الجواب علي طبق السؤال بأنهم لم يدفعونا عن هذا المقام ويستبدوا علينا به لسبب أوجب ذلك، ولا لعلة اقتضته من طريق الشرع، وإنما كان ذلك لشح نفوسهم عن تسليم حقنا إلينا، وقصدهم الاستيثار به علينا، وهذا القول من جملة مبطلات ما تعلل به قوم من أن الأولين إنما عدلوا بالأمر عن أمير المؤمنين خوفا من انتقاض العرب عليه، إذ لو كان ذلك من قصدهم فضلا عن أن يكون صحيحا موجبا لما فعلوا لذكره (عليه السلام) فيما دعاهم إلي دفعه عن مقام أخيه وابن عمه (صلي الله عليه وآله)، وإن خطأهم بعد فيه لكن ذلك لم يكن، وقد عرفت ما قررناه أن الكلام سؤالا وجوابا لا يختص بيوم الشوري كما ادعاه ابن أبي الحديد، بل لا يتوجه السؤال إليه إلا تابعا للأمر الأول ولا الجواب إلا كذلك، علي أنه لا يندفع عن المعتزلي المعاند الوهن في مذهبه بما ادعاه لأنه إذا ثبت ظلم أهل الشوري عليا (عليه السلام) من جهة تقديمهم في مقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) غيره لأنه الأحق به من غيره ثبت أن أهل السقيفة ظلموه لذلك بالاجماع إذ لا قول بالفصل بين عثمان ومن قبله فكل من صحح بيعة عثمان صحح بيعة الشيخين وكل من أبطل بيعته أبطل بيعتهما وبالعكس، فعلي صحة دعواه لا يصح مذهبه كما تري. ونحن نذكر هنا ما حكاه من سؤاله النقيب أبا جعفر العلوي وإجابة النقيب إياه فإنه كلام جيد، وجواب متين، ونكتفي به في تمام تقرير الخبر قال المعتزلي: وسألت أبا جعفر يحيي بن محمد العلوي نقيب البصرة وقت قرائتي عليه عن هذا الكلام وكان (رحمه الله) علي ما يذهب إليه من مذهب العلوية منصفا وافر العقل، فقلت له: من يعني (عليه السلام) بقوله: (كانت إثرة شحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين)؟ ومن القوم الذين عناهم الأسدي بقوله: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟ [ صفحه 487] هل المراد به يوم السقيفة أو يوم الشوري؟ فقال: يوم السقيفة، فقلت: إن نفسي لا تسامحني أن أنسب إلي الصحابة عصيان الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) ودفع النص، فقال: وأنا فلا تسامحني أيضا نفسي أن أنسب الرسول (صلي الله عليه وآله) إلي إهمال أمر الإمامة، وأن يترك الناس فوضي سدي مهملين، وقد كان لا يغيب عن المدينة إلا ويؤمر عليها أميرا وهو حي ليس بالبعيد عنها. فكيف لا يؤمر وهو ميت لا يقدر علي استدراك ما يحدث، ثم قال: ليس يشك أحد من الناس أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان عاقلا كامل العقل، أما المسلمون فاعتقادهم فيه معلوم، وأما اليهود والنصاري والفلاسفة فيزعمون أنه حكيم تام الحكمة، سديد الرأي، أقام ملة وشرع شريعة، فاستجد ملكا عظيما بعقله وتدبيره، وهذا الرجل العاقل الكامل يعرف طباع العرب وغرائزهم، وطلبهم بالثارات الدخول [935] ولو بعد الأزمان المتطاولة، ويقتل الرجل من القبيلة رجلا من بيت آخر فلا يزال أهل ذلك المقتول وأقاربه يطلبون القاتل ليقتلوه حتي يدركوا ثأرهم منه، فإن لم يظفروا به، قتلوا بعض أقاربه وأهله، فإن لم يظفروا بأحدهم قتلوا واحدا أو جماعة من تلك القبيلة، وإن لم يكونوا رهطه الأدنين، والإسلام لم يحل طباعهم ولا غير هذه السجية المركوزة في أخلاقهم، والغرائز بحالها فكيف يتوهم لبيب أن هذا العاقل وتر العرب وعلي الخصوص قريشا وساعده علي سفك الدماء وإزهاق الأنفس وتقلد الضغائن ابن عمه الأدني وصهره، وهو يعلم أنه سيموت كما يموت الناس ويتركه بعده وعنده ابنته وعنده منها ابنان يجريان منه مجري ابنين من ظهره حنوا عليهما، ومحبة لهما، ويعدل عنه في الإمرة بعده ولا ينص عليه ولا يستخلفه فيحقن دمه ودم بنيه وأهله باستخلافه؟ ألا يعلم هذا العاقل الكامل أنه إذا [ صفحه 488] تركه وترك بنيه وأهله سوقة ورعية فقد عرض دماءهم للاراقة بعده، بل يكون هو الذي قتلهم وأشاط بدمائهم، لأنهم لا يعتصمون بعده بأمر يحميهم، وإنما يكونون مضغة للأكل وفريسة للمفترس، يتخطفهم الناس، ويبلغ فيهم الأغراض، فأما إذا جعل السلطان فيهم والأمر إليهم فإنه يكون قد عصمهم، وحقن دماءهم بالرئاسة التي يصولون بها، ويرتدع الناس عنهم لأجلها، ومثل هذا معلوم بالتجربة، ثم ذكر لهذا مثالا وقال بعده: أفتري ذهب عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) هذا المعني أم أحب أن يستأصل أهله وذريته من بعده؟ وأين موضع الشفقة علي فاطمة العزيزة عنده الحبيبة إلي قلبه؟، أتقول إنه أحب أن يجعلها كواحدة من فقراء المدينة تتكفف الناس، وأن يجعل عليا المكرم المعظم عنده الذي كانت حاله عنده معلومة كأبي هريرة الدوسي وأنس بن مالك الأنصاري يحكم الأمراء في دمه وعرضه ونفسه وولده فلا يستطيع الامتناع وعلي رأسه مائة ألف سيف تتلظي أكباد أصحابها عليه؟ قد قتل أبناءهم وإخوانهم وآباءهم وأعمامهم [936] انتهي المراد من كلامه. أقول لم يكن لابن أبي الحديد من دفع إرادة أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن سأله يوم السقيفة إلا استبعاده صدور العصيان من الصحابة، وهذا وإن كان في نفسه ليس بدليل معتمد، لأن الصحابة ليسوا بمعصومين عنده، بل عند جميع الأمة، فقد عارضه استبعاد النقيب من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إهمال أمر الأمة وتركه دم عترته قريبا من السفك، وبعيدا من الصيانة، وكل الشيعة علي هذا الوجه يعولون، وهذا أقوي وأرجح وأقرب إلي العقل السليم من الأول، وإن شئت قلت إن العقل لا يجوز صدور خلافه عن النبي (صلي الله عليه وآله)، فهو علي كل حال مقدم عليه، ومن ذلك يثبت النص فافهم علي أن استبعاد المعتزلي إرادة الأولين من [ صفحه 489] الكلام لما ذكره من السبب يستلزم استبعاده من إرادة أهل الشوري، لأنهم منهم ومن أعوانهم ما خلا الزبير، وأيضا الشوري كانت بأمر من عقد الأمر لأبي بكر في السقيفة ودفع عليا (عليه السلام) عنه، وهو عمر بن الخطاب وهو الذي جعل أمر الشوري كله لعبد الرحمن بن عوف وما فعله ابن عوف كله برأيه وعن أمره،، فالدافع عليا يوم الشوري عن مقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) هو بنفسه دافعه عنه يوم السقيفة، فإن لم يكن هو ومن وازره علي ذلك المقصودين من السؤال والجواب لم يبق أحد يقصد منهما ولا يعني بهما فلزم أن يكون السؤال وقع لا عن أحد والجواب مثله، وهذا محال، ولم يبق لأحد تشبث بقصد معاوية وأصحابه من القول، لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) ذكر حالهم بعد جوابه المذكور للأسدي بما هو نص في أن الأسدي لم يقصدهم بسؤاله، وأن عليا (عليه السلام) لم يقصدهم بجوابه، والخصم مقر بذلك، وإنما تردده بين إرادة الأولين وتابعيهم جميعا ومنهم أهل الشوري وبين اختصاصه بأهلها كما سمعت في سؤاله هذا كله، مضافا إلي ما ذكرناه من عدم اندفاع المحذور، لو صح ما قال. ومنها الشعر المنسوب إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) بالاشتهار روي منه ابن أبي الحديد أبياتا، [937] كذلك وذكره بعض الخصوم بتمامه، ونحن نذكره كذلك وسببه علي ما روي أن معاوية كتب إلي علي (عليه السلام) يفتخر بأشياء يزعم أن فيها مفخرا فغضب علي (عليه السلام) وقال أيفتخر علي ابن اكلة الأكباد اكتب إليه يا غلام: محمد النبي أخي وصنوي++ وحمزة سيد الشهداء عمي [ صفحه 490] وجعفر الذي يضحي ويمسي++ يطير مع الملائكة ابن أمي وبنت محمد سكني وعرسي++ منوط لحمها بدمي ولحمي وسبطا أحمد ولداي منها++ فأيكم له سهم كسهمي سبقتكم إلي الإسلام طرا++ غلاما ما بلغت أوان حلمي وصليت الصلاة وكنت طفلا++ مقرا بالنبي في بطن أمي وأوجب لي ولايته عليكم++ رسول الله يوم غدير خم فويل ثم ويل ثم ويل++ لمن يلقي الإله غدا بظلمي أنا البطل الذي لا تنكروه++ بيوم كريهة وبيوم سلم فقد صرح بقوله: وأوجب لي ولايته البيت، بدعوي النص عليه يوم الغدير لأن ولاية النبي (صلي الله عليه وآله) الإمامة، وهذه الأقوال المذكورة ومثلها من أقواله مما لم نذكره مصرحة بدعوي النص عليه وبظلم من تقدمه في الخلافة، ونسبتهم إلي منع الحق وغصب الأمر ونهب الميراث وغير ذلك، وهو عندنا وعند المعتزلة صادق لا يكذب، ولا يجوز الشك في صحة قوله، ولا أظن الأشاعرة يجوزون تكذيبه وإن جوزوا مخالفته، وجلها قيل في أيام خلافته حين كان له بعض القدرة علي الإخبار عما في نفسه علي الأولين، وصار للسانه بعض الانبساط في التعبير عما في ضميره منهم، وهو دليل ظاهر وشاهد عادل علي بقاء اعتقاده فيهم الظلم، وأنه لم يكن لهم عاذرا، وأن ذلك ليس من ترك الأولي في شئ، وهذا يبطل ما ذكره ابن أبي الحديد من أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان في مبدأ الأمر يظن أن العقد لغيره كان لغير نظر في المصلحة، وأنه لم يقصد به إلا صرف الأمر عنه والاستيثار عليه فظهر منه ما ظهر من الامتناع والقعود في بيته إلي أن صح عنده وثبت في نفسه أنهم أصابوا فيما فعلوه، وأنهم لم يميلوا إلي هوي، ولا أرادوا الدنيا، وإنما فعلوا الأصلح في ظنونهم، وأنه لو ولي الأمر لفتقت عليه العرب فتقا يكون فيه استئصال شافة الإسلام، وهدم أركانه، فأذعن [ صفحه 491] بالبيعة، وجنح إلي الطاعة، وأمسك عن طلب الإمرة، وإن كان علي مضض ورمض إلي آخر ما أتي به من الكلمات الواهنة. وأقول هذا الرجل وإن كان أبطل ما دبر ونقض ما أبرم، وكفانا مؤنة الجواب عما موه به من الزبرج في القول، بقوله: إن إمساك أمير المؤمنين (عليه السلام) عن طلب الإمرة كان علي مضض ورمض [938] ، إذ لو كان ثبت عنده أنهم أصابوا الحق لكان المضض والرمض منهم خطأ منه، وكيف يحترق قلبه ويتألم من فعل قوم أصابوا الحق، وعملوا بالصواب وحفظوا الدين عن صولة الكفار، وكلمة المسلمين عن الانتشار، ليس هذا من سجية المؤمنين، ولا من خلق الصالحين، فكيف يصدر من سيدهم ومقتداهم ومن هو أكثرهم عناء في إظهار الدين ونصر الإسلام والمسلمين، ونكاية المشركين؟ بل الواجب لمثله (عليه الصلاة والسلام) أن يسر ويفرح بما فعلوه إذ كان موافقا لغرضه، ويثني عليهم إذ كان ما دبروه مطابقا لمقصده والمعروف من حاله (عليه السلام) إنه لا يحزن للدنيا ولا يفرح لها ولا نظر له فيها وإنما حزنه وسروره للدين، ونظره الحق أين كان وكيف كان، فمضضه ورمضه فيما فعلوه من تقديم الأول عليه لا بد أن يكونا راجعين إلي أمر الدين، وما ذلك إلا لارتكابهم قبيحا لا حسن فيه، وفعلهم خطأ لا صواب يلم به ويدانيه، فقد قضي ببقائهما المعتزلي علي أئمته إذ أقر بمضض علي (عليه السلام) ورمضه منهم وهذا كاف في إثبات دعوانا عدم رضاه عنهم، وأن أمرهم غير صحيح عنده ولا جائز لديه، فيكون كفه لعدم القدرة علي انتزاع حقه منهم كما بينا مرارا، إلا أنا نتعرض لذكر ما يرد علي جمل كلماته فنقول: أما قوله: إن أمير المؤمنين كان يظن أن عقد الأمر لغيره لم يقصد منه إلا صرف الأمر عنه الخ فجوابه إن أمير [ صفحه 492] المؤمنين ما كان يظن ذلك بل يتيقنه ويعلمه ويعتقده إلي أن انتقل إلي جوار ابن عمه رسول الله (صلي الله عليه وآله) في مقعد صدق عند مليك مقتد، ألا تراه يقول لعمر حين ألزمه ببيعة أبي بكر: اشدد له اليوم أمره ليرده عليك غدا، وقوله لعبد الرحمن بن عوف حين عدل عنه بالبيعة لعثمان: ما هو بأول يوم تظاهرتم فيه علينا، وقوله للأسدي في الخبر المذكور من قريب: إنها إثرة شحت بها نفوس قوم، وغير ذلك من كلماته وقد سبق ذكر جملة منها، وكيف يجهل ذلك أو يرتاب فيه وقد أخبره الصادق الأمين به وعهد إليه بغدر القوم به، وما يرتكبون منه، وفصل له الأمر تفصيلا، وأزاح عنه فيه غبار الظنة وأوصله فيه إلي درجة اليقين، وقد سبق بيان هذا في الأخبار المتقدمة. وأما قوله إلي أن صح عنده وثبت في نفسه أنهم أصابوا فيما فعلوه الخ فجوابه أن يقال له: متي كان هذا في حياتهم أم بعد هلاكهم وهو في الحالين يشكو ظلمهم ويحكم بغصبهم حقه ونهبهم تراثه، أفيجوز أن يقال في ميت مضي علي إصابة الحق وإحراز الدين أنه ظالم غاصب ناهب الميراث وما شاكل هذه الكلمات لا يكون ذلك إلا ويكون القائل ظالما قد قال زورا وافتري إفكا، وأنت تنزهه عن الظلم والكذب فصح أن الثابت عنده والمستقر في نفسه أنهم أخطئوا فيما فعلوه ومالوا إلي الهوي وأرادوا الدنيا وأنه ما صوبهم يوما من الدهر. وأما قوله لو ولي الأمر لفتقت عليه العرب فتقا الخ فكلام مأخوذ عن عمر ولقد أطال المعتزلي وأسهب في ذكره بما لا حاجة إليه من شرح أمر حرب الجمل وصفين، وهذا القول قد عرفت جوابه فيما سبق بأحسن البيان وسيأتي منه ذكر أيضا، ونقول هنا أخبرنا أي العرب أنف من إمرة علي (عليه السلام)، واستنكف عنها؟ ألست رويت عن أبي بكر الجوهري أن الأنصار [ صفحه 493] لما فاتهم الأمر في السقيفة قالوا وقال أكثرهم: لا نبايع إلا عليا ورويت من أشعارهم في ذلك الكثير الواسع مثل قول النعمان بن عجلان وكان من أشرافهم. وكان هوانا في علي وأنه++ لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري [939] ومثل: قول حسان بن ثابت في علي (عليه السلام): سبقت قريشا بالذي أنت أهله++ فصدرك مشروح وقلبك ممتحن تمنت رجال من قريش أعزه++ مقامك هيهات الهزال من السمن [940] . وغير ذلك مما ذكرناه فيما مضي، ورويت أن جماعة من الأنصار سعوا في نقض بيعة أبي بكر ليبايعوا عليا ومعهم جماعة من المهاجرين، وقد مرت الرواية والأنصار في ذلك الوقت هم ركن الإسلام، وبهم قامت الدعوة، وحصلت للنبي (صلي الله عليه وآله) النصرة، وتم له بهم علي العرب الانتصار، ولما هدده عامر بن الطفيل بعسكره قال (صلي الله عليه وآله وسلم) في جوابه: (يكفي الله منك وبنوا قيلة) [941] فمن يأنف من سائر العرب ذلك الوقت ممن قدمه هؤلاء عليهم مع شهرته في الحسب والنسب عند جميع العرب، ألست رويت أن العباس بن عبد المطلب وأبا سفيان بن حرب عرضا علي علي البيعة ورضيا له عليهما بالإمرة وهما إذ ذاك شيخا بني عبد مناف ألست رويت أن خالد بن سعيد بن العاص طلب الإمرة لعلي (عليه السلام) ورضي بإمرته عليه وهو من عمال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وأمراء أجناده، ومن أهل السبق إلي الإسلام، ومن أشراف بني عبد [ صفحه 494] شمس؟ إلي غير ذلك مما يطول عده فمن هؤلاء العرب الذين أبوا ولاية علي عليهم بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، دلنا عليهم حتي نعرفهم فإنا ما رأينا أحدا من الناس استكبر عن ولاية علي (عليه السلام) عليه بعد النبي (صلي الله عليه وآله) إلا أصحاب السقيفة ومن انضم إليهم، وأهل الإحن والحقد علي علي (عليه السلام) من قريش وأضرابهم، وداهنهم قوم آخرون ممن حليت الدنيا في أعينهم طمعوا في أمور منتهم بها أنفسهم. واتبعهم غوغاء الناس والعامة فحصلت لهم بذلك الغلبة ووهن الراغبون في علي (عليه السلام) عن النصرة تواكلا وتخاذلا، ولولا هؤلاء: لم يختلف علي علي (عليه السلام) أحد ممن ذكرناهم فما ظنك بسائر العرب الذين ليس لهم في أمر الخلافة حل ولا عقد، وأحب الأمراء إليهم من كان بهم ارفق، أفرأيت لو أن هؤلاء بايعوا بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) عليا وبايعه بنو هاشم وشيعتهم، وبايعه جماعة الأنصار يتخلف عن بيعته طلحة وعثمان وابن عوف وابن أبي وقاص وأشباههم، وإذا بايعه كل هؤلاء يأبي من بيعته ابن العاص وابن الوليد وابن أبي معيط إذن لضربت أعناقهم قبل أن يرتد إليهم طرفهم، وتأبي عن طاعته العرب من الأعراب وغيرهم، أو يفتقوا عليه مقدار خرق إبرة وقد سارت تحت راياته فرسان المسلمين من المهاجرين والأنصار، فمن أولئك العرب الذين ينطقون في النقض عليه بعد هذا بكلمة فضلا عن أن يفتقوا عليه فتقا يكون فيه استئصال شافة الإسلام وكذا وكذا مما ذكره المعتزلي؟ ومن يستطيع منهم ذلك وهم لا يستطيعوا منه شيئا في ولاية أبي بكر حيث نفذ حكمه من المهاجرين والأنصار أفعلي (عليه السلام) عند العرب أدني من أبي بكر نسبا وحسبا أم أبو بكر أنبه من علي (عليه السلام) عند العرب ذكرا أم أشد بأسا وأقوي قلبا؟ فما هذا الكلام الذي لا يتصوره عاقل ولا يتفوه به لبيب. وأما قوله: جنح إلي الطاعة الخ فهو صحيح لكن علي ما ذكره وأثبته من [ صفحه 495] المضض والرمض وذلك خارج عن قانون الرضا ولا شك عندنا أنه (عليه السلام) أذعن بطاعتهم، وانقاد لأمرهم فيما يتعلق بأمور الإمارة حقنا لدمه ودماء أهل بيته حيث لم يجد معينا يعينه ولا ناصرا ينصره، فلو امتنع بعد ذلك عن بيعتهم لا هريق دمه كما فعل بابنه الحسين حذو النعل بالنعل فكان تسليمه لهم وكفه عنهم كرها لا اختيارا، وليس النزاع في أنه سلم وكف ظاهرا عن طلب الأمر، وإنما النزاع في أنه رضي طوعا لا جبرا فقد سلم الحسن لمعاوية وكف الحسين عن منازعته بعد الحسن والمقطوع به أنهما ليسا راضيين بخلافته وأمثال هذا كثير، ومما يؤكد أن القوم غير مصيبين عنده امتناعه يوم الشوري علي عبد الرحمن بن عوف عن المبايعة علي سيرة الشيخين، وقوله: بل علي كتاب الله وسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وفي هذا إشارة بينة إلي أن في سيرتهما ما يخالف الكتاب والسنة وذلك السر في امتناعه لا ما فهمه ابن أبي الحديد، وفي الكلام دلالة علي أن عبد الرحمن بن عوف ومن معه لا يريدون من يسير فيهم بكتاب الله وسنة نبيه (صلي الله عليه وآله)، بل غرضهم فيمن يعمل فيهم بالرأي ويؤثرهم بالمال، ويستشيرهم في الأحكام، وصريح هذا المعني عدول القوم عن نصوص الكتاب والسنة إلي ما يشتهون، وأوضح من ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة يحرض فيها أصحابه علي قتال معاوية وأصحابه: (سيروا إلي بقية الأحزاب، سيروا إلي نبذة الكتاب، سيروا إلي قتال من يقاتل علي دم حمال الخطايا) [942] ، والمراد ببقية الأحزاب معاوية ومن معه من قريش وبحمال الخطايا عثمان لا معاوية كما قال ابن أبي الحديد لأن معاوية بزعمه يقاتل علي دمه، وليس يقاتل أحد في صفين علي دم معاوية لأنه حي بين ظهرانيهم، وهو الذي أغواهم وساقهم بخدعه إلي الضلال وقادهم [ صفحه 496] إلي قتال إمامهم، فدعوي أن عليا (عليه السلام) صوب القوم في فعلهم يوما ما من باب تقريب البعيد، وترويج الزيف وستر الظاهر المكشوف وإن شئت قلت إنها من باب تجويز الممتنع وهو من فعل ابن أبي الحديد غير مستنكر ولا بعيد، فما زال يدفع عنهم بالراح، ويبطل لأجلهم الحجج الصحاح، ويرد للحماية عليهم دلالة الأدلة الصراح، وليس ذا من عمله بمجد للمتأمل ولا بنافع عند المتبصرة، ولا بكاف في الذب عنهم لدي المنصف المتدبر، فما أبين الصبح لذي عينين وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر.

ما ورد عن النبي في بعض أصحابه

ومما يدل علي أن بعض الصحابة قد أحدثوا في الدين وغيروا أحكام الكتاب وخالفوا السنة وخرجوا من العدالة دلالة صريحة ما صح في روايات الخصوم من أخبار النبي (صلي الله عليه وآله) بدخول جماعة من أصحابه النار لأنهم أحدثوا بعده ما أوجب لهم دخولها وهي كثيرة نذكر منها بعضا تحصل به الحجة. فمنها ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين بالسند عن سهل بن سعد من المتفق عليه قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: (أنا فرطكم علي الحوض من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم) قال أبو حازم فسمع النعمان بن أبي العباس وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلا يقول قلت: نعم: قال: أشهد علي أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد (وأقول إنهم من أمتي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا فسحقا لمن بدل بعدي). [ صفحه 497] وعنه من المتفق عليه بالسند عن ابن عباس قال: إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي، فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح، [وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت علي كل شئ شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك] [943] قال فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين علي أعقابهم منذ فارقتهم) [944] . وعنه من المتفق عليه بالسند عن أنس بن مالك قال: إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني حتي إذا رأيتهم ورفعوا إلي رؤوسهم اختلجوا فلأقولن أي رب أصحابي أصحابي فليقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) [945] . وعنه في أفراد مسلم بالسند عن ابن عمر قال إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أي قوم أنتم) قال عبد الرحمن: نكون كما أمرنا رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (تتنافسون وتتحاسدون ثم تدابرون ثم تتباغضون وتنطلقون إلي مساكن المهاجرين فتحملون بعضهم علي رقاب بعض) [946] . وفي صحيح البخاري (لا تقوم الساعة حتي تأخذ أمتي ما أخذ القرون [ صفحه 498] قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع) وفي غيره: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا) الخ (؟). وفي صحيح الترمذي عن النبي (صلي الله عليه وآله): (لتركبن سنن من كان قبلكم) [947] . وفي جامع العلوم لقدوة الحفاظ أبي عبد الله محمد بن معمر عن أبي بن كعب قال: والله ما زالت هذه الأمة مكبوبة علي وجهها منذ قبض رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). هذه الأحاديث وأمثالها صريحة في أن القوم بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) رجعوا عن الدين علي أعقابهم القهقري وما نري شيئا فعلوه بعد النبي (صلي الله عليه وآله) في الدين أعظم من أخذ الخلافة من أهلها ومستحقيها ولو لم يكن هناك نص علي واحد بعينه وقد خالفوه واغتصبوا من ذي الحق حقه لما استوجبوا كل ذلك، وفي هذه الأخبار تكذيب الأشاعرة في قولهم بنجاة كل صحابي وإن فعل ما فعل من المعاصي، ودلت أيضا علي صحة تظلم أمير المؤمنين (عليه السلام) من القوم السابقين في محله وموضعه، فما ادعيناه عليهم قد وضح بيانه وسطع برهانه والحمد لله علي إنعامه بالهداية. الوجه الثالث: مما يدل علي وجود النص علي أمير المؤمنين ما يخطر من فلتات عمر فتارة يعترف بأن عليا مظلوم، وتارة بأنه منصوص عليه لكن خولف النص لمصلحة، وتارة بأنه أولي بالأمر إلي غير ذلك.

بين عمر و ابن عباس حول الخلافة

فمنها ما رواه ابن أبي الحديد عن الزبير بن بكار الزبيري في كتاب الموفقيات عن عبد الله بن عباس قال إني لأماشي عمر بن الخطاب في سكة من سكك المدينة إذ قال لي: يا بن عباس ما أري [948] صاحبك إلا مظلوما، [ صفحه 499] فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها فقلت: يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته، فانتزع يده من يدي ومضي [949] يهمهم ساعة ثم وقف، فلحقته فقال: يا بن عباس ما أظنهم منعهم [من صاحبك] [950] إلا أنه استصغره قومه، فقلت في نفسي هذه شر من الأولي، فقلت: والله ما استصغره الله ورسوله إذ أمره أن يأخذ براءة من صاحبك [951] ، فأعرض عني وأسرع فرجعت عنه [952] . قلت: فما أدري ما يصنع ابن أبي الحديد بهذا الاعتراف، ثم انظر إلي عذر عمر الذي أخذه من أبي عبيدة بأنه استصغره قومه، وهل في صغر السن من نقص إذا كان العقل كاملا وقد قال الله تعالي في يحيي: (وآتيناه الحكم صبيا) [953] وقال حكاية عن عيسي (عليه السلام) وهو في المهد (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا) [954] فلم يكن الصغر فيهما مانعا من الكمال، ولذا ولياه علي تبليغ براءة وائتمناه عليها وعزل أبي بكر من تبليغها ولم يكن كبر السن نافعا، ولا صغره مانعا ولله در ابن عباس ما أوضح حجته، وأقوي برهانه! ومنها ما رواه عن عبد الله بن عمر قال: كنت عند أبي وعنده نفر من الناس فجري ذكر الشعر فقال: من أشعر العرب فقالوا فلان وفلان فطلع ابن عباس فقال عمر قد جاء الخبير، من أشعر العرب يا عبد الله؟ قال: زهير بن أبي سلمي، قال: فأنشدني ما تستجيده له، فقال: يا أمير [ صفحه 500] المؤمنين أنه مدح قوما من غطفان يقال لهم بنو سنان فقال: لو كان يقعد فوق الشمس من كرم++ قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا قوم أبوهم سنان حين تنسبهم++ طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا إنس إذا أمنوا جن إذا فزعوا++ مرزؤن بها ليل إذا جهدوا محسدون علي ما كان من نعم++ لا ينزع الله عنهم ماله حسدوا فقال عمر: قاتله الله لقد أحسن، ولا أري هذا المدح يصلح إلا لهذا البيت من هاشم لقرابتهم من رسول الله، فقال: ابن عباس وفقك الله يا أمير المؤمنين فلم تزل موفقا، قال: يا بن عباس أتدري ما منع الناس منكم؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، قال: لكني أدري، قال: ما هو؟ قال: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتجحفوا الناس جحفا، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت ووفقت فأصابت فقال ابن عباس: أيميط أمير المؤمنين عني غضبه فيسمع قال: قل ما تشاء، قال: أما قول أمير المؤمنين بأن قريشا كرهت فإن الله قال لقوم: [ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم] [955] وأما قولك: إنا كنا نحجف فلو خجفنا بالخلافة خجفنا [956] بالقرابة ولكنا قوم أخلاقنا مشتقة من خلق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الذي قال الله تعالي فيه: [وإنك لعلي خلق عظيم] [957] وقالله: [واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين] [958] وأما قولك: إن قريشا اختارت فإن الله تعالي يقول: [وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة] [959] وقد علمت يا أمير المؤمنين أن الله اختار من خلقه لذلك من [ صفحه 501] اختار، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوفقت وأصابت، فقال عمر: علي رسلك يا بن عباس أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشا في أمر قريش لا يزول، وحقدا عليها لا يحول، فقال ابن عباس: مهلا يا أمير المؤمنين لا تنسب قلوب بني هاشم إلي الغش فإن قلوبهم من قلب رسول الله (صلي الله عليه وآله) الذي طهره الله وزكاه، وهم أهل البيت الذين قال الله تعالي: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] [13] وأما قولك: حقدا فكيف لا يحقد من غصب شيئه ويراه في يد غيره، فقال عمر: أما أنت يا عبد الله فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به فتزول منزلتك به عندي، قال: ما هو يا أمير المؤمنين أخبرني به فإن يكن باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه وإن يك حقا فإن منزلتي عندك لا تزول به؟ قال: بلغني أنك لا تزال تقول أخذ هذا الأمر منا حسدا وظلما قال: أما قولك حسدا - إلي أن قال -: وأما قولك ظلما فأمير المؤمنين يعلم صاحب الحق من هو، ثم قال يا أمير المؤمنين ألم تحتج العرب علي العجم بحق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) واحتجت قريش علي سائر العرب بحق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فنحن أحق برسول الله (صلي الله عليه وآله) من سائر قريش، فقال عمر: قم الآن فارجع إلي منزلك فقام الخبر [14] . قلت والشاهد علي المدعي في مواضع من الخبر. الأول قول ابن عباس: إن الله اختار من خلقه لذلك من اختار، فإنه صريح في أن هناك منصوصا عليه بالإمامة، معينا لها من الله ورسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) إذ لا علم لعمر ولا ابن عباس بأن الله اختار لهذا الأمر [ صفحه 502] واحدا معينا إلا من إخبار الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، وذلك هو النص، وابن عباس لم يقصر علم ذلك علي نفسه، بل قال لعمر: وقد علمت ذلك، فأتي بقد المفيدة لتحقق الفعل ولا منصوص عليه إلا علي (عليه السلام)، وما يريد ابن عباس بما ذكر أحدا غيره. الثاني قوله: فكيف لا يحقد من غصب شيئه ويراه في يد غيره، فإنه صريح في أن الخلافة حق أهل البيت وقد أخذت منهم غصبا، وإذا لم يكن هناك نص علي واحد معين منهم بأن الخلافة له كيف يتحقق الغصب. الثالث قوله: أخذ منا هذا الأمر حسدا وظلما، وتقريره كسابقه. الرابع قوله: أمير المؤمنين يعلم صاحب الحق من هو، فإن علم عمر بصاحب الحق ومن له الأمر بالتعيين بدون نص من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) غير ممكن كما لا يخفي، فيجب أن يكون علمه بذلك من طريق النص وذلك هو المطلوب ثم إن عمر لن ينكر شيئا مما ادعا ابن عباس عليه علمه به فدل علي أنه كان عالما به لكنه لما عرف العجز من نفسه عن جواب حجة عبد الله بن العباس أمره بالرجوع إلي منزله حذرا منه أن يظهر من فساد أمرهم أكثر مما أظهر، ثم إن في قول عمر: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة، ما يشير إلي وجود النص لأنه يومي إلي أن قريشا علمت بأن الخلافة في بني هاشم بأخبار النبي (صلي الله عليه وآله) فصرفوها عنهم إلي من أرادوا مخالفة للنبي (صلي الله عليه وآله) هذا ما يتعلق بالدلالة علي مدعانا. وأما ما يدل علي بطلان كلام ابن أبي الحديد ورد دعواه من الخبر فهو في مواضع. الأول قول عمر: كرهت قريش إلي تمام الجملة، فإن صريحه ينطق بأن [ صفحه 503] قريشا لم تعدل بالخلافة عن بني هاشم لخوف أمر يحدث في الدين، ولا لحذر ثلم يكون في الإسلام، وإنما كان ذلك لكراهة تأمير قرابة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وتشريفهم، وهو عين العداوة لهم. الثاني قوله: فنظرت قريش لأنفسها، فإنه صريح في أن القوم لم يصرفوا الخلافة عن بني هاشم نظرا منهم للدين، وحماية منهم علي الإسلام، وإنما فعلوا ذلك نظرا لأنفسهم في أمر دنياهم ليتشرفوا بالإمارة، وهذا كما تري مناقض لما تقدم من قول المعتزلي: إن القوم أرادوا بما فعلوا الدين لا الدنيا ولم يميلوا إلي هوي، وأنهم نظروا في ذلك إلي مصلحة الإسلام، فقد كذب قوله، والكلامان منافيان أيضا لما قاله المتكلم في الخبر السابق من أن المانع لقريش من مبايعة علي (عليه السلام) استصغارها سنة، وعنه أخذ أتباعه التنافي والتناقض في أقوالهم. الثالث قوله: أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشا في أمر قريش الخ. فإنه صريح في أن عمر كان مطلعا علي كراهة بني هاشم لخلافته وخلافة صاحبه، ومن استخلفهما ورضي بخلافتهما، وبقاء حقدهم عليهم. الرابع قول ابن عباس، فكيف لا يحقد من غصب شيئه فإنه صريح في حقد بني هاشم علي من تولي الأمر دونهم وأخذ ذلك الشئ منهم وهذا كله مضاد لقول ابن أبي الحديد: إن عليا (عليه السلام) رضي بخلافة الرجلين، ورآها صلاحا أفيرضي علي (عليه السلام) ويحقد ابن عباس وباقي بني هاشم وهم ذلك الوقت لا يطلبون الخلافة إلا له وليس فيهم من يجيز لنفسه التقدم عليه في أقل الأمور. الخامس قوله: أخذ منا هذا الأمر حسدا وظلما، وهو كسابقه في المعني وهذا الخبر مضمونه نص مذهب الإمامية فليصدق ابن أبي الحديد حديثه أو يكذبه ففي كلا الأمرين لمنا عليه الفلج. [ صفحه 504] ومنها: ما رواه ابن عباس أيضا قال: خرجت مع عمر إلي الشام في إحدي خرجاته فانفرد يوما يسير علي بعيره فاتبعته، فقال: يا بن عباس أشكو إليك ابن عمك سألته أن يخرج معي فلم يفعل ولا أزال أراه واجدا أفيم تظن موجدته؟ قلت: يا أمير المؤمنين إنك لتعلم، قال: أظنه لا يزال كئيبا لفوت الخلافة، قلت: هو ذاك إنه يزعم أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أراد الأمر له، فقال: يا بن عباس وأراد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الأمر له فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالي ذلك أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أراد أمرا وأراد الله غيره فنفذ مراد الله ولم ينفذ مراد رسوله، أو كلما أراده رسول الله كان إنه أراد إسلام عمه [15] ولم يرده الله فلم يسلم [16] . أقول غير خفي علي ذوي الفطن أن معني قول عبد الله بن عباس: إن رسول الله أراد الأمر له أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) عين عليا (عليه السلام) للخلافة وقصرها عليه من بعده، وهذا هو النص المدعي ودل الخبر علي أن عليا (عليه السلام) لا يزال واجدا علي عمر وأن موجدته عليه لأنه خالف أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) فيه ونصه عليه وعمر قد أقر بجميع ذلك في الخبر مرتين صريحا. والثالثة إشارة وادعاء مع ذلك أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أراد غير ما أراد الله ولا أدري كيف ينسب إلي رسول الله (صلي الله [ صفحه 505] عليه وآله وسلم) إرادة ما لم يرده الله وهو الذي يقول الله فيه: [وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي] [17] ويقول فيه: [ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين] [18] ويقول فيه: [قل إنما أتبع ما يوحي إلي من ربي]

معني الإرادة

الأول الإرادة الأمرية الصادر عنها التكاليف فهي الأمر بالشئ من حيث المحبوبية وتقابلها الكراهة وهي النهي عن الشئ من حيث المبغوضية، وعليها تدور الطاعة والمعصية والمخالفة والموافقة، وعليها يترتب الثواب والعقاب، ومن الإرادة بهذا المعني قوله تعالي: [يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر] [960] وقوله تعالي: [والله يريد أن يتوب عليكم] [961] وقوله تعالي: [يريد الله أن يخفف عنكم] [962] علي احتمال هذه الإرادة مخالفتها ممكنة غير ممتنعة وضدها كذلك إذ لا جبر في التكليف علي المكلفين، والنبي (صلي الله عليه وآله) لا يخالف هذه الإرادة أبدا لأن مخالفتها [ صفحه 506] معصية وهو معصوم عن العصيان، بل أرادته (صلي الله عليه وآله) دائما تابعة لإرادة الله لا يعصي لله أمرا، فلما كان (صلي الله عليه وآله وسلم) قد أراد عليا (عليه السلام) للأمر علمنا الله سبحانه وتعالي أراده له بمعني أمر نبيه (صلي الله عليه وآله وسلم) بنصبه فنصبه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كما تضمنه الخبر، وقول الشيخ مستلزم لأن رسول الله قد خالف إرادة الله وعصي أمره لأن الله أمر بنصب أبي بكر وهو عين عليا (عليه السلام) ونسبة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي مخالفة أمر الله كفر بما أنزل الله تعالي في محكم كتابه. الثاني الإرادة الفعلية وهي عبارة عن إيجاد الشئ ومنه قوله تعالي: [إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون] [963] ولا تعلق لهذه الإرادة بأمر التكليف، ولا يستطيع أحد ردها ولا مخالفتها لأنها فعل من افعال الله تعالي القادر علي ما يشاء، ولا يجوز أن ينسب أحد إلي مخالفة هذه الإرادة إذ لا قدرة لأحد علي ذلك، حتي يقال: إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أراد ما لم يرده الله. الثالث الإرادة العلمية ومعناها علم الله بما يصدر من المكلف طاعة أو معصية، ووقت ذلك ومكانه ومتعلقه لا بمعني المحبوبية والمبغوضية وعليها يحمل قوله تعالي: [فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا] [964] وقوله تعالي: [فمن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا] [965] وهي قد توافق الإرادة الأمرية كما في المطيع، [ صفحه 507] وقد تخالفها إذ لا ملازمة بينهما كما في العاصي، وبهذا البيان يرتفع الجبر في الأفعال، وهذه الإرادة هي التي كانت متعلقة بهم فإن الله علم أنهم يخرجون بسوء اختيارهم عن الطاعة وقبول الأمر الصادر من الله ومن رسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالائتمام بعلي (عليه السلام) والانقياد لطاعته بعد النبي (صلي الله عليه وآله) فهم قد خالفوا إرادة الله الأمرية وإرادة رسوله كذلك في أمر الإمامة، ووافقوا إرادة الله العلمية بأنهم يكونون عاصين فإذا كان أراد من قوله في الخبر أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أراد أمرا وأراد الله غيره أن الرسول (صلي الله عليه وآله) أمر عن أمر الله بطاعة علي (عليه السلام) من بعده وعلم الله إنا لا نطيعه في أمره فقد صدق لكن ذلك لا ينفعه ولا يجدي له عند الله عذرا، وقد وضح لك أن الخبر المذكور ناطق بصدور النص من النبي (صلي الله عليه وآله) علي علي (عليه السلام) وأن القوم قد خالفوه إحالة علي المقادير، وبئست تلك المعاذير، ومثل هذا الحديث ما قدمناه أولا من قول عمر في حديث ابن أبي طاهر: ولقد أراد رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن يصرح به في مرض موته فمنعته وقد مر عليك مبينا بأوضح بيان فراجعه.

بين ابن عباس و عمر حول الخلافة

ومنها ما رواه عن أبي بكر الجوهري مسندا عن ابن عباس قال مر عمر بعلي (عليه السلام) وعنده ابن عباس بفناء داره فسلم فسألناه أين تريد؟ فقال: مالي بينبع، فقال علي (عليه السلام): أفلا نصل جناحك ونقوم معك؟ قال: بلي؟ فقال لابن عباس: قم معه، قال: فشبك أصابعه في أصابعي ومضي حتي إذا خلفنا البقيع، قال: يا بن عباس أما والله إن كان صاحبك هذا لأولي الناس بالأمر بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلا أنا خفناه علي اثنتين، قال ابن عباس: فجاء بمنطق لم أجد بدا معه من مسألته عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين ما هما؟ قال: خشيناه علي [ صفحه 508] حداثة السن وحبه بني عبد المطلب [966] وهو صريح في المطلوب لأن أولوية (عليه السلام) بالأمر لا يعلم إلا من جهة النص، ثم إن الخبر متضمن لأمرين مخالفين لقول الخصوم. الأول إن القوم لم يكونوا ناظرين إذ منعوا عليا (عليه السلام) من خلافة الرسول (صلي الله عليه وآله) إلي مصلحة تعود إلي الدين وإنما هو لأمر راجع إلي هوي النفس وهو كون علي صغير السن، ومحبا لبني عبد المطلب، وإن الأولي بالخلافة من يكون كبير السن ويكون مبغضا لبني عبد المطلب، وأي مصلحة للدين في هذا. الثاني إن القوم كانوا مبغضين لقرابة النبي (صلي الله عليه وآله) بغضا شديدا حتي جعلوا بغضهم شرطا في الإمام وهذا يقتضي أنهم لم يقدموا من قدموه إلا لعلمهم بشدة بغضه لقرابة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وهذا عين ما تقوله الإمامية لا يزيدون عليه حرفا، فأين قول ابن أبي الحديد وأمثاله: إن القوم لم يفعلوا ما فعلوا إلا النظر للدين؟ وما باله يروي هذا الكلام ويغضي عن معناه كأنه لا يفهمه وهو أصرح من أن يخفي علي مثله؟ فالحمد لله الذي أظهر الحق لأهله. ومنها ما رواه عن أبي بكر الجوهري قال: وحدثني أبو زيد قال: حدثنا هارون بن عمر بإسناد رفعه إلي ابن عباس قال: تفرق الناس ليلة الجابية عن عمر فسار كل واحد مع ألفه، ثم صادفت عمر تلك الليلة في مسيرنا فحادثته فشكي إلي تخلف علي عنه، فقلت: لم يعتذر إليك؟ قال: بلي، فقلت: هو ما اعتذر به، قال: يا بن عباس إن أول من ريثكم عن هذا الأمر أبو بكر إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة، قلت: لم [ صفحه 509] ذاك يا أمير المؤمنين ألم ننلهم خيرا؟ قال: بلي ولكنهم لو فعلوا لكنتم عليهم خجفا خجفا [967] . أقول: ما في هذا الخبر قد تضمنه حديث ابن عمر المتقدم وتوضيحه يعرف مما ذيلنا به ذلك الخبر. ومنها ما رواه أن عمر قال لعبد الله بن عباس يوما: ما منع قومكم منكم، قلت: لا أعلم يا أمير المؤمنين، قال، اللهم غفرا إن قومكم كرهوا أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتذهبوا في السماء بذخا وشمخا، لعلكم تقولون: إن أبا بكر أراد الإمرة عليكم وهضمكم كلا، لكنه حضره أمر لم يكن عنده أحزم مما فعل ولولا رأي أبي بكر في بعد موته لأعاد أمركم إليكم، ولو فعل ما هناكم مع قومكم إنهم لينظرون إليكم نظر الثور إلي جازره [968] أقول أي مصلحة للدين وأي صلاح للمسلمين في عدم اجتماع النبوة والخلافة في بيت واحد؟ وأي مفسدة للدين وأهله في اجتماعهما في ذلك البيت؟ وكيف تكره قريش ما أحبه الله من اجتماع النبوة والخلافة في بيت واحد؟ ومتي وجدنا أحدا من أهل بيت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) تكبر وتجبر وخرج عن قانون التواضع وحيز الرزانة حتي ينسبهم إلي ما لا يجوز أن ينسب إلي سائر المؤمنين! أليس هذا كله تصريحا بمخالفة الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، وكاشفا عن بغض شديد لبني هاشم، ثم إن الخبر مصرح بوجود النص علي علي (عليه السلام)، وأن أبا بكر إذ عهد إلي عمر إنما هو لهوي له فيه لا بجهله بصاحب الأمر من هو وذلك في قوله: ولولا رأي أبي بكر في لأعاد إليكم أمركم، لأن الإضافة هنا إما للملك أو للاختصاص، وعلي كلا الوجهين يفيد الكلام أن الأمر يعني [ صفحه 510] الخلافة حق لأهل البيت وليس لغيرهم فيها نصيب، وكونها حقا لهم لا يعلم إلا من النص ولا منصوص عليه منهم بعد النبي (صلي الله عليه وآله) إلا علي (عليه السلام)، فتبين من القول أن أبا بكر إذ تأمر علي أهل البيت يعلم أن الحق لهم وكذلك من ولي الأمر بعده وقوله: ولو فعل ما هناكم مع قومكم إلي آخره نص في أن أولئك الصحابة من المهاجرين كانوا معتمدين مخالفة علي (عليه السلام) ومخالفة الرسول (صلي الله عليه وآله) فيه، ومنطوين علي عدم إطاعته إن ولي الأمر كائنا ما كان لبغض مقيم عليه في قلوبهم، وحسد قديم له لا لصلاح الدين ولا لخوف انتقاض العرب، ولا لغير ذلك مما قاله في بعض كلامه، وهذا القول منه من شواهد مدعانا عليهم، فقد تبين صدق قولنا من قول عمر وثبت ما نقول إن القوم أخذوا الخلافة وهم يعلمون أنها حق علي (عليه السلام) بنص الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم).

كان علي مفزع عمر في النوازل

ومنها ما قال ابن أبي الحديد: حدثني الحسين بن محمد الشني قال: قرأت علي ظهر كتاب أن عمر نزلت به نازلة فقام لها وقعد وترنح لها وتقطر، وقال لمن عنده معشر الحاضرين ما تقولون في هذا الأمر، فقالوا يا أمير المؤمنين أنت المفزع والمنزع، فغضب وقال: [يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا] [969] ثم قال: أما والله إني وإياكم لنعلم ابن بجدتها [970] والخبير بها قالوا: كأنك أردت ابن أبي طالب: قال: وأني يعدل بي عنه، وهل طفحت حرة بمثله، قالوا: فلو دعوت به يا أمير المؤمنين، قال: هيهات إن هناك شمخا من هاشم، وإثرة من علم ولحمة من رسول الله (صلي الله عليه وآله) يؤتي ولا يأتي فامضوا بنا إليه، فأقصفوا نحوه [ صفحه 511] وأفضوا إليه، فألفوه في حائط له عليه تبان وهو يتركل علي مسحاته ويقرأ: [أيحسب الإنسان أن يترك سدي] [971] إلي آخر السورة، ودموعه تهمي علي خديه، فأجهش الناس لبكائه فبكوا ثم سكت وسكتوا فسأله عمر عن تلك الواقعة فأصدر جوابها فقال عمر: أما والله لقد أرادك الحق ولكن أبي قومك، فقال: يا أبا حفص خفض عليك من هنا وهنا: [إن يوم الفصل كان ميقاتا] [972] فوضع عمر إحدي يديه علي الأخري وأطرق إلي الأرض وخرج كأنما ينظر في رماد. وهذا الخبر كما تري مصرح بأن أمير المؤمنين كان ينسب القوم في تقدمهم عليه إلي الظلم، ويعدهم بالمطالبة يوم الفصل، وحسبنا ذلك فيما ندعي، وإنكار ابن أبي الحديد للخبر لأن عليا (عليه السلام) كني عمر ولم يسمه بالإمرة، ولأن عمر مضي إلي علي (عليه السلام) والعادة أن يرسل إليه إنكار فاسد لأن العادة قد تختلف وينبغي أن يجعل هذا من جملة تواضع عمر الذي كانوا يصفونه به، والخليفة قد يكني خصوصا في مقام الحجة علي أن ما ادعاه من أن عليا (عليه السلام) ما كني عمر في خلافته أبدا وإنما يدعوه بإمرة المؤمنين دعوي ما أتي عليها بشهود وأحالها علي السير والتوايخ، ولم يذكر حديثا علي ما ادعي، ولا ذكر في كتابه علي كثرة ما ذكره من الأخبار موضعا دعا فيه علي (عليه السلام) عمر بإمرة المؤمنين قط، وذلك أدحض لحجته، مع أنه روي أن الزبير قد أدمي أنف آذن عمر لما حجبه عنه فلما لامه عمر جعل يمطمط في كلامه يحكي كلام عمر أتفعل هكذا يا زبير! وقال مغضبا: أتحتجب يا بن الخطاب [973] فلم يكنه فضلا عن أن يقول أمير المؤمنين [ صفحه 512] ولم نره طعن في صحة الرواية بمخالفة العادة، وبما فيها من الجرأة العظيمة علي عمر. وروي أيضا أن عمر لما أراد أن يوصي بالشوري واحضر الستة وقال في كل واحد ما قال إنه نظر إلي طلحة فقال: أقول أم أسكت؟ قال له طلحة: قل فإنك لا تقول من الخير شيئا [974] ولم يستبعد ذلك بمخالفته العادة ولم ينكر الرواية لتضمنها جرأة طلحة علي عمر بهذا القول الغليظ، وليس علي (عليه السلام) عند عمر وعند الناس بدون الزبير وطلحة حتي يحتمل عمر منهما الجرأة الشديدة ولا يحتمل من علي (عليه السلام) في وقت من الأوقات أن يكنيه ولا يدعوه بإمرة المؤمنين مع أن ذلك حال عن أدني جرأة، فسبحان الله لا يكون الرد بخلاف العادة إلا لما وافق قولنا من أخبارهم، فهذا دليل عنادهم فقد بطل إنكاره.

بين عمر و ابن عباس حول علي

ومنها ما رواه مرفوعا إلي ابن عباس قال: دخلت علي عمر يوما فقال: يا بن العباس لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتي نحلته رياء، قلت: من هو، قال: هذا ابن عمك، يعني عليا (عليه السلام)، قلت: وما يقصد بالرياء يا أمير المؤمنين؟ قال: يرشح نفسه بين الناس للخلافة، قلت: وما يصنع بالترشيح قد رشحه لها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فصرفت عنه، قال: إنه كان شابا فاستصغرت العرب سنه وقد كمل الآن، ألم تعلم أن الله لم يبعث نبيا إلا بعد الأربعين، قلت: يا أمير المؤمنين أما أهل الحجي والنهي فإنهم ما زالوا يعدونه كاملا منذ رفع الله منار الإسلام، ولكنهم يعدونه محروما مجذوذا، فقال: ما إنه سيليها بعد هياط ومياط [975] ثم تزل فيها قدمه، ولا يقضي منها إربه، ولتكونن شاهدا [ صفحه 513] ذلك يا عبد الله ثم يبين الصبح لذي عينين، وتعلم العرب صحة رأي المهاجرين الأولين الذين صرفوها عنه بادئ بدء، فليتني أراكم بعدي يا عبد الله، إن الحرص محرمة وإن دنياك كظلك كلما هممت به ازداد عنك بعدا. قال ابن أبي الحديد: نقلت هذا الخبر من أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب [976] . قلت: وقد أعرب هذا عما في قلبه لأمير المؤمنين (عليه السلام) حتي رام إبطال عباداته بنسبتها إلي الرياء ليحط قدره، ويزيل من القلوب منزلته، ويسقط منها رتبته، ومع ذلك فقد أقر بالنص من الرسول علي علي (عليه السلام) حيث أنه اعترف بدعوي ابن عباس أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد رشح عليا (عليه السلام) للخلافة، والترشيح للشئ التأهيل له وهو تعيينه لها، وذلك النص، بأنها قد صرفت عنه بعد نص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عليه، وأن أهل العقل والرأي الصحيح يعدونه محروما مجذوذا من حقه، ولم ينكر من ذلك شيئا وذهب يتعلل في مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بما لم يزل يتعلل به من صغر السن وخوف العرب، وما أدري ما يقول ابن أبي الحديد ومن علي شاكلته إذا سئلوا أهم أعرف بالمصالح وكمال الناس أم رسول الله (صلي الله عليه وآله) حيث أهل عليا (عليه السلام) للخلافة وهو صغير السن، أفيقولون أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أهله بغير أمر الله فأخطأ وأنهم أصابوا حيث صرفوا الأمر إلي من هو أكبر منه سنا، أم يقولون إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لا يعلم سن علي (عليه السلام)؟ أفليس في قوله هذا تصريح بأنهم خالفوا نص رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي علي [ صفحه 514] (عليه السلام) بآرائهم، وما أبعد قوله: فاستصغرت العرب سنة من قوله، وتعلم العرب صحة رأي المهاجرين إلي آخره، فإن الأول يدل علي أن العرب هم الذين صرفوا الأمر عن علي لصغر سنه، والثاني يدل علي أن العرب قد أنكرت علي المهاجرين صرف الأمر واعتقدوا بطلان رأيهم، وأنه لا يبين للعرب صحة رأي المهاجرين الأولين، ويعلمونه إلا إذا تولي علي (عليه السلام) الأمر وحاربه من يحاربه من بقية أولئك المهاجرين ومن يتبعهم من الطلقاء وأبناء الطلقاء، والحاصل أن هذا الخبر مصرح بما نقول به من وجود النص علي علي (عليه السلام، فهو شاهد بدعوانا وكاشف عن صحة مذهبنا بأوضح كشف وأصرح بيان. ثم إن في قول عبد الله لعمر: أما أهل الحجي والنهي فما زالوا يعدونه كاملا الخ إشارة ظاهرة إلي أن الذين قدحوا في كمال علي (عليه السلام بصغر السن ليسوا من أهل العقل والتمييز، لأن أهل ذلك ما زالوا حاكمين بكمال علي (عليه السلام) فلو كان هؤلاء القوم منهم لحكموا بحكمهم، والأمر كما قال عبد الله بن العباس. وأما قول عمر: إنه سيليها ثم تزل فيها قدمه الخ فلا يصح لأنه إن أراد بزلة قدمه عدم طاعة أهل الضلال له فليس عليه في ذلك بأس عند الله ولا تزل قدمه إذا كان علي الحق بل زلت قدم من خالفه، فقد قاتل الكفار رسول الله (صلي الله عليه وآله) فلم يضره في دينه ونبوته خلافهم له وقتالهم إياه، وكذلك أمير المؤمنين لم تزل قدمه بقتال الضالين المكذبين، بل كانوا هم الذين زلت أقدامهم عن الحق وكان هو الثابت القدم علي الصراط القويم والهدي الواضح، لأنه يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي تنزيله، وإن أراد بزلة قدمه خروجه عن الحق فهو يعلم أنه مع الحق وأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أمره بقتال [ صفحه 515] أولئك الأقوام ووعده أنه مع الحق حتي تمني الشيخان تلك المنزلة وسألاها النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فما أدركاها، وقد مضي بيان ذلك ومن هذا فهم عمر سيقاتلون عليا (عليه السلام) فقال ما قال. وأما قضاء الإرب من الخلافة فإن كان يريد إرب الدنيا فليس لعلي (عليه السلام) في الدنيا من إرب، وإن أراد عدم تمكنه من إقامة عمود الحق لمخالفة الفجرة أمره فليس ذلك بضائر في دينه ولا بناقص ليقينه، والدبرة علي الضالين المكذبين ظفروا أو ظفر بهم. وأما وعظه لابن عباس وهو يريد غيره فليته وعظ من خالف نص الرسول علي علي كما اعترف به. ومنها ما رواه عن أبي بكر الأنباري في أماليه: إن عليا (عليه السلام) جلس إلي عمر في المسجد وعنده قوم فلما قام عرض واحد بذكره ونسبه إلي التيه والعجب، فقال عمر: حق لمثله أن يتيه، والله لولا سيفه لما قام عمود الإسلام، وهو بعد اقضي الأمة وذو سابقتها وذو شرفها، فقال له ذلك القائل: فما منعكم يا أمير المؤمنين عنه؟ قال: كرهناه علي حداثة السنوحبه بني عبد المطلب [977] . قلت وما رواه ابن أبي الحديد من طرق العامة مما يعطي هذا المعني كثير فلنقتصر علي ذكر ما أوردناه لحصول الكفاية. ثم الآن نتكلم علي جملة أخبار هذا الوجه بكلام عام فنقول لمنكري النص من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي علي (عليه السلام): قد اشتملت هذه الأخبار علي الإقرار بالنص تارة علي علي (عليه السلام) وبأنه أولي الناس بهذا الأمر وأحقهم به أخري، وثالثة علي أنه مظلوم والمظلوم لا [ صفحه 516] يكون إلا بأخذ حق له يختص به فيكون الخلافة علي هذا حقه وأن المتقدم عليه فيها ظالم له غاصب حقه، وأخري بأنه محروم وهو مثل السابق، وأخري بأن الأمر له، وأخري بأن شيئه قد غصب، فحينئذ إن كان عمر علم بأن الخلافة حق لعلي (عليه السلام) وأنه صاحبها وأولي الناس وأحقهم بها حتي يكون من اختزلها عنه غاصبا وظالما من نص الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) عليه بذلك، إما بالتعيين لها كما نقول، وكما تضمنته جملة من أخبار هذا الباب من قول ابن عباس وعمر، أو بما استوضحه الرجل من قصد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في إشاراته إليه، أو من جهة جمعه للخصال الحميدة كالقرابة من النبي (صلي الله عليه وآله)، والعلم والشجاعة والسبق إلي الدين وكثرة الجهاد، وعلم من قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إن صاحب هذه الصفات هو الأولي بمقامه، فذلك هو النص من الرسول علي علي (عليه السلام) وثبت مدعانا وثبت مخالفتهم لنص النبي (صلي الله عليه وآله) في توثبهم لأخذ الخلافة ومبادرتهم إلي تحصيل الإمارة من مهاجرين وأنصار، وثبت رجوعهم علي الأعقاب ما خلا من كان مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، وجاء تصديق قوله تعالي: [أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم] [978] وصح ما نسبه عمر إليهم من ظلمهم عليا وغصبهم حقه، وذلك هو مطلوبنا ومرادنا لا نزيد في القول علي هذا، وإن كان عمر علم ذلك من غير نص الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) فليس غير النص بطريق يعلم منه هذا فكيف ينسب إليهم الظلم والغصب فيظلمهم بهذا النسبة، فأي الأمرين تختارون! وأما اعتذاره عن مخالفة النص علي علي (عليه السلام) بحداثة السن فقد أجاب عنه ابن عباس وأجبنا عنه فيما تقدم، ونقول هنا: إن مقصودنا [ صفحه 517] من إيراد أقوال عمر بيان أنهم خالفوا نص النبي (صلي الله عليه وآله) علي علي (عليه السلام) بآرائهم وأهوائهم وذلك إقرار منه بالمقصود واعتراف بالمطلوب، فما زاد في عذره علي أن أثبت حجتنا عليهم. وأما اعتذاره بخوف انتقاض العرب فقد أجبنا عنه مرارا بأوضح بيان، ونزيد في هذا المقام فنقول له: أخبرنا أي العرب وأي الناس استشيروا في بيعة علي (عليه السلام) فأبوها؟ أم أي العشائر والقبائل بلغهم أن المهاجرين والأنصار بايعوا عليا (عليه السلام) فردوا بيعته ولم يقبلوها؟ وهل جاء منعه عن الخلافة إلا ممن حضر السقيفة، وهل وهن أمره عند الناس إلا منهم، وما آفته غيرهم، فكيف ينسبون فعلهم إلي سواهم، ويحملونه غيرهم، ثم لو سلمنا لك ما تدعي لأجبناك بأن اللازم عليكم طاعة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ومراعاة أمره وليس عليكم أن تضل العرب أو تهتدي، والله سبحانه يقول: [يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم] [979] فلم لا بايعتم عليا وأطعتم الله ورسوله فيه وقاتلتم من خالفه حتي تذللوا له العرب فتستقيم له الأمور وتجتمع عليه الكلمة كما فعلتم ذلك حين بايعتم غيره؟ وما لكم عصيتم وبدأتم بالمخالفة لتوهمكم أن غيركم ربما بعصي؟ هذا كله مع ما في فعلكم من مخالفة قول النبي وحكمه باجتهادكم ومن جوز لكم ذلك وسوغكموه [أألله أذن لكم أم علي الله تفترون] [980] . وأما اعتذاره بحب بني عبد المطلب فهو أوهن الأعذار وأوهاها، فإنه لم يقل أحد بأنه يشترط في الإمام أن يبغض قرابته ويكره عشيرته، فليس حب الإمام ذوي قرابته قادحا في صحة إمامته حتي يكون ضده شرطا لها، ولو كان ذلك قادحا في إمامة علي (عليه الصلاة والسلام) لوجب أن يكون قادحا في نبوة [ صفحه 518] النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لأن حبه لبني عبد المطلب متعالم مشهور، وحثه الناس علي إكرامهم تارة بالتخصيص وتارة بالتعميم، وشدة حنوه عليهم أمر ظاهر معروف ومذكور لا يجوز أن يجهله سائر الناس فضلا عن عمر بن الخطاب وعناية الله ببني عبد المطلب إكراما للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) واضحة مكشوفة حيث أمره الله أن يبدأ بإنذارهم، ويفتتح دعوة الإسلام بدعائهم فقال: [وأنذر عشيرتك الأقربين] [981] وأوجب لهم حقا عليه فقال: [وات ذا القربي حقه] [982] ثم أوجب لهم المودة علي الأمة إعظاما لهم وإجلالا، كل ذلك لتكريم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وتفخيمه، ولقد احتج ابن عباس علي عمر بذلك فما استطاع إنكاره في حديث عبد الله بن عمر السابق أن ابن عباس لما قام بعد قول عمر: قم الآن فارجع إلي منزلك هتف به عمر لما انصرف: أيها المنصرف إني علي ما كان منك لراع حقك، فالتفت ابن عباس فقال: إن لي عليك يا أمير المؤمنين وعلي كل المسلمين حقا برسول الله (صلي الله عليه وآله)، فمن حفظه فحق نفسه حفظ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع، ثم مضي فقال عمر لجلسائه، واها لابن عباس ما رأيته لاحي أحدا قط إلا خصمه، فمن كان هذا شأنهم يجب أن يكون حبهم شرطا في الإمام لا مبطلا لإمامته، وجعل بغضهم شرطا في صحة الإمامة مخالفة لله وردا لكتابه ومراغمة لرسول الله (صلي الله عليه وآله). وبعد فما يكون في حب الرجل عشيرته من النقص لمرتبته عن الإمامة إذا لم يخف منه لذلك جور في حكم، ولا إيثار بمال، ولا حيف في قسمه، وأمير المؤمنين بمعزل عن هذه التهمة، أو لم يأن لعمر بن الخطاب أن يعلم بطول [ صفحه 519] المعاشرة لعلي (عليه السلام) ما هو عليه من قوة الذين، وما هو فيه من صحة اليقين، فيعلم بذلك أن حبه لبني أبيه لا يكون له صارفا عن اتباع الحق، ولا مقتضيا له للميل والهوي، ولا داعيا للجور والحيف في شئ من الأحكام، ودع ذا أليس قد علم من قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار) وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (وأدر الحق معه حيث ما دار) [983] وقوله في قصة ما عز (أما لو كان فيكم أبو الحسن ما أخطأتم) [984] وأمثالها أن عليا لا يعدل عن الحق لقرابة، ولا يميل للباطل لحب أحد ولا لبغض أحد، فيكون إذن أجهل الناس حيث يجهل ما كان ظاهرا كلا بل علم ذلك وتيقنه، وكيف لا وهو يقول لا بن عباس في حديث رواه ابن أبي الحديد ينساق مساق ما ذكرناه في المقام من الأخبار تركنا نقله بعد أن عاب عليا (عليه السلام) وانتقصه بالدعابة، وجعلها مانعة من استحقاقه الإمامة وعاب غيره بما عابه قال: إن أحراهم إن وليها أن يحملهم علي كتاب ربهم وسنة نبيهم لصاحبك، أما إن ولي الأمر حلمهم علي المحجة البيضاء والصراط المستقيم، فانظر إلي التناقض في هذه الأقوال. ثم نجيب عن هذه الوجوه الثلاثة فنقول: إن الله حين أمر رسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) بنصب علي خليفة من بعده كان عالما بحداثة سنه، وانتقاض العرب عليه إذا ولي الأمر لو انتقضوا وبحبه بني عبد المطلب، وهو أعلم بالصلاح والفساد، فلو علم سبحانه بعدم صلاحيته للإمامة لتلك [ صفحه 520] الأمور لما أمر نبيه بنصبه [والله أعلم حيث يجعل رسالته]، فوضح من جملة ما ذكرناه إن الاعتذار بحداثة السن، وانتقاض العرب، وحب بني عبد المطلب اعتذار مضمحل فاسد لا عذر به في مخالفة النص. وأما الاعتذار بالدعابة فهو باطل بالجواب العام عن الوجوه السابقة، لأنه كما تري شامل له، وما هو إلا اقتراح علي الله وتطلب عليه، ولعمري إن كانت طلاقة الوجه، وبشاشة اللسان، وسجاحة الأخلاق، وظهور البشر للمؤمنين، وكثرة الحلم عيبا مانعا من الإمامة فيجب أن يكون الأنبياء ظاهري الغضب، ذوي غلظة وفظاظة لا رفق فيهم لأن الإمامة منصبهم بالأصالة، وذاك خلاف ما وصف الله به أنبياءه من الحلم والرأفة فقال في إبراهيم (عليه السلام): (إن إبراهيم لحليم أواه منيب] [11] وقال في حق نبينا (صلي الله عليه وآله): [بالمؤمنين رؤوف رحيم] [12] وقال في حق قوم مدحهم: [أشداء علي الكفار رحماء بينهم] [13] وقال: [أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين] [14] وهذه صفة أمير المؤمنين فيجب أن تكون شرطا في الإمام لوجودها في النبي الذي انتقلت الإمامة منه إلي الإمام، ولو كانت الغلظة والشدة وصفا حسنا فضلا عن أن تكون شرطا للإمام لما نهي الله نبيه (صلي الله عليه وآله وسلم) عنها وجردها عنه في قوله تعالي: [ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم] الآية [15] وعذر ابن أبي الحديد عنه في أمر الدعاية ونسبة أمير المؤمنين إليها بأنه خشن الطبع، وأن الكلمات القبيحة تخرج منه علي مقتضي جبلته [ صفحه 521] كالكلمة التي قالها في مرض رسول الله (صلي الله عليه وآله) [16] يعني بها قوله: " إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ليهجر " وكقوله: " متعتان كانتا علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حلال أنا محرمهما ومعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء " [17] وإنه لم يقصد بها ظواهرها ولا يستطيع إلا إخراجها كما هي، فلم يكن قاصدا عيب علي بالدعابة وغير ذلك من الأعذار الركيكة التي أطالها في مواضع من كتابه ليس بشئ وإن أراد بالدعابة التي نسبها إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) المزاح الموجب للخفة كما نسبه عمرو بن العاص ومعاوية إليه [18] فقد أبطل في دعواه بإجماع مواليه ومعاديه، وإن عليا (عليه السلام): برئ من ذلك كبيرا وشابا وطفلا، وما زال عليه بهاء الإيمان، وهيبة التقوي، ونضارة الورع، وخشونة الدين، وذلة التواضع، وعزة الكمال، وخشوع الزهد، ورزانة العقل، ورصانة الحلم، ونور العرفان، ورونق الحكمة، وضياء العلم، وجمال العفة، وقميص الأمانة، ودرع الصيانة، وجلباب الديانة، وكمال البصيرة، وهيئة الزعامة، ودلائل الشهامة، وأبهة الرئاسة، وجلالة السيادة، بعيد الهمة عن همز كل هامز، ورفيع القدر عن لمز كل لامز، قال صعصعة بن صوحان [19] في وصفه: كان فينا كأحدنا لين جانب وشدة [ صفحه 522] تواضع وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف علي رأسه ولما قال معاوية لقيس بن سعد بن عبادة: رحم الله أبا الحسن فلقد كان هشا بشا ذا فكاهة، قال قيس: نعم كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يمزح ويبسم إلي أصحابه، وأراك تسر حسوا في ارتغاء وتعيبه بذلك، أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين، قد مسه الطوي، وتلك هيبة التقوي، ليس كما يهابك طغام أهل الشام، إلي غير ذلك مما وصف به من الهيبة والوقار، روي ذلك ابن أبي الحديد وغيره من معتزلة وأشاعرة، فليس مما نسبه عمر إليه في شئ، كما أن قول ابن العاص بهت منه وزور وافتراء، والله ولي الجزاء، ودع ذا كله أليس في اعتذار عمر عن تقدمه وتقدم صاحبه علي أمير المؤمنين في الخلافة بما ذكره من الأعذار بعد شهادته بأنها حقه وأنه أولي الناس بها دليل ظاهر علي أنه كان رادا لنص الرسول (صلي الله عليه وآله) بالرأي؟ وذلك هو المقصد. والمراد وهو المدعي الذي نحن بصدد إثباته والله الهادي إلي الصواب. قال ابن أبي الحديد بعد روايته الأخبار التي ذكرناها وغيرها مما أورده هناك في المعني: سألت النقيب أبا جعفر يحيي بن محمد بن أبي زيد وقد قرأت عليه هذه الأخبار، فقلت له: ما أراها إلا تكاد تكون دالة علي النص، ولكني استبعد أن تجتمع الصحابة علي دفع نص رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي شخص بعينه كما استبعد من الصحابة رد نصه علي الكعبة وشهر رمضان وغيرهما من معالم الدين، قال: فقال: أبيت إلا ميلا إلي [ صفحه 523] المعتزلة، وذكر عن النقيب المذكور أجوبة طويلة في دفع استبعاده من الصحابة مخالفة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، وذكر أن ذلك خلاصة ما حفظه من كلام النقيب، ونحن نستخلص من تلك الخلاصة زبدة فنوردها وحاصل ذلك: أن القوم لم يذهبوا إلي أن الإمامة من معالم الدين كالصلاة والصيام والحج وإنما كانوا يجرونها مجري الأمور الدنيوية كتأمير الأمراء وسياسة الرعية، وما كانوا يرون بأسا بمخالفة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في أمثال ذلك إذا رأوا مصلحة في المخالفة، كما أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) نص علي إخراج أبي بكر وعمر في جيش أسامة فلم يخرجا لما رأياه من المصلحة في التأخير، وأسقطوا سهم ذوي القربي من الخمس وسهم المؤلفة قلوبهم بالرأي، وهما أدخل في باب الدين منهما في أبواب الدنيا، وأن القوم كانوا يخالفون النبي (صلي الله عليه وآله) وهو حي في أمثال ذلك، ولقد أوصاهم في مرضه (أن أخرجوا النصاري من جزيرة العرب) فلم يخرجوهم حتي مضي صدر من خلافة عمر، وعملوا في زمن أبي بكر برأيهم، وهم الذين هدموا المسجد بالمدينة، وحولوا المقام بمكة عما وضعه فيه إبراهيم الخليل ونبينا (صلي الله عليه وآله) إلي ما وضعته الجاهلية. قلت: وكان المحول له عمر. قال: ولم يقفوا علي موارد النصوص، واقتدي بهم الفقهاء فرجح الكثير منهم القياس علي النص فاستحالت الشريعة إلي شريعة جديدة علي ما أدي إليه القياس، وأكثر ما كانوا يعملون بآرائهم فيما يجري مجري الولايات والتأمير وتقرير قواعد الدولة ولا يقفون مع نصوص الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وتدبيراته إذا رأوا المصحلة في خلافة كأنهم يقيدون إطلاق نصوصه بقيد غير مذكور لفظا، وليس ذلك يمكن بهم فيما هو جار مجري [ صفحه 524] محض الدين كالصلاة والوضوء، مثل أن يقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) الوضوء شرط في الصلاة فيجمعوا علي خلافه، وكذا في الصوم والحج إذ لا غرض لهم فيه ولا يقدرون علي إظهار مصلحة كانت خفيت علي النبي (صلي الله عليه وآله) بزعمهم كما أمكنهم إظهار ذلك في إمامة علي (عليه السلام) من كراهية العرب له إما للوتر والثأر، وإما لمحض الحسد والبغض، وإما لصغر السن وغير ذلك مما زعموه، وأسكتوا به من يخاطبهم ويذاكرهم بنص الرسول (صلي الله عليه وآله) عليه، وتعللوا مع إقرارهم بالنص في المبادرة إلي عقد الأمر لأبي بكر بخوف الفتنة، ورجاء تداول الخلافة في بطون قريش فلا يختص بها قوم دون قوم إلي غير ذلك من الزخارف التي ذكروها، وكان عمر جريا علي مخالفة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) في زمانه كما خالفه في وقت مرضه لما أمر بإحضار الدواة وقال: (هلم اكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي أبدا) فقال: إنه ليهجر حسبنا كتاب الله، وإن الحاضرين افترقوا فصوب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فريق، وصوب عمر فريق، وهذا من اغرب الأمور، فمن بلغت همته إلي مثل هذا كيف يبعد عليه رد نص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بعد موته علي علي (عليه السلام) بالخلافة؟ ومن كان ينكر عليه ذلك؟ مع أن ذاك أشد من مخالفة النص في الخلافة وأفضع، علي أن الرجل ما أهمل نفسه، بل أعد لذلك أعذارا وذلك أنه قال لقوم عرضوا له بحديث النص: إن رسول الله (صلي الله عليه وآله) رجع عن ذلك بأمره أبا بكر بالصلاة وأوهمهم أن ذلك يجري مجري النص عليه بالخلافة، وقال يوم السقيفة: رضيك رسول الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا؟ وأعانه علي مثل ذلك قوم افتعلوا كذبا كافتعاله وجعلوه كالناسخ لقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) فكان حال الصلاة والكعبة والصوم والحج غير حال الخلافة. [ صفحه 525] قال ابن أبي الحديد بعد سرد كلام النقيب جميعه: إن النقيب لم يكن إمامي المذهب، ولا كان يبرء من السلف، ولا يرتضي قول المسرفين من الشيعة، ولكنه كلام أجراه علي لسانه البحث والجدل بيني وبينه انتهي [20] . قلت: وأكثره وإن كان علي قواعد القوم منطبقا وإنه كلام من يحملهم علي الخير لكنه كاف في دفع الاستبعاد واف بالمراد، وإلا فالوجه في مثل هذا ما قدمناه من أن القوم كانوا يخالفون النبي (صلي الله عليه وآله) فيما يحصل لهم فيه غرض دنيوي، لأنهم طلبوا الدنيا دون محض الدين وإقامتهم علي دعوة الإسلام إنما هي لحصول الغرض الأعظم هي الرئاسة الكبري فما كان يخرجهم في ظاهر الحال عند عامة المسلمين من الإسلام كترك الصلاة، وتغيير القبلة، وأشباه ذلك لا يردون نص الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) عليه حفظا لأنفسهم من أن ينسبوا إلي الردة فترضخ رؤوسهم بالجندل، أو يرجعوا أذنابا ويملكهم غيرهم، إن وافقهم الناس علي تغيير الشريعة، وما لم يكن بهذه المنزلة من الأمور الدينية والدنيوية فكثيرا ما غيروه وبدلوه وادخلوا فيه ما ليس منه كالوضوء وما ادخلوا فيه من غسل الرجلين والمسح علي الخفين وغير ذلك، وكما أسقطوا من الأذان ما أسقطوا وزادوا فيه ما زادوا أو كتحريم المتعتين وتجويز صوم شهر رمضان للمسافر وغير ذلك من الأحكام التي غيروها في أبواب العبادات والمعاملات والمواريث والسياسات مما يطول بذكره الكلام، ومن نظر كتب الفقه والحديث اطلع علي ذلك، ثم إن الأولين كانا بمكان مكين من البصيرة في الأمور الدنيوية فلازما مع ذلك كله ما يصلحهما عند العامة، وواظبا علي ما يوجب لهما صرف قلوب الخاصة، فظلفا أنفسهما عن الملاذ الظاهرية، وعن الرغبة في المال وسلكا مسلك الزهد [ صفحه 526]

ظهور المعجز علي يد أميرالمؤمنين

وأما الطريق الثالث: وهو ظهور المعجز علي يد علي (عليه السلام) فمعروف مشهور ومعاجزة كثيرة. فمنها: قلع باب خيبر وعجز عن حمله سبعون رجلا من الأقوياء. [985] . ومنها مخاطبة الثعبان علي منبر الكوفة فسأل عنه فقال: إنه من حكام الجن أشكل عليه مسألة فأجبته عنها [986] . [ صفحه 528] ومنها رفع الصخرة العظيمة عن القليب وذلك أنه لما توجه إلي صفين مع أصحابه أصابهم عطش عظيم، فأمرهم أن يحفروا بقرب دير فوجدوا صخرة عظيمة عجزوا عن نقلها فنزل علي (عليه السلام) فاقتلعها ورمي بها مسافة بعيدة فظهر قليب فيه ماء فشربوا، ثم أعادها ولما رأي ذلك صاحب الدير أسلم [987] . ومنها محاربة الجن فقد روي أن جماعة من الجن أرادوا وقوع الضرر بالنبي (صلي الله عليه وآله) حين مسيره إلي بني المصطلق فرد علي (عليه السلام) كيدهم بما آتاه الله سبحانه [988] . ومنها رد الشمس له لما كان رأس النبي (صلي الله عليه وآله) في حجره والوحي ينزل عليه وعلي لم يصل العصر، فما سري عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلا وقد غربت الشمس فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس) فطلعت الشمس بعد ما غربت فصلي العصر، قال في إسعاف الراغبين: وحديث ردها صححه الطحاوي والقاضي في الشفاء، وحسنه شيخ الإسلام أبو زرعة وتبعه غيره، وردوا علي جمع قالوا إنه موضوع، وزعم فوات الوقت بغروبها فلا فائدة لردها في محل المنع لعود الوقت بعودها كما ذكره ابن العماد واعتمده غيره إلي أن قال: وعلي تسليم عدم عود الوقت نقول: كما أن [ صفحه 529] ردها خصوصية كذلك إدراك العصر أداء له خصوصية [989] انتهي. أقول واعترف بحديث رد الشمس ابن أبي الحديد حتي نظمه في أشعاره في مدح أمير المؤمنين [990] واعترف به القوشجي وبجميع ما ذكرناه وما نذكره من المعاجز، وقول بعض العامة: لو كانت الشمس طلعت بعد ما غابت لكان ذلك معلوما لكل الناس يشبه قول منكري انشقاق القمر للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بأنه لو وقع لعلمه كل الناس، وما يجيبون به عن هذا هو جوابنا عن ذاك.

بعض أخباره بالمغيبات

ومنها اقتلاعه هبل من أعلا الكعبة ورميه به إلي الأرض قال ابن أبي الحديد: وكان عظيما جدا [991] . ومنها إخباره بالمغيبات وذلك كثير حصره مفصلا يحتاج إلي كتاب مفرد كإخباره عن قاتله ووقت قتله، وإخباره عن قتل الحسين (عليه السلام) في كربلاء [992] وقوله في الخوارج: (إن مناياهم دون النهر والله لا يفلت منهم عشرة ولا يقتل منا عشرة) وكإخباره عن ملك بني أمية، وإن له مدة يسيرة [993] وعن ملك بني العباس [994] وإخباره جماعة من أصحابه بما يصيب كل واحد منهم، وبأي قتلة يقتل كعمرو بن الحمق الخزاعي [995] وحجر بن عدي [ صفحه 530] الكندي [996] ورشيد الهجري [997] وجورية بن مسهر العبدي [998] وميثم التمار [999] ومزرع [1000] وقنبر [1001] وغيرهم، وكإخباره عن الحجاج وما يعمل في الكوفة [1002] وإخباره أنه يضرب عنق أعشي باهلة [1003] وإخبارهعن خراب البصرة علي يد الزنج [1004] وعن غرقها إلا الجامع، وعن واقعة الترك [1005] وسلامة أهل العراق منهم، وعن القرامطة، وأخذهم الحجر الأسود من الكعبة [1006] وعن ملك بني بويه وأنه مائة سنة [1007] وغير ذلك من الملاحم والوقائع والحوادث المتفرقة مما يطول تعداده وقد اشتملت كتب المناقب والسير والتواريخ عليه واشتمل كلامه المجموع في نهج البلاغة علي كثير منه، ولنذكر طرفا من الأخبار الواردة في هذا الباب لنزيد بها شرف هذا الكتاب المحتوي علي إثبات إمامة أهل بيت النبي الأنجاب، فنقول: [ صفحه 531] قال ابن أبي الحديد: ذكر المدائني في كتاب الخوارج قال: لما خرج علي (عليه السلام) إلي أهل النهر أقبل رجل من أصحابه ممن كان علي مقدمته يركض حتي انتهي إلي علي (عليه السلام)، فقال: البشري يا أمير المؤمنين، قال: ما بشراك؟ قال: إن القوم عبروا النهر لما بلغهم وصولك فأبشر فقد منحك الله أكتافهم، فقال له: الله أنت رأيتهم قد عبروا؟ قال: نعم، فأحلفه ثلاث مرات في كلها يقول: نعم، فقال علي (عليه السلام): (والله ما عبروه ولن يعبروه وإن مصارعهم لدون النطفة، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لن يبلغوا إلا ثلاث ولا قصر بوران حتي يقتلهم الله، وقد خاب من افتري) قال: ثم أقبل فارس آخر يركض فقال كقول الأول، فلم يكترث علي (عليه السلام) بقوله، وجاءت الفرسان تركض كلها تقول مثل ذلك، فقام علي فجال في متن فرسه قال: فيقول شاب من الناس والله لأكونن قريبا منه فإن كانوا عبروا النهر لأجعلن سنان هذا الرمح في عينيه، أيدعي علم الغيب؟ فلما انتهي (عليه السلام) إلي النهر وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم، وعرقبوا خيلهم، وجثوا علي ركبهم، وحكموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل، فنزل ذلك الشاب فقال: يا أمير المؤمنين إني كنت شككت فيك آنفا، وإني تائب إلي الله وإليك فاغفر لي، فقال علي (عليه السلام): (إن الله هو الذي يغفر الذنوب فاستغفره) [1008] وقال المعتزلي: وروي جميع أهل السيرة أن عليا (عليه السلام) لما طحن القوم طلب ذا الثدية طلبا شديدا وقلب القتلي ظهرا لبطن فلم يقدر عليه، فساءه ذلك، وجعل يقول: (والله ما كذبت ولا كذبت اطلبوا الرجل وإنه لفي القوم) فلم يزل يتطلبه حتي وجده. قال: وروي إبراهيم بن ديزيل في كتاب صفين عن الأعمش عن [ صفحه 532] زيد بن وهب قال لما شجرهم علي (عليه السلام) بالرماح قال: (اطلبوا ذا الثدية) فطلبوه طلبا شديدا حتي وجده في وهدة من الأرض تحت ناس من القتلي فأتي به، فإذا رجل علي ثدية مثل سبلات السنور، فكبر علي (عليه السلام) وكبر الناس معه سرورا بذلك. وروي في صفة استخراجه غير ذلك روي العوام بن حوشب عن أبيه عن جده يزيد بن رويم قال: قال علي (عليه السلام): (يقتل اليوم أربعة آلاف من الخوارج أحدهم ذو الثدية فاتبعه) فلما طحن القوم ورام استخراج ذي الثدية فاتبعه أمرني أن اقطع له أربعة آلاف قصبة، وركب بغلة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقال: (اطرح علي كل قتيل منهم قصبة) فلم أزل كذلك وأنا بين يديه وهو راكب خلفي والناس يتبعونه حتي بقيت في يدي واحدة فنظرت إليه فإذا وجهه أربد وإذا هو يقول: (والله ما كذبت ولا كذبت) فإذا خرير ماء عند موضع دالية [1009] فقال: فتش هذا ففتشته، فإذا قتيل قد صار في الماء وإذا رجله في يدي فجذبتها وقلت: هذه رجل إنسان فنزل عن البغلة مسرعا فجذب الرجل الأخري وجررناه حتي صار علي التراب فإذا هو المخدج فكبر علي (عليه السلام) بأعلا صوته ثم سجد،فكبر الناس كلهم [1010] . وروي أيضا في استخراجه غير ذلك. قال وروي ابن هلال الثقفي في كتاب الغارات عن زكريا بن يحيي العطار عن فضيل عن محمد بن علي قال قال لما قال: علي (عليه السلام): (سلوني قبل أن تفقدوني فوالله لا تسئلوني عن فئة تضل مائة وتهدي مائة ما [ صفحه 533] إلا أنبأتكم بناعقها وسائقها) فقام إليه رجل فقال: أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر فقال له علي (عليه السلام). لقد حدثني خليلي إن علي كل طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك وإن علي كل طاقة من شعر من لحيتك شيطانا يغويك، وإن في بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وكان ابنه قاتل الحسين يومئذ طفلا يحبو وهو سنان بن أنسا لنخعي [1011] . وروي الحسن بن محبوب عن ثابت الثمالي عن سويد بن غفلة أن عليا (عليه السلام) خطب ذات يوم فقام رجل من تحت منبره فقال يا أمير المؤمنين إني مررت بوادي القري فوجدت خالد بن عرفطة قد مات فاستغفر له فقال (عليه السلام) والله ما مات ولا يموت حتي يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن حمار فقام رجل آخر من تحت المنبر فقال يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن حمار وإني لك شيعة ومحب فقال أنت حبيب بن حمار قال نعم فقال له ثانية والله إنك لحبيب بن حمار فقال إي والله قال أما والله إنك لحاملها ولتحملنها ولتدخلن بها من هذا الباب وأشار إلي باب الفيل بمسجد الكوفة قال ثابت فوالله ما مت حتي رأيت ابن زياد وقد بعث عمر بن سعد إلي الحسين بن علي (عليه السلام) وجعل خالد بن عرفطة علي مقدمته وحبيب بن حمار صاحب رايته فدخل بها من باب الفيل [1012] . وروي محمد بن جبلة الخياط عن عكرمة عن زيد الأحمسي أن عليا (عليه السلام) كان جالسا في مسجد الكوفة بين يديه قوم منهم عمرو بن حريث إذ أقبلت امرأة مختمرة لا تعرف فوقفت فقالت لعلي (عليه السلام) يا من قتل الرجال وسفك الدماء وأيتم الصبيان وأرمل النساء فقال (عليه السلام) وإنها [ صفحه 534] لهي هذه السلقلق الجلعة المجعة [1013] وإنها لهي هذه شبيهة الرجال والنساء التي ما رأت دما قط قال فولت هاربة منكسة رأسها فتبعها عمرو بن حريث. فلما صارت بالرحبة قال لها والله لقد سررت بما كان منك اليوم إلي هذا الرجل فادخلي منزلي حتي أهب لك وأكسوك فلما دخلت منزلة أمر جواريه بتفتيشها وكشفها ونزع ثيابها لينظر صدقه فيما قاله عنها فبكت وسألته أن لا يكشفها وقالت أنا والله كما قال لي ركب النساء وأنثيان كأنثي الرجال وما رأيت دما قط فتركها وأخرجها ثم جاء إلي علي (عليه السلام) فأخبره فقال إن خليلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) أخبرني بالمتمردين علي من الرجال والمتمردات من النساء إلي أن تقوم الساعة. وروي عثمان بن سعيد عن يحيي التيمي عن الأعمش عن إسماعيل بن رجا قال قام أعشي باهلة وهو غلام يومئذ حدث إلي علي (عليه السلام) وهو يخطب ويذكر الملاحم، فقال: يا أمير المؤمنين ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة فقال (عليه السلام) إن كنت آثما فيما قلت يا غلام فرماك الله بغلام ثقيف، ثم سكت، فقام رجال وقالوا: ومن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين؟ قال: غلام يملك بلدتكم هذه لا يترك لله حرمة إلا انتهكها، يضرب عنق هذا الغلام بسيفه، فقالوا: كم يملك يا أمير المؤمنين؟ قال: عشرين إن بلغها، قالوا: فيقتل قتلا أم يموت موتا؟ قال: بل يموت حتف أنفه بداء البطن يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه، قال إسماعيل بن رجا: فوالله لقد رأيت بعيني أعشي باهلة وقد أحضر في جملة الأسري الذين أسروا من جيش عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بين يدي الحجاج، فقرعه ووبخه، واستنشده شعره الذي يحرض فيه عبد الرحمن علي الحرب، ثم ضرب عنقه [ صفحه 535] في ذلك المجلس [1014] . روي محمد بن علي الصواف عن الحسين بن سفيان عن أبيه عن شهر بن سدير الأزدي قال: قال علي لعمرو بن الحمق الخزاعي: أين نزلت يا عمرو؟ قال: في قومي قال: لا تنزلن فيهم، قال: فأنزل في بني كنانة جيراننا، قال: لا قال: فأنزل في ثقيف، قال: فما تصنع بالمعرة والمجرة قال: وما هما؟ قال: عنقان من نار يخرجان من ظهر الكوفة يأتي أحدهما علي تميم وبكر بن وائل، فقل ما يفلت منه أحد، ويأتي العنق الآخر فيأخذ علي الجانب الآخر من الكوفة فقل من يصيب منهم، إنما تدخل النار فتحرق البيت والبيتين قال: فأين أنزل؟ قال: انزل في بني عمرو بن عامر من الأزد، قال: فقال قوم حضروا هذا الكلام: ما نراه إلا كاهنا يتحدث بحديث الكهنة، فقال: يا عمرو إنك لمقتول بعدي وإن رأسك لمنقول وهو أول رأس نقل في الإسلام، والويل لقاتلك، أما إنك لا تنزل بقوم إلا أسلموك برمتك إلا هذا الحي من بني عمر بن عامر من الأزد فإنهم لن يسلموك ولن يخذلوك، قال: فوالله ما مضت الأيام حتي تنقل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في بعض أحياء العرب خائفا مذعورا حتي نزل في قومه من بني خزاعة فأسلموه فقتل، وحمل رأسه من العراق إلي معاوية بالشام وهو أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلي بلد [1015] .

جويرية بن مصهر العبدي

وروي إبراهيم بن ميمون الأزدي عن حبة العرني قال: كان جويرية بن مصهر العبدي صالحا، وكان لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) صديقا، وكان علي يحبه، ونظر يوما إليه وهو يسير فناداه: يا جويرية الحق بي فإني إذا رأيتك هويتك، قال إسماعيل بن أبان فحدثني الصباح عن مسلم العرني قال: [ صفحه 536] سرنا مع علي (عليه السلام) يوما فالتفت فإذا جويرية خلفه فناداه: يا جويرية الحق بي لا أبا لك ألا تعلم أني أهواك وأحبك؟ قال: فركض نحوه فقال له: إني محدثك بأمور فاحفظها، ثم اشتركا في الحديث سرا فقال له جويرية: يا أمير المؤمنين إني رجل نسي فقال: أنا أعيد عليك الحديث لتحفظه، ثم قال له في آخر ما حدثه إيه: يا جويرية أحب حبيبنا ما أحبنا فإذا أبغضنا فأبغضه، وأبغض بغيضنا ما أبغضنا فإذا أحبنا فأحبه، قال: فكان ناس ممن يشك في أمر علي (عليه السلام) يقولون: أتراه جعل جويرية وصيه كما يدعي هو من وصية رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: يقولون ذلك لشدة اختصاصه به حتي دخل علي علي (عليه السلام) يوما وهو مضطجع وعنده قوم من أصحابه فناداه جويرية: أيها النائم استيقظ فلتضربن علي رأسك ضربة تخضب منها لحيتك، قال: فتبسم أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: وأحدثك يا جويرية بأمرك، أما والذي نفسي بيده لتقبلن إلي العتل الزنيم فليقطعن يدك ورجلك وليصلبنك تحت جذع كافر قال: فوالله ما مضت الأيام علي ذلك حتي أخذ زياد جويرية فقطع يده ورجله وصلبه إلي جانب جذع بن مكعبر، وكان جذعا طويلا فصلبه علي جذع قصير إلي جانبه [1016] .

ميثم التمار

وروي إبراهيم في كتاب الغارات عن أحمد بن الحسن الميثمي قال: كان ميثم التمار مولي علي بن أبي طالب عبدا لامرأة من بني أسد فاشتراه علي (عليه السلام) منها وأعتقه، وقال له: ما اسمك؟ فقال: سالم، فقال: إن رسول الله أخبرني أن اسمك الذي سماك به أبوك في العجم ميثم، فقال: صدق الله ورسوله وصدقت يا أمير المؤمنين فهو والله اسمي، قال: فارجع إلي اسمك ودع سالما فنحن نكنيك به، فكناه أبا سالم قال: وقد كان [ صفحه 537] قد اطلعه علي (عليه السلام) علي علم كثير وأسرار خفية من أسرار الوصية، فكان ميثم يحدث ببعض ذلك فيشك فيه قوم من أهل الكوفة وينسبون عليا (عليه السلام) في ذلك إلي المخرفة والايهام والتدليس، حتي قال له يوما بمحضر من خلق كثير من أصحابه وفيهم الشاك والمخلص: يا ميثم إنك تؤخذ بعدي وتصلب فإذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك وفمك دما حتي يخضب لحيتك فإذا كان اليوم الثالث طعنت بحربة يقضي عليك فانتظر ذلك والموضع الذي تصلب علي باب دار عمرو بن حريث إنك لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة يعني الأرض ولأرينك النخلة التي تصلب علي جذعها ثم أراه إياها بعد ذلك بيومين، وكان ميثم يأتيها فيصلي عندها ويقول: بوركت من نخلة لك خلقت ولي نبت، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل علي (عليه السلام) حتي قطعت فكان يرصد جذعها ويتعاهده ويتردد إليه ويبصره، وكان يلقي عمرو بن حريث فيقول له: إني مجاورك فأحسن جواري، فلم يعلم عمرو ما يريد فيقول له: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أم دار ابن حكيم؟ قال: وحج في السنة التي قتل فيها فدخل علي أم سلمة (رضي الله عنها) فقالت له: من أنت قال: عراقي، فاستنسبته فذكر لها أنه مولي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقالت: أنت هيثم قال: بل أنا ميثم، فقالت: سبحان الله، والله لربما سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يوصي بك عليا (عليه السلام)، في جوف الليل فسألها عن الحسين بن علي (عليه السلام)، فقالت: هو في حائط له، قال: أخبريه أني قد أحببت السلام عليه ونحن ملتقون عند رب العالمين إن شاء الله ولا أقدر اليوم علي لقائه وأريد الرجوع، فدعت بطيب فطيبت لحيته، فقال لها: أما إنها ستخضب بدم، فقالت: من أنبأك هذا؟ قال: أنبأني سيدي، فبكت أم سلمة وقالت له: إنه ليس بسيدك وحدك وهو سيدي وسيد المسلمين، ثم ودعته، فقدم الكوفة فأخذ وأدخل علي [ صفحه 538] عبيد الله بن زياد، وقيل له: هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب، قال: ويحكم هذا الأعجمي، قالوا: نعم، قال له عبيد الله: أين ربك، قال: بالمرصاد، قال: قد بلغني اختصاص أبي تراب بك، قال: قد كان بعض ذلك فما تريد؟ قال: وإنه ليقال إنه قد أخبرك بما سيلقاك، قال: نعم إنه أخبرني، قال: ما الذي أخبرك إني صانع بك؟ قال: أخبرني إنك تصلبني عاشر عشرة وأنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، قال: لأخالفنه، قال: ويحك كيف تخالفه إنما أخبر عن رسول الله، وأخبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) عن جبرئيل، وأخبر جبرئيل عن الله، فكيف تخالف هؤلاء؟ أما والله لقد عرفت الموضع الذي أصلب فيه أين هو من الكوفة، وإني لأول خلق الله ألجم في الإسلام بلجام كما تلجم الخيل، فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي، فقال ميثم للمختار وهما في حبس ابن زياد: إنك تفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين (عليه السلام) فتقتل هذا الجبار الذي نحن في حبسه، وتطأ بقدمك هذا علي جبهته وخديه، فلما أمر عبيد الله بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلي عبيد الله بن زياد يأمره بتخلية سبيله، وذاك أن أخته كانت تحت عبد الله بن عمر بن الخطاب فسألت بعلها أن يشفع فيه إلي يزيد فشفع، فأمضي شفاعته وكتب بتخلية سبيل المختار علي البريد وقد أخرج لتضرب عنقه فأطلق، وأما ميثم فأخرج بعده ليصلب، وقال عبيد الله: لأمضين حكم أبي تراب فيه، فلقيه رجل فقال له ما كان أغناك عن هذا يا ميثم فتبسم، وقال لها خلقت ولي غذيت فلما رفع علي الخشبة اجتمع الناس حوله علي باب عمرو بن حريث، فقال عمر: ولقد كان يقول لي إني مجاورك فكان يأمر جاريته كل عشية أن تكنس تحت خشبة وترشه وتجمر بالمجمر تحته، فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم ومخازي بني أمية وهو مصلوب علي الخشبة، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، فقال: الجموه، [ صفحه 539] فكان أول خلق الله الجم في الإسلام، فلما كان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دما، فلما كان في اليوم الثالث طعن بحربة فمات، وكان قتل ميثم قبل قدوم الحسين (عليه السلام) العراق بعشرة أيام [1017] .

رشيد الهجري

قال إبراهيم: وحدثني إبراهيم بن العباس النهدي قال حدثني مبارك البجلي عن أبي بكر بن عياش قال: حدثني مجالد عن الشعبي عن زياد بن النضر الحارثي قال: كنت عند زياد وقد أتي برشيد الهجري وكان من خواص أصحاب علي (عليه السلام) فقال له زياد: ما قال خليلك لك إنا فاعلون بك؟ قال: تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني، فقال زياد: أما والله لأكذبن حديثه، خلوا سبيله، فلما أراد أن يخرج قال ردوه لا نجد شيئا أصلح مما قال لك صاحبك إنك لا تزال تبغي لنا سوءا إن بقيت اقطعوا يديه ورجليه، فقطعوا يديه ورجليه وهو يتكلم فقال: اصلبوه خنقا في عنقه، فقال رشيد: قد بقي لي عندكم شئ ما أراكم فعلتموه، فقال زياد: اقطعوا لسانه فلما أخرجوا لسانه ليقطع قال: نفسوا عني أتكلم كلمة واحدة فنفسوا عنه، فقال هذا والله تصديق خبر أمير المؤمنين (عليه السلام) أخبرني بقطع لساني فقطعوا لسانه وصلبوه [1018] .

مزرع صاحب علي

وروي أبو داود الطيالسي عن سليمان بن زريق عن عبد العزيز بن صهيب قال حدثني أبو العالية قال: حدثني مزرع صاحب علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: ليقبلن جيش حتي إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، قال أبو العالية: فقلت له إنك لتحدثني بالغيب! فقال: احفظ ما أقوله لك فإنما حدثني به الثقة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وحدثني أيضا شيئا [ صفحه 540] آخر: (ليؤخذن رجل فليقتلن وليصلبن بين شرفتين من شرف المسجد) فقلت: إنك لتحدثني بالغيب! فقال: احفظ ما أقول لك، قال أبو العالية: فوالله ما أتت علينا جمعة حتي أخذ مزرع فقتل وصلب بين شرفتين من شرف المسجد [1019] . وروي محمد بن موسي العنزي قال: كان مالك بن ضمرة الرواسي من أصحاب علي (عليه السلام) وممن استبطن من جهته علما كثيرا وكان أيضا قد صحب أبا ذر فأخذ من علمه وكان يقول في أيام بني أمية: اللهم لا تجعلني أشقي الثلاثة، فيقال له: وما الثلاثة فيقول رجل يرمي من فوق طمار، ورجل تقطع يداه ورجلاه ولسانه ويصلب، ورجل يموت علي فراشه، فكان من الناس من يهزأ به ويقول: هذا من أكاذيب أبي تراب قال: وكان الذي رمي به من طمار هاني بن عروة، والذي قطع وصلب رشيد الهجري، ومات مالك علي فراشه [1020] .

مرور علي بكربلاء في طريقه إلي صفين

وقال نصر بن مزاحم: وحدثنا منصور بن سلام التميمي عن أبي عبيدة عن هرثمة بن سليم، قال: غزونا مع علي (عليه السلام) صفين فلما نزل بكربلاء صلي بنا فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال: واها لك يا تربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب، قال: فلما رجع هرثمة من غزاته إلي امرأته جرداء بنت شمير وكانت من شيعة علي (عليه السلام) حدثها هرثمة فيما حدث فقال لها: ألا أعجبك من صديقك أبي حسن لما نزلنا كربلاء وقد أخذ حفنة من ترابها فشمها وقال: واها لك أيتها التربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب وما علمه بالغيب فقالت المرأة له: دعنا منك أيها الرجل إن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا، قال: فلما بعث [ صفحه 541] عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلي الحسين (عليه السلام) كنت في الخيل الذي بعث إليهم، فلما انتهيت إلي الحسين وأصحابه عرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع علي (عليه السلام) والبقعة التي رفع إليه من تربتها والقول الذي قاله فكرهت مسيري، فأقبلت علي فرسي حتي وقفت علي الحسين (عليه السلام) فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل، فقال الحسين (عليه السلام) أمعنا أم علينا؟ فقلت: يابن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لا معك ولا عليك تركت ولدي وعيالي أخاف عليهم من ابن زياد؟ فقال الحسين: فول هربا حتي لا تري مقتلنا فوالذي نفس حسين بيده لا يري اليوم مقتلنا أحد ثم لا يعيننا إلا دخل النار، قال: فأقبلت في الأرض اشتد هربا حتي خفي علي مقتلهم [1021] . قال نصر: وحدثنا سعيد بن حكيم العبسي عن الحسن بن بكير عن أبيه: إن عليا (عليه السلام) أتي كربلاء فوقف بها فقيل له: يا أمير المؤمنين هذه كربلاء، فقال: ذات كرب وبلاء، ثم أومي بيده إلي مكان فقال: ها هنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم، ثم أومي بيده إلي مكان آخرفقال ها هنا مراق دمائهم ثم مضي إلي ساباط [1022] . وروي قيس بن الربيع عن يحيي بن هاني المرادي عن رجل من قومه يقال له: زياد بن فلان، قال: كنا في بيت مع علي نحن وشيعته وخواصه فالتفت فلم ينكر منا أحدا، فقال: إن هؤلاء القوم سيظهرون عليكم فيقطعون أيديكم، ويسملون أعينكم، فقال له رجل منا: وأنت حي يا أمير المؤمنين، قال: أعاذني الله من ذلك، فالتفت فإذا واحد يبكي فقال له: يابن الحمقاء أتريد اللذات في الدنيا والدرجات في الآخرة إنما وعد الله [ صفحه 542] الصابرين جميع ذلك ذكره ابن أبي الحديد في كتابه [1023] وذكر غيره من هذا الباب أضعافه فلنقتصر علي ما ذكرناه لحصول الغرض به إذ لا منكر لهذا الأمر من مطلعي الخصوم، وإذا كان علي (عليه السلام) ادعي الإمامة وظهر المعجز علي يديه وجب أن يكون إماما، لأنا قدمنا أن الإمامة تثبت بالمعجز كما تثبت به النبوة. وأجاب القوشجي عن هذا بعد اعترافه بصحته: بأنا لا نسلم أنه ادعي الإمامة قبل أبي بكر ولو سلم فلا نسلم ظهور تلك الأمور في مقام التحدي. أقول هذا الجواب تشبيه علي الواضحات وتغطية للظاهرات فإن ادعاء علي (عليه السلام) الإمامة بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) واحتجاجه علي الصحابة وتظلمه منهم إذ منعوه عن الخلافة بين مشهور، وظاهر غير مستور، بل من متواترات الأمور، وقد سبق بيانه وسطع في كلامنا المتقدم برهانه، وأشرقت شموسه وزهر تبيانه بحيث لا ينكره إلا جاهل جاحد أو متعصب معاند. وأما معجزاته، فمنها ما هو جار علي سبيل الارهاص وهي التي في زمان النبي (صلي الله عليه وآله) وأكثرها واقع بعد دعواه الإمامة فيكون مقرونا بالتحدي، وكم كان يستدل علي إمامته بذلك مثل قوله: (سلوني قبل أن تفقدوني) [1024] وقوله وهو شابك يديه علي بطنه: (هذا سفط العلم [ صفحه 543] هذا لعاب رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقوله (عليه السلام) أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه) وقوله ما مضمونه إن الله تعالي قال في طالوت: [إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم] [1025] فأوجب له التقدم عليهم بذلك، فهل ترون لمعاوية زيادة علي علي في العلم والجسم، ويكفي في ذلك قوله لأبي بكر وأصحابه: (فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم أما كان منا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بالسنة، المطلع بأمر الرعية، والله إنه لفينا) أفليس هذا القول منه صريحا في دعواه الإمامة دون كل الناس وتحديهم بالعلم وغيره، لكن الإعراض عن الحق والانصراف عن الحجة داء لا دواء له، والله المستعان علي ما يصفون، فظهر لك صحته ما قلناه واندفاع جوابه، وأنت أيها الناظر المنصف إذا تأملت فيما حررناه وتبصرت فيما سطرناه تبين لك أن مذهب الإمامية هو الحق الذي يحق اتباعه، قد أيدته الآيات القرآنية، ونصرته الأخبار النبوية، وعضدته الأدلة الاعتبارية؟ وساعدته البراهين العقلية، والحمد لله علي هدايته إيانا للحق الواضح والطريق القويم وتوفيقه إيانا لنهج الصواب. [ صفحه 545]

لماذا قعد علي عن المطالبة بحقه

إن قال قائل: إنكم حكمتم بأن عليا (عليه السلام) هو إمام الحق بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بنصه عليه وأنهم قد ظلموه وردوا نص النبي (صلي الله عليه وآله) عليه بغير حجة ولا برهان، وهذا عندكم رجوع علي الأعقاب وخروج من الحق إلي الضلال، فما الذي منع أمير المؤمنين من قتلهم وقتالهم مع أنه عندكم أشجع الخلق، وغيركم أيضا مقر بشجاعته وأنتم تقولون لو قاتله أهل الأرض كلهم لغلبهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب؟ فإذ حكمتم بضلالهم لزمكم الحكم بخطأ علي (عليه السلام) في ترك جهادهم، وعدوله عن قتالهم كما فعل بالناكثين والقاسطين والمارقين، والحكم بصحة ما فعلوه قلنا له، لهذا السؤال وجوه متعددة من الأجوبة كل منها كاف في دفعه وشاف في رفعه. الأول أن عليا (عليه السلام) عندنا كما ذكرت من الشجاعة إلا أنه مع ذلك لا يمكنه الجهاد بنفسه ولا القتال بمفرده لأنه بشر مكلف، وله شواغل من الضروريات البدنية كالنوم والأكل والشرب وغيرها وله شواغل من لوازم التكليف كالصلاة والصوم وغيرهما، ويشغله شأن عن شأن والنوم والصلاة والأكل والشرب من الضروريات واللوازم الدائمة المستمرة علي الإنسان لا يخلو منها في اليوم والليلة أبدا، فليس بمنكر من القوم لو قاتلهم بنفسه أن [ صفحه 546] يفروا عنه في وقت تجرده لجلادهم ولا يلاقوه في معركة النزال ويتربصوا به ساعة شغله ووقت تلبسه بما يمنعه من مدافعة خصمه وكف عدوه كالصلاة والنوم فينتهزوا فيه الفرصة ويدركوا من قتله الإرب لعلمهم أنه واحد لا حارس له ولا ممانع عنه، وقد علمت أن عبد الرحمن بن ملجم قتله في صلاته مع علو كلمته واستمداد سلطنته، وانقياد جيوش المسلمين إلي أمره، ووقوفهم علي حدود طاعته، لا سيما في مثل تلك الأيام من زمان خلافته فإنه اجتمعت إليه كلمة أصحابه واستقام له أودهم، فجمع الجموع وعقد الرايات ليسير بهم إلي حرب معاوية ولم تكن بسطة يده وكثرة جنده مانعة من قتله في وقت اشتغاله بصلاته، فكيف وهو واحد متفرد بنفسه وليس ابن ملجم بأجرأ عليه من خالد بن الوليد والوليد بن عقبة وطلحة وعمرو بن العاص وأسيد بن حضير وسالم مولي أبي حذيفة وأضرابهم وأشباههم ولا بأشجع من أحدهم، ولا أشد بغضا لعلي (عليه السلام) وحقدا عليه من واحد منهم، فلا امتناع من اقتحام بعض هؤلاء أو غيرهم أو جماعة منهم عليه وقت نومه أو صلاته فيقتل حينئذ ولا مانع من أن ينازلوه أيضا فتلاقيه منهم شرذمة وتأتي من ورائه طائفة وقوم عن يمينه وآخرون عن شماله فيبلغون فيه الغرض، وهو مشغول بجلاد الفرقة التي هي أمامه وجائز أيضا أن يلجئوا عند حملته عليهم إلي الدور، ويغلقوا الأبواب فيرمونه من أعلا السطوح بالسهام والحجارة من كل الجوانب فيصيبوه قبل أن يصل إليهم، وكل هذا ممكن غير ممتنع وقريب غير بعيد، فعلي هذا يكون قتاله إياهم منفردا تغريرا بنفسه وإلقاء بيده إلي التهلكة، وذلك غير جائز شرعا ومن المعلوم المقرر عند أهل العلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واسترجاع المظلمة من الظالم يسقط وجوبه عند حصول الظن القوي بوصول الضرر إلي النفس فكيف مع تيقنه؟ فلذلك لم يجز لأمير المؤمنين (عليه السلام) أن يقاتل القوم وهو واحد، بل الواجب عليه الكف حتي يحصل التمكن ففعل ما وجب عليه؟؟ [ صفحه 547] الثاني إنا وإن قلنا في علي (عليه السلام) من الشجاعة ما قلنا إلا أنه لم يقل منا أحد بأنه أقوي بأسا من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، ولا أمضي منه عزيمة في إنفاذ أمر الله، وقد علمت أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد بقي في مكة ثلاث عشرة سنة من بعد المبعث وهو يؤذي ويشتم ويكذب ويرتكب منه القبيح ويطلب قتله مع وجود جماعة عنده قد اتبعوه ومنهم علي (عليه السلام) لكن لا يقومون بقتال أعدائه فلم يكلفه الله بجهاد ولا أمره بقتال، بل أمره بالكف وذم من أراد فتح باب الحرب هناك من أصحابه بقوله تعالي: [ألم تر إلي الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة فلما كتب عليهم القتال تولوا] [1026] الآية فلما وجد الأعوان وحصل الناصر بعد الهجرة أمره الله بقتالهم، فرسول الله (صلي الله عليه وآله) أسوة [1027] لأمير المؤمنين (عليه السلام) يجب عليه الكف عند عدم الناصر والجهاد في طلب حقه عند وجود المعاون، لم يكن الله ليكلفه بما لم يكلف به النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيوجب عليه القتال بنفسه منفردا، ولو جاز ذلك لوجب أن يكون أفضل من النبي (صلي الله عليه وآله) لأن شدة المشقة في التكليف توجب زيادة الثواب وهذا باطل عندنا، واعتقاده كفر صريح، بل المحقق أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أفضل المخلوقات، وأن تكليفه أشد مشقة من تكليف علي كوجوب المجاهرة بالحق، ورفع التقية، ووجوب صلاة الليل عليه، وغير ذلك من خصائصه المذكورة في كتب الفقه قال علي (عليه السلام) (إنما أنا عبد لمحمد) لما قال له يهودي أنبي أنت؟ وعلي (عليه السلام) لم يقعد عما وجب عليه فإنه طلب الناصر علي ظالميه واستصرخ الناس للمعونة علي [ صفحه 548] غاصبيه كما صح باتفاق النقل من طريق الرواية فلما لم يجد معينا يعينه، ولم يظفر بمساعد يساعده كف متأسفا وأغضي حزينا، ألا تراه كيف يقول: (فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، وأغضيت علي القذي وشربت علي الشجي [1028] وأقواله في هذا المعني كثيرة قد تقدم جملة منها، فلم يزل كافا وهو يتجرع الغيظ والغصص كما كف النبي (صلي الله عليه وآله) عن قتال أهل مكة قبل الهجرة إلي أن وجد الأعوان علي الحق بعد قتل عثمان فبادر إلي قتال من أراد إحياء الضلال، واتخاذ دين الله عوجا، مشمر الذيل ماضي العزيمة، كادحا نفسه في إعلاء كلمة الله، باذلا جهده في إقامة عمود الدين، مستفرغا وسعه في إزالة الفساد من الأرض، ألا تسمع قوله: (والله لا أكون كالضبع تنام علي اللدم حتي يصل إليها طالبها ويختلها راصدها، ولكني أضرب بالمقبل إلي الحق المدبر عنه، وبالسامع المطيع العاصي المريب أبدا حتي يأتي علي يومي) [1029] فكفه أولا ليس إلا لعدم وجود الناصر، وقتاله أخيرا لم يكن إلا لوجوده المعين، وما كان كفه عن قتال الأولين تصويبا لهم فيما ارتكبوه، ولا تصحيحا لما فعلوه، ومما يوضح هذا المعني ويؤكده أن عليا (عليه السلام) مع مضي عزيمته وإجماعه علي قتال معاوية كف عن قتاله بعد رفع المصاحف في صفين مع علمه وتصريحه لصحبه أن معاوية وأهل الشام لم يريدوا حكمها وإنما رفعوها خديعة وذلك لمخالفة جماعة كثيرة من أصحابه أمره بالمضي في الجهاد وطلبهم الموادعة، وميلهم إلي المحاكمة، وما ذاك إلا لأن من بقي علي طاعته من أصحابه لا يقوم في ذلك الوقت بقتال الخارجين منهم عن الطاعة، وقتال أهل الشام، ثم كفه بعد تحكيم الحكمين عن قتال معاوية ومعاوية يغزوا أطرافه، ويشن الغارات علي أعماله، ويتغلب علي بعض بلاده كمصر [ صفحه 549] وغيرها لم يكن عدولا عن نيته في قتاله، ولا رجوعا عن إيثار قتاله، ولا ترددا في عزمه المصمم علي حربه، ولكن لانتكاث عزم أصحابه، وتكاسلهم عن إجابته، وتثاقلهم عن الخروج معه إلي حرب معاوية، لأنه كان يحثهم علي الشخوص، ويوبخهم علي القعود عن الجهاد، ويقرعهم أشد التقريع كقوله لهم: (يا أشباه الرجال ولستم بالرجال) [1030] وقوله: (وددت أن أصارف بكم معاوية أهل الشام مصارفة الدينار بالدرهم العشرة بواحد) [1031] وقوله (عليه السلام): (إذا دعوتكم إلي الجهاد في الصيف قلتم يمنعنا الحر، وإذا دعوتكم في الشتاء قلتم يمنعنا القر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون فأنتم من السيف أفر [1032] وغير ذلك من شديد أقواله فيهم، إلي أن أجابوه وأصفقوا إصفاقا واحدا علي طاعته فعقد الرايات وصمم العزم علي مناهضة معاوية بعد شهر رمضان فاغتاله ابن ملجم فتفرق الجمع، وتشتت الكلمة، ولله أمر هو بالغه فما حاله في أمره الأول والآخر إلا واحدة يجاهد الظلمة عند وجود الناصر، ويكف عنهم عند عدمه لا فرق بين حاليه ولقد كشف عن هذا المعني قوله في خطبه الشقشقية: (أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله علي العلماء ألا يقاروا علي كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها علي غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها) [1033] يقول لولا قيام الحجة علي من الله بوجود الناصر علي إقامة الحق وإني مكلف بها عند القدرة لتركت قتال الناكثين والقاسطين والمارقين كما تركت جهاد أئمتهم السابقين. الثالث إن عليا (عليه السلام) وإن كان علي ما هو عليه من الشجاعة [ صفحه 550] لكن لم يكن عليه القتال مفروضا بعد موت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلا وهو أمير متبع ورئيس مطاع، ولم يجز أن يكلف بالقتال منفردا، والسر في ذلك أنه لو قاتل وحده لكان السامع بأمره من الناس يجريه مجري اللص المحارب أو المفسد المشاغب ولم يكن أحد يتوهم أنه مصيب في فعله، ولا يذهب ذاهب إلي رشده في علمه، مع اتفاق الصحابة علي التقاعد عن نصرته، وخلود جملتهم إلي خذلانه، ولم يكن الله ليكلف وصي نبيه بما تتسرع العقول لأجله إلي الحكم بخطئه، وتعجل الأفهام بسببه إلي نسبته لارتكاب ما لا يحل له، بخلاف ما إذا نهض لجهاد القوم ومعه جماعة معروفون بالخير والصلاح من خيارا لصحابة يمنعون حوزته، ويجالدون بين يديه، فإن العقول تتسرع إلي اعتقاد إصابته الحق لقيام أولئك الرهط الأخيار دونه وبذلهم الجهد في طاعته وقتال مخالفه، وينضاف إلي ذلك ما يعلمونه من قربه من الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، وما طرق أذانهم من أقواله الجميلة فيه، فينشط إلي نصرته من يطلب الحق، ويدنو من إجابته من يحب الصدق، وأقل الأمور أن يكون الناس بين مصوب له وواقف متردد بين الأمرين، إلا أن الأكثر يكونون علي تصويبه كما جري له في أيام خلافته ليسرع إلي نصرته من صوبه، ويقف عن قتاله من تردد في أمره وهو (عليه السلام) طلب الناصر والمعين من ذوي السابقة فما أجابه إلا أربعة أو خمسة مما لا تحصل بهم الكفاية ويقتلون في أول المنازلة، فكان يقول: (لو وجدت أربعين ذوي عزم لناهضت القوم) وهذا هو السر في عدم إصغائه إلي قول أبي سفيان بن حرب إذ عرض عليه نصرته لعلمه بأن الغرض لا يحصل بمثله، وهذه الوجوه الثلاثة من جملة الأسرار التي لأجلها أوصاه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بالكف والصبر حتي يجد أربعين رجلا فصاعدا لا أقل من الأربعين، وتخصيص الأقل بالأربعين من الأسرار الغيبية لم أجد إلي معرفتها سبيلا إلا بالظن والتخمين، فعلمه مردود إلي أهله، فليس أمير المؤمنين [ صفحه 551] (عليه السلام) إذ لم يقاتل القوم بنفسه حين لم يجد الناصر مصوبا لهم ولا مرتكبا للمحظور بترك الانكار لما بيناه من لزوم القبح في تكليفه بالقتال منفردا فكان الواجب عليه إذ ذاك أن يصبر ويكف ففعل ما وجب عليه كما هو شأنه. الرابع إنه (عليه السلام) خاف من قتالهم بنفسه انمحاء دعوة الإسلام، وارتداد العرب وذلك أن الناس حديثو عهد بجاهلية، ولم يرسخ الإسلام في قلوبهم، علي أن أكثرهم إنما أسلموا كرها وأنهم إذ جاءهم خبر وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله) أظهر قوم الفرح، وارتدوا، وآخرون انتظروا حال أهل المدينة من الصحابة هل يكون فيهم بعد النبي (صلي الله عليه وآله) من يقوم بهذه الدعوة ويكون مطاعا متبوعا أم لا؟ فإن لم يصر أحد بهذه المثابة ارتدوا ظاهرا، والأقل منهم من هو متمسك بالاسلام بنية صحيحة إلا أن دوامها لا يكون إلا باستمرار الدين عند أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله)، ولا شك أن الجماعة الذين توثبوا علي أخذ حق أمير المؤمنين (عليه السلام) قد صحت عزائمهم في قتاله إن نازعهم في الأمر ولم يسالمهم، فيلزم حينئذ من قتالهم بنفسه إما قتله (عليه السلام) كما وجهناه في أول الوجوه، أو أن يبيدهم من جديد الأرض فتجد العرب إلي ارتدادها سبيلا وتتخذ هذا الأمر علي بطلان هذا الدين حجة ودليلا ويعود الأمر إلي الجاهلية الأولي، ويفسد ما أصلحه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وينهدم ما بناه في ثلاث وعشرين سنة في ساعة واحدة، وقد دل علي ذلك ما رواه ابن أبي الحديد من أن فاطمة (عليه السلام) حرضت أمير المؤمنين (عليه السلام) يوما علي النهوض والوثوب فسمع صوت المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال لها: أيسرك زوال هذا النداء من الأرض؟ قالت: لا قال: فإنه ما [ صفحه 552] أقول لك [1034] وقد ذكر (عليه السلام) ذلك كثيرا واعتذر لا عن تركه مناهضة القوم بخوف أن تقع ثلمة في الإسلام لا تلتئم في جملة من خطبه وكلماته كما هو مذكور في نهج البلاغة وغيره، ويكفي من ذلك هنا قوله في الخطبة التي رواها أبو الحسن المدائني عن عبد الله بن جنادة وهو: (أما بعد، فإنه لما قبض الله نبيه (صلي الله عليه وآله) قلنا، نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقنا طامع، إذ انبري لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا (صلي الله عليه وآله) فصارت الإمرة لغيرنا، وصرنا سوقة يطمع فينا الضعيف، ويتعزز علينا الذليل، فبكت الأعين منا لذلك، وخشنت الصدور، وجزعت النفوس، وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعود الكفر، ويبور الدين لكنا علي غير ما كنا لهم) [1035] الخطبة. وفي أخري رواها الكلبي: (إن الله لما قبض نبيه (صلي الله عليه وآله وسلم) استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة، فرأيت أن الصبر علي ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم، والناس حديثو عهد بالاسلام، والدين يمخض مخض الوطب يفسده أدني وهن يعكسه أقل خلق) [1036] الخطبة.. ذكرهما جميعا ابن أبي الحديد في شرحه وهما صريحتان فيما نقول من اغتصاب القوم حقه وميراثه، وإنه ترك قتالهم حذرا من زوال كلمة الإسلام، وعود الأمر إلي إنكار الربوبية والرسالة، ومن المتيقن أن إنكار الإمام مع الإقرار بالله وبالنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وإن أوجب الضلال إلا أنه أقل قبحا وأهون [ صفحه 553] ضررا من إنكار الجميع، فهو قد ترك قتالهم ارتكابا لأقل الضررين في الدين كما هو الواجب فيما إذا تعارض الضرران أن يرتكب أقلهما قبحا فأمير المؤمنين فعل ما هو تكليفه في ذلك الوقت بخلاف حاله في زمان خلافته، فإنه ليس هناك إلا إنكار الإمام والضرر الأعظم مأمون من وقوعه، فقاتل لرفع ذلك الضرر عن الدين، وهذا كله بخلاف ما لو وجد في أول الأمر أعوانا وأنصارا فإن كثيرا من الناس إذا رأوا انتصاره ينحازون إليه، ويكثرون عنده لأن الناس مع الظاهر الغالب ومن في نفسه شك أو ريبة تزول فتبقي الدعوة قائمة مستمرة، ومن ارتد من العرب بعث إليه من يقاتله من جنود المسلمين فيستقيم أمر الملة، ولا يحصل الضرر بزوال كلمة الإسلام، لكنه لم يجد الأنصار إذ طلبهم فكف وسكت حذرا من لزوم ذلك اللازم الأعظم ضررا علي الدين. الخامس ما روي عن سيدنا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) من طرقنا حين سأل ألم يكن علي (عليه السلام) قويا في بدنه قويا في أمر الله؟ فقال: بلي قيل: ما منعه أن يدفع أو يمتنع قال سألت فافهم الجواب، منع عليا (عليه السلام) من ذلك آية من كتاب الله فقيل وأية آية فقرأ: [لو تزيلوا] [1037] الآية إنه كان لله تعالي ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن علي (عليه السلام) ليقتل الآباء حتي تخرج الودائع فلما خرجت ظهر علي من ظهر وقتله وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتي تخرج ودائع الله، فإذا خرجت يظهر علي من يظهر فيقتله [1038] وفي هذا إشارة صريحة إلي أن عناية الله تعالي بإخراج المؤمن من حيز العدم إلي عالم الوجود التكليفي أشد من عنايته بقتل الكافر وإزالة كفره، كما أن عنايته [ صفحه 554] بحفظ المؤمن وحقن دمه أشد من عنايته بقتل الكافر، ولذا كف الله أيدي المسلمين من أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عن قتال أهل مكة، وأمره بالصلح لوجود رجال مؤمنين ونساء مؤمنات قد أخفوا إيمانهم فلم يتميزوا من الكفار، فلو كان ثم قتال لقتلوا وأصاب السبي النساء، فكان لآية المؤمنين والمؤمنات عن القتل والسبي أثر عند الله تعالي من قتل الكافرين، وسبي الكفارات فقال تعالي: [وهو الذي كف أيديهم عنكم] إلي قوله: [ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما] [1039] وإذا جاز النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ترك قتال الكفار لحفظ دم بعض المؤمنين، وصيانة بعض المؤمنات عن السبي، فأولي بأن يجوز لعلي (عليه السلام) ترك القتال لخروج تلك الذرية المؤمنين من أصلابهم، وهكذا لم تزل أفعاله (عليه السلام) تابعة لأفعال رسول الله في كل الأحوال، وهذا بحمد الله ظاهر بين، فزال بهذه الوجوه الإشكال وسقط السؤال، وذهب الإعضال، وتبين صدق مقالنا وحقية مذهبنا، وسلامة طريقتنا من التعسف والميل عن الصواب، والانحراف عن الصراط، وذلك بنعمة الله وفضله.

فائدة مهمة في الصلاة أيام مرض النبي

فائدة مهمة في بيان بطلان دعوي القوم أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أمر أبا بكر بالصلاة وذلك من ثلاث جهات. الأولي ما أشرنا إليه في مطاوي هذا الكتاب من إنكار أمير المؤمنين ذلك ونسبته صدور الأمر بالصلاة إلي عائشة من تلقاء نفسها من غير رضا من النبي (صلي الله عليه وآله) وقد روي الخصم [1040] عن جملة من أصحابه ذلك [ صفحه 555] عن أمير المؤمنين وصححوه عنه ورووا عنه أيضا أن قول رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (إنكن كصويحبات يوسف) في عائشة وحفصة حيث أمرت كل واحدة منهما بلالا أن يأمر أباها أن يصلي بالناس، يعني إن صويحبات يوسف كذبن عليه في رميهن له بإرادة الفاحشة وإن المرأتين كذبتا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) في تأمير أبويهما بالصلاة فإذا صح عندهم النقل بهذا كله عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كما هو عندنا وجب أن تكون دعوي أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) أبا بكر بالصلاة كاذبة لأن عليا (عليه السلام) ينكرها وهو لا ينكر حقا ولا يكذب صدقا لأنه مع الحق دائما بنص الرسول (صلي الله عليه وآله) لا ينكر ذلك ولا يرتاب فيه إلا من ليس بمؤمن ولا مسلم وحيث أن عليا أنكر صدور الأمر من رسول الله (صلي الله عليه وآله) لأبي بكر بالصلاة وجب أن يكون غير صادر ولا واقع وصح أن مدعيه مبطل. الثانية إنهم اتفقوا علي أن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة كانوا في بعث أسامة إلا ما كان من شاذ متعصب من الرواة لا يعبأ به وقد اتفقت رواياتهم علي أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد حثهم علي المسير ونهاهم عن التأخير كما قدمنا رواية ذلك، وهذا يدل علي عدم جواز الأمر من النبي (صلي الله عليه وآله) لأبي بكر بالصلاة وذلك إن أمر الحاضرين بالصلاة خلف رجل يقتضي يقينا كونه حاضر البلد متمكنا شرعا وعقلا من حضور المسجد غير ممنوع بشئ من الموانع، وليس يجوز ولا يعقل أن يأمر الحاضرون بالصلاة خلف رجل غير حاضر البلد، ولا متمكن من الحضور حالة الأمر في المسجد، لأنه قد وجب عليه السفر شرعا فهو ممنوع من حضور المسجد، فلو ترك الرحيل وحضر البلد لكان عاصيا وإذا كان النبي (صلي [ صفحه 556] الله عليه وآله وسلم) قد أمر أبا بكر بالنفوذ كغيره في جيش أسامة ونهاهم عن تأخير المسير، وحثهم علي تعجيل الرحيل، ولعن المتخلف من المأمورين عن الجيش، وعلم أنهم خرجوا من المدينة فكيف يجوز أن يصدر منه الأمر بصلاة حاضري البلد خلف ذلك الرجل المسافر الذي أوجب عليه في تلك الحال مفارقة البلد والبعد عنها وأي عاقل يخفي عليه التناقض الشديد والتمانع البعيد بين الأمرين، وأي فطن يجوز صدور مثل هذا التناقض من عاقل فكيف يصدر عن سيد المرسلين وأفضل المخلوقين حيث يقول لحاضري المدينة صلوا في مسجدي خلف فلان الذي أوجبت عليه المسير حالة الصلاة إلي الشام ونهيته عن اللبث في المدينة أو يقول للرجل الذي هذا حاله أحضر وقت الصلاة في المسجد وصل بالناس وقد حرمت عليك في ذلك الوقت دخول المدينة مضافا إلي أن رواياتهم مصرحة بأن أبا بكر وعمر كانا خارج المدينة في الوقت الذي ادعوا أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أمر أبا بكر بالصلاة فيه ففي الرواية التي قدمناها بعد قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (نفذوا بعث أسامة لعن الله من تخلف عنه) ويكرر ذلك ما نصه فخرج أسامة واللواء علي رأسه والصحابة بين يديه حتي إذا كان بالجرف [1041] نزل ومعه أبو بكر وعمر وأكثر المهاجرين ومن الأنصار أسيد بن حضير [1042] وبشير بن سعد وغيرهم من الوجوه فجاءه رسول أم أيمن يقول له ادخل فإن رسول الله (صلي الله عليه وآله) يموت فقام من فوره فدخل المدينة [ صفحه 557] واللواء معه، فجاء به حتي ركزه بباب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ورسول الله قد مات في تلك الساعة، فما كان أبو بكر وعمر يخاطبان أسامة إلي أن ماتا بالأمير [1043] وفي رواية أخري رواها ابن أبي الحديد أيضا وفيها بعد ذكر طعن القوم علي النبي (صلي الله عليه وآله) في تأمير أسامة علي جلة الصحابة وخروج النبي (صلي الله عليه وآله) بعد أن بلغه ذلك عنهم وخطبته فيهم وما قال فيها: (لأن طعنتم في تأميري أسامة فقط طعنتم في تأميري أباه من قبل) [1044] في كلام مر في أبحاث هذا الكتاب ما هذا لفظه: وجاء المسلمون يودعون رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويمضون إلي عسكر أسامة بالجرف، وثقل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) واشتد ما يجده فأرسل بعض نسائه إلي أسامة وبعض من كان معه يعلمونهم ذلك، فدخل أسامة من معسكره والنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مغمور وهو اليوم الذي لدوه فيه فتطأطأ أسامة عليه فقبله ورسول الله (صلي الله عليه وآله) قد اسكت فهو لا يتكلم فجعل يرفع يديه إلي السماء ويضعهما علي أسامة كالداعي له، ثم أشار إليه بالرجوع إلي عسكره والتوجه لما بعثه فيه فرجع أسامة إلي عسكره، ثم أرسل نساء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي أسامة يأمرنه بالدخول ويقلن إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد أصبح بارئا، فدخل أسامة من معسكره يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول فوجد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مفيقا فأمره بالخروج، وتعجيل النفوذ، وقال: (اغد علي بركة الله) وجعل يقول: (أنفذوا بعث أسامة) ويكرر ذلك فودع رسول الله وخرج ومعه أبو بكر وعمر، فلما ركب جاء رسول أم أيمن فقال إن رسول الله [ صفحه 558] (صلي الله عليه وآله) يموت فأقبل ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة فانتهوا إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) حين زالت الشمس من هذا اليوم وهو الاثنين وقد مات واللواء مع بريدة بن الحصيب [1045] فدخل باللواء فركزه عند باب رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو مغلق، وعلي (عليه السلام) وبعض بني هاشم مشتغلون بإعداد جهازه [1046] ، وذكر في آخر الخبر إقعاد الأنصار سعدا في السقيفة للبيعة، وسبق أبي بكر إياهم [1047] بها، وهذان الخبران مشهوران معلومان خصوصا عند الخصوم، وهما كما تري مصرحان بأن أبا بكر أقبل قبل أن يثقل مرض النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وفي حال ثقله وحال موته كان خارج المدينة، وأنه لا يدخل إلا أحيانا مع أسامة بن زيد ويخرج معه فكيف يأمره النبي (صلي الله عليه وآله) أن يصلي بالناس في المسجد وهو قد أمره أن يأتم بأسامة خارج المدينة، وفي الطريق التي أمرهم بسلوكهم ذهابا وإيابا أفيأمره بذا في حالة أمره بأن يؤم الناس في المسجد، وهل يسع أن يقع مثل هذا التضاد والتعاند في أوامر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) الحكيم مع استلزامه تكليف ما لا يطاق، وكل ذلك لا يجري علي مذهب المعتزلة ولا يتمشي علي قواعدهم وهذا يدل صريحا علي بطلان ما ادعاه ابن أبي الحديد من أن أبا بكر كان يصلي بالناس [ صفحه 559] في مسجد النبي (صلي الله عليه وآله) والنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مريض يومين حتي قبض (صلي الله عليه وآله) [1048] ، ولم يكن صلي إلا صلاة واحدة فقط ولا أدري متي صدر الأمر من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي أنه وقت الأمر المدعي غير حاضر المسجد ولا هو داخل المدينة! وإنما هو خارج منها ونازل بالجرف ملزوم بالصلاة خلف أسامة، ولا أدري من أخذوه ويعلم من هذا بطلان ما ذكره بعض محدثيهم من أن أبا بكر ليس في جيش أسامة لأن تلك الرواية مع معارضتها ما صح عند أكثرهم كما سمعته قد تضمنت أن أبا بكر كان معروفا بأنه خليفة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قبل موته وأنه بويع والنبي (صلي الله عليه وآله) حي وهذا مخالف لما صح عليه الاتفاق من الأمة أن بيعة أبي بكر إنما وقعت في السقيفة بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله) فكيف تصح الرواية المخالفة لاتفاق الأمة، ويبطل أيضا ما ذكره قاضي القضاة من استدلاله علي أن أبا بكر ليس في جيش أسامة بأن النبي (صلي الله عليه وآله) أمره بالصلاة وهو رد للروايات الصحيحة بالمشكوك فيه واستدلال بالموهوم علي بطلان المعلوم، وليس الاستدلال علي أن أبا بكر ليس في بعث أسامة بأن رسول الله أمره بالصلاة بأولي من الاستدلال علي أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يأمره بها بأنه في ذلك البعث إن لم يكن هذا أولي، ثم واعجباه من عبد الحميد المعتزلي في عدم اكتفائه لأبي بكر بصلاة واحدة كغيره من الأقوام حتي ادعا له ما سمعت بعد روايته لذينك الخبرين فما أكذب دعواه وما أشد تلبيسه، وأعظم تدليسه وما أكثر تلاعبه بدينه وحمايته علي باطله، وما أمضي عزيمته في تصحيح الأباطيل والأضاليل، وليس هذا بأغرب من دعواه أن روح الله عيسي بن مريم (عليه السلام) كان يشرب الخمر، وكم له مثل هذه الدعاوي. [ صفحه 560] وم ومما يعجبني من كلامه في هذا المقام ما أورده في موضع من كتابه بعد نقل رواية رواها هناك، وأنا أذكرها وأذكر كلامه بعدها في مطلبنا هذا ليتضح للناظر صحة ما قلناه من أن هذا الرجل يعدل عن الحق علي عمد وينصرف عن الصواب علي معرفة ويدخل في الباطل بغير شبهة. قال روي الأرقم بن شرحبيل قال سألت ابن عباس: هل أوصي رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟ قال: إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال في مرضه: (ابعثوا إلي علي فادعوه) فقالت عائشة: لو بعثت إلي أبي بكر، وقالت حفصة: لو بعثت إلي عمر فاجتمعوا عنده جميعا هكذا لفظ الخبر علي ما أورده الطبري في التاريخ [1049] ولم يقل فبعث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إليهما قال ابن عباس: فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (انصرفوا فإن تكن لي حاجة أبعث إليكم) فانصرفوا، وقيل لرسول الله (صلي الله عليه وآله) الصلاة فقال: (مروا أبا بكر أن يصلي بالناس) فقالت عائشة إن أبا بكر رجل رقيق فمر عمر، فقال مروا عمر فقال عمر ما كنت لأتقدم وأبو بكر شاهد، فتقدم أبو بكر فوجد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) خفا فخرج فلما سمع أبو بكر حركته تأخر فجذب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ثوبه فأقامه مكانه وقعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقرأ حيث انتهي أبو بكر قلت [1050] عندي في هذه الواقعة كلام ويعترضني فيها شكوك واشتباه إذا كان قد أراد أن يبعث إلي علي عليه السلام) ليوصي إليه فنفست عائشة فسألت أن يحضر أبوها، ونفست حفصة فسألت أن يحضر أبوها ثم حضرا ولم يطلبا فلا شبهة أن [ صفحه 561] ابنتيهما طلبتاهما، هذا هو الظاهر، وقول رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقد اجتمعوا كلهم عنده: (انصرفوا فإن تكن لي حاجة بعثت إليكم) قول من عنده ضجر وغضب باطن لحضورهما وتهمة للنساء في استدعائهما فكيف يطابق هذا الفعل وهذا القول ما روي أن عائشة قالت: لما عين أبوها للصلاة إن أبي رجل رقيق فمر عمر وأين ذلك الحرص من هذا الاستعفاء والاستقالة؟ وهذا يوهم صحة ما تقوله الشيعة من أن صلاة أبي بكر كانت عن أمر عائشة وإن كنت لا أقول بذلك ولا أذهب إليه، إلا أن تأمل هذا الخبر ولمح مضمونه يوهم ذلك هذا كلامه وهو مصرح بإرادة النبي (صلي الله عليه وآله) الوصية إلي علي (عليه السلام) وباستفادته من الخبر مع ذلك صحة ما تقوله الشيعة من أن صلاة أبي بكر كانت عن أمر عائشة، ثم يقول: أن لا يقول بذلك ولا يذهب إليه، وانظر إلي قوله: إن قول رسول الله (صلي الله عليه وآله) (انصرفوا) إلي أن قال: قول من عنده ضجر وغضب باطن لحضورهما وتهمة للنساء في استدعائهم، ثم هو يقول برضا رسول الله (صلي الله عليه وآله) بخلافتهما ورضاه عن بنتيهما ومن يضجر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ويغضب من حضوره لئلا يسمع وصيته علي شخص آخر ويتهم من أحضره كيف يأمره بالصلاة بالناس وكيف يرض بتخلفه من بعده علي أمته، وكيف يكون راضيا علي من أحضره، وهذا يدلك علي أن هذا الرجل وأشباهه يتركون العمل بأخبارهم إذا وافقت أقوال أئمتنا (عليهم السلام) ومذاهب أصحابنا، ويضربون عنها صفحا، ولولا ذلك لما قال بعد فهمه صحة قولنا من الخبر أنه لا يقول به ولا يذهب إليه وهذه الطريقة بعينها هي التي أنكروا بها النص علي أمير المؤمنين (عليه السلام) مع روايتهم الكثير الوافر منه، وهي عين العصبية وإذا روي لهم ما يخالف مذهبنا وإن كان عمن يحكمون بفسقه تلقوه بالقبول، وأذعنوا له تمام الاذعان، ورضوا به غاية [ صفحه 562] الرضا، وذلك دليل ما نسبناه إليهم من تعمدهم ارتكاب الخطأ وترك الصواب، ولو أنهم تركوا التعصب والعناد وعملوا بما دل من أخبارهم علي صحة قولنا إذن لارتفع الخلاف، وحصل الائتلاف فإنها كثيرة ومخالفها ضعيف، ولو لم يكن من ضعفه إلا الخلاف في صحته بيننا وبينهم بل بينهم في بعضها والاتفاق علي صحة الموافق منا ومنهم لكفي، فإن الاجتماع أقوي أسباب الترجيح وأوثق المرجحات عند جميع الأصوليين، بل عند جميع الأمة لا يشك فيه أحد لكنهم ارتكبوا خلاف التحقيق، وأخلدوا إلي الشك، ونبذوا اليقين فقامت منهم سوق الخلاف علي ساق فالحاكم الله بيننا وبينهم يوم فصل القضاء. الثالثة اختلاف رواياتهم الواردة في أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أبا بكر بالصلاة لفظا ومضمونا بما يدل علي كذبها وبطلانها واصطناعها ووجوب رفع اليد عنها، ففي رواية ابن أبي مليكة عن عائشة: أن بلالا لما نادي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالصلاة قال قولوا له: (فليقل لأبي بكر يصلي بالناس) وأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد خرج يتهادي بين علي (عليه السلام) والفضل بن العباس وأن أبا بكر أراد التنحي عن مقامه لما أحس برسول الله (صلي الله عليه وآله) فدفعه رسول الله (صلي الله عليه وآله) فأقامه مقامه، وقعد إلي جانبه فجعل رسول الله (صلي الله عليه وآله) يكبر والناس يكبرون بتكبير أبيبكر، قالت: فصلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالناس [1051] . وفي الحديث المتقدم عن الأرقم عن ابن عباس أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أمر أبا بكر ثم عمر بمشورة عائشة، وأن رسول الله خرج فصلي بالناس، وفيه تصريح بمخالفة عمر لرسول الله (صلي الله عليه وآله [ صفحه 563] وسلم) حيث أمره بالتقدم فلم يتقدم وقدم أبا بكر، وأن أبا بكر تقدم بعد نسخ أمره بالصلاة بأمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) عمر بها فكانت صلاته بأمر عمر لا بأمر النبي (صلي الله عليه وآله) وهذا المعني مما لم يلتفت إليه ابن أبي الحديد ولا لحظه، إما لعدم تفطن أو لإخفاء وكلا الخبرين دال علي أن النبي (صلي الله عليه وآله) عزله من إمامة الصلاة وجعله مسمعا الناس التكبير، وهذا يدل علي أنه لو أمر أبا بكر بالصلاة لما جاز عزله عنها لأنه يكون نسخا للأمر قبل تقضي زمان العلم به وهو غير مجوز عند العدلية منا ومن المعتزلة، فآخر الحديثين يعارض أولهما وكل منهما مخالف للآخر في كيفية صدور الأمر عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بالصلاة خلف الرجل مع ما في حديث الأرقم من النقص العظيم علي الشيخين الذي بينه ابن أبي الحديد وأوضحناه نحن وهو دليل واضح علي كذب الخبرين. وفي الخبر الذي رواه الخصم بإسناده عن الزهري عن أنس بن مالك قال: لما مرض رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مرضه الذي مات فيه أتاه بلال يؤذنه بالصلاة فقال بعد مرتين: (يا بلال قد أبلغت فمن شاء فليصل بالناس ومن شاء فليدع) قال: ورفعت الستور عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فنظرنا إليه كأنه ورقة بيضاء عليه خميصة له فرجع إليه بلال فقال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس) قال: رأيناه بعد ذلك [1052] مخالفة للأولين في كيفية صدور الأمر وفي عدم خروج النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وإن أبا بكر أتم الصلاة بالناس، فإن صح الأولان بطل هذا، وإن صح هذا بطل الأولان لا محالة. وفي حديث عبد الله بن عمر أنه جاء ابن أم مكتوم فأذن النبي (صلي الله [ صفحه 564] عليه وآله وسلم) في مرضه الذي مات فيه بالصلاة الأولي فلم يستطع أن يقوم من شدة المرض فقال له: (قل لأبي بكر يقيم للناس صلاتهم) وإن عائشة طلبت من النبي (صلي الله عليه وآله) إقالة أبيها من ذلك، وإن ابن أم مكتوم انتظر ما يكون من جواب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال له: (مر أبا بكر أن يقيم للناس صلواتهم) ولم يجب عائشة بشئ فنظرت عائشة إلي حفصة وأشارت إليها أن تسأله أن يأمر أباها فقالت: يا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لو أمرت عمر فصفق رسول الله بيده وقال: (إنكن صويحبات يوسف) [1053] مخالفة للجميع في أن المؤذن للنبي (صلي الله عليه وآله) هو عبد الله بن أم مكتوم، وفي كيفية صدور الأمر ومخالفة المرأتين رسول الله حتي أغضبتاه وهذا الخبر أكذب الأخبار في هذا الباب ومن أشد مخالفته للأخبار الأول قوله في آخره: فكان أبو بكر يقيم الناس صلاتهم أياما حتي قبض رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، ووجه المخالفة اشتمال تلك الأخبار علي أن الأمر كان في آخر مرض النبي (صلي الله عليه وآله)، وأنه إنما ثقل عن الصلاة في آخر مرضه، واشتمال هذا علي وقوع الأمر أوساط مرض النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأن النبي (صلي الله عليه وآله)، قد ثقل عن الصلاة في المسجد قبل موته بأيام، وجهة أخري وهي عدم ذكره خروج النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وعزله أبا بكر في شئ من الصلاة واشتمال السابقة علي ذلك. وفي حديث الزهري إن أول شكوي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في بيت ميمونة وإنه قال لعبد الله بن عتبة: (قل للناس فليصلوا) فلقي عمر فقال: صل بالناس فتقدم عمر فسمع النبي (صلي الله عليه وآله [ صفحه 565] وسلم) فقال: (أليس هذا صوت عمر) قالوا نعم قال: (يأبي الله ذلك والمسلمون فليصل بالناس أبو بكر) وفيه أن عائشة طلبت منه إقالة أبيها وراجعته في ذلك مرتين أو ثلاثا فقال: (ليصل بالناس أبو بكر فإنكن صويحبات يوسف) [1054] وهو مخالف لجميع ما تقدم في جميع الوجوه فمن تأمل هذه الأخبار واختلافاتها، وما فيها من التعارض والتدافع القاضيين عليها باختلاق علم أنها مزورة مصنوعة، وتأكد عنده أن الصحيح ما رواه أصحابنا مما مضمونه أن عائشة وحفصة لما ثقل مرض النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أرسلتا إلي أبويهما تخبر انهما بذلك وهما خارج المدينة في جيش أسامة فدخلا المدينة ليلا ومعهما أبو عبيدة بعد أن ذكروا لأسامة ما أذن لهم لأجله أن يدخلوا وأمرهم أن يخفوا أنفسهم لئلا يرجع غيرهم من الجيش، وأنهم إن عوفي النبي (صلي الله عليه وآله) وسلم رجعوا إلي معسكرهم وإن حدث به حدث عرفوه حتي يدخل فيما يدخل فيه الناس، فلما كان وقت الصلاة أرسلت عائشة إلي أبيها تأمره أن يتقدم إلي المحراب وأنها تأمر بلالا أن يأمر الناس بالصلاة خلفه لتوهم الناس أن ذلك عن أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فيتم ما دبروا من الحيلة، وأن بلالا لما أتي يؤذن النبي (صلي الله عليه وآله) بالصلاة قالت: لبلال إن رسول الله قد ثقل ورأسه في حجر علي (عليه السلام) فمر أبا بكر ليصلي بالناس فلما رأت حفصة ذلك قالت: مر عمر ليصلي بالناس، فسمع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ذلك منهما فقال: (إنكن كصويحبات يوسف) فأغمي عليه فخرج بلال وهو يظن أن قول عائشة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: للناس صلوا خلف أبي بكر فتمت الشبهة، فلما أفاق النبي (صلي الله عليه وآله) وسمع تكبير أبي بكر خرج متحاملا يتهادي بين [ صفحه 566] علي والفضل بن العباس لتلافي الأمر وإزالة الشبهة فعزل أبا بكر ونحاه قصدا لذلك فما زالت الشبهة ولا ذهبت. وقد ذكر ابن أبي الحديد عن بعض أصحابه وهو شيخه أبو يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني أن رجوع أبي بكر من جيش أسامة كان بإرسال عائشة إليه بأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) يموت وأن خروج النبي (صلي الله عليه وآله) في تلك الحال لما ذكرناه من قصده عزل أبي بكر عن الصلاة لئلا تكون شبهة له في دعوي الخلافة فما تم له ما أراد، ويصدق ذلك ما ورد في رواياتهم المتقدمة لقد أقر الرجل المزبور بأن جملة من محدثيهم قائلون أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) نحي أبا بكر وصلي بالناس، وقال في موضع من كتابه: ثم جري حديث صلاة أبي بكر بالناس فتزعم الشيعة أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لم يأمر بذلك، وأنه إنما صلي بالناس عن أمر عائشة ابنته، وأن رسول الله خرج متحاملا وهو مثقل فنحاه عن المحراب وزعم معظم المحدثين أن ذلك كان عن أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقوله، ثم اختلفوا فمنهم من قال نحاه وصلي هو بالناس، ومنهم من قال: بل ائتم بأبي بكر كسائر الناس، ومنهم من قال كان الناس يصلون بصلاة أبي بكر وأبو بكر يصلي بصلاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) [1055] انتهي. قلت أما القول الأول فهو موافق لقول الشيعة ومن المحال أن يأمر النبي (صلي الله عليه وآله) أبا بكر بالصلاة ثم يخرج متحاملا لينحيه ويعزله بل المعروف أن فعله هذا يدل علي أن صلاة أبي بكر ليست عن أمره، وأنه إنما خرج علي تلك الحال لإزالة الشبهة كما ذكرناه أولا، ويدل خروجه أيضا [ صفحه 567] علي الحال المذكورة علي أن في نفسه غضبا شديدا من فعل الرجل ومن أمره لتقدم. وأما الثالث فهو أيضا موافق لنا في عزل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أبا بكر عن الإمامة وجعله مبلغا يبلغ الناس التكبير للركوع والسجود، إذ لا يجوز أن يكون في الصلاة إمامان، فهو راجع إلي القول الأول فلم يبق إلا الثاني وهو مع ضعفه لمخالفته اتفاق معظم الأمة وقلة القائل به لا يوافق شيئا من رواياتهم، فكيف يصح الاعتماد علي هذه الروايات والأقوال مع ما سمعته فيها من الاختلاف؟ ومن أين يحصل الظن فضلا عن القطع بصحة دعوي القوم أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أمر أبا بكر بالصلاة وحال رواياتهم التي استندوا إليها فيها وأقوالهم ما رأيت؟ فلا شك أنها بملاحظة الجهات الثلاث المذكورة تكون واضحة البطلان، منهدمة الأركان، علي أن بعض المصنفين قد نقل عن كثير من أهل الرواية علماء المعتزلة أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لما ثقل جاء بلال ليؤذنه بالصلاة فقالت عائشة: إن رسول الله (صلي الله عليه وآله) ثقيل قد أغمي عليه فلا تؤذه، وقل لأبي بكر فليصل بالناس فخرج إليه فأخبره، فتقدم فسمع النبي (صلي الله عليه وآله) صوته فقال: (ما هذا) فقالت عائشة أنا أمرت أبا بكر أن يصلي بالناس، فقال: (إنكن صويحبات يوسف) وأخذ بيد علي يتوكأ عليه فخرج وأخرج أبا بكر من الصلاة وصلي بالناس ومات من يومه وهذه الرواية توافق مضمون القصة وتطابق خروج النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) متحاملا في حال شدة المرض، وهي مبطلة لدعواهم ويشهد لصحتها ما رواه ابن أبي الحديد عن شيخه من أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) كما روي قال: (ليصل بهم أحدهم) ولم يعين وكانت صلاة الصبح فخرج رسول الله (صلي الله عليه [ صفحه 568] وآله وسلم) وهو في آخر رمق يتهادي بين علي والفضل بن العباس حتي قام في المحرب كما ورد في الخبر ثم دخل فمات ارتفاع الضحي هذا كلامه، وقد سمعت السابق منه وقد ذكر ابن أبي الحديد أن هذا الشيخ كان شديد الاعتزال ولم يكن يتشيع [1056] وهذا القول دال أيضا علي بطلان ما قاله: إن أبا بكر صلي بالناس قبل موت النبي (صلي الله عليه وآله) بيومين، فهذا حال صلاته وقد سمعت ما فيها من الكلام وبلغت إن شاء الله تعالي في إبطالها غاية المرام. واعلم أنه ليس مرادنا من إقامة الدليل علي بطلان ما ادعوا من كون صلاة الرجل عن أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنها لو صحت أنها بأمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) لأوجب ذلك الإمامة أو كانت معارضة للنصوص الواردة علي إمامة علي (عليه السلام)، وإنما مرادنا توضيح بطلان تلك الدعوي بالدليل، وبيان أن من تمسكوا بها واعتمدوا عليها تمسكوا بغير متمسك واعتمدوا علي غير معتمد لكنهم شبهوا بها علي ضعفاء العقول، وناقصي الروية، وشيدها من نصب العداوة لأهل البيت، ورام التوصل إلي اغتصاب مقامهم، ولو أن ذلك كان صحيحا لم يقتض نصا علي إمامة الرجل لأن النبي (صلي الله عليه وآله) أمر جماعة كثيرة من أصحابه يصلون بالناس فأمر تارة علي المشايخ الثلاثة وغيرهم أبا عبيدة، وأخري عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد وتارة عليهم وعلي أبي عبيدة معهم أسامة بن زيد وصلوا خلفهم، واستخلف علي المدينة في غزواته وسفره رجالا من أصحابه كابن أم مكتوم وغيره، واستخلف في غزوة تبوك عليها أمير المؤمنين، واستخلف علي مكة عتاب بن أسيد الأموي يصلي بالناس، وغير هؤلاء ممن استعملهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي [ صفحه 569] السرايا وعلي البلدان ولم يجعل أحد من مخالفينا صلاة أحد من أولئك بالناس نصا علي إمامته ولا مومية إليها، بل ولا يجعلون لواحد منهم فضلا بها ولا يذكرونه بها في مدح ولا تشريف، فما الفارق بين صلاة أبي بكر بالناس لو صح أنها بأمر الرسول (صلي الله عليه وآله) وبين صلاة أولئك المذكورين، علي أن الخصوم قد رووا أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) صلي خلف عبد الرحمن بن عوف حيث انتهي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي محل، وعبد الرحمن يصلي بقوم هناك [1057] وهذا أعظم منزلة من صلاة أبي بكر بالناس بأمره (صلي الله عليه وآله) وما رأينا عمر ولا غيره جعلوا لعبد الرحمن خلافة بهذا فكيف أوجبت صلاة الإشارة إلي أبي بكر بالخلافة فإن تقع من النصوص الواردة في استخلاف أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ ومن أي وجه تقوي علي معارضتها؟ هذا كله مع جواز أن يكون التقدم لأبي بكر ما لم يكن علي حاضرا أو متمكنا من الحضور، ومن المتفق عليه أن عليا (عليه السلام) لم يكن حاضر المسجد وكان مشغولا بتمريض رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لا يفارقه، خصوصا في ذلك الوقت الذي ثقل فيه حاله كما يدل عليه ما في الروايات من أن النبي (صلي الله عليه وآله) خرج يتوكأ عليه وعلي الفضل بن العباس، فصرحت الروايات لو صحت بأن أبا بكر لم يأمر بالتقدم علي علي (عليه السلام) لأنه مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيختص جواز تقديمه بما إذا لم يكن علي (عليه السلام) حاضرا كما أن تأمير النبي (صلي الله عليه وآله) الأمراء علي الجيوش إذا لم يكن علي (عليه السلام) معهم فإذا كان معهم كان هو الأمير من قبله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي الكل، وهذا علي مجاراة الخصم وجه جامع تزول به المعارضة بين النصين لو صحت المعارضة، والكل - بعون الله وتسديده - [ صفحه 570] ظاهر واضح والشك فيه زائل، والحمد لله علي سلوك طريق الصواب.

في النص علي إمامة العترة المحمدية

اشاره

لا يخفي أن المسألة الأولي كانت بعد الفصل الثاني مباشرة. في النص علي إمامة العترة المحمدية وينبغي أولا بيان معني العترة ومن يطلق عليه هذا اللفظ من هذه الأمة علي الحقيقة فنقول: قال الشهاب الفيومي في المصباح المنير: العترة نسل الإنسان، قال الأزهري: وروي ثعلب عن ابن الأعرابي: إن العترة ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه ولا تعرف العرب من العترة غير ذلك، ويقال: رهطه الأدنون ويقال: أقرباؤه وعليه قول ابن السكيت: العترة والرهط بمعني ورهط الرجل قومه وقبيلته الأقربون انتهي وقد اختلفوا في عدد الرهط فقال الأكثر: هو ما دون عشرة من الرجال ليس فيهم امرأة وهو قول أبي زيد، وقيل: من سبعة إلي عشرة وقيل ما فوق العشرة إلي الأربعين وهو قول الأصمعي ونقله ابن فارس، وقيل: هو بمعني العشيرة وهو المنقول عن ابن السكيت وقريب منه علي تأويل قول ثعلب ذكر هذه الأقوال جميعها في المصباح [1058] فعلي ما قال الأزهري وابن الأعرابي في معني العترة فالأمر ظاهر أن عترة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ذريته من فاطمة (عليها السلام) وعلي ما قيل أن العترة هي الرهط فعلي جميع الأقوال في معني الرهط تختص العترة ببني هاشم حتي علي قول ابن السكيت، لأن أقرب الناس إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بنو هاشم فهم قومه وعشيرته الأقربون علي الحقيقة دون باقي بطون قريش فما سواهم، إنما يقال له عترة النبي (صلي الله عليه وآله) علي طريق المجاز والتوسع في الألفاظ أو بالنسبة إلي الأبعد كالقرشي بالنسبة إلي باقي بطون مضر، وكالمضري بالنسبة إلي الربيعي والأيادي، وكالنزاري بالنسبة إلي القحطاني، وقد قال المعتزلي ذلك واعترف به قال: وعترة النبي (صلي [ صفحه 571] الله عليه وآله وسلم) أهله الأدنون ونسله، وليس بصحيح قول من قال إنهم رهطه وإن بعدوا، وإنما قال أبو بكر يوم السقيفة أو بعده: نحن عترة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وبيضته التي تفقأت عنه، علي طريق المجاز لأنهم بالنسبة إلي الأنصار عترة له لا في الحقيقة، ألا تري أن العدناني يفاخر القحطاني، فيقول أنا ابن عم رسول الله (صلي الله عليه وآله) ليس يعني أنه ابن عمه علي الحقيقة وإنما هو بالإضافة إلي القحطاني ابن عمه [1059] انتهي. وحكي أحمد بن يحيي الشيباني عن محمد بن عبد الجبار عن أبي العباس ثعلب عن ابن الأعرابي: إن العترة ولد الضب وذريته من صلبه ولذلك سميت ذرية محمد (صلي الله عليه وآله) من علي وفاطمة (عليهم السلام) عترة محمد قال ثعلب: فقلت لابن الأعرابي: فما معني قول أبي بكر في السقيفة: نحن عترة رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: فإن قال أراد بلدته وبيضته وعترة محمد (صلي الله عليه وآله) ولد فاطمة [1060] انتهي. قلت: ويؤيد ذلك أن عليا (عليه السلام) لما احتج علي أبي بكر وأصحابه بالقرابة من رسول الله (صلي الله عليه وآله) حيث احتجوا هم بها علي الأنصار لم يجيبوه بأنا وإياك جمعيا عترة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) فلا مزية لك علينا في ذلك بل سلموا له القرابة دونهم وأجابوه بغير ذلك من الأعذار كحداثة السن وغير ذلك مما تقدم في الرواية، وهو ظاهر إن لم يكن صريحا في أن المعروف عند العرب بحيث لا ينكر أن العترة هم الأدنون من الرجل نسبا والأشدون به نوطا دون الأباعد في النسب وإن كانوا من القبيلة والعشيرة، وأن إطلاق لفظ العترة علي غيرهم إنما هو علي [ صفحه 572] ضرب من المجاز فعترة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) هم الأقربون منه وشيجة، والأدنون منه نسبا، من بني هاشم دون غيرهم من قريش، هذا باعتبار اللغة العربية، وأما باعتبار العرف الشرعي فإن العترة هم أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة وولداهما الحسن والحسين والأئمة من ذرية الحسين (عليهم السلام) قال ابن أبي الحديد: وقد بين رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عترته من هي لما قال: (إني تارك فيكم الثقلين) فقال: (عترتي أهل بيتي) وبين من أهل بيته حين طرح عليهم كساء وقال حين نزلت: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس]: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم) فإن قلت: فمن هي العترة التي عناها أمير المؤمنين بهذا الكلام قلت: نفسه ووالده والأصل في الحقيقة نفسه، لأن ولديه تابعان له ونسبتهما إليه نسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المشرقة، وقد نبه النبي (صلي الله عليه وآله) علي ذلك بقوله: (وأبوهما خير منهما) [1061] انتهي. قلت عني المعتزلي بالكلام قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة التي هذا الكلام من جملة شرحها: (وكيف تعمهون وفيكم عترة نبيكم) وأما البيت فسيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالي. وقال في الصواعق: المراد باهل البيت والآل وذوي القربي في كل ما جاء في فضلهم مؤمنو بني هاشم والمطلب وكان الثلاثة العترة فالألفاظ الأربعة بمعني واحد. قلت لعمري إن الألفاظ الأربعة بمعني واحد، لكن ليس المراد منها إلا عليا وفاطمة وابنيهما كما قال به أكثر القوم من المتقدمين والمتأخرين كأبي عامر [ صفحه 573] الشعبي ويحيي بن يعمر وابن الأعرابي ومحمد بن طلحة الشافعي وظاهر الحسن البصري، ويشهد لذلك ما روي أهل الصحاح ممن لا ينكر روايتهم معتزلي ولا أشعري وهم الطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو الحسن البغوي في تفسيره عن ابن عباس أنه لما نزلت: [قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي] [1062] قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين نزلت فيهم الآية قال: (علي وفاطمة وابناهما) ولفظ البغوي من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم قال: (علي الخ) وغيره سيأتي علي كثرته وهو مبطل لما قاله ابن حجر وما قال غيره مما يخالف ما ذكرناه. وروي الديلمي عن ابن أبي سعيد أنه يعني النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (اشتد غضب الله علي من آذاني في عترتي) [1063] وروي أبو داود الطيالسي عن عبد الرحمن بن عوف (وأوصيكم بعترتي خيرا وأن موعدكم الحوض) فالمعني بهذا علي (عليه السلام) وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، وقد صح في أخبارهم أن الحسن والحسين ذرية رسول الله (صلي الله عليه وآله) وبنوه لصلبه وقد تقدم أن العترة ذرية الرجل وعقبه من صلب. فمن ذلك ما رواه الطبراني مرفوعا عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (إن الله جعل ذرية كل نبي من صلبه وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب) [1064] وأخرج الطبراني وغيره أنه (صلي الله عليه وآله [ صفحه 574] وسلم) قال: (كل بني أم ينتمون إلي عصبتهم إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم) [1065] . قال محمد الصبان الشافعي في إسعاف الراغبين وفي رواية صحيحة (كل بني أنثي عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم) [1066] إلي غير ذلك ومما يدل علي أن ذرية الحسين عترة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي وآخرون عنه (صلي الله عليه وآله) (المهدي من عترتي) [1067] وما أخرج أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة عن النبي (صلي الله عليه وآله): (لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله فيه رجلا من عترتي يملأها عدلا كما ملئت جورا) [1068] وأخرج الحاكم في صحيحه عنه (صلي الله عليه وآله): (يحل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع ببلاء أشد منه حتي لا يجد الرجل ملجأ فيبعث الله رجلا من عترتي أهل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا) [1069] الخبر. وأخرج أبو نعيم عنه (صلي الله عليه وآله): (ليبعثن الله رجلا من عترتي أفرق الثنايا أجلا الجبهة يملأ الأرض عدلا يفيض المال فيضا) [1070] . [ صفحه 575] وأخرج أحمد والماوردي أنه (صلي الله عليه وآله) قال: (أبشروا بالمهدي رجل من قريش من عترتي يخرج في اختلاف من الناس وزلزال فيملأ الأرض عدلا وقسطا) [1071] الخبر إلي غير ذلك وكل هذه الأخبار مصرحة بأن المهدي من عترة رسول الله (صلي الله عليه وآله) والمهدي من ذرية الحسين (عليه السلام) كما سنبينه، فيكون ذرية الحسين من عترة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وذوي قرباه وأهل بيته وآله، وبهذا يبطل ما ذكره المعتزلي من اختصاص العترة بعلي (عليه السلام) والحسن والحسين، نعم إن أريد أنهم الأصل في العترة والأئمة بعدهم تابعون لهم في ذلك كان صحيحا لا إشكال فيه، لأن وصلتهم بالنبي (صلي الله عليه وآله) بسبب أولئك الكرام صلوات الله عليهم أجمعين. والإمامة يختص بها العترة بهذا المعني الخاص لا بما يفيده أصل اللغة العربية فيختص بها أطائب عترة علي (عليه السلام) وأبرار ذريته، لأن هؤلاء هم عترة النبي (صلي الله عليه وآله) شرعا كما ذكرناه، وقد أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) إلي هذا في خطبة رواها المعتزلي عن شيخه الجاحظ عن أبي عبيدة وهي طويلة ومحل الاستدلال منها قوله (عليه السلام): (ألا إن أبرار عترتي، وأطائب أرومتي، أحلم الناس صغارا، وأعلم الناس كبارا ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا، وبحكم الله حكمنا، ومن قول صادق سمعنا فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا) الخطبة [1072] حيث جعل الاقتداء بهم كالاقتداء ورتب عليه الاهتداء، وهذا الكلام مشير إلي أهل الطهارة والعلم الغزير والحلم الواسع من ذريته (عليه السلام)، ولم يكن [ صفحه 576] بهذا الوصف إلا أئمتنا المعروفون ذرية الحسين (عليهم السلام)، لأنهم تميزوا عن جميع الذرية المحمدية والسلالة الحيدرية بغزارة العلم وسعة الحلم، وصحة اليقين، وصدق النية، والزهد في الدنيا، شهد بذلك هم أولياؤهم وأعداؤهم ومن قال بإمامتهم ومن لم يقل بها، هذا دليل واضح علي صحة مذهب الإمامية من أصحابنا ومبطل لما سواه من مذاهب فرق الشيعة وغيرهم، فالأئمة الأحد عشر من ذرية أمير المؤمنين هم العترة بالمعني الخاص، فما ورد من النصوص الدالة علي إمامة العترة فهو مختص بهم دون غيرهم من باقي الذرية، وكما يختص بهم ما ورد من النص علي العترة كذلك يختص بهم ما ورد من النص علي ذوي القربي وأهل البيت والآل بالمعني الخاص لاتفاق الألفاظ الأربعة في المعني كما سمعت، والذي يدل علي أن العترة بالمعني الأخص مختص بالأئمة دون سائر ذرية الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) ما رواه ابن أبي الحديد عن حلية الأولياء فيما تقدم من قول النبي (صلي الله عليه وآله) وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي) الخبر فإنه صريح في أن العترة هم الأئمة وأن الأئمة هم العترة، وأن من ليس من العترة ليس بإمام، ومن ليس بإمام ليس من العترة لإفادة الحمل ذلك لأنه في القضية المذكورة بمعني حمل الشئ علي الآخر علي أنه هو هو لا الحمل المشهور ومثله قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) في حديث الثقلين (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) لمعلومية أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يأمر الأمة بالتمسك إلا بمن كان من الذرية معروفا بالطهارة والعلم والزهد والورع، معلوما بملازمة القرآن، غير مخالف لأحكامه ولا صادف عنه إلي غيره من رأي أو قياس أو غير ذلك، ولا يكون كذلك إلا من اجتباه الله وهداه وسدده وأيده، وهذه صفة الإمام علي ما يقول أصحابنا، وليس كل الذرية الفاطمية علي الوصف لأن منهم من قاصر العلم، ومنهم من لا علم له، ومنهم من ليس مرضيا مذهبه ولا محمودا هديه، فليس يجوز أن [ صفحه 577] يأمر النبي (صلي الله عليه وآله) بالتمسك بمثل هؤلاء، ولما كان العترة يختص بها من أمر النبي (صلي الله عليه وآله) بالتمسك به، وهو يختص بمن جمع أوصاف الإمامة كان الأئمة هم العترة والعترة هم الأئمة، وهم أهل البيت أيضا، ويدل عليه أيضا قول أمير المؤمنين في الخطبة التي قدمنا ذكرها: (فإنه لما قبض الله نبيه (صلي الله عليه وآله وسلم) قلنا نحن أهله وورثته وعترته) [1073] لظهور أنه (عليه السلام) لا يريد باستحقاق الإمامة وخلافة النبي (صلي الله عليه وآله) إلا نفسه وولديه دون باقي بني هاشم كأخيه عقيل وغيره، وسيأتي في ذكر النصوص ما يعاضد هذا الدليل ويزيد هذا المعني توضيحا وبيانا، وقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في المهدي (رجلا من عترتي) يعني أنه من الأئمة، لأنا نقول إنه خاتمهم وتمام عدتهم فلا نقض علينا به إذ ليس يتعين أن المراد به رجلا من ذريتي، لأن المعني الأول يقتضيه فصح من هذا أن كلما ورد من النصوص القرآنية والنبوية الدالة علي إمامة العترة أو ذوي القربي أو أهل البيت أو الآل أو وجوب مودتهم أو التمسك بهم أو عصمتهم عن مقارفة الذنوب فيراد بهم الأئمة (عليهم السلام) فهو شامل لهم بالتبعية وإن كان موردها في أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسنين بالأصالة للمماثلة الحاصلة والمشابهة الصحيحة، وسيأتي للفظ ذوي القربي وأهل البيت والآل زيادة توضيح وتصريح في ذكر الأدلة إن شاء الله بما يزيد شبهات المشبهين فترقب. إذا تقرر هذا فلنذكر النصوص علي العترة، واعلم أنها أنواع. فمنها ما ورد بلفظ الإمامة وما ورد بلفظ التمسك ومنها ما ورد بلفظ السيادة، ومنها ما ورد بلفظ المودة والمحبة وغير ذلك، وسنذكرها مفصلة. [ صفحه 578] فما ورد بلفظ الإمامة الحديث المتقدم عن الحلية وهو قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) (من سره أن يحيي حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي فليوال عليا من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي، خلقوا من فاضل طينتي، ورزقوا فهما وعلما فويل للمكذبين من أمتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي وهذا الخبر صريح في النص علي إمامة العترة الطاهرة بما لا مزيد عليه من الصراحة وذلك من وجوه. الأول إيجابه الاقتداء بهم ولا يجب الاقتداء عينا إلا بالإمام. الثاني تسميتهم أئمة وهو أصرح الألفاظ في الإمامة العامة، إذ من المعلوم أنه لا يريد هنا مطلق الأئمة كإمام الجماعة وإمام الحاج وأمراء البلدان والجيوش والفقهاء ولا يحتمل كلامه ذلك لأن وصفهم بأنهم عترته وما بعده من الأوصاف موجب لإخراج المذكورين منهم، ويخصص الأئمة بالخلفاء المستحقين لمقامه. الثالث خلقهم من فاضل طينته فإنه يدل علي الوصلة التامة والمماثلة الخاصة كما ذكرنا سابقا في خلق علي من نور النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وذلك يقتضي كونهم قائمين مقامه وحالين في منزلته وحيث امتنعت فيهم النبوة لختمها به فهم قائمون مقامه في الإمامة فيكونون خلفاءه علي الأمة. الرابع قوله: (رزقوا فهما وعلما) فإنه مصرح بأنهم كانوا مستحقين للإمامة لأن الله اختصهم بالفهم والعلم فهم أحق بمنصب الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وأولي بخلافته ممن ليس له هذه الصفة وفيه إشارة إلي أنه لا يجوز لمن يجهل شيئا من أمر الأمة في دينهم أن يكون إماما وهو حقيقة قول أصحابنا ونصه. [ صفحه 579] الخامس قوله: (فويل للمكذبين من أمتي) الخ فإنه صريح في أن من كذب بإمامتهم فقد استحق الويل وقطع صلة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وكان أهلا لحرمان الشفاعة والخلود في الهاوية، فهو في مقابلة المقتدي فإنه مستحق لأن يحيي حياة النبي (صلي الله عليه وآله) ويموت مماته ويدخل جنة عدن التي غرسها ربه وأي نص أصرح من هذا النص في الإمامة لولا تنكب القوم الطريق وسلوكهم في المضيق. ومنه قول النبي (صلي الله عليه وآله) للحسن والحسين (عليهما السلام): (أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة) في حديث رواه في المناقب مختصر مناقب الحافظ أبي عبد الله محمد بن يوسف البلخي الشافعي نقلا من مسند أحمد بن حنبل [1074] وهو صريح في المطلوب لا يحتاج إلي بيان.

حديث الثقلين

وما ورد بلفظ التمسك الخبر المتواتر وهو قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في خطبته: (أيها الناس إنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم ثقلين كتاب الله فيه الهدي والنور فتمسكوا بكتاب الله عز وجل وخذوا به وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي) وفي رواية: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي) والروايتان بهذا اللفظ لمسلم بن الحجاج القشيري في صحيحه [1075] وأما لفظ أحمد بن حنبل فهذا: (إني أوشك أن أدعي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض فانظروا بما تخلفوني فيهما) [1076] ولفظ ابن أبي [ صفحه 580] الحديد: (خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي حبلان ممدودان من السماء إلي الأرض لا يفترقان حتي يردا علي الحوض) وفي رواية: (قد خلفت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وأهل بيتي) إلي تمام الأول وفيه زيادة (حوضي ما بين بصري وصنعاء عدد آنيته عدد النجوم إن الله مسائلكم كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيتي) وهذا اللفظ للزهري وذكره في حديث الغدير وهذا الخبر علي اختلاف لفظ رواته صريح في النص علي العترة بالإمامة وإنه (صلي الله عليه وآله) عهد بذلك إلي الناس حين تحقق دنو انتقاله من الدنيا إلي الرفيق الأعلي، ألا تري إلي قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) (يوشك أن يأتيني رسول ربي) و (أوشك أن أدعي فأجيب) فإنه مشعر بذلك ومنبه لهم علي قرب رحيله عنهم، لأن أوشك فعل معناه المقاربة ومشارفة الأمر، وأصرح منه في ذلك قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) في رواية أبي الفتوح أسعد بن أبي الفضائل في كتابه الموجز في فضل الخلفاء الأربعة: (أيها الناس إني قد نبأني اللطيف الخبير أنه لن يعمر نبي إلا نصف عمر النبي الذي كان قبله، وإني لأظن بأني أدعي فأجيب) الخبر [1077] فأوصاهم بالتمسك بالكتاب والعترة، ولا معني للتمسك إلا الأخذ بأحكامهما والرجوع إليها عند الاختلاف، فهذا معني الإمامة، فالكتاب الإمام الصامت، والعترة الإمام الناطق، كل منهما يصدق صاحبه، فلا يجوز لأحد مخالفة واحد منهما وبين (صلي الله عليه وآله) أن التمسك بهما عاصم من الضلالة ومخالفتهما موجبة للهلاك، وصرح بأنهما حبلان ممدودان من السماء إلي الأرض، فهما وصلة بين الله وبين خلقه، من اقتدي بهما توصل إلي مرضاة الله، ومن تركهما باء بسخط من الله، إذ لا سبب إلي الله بعد [ صفحه 581] النبي (صلي الله عليه وآله) غيرهما، فأي دليل علي الإمامة ووجوب الطاعة وتحريم عصيان العترة أدل من هذا وبه يبطل قول من قال: إن النبي (صلي الله عليه وآله) لم يوص، أفليست هذه وصية صريحة وإيجاب طاعة للعترة علي الناس ظاهرا، فأبلغ شاهد من هذا يريد منا الخصوم كابن أبي الحديد وأشباهه من المنكرين النص وتأمل إلي قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) (أذكركم الله في أهل بيتي) ويكررها ثلاثا وقوله: (فانظروا كيف تخلفوني فيهما) وقوله: (إن الله مسائلكم كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيتي) فإنك تجده صريحا في التوصية بطاعتهم، والانقياد لأمرهم، وتحريم مخالفتهم، والتوعد عليها بأعظم القول، وأبلغ الوصية، افتري الوصية بالإمامة تحتاج إلي أكثر من هذا اللفظ أو تزيد علي هذا القول حتي يقال: إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يوص إلي أحد بعينه بعد إقرارهم بصدور هذا الكلام عنه (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ وفي قوله: (صلي الله عليه وآله وسلم): (لا يفترقان حتي يراد علي الحوض) إيماء بل دلالة علي بقاء الإمامة واستمرارها إلي انقضاء زمان التكليف، وإنها لا تنقطع وقد بين هذا في مقدمة الكتاب بأحسن بيان. واعلم إنما أبطلت دلالة هذه الأدلة علي الإمامة عند المخالفين، وقالوا: لا وصية ولا نص من النبي (صلي الله عليه وآله) علي أحد بعينه، مع وضوحها وكونهم ذوي فطن شبهة خلافة الثلاثة وتقدمهم ووثوقهم في الصحابة علي جهل وتقليد واتباعهم السواد الأعظم فقابلوا الصريح في خلافهم بالأغراض ونظروا إليه نظرا اغماض فقد لعمري تركوا الحق وسفهوا الهدي [ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا].

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة

وما ورد بلفظ السيادة الحديث المتواتر وهو قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) للحسن والحسين: (هما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير [ صفحه 582] منهما) [1078] وفي بعض الروايات بصورة الخطاب (أنتما سيدا شباب أهل الجنة وأبوكما خير منكما) [1079] ولفظ المسند لأحمد بن حنبل عن حذيفة بن اليمان: (إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وفاطمة سيدة نساء العالمين) [1080] فلفظ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة متفق عليه وقد تقدم من البيان إن السيادة بمعني الرئاسة والطاعة كما يقال: فلان سيد بني فلان يعني رئيسهم المطاع فيهم وأكرمهم، وأصل السيادة الملك، ومنه سمي مالك العبد سيده، وسمي الزوج سيدا للمرأة لأنه يملك أمرها، ثم استعمل اللفظ في المجد والشرف، كل ذا نص عليه أهل اللغة، وبالجملة فالسيد إذا أطلق في العرف العام من دون قرنية دل علي الرئاسة والمجد والشرف وإذا أطلق شرعا ولم تكن ثمة قرنية تعين أحد معانيه فإنه يفهم منه مالك الأمر الذي تجب طاعته، فلما كان الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة كان معني ذلك أنهما أشرف أهل الجنة، ولا يجوز أن يكونا أشرف أهل الجنة وهما في الدنيا مشروفان، بل يجب أن يكونا في الدنيا هما الرئيسان المطاعان ليحصل لهما الشرف العالي بعد أبويهما محمد وعلي صلوات الله عليهما وآلهما، فهذا القول من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيهما إظهارا لإمامتهما إذ لا يكون سيد في الجنة إلا وهو السيد في الدنيا ويشهد لذلك صريحا قول النبي (صلي الله عليه وآله) في حديث ذكره كثير من المحدثين ورواه المعتزلي في شرحه (سادة أهل المحشر سادة أهل الدنيا أنا وعلي وحسن وحسين وحمزة وجعفر) [1081] فقد ثبت بهذا الحديث أن الحسن والحسين سيدا أهل الدنيا كما [ صفحه 583] أنهما سيدا أهل الجنة فيكونان الرئيسين الذين تجب طاعتهما. فإن قيل: لفظ السيادة لا يدل علي ملك الأمر والرئاسة في هذا الحديث وإنما يدل علي المجد والشرف فيستفاد منه الأفضلية فقط، لأن حمزة وجعفر ليسا عندكم بإمامين، وقد أثبت لهما النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) السيادة فلو كان المراد بها هنا الإمامة لأخرجهما النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) منها لأنه لازم علي قولكم وحيث لم يخرجهما وجب أن يكون أراد (صلي الله عليه وآله) بالسيادة هنا الأفضلية دون الرئاسة العامة. قلنا: إنا قد بينا أن لفظ السيادة له معان متعددة وأن الأصل فيه ملك الأمر، وأنه إذا أطلق بدون قرينة انصرف إلي هذا المعني، وإن قامت قرينة علي بعض معانيه انصرف إليه بسببها، فالقرينة هنا في حمزة وجعفر المعينة لإرادة المجد والشرف من سيادتهما قائمة وهي الاتفاق الحاصل من الأمة علي أنهما ليسا بإمامين فتنصرف السيادة المنسوبة إليهما إلي الأفضلية تقديما للدليل القاطع علي الظاهر وذلك بخلاف الحسن والحسين فإن جميع الشيعة يقولون بإمامتهما من جهة النص وقوم من الصحابة والتابعين قائلون بها فلا قرينة تصرف معني السيادة فيهما إلي غير الرئاسة العامة التي هي بمعني الإمامة. وقولك: يلزم علي قولكم أن السيادة بمعني الإمامة إخراج حمزة وجعفر منها لأنهما ليسا بإمامين عندكم. قلنا لا يلزم ذلك فإنه غاية الأمر لزوم استعمال اللفظ المشترك في كلا معنييه علي قولنا ولا بأس به فقد أجازه جملة من الأصوليين ويشهد لصحته وروده في القرآن الكريم قال الله تعالي: [هو الذي يصلي عليكم وملائكته] قوله تعالي: [إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه [ صفحه 584] وسلموا تسليما] [1082] فجمع في اللفظ بين صلاة الله وهي الرحمة وبين صلاة الملائكة وهي الاستغفار واستعمل اللفظ فيهما معا علي اختلافهما فزال الايراد ثم يقال ويلزم علي قولك أيضا ما نريده لأنا نوجب الإمامة للأفضل ويفهم من كلام قوم من العامة القرب إلي اختيار ذلك فإذا كان الحسنان أفضل الناس وجبت لهما الإمامة وكان الخبر نصا علي إمامتهما، وما ذكره المعتزلة من جواز تقديم المفضول علي الأفضل قد أبطلناه فيما سبق، ثم إن الخبر نص في أفضلية أمير المؤمنين والحسنين وحمزة وجعفر علي جميع الصحابة ومن بعدهم وبذلك قال ابن أبي الحديد وجمع كثير من أصحابه والمعتزلة كجعفر بن مبشر وبشر بن المعتمر وأبي موسي وسائر قد ماء البغداديين من المعتزلة، وأبي القاسم البلخي وأبي الحسين الخياط وهو شيخ المتأخرين من معتزلة بغداد، وأبي جعفر الإسكافي والتفضيل عندهم مرتب بين الخمسة فالأفضل علي ثمالحسن ثم الحسين ثم حمزة ثم جعفر ثم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان [1083] . قال أبو جعفر الإسكافي في هذا المقام: والمراد بالأفضل أكرمهم عند الله، وأكثرهم ثوابا، وأرفعهم في دار الجزاء منزلة [1084] . وقال ابن أبي الحديد: أعجبني هذا المذهب وسررت بأن ذهب الكثير من شيوخنا إليه.

فضل حمزة وجعفر

قلت: ويدل علي أفضلية حمزة وجعفر علي ما سوي علي والحسنين من الصحابة قول النبي (صلي الله عليه وآله) (خير الناس حمزة وجعفر) وعلي ما رواه أبو الفرج الاصفهاني وغيره من محدثي القوم وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم) لجعفر: (اشبهت خلقي وخلقي) ذكره ابن أبي الحديد [ صفحه 585] وغيره [1085] وقوله (صلي الله عليه وآله): (حمزة سيد الشهداء) وهو خبر مشهور بل متواتر وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم) لجعفر: (خلق الناس من أشجار شتي وخلقت أنا وجعفر من شجرة واحدة) أو قال: (طينة واحدة رواه أبو الفرج أيضا [1086] وغيره. ولما قدم جعفر من الحبشة وقد فتحت خيبر التزمه وجعل يقبل عينيه ويقول: (ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا بقدوم جعفر أم بفتح خيبر) ذكره جملة من المحدثين [1087] وما أولانا هنا بذكر أبيات في هذا المعني لحسان بن ثابت من قصيدة يرثي بها جعفر وأصحابه بمؤتة قال في جملتها: رأيت خيار المسلمين تواردوا++ شعوب وخلق بعدهم يتأخر غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم++ إلي الموت ميمون النقيبة أزهر أغر كضوء البدر من آل هاشم++ أبي إذا سيم الظلامة أصعر وكنا نري في جعفر من محمد++ وقارا وأمرا حازما حين يأمر وما زال في الإسلام من آل هاشم++ دعائم صدق لا ترام ومفخر هم جبل الإسلام والناس حولهم++ رضام إلي طود يطول ويقهر بها ليل منهم جعفر وابن أمه++ علي ومنهم أحمد المتخير وحمزة والعباس منهم ومنهم++ عقيل وماء العود من حيث يعصر بهم تفرج الغماء في كل مأزق++ عماس إذا ما ضاق بالناس مصدر هم أولياء الله أنزل حكمه++ عليهم وفيهم والكتاب المطهر [ صفحه 586] روي ذلك محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب المغازي [1088] وما أدري ما تصنع الأشاعرة في هذا الحديث الذي صرح بأفضلية حمزة وجعفر علي أئمتهم؟ وما ذا يقولون فيه وقد رواه محدثوهم كالديلمي وغيره ولفظه في روايته (نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة أنا وحمزة وجعفر والحسن والحسين والمهدي) مع أنهم يقولون إن أفضل الصحابة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، ويبنون علي ذلك ثبوت إمامتهم وهذا الحديث وغيره يبطل ما زعموه، ولازم ذلك بطلان إمامة مشائخهم كما تري وما عسي أن أقول في الفريقين فإن كلا منهما فارق الصواب وتاه في غمرات الشك والارتياب. ثم نرجع إلي إتمام الكلام واستيفاء المرام في إثبات النص علي السبطين بالإمامة فنقول: ومما يصرح بما ذكرناه من ذهاب قوم من الصحابة إلي إمامة الحسنين من جهة النص ما رواه ابن أبي الحديد قال: لما تقاعس محمد يوم الجمل وحمل علي بالراية فضعضع أركان عسكر الجمل دفع إليه الراية وقال امح الأولي بأخري وهذه الأنصار معك وضم إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من الأنصار كثير منهم من أهل بدر فحمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم وابلا بلاء حسنا فقال خزيمة بن ثابت لعلي (عليه السلام) أما أنه لو كان غير محمد اليوم لافتضح إلي أن قال وقالت الأنصار: يا أمير المؤمنين لولا ما جعل الله للحسن والحسين ما قدمنا علي محمد أحدا من العرب، فقال علي (عليه السلام): " أين النجم من الشمس والقمر أما إنه قد أغني وابلا وله فضله " إلي أن قال: فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا والله ما نجعله كالحسن والحسين ولا نظلمهما له ولا نظلمه لفضلهما عليه [ صفحه 587] حقه قال: فقال خزيمة بن ثابت فيه: محمد ما في عودك اليوم وصمة++ ولا كنت في الحرب الضروس مغردا أبوك الذي لم يركب الخيل مثله++ علي وسماك النبي محمدا وأنت بحمد الله أطول غالب++ لسانا وأنداها بما ملكت يدا وأقربها من كل خير تريده++ قريش وأوفاها إذا قال موعدا وأطعنهم صدر الكمي برمجه++ وأكساهم للهام عضبا مهندا سوي أخويك السيدين كلاهما++ إمام الوري والداعيان إلي الهدي الأبيات.. [1089] فأثبت خزيمة (رحمه الله) لهما الإمامة بمحضر من الأنصار وغيرهم من الصحابة، ولا يجوز ذلك لغير نص إذ علي القول بأن الإمامة لا تثبت إلا باختيار المسلمين، ولا يكون الإمام إماما إلا بالبيعة من نفر تثبت بمبايعتهم له الإمامة والحسن والحسين إذ ذاك غير إمامين إذ لم تجر لهما بيعة ولا وقع للمسلمين اختيار فيهما فيكون إثبات الإمامة لهما غير جائز، ولكان أمير المؤمنين (عليه السلام) والصحابة لا يقرون خزيمة علي ذلك، لكنه أثبت لهما الإمامة وهو ذو الشهادتين وقرره علي (عليه السلام) الذي لا يقرر علي باطل قط وخيار الصحابة فيجب أن يكون استفاد إمامتهما من النص وباقي الجماعة مطلعون علي ذلك فلنا ما قرروه علي ما قال فيثبت المطلوب، وما ذلك النص إلي ما نذكره ها هنا وأمثاله مما رواه الصحابة. وروي ابن أبي الحديد أيضا عن نصر بن مزاحم في حديث قال: قام الأعور الشني إلي علي (عليه السلام) في صفين فقال: يا أمير المؤمنين زاد الله في سرورك وهداك، نظرت بنور الله فقدمت رجالا وأخرت رجالا عليك أن تقول وعلينا أن نفعل أنت الإمام فإن هلكت فهذان يعني حسنا وحسينا [ صفحه 588] الحديث [1090] والأمر فيه كالأول فإنه أثبت للحسن والحسين الإمامة، فإن كان من حيث البيعة لهما فلم تجر لهما بيعة علي الناس في ذلك الوقت، وإن كان لنص معلوم عن النبي (صلي الله عليه وآله) بين الصحابة والتابعين، أو لأن الإمامة ميراث النبي (صلي الله عليه وآله) فهي لأقرب الناس إليه وهما الأقرب، فقد ثبت ما نقول وتقرير أمير المؤمنين (عليه السلام) إياه مع باقي الجماعة الأخيار حجة ظاهرة في المقصود.

آية المودة

وما ورد بلفظ المودة فقوله تعالي: [قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي] [1091] وينبغي أولا أن نذكر من المراد بالقربي ثم نبين بعد ذلك دلالة الآية علي الإمامة. فنقول قد ذكرنا في بيان العترة ما يدل من الأخبار صريحا علي أن القربي علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وابن أبي الحديد قد وافقنا علي ذلك وأثبت أن القربي في الآية هم العترة، وقد سمعتن النقل عنه هنالك أن العترة مختصة بمن ذكرناهم دون باقي العشيرة وسائر الذرية، وتقدم عن ابن حجر في الصواعق: إن القربي مؤمنو بني هاشم والمطلب، وقال صاحب المواهب: المراد بالقربي من ينسب إلي جده الأقرب عبد المطلب، وقال ابن عطية: قريش كلها قربي، وقال في إسعاف الراغبين: وفي الآية تفسير آخر وهو أن المعني ولكن أسألكم أن تودوني وتكفوا عني أذاكم بسبب ما بيني وبينكم من القرابة انتهي [1092] ولا ريب في بعد هذا المعني أو عدم كونه مقصودا من اللفظ، لأنه لو كان هذا هو المراد تعين أن تكون الآية خاصة بقريش أو ببعضهم علي ما يقتضيه معني القرابة في اللغة فيكون [ صفحه 589] الخطاب لهم خاصة دون باقي الأمة فلا تجب عليهم مودة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من هذه الآية لفقدان سببها فيهم وهو القرابة بين النبي (صلي الله عليه وآله) وبينهم، وهذا باطل قطعا والاتفاق علي أن الخطاب في الآية لجميع الأمة حاصل فالوجه المذكور فاسد باليقين. وأخبرني بعض الإخوان عن بعض أهل التعصب أنه كان يقول: أن المراد بالقربي العمل والمعني قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة فيما يقربكم إلي الله وهو أقرب إلي اللفظ من سابقه لكنه مقدوح فيه بما ذكره جماعة من أهل اللغة من أن القربي لا يستعمل إلا في الزحم كالقرابة، والقرابة فيما يقرب إلي الله تعالي ذكره في المصباح المنير وتبطل هذه الأقوال جميعها غير الأول بما قدمنا في معني العترة من قول النبي (صلي الله عليه وآله) لما نزلت الآية فسئل من قرابتك الذين نزلت فيهم الآية؟ قال: (علي وفاطمة وابناهما) وما رواه السدي عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله تعالي: [ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا] [1093] قال: " المودة لآل محمد " [1094] ومما يدل صريحا علي إخراج قريش من القربي واختصاصها بمن ذكرنا ما رواه ابن أبي الحديد فيما قدمناه عن أحمد بن حنبل من قول النبي (صلي الله عليه وآله): (قدموا قريشا ولا تقدموها) قال: (أيها الناس أوصيكم بحب ذي قرباها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب) [1095] فخصص (صلي الله عليه وآله وسلم) ذا القربي بعلي (عليه السلام) وأخرج سائر قريش وبني هاشم منها. [ صفحه 590] أما فاطمة والحسن والحسين فهم مثل أمير المؤمنين لم يقل أحد باختصاصه (عليه السلام) دونهم بالقرابة وما رواه أيضا عن أحمد بن حنبل من قول النبي (صلي الله عليه وآله): (إني قائل لكم قولا غير محاب فيه لقرابتي إن السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب عليا في حياته وبعد موته) [1096] فخص القرابة بعلي (عليه السلام) كما تري فصح من هذا كله أن المراد بالقربي علي وفاطمة والحسن والحسين ومن حل محلهم من الأئمة كما ذكرناه في العترة، فمعني القربي ذي القربي ومعني المودة المحبة، وقد ورد في لزوم محبة أهل البيت أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر فمنها ما تلوناه عليك فيما سبق. ومنها ما رواه الترمذي والحاكم وصححه علي شرط الشيخين عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (أحبوا الله لما يغنيكم به وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي بحبي) [1097] . وأخرج الحاكم عن أبي هريرة أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال: (خيركم خيركم لأهلي من بعدي) [1098] وأخرج ابن سعد والملا في سيرته أنه (صلي الله عليه وآله) قال: (استوصوا بأهل بيتي خيرا فإني أخاصمكم عنهم غدا ومن أكن خصمه أخصمه ومن أخصمه خصمه الله) [1099] . [ صفحه 591] وقال في إسعاف الراغبين: وروي أنه (صلي الله عليه وآله) قال: (الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي الله عز وجل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة حقنا) [1100] . وروي الديلمي والطبراني والبيهقي وأبو الشيخ بن حيان مرفوعا أنه (صلي الله عليه وآله) قال: (لا يؤمن عبد حتي أكون أحب إليه من نفسه وتكون عترتي أحب إليه من عترته وأهلي أحب إليه من أهله وذاتي أحب إليه من ذاته) [1101] . وفي الاسعاف وروي أبو الشيخ عن علي (عليه السلام) قال خرج رسول الله (صلي الله عليه وآله) مغضبا حتي استوي علي المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال: (ما بال رجال يؤذنني في أهل بيتي والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتي يحبني ولا يحبني حتي يحب ذريتي) [1102] . وروي أحمد مرفوعا: (من أبغض أهل البيت فهو منافق). وعن أبي سعيد أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار) رواه الحاكم وصححه علي شرط الشيخين [1103] . وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة أنه (صلي الله عليه وآله) قال في حسن وحسين (عليه السلام): (اللهم إني أحبهما وأحب من يحبهما) [1104] . [ صفحه 592] وروي الترمذي وأحمد عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة) [1105] والأحاديث في هذا الباب لا تحصي كثرة وكلها مصرحة بوجوب حبهم وتحريم بغضهم واستحقاق مبغضهم دخول النار. قال الفخر الرازي: إن أهل بيته يعني النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ساووه في خمسة أشياء إلي أن قال وفي المحبة قال الله تعالي: [فاتبعوني يحببكم الله] [1106] وقال تعالي: [قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي] [1107] . واعلم أنه يفهم من هذه الأخبار أن المحبة واجبة لمن ذكرناهم دون قريش وسائر بني هاشم وبعضها مصرح بذلك لتخصيص المحبة فيها بعلي وفاطمة والحسنين فيحمل عليه غيره وأيضا لو وجبت المودة لقريش وبني هاشم كافة لوجبت معرفتهم لأنها هنا مودة خاصة بمعني المتابعة لهم ومخالفة من يخالفهم، وليست بمودة عامة كمودة سائر المؤمنين بعضهم لبعض من حيث الإيمان والأخوة في الدين وإذا كانت المودة هنا بمعني المتابعة التامة كما سنبينه وحيث معرفة متعلقها لأن من ليس بمعروف ليس بمتبوع فليس بمحبوب، بل مطلق المحبة إذا وجبت وجب أن يعرف من وجبت له وليس تجب معرفة أحد من ذوي رحم النبي (صلي الله عليه وآله) بالإجماع غير الأئمة وفاطمة (عليهم السلام) فيتعين أن يكونوا هم المعينين بالمودة والمخصوصين بالقربي والمجتبين للمتابعة دون من سواهم، إذا تحققت ذلك فاعلم أن الآية دالة [ صفحه 593] علي إمامة ذوي القربي من جهة وجوب مودتهم ولزوم محبتهم، وحقيقة المحبة الميل إلي المحبوب وإيثار مرضاته ومحبوباته علي مرضاة النفس ومحبوباتها، والتأدب بآداب المحبوب والتخلق بأخلاقه كما يشير إليه قوله تعالي: [قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله] وهذه الحالة هي المتابعة أو أنها تستلزمها، وقد قال الصبان الشافعي في معني المحبة: إن المحبة المعتبرة الممدوحة هي ما كانت مع اتباع سنة المحبوب [1108] وبالجملة أن المحبة الحقيقية إما أنها نفس المتابعة للمحبوب لأنها عبارة عن الميل إليه وانجذاب النفس إلي طلب رضاه ومرجعها إلي طاعة المحب للمحبوب، وإما أنها مستلزمة للمتابعة يجعلها حالة في النفس لأجلها يطلب مراضي المحبوب ويجتنب لها مسخوطاته إلا أن الأول هو المراد من الآية لأنه تعالي أراد المودة الخاصة التي هي بمعني الموالاة لهم وقبول أقوالهم والأخذ بها ويوضح هذا المعني أنه تعالي أوجب مودة ذوي القربي علي المكلفين ولا يكلف الله العباد ما لا يطيقون لأنه قبيح عقلا ومنفي شرعا، ومن المتيقن أن المكلفين قادرون علي المودة التي هي بمعني المتابعة وليسوا بقادرين علي تحصيل تلك الحالة التي تدعوا إلي المتابعة لأنها من فعل الله لا من فعل المكلف فلا يستطيع أحد أن يلقي في نفسه محبة أحد ولا بغض أحد، وإنما تحدث المحبة بأسباب أخر خارجة عن نفس إرادة الإنسان كما قال الله تعالي: [ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل] [1109] فلا تكون المحبة بهذا المعني مطلوبة من المكلف لعدم قدرته عليها وقبح تكليف الإنسان بما ليس في وسعه، والحاصل أن هذه المودة قبل حصولها لا تطلب من المكلف لخروجها عن طاقته وبعد حصولها له لا معني لطلبها منه، لأنه تحصيل حاصل وهو ممتنع، ولأن المطلوبية تقتضي [ صفحه 594] التكليف وهو يستلزم المشقة ولا مشقة في المودة بعد حصولها، وإنما المشقة في تركها فلا فائدة في التكليف بها حينئذ فيتعين أن المطلوب هو المودة بالمعني الأول، أعني المتابعة لأنها هي المقدور عليها والحصول المشقة فيها وتعلق فائدة التكليف وهو بيان المطيع من العاصي بها، فالتكليف بها حسن ويشير إلي ما ذكرنا قول النبي (صلي الله عليه وآله) فيما رواه ابن خالويه: (من مات علي حب آل محمد مات شهيدا ألا ومن مات علي حب آل محمد مات مؤمنا ألا ومن مات علي حب آل محمد يزف إلي الجنة كما تزف العروس إلي زوجها) [1110] لعدم حصول الإيمان وغيره من المذكورات بدون المتباعة في القول والعمل إذ لو كان المراد غير المتابعة من المحبة في الخبر لاستحق ما ذكر الفساق بل الكفار إذا حصل لهم حالة تقتضي الميل إلي آل محمد وهذا باطل البتة، فالمعني من مات علي متابعة آل محمد مات شهيدا الخ نعم المودة بمعني المتابعة يحصل منها المعني الآخر لأن متابعة شخص لآخر وقبول قوله ورضاه بحكمه مما يبعث علي زيادة الميل إليه والأخذ عنه واقتفاء آثاره في أفعاله فإذا تكررت صارت صفة حاصلة في النفس حتي تصير ملكة كباقي الملكات لا ينكر هذا ذو روية، ومن جملة ما حررناه تبين وتعين أن المراد بالمودة في القربي هي متابعتهم، وإذا وجبت متابعتهم في الأقوال والأفعال وجب أن يكونوا هم الأئمة إذ لا مفروض طاعته غير الإمام ولا يجب اتباعه علي التعيين إلا الرئيس العام، علي أن حمل الآية علي المعني الثاني من المودة لا يضرنا في الاستدلال بها علي المقصود، لأن فرض المتابعة وفرض ما لأجله تحصل المتابعة سيان في [ صفحه 595] إفادة إيجاب الطاعة وإنما ذكرنا ما ذكرنا لبيان أن المودة في الآية لا يصح جعلها بمعني الحالة المستلزمة للمتابعة لمكان المطلوبية ولا يطلب غير المقدور وإلا فالآية علي الإطلاق تدل علي مطلوبنا. ومما يناسب المقام ما أخرجه السلفي عن محمد بن الحنفية في قوله عز وجل: [إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا] [1111] أنه قال: لا يبقي مؤمن إلا وفي قلبه ود لعلي (عليه السلام) وأهل بيته، قال في الإسعاف: وذكر النقاشي في تفسيره أنها نزلت في علي [1112] (عليه السلام) فيكون المراد أن محب علي وأهل بيته لا بد أن يكون مؤمنا، وأن المؤمن لا محالة يكون مودا لهم ومبغضهم ليس بمؤمن البتة فصح أن الإيمان لا يتم إلا بمتابعتهم، وما لا يتم الإيمان إلا بمتابعته فهو إمام بلا شك.

آية الاعتصام

وما ورد بلفظ الاعتصام ما أخرجه الثعلبي في تفسير قوله تعالي: [واعتصموا بحبل الله جميعا] عن جعفر الصادق أنه قال: (نحن حبل الله) وهو مناسب لما تقدم من جعل النبي (صلي الله عليه وآله) الكتاب والعترة حبلين ممدودين [1113] وفي معناه ما رواه في الاسعاف عن جماعة من أصحاب السنن عن عدة من الصحابة أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجئ ومن تخلف عنها هلك)، وفي رواية (غرق)، وفي أخري (زج في النار) قال: وفي أخري عن أبي ذر زيادة وسمعته يقول: (اجعلوا أهل بيتي منكم مكان [ صفحه 596] الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأس ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين). [1114] أقول: وهذه الأحاديث مصرحة بوجوب اتباع العترة والاقتداء بهم، ناصة علي نجاة متبعهم وهلاك مخالفهم، وأن الهداية لا تحصل إلا بهم، لأن الاعتصام والركوب وجعلهم كالعينين من الرأس كله كناية عن متابعتهم وعبارة عن الأخذ بقولهم لا معني له غير ذلك، وهذه هي الإمامة بعينها إذ لا يجب علي المكلفين متابعة غير الإمام، فهذه من أوضح النصوص علي إمامة العترة وبطلان أقوال جميع من سواهم من الناس مما يخالف أقوالهم وفسادها، لأن من عمل بقول غيرهم أو مخالفهم في قول أو عمل فقد ترك الاعتصام بحبل الله وتخلف عن سفينة النجاة، وتبع العجز وترك الرأس ومن كان كذلك زج في النار فأين يذهب بابن أبي الحديد وأصحابه والأشعري وفريقه ومن أعرض عن أهل البيت، وقدم عليهم غيرهم، وفضله عليهم مع علمهم بورود هذه الأدلة أليسوا بذلك قد تعمدوا الهلاك واقتحموا في غمرة الضلال فتراهم يكفرون من لعن أحدا من الصحابة ولا يكفرون معاوية وتابعيه إذ لعنوا أمير المؤمنين (عليه السلام) وأولاده وهو تاج الصحابة وسيد المسلمين مع اشتهار قول النبي (صلي الله عليه وآله) فيه بينهم (من سبك فقد سبني ومن سبني فقد سب الله) [1115] وهذا من أدل الأدلة علي تركهم العمل بمضمون ما رووه في حق أهل البيت (عليه السلام)، وإعراضهم عنه علي عمد، ومن أعجب الأمور إنكارهم النص عليهم والوصية من النبي (صلي الله عليه وآله) وأي نص أصرح من هذه النصوص وأي وصية أبلغ من هذه الوصية؟ وما أدري لو أراد أحد أن يوصي بمتابعة آخر عند هؤلاء ماذا يقول بأجلا من هذه الأقوال ينطق كلا، ولكنهم مالوا عن الحق [ صفحه 597] وأعرضوا عنه صفحا.

الولاية والوصية والوراثة

ومما ورد في أن الولاية والوصية والوارثة في أهل البيت قول أمير المؤمنين في بعض خطبه في النهج: (لا يقاس بال محمد من هذه الأمة أحد ولا يسوي بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا هم أساس الدين وعماد اليقين إليهم يفئ الغالي وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة الآن إذ رجع الحق إلي أهله ونقل إلي منتقله) [1116] الخطبة والمراد بالولاية ولاية النبي (عليه السلام) علي الأمة بقوله تعالي: [النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم] [1117] وهذه هي الإمامة، والمراد بالوصية وصية النبي (عليه السلام) بمتابعتهم ونصه عليهم بالإمامة، والمراد بالوراثة وراثة العلم والمنزلة وهي الإمامة إذ لا نبوة بعد النبي (صلي الله عليه وآله)، وليس كما ذكره ابن أبي الحديد من أن الوصية ليست النص والخلافة، بل هي أمور أخر كما تقدم ذكره عنه إذ لا تمدح ولا فضيلة في الوصية بدون الخلافة من الأمور التي عظمها هناك، وليس مقصود أمير المؤمنين (عليه السلام) من الكلام كله إلا إظهار إمامة الآل وتقدمهم علي جميع الأمة بسبب ولاية الرسول (صلي الله عليه وآله) ووصيته إليهم بالأمر، ولهم بالطاعة من الأمة والمتابعة، ولو كان غير ذلك لما كان فيه عظيم خطر يوجب ألا يقاس بهم أحد، فقد أوصي النبي (صلي الله عليه وآله) إلي كثير من أصحابه، في أمور عهد إليهم في أشياء كثيرة كسلمان وأبي ذر وحذيفة وعمار حين قال له: (تقتلك الفئة الباغية) [1118] وغيرهم من الصحابة يطول تعدادهم وعهد إلي جملة من الأنصار أن يقاتلوا مع علي الناكثين والقاسطين [ صفحه 598] والمارقين كما روي عن أبي أيوب الأنصاري [1119] وقد روي المعتزلي وغيره، ذلك ولم يقل أحد أنهم أوصياء رسول الله (صلي الله عليه وآله) لذلك، وعهد إلي عائشة والزبير [1120] أنهما يخرجان إلي قتال علي (عليه السلام) وهما له ظالمان، وأخبر عائشة أنها تركب الجمل الأزب وتنبحها كلاب الحوأب يقتل حولها قتلي كثير كلهم في النار وتنجو بعد ما كادت رواه المعتزلي [1121] وغيره، وأخبر معاوية علي ما رووا أنه يلي الأمة ويتخذ السنة بدعة والبدعة سنة [1122] إلي غير ذلك، ولم يصر أحد من هؤلاء وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بذلك فليس المراد من الوصية إلا النص والخلافة، لأنهما هم المتبادران من قولنا: فلان وصي النبي، وأيضا أن مقام المدح يقتضي اختصاص الممدوح بتلك الصفة دون غيره، ومن المعلوم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قصد اختصاص أهل البيت بهذا الوصف [ صفحه 599] وأخويه دون من سواهم من الأمة كما يصرح بذلك قوله في أول الكلام: (لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد ولا يسوي بهم من جرت نعمتهم عليه) ثم ذكر ما لهم من الأوصاف التي اختصوا بها ولم تكن في غيرهم حتي يصح ما قاله من عدم مقايسة غيرهم بهم وعدم تسويته بهم فقال: (هم أساس الدين) إلي آخر الأوصاف التي من جملتها أن فيهم الوصية، ولو شاركهم غيرهم في هذه الصفات إذن لارتفع المدح بزوال الاختصاص، ولم يقع الكلام موقعه والوصية ببعض الأمور كما ذكر الخصم لا يختصون بها لما ذكرناه من إيصاء النبي (صلي الله عليه وآله) بأمور مخصوصة لأناس كثير من أصحابه بالخصوص ولجملتهم بقوله: (خلفت فيكم الثقلين) وقوله: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب حتي لا يبقي فيها إلا مؤمن) أو قال: (مسلم موحد وأجيزوا الوفد بمثل ما أجيزه) وقوله: (كفنوني في كذا وكذا وادخلوا علي فوجا فوجا للصلاة علي) ولقريش خاصة بقوله: (أوصيكم بالأنصار خيرا فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم) [1123] وكثير من أمثال هذا، ولما كانت الوصية ببعض الأمور ليست مما تميزوا بها عن غيرهم واختصوا بها دون من سواهم وجب حمل الوصية علي ما لم يشاركهم فيه غيرهم، وليس إلا النص والخلافة وثبت المطلوب وأما قول ابن أبي الحديد: لعلها أي تلك الأمور إذا لمحت أشرف وأجل يعني من النص والخلافة، فهو باطل مخدوش إذ لا منصب أجل من الإمامة، ولا منزلة أشرف من الخلافة، فإنها مقام الأنبياء ومنزلته الأولياء الأصفياء قال الله تعالي لإبراهيم: [إني جاعلك للناس [ صفحه 600] إماما] [1124] فمن عظمها عنده قال: [ومن ذريتي] يعني واجعل من ذريتي إماما فكان فرحه بها أعظم من فرحه بالنبوة لسر لا يعلمه ابن أبي الحديد ولا أصحابه وقال تعالي لداود: [يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض] [1125] فأي مقام أشرف وأعلا من مقام يمن الله علي أنبيائه الكرام بجعلهم من أهله وإعطائهم إياه، ولعمري ما عرف ابن أبي الحديد وأصحابه قدر الإمامة، بل ولا فهموا معناها وإنما فهموا منها ما فهمه بعضهم حيث جعلها من أمور الدنيا ولم يدر أنها الشرف الأسني، والمقام الأعلي الذي لا يصلح له إلا الأنبياء وكرام الأوصياء، وأن جميع الأمور الدينية والدنيوية تبع لها، والأعمال مشروطة بها ومنوط صحتها بمعرفتها، وأن (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات جاهليا) ولو عرف المعتزلي ذلك حق المعرفة لما تفوه بما قال ولما حكم بأن غير المنصب من الله والمنصوص عليه من رسول الله أهل للإمامة، فقد لعمر الله جهل هو وأصحابه مقامها، وصغر وأقدرها، وهونوا أمرها، وحقروا جلالتها، ووضعوا شرفها، وجعلوا أمرها إليهم وزمامها بأيديهم، وهي التي جعلها الله لرسله وأوصيائهم، واختص بها أنبيائه والأصفياء من أوليائهم فقال: [وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا] وكذلك الوراثة كما ذكرنا ليس كما قال ابن أبي الحديد: إنها وراثة العلم خاصة، لما بيناه في لفظ الوصية لأن الكلام يقتضي اختصاصهم بالوراثة دون سائر الأمة وعدم مشاركة أحدهم فيها، إذ لولا ذلك لما كانوا هم الوارثين خاصة، بل هم شركاء غيرهم وحملها علي وراثة العلم يزيل الاختصاص فإن كثير من الصحابة قد أخذوا عن النبي (صلي الله عليه وآله) علما ورواية كعبد الله بن مسعود وسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وأبي بن كعب وجابر بن [ صفحه 601] عبد الله وزيد بن ثابت وعبد الله بن العباس في أضرابهم وأشباههم وقد روي الخصم حديث: (العلماء ورثة الأنبياء) [1126] فأي مزية لأهل بيت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأية خصوصية لهم في شئ شاركهم فيه جمع كثير من الناس وساهمهم فيه جم غفير من الأمة حتي يقال لهم وراثة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) دون غيرهم، والحال إن غيرهم قد قاسمهم إياها وأخذ نصيبه منها، فوجب لهذا حمل الوراثة علي المنزلة والعلم معا ليثبت الاختصاص وعلي المال أيضا لبطلان رواية (لا نورث) كما سبق بيانه فتبين أن منزلة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ميراث لهم كما أن جميع ماله وعلمه لهم فهم خلفاؤه وأولياؤه وسفراؤه ويصدق هذا قول الله تعالي: [وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله] [1127] علي أنا لو قبلنا قول ابن أبي الحديد لم يكن الكلام خارجا عن الدلالة علي ما نقول، لأن أهل البيت إذا كانوا وارثين علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وجب أن يكونوا خلفاؤه لوجوب الرجوع إليهم في الحلال والحرام والقضايا والأحكام لأن علم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عندهم وغيرهم خلو منه، وإذا وجب الاقتداء بهم في أحكام الدين وجب أن يكونوا هم الأئمة لأن المقتدي به عندنا هو الإمام، ومن ليست له هذه المنزلة إذا ادعي الإمامة فهو ظالم غاصب ومتقول كاذب ولاشتراط الأعلمية عندنا في الإمامة كما بين من قبل ويثبت المقصود، وليس لأحد أن يترك الاقتداء بهم ويعدل عنهم إلي غيرهم لأنه يكون تاركا للعمل بقول النبي (صلي الله عليه وآله) تعمدا لأن علمه عندهم فمن أخذ يقول من خالفهم فقد خالف النبي (صلي الله عليه وآله) يقينا، فتثبت لهم بذلك الإمامة قطعا والله الهادي وقوله (عليه السلام): (الآن إذ [ صفحه 602] رجع الحق إلي أهله) الخ صريح في أن الخلافة قبل أن يملك هو أمرها ظاهرا كانت في غير أهلها فهي مغصوبة منهوبة وهو نص مذهبنا وبالله المستعان. ومما ورد في المعني قول أمير المؤمنين في بعض خطبة في النهج: (نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم، ناصرنا ومحبنا ينتظر الرحمة، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة) [1128] وهذه الخطبة ظاهرة في أن أهل البيت وارثو منزلة الرسول وعلمه وحكمه لأن قوله: (نحن شجرة النبوة) يشير به إلي أن ميراث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد صار لهم لأنه (صلي الله عليه وآله) منهم إذ ليس يجوز أن يريد أنهم أنبياء لأن النبوة قد ختمت بنبينا (صلي الله عليه وآله) وكذلك قوله: (ومحط الرسالة) فإن مقام رسالة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) صار لهم فهم المؤدون عنه إلي الأمة أحكام الدين التي بعث بها، والحافظون لها ألا تسمع إلي قول النبي (صلي الله عليه وآله): (لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني) وفي حديث مضي قبل أنه قال لعلي (عليه السلام: (وأنت تؤدي عني) وقوله في حديث رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن جيش بن جنادة قال قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا علي) [1129] فهم خلفاؤه وأمناؤه وخلصاؤه وسفراؤه وليس يريد أنهم رسل لأن الرسالة كملت برسولنا محمد (صلي الله عليه وآله) وأما قوله: (ومختلف الملائكة) فلأن الأئمة (عليه السلام) تنزل عليهم الملائكة وتخاطبهم وليس ذلك ببدع فقد خاطبت الملائكة مريم بما حكاه الله تعالي: [يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك] الآية وقول جبرئيل لها: [إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما [ صفحه 603] زكيا] [1130] وخاطبت سارة بما قصه الله قالوا: [أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت] [1131] فلا يمتنع في خلفاء النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ما جاز في حق سارة ومريم، وقد قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) في حديث مر ذكره: (إنك تري ما أري وتسمع ما أسمع إلا أنك لست بنبي) وهو صريح في المطلب ويدل عليه أيضا قوله تعالي: [إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أوليائكم في الحياة الدنيا والآخرة] [1132] الآيتين فهم أولئك إذ لا غيرهم من الأمة هكذا، وباقي الخطبة ظاهر المعني وهو ينادي بنجاة متبعهم وهلاك معاديهم، ويصرح بأنهم وارثو منازل الرسول ومراتبه وذلك هو المراد.

اهل البيت هم الناس المحسودون علي ما آتاهم الله

ومما ورد بأنهم أوتوا من فضل الله ما حسدهم الناس عليه قوله تعالي: [أم يحسدون الناس علي ما أتاهم الله من فضله] [1133] فقد ذكر ابن أبي الحديد إن الآية نزلت في علي (عليه السلام) [1134] وذكر في إسعاف الراغبين عن بعضهم في الآية عن الباقر أنه قال: (أهل البيت هم الناس) [1135] وهذه الآية صريحة في إمامة أهل البيت، وأنها هي الشئ الذي أتاهم الله إياه من فضله وحسدهم الناس عليه، لأن الناس لم يحسدوهم علي مال أوتوه ولا ثروة حصلوها ولا جواهر اختزنوها، وإنما حسدوهم علي الخلافة ونازعوهم في الإمامة، فالآية دالة علي أن الله آتاهم الإمامة وجعلها فيهم وذلك ظاهر. [ صفحه 604]

الاقوال والأفعال الدالة علي فضلهم

وأما الأقوال والأفعال الدالة علي تعظيم أهل البيت وجلالة شأنهم، ورفعة قدرهم، والمشيرة إلي أنهم خلفاء النبي (صلي الله عليه وآله) الراشدون، والمومية إلي أنهم الأئمة المرضيون، فكثيرة نذكر منها جملة وافرة. فمنها قوله تعالي: [إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا] إلي قوله تعالي: [إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا] [1136] فقد صح في الرواية أن هذه السورة نزلت في حق علي وفاطمة والحسن والحسين حين جادوا بقوتهم ثلاث ليال علي المسكين واليتيم والأسير وهم مع ذلك يصومون النهار، قال ابن أبي الحديد مشيرا إلي علي (عليه السلام) وفيه أنزل قوله تعالي: [ويطعمون الطعام علي حبة مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا] [1137] انتهي فانظر إلي ما وصفهم الله تعالي به في هذه الآيات من الأوصاف الجليلة، وإلي ما مدحهم به من الخصال الجميلة من كونهم أبرارا وأنهم يوفون بالنذر، ويخافون يوم القيامة وخوف الآخرة من وصف أهل الإيمان الكامل كما أن عدم خوفها من وصف أهل الكفران قال تعالي: [يستعجل بها الذين كفروا والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق] [1138] ووصفهم بالسخاء والجود وهو إطعام الطعام علي حبه أي في وقت حاجتهم إليه وذلك غاية الجود، ووصفهم بصفاء النية وصدق؟؟ وأنهم لم يقصدوا بفعلهم إلا وجهه الكريم ورجاء ما عنده من الثواب الجسيم، ولم يريدوا بما فعلوا جزاء ولا محمدة من المسكين والأسير واليتيم، ثم انظر إلي ما وعدهم الله من الثواب الجزيل وما أعد لهم من العطاء العميم بقوله: [فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة [ صفحه 605] وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا] [1139] إلي آخر الآيات المشتملة علي ذكر ما أعد لهم من أفضل الهبات، فهل رأيت وليا من الأولياء غيرهم جمعت له في القرآن هذه الصفات، أو صفيا من الأصفياء سواهم حين أعدت لهم هذه العطيات، وهل هذه الأوصاف إلا أوصاف النبيين والمرسلين؟ فإنهم وإن لم يكونوا أنبياء ورسلا فإنهم كانوا من سبلهم سالكين، ولمآثرهم ولمراتبهم ومنازلهم وارثين أفليس في ذلك كله إشارة إلي إمامتهم، وإيماء إلي خلافتهم، إن لم تكن دلالة واضحة وعلامة لائحة. ومنها ما رواه ابن أبي الحديد عن ابن ديزيل في كتاب صفين عن بعل بن بعيد الحنفي عن إسماعيل السدي عن زيد بن أرقم قال: كنا مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو في الحجرة يوحي إليه ونحن ننتظره حتي اشتد الحر فجاء علي بن أبي طالب ومعه فاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) فقعدوا في ظل حائط ينتظرونه، فلما خرج رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) رآهم فأتاهم ووقفنا نحن مكاننا ثم جاء إلينا وهو يظلهم بثوبه ممسكا بطرف الثوب وعلي ممسك بطرفه الآخر، وهو يقول: (اللهم إني أحبهم فأحبهم اللهم إني سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم) [1140] قال: فقال ذلك ثلاث مرات ورواه الحاكم في مستدركه أيضا وهو شاهد بأن مقام الرسول لهم حيث جعل سلمهم سلمه وحربهم حربه. ومنها ما رواه أحمد بن حنبل عن النبي (صلي الله عليه وآله): (إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض) وفي رواية صححها الحاكم علي شرط الشيخين: (النجوم أمان لأهل الأرض [ صفحه 606] من الغرق وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف). وأخرج جماعة عنه (صلي الله عليه وآله) أنه قال: (النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي) وفي أخري: (أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون) [1141] . قال فسي الاسعاف: وقد يشير إلي هذا المعني قوله تعالي: [وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم] [1142] أقيم أهل بيته مقامه في الأمان لأنهم منه وهو منهم كما ورد في بعض الطرق انتهي [1143] وهذا دال علي أنهم خلفاؤه والقائمون مقامه وتدل أيضا، علي وجود إمام منهم في كل زمان قائم مقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ليحصل به الأمان لأهل الأرض من الذهاب والاختلاف، وهو عين ما نقول وقد تقدم ذكر هذه الأخبار وتمام تحقيقها في مقدمة الكتاب. ومنها ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال في حسن وحسين: (اللهم إني أحبهما وأحب من يحبهما) [1144] وروي الترمذي عن أسامة أنه (صلي الله عليه وآله) أجلس الحسن والحسين يوما علي فخذيه وقال: (هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما) [1145] وروي عن أنس بن مالك أن النبي (صلي الله عليه وآله [ صفحه 607] وسلم) سئل أي أهل بيتك أحب إليك؟ فقال: (الحسن والحسين) [1146] . وروي الطبراني وابن أبي شيبة أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال فيهما: (اللهم إني أحبهما فأحبهما وأبغض من أبغضهما) [1147] . وروي ابن عساكر وابن مندة عن أنس أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا) [1148] ومثله في الصحيحين عن ابن عمر، ومن هذا الباب كثير من الأحاديث المروية في صحاح القوم مما لا ينكر روايتهم ابن أبي الحديد ولا غيره، ولا يرتاب فيها، وليسوا من الشيعة الذين قال إنه لا يحفل بروايتهم ولا يلتفت إليها وكلها دالة علي تفضيل الحسن والحسين لأن محبة النبي (صلي الله عليه وآله) لهما يلزم منها محبة الله لهما إذ لا يحب النبي (صلي الله عليه وآله) إلا من يحبه الله ومحبة الله لهما يلزم منها كثرة ثوابهما، وذلك هو الفضل فيجب لهما الإمامة إذ لا يجوز تقديم المفضول علي الأفضل، وأيضا إن تلك الأقوال من النبي (صلي الله عليه وآله) تقتضي وجوب محبتهما علي الأمة وولايتهما وتشير إلي عدم رضاه بتقدم غيرهما عليهما. ومنها ما رواه ابن عساكر وابن مندة أن فاطمة أتت بابنيها فقالت: (يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئا) فقال: (أما حسن فله هيبتي وسؤددي وأما حسين فله جرأتي وجودي) وفي رواته: (أما الحسن فقد نحلته حلمي وهيبتي وأما الحسين فقد نحلته نجدتي وجودي) [1149] فهذا الحديث يصرح بأن [ صفحه 608] الحسن والحسين قد ورثا خصال النبي الحميدة فيكونان وارثي مقامه كما ورثا أخلاقه. ومنها ما رواه ابن أبي شيبة وأحمد وجماعة من أصحاب الصحاح عن بريدة قال: كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يخطب إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ويقومان فنزل (صلي الله عليه وآله وسلم) وحملهما واحدا من ذا الشق وواحد من ذا الشق ثم صعد المنبر فقال: (صدق الله: إنما أموالكم وأولادكم فتنة إني نظرت إلي هذين الغلامين يمشيان ويعثران فلم أصبر فقطعت كلامي ونزلت إليهما) [1150] . وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال أقبل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وقد حمل الحسن علي رقبته فلقيه رجل فقال: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (ونعم الراكب) [1151] . وروي الترمذي عن يعلي بن مرة قال قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط) [1152] . وعن زيد بن أبي زياد قال خرج رسول الله (صلي الله عليه وآله) من بيت عائشة فمر علي بيت فاطمة فسمع حسينا يبكي فقال: (ألم تعلمي [ صفحه 609] أن بكاءه يؤذيني) [1153] عن البراء بن عازب قال رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حامل الحسين علي عاتقه وهو يقول: (اللهم إني أحبه فأحبه) ومثل ذلك روي في الحسن [1154] . وروي النسائي بسنده عن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله (صلي الله عليه وآله) لصلاة العشاء وهو حامل الحسين فتقدم النبي (صلي الله عليه وآله) للصلاة فوضعه ثم كبر وصلي فسجد بين ظهراني صلاته سجدة فأطالها قال فرفعت رأسي فإذا الصبي علي ظهر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو ساجد فرجعت إلي سجودي فلما قضي رسول الله (صلي الله عليه وآله) صلاته قال: الناس يا رسول الله سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتي ظننا أنه قد حدث أمر، وأنه يوحي إليك فقال (صلي الله عليه وآله): (كل ذلك لم يكن ولكني ارتحلني الحسن فكرهت أن أعجله حتي ينزل) [1155] وقريب [1156] منه رواه ابن سعد عن عبد الله بن الزبير وزاد فيه ولقد رأيته يعني النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو راكع يفرج له يعني الحسن بين رجليه حتي يخرج من الجانب الآخر [1157] فانظر إلي هذا التعظيم الجليل من النبي (صلي الله عليه [ صفحه 610] وآله وسلم) للحسن والحسين، أتراه يرضي أن يكونا سوقه يتأمر عليهما غيرهما أو ما في هذا التبجيل منه لهما إشعار بإرادته تقديمهما وتنبيه للأمة علي تعظيمهما وتفخيمهما وتسليم الأمر إليهما وانقياد الناس إلي حكمهما بلي والله فيه دليل ظاهر وبيان واضح وزاهر. ومنها ما رواه الثعلبي عن علي (عليه السلام) قال شكوت إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) حسد الناس فقال لي: (أما ترضي أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا). وروي الطبراني عن أبي رافع أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال لعلي: (أنا أول أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا خلف ذرياتنا). وروي أيضا عن علي (عليه السلام) أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (أول من يرد علي الحوض أهل بيتي ومن أحبني من أمتي) [1158] . وروي الديلمي مرفوعا (من أراد التوسل وأن تكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم) [1159] وهذه الأحاديث كما تري ظاهرة في مشاركة أهل البيت للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في مزاياه وصريحة في اتصالهم به في آخرته كما أنهم متصلون به في دنياه لا يزايلهم، ولا يزايلونه ولا يفارقهم ولا يفارقونه فهم أول وارد عليه حوضه، وهم الداخلون معه جنته، والراقون علي إثره درجته، وإن من [ صفحه 611] وصلهم وادخل السرور عليهم كانت له يد علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يستحق بها شفاعته ويستوجب بها عنايته أفليس في هذا دلالة علي أنهم أولي بمقام الرسول (صلي الله عليه وآله) وإشارة إلي أنهم أحق بخلافته من كل أحد والأحاديث في تبجيلهم وتفضيلهم كثيرة في كتب الخصوم استقصاؤها يوجب الاطناب والملال وليس هذا بكتاب حديث وإنما هو كتاب استدلال فالاقتصار علي ما ذكرنا أولي وفيه كفاية للعقلاء وسيأتي جملة من النصوص نذكرها في مقامات تليق بها فارتقب. [ صفحه 613]

الائمة اثني عشر لا يزيدون ولا ينقصون

الأئمة اثني عشر إماما لا يزيدون ولا ينقصون لما استفاض عند الخصوم من قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثني عشر إماما كلهم من قريش) وما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عهد إلينا أنه يكون بعده اثني عشر خليفة [1160] ولتواتر النقل عندنا في ذلك عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وعن علي (عليه السلام) ودعوي قوم من الخصوم أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا) [1161] باطلة وكثير منهم يبطل هذا الحديث الذي لا شك في بطلانه، والمعتزلة كافة يبطلون هذه الدعوي ولا ريب أن هذا حديث موضوع، ويكفي في رده حديث: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) [1162] وهو متفق [ صفحه 614] عليه وصريحة أن لكل زمان إماما تجب معرفته ولا تجب معرفة ملك جائر البتة كما أوضحناه سابقا، والأحاديث المتفق عليها في المهدي وأنه خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) حقا، وبالجملة بطلان تلك الدعوي ظاهر لا يحتاج إلي تطويل القول فيه ما بيناه في المقدمة من وجوب استمرار الإمامة وما أقمنا عليه من الأدلة وأول الأئمة الاثني عشر وسيدهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم ابنه الحسن، ثم أخوه الحسين، ثم ابنه علي بن الحسين زين العابدين، ثم ابنه محمد بن علي الباقر ثم ابنه جعفر بن محمد الصادق، ثم ابنه موسي بن جعفر الكاظم، ثم ابنه علي بن موسي الرضا، ثم ابنه محمد بن علي الجواد المعروف بالتقي، ثم ابنه علي بن محمد الهادي الموصوف بالنقي، ثم ابنه الحسن بن علي الزكي العسكري، ثم ابنه المنتظر المهدي سمي جده النبي (صلي الله عليه وآله) وقد تواتر النقل عندنا عن النبي (صلي الله عليه وآله) بأسمائهم وأنهم الأئمة من بعده، ووصفهم لجماعة من أصحابه منهم جابر بن عبد الله الأنصاري، وأخبره أنه يدرك محمد بن علي الباقر وأمره أن يقرأه عنه السلام ففعل [1163] والقصة مشهورة عند مخالفينا، وفضل هؤلاء الأئمة عند خصومنا مشهور، وفي مصنفاتهم مذكور، قد ذكرهم ابن أبي الحديد في ذكره مفاضلة هاشم وعبد شمس بجميل الذكر وأثني عليهم بأحسن الثناء وذكرهم أبو العباس الدمشقي في تاريخه ووصفهم بالإمامة ومدحهم بالعلم والشهامة وذكر لهم جملة من الكرامات والإخبار عن المغيبات والكلام علي أسرار القلوب [ صفحه 615] المضمرات وصنف محمد بن طلحة الشامي كتاب مطالب السؤل في ذكرهم ونعتهم، وصاحب كتاب الفصول المهمة صنفه في وجوب معرفتهم، وعلي بن عيسي الأربلي جمع كتاب كشف الغمة في جمع مناقبهم وفضائلهم، وذكرهم محمد بن علي الصبان الشافعي في إسعاف الراغبين، ووصفهم بالأوصاف الجليلة مع شدة عداوته للشيعة وكثرة تعصبه عليهم كما يعرفه منه من رأي كتابه المشار إليه وذكرهم ابن خلكان في تاريخه بجميل الذكر وكم فاضل من مخالفينا صنف في فضائلهم، وكم من مؤلف من خصومنا ألف في جمع مناقبهم. وأما أصحابنا فقد صنفوا في ذلك وجمعوا منه الكثير الواسع، وهذا يدلك علي عظيم عناية الله بأئمتنا الطاهرين، حيث أجري مدحهم علي السن أوليائهم وأعدائهم، وهذا أدل دليل علي إمامتهم، وأوضح برهان علي رئاستهم، وأنها من الله تعالي عند من تأمل وأنصف، وقد اشتهر من كراماتهم واستجابة دعائهم ومعاجزهم، وعلمهم بالأسرار وإخبارهم عن المغيبات ما هو مذكور في كتب التواريخ والسير وكتب الأخبار من الخاصة والعامة، وليس هذا الكتاب مصنفا لذكر الفضائل ولا لجمع المناقب فمن أرادها فليطلبها من الكتب التي سميناها وغيرها فإن هذا الكتاب إنما هو مصنف لإثبات النص عليهم بالإمامة وأردنا من هذا الكلام بيان أنهم معروفون بالفضل والعلم موصوفون بالجود والحلم عند الولي والخصم، فليس من أنكر إمامتهم أنكرها لجهل بفضلهم ولا لعدم معرفته بشرفهم ومجدهم وقربهم من النبي (صلي الله عليه وآله) وطيب أصلهم، ولا لخفاء خصالهم الحميدة وجمل فعلهم، وكيف يخفي فضل أهل البيت علي القوم وهم قد رووا في حقهم عن النبي (صلي الله عليه وآله) ما مر عليك في هذا المصنف من الأخبار علي كثرتها مع ما سيأتي ذكره منها، وهذا كله جزء مما رووه في فضلهم، ولا بأس بذكر بعض الأحاديث في هذا المقام مما [ صفحه 616] يستدل به علي فضل أئمتنا الكرام. روي ابن حجر في الصواعق أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال: (من أحب أن ينسئ الله أجله وأن يمتع بما خوله فليخلفني في أهلي خلافة حسنة فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره وورد علي يوم القيامة مسودا وجهه) [1164] . وروي أحمد بن حنبل عن العباس بن عبد المطلب أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) صعد المنبر فقال: (من أنا) قالوا أنت رسول الله قال: (أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا) [1165] وروي أحمد والمحاملي عن عائشة أنها قالت قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) (قال جبرائيل قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد أفضل من محمد (صلي الله عليه وآله)، وقلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم) [1166] فبنوا هاشم أفضل الناس بمقتضي الخبر، والأئمة صفوتهم فإنهم أعلام بني هاشم، ونجوم بني عبد المطلب، فلهم الشرف الأعظم والمجد الأقدم، ولقد أجاد أبو فراس الحمداني [1167] حيث يقول في خطاب بني العباس من قصيدة طويلة. [ صفحه 617] ليس الرشيد كموسي في القياس ولا++ مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم ولما قال معاوية لعبد الله بن العباس بعد موت الحسن إنك اليوم زعيم بني هاشم قال: عبد الله أما والحسين فيهم فلا [1168] ولما قال معاوية لعبد الله بن جعفر إنك سيد بني هاشم، قال له عبد الله إن الحسن والحسين هما سيدا بني هاشم لا يدافعان [1169] وقال مرة وقد قال له معاوية كلاما يفضله فيه وأباه جعفرا علي الحسن والحسين وأبيهما: هما خير مني وأبوهما خير من أبي وأمهما خير من أمي. وروي في إسعاف الراغبين أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال:(يرد علي الحوض أهل بيتي ومن أحبهم كهاتين) يعني السبابتين [1170] . وروي الطبراني أن عليا (عليه السلام) قال لمعاوية: (إياك وبغضنا فإن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: لا يبغضنا ولا يحسدنا أحد إلا ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار) [1171] قال: وقال في الاسعاف بعد ذكر جملة من الأخبار في محبة أهل البيت: علم من الأحاديث السابقة وجوب محبة أهل البيت، وتحريم بغضهم التحريم الغليظ، وبلزوم محبتهم صرح البيهقي والبغوي بل نص عليه الشافعي في ما حكي من قوله: [ صفحه 618] يا آل بيت رسول الله حبكم++ فرض من الله في القرآن أنزله يكفيكم من عظيم الفخر أنكم++ من لم يصل عليكم لا صلاة له [1172] . وقال الفخر الرازي: " إن أهل بيته يعني النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ساووه في خمسة أشياء في الصلاة عليه وعليهم في التشهد وفي السلام يقال في التشهد السلام عليك أيها النبي وقال تعالي: [سلام علي آل ياسين] [1173] وفي الطهارة قال الله تعالي: [طه] أي يا طاهر وقال تعالي: [ويطهركم تطهيرا] [1174] وفي تحريم الصدقة وفي المحبة قال تعالي: [فاتبعوني يحببكم الله] [1175] وقال تعالي [قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي] [1176] انتهي [1177] . وقال محيي الدين ابن عربي. ولائي إليكم آل طه فريضة++ علي رغم أهل البعد يورثني القربا فما طلب المبعوث أجرا علي الهدي++ بتبليغه إلا المودة في القربي رواه عنه في الإسعاف [1178] ، فهذه شهادة الفضلاء من أهل السنة علي فضل أئمتنا ووجوب محبتهم، ومساواتهم النبي (صلي الله عليه وآله) في الخصائص والمزايا، وكفي بذلك لنا تصديقا. فإن قيل: لم قصرتم الإمامة في ذرية الحسين دون ذرية الحسن وهما جميعا [ صفحه 619] سبطا رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولم خصصتم بها من ذكرتم، دون باقي ذرية الحسين. قلنا: أما جعلنا الإمامة في ذرية الحسين دون ذرية الحسن وهما معا ابنا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فلنا عليه دليلان. الأول إن الإمامة لا شك أنها منصب رسول الله ومقامه وميراثه فصارت بعده لعلي (عليه السلام) بنصه عليه ثم صارت بعد علي للحسن والحسين (عليه السلام) مشتركين فيها بنص رسول الله عليهما إلا أن التقدمة للحسن لأنه الأكبر سنا ثم صارت بعده للحسين خالصة لا يشركه فيها غيره فوجب أن تكون بعده للأقرب إليه لآية: [وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض] فمحال ترجع إلي ولد الحسن، وهي ميراث الحسين، والإمام يجب أن يكون أقرب الناس إلي الإمام الذي قبله ولولا وجود النص علي الحسين من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ومن علي (عليه السلام) لجعلناها بعد الحسن للأكبر من ولده ولم تصر للحسين ولا لأحد من ذريته، ولكن النص عليه قد ورد فكان هو الإمام بعد الحسن، فالإمامة يجب أن تكون في عقبة للآية. الثاني تواتر الأخبار عندنا عن النبي (صلي الله عليه وآله) وعلي والحسن والحسين (عليه السلام) إن الإمامة بعد الحسين تكون في ذريته وكتب أصحابنا مملوءة من ذلك، وبهذين الدليلين يبطل مذهب الزيدية والكيسانية ومن شابههم. وأما تخصيص الإمامة بمن ذكرناهم فلوجوه. الأول تواتر الأخبار عندنا عن النبي (صلي الله عليه وآله) وعن علي بأسمائهم وأنهم فلان بن فلان وفلان بن فلان إلي آخرهم، وتلك [ صفحه 620] الأخبار مودعة في كتب أصحابنا فوجب اتباع ما قاله النبي (صلي الله عليه وآله وسلم). الثاني تواتر النص عندنا عن كل سابق علي لا حقه، وقد علمت أن الإمامة عندنا دائرة مدار النص، وقد أوضحنا بطلان الاختيار فيها في أول الكتب فيجب الحكم بإمامة من ذكرنا نص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عليهم ونص بعضهم علي بعض. الثالث إنك قد علمت فيما مضي إنا أقمنا الدليل علي اشتراط الأعلمية في الإمام وأنه لا يجوز أن يكون في رعيته من هو أعلم منه ولم نجد من ذرية الحسين ولا من ذرية الحسن أعلم من هؤلاء القوم، فإنهم ما سألوا عن شئ إلا أجابوا فيه، واستخرجوه من كتاب الله تعالي وبثوا من العلوم ما لم يحط به أحد ومن أخبار الماضين ما لم يعلمه من قرأ كتب الأولين مع تصريحهم بأنهم لم يجدوا لعلومهم حملة، فلو أنهم وجدوا من يحمل علومهم لبرز عنهم من العلم ما يكون الظاهر الآن من علومهم علي كثرته عشر عشر عشره واستغفر الله من النقصان، فإن العبارة لا تؤدي عنه والعقول لا تحيط بكنهه، فقولنا علي جهة التقريب فقد قالوا لمن سألهم عن الألف باب التي علمها رسول الله أمير المؤمنين (عليه السلام) فانفتح من كل باب ألف باب [1179] وإنها صارت إليكم فكم نروي منها عنكم فقالوا: (إنكم ترون منها [ صفحه 621] عنا بابا أو بابين) وهم في كل ما قالوا وجميع ما بينوا من الأحكام في الحلال والحرام والقصص والأخبار لم يكونوا ناقلين له عن أستاذ ولا محدث، بل يلقيه كل سابق منهم إلي لاحقه إلي أن ينتهي إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، لا يرجعون في علومهم إلا إليه لا إلي رأي ولا قياس كغيرهم من بني أبيهم، ومن جملة الناس وقد أقر بأعلميتهم علي من سواهم من إخوانهم وأعمامهم جميع العلماء وصنفت الكتب في فضائلهم دون غيرهم من الذرية الحسينية والحسنية من الخاصة والعامة فلا يذكر غيرهم من القبيلين إلا بالعرض والاستطراد، وملئت التواريخ بذكر كراماتهم ووصف علومهم دون بني أبيهم كما ذكرنا في أول الكلام، ومن أراد الاطلاع علي ذلك فعليه بالكتب التي أشرنا إليها وغيرها مما ذكر فيه أخبار الماضين، وحيث كانوا أعلم أهل أزمنتهم وجب أن يكونوا هم الأئمة. الرابع اجتماع الخصال الحميدة فيهم من الزهادة والعبادة والكرم والحلم واستجابة الدعوة والعفة والصيانة مما لم يجتمع بعضها لأحد من الناس، قال ابن أبي الحديد في مفاخرة هاشم وعبد شمس: " ومن الذي يعد من قريش أو من غيرهم ما يعده الطالبيون عشرة في نسق كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاك، فمنهم خلفاء مرشحون ابن ابن ابن ابن هكذا إلي عشرة وهم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا من بيوت العجم [1180] وقال في موضع آخر: وأين أنتم عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي يقال له: علي الخير، وعلي الأغر، وعلي العابد، وما أقسم علي الله بشئ إلا وأبر قسمه؟ وأين أنتم عن موسي بن جعفر بن محمد، وأين أنتم عن علي بن محمد بن الرضا لابس الصوف طول [ صفحه 622] عمره مع سعة أمواله وكثرة ضياعه وغلاته [1181] وقال في موضع آخر: وجعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه ويقال إن أبا حنيفة كان من تلامذته، وكذلك سفيان الثوري وحسبك بهما في هذا الباب إلي أن قال ومن مثل علي بن الحسين زين العابدين، وقال الشافعي في الرسالة في إثبات خبر الواحد: وجدت علي بن الحسين وهو أفقه أهل المدينة يعول علي أخبار الآحاد [1182] انتهي. ما أردنا نقله من كلام المعتزلي وهو مصرح بما ذكرنا في أئمتنا ونسبناه إليهم من الأوصاف، واجتماع الخصال الحميدة فيهم مما لم يتفق لغيرهم، وأعظم الأمور أن محمد بن إدريس الشافعي يستند في صحة قوله إلي فعل إمامنا علي بن الحسين ويجعله حجة. وروي ابن خلكان في تاريخه عن أبي العباس محمد بن يزيد المبرد في كتاب الكامل ما مثاله يروي عن رجل من قريش لم يسم لنا قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب فقال لي يوما: من أخوالك؟ فقلت: أمي فتاة، فكأني نقصت في عينه، وذكر مجئ سالم بن عبد الله بن عمر ثم بعد قيامه إتيان القاسم بن محمد بن أبي بكر إلي أن قال، فأمهلت شيئا حتي جاءه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فسلم عليه ثم نهض قلت: يا عم من هذا فقال: هذا الذي لا يسع مسلما أن يجهله هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) الخبر [1183] فانظر إلي قول سعيد في علي بن الحسين فإنك تجده يكاد أن يصرح بإمامته علي ما نقول بل هو مصرح بها لأن من لا يسع المسلمين جهله واجبة معرفته عليهم، وليس تجب علي المسلمين بعد معرفة الله ورسوله معرفة أحد إلا الإمام. وقال في المناقب مختصر مناقب الحافظ أبي عبد الله محمد بن يوسف [ صفحه 623] البلخي الشافعي في ترجمة الحسين (عليه السلام) مشيرا إلي أئمتنا بعد أن ذكرهم قال بعض أهل العلم: " علوم أهل البيت لا تتوقف علي التكرار والدرس ولا يزيد يومهم فيها علي ما كان بالأمس لأنهم المخاطبون في أسرارهم المحدثون في النفس فسماء معارفهم وعلومهم بعيدة عن الادراك واللمس، ومن أراد سترها كان كمن أراد ستر وجه الشمس، وهذا مما يجب أن يكون ثابتا مقررا في النفس، فهم يرون عالم الغيب في عالم الشهادة ويقفون علي حقائق المعاني في خلوات العبادة، وتناجيهم ثواقب أفكارهم في أوقات أذكارهم بما تسنموا به غارب الشرف والسيادة، وحصلوا بتوجههم إلي جناب القدس ما بلغوا به منتهي السؤال والإرادة، فهم كما في نفوس أوليائهم ومحبيهم وزيادة، فما تزيد معارفهم في زمان الشيخوخة علي معارفهم في زمن الولادة، وهذه أمور تثبت لهم بالقياس والنظر، ومناقب واضحة الحجول والغرر، ومزايا تشرق إشراق الشمس والقمر، وسجايا تزين عنوان التواريخ وعنوان الأثر فما سألهم مستفيد أو ممتحن فوقفوا ولا أنكر منكر أمرا من الأمور إلا عرفوا، ولا جري معهم غيرهم في مضمار شرف إلا سبقوا، وقصر مجاريهم وتخلفوا، سنة جري عليها الذين سلفوا وأحسن اتباعها الذين خلفوا، وكم عاينوا في الجدال والجلاد أمور فتلقوها بالرأي الأصيل والصبر الجميل، فما استكانوا وما ضعفوا فبهذا وأمثاله سموا علي الأمثال وشرفوا تعدم الشقاشق إذا هدرت شقاشقهم وتصغي الأسماع إذا قال قائلهم، ونطق ناطقهم ويكثف الهواء إذا قيست به خلائقهم ويقف كل ساع عن شأوهم، فلا يدرك فائتهم ولا تنال طرائقهم، سجايا منحهم بها خالقهم، وفاز بها صادقهم فسر بها أولياؤهم وأصدقاؤهم وحزن لها مباينهم ومفارقهم انتهي أقول والكلام في أوصافهم متسع قال فيه كل قائل بما أحسن، ونطق منه كل [ صفحه 624] ناطق بما أتقن، وقدرهم فوق ما قيل فيهم، وشأنهم فاق مدح مادحيهم، فلنكتف من القول في ذلك بهذه الجملة ففيها ما يبل الغليل ويشفي العليل. واعلم أنه ليس في الذرية النبوية من له جميع هذه الأوصاف غير من ذكرناهم بالاتفاق، فوجب أن يختصوا بالإمامة دون غيرهم من إخوانهم وأعمامهم، وبهذا كله يبطل مذهب الإسماعيلية والفطحية ومن ضارعهم مثل مذهب أصحاب جعفر الكذاب بن علي الهادي وغيرهم. [ صفحه 625]

ما ورد في المهدي

توضيح مقال لدفع إشكال المهدي هو ابن الحسن العسكري وهو مختف عن الناس لا يعرفون شخصه وهو يعرفهم وأنه باق حتي يأذن الله له في الظهور والقيام بالسيف فيطهر الله الأرض به من الفساد، ويملأها به قسطا وعدلا كما ملئت من الظلمة ظلما وجورا كما تواترت به الأخبار النبوية، وينزل عيسي بن مريم إليه ويصلي خلفه، ويملك سبع سنين كما وردت به الأخبار، ثم يكون بعده ما شاء الله أن يكون من الكرة، وليس هذا موضع تفصيل تلك الأمور، وإنما هو مقام إثبات الإمامة له، والبقاء بالدليل. أما إنه ابن الحسن العسكري فبإجماع الإمامية وتواتر أخبارهم، أنه ابنه وأن مولده قبل وفاة أبيه بأربع سنين وقد قال بذلك جماعة من مخالفينا كمحيي الدين ابن عربي في فتوحاته وعبد الوهاب الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر والشيخ حسن العراقي وعلي الخواص وأبي العباس الدمشقي وهؤلاء من أكابر السنة والمذكورون قبل أبي العباس من أهل التصوف المعدودين عند خصومنا من الأولياء. قال الشعراني في الكتاب المذكور: المهدي من ولد الإمام الحسن العسكري ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وهو باق حتي يجتمع بعيسي سن مريم، هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون [ صفحه 626] فوق كوم الريش المطل علي بركة الرطل بمصر المحروسة عن الإمام المهدي حين اجتمع به ووافقه علي ذلك سيدي علي الخواص رحمهما الله تعالي انتهي. وقال محيي الدين مسافر بن عربي: إنه لا بد من خروج المهدي (عليه السلام) لكن لا يخرج حتي تمتلأ الأرض جورا وظلما فيملأها قسط وعدلا وهو من عترة رسول الله (صلي الله عليه وآله) من ولد فاطمة جده الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ووالده الإمام الحسن العسكري بن الإمام علي النقي بالنون بن الإمام محمد التقي بالتاء بن الإمام علي الرضا بن الإمام موسي الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يبايعه المسلمون بين الركن والمقام إلي آخر [1184] ما قال وقد نقل بعض أصحابنا عن [ صفحه 627] حجة الإسلام أبي حامد الغزالي في بعض كتبه أظنه المنخول مثل ذلك، لكن الكتاب لا يحضرني لأنقل عبارته. وقال أبو العباس الفصل الحادي عشر في ذكر الخلف الصالح الإمام أبي القاسم محمد بن الحسن العسكري رضي الله عنه عند وفاة أبيه خمس سنين آتاه الله فيها الحكمة كما أوتيها يحيي وكان مربوع القامة، حسن الوجه، والشعر، أقني الأنف، أجلا الجبهة إلي أن قال - واتفق العلماء علي أن المهدي هو القائم في آخر الوقت، وقد تعاضدت الأخبار علي ظهوره وتظاهرت الروايات علي إشراق نوره، وستسفر ظلمة الأيام والليالي بسفوره، وينجلي برويته الظلم انجلاء الصبح عن ديجوره، ويسير عدله في الآفاق فيكون أضوء من البدر المنير في مسيره انتهي وكذلك ذكره جماعة من أهل التاريخ كشمس الدين ابن خلكان فقد ذكر أنه محمد بن الحسن العسكري وأثبت مولده في التاريخ المتقدم، وذكر أنه الرجل الذي تدعي الإمامية أنه إمامهم الثاني عشر وذكره ابن زولاق في تاريخه، هكذا إلا أنه زعم أن مولده قبل التاريخ المذكور وكذلك غيرهما من أهل التواريخ والسير، وقد تلخص من هذا كله إن ولادة المهدي الذي هو ابن الحسن العسكري وقعت يقينا وحصلت جزما فلا التفات لمن أنكر ذلك عصبية وعنادا كابن أبي الحديد وأمثاله من أصحابه وغيرهم، ومن هذا يعلم بطلان ما ذكره في إسعاف الراغبين من أن المهدي من ذرية الحسن السبط بن أمير المؤمنين (عليه السلام) ويعلم منه أيضا وهن قوله: إن رواية كونه من ذرية الحسين واهية [1185] بل قوله هو الواهي ولعلهم رأوا في رواية أنه من ولد الحسن يعني به العسكري فظنوه الحسن السبط فأخطئوا فقد روي ابن قتيبة في كتاب غريب الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن المهدي من ذرية [ صفحه 628] الحسين) ورواه أيضا قاضي القضاة عن كافي الكفاة إسماعيل بن عباد بإسناد متصل به (عليه السلام) فلا محيص عن القول به. وأما اختفاؤه فلخوفه من الطواغيت أن يفعلوا به كما فعل بآبائه وليخرج وليس في عنقه بيعة لأحد من الظلمة.

المعمرون من الناس

وأما عدم معرفة الناس لشخصه ومكانه فلخوف الإذاعة فإذا عرف شخصه ومحله قصد من الجائرين بالإيذاء. وأما بقاؤه حتي يؤذن له في الظهور فلوجوه. الأول اتفاق الإمامية عليه وموافقة جملة من المخالفين لهم علي صحته كما سمعت. الثاني تواتر الأخبار عن النبي (صلي الله عليه وآله) والأئمة بعد المفروغية من إثبات كون قولهم حجة باثبات إمامتهم بما ذكرناه من النصوص المتقدمة، والوجوه المتعددة. الثالث إنا قدمنا في أول الكتاب أنه لا يجوز خلو زمان من أزمنة التكليف من إمام يكون حجة لله علي خلقه، وبينا هنا أن الأئمة اثني عشر، وأنه تمام عدتهم فوجب الحكم ببقائه لئلا يكون زمان التكليف خاليا من الحجة لله علي خلقه، علي إنا نقول لهم إن جماعة من مؤرخيكم قد أثبتوا ولادته كما قلنا فنحن نطالبكم باثبات موته، وبالدلالة علي موضع مدفنه، وليس لهم حجة علي ذلك إلا الشبهة التي تمسك بها منكروا ولادته أو بعضهم وهي مخالفة العادة والطبع، فإن العادة قد قضت بأنه لا يعيش أحد هذا [ صفحه 629] العمر الطويل والطبيعة الإنسانية لا يمكن بقاء شخص منها هذه المدة والعمر الطبيعي مائة وعشرون سنة، وهذه الشبهة منقوضة عليهم ومقلوبة بما صح في كتبهم وتواريخهم من بقاء خلق كثير أضعاف ما ذكروه للعمر الطبيعي، فقد ذكر أن آدم (عليه السلام) عاش ستمائة سنة، وأن نوحا بنص القرآن لبث من قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، بعد مبعثه قبل الطوفان، وأنه بعث وله خمسون سنة وقيل أربعمائة سنة، وعاش بعد الطوفان ثلاثمائة سنة فعمره يكون علي الرواية الأولي ألفا وثلاثمائة سنة، وعلي الثانية ألفا وستمائة وخمسين سنة، وأن عمر سام ستمائة سنة، وعمر أرفخشد أربعمائة سنة وخمس وستون سنة، وأن عمر شالخ بن أرفخشد أربعمائة وثلاثون سنة وأن كالب بن يوفنا عاش ألف سنة في بني إسرائيل وأن انوش بن شيث عاش تسعمائة وخمسا وستين سنة، وابنه قينان عاش سبعمائة وعشرين سنة وابنه مهلاييل عاش تسعمائة وخمسا وستين سنة، وإدريس رفع وهو ابن ثلاثمائة وخمس وستين وبقي أبوه بعد رفعه خمسمائة وخمسا وثلاثين سنة، وعاش متوشلخ بن إدريس تسعمائة واثنين وثمانين سنة وابنه لمك سبعمائة سنة، وذكر في أنوار التنزيل أن لقمان الحكيم عاش ألف سنة، وصح أن لقمان بن عاد عاش عمر سبعة أنسر. قال القرماني أبو العباس في تاريخ الدول وقد اختلف الناس في عمر النسر وعامتهم أنه يعيش خمسمائة سنة، فعلي هذا إن لقمان عاش ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، قال: وقيل إنه عاش ثلاثة آلاف وثمانمائة سنة، لأنه قبل أن يأخذ النسور له ثلاثمائة سنة انتهي أقول وقد ذكر شعراء العرب لقمان هذا إشارة وتصريحا قال سالم بن عوانة الضبي في أبيات له. لا تهزئي مني ربيب فما++ في ذاك من عجب ولا سخر أولم تري لقمان أهلكه++ ما اقتات من سنة ومن شهر [ صفحه 630] وبقاء نسر كلما انقرضت++ أيامه عادت إلي نسر ما طال من أمد علي لبد++ رجعت محاربة إلي قصر وقال التابعة الذبياني: أمست قفارا وأمسي أهلها احتملوا++ أخني عليها الذي أخني علي لبد يعني به نسر لقمان وغير ذلك. وذكر القرماني أيضا أن عوج بن عناق عاش مثل عمر لقمان بن عاد علي الرواية الأولي. وكثير من العرب عاش عمرا طويلا فمنهم عبيد بن شريد الجرهمي عاش ثلاثمائة وخمسين سنة، وروي عنه أنه رأي من عاش ألف سنة، وأن الربيع بن ضبيع الفزاري عاش قريبا من أربعمائة سنة، وأن سويا الكاهن عاش ثلاثمائة سنة، وأن شداد بن عاد عاش تسعمائة سنة، وعاش أكثم بن صيفي التميمي ثلاثمائة سنة، وعاش المستوغر عمرو بن ربيعة أحد بني سعد بن زيد مناة التميمي ثلاثمائة وعشرين سنة، وعاش الحارث بن كعب مائة وستين سنة، وعاش دريد بن زيد النهدي القضاعي أربعمائة سنة وستا وخمسين سنة، وعاش زهير بن جناب العذري الكلبي مائتين وعشرين سنة، وعاش ذو الإصبع حرثان بن محرث العدواني أحد بني قيس عيلان بن مضر ثلاثمائة سنة، وعاش معدي كرب الحميري عمرا طويلا حتي قال. أراني كلما أفنيت عمرا++ أتاني بعده يوم جديد يعود بياضه في كل فجر++ ويأبي لي شبابي ما يعود وعاش أبو الطمحان القيني حنظلة بن الشرفي الكناني مائتي سنة، وعاش عبد المسيح بن بقيلة الغساني ثلاثمائة وخمسين سنة، وعاش النابغة الجعدي قيس بن كعب من بني عامر بن صعصعة مائة وثمانين سنة، علي رواية ابن الكلبي ومائتي سنة علي رواية ابن دريد عن أبي حاتم، وغير هؤلاء ممن عاش [ صفحه 631] عمرا طويلا كثيرا لو أردنا ذكر جميع من يمكننا ذكره، وكل من انتهي إلينا خبره لطال الكلام فأين العادة؟ وأين العمر الطبيعي؟ فإذا صح عند خصومنا جواز الزيادة علي العمر الطبيعي وخرق العادة فيمن ذكرناهم علي كثرتهم ومن تركنا ذكره أكثر كيف يمنعون ذلك في المهدي دون غيره لتلك العادة المنخرمة المنخرفة؟ ما هو إلا تشبت بما لا يجدي نفعا ثم إنهم أثبتوا أن الخضر حي موجود إلي أن يقوم المهدي (عليه السلام) وهو قبل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بزمان طويل لأنه كان علي مقدمة ذي القرنين الأكبر الذي كان في زمن إبراهيم الخليل (عليه السلام) علي رواية المسعودي في أخبار الزمان، وقيل هو إيليا بن ملكا بن فالغ بن عابر، وقيل الخضر بن ميشا بن أفرائيم بن يوسف الصديق، وعلي كل حال فهو قبل نبينا (صلي الله عليه وآله وسلم) بمدة طويلة وصححوا أن معمر أبا الدنيا علي بن عثمان بن الخطاب الهمداني حي موجود من زمان نبينا إلي أن يقوم المهدي وأثبتوا أن الدجال حي موجود إلي قيام المهدي، ونزول عيسي من المساء فيقتلانه، وأن إلياس حي موجود في السحاب فإثباتهم طول البقاء لهؤلاء وإنكارهم البقاء منهم للمهدي عناد صرف، وتعصب محض لا حجة عليه، وبعد فما ينكرون من أن يكرم الله نبيه محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم) فيما أكرمه بأن يعمر رجلا من عترته إلي وقت معلوم عنده كما فعل بغيره؟ علي أن لازم ما رووه عن النبي (صلي الله عليه وآله) من قوله: (لتحذون حذو الأمم من قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقدة) وقوله: (ليكونن فيكم ما كان في الأمم قبلكم) أو ما أشبه هذا اللفظ أن يكون في أولياء هذه الأمة معمرون كما كان في أولياء الأمم السالفة، وفي هذا كفاية لصحة بقائه (عليه السلام) إلي وقت معلوم عجل الله فرجه وسهل مخرجه، وجعلنا من أنصاره وأكرمنا بجواره.

علة استتار المهدي

وأما الشبهة في استتاره بأنه كيف يكون موجودا ولا يعرف بشخصه [ صفحه 632] فمندفعه بأن الخضر موجود عندهم قطعا وهو لا يعرف بشخصه، وذكر شيخهم الأكبر مسافر بن عربي أن إلياس يجتمع مع الخضر عند سد يأجوج ومأجوج وفي مكة وعرفات، روي ذلك عنه القرماني في تاريخ الدول ومن المتفق عليه أنه لم يكن أحد من الناس يعرف الخضر وإلياس بشخصيهما فما المانع أن يكون المهدي كذلك؟ ثم من المتفق عليه أيضا أن الدجال موجود ولم يكن أحد يعرفه بشخصه ولا ادعي أحد من الناس معرفته فكيف يجوز أن يخفي الخضر وإلياس والدجال علي الناس ولا يعرفون أشخاصهم ولا يجوز ذلك في غيرهم وهو المهدي لولا التعسف وتمحل المحال، وقد ورد في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) ما يصرح بوجود هذا الإمام المنتظر واستتاره عن البشر وأنه حجة الله علي خلقه وخليفة أنبيائه. فمنه ما في خطبة أومي فيها إلي الملاحم قال في جملتها: (هذا أبان ورود كل موعود ودنو من طلعة ما لا تعرفونه، ألا وإن من أدركها منا يسري فيها بسراج منير، ويحذو فيها علي مثال الصالحين ليحل فيها ربقا ويعتق فيها رقا ويصدع شعبا ويشعب صدعا في سترة عن الناس لا يبصر القائف أثره، ولو تابع نظره، ثم ليشحذن فيها قوم شحذ القين النصل يجلي بالتنزيل أبصارهم، ويرمي بالتفسير في مسامعهم، ويغبقون كأس الحكمة بعد الصبوح) [1186] انتهي. فانظر إلي قوله (عليه السلام) بعد ذكر أوصاف القائم (في سترة من الناس لا يبصر القائف أثره) فإنك تراه أصرح شئ في مدعانا وأوضح قول في مرامنا. وأما قول ابن أبي الحديد بعد اعترافه بدلالة الكلام علي استتار هذا [ صفحه 633] الإنسان المشار إليه: وليس ذلك بنافع للإمامية في مذهبهم، وإن ظنوا أن ذلك تصريح بقولهم وذلك لأنه من الجائز أن يكون هذا الإمام يخلقه الله تعالي في آخر الزمان ويكون مستترا وله دعاة يدعون إليه ويقررون أمره ثم يظهر بعد ذلك الاستتار، ويملك الممالك ويقهر الدول ويمهد الأرض كما ورد في الخبر [1187] فباطل غاية البطلان والكلام نافع لنا في مذهبنا غاية النفع وجواز أن يكون هذا الإمام يخلقه الله تعالي في آخر الزمان معارض بجواز أن يكون خلقه قبل زمان ابن أبي الحديد، بما يربي علي المئات من السنين ويزيد، وقد أقمنا البرهان علي وجوب وجوده في الأرض أثبتنا النقل علي حصول ولادته منا ومن الخصوم، ونحن لا ننكر ما أجازه لو كان الخلف لم يوجد، ولم يولد، ولا يضرنا في الحجة نحن ندعي أنه (عليه السلام) خلق فكان علي المعتزلي أن يقيم دليلا علي منع إيجاده، وإبطال ميلاده وأني له بذاك؟ وإذا كان يجوز أن يكون ولد والأخبار منا ومنهم وردت بوقوع ذلك الجائز الذي لم يقدر الخصم علي منعه وجب أن يكون استتار المنتظر من وقت ميلاده إلي وقت ظهوره في هذه الأزمان لا في ذلك الزمان الذي ادعاه المعتزلي، علي أنه لو كان كما ذكر لم يكن الإمام مستترا عن الناس لأن من يبث الدعاة إلي الخلق يدعونهم إلي طاعته ومبايعته ويطلبون منهم الانقياد إلي أمره والوثوب إلي نصرته ليس بمستتر عن الناس، بل مظهر لهم نفسه مبدلهم أمره معرف لهم شأنه ملق إليهم خبره، ومن كان هذا شأنه كيف لا يبصر القائف أثره ولو تابع نظره، ودعاته يشيرون إليه ويدلون الناس عليه، وإنما يصح الاستتار الذي عناه أمير المؤمنين وصرح به في الوقت الذي ليس لهذا الإمام ابن السادة الكرام داع يدعو الناس إلي مبايعته ولا مشير يشير إليه ويدل عليه، فهو مخفي الأثر ولذلك أنكر وجوده من أنكر كهذا القائل، وهذه الحال لم تكن إلا في هذه [ صفحه 634] الأزمان التي تغلب فيها علي أهل الإيمان أهل البغي والعدوان، وذوو الكفر وأولياء الشيطان لا الزمان الذي يدعي فيه لذلك الإمام، وينادي باسمه بين الخاص والعام، فإن ذلك وقت أسفار العدل بسفوره، وظهور صبح الحق بظهور نوره، وانهزام ليل الباطل وزوال ديجوره، بضياء نهار الهدي وسناء تنويره. ذاك وقت أيامنا فيه بيض++ والليالي غر كليل العروس وليت شعري كيف خفي علي المعتزلي هذا المعني من الظهور والخفاء فلم يعرف الظاهر من المستور وأما قوله كما ورد في الخبر، فهو متعلق بقوله: تملك الممالك إلي آخر الكلام لا بقوله: يخلقه الله في آخر الزمان إذ لا خبر بذلك عندهم، ولو كان ثمة خبر ولو من أضعف الأخبار لصال به علينا وجال لكن لم يجد إلي ذلك سبيلا فرجع إلي الاستدلال بالإمكان، وترك ما حصل وكان. ومنه قوله في خطبة أخري يشير إلي الخلف الصالح: (قد لبس للحكمة جنتها وأخذها بجميع أدبها، من الاقبال عليها والمعرفة بها والتفرغ لها فهي عند نفسه ضالته التي يطلبها وحاجته التي يسأل عنها فهو مغترب إذا اغترب الإسلام، وضرب بعسيب ذنبه وألصق الأرض بجرانه، بقية من بقايا حجته، خليفته من خلائف أنبيائه) الخطبة [1188] فقوله (عليه السلام): (مغترب إذا اغترب الإسلام) دال علي استتار ذلك الإمام إذا عاد الإسلام غريبا كما بدأ غريبا دل عليه الحديث النبوي، وصار كالبعير البارك الذي يضرب الأرض بأصل ذنبه وهو المراد بالعسيب، ويلصق الأرض بصدره وهو جرانة فلا يكون له تصرف ولا نهوض، وكل ذا كناية عن عود الإسلام [ صفحه 635] مغلوبا مقهورا معطلة حدوده، مضيعة أحكامه، فيكون غريبا في الناس لا يعرف لاستيلاء أهل الضلالة علي ذوي الهدي، وغلبة الظلمة المغيرين لأحكام الشريعة الغراء، والعالمين في الناس بالشهوات والأهواء فيغترب حينئذ الحجة الذي هو بقية حجج الله وخليفة خلائف أنبيائه، فلا يعرف بشخصه ولا يدري أين موضعه، وهذا الكلام كما تري صريح في وجود هذا الرجل واستتاره في زمان دولة أهل الجور والفساد، وأنه حجة الله، وخليفة الخلفاء وهو عين ما قلناه من أنه ختام الأئمة، فإن بقية الحجج، وخليفة الخلفاء آخرهم بلا خفاء. وأما ما ذكره ابن أبي الحديد عن الصوفية أن المراد به ولي الله، فإن كان مرادهم به الإمام لأنه عندنا حجة الله ووليه علي عباده لا ولي علي العباد غيره فذلك قولنا، وإن أرادوا به غير الإمام وهو القطب عندهم الذي تدور عليه الأوتاد والأبدال فذلك مما لا برهان عليه ولا دليل وهو من الخرافات التي أحدثها الصوفية بآرائهم وأهوائهم، والحق أن القطب بالمعني الذي ذكروه وهو الخليفة الذي نحن نعنيه لا قطب غيره، فجعلهم إياه غيره من وساوس النفوس، ولا يطلق لفظ الحجة في كلام أمير المؤمنين علي الصوفي الكبير الذي سموه قطبا حاش لله. وأما ما نقله عن أصحابه أن المراد به العلماء الذي يتم الإجماع [1189] وأن أمير المؤمنين (عليه السلام) يشير إلي صفات كل واحد منهم، فبعيد ظاهر الفساد، إذ من اليقين أنه لا يطلق لفظ الحجة والخليفة علي غير الإمام العام في كلام النبي (صلي الله عليه وآله) وعلي وأولاده، وعلي المدعي إثبات ذلك، نعم ورد في كلامهم إطلاق لفظ العالم علي الإمام، وهو عكس ما قاله المعتزلة كما ورد عنهم (لا تخلوا الأرض من عالم)، و (لا تكون إلا وفيها [ صفحه 636] عالم) وهو في أحاديثنا كثير، ثم إن الكلام يعطي بصريحه أن المراد به شخص واحد علي الحقيقة لا جماعة واحدهم هكذا، ويعطي أيضا بالصريح أن ذلك الشخص مغترب غير معروف بين الناس، وإذا كان مما لا يتم الإجماع بدونه عند الناس لزم أن يكون معروفا عندهم غير مجهول فلم يكن مغتربا البتة، فأين إذن مصداق قوله عليه السلام (مغترب) الخ. وأما ما ذكره عن الفلاسفة من أن المراد بالحجة هو العارف عندهم، فذاك مما لا يعرف ولا يلتفت إليه وهل يرضي عاقل أو يتصور فاهم أن يكون أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) بحجة الله خليفة خلفاء أنبيائه مثل أبي نصر الفارابي [1190] وأبي علي بن سينا [1191] وأبي البركات البغدادي [1192] وشهاب الدين يحيي السهروردي [1193] وأشباههم من أكابر فلاسفة الإسلام الذين أكثر أقوالهم مخالفة لنصوص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين؟ فهؤلاء هم العارفون بالفلسفة، ولو كان مثل هؤلاء هو المقصود لما صدق قوله (عليه [ صفحه 637] السلام): (مغترب) لأن هؤلاء وأمثالهم معروفون غير منكورين وظاهرون غير مستورين ومعظمون عند العامة غير مغتربين وبهذا أيضا يبطل قول المعتزلة لأن العلماء الذين ادعوا أن الإجماع لا يتم إلا بهم معلومين غير مجهولين إن أرادوا مثل الجاحظ والجبائيين والقاضي عبد الجبار وأبي القاسم البلخي وثمامة بن أشرس وأبي الهذيل العلاف وإبراهيم بن سيار النظام وواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وأبي الحسين الخياط [1194] وأمثالهم ممن يطول تعدادهم وكلهم مذكورون في طبقاتهم، معروفون عند أصحابهم فأين هم والاغتراب؟ وهل يجوز أن يكون مثل الجاحظ وهو المبغض لأمير المؤمنين (عليه السلام) حجة الله علي خلقه، وخليفة أنبيائه؟ أو يجوز أن يكون أمير المؤمنين (عليه السلام) أراد بتلك الأوصاف مثله وأمثاله؟ ومن هذا بطل ما ادعاه المعتزلي من جواز إطلاق الحجة والخليفة علي العارف والولي عند الفلاسفة وأهل التصرف، وعلي العالم مثل أبي الهذيل عند المعتزلة وتبين أن ذلك قول منهم بألسنتهم وهوي قلوبهم، وأن كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يوافق قول أحد منهم، وإنما هو يوافق ما نقول لا سيما والمنصف المتأمل إذا ضم كلام علي (عليه السلام) بعضه إلي بعض علم أنه يريد بهذه الأوصاف رجلا من ذريته، وهو الذي عناه في كلامه الأول بقوله: (ألا وإن من أدركها منا) إلي آخره وقد اعترف المعتزلي بذلك حيث قال: وليس يبعد عندي أن يريد به القائم من آل محمد (صلي الله عليه وآله) في آخر الوقت إذا خلقه الله تعالي وإن لم يكن الآن موجودا فإنه ليس في الكلام ما يدل علي وجوده الآن، وقد وقع اتفاق الفرق من المسلمين أجمعين علي أن الدنيا والتكليف لا ينقضي إلا عليه [1195] انتهي وحيث أقر أن المراد هو القائم من آل محمد (صلي الله عليه وآله) فلا يضرنا ما قال من أنه لم يكن مخلوقا [ صفحه 638] لأن هذا القول قد دللنا قبل علي إبطاله، وبينا في هذه الخطبة وجه الدلالة علي فساده واسترحنا من كلفة الجواب هنا علي هذه الهينمة بما قدمناه فتذكر. ومنه قوله (ع) في حديث كميل بن زياد: (اللهم بلي لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهورا أو مستترا مغمورا لئلا تبطل حجج الله وبيناته) [1196] فهذا الكلام نص صريح في أن الإمام القائم لله بحجته لا تخلو الأرض منه، وهو إما أن يكون ظاهرا مشهورا يعرفه الناس تشير إليه الأكف، وإما أن يكون مستترا مغمورا لا يعرف بشخصه، وأن الإمامة لا تنقطع من الأرض إذ بانقطاعها يجب بطلان حجج الله وبيناته، وذلك محال ممتنع، فانقطاع الإمامة مثله، وحيث لا إمام ظاهر علي الوجه المذكور في الكلام من بعد أبي محمد الحسن بن علي العسكري وجب الحكم بوجود إمام مختف من بعده، وما هو إلا صاحبنا إذ لم يدع أحد من الناس ذلك لغيره، فوجب أن يكون هو القائم بحجة الله المستتر، وفي هذا كفاية لصحة قولنا، ومما يدل علي عناد ابن أبي الحديد قوله في شرح هذا الكلام: (وهذا يكاد يكون تصريحا بمذهب الإمامية إلا أن أصحابنا يحملونه علي أن المراد به الأبدال الذين وردت الأخبار النبوية عنهم أنهم في الأرض سائحون إلي آخر كلامه) [1197] وما أدري كيف قال هذا ولا نعرف الأبدال الذين يقول بهم؟ وأن الكلام لا يشير إلي ما ذكره قطعا وجزما ولا شك أنه لا يدري ما يقول وأنت خبير ببطلان كلامه بعد الإحاطة بما سبق من القول، وقد قررنا في مسألة عدم جواز خلو الأرض من الإمام في جميع أزمنة التكليف تقريرا شافيا في هذا الحديث ينفعك هنا فراجع. ومنه قوله (ع) في خطبة له: (فانظروا أهل بيت نبيكم فإن لبدوا [ صفحه 639] فالبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم، فليفرجن الله الفتنة برجل منا أهل البيت بأبي ابن خيرة الإماء لا يعطيهم إلا السيف هرجا هرجا) موضوعا علي عاتقه ثمانية حتي تقول قريش لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا يغريه الله ببني أمية حتي يجعلهم حطاما ورفاتا: [ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا] الخطبة. قال ابن أبي الحديد فإن قيل من هذا الرجل الموعود به الذي قال (عليه السلام) (بأبي ابن خيرة الإماء) قيل: أما الإمامية فيزعمون أنه إمامهم الثاني عشر وأنه ابن أمة اسمها نرجس، وأما أصحابنا فإنهم يزعمون أنه فاطمي يولد في مستقبل الزمان لأم ولد، وليس بموجود الآن [1198] انتهي. قلت: نحن والحمد لله قاطعون بذلك غير زاعمين، قد وضحت به حجتنا وقامت عليه أدلتنا كما تري. فإن قيل: لم استتر هذا الإمام من الظلمة ولم لا يظهر فيقاتلهم ويجالدهم. قلنا: قد قدمنا من القول في جواب قعود أمير المؤمنين (عليه السلام) عن القتال في زمن الثلاثة ما يكفي في الجواب هنا عن هذا الايراد ونزيد عليه في هذا المقام فنقول: أخبرونا عن أنبياء الله ورسله حين عمل قومهم بالمعاصي وكفروا بالله كقوم نوح وقوم إبراهيم وقوم لوط، وعن بني إسرائيل حين عبدوا العجل بمشهد من هارون ولم يقاتلوهم وغير أولئك ممن عصوا الله وأفسدوا في الأرض ولم تقاتلهم الأنبياء لم لا قاتلوهم وجالدوهم فما تجيب به عن هذا هو جوابنا عن إيرادك فاختر من الجواب ما شئت فإن قيل: إنما وجب نصب الإمام لإقامة الملة ومنع حوزة الإسلام، وأخذ الحقوق، وإقامة [ صفحه 640] الحدود، وجباية الفئ وجهاد المشركين، وقتال الباغين، وإرشاد العباد، ورفع الفساد، ولا خفاء أن المستتر المتواري لا تحصل به هذا المصالح فأي فائدة في إمام مستتر. قلنا: صدقت في قولك: إن الإمام منصوب لهذه المصالح لكن لا يجب عليه القيام بها إلا إذا سلمت له الرعية المقادة، وبسطت له يد الطاعة لو وجد ممن يطيعه أعوانا ينتصر بهم علي من يعصيه من الأمة، فأما إذا منعته الرعية طاعتها ولم تلق له زمام قيادها، بل تركت نصرته وإخافته ولم يجد من أهل طاعته من يقوم بنصرته علي أهل المعصية فإنه لا يجب عليه القيام بجميع تلك المصالح كما ذكرت، وجاء منع اللطف من قبل الرعية حيث فوتوا أنفسهم منه بكفهم يد الإمام عن التصرف، ولم يلزم من ذلك بطلان إمامة الإمام المنصوب من الله لأن سبيله سبيل النبي، فكما أن النبي (عليه السلام) مبعوث لتلك المصالح وغيرها ولا تبطل نبوته بعدم القدرة علي القيام بها لعدم طاعة الرعية له كما ذكرنا في الكلام علي الايراد الأول ولم يقتض ذلك عدم وجود النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فكذلك لا تبطل إمامة الإمام إذ كانت من الله بمنع الرعية إياه عن التصرف، ولا يلزم من ذلك عدمه لأن الإمامة خلافة عن النبوة وما لا يبطل به الأصل لا يبطل به الفرع، وهذا كاف في الجواب عن ترك أئمتنا (عليهم السلام) بعد الحسين القتال وقعودهم عن مجاهدة الظلمة، وقولك أي فائدة في إمام مستتر؟ قلت: بلي فيه فائدة جليلة ولطف ظاهر وذلك أن المكلفين إذا علموا أن في العالم إماما مختفيا وأنه سيظهر فينتصف للمظلوم من الظالم ويرد الحقوق إلي أهلها ويعاقب العاصين وجوزوا ظهوره في كل وقت، فإنهم يكونون إلي الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد، فهذه فائدة من أعظم الفوائد في وجود الإمام المستتر، وذلك بخلاف ما إذا علموا أن ليس في العالم إمام بذلك الوصف فإنهم يكونون علي طرف النقيض من الأول، والحاصل أن وجود الإمام لطف [ صفحه 641] وتصرفه لطف آخر وعدم حصول الثاني لمانع لا يقتضي عدم الأول، وهنا وجه آخر وهو أن نقول أن الفائدة في نصب الإمام مطلقا قيام حجة الله به علي المكلفين بحيث لا يستطيع المكلف العاصي أن يقول لم أجد من يرشدني إلي الحق، فإنه يقال لهم عن الله إني نصبت لكم من يرشدكم إلي سبيلي، ويوضح لكم ما اختلفتم فيه من ديني، فلم عصيتموه وأخفتموه؟ ولم لا أطعتم أمره وقبلتم قوله ووازرتموه؟ فلا تكون لهم علي الله حجة وقد نصب لهم منهم من يهديهم إلي مراشدهم وأزاح علتهم بتعيين من يدلهم علي سبيل مراضيه، بل تكون لله عليهم الحجة البالغة وإلي هذا يشير قوله تعالي: [فلله الحجة البالغة] [1199] ويصرح به قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (اللهم بلي لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة) إلي قوله: (لئلا تبطل حجج الله وبيناته) [1200] وهذه كما تري فائدة عظيمة فاندفع الايراد وزالت الشبهة وظهر الحق وبطل ما كانوا يعملون. ولنذكر جملة من الأحاديث الواردة في حق الخلف المنتظر عجل الله فرجه من طرق الخصوم زيادة علي ما مضي. أخرج الطبراني عن النبي (صلي الله عليه وآله): (المهدي منا يختم الدين به كما فتح بنا). وأخرج أحمد ومسلم عن النبي (صلي الله عليه وآله): (يكون في آخر الزمان خليفة يحثوا المال حثوا) [1201] . وأخرج الطبراني مرفوعا إليه (صلي الله عليه وآله) (يلتفت المهدي وقد نزل عيسي (عليه السلام) كأنما يقطر من شعره الماء فيقول [ صفحه 642] المهدي تقدم فصل بالناس فيقول عيسي إنما أقيمت الصلاة لك فيصلي خلف رجل من ولدي) [1202] وفي صحيح ابن حبان في إمامة المهدي نحوه قال في إسعاف الراغبين وصح مرفوعا: (ينزل عيسي بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول لا إنما بعضكم أئمة بعض تكرمة الله لهذه الأمة) [1203] وهذا يبطل ما قاله ابن عربي أن عيسي يتقدم فيصلي بالناس علي سنة نبينا (صلي الله عليه وآله وسلم). وروي ابن ماجة عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنه قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتي يملك رجل من أهل بيتي يملك جبل الديلم والقسطنطينية) [1204] زاد في روايات (ورومية ومروية). قلت: وهذه الأخبار وما قبلها تنطق نطقا فصيحا بأن المهدي من ولد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعترته ومن ذريته ومن نسل فاطمة البتول وهي كثيرة متظافرة، ومنها يعلم فساد ما افتعله بعض الخصوم أنه لا مهدي إلا عيسي، وما زوره بعض آخر المهدي من ولد العباس عمي. قال ابن حجر في الصواعق الأظهر أن خروج المهدي قبل نزول عيسي (عليه السلام)، وقيل بعده وقد تواترت الروايات عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بخروجه وأنه من أهل بيته، وأنه يملأ الأرض عدلا وأنه يساعد عيسي علي قتل الدجال، بباب لد بأرض فلسطين، وأنه يؤم هذه الأمة، ويصلي عيسي خلفه، وأكثر الروايات متفقه علي تحقق ملكه سبع سنين إلي [ صفحه 643] أن قال: وإنه بعد أن تعقد له البيعة بمكة يسير منها إلي الكوفة، ثم يفرق الجنود إلي الأمصار، وأن السنة من سنينه تكون مقدار عشر سنين وأنه يبلغ سلطانه المشرق والمغرب وتظهر له الكنوز ولا يبقي في الأرض خراب إلا يعمره [1205] . قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسرين في قوله تعالي: [وأنه لعلم للساعة] [1206] إنها نزلت في المهدي. وقال ابن عربي بعد ذكر ما نقلناه أولا عنه في نسب المهدي وبيعة المسلمين له بين الركن والمقام، قال: يشبه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في الخلق بفتح الخاء وينزل عنه في الخلق بضمها إذ لا يكون أحد مثل رسول الله (صلي الله عليه وآله) في أخلاقه أسعد الناس به أهل الكوفة، يقسم المال بالسوية، ويعدل به في الرعية يمشي الخضر بين يديه، يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا يقفوا أثر رسول الله (صلي الله عليه وآله) لا يخطئ له ملك يسدده من حيث لا يراه، يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفا من المسلمين، يشهد الملحمة العظمي مأدبة الله بمرج عكا، يعز الله به الإسلام بعد ذله، ويحييه بعد موته، ويضع الجزية ويدعو إلي الله بالسيف فمن أبي قتل، ومن نازعه خذل، يحكم بالدين الخاص عن الرأي إلي أن قال: واعلم أن المهدي إذا خرج يفرح به جميع المسلمين خاصتهم وعامتهم، وله رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء له، يتحملون أثقال المملكة عنه، ويعينونه علي ما قلده الله إلي آخر ماقال [1207] .

علامات ظهوره

وقد ذكروا من علامات ظهوره انكساف القمر في أول ليلة من شهر [ صفحه 644] رمضان، والشمس يوم النصف منه، وقريب منه مروي من طرقنا عن أهل البيت [1208] . ومن علامات ظهوره (عليه السلام) خروج الدجال والسفياني ولا يخفي عليك أن أخبار ظهور المهدي وعلاماته وتفصيل الأمور التي تجري من حين ظهوره إلي حين وفاته كثيرة، وهي مذكورة في محالها كغيبة الصدوق وغيبة النعماني وغيبة شيخ الطائفة وغيرها من كتب أصحابنا المصنفة في هذا الشأن، من أرادها لم تفته والغرض هنا إثبات إمامة الخلف المنتظر وتصحيح خروجه من روايات المخالفين وأقوالهم، وقد أوردنا ما فيه بل في بعض الكفاية لمن تدبر وأنصف ولله الحمد والمنة علي التوفيق.

عصمة الأئمة من الكتاب والسنة والأخبار

اشاره

في بيان ثبوت عصمة الأئمة (عليهم السلام) وقد علمت في مسألة شروط الإمام معني العصمة وأن حقيقتها لطف يفعله الله بالمكلف بحيث يؤمن بسببه من ارتكاب الذنوب واقتراف المعاصي كبائرها وصغائرها، ومن الخطأ في الأحكام عمدا وسهوا وتأويلا، ويحكم بإصابته الحق في جميع أفعاله وأقواله، وأصحابنا جازمون بعصمة أئمتنا الاثني عشر (عليه السلام) كجزمهم بعصمة الأنبياء، وأما المخالفون فمنهم من وافقنا علي عصمة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وليس من حيث اشتراط العصمة في الإمام وهذا قول أبي محمد الحسن بن متوية من المعتزلة قال ابن أبي الحديد: نص أبو محمد بن متوية في كتاب الكفاية علي أن عليا (عليه السلام) معصوم وإن لم يكن واجب العصمة، ولا العصمة شرطا في الإمامة، لكن أدلة النصوص قد دلت علي عصمته والقطع علي باطنه ومغيبه وأن ذلك أمر اختص هو به دون غيره من الصحابة انتهي [1209] ووافقنا علي عصمة المهدي محيي الدين [ صفحه 645] مسافر بن عربي قال في الفتوحات المكية نقلا عنه: إنه يعني المهدي يحكم بما ألقي إليه ملك الإلهام من الشريعة، وذلك أنه يلهم الشرع المحمدي فيحكم به كما أشار إليه حديث (المهدي يقفوا أثري لا يخطئ) فأخبرنا (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه متبع لا مبتدع، وأنه معصوم في حكمه فعلم أنه يحرم عليه القياس مع وجود النصوص التي منحه الله إياها علي لسان ملك الالهام، بل حرم بعض المحققين القياس علي جميع أهل الله لكون رسول الله (صلي الله عليه وآله) مشهودا لهم فإذا شكوا في صحة حديث أو حكمرجعوا إليه في ذلك فأخبرهم بالأمر الحق يقظة ومشافهة [1210] . أقول وهذا الكلام يعطي عصمة باقي أئمتنا عنده أيضا، لأن أهل الله عنده كما تري معصومون عن الخطأ في الأحكام وهو يقر بأن أئمتنا من أفضل أهل الله علي الوجه الذي ينحو إليه بهذا اللفظ ويعلم ذلك من قوله في ذكر نسب المهدي: إنه ابن الإمام الحسن العسكري بن الإمام علي النقي [1211] الخ، وقد مر ذكره وبعصمة الاثني عشر صرح حجة الإسلام الغزالي في بعض كتبه كما ذكره عنه بعض أصحابنا من أهل الاطلاع والتثبت في النقل، وقد وضح من ذلك أن القول بعصمة هؤلاء الأصفياء ليس مما اختص به أصحابنا، بل بعض مخالفينا يقول به وإن كان لغير الوجه الذي يقول به أصحابنا، وأما سائرهم فينكرون عصمة أئمتنا الكرام، والعجب من ابن أبي الحديد حيث أنكر عصمة أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال في مواضع إنه عنه غير معصوم مع حكمه في كثير من المواضع بأن عليا (عليه السلام) مع الحق [1212] دائما، وهل العصمة إلا ذلك، وليس هذا التناقض [ صفحه 646] بغريب في كلامه فإنه قد اشتمل علي الجم الغفير من ذلك، وقد نبهنا علي كثير منه سابقا. إذا عرفت هذا فاعلم أن الدليل علي عصمة أئمتنا (عليه السلام) من وجوه ثلاثة. الأول دليل اللزوم وبيانه إنا قد دللنا أولا في مسألة شروط الإمام علي أن العصمة شرط في الإمام، ودللنا في مسألتي النص علي أن هؤلاء هم المنصوص عليهم بالإمامة، فلزم من ذلك أن يكونوا معصومين إذ لا شئ من الإمام غير معصوم، وهؤلاء أئمة بالنص فيكونون معصومين، وحاصل هذا الدليل أن العصمة شرط في الإمام والاثني عشر المذكورون هم الأئمة بالنص فتجب لهم العصمة. الثاني دليل الكتاب وهو قوله تعالي: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] [1213] والرجس هنا الذنب بالاتفاق ونحن نبين وجه استفادة العصمة من الآية ثم نبين من المعني بها أما الأول فلأن إرادة الله إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم من الذنوب إما أن يكون المراد بها الإرادة التي يتعقبها الفعل ويصدر عنها إذهاب الرجس والتطهير منه، وإما أن يكون المراد إرادة الله منهم أن يطهروا أنفسهم من الرجس التي هي بمعني الأمر التكليفي، والثاني غير مراد من الآية لوجهين. الأول إن المقصود من الآية كما هو ظاهر اختصاص أهل البيت بهذا الأمر دون الناس وإذا كان المراد منها أمر لا بتطهير أنفسهم من الذنوب زال الاختصاص، فإن اجتناب الذنوب مطلوب من جميع المكلفين فلا خصوصية في هذا لأهل البيت فوجب لموضع الاختصاص أن يكون المراد هو الأول ومنه [ صفحه 647] تثبت العصمة. الثاني إن الآية وردت مورد المدح ولا مدح في مطلوبية اجتناب الذنوب وإنما المدح في إذهابها عن المكلف وتطهيره من مقارفتها وهو المعني الأول فوجب أن يكون هو المراد لئلا يخرج ما هو مدح عن كونه مدحا فيثبت بذلك العصمة لمن عناهم الله بهذه الآية. وأما أهل البيت المعنيون بهذه الآية فهم بالأصل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين ويدخل باقي الأئمة فيهم بالتبعية كما أرشدت إليه الأخبار الواردة في المهدي، وقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيه تارة (إنه من عترتي) وتارة (من أهل بيتي) إذ لا يصح أن يكون المهدي من أهل بيت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وعترته وأبوه وآباؤه ليسوا من العترة ولا من أهل البيت، ونسبه إنما اتصل بالنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من جهتهم، بل يجب أن يثبت لهم من قرب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ما ثبت له وزيادة لما لهم من قرب الولادة من الرسول (صلي الله عليه وآله)، وأقل الأمور المساواة فصح من ذلك دخول الأئمة (عليهم السلام) في أهل البيت المعنيين بهذه الآية ونزول الآية فيمن ذكرنا مما اشتهر بين أهل العلم، وصح عند أعيان المفسرين، وشاع عند الأمة، وصرح به المعتزلي فيما نقلناه عنه في بيان معني العترة، وتظافرت به الروايات من الفريقين وتواترت به الأخبار من الطرفين، ولم ينكره محقق ولا ارتاب فيه فاضل ولم يدخل معهم غيرهم في هذه الآية إلا شاذ من متعصبي الخصوم، وهو ابن حجر في الصواعق حيث زعم أن المراد بالبيت في الآية ما يشتمل بيت نسب النبي (صلي الله عليه وآله) وبيت سكناه فتشمل الآية أزواجه، ونقل هذا بعضهم عن الزمخشري والبيضاوي [1214] وهو قول [ صفحه 648] فاسد من وجوه. الأول مخالفته الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا من الأمة مع قلة القائل به من ذوي التحقيق فيكون باطلا. الثاني إن الآية صريحة في عصمة المعنيين بها كما قررناه واعترف به الخصوم، ونقله في الاسعاف عن البيضاوي حيث قال المراد بالرجس الذنب، وبالتطهير التطهير من المعاصي [1215] ومن الواضح البين أنه لم يقل أحد من الأمة بعصمة أزواج النبي (صلي الله عليه وآله) فيخرجن من مدلول الآية علي هذا الوجه بالاجماع حتي من القائل بدخولهن لاعترافه بدلالتها علي العصمة كما سمعت عن البيضاوي، وهذا من أبين الوجوه علي خروج الأزواج من الآية وعدم شمولها لهن. الثالث أن المعروف من العرب الذين نزل القرآن بلسانهم أن مرادهم من قولهم أهل بيت فلان قرابته النسبية لا من كان منه بسبب منقطع ووصلة مستعارة كالزوجة والعبد والأمة، قال في المصباح المنير: والأهل أهل البيت والأصل فيه القرابة انتهي ومن مارس كلام العرب عرف صحة ما قلناه فإن شواهده في كلامهم كثير قال الفرزدق. إن الذي سمك السماء بني لنا++ بيتا دعائمه أعز وأطول بيت زرارة محتب بفنائه++ ومجاشع وأبو الفوارس نهشل لا يحتبي بفناء بيتك مثلهم++ أبدا إذا عد الفعال الأكمل ومن البين أنه لم يرد بيت السكني وإنما أراد بيت النسب، وقال بعض ولد أبي لهب. [ صفحه 649] وأنا الأخضر [1216] من يعرفني++ أخضر الجلدة في بيت العرب من يساجلني يساجل ماجدا++ يملأ الدلو إلي عقد الكرب برسول الله وابني بنته++ وبعباس بن عبد المطلب [1217] ومن اليقين أنه لم يرد ببيت العرب بيت سكناهم وإنما أراد بيت نسبهم، وقال لبيد العامري. فبني لنا بيتا رفيعا سمكه++ فسما إليه كهلها وغلامها ولا شبهة في أنه لا يريد بيت السكني وإنما يريد بيت الشرف والحسب، وقال آخر. ألا يا بيت بالعلياء بيت++ ولولا حب أهلك ما أتيت ألا يا بيت أهله واعدوني++ كأني كل ذنبهم جنيت أراد بيت النسب كما ذكره بعض الأفاضل وقال عبيد الله بن كثير السهمي. لعن الله من يسب عليا++ وحسينا من سوقة وإمام أيسب المطهرون جدودا++ وكرام الآباء والأعمام يأمن الطير والحمام ولا يأمن++ آل الرسول عند المقام [ صفحه 650] طبت بيتا وطاب أهلك أهلا++ أهل بيت النبي والإسلام رحمة الله والسلام عليهم++ كلما قام قائم بسلام [1218] وهو مصرح بأن آل النبي وأهل بيته قرابته النسبية وأن بيت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بيت نسبه لا بيت سكناه وقال طارق بن عبد الله النهدي وهو يذكر عليا (عليه السلام) عند معاوية وكان معاوية قد نال من علي (عليه السلام) عند دخول طارق هذا عليه فأجابه طارق بكلام منه قوله: أما بعد فإن ما كان نوضع فيما أوضعنا فيه بين يدي إمام تقي عادل، مع رجال من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله) أتقياء مرشدين ما زالوا منارا للهدي ومعالم للدين خلفا عن سلف، مهتدين أهل دين لا دنيا كل الخير فيهم، واتبعهم من الناس ملوك وأقيال وأهل بيوتات وشرف ليسوا بناكثين ولا قاسطين إلي آخر ما قال رواه في كتاب الغارات [1219] فقوله أهل بيوتات، يريد الأنساب الجليلة لا بيوت السكني وهذا كثير في كلامهم شعرا ونثرا، فصح منه أن أهل بيت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قرابته لا أزواجه، نعم إنا لا ننكر إطلاق لفظ الأهل علي الأتباع فتدخل فيهم الأزواج والموالي علي جهة التجوز والقلة دون الحقيقة، لكن الأكثر والأصل ورود الأهل في القرابة ومنه في القرآن كثير قال الله تعالي: [فاحمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك] وزوجته ليست معهم لأنها من المغرقين وقال تعالي حكاية عن نوح: [إن ابني من أهلي] [1220] وهو صريح في المدعي إذ ليس يجوز أن يكون المراد أن ابني من أزواجي أو مماليكي، بل [ صفحه 651] يتعين أن يكون المراد أن ابني من قرابتي وأولادي فيكون الأهل هم القرابة التي أخصها الأولاد، وقوله تعالي في حق أيوب (عليه السلام): (وآتيناه أهله ومثلهم معهم] [13] وفي آية أخري [ووهبنا له أهله ومثلهم معهم] [14] نص في المطلوب لأن المردود علي أيوب أولاده لا زوجته باتفاق المفسرين وأهل السيرة والتواريخ وأما قوله تعالي: [فأنجيناه وأهله إلا امرأته] [15] فلا حجة فيه لجواز أن يكون الاستثناء فيه منقطعا مثله في [فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس] [16] والزوجة داخلة في الأهل مجازا لعلاقة المجاورة كما يحتمل أيضا في دخول إبليس في الملائكة وهذا ما لا ننكره لكن لا يحتمل عليه اللفظ عند الإطلاق وعدم القرنية وأما قوله تعالي في حكاية خطاب الملائكة لسارة [رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت] فلا حجة فيه أيضا لأن الخطاب ليس لسارة وحدها بل المعني إبراهيم وأهل بيته ودخول سارة فيهم لم يكن من جهة الزوجية خاصة بل جاز أن يكون دخولها فيهم من جهة النسب فإن سارة لها قرابة قريبة بإبراهيم (عليه السلام) لأنها ابنة عمه وتذكير الضمير يدل علي المدعي فاتضح من هذا البيان أن الأزواج لسن داخلات في أهل البيت المذكورين في الآية لاختصاصها ببيت النسب دون بيت السكني. الرابع تذكير الضمير العائد إلي أهل البيت في [عنكم] و [يطهركم] فإنه قرينة علي أن المراد أقرباء النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) دون أزواجه وإلا لقال عليكن ويطهركن إجراء له مجري سابقه من الكلام ولا حقه فإن الضمائر فيه كلها مؤنثة وإذا لم يؤنث الضمير وجب أن يفصل الكلام عما قبله وعما بعده ولا اعتراض علينا بقوله تعالي: [إذ رأي [ صفحه 652] نارا فقال لأهله امكثوا] [17] والخطاب لزوجته لأن ذلك تجوز محض من وجهين الأول تذكير المؤنث الثاني خطاب الواحد بخطاب الجمع ولولا قيام القرنية علي إرادة المجاز دون الحقيقة لوجب حمل اللفظ علي الجمع المذكر وصرفه إلي الأقرباء لأنه المتبادر منه والتبادر علامة الحقيقة لكن صرفتنا عن ذلك القرنية وهي اتفاق أهل التفسير وأهل السيرة والتاريخ علي أنه لم يكن مع موسي (عليه السلام) حين الخطاب إلا زوجته فتعين كون الخطاب لها وحمل علي المجاز لتعينه فيه من الوجهين المذكورين فأحري أن يكون كذلك في الوجه الثالث وليس الأمر في المقام كهذا فإن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) حين نزول الآية معه أقاربه وأزواجه واللفظ في الأول حقيقة وفي الآخر مجازا ولا قرينة تعين المجاز فوجب صرفه إلي الحقيقة والسياق ليس بقرينة لمعارضته بتذكير الضمير وهو من الأدلة الظاهرية وذاك ليس من الأدلة وإن كان فهو من أدلة الإشارات ودلالة الظواهر أقوي فيجب تقديمها عليها باتفاق الأصوليين وأيضا إن قوله تعالي: [إذ قال لأهله امكثوا] ليس فيه اشتباه لعدم تقدم مؤنث في اللفظ وتأخر حتي يشتبه الحال في أن المراد بهذا المذكر هو ذلك المؤنث أم غيره فجاز فيه التجوز لعدم الاشتباه وفي آية التطهير اشتباه لتقدم مؤنث عليها وتأخره عنها، واحتمال اللفظ إذا ذكر لإرادة المتقدم وغيره فلو أراد بها المتقدم لأنث الضمير لرفع الاشتباه ولم يأت بالمجاز، لأن التجوز لا يجوز عند الاشتباه لعدم القرينة الصارفة عن الحقيقة لما فيه من التعمية والاغراء بالجهل الممتنعين علي الحكيم جلا وعلا وحيث ذكر والمقام يقتضي أن لو أراد الأزواج لأنث عرفنا يقينا أنه لا يريدهن من الخطاب فخرجن من الآية جزما وهذا مبطل للسياق الذي ادعوه وقالع لأساس التعلق به في المقام. [ صفحه 653] قال بعض أصحابنا: ومتي قيل إن صدر الآية وما بعدها في الأزواج فالقول فيه أن هذا الأمر لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم فإنهم يذهبون من خطاب إلي غيره ويعودون إليه والقرآن من ذلك مملوء وكذلك كلام العرب وأشعارهم. أقول: ويدل عليه صريحا قوله تعالي في سورة لقمان: [وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم] [18] ثم ذهب في الكلام إلي معني آخر فقال: [ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا علي وهن] [19] وساق القول إلي أن استوفي المراد منه ثم عاد إلي إتمام المعني الأول وهو موعظة لقمان لابنه فقال: [يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل] [20] إلي أن أتي بتمام الكلام المطلوب، فتراه انتقل في القول من معني إلي غيره ثم عاد إلي الأول بعد استكمال الثاني فهو كالآية التي يتكلم في دلالتها، ومثل هذا في القرآن موجود من تأمل فيه عرف مواضعه، وذكرنا منه هذا الموضع لرفع استبعاد الجاهلين الذين يتعللون بسياق الآية وهم لا يفقهون ظواهر العربية فضلا عن دقائقها وأسرارها. الخامس وهو العمدة الروايات المتواترة من الفريقين علي أن الآية نزلت في النبي (صلي الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وفي بعضها ذكر الأربعة خاصة ولا شك أن النبي (صلي الله عليه وآله) هو الأصل في ذلك ولأجله شرف الأربعة وذريتهم، والروايات في هذا المرام متكثرة نحن نذكر منها جملة يحصل بها اليقين للمتأمل المنصف. روي جميع المفسرين وأهل السيرة أنه لما نزل قوله تعالي: [قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل] [21] الآية [ صفحه 654] فدعا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) نصاري نجران إلي المباهلة فوعدوه في غد فلما أصبحوا جاءوا إلي النبي (صلي الله عليه وآله) وهو محتضن الحسين آخذ بيد الحسن وفاطمة خلفه وعلي (عليه السلام) خلفهم وهو يقول: (اللهم هؤلاء أهلي إذا أنا دعوت فأمنوا) قال جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) (أنفسنا) محمد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعلي (وأبنائنا) الحسن والحسين و (نسائنا) فاطمة صلوات الله عليهم أجمعين [22] ورواه الحاكم في مستدركه عن علي بن عيسي عن الشعبي مرسلا ورواه عن ابن عباس وقال: صحيح علي شرط مسلم، ورواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن الشعبي مرسلا [23] . وروي أحمد بن حنبل والطبراني والثعلبي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (أنزلت هذه الآية في خمسة في وفي علي وحسن وحسين وفاطمة) يريد آية التطهير وروي ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه، عن أنس أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان يمر ببيت فاطمة إذا خرج إلي صلاة الفجر يقول (الصلاة أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [24] وروي ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلي الله عليه وآله) جاء أربعين صباحا إلي باب فاطمة يقول: (السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته الصلاة يرحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وفي [ صفحه 655] رواية له عن ابن عباس سبعة أشهر [25] وفي رواية لا بن جرير وابن المنذروالطبراني ثمانية أشهر [26] . وروي ابن خالويه النحوي في كتاب الآل وأبو بكر الخوارزمي في كتاب المناقب عن بلال بن حمامة قال: طلع علينا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ذات يوم متبسما ضاحكا ووجهه مشرق كدارة القمر فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله ما هذا النور؟ قال: (بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي، فإن الله زوج عليا فاطمة وأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبي فحملت رقاقا يعني صكاكا بعدد محبي أهل بيتي، وأنشأ تحتها ملائكة من نور ودفع إلي كل ملك صكا فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة بالخلائق فلا يبقي محب لأهل البيت إلا دفعت إليه صكا فيه فكاكه من النار، فصار أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي) وجه الدلالة من الخبر تفسير النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أهل البيت بعلي وفاطمة في آخر الحديث وهو قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) (فصار أخي وابن عمي وابنتي) [27] الخ فكانا هما المرادين بقوله (محبي أهل بيتي) وقوله (فلا يبقي محب لأهل البيت) والأمر ظاهر. وروي الحاكم عن ابن عباس قال سمعت رسول الله يقول بأذني وإلا صمتا: (أنا شجرة وفاطمة حملها وعلي لقاحها والحسن والحسين ثمارها ومحبوا أهل البيت ورقها وكلنا في الجنة حقا حقا) وجه الدلالة ظاهر وغني عن البيان [ صفحه 656] لصراحته أن أهل البيت هم أهل تلك الشجرة الزكية، وهذا الخبر ينصر ما قلناه أولا أن المراد بأهل البيت أهل بيت النسب لا بيت السكني فتأمل. وروي الثعلبي في تفسيره بالإسناد عن أم سلمة أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كان في بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة فقال لها (ادعي زوجك وابنيك) فجاءت بهم فطعموا ثم ألقي عليهم كساء له خيبريا فقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فأنزل الله تعالي: [إنما يريد الله] الآية قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج يده وألوي بها إلي السماء وقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فأدخلت رأسي البيت وقلت أنا معكم يا رسول الله فقال إنك إلي خير إنك إلي خير [28] . وذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره حدثني شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت جاءت فاطمة إلي النبي (صلي الله عليه وآله) تحمل خزيرة لها فقال ادعي زوجك وابنيك فجاءت بهم فطعموا ثم ألقي عليهم كساء له خيبريا وقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فقلت يا رسول الله وأنا معهم قال: (أنت إلي خير) [29] . وروي الثعلبي في تفسيره أيضا بإسناده عن مجمع قال دخلت مع أمي علي عائشة فسألتها أمي أرأيت خروجك يوم الجمل قالت: إنه كان قدرا من الله فسألتها عن علي (عليه السلام) فقالت تسأليني عن أحب الناس كان إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) لقد رأيت عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وجمع رسول الله (صلي الله عليه وآله) بثوب عليهم ثم قال: [ صفحه 657] (اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) قالت فقلت: يا رسول الله أنا من أهلك قال: (تنحي فإنك إلي خير) [30] قال أبو علي الطبرسي: أخبرنا السيد أبو الحمد قال حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال حدثونا عن أبي بكر السبيعي قال حدثنا أبو عروبة الحراني قال حدثنا ابن مصفي قال حدثنا عبد الرحمن بن واقد عن أيوب بن سيار عن محمد بن المنكدر عن جابر قال نزلت هذه الآية علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وليس في البيت إلا فاطمة والحسن والحسين وعلي: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت] فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (اللهم هؤلاء أهلي) قال وحدثنا السيد أبو الحمد قال حدثنا الحاكم بقوله بإسناده عن زاذان عن الحسن بن علي (عليه السلام) قال لما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (صلي الله عليه وآله) وإياه فيكساء لأم سلمة خيبري ثم قال: (اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وعترتي) [31] . وعن أبي سعيد الخدري قال لما نزل قوله تعالي: [وأمر أهلك بالصلاة] الآية كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يأتي باب فاطمة وعلي تسعة أشهر عند كل صلاة فيقول: (الصلاة رحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [32] ومثله روي عن أبي بردة وأبي رافع [33] وقال في إسعاف الراغبين، روي من طرق عديدة صحيحة أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) جاء ومعه علي وفاطمة وحسن وحسين قد أخذ كل واحد منهما بيده حتي دخل فأدني عليا وفاطمة وأجلسهما بين يديه [ صفحه 658] واجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما علي فخده ثم لف عليهم كساء ثم تلا هذه الآية: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] وقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا] قال: وفي رواية: (اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك علي آل محمد كما جعلتها علي إبراهيم إنك حميد مجيد) قال وفي رواية أم سلمة قالت فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي فقلت وأنا معكم يا رسول الله قال: (إنك من أزواج النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) [34] . أقول هذه الرواية والرواية المتقدمة عن عائشة من أوضح الأدلة علي خروج الأزواج من الآية الشريفة بل من حقيقة مفهوم الأهل كما تري وإن كان كل الروايات المذكورة صريحة في ذلك وهي كثيرة وطرقها متعددة ويؤيدها قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث السقيفة: (يا معشر المهاجرين الله الله لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلي بيوتكم ودوركم ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم) الخبر وقد مر ولم يقل أحد من الصحابة لأمير المؤمنين (عليه السلام) حين ادعا أن الخلافة إذا كانت له كانت في دار النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وبيته وإذا خرجت عنه لم تكن في بيت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ولا داره، وذكر أنه ومن يؤل إليه أهل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وأنهم أهل البيت إن دارك غير دار النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، ولم يجبه منهم مجيب بأن أهل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أزواجه وأن أهل بيته نساؤه لا أنتم، بل سلموا له الدعوي [ صفحه 659] واعتذروا عن أخذ حقه بما اعتذروا مما هو مذكور هناك ومبين فيما مضي، ويستفاد من هذا اتفاق الصحابة علي أن أهل البيت في الآية المراد بهم النبي (صلي الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين وأن البيت فيها بيت النبوة والرسالة وأنها مختصة بهم لا يشاركهم فيها غيرهم، فبطل بذلك ما ادعاه قوم من مشاركة الأزواج لهم [35] وفسد ما ادعاه عكرمة من اختصاص الآية بالأزواج لمخالفته الإجماع [36] سابقا ولاحقا، وكذا ما ادعاه بعض الخصوم من دخول أقارب النبي (صلي الله عليه وآله) وباقي بناته في الآية، وروايتهم في العباس وبنيه لا تساعد علي ذلك لأن فيها ستر العباس وبنيه بملاءة ودعا لهم بالستر من النار [37] وهذا غير إذهاب الرجس والتطهير من الذنب وليست النجاة من النار مختصة باهل آية التطهير حتي يدخل فيها من دعا له النبي (صلي الله عليه وآله) بالستر من النار، وإنما اختصوا بالعصمة من الذنوب، فالرواية علي فرض صحتها لا تدل [ صفحه 660] بشئ من الدلالات علي دخول العباس وبنيه في الآية، ولسنا نخرج العباس وبنيه وباقي بني عبد المطلب من أهل بيت النبي (صلي الله عليه وآله) بالمعني العام، لأن قرابتهم إلي النبي ثابتة، وإنما نخرجهم من أهل البيت الذين نزلت فيهم الآية، وقد تقدمت الرواية بهذا المضمون عن عبد الله بن العباس كما إنا أخرجناهم من العترة بالمعني الخاص كما شهدت به جملة من الأخبار المروية هنا مثل حديث أم سلمة وخبر زاذان عن الحسن (عليه السلام) مضافا إلي ما سبق في محله وكذلك نخرجهم من الآل علي هذا المعني أي من الآل المختصين بخلافة النبي (صلي الله عليه وآله) والمشاركين له في خصائصه إلا ما يختص بالنبوة، وعلي المعني العام في أهل البيت يخرج قول زيد بن أرقم أهل البيت من حرم الصدقة بعده يعني النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس في رواية مسلم والنسائي إن صحت الرواية وإلا ففيها إشكال من جهة أن من حرمت عليه الصدقة لا يختص بالمذكورين بل هو شامل لجميع بني هاشم فيدخل بنوا الحارث بن عبد المطلب وبنوا أبي لهب إلا أن يريد بما ذكره التمثيل، وعلي كل حال فلا معارضة بها لتلك الأخبار المتواترة فتعين ما قلنا فيها واندفع جميع الايرادات وتبين صحة الوجه في اختصاص الآية بمن ذكرنا، ويعضده أيضا ما رواه أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة بإسناده عن أبي كعب الحارثي في خبر طويل يذكر فيه كلاما جري بين علي وعمار وعائشة وحفصة وسعد بن أبي وقاص وبين عثمان بن عفان وفيه فتقدم عثمان فصلي بهم فلما كبر قالت امرأة من حجرتها: " يا أيها الناس " ثم تكلمت وذكرت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وما بعثه الله به ثم قالت: " تركتم أمر الله وخالفتم عهده " ونحو هذا ثم صمتت، وتكلمت امرأة أخري بمثل ذلك فإذا هما عائشة وحفصة، قال فسلم عثمان ثم أقبل علي الناس وقال: إن هاتين لفتانتان يحل لي سبهما، وأنا بأصلهما عالم، فقال له سعد بن أبي وقاص: [ صفحه 661] أتقول هذا لحبائب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) [38] الخبر فانظر إلي قول سعد في الرد علي عثمان أتقول هذا لحبائب رسول الله فإنه قاض بأن الأزواج لسن داخلات في آية التطهير عند جميع الصحابة، ولا كان دخولهن فيها معروفا فيما بينهم، ولو كان ذلك كذلك لكان الواجب أن يحتج سعد علي عثمان بالآية ويقول له أتقول هذا لأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فإنه أوضح في الحجة علي عثمان حيث ادعا عليهما المعصية التي أحلت له سبهما وعرض بأصلهما كأنه يريد الهجنة، أي إنهما ليستا من ذوات الشرف في النسب أو غير ذلك، فكان الاحتجاج عليه في رد قوله بما يصرح بطهارتهما عن الذنب ألزم فضلا عن أن يكون أولي من الاحتجاج بأنهما حبائب رسول الله (صلي الله عليه وآله) فإن كونهما من الحبائب لا يمنع صدور الذنب منهما فإن عثمان أيضا بزعم سعد من أحباء النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ولم يكن ذلك مانعا من صدور الذنب منه عنده، وإلا لما أنكر عليه قوله علي أن عثمان ما ادعا عليهما إلا صدور العصيان منهما المجوز سبهما وعلمه بضعف أصلهما، فرد قوله بشهادة الله لهما بالتطهير أصرح في قطع حجته وإبطال دعواه، فترك سعد الاحتجاج بالآية لهما وتركهما الاحتجاج بها لأنفسهما مع شدة الاحتياج إلي ذلك لكثرة ما شتمتا عثمان وشتمهما كما رواه الخصوم دليل صريح علي أن الأزواج غير داخلات فيها وكذا قول عمر لابن عباس، إنما عنيت عظيمكم أهل البيت [39] وقول المغيرة بن شعبة أتنظران خيل الحلبة من أهل هذا البيت وسعوها في قريش تتسع [40] دالان علي أن أهل البيت قرابة النبي (صلي الله عليه وآله) النسبية لا الأزواج، وأن ذلك هو المعروف بين أصحاب النبي (صلي الله [ صفحه 662] عليه وآله وسلم)، ويزيد ذلك وضوحا ما جري بين عائشة وعلي (عليه السلام) يوم الجمل من المخاصمات وتصريحه للناس بارتكابها المعصية وما جري بينهما وبين عبد الله بن العباس من الملاحات حين دخل عليها بعد الهزيمة، وما جري بينها وبين عمار بن ياسر من المجادلة ونسبة الكل منهم إياها إلي ارتكاب المعصية ولم تحتج علي واحد منهم لبرائتها من المعصية بآية التطهير كما كان دائما يحتج بها علي وولده، ويحتج لهم بها شيعتهم، ولو وجدت شبهة تتعلق بها في دخولها في الآية وتصول بها علي الطهارة لسارعت إليها وسبقت في انتهاز فرصتها كل سابق ولا دلت بها إلي الناس، لكنها لم تجد إلي هذا سبيلا وشواهد هذا كثيرة جدا وقد مر جملة منها متفرقا في الكتاب وفيما ذكرناه هنا كفاية مقنع فقد أتينا فيه كما تري بالفصل ليس بالهزل، وأوضحنا فيه نهج الحق، وأزحنا تعللات أهل الشك، ومنه تعلم أنه ليس في الصحابة ولا في أزواج النبي (صلي الله عليه وآله) من يدعي أن آية التطهير يدخل فيها الأزواج فضلا عن كونهن مختصات بها كما قال عكرمة، وأن إدخالهن فيها إنما هو قول مولد من بعض المتعصبين قصد به إبطال احتجاج أهل الحق علي عصمة علي وفاطمة وأبيهما حتي يساوي بينهم وبين من خالفهم وخاصمهم من أئمته ليحتمل الخطأ في كلا الطرفين فيرجع حينئذ إلي. ونسكت عن حرب الصحابة++ فالذي جري بينهم كان اجتهادا مجردا وهيهات هيهات وأني له بذاك وقد أسفر الصبح وصرح الحق عن النصح ومما يدل علي عصمتهم من الكتاب أيضا قوله تعالي: [سلام علي آل ياسين] [41] فالمروي عن ابن عباس أن المراد بهم آل محمد، وبه قال الفخر الرازي [42] وجماعة من مخالفينا: والآل بالمعني العام هم أهل الرجل وهم [ صفحه 663] ذووا قرابته كما ذكر في المصباح المنير وقد يطلق علي المشايعين والأتباع، وعليه جري قوله تعالي: [ادخلوا آل فرعون أشد العذاب] [43] وأما الآل بالمعني الخاص فهم ذرية الرجل وولده وخاصته من أقاربه، قال الله تعالي: [فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما] [44] فالذين آتاهم الله الكتاب والحكمة والملك العظيم من ذوي إبراهيم ولده وذريته وإن دخل فيهم لوط، فذلك لأنه ابن أخيه كما رواه أبو علي الطبرسي عن ابن عباس وابن زيد وجمهور المفسرين [45] لا جميع أقاربه بالاتفاق، وقال تعالي: [إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين] [46] والمصطفي من إبراهيم ولده ومن عمران ولداه موسي وهارون لا الأقارب ولا الزوجات وقال تعالي: [فلما جاء آل لوط المرسلون] [47] أتوا لوطا وخاصة أهله فهم آله وأما قوله تعالي: [إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته] [48] فيحتمل انقطاع الاستثناء أو دخول المرأة من حيث المجاورة أو إطلاقه هنا علي الأتباع والأشياع فتدخل الزوجة والمملوك لا المعني الخاص، وبالجملة الآل كالأهل في معاينه بل قال بعض إنه هو بنفسه أبدلت هاؤه ألفا وآل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) الذين شاركوه في الصلاة عليه وفي التسليم والطهارة ووجوب المودة هم علي وفاطمة والحسن والحسين كما ذكرنا في بيان العترة وذوي القربي والأهل ويدخل باقي الأئمة بالتبعية كما أوضحناه هناك، ويدل عليه صريحا ما مر من قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في علي وفاطمة [ صفحه 664] والحسنين حين نزلت آية التطهير: (اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك علي آل محمد كما جعلتها علي آل إبراهيم إنك حميد مجيد) [49] واستفادة العصمة من الآية من جهة أن السلام بمعني السلامة وهي البراءة من العيوب والنجاة من الذنوب كما قال تعالي: [قيل يا نوح اهبط بسلام منا] [50] وقال: [سلام علي نوح [51] سلام علي إبراهيم [52] سلام علي موسي وهارون] [53] فالمعني سلامة لآل محمد أي سلموا من العيوب سلامة وبرئوا من الذنوب براءة والسلامة من الذنوب هي العصمة. ومما يدل عصمتهم من الكتاب أيضا قوله تعالي: [قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي] [54] فإنا قد بينا أولا إنها نازلة في أئمتنا وأمهم فاطمة وأبيهم علي (عليه السلام) وبينا أيضا أن المودة هنا بمعني المتابعة وأقمنا علي ذلك الأدلة هناك ويشهد للمعنين جميعا ما رواه الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفصيل مرفوعا إلي أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتي وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمارها وأشياعنا أوراقها فمن تعلق بغصن من أغصانها نجي ومن زاغ عنها هوي ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام حتي يصير كالشن البالي ثم لم يدرك محبتنا كبه الله علي منخريه في النار) ثم تلا: [قل لا أسألكم عليه [ صفحه 665] أجرا إلا المودة في القربي] [55] والتعلق بمعني المتابعة البتة وإذا كانت متابعتهم واجبة علي الإطلاق من دون تقييد بحال دون حال وجب أن يكونوا معصومين من الخطأ في جميع الأحوال، ومنزهين عن ارتكاب المعاصي بلا إشكال، ولولا ذلك لوجب تقييد طاعتهم بما قيد به طاعة الأوبين بقوله تعالي: [وإن جاهداك علي أن تشرك بالله شيئا فلا تطعهما] [56] إذ لا يجوز إطاعة المخطئ ولا متابعة العاصي بنص الكتاب، وحيث أطلق وجوب متابعتهم ولزوم مودتهم دل علي الشهادة لهم بالعصمة والطهارة من الأرجاس والأدناس والأمر ظاهر. وأما من السنة فالذي يدل علي عصمة أئمتنا كثير منه ما يعم الجميع ومنه ما يختص بأمير المؤمنين فأما الذي يختص به. فمنه قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار) فإن هذا الحديث نص في عصمة علي (عليه السلام) إذ قد علمت أن ليس العصمة إلا ملازمة الحق والصواب وعدم الخطأ في الأقوال والأفعال فإذ شهد له النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه علي الحق في جميع أحواله كانت تلك شهادة له بالعصمة عن الذنوب وعن الخطأ في الأحكام والقول والفعل، لأن العاصي ليس علي الحق والمخطي ليس معه وكان أمير المؤمنين مصيبا للحق وملازما له كان معصوما بالضرورة. فمنه قول النبي (صلي الله عليه وآله) فيه يوم غدير خم في الحديث المتواتر الذي رواه خصومنا عن جملة من الصحابة: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيثما [ صفحه 666] دار) [57] فإنه صريح في عصمته لأن وجوب موالاته ونصرته علي الإطلاق تستلزم ملازمته للحق فهي شهادة له بالعصمة، ولو صحت منه المعصية لم تجب موالاته في كل حال إذ لا يجوز موالاة العاصي ولا نصرته، بل الواجب الانكار عليه بالنص والاجماع لكن موالاة علي (عليه السلام) واجبة مطلقا بصريح الخبر فوجب أن يكون معصوما وإلا لوجب لو صدرت منه المعصية خذلانه ومعاداته في حال وجوب نصرته وموالاته وهذا متناقض، وأما قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (وأدر الحق معه حيثما دار) فدلالته علي العصمة أوضح من الشمس في رابعة النهار وتقريره كتقرير الحديث الأول. ومنه قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيما رواه الحافظ أبو نعيم وأحمد بن حنبل: (من أحب أن يحيي حياتي ويموت ميتتي ويتمسك بالقضيب من الياقوتة التي خلقها الله تعالي بيده ثم قال لها كوني فكانت فليتمسك بولاء علي بن أبي طالب) ولفظ أحمد (من أحب أن يتمسك بالقضيب الأحمر الذي غرسه الله في جنة عدن بيمينه فليتمسك بحب علي بن أبي طالب) [58] وفي حديث آخر رواه الحافظ (من سره أن يحيي حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي فليوال عليا من بعدي وليوال وليه) [59] والتمسك والموالاة هي المتابعة كما أوضحناه فيما مضي، وإذا كان متابعة علي (عليه السلام) واجبة علي الإطلاق وجب أن يكون ملازما للحق علي كل حال وهي العصمة. ومنه الأحاديث الواردة في وجوب محبته، وأن محبته محبة الله وطاعته طاعة. الله، وفي بعضها أن محبه محب رسول الله وهي كثيرة، وقد تقدمت ونشير [ صفحه 667] هاهنا إلي بعض. فمنها قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في رواية الحافظ عن أبي بردة الأسلمي (إن الله قد عهد إلي في علي عهدا فقلت: يا رب بينه لي قال اسمع إن عليا راية الهدي) إلي أن قال: (وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين من أحبه فقد أحبني ومن أطاعه أطاعني فبشره بذلك فقلت قد بشرته يا رب) إلي أن قال: (وقد دعوت له فقلت اللهم أجل قلبه واجعل ربيعه الإيمان بك، قال قد فعلت) الخبر [60] ومثله قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) في حديث أحمد في حق علي. (وأما الخامسة فإني لست أخشي عليه أن يعود كافرا بعد إيمان ولا زانيا بعد إحصان) [61] الخبر وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) في حديث أحمد: (من أحبك أحبني وحبيبي حبيب الله وعدوك عدوي وعدوي عدو الله) [62] وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم) في حديث أحمد أيضا: (أوصيكم بحب ذي قرباها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق من أحبه أحبني) [63] الخبر وغير ذلك من الأخبار وهي ظاهرة في الشهادة بعصمته وأظهرها في المطلب. الأول لأنه إذا كان طاعة علي (عليه السلام) طاعة الله مطلقا وجب أن يكون دائما علي الحق والصواب في جميع الأمور لا يجوز عليه الخطأ في الحكم إذ لو أخطأ في الحكم أو ارتكب معصية في قول أو فعل لم تكن طاعته طاعة الله، بل الأمر يكون بالعكس لكن طاعته طاعة الله بنص الخبر فهو معصوم [ صفحه 668] من ارتكاب القبيح، ويدل أيضا علي أنه لا يعمل بالاجتهاد كغيره لأن المجتهد لا يصيب دائما وعلي مصيب دائما فهو ليس بمجتهد فيكون علمه نقلا من الرسول (صلي الله عليه وآله) وإلهاما من الله تعالي، وأكثر أخبار الباب مصرحة بهذا المعني فلنستغن ببيانه هنا عن تكريره فتأمل، وقوله (صلي الله عليه وآله) (واجعل ربيعه الإيمان) نص في العصمة علي قول المعتزلة والربيع هو الجدول، وهو النهر الصغير كأنه (صلي الله عليه وآله وسلم) يريد واجعل مشربه أو مورده الإيمان والإيمان عند المشار إليهم فعل الواجبات واجتناب الكبائر والصغائر عندهم مكفرة لا تنافي العصمة لأنها لا توجب الذم، وإذا كان علي (عليه السلام) بنص الخبر ملازما للإيمان كما يصرح به قوله بعد الدعاء (قد فعلت) والإيمان عندهم لا يتم إلا باجتناب القبيح الذي يستحق فاعله الذم وجب أن يكون معصوما منه، وإني لأعجب من ابن أبي الحديد حيث يروي مثل هذا الخبر الواضح في عصمة علي (عليه السلام) ثم يقول في مواضع كثيرة من كتابه: " إن عليا ليس بمعصوم " ويعدله بعمر تارة ويقول: " إن الرجلين ليس ولا واحد منهما عندنا بمعصوم ولم يفرق بين من لم يعبد إلا الله، ولم يجر عليه اسم فسق أبدا وبين من عبد الأوثان وجري عليه اسم الكفر والعصيان، وأخطأ في كثير من الأحكام فيا لله للمسلمين أيقاس هذا بذاك وهل تستوي الظلمات والنور، لكن الرجل وامناله؟؟ تاهوا في أودية الجهل وسلكوا الطريق الوعر وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أعاذنا الله والمؤمنين من طاعة الهوي. وأما لفظ المحبة الوارد في الأخبار المذكورة فهو مفيد للعصمة لما بيناه مرارا من أن المحبة لعلي (عليه السلام) إذا وجبت علي الإطلاق وكانت كمحبة الله والرسول (صلي الله عليه وآله) وجب أن يكون منزها عن فعل القبيح إذا العاصي لا تجب محبته البتة، وعلي (عليه السلام) تجب محبته مطلقا فهو لا يعصي أبدا وهو المطلق. [ صفحه 669] ومنه قول النبي (صلي الله عليه وآله) في رواية الحافظ أبي نعيم: (يا معشر الأنصار ألا أدلكم علي ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا) قالوا: بلي يا رسول الله، قال: (هذا علي فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي) [64] الخبر، ومعني ذلك طاعته بطاعة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) والخبر صريح في أن التمسك بعلي (عليه السلام) عاصم من الضلال أبدا فوجب أن يكون معصوما إذ لو ارتكب قبيحا لم يكن التمسك به عاصما من الضلال لكنه عاصم فليس بمرتكب قبيحا ومثله قول النبي (صلي الله عليه وآله) في حديث أنس (أنه يعني عليا راية الهدي ومنار الإيمان وإمام أوليائي ونور جميع من أطاعني) [65] وقوله في رواية أبي بردة: (إن عليا راية الهدي) الخبر وتابع راية الهدي يجب أن يكون مهتديا ولو كان علي (عليه السلام) ممن يعصون لم يكن راية الهدي ولم يكن اقتفاؤه عاصما من الضلال لكنه راية الهدي بالنص فيجب أن يكون معصوما من الضلال. ومنه الأخبار الواردة في أن عليا (عليه السلام) كنفس رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأنه منه ومخلوق من نوره المعتضدة علي كثرتها بنص القرآن الحكيم مثل قوله (صلي الله عليه وآله) (لأبعثن إليكم رجلا كنفسي وفي رواية عديل نفسي) وقوله (صلي الله عليه وآله) (إن عليا مني وأنا من علي) [66] وقوله (صلي الله عليه وآله) (كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل) إلي أن ذكر قسمة [67] ذلك النور فقال: (جزء أنا وجزء [ صفحه 670] علي (عليه السلام) [68] ومثل ذلك قوله (صلي الله عليه وآله) في تشبيه علي بالأنبياء: (من أراد أن ينظر إلي نوح في عزمه) إلي آخر الخبر [69] والأخبار في هذا المعني كثيرة قد تقدمت وإذا كان علي (عليه السلام) من نور رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وعديل نفسه وشبيها بالأنبياء كان معصوما مثله ومثلهم، إذ لم تخرج من مشابهة النبي (صلي الله عليه وآله) إلا النبوة فيبقي الباقي حاصلا له ومن جملته العصمة فيكون علي معصوما ولذا قال (عليه السلام): (والله ما ظللت ولا ضل بي ولا زللت ولا زل بي) وصدق وهو الأمين المصدق فإنه ما زال علي الحق ما حاد عنه ولا حال ولم يفارقه ولم يزايله طرفة عين والأخبار الواردة في المعاني المذكورة والمشابهة لها والقريبة منها متعددة واسعة، وقد ذكرنا جلها وما ذكرناه هنا من التقسيم أصل يرجع إليه في ارجاع كل حديث مما لم نذكره هنا إلي بابه فلنقتصر علي ما رسمناه ففيه بلوغ المراد، وتحصيل المطلب، وكفاية المنصف، ومقنع المتدبر في هذا الباب والمعاند لا دواء له من الحجة. وأما ما يشتمل علي جميع الأئمة من النصوص الشاهدة لهم بالعصمة. فمنه الخبر المتواتر وهو حديث الثقلين وقول رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فيه: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض) وهذا اللفظ في بعض طرق هذا الحديث عن زيد بن أرقم وقد ذكرنا بعض طرقه وألفاظه فيما مضي وهذا الحديث علي جميع ألفاظه دال علي عصمة العترة من وجهين. الأول شهادة النبي (صلي الله عليه وآله) بعصمة المتمسك بهم [ صفحه 671] من الضلال دائما ولو جاز عليهم الخطأ وارتكاب المعاصي لما كان اتباعهم عاصما من الضلالة مطلقا كما قررناه مرارا فوجب أن يكونوا مأمونين من الخطأ منزهين عن مقارفة الخطايا وتلك هي العصمة. الثاني شهادة النبي (صلي الله عليه وآله) لهم بأنهم مع القرآن لا يفارقونه ولا يفارقهم [70] ، والمراد من ذلك أنهم ملازمون لأحكامه، والقرآن حق لا ريب فيه والملازم له دائما علي الحق في كل أحواله لا يجوز عليه الخطأ إذ لو جاز عليه الخطأ لم يكن ملازما للقرآن، ولزوم الصواب دائما هو العصمة، ويلزم من ذلك علمهم بالقرآن من جهة التوقيف النبوي بنقل السابق إلي اللاحق، أو الإلهام الإلهي ليكونوا مطلعين علي مقاصد الله من جهة القطع والتنصيص لا من جهة الاجتهاد والنظر والأخذ بالظواهر، فإن ذلك لا يوجب الإصابة بل خطؤه أكثر من صوابه ولذا اشتهر عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) (إن من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) فلو أن أهل البيت يعلمون أحكام القرآن من طريق الاجتهاد لم يكونوا ملازمين لحكم القرآن لجواز الخطأ في الاجتهاد، وحيث كانوا ملازمين له بنص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وجب أن يكون اطلاعهم به من طريق اليقين ومن الجهة التي لا تغير فيها ولا اختلاف، فهذا الحديث شاهد علي عصمتهم وعلمهم بحقيقة أحكام القرآن، وأنه لا يخالفهم ولا يخالفونه، وأن علمهم لا يختلف ولا يزول، وكفي به دليلا علي المدعي، ولذا ورد عنهم صلوات الله عليهم: (لا تقلبوا عنا ما يخالف القرآن وما خالف كتاب الله فإنا لم نقله) وفي ذلك بطلان ما ادعته الغلاة والمفوضة وأهل المقالات الفاسدة ممن ينسب إلي الشيعة [ صفحه 672] وتزييف ما أوردوه من الأحاديث المزورة التي يوهم ظواهرها ما ادعوا فيجب لذلك ردها أو تأويلها بما يوافق القرآن فلا تغتر بما ينمقه أهل الجهالة مما يخالف هذا، ويسطرونه من زخرف القول وسرابه يشبهون به علي ضعفاء الشيعة ويضلونهم عن طريق الهداية زين لهم سوء أعمالهم، ولنرجع إلي المطلب فنقول: إن الحديث يدل علي أن غير العترة غير ملازم للقرآن في جميع أحواله ولا موافق له في جميع أموره، وأنه يصيب حكمه تارة ويخطئه تارات، وأن المخالف لهم مخالف للقرآن لا محالة. ومنه الأخبار الواردة في وجوب محبتهم ولزوم مودتهم، وتحريم بغضهم علي جهة الإطلاق والعموم، وقد قدمنا جملة منها مثل قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في رواية الترمذي والحاكم عن ابن عباس: (أحبوا الله لما يغنيكم به، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي) [71] وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم) في رواية: (الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي الله عز وجل وهو يودنا دخل الجنة) [72] الخبر وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم) في رواية أبي الشيخ عن علي (عليه السلام): (والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتي يحبني ولا يحبني حتي يحب ذريتي) وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم) في رواية أحمد: (من أبغض أهل البيت فهو منافق) [73] إلي غير ذلك مما يعطي هذا المعني ويصرح؟ وهي علي كثرتها دالة علي عصمتهم من جهة أن لزوم المحبة علي الإطلاق ووجوب المودة علي العموم يقتضي كون المحبوب علي الصواب في جميع الأحوال، إذ لا تجوز محبة العاصي ولا مودة المخطئ [ صفحه 673] لأنهما بمعني المتابعة كما مر عليك بيانه. ومنها ما رواه جماعة من أصحاب الصحاح عن عدة من قول النبي (صلي الله عليه وآله): (مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) [74] وفي رواية (غرق) وما شابهه من الأحاديث، والمراد منه إن من تابعهم نجا ومن خالفهم أو سلك غير سبيلهم هلك، وإذا كانت متابعتهم موجبة للنجاة، ومخالفتهم وسلوك غير سبيلهم موجبين للهلاك وجب أن يكونوا علي الحق دائما وأن مخالفهم علي الباطل وكونهم علي الحق والهدي لا يفارقونه هو العصمة فالخبر صريح في الشهادة لهم بالعصمة، وكل هذه الأدلة تعطي أن علمهم لا يختلف، وأنه ليس من طريق الاجتهاد وإلا لاختلف وحصل فيه الخطأ أحيانا فلم يكونوا علي الحق دائما، وما يعطي هذا المعني من الأحاديث النبوية كثير من طرق الخصوم قد ذكرنا كثيرا منه سابقا. وأما ما يدل علي عصمة العترة من كلام أمير المؤمنين فكثير. فمنه قوله (عليه السلام) في خطبة له: (فأين يتاه بكم فكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق والسنة الصدق فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورد الهيم العطاشي) الخطبة [75] وكل من قوله: (وهم أزمة الحق والسنة الصدق) ظاهر في عصمة العترة، وقوله: (فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن) صريح فيها، والتقرير في الجميع علي سبيل ما تقدم. ومنه قوله (عليه السلام) في خطبته: (نحن شجرة النبوة، ومحط [ صفحه 674] الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم ناصرنا ومحبنا ينتظر الرحمة، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة) [76] وهي صريحة في كونهم علي الحق دائما وهو المراد بالعصمة. ومنه قوله (عليه السلام) في خطبته: (انكم لن تعرفوا الرشاد حتي تعرفوا الذي نبذه) إلي أن قال: (والتمسوا ذلك من عند أهله، فإنهم عيش العلم، وموت الجهل يخبركم حكمهم عن علمهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين، ولا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق، وصامت ناطق) [77] وهذا الكلام يشير به إلي نفسه وولده فإنه كثيرا ما يسلك هذا المسلك، وتارة يصرح وهو دال علي ما ذكرناه من وفور علمهم، وإنه ليس علي جهة الاجتهاد، وإلا لوقع بينهم الاختلاف كسائر المجتهدين، ودال علي العصمة من الخطأ خصوصا قوله: (لا يخالفون الدين) والتوجيه كما مر. ومنه قوله (عليه السلام) في خطبته (ونشهد ألا إله غيره، وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بأمره صادعا) إلي قوله (عليه السلام): (ومضي رشيدا وخلف فينا راية الحق، من تقدمها مرق، ومن تخلف عنها زهق ومن لزمها لحق، دليلها مكيث الكلام بطي القيام، سريع إذا قام، فإذا ألنتم له رقابكم، وأشرتم إليه بأصابعكم جاءه الموت فذهب به) إلي أن قال: (ألا إن مثل آل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) كمثل نجوم السماء إذا خوي نجم طلع نجم) [78] الخطبة أراد براية الحق القرآن وبدليلها هو نفسه (عليه السلام)، ودليل راية الحق لا يجوز أن يكون مخطئا للصواب، إذ لو [ صفحه 675] أخطأ لما كان دليلا لراية الحق، ثم صرح بأن هذا الأمر يصير من بعده لولده واحدا بعد واحد بقوله: (ألا إن مثل آل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) كمثل نجوم السماء) الخ فبين أنه لا بد في كل زمان من دليل للقرآن من آل محمد كلما مات إمام خلفه من ذريته إمام، وليست تنقطع دلالة القرآن منهم بموته، وهم كالنجوم التي لا يزال منها غارب وشارق أبدا ما بقي الزمان، وفيه دليل علي علمهم بالقرآن من طريق اليقين لا النظر الذي تارة يخطئ وتارة يصيب، وعلي بقاء الإمامة فيهم حتي ينقطع التكليف، وهذا صريح مذهب الإمامية، وهو مضمون حديث الثقلين، ومثل هذا في كلامه الكثير الواسع من أراده لم يفته، وقد تبين مما حررناه ووضح مما قررناه في هذا الكتاب صحة مذهب الإمامية الاثني عشرية، وثبات أقدامهم علي الصراط السوي، والمنهج الجلي لمتانة أدلتهم، وقوة حجتهم واعتراف خصومهم بدليلهم، وثبت ضعف ما سواه من المذاهب والأقاويل الفاسدة التي ليس عليها من دليل، ولا لأربابها في إثباتها بالحجة الثابتة من سبيل، سوي زخارف ما أنزل بها من سلطان، وشبه من القول لا يحصل بها وثوق ولا اطمئنان، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فالحمد لله الذي هدانا لهذا المذهب الواضح، وألهمنا دليله وأسلكنا سبيله وعرفنا برهانه، وأوضح لنا بيانه، وفهمنا عرفانه، وأرشدنا إلي التمسك بالعروة الوثقي التي لا انفصام لها وهي ولاية أهل بيت الرسول المصطفي الذين أولهم أخوه وابن عمه علي المرتضي وآخرهم الإمام المنتظر، والنور الأزهر، صاحب عصرنا وإمام زماننا المهدي بن الحسن العسكري عجل الله فرجه، وجعلنا من الموالين لأوليائهم، والمعادين لأعدائهم إلي يوم النشور، ونسأل الله بمنه ولطفه، أن يثبتنا علي هذا المسلك المنير، ويميتنا علي هذا الطريق القويم، ولنختم كتابنا هذا بذكر شئ من الأحاديث الواردة عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من طريق أصحابنا في النص علي الأئمة الاثني عشر ثم نعقب ذلك بنقل [ صفحه 676] خطبة من خطب أمير المؤمنين تحتوي علي بيان جملة من المطالب التي خضنا فيها وبالله الاستعانة. روي الشيخ الصدوق رئيس المحدثين أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي في كتاب إثبات الغيبة ورفع الحيرة [79] قال: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثني عمي محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن جابر بن يزيد الجعفي عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (لعن المجادلون في دين الله علي لسان سبعين نبيا ومن جادل في آيات الله فقد كفر قال الله عز وجل: [ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد] (ومن فسر القرآن برأيه فقد افتري علي الله الكذب، ومن أفتي الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض، وكل بدعة ضلالة سبيلها إلي النار) وقال عبد الرحمن بن سمرة فقلت: يا رسول الله أرشدني إلي النجاة، فقال: (يابن سمرة إذا اختلفت الأهواء وتفرقت الآراء فعليك بعلي بن أبي طالب، فإنه إمام أمتي وخليفتي عليهم من بعدي، وهو الفاروق الذي يميز بين الحق والباطل، من سأله أجابه، ومن استرشده أرشده، ومن طلب الحق عنده وجده، من التمس الهدي لديه صادفه ومن لجأ إليه أمنه، ومن استمسك به نجاه، ومن اقتدي به هداه. يابن سمرة سلم منكم من سلم له ووالاه وهلك من رد عليه وعاداه. يابن سمرة إن عليا مني روحه من روحي وطينته من طينتي وهو أخي وأنا أخوه، وهو زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين [ صفحه 677] وإن منه إمامي أمتي وابني وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين تاسعهم قائم أمتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا). قال: الصدوق حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل (رحمه الله) قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسي بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد عن الحسن بن علي بن سالم عن أبيه عن أبي حمزة عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (إن الله تبارك وتعالي اطلع علي الأرض اطلاعة فاختارني منها فجعلني نبيا، ثم اطلع الثانية فاختار منها عليا وجعله إماما، ثم أمرني أن اتخذه أخا ووليا ووصيا وخليفة ووزيرا، فعلي مني وأنا من علي، وهو زوج ابنتي وأبو سبطي الحسن والحسين أئمة يقومون بأمري، ألا وإن الله تبارك وتعالي جعلني وإياهم حججا علي عباده وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري، ويحفظون وصيتي التاسع منهم قائم أهل بيتي، ومهدي أمتي أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله يظهر بعد غيبة طويلة، وحيرة مضلة فسيعلن أمر الله ويظهر دين الله عز وجل يؤيد بنصر الله وينصر بملائكة الله ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما) [80] . وقال: حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل قال: حدثني محمد بن أبي عبد الله قال: حدثنا موسي بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد عن علي بن بي حمزة الثمالي عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (حدثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله أنه قال: من علم أنه لا إله إلا أنا وحدي، وأن محمدا عبدي ورسولي، وأن علي بن أبي طالب [ صفحه 678] خليفتي، وأن الأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي وأنجيته من النار بعفوي و - بحت له جواري، له كرامتي وأتممت عليه نعمتي، وجعلته من خاصتي وخالصتي، إن ناداني لبيته وإن سألني أعطيته، وإن سكت ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فر مني دعوته وإن رجع إلي قبلته، وإن قرع بابي فتحته ومن لم يشهد ألا إله إلا أنا وحدي ولم يشهد أن محمدا عبدي ورسولي أو شهد بذلك ولم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد حجد نعمتي وصغر عظمتي وكفر بآياتي وكتبت إن قصدني حجبته وإن سألني حرمته وإن ناداني لم أسمع ندائه وإن دعاني لم استجب دعاءه وإن رجاني خيبته وذلك جزاؤه مني وما أنا بظلام للعبيد) فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال يا رسول الله ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين ثم الباقر محمد بن علي وستدركه يا جابر فإذا أدركته فاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسي بن جعفر، ثم الرضا علي بن موسي، ثم التقي محمد بن علي، ثم النقي علي بن محمد، ثم الزكي الحسن بن علي، ثم ابنه القائم بالحق المهدي، إنه الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني ومن أنكرهم وأنكر واحدا منهم فقد أنكرني بهم يمسك الله عز وجل السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه وبهم يحفظ الأرض أن تميد بأهلها). وقال: حدثنا علي بن أحمد (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن موسي بن عمران عن عمه الحسين بن يزيد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن يحيي بن القاسم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله [ صفحه 679] وسلم): (الأئمة بعدي اثني عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم المهدي هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجج الله علي أمتي، المقر بهم مؤمن والمنكر لهم كافر) [81] . وقال: حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن جده أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه محمد بن خالد عن محمد بن داود عن محمد بن الجارود العبدي عن اصبغ بن نباتة قال: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ويده في يد ابنه الحسن وهو يقول: (خرج علينا رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذات يوم ويدي في يده هكذا وهو يقول: (خير الخلق بعدي وسيدهم أخي هذا وهو إمام كل مسلم، ومولي كل مؤمن بعد وفاتي ألا وإني أقول إن خير الخلق بعدي وسيدهم ابني هذا وهو إمام كل مؤمن، ومولي كل مسلم، بعد وفاتي ألا وإنه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وخير الخلق وسيدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه المقتول في أرض كربلاء، أما إنه وأصحابه من سادات الشهداء يوم القيامة ومن بعد الحسين تسعة من صلبه خلفاء الله في أرضه وحججه علي عباده، وأمناؤه علي وحيه، وأئمة المسلمين، وقادة المؤمنين، وسادة المتقين، وتاسعهم قائمهم الذي يملأ الله به الأرض نورا بعد ظلمها وعدلا بعد جورها وعلما بعد جهلها، والذي بعث محمدا أخي بالنبوة واختصني بالإمامة وقد نزل بذلك الوحي من السماء علي لسان الروح الأمين جبرئيل ولقد سئل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأنا عنده عن الأئمة بعده فقال للسائل: (والسماء ذات البروج إن عددهم بعدد البروج، ورب الليالي والأيام والشهور، إن عدتهم بعدة الشهور) فقال السائل من هم يا رسول الله فوضع رسول الله (صلي الله عليه [ صفحه 680] وآله وسلم) يده علي رأسي فقال: (أولهم هذا وآخرهم المهدي من والاهم فقد والاني، ومن عاداهم فقد عاداني، ومن أحبهم فقد أحبني، ومن أبغضهم فقد أبغضني، ومن أنكرهم فقد أنكرني، ومن عرفهم فقد عرفني، بهم يحفظ الله دينه، وبهم تعمر بلاده، وبهم ترزق عباده، وبهم ينزل القطر من السماء، وبهم تخرج بركات الأرض، هؤلاء أصفيائي وخلفائي وأئمة المسلمين وموالي المؤمنين) [82] . وقال: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه (رحمه الله) قال: حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن معبد عن الحسين بن خالد عن علي بن موسي الرضا عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (من أحب أن يستمسك بديني ويركب سفينة النجاة بعدي فليقتد بعلي بن أبي طالب، وليعاد عدوه وليوال وليه، فإنه وصيي وخليفتي علي أمتي في حياتي وبعد وفاتي، وهو أمير كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي، قوله قولي وأمره أمري ونهيه نهيي وتابعه تابعي وناصره ناصري وخاذله خاذلي) ثم قال (صلي الله عليه وآله وسلم): (من فارق عليا بعدي لم يرني ولم أره يوم القيامة، ومن خالف عليا حرم الله عليه الجنة وجعل مأواه النار، ومن خذل عليا خذله الله يوم يعرض عليه، ومن نصر عليا نصره الله يوم يلقاه ولقنه حجته عند المنازلة) ثم قال (صلي الله عليه وآله): (والحسن والحسين إماما أمتي بعد أبيهما، وسيدا شباب أهل الجنة، وأمهما سيدة نساء العالمين، وأبوهما سيد الوصيين، ومن ولد الحسين تسعة أئمة تاسعهم القائم من ولدي، طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي، إلي الله أشكو المنكرين لفضلهم والمضيعين لحقهم بعدي وكفي بالله وليا وناصرا لعترتي وأئمة أمتي [ صفحه 681] ومنتقما من الجاحدين لحقهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) [83] . وقال: حدثنا أحمد بن زياد قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن علي بن معبد عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسي الرضا عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (أنا سيد من خلق الله وأنا خير من جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وحملة العرش وجميع ملائكة الله المقربين وأنبياء الله المرسلين، وأنا صاحب الشفاعة والحوض الشريف، وأنا وعلي أبوا هذه الأمة من عرفنا فقد عرف الله عز وجل ومن أنكرنا فقد أنكر الله عز وجل، ومن علي سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين، ومن ولد الحسين (عليه السلام) تسعة طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي تاسعهم قائمهم ومهديهم) [84] . وقال: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسي عن عبد الله بن مسكان عن أبان بن خلف عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قال: دخلت علي النبي (صلي الله عليه وآله) وسلم وإذا الحسين بن علي علي فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه ويقول: (أنت سيد ابن سيد أنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة، أنت حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم) [85] . ومثل هذه الأخبار من طرق أصحابنا ذكر جميعه يحتاج إلي كتاب مفرد أضعاف كتابنا هذا، وكلها كما تصرح بإمامة أئمتنا الاثني عشر، وتنص علي خلافتهم وقصر الإمامة فيهم دون غيرهم، تنادي بعصمتهم عن الخطأ [ صفحه 682] ولزومهم الحق حيث نطقت بأن طاعتهم طاعة الله وطاعة رسوله، والتمسك بهم موجب للنجاة وكل ذلك دال علي العصمة كما قررنا سابقا. وروي الصدوق أيضا من طريق الخصم ما يقارب هذا المعني عن ابن مسعود وجابر بن سمرة بطرق متعددة نحن نقتصر علي ذكر بعض منها قال (رحمه الله) حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي الرجا [86] البغدادي قال: حدثنا محمد بن عبدوس الحراني قال: حدثنا عبد الغفار بن الحكم قال: حدثنا منصور بن أبي الأسود عن مطرف عن الشعبي عن عمه قيس بن عبيد قال: كنا جلوسا في حلقة فيها عبد الله بن مسعود فجاء أعرابي فقال: أيكم عبد الله قال عبد الله بن مسعود: أنا عبد الله قال: هل حدثكم نبيكم كم يكون بعده من خلفاء قال: نعم اثني عشر عدة نقباء بني إسرائيل [87] . قال: (رحمه الله) حدثنا أبو علي أحمد بن الحسن بن علي عبدويه قال: حدثنا أبو يزيد محمد بن يحيي بن خلف المروزي الرقي في شهر ربيع الأول سنة الثانية والثلاثمائة قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في سنة ثمان وثلاثين ومائتين المعروف بإسحاق بن راهويه قال: حدثنا يحيي بن يحيي قال: حدثنا هشام بن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال: بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ يقول له شاب: هل عهد إليكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة قال: إنك لحدث السن وإن هذا ما سألني عنه أحد قبلك، نعم عهد إلينا نبينا (صلي الله عليه وآله وسلم) إنه يكون من بعده اثني عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل [88] . [ صفحه 683]

خطبة لأميرالمؤمنين تشتمل علي مطالب كثيرة

وهذه خطبة أمير المؤمنين التي اشتملت علي كثير من المطالب التي تكلمنا فيها روي إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات [1221] عن رجاله عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال خطب علي (عليه السلام) بعد فتح [ صفحه 684] مصر وقتل محمد بن أبي بكر فقال: (أما بعد فإن الله بعث محمدا نذيرا للعالمين وأمينا علي التنزيل شهيدا علي هذه الأمة وأنتم معاشر العرب يومئذ علي شر دين، وفي شر دار، منيخون علي حجارة خشنة، وحيات صم، وشوك مبثوث في البلاد، وتشربون الماء الخبيث، وتأكلون الطعام الخبيث، تسفكون دماءكم، وتقتلون أولادكم، وتقطعون أرحامكم، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل، سبلكم خائفة، والأصنام فيكم منصوبة، ولا يؤمن أكثركم بالله إلا وهم مشركون، فمن الله عز وجل عليكم بمحمد فبعثه الله إليكم رسولا من أنفسكم بلسانكم فعلمكم الكتاب والحكمة والفرائض والسنة، وأمركم بصلة أرحامكم، وحقن دمائكم، وصلاح ذات البين، وأن تؤدوا الأمانات إلي أهلها، وأن توفوا بالعهد ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، وأن تعاطفوا وتباروا وتباذلوا وتراحموا، ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتباغي والتقاذف، وعن شرب الحرام، وبخس المكيال، ونقص الميزان، وتقدم إليكم ألا تزنوا ولا تربوا ولا تأكلوا أموال اليتامي ظلما ولا تعثوا في الأرض مفسدين ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، وكل خير يدني إلي الجنة ويباعد من النار أمركم به، وكل شر يدني إلي النار ويباعد من الجنة نهاكم عنه، فلما استكمل مدته توفاه الله سعيدا حميدا فيا لها مصيبة خصت الأقربين، وعمت المسلمين، ما أصيبوا قبلها بمثلها ولن يعاينوا بعدها أختها، فلما مضي لسبيله تنازع المسلمون الأمر بعده، فوالله ما كان يلقي في روعي [1222] ولا يخطر ببالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عني، فما راعني [1223] إلا انثيال الناس علي أبي بكر وأجفالهم [1224] ليبايعوه، فأمسكت يدي [1225] ورأيت أني أحق بمقام محمد (صلي الله [ صفحه 685] عليه وآله وسلم) في الناس ممن تولي الأمر من بعده، فلبثت بذاك ما شاء الله حتي رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام تدعوا إلي محق دين [1226] الله، وملة محمد (صلي الله عليه وآله) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أري فيه ثلما وهدما يكون المصاب بهما علي أعظم من فوت ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل ثم تزول وما كان منها كما يزول السراب، وكما ينقشع السحاب، فمشيت عند ذلك إلي أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الأحداث حتي زاغ الباطل وزهق وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون [1227] فتولي أبو بكر تلك الأمور وسدد وقارب واقتصد، وصحبته مناصحا وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهدا، وما طمعت أن لو حدث به حدث وأنا حي أن يرد إلي الأمر الذي بايعته فيه طمع مستيقن، ولا يئست منه يأس من لا يرجوه، ولولا خاصة ما كان بينه وبين عمر لظننت أنه لا يدفعها عني، فلما احتضر بعث إلي عمر فولاه فسمعنا وأطعنا وناصحنا، وتولي عمر الأمر فكان مرضي السيرة، ميمون النقيبة، حتي إذا احتضر قلت في نفسي، لن يعدلها عني وليس بدافعها لغيري فجعلني [ صفحه 686] سادس ستة فما كانوا لولاية واحد منهم أشد كراهية لولايتي عليهم، كانوا يستمعون عند وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أحاج [1228] أبا بكر وأقول يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم أما كان فينا من يقرأ القرآن ويعرف السنة ويدين يدين الحق فخشي القوم إن أنا وليت عليهم ألا يكون لهم من نصيب ما بقوا فأجمعوا إجماعا واحدا فصرفوا الولاية إلي عثمان وأخرجوني منها رجاء أن ينالوها ويتداولوها إذ يئسوا أن ينالوها من قبلي، ثم قالوا هلم فبايع وإلا جاهدناك فبايعت مستكرها وصبرت محتسبا فقال قائلهم: يابن أبي طالب إنك علي هذه الأمر لحريص فقلت: أنتم أحرص مني وأبعد أينا أحرص أنا الذي طلبت تراثي وحقي الذي جعلني الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) أولي به أم أنتم حين تضربون وجهي دونه وتحولون بيني وبينه، فبهتوا والله لا يهدي القوم الظالمين، اللهم إني أستعينك [1229] علي قريش فإنهم قطعوا رحمي وأكفؤا إنائي [1230] وصغروا منزلتي وأجمعوا علي منازعتي حقا كنت أولي به منهم فسلبونيه ثم قالوا ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه فاصبر كمدا أو مت أسفا [1231] فنظرت فإذا ليس معي رافد ولا ذاب ولا ناصر ولا مساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية، فأغضيت علي القذي وتجرعت ريقي علي الشجي، وصبرت من كظم الغيظ علي أمر من العلقم، وألم للقلب من حز الشفار، حتي إذا نقمتم علي عثمان أتيتموه فقتلتموه، ثم جئتموني لتبايعوني فأبيت عليكم وأمسكت يدي فنازعتموني وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها وازدحمتم علي حتي ظننت أن بعضكم قاتل بعض، أو إنكم قاتلي، فقلتم بايعنا لا نجد [ صفحه 687] غيرك، ولا نرضي إلا بك بايعنا لا نفترق ولا نختلف فبايعتكم ودعوت الناس إلي بيعتي، فمن بايع طوعا قبلته ومن أبي لم أكرهه وتركته، فبايعني فيمن بايعني طلحة والزبير ولو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما فما لبثا إلا يسيرا حتي بلغني عنهما أنهما خرجا من مكة متوجهين إلي البصرة في جيش ما منهم رجل إلا قد أعطاني الطاعة، وسمح لي بالبيعة، فقد ما علي عاملي، وخزان بيت مالي وعلي أهل مصري الذين كلهم علي بيعتي وفي طاعتي فشتتوا كلمتهم وأفسدوا جماعتهم، فقتلوا طائفة منهم غدرا وطائفة صبرا ومنهم طائفة غضبوا لله فشهروا سيوفهم، وضربوا بها حتي لقوا الله عز وجل صادقين، والله لو لم يصيبوا منهم إلا رجلا واحدا معتمدين لقتله لحل به قتل ذلك الجيش بأسره، فدع ما أنهم قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها عليهم وقد أدال الله منهم فبعدا للقوم الظالمين، ثم إني نظرت في أمر أهل الشام فإذا اعراب أحزاب وأهل طمع جفاة طغاة يجتمعون من كل أوب ممن كان ينبغي أن يؤدب وأن يولي عليه، ويؤخذ علي يديه، ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا التابعين بإحسان، فسرت إليهم فدعوتهم إلي الطاعة والجماعة فأبوا إلا شقاقا وفراقا، ونهضوا في وجوه المسلمين ينظمونهم بالنبل، ويشجرونهم [1232] بالرماح، فهناك نهدت [1233] إليهم بالمسلمين فقاتلتهم، فلما أعضهم السلاح ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعونكم إلي ما فيها، فأنبئكم أنهم ليسوا بأهل دين ولا قرآن، وأنهم رفعوها مكيدة وخديعة ووهنا وضعفا فامضوا علي حقكم وقتالكم، فأبيتم علي وقلتم: اقبل منهم فإن أجابوا إلي الكتاب جامعونا علي ما نحن عليه من الحق، وإن أبوا كان أعظم لحجتنا عليهم، فقبلت منهم، وكففت [ صفحه 688] عنهم، فكان الصلح بينكم وبينهم علي رجلين يحييان ما أحيي القرآن، ويميتان ما أمات القرآن، فاختلف رأيهما، وتفرق حكمهما ونبذا ما في القرآن، وخالفا ما في الكتاب، فجنبهما الله السداد ودلاهما في الضلالة، فانحرفت فرقة منا فتركناهم ما تركونا حتي إذا عاثوا في الأرض يقتلون ويفسدون أتيناهم فقلنا ادفعوا إلينا قتلة إخواننا ثم كتاب الله بيننا وبينكم، قالوا: كلنا قتلهم، وكلنا استحل دماءهم وشدت علينا خيلهم ورجالهم وصرعهم الله مصارع الظالمين، فلما كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلي عدوكم فقلتم: كلت سيوفنا، ونفذت نبالنا، ونصلت أسنة رماحنا، وعاد أكثرها قصدا [1234] فارجع بنا إلي مصرنا لنستعد بأحسن عدتنا فإذا رجعت زدت في مقاتلنا بعدد من هلك منا وفارقنا فإن ذلك أقوي لنا علي عدونا فأقبلت بكم حتي إذا أظللتم علي الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنخيلة، وأن تلزموا معسكركم، وأن تضموا قواصيكم، وأن توطنوا علي الجهاد أنفسكم، ولا تكثروا زيارة أبنائكم ونسائكم، فإن أهل الحرب لمصابروها، وأهل التشمير فيها الذين لا يتفادون من سهر ليلهم، ولا ظمأ نهارهم، ولا خمص بطونهم، ولا نصب أبدانهم، فنزلت طائفة منكم معي معذرة، ودخلت طائفة منكم المصر عاصية فلا من بقي منكم صبر، وثبت ولا من دخل المصر عاد ورجع، فنظرت إلي معسكري وليس فيه خمسون رجلا فلما رأيت ما أتيتم دخلت إليكم، فلما أقدر علي أن تخرجوا إلي يومنا هذا فما تنظرون؟ أما ترون أطرافكم قد انتقصت وإلي مصركم قد فتحت؟ وإلي شيعتي بها قد قتلت؟ وإلي مسالحكم تعري؟ وإلي بلادكم تغزي؟ وأنتم ذووا عدد كثير وشوكة وبأس شديد، فما بالكم يا لله أنتم فمن أين تؤتون! وما لكم تؤفكون ولو إنكم عزمتم وأجمعتم لم تراموا، إلا أن القوم تراجعوا [ صفحه 689] وتناشبوا وتناصحوا وأنتم قد ونيتم وتغاششتم وافترقتم ما أنتم عندي علي هذا بسعداء فانتهوا وأجمعوا علي حقكم وتجردوا لحرب عدوكم قد بدت الرغوة عن الصريح وبين الصبح لذي عينين إنما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء، وأولي الجفاء من أسلم كرها وكان لرسول الله أنف [1235] الإسلام كله حربا، أعداء الله والسنة والقرآن، وأهل البدع والأحداث، ومن كان بوائقه تتقي وكان علي الإسلام مخوفا أكلة الرشا، وعبدة الدنيا لقد أنهي إلي أن ابن النابغة لم يبايع معاوية حتي أعطاه وشرط له أتية هي أعظم مما في يده من سلطانه، ألا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا، وخزيت أمانة هذا المشتري نصرة فاسق غادر بأموال المسلمين، وإن فيهم من شرب فيكم الخمر وجلد الحد، يعرف بالفساد في الدين، وبالفعل السئ، وإن فيهم من لم يسلم حتي رضخ له رضيخة [1236] فهؤلاء قادة القوم ومن تركت ذكر مساويه من قادتهم مثل من ذكرت منهم، بل هو شر ويود هؤلاء الذين ذكرت لو ولوا عليكم فأظهروا فيكم الكفر والفساد والفجور والتسلط بجبرية، واتبعوا الهوي وحكموا بغير الحق، ولأنتم علي ما كان فيكم من تواكل وتخاذل خير منهم وأهدي سبيلا، فيكم العلماء والفقهاء والنجباء والحكماء، وحملة الكتاب، والمتهجدون بالأسحار، وعمار المساجد بتلاوة القرآن، أفلا تسخطون وتهتمون أن ينازعكم [الولاية عليكم سفهاؤكم، والأشرار الأرذال منكم فاسمعوا قولي، وأطيعوا] [1237] أمري فوالله لأن أطعتموه لا تغووا، وإن عصيتموه لا ترشدوا خذوا للحرب إهبتها وأعدوا عدتها، فقد شبت نارها، وعلا سناؤها، وتجرد لكم فيها الفاسقون كي يعذبوا عباد الله، ويطفئوا نور الله، [ صفحه 690] إلا أنه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع والمكر والجفاء بأولي بالجد في غيهم وضلالهم من أهل البر والزهادة والإخبات في حقهم وطاعة ربهم، والله لو لقيتهم فردا وهم ملأ الأرض ما باليت، ولا استوحشت، وإني من ضلالتهم التي هم فيها والهدي الذي نحن فيه لعلي ثقة وبينة ويقين وبصيرة وإني إلي لقاء ربي لمشتاق، ولحسن ثوابه لمنتظر، ولكن أسفا يعتريني وحزنا أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا وعبادة خولا، والفاسقين حزبا، وأيم الله لولا ذلك لما أكثرت تأنيبكم [1238] ، وتحريضكم ولتركتكم إذ ونيتم [1239] حتي ألقاهم بنفسي متي حم إلي لقائهم، فوالله إني لعلي الحق، وإني للشهادة لمحب، فانفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) [1240] ولا تثاقلوا إلي الأرض فتقروا [1241] بالخسف [1242] وتبوروا بالذل، ويكن نصيبكم الأخسر أن أخا الحرب اليقظان، ومن ضعف اودي، ومن ترك الجهاد كان كالمغبون المهين. اللهم اجمعنا وإياهم علي الهدي وزهدنا وإياهم في الدنيا، واجعل الآخرة خيرا لنا ولهم من الأولي.

شرح الخطبة

انتهت الخطبة الجليلة وأولها المشتمل علي ذكر الثلاثة مصرح بنصب الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) أمير المؤمنين إماما وخليفة، وأن الخلافة [ صفحه 691] ميراثه من النبي (صلي الله عليه وآله)، وهو قوله (عليه السلام) (أنا الذي طلبت تراثي وحقي الذي جعلني الله ورسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) أولي به) وهو نص مذهب أصحابنا الإمامية وابن أبي الحديد يروي هذه الخطبة ويصححها ويعدل عما اشتملت عليه فلا يعمل به، ولا يلتفت إليه كما هي عادته فيما يدل علي مذهب الحق ويهدي إلي سبيله، من الإعراض عنه، وترك دليله، وصرح أنه لم يبايع أبا بكر إلا لخوفه علي الإسلام من ارتداد من ارتد من العرب لا لأنه صحيح الإمامة وإلا لبايعه قبل ذلك، وصرح بأن السبب الذي دعا القوم إلي منعه من الخلافة علمهم أنه إذا وليها لن ينالوها أبدا، وإذا كانت في غيره رجوا تداولها بينهم، وصرح أيضا بأنه بايع عثمان مستكرها حين قال له القوم: بايع وإلا جاهدناك ولم يجد عليهم ناصرا، وصرح أن أولئك الجماعة من الظلمة حيث قال بعد ذكر حديثهم معه فبهتوا والله لا يهدي القوم الظالمين، وهم في الحكم عند الخصوم سواء وكذا عندنا. وأما قوله في أبي بكر سدد وقارب واقتصد فنحن نقول بذلك فإن أبا بكر لم يكن كثير الظلم للرعية ولسنا نقول إنه مثل عثمان في أحداثه ومعاوية في ظلم الناس وإنما الداء الدوي فيه قعوده في منصب غيره بعلم منه وكذلك قوله (عليه السلام) في عمر فكان مرضي السيرة ميمون النقيبة يريد أنه كان عند الناس كذلك، وكان مراده من وصف الرجلين مقابلتهما بعثمان ليبين أن سيرتهما كانت مرضية عند المخاطبين بخلاف عثمان فإنه كان غير مرضي السيرة وظهر منه ما أوجب عند العامة قتله بما نقموه عليه من أفعاله مع ما في ذلك من التقية واستصلاح العامة بمدح الرجلين وإبطال دعوي معاوية في زعمه الطلب بدم الثالث لأن قتله إنما كان لما نقمه عليه الناس من مخالفة الشيخين في السيرة فليس لمعاوية أن يطالب بدم رجل قتل بسبب أعدائه وهذا من أحسن الاستصلاح والطف الاحتجاج. [ صفحه 692] وأما قوله (عليه السلام) (والله لو لم يصيبوا منهم إلا رجلا واحدا متعمدين لقتله لحل به قتل ذلك الجيش بأسره) فهو وإن كان في الظاهر مشكلا من جهة جواز قتل الجماعة بالواحد من غير دية ما زاد عن واحد والمعروف في الحكم أنه لو اشترك جماعة في قتل رجل كان لوليه أن يقتل واحدا من أولئك القوم والباقون يدفعون إلي ورثته ما زاد من ديته علي قدر ما عليه من دية المقتول الأول أو يقتل القاتلين جميعا ويدفع إلي ورثة الجميع ما زاد عن دية الواحد مقسطا عليهم لكنه في الحقيقة ظاهر ومطابق للشرع لأن مراده من التعمد استحلال قتل المؤمن أو قتله لإيمانه ولا خلاف أن قاتل النفس علي أحد هذين الوجهين مستحق للخلود في النار لأنه يكون مرتدا فلا فرق حينئذ بين أن يكون القاتل واحدا أو جماعة قلوا أو كثروا فهذا فقه كلامه (عليه السلام) وهو الحق الذي لا مرية فيه وقوله (عليه السلام): (فما لكم تؤفكون) يعني تصرفون عن الحق أو عن طاعة أمري، أو عن قتال عدوكم وحماية حوزتكم ونصر من كان علي ما أنتم عليه وحفظ البلاد التي في أيديكم لئلا يملكها عدوكم وهذا أنسب بالسياق، والكلام تعجب من تقاعدهم عن الجهاد حتي طمع فيهم العدو وتجري علي أخذ أطرافهم وبلدانهم مع معرفتهم أنهم علي الحق وأن عدوهم علي الباطل وذلك موضع العجب إذ يعجز أهل الحق عن القيام به والجهاد دونه ويقوم أهل الباطل دون باطلهم يجالدون وقوله: (بدت الرغوة عن الصريح) مثل لزوال الشبهة وانكشاف الحال عن فسق معاوية وتابعية ووجوب قتالهم لبغيهم وضلالهم وعدم عملهم بالكتاب العزيز فلا حجة في ترك جهادهم والرغوة الزبد الذي يعلوا اللبن ومثله قوله: (وبين الصبح لذي عينين) وهو كناية أيضا عن وضوح الأمر وظهوره يقول بأن للبصير استحقاق معاوية وأصحابه القتل لنبذهم الحق واقتحامهم في غمرة الباطل. وقوله (ع): (ألا صفرت يد هذا البائع دينه) صفرت كتعبت خلت من [ صفحه 693] ثمن ما باعه وهو إشارة إلي قصة عمرو بن العاص ومعاوية حيث شرط عمرو علي معاوية لما دعاه إلي معونته علي حرب أمير المؤمنين أن يعطيه مصر طعمة له ولولده فتبا له كأنه يظن أن معاوية لا يزول ملكه ولا يتغير أمره، ولقد لبث عمرو قليلا فهلك ولم يف له معاوية بجميع ما شرط له ولم يعط ولده مصر بعد ارتحاله إلي الجحيم والعذاب الأليم، وهكذا حال القوم سجيتهم الغدر وشيمتهم المكر وبضاعتهم التي يبثونها في الناس الكذب يخدعون به الطغام، ويجلبون به اللئام كجلب الأغنام، فبعدا لهم كما بعدت ثمود. وقوله: (وخزيت أمانة هذا المشتري نصرة فاسق غادر بأموال المسلمين) خزيت أي ذلت وهانت من باب تعب أيضا. قوله: (حتي رضخت له رضيخة) رضخت مبينا للمفعول من رضخ كنفع والرضيخة فعيلة بفتح الفاء مال ليس بالكثير أي لم يسلم حتي جعلت له عطية يسيرة أسلم لأجلها لا رغبة في الإسلام وهو معاوية وقادة القوم رؤسائهم الذين رضخت لهم الرضائخ علي الإسلام جماعة منهم أبو سفيان وابناه معاوية ويزيد، وحكيم بن حزام بن خويلد، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام بن المغيرة، وحويطب بن عبد العزي، وصفوان بن أمية وعمير بن وهب الحميان، وعينة بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس التميمي وعباس بن مرداس السلمي، وجماعة غيرهم أيضا وهم المؤلفة قلوبهم الذين ذكرهم الله تعالي في القرآن الكريم وذكرهم أهل السير. قوله: (تواكل وتخاذل) وهو اتكال القوم بعضهم علي بعض وخذلان بعضهم بعضا فتضيع بذلك أمورهم وتنتشر كلمتهم ويحصل فيهم الوهن والضعف عن مقاومة عدوهم، ولم شعثهم وشعب صدعهم، والتهجد قراءة القرآن في جنح الليل في الصلوات، والمنازعة كالمجاذبة وهي طلب كل واحد ما في يد آخر. [ صفحه 694] وقوله: (فوالله لأن أطعتموه لا تغووا وإن عصيتموه لا ترشدوا) ضمير المفعول في الفعلين يعود إلي قوله أمري وهو صريح في ملازمته الصواب في جميع الأحوال ومصاحبته للرشد في جميع الأقوال، وإن من أطاع أمره هدي إلي الحق ومن عصاه فارق الرشد، وهذه هي العصمة التي ندعيها له وللأئمة من ولده وأقمنا عليها الشواهد الصحيحة وأثبتنا عليها الحجج القائمة ومثله قوله: (فوالله إني لعلي الحق) والتأنيب التلويم علي القعود عن الجهاد، والتحريض دعاؤهم إلي الحرب وإغراؤهم بها، وونيتم من الوني أي ضعفتم وفترتم، والتثاقل إلي الأرض كناية عن عدم النهوض إلي إصلاح أمرهم وجهاد عدوهم فتقروا بالخسف أي بالهوان قال الشاعر. ولا يقيم علي ضيم يراد به++ إلا الأذلان عير الحي والوتد هذا علي الخسف مربوط برمته++ وذا يشج فلا يرثي له أحد وتبوءوا بالذل ترجعون ملابسين له، واودي هلك أي من ضعف عن عدوه هلك لضعفه عن المدافعة والمغبون الخاسر، والمهين الذليل المحتقر، والزهد ترك زهرة الدنيا وأدناه كما روي عن الصادق (عليه السلام) (طلب الحلال) والزهد في الشئ الرغبة عنه، والميل إلي غيره، وبقي في الخطبة أشياء قد نبهنا عليها فيما سبق من مباحث هذا الكتاب وإشارات إلي أمور يطول شرحها وقد تكفلت ببيانها كتب السير والتواريخ فهي لا تخفي علي من له اطلاع بها وما رمنا إثباته هنا قد انتهي وبلغنا بحمد الله في توضيحه إلي الغاية القصوي وفقنا الله للعمل بما يرضيه وعصمنا عن التهجم علي معاصيه وثبتنا علي دينه القويم، وهدانا إلي صراطه المستقيم، ورزقنا صدق النية وأعطانا خير الأمنية، وبصرنا سبيل الهدي ودلنا علي سفينة النجاة التي من ركبها نجي ومن تخلف عنها غرق وهوي، وختم لنا بالسعادة وأماتنا علي الملة وأحيانا حياة طيبة وجعلنا للصالحين رفيقا، ورفعنا عنده في الجنة درجة، [ صفحه 695] وأتانا من الخير نصيبا وقربنا إليه زلفي، ورزقنا شفاعة نبينا وسيدنا محمد المصطفي وآله الكرام المشفعين في يوم الجزاء، وسقانا من حوضه بكأسه الأوفي شربة لا ظمأ بعدها أبدا اللهم أجب دعوتنا، وانصر ملتنا وأفلج حجتنا وعجل فرج ولينا وانصرنا به نصرا عزيزا، وافتح لنا به فتحا مبينا بحق نبيك وحبيبك خاتم الأنبياء وآله النجباء، إنك علي كل شئ قدير وبالإجابة جدير، وقد وقع الفراغ من تأليف هذا الكتاب وجمعه وتحريره وزبره وتنميقه وسطره في اليوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام من سنة 1295 والحمد لله أولا وآخرا، وصلي الله علي سيدنا محمد وآله الطاهرين إلي يوم الدين، ثم انتقل من السواد إلي البياض بعد إمضاء العزيمة والانتهاض علي يد مؤلفة الفقير إلي الله علي بن عبد الله في اليوم 19 من شهر رجب الأصب سنة 1296 والحمد لله علي نعمة الختام والفوز بالكمال والتمام كما تم تنقيحه وتصحيحه، وتخريج مصادره، والتعليق عليه علي يد العبد الفقير إلي الله الغني عبد الزهراء الحسيني الخطيب في أيام آخرها أول شعبان سنة 1402 أثناء إقامتي في قرية الدراز في البحرين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [ صفحه 697]

ابيات في تاريخ الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم هذه الأبيات لخادم مصنف الكتاب في تاريخه ومدح المصنف قلتها بعد نسخ الكتاب وأنا الأقل خادم المصنف وتلميذ المؤلف تراب أقدام العلماء أحمد بن محمد بن سرحان البحراني [1243] . منار الهدي يهدي لمن هو يبصر++ ويكمد أعداء إلي الحق ينكر عباراته در تألق نورها++ وألفاظه شهب لدي الدر تزهر معانيه أقمار تجاوب مثلها++ وأبوابه حاطت بها فهي تبهر أجل من الشافي [1244] وإن كان سابقا++ فكم حاز فضلا لا حق متأخر مقدمة فيه حوت جل كنهه++ وفصلان كالبدرين بل هما أنور به ذبلت من دوحة الشرك أغصن++ وحل بها جدب فها هي تحسر وقامت به للدين راية رفعة++ علي شمس هذا الأفق تعلو وتفخر أقام لما قد كاد من دين أحمد++ يمال ومن نص الخلافة ينكر لقد أثبتت بالنص فيه إمامة++ لخير الوري وهو الوصي المطهر وعترته الهادين في كل ريبة++ غيوث الوري شبه الأهلة نور [ صفحه 698] فيا قد رعاك الله لست بماين++ ولا مدع ما ليس فيك فافخر رضعت ثدي العلم مذ كنت يافعا++ وجاريت فيه أهله لست تقصر حوي صدرك الواعي العلوم بأسرها++ فها هي في الآفاق تنمو وتنشر فيا لك من صدر حوي كل حكمة++ وأسرار علم الله فيه تستر فعلمك مشهور وفضلك ظاهر++ وجاهك أجلي من سني البدر أنور وربيت في حجر البلاغة لم تزل++ تجاوب فيها أهلها ثم تقهر فها أنت بحر العلم في العصر كله++ فليس سواك اليوم بالفضل يذكر وردت حياض المجد عند صفائها++ فأرويت منها صافيا لا يكدر منار الهدي ألفته طالبا به++ نجاة من الباري فهيهات تخسر لقد قلت فيه مادحا ومؤرخا++ منار الهدي يشفي الصدور ويبهر

پاورقي

[1] الاسراء: 71.
[2] الأنعام: 57، يوسف: 40 و 47.
[3] المائدة: 50.
[4] المائدة: 44 و 45 و 47.
[5] النساء: 80.
[6] النساء: 59.
[7] سورة ص: 7.
[8] الأود - بالتحريك -: الاعوجاج.
[9] العوج - بكسر ففتح -: الالتواء وعدم الاستقامة، والرتج - بالتحريك -: المغلق.
[10] ماز - هنا - بمعني: فزر.
[11] آل عمران: 179.
[12] هدل الحمام هديلا: صوت.
[13] التركاض: مبالغة في الركض، واستعاره لسرعة خواطرهم في الضلال.
[14] بيد: اسم ملازم للإضافة إلي " أن " ومعموليها ومعناه: غير إلا أنه لا يقع إلا منصوبا، ولا يقع صفة، ولا يستثني إلا استثناء مقطعا تقول: فلان كثير المال بيد أنه بخيل، وقد تكون بمعني: من أجل كقوله صلي الله عليه وآله وسلم: (أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش) أي من أجل أني من قريش والمراد بالمتن المعني الأول.
[15] الأغمار - جمع غمر بتثليث الغين المعجمة وإسكان الميم - وهو الجاهل.
[16] الزيغ: الميل، والاعتساف: الأخذ علي غير الطريق وفي معناه التعسف والعسف أيضا.
[17] الخطل: المنطق الفاسد المضطرب.
[18] البتة: الأمر المقطوع به وينصب علي المصدر.
[19] الكافي (الأصول: كتاب الحجة) 1 / 136.
[20] نقله عن الزيدية الشهرستاني في الملل والنحل 1 / 155.
[21] الأنعام: 9.
[22] يوسف: 109.
[23] الأعراف: 142.
[24] مجمع البيان 1 / 201.
[25] النساء: 54.
[26] البقرة: 251.
[27] ابن أبي يعفور هو أبو محمد عبد الله الكوفي من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) وكان كريما عليه ومات في أيامه، وقد أثني عليه الصادق (عليه السلام) في حياته وبعد مماته وهو القائل للصادق (عليه السلام): والله لو فلقت رمانة بنصفين وقلت: هذا حرام وهذا حلال لشهدت أن الذي قلت حلال حلال وأن الذي قلت حرام حرام، قال رحمك الله رحمك، ونبزه أبو يوسف القاضي بالميل إلي الرفض فبكي عبد الله حتي سالت دموعه وقال: نسبتني إلي قوم أخاف أن لا أكون مهم، وكان عبد الله قارئا يقرئ في مسجد الكوفة، وبعد من كبار فقهاء الشيعة، وثقاة رواتهم، ومن الأوائل من مؤلفيهم.
[28] الكافي (الأصول: كتاب الحجة) 1 / 134.
[29] درست بن أبي منصور الواسطي قال الشيخ الطوسي في الفهرست: ص 69: " له كتاب ".
[30] الصافات: 147.
[31] الكافي (الأصول: كتاب الحجة) 1 / 133.
[32] الملل والنحل: 1 / 116.
[33] أبو بكر الأصم من شيوخ المعتزلة ومن أصحاب الفوطي ورأيه في الإمامة كرأي الفوطي ويقول - كما نقل عنه الشهرستاني في الملل والنحل 1. 72 -: " الإمامة لا تنعقد إلا بإجماع الأمة عن بكرة أبيهم " قال الشهرستاني: " وإنما أراد الطعن في إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ كانت بيعته أيام الفتنة " ولا أدري أي خليفة قبل علي بن أبي طالب انعقدت بيعته بالاجماع!!.
[34] هشام بن عمرو الفوطي كما ضبطه ابن حجر في لسان الميزان 6 / 164 " بضم الفاء وإسكان الواو " نسبة إلي بيع الفوط - كصرد - ثياب تجلب من السند أو مآزر مخططة واحدتها فوطة أو هي لغة سندية. وغلط من كتبه بالغين المعجمة ظنا منه أن النسبة إلي غوطة دمشق وهو من المعتزلة وإمام فرقة منهم تسمي الهشامية وكان يجوز قتل واغتيال المخالف لمذهبه وأخذ أموالهم لاعتقاده كفرهم توفي سنة 226.
[35] ذكر ذلك بمعناه الشهرستاني في الملل والنحل: 1 / 72.
[36] طه: 134.
[37] القوشجي: علاء الدين علي بن محمد من علماء الدولة العثمانية له تصانيف منها " شرح التجريد " المشهور بالشرح الجديد، وكل ما نقله المؤلف في هذا الكتاب عن القوشجي منقول من الشرح المذكور توفي سنة 879 بمدينة القسطنطينية (استانبول).
[38] الفرقان: 44.
[39] ما بين القوسين أبعاض آيات من: هود: 17، والأنعام: 37، وآل عمران: 110 وسبأ 13 وص 24.
[40] يشير إلي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند 4 / 125: (ليحملن شرار هذه الأمة علي سنن الذين خلوا من قبلهم أهل الكتاب حذو القذة بالقذة).
[41] نصير الدين الطوسي محمد بن الحسن الفيلسوف المتكلم المجمع علي فضله ولد بطوس سنة 597 وتوفي ببغداد سنة 672 ودفن في رواق المشهد الكاظمي في تربة كان الخليفة الناصر لدين الدين العباسي قد أعدها لنفسه ولكنه لم يدفن بها وقبر الطوسي مزور مشهور له كتب منها " تجريد الاعتقاد " شرحه جماعة من العلماء كالعلامة الحلي بكتاب " كشف المراد " كما شرحه القوشجي بكتابه المعروف بالشرح الجديد وكثيرا ما ينقل المؤلف عن هذين الكتابين.
[42] لاحظ " شرح تجريد الاعتقاد " للعلامة الحلي ص 285.
[43] لا يريد بالاسلام هنا شريعة خاتم الأنبياء (صلي الله عليه وآله وسلم) وإنما إشارة إلي (الإسلام دين الفطرة)، (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين).
[44]. الحشر / 9.
[45] الصدوق: الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه رئيس المحدثين له نحو من ثلاثماية مصنف توفي بالري سنة (381) وقبره هناك مشهور مزور.
[46] ابن قبة بكسر القاف وفتح الياء وتخفيفها أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي من فقهاء الإمامية ومتكلميهم صاحب كتاب " الانصاف " في الإمامة ينقل عنه العلماء في كتبهم كالمفيد في " المحاسن " والمرتضي في " الشافي " كان في ابتداء أمره من المعتزلة ثم تحول إلي الإمامية، وقد حمل هذا الكتاب أبو الحسين السوسنجردي وهو من علماء الإمامية أيضا إلي بلخ وعرضه علي أبي القاسم البلخي من شيوخ المعتزلة، فنقضه البلخي بكتاب " المسترشد " فعاد به السوسنجردي إلي ابن قبة فنقضه البلخي بكتاب " المستثبت " فعاد به إلي الري فوجد ابن قبة قد توفي رحمه الله وانظر مصادر نهج البلاغة وأسانيده 1 / 310.
[47] جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي المعروف بالعلامة ولد سنة 648 وتوفي سنة 726 بالحلة وحمل إلي النجف الأشرف ودفن في حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقبره عن يمين الداخل من الباب الشمالية من أبواب الإيوان الذهبي وهو معروف.
[48] النساء: 65.
[49] النساء: 59.
[50] أي من الأدلة علي أن نصب الإمام واجب علي الله تعالي لطفا منه.
[51] الأود بالتحريك: الاعوجاج.
[52] هو هشام بن الحكم في مناظرة له مع عمرو بن عبيد في مسجد البصرة (انظر سفينة البحار 2 / 266 مادة " عمر ".
[53] أبو بكر الجوهري أحمد بن عبد العزيز عالم محدث له كتاب " السقيفة " ينقل عنه ابن أبي الحديد كثيرا في " شرح نهج البلاغة ".
[54] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب " التفسير الكبير " والتاريخ الشهير وغيرهما من الكتب مثل كتاب " الولاية " الذي جمع فيه طرق (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) حتي اندهش الذهبي لما اطلع عليه لكثرة طرقه، كما له طرق حديث الطير توفي سنة 310 ودفن ليلا لغضب الحنابلة عليه لأنه لم يذكر الإمام أحمد بن حنبل في اختلاف الفقهاء وكان يقول: " لم يكن أحمد فقيها وإنما كان محدثا " وقد قسمت أوراق مؤلفاته علي أيام عمره منذ بلغ الحلم فحلق كل يوم أربع عشرة ورقة.
[55] يحيي بن جابر البلاذري أبو جعفر كاتب شاعر مترجم له من الكتب " فتوح البلدان " و " أنساب الأشراف " وهو أحد النقلة من الفارسية إلي العربية كان مقربا عند المتوكل والمستعين والمعتز توفي سنة 276.
[56] الأبلمة: الخوصة.
[57] نقل ذلك عن الجوهري ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 2 / 53. ونقل البخاري في صحيحه 4 / 194 في كتاب فضائل المهاجرين قريبا من ذلك.
[58] جذيل تصغير جذل: وهو عود بنصب للإبل الجربي لتستشفي للاحتكاك به، المحكك: الذي كثر الاحتكاك حتي صار أملس، والعذيق تصغير عذق بالفتح والمرجب: المدعوم بالرجبة، وهي خشبة ذات شعبتين تدعم بها النخلة إذا طالت وثقل حملها والمعني أني ذو رأي شاف مثمر وقائل ذلك هو الحباب بن المنذر.
[59] تاريخ الطبري 4 / 1823 طبع ليدن حوادث سنة 11.
[60] انظر شرح نهج البلاغة: 6 / 8.
[61] جدعة: فتية.
[62] أي علي الوجه الذي سماه القوشجي عمدة الإجماع.
[63] قول عمر (رضي الله عنه): " كانت بيعة أبي بكر فلتة " رواه البخاري في صحيحه 8 / 25 في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب رجم الحبلي من الزنا إذا أحصنت وابن هشام في السيرة 4 / 226 والطبري في التاريخ 3 / 200 وابن الأثير في النهاية مادة " فلت " والمحب في الرياض النضرة 1 / 161 وابن حجر في الصواعق المحرقة ص 5 و 6 وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 6 / 23 و 26 عن تاريخ الطبري.
[64] معن بن عدي البلوي حليف الأنصار صحابي شهد المشاهد كلها وقتل يوم اليمامة في خلافة أبي بكر (أسد الغاية 5 / 401).
[65] شرح نهج البلاغة 6 / 6.
[66] في شرح النهج " حبل الحبلة " هكذا بتقديم الباء علي اللام وقال الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم: " الحبلة في الأصل الكرم، قيل في معناه حمل الكرمة قبل أن تبلغ ولعله كناية عن صغر علي ".
[67] شرح النهج 6 / 43.
[68] الزمر: 30.
[69] آل عمران: 144.
[70] نقل هذا الإجماع ابن أبي الحديد في شرح النهج 2 / 40.
[71] أي من أدلة القوشجي علي أن نصب الإمام واجب علي الخلق.
[72] أي الجواب علي ما انتصر به القوشجي للأشاعرة.
[73] النساء: 84.
[74] التوبة: 73.
[75] التوبة: 120.
[76] النور: 63.
[77] قال الشهرستاني في الملل والنحل 1 / 24: " أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة إذ ما سل سيف في الإسلام علي قاعدة دينية مثل ما سل علي الإمامة في كل زمان ".
[78] مرت آراء الخوارج والأصم والفوطي في أول المبحث الثاني.
[79] روي أن المحياة ابنة خالد بن سنان العبسي وفدت علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فرحب بها وقال: (ابنة نبي ضيعه قومه) وهو الذي رد نار الحرتين بكهنها وكانت ببلاد بني عبس، وقد ذكرها المؤرخون في كتبهم والشعراء في أشعارهم قال الشاعر. كنار الحرتين لها زفير++ تصم مسامع الرجل السميع (انظر سفينة البحار ج 1 / 405 مادة " خلد " و ج 2 / 620 مادة " نور ".
[80] المؤمنون: 33.
[81] إكمال الدين وتمام النعمة ص 616.
[82] أي الثاني من الأدلة عن أن نصب الإمام لطف.
[83] الرعد: 7.
[84] الحجر: 21.
[85] يس: 12.
[86] الأنعام: 38.
[87] المائدة: 67.
[88] النحل: 44.
[89] المائدة: 67.
[90] شواهد التنزيل للحسكاني 1 / 189 ونقله عن الحسكاني الطبرسي في مجمع البيان 3 / 223.
[91] تفسير العياشي 1 / 332.
[92] نقل رأي الحسن البصري هذا أبو علي في مجمع البيان 1 / 332.
[93] الشوري: 10.
[94] الظاهر أن المؤلف رحمه الله وهم فنقل ما هو حجة عليه لأن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لا يحكم بالظن. والذي قال لها ذلك زوجها كما في فتح القدير للشوكاني 5 / 184 - قال لها: ما أظنك إلا حرمت علي فانطلقي إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فاسأليه فأتت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: (يا خولة ما أمرنا في أمرك بشئ) الخ وفي رواية الزمخشري في الكشاف 4 / 69 (ما عندي في أمرك شئ).
[95] آل عمران: 173.
[96] البقرة: 199.
[97] النساء: 54.
[98] حديث الثقلين مشهور بل متواتر حتي قال ابن حجر في الصواعق ص 99: " إن طرقه وردت عن نيف وعشرين صحابيا " بل جاء في العبقات - كما في طبعته الأخيرة بتعريب السيد الميلاني - رواه أكثر من ثلاثين صحابيا وما لا يقل عن مائتي عالم من كبار علماء أهل السنة بألفاظ مختلفة ومعني متفق.
[99] هذا تابع لحديث الثقلين انظر الصواعق ص 135. [
[100] الإستيعاب لابن عبد البر: 3 / 38.
[101] شرح نهج البلاغة: 9 / 169.
[102] صحيح البخاري 5 / 82 كتاب المغازي باب غزوة خيبر، وصحيح مسلم 5 / 135 كتاب الجهاد والسير.
[103] ربيعة الرأي هو ربيعة بن فروخ التيمي بالولاء من فقهاء المدينة وإنما قيل له ربيعة الرأي لأنه من أصحاب القياس وبه تفقه مالك توفي بالأنبار سنة 136.
[104] سالم بن أبي حفصة ويقال له سالم التمار مولي بني عجل كوفي مات سنة 137.
[105] الأوزاعي أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو إمام أهل الشام كان يسكن بيروت توفي سنة 157، والأوزاعي نسبة إلي وزاع بطن من همدان أو إلي أوزاع قرية بدمشق عند باب الفردايس.
[106] أبو حنيفة النعمان بن ثابت إمام المذهب ولد بالكوفة سنة 80 وتوفي سنة 150 قال في نور الأبصار ص 206 أراده المنصور للقضاء فامتنع فأمر بضربه ثم أحضره بين يديه فدعا بسويق وأكرهه علي شربه ثم قام فقال له إلي أين؟ قال: إلي حيث بعثتني فمضي به إلي السجن فمات فيه.
[107] ما بين القوسين أبعاض آيات من البقرة 282 والتين 8 والأنعام 57.
[108] يراجع في ذلك كتاب النص والاجتهاد للسيد شرف الدين.
[109] النحل: 106.
[110] آل عمران: 28.
[111] الفتح: 25.
[112] رواه البخاري في صحيحه 4 / 20 في كتاب بدأ الخلق باب مناقب المهاجرين بلفظ " اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الاختلاف حتي يكون للناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي " وفي كتاب الغارات للثقفي ص 124 أنه (عليه السلام) قال لشريح: " اقض بما كنت تقضي حتي يجتمع أمر الناس ".
[113] النساء: 83.
[114] مسيلمة الكذاب ابن ثمامة الحنفي متنبئ بني حنيفة ضرب بكذبه المثل " اكذب من مسيلمة) ولد ونشأ باليمامة وكان من المعمرين وقف علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فيمن وفد من قومه ولكنه تخلف في الرحل فذكروا للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مكانه فأمر له بمثل ما أمر لهم وقال: (إنه ليس بشركم مكانا) لأنه قام بوظيفة يتوقف عليها أمرهم فلا ينبغي أن يكون دونهم، ولكنه لما رجع ادعي النبوة كاتب رسول الله (صلي الله عليه وآله) في أن تكون الأرض مناصفة بينهما فأجابه (صلي الله عليه وآله): (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده) ووضع مسيلمة أسجاعا يريد أن يضاهي بها القرآن الكريم بزعمه مثل: " سبح اسم ربك الأعلي، الذي أولد الحبلي فأخرج منها نسمة تسعي " ومثل قوله لسجاح المتنبئة وقد سألته ماذا أنزل عليك: " أنتن معشر النساء لنا أزواجا، نولجه.. إيلاجا، ونخرجه.. إخراجا " فآمنت به وتزوج بها في قصة مشهورة، قتل مسيلمة سنة 12 قتله وحشي قاتل حمزة في الحرب التي جرت بين المسلمين والمرتدين من بني حنيفة وقد قتل في هذه الوقعة من المسلمين ألف ومائتا رجل منهم أربعمائة وخمسون صحابيا. انظر تفصيل ذلك في كتب التاريخ.
[115] زيد بن ثابت الأنصاري الخزرجي من بني النجار كان عمره لما قدم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) المدينة أحد عشر عاما وأول مشاهدة الخندق، وكان من كتاب رسول الله (صلي الله عليه وآله) ثم كتاب لأبي بكر وعمر، واستخلفه عمر علي المدينة ثلاث مرات مرتين في حجتين ومرة عند مسيره إلي الشام، وكان عثمان يستخلفه إذا حج، وكان عثمان قد جعله علي بيت المال، وقال ابن الأثير في أسد الغابة: " وكان زيد عثمانيا ولم يشهد مع علي شيئا من حروبه " توفي بالمدينة وصلي عليه مروان واختلف في سنة وفاته.
[116] عبد الله بن مسعود الهذلي من فقهاء الصحابة وأحد حفاظ القرآن شهد مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) مشاهده كلها، وأرسله عمر إلي الكوفة ليقرأهم القرآن ويعلمهم الأحكام فبث فيهم علما كثيرا ويعرف عبد الله بابن أم عبد وقد جاء في الحديث: (من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه علي قراءة ابن أم عبد) انظر النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 3 / 370 مادة غضض توفي ابن مسعود سنة 32.
[117] هذا الحديث رواه جماعة من المحدثين منهم الترمذي 2 / 229 وأبو نعيم في الحلية 1 / 64 وتجده بحروف ما في المتن في تاريخ بغداد 11 / 204.
[118] الكلمتان من حديثين شريفين (انظر فيض القدير للمناوي 4 / 356 وكنز العمال 6 / 156.
[119] قال ابن أبي الحديد عن هذه الخطبة التي نقل المؤلف منها هذا الكلام منها: " هذه الخطبة ذكرها جماعة من أهل السيرة وهي متداولة منقولة مستفيضة خطب بها علي (عليه السلام) بعد انقضاء أهل النهر وأن " وقد رواها الثقفي في الغارات ص 6 ونقل مختارها الشريف الرضي في نهج البلاغة، واستعرضت مصادرها في مصادر نهج البلاغة وأسانيده 2 / 178.
[120] كميل بن زياد النخعي اليماني من خواص أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وصاحب سره، وخريج مدرسته عاش إلي أيام الحجاج فقتله في حدود سنة 83 وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أخبره بذلك ودفن بظهر الكوفة (النجف الأشرف) وقبره مزار مشهور.
[121] لقمان: 24.
[122] أبو عبد الله حذيفة بن اليمان العبسي صحابي عداده في الأنصار سكن الكوفة ومات في المدائن بعد بيعه علي (عليه السلام) بأربعين يوما، قال ابن الأثير في أسد الغابة 1 / 391: " حذيفة صاحب سر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في المنافقين " وقال: " وكان عمر إذا مات ميت يسأل عن حذيفة فإن حضر الصلاة عليه صلي عليه، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر ".
[123] شرح نهج البلاغة 8 / 186 ورواه الكليني في الكافي 1 / 18 في كتاب العقل والجهل ح 15 بهذا اللفظ: (إنا معاشر الأنبياء أمرنا) الخ وابن شعبة في تحف العقول ص 32.
[124] بصائر الدرجات ص 6 أصول الكافي 1 / 401.
[125] البقرة: 286.
[126] المائدة: 44.
[127] الأنعام: 57.
[128] النحل: 116.
[129] النساء: 65.
[130] الحشر: 7.
[131] المائدة: 50.
[132] الاسراء: 36.
[133] النساء: 77.
[134] الأنعام: 131.
[135] القصص: 59.
[136] الاسراء: 15.
[137] النساء: 165.
[138] طه: 134.
[139] البقرة: 286.
[140] الطلاق: 7.
[141] الحج: 78.
[142] آل عمران: 7.
[143] رواه السيوطي في الجامع الصغير ص 132 من طريق ابن عمر هكذا " تعمل هذه الأمة برهة بكتاب الله ثم تعمل برهة بسنة رسول ثم تعمل برهة بالرأي فإذا عملوا بالرأي فقد ضلوا).
[144] أي من الأدلة علي أن الإمام منصوب من الله تعالي.
[145] الاسراء: 71.
[146] الرعد: 7.
[147] في رواية مسلم في صحيحه كتاب الإمارة باب الأمر بلزوم الجماعة برواية عبد الله بن عمر: (ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) ورواية الإمام أحمد في المسند 4 / 96: (من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية).
[148] الإسكافي: هو أبو جعفر محمد بن عبد الله بن متكلمي المعتزلة وأحد أئمتهم وإليه تنسب الطائفة الإسكافية منهم، بغدادي أصله من سمرقند وكان المعتصم العباسي يعظمه، ومن آثاره الباقية " نقض العثمانية " وهي رد علي رسالة الجاحظ المعروفة ب " العثمانية " وكانا في عصر واحد، وقد نقل ابن أبي الحديد معظم هذه الرسالة في مواضع من شرح نهج البلاغة، وقد طبعت رسالة الجاحظ مع نقضها في مصر توفي الإسكافي سنة 240.
[149] شرح نهج البلاغة 13 / 242 عن نقض العثمانية.
[150] نفس المصدر.
[151] سبأ: 13.
[152] الأعراف: 17.
[153] هود: 13.
[154] في نور الأبصار للشبلنجي ص 206 وكان أبو حنيفة يقول في المنصور وأشياعه: " لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني علي رد آجره لما فعلت ".
[155] شرح نهج البلاغة 8 / 373.
[156] نفس المصدر.
[157] الأنعام: 122.
[158] الكافي: الأصول 1 / 142 ورواه العياشي في تفسيره 1 / 375.
[159] البقرة: 265.
[160] الكافي: الأصول 1 / 142 ورواه العياشي في التفسير 1 / 150.
[161] مستدرك الحاكم 3 / 149.
[162] رواه المحب الطبري في ذخائر العقبي ص 17. وقال: " أخرجه أحمد في المناقب.
[163] رواه الحاكم في المستدرك 3 / 458 وفيه " ذهب " مكان " هلك ".
[164] رواه بهذه الصورة المحب في الذخائر ص 17.
[165] الأنفال: 33.
[166] إسعاف الراغبين ص 129 ويلاحظ أن المؤلف نقل كل تلك الأحاديث عن الاسعاف.
[167] جل ما نقله المؤلف في المتن من الروايات نقلها من الكافي 1 / 136 و 137.
[168] جل ما نقله المؤلف في المتن من الروايات نقلها من الكافي 1 / 136 و 137.
[169] نهج البلاغة برقم 147 حكم.
[170] شرح نهج البلاغة: 18 / 351.
[171] نهج البلاغة من الخطبة 187.
[172] شرح نهج البلاغة 13 / 104.
[173] النساء 97.
[174] نهج البلاغة من الخطبة 150.
[175] شرح نهج البلاغة 9 / 154.
[176] السجدة: 3.
[177] سبأ: 44.
[178] فاطر: 42.
[179] السجدة: 3.
[180] سبأ: 44.
[181] فاطر: 24.
[182] أبو علي الجبائي محمد بن عبد الوهاب المعتزلي توفي سنة 303 ويقال له ولولده أبي هاشم عبد السلام المتوفي سنة 321 الجبائيان وكلاهما من أكابر شيوخ المعتزلة.
[183] يس 6 ورأي الحسن البصري نقله الطبرسي في مجمع البيان 8 / 416.
[184] عكرمة بن عبد الله البربري المدني مولي ابن عباس من التابعين كان عالما بالتفسير وبالمغازي اتصل بنجدة الحروري وتأثر برأيه وخرج إلي المغرب وأخذ عنه أهلها رأي الصفرية من الخوارج وعاد إلي المدينة فطلبه أميرها فتغيب حتي مات سنة 105.
[185] النمل: 88.
[186] المؤمنون: 44.
[187] آل عمران: 183.
[188] طه: 134.
[189] آل عمران: 183.
[190] القصص: 46.
[191] إكمال الدين وإتمام النعمة 624 وقد نقله المؤلف هنا ملخصا.
[192] سبأ: 44.
[193] الكافي 1 / 147.
[194] المنقول هنا عن الصدوق تجده ما بين ص 197 - 201 من كتابه إكمال الدين وإتمام النعمة.
[195] نفس المصدر.
[196] المائدة: 67.
[197] هود: 43.
[198] أبو الحسين البصري: محمد بن علي الطيب من أعلام المعتزلة ومتكلميهم توفي سنة 446 ومن كتبه غرر الأدلة أشار إليه ابن أبي الحديد في شرح النهج في أكثر من موضع.
[199] أي من الأدلة علي وجوب عصمة الإمام.
[200] النساء: 59.
[201] هود: 113.
[202] أي من الأدلة علي وجوب عصمة الإمام.
[203] كذلك.
[204] كذلك.
[205] آل عمران: 144.
[206] أخرجه البخاري في موضعين من صحيحه في كتاب العلم باب الانصات للعلماء.
[207] أخرجه البخاري في صحيحه 4 / 187 كتاب المناقب (لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتي يأتيهم أمر الله وهم علي ذلك) وأخرجه البخاري أيضا 8 / 149 في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب قوله (صلي الله عليه وآله) (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين علي الحق) وفي نور الأبصار للشبلنجي ص 170 (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون علي الحق إلي يوم القيامة).
[208] البقرة: 124.
[209] لقمان: 13.
[210] البقرة: 254.
[211] البقرة: 279.
[212] النساء: 148.
[213] الاسراء: 33.
[214] التوبة: 36.
[215] القلم: 29.
[216] انظر تفسير الرازي 4 / 42.
[217] أي القوشجي الذي لا يزال المؤلف في معرض الرد عليه.
[218] النساء: 59.
[219] الأحزاب: 32.
[220] الفتح: 10.
[221] الأنفال: 29.
[222] الزمر: 65.
[223] الطلاق الآية التي تلي البسملة.
[224] أي من الأدلة علي وجوب عصمة الإمام.
[225] البقرة: 44.
[226] روي ابن عبد ربه المالكي طرفا من هذه الوصية في موضعين تحت عنوانين في باب مواعظ الآباء للأبناء من العقد الفريد في الثالث ص 155 وص 156 بتقديم وتأخير وحذف واختصار كما هي عادته في نقل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) ففي العنوان الأول قال: " كتب علي بن أبي طالب إلي ولده الحسن " وذكر أول الوصية، وفي العنوان الثاني قال: " وكتب إلي ولده محمد من الحنفية: تفقه في الدين - إلي قوله - فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة " ولذا إن المؤلف جاء بكلمة " أو " ولكن المشهور أن الوصية كانت للحسن (عليه السلام) كتبها أمير المؤمنين بحاضرين عند انصرافه من صفين وقد استعرضت مداركها في " مصادر نهج البلاغة وأسانيده " 3 / 307 - 312.
[227] شرح نهج البلاغة 16 / 66.
[228] نهج البلاغة برقم 31 كتب.
[229] الأحزاب الآية التي تلي البسملة.
[230] الاسراء: 39.
[231] الأنعام: 15.
[232] روي صدر الحديث المناوي في كنوز الحقائق ص 80.
[233] قال أبو مخنف: " قام رجل إلي علي (عليه السلام) يوم الجمل فقال: يا أمير المؤمنين أي فتنة أعظم من هذه إن البدريين ليمشي بعضهم إلي بعض بالسيف؟! فقال علي (عليه السلام): " ويحك أتكون فتنة أنا أميرها وقائدها! والذي بعث محمدا بالحق وكرم وجهه ما كذبت الخ " وانظر شرح نهج البلاغة 1 / 265، وأما قوله (عليه السلام): (ما زلت علي الطريق الواضح) الخ فقد ورد مثله في زيارته (عليه السلام) يوم الغدير: (وإني علي الطريق الواضح ألفظه لفظا) نقل ذلك الشهيد في مزاره كما ورد في مفاتيح الجنان للمحدث القمي ص 367 كما رواها ابن أبي الحديد عنه أيضا في شرح نهج البلاغة 5 / 249 وأنه قالها يوم صفين.
[234] محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد نزيل قم من شيوخ القميين وثقاتهم قال فيه تلميذه الصدوق رحمه الله: " كل ما لم يصححه ولم يحكم بصحته من الأخبار متروك " وفي ج 17 من بحار الأنوار رسالة في استحالة السهو علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ردد نسبتها بين المفيد وتلميذه الشريف المرتضي.
[235] ذو اليدين ويقال له ذو الشمالين أيضا هو عمير أو عمرو بن عبد عمرو صحابي استشهد يوم بدر والرواية عن أبي هريرة قال: صلي بنا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الظهر أو العصر فسلم في ركعتين فقال له ذو الشمالين بن عبد عمرو وكان حليفا لبني زهرة: أنسيت أم قصرت الصلاة! فقال له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (لم أنس ولم تقصر أكما يقول ذو اليدين!) فقالوا: نعم فتقدم فصلي ما ترك ثم سلم.. الخ روي ذلك جماعة من المحدثين منهم البخاري في كتاب الصلاة 1 / 123.
[236] ستأتي صفة الرضا (عليه السلام) للإمام في آخر الكتاب.
[237] أي من مسائل شروط الإمام.
[238] النساء: 95.
[239] الوسائل 14 / 6 كتاب النكاح ب 2 ح 1.
[240] الاسراء: 70.
[241] الرعد: 4.
[242] البقرة: 253.
[243] الاسراء: 55.
[244] صحيح مسلم 8 / 61 وفي الدر المنثور /: (من سن خيرا كان له أجره ومن أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا.. الحديث).
[245] النساء: 83.
[246] السيب: الماء الجاري، والمراد به هنا التقع.
[247] آل عمران: 159.
[248] حاد: انحرف.
[249] نهج البلاغة من الخطبة 170.
[250] شرح نهج البلاغة 18 / 252 وانظر مصادر نهج البلاغة وأسانيده 4 / 90.
[251] أي الثاني وهو العام من وجهي الدليل علي وجوب أفضلية الإمام فهو من وجوه الأول الخ.
[252] الحزن - بفتح فسكون -: ما غلظ من الأرض، يقال: في الطريق حزونة أي ضد السهولة.
[253] التوبة 119.
[254] يونس: 35.
[255] الزمر: 9.
[256] شرح نهج البلاغة 9 / 172. وكنز العمال للمتقي الهندي 7 / 140.
[257] أبو سعيد الحسن بن يسار مولي زيد بن ثابت الأنصاري وأمه خيرة مولاة أم سلمة زوجة النبي (صلي الله عليه وآله) وكان يتهم بالانحراف عن علي (عليه السلام) حتي عده ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 4 / 95 من المبغضين لعلي (عليه السلام) وقال ابن حجر في تقريب التهذيب 1 / 165 كان يرسل كثيرا ويدلس وكان يروي عن جماعة لم يسمع منهم ويقول: حدثنا وكذلك قال عنه في تهذيب التهذيب 1 / 270 ومع ذلك فقد وثقه مات سنة 110.
[258] شرح نهج البلاغة 3 / 95.
[259] أسامة بن زيد بن حارثة مولي رسول الله (صلي الله عليه وآله) أمة أم أيمن أمره رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي البعث الذي أراد تنفيذه قبيل وفاته وله من العمر ثماني عشرة سنة، امتنع من البيعة لعلي (عليه السلام) ولم يشهد معه مشاهده توفي بالمدينة أواخر أيام معاوية علي اختلاف في سنة وفاته.
[260] انظر شرح نهج البلاغة 1 / 158.
[261] أبو الدرداء عامر بن زيد الأنصاري صحابي معروف ولي القضاء بدمشق لعثمان وتوفي بعد صفين علي الأصح سنة 8 أو 39.
[262] نور الأبصار للشبلنجي ص 54 وفيه (خير منك في الدنيا والآخرة).
[263] نقله المجلسي في البحار ج 88 ص 88 عن الصدوق في ثواب الأعمال وعلل الشرائع والمحاسن للبرقي والسرائر لابن إدريس بلفظ " إلي سفال " بدل " في سفال ".
[264] شرح نهج البلاغة: 1 / 9.
[265] نفس المصدر: 1 / 1.
[266] نفس المصدر: 6 / 39.
[267] المصدر السابق: 1 / 165.
[268] انظر فتوح الشام للواقدي 1 / 8.
[269] إمرة أبي عبيدة حين أرسله مددا لعمرو بن العاص في سرية ذات السلاسل (سيرة ابن هشام 4 / 200) وإمرة عمرو بن العاص في سرية ذات السلاسل (شرح نهج البلاغة 6 / 24) وسيرة ابن هشام 4 / 201 ولم أعثر علي إمرة خالد عليهم وأما أسامة ففي بعث أسامة المشهور.
[270] الحديد: 10.
[271] آل عمران: 195.
[272] قيل في رد هذا الحديث: إن صح فيقتضي عصمته ولم يذع ذلك عمر (رضي الله عنه) ولا ادعاه لواحد وقد شهد هو علي نفسه بالخطأ ورجع عن بعض الأحكام واعترف بذلك في أكثر من موطن كقوله: (لولا علي لهلك عمر) قال ذلك في أكثر من موطن انظر السنن الكبري للبيهقي 7 / 442 تفسير الرازي 7 / 487 الدر المنثور 1 / 288 الرياض النضرة 2 / 194 الخ. وقوله (لولا معاذ لهلك عمر) (سنن البيهقي 7 / 443 الإصابة 3 / 427 فتح الباري 12 / 120 و (كل الناس أفقه من عمر) تفسير القرطبي 5 / 99 تفسير النيسابور 1 / الأربعين للرازي ص 467 نور الأبصار للشبلنجي ص 79 الدر المنثور للسيوطي 2 / 133 قيل ولم نر عمر (رضي الله عنه) احتج لنفسه بهذا الحديث في المواطن التي احتاج إلي الحجاج فيها.
[273] من الوجوه في رد بعض الأحاديث الموضوعة في الفضائل.
[274] أي الوجه الثاني من الوجهين اللذين تمسك بهما المعتزلة من جواز تقديم المفضول علي الأفضل.
[275] شرح نهج البلاغة 11 / 14.
[276] المصدر السابق 2 / 47 والخشاش بكسر الخاء المعجمة: عود يجعل في عظم أنف الجمل الصعب ليسهل قياده.
[277] المصدر السابق 2 / 45 ونهج البلاغة برقم 28 كتب.
[278] الضمير في " رواه " لابن أبي الحديد لأنه في معرض الرد عليه.
[279] نفس المصدر.
[280] نهج البلاغة برقم 6 خطب.
[281] شرح نهج البلاغة 1 / 225 و 227.
[282] يشير إلي قول ابن أبي الحديد من مقدمة شرحه علي نهج البلاغة: " وقدم المفضول علي الأفضل لمصلحة اقتضاها التكليف ".
[283] يريد بالقوم ابن أبي الحديد وأصحابه المعتزلة ولا يريد المصنف بهذا الكلام إلا تفنيد؟؟ ما يذهبون إليه من جواز تقديم المفضول علي الأفضل.
[284] حديث (الأئمة من قريش) رواه جماعة وروي أن أبا بكر (رضي الله عليه) احتج به علي الأنصار ولكن الجمع بين ذلك وبين قوله الذي رواه الطبري في التاريخ 4 / 214 حوادث سنة 13 وغيره في جملة مسائله التي ود لو سأل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عنها: " ليتني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر حق " يوقع الباحث في حيرة خصوصا بعد المقارنة بين ذلك وبين قول عمر (رضي الله عنه) أيضا " لو كان سالم مولي أبي حذيفة حيا استخلفته " ومعلوم أن سالما ليس بقرشي.
[285] حيث جوز الخوارج أن تكون الإمامة في غير قريش (انظر الملل والنحل 1 / 116).
[286] الأحزاب: 33.
[287] الأنفال: 57.
[288] الزخرف: 28.
[289] البقرة: 124.
[290] آل عمران: 34.
[291] قال (صلي الله عليه وآله) ذلك في قصة براءة كما سيأتي.
[292] نوح بن دراج ولي القضاء للرشيد علي الكوفة والبصرة وكان من الشيعة قيل: وكان يقضي بقضاء علي (صلوات الله وسلامه عليهم) وهو أخو جميل بن دراج المدفون قريبا من بلده الدجيل ويظهر أنه ولي القضاء ببغداد أيضا حيث يقول الأشهب الكوفي: يا أهل بغداد قد قامت قيامتكم++ مذ صار قاضيكم نوح بن دراج.
[293] أبو بكر بن عياش اسمه سالم وقيل: شعبة: وقيل: اسمه كنيته كان من العلماء العباد الزهاد توفي بالكوفة سنة 193.
[294] يعني في يوم الدار المشهور.
[295] نقله السيد الطباطبائي في الميزان في تفسير القرآن 9 / 143 عن كتاب " معاني الأخبار " للصدوق.
[296] الأنفال: 72.
[297] عبد الله بن جعفر الصادق (عليه السلام) يعرف بالأفطح (لأنه أفطح الرأس) أي ذو رأس عريض أدعي الإمامة أو ادعيت له بحجة أنه أكبر أولاد الصادق (عليه السلام) بعد موته لما ورد أن الإمامة تكون في الأكبر وقد منع من ذلك أن من شروط الإمام أن لا تكون به عاهة مضافا إلي الشروط الأخري من العصمة والعلم نحو ذلك وقد روي أن الإمام الصادق قال للكاظم (عليه السلام) (يا بني إني أخاف أن أخاك سيجلس مجلسي ويدعي الإمامة بعدي فلا تنازعه بكلمة فإنه أول أهل بيتي لحوقا بي) فمات بعد أبيه بسبعين أو تسعين يوما وانظر سفينة البحار 2 / 373 مادة " فطح ".
[298] نقله الصبان في إسعاف الراغبين ص 149. عن الفتوحات المكية لابن عربي.
[299] نقله الصبان أيضا في الاسعاف ص 149. عن السيوطي.
[300] الإشارات لابن سينا 4 / 137 و 138 و 155.
[301] الإشارات لابن سينا 4 / 137 و 138 و 155.
[302] الإشارات لابن سينا 4 / 137 و 138 و 155.
[303] نقله عن الفتوحات الصبان في إسعاف الراغبين ص 145.
[304] نقله الصبان أيضا في الاسعاف ص 147.
[305] فتوح الشام 1 / 50: وفيه أنه قال لرسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد أن بشره بالفتح: " فقلت: يا رسول الله أراك علي عجل؟ قال لأحضر جنازة أبي بكر الصديق ".
[306] التوبة: 128.
[307] تقدم كلام الشهرستاني أنه ما سل في الإسلام سيف كما سل في الإمامة.
[308] البقرة: 124.
[309] تفسير الرازي 4 / 39 - 44 وما ذكره هنا نقله ملخصا.
[310] البقرة: 247.
[311] البقرة: 248.
[312] الحشوية: طائفة تنفي التأويل وكأن الاسم مأخوذ من حشو الكلام وهو الفضول منه.
[313] القصص 68.
[314] الأحزاب: 36.
[315] الأنعام: 57.
[316] آل عمران: 33.
[317] سورة النساء: 54.
[318] سورة البقرة: 30.
[319] سورة ص: 26.
[320] الأعراف: 142.
[321] ا بين القوسين أبعاض آيات من الاسراء 35 والبقرة 169 والنحل 116 ويونس 59.
[322] صحيح مسلم 1 / 18.
[323] آل عمران: 61.
[324] المائدة: 44.
[325] الأنعام: 106.
[326] الشوري: 15.
[327] النساء: 105.
[328] آل عمران: 128.
[329] الحاقة: 46.
[330] البقرة: 55.
[331] الدخان: 32.
[332] باعتبار قول الإمامية بعصمته.
[333] صحيح البخاري 5 / 82 كتاب المغازي باب غزوة خيبر وصحيح مسلم 5 / 154.
[334] ستأتي مصادر هذا الحديث في جملة الأحاديث التي أوردها المؤلف في فضائل الإمام علي (عليه السلام).
[335] روي هذه الفلتة البخاري في صحيحه 8 / 210 كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة باب رجم الحبلي ص 86.
[336] شرح نهج البلاغة: 1 / 65 و 195.
[337] عينية بن حصن الفزاري أسلم بعد الفتح وشهد حنينا والطائف وكان من المؤلفة قلوبهم ومن الأعراب الجفاة وارتد بعد وفاة النبي (صلي الله عليه وآله) وتبع طليحة الأسدي وقاتل معه وأسر وحمل إلي أبي بكر فكان صبيان المدينة يقولون له يا عدو الله كفرت بعد إيمانك فيقول: ما آمنت بالله طرفة عين وأسلم فأطلقه أبو بكر (رضي الله عنه)، (أسد الغاية 4 / 167). وأما الأقرع بن حابس فهو من بني تميم وفد علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مع أشراف قومه بعد فتح مكة وجرت بينهم وبين رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) محاورة لطيفة نقلها ابن الأثير أسد الغابة 1 / 119 بترجمة الأقرع بن حابس المذكور وأسلم الأقرع يومئذ وكان شريفا في الجاهلية والإسلام وشهد فتح الأنبار مع خالد بن الوليد وأصيب بالجوزجان وكان قد بعثه عبد الله بن عامر علي جيش بعثة إلي خراسان.
[338] الرجل المقصود عبد الله بن سعد بن أبي سرح وإشارته نقلها ابن أبي الحديد في شرح النهج 1 / 193 كما نقل إشارة سعد والآخرين كما في المتن.
[339] الأنعام: 38.
[340] المائدة: 3.
[341] البقرة: 124.
[342] الأنبياء: 73.
[343] آل عمران: 68.
[344] الروم: 56.
[345] القصص: 68.
[346] الأحزاب: 36.
[347] القلم: 40.
[348] يونس: 35.
[349] البقرة: 269.
[350] البقرة: 247.
[351] النساء: 113.
[352] النساء: 54.
[353] الجمعة: 4.
[354] القصص: 50.
[355] محمد: 8.
[356] غافر: 35.
[357] الكافي 1 / 154 إكمال الدين ص 632.
[358] الظاهر أن ما بين القوسين من حديثين ففي عدة من الأصول كمسند الإمام أحمد 5 / 340: (وهو وليكم بعدي) وفي حديث بدأ الدعوي كما في تاريخ الطبري 2 / 321 بتحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم: (إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم).
[359] إجمال القصة براءة أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعث أبا بكر (رضي الله عنه) ببراءة وأمره أن ينادي في الموسم أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله (صلي الله عليه وآله) عهد فهو إلي مدته ومن لم يكن له عهد فمدته أربعة أشهر والله برئ من المشركين ورسوله، وكتب له بهذه الولاية كتابا فبينما أبو بكر (رضي الله عنه) ببعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله القصوي فخرج أبو بكر فزعا - كما في رواية الترمذي - فظن أنه رسول الله (صلي الله عليه وآله) فإذا هو علي (عليه السلام) فبلغه أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعثه ليأخذ منه براءة ويقوم هو بتبليغها، فوجد أبو بكر في نفسه فلما رجع إلي المدينة بكي وقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي نزل في شئ؟ قال: " لا، ولكن جبرائيل جائني فقال: (لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك) كذا في رواية الإمام أحمد، وانظر تفسير الطبري 10 / 46 و 47 ومستدرك الحاكم 3 / 51 وسنن الترمذي 2 / 183 ومسند أحمد 1 / 3 و 151 و 330 وتفسير ابن كثير 2 / 333.
[360] إبراهيم: 36.
[361] آل عمران 31.
[362] وذلك أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لما بعث أبا بكر بآيات من أول سورة براءة ليتلوها نيابة عنه في الموسم فنزل جبرائيل بعد أن سار أبو بكر وأمره أن يرسل عليا ليأخذ الكتاب من أبي بكر وأخبره أنه لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل من أهل بيتك فأخذ علي (عليه السلام) الكتاب منه وحج بالناس وأذن وبلغ روي ذلك أئمة التفسير وعلماء الحديث وأرسلوه إرسال المسلمات كالطبري في تفسيره 10 / 46 وابن كثير في تفسيره 2 / 333 والآلوسي في تفسيره 3 / 268 والترمذي 2 / 135 والنسائي في الخصائص ص 20 كما رواه في السنن أيضا 5 / 234 والدارمي في السنن 2 / 67 والطبري في تاريخه 4 / 1720 ليدن حوادث سنة 9 وابن هشام في السيرة 4 / 130. الخ.
[363] الكهف: 28.
[364] الجاثية: 18.
[365] النجم: 3.
[366] في شرح نهج البلاغة 17 / 281 عن المغازي للواقدي (إن الله أذهب نخوة الجاهلية وتكبرها بآبائها كلكم لآدم وآدم من تراب وأكرمكم عند الله أتقاكم) والكلمة من خطبة له (صلي الله عليه وآله) لما فتح مكة.
[367] الأنعام: 106.
[368] أما في كتبه فانظر شرح نهج البلاغة 8 / 200 وأما في أشعاره فقوله في إحدي علوياته. ولا كان معزولا غداة براءة++ ولا عن صلاة أم فيها فاخرا.
[369] شرح نهج البلاغة: 4 / 96.
[370] الاسراء: 92.
[371] الاسراء: 93.
[372] شرح نهج البلاغة 6 / 19.
[373] المصدر السابق: 6 / 39.
[374] نفس المصدر 19 / 88 و 16 / 77 قال ابن أبي الحديد: " ثبت عندي أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (إن عليا مع الحق وإن الحق يدور معه حيثما دار).
[375] مستدرك الحاكم 3 / 129.
[376] شرح نهج البلاغة 9 / 169 وحلية الأولياء 1 / 63.
[377] شرح نهج البلاغة 9 / 167 وحلية الأولياء 1 / 66.
[378] أيضا 3 / 98.
[379] شرح نهج البلاغة: 3 / 98.
[380] شرح نهج البلاغة 3 / 98.
[381] استعرض السيد شرف الدين كل هذه الأحداث في كتابه النص والاجتهاد ص 141 - 284 وحري بالباحث أن يطلع علي ذلك.
[382] شرح نهج البلاغة 3 / 98.
[383] شرح نهج البلاغة 6 / 13.
[384] يعني شرح النهج.
[385] في شرح النهج " قريش ".
[386] شرح نهج البلاغة 6 / 47.
[387] ندر أي سقط.
[388] شرح نهج البلاغة: 2 / 56.
[389] أيضا 6 / 48 وتحريق باب فاطمة عليها السلام أو التهديد بالتحريق نقله جماعة من المؤرخين نذكر منهم الطبري في التاريخ 3 / 202 حوادث سنة 11 وابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1 / 13 وابن عبد ربه في العقد الفريد 4 / 259 وابن شحنة في تاريخه هامش كامل ابن الأثير 7 / 164 وأشار إليه حافظ إبراهيم شاعر النيل في قصيدته العمرية المشهورة بقوله: وقولة لعلي قالها عمر++ أكرم بسامعها أعظم بملقيها حرقت دارك لا أبقي عليك بها++ إن لم تبايع وبنت المصطفي فيها ما كان غير أبي حفص يفوه بها++ أمام فارس عدنان وحاميها واعتذر بذلك عروة بن الزبير عن أخيه عبد الله إذ هم بتحريق بني هاشم لما امتنعواعن بيعه كما في شرح نهج البلاغة 4 / 495.
[390] شرح نهج البلاغة 6 / 13.
[391] يقال: لبب فلان فلانا أي جمع ثيابه عند صدره ونحره ثم جره.
[392] في الشرح " ركضا ".
[393] شرح نهج البلاغة 6 / 45.
[394] نهج البلاغة من الخطبة 26 وستري في آخر الكتاب أن هذا الفصل من خطبة له (عليه السلام) نقلها المؤلف عن كتاب الغارات لابن هلال الثقفي.
[395] رواه ابن عساكر في تاريخه 2 / 260 عن بريدة الأسلمي.
[396] شرح نهج البلاغة: 1 / 12.
[397] شرح نهج البلاغة: 1 / 12.
[398] شرح نهج البلاغة 1 / 171 ونقله المحب في الرياض النضرة 2 / 164.
[399] شرح نهج البلاغة 2 / 187.
[400] أبو الهيثم هو مالك بن التيهان صحابي جليل استشهد يوم صفين بين يدي علي (عليه السلام) سنة 37 وكان علي (عليه السلام) يحن إلي ذكره ويشتاق إليه.
[401] يريد به قليب بدر.
[402] شرح نهج البلاغة 1 / 143.
[403] يجمجون ذلك أي لم يظهروه يقال: جمجم الرجل وتجمجم إذا لم يبين كلامه.
[404] خزيمة بن ثابت صحابي شهد بدرا يقال له ذو الشهادتين لأن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) جعل شهادته شهادة رجلين في قضية معروفة شهد مع علي (عليه السلام) حرب الجمل واستشهد بين يديه في صفين بعد عمار بن ياسر رضي الله عنهما.
[405] شرح نهج البلاغة 1 / 146.
[406] النعمان بن عجلان الأنصاري كان شاعرا فصيحا سيدا في قومه واستعمله علي (عليه السلام) علي البحرين ترجم له ابن الأثير في أسد الغابة 5 / 26 ولم يذكر سنة وفاته.
[407] شرح نهج البلاغة 1 / 149.
[408] أيضا 1 / 150.
[409] أيضا 6 / 235 عن الموفقيات للزبير بن بكار وسيكرر الاستشهاد بها عند كلامه علي سبق علي (عليه السلام).
[410] روي هذا الإنكار البخاري في موضعين من صحيحه الأول في ج 2 / 83 في كتاب الوصايا وفي ج 3 / 64 في باب مرض النبي (صلي الله عليه وآله) ووفاته ورواه مسلم في كتاب الوصية من صحيحه ج 2 / 14 قال " ذكر عند عائشة (رضي الله عنه) أن النبي (صلي الله عليه وآله) أوصي إلي علي رضي الله عنه فقالت: من قاله، لقد رأيت النبي وإني لمسندته إلي صدري فدعا بطشت فانخنت فمات فما شعرت فكيف أوصي إلي علي، وللسيد شرف الدين في المراجعات ص 233 تعليق علي هذا الحديث حري بالباحث أن يقف عليه.
[411] شرح نهج البلاغة 1 / 140 وانظر إلي ابن أبي الحديد لما عجز عن التوجيه والتأويل جعل المعني في قلب الشاعر - كما يقول المثل العامي - فإذا لم تكن الوصاية هي النص علي الخلافة فعلي أي شئ! أعلي الترك والنبي لا يورث كما يزعمون!؟.
[412] الدعامص جمع الدعموص: دويبة صغيرة تكون في مستنقع الماء ويجمع علي دعاميص أيضا والبيت للأعشي.
[413] تاريخ بغداد: 10 / 356.
[414] الضرس: الأكمة الخشنة.
[415] الربضة - بضم الراء وكسرها أيضا: - مقدار جثة العنز إذا ربضت.
[416] شرح نهج البلاغة 3 / 204.
[417] أيضا 3 / 207 وأسد الغابة 4 / 32 و 33 ومستدرك الحاكم 3 / 139.
[418] أيضا 15 / 99 والاستيعاب 1 / 215 وفي صفين لنصر بن مزاحم (إن آخر زادك من الدنيا شربة من لبن) وجاء في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) المروية عن الإمام. علي بن محمد الهادي عليهما السلام: " وقال - أي عمار -: قال لي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (آخر شرابك من الدنيا ضياح من لبن تقتلك الفئة الباغية) وإن عمارا لما استسقي وسقي اللبن كبر وذكر ذلك مفاتيح الجنان للقمي ص 371 والضياح - بالفتح -: اللبن الرقيق الكثير الماء.
[419] الإستيعاب 2 / 48.
[420] الشعراء: 214.
[421] شرح نهج البلاغة: 13 / 210. تاريخ الطبري 2 / 216.
[422] قال أبو جعفر الإسكافي في نقض العثمانية للجاحظ: " فهل يكلف عمل الطعام ودعاء القوم صغير غير مميز، وغر غير عاقل، وهل يؤتمن علي سر النبوة ابن خمس سنين " - إلي أن قال -: وهل يصنع رسول الله (صلي الله عليه وآله) يده في يده ويعطيه صفقة يمينه بالأخوة والوصية والخلافة إلا وهو أهل لذلك بالغ حد التكليف. محتمل لولاية الله وعداوة أعدائه " الخ.
[423] طه: 29.
[424] شرح نهج البلاغة: 13 / 211.
[425] الأعراف: 142.
[426] شرح نهج البلاغة 13 / 167 عن حلية أبي نعيم.
[427] النساء: 80.
[428] نقله في مجمع البيان 4 / 534 عن أبي طالب الهروي بسنده عن أبي أيوب الأنصاري.
[429] آل عمران: 61.
[430] شرح نهج البلاغة 9 / 168 ورواه المحب الطبري في الرياض النضرة 2 / 164 وقال: أخرجه أحمد في المناقب ".
[431] شرح نهج البلاغة 9 / 167 ورواه ابن عبد البر في الإستيعاب 3 / 46 والمحب في الرياض 2 / 164.
[432] شرح نهج البلاغة 9 / 171 ورواه المحب في الرياض 2 / 164 عن الفضائل للإمام أحمد.
[433] الملل والنحل 1 / 189 وفي نهج البلاغة في الكتاب 45: (الصنو من الصنو).
[434] شرح نهج البلاغة 4 / 95.
[435] شرح نهج البلاغة 9 / 168 وحلية الأولياء 1 / 86 وقال المحب في الرياض 2 / 215: " أخرجه أحمد في الفضائل ".
[436] شرح نهج البلاغة: 9 / 170 وحلية الأولياء 1 / 63.
[437] شرح نهج البلاغة 6 / 7171 وحلية الأولياء 1 / 86.
[438] شرح نهج البلاغة 9 / 168 عن مسند أحمد وفضائله.
[439] آل عمران: 31.
[440] يريد ببعض الخصوم ابن أبي الحديد.
[441] شرح نهج البلاغة 2 / 45.
[442] رواه جماعة من المحدثين منهم الحاكم في المستدرك 3 / 126 وص 127 وابن حجر في الصواعق ص 73 وقال: " أخرجه البزار والطبراني والحاكم والعقيلي وابن عدي والترمذي " ومثله في فتح القدير للمناوي 3 / 46.
[443] شرح نهج البلاغة 9 / 168. بلفظ " فليأت الباب ".
[444] الحشر: 7.
[445] شرح نهج البلاغة 9 / 165 وقال المناوي في فتح القدير 4 / 356: (علي عيبة علمي) أي مظنة استفصاحي وخاصتي وموضع سري ومعدن نفائسي والعيبة ما يحرز الرجل فيه نفائسه.
[446] رزأ: أخذ.
[447] شرح نهج البلاغة 9 / 177.
[448] شرح نهج البلاغة 1 / 270.
[449] قد مر حديث الثقلين ومن أيضا مستدرك الحاكم 3 / 109 و 148. سنن الترمذي 2 / 38، مسند أحمد 3 / 17 و 5 / 181 وفي مواضع أخري.
[450] ممن رواه من المفسرين الطبري ج 22 ص 5 عن علي وأم سلمة وأنس وأبي هريرة وأبي الحمراء وسعد وغيرهم.
[451] هذا الحديث في مقابلة ما روي عنه (صلي الله عليه وآله) (الأئمة من أهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديهم اهتديهم) رواه القاضي في دعائم الإسلام ورواه غيره بتفاوت في بعض الحروف واتفاق في المعني والواقع يمنع أن الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) يأمر بالاقتداء بأي كان ممن يطلق عليه اسم الصحبة لأن الصحابة اختلفوا في كثير من الأمور، ورد بعضهم علي بعض، وطعن بعضهم ببعض بل وقاتل بعضهم بعضا والعقل يمنع أن يكون علي وصحبه ومعاوية وحزبه كلهم علي هدي وبأيهم يجوز الاقتداء، ثم هل يجوز لمسلم أن يقتدي بمعاوية وعمرو بن العاص بسب علي في إعقاب الفرائض وعلي صهوات المنابر أو يقتدي ببسر بن أرطأة - وقد عد من الصحابة - وقد سفك دماء المسلمين وخرب ديارهم ولم يتورع عن ذبح الأطفال بيده فيكون علي هدي، وهل يجوز الاقتداء بابي محجن الثقفي في شرب الخمر وهل وهل وهلم جرا!! ثم هل يصح معني هذا الحديث فيخاطب النبي أصحابه فيقول يا أصحابي اقتدوا بأصحابي.
[452] نهج البلاغة من الخطبة 152.
[453] البرسام: ذات الجنب وهو التهاب يصيب الغشاء المحيط بالرئة، قال ابن منظور في لسان العرب 2 / 46 في (برسم): " وكأنه معرب، بر وهو الصدر وسام من أسماء الموت).
[454] شرح نهج البلاغة 9 / 172 قيل هو الجدري.
[455] المائدة 55.
[456] انظر تفسير الطبري وأحكام القرآن للجصاص 2 / 446 وتفسير الرازي 12 / 26. والكشاف للزمخشري 2 / 442 الخ.
[457] الذاريات: 47.
[458] النحل: 120.
[459] التوبة: 71.
[460] مجاهد وعطا من أكابر المفسرين يراجع في معرفتهما مقدمة مجمع البيان للسيد الأمين رحمه الله وطبقات المفسرين.
[461] السدي: - بضم السين المهملة وتشديد الدال المهملة، نسبة إلي سدة مسجد الكوفة وهو ما تبقي من الطاق المسدود، وهذا اللقب يطلق علي رجلين من المفسرين، الأول: أبو محمد إسماعيل الكوفي المتوفي في حدود سنة 128 وهو المراد هنا، والثاني: حفيده محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل المذكور ويفرق بينهما بالسدي الكبير والمراد به الجد والسدي الصغير ويراد به الحفيد.
[462] مجاهد وعطا من أكابر المفسرين يراجع في معرفتهما مقدمة مجمع البيان للسيد الأمين رحمه الله وطبقات المفسرين.
[463] الثعلبي أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم صاحب التفسير المشهور وهو صاحب كتاب العرائس في قصص الأنبياء توفي سنة 427 أو 437.
[464] قوله: " أبو بكر الرازي " من سهو القلم فإن هذه الكنية للطبيب المشهور والمقصود أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي المتوفي سنة 606، الملقب بفخر الدين، صاحب التفسير الكبير المعروف المسمي " مفاتيح الغيب " الذي مات قبل إكماله فأكمله كل من نجم الدين القمولي المتوفي سنة 727، وشهاب الدين الخوبي الشافعي المتوفي سنة 637.؟ 3 أو 384.
[465] الرماني: نسبة إلي قصر الرمان في واسط هو أبو الحسن علي بن عيسي الواسطي توفي سنة.
[466] الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير المؤرخ والمفسر المشهور توفي سنة 310.
[467] ص 152 وفيه: " رواه ثلاثون صحابيا " وقال بعد ذلك: " وكثير من طرقه صحيح أو حسن ".
[468] مسند الإمام أحمد 4 / 281 وليس فيه " اللهم " الأولي.
[469] نقله ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص 25 عن البيهقي.
[470] نقل الحديث بطوله في الفصول المهمة ص 24 عن الترمذي والزهري عن زيد بن أرقم وفيه ما نقل في المتن بحروفه.
[471] رواه ابن الأثير في أسد الغابة 3 / 92 ونقله ابن الصباغ في الفصول عن الموجز لابن أبي الفضائل كما في المتن، ورواه ابن حجر في الإصابة 2 / 257 عن كتاب الموالاة لابن عقدة عن عامر وحذيفة.
[472] القوشجي علاء الدين علي بن محمد توفي سنة 879 وفيه ذكر حديث الغدير مسلما بصحته ولكنه ناقش في دلالته علي الإمامة.
[473] يعني القاضي المتوفي 177.
[474] شرح النهج 2 / 228.
[475] في ج / 2 ص 297 من الشرح المذكور.
[476] الحديد 15.
[477] النساء / 33.
[478] الأحزاب / 6.
[479] التوبة 71.
[480] إبراهيم بن الحسين الكسائي الهمداني أبو إسحاق المعروف بابن ديزيل توفي 280، أو 281. قال الذهبي في تذكرة الحفاظ 2 / 281، قال الحاكم، ثقة مأمون، له كتاب صفين، قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية 11 / 71 " إنه بجلد كبير "، وينقل عنه ابن أبي الحديد كثيرا.
[481] شرح نهج البلاغة 3 / 208 ويعرف هذا الحديث بحديث الركبان وقد رواه ابن الأثير في أسد الغابة 1 / 368 عن الموالاة لابن عقدة كما نقله عن ابن عقدة أيضا ابن حجر في الإصابة 1 / 305.
[482] شرح لنهج البلاغة 6 / 44.
[483] من الوجوه علي عدم دلالة حديث الولاية علي الإمامة كما يري خصوم الشيعة.
[484] ص 153.
[485] الحديد من الآية (15).
[486] استشهد في تاج العروس 10 / 399 بالآية المتقدمة، وهذا الحديث، وحديث " من كنت مولاه " بأن الولي، والمولي معناهما واحد.
[487] النساء / 33.
[488] مريم / 5.
[489] المجاز لأبي عبيدة 2 / 254، واستشهد ببيت لبيد الآتي، ونقله عنه الرازي في تفسيره 29 / 227، والعسقلاني في فتح الباري 8 / 482.
[490] معاني القرآن والعبارة من كتب المبرد التي لم أطلع عليها، ولكن ما ذكره المصنف عن المبرد منقول في الغدير لشيخنا الأميني 1 / 361، ومما تجدر الإشارة إليه أن الأميني رحمه الله أشبع القول في هذه المسألة في الجزء الأول من الغدير من ص 344 - 383 بما يكفي ويشفي ولم يدع مجالا لأحد إلا أن يقر بأن لفظ (مولي) يراد به لغة الأولي أو أنه أحد معانيه.
[491] رأي ثعلب. نقله الزوزني في شرح المعلقات عند شرحه البيت المذكور من معلقة لبيد.
[492] أي من الوجوه المزعومة علي عدم دلالة حديث الولاية علي الإمامة.
[493] آل عمران: 68.
[494] الزخرف: 28.
[495] قال الطبرسي في مجمع البيان 9 / 45: " قيل: الكلمة الباقية هي الإمامة إلي يوم الدين عن أبي عبد الله عليه السلام ".
[496] أي من الوجوه المزعومة علي عدم دلالة حديث الولاية علي الإمامة.
[497] إسعاف الراغبين ص 154.
[498] المسند 4 / 281 وفي تفسير الرازي 12 / 49 فلقيه عمر فقال: " هنيئا لك أصبحت مولاي ومولي كل مؤمن ومؤمنة " ومثله في تاريخ الخطيب. 8 / 290.
[499] هذا الحديث رواه كثير من المحدثين وناقش في صحته بعضهم، وعلي فرض الصحة فإن موضوعه لم يتحقق حتي الآن فإن الأمة لم تجتمع علي ضلال كما لم تجتمع علي حق وهذا معلوم لا يماري به إلا مكابر فإن الاختلاف وقع بين الأمة من يوم وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي يوم الناس هذا وما اختلفت دعوتان إلا كانت إحداهما ضلالة.
[500] الضمير في " قال " للصبان، والوجه الخامس زاده الصبان علي الوجوه الأربعة التي ذكرها أصحابه.
[501] إسعاف الراغبين ص 154.
[502] شرح نهج البلاغة 1 / 207 ورواه الإمام أحمد في المسند 3 / 33 والحاكم في المستدرك 3 / 122 وأبو نعيم في الحلية 1 / 67.
[503] شرح نهج البلاغة 2 / 207 ورواه ابن الأثير في أسد الغابة 4 / 32 و 33.
[504] شرح نهج البلاغة 12 / 78.
[505] الأنعام: 81.
[506] شرح نهج البلاغة 9 / 170 وانظر مسند الإمام أحمد ج 4 / 164 و 165 و 437 و ج 5 / 356.
[507] الترمذي 2 / 297 من طريق عمران بن الحصين ومستدرك الحاكم 3 / 110.
[508] شرح النهج 7 / 284.
[509] ندر: سقط.
[510] شرح نهج البلاغة 2 / 56 و 5 / 48.
[511] نفس المصدر 6 / 45.
[512] القائل هو ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة / وانظر أيضا ج 6 ص 12.
[513] حديث المنزلة من طريق سعد أخرجه البخاري صحيحه 4 / 208 في كتاب بدأ الخلق في باب مناقب علي بن أبي طالب وفي 5 / 129 كتاب المغازي باب غزوة تبوك ومسلم في صحيحه 7 / 12 في كتاب فضائل الصحابة، في باب من فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) والترمذي في سننه 2 / 308 كما أخرجه الإمام أحمد في مواطن من مسنده ج 1 / 173 و 175 و 177 و 179 و 182 و 185 و ج 6 / 369 و 438، وقال ابن عبد البر في الإستيعاب 3 / 45 عن حديث المنزلة: " رواه جماعة من الصحابة وهو من أثبت الآثار وأصحها، رواه عن النبي سعد بن أبي وقاص " قال: " وطرق سعد فيه كثيرة ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره، وكرره رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في مواطن منها يوم غزوة تبوك كما مر في البخاري وعند التنازع في ابنة حمزة كما في الخصائص للنسائي ص 19 ويوم المواخاة كما في كنز العمال 6 / 188 ومنها يوم ولد الحسن (عليه السلام) كما في ذخائر العقبي ص 120 وفي صواعق ابن حجر ص 179 قال: أخرج أحمد " أن رجلا سأل معاوية عن مسألة فقال: سل عنها عليا فهو أعلم، قال: جوابك فيها أحب إلي من جواب علي قال: بئس ما قلت لقد كرهت رجلا كان رسول الله يغره العلم غرا ولقد قال له: (أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي) وكان عمر إذا أشكل عليه شئ أخذ منه ".
[514] كذا في المتن والظاهر عبد الله بن العباس كما في كنز العمال 6 / 365.
[515] الأعراف 142.
[516] شرح نهج البلاغة 9 / 173.
[517].
[518] الفرق بكسر الفاء وقيل: بفتحها -: مكيال يكال به اللبن.
[519] المد: ربع الصاع، ومقدر بوزن اليوم ثلاثة أرباع الكيلو تقريبا.
[520] الغمر: الكثير والمراد هنا اللبن.
[521] شرح نهج البلاغة 13 / 212 وتاريخ الطبري 3 / 1173 ط ليدن.
[522] شرح نهج البلاغة 13 / 210 عن مسند أحمد.
[523] نفس المصدر 2 / 287.
[524] صحيح البخاري ج 5 / 82 كتاب المغازي باب غزوة خيبر و ج 4 / 209 كتاب بدأ الخلق باب مناقب قرابة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ومنقبة فاطمة(عليها السلام)، وصحيح مسلم 5 / 153 كتاب الجهاد والسير.
[525] شرح نهج البلاغة 9 / 174.
[526] نهج البلاغة من الخطبة 2.
[527] شرح نهج البلاغة 1 / 139.
[528] نفس المصدر 9 / 169 ورواه المحب الطبري 2 / 202 عن مناقب أحمد كما رواه آخرون ممن تطول الحاشية باستعراض بعضهم ولكن أردنا إثبات نقل ابن أبي الحديد عن الإمام أحمد كما في المتن.
[529] نفس المصدر 9 / 172 عن مناقب أحمد.
[530] العقر: مؤخر الحوض حيث تقف الإبل.
[531] شرح نهج البلاغة 9 / 174.
[532] الدخان: 32.
[533] هود: 17.
[534] شرح نهج البلاغة 2 / 287.
[535] المصدر السابق 9 / 175. والمجلي: السابق والمصلي: تالي السابق، يقال: صلي الفرس إذا جاء مصليا يتلو السابق لأن رأسه عند صلاة أي مغرز ذنية.
[536] المصدر السابق 9 / 170 وحلية الأولياء 1 / 63.
[537] كذلك 9 / 171 ورواه المحب في الرياض 2 / 166 وقال: " أخرجه أحمد ".
[538] إسعاف الراغبين ص 155.
[539] الحباري: طائر أكبر من الدجاج الأهلي وأطول منه عنقا، ومن أمثال العرب " إبله من الحباري " لأنها فيما زعموا إذا غيرت عشها نسيته وحضنت بيض غيرها.
[540] شرح نهج البلاغة ج 1 ص 7، وحديث الطائر أخرجه جماعة من أصحاب السنن منهم الترمذي 2 / 299، والحاكم في المستدرك 3 / 130 و 131، والنسائي في الخصائص ص 5، وأبو نعيم في الحلية 6 / 336، وابن الأثير في أسد الغابة 4 / 30 والمحب الطبري في الرياض 2 / 160 وغيرهم، وكلهم أسندوا ذلك إلي أنس بن مالك، وقال الحاكم في المستدرك 3 / 130: " هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين، وقد رواه عن أنس جماعة من الصحابة زيادة علي ثلاثين نفسا ثم صحت الرواية عن علي وأبي سعيد وسفينة ".
[541] صحيح البخاري 4 / 20، كتاب بدأ الخلق، باب مناقب علي بن أبي طالب، و ج 5 / 74 كتاب المغازي، باب غزوة خيبر بطريقين الأول عن أم سلمة رضي الله عنها، والثاني عن سهل بن سعد، وصحيح مسلم 7 / 117 كتاب فضائل الصحابة من عدة طرق، والترمذي 2 / 300، ومستدرك الحاكم 3 / 109.
[542] الأوابي - جمع آب - وهو الممتنع والمراد الحصون المنيعة.
[543] شرح نهج البلاغة 1 / 141، وقد قالها في أكثر من موطن، وهي من كلماته المشهورة، ومن رواتها ابن عبد البر في الإستيعاب 3 / 39، والسبط في التذكرة ص 87 وابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول ص 13 والمحب الطبري في الرياض 2 / 194.
[544] يونس: 25.
[545] شرح نهج البلاغة 9 / 172، وتذكرة الخواص ص 17، والرياض النضرة 2 / 212.
[546] شرح نهج البلاغة 9 / 169.
[547] المصدر السابق.
[548] الأحزاب: 6.
[549] شرح نهج البلاغة 4 / 95، والاستيعاب 3 / 47.
[550] حديث الراية رواه المحدثون عامة منهم البخاري في صحيحه ج 4 / 5 وص 207 في كتاب بدأ الخلق باب مناقب علي بن أبي طالب، وفي كتاب الجهاد والسير باب دعاء النبي (صلي الله عليه وآله) إلي الإسلام والنبوة، وص 12 باب ما قيل في لواء النبي صلي الله عليه وسلم، و ج 5 / 76 في كتاب المغازي باب غزوة خيبر، ومسلم في صحيحه في 3 / 1441 في كتاب الجهاد والسير باب غزوة ذي قرد، و ج 4 / 871 في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب، والترمذي ج 2 / 300 وابن ماجة في سننه ص 12، في باب فضائل الصحابة، والإمام أحمد في المسند 1 / 99 و 133 والنسائي في خصائصه ص 5 والحاكم في المستدرك 3 / 130 و 131 الخ.
[551] شرح نهج البلاغة 1 / 141.
[552] شرح نهج البلاغة 1 / 141.
[553] تقدم تخريج مصادر حديث الثقلين.
[554] تامرا كما في معجم البلدان: نهر واسع يخرج من جبال شهرزور، ولخافيق جمع لخفوق وهو شق في الأرض، والطرفا: شجر الحمض واحدته طرفاء.
[555] شرح نهج البلاغة 2 / 267.
[556] المصدر السابق 2 / 268.
[557] كذلك 13 / 228 عن نقض العثمانية.
[558] المكتل: وعاء شبه الزنبيل.
[559] كذلك 2 / 222 والقصة نقلها المؤلف رحمه الله اختصارا وهي في شرح نهج البلاغة أطول.
[560] كذلك 6 / 59.
[561] الخشب بضم الخاء والشين المعجمتين - جمع خشب وهو الصقيل من السيوف.
[562] كذلك 4 / 96.
[563] يساجل: يباري، والأثيل: الأصيل، والسرو: أعلا الشئ أو السخاء في مروءة.
[564] يساجل: يباري، والأثيل: الأصيل، والسرو: أعلا الشئ أو السخاء في مروءة.
[565] البيت من شواهد النحاة علي جواز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالنعت عند الضرورة، وهو من أبيات بعث بها معاوية إلي عمرو بن العاص لما أصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) وسلم هو من ضربة الخارجي، وقتل خارجة مكان عمرو. خطأ، وأولها: وقتك وأسباب الأمور كثيرة++ منية شيخ من لوي بن غالب فيا عمرو مهلا إنما أنت عمه++ وصاحبه دون الرجال الأقارب نجوت وقد بل المرادي سيفه++ .. البيت وبعده: ويضربني بالسيف آخر مثله++ وكانت عليه تلك ضربة لازب وأنت تناغي كل يوم وليلة++ بمصرك بيضا كالظباء القوارب والقوارب جمع قارب - بفتح الراء - وهو طالب الماء قال علي (عليه السلام): (وهل أناإلا كطالب وجد وقارب ورد) يريد سلام الله عليه حصوله علي الشهادة.
[566] أورد المحب الطبري في الرياض النضرة 2 / 164 ما هو بمضمون هذين الحديثين.
[567] رواه في كنز العمال 6 / 405 وقال: أخرجه الأصبهاني في الحجة. وانظر فتح القاري 16 / 165.
[568] تفسير الطبري 28 / 33 و 34 الكشاف 4 / 151 روح المعاني 9 / 153 وهكذا في أكثر كتب التفسير.
[569] الحاقة 12، وانظر سنن ابن ماجة باب ذكر القضاء ص 168، وأسد الغابة 4 / 22 وتاريخ بغداد 12 / 443.
[570] رواه ابن أبي الحديد 6 / 136 وقريبا منه ابن جرير في تفسيره ج 26 / 116 وابن سعد في الطبقات في 2 / 101.
[571] شرح نهج البلاغة 1 / 19 نور الأبصار ص 71 والصواعق ص 73.
[572] شرح نهج البلاغة 6 / 136.
[573] إجمال القضية إن ثورا لرجل قتل حمارا لآخر فرفعت القضية إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو في مجلسه وعنده جماعة من أصحابه فطلب النبي من أبي بكر أن يحكم بالقضية، فقال: بهيمة قتلت بهيمة، ما عليها شئ، وطلب من عمر أن يحكم بالقضية فحكم بحكم أبي بكر، فقال لعلي عليه السلام: (يا علي اقض بينهم) فقال: إن كان الثور دخل علي الحمار في مراحه ضمن أصحاب الثور وإن الثور دخل علي الحمار في مراحه فلا ضمان عليهم.
[574] مجمل القضية أن عمر أتي بامرأة حامل اعترفت بالفجور فأراد رجمها فمنعه علي (عليه السلام) وقال: هذا سلطانك عليها فما سلطانك علي ما في بطنها رواه المحب في الرياض 2 / 195 وقال: " أخرجه ابن السمان في الموافقة ".
[575] وقال: فالحمل ستة أشهر والفصال أربعة وعشرون شهرا فخلي عمر سبيلها وقال: لولا علي لهلك عمر. رواه البيهقي في السنن 7 / 442 والمتقي في الكنز 3 / 222 والمحب في الرياض 2 / 194.
[576] قصة الأرغفة رواها ابن عبد البر في الإستيعاب 2 / 462 والمحب في الرياض 2 / 199 وابن حجر في الصواعق وغير هؤلاء.
[577] قضية من حلف أن لا يحل قيد عبده من القضايا التي أشكل حكمها علي عمر فرفعها إلي علي عليه السلام تجدها في قضاء أمير المؤمنين للتستري ص 181.
[578] روي أنه ذكر عند عمر بن الخطاب حلي الكعبة وكثرته فقال قوم: لو أخذته فجهزت به الجيوش كان أعظم للأجر، وما تصنع الكعبة بالحلي فهم عمر بذلك وسأل عنه أمير المؤمنين فقال (عليه السلام): " إن هذا القرآن أنزل علي النبي (صلي الله عليه وآله) والأموال أربعة: أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض، والفئ فقسمه علي مستحقيه، والخمس فوضعه الله حيث وضعه، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها وكان حلي الكعبة فيها يومئذ فتركه الله علي حاله ولم يتركه نسيانا ولم يخف عليه مكانا فأقره حيث أقره الله ورسوله، فقال عمر: لولاك لافتضحنا، وترك الحلي بحاله (انظر نهج البلاغة باب الكلمات القصار برقم 270).
[579] انظر قضاء أمير المؤمنين للتستري ص 199.
[580] كلمة ابن عباس نقلها السيد زيني دحلان في الفتوحات الإسلامية 2 / 337 هكذا: " ما علمي وعلم أصحاب عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) في علم علي رضي الله عنه إلا كقطرة في سبعة أبحر ".
[581] الكلمتان مشهورتان بل متواترتان عن عمر (رضي الله عنه) رواهما غير واحد من العلماء منهم أبو عمر في الإستيعاب 3 / 39 والمحب في الرياض 2 / 194 وابن طلحة الشافعي في مطلب السؤال ص 12 وابن كثير في البداية والنهاية 7 / 359 و الخ.
[582] الزمر: 9.
[583] فاطر: 28.
[584] انظر الإستيعاب 3 / 61.
[585] رواه ابن واضح في تاريخه 1 / 68 والرضي في نهج البلاغة ط 70 وقال ابن أبي الحديد: روي هذا الخبر من طرق كثيرة.
[586] شرح نهج البلاغة 1 / 23.
[587] شرح نهج البلاغة (1 / 25).
[588] أخرجه الحاكم وصححه في المستدرك 3 / 136 وصدره: (أولكم ورودا - أو - وردا علي الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب) وابن عبد البر في الإستيعاب 3 / 28. وانظر شرح النهج لابن أبي الحديد 4 / 117 كما نقله غير هؤلاء بما يتفق معني ويختلف لفظا.
[589] أما الكلمة الأولي فرواها ابن عبد البر في الإستيعاب 3 / 32 وقد عدها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة مما استفاضت بها الروايات والكلمة الثانية فقد رويت عنه (عليه السلام) بألفاظ مختلفة ومعني واحد مما يدل علي تعدد المواقف حتي قال أبو جعفر الإسكافي المعتزلي في نقض العثمانية: ما زال يقول: (أنا أول من أسلم) ويفتخر بذلك: (انظر شرح نهج البلاغة 3 / 244. ومسند الإمام أحمد.
[590] من حديث رواه الإمام أحمد في المسند 5 / 26 وابن عبد البر في الإستيعاب 3 / 136).
[591] شرح نهج البلاغة 13 / 231.
[592] المصدر السابق 6 / 35. من أبيات نقلها عن الموفقيات للزبير بن بكار، وقد استشهد المؤلف بهذه الأبيات فيما سبق من الكتاب.
[593] المصدر السابق عن نقض العثمانية للإسكافي.
[594] نفس المصدر 13 / 231 وقد نقل الإسكافي منها البيتين الأولين ونسبهما إلي أبي سفيان بن حرب ولعله أبو سفيان بن الحرث فإن التصحيف بين حرب وحرث قريب جدا.
[595] المصدر نفسه 8 / 11.
[596] كذلك 2 / 245.
[597] كذلك 3 / 232.
[598] أيضا.
[599] نقض العثمانية كما في شرح نهج البلاغة 13 / 224.
[600] شرح نهج البلاغة 4 / 125.
[601] الواقعة 11.
[602] بيضة البلد من الأضداد يقصد بها المدح كما يقصد بها الذم والمراد هنا الأول وكان أبوطالب (رضي الله عنه) يدعي بيضة البلد والمعني أنه فرد ليس مثله في الشرف كالبيضة التي هي تريكة وحدها ليس معها غيرها.
[603] شرح نهج البلاغة 1 / 24 وجاء ذلك في احتجاج المأمون علي الفقهاء كما في العقد الفريد لابن عبد ربه المالكي 5 / 92.
[604] المصدر السابق 10 / 182 ونداء جبرئيل (عليه السلام): (لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتي إلا علي) رواه الطبري في التاريخ 3 / 15 وكذلك ابن هشام في السيرة النبوية 3 / 52 والخوارزمي في المناقب 104 وسبط ابن الجوزي في التذكرة ص 17عن فضائل الإمام أحمد بن حنبل وغيرهم.
[605] في رواية الحاكم في المستدرك 3 / 32 والرازي في موضعين من تفسيره ج 2 تفسير (تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض) و ج 30 في تفسير سورة القدر بهذا اللفظ (لمبارزة علي بن أبي طالب لعمر بن عبد ود يوم الخندق أفضل أعمال أمتي إلي يوم لقيامة).
[606] شرح نهج البلاغة 19 / 61 والكلمة في الشرح أطول وألطف مما في المتن.
[607] قوله (عليه السلام): (ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية) الخ رواه الفخر الرازي في تفسير سورة الكهف بلفظ (جسدانية) وعلق عليه بقوله: " وذلك لأن عليا كرم الله وجهه في ذلك الوقت انقطع نظره عن عالم الأجساد وأشرقت الملائكة بأنوار عالم الكبرياء فتقوي روحه بجواهر الأرواح الملكية، وتلألأت أضواء عالم القدس والعظمة، فلا جرم حصل له من القدرة ما قدر بها علي ما لم يقدر عليه غيره ".
[608] يعني قوله في إحدي علوياته: وأعجب إنسانا من القوم كثرة++ فلم يغن شيئا ثم هرول مدبرا وضاقت عليه الأرض من بعد رحبها++ وللنص حكم لا يدافع بالمرا.
[609] شرح نهج البلاغة 1 / 24.
[610] النساء: 95.
[611] المائدة 55، وممن روي نزولها في علي (عليه السلام) الطبري في تفسيره 6 / 186 والرازي في تفسيره 12 / 26 والزمخشري في كشافه 1 / 624، وذكر جماعة ممن خرج ذلك من المفسرين والمحدثين، والواحدي في أسباب النزول ص 148 والمحب في " ذخائر العقبي ص 112 والرياض النضرة 2 / 237 الخ.
[612] المجادلة 12.
[613] شرح نهج البلاغة 1 / 22.
[614] المجادلة: 12.
[615] رواها ابن أبي الحديد في شرح النهج 1 / 26.
[616] نهج البلاغة ح 236.
[617] شرح نهج البلاغة 1 / 26.
[618] المصدر السابق 1 / 27.
[619] انظر المصدر السابق 1 / 27.
[620] يراجع في ذلك الجزء الأول من مصادر نهج البلاغة وأسانيده تحت عنوان الكتب المؤلفة في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام).
[621] انظر شرح نهج البلاغة 1 / 24 و 1 / 229.
[622] رواية ابن أبي الحديد 1 / 28: (لولا الدين والتقي).
[623] شرح نهج البلاغة 1 / 231.
[624] الغارات للثقفي ص 66 وشرح نهج البلاغة 4 / 92.
[625] شرح نهج البلاغة 4 / 92.
[626] المصدر السابق 4 / 102.
[627] قال ذلك في كلام له (عليه السلام) ذكر مختاره الرضي (رحمه الله) في نهج البلاغة ونقله ابن أبي الحديد في الشرح 2 / 203 عن المدائني ورواه ابن هلال الثقفي في الغارات ص 45.
[628] شرح نهج البلاغة 1 / 28.
[629] نقله مختصرا من شرح نهج البلاغة 6 / 229 وتجده مفصلا في مروج الذهب للمسعودي 2 / 377.
[630] ورواه الحاكم في المستدرك 3 / 483 وقال: " وقد تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة " كما رواه السبط في التذكرة ص 7 والحلبي في السيرة النبوية 1 / 150 وابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول ص 11 والشبلنجي في نور الأبصار ص 76 وقال الآلوسي في الخريدة ص 15. " كون الأمير كرم الله وجهه ولد في البيت أمر مشهور ذكر في كتب الفريقين " يعني السنة والشيعة ثم قال بعد ذلك: " وما أحري بإمام الأئمة أن يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين وسبحان من يضع الأشياء مواضعها " قال: " وقد أحب عليه الصلاة والسلام أن يكافئ الكعبة حيث ولد في بطنها بوضع الصنم عن ظهرها ". وقد نظم السيد رضا الهندي عطر الله مرقده هذا المعني فقال: لما دعاك الله قدما لأن++ تولد في البيت فلبيته شكرته بين قريش بأن++ طهرت من أصنامهم بيته.
[631] شرح نهج البلاغة 1 / 14 وأقول: إن مولد علي: (عليه السلام) في الكعبة المشرفة فضيلة له ولها أيضا فقد زادها شرفا إلي شرفها، وفضلا إلي فضلها، فلو صح للناس أن عليا (عليه السلام) ولد في أي موضع من بقاع الأرض لأصبح ذلك الموضع محل تقدير لهم وتكريم ومزارا يقصدونه من كل مكان ويؤمونه من كل فج عميق، ولقد جهد أعداؤه أن يخفوا فضيلة مولده (عليه السلام) بالبيت الحرام زاده الله شرفا فلم يتمكنوا حتي فتحوا في زمن بني أمية بابا آخر الكعبة عند الركن اليماني مقابلا لبابها المعلومة لأن عليا (عليه السلام) ولد قريبا منها فباءت كل مساعيهم بالفشل ولم يتمكنوا من إخفاء هذه المنقبة، وإطفاء هذا النور فلا تزال تلك الرخامة الحمراء التي أشار إليها المؤلف وقد وفق الله سبحانه وتعالي كاتب هذه الحروف لدخول الكعبة المعظمة في سنة 1387 ه فرأيت بلاط الكعبة المشرفة يميل إلي البياض عدا صخرة واحدة حمراء بين الباب والركن اليماني من داخل الكعبة وهي علامة لموضع ولادته (عليه السلام).
[632] شرح نهج البلاغة 20 / 221.
[633] أيضا 20 / 222.
[634] أيضا 20 / 226.
[635] شرح نهج البلاغة 1 / 7 و 52.
[636] الليل 17.
[637] الحجرات 13.
[638] الأنعام 124.
[639] الروم 27.
[640] أسباب النزول ص 299.
[641] شرح نهج البلاغة 13 / 222 عن نقض العثمانية.
[642] رواه الإسكافي في نقض العثمانية كما في شرح نهج البلاغة 13 / 63 عن الزهري عن عروة بن الزبير هكذا: حدثتني عائشة قالت: كنت عند رسول الله إذ أقبل العباس وعلي فقال: (يا عائشة إنهما يموتان علي غير ملتي أو قال: ديني) والحديث الثاني أن عروة زعم أن عائشة حدثته قالت: كنت عند النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل العباس وعلي فقال: (يا عائشة إن سرك أن تنظري إلي رجلين من أهل النار فانظري إلي هذين قد طلعا) نظرت فإذا العباس وعلي بن أبي طالب.
[643] شرح نهج البلاغة 13 / 222.
[644] كفاية الطالب الكنجي.
[645] رواه المحب في الرياض 2 / 214 وقال: " أخرجه أحمد في المناقب ".
[646] نفس المصدر 2 / 166 وتاريخ بغداد للخطيب 4 / 45.
[647] شرح نهج البلاغة 13 / 273 عن نقض العثمانية للإسكافي.
[648] في أسني المطالب ص 48: (أبي بكر وعمر) وقال: " أعله أبو حاتم، وقال البزاز كابن حزم: لا يصح، وفي رواية للترمذي وحسنها (واقتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود) وقال: الهيثمي سندها واه ".
[649] انظر الشافي ج 3 ص 123 بتحقيقنا.
[650] شرح نهج البلاغة 11 / 44 عن كتاب الأحداث للمدائني.
[651] قوله: " ويصدق ذلك " أي ويصدق ما قاله الإسكافي لأن الإسكافي سابق للشريف الرضي.
[652] نهج البلاغة الخطبة 208.
[653] يوسف: 29.
[654] هو جرير من قصيدة له يهجو الفرزدق، والنيب: الناقة المسنة، والضوطري: الرجل الضخم اللئيم الذي لا غناء به، والضوطري أيضا: المرأة الحمقاء، ومعني البيت إنكم تعدون غاية مجدكم أي عزكم وفخركم عقر الناقة المسنة فهلا تعدون من مجدكم قتل الكمي أي الشجاع المكمي في سلاحه أي المستتر فيه، والمقنع الذي علي رأسه البيضة والمغفر، وشاهد المؤلف في البيت تقدير حرف النداء في المنادي وهو " بني " بحرف نداء محذوف وأنه منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم.
[655] روي مرفوعا بطريقين الأول عن أنس بن مالك والثاني عن علي (عليه السلام) وفي طرق الحديثين جماعة من الوضاعين أمثال نوح بن أبي مريم وعبد الرحمن بن مالك بن مغول وبشار بن موسي الشيباني الخفاف وبحسبك أن ترجع إلي ميزان الاعتدال 1 / 310 و 2 / 584 و 4 / 279. لتعرف ذلك.
[656] الترمذي 2 / 306 ومسند أحمد ج 3 ص 3 و 62 و 82 و ج 5 / 391 وحلية الأولياء 4 / 139 و 190 و ج 5 / 71 وغيرها وفي بعضها: (وأبوهما خير منهما).
[657] شرح نهج البلاغة 7 / 64 ورواه ابن ماجة في السنن ص 309 باب خروج المهدي والحاكم في المستدرك 3 / 211 وقال: " هذا الحديث صحيح علي شرط مسلم " وابن حجر في الصواعق ص 96 وقال: " أخرجه الديلمي ".
[658] وتتمة الحديث: (حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي، وعدوي عدو الله) رواه الحاكم في المستدرك 3 / 127 وقال: " صحيح علي شرط الشيخين " كما رواه غيره.
[659] طبقات ابن سعد 3 ق 1 / 131 ورياض المحب 1 / 16 و 168.
[660] الواقعة / 36.
[661] شرح نهج البلاغة 6 / 330.
[662] شرح نهج البلاغة 2 / 267 وفي رواية ابن كثير في البداية والنهاية " هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي ".
[663] شرح نهج البلاغة 15 / 72 عن مقاتل الطالبيين.
[664] شرح نهج البلاغة 9 / 170 عن حلية الأولياء.
[665] كنز العمال 7 / 140 وفيه: (ذي أقربها) وفي الرياض النضرة 2 / 214: (ذي قرنيها) وللوجه الأخير وجه وهو أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام) كما في مستدرك الحاكم 3 / 123: (وإنك لذو قرنيها) تشبيها له (عليه السلام) بذي القرنين ولكن ابن أبي الحديد في ج 9 / 17 رواه عن حلية الأولياء (ذي قرباها).
[666] تاريخ الطبري 4 / 1822 ط ليدن حوادث سنة 11.
[667] يري ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 11 / 49 إن هذا الحديث وضعه البكرية في مقابلة حديث الآخاء.
[668] التوبة: 26.
[669] الأصح أنهم سبعة وهم علي والعباس والفضل بن العباس وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب (أسد الغابة 1 / 161) وعتبة ومعتب ابني أبي لهب (أسد الغابة 3 / 366) وكلهم من بني هاشم وثامنهم مولاهم أيمن بن عبيد والدليل علي ذلك قول العباس بن عبد المطلب فيما رواه ابن إسحاق (أسد الغابة 1 / 161): نصرنا رسول الله في الحرب سبعة++ وقد فر من قد فر عنه واقشعوا وثامننا لاقي الحمام بنفسه++ لما ناله في الله لا يتوجع.
[670] نور الأبصار ص 54 عن ابن عباس بصورة أخصر وأخرجه ابن حبان من طريق إسحاق بن بشر بن مقاتل الكاهلي المتوفي سنة 228، وقال عنه السيوطي في اللآلئ المصنوعة 1 / 153: " كذاب وضاع بالاتفاق " وذكره السيوطي في مواطن أخري من كتابه ومثله في تاريخ بغداد 6 / 329 والذهبي في ميزان الاعتدال 1 / 87.
[671] ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر تزوجها الزبير بن العوام فأولدها بنيه الثلاثة عبد الله وعروة والمنذر وعاشت إلي أن قتل ولدها عبد الله سنة 73 وماتت بعده بأيام قليلة ولها من العمر مائة عام.
[672] تصدق علي (عليه السلام) بخاتمه وهو في الصلاة ونزول (إنما وليكم الله ورسوله.. الآية) نقله كثير من المفسرين والمحدثين نذكر منهم الطبري في تفسيره 6 / 186 والرازي في تفسيره 12 / 26 والواحدي في أسباب النزول ص 133 والسبط في التذكرة ص 15 وابن حجر في الصواعق 25 والشبلنجي في نور الأبصار ص 77.
[673] أسباب النزول للواحدي ص 58 والكشاف 1 / 398 وتفسير الرازي 7 / 83.
[674] شرح نهج البلاغة 1 / 21 وانظر أسباب النزول للواحدي ص 296.
[675] الدهر 9 و 10.
[676] نقض العثمانية للإسكافي كما في شرح نهج البلاغة 13 / 294.
[677] شرح نهج البلاغة 13 / 261 عن نقض العثمانية وشرح نهج البلاغة 14 / 251، وتاريخ الطبري 3 / 15 حوادث سنة 3.
[678] نور الأبصار ص 54.
[679] نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 9 / 172 عن فضائل أحمد.
[680] شرح نهج البلاغة 9 / 172 وطبقات ابن سعد 3 ق 1 ص 131 وتاريخ الطبري 3 / 203 والمحب في الرياض 1 / 167 و 177.
[681] قال ذلك بعد أن بويع بالخلافة (انظر شرح نهج البلاغة 1 / 169.
[682] أخرج الطبراني - كما في كنز العمال 6 / 156 وفيض القدير 4 / 358 - عن سلمان وأبي ذر: أخذ رسول الله (صلي الله عليه وآله) بيد علي فقال: (هذا أول من آمن بي) إلي أن قال: (وهذا الصديق الأكبر، وهذا الفاروق الأعظم) وكان علي (عليه السلام) كما في خصائص النسائي ص 46 وغيره كثيرا ما يقول: (أنا الصديق الأكبر).
[683] رواه الترمذي 2 / 130، والحاكم في المستدرك 3 / 154 و 157 والنسائي في الخصائص ص 29 والمحب في الرياض 2 / 162 باختلاف يسير في المعني واتفاق في اللفظ يشير إلي قول رسول الله (صلي الله عليه وآله).
[684] نقله الإسكافي كما في شرح نهج البلاغة 4 / 64 وذكر أنه من وضع عمرو بن العاص، ولا أدري لماذا يتنكر رسول الله لآل أبي طالب الذين آزروه ونصروه من بدئ الدعوة والعجب أن هذا الحديث مروي في صحيحي مسلم والبخاري، فقد رواه البخاري في ج 7 ص 73 كتاب الأدب وكأنهم أحسوا أن هذا الحديث يكذب متنه سنده فحرفوه عند النسخ أو عند الطبع إلي (آل أبي) فحذفوا كلمة (طالب) وبعضهم ترك مكانها بياضا، وبعضهم مكان طالب (فلان) وكذلك فعلوا في رواية مسلم لها ج 1 / 136 ففيه: (إن آل أبي يعني فلانا) وتتمة هذا الحديث كما في البخاري (ولكن لهم رحم أبلها ببلالها) يعني أصلها بصلتها وآخر الحديث يشهد أن المراد آل أبي طالب ويضم إلي ذلك تصريح الإسكافي بقوله: " أخرجه البخاري ومسلم في صحيحها مسندا متصلا بعمرو بن العاص وإرسال ابن أبي الحديد لنقل الإسكافي عن الصحيحين إرسال المسلمات.
[685] شرح نهج البلاغة 1 / 264.
[686] ذكرنا مصادر هذا الحديث فيما تقدم.
[687] أخرجه ابن عساكر في تاريخه 3 / 287.
[688] حديث المنزلة تقدم إخراجه.
[689] نهج البلاغة من الخطبة 91 وهي المعروفة بالقاصعة.
[690] تعرض شيخنا الأميني في الغدير 5 / 325 لهذا في سلسلة الموضوعات ونقله بهذه الصورة (إن أبا بكر وعمر من الإسلام بمنزلة السمع والبصر) وقال: " عده المقدسي في تذكرته من موضوعات الوليد بن الفضل الوضاع كما نقل في ص 270 من الجزء المذكور عن ميزان الاعتدال 3 / 273 وتذكرة الموضوعات للمقدسي ص 27: إن الوليد بن الفضل العنزي يروي الموضوعات لا يجوز الاحتياج به بحال.
[691] نور الأبصار ص 72 أخرجه الديلمي عن ابن عباس وابن حجر في الصواعق ص 75 والخطيب في تاريخ بغداد 6 / 12 عن البراء بن عازب.
[692] الرياض النضرة 2 / 164.
[693] الاسراء: 34.
[694] مستدرك الحاكم 3 / 14.
[695] ما بين القوسين فقرتان من حديثين رواهما الحاكم في المستدرك الأول 3 / 124 والثاني 2 / 387 كما رواهما كثير من المحدثين.
[696] البينة 7.
[697] انظر الصواعق ص 96 ونور الأبصار ص 70 وص 101 وقد رواه مختصرا ابن جرير في تفسيره 30 / 170 والسيوطي في الدر المنثور عند تفسيره لهذه الآية ج 6 / 379.
[698] انظر نقاش المرتضي حول هذا الحديث في الشافي الجزء الثالث بتحقيقنا.
[699] مستدرك الحاكم 3 / 69 والصواعق ص 27 والبداية والنهاية 5 / 251.
[700] شرح نهج البلاغة 20 / 25.
[701] من رواته بهذا اللفظ المحب في الرياض 2 / 157 وقال أخرجه ابن قتيبة في المعارف.
[702] أخرج المحب في الرياض 2 / 178 عن مناقب أحمد أن سلمان سأل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): من وصيك؟ فقال (صلي الله عليه وآله) في جملة كلام له (فإن وصيي ووارثي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب).
[703] شرح نهج البلاغة 5 / 179.
[704] تكرر مرارا.
[705] هذا الحديث مشهور بل متواتر ويظهر أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قاله في أكثر من موطن لاختلاف الوجوه والأسباب واتفاق المعني وبحسبك أن ترجع إلي صحيح البخاري، كتاب الصلاة باب التعاون في بناء المسجد / وكتاب الجهاد والسير باب مسح الغبار عن الناس، وصحيح مسلم كتاب الفتن ج 8 ص 185 فما بعدها من عدة طرق، وأسد الغابة 2 / 217 وحلية الأولياء 4 / 171 وغيرها ومن المؤسف حقا أن الطبعة المشكولة بتصحيح الشيخ محمد ذهني المطبوعة سنة 1315 حذف منها جملة (الفئة الباغية) مع أنها مثبتة في الطبعات الأخري مثل طبعة المطبعة الخيرية بالقاهرة سنة 1320 ه وهكذا تضيع الحقائق ويحرف الكلم من بعد مواضعه.
[706] نقل ذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 6 / 289 عن كتاب المفاخرات للزبير بن بكار.
[707] شرح نهج البلاغة 4 / 32 وصفين لنصر بن مزاحم ص 243 ونقل ابن أبي الحديد تعليقا لطيفا للحسن البصري قال: " فوالله ما فعلوا ولا أفلحوا ".
[708] شرح نهج البلاغة 3 / 46.
[709] رواه الشبلنجي في نور الأبصار ص 78 و 81 عن ابن عساكر.
[710] كذلك ص 81.
[711] نقلها في إسعاف الراغبين ص 161 عن الطبراني.
[712] نور الأبصار ص 80.
[713] الرعد: 7.
[714] نور الأبصار ص 78.
[715] المائدة: 55 وأخرجه في نور الأبصار ص 77 عن الثعلبي.
[716] مجمع الزوائد 10 / 346 وقال: " أخرجه الطبراني في الأوسط ".
[717] التوبة 19 و 20 وانظر أسباب النزول 182.
[718] إسعاف الراغبين ص 161 والرياض النضرة 2 / 77 و 224.
[719] شرح نهج البلاغة 2 / 59.
[720] مستدرك الحاكم 3 / 137.
[721] المصدر السابق.
[722] مسند أحمد 4 / 437.
[723] تاريخ الطبري 3 / 1172 ط ليدن.
[724] نفس المصدر في نفس الصفحة.
[725] المصدر نفسه.
[726] رواه ابن عساكر بترجمة علي (عليه السلام).
[727] التمحل: الاحتيال والمماكرة.
[728] أنكر ابن حجر هذا الحديث وقال عنه: " لا أعرف له إسنادا ولا رأيته في شئ من كتب الحديث إلا في النهاية لابن الأثير ذكره في (ح م ر) ولم يذكر من خرجه " قال: " ورأيته أيضا في كتاب الفردوس لكن بغير لفظه ذكره من حديث أنس بغير إسناد ولفظه (خذوا ثلثي دينكم من بيت الحميراء) ونقل عن ابن كثير أنه سأل المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه عن (التقرير والتحبير 3 / 99).
[729] هذه التهنئة رواها جماعة من العلماء منهم الإمام أحمد في المسند 4 / 2111 والطبري في تفسيره 3 / 428 والشهرستاني في الملل والنحل 1 / 220 وابن حجر الهيثمي في الصواعق ص 26 الخ.
[730] الغرب: الدلو.
[731] الذرو: الشئ.
[732] يربع يقوله وقتا ويتركه في أوقات.
[733] شرح نهج البلاغة 12 / 20.
[734] أيضا 6 / 46.
[735] شرح نهج البلاغة 3 / 189.
[736] طه 121.
[737] حديث المواخاة من الآثار الثابتة كما في الإستيعاب 3 / 35 ورواه غير واحد من حملة الآثار منهم الحاكم في المستدرك 3 / 14 والترمذي في السنن 2 / 299 والمحب في الرياض 2 / 17 الخ.
[738] مجمع الزوائد 9 / 111.
[739] شرح نهج البلاغة 6 / 10.
[740] الصافات: 102.
[741] الأنفال: 30.
[742] البقرة: 207.
[743] شرح نهج البلاغة ج 13 من ص 160 - 262 عن نقض العثمانية.
[744] شرح نهج البلاغة 13 / 263. والمراد بعمرو الجاحظ.
[745] أيضا 13 / 303.
[746] حديث سد الأبواب الشارعة في مسجد رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلا باب علي (عليه السلام) رواه أكثر المحدثين كالإمام أحمد في المسند 4 / 369 والنسائي في الخصائص ص 13 والحاكم في المستدرك 3 / 125 والمحب في الرياض2 / 192 الخ.
[747] شرح نهج البلاغة 9 / 172.
[748] شرح نهج البلاغة 9 / 173 عن مسند أحمد ورواه الترمذي 2 / 300 وفي كنز العمال 6 / 399 إن القائل هو أبو بكر (رضي الله عنه) وقال أخرجه الطبراني.
[749] نهج البلاغة من الخطبة 190 وهي القاصعة.
[750] زايلة: فارقة.
[751] شرح نهج البلاغة 13 / 200.
[752] قديد بالتصغير: موضع قيل نزله تبع فهبت ريح قدت خيام أصحابه فسمي قديد.
[753] شرح نهج البلاغة 6 / 217.
[754] نفس المصدر 13 / 249.
[755] الراقصات: الإبل ومنه قول الناصر العباسي: قسما بمكة والحطيم وزمزم++ والراقصات ومشيهن إلي مني بغض الوصي علامه بين الوري++ كتبت علي جبهات أولاد الزنا من لم يوالي في البرية حيدرا++ سيان عند الله صلي أم زني.
[756] هذا الحديث يعرف بحديث الأشباه وما ذكره المؤلف رحمه الله هنا منقول عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9 / 168، ونضيف إلي ذلك أن هذا الحديث مشهور بين المحدثين ورواة الأخبار علي اختلاف في بعض الألفاظ ففي كفاية الطالب للكنجي ص 45 (وإلي نوح في حكمته) ورواية المحب في الرياض 2 / 218 (وإلي يحيي بن زكريا في زهده وإلي موسي في بطشه) والمظنون أن " بطشه " أقرب وفي نزهة المجالس للصفوري 2 / 240 (وإلي محمد في بهائه) ولأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبيد الله المصري المعروف بالمفجع قصيدة تعرف بالأشباه لاشتمالها علي هذا الحديث كما في معجم الأدباء للحموي 17 / 200.
[757] شرح نهج البلاغة 5 / 4 و 9 / 168 عن مسند أحمد.
[758] نفس المصدر 1 / 169 وفي مواضع أخري من الشرح كذلك كما رواها ابن هشام في السيرة 4 / 340 والطبري في التاريخ 2 / 203 وابن كثير في البداية والنهاية 5 / 247 وليس فيما ذكروه " وعلي فيكم " قال ابن أبي الحديد 1 / 169: " وقد اختلف الرواة في هذه اللفظة فكثير من الناس رواها: " أقيلوني ولست بخيركم " ومن الناس من أنكر هذه اللفظة ولم يروها وإنما روي قوله: " وليتكم ولست بخيركم " واحتج بذلك من لم يشترط الأفضلية في الإمامة " وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 17 / 158 معلقا علي قوله: " ولست بخيركم ": فقد صدق عند كثير من أصحابنا لأن خيرهم علي بن أبي طالب (عليه السلام).
[759] شرح نهج البلاغة 17 / 158.
[760] فقال: (كل الناس أفقه من عمر) انظر تفسير القرطبي 5 / 99 وتفسير الخازن 1 / 353.
[761] هذا الحديث مشهور بل متواتر عنه (صلي الله عليه وآله).
[762] شرح نهج البلاغة 9 / 172.
[763] نفس المصدر 1 /.
[764] هذا البيت من علوية ابن أبي الحديد التي مطلعها: جللت فلما دق في عينك الوري++ نهضت إلي أم القري أيد القرا وأيد بوزن جيد: أي قوي القرا بالفتح الظهر.
[765] شرح نهج البلاغة 9 / 172.
[766] نفس المصدر 3 / 105 و 5 / 5.
[767] كذلك 4 / 107.
[768] أيضا 4 / 160.
[769] أيضا 3 / 207.
[770] أيضا 13 / 230.
[771] أيضا 14 / 251 قال ابن أبي الحديد: " فقلت له: فما بال الصحاح لم تشتمل عليه؟ قال: أو كلما كان صحيحا تشتمل عليه الصحاح، كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحيحة "!.
[772] أيضا 9 / 182.
[773] أيضا 9 / 182 و 14 / 251.
[774] التبكيت: التقريع والتعنيف.
[775] شرح نهج البلاغة 15 / 35.
[776] نفس المصدر 13 / 285 عن نقض العثمانية للإسكافي و 19 / 61.
[777] المصدر السابق 13 / 283 و 19 / 160 وإنما قال حذيفة استنادا إلي قول رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلي يوم القيامة) وقد تقدم تخريج هذا الحديث.
[778] شرح نهج البلاغة 13 / 285 عن نقض العثمانية للإسكافي.
[779] هو عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي وكثيرا ما يروي عنه نصر بن مزاحم في كتاب صفين وقد توهمه بعضهم عمر بن سعد بن أبي وقاص قاتل الحسين (عليه السلام) ونسي أن من البعد بمكان أن يروي نصر بن مزاحم المتوفي سنة 202 عن عمر بن سعد المقتول سنة 66، ونذكر بالمناسبة أن الذهبي في ميزان الاعتدال ذكر العمرين فقال عن ابن أبي الصيد: " شيعي بغيض متروك الحديث " وقال عن الثاني: " هو في نفسه غير متهم ولكنه باشر قتل الحسين وفعل الأفاعيل) انظر ج 3 ص 98 وص 199 "!!.
[780] في شرح النهج " البليخ " وهو الصواب قال عبيد الله بن قيس الرقيات: ذاك خير من البيلخ ومن++ صوت ذئاب علي يدعون ذيبا وانظر معجم البلدان مادة البليخ.
[781] الركس: رد الشئ مقلوبا وفي كتاب صفين " ولا يرتشي في الحكم ".
[782] شرح نهج البلاغة 3 / 206 وكتاب صفين ص 164.
[783] نفس المصدر 4 / 74 - 103.
[784] المصدر السابق 4 / ص 63 فما بعدها.
[785] رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 121 وقال: " رواه الطبراني في الصغير " كما رواه الحاكم في المستدرك 3 / 137 والمحب في الرياض 2 / 177 وغيرهم.
[786] نقله في نور الأبصار ص 17 عن تفسير الثعلبي.
[787] رواه الصبان في إسعاف الراغبين ص 156 وأشار إلي أن الترمذي أخرجه عن أبي سعيد وانظر الترمذي 2 / 299.
[788] وشرح نهج البلاغة 3 / 230 عن نقض العثمانية.
[789] نور الأبصار ص 80 عن كتاب الآل لابن خالويه.
[790] المصدر السابق ص 80.
[791] المصدر السابق ص 87 عن تفسير الثعلبي.
[792] مباهاة الجليل جل وعلا ملائكته بعلي (عليه السلام) نقلها جماعة من علماء أهل السنة نذكر منهم الرازي في تفسيره ج 5 / 204، وابن الأثير في أسد الغابة ج 4ص 5 والغزالي في إحياء العلوم كما يأتي قريبا وغيرهم.
[793] البقرة 207.
[794] إحياء العلوم 3 / 238 ونقله عن الإحياء الشبلنجي في نور الأبصار ص 86.
[795] رواه في الصواعق ص 73 عن البيهقي، ومستدرك الحاكم 3 / 124.
[796] الترمذي 2 / 199 والحاكم في المستدرك 3 / 130 وابن ماجة في السنن ص 14،وابن عبد البر في الإستيعاب 1 / 55.
[797] مسند أحمد 4 / 164 و 165، والترمذي 2 / 299 وخصائص النسائي 19 و 20وسنن أبي ماجة 12.
[798] فيض القدير 5 / 150 وقال: " أخرجه الطبراني " ومستدرك الحاكم 3 / 130.
[799] مستدرك لحاكم 3 / 140 و 142 وفيض القدير 5 / 152 وقال: " أخرجه الطبراني ".
[800] مجمع الزوائد 9 / 129 وقال: " أخرجه أبو يعلي والبزار " وكذلك في نور الأبصار ص72.
[801] كنز العمال 6 / 158 وأشار إلي أن الطبراني أخرجه من طريق أبي رافع وأم سلمة.
[802] مسند أحمد 6 / 323، ومستدرك الحاكم 1 / 121.
[803] رواه المحب في الرياض 2 / 222 عن سيرة الملا وفيه " بمعونة آل محمد ".
[804] الصواعق ص 74 ونور الأبصار ص 72 وقالا: " أخرجه الطبراني في الأوسط ".
[805] إسعاف الراغبين والحديث رواه جملة من المحدثين.
[806] كنز العمال 6 / 153 - 155 وقال: " أخرجه البيهقي في فضائل الصحابة ".
[807] نور الأبصار ص 61.
[808] المصدر السابق ص 80 وإسعاف الراغبين ص 160 وفيهما أن الديلمي أخرجه عن ابن عباس.
[809] مجمع البيان 2 / 453.
[810] إسعاف الراغبين ص 160 عن الترمذي والحاكم.
[811] صحيح البخاري 1 / 114 كتاب الصلاة باب نوم الرجال في المسجد و ج 4 / 208 كتاب المناقب و ج 7 / 117 كتاب الأدب باب التكني، وصحيح مسلم 7 / 120 باب فضائل الصحابة من فضائل علي بن أبي طالب.
[812] نقله المحب في الرياض 2 / 167. وقال: " أخرجه أحمد في المناقب ".
[813] إسعاف الراغبين ص 158 ونور الأبصار ص 80 عن الطبراني.
[814] البقرة: 143.
[815] مجمع البيان 3 / 159.
[816] نقله عن تفسير علي بن إبراهيم الطبرسي في مجمع البيان 3 / 159.
[817] رواه النيسابوري في تفسيره (الكشف والبيان) بطريقين الأول عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) والثاني عن ابن عباس كما في العمدة لابن البطريق ص 42.
[818] مجمع البيان 2 / 233 عن شواهد التنزيل للحسكاني.
[819] أسباب النزول للواحدي ص 150.
[820] نقله في مجمع البيان 4 / 534 عن أبي طالب الهروي بسنده عن أبي أيوب الأنصاري.
[821] الأنفال: 25.
[822] مجمع البيان 4 / 534 عن الحسكاني وانظر أنوار التنزيل للحسكاني 1 / 207.
[823] التوبة: 119.
[824] في الدر المنثور في تفسير سورة التوبة " مع علي بن أبي طالب " وقال: " أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس وأخرجه ابن عساكر عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام).
[825] الأحزاب: 23.
[826] نور الأبصار ص 97 والصواعق ص 80.
[827] السجدة: 18.
[828] الإنسان: 5.
[829] الرعد: 43.
[830] الطبقات لابن سعد 2 / ق 2 ص 101.
[831] نفس المصدر.
[832] شرح نهج البلاغة 16 / 111.
[833] ضرار بن ضمرة وقد تصحف ضمرة إلي حمزة مولي أم هاني بنت أبي طالب، وكان من أشد الناس حبا لعلي (عليه السلام) وإخلاصا له، وقد روي بعض كلامه سلام الله عليه ومنه هذا الخبر الذي رواه كثير من حملة الآثار كابن عبد البر في الإستيعاب 3 / 42 بترجمة علي (عليه السلام) وأبو نعيم في الحلية 1 / 84 والقالي في الأمالي2 / 143 والمسعودي في مروج الذهب 3 / 433.
[834] نقله المؤلف عن مختصر مناقب الشافعي ولو نقل مثل في كتب الإمامية لعد من الإسراف في الغلو.
[835] نقله المؤلف عن مختصر مناقب الشافعي ولو نقل مثل في كتب الإمامية لعد من الإسراف في الغلو.
[836] نهج البلاغة من الخطبة 187.
[837] الصواعق المحرقة ص 73 ونور الأبصار ص 79 وإسعاف الراغبين ص 157.
[838] نور الأبصار 79 وإسعاف الراغبين ص 157 وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 1 / 18: " قد روت العامة والخاصة قوله (صلي الله عليه وآله وسلم):(أقضاكم علي).
[839] ما بين المعقوفين زيادة في شرح النهج.
[840] في الشرح: " ما لي أراكم ملتاثين ".
[841] في الشرح " حديث السن ".
[842] شرح نهج البلاغة 1 / 12 و ج 6 من ص 5 - 12.
[843] في الشرح " ما يدعي ".
[844] شرح نهج البلاغة 6 / 12.
[845] شرح نهج البلاغة 11 / 43.
[846] المصدر السابق 18 / 416.
[847] كذلك 1 / 221.
[848] أيضا 1 / 219.
[849] أيضا 11.
[850] أيضا 6 / 43.
[851] هو أبو جعفر النقيب ذكر الأسباب التي منعت من تسليم الأمر لعلي (عليه السلام) في كلام له مع ابن أبي الحديد ومنها رجاء تداول قبائل العرب الخلافة إذا لم يقتصر بها علي بيت مخصوص فيكون رجاء كل حي وصولهم إليها ثابتا مستمرا وسيأتي هذا الكلام في بيان أن عليا منصوص عليه وقد نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3 / 99 إن عمر لما طعن قال: يا أصحاب محمد تناصحوا فإنكم إن لم تفعلوا غلبكم عليها عمرو بن العاص ومعاوية وذكر ابن أبي الحديد عن المفيد إنما أراد عمر بهذا القول إغراء معاوية وعمرو بن العاص بطلب الخلافة وأطماعهما فيها لأن معاوية كان عامله وأميره علي الشام وعمرو بن العاص عامله وأميره علي مصر وخاف أن يضعف عثمان عنها وأن تصير إلي علي (عليه السلام) فألقي هذه الكلمة إلي الناس لتنتقل إليهما وهما بمصر والشام فيتغلبا علي هذين الأقليمين إن أفضت إلي علي (عليه السلام) قال ابن أبي الحديد: " وهذا عندي من الاستنباطات التي يوجبها الشنئان والحنق وعمر كان أتقي لله من أن يخطر له هذا ولكنه من فراسته الصادقة التي كان يعلم بها كثيرا من الأمور المستقبلة " أما أنا فلم أجد هذا فيما بين يدي من كتب المفيد رحمه الله ولعله وهم في النقل أوراه فيما لم تصل إليه يدي من كتبه.
[852] ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج 6 / 31 ثمانية عشر بيتا.
[853] شرح نهج البلاغة 6 / 11.
[854] المصدر السابق 11 / 111.
[855] تاريخ الطبري 3 / 1172 ليدن وفيه " وخليفتي فيكم " وشرح نهج البلاغة 13 / 244. وأمر النبي (ص) بالتسليم علي علي بالإمرة رواه ابن عساكر بترجمة علي (عليه السلام).
[856] أي كلام القوشجي في خدش الروايات التي استدل بها الطوسي في التجريد علي إمامة علي (عليه السلام) وانظر كشف المراد للعلامة الحلي عند شرحه للمسألة الرابعة في وجوب النص علي الإمام.
[857] انظر تفصيل ذلك في شرح نهج البلاغة 1 / 158 فما بعدها عن الجاحظ والطبري والعسكري وغيرهم.
[858] هذا الكلام رواه عنه الشريف الرضي في نهج البلاغة في باب الكلمات القصار برقم 21 ونقله الطبري في التاريخ 5 / 2791 ليدن حوادث سنة 23 كما رواه الهروي في الجمع بين الغريبين وانظر شرح نهج البلاغة 1 / 195.
[859] شرح نهج البلاغة 1 / 160.
[860] أي القوشجي.
[861] يعني الجوهري.
[862] شرح نهج البلاغة 6 / 52 كما روي هذا الحديث الشهرستاني في الملل والنحل 1 / 21.
[863] المصدر السابق 2 / 25 عن المغني لقاضي القضاة.
[864] ذو الخويصرة: حرقوص بن زهير رأس الخوارج وهو ذو الثدية قتل يوم النهروان سنة 40.
[865] شرح نهج البلاغة 6 /. وقد أخرج هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده 3 / 15. الصورة أطول كما إن حديثه هذا من الأحاديث المتفق عليها كما يقول ابن أبي الحديد.
[866] النور: 63.
[867] من محاورة جرت بين عائشة وأم سلمة وقد تقدم بعضها.
[868] شرح نهج البلاغة 16 / 210 فما بعدها وقد أشبع القول في هذه المسألة تفصيلا من جميع وجوهها.
[869] صحيح البخاري 5 / 84 كتاب المغازي باب غزوة خيبر، وصحيح مسلم 5 / 153 باب قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) (لا نورث.. الخ).
[870] شرح نهج البلاغة و 17 / 224.
[871] الآية 41 من سورة الأنفال وقد أجمعت الأمة علي أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان يختص بسهم من الخمس ويخص ذي قرباه بسهم آخر منه مدة حياته صلوا الله عليه وآله وسلم فلما ولي أبو بكر (رضي الله عنه) أسقط سهم النبي (صلي الله عليه وآله) بموته، ومنع ذوي القربي من الخمس وجعلهم كغيرهم من يتامي المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم (انظر النص والاجتهاد).
[872] قصة زحف خالد بن الوليد إلي البطاح ليلقي مالك بن نويرة وقومه من بني يربوع وقتله مالك بن نويرة وجماعة من قومه مع قولهم: إنا مسلمون، ورفعهم الأذان، وإقامتهم الصلاة بمشهد من المسلمين الذين مع خالد ثم قتلهم بعد استيلائهم علي أسلحتهم ومبيت خالد مع زوجة مالك في ليلة مقتله، وإنكار أبي قتادة لهذه الفعلة ومفارقته لخالد بعد أن أقسم أن لا يكون أبدا في لواء عليه خالد وغضب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لذلك وحنقه عليه حتي عزله يوم تولي الأمر حقيقة ثابتة ليس بوسع أحد أن ينكرها ويتستر عليها وبحسبك أن ترجع إلي كتاب الغدير 7 / 158 - 169 فقد ألم بهذه القضية من كل أطرافها وهب أن مالكا قتل مرتدا، وزوجته سبية، وخالد لا يري أن تعتد بأبعد الأجلين. أوليس رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: (ألا لا توطأ الحبالي حتي يلدن، ولا غير الحبالي حتي يستبرئن) كما نادي مناديه يوم حنين وإلي الله ترجع الأمور.
[873] قد فصل القول في هذه القضية السيد شرف الدين (رحمه الله) في النص والاجتهاد ص 177 - 193 فحري بمن يريد الاطلاع الرجوع إليه.
[874] قصة النعلين رواها أبو هريرة ومجملها: إن النبي (صلي الله عليه وآله) قام من بين أصحابه فاستبطؤه وكان أول من خرج في طلبه أبو هريرة فوجده في حائط لبني النجار فسأله: ما شأنك؟ فقال: أبطأت عنا فخشينا أن تقطع دوننا وأنا أول من فزع والناس ورائي، فقال: (يا أبا هريرة خذ نعلي هاتين فكل من لقيته وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة) فكان أول من لقيه عمر (رضي الله عنه) فأخبره بذلك فضرب عمر بصدره حتي أوقعه علي أسته فرجع إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) باكيا، قيل: وإنما فعل عمر ذلك كي لا يتكل الناس عليها ويتركوا العمل وأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال:(دعهم يعملون) والقصة مفصلة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12 / 56.
[875] قال ابن أبي الحديد بعد أن نقل تحريم المتعتين: " وهذا الكلام وإن كان ظاهرة من كرافله عندنا أي المعتزلة مخرج وتأويل، وقد ذكره أصحابنا الفقهاء في كتبهم.
[876] تجد البيان حول هذه المسألة في شرح نهج البلاغة 12 / 252 والشافي للمرتضي ص256 فما بعدها والنص والاجتهاد لشرف الدين ص 200.
[877] نقل ذلك عن القوشجي السيد شرف الدين في النص والاجتهاد ص 200 وشيخنا الأميني في الغدير 6 / 236 وللسيد الأمين في أوائل الجزء الأول من أعيان الشيعة تحقيق مهم في مسألة (حي علي خير العمل) في الآذان.
[878] البقرة: 58.
[879] التوبة: 37.
[880] الحشر: 7.
[881] النور: 63.
[882] الأحزاب: 36.
[883] النجم: 3.
[884] الحاقة: 45 و 46.
[885] الأعراف: 103.
[886] يشير إلي الحديث: (ما أحللت إلا ما حل الله ولا حرم إلا ما حرم الله) انظر طبقات ابن سعد 4 / 72 ط القاهرة.
[887] هو عبد الله بن عمير الليثي، قال له (عليه السلام): " فأنت علي قول صاحبك وأنا علي قول رسول الله (صلي الله عليه وآله) فهلم ألاعنك أن الحق ما قال رسول الله (صلي الله عليه وآله).. " انظر الوسائل 7 / 422 كتاب النكاح أبواب المتعة، باب إباحتها، الحديث 4.
[888] في صحيح البخاري 8 / 126 كتاب الأحكام باب الاستخلاف: (لقد هممت أن أرسل إلي أبي بكر وابنه فاعهد أن يقول القائلون أو يتمني المتمنون، ثم قلت: يأبي الله ويدفع المؤمنون).
[889] شرح نهج البلاغة 1 / 183 و 2 / 27.
[890] المصدر السابق 18 / 64 قال هذه الجملة في كلمة لطيفة جدا قالها عند شرحه لكلام. أمير المؤمنين (عليه السلام) واصفا معاوية (بالمستثقل النائم تكذبه أحلامه) ننقلها بكاملها إتماما للفائدة، قال: " فإن معاوية لو رأي في المنام في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه خليفة يخاطب بإمرة المؤمنين، ويحارب عليا علي الخلافة، ويقوم في المسلمين مقام رسول الله (صلي الله عليه وآله) لما طلب لذلك المنام تأويلا ولا تعبيرا، ولعده من وساوس الخيال، وأضعاث الأحلام، وكيف وأني له أن يخطر ذلك بباله وهو أبعد الخلق منه! وهذا كما يخطر للنفاط أن يكون ملكا، ولا تنظرن إلي نسبه في المناقب بل انظر إلي (أن الإمامة نبوة مختصرة) وأن الطليق المعدود في المؤلفة قلوبهم، المكذب بقلبه وإن آمن بلسانه، الناقص المنزلة عند المسلمين، القاعد في أخريات الصف إذا دخل إلي مجلس فيه أهل السوابق من المهاجرين، كيف يخطر ببال أحد أنها تصير فيه ويملكها، ويسمه الناس وسمها ويكون للمؤمنين أميرا، ويكون هو الحاكم في رقاب أولئك العظماء من أهل الدين والفضل!! وهذا من أعجب العجب أن يجاهد النبي قوما بسيفه ولسانه ثلاثا وعشرين سنة، ويبعدهم عنه، وينزل القرآن بذمهم ولعنهم، والبراءة منهم، فلما تمهدت له الدولة وصارت شريعة محكمة مات فشيد دينه الصالحون من أصحابه، وأوسعوا رقعة ملته، وعظم قدرها في النفوس فتسلمها منهم أولئك الأعداء الذين جاهدهم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فملكوها وقتلوا الصلحاء والأبرار وأقارب نبيهم الذين يظهرون طاعته وآلت تلك الحركة الأولي، وذلك الاجتهاد السابق إلي أن كان ثمرته لهم! فليته كان يبعث ليري معاوية الطليق وابنه، ومروان وبنيه خلفاء يحكمون علي المسلمين ".
[891] أجمل ابن أبي الحديد تلك المطاعن في الجزء الثاني من شرح نهج البلاغة من ص 11 69 وذكر هناك اعتذار القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني عنها في كتابه المغني في الإمامة ورد الشريف المرتضي عليه في كتابه الشافي في الإمامة.
[892] جاء في صحيح البخاري 5 / 143 في باب مرض النبي (صلي الله عليه وآله) من كتاب المغازي كما جاء ذلك في صحيح مسلم أيضا 2 / 14 في الباب الوصية واللفظ لمسلم " ذكروا عند عائشة (رضي الله عنها) أن عليا كان وصيا فقالت: متي أوصي إليه كنت مسندته إلي صدري أو قالت: حجري فدعا بالطشت فقد انخنث في حجري وما شعرت أنه مات فمتي أوصي إليه وفي البخاري: فكيف أوصي لعلي؟.
[893] مستدرك الحاكم 3 / 157.
[894] شرح نهج البلاغة 9 / 191 عن الإستيعاب.
[895] انظر شرح نهج البلاغة 1 / 133 و 6 / 48 ومستدرك الحاكم 3 / 366.
[896] شرح نهج البلاغة 4 /.
[897] قال أبو عثمان الجاحظ في رسالته السفيانية: " الكلمة المذكورة إن طلحة لما نزلت آية الحجاب قال بمحضر ممن نقل إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) ما الذي يعنيه من حجابهن اليوم وسيموت غدا فننكحهن ". ثم قال الجاحظ: " لو قال لعمر قائل أنت قلت: إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مات وهو راض عن الستة فكيف تقول الآن لطلحة: إنه (عليه السلام) مات ساخطا عليك للكلمة التي قلتها لكان قد رماه بمشاقصه ولكن من الذي يجسرعلي عمر أن يقول له ما دون هذا فكيف هذا؟ " وانظر شرح نهج البلاغة 1 / 186.
[898] شرح نهج البلاغة 4 / 74 و 19 / 217 وذكر ذلك ابن قتيبة في المعارف ص 580.
[899] نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج 4 / 68 و 69.
[900] انظر سيرة ابن هشام 4 / 64.
[901] سيرة ابن هشام 4 / 105.
[902] آل عمران: 161 وانظر تفسير الرازي 9 / 70.
[903] التوبة: 61 وانظر تفسير الرازي 16 / 115.
[904] التوبة 74 وانظر تفسير الرازي 16 / 136 ومجمع البيان 5 / 16.
[905] التوبة: 58.
[906] التوبة: 107.
[907] التوبة: 81.
[908] التوبة: 81.
[909] وذلك لما أعطي رسول الله (صلي الله عليه وآله) أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعينيه بن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل، وأعطي عباس بن مرداس دون ذلك فقال الأبيات المذكورة فأتم له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مائة، انظر صحيح مسلم 3 / 108 كتاب الزكاة باب إعطاء المؤلفة قلوبهم.
[910] شرح نهج البلاغة 8 / 17.
[911] يعني شرح النهج.
[912] ديوانه 1 / 42.
[913] النور 63.
[914] الحجرات: 17.
[915] انظر سفينة البحار 2 / 275 مادة (ع م ر).
[916] يعني بالخصم ابن أبي الحديد وقد روي هذه الرواية في شرح نهج البلاغة 2 / 309 هكذا: (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) وهي مروية في صحيح البخاري 5 / 75.
[917] صحيح مسلم 4 / 38 كتاب الحج باب وجوب الإحرام وصحيح البخاري 8 / 162 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب نهي النبي (صلي الله عليه وآله) علي التحريم إلا ما تعرف إباحته.
[918] صحيح مسلم 3 / 142 كتاب الصوم وفيه (أولئك العصاة) مرتين لا ثلاثا كما في المتن.
[919] أنفه عمر (رضي الله عنه) من الصلح رواها عامة المحدثين وأرباب السير نذكر منهم البخاري في صحيحة 2 / 81 ومسلم 5 / 175 كتاب الجهاد والسير النص والاجتهاد ص 170.
[920] تقدم تخريجه.
[921] الأعراف: 129.
[922] الأعراف: 138.
[923] المائدة: 24.
[924] المائدة: 24.
[925] رواه أكثر علماء السير.
[926] سيرة ابن هشام 4 / 40.
[927] الحجرات: 2.
[928] شرح نهج البلاغة 4 / 107 و 6 / 45 وقد رواه الحاكم في المستدرك 3 / 140 و 142 والخطيب في تاريخ بغداد 11 / 216 والمتقي في كنز العمال 6 / 73 وقال: " أخرجه ابن أبي شيبة والحارث والبزاز والحاكم والعقيلي والبيهقي ".
[929] في شرح النهج " خباب ".
[930] شرح نهج البلاغة 4 / 107.
[931] نفس المصدر 4 / 107.
[932] المصدر السابق 16 / 129، وبعدهما: ليس بموصوم إذا نص النسب++ أول من صام وصلي واقترب.
[933] هذا البيت من قصيدة روي منها الزبير بن بكار في الموفقيات ثمانية عشر بيتا كما في شرح نهج البلاغة 6 / 31.
[934] شرح نهج البلاغة 6 / 17 عن الموفقيات للزبير بن بكار.
[935] هو بعض ولد أبي لهب كما في شرح نهج البلاغة 6 / 21 وقيل هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب كما في الإستيعاب 3 / 67، ويرويها أبو جعفر الإسكافي عن ابن إسحاق لأبي سفيان بن حرب - كما في شرح نهج البلاغة 13 / 232، وإذا صح القول الأخير فالمظنون قويا أن " حرب " تصحيف " حرث " فيكون المراد أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
[936] شرح نهج البلاغة 6 / 17 عن الموفقيات للزبير بن بكار.
[937] هو بعض ولد أبي لهب كما في شرح نهج البلاغة 6 / 21 وقيل هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب كما في الإستيعاب 3 / 67، ويرويها أبو جعفر الإسكافي عن ابن إسحاق لأبي سفيان بن حرب - كما في شرح نهج البلاغة 13 / 232، وإذا صح القول الأخير فالمظنون قويا أن " حرب " تصحيف " حرث " فيكون المراد أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
[938] شرح نهج البلاغة 9 / 54.
[939] شرح نهج البلاغة 9 / 206.
[940] العنكبوت 2.
[941] شرح نهج البلاغة 9 / 208. قال: وفي قوله: " بمنزلة فتنة تصديق لمذهبنا ويعني المعتزلة في أهل البغي ".
[942] المصدر السابق 4 / 106.
[943] نفس المصدر 4 / 108.
[944] أيضا.
[945] طه. 171.
[946] شرح نهج البلاغة 1 / 157.
[947] أيضا 1 / 194.
[948] نهج البلاغة من الخطبة 6.
[949] نهج البلاغة من الخطبة 2.
[950] نهج البلاغة من الخطبة 22.
[951] شرح نهج البلاغة 1 / 307.
[952] ستأتي هذه الخطبة بكاملها آخر الكتاب.
[953] كتابه (عليه السلام) إلي عقيل رواه ابن هلال الثقفي في الغارات ص 431 كما نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج عن الغارات 2 / 119.
[954] شرح نهج البلاغة 4 / 104 وهذا الكلمة من خطبة له (عليه السلام) تأتي آخر الكتاب.
[955] أيضا 4 / 106.
[956] الشافي في الإمامة للشريف المرتضي 3 / 110 بتحقيقنا.
[957] يعني بالخصم ابن أبي الحديد وكثيرا ما يعبر عنه بذلك.
[958] نهج البلاغة من الخطبة 148.
[959] الشوري 23.
[960] نهج البلاغة الكلام 160.
[961] الذحول جمع ذحل وهو الثأر.
[962] شرح نهج البلاغة 9 / 248.
[963] رواه ابن أبي الحديد 4 / 122 كما رواه غيره بتقديم وتأخير وزيادة ونقصان نذكر منهم الحموي في معجم الأدباء 1 / 119، وابن طلحة الشافعي في مطالب السؤال ص 11 والسبط في التذكرة ص 62، وابن حجر في الصواعق 79 وابن كثير في البداية والنهاية 8 / 8 الخ.
[964] المضض: وجع المصيبة، والرمض هنا: احتراق القلب من شدة الألم.
[965] شرح نهج البلاغة 6 / 31 في ثمانية عشر بيتا نقلها ابن أبي الحديد عن الموفقيات للزبير بن بكار كما تقدم.
[966] المصدر السابق 6 / 35 في أبيات نقلها ابن أبي الحديد عن الموفقيات.
[967] شرح نهج البلاغة 20 / 184 وكامل المبرد 2 / 324.
[968] نفس المصدر 2 / 164 وفيه " انفروا " بدل " سيروا ".
[969] المائدة: من الآية 121.
[970] صحيح البخاري 4 / 110 كتاب بدأ الخلق.
[971] صحيح البخاري 1 / 207 كتاب الرقاق باب الحوض.
[972] هذا الحديث روي في صحاح السنن وانظر مسند الإمام أحمد ج 2 / 325 و 327 و 336و 337 و 450 و 511 و 527 و ج 3 / 84، 9489.
[973] الترمذي كتاب الفتن ب 18.
[974] في شرح النهج " ما أظن ".
[975] وفيه " وقر يهمهم ".
[976] ما بين المعوقين ساقط من المتن.
[977] في الشرح " من أبي بكر ".
[978] شرح نهج البلاغة 6 / 54 وليس في الشرح " فأعرض عني وأسرع فرجعت عنه " ولاشك أنها ساقطة من المطبوعة.
[979] مريم: 12.
[980] مريم: 29.
[981] محمد: 9.
[982] الخجف: الكبر.
[983] القلم: 4.
[984] الشعراء: 215.
[985] القصص: 68.
[986] الأحزاب: 33.
[987] شرح نهج البلاغة 12 / 52.
[988] المراد بعمه هنا أبو لهب فإن مسألة إسلام أبي طالب لم تثر إلا في زمن الأمويين، وركز عليها العباسيون والدليل علي ذلك أن معاوية علي كثرة ما جري بينه وبين أمير المؤمنين (عليه السلام) من المراسلات والمساجلات لم يذكر ذلك لأنه لم يكن معروفا لديه.
[989] شرح نهج البلاغة 2 / 87.
[990] النجم: 4.
[991] الحاقة: 45 و 46.
[992] الأعراف: 203.
[993] البقرة: 185.
[994] النساء: 27.
[995] النساء: 28.
[996] النحل: 40.
[997] الأنعام: 125.
[998] المائدة: 41.
[999] شرح نهج البلاغة 2 / 7 و 5 / 50 مع اختلاف في بعض الألفاظ. [
[1000] المصدر السابق 2 / 87 والخجف: الكبر، وقد تقدم.
[1001] نفس المصدر 12 / 9.
[1002] الأحزاب: 70.
[1003] القيامة: 36.
[1004] النبأ: 17.
[1005] شرح نهج البلاغة 2 / 79.
[1006] المصدر السابق 12 / 45.
[1007] نفس المصدر 1 / 185.
[1008] يقال: ما زالوا في هياط ومياط: أي ما زالوا في ضجيج واختلاف ورواح ومجئ.
[1009] شرح نهج البلاغة 12 / 80.
[1010] شرح نهج البلاغة 12 / 82.
[1011] آل عمران: 144.
[1012] المائدة: 105.
[1013] يونس: 29.
[1014] الشعراء: 214.
[1015] الاسراء: 26.
[1016] أما قوله (صلي الله عليه وآله): (علي مع الحق والحق مع علي) رواه الخطيب في تاريخ بغداد 14 / 321 وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (وأدر الحق معه حيث دار) رواه الترمذي 2 / 298 والفخر الرازي في التفسير 1 / 205. الخ.
[1017] شرح نهج البلاغة 6 / 327 و 12 / 52.
[1018] هود: 75.
[1019] التوبة: 128.
[1020] الفتح: 29.
[1021] المائدة 54.
[1022] آل عمران: 159.
[1023] شرح نهج البلاغة 1 / 183 و 2 / 27.
[1024] نفس المصدر 1 / 182.
[1025] قال ابن أبي الحديد: " أما ما كان يقول عمرو بن العاص في علي (عليه السلام) لأهل الشام: " إن فيه دعابة " يروم أن يعيبه بذلك عندهم فأصل ذلك كلمة قالها عمر فتلفقها حتي جعلها أعداؤه عيبا وطعنا عليه " (شرح نهج البلاغة 6 / 326). وقال في الجزء الأول ص 25: " وعمرو بن العاص إنما أخذها عن عمر بن الخطاب لقوله له لما عزم علي استخلافه: لله أبوك لولا دعابة فيك.
[1026] صعصعة صوحان العبدي أسلم علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولم يره لصغره ويعد هو وأخوه زيد من صوحان في أصحاب علي (عليه السلام) أما زيد فاستشهد معه يوم الجمل، وقد روي ابن الأثير في أسد الغابة بترجمة زيد رواية عن النبي (صلي الله عليه وآله) تدل علي فضل عظيم وبشارة بالشهادة وأما صعصعة فقد شهد مع علي (عليه السلام) حروبه الثلاثة ومات في أيام معاوية.
[1027] شرح نهج البلاغة 12 / 19 ولا يخفي أن ما نقله المؤلف من كلام النقيب هنا هو زبدة كلام النقيب كما أشار إلي ذلك.
[1028] قلع علي (عليه السلام) لباب خيبر مروية في أكثر كتب السيرة النبوية والتاريخ نذكر منها تاريخ الطبري في حوادث سنة 8، مسند الإمام أحمد ج 6 ص 8 والرياض النضرة 2 / 88 وفيه اجتمع عليه سبعون رجلا فكان جهدهم أن أعادوا الباب " وتاريخ الخطيب البغدادي 11 / 304 وفيه " وإنهم جربوه بعد ذلك فلم يحمله إلا أربعون رجلا ". الخ.
[1029] مخاطبة علي (عليه السلام) للثعبان ممكنة لا يمكن من يؤمن بالقرآن ردها خصوصا إذا نظر إلي ما قصه الله علينا من قصص سليمان بن داود (عليه السلام) وكيف أن (الذي عنده علم من الكتاب آتاه) الله ما لم يؤت عفريتا من الجن وعلي باب مدينة علم سيد الأنبياء كما صح ذلك من طرف جمهرة علماء المسلمين، فلماذا نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض! علي أنه لا أثر لأمثال هذه الرواية في ردها وقبولها وصحتها وعدم صحتها في العقيدة الحقة، والمذهب السليم.
[1030] انظر شرح نهج البلاغة 3 / 204 و 205.
[1031] محاربة علي (عليه السلام) للجن ذكر شيئا منها ابن حجر في الإصابة 4 / 235والكلام فيها كالكلام في مخاطبته (عليه السلام) للثعبان.
[1032] إسعاف الراغبين ص 162.
[1033] بقوله. يا من له ردت ذكاء ولم يفز++ بنظيرها من قبل إلا يوشع.
[1034] شرح نهج البلاغة 1 / 21.
[1035] أيضا 3 / 69 / و 7 / 48.
[1036] أيضا تكرر ذلك في كلامه وخطبة في نهج البلاغة وغيرها.
[1037] أيضا 7 / 48.
[1038] أيضا 2 / 289 و 10 / 15.
[1039] كان (عليه السلام) قال له لما ضربه ابن ملجم: (كيف بك لو دعيت إلي البراءة مني فكان كما قال (سلام الله عليه) والقصة مشهورة.
[1040] أيضا 2 / 294.
[1041] أيضا 2 / 290.
[1042] أيضا 2 / 291.
[1043] أيضا 2 / 249.
[1044] قنبر مولي علي (عليه السلام) قتله الحجاج وكان علي (عليه السلام) قد أخبره بذلك.
[1045] شرح نهج البلاغة 7 / 48.
[1046] أيضا 2 / 289.
[1047] أيضا 7 / 48 و 8 / 125 فما بعدها.
[1048] أيضا 8 / 215 فما بعدها.
[1049] انظر تفصيل ذلك في تاريخ الكوفة للبراقي.
[1050] شرح نهج البلاغة 7 / 48.
[1051] أيضا 1 / 271.
[1052] أيضا 2 / 267 و 276.
[1053] شرح نهج البلاغة 2 / 275.
[1054] أيضا 2 / 286.
[1055] أيضا 2 / 287.
[1056] قال ابن أبي الحديد: " السلقلقة: السليطة، وأصله من السلق وهو الذئب، والسلقة: الذئبة، والجلعة المجعة: البذية اللسان، والركب: موضع العانة ".
[1057] شرح نهج البلاغة 2 / 289.
[1058] أيضا 2 / 290.
[1059] أيضا 2 / 290.
[1060] أيضا 2 / 291.
[1061] أيضا 2 / 294.
[1062] أيضا 2 / 294.
[1063] أيضا 2 / 295.
[1064] أيضا 3 / 169 وصفين لنصر بن مزاحم 157.
[1065] أيضا 3 / 17. وصفين 158.
[1066] أيضا 4 / 109.
[1067] في الإستيعاب 3 / 40 عن سعيد بن المسيب قال: " ما كان أحد من الناس يقول: سلوني غير علي بن أبي طالب " قال شيخنا الأميني في الغدير 6 / 195: " وما تفوه بهذا المقال أحد بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا وفضح ووقع في ربيكة وأماط بيده الستر عن جهله المطبق " ثم ذكر (رحمه الله) نوادر وقعت لجماعة خانهم التوفيق فتفوهوا بها ففضحوا أنفسهم، وظهر عجزهم وقد سئلوا عن أبسط المسائل أمثال إبراهيم بن هشام المحزومي ومقاتل بن سليمان وقتادة وغيرهم.
[1068] سورة البقرة آية: 247.
[1069] النساء: 77.
[1070] الأسوة: القدوة.
[1071] هذه الكلمة من خطبة له (عليه السلام) تأتي في آخر الكتاب.
[1072] نهج البلاغة الخطبة 146.
[1073] نفس المصدر الخطبة 27.
[1074] أيضا الخطبة 95.
[1075] أيضا الخطبة 27.
[1076] أيضا الخطبة 3.
[1077] شرح نهج البلاغة 11 / 113 و 20 / 326.
[1078] رواها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلادة 1 / 307. عن المدائني.
[1079] رواها ابن أبي الحديد في الشرح 1 / 307 عن ابن الكلبي.
[1080] الفتح، 25.
[1081] تفسير نور الثقلين 5 / 70 عن تفسير علي بن إبراهيم القمي.
[1082] الفتح 25.
[1083] يعني بالخصم ابن أبي الحديد والرواية ذكرها في شرح نهج البلاغة 9 / 197 و 168 في كلام نقله عن شيخه أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني.
[1084] الجرف بضم فسكون: موضع علي ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام (معجم البلدان).
[1085] أسيد بن حضير الأنصاري الأوسي، قال ابن الأثير بترجمته في أسد الغابة 1 / 92: " كان أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) يكرمه ولا يقدم عليه أحدا " قال: " وله في بيعة أبي بكر أثر عظيم " قال: " توفي في شعبان سنة عشرين وحمل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) السرير حتي وضعه في البقيع وصلي عليه ".
[1086] شرح نهج البلاغة 6 / 52.
[1087] نفس المصدر 1 / 159 وعيون الأثر لابن سيد الناس 2 / 355.
[1088] بريدة بضم الباء وفتح الراء والدال ابن الحصيب - بضم الحاء المهملة والصاد المهملة أيضا - الأسلمي أسلم حين مر به رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسلم مهاجرا هو ومن معه وكانوا ثمانين بيتا فصلي بهم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) صلاة العشاء، ثم قدم علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد أحد وشهد معه مشاهده، وكان من ساكني المدينة ثم تحول إلي البصرة وابتني بها دارا، ثم خرج منها غازيا إلي خراسان وأقام بمرو حتي مات ودفن بها، وبقي بها ولده.
[1089] شرح نهج البلاغة 1 / 160.
[1090] المصدر السابق 2 / 52.
[1091] أيضا 10 / 184.
[1092] انظر تاريخ الطبري 4 / 1811 ليدن.
[1093] القائل هو ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13 / 34.
[1094] أيضا: 13 / 34.
[1095] أيضا 6 / 44.
[1096] أيضا 9 / 198.
[1097] أيضا.
[1098] أيضا. 9 / 197.
[1099] شرح نهج البلاغة 9 / 199.
[1100] المصدر السابق 17 / 198.
[1101] المصباح المنير ص 534 في (عتر) وانظر تهذيب اللغة للأزهري 2 / 264.
[1102] شرح نهج البلاغة 6 / 375.
[1103] أيضا.
[1104] أيضا 6 / 376 وفيه (وأبوكما خير منكما) و 4 / 96.
[1105] الشوري: 23.
[1106] فيض القدير 1 / 515 وقال: " أخرجه الديلمي في الفردوس ومثله في إسعاف الراغبين ص 114.
[1107] إسعاف الراغبين ص 132 وفيض القدير 2 / 223 والصواعق ص 74 وفيه إخراج الطبراني له.
[1108] كنز العمال 6 / 220 وذكر أن الطبراني أخرجه.
[1109] إسعاف الراغبين ص 133 ورواه في كنز العرفان 6 / 220 بحروف رواية الصبان وأشار إلي إخراج الطبراني له.
[1110] سنن الترمذي 2 / 36 وفيه (من أهل بيتي) سنن أبي داود 7 / 134.
[1111] مسند أحمد / 99 و 3 / 10 و 28 و 37 و 70.
[1112] مستدرك لحاكم 4 / 465.
[1113] حلية الأولياء 3 / 101.
[1114] كل ما ذكره المؤلف ابتداء من رقم 5 إلي هنا نقله المؤلف من إسعاف الراغبين ص 133 فما بعد فلاحظ.
[1115] شرح نهج البلاغة 1 / 276 والبيان والتبين للجاحظ 1 / 175.
[1116] حلية الأولياء 1 / 86.
[1117] مسند الإمام أحمد.
[1118] صحيح مسلم / كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن أبي طالب.
[1119] مسند الإمام أحمد 3 / 17 و 5 / 181.
[1120] لم اعثر علي كتاب الموجز لأبي الفتوح والخبر المشار إليه رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 5 / 164.
[1121] إسعاف الراغبين 115 و 116 وسنن ابن ماجة باب فضائل الصحابة ومستدرك الحاكم 3 / 167.
[1122] شرح نهج البلاغة 6 / 376.
[1123] أسد الغابة 5 / 574 وحلية الأولياء 4 / 190 ومسند أحمد 5 / 391.
[1124] شرح نهج البلاغة 15 / 72. ومستدرك الحاكم / 211.
[1125] الأحزاب: 33.
[1126] شرح نهج البلاغة 1 / 7.
[1127] المصدر السابق.
[1128] أيضا 15 / 72 و 19 / 221.
[1129] شرح نهج البلاغة 5 / 72 عن مقاتل الطالبين.
[1130] منهم ابن هشام في السيرة 3 / 232 وأبو عمر في الإستيعاب 1 / 210 وابن الأثير في أسد الغابة 1 / 287.
[1131] سيرة ابن هشام 4 / 18 وشرح نهج البلاغة 15 / 63 والأبيات من قصيدة مطلعها: تأوبني ليك؟؟ بيثرب أعسر وهم - إذا نوم الناس - مسهر وانظر ديوان حسان ص 179.
[1132] شرح نهج البلاغة 1 / 245.
[1133] أيضا.
[1134] الشوري: 23.
[1135] إسعاف الراغبين: 105.
[1136] الشوري: 23.
[1137] الصواعق ص 101 وقال: " أخرجه أحمد عن ابن عباس " وفي الكشاف / عن السدي.
[1138] شرح نهج البلاغة 9 / 172.
[1139] رواه المحب في ذخائر العقبي ص 92 وقال: " أخرجه أحمد ".
[1140] إسعاف الراغبين ص 111 وقال: رواه الترمذي والحاكم وصححه علي شرط الشيخين " والظاهر أن ما في المتن نقله المؤلف (رحمه الله) عن الإسعاف.
[1141] إسعاف الراغبين ص 111 وقال: " أخرجه الحاكم عن أبي هريرة ".
[1142] رواه المحب في الذخائر ص 18 وقال: " أخرجه أبو سعد والملا في سيرته " والصحيح " عن أبي سعد " كما في ذخائر العقبي فإني فحصت عن هذه الحديث في طبقات ابن سعد فحصا دقيقا فلم أجده بهذا اللفظ والذي فيه كما في ج 2 ق 2 ص بسنده عن أبي سعيد الخدري.
[1143] إسعاف الراغبين ص 113.
[1144] إسعاف الراغبين 113.
[1145] إسعاف الراغبين 113.
[1146] أيضا ص 114.
[1147] الذي في صحيح مسلم 7 / 129 كتاب فضائل الصحابة باب فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما هكذا: " عن أبي هريرة عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال لحسن: (اللهم إني أحبه فأحبه واحبب محبيه) اه ".
[1148] نقله في إسعاف الراغبين ص 116 عن الترمذي وأحمد.
[1149] آل عمران: 31.
[1150] الشوري: 23 وقد مر هذا منقولا عن تفسير الرازي.
[1151] إسعاف الراغبين ص 118.
[1152] السناء: 129.
[1153] ونقله كل من الزمخشري والرازي في تفسير آية المودة من تفسيريهما وعلق الرازي علي هذا الحديث بقوله: " آل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) هم الذي يؤل أمرهم إليه، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أن فاطمة وعليا والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أشد التعلقات وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل ".
[1154] رواه المحب في الرياض 2 / 207 عن محمد بن الحنفية كما في المتن: " أخرجه الحافظ السلفي، وكذلك رواه ابن حجر في الصواعق ص 102 والشبلنجي في نور الأبصار ص 112.
[1155] إسعاف الراغبين ص 110.
[1156] الصواعق ص 90 كما في المتن وإسعاف الراغبين ص 110.
[1157] إسعاف الراغبين ص 111.
[1158] مستدرك الحاكم 3 / 121.
[1159] نهج البلاغة من الخطبة 2.
[1160] الأحزاب: 6.
[1161] صحيح البخاري كتاب الطلاق. وكتاب الجهاد والسير وصحيح مسلم كتاب الفتن 8 / 185 فما بعدها من عدة طرق.
[1162] عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) لأبي أيوب الأنصاري بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين مروي في كثير من الكتب منها مستدرك الحاكم 3 / 139 وأسد الغابة 4 / 34 وتاريخ بغداد للخطيب 8 / 340 و 13 / 186 في حديث طويل لعلقمة والأسود مع أبي أيوب الأنصاري، والهيثمي في مجمع الزوائد 7 / 238 و 9 / 235.
[1163] تقدم عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لأم المؤمنين عائشة بقول لأزواجه: (أيتكن صاحبة الجمل الأدبب) الخ وقوله لها: (إياك أن تكوني أنت) قد تقدم كما تقدم عهده (صلي الله عليه وآله وسلم) للزبير: (أما إنك ستقاتله وأنت ظالم له).
[1164] شرح نهج البلاغة 9 / 191 ورواه ابن عبد البر في الإستيعاب 4 / 461 بعين الألفاظ المذكورة في المتن إلا أنه ذكر مكان " الأزب " " الأدبب " ومعني الأدبب الطويل الوبر وفي بعضها " الأذنب " وهو طويل الذنب.
[1165] شرح نهج البلاغة 4 / 79 قال روي العلاء بن حريز القشيري أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال لمعاوية: (لتتخذن يا معاوية البدعة سنة والقبيح حسنا أكلك كثير وظلمك عظيم).
[1166] هذه الوصايا وردت عنه (صلي الله عليه وآله) في كثير من الكتب وقد مر حديث الثقلين، وقوله (صلي الله عليه وآله): (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " رواه الطبري في تاريخه 6 / 1806 ليدن، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13 / 31 عن تاريخ الطبري.
[1167] البقرة: 120.
[1168] ص: 26.
[1169] رواه البخاري في صحيحه 1 / 24 كتاب العلم باب العلم قبل القول والعلم.
[1170] الأنفال: 75.
[1171] نهج البلاغة من الخطبة 107.
[1172] رواه الترمذي 2 / 229 وفيه (ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي).
[1173] مريم: 19.
[1174] هود: 73.
[1175] فصلت: 30 - 31.
[1176] النساء: 54.
[1177] نهج البلاغة من الخطبة القاصعة 190.
[1178] إسعاف الراغبين ص 109.
[1179] الدهر: 9 / 10.
[1180] شرح نهج البلاغة 1 / 21.
[1181] الشوري: 18.
[1182] الدهر: 8 فما بعدها.
[1183] شرح نهج البلاغة 3 / 207 ومستدرك الحاكم 3 / 149.
[1184] نقله المحب في ذخائر العقبي ص 17 عن فضائل أحمد ومستدرك الحاكم 3 / 149.
[1185] الأنفال: 33.
[1186] إسعاف الراغبين ص 130.
[1187] الترمذي 2 / 240 وفيه " وركيه " مكان " فخذيه " وفيه " فأحبهما وأحب من يحبهما ".
[1188] المصدر السابق 2 / 306.
[1189] كنز العمال 6 / 221 وقال: " أخرجه الطبراني وابن أبي شيبة ".
[1190] كنز العمال 6 / 220 وقال: " أخرجه ابن عساكر ".
[1191] صحيح البخاري ط المنيرية 7 / 11 كتاب الأدب، و 5 / 100 كتاب بد الخلق باب مناقب الحسن والحسين، وصحيح مسلم.
[1192] كنز العمال 6 / 220 وقال: " أخرجه ابن مندة " وابن عساكر والوجه الثاني في ص 221 وقال: " أخرجه ابن عساكر ".
[1193] هذا الحديث خرجه جماعة من المحدثين والمفسرين كابن جرير في تفسيره 28 / 81 والسيوطي في الدر المنثور في تفسير سورة التغابن والترمذي 5 / 354 والحاكم في المستدرك 1 / 287 وابن الأثير في أسد الغابة 2 / 12 الخ.
[1194] مستدرك الحاكم 3 / 170.
[1195] الترمذي 2 / 307.
[1196] رواه المحب في ذخائر العقبي ص 143.
[1197] صحيح البخاري 5 / 100 ط المنيرية كتاب المناقب باب مناقب الحسن والحسين أخرجه عن البراء وفيه " والحسن بن علي علي عاتقه " بدل " حامل الحسين " ولكنفي مستدرك الحاكم 3 / 177 عن أبي هريرة " وهو حامل الحسن والحسين ".
[1198] سنن النسائي 1 / 170 وفيه " وهو حامل حسنا وحسينا " وفيه " ولكن ابني ارتحلني ".
[1199] ذخائر العقبي ص 132.
[1200] رواه في إسعاف الراغبين ص 130 عن تفسير الثعلبي وفي الصواعق ص 56 والرياض النضرة 2 / 209 رواه الزمخشري في الكشاف كما في المتن.
[1201] كنز العمال 6 / 218 وقال: " أخرجه الطبراني عن أبي رافع " ومثله في إسعاف الراغبين ص 130.
[1202] الصواعق ص 150 وقال: " أخرجه الديلمي ".
[1203] حديث الاثني عشر خليفة رواه كثير من المحدثين بطرقهم عن ابن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر بن سمرة باختلاف يسير في بعض الألفاظ كالبخاري في صحيحه 1 / 127 كتاب الأحكام ومسلم في صحيحه 6 ص 3 في كتاب الإمارة باب الناس تبع لقريش، والإمام أحمد في مسنده 1 / 389 و 406 و 5 / 89 و 90 و 92 و 94 و 99 و 106 و 108 وأبو نعيم في الحلية 4 / 333 والترمذي 2 / 35 الخ.
[1204] هذا الحديث موقوف علي رواية وهو سفينة والعدد غير صحيح والخلل في كلام المعصوم محال.
[1205] هذا الحديث متواتر وقد تقدم في أول الكتاب.
[1206] نور الأبصار ص 143 وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 15 / 277: " هو سيد فقهاء الحجاز ومنه ومن ابنه جعفر تعلم الناس الفقه، وهو الملقب بالباقر، باقر العلم، لقبه به رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولم يخلق بعد، وبشر به، ووعد جابر بن عبد الله برؤيته، وقال: (ستراه طفلا فإذا رأيته فأبلغه عني السلام) فعاش جابر حتي رآه وقال له ما وصي به ".
[1207] الصواعق ص 111.
[1208] رواه الترمذي 2 / 69 والمظنون أن المؤلف رحمه الله نقله عن مناقب أحمد.
[1209] رواه في فيض القدير / 499 بحروف ما في المتن.
[1210] أبو فراس الحمداني: الحارث بن سعيد بن حمدان ابن عم سيف الدولة شاعر مبرز شهد له المتنبي بالتقدم، وفيه يقول الصاحب بن عباد: " بدئ الشعر بملك - يعني امرء القيس وختم بملك - يعني أبا فراس " والبيت المذكور من قصيدته المعروفة بالشافية وأولها: الحق مهتضم والدين مخترم++ وفئ آل رسول الله مقتسم يروي أنه دخل معسكر الخليفة العباسي وشهر خلفه أكثر من خمسمائة سيف وأنشد القصيدة وخرج، له وقائع معلومة مع الروم، واسر عدة مرات وله أشعار في أسره قتل سنة 357 في واقعة جرت بينه وبين ابن أخته أبي المعالي بن سيف الدولة.
[1211] في محاورة بين معاوية وعبد الله بن جعفر.
[1212] شرح نهج البلاغة 6 / 697.
[1213] إسعاف الراغبين 113.
[1214] أيضا ص 114 وقال: " رواه الطبراني في الأوسط ".
[1215] أيضا من 119.
[1216] الصافات: 130.
[1217] الأحزاب: 33.
[1218] آل عمران: 31.
[1219] الشوري: 23.
[1220] إسعاف الراغبين ص 117 نقله عن الرازي.
[1221] أيضا ص 117 والصواعق ص 89.
[1222] في كنز العمال 6 / 392 عن علي قال: " علمني رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ألف باب كل باب يفتح ألف باب) وقال: " أخرجه أبو أحمد الفرمني في جزئه، وفي رواية الثعلبي في قصص الأنبياء ص 567 " علمني ألف باب من العلم فتشعب لي من كل باب ألف باب " ذكر ذلك في قصة أهل الكهف، وفي كنز العمال 6 / 405 عن ابن عباس: " علمه ألف ألف كلمة كل كلمة تفتح ألف كلمة ".
[1223] شرح نهج البلاغة 15 / 273.
[1224] نقل ذلك عن الرسالة المذكورة ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 15 / 273 و 274.
[1225] الكامل للمبرد 1 / 311.
[1226] الكامل للمبرد 1 / 311.
[1227] كل ما نقل هنا عن الفتوحات المكية لابن عربي واليواقيت والجواهر للشعراني نقله المؤلف رحمه الله عن إسعاف الراغبين للصبان المالكي ص 141 وانظر نور الأبصار للشبلنجي ص 170 وقد نظم شيخنا الإمام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء عطر الله مرقده ما نقله المؤلف هنا في رائيته العصماء التي رد بها علي الرائية الغفل التي أرسلت من أحد علماء بغداد إلي جماعة من علماء النجف الأشرف يشكك فيها بوجود الإمام المهدي عجل الله فرجه عليه فرد عليه جماعة منهم بقصائد علي وزن قصيدته وقافيتها فندوا بها أقواله وبددوا حججه قال رحمه الله: قال رحمه الله: وحسبي بمحي الدين نقضا فإن في++ الفتوح عليك النقض قد جاء والنصر وكم في يواقيت الجواهر جوهر++ به عاد شعرانيكم وله الفخر لواقح أنوار له انظر فإن للعراقي++ فيه قصة عدوها نضر وصدقه فيه الخواص علي من++ كراماته لا يستطاع لها ذكر وتجد القصيدة كاملة في إلزام الناصب 2 / 107.
[1228] إسعاف الراغبين ص 137.
[1229] نهج البلاغة من الخطبة 148.
[1230] شرح نهج البلاغة 9 / 128.
[1231] نهج البلاغة من الخطبة 180.
[1232] شرح نهج البلاغة 10 / 96 ونقله المؤلف (رحمه الله) ملخصا.
[1233] الفارابي نسبة إلي فاراب التركية: أبو نصر محمد بن طرخان الحكيم المشهور ولد في فاراب ونشأ بها ثم انتقلت به الأسفار إلي بغداد وحلب ودمشق وتوفي بها سنة 339 ويلقب بالمعلم الثاني له كتب في الفلسفة والحكمة تخرج بها الحكماء كالرئيس أبي علي بن سينا وغيره.
[1234] ابن سينا أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا الملقب بالشيخ والرئيس ولد في بخاري من مؤلفاته الإشارات والقانون توفي بهمدان سنة 458.
[1235] المراد بأبي البركات كمال الدين بن عبد الرحمن سكن بغداد وكان من أئمة النحو ثم اعتزل الناس وانقطع للعبادة إلي أن توفي سنة 577.
[1236] شهاب الدين السهروردي عمرو بن محمد بن عبد الله كان من أهل الرياضة والتصوف والعبادة وكان معاصرا للناصر العباسي، أما يحيي السهروردي فهو يحيي بن حبش ولقبه بهاء الدين صاحب كتاب حكمة الاشراق اتهم بانحلال العقيدة فأفتي فقهاء حلب بقتله فقتل سنة 785 بأمر الملك الظاهر بن صلاح الدين وعمره ستة وثلاثون سنة والله العالم بحاله وإلي الله ترجع الأمور.
[1237] مر ذكر هؤلاء.
[1238] شرح نهج البلاغة 10 / 96.
[1239] نهج البلاغة الحكمة 147.
[1240] شرح نهج البلاغة 8 / 351.
[1241] نفس المصدر 7 / 59.
[1242] الأنعام 149.
[1243] نهج البلاغة من الحكمة 147.
[1244] صحيح مسلم 6 / 3 كتاب الفتن من عدة طرق.
[1245] إسعاف الراغبين ص 135.
[1246] نقل ذلك عن الفتوحات المكية الصبان في إسعاف الراغبين ص 143.
[1247] سنن ابن ماجة أبواب الجهاد باب ذكر الديلم ونقل هذه الرواية عن ابن ماجة الصبان في إسعاف الراغبين ص 136 وقال بعدها: " زاد في رواية: ورومية ومروية " كما في المتن.
[1248] الصواعق 98.
[1249] الزخرف: 61.
[1250] نقله عن الفتوحات المكية في إسعاف الراغبين ص 142 فما بعدها.
[1251] إسعاف الراغبين ص 146 عن السيرة الحلبية.
[1252] شرح نهج البلاغة 1 / 8.
[1253] نقله عن الفتوحات المكية في إسعاف الراغبين ص 145.
[1254] كذلك ص 145.
[1255] شرح نهج البلاغة. 9 / 88 و 10 / 270 و 18 / 72.
[1256] الأحزاب: 33.
[1257] نقله الصبان في الاسعاف ص 108 عن الكشاف وتفسير البيضاوي بواسطة الصواعق المحرقة.
[1258] إسعاف الراغبين ص 105 عن تفسير البيضاوي.
[1259] الأخضر: الأسمر وكانت العرب تفتخر بالسمرة.
[1260] الشعر للفضل بن عتبة بن أبي لهب كما في شرح نهج البلاغة 5 / 55 وفيه: " وابني عمه " وفي الأغاني 14 / 171 وأصلها من السجل وهو الدلو الملئ كان الرجلان يستقيان فأيهما غلب صاحبه كان الفوز له، والكرب حبل يشد به عراقي الدلو، يقال: إن الفرزذق مر بالفضل وهو ينشد هذه الأبيات فقال: أنا أساجلك فلما قال: برسول الله وابني عمه البيت.. قال الفرزدق أعض الله من يساجلك بما أبقت المواسي من بظر أمه وفي رواية: " بما ألقت المواسي الخ.
[1261] معجم الشعراء للمرزباني ص 348، وشرح نهج البلاغة 15 / 256 قال ذلك وقد سمع خالد بن عبد الله القسري يسب عليا والحسنين (عليهم السلام).
[1262] الغارات ص 541 في قصة مفارقة النجاشي الشاعر لعلي (عليه السلام) وقد نقلها في شرح نهج البلاغة 4 / 87 - 92 عن الغارات أيضا.
[1263] هود: 45.
[1264] الأنبياء: 84.
[1265] ص: 43.
[1266] النمل: 57.
[1267] هود: 73.
[1268] طه: 10.
[1269] لقمان: 13.
[1270] لقمان: 14.
[1271] لقمان: 16.
[1272] آل عمران: 61.
[1273] رواه السيوطي في الدر المنثور عن جابر في تفسير الآية.
[1274] مستدرك الحاكم 3 / 150.
[1275] رواه عن ابن أبي شيبة المتقي في كنز العمال 7 / 103 ورواه أحمد في المسند 3 / 253 والطبري في تفسيره 22 / 5، وأخرجه عن ابن المنذر والطبراني السيوطي في الدر المنثور في تفسير آية التطهير.
[1276] نقل الرواية الأولي عن ابن مردويه السيوطي في الدر المنثور عن أبي سعيد الخدري كما نقل عنه الرواية الثانية في تفسير آية التطهير عن ابن عباس ولكنه ذكر مكان " سبعة "، " تسعة " والتصحيف بينهما قريب.
[1277] انظر الدر المنثور.
[1278] تاريخ بغداد 4 / 210.
[1279] نقله عن تفسير الثعلبي الطبرسي في مجمع البيان 8 / 357 والبرمة: القدر منالحجر.
[1280] نقله الطبرسي في المجمع 8 / 356 عن تفسير أبي حمزة.
[1281] انظر مجمع البيان 8 / 358.
[1282] مجمع البيان 8 / 357.
[1283] رواه السيوطي في الدر المنثور ولكن روي " ثمانية أشهر " مكان " تسعة " نعم روي ذلك عن ابن عباس في تفسير آية التطهير.
[1284] مجمع الزوائد 9 / 169 عن أبي برزة وقال: " رواه الطبراني ".
[1285] إسعاف الراغبين: 137.
[1286] قال النيسابوري في غرائب القرآن ج 21 / 10 بعد أن ذكر اختصاصها باهل العبا بالاتفاق " يغلب علي الظن دخولهن فيهم ".
[1287] نقل ذلك الطبري في تفسيره ج 21 ص 5 - 7 عن عكرمة بعد أن روي بعدة طرق عن أبي سعيد الخدري وعائشة وأنس وأم سلمة وأبي الحمراء، وواثلة بن الأصقع وأبي هريرة وعمر بن أبي سلمة وسعد بن أبي وقاص أن المعنيين بهذه الآية رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم وروي أيضا أن أم سلمة لما رأت أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) تجلل هو وهم بالكساء قالت: يا رسول الله أدخلني معهم، أو أنا منهم قال: (مكانك أنت علي خير).
[1288] الظاهر أن الرواية وضعت تزلفا لبني العباس ليقابلوا بها حديث الكساء ليرغموا بذلك أنوف أبناء عمهم من العلويين حيث لم يجدوا طريقا لرد حديث الكساء لتواتره واشتهاره وانتشاره وحيث أن الواضع لم يجد من يشهد له بالتصديق استشهد بالجمادات وهي أن النبي حيث وضع الملاءة علي العباس وبنيه ودعا لهم بالستر من النار أمنت علي دعائه أسكفة الباب وحوائط البيت ثلاثا (انظر إسعاف الراغبين ص 107).
[1289] شرح نهج البلاغة 9 / 5 عن الجوهري.
[1290] في محاورة جرت بينهما (انظر شرح نهج البلاغة 12 / 20).
[1291] شرح نهج البلاغة 6 / 43.
[1292] الصافات: 130.
[1293] تفسير الرازي 26 / 163.
[1294] غافر: 46.
[1295] النساء: 54.
[1296] مجمع البيان 8 / 380 وفيه " ابن أخته " بدل " ابن أخيه ".
[1297] آل عمران: 332.
[1298] الحجر: 61.
[1299] الحجر: 59.
[1300] إسعاف الراغبين ص 106.
[1301] هود: 48.
[1302] الصافات: 59.
[1303] الصافات: 109.
[1304] الصافات: 120.
[1305] الشوري: 23.
[1306] رواه عن الحسكاني الطبرسي في مجمع البيان 5 / 49 ط مكتبة الحياة.
[1307] لقمان: 15.
[1308] مرت مصادر هذا الحديث.
[1309] حلية الأولياء 1 / 86 و 4 / 174.
[1310] نقله عن مناقب أحمد كما في المتن المحب في الرياض 2 / 215.
[1311] حلية الأولياء 1 / 66.
[1312] أيضا 10 / 211. ولكنه يختلف قليلا عما في المتن ولعله منقول من مكان آخر من الحلية.
[1313] قال المحب في الرياض 2 / 216: " أخرجه أحمد في المناقب ".
[1314] رواه المحب في الرياض 2 / 214 وقال: " أخرجه أحمد في المناقب ".
[1315] حلية الأولياء 1 / 63 وشرح نهج البلاغة 9 / 170.
[1316] شرح نهج البلاغة 9 / 169.
[1317] أيضا 1 / 6 و 9 / 168 وحديث أبي برزة رواه أبو نعيم في الحلية 1 / 66.
[1318] أيضا 9 / 167.
[1319] أيضا 9 / 171 عن مسند أحمد وفضائله قال: " وذكره صاحب الفردوس وزاد فيه: (ثم انتقلنا حتي صرنا في عبد المطلب فكان لي النبوة ولعلي الوصية).
[1320] مر هذا الحديث.
[1321] يشير إلي قوله (صلي الله عليه وآله): (هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتي يردا علي الحوض) كما في الصواعق ص 75 وغيره وحديث الثقلين قد مرت مصادره.
[1322] الترمذي 2 / 308 وفيه: (لما يغذوكم به من نعمه) ومستدرك الحاكم 3 / 149.
[1323] إسعاف الراغبين ص 113.
[1324] أيضا ص 114 وفي ذخائر العقبي ص 18 (لا يحبنا إلا مؤمن تقي ولا يبغضنا إلا منافق شقي).
[1325] إسعاف الراغبين ص 111 وقال: " رواه جماعة من أصحاب السنن عن جماعة من الصحابة وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 151 بإسناده إلي أبي ذر وفيه: " ومن تخلف عنها غرق ".
[1326] نهج البلاغة من الخطبة 85.
[1327] أيضا من الخطبة 107.
[1328] أيضا من الخطبة 145.
[1329] أيضا من الخطبة 98.
[1330] يريد باثبات الغيبة كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة المشهور وهكذا جرت عادة الأوائل أن يسموا كتبهم بأكثر من واحد.
[1331] إكمال الدين 250.
[1332] أيضا 252.
[1333] أيضا 253.
[1334] أيضا 253.
[1335] أيضا 254.
[1336] أيضا 255.
[1337] في الاكمال " الرجال " بدل " الرجا ".
[1338] إكمال الدين 265.
[1339] أيضا 265.
[1340] أيضا 267.
[1341] إكمال الدين 267.
[1342] نقلها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 6 / 94 عن كتاب الغارات للثقفي وانظر الغارات ص 302 والظاهر من رواية الثقفي أن هذا الخطاب قرء بالنيابة عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
[1343] الروع بضم الراء: الخلد.
[1344] راعني: أفزعني تقول للشئ الذي يفجؤك ما راعني إلا كذا.
[1345] أجفالهم: ذهابهم مسرعين.
[1346] أمسكت يدي: أي امتنعت من البيعة.
[1347] محق الدين إبطاله.
[1348] وذلك ما حاصله أن بعض المرتدين من العرب أرادوا بيات المدينة وبلغ المسلمين ذلك فاستعدوا للأمر فخرج علي (عليه السلام) بنفسه مع المسلمين لحمايتها وكان علي نقب من أنقابها فما لبثوا إلا قليلا حتي طرق القدم المدينة غارة مع الليل فما ذر قرن الشمس إلا وقد ولوهم الأدبار وغلبوهم علي عامة ظهرهم ورجعوا ظافرين فهذا ما أشار إليه (عليه السلام) وكأنه جواب لمن يقول إنه عمل لأبي بكر وجاهد بين يديه فبين عذره في ذلك وقال إنه لم يكن كما ظنه القائل ولكنه من باب دفع الضرر عن الدين والمسلمين وهذا واجب علي كل حال ونقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 17 / 154 عن تاريخ الطبري وانظر تاريخ الطبري 3 / 244 ط الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم حوادث 11 سنة 11.
[1349] في شرح النهج " لجاج ".
[1350] وفيه " استعديك ".
[1351] وفيه " وأضاعوا إياي ".
[1352] وفيه " أسفا حنقا ".
[1353] يشجرونهم بالرماح: يطعنونهم.
[1354] نهدت: نهضت.
[1355] القصد جمع قصدة وهي القطعة المتكسرة.
[1356] أنف كل شئ أوله.
[1357] الرضيخة: العطية القيلة تعطي للإنسان يصانع عن شئ آخر يطلب منه كالأجر والمراد قوم من المؤلفة قلوبهم أسلموا بعد الفتح.
[1358] ما بين المعقوفين ساقط من المتن.
[1359] التأنيب: أشد اللوم.
[1360] ونيتم: فترتم.
[1361] التوبة: 41. والفاء من كلام الإمام متصلة بالآية الكريمة.
[1362] تثاقلوا بالتشديد أصله تثاقلوا.
[1363] تقروا بالخسف: تعترفوا بالضيم وتبوروا: تهلكوا وفي رواية نهج البلاغة " تبوئوا " أي ترجعون به.
[1364] ناظم الأبيات ابن أخت المؤلف كما في الذريعة.
[1365] يريد الشافي في الإمامة للشريف المرتضي وهذا من المبالغة في الشعر وإلا فكل من كتب في الإمامة فمن الشافي استمد وعليه اعتمد.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.