من عنده علم الكتاب؟

اشارة

مولف:جلال الصغير
ناشر:دارالأعراف للدراسات

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب (سورة الرعد: 43). الحمد لله كما هو أهله، نحمده بحمد لا يزول ولا يحول، ونستعينه علي شرور أنفسنا من أن نضل أو ننحرف أو نخزي، ثم الصلاة علي سيد رسله وخاتم أنبيائه، المستودع علي كتابه، والمستحفظ علي علمه، والمؤتمن علي وحيه سيدنا ونبينا محمد وعلي الصفوة المنتجبة والخيرة المنتخبة من آله الذين عصمهم الله من الزلل، وجعلهم الراسخين في علمه، حيث لم يأتمن عليه إلا من ارتضي من نبي أو شهيد... ها نحن نعاود من جديد الحديث عن واحدة أخري من تلكم المفردات التي استهدفتها الثقافة التحريفية، التي ما فتئت منذ برهة من الزمن من الخروج علينا بين آونة وأخري بشئ جديد، ليصب في قائمة جرأتها علي فكر أهل البيت (ع) وابتعادها عنه، رغم محاولاتها الحثيثة لتقديم هذا الانحراف علي أنه فكر مدرسة أهل [ صفحه 8] البيت (ع). وهذه المفردة رغم أن صورتها المباشرة قد لا تشكل ذلك الشئ الكبير في قائمة الانحراف، إلا أننا سنلاحظ أن استهدافها يخبئ وراءه جملة من الغايات والأهداف الكبيرة التي من شأن زعزعتها - أي هذه المفردة - أن يهد الكثير من المباني العقائدية والتشريعية الأساسية التي تعتمد عليها مدرسة أهل البيت (ع)، ولهذا فإننا علي الرغم من أننا تحدثنا عنها بشكل مجمل جدا في بحثنا السابق [1] ، إلا أننا وجدنا أن من الضرورة بمكان أن نفصل فيها الحديث بشكل مستقل، خصوصا وأننا وجدنا في الأيام الأخيرة تركيزا كبيرا علي إرداف فكرة التحريف بمصاديق كثيرة، لا تتوقف عند افتعال سجال كلامي يستهدف مقامات شأنية أهل البيت (ع) التفصيلية فحسب، وإنما من شأنها أن تؤثر علي مساحات أساسية في البنية العقائدية والتشريعية التي يقوم عليها هيكل مدرسة أهل البيت (ع). ولست هنا في مقام الحديث عن تلكم الأهداف، [ صفحه 9] فهي ليست مهمتنا الحصرية هنا، ولكن لا بد من الإلماح إلي محورين أساسيين في هذا المجال هما: أولهما: إن هذه المفردة التي استهدفتها التحريفية الجديدة بمعية جملة كبيرة من المفردات التي تشترك جميعها في كونها مورد حديث مستفيض في الحديث الصحيح الصادر عن المعصوم عليه السلام [2] ، وإذا ما كان [ صفحه 10] ذلك صحيحا - وهو صحيح كما سنري بعد ذلك هذا البحث وغيره [3] - فإن من السذاجة القول بأن المقصود هو نفس هذه المفردات دون أن تمتد لتطال مصداقية رواية أهل البيت (ع)، وجعل هذه الرواية [4] مورد تجاذب عنها من أجل تمرير التفاسير الأخري التي تتجاوز تفسير المعصومين (ع). وهذا بدوره - إن مر - سيؤدي بالضرورة إلي إخراج سنة المعصومين (ع) من مجالات النص المقدس، وبالتالي حذفها من مصادر التشريع الإسلامي، سيما إذا ما لاحظنا ذلك ضمن الجو الملغم - إذا صح التعبير - في حديث أهل التحريف عن موضوعات [ صفحه 11] العصمة [5] . وعلم الإمام وما إلي ذلك!! وإلا فأي معني يمكن أن نستوحيه من موقف شخص تقول له بأن الإمام (ع) يقول كذا، وهو يقول نعم، ولكن أنا أقول غير ذلك!!.. فتدبر. وثانيهما: من المعلوم أن الوجدان الشيعي المبتني علي الحب المتميز والمودة الخالصة لأهل البيت (ع)، إنما نشأ، فلأسباب أغلبها يعود إلي طبيعة معرفية خاصة بالمواصفات الذاتية والموضوعية لشخصية الأئمة (ع) مرة في جانب مناقبياتهم السامية، ومزاياهم السامقة، وأخري في ظلاماتهم المأساوية وطبيعة ما جري عليهم (روحي فداهم)، ومن ذي وذا كون الوجدان الشيعي بنيته التي كان لها أكبر الأثر في بلورة طموحاته وآماله في العدالة والكرامة، وبالتالي كان لها أكبر الأثر في دفع مسيرة أهل البيت (ع) إلي مراحل متقدمة بصورة لم تفلح معها كل مجابهات الظلمة ومواجهاتهم ضدها وضد أنصارها علي مدي العصور، [ صفحه 12] ولم تقف في قبالها كل إجراءات القمع الأمني والإرهاب السياسي والحرمان الاقتصادي والعزلة الفكرية وغيرها، بالرغم من كل ما تميزت به هذه الإجراءات والتدابير من قسوة وشراسة لم نعهد أي تيار فكري أخر أن تعرض لها، وهي علي الرغم من كل ذلك لم تنحن، ولن تصخ سمعا لهذه الضغوط، وليس هذا فحسب، وإنما راح الوجدان الشيعي المتوقد يعطي لإرادة السائرين كل الزخم الذي يحتاجون إليه، بشكل حول التشيع أخيرا إلي الهاجس المرعب الذي تخشاه كل التيارات الطاغوتية حاكمة كانت أم محكومة، علمانية كانت أم دينية، إسلامية [6] أم مسيحية أو يهودية أو بوذية. وبصورة أضحي الفكر الشيعي منارا لكل دعاة التحرر من القهر والاستعباد. والتساؤل الذي لا بد منه هنا هو: هل هي محض مصادفة أن تقترن إرادة التحريفية الجديدة بعملها الدؤوب من أجل تحطيم تلك الطبيعة المعرفية التي أسست أساس الوجدان الشيعي، وكذا حملتها الشرسة ضد مواقع الإثارة المركزية في البنية الوجدانية [7] مع الرغبة الاستكبارية [ صفحه 13] الحثيثة والجادة في تفتيت وتحجيم مواقع الطاقة الحركية في الاتجاه الإسلامي الشيعي علي وجه الخصوص؟. فإن كان الواقع التحريفي علي وعي لما يمكن أن تسببه أفكاره - بغض النظر عن الصحة والخطأ - من آثار تخريبية علي هذه المسيرة، فتلك مصيبة تؤشر من جهة وبوضوح إلي مدي الإختراق الذي يمكن أن يمارسه أعداء الإسلام في جسم الأمة بحيث أنه بجند الكثير من الطاقات الإسلامية المغررة لضرب الإسلام وتحجيم [ صفحه 14] حركته. ومن جهة أخري تعطينا كل الحق في النظر إلي تيار التحريف والتشكيك بريبة واتهام، وخصوصا وأن أغلب الأفكار والممارسات التي حاولت التحريفية أن تستهدفها هي من النمط الذي لا يمثل أرقا فكريا أو هاجسا جدليا تعاني منه حالة النهوض بالمشروع الحضاري والإسلامي، وإنما هي في الأعم الأغلب من جملة الموضوعات التي يصلح القول فيها أنها كانت راقدة، بحيث يمكن القول معه أن أي ضرورة فكرية أو حضارية - علي خلاف مدعي أهل التحريف - لإثارة مثل هذا الجدل لم يكن لها وجود بالمرة [8] . [ صفحه 16] وإن كان الواقع التحريفي لا يقصد هذا، فهو أمر وأدهي، فواقع يطرح أفكارا لها صفة التخريب الشديد في بنية المذهب وهو لا يعلم، إنما يضع نفسه في موضع التصرف اللا مسؤول الذي ينبغي أن يدان ويشجب!. هذا وإن كان الاتجاه العام يظهر وبوضوح تام - كما يعرب نفس القائمين علي هذا التيار - أن تصرفات هذا الواقع تنم عن قصد ووعي كاملين، وهو ما نعتقد به أيضا!!. علي أننا سنجد ومن خلال تحليل كلمات التحريفية جديدة في موضوع الكتاب وغيره، أن هناك اتجاها لتأسيس فهم عجيب لآيات القرآن، أقل ما يقال عنه أنه [ صفحه 17] مجانب لفكر أهل البيت (ع)، فضلا عن تجنبه للتوافق مع القرآن الكريم ومعطياته، وهذا - إن مر - يؤسس بطبيعته لجملة من الموضوعات القرآنية ما يجعلها - علي الأقل - تعمل ضد تكامل الشخصية الإسلامية المتصدية للمشروع الاستكباري، فهذه الشخصية يفترض أن تتعبأ علي أعلي مستويات التعبئة العقائدية، كي تستطيع أن تعي ضمن هذا المعترك الحضاري، وإذا بها علي العكس من ذلك تجد نفسها قبالة مفاهيم تتلبس بلباس القرآن، ولكنها تتناقض مع الكثير من المفردات القرآنية الأخري، بشكل تشعر معه بأن القرآن ليس هو ذاك الكتاب المنسجم مع بعضه، في وقت تعتبر فيه أن هذا القرآن غير المتجانس هو عنوان مشروعها الحضاري المزعوم!!! وهل من غريب الصدفة - مرة أخري - أن يتلاقي هذا الجهد مع جهود الحرب النفسية ومقتضيات الغزو الثقافي الاستكباري الرامي لتفتيت وعي الأمة لذاتها؟!!. وأيا كان الاتجاه فإنني ألمس أثرا تخريبيا كبيرا يمكن لمثل هذه الأفكار أن تتركه علي بنيتنا العقائدية والوجدانية، بصورة تضعني أمام واجبي الشرعي للتصدي لتوضيح عقيدة أهل البيت (ع) وإزاحة ما [ صفحه 18] يحاول البعض إلحاق بعض الرين بها، وذلك عملا بحديث الرسول (ص): إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لمن يفعل فعليه لعنة الله [9] . وفي رواية يونس بن عبد الرحمن (رضي الله عنه)، عن الصادقين (ع): فمن لم يفعل سلب نور الإيمان منه [10] . وفي هذا البحث حاولنا أن نكتشف الأطر التي بموجبها قال أهل البيت (ع) بأنآية: (ومن عنده علم الكتاب) [11] مختصة بأمير المؤمنين (ع) وهم من بعده، والتي تنكر لها ذلك البعض، موليا الاختصاص لعلماء أهل الكتاب [12] وذلك تبعا لمرويات أهل العامة في هذا المجال. وقد قسمنا الحديث في ذلك إلي بحث تفسيري ناقشنا فيه كل الآراء المطروحة في هذا المجال، وإلي [ صفحه 19] بحث روائي يظهر تواتر رواية أهل البيت (ع) علي ذلك. وباعتبار أن أصل الطرح إنما يستهدف نمط التعامل مع سنة أهل البيت (ع) فقد أشفعنا البحث الروائي بالحديث عن منهج الاستدلال الروائي لدي التيار التحريفي، وهو المنهج الذي يشكل أحد الركائز الأساسية التي أفضت إلي ولادة تيار الانحراف!!. يبقي علي أن أشير إلي هذا البحث كان في الأصل قد ألقي علي شكل محاضرات [13] ضمن مباحث الإمامة التي ألقيناها علي بعض الطلبة الأعزاء في منطقة السيدة زينب (ع) بدمشق الشآم. سائلا المولي العلي القدير أن يمن علينا بمزيد من التوفيق والهداية، وأن لا يحرمنا من حسن العاقبة، [ صفحه 20] ويجعل هذا الجهد قرة عين لي ولوالدي بين يدي قسيم الجنة والنار وساقي الحوض يوم حشر الخلائق سيدي ومولاي أمير المؤمنين، وأن يعوض علينا بعافيته ونعيمه كل ما تحملناه وما نتحمله من معاناة وقرارات التهديد والوعيد!! وفتاوي إهدار الدم!! إنه نعم المولي ونعم المعين (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) [14] وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. المهجر في 12 / 8 / 1997. الشيخ جلال الدين علي الصغير دمشق - السيدة زينب (ع) ص. ب 625 [ صفحه 21]

الاهداء

سيدتي زينب يا بنت أمير المؤمنين أوراقي بين يديك ما هي إلا رشفة من بحر هامت فيه الأنفس فلم تجد ضالتها إلا من مكنتموه من الارتشاف من معين الولاء لكم. أوراقي غرفة من بحر ولائي لإمام الهدي الأكبر وسبيل النجاة الأقوم أقدمها إليك يا ابنة الطهر بيد مرتعشة خجلي من واقع التقصير، فإن لم أكن أهلا لأن أحظي بالقبول فأنت يا ابنة الأكرمين أهل لذلك. [ صفحه 25]

الشهادة في المصطلح والمفهوم

بسم الله الرحمن الرحيم ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده الكتاب. من خلال الحديث الواسع النطاق عن الشهادة في القرآن، تتبدي لنا الأهمية الخاصة التي أولاها القرآن للموضوع، وحسب الظاهر فإن هذه الأهمية تتعلق بكونها - أي الشهادة - لصيقة الصلة بالبنية العقائدية الإسلامية، وعندئذ فليس ثمة غرابة حينما استهدفت ثقافة التحريف هذا المفهوم، وحاولت ضمن محاولة مفضوحة أن تستبيح هذا المفهوم لتسقطه علي مصاديق من شأنها أن تزيف المفهوم برمته وتخرجه عن الحدود التي أطره الله بها. ومن أجل أن نستجلي حقيقة الأمر هنا، لا بد لنا من وقفة أولي مع معني الشهادة في اللغة والاصطلاح. [ صفحه 26] يعرف الراغب الأصفهاني الشهادة والشهود بأنهما: الحضور مع المشاهدة، إما بالبصر أو بالبصيرة، لكن الشهود بالحضور المجرد - أي عن المشاهدة - أولي، والشهادة مع المشاهدة أولي..ثم أضاف قائلا: والشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر [15] . وقال ابن منظور في لسان العرب: الشهيد الذي لا يغيب عن علمه شئ، والشهيد: الحاضر، وفعيل من أبنية المبالغة في فاعل، فإذا اعتبر العلم مطلقا فهو العليم، وإذا أضيف إلي الأمور الباطنة فهو الخبير، وإذا أضيف إلي الأمور الظاهرة فهو الشهيد، ثم قال: والشهادة خبرقاطع تقول فيه: شهد الرجل علي كذا.. ثم قال: المشاهدة: المعاينة [16] . ونستنتج من ذلك أن الشاهد والشهيد هو الذي حضر أمر شئ محدد، وأحاط بكل تفصيلاته علما، بحيث أنه يتمكن معه من التحدث عنه بضرس قاطع، ومن هنا أصبحت الشهادة بمثابة الحلف والقسم [17] ، لأن الشاهد حيث أنه يري الأمر المشهود رؤية الحضور، يغدو [ صفحه 27] حديثه عنه حديثا عن يقين، وبالتالي فهو يحلف علي ما تيقن بحدوثه. ولو تابعنا الحديث القرآني عن مفهوم الشهادة لوجدنا أنه قد عرض له في مستويات متعددة وفي مواضع عديدة من القرآن الكريم، فمرة نجد القرآن يسمي الله [جل وعلا] بالشاهد علي كل شئ كما في قوله تعالي: (إن الله كان علي كل شئ شهيدا) [18] وقوله: " قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا علي الله وهو علي كل شئ شهيد " [19] ، وأخري يصفه بأنه هو الذي يولي دور الشهادة لعباده كما في قوله تعالي: " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا " [20] ، والآية الأخيرة في عين تشخيصها بأن الله هو الذي يولي من يشاء من عباده أمر الشهادة، فإنها تشخص أيضا أن النبي (ص) قد أولي مهمة القيام بهذا الدور، ومن خلال الآية القرآنية التالية نستطيع أن نتصور أن هذا الدور لا يستطيع القيام به كل من هوت نفسه ذلك، وإنما هو أمر اجتبائي من قبل الله حيث يقول الله جل وعلا: " يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا [ صفحه 28] الخير لعلكم تفلحون - وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء علي الناس فأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولي ونعم النصير " [21] . كما أننا يمكننا ومن خلال الآية الكريمة: " وإذ أخذ ربك من بني أدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذاغافلين " [22] أن نفهم أن دور الشهادة يتعدي المفهوم التشريعي للكلمة إلي الشأن التكويني، الأمر الذي يضفي علي حساسية دور الشهادة الشئ الكثير، لما توحيه مقدار العناية الربانية وحرصها علي إتمام دور الشهادة، حتي إذا ما أتمتها عللت ذلك بالقول: " أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين "، ومن هذه الآية وبضع آيات أخري كما في قوله تعالي: " يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون " [23] وقوله تعالي: " اليوم نختم علي أفواههم [ صفحه 29] وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " [24] يظهر لنا أن الشهادة مطلوبة لإتمام الحجة علي الناس. ومن خلال ذلك يتبين لنا أن الشاهد: هو الذي يكون عالما بشكل كامل بالشئ الذي يستدعي فيه الشهادة، وكونه عالما يستدعي أن يكون حاضرا حصول الحدث المستشهد عليه مما يعني حياته في وقت الحدث ويدل عليه قول عيسي بن مريم (ع) في القرآن: " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت علي كل شئ شهيد " [25] ، حيث يشير عليه السلام إلي أن دور الشهادة قد انتفي منه بمجرد أن توفاه الله إليه، وهذه الآية وآية الأعراف السابقة: " وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا " تشير إلي أن دور الشهادة يستمر ما دامت الحياة، وأن يستمر هذا الدور، فإن طبيعتها تحتاج إلي عدم كتمانها، بل إن من دواعي حجية الشهادة الإفصاح عنها وإبرازها، ولهذا عبر القرآن الكريم: " ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه إثم قلبه والله بما تعملون [ صفحه 30] عليم [26] . وطبيعة الأشياء تظهر لنا حقيقة أن الأمر المطلوب بالشهادة عليه كلما كان أكبر، كلما احتجنا إلي مواصفات عليا في ملكات العلم والحياة والعدالة، ولئن كان أمر العلم والعدالة بينا، فإن ثمة مشكلة تبدو أمام البعض في شأن حياة الشاهد، وهو يرقب شهادة الرسول (ص)، فمن الواضح أن الرسول قد أوكلت إليه مهمة الشهادة علي أمم الأولين والآخرين لقوله تعالي: " فكيفإذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا " [27] ، وكانت من جملة أبرز مهمات نبوته الشريفة أنه قد أرسل شاهدا لقوله جل وعز: " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا " [28] وكذا قوله تعالي: " إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم " [29] فمن الذي سيقوم بدور الشهادة من بعده علي أمته؟ فها هو عيسي (ع) ما إن يتوفاه الله إليه حتي يعلن انتهاء شهادته كما في قوله: " قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا [ صفحه 31] أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب - ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت علي كل شئ شهيد " [30] خصوصا وأن الشهادة علي أمة الرسول (ص) تحتاج إلي مواصفات أعلي من مواصفات الشهداء السابقين في ملكات العدالة والعلم، وحيث أن العلم الموكل إلي رسول الله (ص) ليس هو من سنخ العلوم البشرية العادية حتي يمكن تحصيله مع الجد والاجتهاد، وإنما هو فوق العلوم البشرية، بالشكل الذي من شأنه أن يكون حاكما علي كل شئ بما فيها العلوم البشرية نفسها، كما أن العدالة المطلوبة من الرسول (ص) هنا هي في مصاف العصمة، وهذا ما يقتضي أن يكون المتمم لدور الرسول (ص) في شهادته علي أمته له من العلم ما للرسول (ص)، وله من العصمة الواجبة في هذا المجال عين ما لدي الرسول (ص)، وحيث إن جهة الحياة لا يمكن تأمينها من خلال فرد واحد، لهذا لا بد وأن يتعلق الأمر بجهة، أفرادها يتساوون في هذه الملاكات من حيث الأصل [31] ، وهذه الجهة يمكن لها أن [ صفحه 32] تستمر بأداء دور الشهادة، من خلال التعاقب الحياتي. ومن خلال حقيقة أن دور الشهادة ليس بالشئ الهين الذين يمكن للقرآن أن يتجاوزه من دون توضيح، الأمر الذي يتضح معه أنه لا بد من العثور علي ما يكشف هذا الغموض، وما وجدت آية تتكفل حل هذا الغموض بمجموعة كما وجدت في آخر آية من سورة الرعد حيث يقول جل من قائل: " ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب " [32] ، ونظرا لهذه الخصوصية فقد تناولتها ثقافة التحريف علي نطاق واسع بمحاولة تزييف مفهومها، وتعويم دلالاتها، وهو ما سنتحدث عنه بصورة أكثر تفصيلا فيما يأتي من حديث إن شاء الله. [ صفحه 35]

الشهادة في دلالاتها التفسيرية

اشاره

تتحدث الآية الكريمة عن جملة موضوعات أبرزها وجود الشاهد الذي يشهد لرسالة الرسول، وكون هذا الشاهد عنده علم الكتاب، وقد خاض مفسروا العامة جدلا محتدما حول هوية هذا الشاهد، وتبعا لذلك اختلفوا في الموقف من هوية هذا الكتاب الذي وصف هذا الشاهد بأن لديه علمه، فهل هو علم اللوح المحفوظ فيتناسب مع الكتاب المشار إليه في الآية الكريمة: الذي عنده علم من الكتاب "؟ [33] أم أن المراد به القرآن الكريم؟ أم أن المراد به هو كتب أهل الكتاب؟ وتبعا لذلك أيضا اختلفوا في أن سورة الرعد ومعها هذه الآية الكريمة، أو بمعزل عنها كانت مدنية أو مكية، وقد خاض التعصب الطائفي والمذهبي بدلوه بصورة غدت فيه بعض صفحات الحديث عن ذلك مثيرة لعجب، ومن مهمتنا هنا أن [ صفحه 36] نخوض في هذا الحديث كي نستجلي الصورة المطابقة للفهم القرآني. [ صفحه 37]

سورة الرعد مكية أم مدنية

اختلف المحدثون التفسيريون في موضع نزول سورة الرعد، فهل أنها نزلت في مكة أم في المدينة؟ وثمرة البحث في هذه المسألة هنا تتعلق في طبيعة دفاع بعض أهل التفسير من العامة عما إذا ما كان عبد الله بن سلام وأضرابه من علماء أهل الكتاب هم من عنتهم الآية بمن عنده علم الكتاب أم لا، فالذين قالوا أنها نزلت بمكة حاولوا أن يدفعوا كونها نزلت في هؤلاء، فلقد روي السيوطي عن سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس في ناسخه، عن سعيد ابن جبير (رض) أن سئل عن قوله: " ومن عنده علم الكتاب " أو عبد الله بن سلام (رض) قال: كيف، وهذه السورة مكية. [34] . وروي ابن جرير قال: حدثني المثني قال: حدثنا الحجاج بن المنهال قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر [ صفحه 38] قال: قلت لسعيد بن جبير: " ومن عنده علم الكتاب "، أو عبد الله بن سلام قال: هذه السورة مكية، فكيف يكون عبد الله بن سلام. [35] . وعليه يحاول هذا الفريق الذي يقول بمكية السورة كي يخرج علماء أهل الكتاب الذين أسلموا في المدينة من أن يصدق عليهم مفهوم من عنده علم الكتاب. وعلي عكس هؤلاء نجد فريقا آخرا يقول بمكية السورة فيما خلا هذه الآية وآية أخري نزلت بالمدينة، فلقد روي الجوزي، عن أبي صالح فيما رواه عن ابن عباس أن السورة مكية: إلاآيتين منها، قوله: " ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة إلي آخر الآية " [36] وقوله: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا) [37] في مهمة واضحة - حسب الظاهر - للرضوخ للروايات التي تقول بنزول الآية عبد الله بن سلام وأضرابه كتميم الداري [ صفحه 39] والجارود وسلمان الفارسي. [38] . علي أن أقوالا أخري أجملت نزول السورة في المدينة كما ذكره الزركشي حيث قال: فأول ما نزلت فيها - أي المدينة - إلي أن قال: ثم محمد ثم الرعد [39] . ثم استثني من ذلك قوله تعالي: " وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب " [40] فقال: نزلت بالحديبية حين صالح النبي (ص) أهل مكة، فقال رسول الله (ص) لعلي: أكتب (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال سهيل بن عمرو: ما نعرف الرحمن الرحيم، ولو نعلم أنك رسول الله لتابعناك، فأنزل الله تعالي: " وهم يكفرون بالرحمن " إلي قوله تعالي:" متاب " [41] ، ثم استثني من ذلك قوله تعالي: " ولو أن قرآنا سيرت به [ صفحه 40] الجبال إلي قوله تعالي:جميعا [42] . وقد نقل السيوطي عن ابن الضريس وأبي عبيد كل في كتابه (فضائل القرآن) وكذا عن أبي بكر بن الأنباري قولهم بنزولها في المدينة [43] . ونقل عن أبي الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عباس، وعن ابن مردويه، عن ابن الزبير أنها مدنية، وعن ابن المنذر، وابن الشيخ، عن قتادة أنها مدينة إلا آية مكية: " ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ". [44] . وقال الجوزي: واختلفوا في نزولها علي قولين: والثاني: أنها مدنية، رواه عطاء الخراساني، عن ابن عباس، وبه قال جابر بن زيد، وروي عن ابن عباس أنها مدنية، إلا آيتين نزلتا بمكة الخ. ونقل الطبرسي فيما نقله من أقوال العامة عن الحسن البصري وعكرمة وقتادة قولهم أنها مدنية إلا آيتين نزلتا بمكة ولو أن قرآنا سيرت به الجبال " وما بعدها. [45] . [ صفحه 41] وعلي أي حال فإن جميع من قال بنزول آية: " ومن عنده علم الكتاب " بحق علماء أهل الكتاب، أو قال بكون الكتاب المشار إليه في الآية إنما هو كتاب أهل الكتاب، فقد قال بنزولها في المدينة، لأنه لا يعقل أن تنزل في مكة وأولئك إنما أسلموا في المدينة. وعلي خلاف هؤلاء فقد قال جمع من المفسرين بنزولها في مكة حيث روي السيوطي عن النحاس في ناسخه، عن ابن عباس، وعن سعيد بن منصور، عن سعيد بن جبير كونها نزلت فيمكة. [46] . ونقل عن أبي الحسن بن الحصار في كتابه الناسخ والمنسوخ قوله في قصيدة مطلعها: يا سائلي عن كتاب الله مجتهدا وعن ترتيب ما يتلي من السور إلي أن يقول: هذا الذي اتفقت فيه الرواة له وقد تعارضت الأخبار في أخر الرعد مختلف فيها متي نزلت وأكثر الناس قالوا الرعد كالقمر [ صفحه 42] وانتهي السيوطي بعد ذلك إلي القول: والذي يجمع به بين الاختلاف أنها مكية إلا آياتمنها [47] . ونقل الجوزي عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس كونها مكية قال: وبه قال الحسن وسعيد بن جبير وعطاء وقتادة، وروي أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية إلا آيتين منها. [48] . ونقل الطبرسي في نقله أقوال العامة عن ابن عباس وعطاء قولهم بمكيتها، وعن الكلبي ومقاتل قولهم بذلك باستثناء آخر آية منها نزلت في عبد الله بن سلام. [49] . ونقل الآلوسي من طريق مجاهد عن ابن عباس، كونها مكية أيضا. [50] . ولكن العلامة الطباطبائي (رضوان الله تعالي عليه) أكد علي مكية السورة فقال: والسورة مكية كلها علي ما يدل عليه سياق آياتها، وما تشتمل عليه من المضامين، ونقل عن بعضهم أنها مكية إلا آخر آية منها فإنها نزلت [ صفحه 43] بالمدينة في عبد الله بن سلام، وعزي ذلك إلي الكلبي ومقاتل، ويدفعه أن مختتم السورة قوبل بها ما في مفتتحا من قوله: " والذي أنزل إليك من ربك الحق ". [51] . ولا يكاد بالإمكان أن يخرج المدقق في تفاسير العامة بقول قاطع بجمع هذه المتعارضات، إلا أنه من الواضح أن الصفة المكية تلوح عليها أكثر من الصفة المدنية، كما في حديثه تعالي الكثير عن الذين كفروا، وتركيزه بالتبع إلي ذلك علي الحديث العقائدي المرتبط بهم، وهي حالة تمت في الغالب في مكة، إلا أن بضعة آيات منها قد تلوح عليه هو الآخر الصفة المدنية كما في الآيات 22، 31، 36.وعلي الرغم من تفسيره الكتاب بكونه كتاب أهل الكتاب أي علوم التوراة والإنجيل، [52] مما يقتضي علي الأقل مدنية الآية، إلا أن محمد حسين فضل الله ظل مترددا في الطبعة الأولي من كتابه (من وحي القرآن) في موضع نزول الآية. [53] . وبقدر تعلق الأمر بمبحث الكتاب فإن تحديد مكية [ صفحه 44] أو مدنية الآية لا يغدو بذي بال، [54] . طالما أن مسألة من عنده علم الكتاب، وكذا مسألة هوية الكتاب يمكن حلها قرآنيا بالصورة التي تخرجها عن إطار تخرصات العلوم البشرية وأهواء المناهج التحريفية، كما سيتضح ذلك في مطاوي الحديث. [ صفحه 45]

اي شاهد و أي شهادة

ليس من العسير ملاحظة أن أحد المهمات الكبري التي أوكلت إلي رسول الله (ص) هي كونه مرسلا كشاهد من السماء علي العالمين وهو يحكيه قوله تعالي: " يا أيها النبي إنا أرسلناكشاهدا ومبشرا ونذيرا " [55] وكذا قوله تعالي: " إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا " [56] وأيضا قوله تعالي: " إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم " [57] ، وإزاء هذه المهمة الكبري لا بد لنا وأن نتساءل بجدية ومسؤولية عما إذا كانت هذه المهمة قد استوفت أغراضها في حياة الرسول (ص) بحيث أن الشارع المقدس لم يعد بحاجة لأحد كي يقوم بهذه المهمة بعد وفاته (ص)، أم أن الأمر ليس بهذه السذاجة بحيث أن الشهادة تنتفي بمجرد وفاة الرسول (ص)، وإنما لا بد من وجود من يتم هذا الدور بعد وفاته (بأبي وأمي)؟. [ صفحه 46] ولو رجعنا للغايات الإلهية التي تقف وراء الشهادة والتي تشير إليها الآيات القرآنية الكريمة: " وإذ أخذ ربك من بني أدم من ظهورهم ذريتهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ". [58] . لوجدنا أن طبيعة إلقاء الحجة الربانية كاملة علي بني آدم لا تتوقف عند قوم دون آخرين، وإنما يجب سريانها علي جميع الأقوام والأمم , وذلك لأن هذه الغاية رافقت البنية التكوينية لبني آدم، ولذا فإن من الطبيعي بمكان أن يتلازم بقاء الجنس البشري، مع بقاء هذه الحجة، وإن انتفاء أحدهما يستلزم انتفاء الثاني لاستحالة أن يقال أن الإرادة الربانية إرادة عباثة في مخلوقاتها. ولا أعتقد أن ثمة عسر في الوصول إلي تلازم آخر، وهو تلازم أمر الشهادة مع وجود المعاينة، فليس من معني للشهادة بمعزل عن أن يكون الشاهد معاينا لما سيشهد به , ومع هذا الحال يتبدي للوهلة الأولي أن ثمة تناقض بين هذا المفهوم، وبين مفاد الآيات التي أشارت إلي شاهدية الرسول، وقد أشير إلي هذه الشاهدية بمعني مطلق، الأمر الذي يعني أن شهادة الرسول لا تتوقف عند زمانه فحسب، بل هي تمتد إلي ما بعد زمانه الشريف [ صفحه 47] بالمصاف مع إنذاره وبشارته (ص). ولا يمكن حل هذا التناقض إلا من خلال القول بأن الشهادة دور ومهمة، وهذه المهمة يمكن أن توكل إلي وكيل هو كالأصيل في إتمام هذا الدور، نتيجة لتحقق خصائص ومواصفات الشهادة هي شخصيته، وهذا ما يلتقي أيضا مع جملة من الآيات القرآنية التي أشارت إلي وجود شهادات سابقة لحياة الرسول (ص) كما في الآية الكريمة: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا " [59] ، وكذا في قوله تعالي: " ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا علي هؤلاء " [60] وهما يشيران وبوضوح إلي وجود شهادة لأنبياء ورسل وأوصياء الأمم , واعتبار الرسول (ص) الشاهد علي هؤلاء جميعا، وحيث أن الرسول لم يكن حاضرا في حياة تلك الأمم، لهذا لا يمكن فهم هذا الآيات إلا من خلال اعتبار شهادات الأنبياء (ع) في طول شهادته (ص) أي هي شهادات وكلاء تتجمع لدي الوكيل الأصيل، وهذه الأخيرة - أي شهادته علي الأمم السابقة - والتي تلتقي مع مفهوم كونه سيد الأنبياء والمرسلين، تستلزم [ صفحه 48] أن يستمر دور الشهادة إلي الأمم اللاحقة لحياة الرسول (ص) فهو شاهد علي جميع الأمم وهذا ما يلتقي مع مفهوم نظرية النص الإلهي التي تعتمدها الإمامية، [61] والتي تعني استمرار دور شاهدية الرسول (ص) من خلال شهادة الأئمة (ع) علي مجتمعاتهم، ومن دون ذلك فإن الحديث عن استمرارية دور الرسول في الشهادة يغدو فارغا من محتواه، وذلك لاستلزامها لمواصفات لا يمكن أن توجد عند أحد غيرهم كما سنوضح ذلك إن شاء الله تعالي. ويخالف محمد حسين فضل الله هذا الاتجاه، ويتبني توسيع مبدأ الشهادة ليشمل: (الطليعة الواعية المؤمنة التقية المنضبطة التي تفهم الإسلام حق الفهم وتعيه حق الوعي وتمارسه حق الممارسة وتحمله بروح رسولية رائدة إنها النخبة الواعية الموجودة في كل زمان ومكان التي يقف الأئمة الطاهرون والعلماء الواعون [ صفحه 49] والأولياء الطيبون والمجاهدون العاملون الذي يحملون هذه الشهادة إلي الله لأنهم يعيشون روح الرسالة ويعيشون من خلالها الوعي لكل حياة الناس كما هو الرسول في رسالته وفي وعيه لأمته). [62] . وهو قول يشبه إلي حد بعيد قوله في توسعة مفهوم ولاية الأمر الواردة في الآية الكريمة: " ياأيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " [63] ليخرجها من إطار الإمامة - كما هو نص الروايات الموثوقة في هذا الشأن - كما سيأتي بعد ذلك - تحصر الشهادة بأهل البيت (ع) كجهة عليا ونهائية للشهادة بعد رسول الله (ص). [ صفحه 50] وثانيا: إن ما أدخله من مصطلحات ما هي إلا عبارات فضفاضة ومبهمة، فأي فهم هو حق الفهم؟ وأي وهذه علي أي حال تحتاج إلي سقف محدد حتي يمكن إلي حدود هذه المفاهيم وإنه قد غدا مصداقا لها، وبغيرها فإنها تعدو كلمات تتسع لكل شئ، ويمكن أن يخرج منها كل شئ. وثالثا: ولا نحتاج إلي تحديد مفهوم هذه المصطلحات فقط، وإنما نحتاج إلي تحديد هوية هذه المفاهيم، فالوعي المطلوب ضمن أي صنف علمي نحتاجه، فالفهم والوعي المراد هنا إن كان في خصوص الرسالة، فيحتاج إلي جهة تكون علامة بكل شؤونها، كي تتمكن من الشهادة عليها، وهذا ما لا يمكن لعالم أو ولي أو مجاهد الادعاء بتمكنهم منه، وذلك لأن هذه الجهة ينبغي أن يكون علمها بهذه الرسالة إما بمستوي الرسالة نفسها أو أعلي من مستواها، كي تتمكن من الشهادة، حيث لا يعقل أن نأتي بشاهد لم يحط بكل تفاصيل الرسالة، وإن كانت الممارسة المدعاة هنا تعني السلوك، فهي الأخري لا يمكن أن تتقبل هذه العناوين، لأن الممارسة المحقة تستدعي العصمة، وهو مما لا ينطبق [ صفحه 51] علي هؤلاء بأي حال من الأحوال. ورابعا: إن طبيعة الشهادة تحتاج إلي مواصفات أساسية، فالشاهد ينبغي أن يكون أعلم الموجودين بشأن ما يشهد به، وإذا كان مفاد الشهادة هو الرسالة، فلا بد إذن من أن يكون هو الأعلم بهذه الرسالة، سيما وأن بعض الآيات تتحدث عن تمكن الشاهد من الشهادة علي بينات الله كما في قوله تعال: " أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه " [64] وهذا أمر لا يمكن حصوله إلا من خلال علم استثنائي، فالرسالة إن كانت تعبر عن العلم الإلهي في بعض صوره، فالشاهد علي تبليغه يفترض أن يكون علمه في مصافه، وأن يكون كذلك فالواجب أن يكون تلقيه لهذا العلم من معدنه، أي أن يكون من خلال الطرق التقليدية للتعليم، وهذا ما يجعل الشاهد استثنائيا في علمه أيضا، ولن يكون هذا الشخص بهذا المستوي إلا من خلال كونه شخصا قد اصطفاه الله لذلك. والشاهد لا بد وأن يكون عادلا في الإدلاء بشهادته بحيث أنه لا يكتمها مهما كانت الظروف، فلا بد وأن يكون [ صفحه 52] معصوما، إذ لا معني لتعلق مفهوم الحجية علي حضور الشاهد في الوقت الذي لا تكون فيه عملية الإدلاء بالشهادة محسومة بشكل قطعي، ولا قطع في هذا المجال من دون العصمة. ويتأكد كل ذلك من خلال التأمل الدقيق في مرامي الآية الكريمة التي تتحدث عن مواصفات الشاهد حيث قال جل من قائل: " يا أيها الذين أمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء علي الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولي ونعم النصير " [65] فما أشار إليه سبحانه وتعالي هنا إنما هو الصورة الفضلي لهذه الأعمال، فليس الركوع هنا أي ركوع، وليس السجود هنا أي سجود، وليست العبادة آية عبادة، وإنما هي صورة في بعدها المطلق، ومما لا شك فيه أن هذه الصورة لا يمكن تحققها، إلا من خلال العصمة. علي أن ملكة العدالة والعلم في هذا المجال لا [ صفحه 53] تكفي وحدها، وإنما لا بد من أن يكون لدي الشاهد قابلية الشهادة من حيث الاستعداد لحمل عبئها من جهة، والإحاطة بساحات الشهادة وأدائها (أماكن وأزمان) من جهة أخري، فهذا القرآن يحدثنا عن أن زمن الشهادة العامة لا يسمح لكل أحد بالقيام بها كما في قوله تعالي: " يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من آذن له الرحمن وقال صوابا " [66] ، وقول الصواب المطلق كما تري يستلزم من الشخص أن يكون بمؤهلات عالية عند الله، بحيث يدعه يتكلم في يوم أوصف بأوصاف رهيبة من جملتها ما وصفته الآية الكريمة: " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وتري الناس سكاري وما هم بسكاري ولكن عذاب الله شديد " [67] ، وهذه المواصفات أقلها أن من لم يكن مطمئنا علي نجاته يومئذ، فهو في شغل عن الشهادة علي نفسه ولها، فضلا عن الشهادة علي غيره وله، وهذا الأمر هو الآخر يدلنا مرة أخري علي ضرورة أن يكون الشاهد معصوما علي [ صفحه 54] الأقل، [68] بحيث أنه يقدر - نتيجة لاطمئنانه - أن يشهد حينما يدعي للشهادة. علي أن هذه الأهلية إن لم تلتزم بوجوب تمتع بمواصفات استثنائية خاصة، وتصطدم أيضا بالشهادة علي عوالم الجن، وهؤلاء يدخلون في مقتضياتها، لتحقق الطلب الإلهي منهم بالعبادة، مما يستلزم الثواب العقاب، ومعها يصبح وجود الشاهد عليهم واجبا، ولكونهم أمم أمثالكم، وكذا الشهادة علي عالم الملائكة بما فيهم ملائكة الوحي، فضلا عن الملائكة الكاتبين لأن الملائكة أمة من الأمم، وهذه تدخل في مفاد قوله تعالي: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا ") فأين كل ذلك من فرضية النخبة والطليعة الواعية؟!. [69] . [ صفحه 55] وأخيرا فإني أعتقد أن الآية الكريمة: " ومن يطع الله والرسول فاؤلئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا " [70] كفيلة بتبيان الفارق بين الشهداء وغيرهم من أصحاب الكفاءات التي أشار إليهم صاحب الشبهة، فعلي أحسن التقادير تكون النخبة والطليعة الواعية وأصحاب الجهاد والعمل هم من درجة الصالحين، وهي درجة دون درجة الشهداء مما يجعلهم يمتازون الواحد عن الآخر. فلا تغفل. وإذا ما كان الشاهد يحتاج إلي مواصفات من هذا القبيل، فإن من العبث بمكان أن نفتش عن شهود لا يمتلكون مواصفات الشهادة في حدودها الدنيا، فكيف بما [ صفحه 56] يفوقها، خصوصا إذا ما كان الحديث يخلو من الدليل الشرعي المتوازن، المنسجم مع بقية الآيات القرآنية، والمدعوم بالسنة الصحيحة الصادرة عن المعصوم (عليه السلام)، وهو الأمر الذي عمد إليه أهل التفسير والحديث من المدارس المخالفة لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك لذودها عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وأولاده من الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، وتابعهم علي ذلك محمد حسين فضل الله في كتابات وأحاديث متعددة صدرت عنه قديما وحديثا. ومن شأن التأمل الدقيق في مفاد آية الرعد مورد البحث أن يجعلنا نسلط الضوء بشكل حاسم علي كل ما أشرنا إليه من أمور، ونعي طبيعة المنهج الذي يعتمدونه من أجل سوق الأمة باتجاه فهم قراني أبتر، تتعوم فيه المفاهيم، وتبهم المصاديق، ليمكن بالتالي تسخير القرآن للمآرب الطائفية والمذهبي، وإيجاد وعي تسطيحي قد تراه يمتاز بكمال الدقة في إملائيات القرآن، ولكنه أمي في فهم مفاهيمه. وهذا التأمل هو ما سنحاول إثارته في الأسطر القادمة إن شاء الله تعالي. [ صفحه 57]

الآية في دلالاتها التفسيرية

للمفسرين العامة اتجاهات متعددة للتعرض للآية، وإن كان المبني الرئيسي لهم هو الحصول علي موقف مناسب من العنوان الضخم الذي حددته الآية بوجود من " عنده علم الكتب " هو عنوان يمكن أن يقدم إغراءات كثيرة في أي صراع مذهبي، وبالتالي فإن أي صراع مذهبي لا يمكنه التنصل من مصداق هذه الآية، ولهذا قد نجد بعض أهل التفسير يمارسون من التعسف في تطويع مراد الآية بشكل قد يقترب من مقولة الإعراب علي طريقة: (منصوب وعلامة جره الضمة الظاهرة أوله!) وذلك للإشارة إلي حجم التخبط الذي يعتري مقولة بعضهم، وعملا بمنهجنا المعتاد فسنحاول هنا أن نسلط الضوء علي اتجاهات المفسرين ونخضعها للنقد، فما وافق الحق فالحق أحق بأن يتبع، وما خالفه فما أولانا بمخالفته والأعراض عنه، والله الموفق المسدد لطريق الصواب. [ صفحه 58] الاتجاهات التفسيرية تنحو إتجاهات التفسير إلي تحديد ثلاثة مسارات لتفسير الآية، وهذه المسارات هي:

هل هو شاهد واحد

أ - يصر الاتجاه الأول علي اعتبار الشاهد في الآية واحدا، أي أنه الله جل وعلا، وأصحاب هذا الاتجاه ينقسمون بشكل عام إلي ثلاثة أقسام: أولهما: من يفسر الآية بعبارة: من عند الله علم الكتاب، وهو ما رواه غير واحد من مفسري العامة، فلقد روي الطبري ذلك عن ابن عباس، [71] ومجاهد، [ صفحه 59] والحسن، وسعيد بن جبير، وهارون، والضحاك بن مزاحم [72] وتابعه الجوزي فيما رواه عن مجاهد والحسن، [73] وتابعهما السيوطي علي ذلك غير أنه أضاف أسماء كل من عمر وابنه عبد الله [74] . وقد نقل الرازي عن الزجاج قوله مستدلا: الأشبه أن الله لا يستشهد علي صحة حكمه بغيره. [75] . وثانيهما: من يفسر الآية بالقراءة الشاذة: (من عند علم الكتاب) وقد رووها عن مجاهد،وقال الجوزي: اختاره الزجاج، وهي قراءة ابن السميفع وابن أبي عبلة ومجاهد وأبي حياة. [76] . وثالثهما: من يفسر الآية بقراءة شاذة أخري تروي [ صفحه 60] عن الحسن البصري هي: (من عنده علم الكتاب). [77] . ولكن هذا الاتجاه الذي حاول أن يتنصل من مقولة علماء الكتاب فقال بكون السورة مكية، ومن أجل أن يبعد عقيدة الإمامية في هذا الشأن حاول أن يلغي وجود شاهد أخر علي رسالة الرسول (ص)، ولكن محاولاته هذه لم تمنعه من أن يسقط أسير تعسفاته فاعتمد قراءات شاذة لا يعول عليها، بل وحاول تسهيل الصعب وتصعيب السهل. فهو استساغ أن تعطف الذات وصفتها علي نفس الذات، وهو قبيح في اللغة، واستصعب أن يستشهد الله بغيره علي صحة حكمه، كما أشار الزجاج، فيما نجد أن القرآن يقدم العديد من الشواهد علي جواز ذلك. وتبيانه إنه علي تقدير صحة هذا الاتجاه نكون قد [ صفحه 61] عطفنا الله الموصوف بالشهادة علي الله مرة أخري، ليكون تقديره هكذا: الله الشاهد والله، وهو مما لا يستقيم بلاغة في اللغة، فكيف بأبلغ الكلام؟ ولهذا تجد الرازي يعترض فيقول: وهذا القول مشكل، لأن عطف الصفة علي الموصوف، وإن كان جائزا في الجملة، إلا أنه خلاف الأصل، لا يقال: شهد بهذا زيد والفقيه، بل يقال: شهد به زيد الفقيه. [78] . وقد علق العلامة الطباطبائي علي ذلك بقوله: وهو قبيح غير جائز في الفصيح، ولذلك تري الزمخشري لما نقل في الكشاف هذا القول عن الحسن بقوله: وعن الحسن لا والله ما يعني إلا الله قال بعده: والمعني كفي بالذي يستحق العبادة، وبالذي لا يعلم علم ما في اللوح إلا هو شهيدا بيني وبينكم. انتهي [79] فاحتال إلي تصحيحه بتبديل لفظة الجلالة (الله) من (الذي يستحق العبادة) وتبديل (من) من (الذي)، ليعود المعطوف والمعطوف [ صفحه 62] عليه وصفين، فيكون في معني عطف أحد وصفي الذات علي الآخر، وإناطة الحكم بالذات بما له من الوصفين كدخالتهما فيه.. فافهم ذلك، لكن من المعلوم أن تبديل لفظ من لفظ، يستقيم إفادته لمعني لا يوجب استقامة ذلك في اللفظ الأول وإلا لبطلت أحكام الألفاظ. [80] . أما قولهم بأن الله لا يستشهد بغيره علي صحة حكمه، فلعمري ها هو القرآن يقدم الكثير من الشواهد علي خلاف ذلك كما تري في قوله تعالي: " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلي نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسي وأيوب ويونس من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسي تكليما - رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما - لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفي بالله شهيدا " [81] . ولذلك تري الرازي يستبعد هذا المعني فيقول معقبا علي ذلك: لما جاز أن يقسم الله تعالي علي صدق قوله [ صفحه 63] بقوله: " والتين والزيتون " [82] فأي امتناع فيما ذكره الزجاج. [83] . وكيفما يكن فإن من الواضح جدا أن هذا الاتجاه قد استغرق في البعد عن ظاهر مؤديات العطف، وما لم توجد قرينة قاطعة لا يمكن حمل الظاهر علي خلافه، علي أن الأغلب من هؤلاء، قد علل اللجوء إلي ذلك بسبب عدم إمكانية تصورهم بوجود من له علم بشؤون اللوح المحفوظ بالإطلاق الذي تشير إليه الآية الكريمة، في الوقت الذي نفوا فيه أن يكون علماء الكتاب هم أصحاب الآية، وستقف بعد ذلك علي أن هذه الإمكانية موجودة، وبالتالي فلا مجال لكل هذا التعسف. [ صفحه 64]

هل الشاهد علماء أهل الكتاب

ب - أما الاتجاه الثاني: فهو ما يعمد إليه العديد من المفسرين من العامة، وينضم إليهم التحريفيون المعاصرون، ويبلور هذا الاتجاه أفكاره من خلال ادعاء أن المقصود في هذه الآية هم علماء أهل الكتاب من الذين أسلموا علي يد رسول الله (ص) كسلمان الفارسي وتميم الداري والجارود وابن يامين وعبد الله بن سلام وغيرهم، وأغلب حديث هؤلاء ينصب علي ذكر عبد الله ابن سلام بعنوانه: (من عنده علم الكتاب) ولدي هؤلاء يكون الكتاب الذي تحدثت عنه الآية هو كتاب أهل الكتاب من توراة وإنجيل وما إلي ذلك. فلقد روي المعني الطبري، عن عبد الله بن سلام، وابن عباس، وقتادة [84] ، وأضاف الجوزي إلي ذلك الحسن، وعكرمة، وابن زيد، وابن [ صفحه 65] السائب، ومقاتل، وشمر، [85] وتابعهم السيوطي فيما رووه إلا أنه أضاف جندب. [86] . وقد تابع محمد حسين فضل الله هؤلاء فيما حدثوا به فقال تعقيبا علي سؤال في هذا الصدد: هناك رواية [87] تقول إنه علي (ع)، وهناك روايات [88] تنطلق من سياق الآية أي أن النبي (ص) كان يستشهد بالأشخاص الذين يملكون علم الكتاب حتي يعرفوا المسلمين النبي (ص) مذكور في التوراة والإنجيل ولعله هو الأقرب لأن الإمام (ع) كان مع النبي فكيف يستشهد به وهم لا يقرون علمه. [89] . وحينما سئل عن المقصود بهذه الآية حسب [ صفحه 66] (الرواية الموثوقة عن أهل البيت) أعاد نفس القول الأول مع بعض التوضيح ننقله بالنص: هناك رواية تقول بأن المقصود به هو علي (ع) باعتبار أنه يملك علم الكتاب، ولكن الظاهر [90] من الآية أنها تتحدث عن أهل الكتاب الذين يعلمون الكتاب، والوجه في ذلك أن النبي كان في مقام الاحتجاج عليهم بما يكون حجة عليهم، والإمام علي (ع) هو تلميذ النبي (ص) لذلك فالآية من قبيل " فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " [91] . بالبينات، ذلك [ صفحه 68] لأن القرآن كان يتحداهم بأن يظهروا التوراة، وكان يتحدث عن أهل الكتاب وعلماء أهل الكتاب الذين كانوا يعلمون الكتاب، فالرواية بحسب ظاهر السياق القرآني يراد فيها علماء أهل الكتاب. [92] . ولمناقشة واقع دلالة الآية الكريمة، تارة سنناقش أي الدلالات هي الصادقة في الانسجام مع القرائن العامة قرآنية كانت أو حديثية، وأخري سنناقش التبرير الذي قدمه محمد حسين فضل الله، ولم أطلع فيما لدي من كتب تفسير وعقائد العامة علي أحد قدم مثل هذا التبرير. [ صفحه 69] ونحن من خلال تأمل حقيقة الشهادة المطلوبة في الآية يلفت إنتباهنا حقيقة أن الشهادة المطلوبة تتعلق برسالة الرسول (ص)، لقوله: " لست مرسلا " وكذا أن الشاهد المطلوب مقطوع بعدالة شهادته بحيث أن الله سبحانه يعبر عن الكفاية التامة لشهادته، والمعبر عنها بقوله: " قل كفي " هذا علاوة علي أن الشاهد مقطوع بعلمه المطلق بشؤون الشهادة بحيث أنه قرن شهادة الشاهد بشهادة الله، حيث عطف شهادته علي شهادة الله لقوله: " بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب "، وهذه الأمور تجعل مهمة أهل الكتاب سالبة بانتفاء الموضوع، حيث إننا هنا نلاحظ أن الشاهد يحتاج إلي مواصفات الرسالة وشأنيتها، وحيث أن رسالة كهذه تتمثل ببنية فكرية وتشريعية وأخلاقية، وهذه البنية تلتحم التحاما كاملا مع البنية الذاتية لشخص المرسل [93] في أبعادها السلوكية [ صفحه 70] والوجدانية، ولهذا فلا بد، أن تجتمع لدي الشاهد البديل كل تلك المواصفات والخصائص، الأمر الذي يؤدي بالنتيجة إلي القول بأن وجود أهل الكتاب في محل الشاهد لا موضوع له، لأن فاقد الشئ لا يعطيه. وتبيان ذلك إن الشاهد المستدعي للشهادة يفترض به أن يكون محيطا بكل ظروف القضية المدعي للشهادة بها، وحيث أن هذه القضية هي رسالة الرسول (ص) فالمفروض أن الشاهد علي إحاطة تامة بهذه الرسالة، وهذا ما لا يستطيع شاهد أهل الكتاب أن يدلي بدلوه فيه، لأنها شهادة بغير علم. كما إننا نلاحظ وضوح منطق التحدي - ضمن ظاهر سياق الآية - وهذا المنطق الذي تتقدمه كلمة: (كفي) [94] يشير إلي طبيعة الاطمئنان العميقة إلي شهادة [ صفحه 71] الشاهد المتقدم لهذه الشهادة، ولا أعلم كيف يمكن الاطمئنان إلي شهادة علماء أهل الكتاب كائنا من كانوا في وضع من هذا القبيل! فلو فرضنا - وفرض المحال ليس بمحال - أن هؤلاء لسبب أو لآخر أخلفوا شهادتهم ولم يشهدوا، هل سيعني ذلك أن القرآن والرسول (ص) سيبحث عن شاهد آخر غير شاهد هو دعاهم إلي الاستماع إلي شهادته؟! أم أن القرآن والرسول سيتراجعون عن أمر المحاججة لينكسروا أمام الذين كفروا؟. من البديهي أن الله لن يضع رسوله في موضع كهذا، فهو أقرب إلي التكذيب منه إلي حد الإحراج أمام أعداء الرسالة من الذين كفروا، وكلاهما غير مقبول ضمن المنطق العقلي البسيط، فما بالك بالحكمة الإلهية البالغة وإلي هذا التفت الرازي فقال إن: إثبات النبوة بقول الواحد والاثنين مع كونهما غير معصومين عن الكذب لا يجوز. [95] . وتابعه النيسابوري فقال قريبا منه: والاعتراض [96] . [ صفحه 72] بأن إثبات النبوة بقول الواحد والاثنين معجواز الكذب علي أمثالهما لكونهم غير معصومين لا يجوز. [97] . ومع وجود كلمة (كفي) يغدو الأمر مستحيلا ضمن المنطق القرآني أن يتم استدعاء غير المعصوم للشهادة بمثل هذه القاطعية في مثل هذا الأمر البالغ الحيوية لرسالة الرسول (ص)، وبالنتيجة يضحي التحدي لا معني له مع عدم وجود المعصوم، وإجرائه خلا ف الحكمة. فلا تغفل!. ولو كان المراد هنا - كما يشير صاحب الشبهة - أن الرسول قد استدعي شهادة هؤلاء كي شهدوا بما في كتبهم، فهو أولا مما لا دليل عليه، فعلي أقل التقادير لا يوجد أي تخصيص يستشف منه أن المراد بالكتاب كتاب أهل الكتاب، والتذرع بالروايات الواردة من طرق العامة، مما لا يغني ولا يشبع، حيث أنها متعارضة فيما بينها كما سنشير في حينه، علاوة علي مناقضتها بروايات أخري. وثانيا: إن من كتم هذه الشهادة - وفق هذا المنظار - كل سنوات ما قبل الهجرة وبعدها إلي حين [ صفحه 73] إسلامه [98] ، حري بأن لا يدعي لشهادة من هذا القبيل، فالذي يكتم مرة، يخشي منه أن يكتم في غيرها، وهو بالتالي غير مؤهل لخوض شهادة من هذا القبيل لها كل هذا القطع، حيث أن من المفترض أن أمثال عبد الله بن سلام وصحبه - حيثما كانوا من علماء كتبهم، وأن هذه الكتب قد حوت البشارة بمبعث الرسول (ص) - أن يسلم قبل قدوم الرسول إلي المدينة، فإن كان الاحتجاج [ صفحه 74] علي ذلك بالقول بأن علمهم كان علما إجماليا وليس قطعيا، فإن من له علم إجمالي ومصدر العلم القطعي منه قريب، ولم يبادر لمعرفة القطع في شأن عظيم كهذا، يكون من أهل التسامح علي أقل التقادير، وهو بالنتيجة غير مؤهل للشهادة في شأن له كل هذه الحساسية، فمن يتسامح نتيجة لغفلة أو لغيرها، يمكن له أن يتسامح في أكثر من مرة!. وثالثا: إن هؤلاء كانوا أصحاب كتب نعتقد بأنها كانت في زمن رسول الله (ص) محرفة، فإن كان هؤلاء من الذين كانوا يعتبرون كتبهم محرفة، فما لهم مالؤوا قومهم في البقاء علي العمل بتلك الكتب؟ ومن يكتم شهادة من هذا القبيل هل يستحق أن يستدعي لشهادة علي رسالية رسول من غير قومه؟! وإن كانوا ممن لا يعلم بأن كتبهم كانت محرفة، فعلي ماذا نسميهم علماء الكتاب؟ في حال أنهم إلي الجهل المركب أقرب منهم إلي العلم. يأتي هذا في الوقت الذي سبق للقرآن أن تحدث مع رسول الله مرارا بأن من هؤلاء من حرف الكتاب كما في [ صفحه 75] قوله سبحانه وتعالي: " من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا وأسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين " [99] وكذا قوله: " فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع علي خائنة منهم " [100] ، وكذا قوله: " ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " [101] ، ومنهم من أن تأمنه بدينار لا يؤده إليك كما في قوله جل من قائل: " ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأمين سبيل ويقولون علي الله الكذب وهم يعلمون " [102] ومنهم من يصد عن سبيل الله ويأكل أموال الناس بالباطل كما في قوله تعالي: " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربوا وقد نهوا عنه [ صفحه 76] وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين مهم عذابا أليما " [103] ، وكذا في قوله تعالي: " يا أيها الذين أمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله " [104] . ومن الطبيعي عندئذ أن يكون الرسول (ص) - والحال هذه من التقريع الشديد علي أمور لها مساس مباشر مع عدالة الشهود - أن يكون علي أشد الحذر من الاحتمالات الواقعية لنكوصهم عن الشهادة، وبالنتيجة لا يجعل نفسه في معرض الخدش المباشر لمصداقيته الرسالية، وهو الأمر الذي يخشاه الرسول بما لا يخشي غيره، فتعقل!. ورابعا: لو أن ملاك الشهادة هو شهادة أهل الكتاب أتري أن رسول الله قد أعيته كل السبل بحيث أنه لم يك له بد من أن يستشهد بكتب وعلم هؤلاء وهم علي الحال المريبة التي عرفت؟ أفما كان أقرب للاطمئنان النسبي لو أن رسول الله (ص) وهو الأعلم منهم بكتبهم، أن يأتي بكتبهم، ويستخرج مواقع النصوص التي تبشر بقدومه [ صفحه 77] المبارك، ثم يدعوهم للشهادة علي صحة النسبة وصحة البشارة؟ وفي ذلك فائدة أكبر لهم وللمسلمين ولمن كانوا في موضع الحجاج، ناهيك عما في ذلك من تحجيم لخطر عدم الإدلاء بالشهادة علي وجهها، وهو أمر لم يفعله الرسول (ص) علي أي حال. وخامسا: إن الحجاج كان في الآية مع الذين كفروا بالمعني المتبادر الطبيعي للفظ، فإن هؤلاء لديهم شهادة الرسول وعلماء أهل الكتاب بمصاف واحد فهم لا يؤمنون بالاثنين معا، وإما إن تكون الآية قد أرادت الذين كفروا من أهل الكتاب، فعادة ما يطلق هذا اللفظ علي الحربيين من أهل الكتاب لا علي مجموع أهل الكتاب لمجرد أنهم من أهل الكتاب ومثل هؤلاء لن تنفع معهم شهادة أمثال عبد الله بن سلام وتميم الداري، فضلا عن سلمان الفارسي الذين لم يكن في الوضع الاجتماعي المناسب الذي يمكنه من الإدلاء بشهادة عادية، فكيف بما له أهمية شهادة كهذه؟ لأن المطالبة الواقعية والبديهية من قبل المحاججين في هذا المجال سترجع علي هؤلاء، فلو أنهم كانوا قد آمنوا بما يشهدون، فما بالهم قد أخروا إسلامهم كل هذه السنوات؟. [ صفحه 78] وأما إن كان المراد بهم الذين كفروا من أهل الكتاب وقد استدعي الرسول (ص) من أسلم من علماء أهل الكتاب للشهادة، فهذا لن يجدي أيضا لأن شهادة هؤلاء، هي شهادة من أسلم، ومن أسلم شهادته كرسول الله (ص)، فما بال باء عبد الله بن سلام هنا تجر، وباء علي ابن أبي طالب هنا لا تجر! [105] أنبئوني بعلم إن كنتم صادقين.! وسادسا: (ألا تري معي)! أن من له كل هذه الأهمية التي توصف بعالمية الكتاب جدير بالحضور في محاورات الرسول (ص) ومساجلاته مع أهل الكتاب من اليهود والنصاري، فما لنا لا نجد لهم ذكرا، خصوصا وأن الرسول (ص) قد عبر - هؤلاء عنه - بأنه كان محتاجا لشهادة أمثال أولئك؟ وهم علي هذا الحال إما أنهم قد أسلموا في أواخر حياة الرسول (ص)، وفي هذه الحال يظل إشكالنا الأول علي حاله، فما لهم لم يؤمنوا من قبل ذلك وهم الذين عندهم - كما يصف فضل الله وصحبه - علم الكتاب؟ وإما أن يكونوا ممن أسلم من قبل ذلك، ولكن [ صفحه 79] الرسول (ص) كان مستغنيا عنهم؟ ولو كان الرسول (ص) مستغنيا عنهم، فوقت إسلامهم لا يغدو بذي بال لعدم ترتب شئ علي التقدم والتأخر في ذلك، وعندئذ (ألا نتصور معي)! أن غيابهم وحضور أمير المؤمنين (ع) في مناظرات الرسول (ص) مع وفد نجران، ومن قبله مع قوم عبد الله بن صوريا حينما استشهده علي مسألة حكم الرجم بالزاني في التوراة بذي دلالة ومغزي هامين في مورد تكذيب ما ادعي عليه القوم!. [ صفحه 80]

اميرالمؤمنين هو الذي عنده علم الكتاب

ج - لا يبقي لنا غير الاتجاه الثالث [106] وهو القول بأن من عنده علم الكتاب هو جهة من المسلمين، ويتبقي أمامنا معرفة هذه الجهة، ونحن قبل أن نعرف ذلك لا بد لنا من رد أصل الشبهة التي أوردها محمد حسين فضل [ صفحه 81] الله علي اختصاص الآية بأمير المؤمنين (ع) وهي أن رسول الله (ص) لا يستشهد بمثل علي (ع) لأنه من صفه، وفي ذلك قال في مقام ترجيح القول بأن من عنده علم الكتاب هو من يملك علم التوراة والإنجيل: لأن الإمام (ع) كان مع النبي (ص) فكيف يستشهدبه وهم لا يقرون علمه. [107] . وهذه الشبهة يمكن أن تصح لو أن أمر الشهادة كان أمرا ظرفيا محدد هو زمان المحاججة المدعاة مع الذين كفروا في عهد الرسول (ص) وبمعزل عما ذكرناه من مواصفات تستدعيها شخصية الشاهد، أما إن كان الأمر يتعلق بمبدأ قرآني يسري في كل زمان، فإن هذا الأمر لا معني له، لأن الإيحاء المبتني علي ذلك سيكون أن كتاب الله لا يمتلك الحجية بنفسه، بحيث أنه يحتاج إلي شهادة علماء غيره بحقه [108] وهذا ما لا يقول به [ صفحه 82] مسلم واع، أضف إلي ذلك أن كون الآية متعلقة بمبدأ قرآني عام، فإنها تفترض أن الشاهد حاضر دائم للشهادة، فأي حضور هذا تطمئن الآية إليه، إن كان المراد بهم علماء أهل الكتاب، وفيهم من لا تصح شهادته علي (حزمة بقل) كما يقال. هذا ناهيك عن أن من وصف بعلمية الكتاب - حسب فرضية فضل الله - لا يوجد في كل زمان، ولهذا اضطر إلي القول بأن المراد بهم هم: الطليعة الواعية المؤمنة التقية المنضبطة التي تفهم الإسلام حق الفهم. [109] . وهنا يرتد آخر الأمر علي أوله فلئن صح هنا القول بأنهم من وصفت بالطليعة الواعية المؤمنة، فما لعلي (ع) لا يصح أن يكون من جملة هؤلاء - علي الأقل - في زمن رسول الله (ص)، فلئن كانت شهادة مثله لا تصلح في زمن رسول الله (ص) لأنه معه، أفتصلح شهادة الجمع وفيهم من هم دونه، في زمن غيره!!. إن من المؤكد أن طلب الشهادة هنا هو من أجل إتمام الحجة، وإتمام الحجة علي حقانية الرسالة، لا يكون من خلال شهادة إثبات بنعم أو لا، وإنما يحتاج إلي من [ صفحه 83] يمتلك العلم التفصيلي بكل شؤون الرسالة، بالصورة التي يكون الشاهد معها قادرا علي دحض حجج الآخرين المضادة لهذه الرسالة، وهذا لا يمكن أن يكون إلا من خلال جهة مؤمنة بكل الرسالة، وليست بجهة وافدة من خارج الرسالة، ولهذا فإن المدعي بأن الرسول لا يأتي بمثل علي للشهادة لأنه معه، قول علي الأقل لا يمتلك الدليل المقنع إلا بمقدار من الاستحسانات العقلية التي لا تغني ولا تسمن، فوفق أي مستند عقلي أو قانوني لا يتقدم للشهادة من كان الدليل القاطع علي صحة قول أحد هؤلاء المتخاصمين، نعم يمكن أن تضعف شهادة هذا الشاهد إن كان دليله هو محض القول، أما في مجال الفعل وتقديم الدليل القاطع، فلا مجال لرد شهادة هذا الشاهد، حتي وإن كان يمثل نفس أحد المتخاصمين، ومعلوم هنا أن الشهادة المطلوبة ليست شهادة التصديق أو التكذيب علي وقوع أمر أو لا، وإلا ما جاء بكلمة العلم المطلق بالكتاب، حيث يكفيه في هذا المجال كل صادق في القول، وإنما هي شهادة علي تمامية الرسالة حتي لو كانت علي نحو التفصيل الممل، وهو مقتضي إلقاء الحجة علي الناس، ولهذا عبر القرآن الكريم عن شهادات غاية في التفصيل: " يوم تشهد ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما [ صفحه 84] كانوا يعملون " [110] فلو لم يكن مقتضي تمام الحجية مستدعيا للشهادات التفصيلية، لما احتاج القرآن للحديث عن ذلك، إذ يكفي المجئ بشهادات الملائكة الكاتبين علي تنجيز الفعل المشهود عليه. ولهذا نجد أن القرآن الكريم لا يستبعد إمكانية أن يشهد الشهادة بمثل هذه الأمور من له سنخ هوية المشهود له، طالما أن الشاهد يمتلك الدليل القاطع والبينات اليقينية علي صحة شهادته، كما نري ذلك في الآية القرآنية حيث يقول جل وعلا: " أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسي إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إن الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون " [111] . وهذه الآية لا تطرح إمكانية وجود الشاهد من سنخ هوية المشهود له، بل وتابع له فحسب، وإنما تطرح وجوده الاجتماعي أيضا، فمن الواضح أن الذي هو علي بينة من ربه هو رسول الله (ص)، يتبقي علينا أن نعرف من هو هذا الذي يتلوه، ومما لا ريب فيه أن هذه الآية تلتقي [ صفحه 85] مع الفهم الذي أشرنا إليه من قبل بضرورة أن يكون للرسالة شاهد من بعد وفاة الرسول (ص)، وذلك لما رأينا بأن قوله تعالي: " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا " [112] يشير إلي مهمة ودور لا إلي خصيصة ذاتية متعلقة برسول الله (ص) فحسب، وهذه المهمة طالما أننا فهمناها بأنها تستدعي الحضور الوجودي، بما وجدناه من آية عيسي (ع): " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت علي كل شئ شهيد " [113] والتي تشير إلي استلزام حياة الشاهد، الأمر الذي يحتم وجود الشاهد بعد حياة رسول الله (ص) يكمل دور الرسول ويؤدي إليه الشاهد كما أدت الأمم السالفة عبر أنبيائهم (ع) الشهادة لرسول الله، وهذه الأمر يطرحه الفهم القرآني مرة بصورة الأمة الوسط كما في قوله تعالي: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " [114] ، وأخري بصورة خصائص ومواصفات هذه الأمة الوسط بالصورة التي عرضت له الآيتين الكريمتين: " يا أيها الذين أمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم [ صفحه 86] وافعلوا الخير لعلكم تفلحون - وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل في هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء علي الناس فأقيموا الصلوات وأتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولي ونعم النصير " [115] . فهذه الوسطية التي تقف بين رسول الله (ص) وسائر الناس في مسألة الشهادة لن تكون إلا من خلال مواصفات دقيقة تقترب من مواصفات الشاهد وتتطابق معه، ولهذا كانت هذه الأمة الوسط مجتباة من قبل الله تعالي كما أشارت الآية الثانية، إذن فإنها ليست أمة بالمعني الشعبي للموضوع، وإنما هي مجموعة مصطفاة من الأمة، عبر عنها بالأمة لأنها علم الأمة وشاخصها البارز، ولهذا عبر القرآن عن إبراهيم بأنه أمة في قوله تعالي: " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين " [116] . ونلاحظ هنا أن هذه الأمة المجتباة، قد كانت حاضرة في وجدان إبراهيم (ع) بحيث أنه سماها وعناها باسم المسلمين، وكونها سميت بذلك فلخصائص [ صفحه 87] ومواصفات امتلكتها، هي التي جعلتها بالتالي تمثل الصورة العليا في الإسلام. ومن العجيب أن بعض المفسرين يشير إلي أن لفظة المسلمين أراد بها مطلق أهل الإسلام , دون أن يلتفت إلي تقدم لفظة الذين آمنوا علي لفظة المسلمين، مما يميز الكلمة هنا عن كلمة الإسلام في سورة الحجرات: " قالت الأعراب أمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم " [117] فهنا تقدم الإسلام علي الإيمان لأنه إسلام كل الناس، ولذلك نهي من ادعاء الإيمان، أما في هذه الآية فنحن نري العكس حيث تقدم لفظ الإيمان علي الإسلام، مما يجعل هذه الصفوة تمثل عصارة الإسلام. ولولا حظنا بقية المواصفات بدقة لرأينا أن هؤلاء من أهل العصمة، وذلك لما أشير هنا إلي مواصفات مطلقة، وإذا ما كان وسط الشئ يعني أفضله كما يقول صاحب اللسان حيث يعقب: ومنه الحديث: خيار الأمور أوساطها. [118] إذن لا بد وأن يكون ركوع هذه الأمة وسجودها وعبادتها وفعلها للخير، ثم جهادها وإقامتها [ صفحه 88] للصلاة وإيتاؤها للزكاة واعتصامها بالله يكون من أفضل أنواع السجود والركوع والعبادة، بحيث يكون الله مولاهم، علي نحو مطلق لذلك عبر عنه بأنه نعم المولي ونعم النصير، وهذا ما لا يمكن تصوره منفكا عن وجود العصمة، خصوصا وأنها تبلغ مرحلة لا تمثل فيها أي مسألة دينية مهما بلغت في صعوبتها أو تدانت في دقتها لتمثل لهم حرجا، وهذا ما يجرنا إلي القول بأن وسطية كهذه تفترض فيهم العالمية، وهذا يرجع آخر الأمر إلي أوله، أي أننا لما أشرنا من قبل إلي مواصفات الشاهد الذي يحتاجه الرسول (ص) للشهادة علي رساليته، وكونه لا بد وأن يكون عالما بما سيشهد به، ووجوب أن يكون معصوما كي لا يكتم الشهادة، جاءت هذه الآية للتحدث عن وجود جهة مشخصة لها وجودها الاجتماعي والتأريخي، وضعت كوسيطة بين شهادة الناس وشهادة الرسول (ص)، وحيث أن من يختصه الرسول (ص) للشهادة دون سائر الناس يكون أمثل الناس بطريقة الرسول (ص)، إذن فلا بد أن نعثر علي هذا الوجود بالقرب من رسول الله (ص)، لا أن نستبعده عنه، كما أراد فضل الله حينما أبعد عليا عنه بدعوي أن الرسول لن يأتي بشاهد منه. فتأمل. [ صفحه 89]

اي كتاب.. و أي علم

ونحن قبل أن نفتش عن هوية هذا الوجود التأريخي، لا بد وأن نتوقف في محطة أخري من محطات الآية الكريمة، فطالما أننا استبعدنا في المبحث السابق أن يكون الكتاب، كتاب أهل الكتاب، فعن أي كتاب تتحدث هذه الآية إذن؟. ومن شأن تشخيص هوية الكتاب أن نستدل علي طبيعة العلم الذي يمتلكه من عنده علم هذا الكتاب، وقد دار الجدل بعد دحض نظرية كون الكتاب، كتاب أهل الكتاب حول اتجاهين، فاتجاه ذهب إلي أن المقصود بالكتاب هو اللوح المحفوظ المدونة فيه أسرار عالم الملكوت، ويتقوي هذا الاتجاه بوصف آصف بن برخيا (ع) في القرآن حيث أشارت إليه الآية القرآنية بوصف: " قال الذي عنده علم الكتاب أنا أتيك [ صفحه 90] به قبل أن يرتد إليك طرفك " [119] حيث أن الآية التي تصور آصف بن برخيا (ع) بأنه يمتلك نمطا من أنماط الولاية التكوينية وهي من آيات علم الملكوت قد أشير إليه بأنه يمتلك بعضا من علم الكتاب لوجود (من التبعيضية) وحيث أن أشار إلي البعض فلا بد وأن يشير إلي الكل، ولهذا جاءت آية " ومن عنده علم الكتاب " للإفصاح عن هذا العالم بكل هذا العلم. وفي مقابل ذلك يتحدث الاتجاه الثاني عن أن هذا الكتاب إنما هو القرآن الكريم، وهو ماذهب إليه العلامة الطباطبائي في تفسيره [120] حيث يري أن ما يؤيد هذا الفهم هو مفتتح سورة الرعد " المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق " [121] ، ويؤكد أنه هو الشاهد علي صحة الرسالة التي تضمنها باعتبار أنه: " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " [122] . وفي تصوري أن لا تعارض من حيث الجوهر بين كلا الاتجاهين، فلئن كان علم اللوح المحفوظ قد حوي [ صفحه 91] ما كان وما سيكون، فالقرآن فيه تبيان لكل شئ كما وصفه الله في قوله تعالي: " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدي ورحمة وبشري للمسلمين " [123] وهذه الكل شئ يمكن أن تمتد أيضا لعلم اللوح المحفوظ كما يذهب إلي ذلك البعض من المؤلفين. [124] . وأيا كان الأمر فثمة شئ مجمع عليه وهو أن هذا العلم لن يكون علما بشريا، أي أنه لا يأتي من المسارات الطبيعية للتعلم البشري، وإنما هو نمط من أنماط العلم الإلهي الذي لن يؤتيه الله إلا من اصطفي من عباده، فتعبيره بلفظة: " ومن عنده علم الكتاب " إنما تشير إلي الاستغراق لكل علم الكتاب، وهذا ما يجعله إما أن يكون علمه أكثر من ذلك، ففي كلا الفرضيتين يحتاج هذا المدي من العلم إلي معلم استثنائي يفوق علمه من علم، [ صفحه 92] وضمن أساليب استثنائية هي الأخري بإمكانها أن تختصر الزمن اللازم للعلم، ويستلزم ذلك مخبر استثنائي بوجود هذا العلم من جهة، وبتمكن هذا الشخص منه، وهذا المخبر لن يكون علمه بالأمر العادي، وإنما ينبغي أن يكون أعلم من الذين علم الكتاب كله، وهذا لن يكون بأي حال من الأحوال من المتعلمين البشر، وإنما لا بد وأن يكون إما علي تماس مباشر مع الذات الإلهية المقدسة، أو أن يكون هذا المعلم والمخبر هو نفس الذات المقدسة، وهما لا يتعارضان فيمكن للرسول (ص) أن يختص بتعليم علم ما علمه الله، إلي هذا الشخص أو الجهة، أو أن يرتبط هذا الشخص أو الجهة بآلية خاصة تمكنها مباشرة من العلم الإلهي، وكلاهما مؤيدان في الأخبار والروايات الكثيرة. ولهذا لا يبقي أمامنا غير السنة الموثوقة لتكشف لنا عن لثام هذا الشاهد، وهو ما سنتابعه في الفصل اللاحق إن شاء الله وما توفيقي إلا بالله. [ صفحه 95]

الواقع الروائي لأفكار الانحراف

اشاره

السنة المعصومة كاشفة عن محتويات الكتاب، ووظيفتها تأويل ما لم يصرح له القرآن، أي أنها هي التي تقوم بدور التخصيص لما عممه القرآن، لا كما يزعم البعض حينما يحاول أن يسلب من السنة هذا الدور، اعتمادا علي منهج أصحابه حينما تنادوا في رزية يوم الخميس: إن النبي ليهجر يكفينا كتاب الله!!. وهذا المنهج - الذي يرفضه القرآن نفسه [125] - يحاول أن يتحدث بطريقة شعارية عن المفهوم القرآني فيجعله حاكما علي جزئيات المفاهيم الموجودة في [ صفحه 96] الأحاديث، معتبرا هذا المفهوم مقياس صحة الحديث وفساده. [126] . بل تراه يذهب إلي ما هو أكثر من ذلك حينما يرفض الحديث الصحيح المفسر للقرآن علي غير طريقة التفسير الظاهري للقرآن فيقول: إذا كان نص قرآني وكان هناك حديث يؤول هذا النص، فالمقصود بهذا المعني كذا غير المعني الظاهر.. وهنا نلاحظ أن هذا النص الذي جاء ليفسر القرآن بغير ظاهره، هل يستقيم هذا التفسير مع قواعد اللغة العربية أم لا؟ هل يمكن أن يحتفظ القرآن ببلاغته مع هذا التفسير أم لا؟ لذلك ليس كل حديث نقبله ولو كان صحيحا يأتي بتفسير للقرآن غير التفسير الظاهر. [127] . وما من شك في أن نفس القرآن يحكم كل شئ، ولكن حينما نجعل المفهوم القرآني [128] . حاكما، فإن ما [ صفحه 97] نحتاج إليه مسبقا هو الآلية التي بموجبها نفهم هذه المفاهيم، ونحدد أطرها، ولن نجد عندئذ غير السنة الصحيحة والموثوقة بقادرة علي تحديد هذه المفاهيم، ففي القرآن محكم ومتشابه، وخاص وعام، ومقيد ومطلق، وظاهر وباطن، وهذه تحتاج إلي من يخرجها من إطار اللفظ إلي إطار المراد الإلهي، ولن يتولي هذا الأمر سوي من له ملكة التعرف علي هذا المراد، وبغيره فإن ما يعبر به هو عن المفهوم القرآني، أو الفهم القرآني للمسائل وما إلي ذلك، لن يعدو كونه عملا من أعمال مناهج الاستحسان العقلي والمصالح المرسلة، [129] وهو [ صفحه 98] منهج علاوة علي كونه مرفوضا جملة وتفصيلا من قبل مدرسة أهل البيت (ع)، إلا أنه ظني الدلالة في أحسن الأحوال، وهذا ما يرفضه القرآن ويقرع من يستخدمه فقال جل من قائل: " إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون " [130] وقوله: " وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون " [131] وكذا قوله: " وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا " [132] وذلك ضمن تفصيل يراجع في متون الكتب الأصولية. ونحن في هذا الفصل سنحاول أن نتعرف علي هوية هذا الشاهد، ومن أجل ذلك سنسير في ثلاثة مراحل هي: أ - حقيقة المبني الروائي الذي قام عليه تيار الانحراف عن مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وفي هذا [ صفحه 99] المجال سيكون حديثنا منصبا في البداية علي واقع روايات أهل العامة، ثم سنناقش الأسس التي اعتمدها تيار الانحراف في إثارته العقيمة هذه. ب - وفي المرحلة الثانية سنحاول أن نتعرف علي موقف السنة الشريفة من الآية الكريمة بشكل مباشر، وعندئذ سنتبين عمق الهوة التي أوجدها تيار الانحراف بينه وبين أهل البيت (ع). ج - ومن أجل أن نتعرف أكثر علي هوية هذا الشاهد، لا بد وأن نتعرف علي موقف السنة المعصومة من آيتي الوسط والشاهد التالي لرسول الله (ص)، فالآيتان لهما ارتباط وثيق بالمراد من آية الشهادة، ومن شروط الحديث عنهما أن ينسجم مع الحديث عن آية: " ومن عنده علم الكتاب ". [ صفحه 100]

المبني الروائي لتحريف مراد الآية

اعتمد تيار الانحراف - حسب الظاهر - علي روايات أهل العامة في تسويق عملية التحريف التي طالت مفهوم الآية ومفادها، ورغم أن هذا الأمر بحد ذاته يكفي لتعرية المنهج والإفصاح عن بعده عن مدرسة أهل البيت (ع)، إلا إن من ضوابط العمل العلمي أن يبحث عن الحقيقة أينما كانت، ولهذا فإن من الحري بنا أن نتبين حقيقة الروايات التي أولت عبد الله بن سلام وأضرابه مصداقية الآية، بعد أن تبينا في الفصل السابق بعد دلالة مفهومها قرآنيا وموضوعيا علي ذلك. يأخذ المتابع للمنهج الروائي في هذا المجال الذي سار عليه أهل تفسير العامة علي هؤلاء أنهم لم يرووا ما رووا عن رسول الله (ص)، وإنما كانت أغلب رواياتهم عن التابعين فيما خلا عدد قليل من الصحابة، وبالتالي فهي [ صفحه 101] لا تمثل للسنة والشيعة أدني إلزام عملي بالعمل بمقتضي ما رووه، خصوصا وأننا سنلحظ إنهم قد يروون رواية تتعارض مع أختها أو تتضارب معها، وفي كل الأحيان يتم ذلك عن طريق راوية واحد، كما يحصل في الروايات التي تنسب لابن عباس، فلقد رووا عن ابن عباس قوله مرة أن شاهد هذه الآية هو عبد الله بن سلام، وأخري بأنهم أهل الكتاب من اليهود والنصاري، وثالثة: بأنه كان يقول: ومن عند الله علم الكتاب، ونفس الأمر تلحظه في الروايات التي رووها عن مجاهد وقتادة. وعدم الإلزام الذي نتحدث عنه بالنسبة لأهل السنة إنما سنه نفس هؤلاء الرواة، فلقد روي - فيما رووه - سعيد بن منصور عن قتادة بأنه عبد الله بن سلام، غير أنه في موضع آخر يروي قول قتادة: كان الحسن يقرؤها: ومن عند الله علم الكتاب، ونفس الأمر في رواية مجاهد بأنه عبد الله بن سلام غير أنه قال في مكان آخر: هو الله هكذا قرأها الحسن. علي أنه ليس من العسير علي المرء أن يلاحظ في الروايات التي اعتمدها أهل العامة في هذا الخصوص هو الحجم الكبير من التعارض والتضارب بين الروايات التي تحدثت ضمن هذا الاتجاه، فلقد روي الطبري - مثلا - [ صفحه 102] مرة أن الآية نزلت بحق عبد الله بن سلام، وأخري قال هم أهل الكتاب من اليهود والنصاري، وثالثة: رجل من الإنس ولم يسمه، ورابعة: أناس من أهل الكتاب كانوا يشهدون بالحق ويقرون به ويعلمون أن محمدا رسول الله كما يحدث أن منهم عبد الله بن سلام، وخامسة: كان منهم عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وتميم الداري. [133] . وهذا التضارب إن لوحظ بلحاظ روايات الاتجاهات الأخري التي ذكرتها كتب العامة تحصل علي صورة أكثر إرباكا للحقيقة، خصوصا تلك الروايات التي تحدثت عن مكية السورة، والتي نفي المحدث فيها وبشدة أن تكون الآية قد نزلت بحق عبد الله بن سلام كما في الرواية التي يرويها الطبري والنحاس في ناسخه بإسناده إلي أبي يسر (بشر) قال: قلت لسعيد بن جبير: " ومن عنده علم الكتاب " أهو عبد الله بن سلام؟ قال: وكيف يكون عبد الله بن سلام والسورة مكية، ثم قال النحاس معقبا: أنكر هذا سعيد بن جبير لأن السورة مكية [ صفحه 103] وعبد الله بن سلام أسلم بالمدينة. [134] . وهذه الأمور إن لوحظ فيها اعتبار آخر، وهو أن بعض هذه الروايات مروية عن صاحب العلاقة مباشرة بالشكل الذي يجعل احتمال الكذب فيها قائما للتسالم علي وجود مصلحة واضحة لرواية من هذا القبيل. أقول: لو جمعت هذه الأمور بمجموعها فإن من حق المرء أن يتساءل عن المصداقية الحقيقية - ضمن علم الرواية - لمثل هذه الأحاديث، فلا هي وردت عبر مصدر شرعي، ولا هي مأخوذة بطرق منتظمة خالية من الارتباك، ولا هي متوافقة فيما بينها، فعلام إذن يتم التعلق بهذه الروايات دون غيرها؟. ولئن كان المناط هو أخذ روايات العامة ومفارقة روايات أهل البيت (ع) فلقد روي أهل العامة أيضا بطرقهم أن الآية نزلت بحق علي، فلماذا لا تؤخذ روايتهم هذه، خاصة وأنها تنسجم مع معطيات المنحي الروائي الذي ينحو إليه البعض، فأهل العامة لا مصلحة لهم في الكذب إن قالوا بأنه علي بن أبي طالب (صلوات الله [ صفحه 104] عليه). إننا نري أن علم الحديث يقف إلي الضد من هذا الاتجاه، كما رأينا في أبحاث الدلالة إباء انطباق القرائن الموضوعية علي ما أشارت إليه هذه الروايات، فما هو الأمر الذي جعل تيار الانحراف يتجه للأخذ بمثل هذه الروايات علي الرغم من وضوح ارتباكها واضطرابها؟. لكان الأمر طبيعيا لو أن رواية أهل البيت (ع) في هذا المجال كانت منعدمة، أو أنها كانت لا تحقق ضابط الوثاقة في الأسانيد المروية عنهم (ع)، أما مع وفرتها، واتساقها ضمن ضوابط صحة الصدور والرواية، فإن الأمر لا يحكي - ولا بأي صورة من الصور - عن انسجام تفكير تيار انحراف مع هذه المدرسة، فضلا عن أن يكون ممثلا لها!. وكان بإمكان هذا التيار الادعاء بدعوي إدخال أمثال المغيرة بن سعيد العجلي وأضرابه من الكذبة ووضاع الحديث، الأخبار في كتب أصحاب الإمام الباقر والصادق (ع) كما أشار إلي ذلك محمد حسين فضل الله بقوله: إننا نحاول أن نلفت النظر إلي حقيقة تاريخية أساسية، وهي قضية الدس والوضع في الأحاديث المنقولة عن النبي والأئمة والصحابة الذي يفرضه ويمليه الواقع [ صفحه 105] السياسي من جهة، والاتجاه المذهبي من جهة أخري تبعا لانتماءات الرواة السياسية والمذهبية أو لمصالحهم مع هذا الفريق أو ذاك الفريق، مما يبعث علي الحذر الكبير والدقة المتناهية فيما يأخذه الإنسان من الأخبار وفيما يدعه منها، حتي في أحاديث الثقاة الثقاة من الرواة، لأن الوضاعين قد اتبعوا أسلوبا خبيثا في إعطاء الثقة لأخبارهم المكذوبة، وذلك بأن يدسوا أخبارهم في كتب هؤلاء الثقاة بتقليد خطوطهم، وإفساح المجال لها في المواضع غير المكتوبة في تلك الكتب التي يحصلون عليها بطريق الاستعارة، فلا ينتبه إليها الآخرون وتمر الكذبة علي أساس ذلك باسم الثقاة من حيث لا يشعرون. [135] . ولكن ما عبر عنه بالحقيقة التاريخية ما لها تعمل فقط في عموم الرواية الشيعية، ولا تعمل لدي تيار الانحراف في داخل الرواية العامية! خصوصا وأن المقتضيات السياسية لوضع الحديث التي يشير إليها في طرحه هذا، لها تفعيل رسمي في خارج مدرسة أهل البيت (ع) بما لا مجال للشك فيه. ورغم أن مدرسة أهل البيت (ع) قد عالجت [ صفحه 106] مشكلة الوضع هذه إلي حد بعيد، والمشكلة التي خلقها مثل المغيرة بن سعيد وأبي الخطاب الأسدي قد عولجت فورا، وهذه المعالجة كانت حاكمة في جميع كتب أصحاب الأئمة، وقد تولي الإمام الصادق ومن بعده الإمام الرضا (ع) بحركة تشذيب شاملة للكتب المروية عنهم جندوا لها أمثال محمد بن مسلم الثقفي وأبان بن تغلب في عهد الصادق (ع)، ومحمد بن أبي عمير في عهد الإمام الكاظم (ع) ويونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيي وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي في عهد الإمام الرضا (ع)، ثم تعاقبت هذه في زمن الإمام الهادي العسكري (ع) عبر تلاميذهم لا سيما الحسن والحسين بن سعيد وأبناء مهزيار، وأحمد ابن محمد بن عيسي ومحمد بن الحسن الصفار، ولم تكتف هذه المدرسة بذلك، بل وضعت شرائط قاسية وصارمة في قبول ورد الخبر، لا تعادلها أي صرامة لدي أي مدرسة أخري، أقول: رغم ذلك هل يا تري أن الحذر الكبير الذي يدعو إليه هذا الرجل، يعني أن نسقط عموم الحديث أو نلجأ إلي ضوابط علمية نحتكم إليها في قبول رد الحديث أو الأخذ به. فإن قال بإسقاط الحديث، فلماذا عمل بأخذ رواية العامة دون الخاصة؟ وإن قال باتباع نظام الضوابط، فأين هو الضوابط التي عمل [ صفحه 107] بموجبها فرفض حديث الخاصة وعمل بحديث العامة، ولربما نستطيع أن نستجلي حقيقة موقفه هذا من خلال النص التالي حيث يقول: ربما كان توثيق أحاديث أهل البيت (ع) مشكلة معقدة من حيث اختلاف الرأي في أسس التوثيق للنصوص المأثورة عنهم، وعن النبي محمد (ص)، وفي طبيعة الحقيقة التاريخية، في وثاقة هذا الراوي أو ذاك، مما يجعل الصورة غير واضحة الملامح في التعبير عن الخطوط الفكرية والفقهية في منهج أهل البيت الإسلامي، وقد تزيد المسألة إشكالا إذا لاحظنا اضطراب الأحاديث المروية عنهم، من حيث التعارض والتنافي بين الروايات، لا سيما أن بعضها قد يكون صادرا عن راو واحد، يروي الفكرة برواية، ليروي خلافها برواية ثانية. [136] . ولو قدرنا - جدلا - صحة ما ذهب إليه، فلماذا خص هذا المنهج بحديث أهل البيت (ع)، وها نحن للتو قد رأينا أخبار أهل العامة وهي تتضارب وتتنافي فيما بينها، ودواعي الوضع فيها لأسباب سياسية وطائفية بينة، فلماذا لم يراع كل تلك الضوابط التي اشترطها علي حديث أهل البيت (ع) في حديث أهل العامة فيما رواه [ صفحه 108] في قصة: " ومن عنده علم الكتاب "؟. علي أن هذه الضوابط التي فيها من التضبيب ما يكفي لرمي حديث أهل البيت (ع) بعيدا، وترك العمل بمقتضياته، لم نجدها تعمل لديه وهو يشرع فهما جديدا لمبدأ قبول الرواية، يقوم علي حساب احتمالات الكذب والصدق، فهو يقبل رواية ضعيفة لعدم وجود احتمال الكذب فيها، ويرد أخري صحيحة لاحتمال وجود الكذب فيها. [137] . وهذا الفهم الذي يترك المجال للاستحسان العقلي وحده برد أو قبول الروايات، يؤسس لمشروع يطال كل أنماط الحديث، ومعه يمكن لكل رواية ترويها طرق أهل البيت (ع) أن تكون كاذبة، لأن دواعي مصلحتهم فيها واضحة، فهي تتحدث عن مذهبهم، وبالتالي يمكن الكذب فيها، وبلحاظ أو دواعي المصلحة ومعايير اكتشاف الصدق والكذب تختلف من شخص لآخر، ومن زمان لآخر، فإن ما لا ريب فيه أن هذا المنهج يؤسس لحالات: [ صفحه 109] الأولي: وهي المباشرة إعطاء الحق لمدارس العامة برفض الحديث الإمامي وبعدها مقولة الإمامية، باعتبار الإمامية يتحدثون بما تمليه أسس المذهب، وهو أمر تكمن فيه مصلحتهم، وبالتالي يجعل داعي الكذب موجودا دائما، ومن ثم للقول بأن ما يتهم الشيعة به أهل العامة ليس محقا، لأن تلكم المقولات ليس مقولات ثابتة، أو كما يسميها داعية هذا المنهج (غير مقدسة) فما هو غير مقدس تكون: قداسته مقتصرة علي الشخص الذي تثبت قداسته عنده - بحسب اجتهاده - فليس له أن يرجم غيره - ممن لا يري رأيه - بإنكار المقدسات. [138] . والثانية: إنه يسمح بإيجاد حالة انتقائية للحديث تقوم علي أساس ما يتناسب وعقلية مدرسة الرأي والاستحسان، ومعه يمكن أن يضيع المقدار الأكبر من السنة الصحيحة، ومن ثم لتنشأ حالة ثالثة وهي وجود سنة [ صفحه 110] متناقضة تسمح بوجود التهافت في داخلها، بالشكل الذي قد يسمح في المحصلة النهائية بإسقاط السنة نهائيا، وهذا ما يلتقي بالنتيجة ما طرحناه سابقا، وهو أن المطلوب إسقاط سنة المعصوم (ع)، ولو من خلال الاكتفاء بإسقاط حديث أهل البيت (ع) عنها، وهذا ما يوضحه الرجل - علي مستوي المنهج - في مجالات متعددة فبعد أن وصف الاعتقادات الخاصة بمدرسة أهل البيت (ع) [139] وهي البديهيات الإسلامية من خلال وصفها بالمتحولات التي لم تكن بالصراحة الكافية لجعلها فوق الخلاف، وليست موثوقة بشكل لا يمكن الشك فيه، جاء [ صفحه 111] في موضع آخر ليقول: (إن كل ما جاءنا من تراث فقهي وكلامي وفلسفي هو نتاج المجتهدين والفقهاء والفلاسفة والمفكرين، من خلال معطياتهم الفكرية، ولا يمثل الحقيقة إلا بمقدار ما نقتنع به من تجسيده للحقيقة، علي أساس ما نملكه من مقاييس الحقيقة، وبهذا فإننا نعتبر أن كل الفكر الإسلامي - ما عدا الحقائق الإسلامية البديهية [140] - هو فكر بشري وليس فكرا إلهيا، قد يخطئ فيه البشر في ما يفهمونه من كلام الله وكلام رسول الله (ص)، وقد يصيبون). [141] . أي وعلي أي حال فإننا نجد من خلال هذه الملاحظات السريعة أن منهج الانحراف في مبانيه الروائية قد اعتمد [ صفحه 112] آراء أهل العامة [142] ، ولكنه حتي في هذا الاعتماد لم يفلح في إيجاد التوافق بين ما يطرحه في حجج للخروج عن سنة أهل البيت، وبين ما التزم به من فكر العامة، فلا فكر العامة قد وافق فهم القرآن، ولا رواياته كانت متوافقة مع منهج الانحراف في التعامل مع السنة، ولو تأمل القارئ الكريم بهذا الأمر قليلا لما فوت فرصة التعرف علي الهدف الحقيقي الذي يسعي تيار الانحراف إليه. [ صفحه 113]

من عنده علم الكتاب في سنة المعصوم

سنتعرف في هذا المبحث إلي الواقع الروائي في تفسير هذه الآية من خلال سنة المعصوم عليه السلام، حيث سنجد التوافق التام مع المعطيات التي خرجنا بها في المبحث القرآني في مواصفات وخصائص الشاهد المطلوب للمهمة التي تطرحها الآية المباركة، مع بعض الإشارة إلي صدي هذه الرواية في أوساط أهل العامة، ومن ثم ليغدو واضحا أي مجانبة ومفارقة عن فكر أهل البيت عليهم السلام قد اقترفها داعية الانحراف.وكعادتنا فإننا سنعتمد منهج التشدد السندي في توثيق الروايات التي سنذكرها [143] وذلك وفقا لمنهج [ صفحه 114] المقدس السيد الخوئي (قدس سره) باعتباره صاحب أكثر المناهج تشددا في مسائل الجرح والتعديل، ففي صحيحة علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمد بن يحيي، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عمن ذكره، عن ابن أبي عمير جميعا، عن ابن أذينة، عن بريد بن معاوية قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: (قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: إيانا عني، وعلي وأولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي (ص). [144] . ونفس الرواية رواها محمد بن الحسن الصفار بسند أخر عن محمد بن الحسين، ويعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير. [145] . وفي صحيحة [146] أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن أحمد بن محمد، عن حماد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: (قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) هو [أهو خ. ل] علي بن أبي طالب [ صفحه 115] عليه السلام؟ قال: فمن عسي أن يكون غيره. [147] . وفي موثوقة [148] يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي فضال، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كنت عنده فذكروا سليمان ابن داود، إنما كان عنده حرف واحد من الاسم الأعظم، وصاحبكم الذي قال الله: (قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) وكان والله عند علي عليه السلام علم الكتاب، فقلت: صدقت والله جعلت فداك. [149] . وفي صحيحة أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيي الحلبي، عن أيوب بن الحر، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع)، والنضر بن سويد، عن عصم بن حميد، عن محمد بن مسلم، وفضالة بن أيوب، عن أبان، عن محمد بن [ صفحه 116] مسلم، والنضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جابر جميعا، عن أبي جعفر (ع) في قول الله عز وجل: " قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب " قال: هو علي بن أبي طالب (ع). [150] . وفي موثوقة محمد بن الحسين، عن ابن فضال، عن مثني الحناط، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر (ع) في قول الله عز وجل: " قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب " قال: نزلت في علي (ع) عالم هذه الأمة بعد رسول الله (ص). [151] . وفي صحيحة عبد الله بن أحمد بن نهيك، عن الحسن بن موسي، عن عبد الرحمن بنأبي نجران، عن المثني [152] قال: سألته عن قول الله عز وجل: ومن عنده علم الكتاب قال: نزلت في علي (ع) بعد رسول الله (ص) وفي الأئمة بعده. [153] . وفي مؤيدة أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسين [ صفحه 117] ابن سعيد، عن محمد بن الفضيل، [154] . عن أبي الحسن (ع) في قول الله عز وجل: " قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب " قال: هو علي ابن أبي طالب. [155] . وفي صحيحة أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد، عن أحمد بن حمزة، عنأبان بن عثمان، عن أبي مريم [156] قال: قلت لأبي جعفر: هذا ابن [ صفحه 118] عبد الله بن سلام يزعم أن أباه الذي يقول الله: " قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ". أقل كذب، ذاك علي ابن أبي طالب. [157] . ولهذا تكون مرسلة [158] يحيي الحلبي معتبرة فلقد روي أحمد بن محمد بن عيسي، عن البرقي، عن النضر ابن سويد، عن يحيي الحلبي، عن بعض أصحابنا [159] قال: كنت مع أبي جعفر (ع) في المسجد أحدثه إذ مر بعض ولد عبد الله بن سلام وقلت: جعلت فداك هذا ابن الذي يقول الناس عنده علم الكتاب؟ قال: لا، إنما ذلك علي (ع) نزلت فيه خمس آيات أحدها: قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب . [160] . وفي صحيحة محمد بن الحسين، ويعقوب بين يزيد، عن ابن أبي عمير، عن بريد بن معاوية قال: قلت لأبي جعفر (ع) قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال: إيانا عني وعلي أولنا وأفضلنا [ صفحه 119] وخيرنا بعد النبي (ص). [161] . وفي المروية الآتية التي تروي عن عبد الله بن الوليد السمان بطرق متعددة، وبأجزاء متفرقة أذكر منها صحيحة محمد بن عيسي بن عبيد، عن محمد بن عمرو، [162] ، عن عبد الله بن وليد السمان، قال: قال لي أبو جعفر (ع): يا عبد الله ما تقول الشيعة في علي وموسي وعيسي.. الخبر، [163] وصحيحة محمد بن إسماعيل، عن محمد بن عمرو الزيات، عن عبد الله بن الوليد قال: قال لي أبو عبد الله (ع): أي شئ يقول الشيعة في عيسي وموسي وأميرالمؤمنين (ع).. الخبر، [164] وفي مرفوعة [ صفحه 120] الاحتجاج إلي محمد بن أبي عمير، عن عبد الله بن الوليد قال: قال أبو عبد الله (ع): ما يقول الناس في أولي العزم وصاحبكم أمير المؤمنين (ع).. الخبر [165] ، وفي المرسلة المؤيدة بالصحاح المارة أحمد بن محمد، [166] عن البرقي، عن رجل من الكوفيين، عن محمد بن عمرو [167] قال: قال أبو عبد الله (ع): ما يقول أصحابك في أمير المؤمنين (ع) وعيسي وموسي أنهم أعلم؟ قال: قلت: ما يقدمون علي أولي العزم أحدا، قال: أما إنك لو حاججتهم بكتاب الله لحججتهم، قال: قلت: وأين هذا في كتاب الله؟ قال: إن الله قال في موسي: " وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة " [168] ولم يقل كل شئ، وقال في عيسي: " ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه " [169] ولم يقل كل شئ، وقال في صاحبكم: كفي بالله [ صفحه 121] شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ". [170] . وقريب منها وبتفصيل أكثر: صحيحة سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيس بن عبيد، عن محمد بن عمرو، عن عبد الله بن الوليد السمان قال: قال الباقر (ع): يا عبد الله ما تقول في علي وموسي وعيسي؟ قلت: ما عسي أن أقول فيهم؟ قال: هو والله أعلم منهما، ثم قال: ألستم تقولون: إن لعلي ما لرسول الله من العلم؟ قلت: نعم، والناس ينكرون. قال: فخاصمهم فيه بقوله تعالي لموسي: " وكتبنا له في الألواح من كل شئ " فعلمنا أنه لم يكتب له الشئ كله!. وقال لمحمد (ص): " وجئنا بك شهيدا علي هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكلشئ ". [171] قال: فسئل عن قوله: " قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب " قال: والله إيانا عني، وعلي أولنا وأفضلنا [ صفحه 122] وخيرنا بعد رسول الله (ص). [172] . وفي صحيحة علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله (ع) قال: الذي عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين (ع) وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب أعلم، أم الذي عنده علم الكتاب؟ فقال: ما كان علم الذي عنده علم من الكتاب عنده الذي عنده علم الكتاب إلا بقدر ما تأخذ البعض بجناحها من ماء البحر، فقال أمير المؤمنين (ع): ألا إن العلم الذي هبط به لآدم من السماء إلي الأرض وجميع ما فضلت به النبيون إلي خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين. [173] . وهذا الكم الكبير من الروايات والذي يستقطب عهود الأئمة الباقر إلي الرضا (ع) حيث نجد ما لا يقل عن ثلاثة أجيال من الرواة، قد تعاقبوا علي نقل الخبر، يبلغ بالخبر حد التواتر، ما يجعل الأخبار الموصوفة بضعفها بسبب جهالة الرواة، أو إهمالهم، أو بالإرسال الذي فيها، أو بضعف نفس الرواة، أو بعاميتهم، [174] ترقي [ صفحه 123] إلي الأخبار المقبولة، ومن جملة هذه الأخبار نجد الروايات التالية: فقد روي محمد بن الحسين [175] ، عن النضر بن شعيب [176] ، عن محمد بن الفضيل، [177] عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (ع) قال: سمعته يقول في قول الله تبارك وتعالي: (ومن عنده علم الكتاب) قال: الذي عنده علم الكتاب هو علي بن أبي طالب. [178] . وروي محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان [179] عن جابر قال: قال أبو جعفر في [ صفحه 124] هذه الآية: (قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: هو علي بن أبي طالب. [180] . ومن ذلك ما روي ثقة الإسلام الكليني (قدس الله نفسه الطاهرة) عن محمد بن يحيي،عن أحمد بن أبي زاهر، عن الخشاب، عن علي بن حسان [181] ، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (ع) قال: (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا أتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) [182] قال: ففرج أبو عبد الله عليه السلام بين أصابعه فوضعها في صدره، ثم قال: وعندنا والله علم الكتاب كله. [183] . وروي الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد [ صفحه 125] ابن سليمان، عن سدير [184] قال: كنت أنا وأبو بصير وميسر ويحيي البزاز وداود الرقي في مجلس أبي عبد الله (ع) إذ خرج لينا وهو مغضب، فلما أخذ مجلسه قال: يا عجبا لأقوام يزعمون إنا نعلم الغيب وما يعلم [الغيب] إلا الله، لقد هممت بضرب خادمتي فلانة، فذهبت عني فما عرفتها في أي بيوت الدار هي، [185] فلما [ صفحه 127] أن قام من مجلسه وصار في منزله، دخلت أنا وأبو بصير وميسر علي أبي عبد الله (ع) فقلنا له: جعلنا فداك سمعناك تقول كذا وكذا في أمر خادمتك، ونحن نعلم أنك تعلم علما كثيرا، ولا ننسبك إلي علم الغيب، قال: فقال: يا سدير ما تقرأ القرآن؟ قال: قلت: قرأناه جعلت فداك، قلا: فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله: " قال الذي عنده علم من الكتاب أنا أتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك "؟ قال: قلت: جعلت فداك قد قرأته، قال: فهل عرفت الرجل، وعلمت ماكان عنده من عمل الكتاب قال: قلت: فأخبرني حتي أعلم قال: قدر قطرة من المطر الجود [186] . في البحر الأخضر، ما يكون ذلك من علم أكثره إن لم ينسبه إلي العلم الذي أخبرك يا سدير، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله: " قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده عمل الكتاب " كله قال: وأومأ بيده إلي صدره فقال: علم الكتاب كله والله عندنا ثلاثا. [187] . [ صفحه 128] وروي الصفار، عن أحمد بن الحسن بن فضال، عن عبد الله بن بكير، عن نجم، عنأبي جعفر (ع) في قول الله تعالي: " قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب " [188] . قال: علي (ع) عنده علم الكتاب. وبإسناده عن علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن إبراهيم الأشعري، عن محمد بن مروان، عن نجم، عن أبي جعفر (ع) في قول الله عز وجل: قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال: صاحب علم الكتاب علي (ع). [189] . وبإسنادها أيضا عن بعض أصحابنا، عن الحسن بن موسي، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل: قال كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال: إيانا عني، علي أولنا وأفضلنا وخيرنا. [190] وقد مر الحديث بسند صحيح. وبإسناده عن أحمد بن محمد، عن الربيع بن محمد، عن النضر بن سويد، عن موسي بن بكر، عن فضيل بن يسار، عن أبي عبد الله (ع)، بإسناده أيضا [ صفحه 129] عن عباد بن سليمان، عن سعد بن سعد، عن أحمد بن عمر، عن أبي الحسن الرضا (ع) أنهما قالا في قول الله عز وجل: قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال: علي (ع). [191] . وأيضا بإسناده عن عبد الله بن محمد، عمن رواه، عن الحسن بن علي بن النعمان , عن محمد بن مروا , عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر (ع) في قول الله عز وجل: قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال: نزلت في علي بن آبي طالب، إنه عالم هذه الأمة بعد النبي (ص). [192] . وبإسناده عن أبي الفضل العلوي قال: حدثني سعيد ابن عيسي الكزبري البصري، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير، عن أبيه، عن شريك بن عبد الله، عن عبد الأعلي الثعلبي، عن أبي تمام، عن سلمان الفارسي (رحمة الله عليه)، عن أمير المؤمنين (ع) في قول الله تبارك وتعالي: قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب فقال: أنا هو الذي عنده علم الكتاب وقد صدقه الله وأعطاه الوسيطة في الوصية، ولا تخلي أمة من وسيلته [ صفحه 130] إليه، وإلي الله فقال: يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة . [193] . وروي الراوندي أقل: أخبرنا جماعة منهم: السيدان المرتضي والمجتبي بنا الداعي الحسني، والأستاذان أبو جعفر وأبو القاسم ابنا كميح، عن الشيخ أبي عبد الله جعفر ابن محمد بن العباس، عن أبيه، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسي، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن علي بن محمد بن سعد، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن عبد الله بن محمد اليماني، عن منيع بن الحجاج، عن الحسين بن علوان، عن أبي عبد الله (ع) قال: إن الله فضل أولي العزم من الرسل بالعلم علي الأنبياء، وورثنا علمهم وفضلنا عليهم في فضلهم، وعلم رسول الله ما لا يعلمون وعلمنا علم رسول الله (ص) فروينا لشيعتنا فمن قبله منهم فهو أفضلهم أينما نكون فشيعتنا معنا وأقل (ع): تمصون الرواضع (الثماد) وتدعون النهر العظيم؟ فقيل: ما تعني بذلك؟ قال: إن الله أوحي إلي رسول [ صفحه 131] الله (ص) علم النبيين بأسره، وأسره إلي أمير المؤمنين (ع) فقيل: عليه (ع) أعلم أو بعض الأنبياء؟ فقال: إن الله يفتح مسامع من يشاء، أقول: إن رسول الله (ص) حوي علم جميع النبيين , وعلمه الله ما لم يعلمهم، وأنه جعل ذلك كله عند علي فتقول: علي أعلم أو بعض الأنبياء!! وتلا: قال الذي عنده علم من الكتاب ثم فرق بين أصابعه فوضعها علي صدره وأقل: عندنا والله علم الكتاب كله. [194] . وروي الشيخ محمد بن أبي القاسم الطبري بإسناده إلي أبي أحمد يحيي بن يحيي المقري الفتي الظريف قال: وجدت في كتاب عمي الفضل فيما كتبه عن أبي منصور أحمد بن العباس، عن أبيه، عن الفضل بن يحيي - في حديث طويل - قال: سئل أبو جعفر محمد بن علي (الجواد) عن قول الله إلي أن يقول: فقوله: قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال: إيانا عني، وعلي أقضانا وأولنا وخيرنا بعد النبي (ص). [195] . وروي سليم بن قيس العامري في كتابه عن الأمير [ صفحه 132] (ع) قال: الذي قال الله: (ويتلوه شاهد منه) [196] والذي (عنده علم الكتاب) و (والذي جاء بالصدق) [197] والذي صدق به، أنا. [198] . وروي الحبري [199] في تفسيره قال: حدثني سعيد بن عثمان، عن أبي مريم قال: حدثني عبد الله بن عطاء قال: كنت جالسا مع أبي جعفر في المسجد فرأيت أبنا لعبد الله ابن سلام جالسا في ناحية، فقلت لأبي جعفر: زعموا إن أبا هذا الذي: (عنده علم الكتاب) قال: لا إنما ذلك علي بن أبي طالب أمير المؤمنين. [200] . وما يقرب منه روي العياشي مرسلا عن عبد الله بن عطاء قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: هذا ابن عبد الله بن سلام بن عمران يزعم أن أباه الذي يقول الله: (قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: كذب، هو علي بن أبي طالب (ع). [201] . [ صفحه 133] وعن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر (ع) قال: سألته عن قوله: (قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) فقال: نزلت في علي بعد الرسول الله (ص) وفي الأئمة بعده وعلي عنده علم الكتاب. [202] . وعن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (ومن عنده علم الكتاب)قال: نزلت في علي عليه السلام إنه عالم هذه الأمة بعد النبي (صلوات الله عليه وآله). [203] . وعن بريد بن معاوية العجلي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: (قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: إيانا عني، وعلي أفضلنا وأولنا وخيرنا بعد النبي (ص). [204] . وروي الشيخ المفيد رحمه الله عن رجاله مسندا إلي سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال لي أمير المؤمنين عليه السلام: يا سلمان الويل كل الويل لمن لا يعرف لنا حق معرفتنا وأنكر فضلنا، يا سلمان أيما أفضل محمد (ص) أو سليمان ابن داود عليه السلام؟ قال سلمان: فقلت: بل محمد (ص) فقال: يا سلمان هذا أصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش [ صفحه 134] بلقيس من سبأ إلي فارس [205] في طرفة عين، وعند علم من الكتاب ولا أقدر أنا وعندي علم ألف كتاب! إلي أن قال: اعلم يا سلمان إن الشاك في أمورنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا وحقوقنا وقد فرض الله تعالي ولايتنا في كتابه في غير موضع، وبين فيه ما وجب العمل به وهو مكشوف. [206] . وإزاء هذه الكمية الكبيرة من الروايات الصحيحة، وغيرها من الروايات الضعيفة المؤيدة بورودها عبر الأسانيد الصحيحة التي تعمل علي جبر ضعفها، فمن الحق التساؤل عن الأسباب التي تجعل تيار الانحراف يغض النظر عنها بمجموعها، ليأخذ ببعض روايات العامة، علما أن الدلالات القرآنية كما وجدناها بعيدة كل البعد عن النهج الذي سار عليه تيار الانحراف، ناهيك عن أن الأئمة عليهم السلام أعربوا عن تسفيه الدلالات التي حاول البعض تزييف الفهم القرآني بها. فلو كان تيار الانحراف إماميا، بل ومن أعلام [ صفحه 135] الإمامية - كما يدعي البعض - فما له يضرب عن روايات أهل البيت عليهم السلام الصحيحة والموثوقة صفحا، ويتنكر لمجموعة ضخمة من روايات أخري لها نفس المصداقية، تؤكد علي مفهوم هذه الروايات - كما سنظهر بعد قليل - ويأخذ بروايات سبق لأهل البيت عليهم السلام أن كذبوها؟ أو ليس أهل البيت يعني العمل بسنتهم؟!. ولو لم يكن إماميا، فما له لم يأخذ بالروايات المتعلقة بشأن نزول الآية بحق الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والموجودة في كتب العامة فلقد روي الجوزي عن ابن الحنفية قوله: أنه علي بن أبي طالب. [207] . ونقل القرطبي عن عبد الله بن عطاء قوله: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم): زعموا أن الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام؟ فقال إنما ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم قال: القرطبي: وكذلك قال محمد بن الحنفية. [208] . ونقل القندوزي، عن الثعلبي، وابن المغازلي الشافعي بسنديهما عن عبد الله بن عطاء قال: كنت مع محمد الباقر رضي الله عنه في المسجد فرأيت ابن عبد الله بن سلام [ صفحه 136] فقلت: هذا ابن الذي عنده علم الكتاب؟ قال: إنما ذلك علي بن أبي طالب. [209] . وكذا نقل عن الثعلبي وأبي نعيم بسنديهما عن زاذان، عن محمد بن الحنفية قال: من(عنده علم الكتاب) علي بن أبي طالب. [210] . ونقل عن الفضيل بن يسار، عن الباقر عليه السلام قال: هذه الآية نزلت في علي عليه السلام إنه عالم هذه الأمة. [211] . ونقل جملة من الأحاديث من طرق أهل البيت عليهم السلام قد ذكرناها سابقا ومن جملتها ما رواه عن الصادق عليه السلام أن قال: علم الكتاب كله والله عندنا، وما أعطي وزير سليمان بن داود عليهم السلام، إنما عنده حرف واحد من الاسم الأعظم، وعلم بعض الكتاب كان عنده قال تعالي: (قال الذي عنده علم الكتاب) أي بعض الكتاب (أنا أتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) قال أبو عبد الله: إن الله تبارك وتعالي: قال لموسي: (وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة) [212] بمن [ صفحه 137] التبعيض، وقال عيسي عليه السلام: (ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) [213] . بكلمة البعض، وقال في علي عليه السلام: (ومن عنده علم الكتاب) أي الكتاب، وقال: (ولارطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) [214] وعلم هذا الكتاب عنده. [215] . وعن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله (ص) عن هذه الآية: (الذي عنده علم من الكتاب) قال: ذاك وزير أخي سليمان بن داود عليهما السلام، وسألته عن قول الله عز وجل: (قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: ذاك أخي علي بن أبي طالب. [216] . وقال: وقد روي عن موسي بن جعفر، وعن زيد ابن علي، وعن محمد بن الحنفية، وعن سلمان الفارسي، وعن أبي سعيد الخدري، وإسماعيل السدي أنهم قالوا في قوله تعالي: (قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب): هو علي بن أبي [ صفحه 138] طالب. [217] . وروي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: من (عنده علم الكتاب) إنما هو علي، لقد كان عالما بالتفسير والتأويل والناسخ والمنسوخ. [218] . وروي عن محمد بن الحنفية رضي الله عنه قوله: عند أبي أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه) علم الكتاب الأول والآخر. [219] . ونقل عن سليم بن قيس، عن قيس بن سعد بن عبادة أن قال: (ومن عنده علم الكتاب) علي. قال: معاوية بن أبي سفيان: هو عبد الله بن سلام قال [قيس ابن] سعد: أنزل الله: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) [220] وأنزل: (أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) [221] فالهادي من الآية الأولي، والشاهد من الآية الثانية علي، لأنه نصبه (ص) يوم الغدير، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وقال: أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه [ صفحه 139] لا نبي بعدي، فسكت معاوية ولم يستطع أن يردها. [222] . ثم قال نقلا عن بعض المحققين: إن الله تبارك وتعالي بعث خاتم أنبيائه وأشرف رسله وأكرم خلقه بمنه وتحننه وفضله العظيم، بسابق علمه ولطفه بعد أخذه العهد والميثاق علي أنبيائه وعباده بمحمد (ص) بقوله: (لتؤمنن به ولتنصرنه) [223] ولما فتح الله أبواب السعادة الكبري والهداية العظمي برسالة حبيبه علي العرب وقريش وخصوصا علي بني هاشم بقوله تعالي: (وأنذرعشيرتك الأقربين) [224] ورهطك المخلصين، اقتضي العقل أن يكون العالم بجميع أسرار كتاب الله، لا بد أن يكون رجلا من بني هاشم بعد النبي (ص)، لأنه أقرب له من سائر قريش، وأن يكون إسلامه أولا ليكون واقفا علي أسرار الرسالة وبدء الوحي، وأن يكون جميع الأوقات عنده بحسن المتابعة ليكون خبيرا عن جميع أعماله وأقواله، وأن يكون من طفوليته منزها من أعمال الجاهلية ليكون متخلقا بأخلاقه ومؤدبا بآدابه ونظيرا بالرشيد من أولاده فلم يوجد هذه الشروط لأحد إلا في علي عليه السلام. [ صفحه 140] وأما عبد الله بن سلام لم يسلم إلا بعد الهجرة فلم يعرف سبب نزول السور التي نزلت قبل الهجرة، ولما كان حاله هذه لم يعرف حق تأويلها بعد إسلامه، مع أن سلمان الفارسي الذي صرف عمره الطويل - ثلاثمائة وخمسين سنة - في تعلم أسرار الإنجيل والتوراة والزبور وكتب الأنبياء السابقين والقرآن لم يكن من (عنده علم الكتاب) لفقده الشروط المذكورة، فكيف يكون من (عنده علم الكتاب) ابن سلام الذي لم يقرأ الإنجيل ولم يوجد فيه الشروط، ولم يصدر منه مثل ما صدر من علي يعسوب الدين من الأسرار والحقائق في الخطبات مثل قوله: (سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين جنبي علوما كالبحار الزواخر) ومثل ما صدر من أولاده الأئمة الهداة (عليهم سلام الله وبركاته) من المعارف والحكم في تأويلات كتاب الله وأسراره. [225] . ونقل الحاكم الحسكاني الحنفي في كتابه شواهد التنزيل أغلب هذه الروايات [226] . [ صفحه 141] وكان ابن المغازلي الشافعي قد قال: أخبرنا أحمد ابن محمد بن طاوان إذنا أن أبا أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب أخبرهم قال: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد العسكري حدثنا محمد بن عثمان حدثنا إبراهيم بن محمد ابن ميمون حدثنا علي بن عابس قال: دخلت أنا وأبو مريم علي عبد الله بن عطاء [227] قال أبو مريم: حدث عليا بالحديث الذي حدثتني عن أبي جعفر قال: كنت عند أبي جعفر جالسا إذ مر عليه ابن عبد الله بن سلام قلت: جعلني الله فداك هذا ابن الذي عنده علم من الكتاب؟ قال: لا، ولكنه صاحبكم علي بن أبي طالب الذي نزلت فيه آيات من كتاب الله عز وجل: الذي (عنده علم الكتاب) [228] (أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) [ صفحه 142] (إنما وليكم الله ورسوله) [229] الآية. [230] . وقال الآلوسي: وقال محمد بن الحنفية والباقر كما في البحر: المراد (بمن) علي (كرم الله تعالي وجهه) والظاهر أن المراد بالكتاب حينئذ القرآن. [231] . هذه جملة من مرويات أهل العامة قدمتها لا علي سبيل الحصر والاستقصاء، وإنما هو قراءة لما عن لنا من مصادرهم، فعلام إذن ترك داعية الانحراف كل هذه الروايات، وتلكم التي أوردناها عن أهل البيت عليهم السلام؟!، وتشبث بروايات لا تستقيم لها طرق القوم، فضلا عن طرق أهل البيت عليهم السلام، أهو أمية وجهل بالقرآن؟ أم إحنة تجاه علي!؟ أم ممالأة لأهل الكتاب؟! لعل هذه التساؤلات لو ربطت بما سننقله من أقوال تيار الانحراف تجاه الإمام أمير المؤمنين وخطه، ما من شأنه أن يكشف لنا عن الأجوبة الحقيقية المؤلمة!. [ صفحه 143] ولكننا قبل أن ننتهي من هذا الفصل لا بد لنا من وقفة مختصرة تجاه بعض ما قيل في تفسير الآية بحق علي، فلقد نقل القرطبي عن القاضي أبي بكر بن العربي قوله: أما من قال إنه علي فعول علي أحد وجهين: إما لأنه عنده أعلم المؤمنين وليس كذلك، بل أبو بكر وعمر وعثمان أعلم منه! ولقول النبي (ص) أنا مدينة العلم وعلي بابها وهو حديث باطل!. [232] . ولعمري لم أكن لأعلم أن طائفية البعض قد تبلغ به حد الجهل المريع! حتي اطلعت علي أفكار ابن تيمية بحق الإمام وأقوال ابن العربي هذا في هذا المجال وفي قواصمه علي العواصم، ولم أجد من يقول بأن منزلة علي ابن أبي طالب هذه المنزلة حتي قرأت هذه المقال، فأين الثري من الثريا؟ وأين التراب من التبر؟ حاشا لله تلك كلمة أنت قائلها ما أنزل بها من سلطان، أو خفي علي هذا الرجل أن من وصفهم بالأعلمية كانوا يرجعون إليه حتي قال قائلهم: لا أبقاني الله لمعضلة ليس فيها أبو عمر؟ وهتف هاتفهم تكرارا ومرارا: لولا علي لهلك عمر؟ فإن خفيت عليه هذه الأمور، فلعمري هو أجهل من أن يناقش، وإن لم تخف عليه فلقد عليه كتم حقا وأظهر [ صفحه 144] باطلا!!. والأعجب من ذلك قوله ببطلان حديث (أنا مدينة العلم) وهو حديث متسالم عليه جدا بين أرباب الحديث، ويكفي في هذا الصدد أن أذكر أن حجة القوم أحمد بن محمد بن الصديق الغماري الحسني قد ألف كتابا من طرقهم أسماه (فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي) ذكر فيه عشرات الطرق التي أوردت الخبر وصححها [233] . وقال الآلوسي معلقا علي الآية واختصاصها بعلي عليه السلام: لعمري إن عنده رضي الله تعالي عنه علم الكتاب كملا، لكن الظاهر أنه (كرم الله وجهه) غير مراد. [234] . وقريب منه محمد حسين فضل الله الذي قال: فالرواية [235] بحسب ظاهر السياق القرآني يراد فيها علماء [ صفحه 145] أهل الكتاب وهذا لا ينفي أن الإمام علي (ع) كان يعلم علم الكتاب. [236] . والكلام هنا يتوجه إلي هؤلاء وأمثالهم، فما دمتم تقرون بأن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام له هذا العلم، فالذي يمنع من أن تكون الآية نازلة بحقه، خصوصا وأن الأدلة التي ذكرتموها بحيازة الآية عنه عليه السلام غير مكتملة علي أقل التقادير، ومتعارضة بشدة مع الكثير من أخبار نفس أهل العامة؟. ولئن كان المتكلم مع الآلوسي يعرف حدوده لأن الرجل له شجاعة الانتماء إلي مذهبه، وبالتالي فله أن يقول ما يحلو لمذهبه أن يقول، ولكن ما بال أمثال محمد حسين فضل الله؟ فهو في هذه ومئات غيرها [237] يقف مع القوم بكل ما أوتي من قوة، في حين لا يمتلك الجرأة في البوح بشكل رسمي ببعده عن الإمامية!. [ صفحه 146]

آيات أخري شاهدة علي شاهدية أميرالمؤمنين عليه

اشاره

السلام في روايات المعصومين نتعرض هنا ضمن عجالة من الوقت وضيق من الحيز، إلي ما وعدنا من قبل بالحديث عن الآية القرآنية: " أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه " وكونها تمثل المصداق التفسيري لآية: " ومن عنده علم الكتاب "، وكذا الآية الكريمة: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " [238] ، وسنقتصر في الحديث علي ما ورد في الروايات الصحيحة والموثوقة لأهل البيت عليه السلام في تفسيرها والله نعم المستعان. [ صفحه 147]

علي الشاهد الذي يتلو من كان علي بينة

تقدم الآية القرآنية الكريمة: " أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه " الدليل الدامغ علي هوية شاهد آية سورة الرعد، وقد تعاضدت روايات أهل البيت عليهم السلام وكذا روايات غيرهم، علي ذكر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعنوانه شخص هذه الآية فقد روي ثقة الإسلام الكليني (قدس الله أنواره) موثوقة الحسين بن محمد، عن المعلي بن محمد، عن الحسن بن علي، عن أحمد بن عمر الحلال قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله عز وجل: (أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) فقال: أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) الشاهد علي رسول الله (ص) , ورسول الله (ص) علي بينة من ربه. [239] . وفي معتبرة محمد بن الحسين بن الحسين، عن عبد الله بن حماد، عن أبي الجارود، عن الأصبغ بن نباتة قال: قال [ صفحه 148] أمير المؤمنين عليه السلام: لو كسرت لي وسادة فقعدت عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل الزبور بزبورهم، وأهل الفرقان بفرقانهم بقضاء يصعد إلي الله يزهر، والله ما نزلت آية في كتاب الله في ليل أو نهار إلا وقد علمت فيمن أنزلت، ولا ممن مر علي رأسه المواسي [240] من قريش، إلا وقد نزلت فيه آية من كتاب الله تسوقه إلي الجنة أو إلي النار، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين ما الآية التي نزلت فيك؟ قال له: أما سمعت الله يقول: (أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه)؟ قال: رسول الله علي بينة منربه، وأنا شاهد له في وأتلوه معه. [241] . وقد روي سليم بن قيس في كتابه عن أمير المؤمنين قوله لمن سأله عن الذي قال الله:(ويتلوه شاهد منه) فقال: أنا [242] . وفي معتبرة علي بن إبراهيم في تفسير آية: (وشهد [ صفحه 149] شاهد من بني إسرائيل) [243] قال: الشاهد أمير المؤمنين والدليل عليه في سورة هود (أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه). [244] . وقد ذر الشيخ الصدوق اختصاص الآية بأمير المؤمنين عليه السلام في عقائده، [245] وفي كمال الدين وتمام النعمة. [246] . ونقل في الاحتجاج بإسناده إلي سليم بن قيس قوله: سأل رجل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: وأنا أسمع: أخبرني بأفضل منقبة لك؟ قال: ما أنزل الله في كتابه، قال: وما أنزل الله فيك؟ قال: (أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) أنا الشاهد من رسول الله عليه السلام. [247] . وفي مختصر بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله بإسناده إلي أبي الطفيل قوله لأمير المؤمنين ضمن حديث طويل يا أمير المؤمنين قول الله عز وجل: (وإذا وقع [ صفحه 150] القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) ما الدابة؟. قال: يا أبا الطفيل إله عن هذا؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أخبرني به جعلت فداك. قال: هي دابة تأكل الطعام وتمشي في الأسواق وتنكح النساء. فقلت: يا أمير المؤمنين من هو؟ قال: هو رب الأرض الذي تسكن الأرض به. قلت: يا أمير المؤمنين من هو؟. قال: الذي قال الله تعالي: (ويتلوه شاهد منه) والذي (عنده علم الكتاب) والذي (والذي جاء بالصدق وصدق به) أنا. وقد روي الإمامية وغيرهم من طرق الخاصة والعامة الكثير من الروايات التي تجمع علي اختصاص [ صفحه 151] الآية بأمير المؤمنين عليه السلام: فلقد روي الشيخ المفيد (أعلي الله مقامه) عن أبي الحسن علي بن بلال المهلبي قال: حدثنا علي بن عبد الله بن أسد الأصفهاني قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي قال: حدثنا إسماعيل بن أبان قال: حدثنا الصباح بن يحيي المزني، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله قال: قدم رجل إلي أمير المؤمنين فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قوله تعالي: (أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) قال: قال: رسول الله (ص) الذي كان علي بينة من ربه، وأنا الشاهد له ومنه. ونقل العياشي في تفسيره عن عمار بن سويد، عن الإمام الصادق عليه السلام قوله في حديث طويل: (أفمن كان علي بينة من ربه) رسول الله (ص) (ويتلوه شاهد منه) أمير المؤمنين عليه السلام. وروي عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: الذي علي بينة من ربه رسول الله (ص)، والذي تلاه من بعده الشاهد منه أمير المؤمنين عليه السلام، ثم [ صفحه 152] أوصياؤه واحد بعد واحد. [248] . وعن جابر، عن عبد الله بن يحيي قال: سمعت عليا عليه السلام وهو يقول: ما من رجل من قريش إلا وقد نزلت فيه آية أو آيتان من كتاب الله، فقال له رجل من القوم: فما نزلت فيك يا أمير المؤمنين؟ فقال: أما تقرأ الآية التي في هود: (أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) محمد علي بينة من ربه، وأنا الشاهد. [249] . ونقل فرات الكوفي عشر روايات علي طريقته في الجمع بين رواة العامة والخاصة وبحذف بعض الأسانيد مسندة إلي أمير المؤمنين والإمام الباقر عليهما السلام. [250] . ونقل الحبري عن إسماعيل بن صبيح قال: حدثنا أبو الجارود، عن حبيب بن يسار، عن زاذان قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو كسرت لي وسادة وأجلست عليها لحكمت بين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، بقضاء يزهر يصعد إلي الله. [ صفحه 153] والله ما نزلت آية في ليل أو نهار، لا سهل ولا جبل ولا بر ولا بحر، إلا وقد عرفت أي ساعة نزلت وفي من نزلت. ما من قريش رجل جرت عليه المواسي إلا أنا أعرف، آية تسوقه إلي جنة، وآية تسوقه إلي نار. فقام رجل: ما آيتك يا أمير المؤمنين التي نزلت فيك؟ قال: (أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) فرسول الله (ص) علي بينة من ربه، وأنا الشاهد منه أتلوه واتبعه. [251] . وقد روت العامة بطرق كثيرة مختلفة نزولها بحق أمير المؤمنين عليه السلام فلقد روي الطبري عن عبد الله بن يحيي قال: قال علي رضي الله عنه: ما من رجل من قريش إلا وقد نزلت فيه الآية والآيتان فقال له رجل: فأنت فأي شئ نزل فيك؟ فقال علي: أما تقرأ الآية التي نزلت في هود: (ويتلوه شاهد منه). [252] . وقد أخرج السيوطي عن ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم في المعرفة، وعنه عن ابن مردويه وابن عساكر، وعنه، عن ابن مردويه بسند آخر أنه علي [ صفحه 154] عليه السلام. [253] . وروي الخازن في تفسيره عن جابر بن عبد الله عين رواية عبد الله بن يحيي المتقدمة. [254] . وروي الجوزي في زاد المسير: أنه علي عليه السلام. [255] . ونقل القرطبي عن ابن عباس أنه علي، وكذا روي رواية عبد الله بن يحيي المتقدمة بدون إسناد. [256] . وقال الرازي: وثالثها: أن المراد هو علي بن أبي طالب (رض) والمعني أنه يتلو تلك البينة وقوله: (ومنه) أي هذا الشاهد من محمد وبعض منه، والمراد منه تشريف هذا الشاهد بأنه بعض من محمد عليه السلام [257] وتابعه النيسابوري علي ذلك. [258] . وذكر نفس هذه المعاني الآلوسي في روح المعاني [ صفحه 155] مسندا إلي ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وكذا إلي المنهال عن عبادة بن عبد الله، وأخرج عن ابن مردويه بطريق أخر. [259] . وقال صاحب تفسير المنار: ومنها أنه علي (رض) يرويه الشيعة. [260] وقوله: يرويه الشيعة، قوله معتادة منه وستعلم أن أغلب ما رواه رواة أهل البيت عليهم السلام إنما كان عن طرق العامة.أما ما روته كتب حديث العامة المختصة فلقد روي الحمويني في فرائد السمطين [261] ونقلها عنه القندوزي الحنفي حيث أخرج بسنده عن ابن عباس وبسنده عن زادان، عن علي (كرم الله وجهه) قال: إن رسول الله (ص) كان علي بينة من ربه، وأنا التالي الشاهد منه، وكذا أخرجه بسنده عن جابر بن عبد الله، عن علي، وبسنده عن البحتري، عن علي بلفظه، وأخرجه موفق بن أحمد بسنده عن ابن عباس وأيضا أو نعيم والثعلبي والواقدي بأسانيدهم عن ابن عباس وزاذان وجابر كلهم عن [ صفحه 156] علي. [262] . ثم روي عن عباد بن عبد الله رواية مقاربة لرواية عبد الله بن يحيي المتقدمة. [263] . وذكر سبط ابن الجوزي عن الثعلبي في تفسيره عن ابن عباس: أنه علي (ع) ومعني يتلوه شاهد منه أنه أقرب الناس إلي رسول الله (ص). ثم نقل عن الثعلبي رواية زاذان المتقدمة. [264] . ونقل المتقي الهندي في كنز العمال ما يقرب من روايتي زاذان وعبد الله بن يحيي [265] . وقريب منه ابن عساكر في تأريخ دمشق [266] ونقل الحسكاني في شواهد التنزيل العديد من الروايات المقاربة لفظا ومعني. [267] . ونقل الموفق بن أحمد الخوارزمي في مناقبه عن ابن عباس قوله: هو علي عليه السلام شهد للنبي (ص) وهو [ صفحه 157] منه. ونقل ابن المغازلي الشافعي بإسناده عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله قال: سمعت عليا وساق الحديث كما ذكره زاذان في الرواية المتقدمة. علي أننا نلمس من مفاد روايات أخري - وكما هو واقع الحال - تعميم فكرة الشهادة لكل أئمة أهل البيت عليهم السلام، ففي معتبرة علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيي بن أبي عمران، عن يونس، عن أبي بصير، والفضيل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنما نزلت (أفمن كان علي بينة من ربه) يعني رسول الله (ص) [ صفحه 158] (ويتلوه شاهد منه) إماما ورحمة. [268] . وروي الطبرسي بإسناده إلي أمير المؤمنين قوله: وأما قوله: (ويتلوه شاهد منه) فذلك حجة الله أقامها علي خلقه، وعرفهم أنه لا يستحق مجلس النبي إلا من يقوم مقامه، ولا يتلوه إلا من يكون في الطهارة مثله، لئلا يتسع لمن ماسه حس الكفر في وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق بمقام رسول الله (ص) وليضيق العذر علي من يعينه علي إثمه وظلمه، إذ كان الله قد حظر علي من ماسه الكفر تقلد ما فوضه إلي أنبيائه وأوليائه، بقوله لإبراهيم: (لا ينال عهدي الظالمين) [269] أي المشركين، لأنه سمي الظلم شركا بقوله: (إن الشرك لظلم عظيم) [270] فلما علم إبراهيم عليه السلام أن عهد الله تبارك وتعالي اسمه بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام، قال:(وأجنبني وبني أن نعبد الأصنام) [271] . واعلم أن من آثر المنافقين علي الصادقين، والكفار علي الأبرار، فقد افتري إثما عظيما، إذا كان قد بين في [ صفحه 159] كتابه الفرق بين المحق والمبطل، والطاهر والنجس، والمؤمن والكافر، وأنه لا يتلوالنبي عند فقده إلا من حل محله صدقا وعدلا وطهارة وفضلا. [272] . هذا وقد تقدمت معنا رواية العياشي عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: الذي علي بينة من ربه رسول الله (ص)، والذي تلاه من بعده الشاهد منه أميرالمؤمنين عليه السلام، ثم - أوصياؤه واحد بعد واحد. [273] . نكتفي بهذا المقدار من الروايات سردناها علي عجل دونما استقصاء وحصر، وهي تؤكد بمجموعها عامها وخاصها علي اختصاص الآية الكريمة بأمير المؤمنين عليه السلام، وتعدد طرقها وكثرتها يجبر ضعف [274] . [ صفحه 160] بعض هذه الطرق. ومثلما وجدنا في الآية السابقة فإن حظ تيار الانحراف يتنكب هذه المرة أيضا فلقد قال داعية الانحراف في معرض تفسيره لهذه الآية: وقد اختلف المفسرون في شخصية هذا الذي كان علي بينة من ربه، هل هو رسول الله (ص)، أو المؤمنون الذين كانوا معه، أو جميع المؤمنين، وعن طبيعة هذه البينة، هل هي القرآن أو العقل والوجدان، أو شئ أخر غير ذلك، وفي شخصية الشاهد هل هو القرآن، أو جبرائيل أو الإمام علي أو غير ذلك من الاحتمالات كما تعددت الروايات فيه مما لا يمكن الركون إليها لخلل في سند بعضها، وارتباك في مضمون البعض الآخر، ولانجد في هذا المجال أوثق من عدم الخوض في ذلك. [275] . [ صفحه 161] وفي قوله هذا محطات ينبغي أن تستوقفنا، ومن جملتها: أ - إن الاضطراب الذي تعرض لذكره لا يعني رواية أهل البيت عليهم السلام فهي متفقة شكلا ومضمونا كما رأيناه، وإنما هذا الأمر يتعلق برواية العامة، وهي ليست حجة في نفسها، فكيف يمكن أن تكون حجة في ترك رواية أهل البيت عليهم السلام؟. ب - إن الروايات العامية التي تعرضت للإمام علي عليه السلام في هذا المجال لا تعاني مما أسماه بالخلل والارتباك، واختلاف جملها وتعدد مصادرها، إنما يشير إلي الاستفاضة في رواية الخبر من جهة، وتعدد المواضع التي قيلت فيه. ج - إن الاضطراب الذي اشتملت عليه روايات العامة كان في محاولة ذود تفسير الآية بعيدا عن الإمام علي عليه السلام، وهو أمر اعتدنا عليه مع كل الآيات التي نزلت بحق أمير المؤمنين عليه السلام، ولو سرنا مع هذه الروايات وجعلناها في نفس مرتبة روايات أهل البيت عليهم السلام، فمما لا شك فيه أننا سوف نسقط كل رواية لأهل البيت عليهم السلام بحجة وجود معارض لها. د - إننا هنا نلمس وللمرة الثانية في هذا البحث [ صفحه 162] جفاء تيار الانحراف لرواية أهل البيت عليهم السلام وبعده عنها، وهذا ما يدفعنا للتساؤل من جديد عن طبيعة إيمان هؤلاء بخط أهل البيت عليهم السلام، فلو كانوا مؤمنين حقا بهم، فلم إعمال نفس حجج مخالفيهم علي رواياتهم، وهذه الحجج ليست في مصاف الحجج الموضوعية القابلة للتحاجج، وإنما في معظمها الأغلب من بنات أكاذيب السياسة والطائفية، ولا تخفي علي ذي لب، وكان بإمكانهم ترك الحديث - علي الأقل - عن البعد الروائي في الآية، أما ترك رواية أهل البيت عليهم السلام، والتحاجج بما لدي أهل العامة من أخبار متعارضة، فعلي أي مستوي يمثل إيمانا بمدرسة أهل البيت عليه السلام!!. وهل سيكون ادعاء البعض بإيمانهم بهذا الخط، بل وبزعامة هذا الخط، إلا أكذوبة من أكاذيب أم عمرو؟!. [ صفحه 163]

الامة الوسط.. إخفاق أخر لخط الانحراف

تقدم الآية الكريمة: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) [276] شاهدا آخرا علي أن دور الشهادة دور رباني خصه لأهل بيت النبوة عليهم السلام دون غيرهم من الناس، ومع هذه الآية نجد وللمرة الثالثة تعاضد خط الانحراف علي السير بعيدا عن هدي أهل البيت عليهم السلام، وعمله بمعتقدات أهل العامة، فعلي الرغم من كثرة الأحاديث الصحيحة والموثوقة الواردة عنهم (صلوات الله عليهم) وتأكيدهم علي اختصاص الوسطية والشهادة لهم دون غيرهم، عملا بالوصية المعروفة أيام السقيفة: (وسعوها تتسع) فأخرجها من إطار أهل البيت عليهم السلام، وأحالها علي عناوين لا تصلح للشهادة علي نفسها فضلا عن غيرها، وفي بحثنا [ صفحه 164] الروائي المقتضب هنا عمق التناقض الذي اختطه داعية الانحراف لتيار الانحراف مع مدرسة أهل البيت عليهم السلام في إطلاق مفهوم الشاهدية بعيدا كل البعد عن كل التأكيدات الإمامية بتخصيص الوسطية والشاهدية بأهل البيت عليهم السلام، فمن جملة روايات أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال صحية الحسين بن محمد، عن المعلي بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن عمر بن أذينة، عن بريد العجلي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس) قال: نحن الأمة الوسطي، ونحن شهداء الله علي خلقه وحججه في أرضه، قلت: قول الله عز وجل (ملة أبيكم إبراهيم) قال: إيانا عني خاصة (هو سماكم المسلمين من قبل) في الكتب التي مضت (وفي هذا) القرآن (ليكون الرسول) عليكم شهيدا، فرسول الله (ص) الشهيد علينا بما بلغنا عن الله عز وجل ونحن الشهداء علي الناس،فمن صدق صدقناه يوم القيامة، ومن كذب كذبناه يوم القيامة. [277] . وفي صحيحة علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد العجلي [ صفحه 165] قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول الله تبارك وتعالي (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) قال: نحن الأمة الوسطي، ونحن شهداء الله تبارك وتعالي علي خلقه، وحججه في أرضه، قلت: قوله تعالي: (يا أيها الذين أمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون - وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم) قال: إيانا عني، ونحن المجتبون، ولم يجعل الله تبارك وتعالي (في الدين من حرج) الحرج أشد من الضيق (ملة أبيكم إبراهيم) قال: إيانا عني خاصة و (سماكم المسلمين) الله سمانا المسلمين (من قبل) في الكتب التي مضت (وفي هذا) القرآن (ليكون الرسول) عليكم شهيدا تكونوا شهداء علي الناس، فرسول الله (ص) الشهيد علينا بما بلغنا عن الله تبارك وتعالي، ونحن الشهداء علي الناس، فمن صدق صدقناه يوم القيامة، ومن كذب كذبناه. [278] . وفي صحيحة علي بن إبراهيم، عن حماد بن عيسي، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قال: إن [ صفحه 166] الله تبارك وتعالي طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء علي خلقه وحجته في أرضه، وجعلنا مع القرآن، وجعل القرآن معنا، لانفارقه ولا يفارقنا. [279] . وفي صحيحة أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسي، عن إبراهيم بنعمرو اليماني مثله. [280] . وفي صحيحة أحمد بن محمد، عن أبيه، عن محمد، [281] عن ابن أذينة، عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالي: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) قال: نحن أمة الوسط، ونحن شهداءالله علي خلقه، وحجته في أرضه. [282] . وفي صحيحة يعقوب بن يزيد، ومحمد بن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن بريد بن معاوية قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول الله [ صفحه 167] تعالي: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس) قال: نحن الأئمة الوسط، ونحن شهداء الله علي خلقه، وحجته في أرضه. [283] . وفي صحيحة عبد الله بن جعفر، عن محمد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد، عن جعفر ابن بشير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) قال: نحن الأمة الوسط، ونحن شهداؤه علي خلقه، وحجته في أرضه. [284] . وفي صحيحة محمد بن عبد الجبار عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن النعمان، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالي: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس) بما عندهم من الحلال والحرام وبما ضيعوا منه. [285] . وفي صحيحة سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسي، ومحمد بن عبد الجبار، عن محمد بن [ صفحه 168] إسماعيل بن بزيع، عن علي بن النعمان، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) قال: نحن الشهداء علي الناس بما عندنا من الحلالوالحرام، وبما ضيعوا. [286] . وبهذا العدد الكبير من صحاح الروايات، يمكن جبر الكثير من الأخبار التي توصف بالضعف، خصوصا إذا ما كان المتن يتفق مع متون الصحاح بالضعف، خصوصا إذا كان المتن يتفق مع متون الصحاح في اللفظ أو في المعني، إما لإرسال [287] كما في روايات تفسير العياشي حيث روي عن أبي بصير قوله: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: نحن نمط الحجاز، فقلت: وما نمط الحجاز؟ قال: أوسط الأنماط إن الله يقول: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) قال: ثم قال:إلينا يرجع الغالي وبنا يلحق المقصر. [288] . [ صفحه 169] وروي عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (ع) قال: هم الأئمة. [289] . وعن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (ع) قال: قال الله: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا فإن ظننت أن الله عني بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحدين أفتري أن من لا يجوز شهادته في الدنيا علي صاع من تمر يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية؟ كلا لم يعن الله مثل هذا من خلقه، يعني الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم كنتم خير أمة أخرجت للناس، وهم الأمة الوسطي، وهم خير أمة أخرجت للناس. [290] . وإما لمجهولية حال أحد الرواة [291] كما في روايتي بصائر الدرجات عن كتاب بندار بن عاصم حيث حدث [ صفحه 170] عبد الله بن محمد، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، [292] قال: في كتاب بندار بن عاصم، عن الحلبي، عن هارون ابن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) في قول الله تبارك وتعالي: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس قال نحن الشهداء علي أناس بما عندهم من الحلال والحرام وما ضيعوا منه. [293] والخبر يصح لوروده بسند صحيح آخر كما مر. وكذا حديث عبد الله بن محمد، عن إبراهيم بن محمد، في كتاب بندار بن عاصم، عن عمر بن حنظلة وأقل: قلت لأبي عبد الله (ع) وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس قال: هم الأئمة. [294] . وكذا حدي عبد الله بن جعفر، عن محمد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد، عن جعفربن بشير، عن عمرو بن أبي المقدام [295] ، عن ميون البان، [296] عن أبي جعفر (ع) في قوله تبارك وتعالي: وكذلك جعلناكم أمة [ صفحه 171] وسطا لتكونوا شهداء علي الناس قال: عدلا ليكونوا شهداء علي الناس قال: الأئمة ويكون الرسول شهيدا عليكم أقل: علي الأئمة. [297] وكما في رواية بشارة المصطفي عن أبي أحمد يحيي بن يحيي المقري الفتي الظريف أقل: وجدت في كتاب عمي الفضل فيما كتبه عن أبي منصور أحمد بن العباس، عن أبيه، عن الفضل بن يحيي قال: سئل أبو جعفر محمد بن علي [الجواد] في حديث طويل إلي أن يقول: قلت: فقوله: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا قال: نحن الأمة الوسط، ونحن شهداء الله علي خلقه، وحجته علي أرضه.. إلي أن يقول: قلت فقوله: يا أبها الذي أمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين قال: إيانا عني، نحن المجتبون، ولم يجعل علينا في الدين من ضيق، والحرد أشد من الضيق، ملة أبيكم إبراهيم قال: إيانا عني خاصة هو سماكم المسلمين من قبل في الكتب التي مضت وفي هذا [ صفحه 172] ليكون الرسول شهيدا عليكم فرسول الله (ص) شهيد علينا فيما بلغنا عن الله عز وجل، ونحن الشهداء علي الناس، فمن صدقنا يوم القيامة صدقناه، ومن كذبنا يوم القيامة كذبناه. قال: فقوله: قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال: إيانا عني، وعلي أقضانا وأولنا وخيرنا بعد النبي (ص). [298] والخبر كما تري مؤيد لورود متنه بنصوص متقاربة جدا مع الصحاح التي ذكرناها. ولكن رغم كل هذه التأكيدات يأتي الرجل ليؤكد أنه يخالف ما ذهبت إليه الأئمة (ع) من خلال طرحه لمفهوم هو أبعد ما يكون عن الحقيقة، وذلك تردادا لمعتقدات المدارس الأخري، فحيث أقل أئمة أهل البيت (ع) بأنهم هم أئمة الوسط أقل هو مناقضا لذلك في تفسير الوسطية في هذه الآية: إن الوسط من كل شئ أعدله وأفضله فكن هذه الكلمة استعيرت للأمة المسلمة من أجل تأكيد الثقة في نفوسهم علي أساس ما حباهم الله من هداية إلي سبيله لئلا ينهاروا أمام تضليل المضللين وتشكيك المشككين. [299] . [ صفحه 173] وحيث ما قال أهل البيت (ع) بأن الشهادة شأن خاص بهم، فإن قام أولا بذكر إتجاهات التفسير لدي أهل العامة فقط، [300] معرضا عما اختصه أهل البيت (ع) لأنفسهم، ومن ثم ليثبت أبعد المفاهيم عما ذهب إليه أئمة أهل البيت (ع) فقال: وعلي هذا، فإن كون الأمة شاهدا يتحرك في نطاق وجود العناصر الكثيرة في داخلها ممن يصلحون لمثل هذا الموقع الكبير وهم الطليعة الواعية المؤمنة التقية المنضبطة التي تفهم الإسلام حق الفهم وتعيه حق الوعي وتمارسه حق الممارسة وتحمله بروح رسولية رائدة أنها النخبة الواعية الموجودة في كل زمان ومكان التي يقف الأئمة الطاهرون والعلماء الواعون والأولياء الطيبون والمجاهدون العاملون. [301] . [ صفحه 175]

علي من تنزل الملائكة والروح

تطرح سورة القدر مسألة نزول الملائكة والروح في كل ليلة قدر من كل سنة كواحدة من الحقائق القرآنية والكونية الثابتة، ولكنها في هذا الطرح تثير مسألة غاية في الأهمية بالنسبة لبحثنا هذا طالما تغافل أو أغفلها الكثير من المفسرين من العامة، وأعني بذلك طبيعة المهام المعلقة بليلة القدر، فلقد تحدث القرآن الكريم عن هذه المهام لمرتين واحدة في سورة الدخان: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين - فيها يفرق كل أمر حكيم) [302] وأخري في سورة القدر حينما قال جل من قائل: (وما أدراك ما ليلة القدر - ليلة القدر خير من ألف شهر - تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر - سلام هي حتي مطلع الفجر) [303] حيث أن الملاحظ في آيات سورة الدخان، وكما هو شأن الروايات الموثوقة أشارت إلي أن هذه الليلة تقضي فيها أقدار كل شئ، مع التأكيد علي أن هذا الأمر يحصل كل [ صفحه 176] عام بدليل وجود فعل المضارعة (يفرق)، ولكنها في الثانية تطرح قضية أخري، وهو (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر)، وهذا التنزل السنوي للملائكة مع الروح من الواجب أن يثير فينا التساؤل عن الجهة التي تتنزل عليها الملائكة والروح [304] ، ولا تصلح أي عقيدة بخلاف عقيدة أهل البيت عليهم السلام في تقديم تصور منطقي علي من تتنزل عليه الملائكة، فالتنزل هنا ليس تنزلا رمزيا من أجل القول بأن الليلة مباركة منقبل الله لمحض المباركة كما قد يحاول قول ذلك تيار التحريف، [305] وهذا التنزل حينما يكون لازم التحقق بموجب هذا الحديث القرآني، فيستلزم وجود الجهة التي لديها المؤهلات الكفيلة بحيث أنها تكون موئلا لنزول الملائكة ومن ثم عرض أمر كل شئ عليها، وعندئذ فمن الحق أن نتساءل عن الجهة التي تصلح لأن تكون مهبط الملائكة والروح [ صفحه 177] إليها، وهذه الجهة كما يدل مضمون الآيات لها مواصفات متعلقة بالرسالة وشؤونها، كما يشير إلي ذلك ما روي عن الإمام الجواد، عن الإمام الصادق، عن الإمام الباقر عليهم السلام حيث يقول في حديث طويل لمحدث له بالكعبة المشرفة: فإن قالوا لك: فقل: (حم - والكتاب المبين - إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين - فيها إلي قوله: إنا كنا مرسلين) فإن قالوا لك: لا يرسل الله عز وجل إلا إلي نبي فقل: هذا الأمر الحكيم الذي يفرق فيه هو من الملائكة والروح التي تنزل من سماء إلي سماء أو من سماء إلي الأرض؟ فإن قالوا: من سماء إلي سماء، فليس في السماء أحد يرجع من طاعة إلي معصية، فإن قالوا: من سماء إلي أرض - وأهل الأرض أحوج الخلق إلي ذلك - فقل: فهل لهم بد من سيد يتحاكمون إليه؟ فإن قالوا: فإن الخليفة هو حكمهم فقل: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلي النور إلي قوله: خالدون) [306] لعمري ما في الأرض ولا في السماء ولي لله عز ذكره إلا وهو مخذول، ومن خذل لم يصب، كما أن الأمر لا بد من تنزيله من السماء يحكم به أهل الأرض، كذلك لا بد من وال، فإن قالوا: لا نعرف هذا [ صفحه 178] فقل لهم: قولوا ما أحببتم، أبي الله عز وجل بعد محمد (ص) أن يترك العباد ولا حجة عليهم. ثم قال محدث الإمام الباقر عليه السلام: ها هنا يا ابن رسول الله باب غامض، أرأيت إن قالوا: حجة الله القرآن؟ قال: إذن أقول لهم: إن القرآن ليس بناطق يأمر وينهي، ولكن للقرآن أهل وينهون، وأقول: قد عرضت لبعض أهل الأرض مصيبة [307] ما هي في السنة والحكم الذي ليس فيه اختلاف، وليست في القرآن، أبي الله لعلمه بتلك الفتنة أن تظهر في الأرض، وليس في حكمه راد لها أو مفرج عن أهلها. [308] . ولو بحثنا لما وجدنا هناك غير جهة اعتني القرآن الكريم في تقديمها كجهة وحيدة تصلح لمثل هذا الحديث عن التنزل الرسالي عليها من قبل الملائكة والروح، وهي جهة أئمة أهل البيت عليهم السلام بعد الرسول (ص) وهذا التفسير ينسجم مع كل ما قدمناه بشأن الإمامة الشاهدة علي كل شئ في الوجود، وثانيا تؤكده العديد من الروايات الواردة في تفسير السورة. [309] كما في رواية علي بن [ صفحه 179] إبراهيم في تفسيره حيث يقول: ومعني ليلة القدر إن الله يقدر فيها الآجال والأرزاق، وكل أمر يحدث من موت أو حياة أو خصب أو جدب أو خير أو شر كما قال الله: (فيها يفرق كل أمر حكيم) إلي سنة. قوله: (تنزل الملائكة والروح فيها) قال: تنزل الملائكة وروح القدس علي إمام الزمان ويدفعون إليه ما قد كتبوه من هذه الأمور. [310] . ولهذا نعتقد أن التنزل السنوي للملائكة بالأقدار إنما يكون علي إمام الزمان وما هذا إلا بسبب اضطلاعه (صلوات الله عليه) بدور الإمامة الشاهدة التي طرحتها آية شهادة من عنده علم الكتاب. [ صفحه 180]

عودة للبداية

وعودا علي بدء نتساءل عن الأسباب التي تجعل هذا التيار يعارض أقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام فيما صح صدورها عنهم، ويأتي بمناقض لها من تفسيرات المخالفين لهم، ولا يمكن تصور ذلك إلا من خلال القول بأن هذا الرجل إما أنه لا يقبل رواية أهل البيت عليهم السلام بسبب مشاكل السند والدلالة وما إلي ذلك، وهو أمر لن ينقذه، لأنك قد عرفت توافق الدلالة مع هذا الفهم الذي تسوقه روايات سليمة وصحيحة الصدور، علي أنه لو كانت مشاكل السند صحيحة فما باله أخذ بروايات لا يمكن أن تضاهي في سندها أسانيد الروايات التي ذكرناها؟. وإما أنه لا يقبل بعصمة أهل البيت عليهم السلام وخصوصية علومهم، بحيث أنه يخرجهم من دائرة العصمة ليحولهم إلي رواة ومفسرين يقبل منهم ما يشاء ويذر منهم ما يشاء، وهذا الأمر لعله هو الأقرب إلي [ صفحه 181] فهمه، فالرجل بعد أن لاحظ أن أصول الدين وفروعه لدي العامة هي الحقائق الإسلامية البديهية الثابتة التي لا تقبل المناقشة، وفي نفس الوقت اعتبر أن أصول الدين وفروعه الإمامية كلها من الصنف غير الثابت القابلة للمناقشة نفيا , إثباتا وفق مقالة: (الأصالة والتجديد) [311] ذكر في كتابه حوارات ما يلي: إن كل ما جاءنا من تراث فقهي وكلامي وفلسفي هو نتاج المجتهدين والفقهاء والفلاسفة والمفكرين من خلال معطياتهم الفكرية ولا يمثل الحقيقة إلا بمقدار ما نقتنع به من تجسيده للحقيقة، علي أساس ما نملكه من مقاييس الحقيقة، وبهذا فإننا نعتبر أن كل الفكر الإسلامي - ما عدا الحقائق الإسلامية البديهية - هو فكر بشري، وليس فكراإلهيا، قد يخطئ فيه البشر فيما يفهمونه من كلام الله وكلام رسول الله (ص) وقد يصيبون. [312] . هذا هو الأمر الوحيد الذي من شأنه أن يبرر ترك هذا التيار لحديث أهل البيت (ع)، ومن يلحظ بقية كلماته ومواقفه من أئمة أهل البيت (ع) لا سيما من [ صفحه 182] قضايا أمير المؤمنين (ع) يجد صحة ما نرمي إليه، فاعتبار الإمامة والعصمة وعلم الإمام وولايته وغيرها من المتحولات، وتشكيكه بسند الغدير، واعتباره بيعة الغدير بمثابة التجربة التي أراد الرسول لها أن تتحرك علي المستوي التجريبي لا الإلزامي، وتصويره أمير المؤمنين (ع) بالصورة التي لم يتجرأ حتي أقبح النواصب علي وضعه فيها حيث قال عنه: وفي مطلق الأحوال إن عليا (عليه السلام) يشرع في هذا المقطع من دعائه في تبيان ما من أجله كان يتوسل مقسما بأسماء الله تعالي وصفاته، وهو يبدأ بسؤال المغفرة للذنوب التي من شأنها أن تمس كيانه وشخصيته، فتحيلها إلي شخصية متهالكة ضعيفة لا حول لها ولا قوة، فاقدة لأي اعتبار أو موقع، أو دور فاعل وإيماني في الحياة. [ صفحه 184] وقال في موضع آخر (ولاحظ معي الضمائر المرجعة إلي شخصية الإمام (ع)): ماذا نشعر ونحن نري عليا يسأل المغفرة تلو المغفرة، ثم لا يكتفي بذلك، بل يتجاوزه إلي سؤال شفاعة الله سبحانه وتعالي له. ألا تشعر أن عليا لا يزال خائفا، ولا سيما أن الذنوب والخطايا [ صفحه 185] التي طلب من الله سبحانه وتعالي أن يغفرها له هي من الذنوب الكبيرة التي يكفي ذنب واحد لينقصهم الظهر منها. [313] . وأقل في موضع آخر: ويتابع الإمام ببيان حاله قائلا: (ولا تفضحني بخفي ما اطلعت عليه من سري) يا رب هنالك الكثير من الأشياء التي أقوم بها من دون أن يراني أحد، أو أتكلم بشئ ولا يسمعني أحد، وأنت الساتر الرحيم فيا رب لا تفضحني في الدنيا وفي آخرة، وأعدكبأني سأتراجع عن خطئي وإساءتي ومعصيتي. [314] . وقال في موضع آخر: ولذا فالإمام يقول يا رب لقد خلقن لي هذه الغرائز، ومن تحولي أجواء تثير هذه الغرائز، [315] تستيقظ غرائزي عندما تحف بها الروائح والأجواء الطيبة التي تثيرها أعطيتني عقلا، ولكن غرائزي في بعض الحالات تغلب عقلي فأقع في المعصية. [316] . وقال في مكان آخر وبلهجته العامية هو يتحدث عن أمير المؤمنين (ع): كان إذا سمع أحدا يمدحه شو [ صفحه 186] (ماذا) كان يقول: اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، كل الناس بتظن بيه (بي) الخير، أريدك تجعلني أحسن مما يظنون الناس في، ولكن يا رب أنت تعرف خفاياي، في أشياء أنت بتعرفها اغفر لي هذه الأشياء. [317] . وهكذا المئات من القضايا التي مست كيان المذهب في أسسه الوجدانية والعقائدية والتأريخية والفقهية، بل إن بعضا منها ما خالف الإسلام بكل كياناته المذهبية كما في مواقفه من تحريف التوراة والإنجيل حيث يعتقد بأنها حرفت في اللفظ دون المعني، [318] وهكذا قوله بعدم كفر القائلين بالثالوث المسيحي [319] رغم صريح القرآن: وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصاري المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين تكفروا من قبل قاتلهم الله إني يؤفكون [320] . [ صفحه 187] وقوله: (لقد كفر الدين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) [321] وهكذا قوله بالتزام القرآن بمقدسات أهل الكتاب [322] حتي لو كانت هذه المقدسات من نمط الاعتقاد بقصة يوسف النجار وحمل مريم منه، وحتي لو كانت هذه المقدسات بمقدار قداسة فكرة اليهود عن تكذيبهم لعيسي عليه السلام، ومقدسة النصاري بتكذيبهم لمحمد (ص)، وحتي لو كانت مقدساتهم تعني عدم تحريفية الكتاب لفظا ومعني هذا ناهيك عن أقواله التي تتعفف عنها الكثير من الفرق الإسلامية خصوصا تلك التي تتعلق بالتجسيم الإلهي حينما يصف العرش بالمنطقة الجغرافية [323] ، وكذا قوله الشنيع بتجلي ذات الله للجبل في قصة موسي، [324] أو أقواله التي تتعلق بعصمة الأنبياء وعقائدهم في توحيد الله كأقواله في آدم ونوح وإبراهيم ويوسف ويونس وموسي وسليمان وداود والرسول (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين)، وكل هذه الأقوال مرفوضة جملة وتفصيلا من [ صفحه 188] قبل الإمامية ولم يضع هذا الرفض علماء الإمامية من تلقائياتهم، وإنما تلقوه من قبل أئمة أهل البيت عليهم السلام. [ صفحه 189]

خاتمة المطاف

إن دائرة الانحراف ليست متوقفة علي قول خالف فيه تيار الانحراف موقفا من مواقف الإمامية (أعلي الله شأنهم) كما رأينا في الحديث عن هذه الآيات الشريفة، وإنما تشكل حالة الخلاف هذه حلقة من سلسلة متمادية في مخالفة فكر المذهب ورؤاه العقائدية والوجدانية والتاريخية والفقهية، ولهذا فليست العقدة تتمثل في أن تيار الانحراف فسر هذه الآية أو تلك بشكل خاطئ، وإنما في تسريبهم للأفكار المنحرفة بعنوانها أفكار أهل البيت عليهم السلام ضمن سلسلة طويلة يجب أن تري بأكملها، لا أن تقتطع هنا أو هناك، كي يقال أن هذا القول ليس فيه درجة الكفر بالمذهب. إن من المسلم به أن التشيع ليس هوية تصدر من دائرة النفوس أو دائرة الأحوال الشخصية، وإنما هو انتماء عقائد لمنظومة محددة من الأفكار والرؤي التي أوجد [ صفحه 190] أسسها أهل البيت عليهم السلام، والخروج عنها هو خروج عن المذهب، ولا يظنن البعض أن تيار الانحراف قد جمع ما بين دفتيه أكبر مقدار من الأقوال الشاذة ضمن إطار المذهب، [325] فالأقوال التي قرأناها واستمعنا لها بأصواتهم، لا تمثل حالة خلافية تبقي في دائرة الاجتهاد، والاجتهاد الآخر، وإنما هي حالة مخالفات لبنية المذهب وتركيبته، وبالتالي لم نك لنستغرب حينما حكمت المرجعية العليا في قم المقدسة ممثلة بالمرجعين الكبيرين الآيات العظام الشيخ الميرزا جواد التبريزي، والشيخ الوحيد الخراساني (حفظهما الله تعالي) علي هذا التيار [ صفحه 191] بالانحراف والخروج عن الطائفة المحقة. ومفروغ عنه أن المرجعين الكبيرين (أعلي الله شأنهما) لم يتخذا موقفيهما في اعتبار داعية الانحراف ضالا ومضلا بسبب إثارته الآثمة حول سند الغدير [326] أو نفيه لعصمة الزهراء [327] ، أو أقواله تم النظر إليها ضمن مئات المواقف التي تنكب فيها داعية الانحراف بعيدا عن المذهب، ولا أشك بتاتا بأن من ينظر إلي ما نظرنا إليه من مواقف مجانفة للمذهب سوف يجد قرار المرجعية العليا قد كان في موضعه تماما. إن ما حدث لا ريب في أنه مؤلم للغاية، ولا أعلم أن مراجع الطائفة المحقة (أعلي الله مقامهم الشريف) حكمت علي أحد بالخروج من المذهب وأعلنت انحرافه عنه، كما أعلنت هنا، ولربما تكون هذه الحالة هي الحالة الوحيدة التي يتم الإعلان عنها، ولكن حالة الانحراف هذه ليست بالأمر المستغرب، فلقد تحدث القرآن عن انحراف إبليس وهو الذي كان يسمي بطاوس المتعبدين، وكذا تحدث عن حالة انحراف بلعم بن باعوراء حيث [ صفحه 192] قال: (وأتل عليهم نبأ الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين) [328] وقوله تعالي: (يا أيها الذين أمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله) [329] . إن الانحراف حالة مرضية يمكن أن تصاب بها كل الكيانات غير المعصومة، وخط الانحراف يبدأ ضيقا حتي إذا ما بلغ أشده بان علي حقيقته، وما أصدق كلام أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال في صحيحة ثقة الإسلام الكليني موضحا حقيقة الانحراف وبدء دبيبه في كيان الأشخاص والأمم: أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، يتولي فيها رجال رجالا، فلو أن الباطل خلص لم يخف علي ذي حجي، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف، ولكن يأخذ من هذا ضغث، ومن ذاك ضغث، فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان علي أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسني. [330] . أما كيف نتخلص من ذلك فلن يكون إلا من خلال [ صفحه 193] الحذر الشديد والورع الكبير في التعامل مع مسائل الدين وعقائده، ولن يتم ذلك إلا من خلال الرجوع لأهل البيت عليهم السلام فما جاءنا منهم بقول صحيح تعبدنا به، وما جاء عن غيرهم مخالفا لهم رددناه وكفرنا به، كائنا من كان قائله والملتزم به، فالحق هو الذي يعرف الرجال، ولا يعرف الحق بالرجال كائنا من كانوا، فيما خلا أهل بيت العصمة والطهارة فهم مرجع الدين وهم الملاذ من الفتن والبدع، وما أحسن قول الصادق من آل محمد عليه السلام حينما قال بشأن التنازع علي أمر ما، بأن يتم التحاكم إلي: من كان منكم ممن قد روي حديثنا فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه، فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد، والراد علينا الراد علي الله وهو علي حد الشرك. [331] عصمنا الله وإياك عزيزي القارئ من الضلالة والتخبط بنار الفتن، وجعلنا من المتمسكين بشرعة آل محمد عليهم السلام، وأستميحك في الختام العذر فيما إذا بدر مني هفوة أو زلة، وشفيعي في الاعتذار أن غايتي أن أسهم في الرد عن آل محمد عليهم السلام ظلامة لحقت بهم [ صفحه 194] أثارتها عليهم نار الجهل والغرور. اللهم إني أشهدك وكفي بك عالما وشهيدا أنه ما كان مني في التصدي لموجة الضلال هوي في دنياهم، ولا طمعا في وجاهتهم، ولا حسدا مني لمالهم، ولا إحنة علي أشخاصهم، وإنما كان الذي كان مني تعبدا بالولاء لعقيدة آل محمد عليهم السلام خالصة لهم دون سواهم ورائدي في ذلك يا رب قول دعاة الهدي: (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلي ربكم ولعلهم يتقون) [332] . اللهم إن كنت تعلم صدقي فيما أشهدك به فأعني منك بحول وقوة، فإن المستجير بغيرك خائب، واللائذ بسواك مخذول، والمستعين بغيرك بائر، أنت الهادي لطريق الهدي والموفق لنهج الحق عليك توكلت وإليك مآب.

پاورقي

[1] الولاية التكوينية الحق الطبيعي للمعصوم عليه السلام: جلال الدين علي الصغير، الطبعة الأولي، دارالأعراف للدراسات.
[2] كما في التضعيف الصادر بحديث الكساء أو بشأنية بعض الأنبياء والمعصومين كما في قضية سذاجة آدم عليه السلام، وتوبيخ الله لنوح عليه السلام، وخشوع إبراهيم عليه السلام الروحي للكوكب وتخيله بأنه هو الإله العظيم، ومن ثم للشمس والقمر، ودعوي أن موسي (ع) لم يكن يعلم بأن الله يري إلا بعد أن علمه الله ذلك، وكذا هم يوسف (ع) واستنفاذه كل طاقاته في المقاومة، وكذا التخرصات المشينة والمخلة بالأدب بحق أنبياء الله نوح وداود وسليمان ويونس عليهم السلام وقضية الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) في موضوعة عبس وتولي، أو فيما يتعلق بطهارة آباء النبي، وكذا في موضوعات نور الرسول والأئمة والشفاعة والرجعة والبداء والولاية والتكوينية وعلم الإمام، والعمل بالقياس والاستحسانات والمصالح المرسلة وما إلي ذلك من أمور كثيرة جدا. (ذكرنا هذه الأمور ومئات غيرها مع استعراض شامل لمواضع هذه المقولات في الثقافة التحريفية، وذلك ضمن كتابنا موضع الإنجاز: التحريفية الجديدة: المعالم والتداعيات).
[3] ستصدر لنا تباعا بعون الله جملة من الأبحاث التي تتناول هذه الموضوعات، وقد أنجزنا لحد الآن الأبحاث التالية: 1 - العصمة - 2 - الإمامة ذلك الثابت الإسلامي المقدس - 3 - الإمامة، بحث في الضرورة والمهام، 4 - الفقه الإباحي إباحة فقه أم استباحة دين؟ 5 - دور الوجدان في حركة الأمة (الشعار الحسيني نموذجا).
[4] المقصود هنا الرواية الصحيحة والموثوقة في صدورها عن المعصوم (ع).
[5] أنظر علي سبيل المثال مقالة: مع الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد، مجلة الفكر الجديد، العدد التاسع ص 62،وكذا فقه الحياة ص 267 فما بعدها.
[6] أي تتخذ من الإسلام كغطاء رسمي يغطي ظلمها.
[7] وغير ذلك كثيرا جدا.
[8] هذا لا يعني أننا نطالب بالانغلاق علي المسائل الفكرية النائمة وإن حوت علي مشاكل في البنية الدليلية، وإنما الوعي الحركي الحضاري يفترض تارة أولويات في الخطاب الفكري تبعا لحجم الضغط الذي تفرزه متطلبات الواقع الحركي من جهة، وضغوط التيارات الحضارية الأخري من جهة ثانية، وعندئذ سنجد أن في جعبتنا المئات من الموضوعات التي ينبغي أن يتصدي لها رجال الفكر باعتبارها من أولويات هذا الخطاب. وتارة يفرض أن نعالج هذه الموضوعات وغيرها ضمن قدرة دليلية تكفي لنقض ما كان لدينا من أفكار وقيم ضمن مسيرة البحث عن الأفضل والأكمل. أما أن نتخذ من هذه المسيرة حجة لمواجهة تلك الأفكار ونعتها بكل النعوت السلبية بقدرات استدلالية متدنية، فهذا ما لا يرضي به ذو عقل. فأنت حر في مناقشة ما تريد، ولكن ينبغي مراعاة حقيقة أن النقاش لم يوضع لأجل النقاش، وإنما من أجل أن يوصلنا إلي الأفضل، وبغيره فالشك والجدل يغدو عملية عابثة قد تدخل في أي نمط في السلوك الاجتماعي إلا أن تدخل في عالم الأفكار، فهو منه براء. وهذا ما حصل بالضبط مع الثقافة التحريفية التي استعارت مناهج معرفية غريبة عن الفكر الإسلامي فأوقعها ذلك في مطب عدم تقبل الفكر العقائدي فراحت تنبش علها تحصل علي دليل، ولكنها ظلت عاجزة وبعيدة عن تشكيل حتي مجرد دليل يمكنه نقض الفكرة السابقة، فضلا عن الإتيان بدليل ينمي ويعزز الفكرة المطروحة. وهذا ما يقود بطبيعة الحال إلي إيجاد المبرر الحقيقي للارتياب في حقيقة أهداف عملية النبش العقائدي هذه، إذ نجد هنا اجتماع العبثية واللامسؤولية مع تدني الفكر المصاحب بادعاء عريض علي أن فكر التحريفية هو فكر الإسلام، الأمر الذي قاد إلي الاعتقاد أن المسألة تتجاوز البعد الفكري لتلتحق بالأبعاد خصوصا إذا ما لاحظنا ذلك ضمن منظار ذلك الإصرار علي الطرح الفكري التحريفي مع وجود قناعة بعدم وجود الدليل المقنع، ولربما من ينظر إلي طبيعة الممارسات التي صاحبت ضجيج التحريفية الجديدة، يشعر إن الكثير منها يضفي نمطا دراماتيكيا يستحق التأمل الشديد، كون أغلب تلكم الممارسات لا تنتمي إلي ما ألفناه من أجواء أكثر الطروحات تنكرا للعقائد.
[9] الكافي 1: 54 ح 2. ومثله في وسائل الشيعة 11: 510 ب 40 ح 1. [
[10] علل الشرائع: 235 - 236 ب 171 ح 1، ومثله في غيبة الطوسي: 64 ح 66.
[11] سورة الرعد: 43.
[12] جريدة فكر وثقافة، العددين: 22 و 41.
[13] وهي المحاضرات التي وصفها تيار الانحراف بأنها شتائمية، ولا تقدم الدليل بقدر تقديمها الضجيج، وهي الطريقة التي تعارف هذا التيار علي التعامل بها كلما وجد نفسه محاصرا من قبل الدليل، ويمكن للقارئ الكريم أن يتصفح متون البحث ليجد أي لغة شتائمية ينطوي عليها. هذا إذا لم يعن مصطلح الشتائمية نقد فكر هذا التيار ودحضه، وإلا فقدحوي البحث علي أكثر من ذلك.
[14] آل عمران: 173.
[15] المفردات في غريب القرآن: 267 - 268.
[16] لسان العرب 7: 222 - 223.
[17] لسان العرب 7: 223.
[18] النساء: 33.
[19] سبأ: 47.
[20] الأحزاب: 45.
[21] الحج: 77 - 78.
[22] الأعراف: 172.
[23] النور: 24.
[24] يس: 65.
[25] المائدة: 117.
[26] البقرة: 283.
[27] النساء: 41.
[28] الأحزاب: 45، وبمضمونها الفتح: 18.
[29] المزمل: 15.
[30] المائدة: 116 - 117.
[31] وإن أمكن التفاضل بينهم يكون الرسول (ص) أفضلهم، وهم بالتبع له.
[32] الرعد: 43.
[33] النمل: 40.
[34] الدر المنثور في التفسير بالمأثور 4: 69.
[35] جامع البيان في تفسير القرآن (تفسير الطبري) 13: 119.
[36] الرعد: 31.
[37] زاد المسير في علم التفسير 4: 223. وقريب منه قال الكلبي ومقاتل فيما نقله عنهما الطبرسي في مجمع البيان 3: 419.
[38] أنظر تفسير الطبري 13: 119، الدر المنثور 4: 69، زاد المسير في علم التفسير 4: 252.
[39] البرهان في علوم القرآن 1: 251.
[40] الرعد: 30.
[41] البرهان في علوم القرآن 1: 255.
[42] ن. م 1: 260.
[43] الإتقان في علوم القرآن 1 - 110.
[44] الدر المنثور 4: 42.
[45] مجمع البيان 3: 419.
[46] الدر المنثور 4: 42.
[47] الإتقان في علوم القرآن: 1: 12 - 13.
[48] زاد المسير 4: 223.
[49] مجمع البيان: 3: 419.
[50] روح المعاني 13: 84.
[51] الميزان في تفسير القرآن 11: 286.
[52] من وحي القرآن 13: 80 - 81. دار الزهراء - بيروت.
[53] من وحي القرآن 13: 5.
[54] بمعني أن موضوع البحث وهو التفتيش عن هوية هذا الذي عنده علم الكتاب يمكن أن نعالجه وفق منهج المواصفات التي تطرحها نفس الآيات القرآنية دون أن نقع في تخبطات واضطراب المفسرين التي هي في هذا المجال مجرد ظنون وتخرصات ذاتية.
[55] الأحزاب: 45.
[56] الفتح: 8.
[57] المزمل: 15.
[58] الأعراف: 172.
[59] النساء: 41.
[60] النحل: 89.
[61] نظرية النص الإلهي: هو المقولة التي تقول بأن رسول (ص) لم يترك أمته هملا دون راع، وإنما نص علي إمامة أئمة أهل البيت (ع) بتكليف من قبل الله جل وعلا، وذلك ضمن تفصيل استعرضنا بعض جوانبه في كتابينا: القائد.. القيادة والانقياد فيسيرة الإمام أمير المؤمنين (ع)، وكذا كتابنا: الإمامة.. بحث في الضرورة والمهام (قيد الإتمام).
[62] مجلة المعارج (عدد خاص بفكر فضل الله) مقال: (الوسط والشهودية مشروعان لإنقاذ الحضارة) الأعداد: 21 - 23ص 167 - 168.
[63] النساء: 59.
[64] هود: 17.
[65] الحج: 77 - 78.
[66] النبأ: 38.
[67] الحج: 1 - 2.
[68] نقول: علي الأقل، لأننا نلاحظ أن الله لم يستدع الأنبياء كشهداء منفردين، وجميعهم من أهل العصمة، وإنما استدعي الرسول (ص) ليكون شاهدا علي هؤلاء، مما يشير إلي أن المطلوب من الشاهد كلما تقدمت منزلته ومرتبته أمر أكثر من العصمة، ولكن ما تحدثنا عنه هو في الحدود الدنيا لهذه الأمر.
[69] يشير العلامة الطباطبائي (رضوان الله تعالي عليه) إلي اتساع دائرة الشهادة بحيث أنها تشمل كل ما له تعلق ما بالعمل فيدخل علاوة علي ما أشرنا إليه عالم الزمان والمكان والدين والكتاب. أنظر الميزان في تفسير القرآن 1: 319، مؤسسة الأعلمي- بيروت، طبعة 1991.
[70] النساء: 69.
[71] فيما رواه أهل العامة من تفسير ابن عباس فيما عرف بتنوير المقباس لم يرد هذا المعني، بل إنه أراد الاتجاه الثاني من التفسير وهو ما سنتحدث عنه لاحقا (أنظر تنوير المقباس في هامش الدر المنثور 3: 27).
[72] تفسير الطبري 13: 119.
[73] زاد المسير في علم التفسير 4: 252.
[74] الدر المنثور 4: 69.
[75] مفاتيح الغيب أو تفسير الرازي 19: 72.
[76] تفسير الطبري 13: 119، زاد المسير 4: 252.
[77] أنظر نفس المصادر والزمخشري في تفسيره الكشاف 2: 364، والبيضاوي في أنوار التنزيل 2: 349.
[78] أنظر تفسير الرازي 19: 72. وقد تابعه في ذلك الخازن في تفسيره لباب التأويل في معاني التنزيل 3: 69، وكذا النيسابوري في غرائب القرآن ورغائب الفرقان المطبوع في هامش تفسير الطبري 13: 99.
[79] الكشاف 2: 364.
[80] الميزان في تفسير القرآن 11: 387.
[81] النساء: 163 - 166.
[82] التين: 1.
[83] تفسير الرازي 19: 72.
[84] تفسير الطبري 13: 118 - 119.
[85] زاد المسير في علم التفسير 4: 251 - 252.
[86] الدر المنثور في التفسير بالمأثور 4: 69.
[87] لا أعرف إن أراد وجود هذه الرواية لدي الإمامية أو ما عداهم، وفي كل الحالات فالروايات الموجودة هنا عديدة لدي العامة، ومستفيضة لدي الإمامية، وهي بالتالي ليست برواية واحدة.
[88] لا ريب أن هذه الروايات لا توجد لدي الإمامية. فتأمل.
[89] جريدة فكر وثقافة العدد: 22 بتاريخ 23 / 11 / 1996، وكذا كتاب الندوة 2: 316 الطبعة الأولي - دار الملاك -بيروت 1997.
[90].
[91] وما بين الأقواس منا للتوضيح. وكذا صحيحته فيما رواه عن السندي بن محمد، عن العلا، عن محمد بن مسلم , عن أبي جعفر (ع) قال: قلت له: إن من عندنا يزعمون أن قوله الله تعالي: " فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " أنهم اليهود والنصاري، قال: إذا يدعونهم إلي دينهم، ثم أشار بيده إلي صدره وقال: نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون. (بصائر الدرجات: 61 ج 1 ب 19 ح 17). وقد تحدثنا عن ذلك (دلالات الآية وشبهة فضل الله حول مرادها) بالتفصيل في كتابنا: الإمامة:بحث في الضرورة والمهام.
[92] جريدة فكر وثقافة العدد: 41 بتأريخ 24 / 5 / 1997.
[93] يرفض محمد حسين فضل الله هذا المعني ليشير إلي الفصل بين شخصانية محمد بن عبد الله كذات وبينه كرسول. أنظر كتاب خطوات علي طريق الإسلام: 412 - 414، الطبعة الخامسة، دار التعارف للمطبوعات 1986 وكذا العديد من كتاباته ومقالاته. ولعمر الحق هل كان غير محمد بن عبد الله في بعده الذاتي البحث بقادر علي تحمل هذه الرسالة، وهل أن الجعل الإلهي المعبر عنه في الآية الكريمة: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) (الأنعام / 124) كان ليكون لولا وجود ذات محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله وسلم ما لكم كيف تحكمون؟!.
[94] يقول الراغب الأصفهاني عن معني الكفاية: ما فيه سد الخلة، وبلوغ المراد من الأمر. المفردات في غريب القرآن: 437.
[95] تفسير الرازي 19: 71.
[96] قوله: (الاعتراض) يعود إلي كلام من قال بشهادة أهل الكتاب، أي أنه يعترض علي كلام منقال بهذه الشهادة.
[97] غرائب القرآن ورغائب الفرقان 13: 100.
[98] من ذكرتهم روايات شهادة أهل الكتاب أسلموا في أوقات متغايرة، وأقربهم إلي الإسلام (علي بعض الروايات) كان عبد الله بن سلام التي تشير بعض الروايات إلي أنه أسلم بمجرد ما رأي رسول الله (ص) وهو قادم إلي المدينة، وقال البعض أنه أسلم بعد عام من قدوم الرسول إليها، ورأي آخر أنه أسلم قبل وفاة الرسول بعامين. (أنظر في هذا الشأن الإصابة في تمييز الصحابة 2: 320 رقم 4725). وإن كنا نعتقد أن إسلامه كان متأخرا حيث لا يؤثر له في عالم الخبر والأحداث ما يدل علي كونه كان موجودا في الأحداث المتقدمة من سنوات الهجرة، في وقت أن قلة المسلمين آنذاك كانت تسمح لمثله - وهو الذي وصف بأنه كان عالم أهل الكتاب - بالبروز في عالم الأحداث. فيما نجد أن (تميم الداري) قد أسلم في العام التاسع لهجرة الرسول (ص). (الإصابة في تمييزالصحابة 1: 183 - 184 رقم: 837).
[99] النساء: 46. [
[100] المائدة: 13.
[101] المائدة: 41.
[102] آل عمران: 75.
[103] النساء: 160 - 161.
[104] التوبة: 34.
[105] حيث استبعد فضل الله أن يكون الإمام علي (ع) هو الشاهد بدعوي أنه من صف رسول الله (ص).
[106] لا يعني قولنا بالاتجاهات الثلاثة خلو كتب التفسير من إتجاهات أخري، وإنما لأن ما أشير إليه من آراء أخري كما في القول الذي يقول بأن من عنده علم الكتاب هو جبرائيل (ع)، وهو قول ليس بذي قيمة لتسالم أهل التفسير علي نبذه، لكونه من أخبار الآحاد التي لا يسلم متنها من النقض السري، وليس بأدل علي ذلك من كون جبرائيل (ع) قد تصلح شهادته في الآخرة، أما في عالم الدنيا فلا محل لشهادته الدائمة والمستمرة المعنية بها هذه الآية، لعدم التمكن من الإدلاء بشهادته أمام الذين كفروا - مثلا - بسبب شأنه النوراني وشأنهم الظلماني، ولا مجال للقول بإمكانية ذلك لأنه سيجرنا للتحدث عن المعجزة في مجال اختار الله - لتمام الحجية علي الناس - طريق الأسباب الطبيعية، ولذا فقد أعرضنا عنها.
[107] الندوة 2: 316.
[108] لا يعني ذلك أن تصح عبارة من قال: حسبنا كتاب الله تخلصا من سنة الرسول أو الإمام، بل أن هذه الحجية تحتاج إلي تبيان، وهذا التبيان لن يقوم به إلا أهله من رسول أو إمام وهو مؤدي حديث الثقلين: إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي. وبما أن الكتاب حجة في ذاته، فالعترة هي الأخري حجة بذاتها ولكنهما يحتاجان لبعضهما في إتمام الحجة علي كل الناس.
[109] مجلة المعارج مصدر سابق: 168.
[110] النور: 24.
[111] هود: 17.
[112] الأحزاب: 45.
[113] المائدة: 117.
[114] البقرة: 143.
[115] الحج: 77 - 78.
[116] النحل: 120.
[117] الحجرات: 14.
[118] لسان العرب 15: 295.
[119] النمل: 40.
[120] الميزان في تفسير القرآن 11: 383 - 384.
[121] الرعد: 1.
[122] فصلت: 42.
[123] النحل: 89.
[124] نحن نعتقد أن علم اللوح المحفوظ أوسع من علم القرآن، بدليل الآية القرآنية " إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون " (الواقعة / 77 - 76) وقوله تعالي: " بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ " (البروج: 21 - 22)، ولكن مهما كان الأمر فإن مالا شك فيه هو أن صاحب علم الكتاب يتميز بخصيصة استثنائية لا يمكن لبشر العاديين أن يطالوها.
[125] وذلك لقوله تعالي: هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون أمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب " (آل عمران / 7). فقد رد العلم بمتشابهات القرآن فضلا عن معرفة المتشابه من المحكم إلي الراسخين في العلم، ومن هم غير رسول الله (ص) وآله الطاهرين (عليهم السلام).
[126] مجلة المنطلق العدد: 113 ص 32.
[127] للإنسان والحياة: 301.
[128] وهو مفهوم ضبابي يمكن أن يتسع لما يضيق عنه نفس القرآن، ويضيق عما أسهب القرآن في الحديث عنه، لكونه يخضع لتفكير البشر، وطريقة فهمهم للقرآن، وفي هذا التفكير الكثير من التعصب والمذهبية المسبقة القادرة علي تطويع أصلب المفاهيم، وفي تلك الطريقة الكثير من الجهل والسذاجة بما لا يخفي علي من له أدني معرفة بعالم التفسير والحديث.
[129] وهي مناهج أهل العامة حيث يعمد فقيههم إلي إعمال رأيه حيثما انعدم لديه الدليل النصي أو القياسي، فيعمد تارة إلي الاستحسان وهو علي تعبير البعض: ما يقع في الوهم من استقباح الشئ واستحسانه من غير حجة دلت عليه من أل ونظير. (إرشاد العقول إلي تحقيق الحق من علم الأصول: 241 للشوكاني) أو يعمد أخري إلي المصالح المرسلة التي يعرفها أحدهم بأنها: نوع من الحكم بالرأي المبني علي المصلحة بجلب نفع أو دفع ضر، مما لم يدل الشرع علي اعتبارها أو إلغائها وهي كما تري أحكام تقوم علي الظن , وتفتقد إلي الدليل الشرعي مما يجعلها خارجة عن دائرة الحجية.
[130] الأنعام: 116.
[131] يونس: 36.
[132] النجم: 28.
[133] تفسير الطبري 13: 118 - 119. وقريب منه فعل السيوطي في الدر المنثور 4: 69.
[134] تفسير الطبري 13: 119، والناسخ والمنسوخ: 173. مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت. وعنهما الدر المنثور 4:69.
[135] الإسلام ومنطق القوة، محمد حسين فضل الله: 248 الدارالإسلامية - بيروت، الطبعة الأولي 1979.
[136] مجلة المنطق العدد 113: 24.
[137] أنظر كتاب النكاح، محمد حسين فضل الله 1: 58 دارالملاك - بيروت الطبعة الأولي 1997.
[138] أنظر في تعديد نماذج المقولات غير المقدس الهامش اللاحق، وانظر في نص هذا القول: مجلة المناهج البيروتية، العدد الثاني، مقالة الأصالة والتجديد، محمد حسين فضل الله ص 63، ومجلة المعارج (العدد الخاص الثاني بفكر محمد حسين فضل الله) الأعداد: 28 - 31 تحت عنوان: فضل الله وتجديد الوظيفة الاجتهادية، الأصالة والتجديد ص 307.
[139] كالخلافة والإمامة والحسن والقبح العقليين (العدل) والعصمة في التبليغ أو في الأوسع من ذلك بحيث يشمل الأفعال جميعها والآراء جميعها في شخصية الأنبياء والأئمة (ع)، وفي المسار الجسماني والروحاني، وفي مستوي علم الأنبياء والأئمة، ومن حيث علم الغيب ووعي الأشياء في الكون والحياة وفي مسألة حدود الشرك والتوحيد وغير ذلك مما يتصل بالجانب العقيدي، وفي جانب الشريعة في وجوب الخمس.. الخ. (أنظر مقالة الأصالة والتجديد: 60، وكذا مجلة المعارج في العدد الخاص الثاني: 304مع بعض التحوير حيث أبدلت كلمة العصمة في الأولي، بكلمة الخاتمية في الثانية).
[140] أنظر في نماذج هذه الحقائق البديهية مقالته الأصالة والتجديد حيث يعطي مقولات العامة في أصول الدين وفروعه هذه الصفة، ويستثني مقولات الإمامية من ذلك!.
[141] حوارات في الفكر والسياسة والاجتماع، محمد حسين فضل الله، إعداد وتنسيق نجيب نور الدين: 480 دار الملاك - بيروت، الطبعة الأولي 1997. ونلفت الانتباه هنا أن هذا الكلام مقتبس بصورة كبيرة من كتاب: من الاجتهاد إلي نقد العقل الإسلامي للمستشرق الفرنسي العلماني محمد أركون، ومن مقدسة هاشم صالح للكتاب ص 9 دار الساقي - الطبعة الثانية، لندن 1993.
[142] وهو اعتماد مؤقت في نظرنا!.
[143] رغم كونها غير ملزمة بأبحاث من هذا القبيل، لأن هذا المنهج إنما يطلب للفتوي فحسب.
[144] الكافي 1: 229 ح 6.
[145] بصائر الدرجات: 234 - 235 ج 5 ب 1 ح 12.
[146] الرواية الصحيحة هي ما كان رجال السند فيها من الموثوقين الإمامية.
[147] بصائر الدرجات: 235 ج 5 ب 1 ح 15.
[148] الرواية الموثوقة هي ما كان جميع رواتها من الموثوقين ولكن الجميع أو البعض منهم ليسوا من الإمامية، وهي لهذا موثوقة لموضع ابن فضال فيها، رغم الاعتقاد السائد بين بعض المحققين بأن الرجل لم يكن واقفيا.
[149] بصائر الدرجات: 232 ج 5 ب 1 ح 1.
[150] بصائر الدرجات: 235 ج 5 ب 1 ح 14.
[151] نفس المصدر: 236 ج 5 ب 1 ج 17.
[152] هو المثني الحناط الثقة.
[153] بصائر الدرجات: 234 ج 5 ب 1 ح 5.
[154] اختلف علماء الرجال في شأن محمد بن الفضيل، فهل هو محمد بن الفضيل بن كثير الصيرفي الضعيف، أو أنه محمد ابن القاسم بن الفضيل بن يسار الثقة الجليل، وفيما ذهب الشيخ المفيد (أعلي مقامه) إلي اعتباره من الفقهاء والرؤساء الأعلام، الذين يؤخذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، ولا يطعن عليهم بشئ، ولا طريق لذم واحد منهم. (معجم رجال الحديث 17: 147 رقم 11564). فإن السيد الخوئي (قدس سره) قد أعلن أنه لا مجال لتخصيص إطلاق اسم محمد بن الفضيل علي محمد بن القاسم الثقة، دون الصيرفي الضعيف.ولهذا فإن الرواية هنا تبقي معلقة بين الراوي الضعيف والآخر الثقة، ولكن احتمال الضعف هنا مجبور بتواتر الخبر.
[155] بصائر الدرجات: 235 ج 5 ب 1 ح 13.
[156] هو عبد الغفار بن القاسم الأنصاري الثقة.
[157] بصائر الدرجات: 235 ج 5 ب 1 ح 16.
[158] الرواية المرسلة في واحدة من مواصفاتها هي الرواية التي يروي فيها الراوي عن شخص دون أن يسميه.
[159] ولا يبعد أن يكون هذا هو أبو مريم المار.
[160] بصائر الدرجات: 234 ج 5 ب 1 ح 11.
[161] نفس المصدر: 236 ج 5 ب 1 ح 20.
[162] وفي الأصل: محمد بن عمر، وهو تصحيف والصحيح ما أوردناه، لعدم وجود من يروي محمد بن عيسي اليقطيني عنه سوي محمد بن عمرو الزيات المدائني الثقة، ولعدم وجود راو عن عبد الله بن الوليد غيره، ولنص رواية الخرائج والجرائح القادمة، وكذا صحيحة محمد بن عيسي بن عبيد المشار إليها. وعلي فرض عدم صحة محمد بن عمرو هنا، فهو محمد بن أبي عمير الذي يرفع صحب الاحتجاج الخبر إليه. وبه يصح الخبر أيضا.
[163] بصائر الدرجات: 248 ج 5 ب 5 ح 3.
[164] نفس المصدر: 247 ج 5 ب 5 ح 1.
[165] الاحتجاج: 375.
[166] أغلب الظن أنه أحمد بن محمد بن خالد البرقي. وغلا فهو أحمد بن محمد بن عيسي.
[167] يرد هنا نفس ما أوردناه في الهامش السابق في معرض تصحيح اسم محمد بن عمر إلي محمد بن عمرو الزيات المدائني.
[168] الأعراف: 145.
[169] الزخرف: 63.
[170] بصائر الدرجات: 249 ج 5 ب 5 ح 6.
[171] النحل: 89.
[172] الخرائج والجرائح: 798 - 799 ب 16 ح 8.
[173] تفسير القمي 1: 368.
[174] جهالة الراوي تعبير عن عدم اتضاح حاله من حيث الوثاقة والعدم، وإهماله تعبير عن عدم حديث علماء الرجال عن حاله، وعاميته كونه من رجال العامة.
[175] ورد في الأصل: محمد بن الحسن، وهو تصحيف، والصحيح هو ما أثبتناه لعدم وجود محمد بن الحسن في هذه الطبقة له خصيصة الرواية عن النضر بن شعيب، علي أن من الواضح أن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب هو راوي كتاب النضر.
[176] النضر بن شعيب لم يوثق.
[177] المظنون أنه محمد بن الفضيل الصير في الضعيف.
[178] نفس المصدر: 236 ج 5 ب 1 ح 19.
[179] ذكره النجاشي من دون توثيق، وكذا الشيخ في الفهرست، ولكن رواية كتابه من قبل النضر بن سويد (رضوان الله تعالي عليه وهو من أعلام الطائفة) يدل علي ركون لحديثه. ولكن هذا الأمر حيث لا يدل علي التوثيق، إلا أن عدم وثاقته مجبورة بورود الخبر بأسانيد صحيحة وموثوقة، فيصح.
[180] بصائر الدرجات: 233 ج 5 ب 1 ح 4.
[181] علي وعمه عبد الرحمن موصوفان بالضعف، وما خلاهما من أهل الثقة.
[182] النمل: 40.
[183] الكافي 1: 229 ح 5. ومثله ولكن عن أحمد بن موسي، عن الخشاب، عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي روي الصفار الخبر في البصائر: 232 ج 5 ب 1 ح 2.
[184] كذا هو الصحيح، وفي المصدر: محمد بن سليمان بن سدير، وهو تصحيف ظاهر. مع العلم أن محمد بن سليمان هذا ضعيف.
[185] يتخذ تيار الانحراف من هذا المقدار من الرواية حجة علي عدم علم الإمام (ع)، وقد فصلنا الحديث عن ذلك في كتابينا القادمين: علم المعصوم (ع)، والإمامة: بحث في الضرورة والمهام، وبمقدار أقل في الطبعة الثانية في الفصل الأخير من كتابنا الولاية التكوينية، الحق الطبيعي للمعصوم (ع)، ولكن لا بد هنا من القول وبشكل موجز: بأن علم الإمام إنما ينقسم إلي قسمين، فما يرتبط بالعلوم المتعلقة بشؤون الرسالة والهداية والدين فمما لا شك فيه أن لديه العلم كله، وخلافه يؤدي إلي القول به، فلا يمكن تصور إمام يمارس مهمة الإمامة الدينية، وهو لا يملك العلم الشامل والتفصيلي بكل ما يتعلق بمادة إمامته، لأن خلافه سيؤدي إلي القول بأن الحجية الإلهية الكاملة لم تنجز عليه. أما فيما يتعلق بالشؤون الخارجة عن مدار الإمامة كما في الموضوعات الخارجية غير المرتبطة بشؤون الدين، فعلي رأي بعض القدامي بأنه ما من ضرورة لأن يعلمها بكل تفاصيلها، ولكنه إن احتاجها علمها، وهو مناط قولهم (ع): إن احتجنا إلي العلم علمنا، ولكن علمهم هنا لن يكون علما كسبيا، وإنما يتم بطرق التعليم الخاصة بالعلم الإلهي كالإلهام أو النكث في القلوب، أو النقر في الأسماع، أو بتكليم ملك، أو بإحالة الأشمل التي يعبر عنها بملازمة روح القدس لهم. وذلك ضمن تفصيل لا يتسع المجال له هنا. ولكن يشكل علي ذلك أن نفس القول بعلم الإمامة لغرض الإمامة يستدعي امتداد هذا العلم إلي الموضوعات الخارجية بشقيها الفني والموضوعي، ففي الشق الفني إن قلنا بأن وظيفتهم كأئمة تستدعي منهم أن يعلموا كل ما في القرآن لغرض بيانه، فها هو القرآن يتحدث عن كثير من الأمور ذات المساس الواضع بهذه العلوم كالفلك والفسلجة والنبات وغيرها، وحيث أن الإمام ملزم بالتبيان وجب علمه بكل التفاصيل المتعلقة بأمور كهذه، أما في الجانب الموضوعي كمن قبيل الرواية أعلاه لو صحت دون ذيلها المناقض لصدرها ففيه أن الكثير من هذه الشؤون ترتبط بمهمة الإمامة مما يلحقها بالعلم الخاص، وجميعها تدخل في شؤون الإمامة الشاهدة مما يجعل الحديث يتمايز العلم بالموضع الخارجي عن علم الإمامة سالب بانتفاء الموضوع، وهذا هو الذي يسمونه بأعلم أحاديث في الليل والنهار، ومما يدلل علي هذا الأمر حديثنا القادم عن سورة القدر.
[186] أي المطر الكثير.
[187] بصائر الدرجات: 233 ج 5 ب 1 ح 3.
[188] نفسه: 233 - 234 ج 5 ب 1 ح 5.
[189] نفسه: 234 ج 5 ب 1 ح 6.
[190] نفسه: 234 ج 5 ب 1 ح 7.
[191] نفسه: 234 ج 5 ب 1 ح 8 و 9.
[192] نفسه: 236 ج 5 ب 1 ح 18.
[193] بصائر الدرجات: 236 ج 5 ب 1 ح 21. والآية في المائدة: 35. - ما بين القوسين هو ما في رواية البصائر، ولعلها النسب. بصائر الدرجات: 248 ج 5 ب 5 ح 4. والثماد: الماء القليل الذي يتجمع بعد المطر بحيث أنه لا تكون له مادة تنقب فيه.
[194] الخرائج والجرائح: 796 - 797 ب 16 ح 6. ونفس الرواية أوردها صاحب مختصر بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله الأشعري ص 108.
[195] بشارة المصطفي لشيعة المرتضي: 193 - 194.
[196] هود: 17.
[197] الزمر: 33.
[198] كتاب سليم بن قيس: 68.
[199] أبو عبد الله الكوفي الحسين بن الحكم بن مسلم الحبري من أعلام القرن الثالث توفي سنة 286.
[200] تفسير الحبري: 285 - 286 رقم 41.
[201] تفسير العياشي 1: 236 ح 78.
[202] نفسه 1: 236 ح 79.
[203] تفسير العياشي 1: 236 ح 80.
[204] نفسه 1: 236 ح 77.
[205] كذا في المصدر، ولعل فيه تصحيف أو توهم من الراوي.
[206] تأويل الآيات الظاهرة: 240 ح 24.
[207] زاد المسير في علم التفسير 4: 252.
[208] الجامع لأحكام القرآن 9: 220.
[209] ينابيع المودة 1: 305 ب 30 ح 1.
[210] ينابيع المودة 1: 307 ب 30 ح 2.
[211] نفسه: ح 3.
[212] الأعراف: 145.
[213] الزخرف: 63.
[214] الأنعام: 59.
[215] ينابيع المودة 1: 306 ب 30 ح 6.
[216] نفس المصدر: 307 ح 7.
[217] نفس المصدر: 307 ح 8.
[218] نفس المصدر: 308 ح 11.
[219] نفسه: 308 ح 12.
[220] الرعد: 7.
[221] هود: 17.
[222] ينابيع المودة 1: 308 - 309 ح 13.
[223] آل عمران: 81.
[224] الشعراء: 214.
[225] ينابيع المودة 1: 309 - 310.
[226] شواهد التنزيل 1: 307 - 308.
[227] قال الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمته: عبد الله بن عطاء المكي: صدوق إن شاء الله. (ميزان الاعتدال 2:461 رقم 4451).
[228] في أصل الكتاب الذي عنده علم من الكتاب، ولا يصح للاتفاق علي أن هذا الوصف متعلق بوزير سلمان من جهة، وللروايات السابقة التي وردت عن عبد الله بن عطاء والتي تتحدث عن آية الرعد، وليس عن آية النمل، ولهذا صححناه، ولعله من أخطاء النساخ.
[229] المائدة: 55.
[230] مناقب ابن المغازلي الشافعي: 313 - 314 ح 358.
[231] روح المعاني 13: 176.
[232] الجامع لأحكام القرآن 9: 220.
[233] أنظر طبعة الكتاب من قبل مطبعة السعادة بالقاهرة 1969 بتحقيق أحمد محمد مرسي وذلك بمعية كتاب علي بنأبي طالب إمام العارفين أو البرهان الجلي في تحقيق انتساب الصوفية إلي علي لنفس المؤلف.
[234] روح المعاني 13: 176.
[235] والصحيح الآية، ولعله من سبق اللسان.
[236] جريدة فكر وثقافة العدد: 41 ص 4.
[237] للتفصيل أنظر كتابنا: التحريفية الجديدة، المعالم والتداعيات، وكذا كتاب خلفيات كتاب مأساة الزهراء للعلامة السيد جعفر مرتضي (حفظه الله).
[238] البقرة: 143.
[239] الكافي: 1: 190 ب 67 ح 3.
[240] أي بلغ الحلم.
[241] بصائر الدرجات: 153 ح 3 ب 9 ح 2. والحديث مقطع والكثير من الأسانيد التي روت أجزاءه صحيحة.
[242] كتاب سليم بن قيس: 68.
[243] الأحقاف: 10.
[244] تفسير القمي 2: 272.
[245] عقائد الصدوق: 51.
[246] كمال الدين وتمام النعمة: 13.
[247] الإحتجاج: 159.
[248] نفسه 2: 152 ح 12.
[249] تفسير العياشي 2: 153 ح 13.
[250] تفسير فرات الكوفي: 187 - 191 ح 237 - 246.
[251] تفسير الحبري: 276 - 279 ح 36.
[252] تفسير الطبري 12: 11.
[253] الدر المنثور 3: 324.
[254] تفسير الخازن 2: 321.
[255] زاد المسير في علم التفسير 4: 73.
[256] الجامع لأحكام القرآن 9: 13.
[257] تفسير الرازي 17: 209.
[258] غرائب القرآن ورغائب الفرقان 9: 16.
[259] روح المعاني 12: 27 - 28.
[260] تفسير المنار 12: 53.
[261] فرائد السمطين 1: 338 - 340 ح 260 - 263.
[262] ينابيع المودة 1: 294 ب 26 ح 3.
[263] ينابيع المودة 1: 295 ب 26 ح 4.
[264] تذكرة الخواص: 25 - 26.
[265] كنز العمال 2: 439 ح 4440 - 4441.
[266] ترجمة الإمام علي (ع) من تأريخ دمشق 2: 421.
[267] شواهد التنزيل 1: 275 - 282.
[268] تفسير القمي 1: 325 - 326.
[269] البقرة: 124.
[270] لقمان: 13.
[271] إبراهيم: 35.
[272] أمالي المفيد: 145 م 18 ح 5. الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة منه.
[273] تفسير العياشي 2: 152 ح 11.
[274] الإحتجاج: 251.
[275] من وحي القرآن، محمد حسين فضل الله 12: 45 - 46 دار الزهراء، الطبعة الأولي 1985 بيروت.
[276] البقرة: 143.
[277] الكافي: 1: 190 ب 67 ح 2. والآية في الحج: 78.
[278] الكافي 1: 191 ب 67 ح 4.
[279] الكافي 1: 191 ب 67 ح 5.
[280] بصائر الدرجات: 103 ح 2 ب 13 ح 6.
[281] محمد هذا هو ابن أبي عمير، وأحمد بن محمد هو ابن محمد بن عيسي وكلهم من كبار الثقاة.
[282] بصائر الدرجات: 83 ج 2 ب 3 ح 11.
[283] بصائر الدرجات: 102 ج 2 ب 13 ح 3.
[284] المصدر 103 ج 2 ب 13 ح 5.
[285] نفسه: 536 - 539 ج 10 ب 18 ح 45.
[286] مختصر بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله: 65.
[287] ضعاف المراسيل ضعفت بسبب غياب بقية السند، وهي لهذا لا يمكن أن تكذب أو ترد، لوجود احتمال كبير في أن يكون ما فقد من السند صحيحا.
[288] تفسير العياشي 1: 81 - 82 ح 111.
[289] تفسير العياشي 1: 82 ح 112.
[290] نفسه 1: 82 ح 112.
[291] وهذه وإن عدت من الضعاف إلا أنها من الصنف الذي لا يرجح الضعف علي القوة فيها، فقد يكون الضعيف قويا ولهذا فهي لا ترد ولا تكذب.
[292] ممدوح.
[293] بصائر الدرجات: 102 ج 2 ب 13 ح 1.
[294] نفسه: 102 ج 2 ب 13 ح 2.
[295] ممدوح.
[296] مجهول وبقية رجال السند من أعلام الثقات.
[297] بصائر الدرجات: 102 ج 2 13 ح 4.
[298] بشارة المصطفي لشيعة المرتضي: 194.
[299] الوسط والشهودية، مشروعان لإنقاذ الحضارة (مصدر سابق): 165، ويلاحظ أيضا تفسيره من وحي القرآن، الجزء الرابع، من الطبعة الجديدة 4: 153.
[300] نفس المصدر: 166.
[301] نفس المصدر: 168.
[302] الدخان: 3 - 4.
[303] القدر: 2 - 5.
[304] في تعبير الروايات الصحيحة عن أهل البيت عليهم السلام أن الروح خلق أكبر وأعظم من الملائكة، ولهذا خالف محمد حسين فضل الله هذه الروايات حينما طرح تفسير أهل العامة بكون جبرئيل عليه السلام هو المعني بذلك كأحد احتمالين، معتقديم هذا الاحتمال تراتبيا علي ما فسرته روايات أهل البيت عليهم السلام. (أنظر من وحي القرآن 24: 408).
[305] أنظر من وحي القرآن 24: 405 فما بعد.
[306] سورة البقرة: 257.
[307] بمعني المعضلة والمشكلة.
[308] الكافي 1: 245 - 246 ح 1.
[309] أنظر الكافي 1: 245 فما بعده، وتفسير نور الثقلين 5: 619 فما بعدها، وتفسير كنز الدقائق 11: 440فما بعد، وموضع السورة في تفاسير العياشي والبرهان وتأويل الآيات الظاهرة في مناقب العترة الطاهرة.
[310] تفسير القمي 2: 432.
[311] الأصالة والتجديد (مصدر سابق): 62.
[312] حوارات في الفكر والسياسة والاجتماع (مصدر سابق): 480.
[313] في رحاب دعاء كميل: 94.
[314] نفسه: 159.
[315] غرائز الجوع والعطش والجنس وحب الذات.
[316] نفس المصدر: 169.
[317] من شريط مسجل بصوته بث من قبل إذاعة محلية في لبنان نحتفظ به.
[318] من شريط مسجل نحتفظ به.
[319] في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي: 294 محمد حين فضل الله، دار الملاك، الطبعة الأولي 1994.
[320] التوبة: 30.
[321] المائدة: 73.
[322] أنظر كتاب خلفيات كتاب مأساة الزهراء عليها السلام 1: 247.
[323] أنظر مجلة المرسم العدد 21 - 22 (عدد خاص بفتاويه): 250 س 942. وكذا كتاب الإنسان للحياة:300.
[324] أنظر من وحي القرآن 10: 166 - 167.
[325] نقول ذلك لأن تيار الانحراف اجتهد في ادعاء أن أقواله لها ما يماثلها لدي علماء الطائفة، ولا بد لنا هنا من أن نشير إلي الفرق بين من يضم في أفكاره واحدة أو أكثر من الأفكار الشاذة ويبقي ملتزما في دائرة أساسيات التفكير العقائدي، وآخر نقب وبحث في غالبية كتب من تقدم من العلماء فعثر علي شواذ أفكارهم أو ما يصلح للتطويع باتجاه الشاذ من التفكير، فضم هذه الشواذ إلي مجموعة انحرافاته كي يقول بأن أفكاره ليست من عندياته وإنما هي أقوال العلماء السابقين، أضف إلي ذلك فإن المقياس في الحق ليس هو الرجال أيا كانوا طالما خرجوا من دائرة العصمة، وإنما الأصل هو الحق الذي يعرف تفكير هؤلاء الرجال، وملاك هذا الحق هو القرآن وصحيح السنة المعصومة.
[326] الندوة 1: 422.
[327] تأملات إسلامية حول المرأة: 8 - 9.
[328] الأعراف: 175.
[329] التوبة: 34.
[330] الكافي 1: 54 ح 1.
[331] الكافي 1: 67 ح 10.
[332] الأعراف: 164.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.