معرفة الله

اشارة

مكتبة الطالب (2)
لجنة التاليف
ناشر:دارالهدي

مقدمة

بسـم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضلُ الصلاة وأتمُّ السلام علي سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين وبعد، فقد زاد الطلب علي المعرفة الدينية المُيَسَّرة، عن طريق الكُتَيِّبَات بدل الكتب المفصلة، بسبب كثرة مشاغل الحياة، والفضائيات، وشبكة النت، فصار أكثر الناس وخاصة الشباب يميلون الي الخلاصات العلمية والكتب الصغيرة. وقد أردنا أن تكون هذه السلسلة الثقافية مكتبة صغيرة للطالب تشمل معالم الإسلام، وتُقدم لأبنائنا الأعزاء أهم المسائل التي يحتاجون اليها في أمور دينهم. ونبدأ بمعرفة الله تعالي في ثلاثة فصول: أولها، معرفة وجوده والإيمان به عز وجل، وأهم الأدلة علي ذلك. والثاني، في معرفة توحيده وأسمائه الحسني وصفاته، تبارك وتعالي، والعقيدة الصحيحة فيها، ونقد الإنحرافات عنها. والفصل الثالث، في معرفة عبادته عز وجل والتكامل بطاعته، وبيان نوع المعرفة والعرفان الصحيح، والطرق الخاطئة في العبادة والعرفان. والله ولي القبول والتوفيق. مركز المصطفي للدراسات الإسلامية علي الكَوْراني العاملي غرة ربيع الثاني1427

معرفة وجود الله و الإيمان به عزوجل

الالحاد أسوأ من الجنون

أسوأ من المجنون، لأن الجنون مرض غير إرادي والإلحاد مرض إرادي. ولأن المجنون لا يتحكَّم في عمل عقله، والملحد يُجبر عقله علي العمل بعكس طبيعته! ولهذا كان معني الملحد في اللغة: (الذي يميل عمداً عن الخط الصحيح لمساره)، وسمي منكر وجود الله تعالي ملحداً، لأنه يتعمد الميل عن المسار الطبيعي لعقله وفطرته! ذلك أن العقل والفطرة يقولان له: هذا أنت، والأرضُ التي تقفُ عليها، والهواء الذي تعيشُ عليه، والطبيعةُ من حولك، والكونُ من فوقك..كلها متقنةٌ بإبداع وإعجاز، وقوانين عميقة مدهشة، فبالضرورة أن لها خالقاً مبدعاً! يقولان له: محالٌ أن يكون الكون خلق نفسه، لأن أشياءه جميعاً لها عمر، ومعناه أنها في (يوم) ما، لم تكن موجودة لا هي ولا شئ من موادها، ولا زمانها ولا مكانها، (ثم) حدث (فجأة) أن وجدت! فالذي دفعها من العدم الي الوجود (كان) قبلها! قال الشريف المرتضي قدس سره في الفصول المختارة/76: (دخل أبو الحسن علي بن ميثم رحمه الله علي الحسن بن سهل(الوزير)وإلي جانبه مُلْحِدٌ قد عظَّمَهُ والناس حوله، فقال: لقد رأيت ببابك عجباً! قال: وما هو؟ قال: رأيت سفينة تَعْبُرُ بالناس من جانب إلي جانب بلا ملاح، ولا ماصِر(مسؤول حركة السفن)! قال فقال له صاحبه الملحد وكان بحضرته: إن هذا أصلحك الله لَمَجنون! قال فقلت: وكيف ذاك؟ قال: خشبٌ جمادٌ لا حيلة له ولا قوة ولا حياة فيه ولا عمل كيف يَعْبُرُ بالناس؟ قال فقال أبو الحسن: فأيهما أعجب؟ هذا أو هذا الماء الذي يجري علي وجه الأرض يَمْنَةً ويَسْرةً بلاروح ولا حيلة ولا قوي، وهذا النبات الذي يخرج من الأرض، والمطر الذي ينزل من السماء، تزعم أنت أنه لا مدبر لهذا كله وتنكر أن تكون سفينة تتحرك بلا مدبر وتعبر بالناس! قال: فبهت الملحد)! وكنز الفوائد/131.

هل يتعمد الملحد الإنحراف عن الفطرة

نعم، الملحد يتعمد معاكسة عقله وفطرته، لأن غاية ما يمكن للإنسان أن يدعيه هو الشك في وجود خالق للكون، فيقول إنه لايدري هل لهذا الكون خالق أم لا؟ أما أن ينفي وجود الخالق عز وجل ويقول (لايوجد إله خالق)! فذلك يتوقف علي أن يكون محيطاً بالكون المنظور وغير المنظور، حتي يستطيع أن ينفي! ولا يوجد إنسان محيط بالكون ولا بنفسه! أما لماذا يتعمد الملحد إنكار وجود الله تعالي؟ الجواب: لأنه إذا اعترف بوجود الله تعالي اعترف بأنه مخلوقٌ له وصنيعته وعبده، فعليه طاعته والخضوع له والصلاة له! وهو لايريد أن يكون عبداً، بل.. إلهاً! فلا طريق أمامه إلا أن يرفض أدلة العقل وبراهينه ونداء الفطرة، ويتكبر علي ربه ويكابر أمام الدليل! سأل أحدهم الإمام الصادق عليه السلام:عن أدني الإلحاد؟ قال: (إن الكِبْرَ أدناه).(الكافي:2/309) ووصف عليه السلام قول إبليس: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ، بأنه: (عتي عن أمر ربه وألحد، فتوارث الإلحاد ذريته).(تحف العقول/406). وروي أن نمروداً لمَّا رأي النار صارت برداً وسلاماً علي إبراهيم عليه السلام أحضره وسأله: من أنجاك؟! قال: ربي ورب العالمين. فقال نمرود لمن حوله: لقد نفعه ربه، فمن أراد أن يتخذ رباً فليتخذه مثل رب إبراهيم! يقصد أنه هو وأمثاله لا يحتاجون الي اتخاذ رب! وبذلك حرَّف نمرود القضية من الإعتراف بحقيقة موضوعية، وجعلها حاجة لبعض الناس لأن يتخذ رباً، أما هو فلا يحتاج! إن جريمة الملحد أنه قرر مسبقاً أن ينفي وجود الله تعالي، وأن يرد الأدلة علي مهما كانت قوية! فهو بذلك يعاند العقل والفطرة السويين، ويرفض الإقتناع رغم وجود مبرراته الموضوعية! وهذا هو الظلم والعلو الذي قال الله تعالي عنه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً، فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ.

الكون.. لم يكن ثم كان.. فكيف بدأ

من الأمور المتفق عليها أن للأرض عمراً وللنجوم عمراً، ولكل شئ في الكون عمراً.. سواء كان لحظة أو ملايين السنين أو بلايينها، وهو يعني أنا إذا رجعنا الي الوراء في عمر الكون نصل الي نقطة العدم المحض (حيث) لم يكن الكون، ثم كان! إن كل البحث في هذه النقطة: لم يكن شئ، ثم انبثقت أول نقطة من الوجود مهما فرضناها، فهل وُجدت بداية الكون من العدم المحض بدون خالق خلقها؟ ما دام الكون ممكن الوجود والعدم، فمن الذي رجَّحَ كَفَّة وجوده علي عدمه؟ إن ممكن الوجود يستحيل أن يوجد إلا بواجب وجود يدفعه من العدم الي الوجود. وذلك هو الله سبحانه وتعالي: إِنَّمَا أَمْرُهُ إذا أَرَادَ شيئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. (يّـس:82) إنك بقبولك أن للكون عمراً، قبلتَ أن احتمال وجود الكون وعدمه كانا متساوييين، وأنه يستحيل ترجيح أحدهما بلا مرجح، فلا بد من الإعتقاد بوجود إلهٍ من غير نوع الكون أوجده. إن مجرد وجود ممكن الوجود، دليل علي وجود واجب الوجود عز وجل.

لماذا يهرب الملحد من البحث العلمي

جرت لنا مع عدد من الملحدين نقاشات في شبكات النت وقد أصدرنا خلاصتها في كتاب (ثمار الأفكار) ورأيناهم يهربون من النقاش العلمي، لأن بضاعتهم الإنكار والمكابرة لا غير! ومما وجهناه اليهم: 1- سؤال للماديين: هل الحسُّ محسوس؟! فقد بنوا فكرهم ودينهم علي النظرية الحسية القائلة: كل شئ غير محسوس فهو غير موجود! فهم يؤمنون بوجود الحس ويجعلونه أصل نظريتهم، وقد غفلوا عن أن الحس من الغيب غير المحسوس! فإن قالوا يعرف الحس بالحس فبأي الحواس؟ بالبصر أو السمع أو الشم أو الذوق أو اللمس؟! وإن قالوا يعرف بالعقل فقد اعترفوا بموجود غير محسوس يدركه العقل وبطلت نظريتهم الحسية! وبما أنهم لم يجيبوا علي هذا السؤال، فمعناه أنهم يقرون بأن النظرية المادية مبنية علي أمر غير مادي (غيبي)! ويضطرون الي موافقتنا في أن الحقائق منها ما يعرف بطريق الحس ومنها بطريق العقل، وكلها حقائق لا فرق بينهما من هذه الجهة. 2- ومن نوع هذا السؤال: الأذن..والسمع..أيهما الموجود؟ وهو سؤال يعجز عن جوابه من لا يؤمن بالله تعالي! فهل تسمع بسمعك أم بأذنك؟ وهل الموجود الأذن والسمع كلاهما.. أم الأذن فقط؟! فالأذن والأعصاب تنقل الذبذبات الي المخ، وهي موجودات محسوسة، ولك سمعٌ تسمع به وهو وجودٌ غير محسوس! وفي الحقيقة أن الأذن ليست هي التي تسمع، بل هي جهاز ينقل الذبذبات كأي طبلة وأسلاك، والمخ ليس هو الذي يسمع، بل هو جهاز ينقل الإشارات الي السمع، فهذا السمع إن كان موجوداً مادياً فأين هو وأين مكانه؟ وإن لم يكن موجوداً فلا يمكن أن نسمع! ولاجواب إلا أنه موجود غير مادي عرفناه بالعقل، فهو غيبي! فالسمع موجودٌ مستقل وليس انعكاساً مادياً لأدواته حتي يكون وجوده بوجودها، فلو لم توجد فهو موجود، ولو وجدت وسيلة أخري غير الأذن، تؤدي دورها لحصل السمع، فالسمع غير أدواته! وإن أصروا علي أن السمع أثر للمادة، يبقي السؤال: هو أثرٌ مادي أم غير مادي، فإن كان مادياً فأين هو؟وإلا فقد سقطت النظرية الحسية! إن الصحيح في السمع والحس أنه موجود بوجود مستقل عن الجسم، وأنه قوةٌ من قوي الروح التي ترتبط بالبدن بنحو تتقبل رموز تفاعلاته المادية، وتترجمها الي مدركات! إن الذي يكلمك ليس بدن مخاطبك بل روحه، بوسيلة آلية معينة.. والذي يفهم منه ويجيبه ليس بدنك بل روحك، بواسطة آلية معينة! قال الله تعالي: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً. (الإسراء:85). وستبقي معلومات البشر عن الروح قليلة، وستبقي روح المؤمن والملحد التي بين جنبيه لغزاً، بها يحيا ويفكر ويتساءل ولايعرف عنها إلا أقل القليل! وكلما كشفوا معلومة منها انكشفت جوانب أكثر إعجازاً وإلغازاً! إن الروح حقيقة صارخة، تجعل الإنسان خاضعاً أمام خالقها ومقنن قوانينها! لكن أين أصحاب العقول غير المدخولة؟! إن للروح قوانينها الخاصة وزمانها ومكانها الخاصَّيْن، وإن كانت مرتبطة بالبدن والزمان والمكان! (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً). 3- وسؤالان آخران للقائل بالحقيقة النسبية: الأول: هل وجودك أنت حقيقة يقينية ثابتة أم نسبية؟ ومهما أجاب فقد أسقط نظريته. والثاني: سؤاله عن نظريته نفسها هل هي قاعدة مطلقة أم نسبية؟ فإن قال مطلقة فقد نقضها، وإن قال نسبية فقد كذبها. إنه لا بد للإنسان أن يؤمن بوجود حقائق مطلقة ثابتة في كل الأحوال وهي التي نسميها البديهيات الأولية(لا الثانوية).مثلاً: حقيقة أن الكل أكبر من الجزء، أمرٌ ثابت علي كل حال مادام الكل كلاً والجزء جزءً، في كل العلوم وفي كل العصور حتي يرث الله الأرض ومن عليها، ثم في الآخرة، إلا أن يخرجا عن كونهما كلاً وجزءً. والحقائق الرياضية البسيطة ثابتة أيضاً مثل أن(2 قدس سره 2=4) فما دام العدد والجمع بهذا المعني فالنتيجة ثابتة. وحتي لو تغير معناهما فهو لا ينقض ثبات القاعدة. وأوضح منه قاعدة: أن الشئ لا يكون موجوداً وغير موجود في آن واحد في مكان واحد في ظروف واحدة (قاعدة استحالة التناقض) فهي ثابتة في كل الحالات، بديهيةٌ عند كل إنسان لأنها مخلوقة في فطرته وتنمو بنمو عقله، فعندما تعطي طفلك شيئاً في يده ثم تأخذه منه وتسأله أين هو؟ لا يفتش عنه في يده! ولو قلت له: في يدك وليس فيها لم يقبل منك، لأن عقله يعلم أن التناقض محال!! إن هذه المعلومات الثابتة رأس مال موهوبٌ من الله تعالي لكل إنسان، مع قدرة علي الإتجار به لكسب مجهولات جديدة، بما يسمي عملية التفكير والإستدلال. وبعضهم يسمي النتيجة الخاطئة حقيقة بالنسبة الي صاحبها! لكنه مجاز، لأن الحقيقة الموضوعية واحدة، لا تتبع خطأ الإنسان في الإستدلال.

الطرق العلمية لمعرفة الله تعالي

توجد ثلاث طرق لمعرفة الله تعالي والمعرفة الإنسانية عموماً: 1- طريق الكشف الذاتي: فإن خاصة أولياء الله تعالي يعرفونه به: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَي كُلِّ شَئٍْ شَهِيدٌ. (فصلت:53). وفي دعاء أمير المؤمنين عليه السلام:(يامن دلَّ علي ذاته بذاته)(البحار:84/339). وفي دعاء الإمام الحسين عليه السلام:(متي غبتَ حتي تحتاج إلي دليل يدل عليك، ومتي بَعُدْتَ حتي تكون الآثار هي التي توصل إليك؟! عَمِيَتْ عينٌ لا تراك عليها رقيباً). (البحار:64/142). وفي دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام: (بك عرفتُك وأنت دللتني عليك ودعوتني اليك، ولولا أنت لم أدر ما أنت).(البحار:95/82). 2- دليل العِلِّيَّة: فكل إنسان إذا نظر إلي نفسه وما حوله، يدرك أن عدم وجود هذا الشئ أي شئ ليس محالاً، بل وجوده وعدمه ممكن، فذات الشئ لا تتضمن ضرورة وجوده أو ضرورة عدمه، وهو يحتاج إلي سبب من يوجده، وبما أن كل جزء من أجزاء العالم يحتاج إلي من يعطيه وجوده، فمن الذي أعطاه الوجود؟! إن قيل إنه خلق نفسه، فيقال: إنه لا يتضمن وجود نفسه، فكيف يمكن أن يكون سبباً وفاقد الشئ لا يعطيه. وإن قيل أعطاه الوجود موجودٌ آخر مثله، يقال: هذا الآخر المماثل عاجزٌ عن إعطاء الوجود لنفسه أيضاً فكيف يعطي الوجود لغيره؟! وهذا الحكم يجري علي كل جزء في العالم، فعندما نري فضاء مضيئاً لا نور له من ذاته، نحكم بوجود مصدر لهذا النور يكون نوره بذاته لا بغيره، وإلا لكان أصلُ وجود فضاء منير مستحيلاً! لأن المظلم بنفسه محال أن يضئ نفسه، فضلاً عن أن يضئ غيره! من هنا كان نفس وجود هذه الموجودات دليلاً علي وجود مصدر لا يحتاج إلي غيره، وهو الدليل العلمي الذي قال عنه تعالي: أم خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَئٍ أم هُمُ الْخَالِقُونَ. (الطور:35). وقد سأل رجل الإمام الرضا عليه السلام:(يا ابن رسول الله ما الدليل علي حدوث العالم؟ فقال: أنت لم تكن ثم كنت، وقد علمت أنك لم تُكوِّنْ نفسك ولا كوَّنك من هو مثلك). (البحار:3/36). 3- دليل النظم الكوني: فكل ما في الكون مخلوق علي قواعد وأصول بعلم وحكمة، من أصغر ذراته الي أكبر مجراته! ونأخذ مثالاً من النبات: فلو وجدت ورقة ملقاة في برية، مكتوباً عليها حروف الأبجدية مرتبةً من الألف إلي الياء، فإن ضميرك يشهد بأن كتابة هذه الحروف ناتجٌ عن فهم وإدراك. وإذا رأيت جملةً مؤلفةً من تلك الحروف والكلمات فستؤمن بعلم الكاتب، وتستدل بنظم الكلمات ودقتها علي علمه وحكمته. فهل أن تكوين نبتة في البرية من عناصرها الأولية، أقل من سطر في كتاب؟! فلماذا نستدل بالسطر علي علم كاتبه، ولا نستدل بالنبتة علي خالقها عز وجل؟! فأي علم وحكمة أعطي الماء والتراب سراً يبعث الحبة من يبسها وموتها نباتاً حياً سوياً؟ وأعطي لجذرها قدرة تشق بها الأرض وتحصل علي قوتها وغذائها في ظلمة التراب، وهيأ في مائدة التراب الغنية أقوات النباتات والأشجار، كل يجد فيها غذاءه؟! وأي قدرة وحكمة خلقت الجذور واعيةً لعملها، ضاربةً في أعماق التربة. والجذوع والفروع باسقةً الي أعلي الفضاء! يكافح كل منهما قانوناً يضاده ويمضي في مساره،هذه في الأعماق وهذه في الآفاق؟! إن التأمل في شجرة واحدة وأنظمتها، من عروقها الي آلاف أوراقها، يبعث في الإنسان الدهشة والذهول أمام علم الخالق وقدرته اللامتناهية:(أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَاكَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ). (النمل:60). (راجع مقدمة منهاج الصالحين للوحيد الخراساني)

من استدلالات أهل البيت الطاهرين

1- جاء رجل من الزنادقة الي الإمام الرضا عليه السلام فقال له:(رحمك الله أوجدني كيف هو وأين هو؟ فقال: ويلك إن الذي ذهبت إليه غلط، هو أيَّنَ الأيْنَ بلا أين، وكيَّفَ الكيفَ بلا كيف، فلا يُعرف بكيفوفية ولا بأينونية، ولا يُدرك بحاسة، ولا يُقاس بشئ! فقال الرجل: فإذاً إنه لا شئ، إذا لم يدرك بحاسة من الحواس! فقال أبو الحسن عليه السلام: ويلك! لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته؟! ونحن إذ عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا بخلاف شئ من الأشياء! قال الرجل: فأخبرني متي كان؟ قال أبو الحسن: أخبرني متي لم يكن فأخبرك متي كان! قال الرجل: فما الدليل عليه؟فقال أبو الحسن: إني لما نظرت إلي جسدي ولم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول، ودفع المكاره عنه وجر المنفعة إليه، علمت أن لهذا البنيان بانياً فأقررت به. مع ما أري من دوران الفلك بقدرته، وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجري الشمس والقمر والنجوم، وغير ذلك من الآيات العجيبات المبينات، علمتُ أن لهذا مقدراً ومنشئاً). (الكافي:1/78). 2- عن أحمد بن محسن الميثمي قال: كنت عند أبي منصور المتطبب فقال: أخبرني رجل من أصحابي قال: كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام فقال ابن المقفع، ترون هذا الخلق، وأومأ بيده إلي موضع الطواف، ما منهم أحد أُوجبُ له إسم الإنسانية إلا ذلك الشيخ الجالس، يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام. فأما الباقون فرعاع وبهائم! فقال له ابن أبي العوجاء: وكيف أوجبتَ هذا الإسم لهذا الشيخ، دون هؤلاء؟ قال: لأني رأيت عنده ما لم أره عندهم! فقال له ابن أبي العوجاء: لابد من اختبار ما قلت فيه منه. قال فقال ابن المقفع: لا تفعل فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك. فقال: ليس ذا رأيك، ولكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إياه المحل الذي وصفت! فقال ابن المقفع: أما إذا توهمت عليَّ هذا فقم إليه، وتحفظ ما استطعت من الزلل، ولا تثني عنانك إلي استرسال فيسلمك إلي عقال. وسِمْهُ مالك أو عليك. قال: فقام ابن أبي العوجاء وبقيت أنا وابن المقفع جالسين، فلما رجع إلينا ابن أبي العوجاء قال: ويلك يا ابن المقفع ما هذا ببشر! وإن كان في الدنيا روحانيٌّ يتجسد إذا شاء ظاهراً، ويتروَّح إذا شاء باطناً، فهو هذا! فقال له: وكيف ذلك؟ قال: جلست إليه فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال: إن يكن الأمر علي ما يقول هؤلاء، وهو علي ما يقولون، يعني أهل الطواف، فقد سلموا وعطبتم، وإن يكن الأمر علي ما تقولون، وليس كما تقولون، فقد استويتم وهم! فقلت له: يرحمك الله وأي شئ نقول وأي شئ يقولون؟ ما قولي وقولهم إلا واحداً! فقال: وكيف يكون قولك وقولهم واحداً؟ وهم يقولون: إن لهم معاداً وثواباً وعقاباً، ويدينون بأن في السماء إلهاً، وأنها عمران. وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد؟ قال: فاغتنمتها منه فقلت له: ما منعه إن كان الأمر كما يقولون أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلي عبادته حتي لايختلف منهم اثنان! ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل؟ ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلي الإيمان به؟ فقال لي: ويلك وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك: نُشوءك ولم تكن، وكبرك بعد صغرك، وقوتك بعد ضعفك، وضعفك بعد قوتك، وسقمك بعد صحتك، وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك، وغضبك بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك، وفرحك بعد حزنك وحبك بعد بغضك، وبغضك بعد حبك، وعزمك بعد أناتك، وأناتك بعد عزمك، وشهوتك بعد كراهتك وكراهتك بعد شهوتك، ورغبتك بعد رهبتك ورهبتك بعد رغبتك، ورجاءك بعد يأسك ويأسك بعد رجائك، وخاطرك بما لم يكن في وهمك، وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنك. وما زال يُعدِّد عليَّ قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها حتي ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه!). (الكافي:1/74). 3 ـ قال محمد بن إسحاق:إن عبد الله الديصاني(ملحد معروف)سأل هشام بن الحكم فقال له: ألك رب؟ فقال: بلي، قال أقادرٌ هو؟ قال: نعم قادر قاهر. قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا؟ قال هشام: النظرة(أي أمهلني) فقال له: قد أنظرتك حولاً، ثم خرج عنه فركب هشام إلي أبي عبد الله(الإمام الصادق عليه السلام)فاستأذن عليه فأذن له فقال له: يا ابن رسول الله أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا علي الله وعليك، فقال له أبو عبدالله عليه السلام:عن ماذا سألك؟فقال قال لي:كيت وكيت، فقال أبو عبد الله عليه السلام:يا هشام كم حواسك؟ قال خمس. قال: أيها أصغر؟ قال الناظر، قال: وكم قدر الناظر قال: مثل العدسة أو أقل منها. فقال له: يا هشام! فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما تري، فقال: أري سماء وأرضاً ودوراً وقصوراً وبراري وجبالاً وأنهاراً. فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة، لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة! فأكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه وقال: حسبي يا ابن رسول الله، وانصرف إلي منزله. وغدا عليه الديصاني فقال له: يا هشام إني جئتك مسلِّماً ولم أجئك متقاضياً للجواب، فقال له هشام: إن كنت جئت متقاضياً فهاك الجواب، فخرج الديصاني عنه حتي أتي باب أبي عبد الله عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له، فلما قعد قال له: يا جعفر بن محمد دُلَّني علي معبودي؟ فقال له أبو عبد الله: ما اسمك؟ فخرج عنه ولم يخبره باسمه فقال له أصحابه: كيف لم تخبره باسمك؟ قال: لو كنت قلت له: عبد الله، كان يقول: من هذا الذي أنت له عبد؟ فقالوا له: عد إليه وقل له يدلك علي معبودك ولا يسألك عن اسمك. فرجع إليه فقال له: يا جعفر بن محمد دلني علي معبودي ولا تسألني عن إسمي؟ فقال له أبو عبدالله عليه السلام: أجلس، وإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها فقال له أبو عبد الله: ناولني يا غلام البيضة فناوله إياها، فقال له أبو عبدالله عليه السلام: يا ديصاني، هذا حصن مكنون له جلد غليظ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضة ذائبة، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة، ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة، فهي علي حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها، ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها، لا يدري للذكر خلقت أم للأنثي تنفلق عن مثل ألوان الطواويس، أتري لها مدبراً؟! قال: فأطرق ملياً ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأنك إمام وحجة من الله علي خلقه، وأنا تائب مما كنت فيه). (الكافي:1/79).

تعريفات و مصطلحات

1-(المُلْحِد: بضم الميم وكسر الحاء، جمعه ملاحدة وملحدون: مَن كفر بالأديان كلها: apostate, Unbeliever). (معجم لغة الفقهاء/458). (الإلحاد: من لَحَدَ: الميل عن الطريق المرسوم، الكفر بجميع الأديان وإنكار جميع الرسالات: Atheism (معجم لغة الفقهاء/489). (زنديق، ملحد، مارق من دينه:withersake.(المعجم القانوني:ق2/749). (حرق الملحد أو الزنديق.haeretico comburendo: قانون جنائي أصدره الإنكليز ضد الإلحاد، وفرضوا به عقوبة الموت حرقاً علي كل ملحد). (المعجم القانوني:ق1/327). 2- معاني مادة (لَحَدَ): (لحد بلسانه إلي كذا مال، قال تعالي: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) من لحد. وقرئ (يَلْحَدُون)من ألحد. وألحد فلان مال عن الحق، والإلحاد ضربان: إلحاد إلي الشرك بالله، وإلحاد إلي الشرك بالأسباب، فالأول ينافي الإيمان ويبطله، والثاني يوهن عراه ولا يبطله. ومن هذا النحو قوله: وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. وقوله: وَلله الأَسْمَاءُ الْحُسْنَي فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ. والإلحاد في أسمائه علي وجهين: أحدهما أن يوصف بما لا يصح وصفه به. والثاني: أن يتأول أوصافه علي ما لا يليق به. والتَحَدَ إلي كذا مال إليه، قال تعالي: وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً. أي التجاءً أو موضع التجاء. وألحد السهم الهدف: مال في أحد جانبيه). (مفردات الراغب/448). 3- الإلحاد في المسجد الحرام: قال تعالي: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ.(الحج:25). (عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم؟ قال: كل ظلم إلحاد وضرب الخادم في غير ذنب من ذلك الإلحاد. عن أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم؟ فقال: كل ظلم يظلمه الرجل نفسه بمكة من سرقة أو ظلم أحد أو شئ من الظلم فإني أراه إلحاداً. ولذلك كان يتقي أن يسكن الحرم. من عبد فيه غير الله عز وجل أو تولي فيه غير أولياء الله فهو ملحد بظلم وعلي الله تبارك وتعالي أن يذيقه من عذاب أليم).(الكافي:8/337). قيل للإمام الصادق عليه السلام:(إن سبعاً من سباع الطير علي الكعبة ليس يمر به شئ من حمام الحرم إلا ضربه فقال:أنصبوا له واقتلوه فإنه قد ألحد).(الكافي:4/227). 4- الإلحاد في آيات الله: قال تعالي: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَي الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَي إِنَّهُ عَلَي كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ. إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَي فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. (فُصِّلَتْ:39-40). 5- الفرق بين الكفر والإلحاد: أن الكفر إسم يقع علي ضروب من الذنوب فمنها الشرك بالله ومنها الجحد للنبوة، ومنها استحلال ما حرم الله وهو راجع إلي جحد النبوة...وأصله: التغطية. الفرق بين الكفر والشرك:أن الكفر خصال كثيرة..والشرك خصلة واحدة وهو إيجاد إلهية مع الله أو دون الله... وأصله كفر النعمة ونقيضه الشكر ونقيض الكفر بالله الإيمان). (والدهَري بالفتح: الملحد. قال ثعلب: هما جميعاً منسوبان إلي الدهر وهم ربما غيروا في النِّسب، كما قالوا سهلي بالضم للمنسوب إلي الأرض السهلة). (الفروق اللغويةلأبي هلال العسكري/454). 6- أنواع الكفر في آيات القرآن: في الكافي:2/389، عن أبي عمرو الزبيري أنه قال للإمام الصادق عليه السلام: (أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عز وجل؟ قال: الكفر في كتاب الله علي خمسة أوجه، فمنها كفر الجحود والجحود علي وجهين، والكفر بترك ما أمر الله، وكفر البراءة، وكفر النعم. فأما كفر الجحود فهو الجحود بالربوبية وهو قول من يقول: لا رب ولا جنة ولا نار وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم الدهرية وهم الذين يقولون: وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ! وهو دينٌ وضعوه لأنفسهم بالإستحسان علي غير تثبت منهم ولا تحقيق لشئ مما يقولون، قال الله عز وجل: إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ.(الجاثـية:24)أن ذلك كما يقولون، وقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ(البقرة:6) يعني بتوحيد الله تعالي. فهذا أحد وجوه الكفر. وأما الوجه الآخر من الجحود: فهو الجحود علي معرفة، وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنه حق قد استقر عنده، وقد قال الله عز وجل: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً!وقال الله عز وجل: وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَي الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَي الْكَافِرِينَ.(البقرة:89) فهذا تفسير وجهي الجحود. والوجه الثالث من الكفر: كفر النعم وذلك قوله تعالي يحكي قول سليمان عليه السلام: هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ. (النمل:40) وقال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ.(ابراهيم:7)وقال: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ. (البقرة:152). والوجه الرابع من الكفر: ترك ما أمر الله عز وجل به وهو قول الله عز وجل: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ. ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَي تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ. فكفَّرهم بترك ما أمر الله عز وجل به، ونسبهم إلي الإيمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده، فقال: فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَي أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. (البقرة:84-85) والوجه الخامس من الكفر: كفر البراءة وذلك قوله عز وجل يحكي قول إبراهيم عليه السلام:كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّي تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَه ُ. يعني تبرأنا منكم. وقال يذكر إبليس وتبرئته من أوليائه من الإنس يوم القيامة: إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ.(ابراهيم:22) وقال: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً. (العنكبوت:25) يعني يتبرأ بعضكم من بعض). انتهي. 7- المسلم والمؤمن والموالي: تفسير القمي:1/30،عن الإمام الصادق عليه السلام قال:(الإيمان في كتاب الله علي أربعة أوجه...الأول، الإيمان الذي هو إقرار باللسان وقد سماه الله تبارك وتعالي إيماناً ونادي أهله به بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً. وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً. وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً. (النساء:71-73). قال عليه السلام:لو أن هذه الكلمة قالها أهل المشرق وأهل المغرب لكانوا بها خارجين من الإيمان ولكن قد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم. وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ (النساء:136)فقد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم ثم قال لهم صدقوا. الثاني: الإيمان الذي هو التصديق بالقلب لقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَي فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ. (يونس:63-64) يعني صدقوا. وقوله: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللهَ جَهْرَةً، أي لا نصدقك. وقوله: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَي الْمَالَ عَلَي حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَي وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَي الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ. فمن أقام بهذه الشروط فهو مؤمن مصدق. الثالث: الإيمان الذي هو الأداء، فهو قوله لما حوَّل الله قبلة رسوله إلي الكعبة قال أصحاب رسول الله: يا رسول الله صلواتنا إلي بيت المقدس بطلت! فأنزل الله تبارك وتعالي: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ، فسمي الصلاة إيماناً. الرابع من الإيمان، هو التأييد الذي جعله الله في قلوب المؤمنين من روح الإيمان فقال: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ. ومن الإيمان ما قد ذكره الله في القرآن خبيث وطيب حيث قال: مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَي مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّي يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ. ومنهم من يكون مؤمناً مصدقاً ولكنه يلبس إيمانه بظلم وهو قوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ. فمن كان مؤمناً ثم دخل في المعاصي التي نهي الله عنها فقد لبس إيمانه بظلم). 8- العادل والفاسق والمذنب والتائب: (والبينة تقوم بالشهود إذا كانوا عدولاً. والعدل من كان معروفاً بالدين والورع عن محارم الله عز وجل. ولا تقبل شهادة الفاسق، ولا ذي الضغن والحسد، والعدو في الدنيا والخصم فيها، ولا تقبل شهادة المتهم ولا الظنين). (المقنعة/725) (روي زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: ما من عبد إلا وفي قلبه نقطة بيضاء فإن أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد وإن تمادي في الذنوب زاد ذلك السواد حتي يغطي البياض، فإذا غطي البياض لم يرجع صاحبه إلي خير أبداً، وهو قول الله عز وجل:كَلا بَلْ رَانَ عَلَي قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. وقال الله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ، فأخبر أن جلاء القلب يحصل بالذكر وأن المتقين هم المتذكرون. فالتقوي باب الذكر والذكر باب الكشف، والكشف باب الفوز الأكبر).(رسائل الشهيد الثاني/105). 9- درجات الإيمان: (سئل الإمام زين العابدين عليه السلام عن الزهد فقال: (عشرة أشياء، فأعلي درجة الزهد أدني درجة الورع، وأعلي درجة الورع أدني درجة اليقين، وأعلي درجة اليقين أدني درجة الرضا. ألا وإن الزهد في آية من كتاب الله عز وجل: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَي مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ). (الكافي:2/128). 10- تأكيد أهل البيت عليهم السلام علي الورع، أي ضبط النفس والتنزه عن محارم الله تعالي وما لايليق بالمؤمن: (عن الإمام الباقر: إن أشد العبادة الورع). (الكافي:2/77). وسأل رجل الإمام الصادق عليه السلام: ما الذي يُثَبِّتُ الايمان في العبد؟ قال: الورع، والذي يخرجه منه؟ قال: الطمع)(الكافي:2/320). وكانت صفة الصدق والورع والسمو عن المحرمات والقبائح معروفة في شيعة أهل البيت عليهم السلام حتي اضطروا الي الرواية عنهم! قال الذهبي الناصبي في ميزان الإعتدال: (فهذا (التشيع) كثر في التابعين وتابعيهم، مع الدين والورع والصدق، فلو رُد حديث هؤلاء (الشيعة) لذهبت جملة من الآثار النبوية وهذا مفسدة بينة). ميزان الإعتدال:1/5، وسير أعلام النبلاء:1/59،

توحيد الله تعالي و صفاته

من أدلة توحيد الله عزوجل

الدليل الأول: أن وحدة المخلوقات تدل علي وحدة الخالق عز وجل فكل شئ في الكون مصنوع بدقة وإتقان، بقوانين موحدة من الذرة الي المجرة، وهذا يعني أنه من خلق إله واحد أحد، عليم قدير حكيم، عز وجل. (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ).(الزخرف:84). الدليل الثاني: أنه لو كان لله شريك لأظهر آياته، قال أمير المؤمنين لولده الحسن عليه السلام: (واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته ولكنه إله واحد كما وصف نفسه). الدليل الثالث: لو كان للكون إلهان لكان بينهما فاصلة، فيكونان ثلاثة.. وهكذا..! وقد سئل الصادق عليه السلام: لم لا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟ فقال عليه السلام: ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فرجة ما بينهما حتي يكونا اثنين، فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما، فيلزمك ثلاثة، وإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في الاثنين، حتي تكون بينهم فرجة فيكونوا خمسة ثم يتناهي في العدد إلي ما لا نهاية له في الكثرة) الي آخر الأدلة العديدة علي توحيده سبحانه.

استغلال الوهابية لأقسام التوحيد

قسم العلماء التوحيد الي أقسام أو مراتب، منها:توحيد الذات، وأنه عز وجل وجودٌ غير مركب، فالأحدية عين ذاته، وكل ما سواه قابل للقسمة. كما بينه أمير الموحدين عليه السلام عندما قام اليه أعرابي يوم الجمل فقال: يا أمير المؤمنين أتقول: إن الله واحد؟ قال: فحمل الناس عليه قالوا: يا أعرابي أما تري ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب؟! فقال أمير المؤمنين عليه السلام دعوه فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم، ثم قال: يا أعرابي إن القول في أن الله واحد علي أربعة أقسام، فوجهان منها لا يجوزان علي الله عز وجل، ووجهان يثبتان فيه: فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل: واحد يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز، لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أما تري أنه كفر من قال إنه ثالث ثلاثة. وقول القائل: هو واحد من الناس، يريد به النوع من الجنس، فهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه، وجل ربنا عن ذلك وتعالي. وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء شبه، كذلك ربنا. وقول القائل: إنه عز وجل أحدي المعني، يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وَهْم،كذلك ربنا عز وجل) (توحيد الصدوق/83). وتوحيد الذات والصفات: وأن صفاته الذاتية كالحياة والعلم والقدرة عين ذاته عز وجل، لأن تعدد الذات والصفة يستلزم التركيب والتجزئة والمركب من الأجزاء محتاج إلي الأجزاء وإلي من يركبها، ولأن زيادة الصفات علي الذات يعني أن الذات في مرتبة الذات فاقدة لصفات الكمال، ومتضمنة لإمكان وجودها، وهذا يجر الي إمكان الوجود لا وجوبه..الخ. ولذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: (أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده، ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه، لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق، وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف). (التوحيد للصدوق/34). ومنها توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، والتوحيد في الخالقية والتوحيد في المُلك، والتوحيد في العبادة..الخ. وقد استغل ذلك ابن تيمية فأراد أن يحكم بكفر بعض المسلمين، بحجة أنهم موحدون في الربوبية ومشركون في توحيد العبادة والألوهية! ورد عليه الحافظ حسن السقاف في رسالته:(التنديد بمن عدَّدَ التوحيد). قال في/13و34: (ولم ينقل ذلك التفريق عن واحد منهم فضلاً عن نقله من الكتاب أو السنة، حتي ابتدع وتكلم بذلك بعض أهل القرن الثامن الهجري، ولا عبرة بذلك قطعاً، فما هذا الهذيان بهذا التقسيم الذي يفتريه أولئك المبتدعة الخراصون فيرمون المسلمين بأنهم قائلون بتوحيد الربوبية دون توحيد العبادة أي الألوهية وأنه لا يكفي المسلمين توحيد الربوبية في إخراجهم من الكفر وإدخالهم في الإسلام... قال في كتابه منهاج السنة:2/62، بعد أن دمج وخلط بعض أئمة الإسلام كالسهروردي وأبي حامد الرازي والآمدي وغيرهم بمن يخالفهم في آرائهم من الفلاسفة كأرسطو طاليس والفارابي وابن سينا ما نصه:(دخلوا في بعض الباطل المبدع، وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية وإثبات حقائق أسماء الله ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية وهو الإقرار بأن الله خالق كل شئ وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم:(ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله). وهذه مغالطة منه وتلبيس، وهو كلام غلط كما بينا وهل يعقل عاقل أو يقول إنسان بأن فرعون الذي كان من جملة المشركين كان يوحد ربوبية ولا يوحد ألوهية؟! وهو الذي يقول: ما علمت لكم من إله غيري! كما أنه هو القائل: أنا ربكم الأعلي! ولو كان يقر بالربوبية لما قال: أنا ربكم الأعلي، بل لقال: أنا إلهكم الأعلي. ولو تذكر ابن تيمية قول الله تعالي في سورة الأعراف: قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون وقول سيدنا يوسف عليه السلام:أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار، وقول سيدنا إبراهيم عليه السلام: أإفكاً آلهة دون الله تريدون...لاستحي أن يفوه بذلك! ولذلك كان من الواضح عند أولي الألباب أن توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية شئ واحد ولا فرق بينهما وهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر في الوجود وفي الإعتقاد).

الاسماء الحسني والصفات

قال الله تعالي: اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَي.(طَهَ:8). وقال: وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَي فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.(الأعراف:180). وقال: قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَي. (الإسراء:110) والأسماء الحسني في الآيات تشمل كل صفة حسنة فيصح أن يوصف بها الله تعالي، بشرط أن لايكون فيها تجسيمٌ أو تشبيه. والمشهور من أسمائه الحسني سبحانه تسع وتسعون، رواها الصدوق في التوحيد/219،عن النبي صلي الله عليه وآله قال: (إن لله تبارك وتعالي تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، إنه وتر يحب الوتر، من أحصاها دخل الجنة فبلغنا أن غير واحد من أهل العلم قال: إن أولها يفتتح بلا إله إلا الله الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو علي كل شي قدير، لا إله إلا الله له الأسماء الحسني، الله، الواحد، الصمد، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الخالق، البارئ، المصور، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الرحمن، الرحيم، اللطيف، الخبير، السميع، البصير، العلي، العظيم، البارئ، المتعالي، الجليل، الجميل، الحي، القيوم، القادر، القاهر، الحكيم، القريب، المجيب، الغني، الوهاب، الودود، الشكور، الماجد، الأحد، الولي، الرشيد، الغفور، الكريم، الحليم، التواب، الرب المجيد، الحميد، الوفي، الشهيد، المبين، البرهان، الرؤوف، المبدئ، المعيد، الباعث، الوارث، القوي، الشديد، الضار، النافع، الوافي، الحافظ، الرافع، القابض، الباسط، المعز، المذل الرازق، ذو القوة، المتين، القائم، الوكيل، العادل، الجامع، المعطي، المجتبي، المحيي، المميت، الكافي، الهادي، الأبد، الصادق، النور، القديم، الحق، الفرد، الوتر، الواسع، المحصي، المقتدر، المقدم، المؤخر، المنتقم، البديع).انتهي. أقول: يبدو أن هذه الأسماء المقدسة تعبير عن أنواع فاعليات الله تعالي في الوجود، وأن نظام الأسماء الحسني عميق في وجود الكون وحياته، وأن آيات القرآن المرصعة التي تُختم بالأسماء الحسني تدل علي أوجه من هذا الإرتباط، فعندما يقول مثلاً: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.(الجاثية:2). ومن هذا الأفق يمكن أن تفهم معني أن النبي صلي الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام هم الأسماء الحسني أو مظاهرها، ففي الكافي:1/143،عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالي: وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَي فَادْعُوهُ بِهَا، قال: نحن والله الأسماء الحسني التي لايقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا).

الالحاد في أسماء الله تعالي و صفاته

قال الله تعالي: وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَي فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. (الأعراف:180). وقال الإمام زين العابدين عليه السلام:(اللهم صل علي محمد وآله، وجنبنا الإلحاد في توحيدك، والتقصير في تمجيدك، والشك في دينك، والعمي عن سبيلك). الصحيفة السجادية/217). وفي توحيد الصدوق/321، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (وله الأسماء الحسني التي لايسمي بها غيره وهي التي وصفها في الكتاب فقال: فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ، جهلاً بغير علم، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم ويكفر به وهو يظن أنه يحسن، فلذلك قال: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ).(يوسف:106) فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها. يا حَنَان، إن الله تبارك وتعالي أمر أن يُتَّخَذَ قومٌ أولياء فهم الذين أعطاهم الله الفضل وخصهم بما لم يخص به غيرهم، فأرسل محمداً صلي الله عليه وآله فكان الدليل علي الله بإذن الله عز وجل حتي مضي دليلاً هادياً، فقام من بعده وصيه عليه السلام دليلاً هادياً علي ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر علمه، ثم الأئمة الراشدون عليهم السلام).انتهي. وبذلك يتضح أن معني الإلحاد في أسمائه عز وجل، الميل بها عن معانيها الصحيحة، وتفسيرها بمعان خاطئة توجب الشرك والكفر من حيث لايعلم الإنسان! ومعناه أن علم التوحيد والصفات علم دقيق لا بد أن تتلقاه الأمة من المعصومين عليهم السلام وإلا وقعت في الضلال في معرفة ربها وألحدت في أسمائه، وعبدت غيره جهلاً! وهذا ما حدث عندما رفضت عترة نبيها صلي الله عليه وآله واتبعت كعب الأحبار وإسرائيلياته في التشبيه والتجسيم!

انواع الضلال من الإلحاد في الأسماء الحسني

إن كل الضلال في مذاهب العقيدة، وكل المشاكل الفكرية والعقدية التي وقعت فيها الأمة، نتجت من عدم التوازن بين (الحمد لله، وسبحان الله) أي من الميل والإلحاد في أسمائه وصفاته عز وجل، وعدم حفظ التوازن بين التسبيح والتحميد. فالتسبيح يعني تنزيه الله تعالي عن صفات المخلوقين، والتحميد يعني إثبات أنواع فاعلياته في الكون. والذي حدث أن الجهمية ركزوا علي (التنزيه) حتي نفوا أن يكون الله تعالي شيئاً لئلا يقعوا في التشبيه، فوقعوا في التعطيل! والمشبهة ركزوا علي (الإثبات) هرباً من التعطيل فوقعوا في تشبيه الله تعالي بمخلوقاته وجسموه! فالإغراق في النفي أو الإثبات هو المشكلة، وحفظ التوازن بين التنزيه والتحميد هو التوحيد الذي جاء به الإسلام وبينه النبي صلي الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام فقالوا إن الله عز وجل شئ لا كالأشياء، ووجود لايخضع لقوانين الزمان والمكان، لأنه خالقهما! في توحيد الصدوق/107، عن الصادق عن آبائه عليهم السلام: (مرَّ النبي صلي الله عليه وآله علي رجل وهو رافع بصره إلي السماء يدعو، فقال له رسول الله: غُضَّ بصرك فإنك لن تراه. ومرَّ النبي صلي الله عليه وآله علي رجل رافع يديه إلي السماء وهو يدعو، فقال رسول الله: أقصر من يديك فإنك لن تناله). وفي الكافي:1/93، عن الصادق عليه السلام قال: (إن يهودياً يقال له سبحت جاء إلي رسول الله صلي الله عليه وآله فقال: يا رسول الله جئت أسألك عن ربك، فإن أنت أجبتني عما أسألك عنه وإلا رجعت؟ قال: سل عما شئت. قال: أين ربك؟ قال: هو في كل مكان، وليس في شئ من المكان المحدود. قال: وكيف هو؟ قال: وكيف أصف ربي بالكيف والكيف مخلوق والله لا يوصف بخلقه. قال: فمن أين يعلم أنك نبي الله؟ قال: فما بقي حوله حجر ولا غير ذلك، إلا تكلم بلسان عربي مبين: يا سبحت إنه رسول الله! فقال سبحت: ما رأيت كاليوم أمراً أبين من هذا! ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله).

مسألة الرؤية أصل كل الخلاف في الصفات

معني مسألة الرؤية: هل يمكن أن نري الله تعالي بأعيننا في الدنيا أو الآخرة؟ وقد نفي ذلك نفياً مطلقاً أهل البيت عليهم السلام، وكذا عائشة وجمهور الصحابة، وبه قال الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم، مستدلين بقوله تعالي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). (الشوري:11) قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي. (لأعراف:143) لاتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. (الأنعام:103). ومستدلين بحكم العقل بأن الذي يمكن رؤيته بالعين إنما هو الوجود المادي المحدود في المكان والزمان. بينما قال الحنابلة وأتباع المذهب الأشعري من الحنفية والمالكية والشافعية: إن الله تعالي يري بالعين في الدنيا أو في الآخرة، واستدلوا بآيات يبدو منها ذلك بالنظرة الأولي كقوله تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. (القيامة:22-23). وبروايات رووها عن رؤية الله تعالي. ثم أولوا الآيات والأحاديث النافية لإمكان الرؤية بالعين.

ظهر ادعاء الرؤية بالعين في زمن عمر

لم يظهر شئ من أحاديث الرؤية بالعين في زمن النبي صلي الله عليه وآله ولا في زمن أبي بكر، بل كانت عقيدة المسلمين أن الله تعالي ليس من نوع المادة التي تُري بالعين وتُحس بالحواس، لأنه سبحانه وجود أعلي من الأشياء المادية فلا تناله الأبصار، بل ولاتدركه الأوهام وإنما يدرك بالعقل ويُري بالبصيرة، ورؤيتها أرقي وأعمق من رؤية البصر. ثم ظهرت أفكار الرؤية والتشبيه وشاعت في عهد عمر وبعده فنهض أهل البيت عليهم السلام وبعض الصحابة لردها وتكذيبها. وقالت عائشة إنها فوجئت كغيرها بهذه المقولات المناقضة لعقائد الإسلام، فأعلنت أنها أحاديث مكذوبة وفِرْيَةٌ عظيمة علي الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله، يجب علي المسلمين ردها. روي بخاري في صحيحه:6/50: (عن مسروق قال: قلت لعائشة: يا أُمَّتَاه هل رأي محمد(ص)ربه؟ فقالت: لقد قَفَّ شعري مما قلت! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمداً (ص) رأي ربه فقد كذب، ثم قرأت: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَيُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، ومن حدثك أنه يعلم ما في غدٍ فقد كذب، ثم قرأت: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب ثم قرأت: يا أيها الرسول بلغ ماأنزل إليك من ربك الآية، ولكنه رأي جبرئيل في صورته مرتين). وروي بخاري:8/166:(عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: من حدثك أن محمداً رأي ربه فقد كذب وهو يقول: لا تدركه الأبصار). ونحوه في:2/83 و:3/0 و:4/83. وفي مسلم: 1/110: (من زعم أن محمداً رأي ربه فقد أعظم علي الله الفرية). ويشمل نفي عائشة الرؤية في الآخرة أيضاً كما أشار إليه الطبري، ولذلك اضطر الذهبي إلي ارتكاب التأويل في حديث عائشة، وآيات نفي الرؤية، مع أنه كحشوية الحنابلة يحرم التأويل في أحاديث إثبات الرؤية وصفات الله تعالي ويعتبره ضلالاً وإلحاداً! وروي المجلسي في بحار الأنوار:36/194: (عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوماً وعنده كعب الحبر.إذ قال عمر يا كعب أحافظٌ أنت للتوراة؟ قال كعب: إني لأحفظ منها كثيراً. فقال رجل من جنبة المجلس: يا أمير المؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه، ومِمَّ خلق الماء الذي جعل عليه عرشه؟فقال عمر: يا كعب هل عندك من هذا علم؟ فقال كعب: نعم يا أمير المؤمنين، نجد في الأصل الحكيم أن الله تبارك وتعالي كان قديماً قبل خلق العرش وكان علي صخرة بيت المقدس في الهواء، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه! قال ابن عباس: وكان علي بن أبي طالب عليه السلام حاضراً فَعَظَّمَ عَلِيٌّ ربه، وقام علي قدميه ونفض ثيابه! فأقسم عليه عمر لمَاَ عاد إلي مجلسه، ففعله. قال عمر: غص عليها يا غواص، ما تقول يا أبا الحسن، فما علمتك إلا مفرجاً للغم. فالتفت علي عليه السلام إلي كعب فقال: غلط أصحابك وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه! يا كعب ويحك! إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قدمته، وعزّ الله وجل أن يقال له مكانٌ يُومَي إليه، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون، ولكن كان ولا مكان، بحيث لا تبلغه الأذهان، وقولي(كان)عجزٌ عن كونه، وهو مما عَلَّمَ من البيان يقول الله عز وجل(خَلَقَ الأِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) فقولي له(كان) ما علمني من البيان لأنطق بحججه وعظمته، وكان ولم يزل ربنا مقتدراً علي ما يشاء محيطاً بكل الأشياء، ثم كَوَّنَ ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غير شئ، ثم خلق منه ظلمة، وكان قديراً أن يخلق الظلمة لا من شئ كما خلق النور من غير شئ، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماءً مرتعداً ولا يزال مرتعداً إلي يوم القيامة، ثم خلق عرشه من نوره وجعله علي الماء، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فيها لغة تشبه الأخري، وكان العرش علي الماء من دونه حجب الضباب، وذلك قوله: وكان عرشه علي الماء ليبلوكم. يا كعب ويحك، إن من كانت البحار تفلته علي قولك، كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه! فضحك عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر، وهكذا يكون العلم لا كعلمك يا كعب. لا عشت إلي زمان لا أري فيه أبا حسن). وفي نهج البلاغة:2/99:(سأله ذعلب اليماني فقال: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال: أفأعبد ما لا أري! فقال: وكيف تراه؟! فقال: لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريبٌ من الأشياء غير ملامس، بعيدٌ منها غير مباين، متكلمٌ لا بروية، مريدٌ لا بهمَّة، صانعٌ لا بجارحة، لطيفٌ لا يوصف بالخفاء، كبيرٌ لا يوصف بالجفاء، بصيرٌ لا يوصف بالحاسة، رحيمٌ لا يوصف بالرقة. تعنو الوجوه لعظمته، وتجب القلوب من مخافته). انتهي. فالقول برؤية الله بالعين جاء من تأثر المسلمين باليهود والنصاري والمجوس، وقد وقف أهل البيت عليهم السلام وجمهور الصحابة ضده ونفوا نسبته إلي الإسلام، لأنه يستلزم التجسيم. ومن الأدلة البسيطة علي ذلك أن ما تراه العين لا بد أن يكون موجوداً داخل المكان والزمان، والله تعالي وجود متعال علي الزمان والمكان، لأنه خلقهما وبدأ شريطهما من الصفر والعدم، فلا يصح أن نفترضه محدوداً بهما خاضعاً لقوانينهما! لقد تعودت أذهاننا أن تعمل داخل الزمان والمكان حتي ليصعب عليها أن تتصور موجوداً خارج قوانينهما، وحتي أننا نتصور خارج الفضاء والكون بأنه فضاء! وهذه هي طبيعة الإنسان قبل أن يكبر ويطلع، وقد ورد أن النملة تتصور أن لربها قرنين كقرنيها! لكن عقل الإنسان يدرك أن الوجود لا يجب أن يكون محصوراً بالمكان والزمان، ويرتقي في إدراكه ما هو أعلي من الزمان والمكان ويؤمن به وإن عرف أنه غير قابل للرؤية بالعين. وهذا الإرتقاء الذهني هو المطلوب منا في فهم وجود الله تعالي، لا أن نجره إلي محيط وجودنا ومألوف أذهاننا، كما فعل اليهود عندما شبهوه بخلقه وادعوا تجسده في عزير وغيره! وكما فعل النصاري فشبهوه بخلقه وادعوا تجسده بالمسيح وغيره! وقد تبعهم حشوية الحنابلة وأشرسهم أتباع ابن تيمية في عصرنا فادعوا أنهم وحدهم الموحدون أصحاب العقيدة الصحيحة، وأهل السنة والجماعة! وأن بقية المسلمين الذين يخالفون رأيهم أهل البدع والضلالة، وأكثرهم كفار مشركون! لكنك عندما تنظر إلي عقيدتهم يأخذك العجب لبعدها عن التوحيد الذي جاء به الإسلام! فهم يشبهون الله تعالي بخلقه ويجسمون ذاته المقدسة! ويجعلونه علي صورة البشر وطوله ستون ذراعاً، ويزعمون أنه موجود في مكان خاص من الكون، وينزل إلي الأرض، ويفرح ويضحك ويغضب! الخ. فمعبودهم جسمٌ من نوع الطبيعة المخلوقة، خاضع لقوانين الزمان والمكان اللذين خلقهما! وإذا قلت لهم: إن الله تعالي منزه عن أن يحويه مكان أو زمان لأنه قبلهما، وهو في نفس الوقت في كل مكان وزمان مهيمنٌ عليهما وعلي كل الموجودات، لا يقبلون ذلك ويتهمونك بأنك (جَهَمي) تنفي صفات الله تعالي ووجوده!

الوهابية هم نفس حشوية الحنابلة

قال الدميري في حياة الحيوان:2/71: (نفت عائشة دلالة سورة النجم علي رؤية النبي (ص) لربه وجواز الرؤية مطلقاً...وهو سبحانه أجل وأعظم من أن يوصف بالجهات أو يحد بالصفات أو تحصيه الأوقات، أو تحويه الأماكن والأقطار. ولما كان جل وعلا كذلك استحال أن توصف ذاته بأنها مختصة بجهة أو منتقلة من مكان إلي مكان أو حَالَّةً في مكان. روي أن موسي عليه السلام لما كلمه الله تعالي سمع الكلام من سائر الجهات... وإذا ثبت هذا لم يجز أن يوصف تعالي بأنه يحل موضعاً أو ينزل مكاناً ولا يوصف كلامه بحرف ولا صوت خلافاً للحنابلة الحشوية).

تجاهل الوهابية مذهب الصحابة النافين للرؤية

قال الألباني في فتاويه/143: (إن عقيدة رؤية الله لم ترد في السنة فقط حتي تشككوا فيها، إن هذه العقيدة أيضاً قد جاءت في القرآن الكريم المتواتر روايته عن رسول الله...إن قوله تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. هي وجوه المؤمنين قطعاً إلي ربها ناظرة. المعتزلة والشيعة جاءوا بفلسفة ففسروا وجوه إلي ربها ناظرة، أي إلي نعيم ربها ناظرة...وهذه الفلسفة معولٌ هدَّامٌ للسنة الصحيحة). انتهي. فهل فات الألباني وأمثاله، أنه لا يجوز الأخذ ببعض القرآن دون بعض بل يجب رد المتشابه الي المحكم، والمحكم هنا: الآيات التي تنفي نفياً قاطعاً صريحاً إمكانية رؤيته تعالي، كقوله تعالي: لاتدركه الأبصار، وقوله: ليس كمثله شئ..الخ. وهل فاتهم أن آية: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، التي يدعون أنها تعني النظر إلي ذات الله تعالي في الجنة تتحدث عن المحشر قبل دخول الجنة بدليل قوله تعالي: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (القيامة:24-25) فوجوه المؤمنين مستشرفة إلي ربها تنتظر رحمته وعطاءه، ووجوه الكفار مكفهرة خائفة من عقابه، فليس في الآيات ما يدل علي النظر بالعين إلي الله تعالي في الجنة ولا قبلها! ثم انظر الي تهويلهم حيث جعلوا عدم الأخذ بأحاديث الرؤية هدماً للسنة! وقد هدموا أحاديث عائشة وهي عندهم في أعلي درجات الصحة!

هاجموا أمهم عائشة وأساؤوا معها الأدب

قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد/225:(هذه لفظة أحسب عائشة تكلمت بها في وقت غضب، ولو كانت لفظة أحسن منها يكون فيها درك لبغيتها كان أجمل بها، ليس يحسن في اللفظ أن يقول قائل أو قائلة: قد أعظم ابن عباس الفرية وأبو ذر وأنس بن مالك وجماعات من الناس الفرية علي ربهم! ولكن قد يتكلم المرء عند الغضب باللفظة التي يكون غيرها أحسن وأجمل منها. أكثر ما في هذا أن عائشة رضي الله عنها وأبا ذر وابن عباس وأنس بن مالك قد اختلفوا هل رأي النبي(ص)ربه فقالت عائشة: لم ير النبي(ص)ربه وقال أبو ذر وابن عباس قد رأي النبي ربه(؟!) فتفهموا يا ذوي الحجا هذه النكتة تعلموا أن ابن عباس وأباذر وأنس بن مالك ومن وافقهم لم يعظموا الفرية علي الله، لا ولا خالفوا حرفاً من كتاب الله في هذه المسألة... نقول كما قال معمر بن راشد لما ذكر اختلاف عائشة وابن عباس في هذه المسألة: ما عائشة عندنا أعلم من ابن عباس نقول: عائشة الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله عالمة فقيهة، كذلك ابن عباس رضي الله عنهما ابن عم النبي(ص)قد دعا النبي(ص) له أن يرزق الحكمة والعلم وهذا المعني من الدعاء، وهو المسمي ترجمان القرآن، وقد كان الفاروق يسأله عن بعض معاني القرآن فيقبل منه وإن خالفه غيره ممن هو أكبر سناًّ منه وأقدم صحبة للنبي(ص)وإذا اختلفا فمحال أن يقال قد أعظم ابن عباس الفرية علي الله، لأنه قد أثبت شيئاً نفته عائشة...فكيف يجوز أن يقال أعظم الفرية علي الله من أثبت شيئاً لم يبينه كتاب ولا سنة، فتفهموا هذا لا تغالطوا...) إلخ. هذا كلام ابن خزيمة أستاذ أصحاب الصحاح وإمام الأئمة، وقد أطال الكلام وعمل المستحيل ليثبت خطأ عائشة في نفي رؤية النبي صلي الله عليه وآله لربه بعينه! وبلغ من حملته علي عائشة أن محقق كتابه الشيخ محمد خليل هراس المدرس بكلية أصول الدين بالأزهر لم يتحمل منه ذلك، وكتب في رده تعليقات نذكر منها ما يلي: - إن عذر عائشة أنها كانت تستعظم ذلك وتستنكره ولهذا قالت لمسروق (لقد قفَّ شعري مما قلت)! وليس من حق المؤلف أن يعلم أمه الأدب فهي أدري بما تقول منه! إن عائشة لم تعين في كلامها أحداً ولكن قالت: من زعم بصيغة العموم. - لم يثبت عن ابن عباس أنه قال رآه بعينه، ولكن قال بقلبه وبفؤاده. كيف وجمهور الصحابة معها في إنكار الرؤية بالعين كابن مسعود وغيره... عجباً لإمام الأئمة كيف خانه علمه فتوهم أن المنفي هو إدراك الأبصار له إذا اجتمعت، فإذا انفرد واحد منها أمكن أن يراه! فهل إذا قال قائل: لا آكل الرمان، يكون معني هذا أنه لا يأكل الحبات منه ولكن يأكل الحبة! يرحم الله ابن خزيمة فلقد كبا! ولكل جواد كبوة. ونضيف إلي ما ذكره الهرَّاس: أنا لم نجد حديثاً في مصادرهم عن الرؤية بالعين إلا سؤال أبي ذر وعائشة للنبي صلي الله عليه وآله وقد أجاب بنفيها! فقولهم رأي ربه بعينه من اجتهادهم! والتعارض في الحقيقة بين حديث أبي ذر وعائشة عن النبي صلي الله عليه وآله أنه نفي الرؤية وبين اجتهادهم مقابل النص النافي لرؤية العين! كما أن روايتهم عن ابن عباس متعارضة ومضطربة، فلابد لهم من القول بسقوطها والرجوع إلي الأصل الذي هو عدم ثبوت ذلك عنه، وقد نقل ابن خزيمة نفسه قبل هجومه علي عائشة أحاديث عن ابن عباس ينفي فيها الرؤية بالعين! قال في ص 200:(وقد اختلف عن ابن عباس في تأويله قوله: ولقد رآه نزلة أخري، فروي بعضهم عنه أنه رآه بفؤاده، حدثنا القاسم بن محمد بن عباد المهلبي قال ثنا عبد الله بن داود الخريبي عن الأعمش عن زياد بن حصين عن أبي العالية، عن ابن عباس في قوله: ولقد رآه نزلة أخري، قال: رآه بفؤاده.حدثنا عمي إسماعيل، قال ثنا عبد الرزاق قال أخبرنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأي، قال رآه بقلبه). انتهي. ومن العجيب أن ابن خزيمة تغاضي في أول كلامه عن حديث عائشة الصريح عن النبي صلي الله عليه وآله وأصر علي اعتباره قولاً واجتهاداً من عندها! ثم عاد واعترف بأنه حديث لكنه فرض أن قول ابن عباس حديث مقابل حديث عائشة، وحكم بأن رواية ابن عباس متأخرة عن رواية عائشة! فمن أين حكم أن قول ابن عباس رواية، ومن أين عرف أنها متأخرة، ثم لو سلمنا أنها متأخرة فرواية عائشة نفي مطلق يُكذَِب روايات الإثبات، ورواية ابن عباس إثبات جزئي فكيف تقدم عليها؟! ثم انظر الي زعم ابن خزيمة أن الروايات المتعارضة تعارض نفي وإثبات، تقدم فيها رواية إثبات الشئ علي رواية نفيه؟! فهل يلتزم بأن الرواية التي تثبت أن النبي صلي الله عليه وآله أوصي بالخلافة لعلي عليه السلام مقدمة علي رواية نفي الوصية، التي بنوا عليها دينهم؟! وقد أنصف الشيخ محمد عبده رحمه الله في تفسير المنار:9/148، عندما قال:(فعلم مما تقدم أن ما روي عن ابن عباس من الإثبات هو الذي يصح فيه ما قيل خطاً في نفي عائشة إنه استنباط منه، لم يكن عنده حديث مرفوع فيه، وإنه علي ما صح عنه من تقييده الرؤية القلبية معارض مرجوح بما صح من تفسير النبي(ص) لآيتي سورة النجم وهو أنهما في رؤيته(ص) لجبريل بصورته التي خلقه الله عليها. علي أن رواية عكرمة عنه لا يبعد أن تكون مما سمعه من كعب الأحبار الذي قال فيه معاوية(الراوي)إن كنا لنبلو عليه الكذب كما في صحيح البخاري. ورواية ابن إسحاق لا يعتد بها في هذا المقام فإنه مدلس وهو ثقة في المغازي لا في الحديث. فالإثبات المطلق عنه مرجوح روايةً كما هو مرجوح درايةً).انتهي. أقول: حتي لو كان كلام عائشة اجتهاداً منها فهو اجتهاد مع دليله كما قال الشيخ محمد عبده في المنار:9/139: (فعائشة وهي من أفصح قريش تستدل بنفي الإدراك علي نفي الرؤية مع ما علم من الفرق بينهما، وتستدل علي نفيها أيضاً بقوله تعالي: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وقد حملوا هذا وذاك علي نفي الرؤية في هذه الحياة الدنيا، ولكن إدراك الأبصار للرب سبحانه محال في الآخرة كالدنيا).انتهي. وقد بين الإمام الرضا عليه السلام ما رآه النبي صلي الله عليه وآله في معراجه فقال: (قال رسول الله صلي الله عليه وآله: لما أسري بي إلي السماء بلغ بي جبرئيل مكاناً لم يطأه جبرئيل قط فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب). (بحار الأنوار:4/38).

من الرؤية بالعين الي عبادة الشاب الأمرد

واصل تلاميذ كعب الأحبار في زمن عمر وبعده، نشر أفكار التجسيم وكذبوا علي النبي صلي الله عليه وآله في حديث أنه رأي ربه علي صورة شاب أمرد! وأن الله خلق آدم علي صورته، وأن لله يداً حقيقية وساقاً، يضعها في جهنم فتمتلئ! وكان من أبرز من نشرها من سموه (الإمام) أبو الزناد وهو موظف حكومي ليس من العلماء ولا رواة الحديث. قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: 8/103: (قال ابن القاسم: سألت مالكاً عمن حدث بالحديث الذي قالوا: إن الله خلق آدم علي صورته، والحديث الذي جاء: إن الله يكشف عن ساقه وأنه يدخل يده في جهنم حتي يخرج من أراد، فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً ونهي أن يحدث بها أحد! فقيل له إن ناساً من أهل العلم يتحدثون به فقال: من هو؟ قيل ابن عجلان عن أبي الزناد، قال: لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالماً وذكر أبا الزناد فقال: لم يزل عاملاً لهؤلاء حتي مات). انتهي. ومعني كلامه أن الراوي الأصلي لهذا الحديث أبو الزناد وهو متهم، لأنه كان عاملاً عند بني أمية فهو موظف عندهم ينشر أحاديث التجسيم لكعب الأحبار وغيره من اليهود التي تبنت السلطة نشرها! وهو نص يكفي الباحث ليعرف أن الدولة الأموية قد تبنت تجسيم اليهود من القرن الأول ودسته في أحاديث النبي صلي الله عليه وآله ووظفت رواة ينشرونه في المسلمين! وما زال الوهابيون مصرين علي ثقافة كعب الأحبار كما تري في فتاوي ابن باز:4/368/فتوي رقم2331، قال:(خلق الله آدم علي صورته طوله ستون ذراعاً... وهو حديث صحيح، ولا غرابة في متنه فإن له معنيان: الأول: أن الله لم يخلق آدم صغيراً قصيراً كالأطفال من ذريته ثم نما وطال حتي بلغ ستين ذراعاً، بل جعله يوم خلقه طويلاً علي صورة نفسه النهائية طوله ستون ذراعاً. والثاني: أن الضمير في قوله (علي صورته) يعود علي الله بدليل ما جاء في رواية أخري صحيحة (علي صورة الرحمن).انتهي. وقد كنا نقول لعلماء الوهابية كيف تدعون أنكم ترفعون لواء التوحيد وأنتم مشبهة مجسمة تعبدون شاباً أمرد! فتثور ثائرتهم، حتي ناقشهم الحافظ حسن السقاف في قناة المستقلة، وأفحمهم بأن إمامهم ابن تيمية صحح حديث الشاب الأمرد وبني عليه عقيدته وأعلن عبادته! وفيما يلي خلاصة موضوع نشره أحد الإخوة في شبكة هجر، وثق فيه هذه عبادتهم لصنم أمرد:(صورة من/241، المجلد الثالث من كتاب (التأسيس في الرد علي أساس التقديس) مخطوط لابن تيمية، وقد حصلنا عليها من مقدمة السيد(حسن السقاف)وفقه الله لكتاب(القول الأسدّ) للسيد عبدالعزيز الغماري رحمه الله /6، وهذا كامل الصفحة: قال ابن تيمية: (من رواية ابن أبي داود أنه سُئل ابن عباس: هل رأي محمد ربّه؟قال: نعم. قال: وكيف رآه؟! قال: في صورة شاب دونه ستر من لؤلؤ، كان قدماه في خضرة. فقلت لابن عباس: أليس في قوله تعالي: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير؟ قال: لا أمّ لك! ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلّي بنوره لا يدركه شئ. وهذا يدل علي أنه رآه وأخبر أنه رآه في صورة شاب دونه ستر وقدماه في خضرة، وأن هذه الرؤية هي المعارضة بالآية والمُجاب عنها بما تقدّم، فيقتضي أنها رؤية عين! كما في الحديث الصحيح المرفوع عن قتادة، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله(ص): رأيتُ ربي في صورة أمرد، له وفرة، جعد، قطط في روضة خضراء)! انتهي. وهذا المخطوط نقل منه أحد السلفيين ممن لا يتهم علي ابن تيمية وهو منصور بن عبد العزيز السماري المدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، في تحقيقة وتعليقه علي كتاب (نقض عثمان بن سعيد علي المريسي الجهمي العنيد فيما افتري علي الله في التوحيد) كما في هذا الرابط: http://www.hajr.us/forum/showpost.ph...66 رحمه الله postcount=5 وفيه ما يلي: الكتاب: نقض عثمان بن سعيد علي المريسي الجهمي العنيد فيما افتري علي الله في التوحيد للإمام عثمان بن سعيد الدارمي المتوفي سنة(280)حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه منصور بن عبد العزيز السماري مكتبة أضواء السلف–لصاحبها علي الحربي الطبعة الأولي1419هـ - 1999م في صفحة438: المتن: (وروي المعارض عن شاذان عن حماد عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي(ص)قال: دخلت علي ربي في جنة عدن شاب جعد في ثوبين أخضرين! قال السماري في الصفحات/438- 447: ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض تأسيس الجهمية(3/ل 216/ب-ل217/ب) عن الخلال عن المروذي أنه قال عقب روايته للحديث السابق: قلت لأبي عبد الله: فشاذان كيف هو؟ قال: ثقة وجعل يثبته وقال: في هذا يشنع علينا! قلت: أفليس العلماء تلقته بالقبول؟قال: بلي. وقال ابن تيمية أيضاً في(3/ل241 أ): كما في الحديث الصحيح المرفوع عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص): رأيت ربي في صورة أمرد، له وفرة، جعد، قطط، في روضة خضراء. وقال ابن كثير في تفسيره:6/448: إسناده علي شرط الصحيح: http://www.alnilin.com/vb/showthread...8 رحمه الله page=5 رحمه الله pp=20 المخطوطة في جامعة الرياض/ عمادة شؤون المكتبات رقمها:(2590) والموجودة في المسجد النبوي مصورة عنها وموثقة من قبل المكتبة المذكورة برقم تصوير:551/أ هـ بتاريخ20 / 3 / 1399). http://yahosein.sytes.net/vb/showthread.php?t=15104 أقول: معني شاب أمرد: غلام لم تنبت لحيته. وله وَفْرة: أي شعر طويل الي شحمة الأذن، (الوفرة: الشعر إلي شحمة الأذن، ثم الجُمَّة، ثم اللُّمة، وهي التي ألمَّت بالمنكبين). (صحاح الجوهري:2/847، (كتاب العين:8/280، وغريب الحديث للحربي:1/321). والمضحك في شكل معبودهم الغلام: أنه له وفرة ويصل شعره الي شحمة أذنه، وفي نفس الوقت جَعْدٌ قَطَط! وفي لسان العرب:7/380: (القطط: شعر الزنجي. يقال: رجل قطط وشعر قطط وامرأة قطط... وجعدٌ قططٌ، أي شديد الجعودة). وفي صحاح الجوهري:3/1154: (جعد قطط أي شديدة الجعودة). وفي مقاييس اللغة:5/13: (الشعر القطط وهو الذي ينزوي خلاف السبط كأنه قط قطاً). وفي نهاية ابن الأثير:4/81: (في حديث الملاعنة:إن جاءت به جعداً قططاً فهو لفلان. القطط: الشديد الجعودة). فإذا كانت له وفرةٌ وشعر طويل، فلا يكون شعره مجعداً قَطَطاَ قصيراً كشعر الزنجي. وإن كان جعداً قططاً فلا يكون له وفرة! فلا بد أن يكون قصدهم أن هذا الغلام الصنم في شعره معجزة، فهو مُجَعَّد خشن قصير، ومع ذلك يصل الي شحمة أذنيه! لكن معناه أن شعره كمكانس البلدية المتخذة من شوك صحراوي!

المعرفة والعرفان والتصوف

معرفة الله تعالي أكبر قيمة في الحياة

القضية الأكبر في الإسلام، أو قضية الإسلام من أعظم زواياها: أن الله تعالي رب العالمين وخالق الأكوان والإنسان، قد تجلي لرجل من أبناء إبراهيم من ذرية إسماعيل صلي الله عليه وآله وأرسل له سيد ملائكته عليه السلام وأنزل عليه رسالة، فأظهر معجزاته، لكن قبائل قريش اتحدوا ضده وكذبوه، وآمن به بعض عشيرته الأقربين وبعض الناس، وآمنت به مدينة يثرب فهاجر اليها، وحاربته قريش فانتصر عليها وعلي العرب وكوَّن أمةً ومداً حضارياً في مدة قياسية. هذه الحقيقة أثارت في نفوس الشعوب التي دخلت في الإسلام قضية الله تعالي وعبادته، وولَّدت الإتجاه الي طلب رضا الله تعالي والنجاة من عذابه والخلود في جنات النعيم، فصارت القضية الأولي المعاشة للناس يومها، وتعامل معها بجدية أصحاب النفوس الصافية من مثقفي تلك الشعب وعوامها. فانفتح باب الإجتهاد علي مصراعيه في كيفية معرفة الله تعالي وعبادته، ونشأ التصوف وصار موجة شعبية تعددت فيها الإجتهادات وتأثرت بثقافات الأديان والوثنيات! وعقيدتنا نحن أتباع أهل البيت عليهم السلام أن الله تعالي لايجوز في حكمته أن يترك الأمر للناس ليجتهدوا في معرفته وعبادته، وأن القرآن لايكفي لذلك لأنه حَمَّال وجوه، والسنة لاتكفي لأن رواتها مختلفون ومفسروها أكثر اختلافاً، بل لا بد من تعيين أئمة معصومين بعد النبي صلي الله عليه وآله ليكونوا قدوات للناس، يشرحون لهم معرفة الله تعالي في النظرية، ويجسدونها التطبيق! فلم يترك عز وجل أمر معرفته وعبادته مجملاً عائماً، ولا أوكله الي اجتهاد الناس وظنونهم، بل أمر نبيه صلي الله عليه وآله فأخبر الأمة أن الله جعل لها قدوات بعده اثني عشر ربانياً من عترته عليهم السلام وأمرها باتِّباعهم. لكن قريشاً سارعت الي أخذ خلافة النبي صلي الله عليه وآله وعزلت عترته، وحجبتهم عن الناس، فلم تعرف الشعوب الجديدة أن إمامة العترة النبوية عليهم السلام جزءٌ لا يتجزأ من الإسلام، وأن الله تعالي جعل معرفته وعبادته عن طريقهم حتي لا يختلف الناس ويقعوا في الضلال. إن القليل من الناس من شعوب البلاد المفتوحة استطاع أن يعرف عقيدة الإمامة، من بعض الصحابة الذين كانوا يبلغونها علي تخوف، لأنها تعني تخوين النظام واتهام قسم من الصحابة بغصب الخلافة! وفي غياب خط أهل البيت عليهم السلام كثرت اجتهادات الناس في معرفة الله تعالي وعبادته، خاصة من مثقفي البلاد الذين يعتبرون أنهم أكثر حضارة ومدنية من العرب، وأنهم إن فهموا لغتهم فهم أقدر منهم علي فهم نصوص الدين الذي نزل عليهم، وفهم أغراضه وأهدافه! ولذلك برز وُعَّاظٌ وعُبَّادٌ وقراءٌ ومُنَظِّرُون لمعرفة الله وعبادته كلهم من الشعوب غير العربية، وكان مستواهم الذهني متفوقاً علي غيرهم فاتبعهم العرب أتباع الخلافة، وجعلوهم مشايخ طرق صوفية!

التصوف و حب أهل البيت

كان من الطبيعي أن يبحث شيوخ التصوف عن شخصيات عارفة لله عابدة ليتخذوها قدوة وأن يجدوا أهل البيت عليهم السلام في طليعتها. ولذلك تجد أكثر أصحاب الطرق الصوفية نسبوا طرقهم الي أويس القرني رحمه الله ثم الي أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين عليهم السلام، وزعموا أنهم أخذوا منهم أفكارهم في معرفة الله تعالي وعبادته! ولهذا دخل التشيع بمعني حب أهل البيت عليهم السلام الي ثقافة الصوفية عموماً، ودخلت مدائح علي عليه السلام في أناشيدهم وأذكارهم وأورادهم. وساعد علي ذلك أن كبار شيوخهم رأوا كرامات ومعجزات مدهشة لأهل البيت عليهم السلام،كما روي ثابت البناني قال: (كنت حاجاً وجماعة عباد البصرة مثل أيوب السجستاني وصالح المري وعتبة الغلام وحبيب الفارسي ومالك بن دينار، فلما أن دخلنا مكة رأينا الماء ضيقاً، وقد اشتد بالناس العطش لقلة الغيث، ففزع إلينا أهل مكة والحجاج يسألوننا أن نستسقي لهم، فأتينا الكعبة وطفنا بها ثم سألنا الله خاضعين متضرعين بها، فمُنعنا الإجابة. فبينما نحن كذلك إذْ نحن بفتي قد أقبل وقد أكربته أحزانه وأقلقته أشجانه، فطاف بالكعبة أشواطاً ثم أقبل علينا فقال: يا مالك بن دينار ويا ثابت البناني ويا صالح المري ويا عتبة الغلام ويا حبيب الفارسي ويا سعد ويا عمر ويا صالح الأعمي ويا رابعة ويا سعدانة ويا جعفر بن سليمان، فقلنا: لبيك وسعديك يا فتي. فقال: أما فيكم أحد يُحبه الرحمن؟ فقلنا: يا فتي علينا الدعاء وعليه الإجابة، فقال: أبعدوا عن الكعبة، فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمن لأجابه! ثم أتي الكعبة فخر ساجداً، فسمعته يقول في سجوده: سيدي بحبك لي إلا سقيتهم الغيث! قال: فما استتم الكلام حتي أتاهم الغيث كأفواه القرب! فقلت: يا فتي من أين علمت أنه يحبك؟ قال: لو لم يحبني لم يستزرني، فلما استزارني علمت أنه يحبني، فسألته بحبه لي فأجابني. ثم ولي عنا وأنشأ يقول: من عرف الرب فلم تُغْنِهِ معرفةُ الرب فذاك الشقِي ما ضر ذو الطاعة ما ناله في طاعة الله وماذا لقِي ما يصنع العبدُ بغير التقي والعز كـل العز للمتقِي فقلت يا أهل مكة من هذا الفتي؟قالوا: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).(الإحتجاج:2/48، والصحيفة السجادية:2/108، ومستدرك الوسائل:6/209). وفي مناقب آل أبي طالب:3/419: (قال شقيق البلخي: وجدت رجلاً عند فِيد(في طريق الحج) يملأ الإناء من الرمل ويشربه! فتعجبت من ذلك واستسقيته فسقاني، فوجدته سويقاً وسكراً..القصة..). ورواها ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول/448: (قال هشام بن حاتم الأصم، قال لي أبو حاتم، قال لي شقيق البلخي: خرجت حاجاً في سنة تسع وأربعين ومائة، فنزلت القادسية فبينا أنا أنظر إلي الناس في زينتهم وكثرتهم، فنظرت إلي فتي حسن الوجه شديد السمرة ضعيف فوق ثيابه ثوب من صوف، مشتمل بشملة في رجليه نعلان وقد جلس منفرداً فقلت في نفسي: هذا الفتي من الصوفية يريد أن يكون كلاً علي الناس في طريقهم، والله لأمضين إليه ولأوبخنه! فدنوت منه فلما رآني مقبلاً قال: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، ثم تركني ومضي! فقلت في نفسي: إن هذا الأمر عظيم قد تكلم بما في نفسي ونطق باسمي وما هذا إلا عبدٌ صالح لألحقنه ولأسألنه أن يحالَّني فأسرعت في أثره فلم ألحقه وغاب عن عيني. فلما نزلنا واقصة إذْ به يصلي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري فقلت: هذا صاحبي أمضي إليه واستحله، فصبرت حتي جلس وأقبلت نحوه، فلما رآني مقبلاً قال لي: يا شقيق أتل: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَي. ثم تركني ومضي فقلت: إن هذا الفتي لمن الأبدال! لقد تكلم علي سري مرتين. فلما نزلنا زُبَالة إذا بالفتي قائمٌ علي البئر وبيده رَكْوَةٌ يريد أن يستقي ماء فسقطت الركوة من يده في البئر، وأنا أنظر إليه فرأيته قد رمق السماء وسمعته يقول: أنت ربي إذا ظمئتُ إلي الماء وقُوَّتي إذا أردتُ الطعام اللهم سيدي مالي سواها فلا تحرمنيها، قال شقيق: فوالله لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤها فمد يده فأخذ الركوة وملأها ماء فتوضأ وصلي أربع ركعات، ثم مال إلي كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب. فأقبلت إليه وسلمت عليه فرد عليَّ السلام فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم الله به عليك. فقال: يا شقيق لم تزل نعمه علينا ظاهرة وباطنة، فأحسن ظنك بربك. ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق وسكر! فوالله ما شربت قط ألذَّ منه ولا أطيب ريحاً، فشبعت ورويت وأقمت أياماً لا أشتهي طعاماً ولا شراباً، ثم لم أره حتي دخلنا مكة فرأيته ليلة إلي جنب قُبَّة الشراب في نصف الليل قائماً يصلي بخضوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتي ذهب الليل، فلما رأي الفجر جلس في مصلاه يسبح ثم قام فصلي الغداة، وطاف بالبيت أسبوعاً وخرج، فتبعته وإذا له غاشية وموالٍ، وهو علي خلاف ما رأيته في الطريق، ودار به الناس من حوله يسلمون عليه! فقلت لبعض من يقرب منه: من هذا الفتي؟ فقال: هذا موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فقلت: قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد! ولقد نظم بعض المتقدمين واقعة شقيق معه في أبيات طويلة، اقتصرت علي ذكر بعضها فقال: سلْ شقيقَ البلخيّ عنه وما ش هد منه وما الذي كان أبصرْ قال لما حججت عاينتُ شخص شاحب اللون ناحلَ الجسم أسمرْ سائراً وحده وليس له زادٌ فما زلت دائماً أتفكر وتوهمتُ أنه يسأل الناس ولم أدر أنه الحجُّ الاكبر ثم عاينتهُ ونحنُ نزولٌ دون فيدٍ علي الكثيب الاحمر يضع الرمل في الإناء ويشربْهُ فناديته وعقلي محير إسقني شربةً فناولني منه فعاينته سَويقاً وسُكر فسألت الحجيج من يكُ هذ قيلَ هذا الإمامُ موسي بن جعفر فهذه الكرامات العالية الأقدار الخارقة العوائد هي علي التحقق جلية المناقب وزينة المزايا وغرر الصفات، ولا يؤتاها إلا من فاضت عليه العناية الربانية أنوار التأييد، ومرت له أخلاف التوفيق، وأزلفته من مقام التقديس والتطهير وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). انتهي.

اهل البيت دعوا الي معرفة الله تعالي

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (أولُ الدين معرفته، وكمالُ معرفته التصديق به، وكمالُ التصديق به توحيدُه، وكمالُ توحيده الإخلاصُ له، وكمالُ الإخلاص له نفيُ الصفات عنه، لشهادة كلِّ صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة).(نهج البلاغة:1/14). الكافي:8/247: (عن جميل بن دراج، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله عز وجل ما مدوا أعينهم إلي ما متع الله به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها، وكانت دنياهم أقلَّ عندهم مما يطوونه بأرجلهم، ولنَعِمُوا بمعرفة الله عز وجل وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله. إن معرفة الله عز وجل أنْسٌ من كل وحشة، وصاحبٌ من كل وحدة، ونورٌ من كل ظلمة، وقوةُ من كل ضعف، وشفاءٌ من كل سقم. ثم قال عليه السلام: وقد كان قبلكم قوم يُقتلون ويحرقون وينشرون بالمناشير وتضيق عليهم الأرض برحبها، فما يردهم عما هم عليه شئ مما هم فيه، من غير تِرَةٍ وُتروا من فعل ذلك بهم ولا أذي، بل ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، فاسألوا ربكم درجاتهم، واصبروا علي نوائب دهركم، تدركوا سعيهم). وفي علل الشرائع:1/9: (عن سلمة بن عطاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خرج الحسين بن علي عليها السلام علي أصحابه فقال: أيها الناس إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه). وفي علل الشرائع:1/13: (عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، قال: خلقهم ليأمرهم بالعبادة، قال: وسألته عن قول الله عز وجل: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذَلِكَ خَلَقَهُمْ؟ قال: ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم).(أي خلقهم ليتكاملوا بعطائه حسب جهدهم).

شكوي الشيخ الأنصاري قدس سره من مدعي العرفان

بحث علماؤنا رضوان الله عليهم الحد الأدني الواجب علي المسلم من المعرفة، واتفقوا علي أنه قليل مُيَسَّر، وأنه يكفي للمسلم معرفة الله تعالي بقدر معني سورة التوحيد، وكذلك معرفة النبي والأئمة صلوات الله عليهم، وبقية العقائد التي جاء بها النبي صلي الله عليه وآله من العدل والمعاد والآخرة والجنة والنار. ففي الكافي:1/91: (عن عبد العزيز بن المهتدي قال: سألت الرضا عليه السلام عن التوحيد فقال: كل من قرأ قل هو الله أحد، وآمن بها، فقد عرف التوحيد، قلت: كيف يقرؤها؟ قال: كما يقرؤها الناس).انتهي. فالصعوبة إذن ليست في المعرفة النظرية، بل في العمل والتطبيق! وقد ناقش شيخ الطائفة الأنصاري قدس سره ما ذكره العلامة الحلي قدس سره ويفهم منه أنه يجب علي المسلم أكثر من ذلك، وبثَّ الشيخ الأنصاري بمناسبته شكواه من مدعي العرفان والعلم، الذين يغُشُّون الناس باسم معرفة الله تعالي ومعرفة النبي وآله صلي الله عليه وآله، وهم جهلاء لا يعرفون الفاعل والمفعول ولا البديهي من الكسبي! قال قدس سره في الرسائل:1/275: (وقد ذكر العلامة في الباب الحادي عشر فيما يجب معرفته علي كل مكلف، من تفاصيل التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد، أموراً لا دليل علي وجوبها كذلك، مدعياً أن الجاهل بها عن نظر وإستدلال خارج عن ربقة الإيمان مستحق للعذاب الدائم، وهو في غاية الإشكال. نعم يمكن أن يقال: إن مقتضي عموم وجوب المعرفة مثل قوله تعالي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، أي ليعرفون. وقوله صلي الله عليه وآله: وما أعلم بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس، بناء علي أن الأفضلية من الواجب، خصوصاً مثل الصلاة، تستلزم الوجوب. وكذا عمومات وجوب التفقه في الدين الشامل للمعارف بقرينة استشهاد الإمام عليه السلام بها لوجوب النفر لمعرفة الإمام بعد موت الإمام السابق عليه السلام وعمومات طلب العلم، هو وجوب معرفة الله جل ذكره ومعرفة النبي صلي الله عليه وآله والإمام عليه السلام ومعرفة ما جاء به النبي صلي الله عليه وآله علي كل قادر يتمكن من تحصيل العلم، فيجب الفحص حتي يحصل اليأس، فإن حصل العلم بشئ من هذه التفاصيل اعتقد وتدين به، وإلا توقف ولم يتدين بالظن لو حصل له. ومن هنا قد يقال: إن الإشتغال بالعلم المتكفل لمعرفة الله ومعرفة أوليائه صلوات الله عليهم أهم من الإشتغال بعلم المسائل العلمية، بل هو المتعين، لأن العمل يصح عن تقليد، فلا يكون الإشتغال بعلمه إلا كفائياً بخلاف المعرفة. هذا، ولكن الإنصاف ممن جانب الإعتساف يقتضي الإذعان بعدم التمكن من ذلك إلا للأوحدي من الناس، لأن المعرفة المذكورة لا تحصل إلا بعد تحصيل قوة استنباط المطالب من الأخبار وقوة نظرية أخري، لئلا يأخذ بالأخبار المخالفة للبراهين العقلية، ومثل هذا الشخص مجتهد في الفروع قطعاً فيحرم عليه التقليد. ودعوي جوازه له للضرورة ليس بأولي من دعوي جواز ترك الإشتغال بالمعرفة التي لا تحصل غالباً بالأعمال المبتنية علي التقليد. هذا إذا لم يتعين عليه الإفتاء والمرافعة لأجل قلة المجتهدين. وأما في مثل زماننا فالأمر واضح. فلا تغتر حينئذ بمن قصر استعداده أو همته عن تحصيل مقدمات استنباط المطالب الإعتقادية الأصولية والعلمية عن الأدلة العقلية والنقلية، فيتركها مبغضاً لها لأن الناس أعداء ما جهلوا، ويشتغل بمعرفة صفات الرب جل ذكره وأوصاف حججه صلوات الله عليهم، بنظرٍ في الأخبار لا يعرف به من ألفاظها الفاعل من المفعول، فضلاً عن معرفة الخاص من العام. وبنظرٍ في المطالب العقلية لا يعرف به البديهيات منها، ويشتغل في خلال ذلك بالتشنيع علي حملة الشريعة العملية واستهزائهم بقصور الفهم وسوء النية، فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ. هذا كله حال وجوب المعرفة مستقلاً، وأما اعتبار ذلك في الإسلام أو الإيمان فلا دليل عليه، بل يدل علي خلافه الأخبار الكثيرة المفسرة لمعني الإسلام والإيمان. ففي رواية محمد بن سالم عن أبي جعفر عليه السلام المروية في الكافي:إن الله عز وجل بعث محمداً صلي الله عليه وآله وهو بمكة عشر سنين، ولم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، إلا أدخله الله الجنة بإقراره وهو إيمان التصديق، فإن الظاهر أن حقيقة الإيمان التي يخرج الإنسان بها عن حد الكفر الموجب للخلود في النار لم تتغير بعد انتشار الشريعة. نعم ظهر في الشريعة أمور صارت ضرورية الثبوت من النبي صلي الله عليه وآله فيعتبر في الإسلام عدم إنكارها. لكن هذا لا يوجب التغيير، فإن المقصود أنه لم يعتبر في الإيمان أزيد من التوحيد والتصديق بالنبي صلي الله عليه وآله وبكونه رسولاً صادقاً فيما يبلغ. وليس المراد معرفة تفاصيل ذلك، وإلا لم يكن من آمن بمكة من أهل الجنة أو كان حقيقة الإيمان بعد انتشار الشريعة غيرها في صدر الإسلام. وفي رواية سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السلام:إن أدني ما يكون به العبد مؤمناً أن يعرفه الله تبارك وتعالي إياه فيقر له بالطاعة، ويعرفه نبيه فيقر له بالطاعة ويعرفه إمامه وحجته في أرضه وشاهده علي خلقه فيقر له بالطاعة. فقلت له: يا أمير المؤمنين وإن جهل جميع الأشياء إلا ماوصفت قال:نعم. وهي صريحة في المدعي).انتهي. أقول: وبهذه الشكوي البليغة من مرجع الطائفة الكبير الشيخ الأنصاري قدس سره ننبه شبابنا وبناتنا الي خطأ تصورهم وخطأ من يُصور لهم أنه يجب عليهم معرفة الله تعالي بأكثر مما يفتي به مراجع تقليدهم! وخطأ تصورهم أن ذلك لا بد أن يكون بواسطة أستاذ يوجههم ويربيهم تربية الشيخ لمريديه، والآمر لمأموريه! وفي عصرنا زادت أبواب الضلال بخروج أشخاص يَدَّعُون الإرتباط بالإمام المهدي أرواحنا فداه، وبعضهم يدعي أنه أمره أن يكون سفيره أو ينصب نفسه مرجع تقليد وقائد ثورة! وبعضهم ادعي أنه ابنه ووصيه وسفيره الي العالمين..الخ. وقد وجدوا لهم بعض الأتباع بسبب موجة التدين القوية في الأمة، وجهل الناس بدينهم!

العرفان حق لكن صاحبنا ليس هو المطلوب

حدثني يوماً أستاذي في النجف عن العرفان والعارفين، وأن بعضهم أهل كرامات ومكاشفة، وسمي لي منهم أشخاصاً بعضهم من أهل العلم وبعضهم من الكسبة، وأخبرني أنه يحضر أسبوعياً عند أحدهم، وأني أستطيع الحضور، فشكرته. وفي الموعد في بيت أحدهم حضر الأستاذ فرأيت أستاذي والحاضرين احترموه وهابوه، وتأدبوا بين يديه وأصغوا بكلهم اليه. كان درسه أو حديثه في شرح آية الكرسي، وقد اعتمد علي التصوير والتذكير أكثر من المطلب العلمي، فاستفدنا وتأثرنا والحمد لله. وتضمن درسه التالي وما بعده توجيهات مفيدة، كقوله: كل مشكلات الإنسان من الوهم والخيال، والوهم هو الخوف غير الشرعي، والخيال هو الأمل غير الشرعي. وقوله: أنظر أمامك في الصلاة عند محل سجودك، وأرْخِ عينيك ولا تحدق، مع ما استفدناه منه رحمه الله من أفكار عن مراقبة النفس ومجاهدتها إن طمحت الي الحرام أو المكروه، وإجبارها إن استعصت علي فعل الخير وقيام الليل...الخ. وكانت فترة نافعة بما فيها تكاليف الأستاذ في مراقبة النفس، وكان أنفعها برامج العبادة اليومية، والإعتكاف في مسجد الكوفة ثلاثة أيام، وزيارة الإمام الحسين عليه السلام سيراً علي الأقدام. ومضت الأيام لأكتشف في هذا الأستاذ ما لا أحب، رأيته يأكل دائماً بنَهَمٍ، ويتخير أنواع الأطعمة، ويتحدث عنها بلهفة وإسهاب، ورأيته يأكل المال أكلاً لمّا، وبعض ما يأخذه برأيي حرام، ثم رأيته لا يتحمل إشكالاً حتي لو كان علمياً، وأشكل شخص عليه فكرهه كرهاً غليظاً، ولم يغفر له (ذنبه) بل لم يكن يترك فرصة إلا وانتقده وطعن عليه، بما فيه وما ليس فيه! وآخر ما وصلت اليه من التأمل في حالة هذا الأستاذ: أن طريق العرفان ومراقبة النفس حق، لكن صاحبنا ليس هو المطلوب! غير أنك ستعتبر صاحبنا قديساً بالنسبة الي بعض من يدعي العرفان! عندما تجد فيهم قاتل النفس المحترمة بالمعني الحقيقي للقتل! وتجد فيهم الكذاب المزيف، وصاحب الدكان، وناصب الفخ لصيد بسطاء العوام! فالعرفان عند هؤلاء البؤساء ليس أكثر من تعلم لقلقة اللسان، فهو طريقٌ لتحقيق الذات، ونيل الشهرة، وكسب السحت من المال! وهؤلاء ليسوا أبناء اليوم، فهم ظاهرة قديمة من مطلع الإسلام، وقبل الإسلام في المسيحية واليهودية! ولو ألَّفْتَ فيهم كتاباً لملأته بطرائف قصصهم وغرائبها، لكنه يضر أكثر مما ينفع، لأن بعض قرائه سيفرط في الحكم ويكفر بكل العرفان والعارفين، مع أن فيهم أخياراً أبراراً أهل حق وصدق، وفيهم أولياء الله، لو أقسم أحدهم علي الله لأبرَّ قسمه! وأبلغ ما قرأت في تحليل شخصياتهم ما علمنا إياه الإمام زين العابدين عليه السلام فقال: (إذا رأيتم الرجل قد حَسَّنَ سَمْتَه وهَدْيَه، وتَمَاوَتَ في منطقه، وتَخَاضَعَ في حركاته، فَرُوَيْداَ لا يَغُرَّنَّكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام منها لضعف نيته ومهانته وجُبن قلبه، فنصب الدين فخّاً لها، فهو لا يزال يَخْتِلُ الناس بظاهره، فإن تمكن من حرام اقتحمه. وإذا وجدتموه يَعِفُّ عن المال الحرام، فرويداً لا يغرنكم، فإن شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر من يَنْبُو عن المال الحرام وإن كثر، ويحمل نفسه علي شَوْهاء قبيحة فيأتي منها مُحَرَّماً. فإذا وجدتموه يَعِفُّ عن ذلك فرويداً لا يَغُرَّنَّكُم، حتي تنظروا ما عَقَدَهُ عقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع، ثم لا يرجع إلي عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله. فإذا وجدتم عقله متيناً، فرويداً لا يغركم، حتي تنظروا أمع هواه يكون علي عقله، أو يكون مع عقله علي هواه، وكيف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فيها؟ فإنَّ في الناس من خسر الدنيا والآخرة بترك الدنيا للدنيا! ويري أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلباً للرئاسة حتي إذا قيل له اتَّقِ الله أخذته العزَّةُ بالإثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد! فهو يخبط خبط عشواء، يقوده أول باطل إلي أبعد غايات الخسارة، ويمدُّه ربه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه! فهو يُحِلُّ ما حَرَّم الله ويُحَرِّم ما أحل الله، لا يبالي بما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته التي قد يتقي من أجلها! فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذاباً مهيناً. ولكن الرجل كلَّ الرجل نعمَ الرجل، هو الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله، وقواه مبذولةً في رضا الله، يري الذلَّ مع الحق أقرب إلي عز الأبد من العز في الباطل، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه إلي دوام النعيم في دار لا تَبيد ولا تَنْفَد، وأن كثير ما يلحقه من سرائها إن اتبع هواه يؤديه إلي عذاب لا انقطاع له ولا زوال. فذلكم الرجل نعم الرجل، فبه فتمسكوا وبسنته فاقتدوا، وإلي ربكم به فتوسلوا، فإنه لا تُرَدُّ له دعوة ولا تَخِيبُ له طَلِبَة). (الإحتجاج:1/54). وفي الكافي:1/49، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (طلبة العلم ثلاثة فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم: صنفٌ يطلبه للجهل والمراء، وصنف يطلبه للإستطالة والختل، وصنف يطلبه للفقه والعقل. فصاحب الجهل والمراء مُوذٍ مُمَارٍ متعرضٌ للمقال في أندية الرجال، بتذاكر العلم وصفة الحلم، قد تسربل بالخشوع وتخلي من الورع! فدق الله من هذا خيشومه وقطع منه حيزومه! وصاحب الإستطالة والختل ذو خب وملق، يستطيل علي مثله من أشباهه، ويتواضع للأغنياء من دونه، فهو لحلوائهم هاضم، ولدينه حاطم فأعمي الله علي هذا خبره، وقطع من آثار العلماء أثره! وصاحب الفقه والعقل، ذو كآبة وحزن وسهر، قد تحنك في بُرْنُسه وقام الليل في حَندسه، يعمل ويخشي، وجلاً داعياً مشفقاً، مقبلاً علي شانه، عارفاً بأهل زمانه، مستوحشاً من أوثق إخوانه، فشدَّ الله من هذا أركانه، وأعطاه يوم القيامة أمانه).

خطر الدعوة الي معرفة الله بمعرفة النفس

كان التصوف في الأمة وما زال تياراً قوياً وجذاباً، وبسبب بُعده عن أهل البيت عليهم السلام كان الخطأ فيه أكثر من الصواب، والكذابون أكثر من الصادقين، ولقلقة اللسان أكثر من عقد الجنان. أما دليله العلمي فأشهره منهج معرفة الله تعالي عن طريق معرفة النفس وقد نظَّرَ له المتأثرون بالفلسفة اليونانية وكتبوا فيه واستدلوا لها بآيات وأحاديث، وهو الطريقة الأكثر رواجاً في قم والنجف وغيرهما. ومن أعلامه السيد الطباطبائي صاحب تفسير الميزان رحمه الله وهذه فقرات من كلامه المطول في تفسيره:6/169: (في الغرر والدرر للآمدي عن علي عليه السلام قال: من عرف نفسه عرف ربه. أقول ورواه الفريقان عن النبي صلي الله عليه وآله أيضاً وهو حديث مشهور، وقد ذكر بعض العلماء أنه من تعليق المحال ومفاده استحالة معرفة النفس لاستحالة الإحاطة العلمية بالله سبحانه. ورُدَّ أولاً، بقوله صلي الله عليه وآله في رواية أخري:أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه. وثانياً،بأن الحديث في معني عكس النقيض لقوله تعالي: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ. وفيه عنه عليه السلام: قال الكيِّس من عرف نفسه وأخلص أعماله... وفيه عنه عليه السلام قال: المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين. أقول: الظاهر أن المراد بالمعرفتين المعرفة بالآيات الأنفسية والمعرفة بالآيات الآفاقية، قال تعالي: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَي كُلِّ شَئٍْ شَهِيدٌ.(حم السجده:53)وقال تعالي: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ.(الذاريات: 21). وكون السير الأنفسي أنفع من السير الآفاقي لعله لكون المعرفة النفسانية لاتنفك عادةً من إصلاح أوصافها وأعمالها بخلاف المعرفة الآفاقية....وهذا موقف علمي يهدي الإنسان إلي تكاليف ووظائف بالنسبة إلي ربه وبالنسبة إلي أبناء نوعه في الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وهي التي نسميها بالدين... فتلخص مما ذكرنا أن النظر في الآيات الأنفسية والآفاقية ومعرفة الله سبحانه، بها يهتدي الإنسان إلي التمسك بالدين الحق والشريعة الإلهية.... وفي الدرر والغرر عن علي عليه السلام قال: العارف من عرف نفسه فأعتقها ونزهها عن كل ما يبعدها. أقول: أي أعتقها عن إسارة الهوي وَرِقِّية الشهوات. وفيه، عنه عليه السلام قال: أعظم الجهل جهل الإنسان أمر نفسه... وأما سائر الفرق المذهبية، من الهنود كالجوكية أصحاب الأنفاس والأوهام، وكأصحاب الروحانيات، وأصحاب الحكمة، وغيرهم، فلكل طائفة منهم رياضات شاقة عملية لا تخلو عن العزلة وتحريم اللذائذ الشهوانية علي النفس... وأما البوذية فبناء مذهبهم علي تهذيب النفس ومخالفة هواها وتحريم لذائذها عليها، للحصول علي حقيقة المعرفة... وأما الصابئون، ونعني بهم أصحاب الروحانيات، فهم وإن أنكروا أمر النبوة، غير أن لهم في طريق الوصول إلي كمال المعرفة النفسانية طرقاً لا تختلف كثيراً عن طرق البراهمة والبوذيين... وهؤلاء وإن اختلفوا فيما بين أنفسهم بعض الإختلاف في العقائد العامة الراجعة إلي الخلق والايجاد، لكنهم متفقوا الرأي في وجوب ترويض النفس للحصول علي كمال المعرفة وسعادة النشأة. وأما المانوية من الثنوية، فاستقرار مذهبهم علي كون النفس من عالم النور العلوي وهبوطها إلي هذه الشبكات المادية المظلمة المسماة بالأبدان، وأن سعادتها وكمالها التخلص من دار الظلمة إلي ساحة النور، إما اختياراً بالترويض النفساني، وإما اضطراراً بالموت الطبيعي المعروف. وأما أهل الكتاب ونعني بهم اليهود والنصاري والمجوس، فكتبهم المقدسة وهي العهد العتيق والعهد الجديد وأوستا، مشحونة بالدعوة إلي إصلاح النفس وتهذيبها ومخالفة هواها...وأما الفرق المختلفة من أصحاب الإرتياضات والأعمال النفسية، كأصحاب السحر والسيمياء، وأصحاب الطلسمات وتسخير الأرواح والجن، وروحانيات الحروف والكواكب وغيرها، وأصحاب الإحضار وتسخير النفوس، فلكل منهم ارتياضات نفسية خاصة تنتج نوعاً من السلطة علي أمر النفس.... وجملة الأمر علي مايتحصل من جميع ما مرَّ: أن الوجهة الأخيرة لجميع أرباب الأديان والمذاهب والأعمال هو تهذيب النفس بترك هواها، والإشتغال بتطهيرها من شوب الأخلاق والأحوال غير المناسبة للمطلوب.. فالأعمال والمجاهدات والإرتياضات الدينية ترجع جميعاً إلي نوع من الإشتغال بأمر النفس...فظهر بهذا البيان أن الأديان والمذاهب علي اختلاف سننها وطرقها تروم الإشتغال بأمر النفس في الجملة، سواء علم بذلك المنتحلون بها أم لم يعلموا... إياك أن يشتبه عليك الأمر فتستنتج من الأبحاث السابقة أن الدين هو العرفان والتصوف، أعني معرفة النفس كما توهمه بعض الباحثين من الماديين.... والتأمل العميق في جميع الأديان والنحل يعطي أنها مشتملة نوع اشتمال علي هذا الروح الحي حتي الوثنية والثنوية، وإنما وقع الإختلاف في تطبيق السنة الدينية علي هذا الأصل والإصابة والخطأ فيه... واعلم أن عرفان النفس بغيةٌ عملية لايحصل تمام المعرفة بها إلا من طريق السلوك العملي دون النظري...). انتهي.

نقد هذه الدعوة

ما ذكره قدس سره من الطريقين لمعرفة الله تعالي: النظر في الآفاق والنظر في الأنفس، مطلبٌ شائع بين العرفانيين والمتصوفة، والظاهر أنهم أخذوه من قوله تعالي: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ. والبحث فيه متشعب، نكتفي منه بملاحظات: 1- مما يدل علي أن معرفة الله تعالي لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق الأئمة المعصومين عليهم السلام: أن الله تعالي عندما أرسل نبيه صلي الله عليه وآله وأنزل عليه كتابه، فقد حدد طريق معرفته وعبادته بما أنزله علي رسوله صلي الله عليه وآله. وعندما بلغ النبي صلي الله عليه وآله أمته فقال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، وأنهما لايفترقان الي يوم القيامة، فقد حدد طريق معرفة الله تعالي وعبادته بهما. فالقرآن هو الأصل وأئمة العترة عليهم السلام هم الشرح. والقرآن هو الدستور وهم المفسرون الشرعيون له القُوَّام علي تطبيقه. وبذلك انتهي الأمر ولم يبق مجال للفذلكة والفلسفة! ودليل آخر علي أن أهل البيت عليهم السلام بهم يُعْرفُ الله تعالي وبهم يُعبد: أن معرفته وعبادته تحتاج الي علم وتجسد عملي، ولن تجد العلم الصحيح بالله إلا عندهم، ولا التجسيد الصحيح لمعرفته تعالي وعبادته إلا فيهم. وقد رأيت أن الذين تركوهم افتقروا من العلم فالتجؤوا الي الحاخام كعب الأحبار، فشبهوا الله تعالي وجسدوه، ولم يقفوا في انحدارهم حتي جعلوا ربهم شاباً أمرد وعبدوه! فأي فكر هذا، وأي معرفة لخالق الكون، وأي عبادة لرب العالمين؟!! 2- بحثَ فقهاؤنا الحد الأدني الواجب من معرفة الله تعالي، ولم يذكر أحد منهم أن من طرقه التأمل في النفس! بل نصَّت الأحاديث الصحيحة علي أن المعرفة من صنع الله تعالي، ففي الكافي:1/163: (عن محمد بن حكيم قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: المعرفة من صُنْع من هي؟ قال: من صُنع الله ليس للعباد فيها صنع). 3- سند حديث: "من عرف نفسه فقد عرف ربه"غير تام، وهو مروي عن النبي صلي الله عليه وآله، وعن أمير المؤمنين عليه السلام، وأقوي ما يستدل به لتصحيحه أن بعض علماء الحديث تلقاه بالقبول. وعلي فرض صحته فهو يدل علي أن الإنسان كلما عرف نفسه بالإمكان والنقصان، عرف ربه بالوجوب والكمال، فهو يدعو الي تركيز النظر علي محدودية النفس ومحاسبتها ومكافحة العجب والغرور، ولا يدل علي أن معرفة النفس طريق معرفة الله تعالي. بينما يريدون له أن يكون منهجاً للمعرفة، وأن الإنسان يصل به الي مقامات ودرجات كدرجات الأولياء والأنبياء صلوات الله عليهم! لأن الإنسان كما يدعون موضع تجلي الله تعالي وخليفته في أرضه..الخ. وهم بذلك ينفخون في ذاتيته ويوهمونه أنه ولي كبير لله تعالي، أو إلهٌ صغير! وهذا نقيض معني الحديث! 4- لو سلمنا أن مقولة معرفة الله تعالي عن طريق معرفة النفس، صحيحة وقطعية، لكن الكلام فيما يحدث عندما ندعو اليها الناس! إن الذي حدث وسيحدث أنك تقدم لعوام الناس ومتعلميهم باسم الدين، دعوةً مبهمةً الي معرفة الله تعالي عن طريق معرفة أنفسهم والتأمل فيها، وسرعان ما يجدوا فيها مشروعاً لتحقيق الذات وتضخيمها وادعاء صاحبها أنه بالإستغراق في نفسه سيملك طاقات عظيمة، ويبلغ مقامات خيالية! كما تري في نماذجهم مع الاسف! جاءني مجموعة شباب وكهول قالوا إنهم من (أهل السلوك والعرفان) ومن عاشقي الإمام المهدي عليه السلام الذين يأملون بالفوز بلقائه روحي فداه، وأن يكونوا من أصحابه الخاصين! فسألتهم عن دراستهم فأخذ يجيبني شيخهم بأنه درَّسهم عدداً من كتب العرفان لفلان وفلان، ومطالب من كتب ابن عربي! وتعمدت أن أسمع منهم فسمعت كلام عوام متحفزين لتحقيق ذواتهم بهذا الحزب الجديد الذي دلهم عليه شيخهم! وقدَّرت أنهم أقرب الي المقاتلين والحرامية منهم الي المتدينين! لكن(شيخهم)لم يسمح لي أن أواصل الإستماع اليهم،فطرح مطلبه مني أن أعطيهم برنامجاً لمعرفة الإمام المهدي عليه السلام بالنورانية، حيث أكملوا معرفته بالولاية وبالطريقة الفلانية والفلانية، ووصلوا الي معرفة الإمام عليه السلام بالنورانية، فهم يريدون أن يروه صلوات الله عليه بالتجلي النوراني! فأجبتهم: لا بأس، لكن أول البرنامج أن تمضي عليكم ستة أشهر لاتتركوا فيها واجباً ولا ترتكبوا فيها حراماً في عمل ولا قول، وأن تتورعوا عن كل ما لا يليق بالأخيار! وشرحت لهم خطأ أن يكون هدف الإنسان من العرفان مشاهدة منامات وعلامات وآيات عن المقام الذي وصل اليه،أو اللقاء بأولياء الله العظماء كالإمام المهدي أرواحنا فداه، فإن صاحب هذه النية يعمل للدنيا وليس لله تعالي! طبعاً لم يرتاحوا مني! ولا أقول إنهم ضحايا دعوة العرفان عن طريق معرفة النفس، بل ضحايا أنفسهم الأمارة، وقد وجدوا في هذه الدعوة خصوبة لهواهم فتلبسوها! عندما أقول لرجل أو امرأة: إنك تستطيع أن تكون من أهل السلوك والعرفان، ولا يكلفك ذلك إلا أن تعرف نفسك وتتأمل فيها فتُفَجِّر بذلك طاقاتها العظيمة! فعليَّ أن أدرك الي أين دفعت هذا الشخص! إن حب الذات أقوي غرائز الإنسان، واعتقاده بحصول العرفان ومقاماته بدون تحديد الوسائل والأهداف، يجعله أمام خطر عبادة الذات وتعظيمها، فيتخيل أنه وصل إلي الله تعالي وصار صاحب أسرار إلهية! ويزين له الشيطان عالماً من نسج خياله، ويدفعه الي الإدعاءات الباطلة، أعاذنا الله وجميع المؤمنين. أمَا كان الأحري بدل ذلك أن توجهه الي العمل، وترك المحرمات وأداء الواجبات، وأن يدقق في مكسبه ومأكله ومشربه هل هو حلالٌ زكيّ أم خبيثٌ رديّ؟ وفي سلوكه مع من هم تحت يده، هل هو لهم أبٌ رفيق، أو أخٌ شفيق، أم عليهم كالسبع الضاري؟! وفي عقائده بربه عز وجل ونبيه صلي الله عليه وآله وما أنزل الله عليه، وأئمته عليهم السلام وسيرتهم ومناقبهم. وإيمانه بآخرته ويقينه بها، ومعايشته لعوالم عقيدته وأجوائها؟! ونظرته الي لناس ورحمته لهم عامة، وحبه لمن كان له في رسول الله وآله صلي الله عليه وآله نصيب. وعمله لخدمتهم..الخ. ومن جهة أخري، تنطوي دعوة الناس لمعرفة الله عن طريق التأمل بالنفس، علي خطر أن تصير أداةً لتعذيب الذات وسوء ظن الإنسان بنفسه والناس، ثم تتحول حالة تعذيب الذات عند صاحبها أداة لقمع الآخرين وتعذيبهم باسم العرفان وتزكية النفس! وبإمكانك أن تجد في مدعي الإشتغال بالعرفان وتزكية النفس نماذج من القساة الذين يشتمون الناس في مواعظهم، وكأنهم يثأرون منهم! وفي كلتا الحالتين حالة تعظيم النفس وحالة تعذيبها، يتضمن هذا السلوك خطورة أن ينسي أصحابه أولوية تطبيق أحكام الشريعة! وينسي التعرف علي طريقة أهل البيت عليهم السلام في معرفة الله تعالي. 5- من الأدلة الواضحة علي أن دعوتهم عائمة مبهمة، أنها تتسع للضد والنقيض في الأساليب والأهداف والقدوات! فبعض دعوات معرفة الله عن طريق معرفة النفس تتبني العزلة والرهبنة، وبعضها يتبني إصلاح النفس والمجتمع والعمل لتسلم السلطة، وبعضها يدعو إلي التقيد بأحكام الشريعة حسب هذا المذهب أو ذاك، وبعضها يدعو إلي تقليد الأستاذ شيخ الطريقة أو أستاذ الأخلاق، ويدعي له أنه متعمق في العرفان متصلٌ بالله تعالي فيُلهم العقائد والأحكام ولا يحتاج إلي شريعة! وبعضهم لايحتاج الي نبوة! وبعض الدعوات تجعل قدوتها بعض الصحابة أو الأولياء الذين لم يجعلهم الله ولا رسوله صلي الله عليه وآله قدوة! وبعضهم يجعل قدوته عرفاء ومتصوفة غير مسلمين.. إلي آخر أنواعهم. ولهذا، لو قلنا لإنسان إعرف الله تعالي عن طريق معرفة نفسك، فمن حقه أن يسألنا: كيف؟ بجهادها زتعذيبها؟أو بتعظيمها ونفخها؟ أما عندما نقول له: إقتدِ بأستاذك حتي تصل الي الله تعالي ثم تصير أنت أستاذاً! فنحن ندعوه الي معرفة الله تعالي بطاعة شخص والتحزب له، وما أيسر أن يدخل الشيطان في هذا الحزب! 5- لاشك أن النظر في ملكوت السماوات والأرض، أي فيما يمكن للإنسان فهمه من خلقهما وقوانيهما ويأخذ العبرة منه، أمرٌ محبوب شرعاً، يؤثر زيادة الإيمان بالله تعالي ومعرفته. قال تعالي: أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَئٍْ وَأَنْ عَسَي أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ. (الاعراف:185)، لكن لم أجد سنداً للحديث الذي ذكره رحمه الله:"المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين"، وأستبعد أن يكون حديثاً أصلاً! ثم إن نفس الإنسان جزءٌ من الملكوت والآفاق لاقسيمها ولا مقابلها، فلماذا لايكون مقابل معرفة الله بالنفس معرفة الله بالله تعالي، أو معرفته بأنبيائه وأوليائه، وآياته الأخري، فلا وجه لحصر المقابلة بالتأمل بالآفاق. وإذا شملت المعرفة بالسير الآفاقي معرفة الله بالله تعالي وبأوليائه عليهم السلام، فلا يصح تفضيل معرفته عن طريق النفس عليها؟! 6- ما دامت معرفة النفس طريقاً إلي عبادة الله، وما دامت عبادته عز وجل غاية الخلق وطريق التكامل الوحيد، ولا تحصل إلا بطاعته وطاعة رسوله صلي الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام. فالدعوة الي تطبيق الشريعة مقدم رتبةً علي التأمل في النفس،وكذلك الإقتداء بالنبي وآله صلي الله عليه وآله، فلا بد في الدعوة إلي العرفان من دعوة المسلم الي إطاعة الأحكام الشرعية حسب فتوي مرجع تقليده، وأن يتخذ من النبي وآله صلي الله عليه وعليهم قدوة وأئمة في المسلك والسلوك. ولذا أجاب أحد الفقهاء الكبار شخصاً سأله: ما هو العرفان وكيف يكون الإنسان عارفاً؟ فقال: هذه الأحكام الشرعية التي تطبقها يومياً فتصلي وتصوم وتقوم بالواجبات وبعض المستحبات، وتترك المحرمات، هي العرفان، وأنت بسلوكك هذا تمارس المعرفة. هذا، وقد بينا عقيدة أهل البيت عليهم السلام في الله تعالي مقارنة بعقائد الآخرين البائسة، في كتاب الوهابية والتوحيد، وكتاب ألف سؤال وإشكال علي المخالفين لأهل البيت الطاهرين عليهم السلام وكتاب الإنتصار. وبحثنا بعض مسائل الموضوع في المجلد الأول من العقائد الإسلامية، وناقشنا بعض أتباع هذا الإتجاه في شبكات النت: العقائد الإسلامية ج:1 http://www.alameli.org/Library/Aqaed1/index.asp موضوع: من المشكل أن ندعو الناس الي معرفة الله عن طريق معرفة النفس: http://www.hajr.us/forum/showthread.php?s=22233404fb16e0b10533de604bc444f4 رحمه الله t=402779407 معني قول أمير المؤمنين عليه السلام: من عرف نفسه فقد عرف ربه: http://www.hajr.us/forum/showthread.php?s=22233404fb16e0b10533de604bc444f4 رحمه الله t=402780094 رحمه الله highlight=%DD%DE%CF قدس سره %DA%D1%DD قدس سره %E4%DD%D3%E5

ولكني وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك

قال أمير المؤمنين عليه السلام في مناجاته: إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك، ولا رغبةً في ثوابك، ولكني وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك). وقد روته مصادرنا وشرحه علماؤنا، قال ابن ميثم البحراني رحمه الله في شرح مائة كلمة لأمير المؤمنين عليه السلام /219:(قد حَذَفَ كلَّ ما سوي الحق تعالي عن درجة الإعتبار ولم يلحظ معه غيره، وذلك هو الوصول التام).ونسبه السيد الخوئي قدس سره بنحو الجزم،فقال في البيان/477: (قال أمير المؤمنين وسيد الموحدين صلوات الله عليه: ما عبدتك خوفاً من نارك..الخ.).فلا عبرة بمن نسبه الي رابعة العدوية، المتأخرة عن عصر علي عليه السلام قرناً ونصفاً، حيث توفيت سنة180.(سير الذهبي:8/243) وقد أخطأ بعضهم في فهم معني حديث أمير المؤمنين عليه السلام، فتصور أنه عليه السلام ينفي أن يكون عنده خوفٌ من عذاب الله تعالي، أو طمعٌ في جنته، مع أنه لا ينفي ذلك، بل يقول إنه يوجد معهما دافع أقوي منهما في شخصيته عليه السلام هو أن الله سبحانه أهل للعبادة، وأن هذا الدافع أقوي المحركات في نفسه. وتوضيحه: أن الذي يريد الصلاة مثلاً، يوجد عنده عادةً أحد ثلاثة دوافع لها: دافعُ الخوف من عذاب الله، والطمع في ثوابه، أو دافعُ الرياء. ويوجد عند أفراد نادرين دافعٌ رابع، هو أنه يحب ربه ويراه أهلاً لأن يصلي له. والحرام هو الصلاة رياء للناس، والمقبول أن يصلي لله تعالي، بأي دافع يرجع اليه، كامتثال أمره أو طلب رزقه أو جنته أو حباً له.. الخ. وعندما يتحرك الإنسان للعمل بأحد هذه الدوافع فليس معناه عدم وجود الدوافع الأخري، بل معناه أن أحدها كان فعالاً، والباقي موجود مساعد أو غير فعال. قال الشهيد الثاني قدس سره في روض الجنان/27:(ويجب في الوضوء النية وهي لغة مطلق العزم والإرادة...وغاية الجميع التقرب إلي الله تعالي، بمعني موافقة إرادته أو طلب الرفعة عنده تعالي، بواسطة نيل الثواب تشبيهاً بالقرب المكاني، وكلتاهما محصلة للإمتثال مخرجة عن العهدة، وإن كان بين المنزلتين بعد المشرقين. وفي حكم الثانية الخوف من العقاب. وإلي الأولي أشار أمير المؤمنين علي عليه السلام بقوله: ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك). والنتيجة: أن عمله عليه السلام بدافع حب الله تعالي واستحقاقه للعبادة، عملٌ بدافع فوق خوف العذاب وطمع الثواب، ولا ينفي وجود الخوف والرجاء في نفسه بأعلي درجاتهما، وإن لم يتحرك بهما.

نقد بعض المثقفين نية التقرب الي الله تعالي

ما الذي لا يعجب المثقفين المتغربين من اشتراط الإسلام في عمل الإنسان نية التقرب الي الله تعالي، ويقبل أن يكون التقرب طمعاً في جنته، وخوفاً من عقابه؟ يقولون: إن الموعودات الإسلامية في القرآن والسنة، تجعل عمل الخير تجارياً، خوفاً من السوط وعذاب النار، أو طمعاً في الجنة وقصورها وحورها. بينما العقل يقول: إعمل الخير لأنه خير، لأنه يرضي ذاتك ويحقق إنسانيتك، فهذا مستوي أعلي من تجارة المتدينين السوقية! وهو كلام ظاهره حسن، لكنه في التحليل خاطئ لأنه طوبائي غير عملي، فهو يجعل الدافع للعمل تحقيق الذات الدنيوية، والدنيا لاتتسع لتحقيق ذوات الناس ورغباتهم وطموحاتهم فيقع بينها التعارض والتضارب لا محالة، لأنه كثيراً ما يكون تحقيق الذات بالإضرار بالآخرين ومنعهم من تحقيق ذواتهم. وها نحن نري أن تحقيق الذات بالإضرار بالآخرين حالة سائدة في مجتمعات العالم ومنها المجتمعات الغربية! وبسببها يكثر في الناس الشر ويقل الخير. إنه لا حلَّ لهذا التضارب إلا بتطوير مفهوم حب الذات، وتوسيع حقل تحقيقها ليشمل الآخرة، وهذا ما يفعله الدين فيجعل عمل الخير والإيثار تحقيقاً للذات في الآخرة الخالدة. إن نية القربة التي تتسع لخوف العقاب والطمع بالجزاء، دعوةٌ الي تحقيق الذات في الآخرة، وهو أمرٌ مقدس خال من صراعات الدنيا. إن غريزة حب الذات في الإنسان أقوي الغرائز، ولا يمكن إزالتها ولا حل إلا تطويرها ووضع قانون التعويض والجزاء في مستقبل الإنسان في حياته الثانية، وبدون ذلك لايمكن تحريكه لعمل الخير ولا منعه من عمل الشر. قد يقال: إن فطرة الإنسان وعقله تكفيان لدفعه الي الخير ومنعه من الشر. والجواب: أنه لا يمكن المراهنة علي ذلك وإقامة مجتمع عليه، خاصة وأن نوازع الشر بقدر نوازع الخير: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. وما دام الدافع الذاتي غير مضمون فلا بد من دافع مضمون يعود علي صاحبه بالنفع من عمل الخير للآخرين وكف شره عنهم، وهذا هو قانون الجزاء الإسلامي بالثواب والعقاب. ثم، إن منتقدي الحالة التجارية في عمل الخير، يدَّعون أنهم يعيشون مشاعر السمو الإنساني، ويقولون إنا إنسانيون نعمل الخير بدافع تحقيق ذاتنا وإنسانيتنا، ولا نريد عليه جزاءً ولا شكوراً، لا من الناس ولا من الله تعالي! فهل هم كذلك واقعاً، أم هي لقلقة لسان، كمدعي العرفان؟ ولو سلمنا وجود هذا الدافع (الإنساني)فيهم، فهل يُضمن بقاؤه في كل الحالات؟ ولو سلمنا بقاءه، فهل المجتمع الذي يراد دفعه الي الخير كله مثلهم؟! ثم، أليس تحقيق ذاتهم الإنسانية وإرضاءها جزاءً معنوياً، يشبه الجزاء الديني؟ إن الإسلام دينٌ عملي واقعي، فكما أنه لا يترك الدعوة لعمل الخير للدوافع المثالية غير المضمونة! كذلك لا يتخوف من تعبير التجارة والربح والخسارة، فكل حياة الإنسان وأعماله مبنيةٌ علي حساب الربح لوجوده والخسارة! لذلك جاء نداء الله تعالي لعباده المؤمنين، بواقعية ووضوح: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَي تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَأُخْرَي تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين. (سورة الصف:10-13) ويقول عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ. لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ. (سورة فاطر:29-30). تم، والحمد لله رب العالمين.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.