مصباح الهداية في إثبات الولاية

اشارة

سرشناسه : بهبهاني، علي، ۱۲۶۴ - ۱۳۵۳.
عنوان و نام پديدآور : مصباح الهدايه في اثبات الولايه/تاليف علي الموسوي البهبهاني.
مشخصات نشر : تهران: رهنمون، ۱۳۸۵.
مشخصات ظاهري : ۳۸۹ ص.
شابك : :۴۰۰۰۰ ريال‌964-2701-00-6
يادداشت : فيپا
يادداشت : متن احاديث از "غايه المرام" نقل گرديده است.
يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس.
عنوان ديگر : غايه المرام و حجه الخصام: في تعيين الامام من طريق الخاص و العام.
موضوع : علي‌بن ابي طالب (ع)، امام اول، ۲۳ قبل از هجرت - ۴۰ق.-- اثبات خلافت.
موضوع : اربعينات -- قرن ۱۴.
موضوع : امامت -- احاديث.
موضوع : ولايت -- احاديث.
موضوع : احاديث شيعه -- قرن ۱۴.
شناسه افزوده : بحراني، هاشم‌بن سليمان، - ۱۱۰۷؟ق. غايه المرام و حجه الخصام: في تعيين الامام من طريق الخاص و العام.
رده بندي كنگره : BP۱۴۳/۹/ب۸۷م۶ ۱۳۸۵
رده بندي ديويي : ۲۹۷/۲۱۸
شماره كتابشناسي ملي : م۸۵-۲۸۴۹۱

ترجمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم مؤلف هذا الكتاب الثمين أحد الفقهاء المبرزين، صاحب النظرات والمباني العلمية الخاصة والمؤلفات القيمة النافعة في الأدب والفقه والأصول والحديث والتفسير والعقائد الإسلامية وغيرها من العلوم الدينية. اسمه واسم أبيه وجده علي بن محمد بن علي أبوه: السيد محمد البهبهاني كان من علماء بهبهان رحمه الله تعالي ولادته: ولد في سنة 1303 أو 1304 في مدينة بهبهان. مدة تحصيله ومكانه: إلي سنة 1322 كان ببهبهان، تلقي فيه مقدمات العلوم ودراسة السطوح وإلي سنة 1328 بالنجف علي مشرفه السلام، تزود من فطاحل تلك الحوزة علما وخبرة وأصبح من ذوي الرأي والنظر. [ صفحه 4] مشايخه ببهبهان: 1 - السيد محمد شاه - ناظم الشريعة - البهبهاني المتوفي 1370 ق. هو من تلاميذ الآخوند الخراساني صاحب الكفاية، والسيد الطباطبائي صاحب العروة والشيخ هادي الطهراني صاحب المحجة. وله إجازة من صاحب الكفاية دالة علي فضله [1] 2 - الشيخ الميرزا حسن البهبهاني المتوفي بعد سنة 1320 ابن الشيخ المولي حسين البهبهاني. كان أبوه تلمذ علي الشيخ الأنصاري رضوان الله تعالي عليه بالنجف زمنا طويلا ثم عاد إلي وطنه فقام بالوظائف الشرعية أحسن قيام فكان من المراجع للأمور، مع ورع ودين وتقوي وقدس. توفي حدود 1298. [2] وأما الشيخ الميرزا حسن فإنه قرأ الفقه والأصول علي والده العلامة وعلي العالم الجليل السيد المير محمد صالح بن الأمير علي نقي البهبهاني، ولما توفي والده قام هو مقامه بالوظائف الشرعية وكان حسن السيرة طيب السريرة. [3] والسيد محمد صالح هذا كان من تلاميذ الشيخ الأنصاري رضوان الله تعالي عليه وغيره من الفحول في النجف، وقد عاد إلي بهبهان بعد أن بلغ درجة سامية في العلم والعمل، وصار من الفقهاء الأفاضل والعلماء الأجلاء فانثنت له الوسادة وقام بوظائف الشرع الشريف من التدريس والإمامة وفصل القضاء، وكان له في ترويج الدين ونشر الأحكام بين الأنام أياد بيضاء تستحق التقدير والثناء إلي أن توفي حدود سنة 1309. وله تلامذة [ صفحه 5] أعلام منهم الفقيهان الفاضلان الميرزا حسن [وأستاذ السيد علي البهبهاني] والمولي محمد تقي بن محمد كاظم البهبهاني [4] وغيرهما. [5] 3 - الشيخ عبد الرسول البهبهاني " ره ". لم يذكر هذا الأستاذ في كتب التراجم التي بأيدينا، وكفي له فضلا تتلمذ سيدنا البهبهاني عليه. مشايخه بالنجف: 4 - الشيخ محمد كاظم الخراساني المتوفي 1329 صاحب الآثار الكثيرة. طبع منها: ألف: كفاية الأصول. ب: الحاشية علي فرائد الأصول للشيخ الأنصاري. ت: فوائد الأصول. ث: الحاشية علي المكاسب للشيخ الأنصاري. ج: تكملة التبصرة للعلامة الحلي. ح: اللمعات النيرة في شرح تكملة التبصرة. خ: كتاب الوقف. [ صفحه 6] د: كتاب الرضاع. ذ: كتاب الدماء الثلاثة. ر: كتيبات أخري في الطلاق والعدالة والرهن طبعت هذه الستة (من ج - إلي - ر) ببغداد وسماها الناشر بالقطرات... والشذرات. ز: روح الحياة في تلخيص نجاة العباد. س: ذخيرة العباد (رسالة عملية فارسية). [6] 5 - السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي المتوفي 1337. له مصنفات قيمة طبع منها: ألف: العروة الوثقي وملحقاتها. ب: الحاشية علي المكاسب للشيخ الأنصاري. ج: السؤال والجواب. د: الصحيفة الكاظمية. ه: بستان نياز وگلستان راز. و: الكلم الجامعة والحكم النافعة. ز: التعادل والتراجيح. ح: اجتماع الأمر والنهي. ط: رسالة في حكم الظن في الصلاة وبيان كيفية صلاة الاحتياط. ي: رسالة في منجزات المريض. ك: الحاشية علي تبصرة المتعلمين. ل: وعدة أخري من الحواشي علي الرسائل العملية. [7] . [ صفحه 7] 6 - السيد محسن الكوهكمري بن السيد محمد تقي من أجلة تلامذة الشيخ هادي الطهراني، كما أن سيدنا البهبهاني من أجلة تلامذة السيد محسن " ره " هذا، وكان يقول: أكثر تتلمذي عليه. وللسيد الكوهكمري تأليفات ثمينة: 1 - رسالة الخمس: قال العلامة الطهراني " ره " في الذريعة: رسالة الخمس للسيد محسن ابن السيد محمد تقي الكوهكمري نزيل النجف. كان من وجوه تلامذة العلامة الحاج الشيخ هادي الطهراني النجفي [المتوفي 1321] وصار من المدرسين بعد فوت أستاذه، لكنه لم يطل أيامه. رأيت نسخة منه بخط الشيخ شير محمد بن صفر علي الهمداني، فرغ من كتابتها 1338 في النجف [8] وقال سيدنا البهبهاني في ذيل الحديث السادس عشر من " مصباح الهداية " - الكتاب الذي بين يديك - بعد بيان تفسير آية الخمس: واعلم أن هذه الآية الشريفة مع وجازتها يستفاد منها أغلب أحكام الخمس، بل جميعها، وقد صنف سيدنا الأستاذ العلامة أعلي الله مقامه في تفسير الآية الشريفة رسالة مستقلة، وبين فيها كيفية استخراج أغلب أحكامه منها، وهذه الرسالة من أنفس الرسائل، إلا أنها بقيت غير مهذبة. [9] . [ صفحه 8] وفي مكتبة الأستاذ المحقق آية الله الحاج السيد موسي الشبيري الزنجاني دام ظله توجد نسخة من رسالة الخمس للسيد محسن بن محمد تقي في شرح صحيحة ابن مهزيار [10] . ولعلها غير الرسالة الشارحة للآية الشريفة. 2 - رسالة في الإمامة. قال في الذريعة: الإمامة للسيد محسن بن محمد تقي الكوهكمري النجفي المعاصر من أجلة تلاميذ الحجة الشيخ هادي الطهراني والمتوفي بعده بسنين قلائل. فارسي مرتب علي مقامات ثمانية. رأيته بخط الشيخ شير محمد الهمداني، تاريخ كتابته سنة 1338. [11] وتوجد نسخة منه في مكتبة أستاذنا الزنجاني دام ظله [12] 3 - الإحكام في شرح حديث أبي الأسود الدؤلي. توجد نسخة منه في تلك المكتبة أيضا. [13] 4 - رسالة في المشتق (لعلها منه " ره ").توجد نسخه منها فيها أيضا [14] . 5 - المواعظ. فارسي.توجد نسخه منه فيها أيضا [15] . رجوعه إلي إيران: بعد سعت سنين من المكوث في النجف الأشرف والاستفاضة من هؤلاء الأساتذة العظام قفل راجعا سنة 1328 إلي مسقط رأسه ببهبهان [ صفحه 9] فاشتغل فيها بالتدريس والإفاضة. وبعد زواجه رجع مرة أخري إلي النجف الأشرف وأخذ يدرس هناك، ولكن لأجل عدم مساعدة المزاج والابتلاء ببعض الأمراض لم يلبث إلا سنة واحدة وعاد مرة أخري إلي بهبهان مشتغلا بالتدريس وأمور الناس الشرعية، وكان فيه إلي سنة 1338 ق. وفي تلك السنة بدعوة جماعة من أفاضل درس أستاذه المرحوم آية الله السيد محسن الكوهكمري هاجر مرة ثالثة إلي النجف الأشرف، وهيأ أسباب التوقف هناك، ورجع إلي بهبهان ليحمل عائلته معه، ولكن مرض زوجته في المسير - في رامهرمز - أوجب التوقف هناك عدة أشهر، ثم بدعوة المؤمنين وإصرارهم ولعلة أو علل أخري، عزم علي المكث في رامهرمز - العبد يدبر والله يقدر - وطال هذا المكث إلي سنة 1362، وكان فيه مدرسا ومرجعا للناس في أمر دينهم وأحكامهم الشرعية. وفي سنة 1362 لأجل زيارة الأئمة الطاهرين عليهم السلام سافر إلي العتبات المقدسة، وبطلب بعض أعاظم علماء كربلاء أقام فيها سنتين أخذ بتدريس خارج الفقه والأصول، وبعدها هاجر إلي النجف الأشرف وبقي فيه سنة وعدة شهور يدرس الفقه الاستدلالي - خارج الفقه - وفي سنة 1365 أرسل من رامهرمز رسائل متعددة إليه وإلي آية الله العظمي الإصبهاني - المرجع العام للشيعة الإمامية في ذاك الزمن - طلبوا فيها أن يرجع السيد إلي مدينة رامهرمز. وعلي أساس ذلك طلب السيد الإصبهاني " ره " منه أن لا يرد طلبهم، ولذا عاد سماحته إلي رامهرمز وبقي فيه إلي سنة 1370. وفي تلك السنة هاجر إلي الأهواز وضمن تشكيل الحوزة العلمية أخذ يدرس الفقه والأصول. [ صفحه 10] ومن سنة 1386 رما بعدها إلي آخر عمره الشريف بدعوة بعض علماء إصبهان اختار الإقامة ستة أشهر من السنة في إصبهان وستة اشهر (أيام الخريف والشتاء) في الأهواز وكان في الأهواز وإصبهان من المراجع لأمور دين الناس، وكان كثير من أهالي تلك الديار وغيرها مقلدين له في أحكامهم الشرعية ووظائفهم. تلامذته: ومن سنة 1328 ق إلي 1395 ق. في كل هذه السنوات وكل هذه البلاد والحوزات تتلمذ عليه واستفاد من إفاداته وتدريسه عدة كثيرة من الطلاب والفضلاء والعلماء نذكر هنا بعضا من مشاهيرهم وأفاضلهم: 1 - السيد فرج الله المصطفوي البهبهاني صاحب التأليفات، منها رسالة في قاعدة لا ضرر. تلمذ عليه في بهبهان [16] 2 - الشيخ الدكتور جواد تارا (1274 - 1352 ش) تلمذ عليه بالنجف بعد رجوع الأستاذ من إيران إلي النجف ثانيا. هو أيضا تلمذ علي الشيخ علي أصغر الخطائي من أجلة تلاميذ الشيخ هادي الطهراني. وله (أي الأستاذ تارا) مؤلفات كثيرة مطبوعة، منها: 1 - رشد حكمت در اسلام. 2 - آسايش زندگي يا تدبير منزل. 3 - اجتهاد در مسلك أصولي واخباري. [ صفحه 11] 4 - دائرة المعارف العلوية حول الكلمات القصار للإمام أمير المؤمنين عليه السلام. 5 - علم كلام جديد يا چهار مقاله. وغيرها. [17] 3 - الشيخ محمد رضا الجرقويي الإصفهاني الحائري المتوفي 1393. تلمذ عليه بكربلاء المقدسة. وهو من أعلام كربلاء وله تأليفات: منها إزالة الريبة عن حكم صلاة الجمعة في زمن الغيبة. وتنبيه الغافلين عن معرفة رب العالمين. [18] 4 - السيد علي العلامة الفاني الإصبهاني كان " ره " من مراجع الشيعة الإمامية وله آثار علمية كثيرة، مطبوعة وغير مطبوعة. [19] كان تتلمذه عليه بالنجف بعد رحلة الأستاذ من كربلاء إلي النجف، وكان السيد الفاني " ره " قد هاجر سنة 1362 بعد وفاة أستاذه السيد علي النجف آبادي إلي النجف. تلمذ علي المؤلف في الأهواز وإصبهان عدة كثيرة، منهم: 5 - السيد محمد رضا الشفيعي الدزفولي (1327 - 1385) صاحب المصنفات العديدة، منها مفتاح الهداية في ترجمة مصباح الهداية لأستاذه. 6 - السيد إسماعيل بن السيد أحمد المرعشي صاحب التأليفات، منها [ صفحه 12] شرح الأربعين حديثا. [20] 7 - السيد محمد بن السيد نعمة الله الجزائري - سلمه الله - مؤلف الكتاب القيم " نابغة فقه وحديث " في ترجمة جده الأمجد السيد الجزائري صاحب الأنوار النعمانية. 8 - السيد علي الشفيعي. له تقريرات درس أستاذه. [21] 9 - الشيخ ناصر الحمادي مؤلف كتاب صفايا العقول في علم الأصول. [22] 10 - السيد إسماعيل الهاشمي. تلمذ عليه بإصبهان وله تأليفات، منها الدرة البيضاء في مناقب سيدة النساء عليها السلام. 11 - صهره السيد محمد كاظم الموسوي من علماء رامهرمز ثم الأهواز. 12 - نجله السيد عبد الله مجتهد زاده وكان هو أحسن معين للوالد في جميع أموره إلي آخر عمره الشريف المبارك ومات بعد والده رحمة الله عليهما. 13 - نجله الآخر السيد محمد جعفر مجتهد زاده صاحب التأليفات، منها الكشكول في خمس مجلدات والمتوفي سنة 1394 في زمان حياة والده. 14 - نجله الأخير السيد محمد تقي مجتهد زاده، المتوفي سنة 1386 في ريعان شبابه. [ صفحه 13] المجازون منه [23] 1 - الأستاذ الشيخ علي الدواني صاحب التأليفات القيمة، وهو كان مورد عناية السيد قدس سره طول ثلاثين سنة، وسعيه - سلمه الله - في تعريف السيد وآثاره للحوزات العلمية، مشكور جدا. 2 - السيد محمد علي الروضاتي، مؤلف الآثار الكثيرة كجامع الأنساب والحواشي علي روضات جده قدس سره وغيرهما دامت إفاداته. 3 - السيد عباس الحسيني الكاشاني - سلمه الله - مصنف الكتب المتعددة المطبوعة وغير مطبوعة. 4 - الشيخ أبو الحسن الأنصاري الدزفولي من أسباط الشيخ الأنصاري وأحد أعلام الأهواز. 5 - السيد محمد رضا الشفيعي المتوفي 1384 الذي مر ذكره في تلاميذ السيد " قدس سره ". 6 - السيد علي بن السيد محمد رضا الشفيعي سلمه الله الذي مر ذكره أيضا في تلاميذ السيد " قدس سره ". تأليفاته: 1 - الاشتقاق أو كشف الأستار عن وجه الأسرار، المودعة في الرواية الشريفة المسندة إلي باب مدينة العلم المنقولة عن أبي الأسود الدؤلي في أصول العربية. طبع سنة 381 بطهران (171 صفحة). [ صفحه 14] ويشتمل علي مقامات ثلاثة: الأول في تفسير مفردات الرواية. والثاني في بيان المراد من مركباتها وأنها مساوية للمحدود، وأوفي وأتم من جميع تعاريف أهل العربية. والثالث في بيان الأمور المستفادة منها. 2 - مقالات حول مباحث الألفاظ من أصول الفقه. طبع بطهران (192 صفحة) 3 - أساس النحو. رسالة موجزة في النحو. 4 - شرح أساس النحو. وهو كتاب استدلالي بديع، طبع مع متنه سنة 1385 بطهران. (223 صفحة). 5 - الفوائد العلية الشاملة للقواعد الكلية مما يبتني عليه كثير من معضلات مسائل الفقه والأصول (72 فائدة). طبع في مجلدين سنة 1373 و 1380، وطبع ثانيا سنة 1405 بقم في مجلد (502 صفحة). 6 - الفائق - أو التوحيد الفائق في معرفة الخالق -. رسالة وجيزة في إثبات توحيد الباري تعالي. شاملة لست مراحل: الأولي في إثبات حدوث العالم وبطلان أزليته. والثانية في أنه لا بد له من صانع ومدبر واجب بذاته. والثالثة: في أن الصانع تعالي شأنه لا يتطرق فيه النقص. والرابعة في أن صفاته تعالي شأنه عين ذاته. والخامسة في توحيده. [ صفحه 15] والسادسة في أن وجوده تعالي شأنه ليس مشتركا مع وجود الممكنات. طبع أولا في (26 صفحه) سنة 1384 في خرم آباد. [24] طبع بطهران ضميمة كتاب التوحيد للشيخ هادي الطهراني " ره " (20 صفحة). 7 - چهل پرسش پيرامون موضوعات اعتقادي وپاسخ آنها. (128 صفحه). طبعت هذه الرسالة أولا بعنوان " فوائد هشتگانه " ثم بعنوان " بيست پرسش وپاسخ آن " ثم ثالثا شاملة للثلاثين، ورابعا شاملة للأربعين. وهذه الطبعات الأربعة كلها كانت باهتمام الأستاذ الشيخ علي الدواني - سلمه الله -. 8 - الحاشية علي توضيح المسائل لآية الله العظمي البروجردي. مطبوع. 9 - الحاشية علي وسيلة النجاة لآية الله العظمي الإصبهاني. طبع بطهران في هامش الوسيلة. 10 - الحاشية علي العروة الوثقي لآية الله العظمي الطباطبائي اليزدي. طبعت بقم. 11 - جامع المسائل وهو أكبر وأشمل من توضيح المسائل. طبع مرات. 12 - رسالة عملية أخري. مطبوعة. 13 - هداية الحاج في مناسك الحج. طبعت مرات. 14 - مصباح الهداية في إثبات الولاية. وسنرجع إليه. [ صفحه 16] آثاره المباركة الخالدة 1 - بناء المساجد الكثيرة في مختلف البلاد (الأهواز - ياسوج - كوه كيلويه وبوير احمد - إصبهان). 2 - بناء المدرسة العلمية في ياسوج. 3 - بناء مؤسسة دار التبليغ في الأهواز. 4 - بناء مستشفي - درمانگاه - في إصبهان. 5 - وأحسنها وأنفعها إن شاء الله مدرسة دار العلم في الأهواز ومكتبته العامرة التي يشرف عليها اليوم حفيده الموفق السيد نور الدين بن السيد عبد الله مجتهد زاده. [25] مكانته العلمية وأخلاقه المرضية إنه رحمه الله بحق كان من فقهاء الطراز الأول، ومن المراجع، والكل يعترف بذلك. كان متبحرا في العلوم المتداولة كاللغة والصرف والنحو وعلوم البلاغة والكلام والتفسير والفقه والأصول وغيرها. وأن سماحته كأستاذه السيد محسن الكوهكمري وأستاذ أستاذه العلامة الشيخ هادي الطهراني كان صاحب بعض المباني العلمية الخاص، وتأليفاته التي ذكرناها حاكية عن صدق هذا الادعاء. وكان رحمه الله بالإضافة - إلي مكانته العلمية زاهدا ورعا تقيا يعيش حياة ساذجة سليمة من التعقيد، وكان يتواضع إلي أبعد حدود التواضع. كان في النجف الأشرف إذا دخل المدرسة يأتي إليه الطلاب المبتدئون [ صفحه 17] ويعرضون عليه إشكالاتهم، فكان يحلها لهم مع كامل التواضع وفي بعض الأحيان كان هو يطرح عليهم بعض الأسئلة حتي يحركهم للأمور العلمية وإذا لم يحصلوا علي الجواب يأتي لهم بالجواب مع كمال الملاطفة والمحبة وبعبارات واضحة ومفهومة. ومع أنه كرارا منع من الإنس بالطلاب المبتدئين لكنه لم يعبأ بذلك فبقي علي سجيته في عنايته للطلاب المبتدئين. كان لا يتكلم إلا بعد طول أناة وتفكر، كما كان. قليل الكلام، ويفوه في مجالات الرأي والبحث - بقول الحق، وكان يراعي أدب المناظرة مع مناظره مهما كان. وفي الجلسات العامة (أيام الجمع والأعياد) والتي يأتي الناس إليه لزيارته كان يأخذ كتابا كمجموعة ورام بن أبي فراس وغيره من الكتب الأخلاقية والحديث ويقرأ للناس ويترجم لهم والكل يسمعون له وينزه المجلس عن حالة الغفلة والسكوت والغيبة وغيرها. ولم يشاهد عليه ولم يسمع منه بلسان أو حركة أو إشارة أنه اغتاب أحدا وكان يعظم ويحترم ويجلل عملا ولفظا، حضورا وغيابا، العلماء والمراجع. كان زهده وتقواه وبساطته وعدم التكلف والتصنع (التشريفات) المتعارفة آنذاك درسا كبيرا ومؤثرا في حق أولاده نسبا ومعنويا من أب رحيم وأستاذ جامع. كان يهتم بإقامة الصلاة جماعة في الأوقات الثلاثة حتي الصبح وفي السنين الأخيرة كان يقيم صلاة الصبح - في الأهواز - في البيت حيث يجتمع عدة من بعيد وقريب للاقتداء به - وبإصبهان - يقيم صلاة الصبح في مسجد رضوان. [ صفحه 18] كان يقضي أوقات فراغه بتلاوة القرآن وذكر النبي والأئمة الأطهار بالصلاة والسلام. يقوم الليل وقت السحر ويحييه بالعبادة، وكان مقيدا بالنوافل والمستحبات. وعند حضوره مجالس أبي عبد الله عليه السلام كان يبكي بكاء خالصا وكثيرا. وفي كلمة واحدة أقول: قد عجنت في وجوده الأخلاق الكريمة والسجايا الحسنة بصورة ذاتية وطبيعية من دون ذرة من التكلف والتصنع، وكان ممن قيل في حقهم: يذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله. رحمة الله ورضوانه عليه ورزقنا الله تعالي هذه الكرائم والأعمال الخالصة الصالحة. عناية أعلام الأمة به وجود هذه الفضائل في السيد المؤلف رضوان الله تعالي عليه كان يملك قلوب عامة الناس الذين يعاشرونه ويستفيدون منه بل قلوب أعلام الأمة ومراجعها وعلمائها، ولذا كان - رحمه الله - منهم بموضع تجليل وتكريم واحترام. كان بكربلاء المقدسة مورد تكريم شديد لأكبر مرجع ديني آية الله العظمي الحاج آغا حسين القمي الطباطبائي، وبطلب منه أقام في كربلاء لمدة سنتين وأخذ فيها بالتدريس. وكان بالنجف الأشرف مورد تجليل لرئيس الأمة والحوزات العلمية آية الله العظمي السيد أبي الحسن الإصبهاني، وبطلب سماحته أجاب دعوة [ صفحه 19] أهل مدينة رامهرمز للمرة الثانية وتوقف فيها سنين. وكان بإصبهان يعد شيخ العلماء، وعلماء هذا البلد وهذه الحوزة المباركة كل يقر بفضله وقداسته، وكان يقيم الجماعة ظهرا في مسجد الشيخ لطف الله وبعدها في مسجد السيد وبعدها في أعظم مسجد بإصبهان - مسجد الإمام - وجماعته من أعظم الجماعات وأشرفها. وفي مشهد الرضا عليه السلام عند تشرف السيد للزيارة كرمه وجلله أحسن تكريم وتجليل الآية العظمي السيد محمد هادي الميلاني أحد المراجع قدس سره. وفي الحوزة العلمية بقم كان مورد عناية المراجع العظام وبالأخص الإمام الخميني - رضوان الله تعالي عليه - وللسيد " ره " يد بيضاء في حمايته عن الإمام الخميني - رحمة الله عليه ورضوانه - ونهضته. قد دونتها تاريخ النهضة الإسلامية فراجع. (كتاب اسناد انقلاب اسلامي ص 28 و 107 و 126 و 156) ثلمة لا يسدها شئ مات قدس سره في ليلة 18 ذي القعدة الحرام سنة 1395 ق. وترك خلفه سيلا من الدموع والآهات ودفن في دار العلم - المدرسة التي أسسها بنفسه النفيسة - وصار مضجعه مزارا لطلاب العلوم الدينية خصوصا وللمؤمنين عموما. وأقيم بهذه المناسبة مجالس عظيمة في الأهواز وإصبهان وقم وغيرها من قبل مراجع الدين والعلماء وغيرهم تجليلا له وتكريما لمقام العلم والتقوي. وقيل في رثائه: [ صفحه 20] علي والتقي وضعا لمعني إذا لفظاهما مترادفان فقدناه ويا خسران حظ وشكوانا لرب مستعان وأما كتابنا الكريم (مصباح الهداية) فهو من أحسن الكتب في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام. قال السيد صدر الدين الصدر أحد مراجع الشيعة الإمامية ومؤلف كتاب " المهدي " في بيان جلالة هذا الكتاب: قلما يكون أن أقرأ كتابا من أوله إلي آخره، ولكن طالعت " مصباح الهداية " من أوله إلي آخره. [26] وقال بعض علماء السنة والجماعة: لم يؤلف إلي الآن في رد اعتقاد أهل السنة في الإمامة كتاب أمتن وأحسن من " مصباح الهداية ". [27] وقال الشيخ محمد علي الكاظمي - وهو من الفقهاء الأعاظم - حينما أهدي له السيد البهبهاني نسخة من مصباح الهداية - وهو قرأ قسما منه -: ألف السيد كتابا حسنا عميقا. [28] وقال السيد مرتضي الحكمي في مقدمته لمصباح الهداية طبع مصر ونعم ما قال: في هذا الكتاب الفريد حقائق قرآنية لا تقبل الرد أو الانكار، ومأثورات إسلامية قاطعة لا ينابذها إلا متعصب أو مكابر. تنحدر هذه الحقائق من معين الوحي، وتندفق تلك المأثورات من معدن النبوة، تنشر النور وتنشد الهداية، وتلتمس الإيمان وتسير بالأمة إلي الصراط المستقيم وتقربهم إلي الكتاب المبين وتشدهم إلي العترة الميامين. [ صفحه 21] وهما الخليفتان اللتان استخلفهما الرسول صلي الله عليه وآله وسلم حيث قال: إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله... وعترتي أهل بيتي.... وإذا كانت الخلافة الإلهية أمرا منزلا من السماء فلا بد لمن يعتقد هذه الخلافة الإلهية أن يتمثل لذلك بالكتاب المنزل الذي لا ريب فيه وأن يتذرع بالسنة المأثورة التي لا اختلاف فيها ولا إبهام لها كما يشارفنا بذلك هذا الكتاب الذي بين أيدينا، وهو يتابع القرآن في بناء هذه الخلافة ويواكب السنة في إرساء قواعدها ليتبين لرواد الحق من الكتاب والسنة أن الخلفاء من بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم هم العترة الطاهرة سلام الله عليهم وفي طليعتهم قائد الإسلام ورائده علي بن أبي طالب عليه السلام أخو الرسول ووصيه ووزيره وخليفته من بعده. والألمعية العلمية التي برز بها أبحاث هذا الكتاب إنما تتمثل في عمق الحجة وأصالة البرهان، تلك الأصالة التي عالج بها هذه الموضوعات القرآنية التي حرفتها الخصوم وحادوا بها عن منطقها الواضح إلي متاهات التأويل والتخرص بالظنون. وإذ وفق الكتاب أن يثبت هذه الولاية بالنصوص التي يعضدها الوحي فماذا يعنيه - بعد ذلك - أن يبحث من هذه الإمامة بالطرق الكلامية المألوفة التي تستند إلي أفضلية الإمام في سمات العلم والعصمة والشجاعة وغيرها، وقد أثبت هذه الإمامة بكل مستلزماتها من الكتاب العزيز والسنة المتواترة، ومنها العصمة الإلهية والتعين الإلهي وكفي. والكتاب بعد هذا من ألمع ما تستبان منه عبقرية السيد المؤلف وسعة علمه وعمق تحقيقه، وهما مما سوف يستنير به المسلمون في مجالات الإيمان [ صفحه 22] والعقيدة والتزود من هداية القرآن ونوره وبرهانه. [29] وكاتب هذه السطور يقول: كتاب مصباح الهداية يكون من بركات عنايات أبي عبد الله الحسين عليه السلام [30] - والحسين عليه السلام مصباح هدي - والأسماء تنزل من السماء فينبغي أن يكون مدارا للبحث والدراسة في الحوزات العلمية الشيعية والسنية حتي يستضئ الكل من نورها ويتبين الحق من غيره، والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم. ثم تأليفه في سنة 1364 ق بكربلاء المقدسة. وطبع أولا في سنة 1365 بالطبع الحجري في 191 ص بطهران. وثانيا في سنة 1387 في 218 ص بإصبهان. وثالثا في سنة 1396 في 336 ص بمصر (مطبوعات النجاح بالقاهرة). وهذه طبعته الرابعة مع مزايا لا تخفي علي القارئ الكريم. ترجمه بالفارسية أولا تلميذه المرحوم السيد محمد رضا الشفيعي الدزفولي، وسماه " مفتاح العناية في ترجمة مصباح الهداية " (ولم يطبع). وثانيا الشيخ الدواني سلمه الله، وسماه " شاهراه هدايت " وطبع في سنة 1376 - وهذه الترجمة هي نفس " مفتاح العناية " قد أصلحه وأكمله الشيخ الدواني وأعده للطبع بأمر السيد المؤلف قدس سره أو نجله المرحوم السيد عبد الله. [ صفحه 23] وثالثا: الشيخ الدواني أيضا وسماه " فروغ هدايت " وطبع في سنة 1386، وهذه الترجمة حسنة بليغة مفيدة جدا ومن لم يستطع أن يستفيد من أصل الكتاب لكونه باللغة العربية فليغتنم هذه الترجمة ثم يغتنم. مصادر الترجمة: 1 - " شرح حال وآثار وأفكار آية الله بهبهاني، للأستاذ حجة الإسلام والمسلمين الشيخ علي الدواني سلمه الله. 2 - مقدمة كتاب " شاهراه هدايت في ترجمة مصباح الهداية " للشيخ الدواني أيضا. 3 - مقدمة كتاب " فروغ هدايت في ترجمة مصباح الهداية " له أيضا. 4 - مقدمة رسائل - فوائد هشتگانه وبيست پرسش وسي پرسش وچهل پرسش - للسيد المؤلف قدس سره بقلم الشيخ الدواني أيضا. 5 - مجلة " مكتب اسلام " ش 2 العام 17. 6 - مجلة " پيام شادي " ش 5. 7 - " گنجينهء دانشمندان " للشيخ محمد الشريف الرازي سلمه الله ج 3 و 5. 8 - " دانشمندان فارس " لمحمد حسين ركن زاده آدميت ج 3. 9 - مقدمة كتاب " ترجمه تفسير آية النور " للشيخ حسن المصطفوي دامت بركاته في ترجمة الشيخ هادي الطهراني. 10 - " مؤلفين كتب چاپي " للمرحوم خان بابا مشار. 11 - دائرة المعارف تشيع. 12 - " مرگي در نور " في ترجمة الآخوند الخراساني. [ صفحه 24] 13 - (شكوه پارسايي) في ترجمة السيد محمد كاظم الطباطبائي. 14 - " بيست مقاله " لكاتب هذه المقدمة. 15 - أعلام الشيعة للعلامة الطهراني. 16 - " آشنائي با چند نسخه خطي " للسيد المدرسي وكاتب هذه المقدمة. 17 - مقدمة " مصباح الهداية " طبع مصر بقلم السيد مرتضي الحكمي. 18 - الذريعة للعلامة الطهراني. 19 - " مجله نور علم " مقال للشيخ ناصر الباقري البيدهندي. 20 - ترجمة هذا المقال للشيخ ماجد الكاظمي - لم يطبع بعد -. 21 - " ارمغان أصفهان " للسيد مصلح الدين المهدوي رحمه الله. 22 - سيماي رامهرمز. وكتب أخري ذكرت في ذيل الصفحات. وليعلم أن للشيخ الدواني دامت إفاضاته فضيلة السبق في هذا المجال، إذ هو سلمه الله أول من كتب ترجمة السيد ونشر بعض آثاره القيمة (وهو لسبق حائز تفضيلا). لصفحة الأولي من نسخة الأصل بخط المؤلف رحمة الله عليه. [ صفحه 26] الصفحة الأخيرة من نسخة الأصل بخط المؤلف قدس سره. [ صفحه 27] صورة إجازة آية الله العظمي السيد البهبهاني قدس سره بخطه الشريف لحجة الإسلام والمسلمين السيد محمد علي الروضاتي دامت إفاداته. [ صفحه 28] صورة إجازة فقيه أهل البيت السيد البهبهاني رضوان الله تعالي عليه بخطه الكريم لحجة الإسلام والمسلمين الشيخ علي الدواني دامت إفاضاته. [ صفحه 29] صورة رسالة الإمام الخميني قدس سره بخطه الشريف إلي السيد البهبهاني رحمة الله عليه وهي حاكية عن عناية الإمام به وكرامته عنده، إذ القلب يهدي إلي القلب. [ صفحه 31] فهرس مصادر التحقيق 1 - القرآن الكريم. 2 - الاحتجاج علي أهل اللجاج، لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (القرن السادس) إعداد السيد محمد باقر الخرسان، مجلدان، النجف الأشرف، مطبعة النعمان، 1386 ه / 1966 م. وأيضا طبع الأسوة بقم. وأيضا الطبع الحجري. 3 - الاختصاص، المنسوب إلي أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413 ق) تحقيق علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي. 4 - إعلام الوري بأعلام الهدي، لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548 ه) طبع طهران، دار الكتب الإسلامية. 5 - إكمال الدين، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ق) طبع مكتبة الصدوق. [ صفحه 32] 6 - أمالي الصدوق، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ق)، طبع بيروت، الأعلمي، 1400 ه / 1980 م. وأيضا طبع طهران. 7 - أمالي الطوسي، لأبي جعفر محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (م 460 ق) إعداد السيد محمد صادق بحر العلوم " مجلدان، بغداد، المكتبة الأهلية، 1384 ه / 1946 م وأيضا الطبع الحجري. 8 - أمالي المفيد، لأبي عبد الله محمد بن محمد النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413 ق) تحقيق حسين أستاد ولي وعلي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1403 ه. 9 - الإمامة والسياسة، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (م 276) طبع المكتبة التجارية الكبري، بمصر. 10 - البحار = بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار عليهم السلام، للعلامة محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (م 1110 ق)، الطبعة الثانية، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1403 ه / 1983 م، بالأوفست عن طبعة إيران. 11 - البرهان = تفسير البرهان، للسيد هاشم البحراني، 4 مجلدات، طبع قم، 1375 ه، مؤسسة اسماعيليان. 12 - بصائر الدرجات، للصفار، الطبع الحديث والطبع الحجري. [ صفحه 33] 13 - تفسير العياشي، لأبي النضر محمد بن مسعود بن عياش، جزءان، إعداد السيد هاشم الرسولي المحلاتي، طبع المكتبة العلمية الإسلامية، بطهران. 14 - تفسير فرات الكوفي، لأبي القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي (القرن الرابع) إعداد محمد كاظم المحمودي، الطبعة الأولي، طهران، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، 1410 ه / 1990 م. 15 - تفسير القمي، لأبي الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي (م بعد 307 ق) إعداد السيد الطيب الموسوي الجزائري، الطبعة الثالثة، مجلدان، قم، دار الكتاب، 1404 ق. أيضا الطبع الحجري. 16 - تفسير الكبير = تفسير الفخر " لمحمد بن عمر الخطيب فخر الدين الرازي (م 606 ق) الطبعة الثالثة، 32 جزءا في 16 مجلدا، بيروت، دار إحياء التراث العربي. 17 - تنقيح المقال في علم الرجال، للشيخ عبد الله بن محمد حسن المامقاني (م 1351 ق). الطبعة الثانية، 3 مجلدات، قم، بالأوفست عن طبعة النجف الأشرف، المطبعة المرتضوية، 1352 ه. 18 - التهذيب = تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، لأبي جعفر محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (م 460 ق) إعداد السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الثالثة، 10 مجلدات، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1364 ق. [ صفحه 34] 19 - ثواب الأعمال، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ق) تحقيق علي أكبر الغفاري، طهران، مكتبة الصدوق. 20 - الخصال، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ السوق (م 381 ق) تحقيق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1362 ش. 21 - الذريعة إلي تصانيف الشيعة، للشيخ محمد محسن آقا بزرگ الطهراني (م 1389 ق) الطبعة الثالثة، 26 جزءا في 29 مجلدا، بيروت، دار الأضواء، 1403 ه / 1983 م. 22 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري (م 538 ق) إعداد سليم النعيمي، الطبعة الأولي، 4 مجلدات + الفهرس، قم، منشورات الرضي، 1410 ه، بالأوفست عن طبعة العراق. 23 - شرح صحيح مسلم = صحيح مسلم بشرح النووي، 18 جزءا في 9 مجلدات، بيروت، دار الفكر، 1401 ه / 1981 م. 24 - شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد = عز الدين عبد الحميد بن محمد بن أبي الحديد المعتزلي (م 656 ق) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، 20 جزءا في 10 مجلدات، قم، إسماعيليان، بالأوفست عن طبعته الأولي، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية، 1378 ه / 1959 م. 25 - شواهد التنزيل، لعبيد الله بن عبد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني، (من أعلام القرن الخامس) تحقيق: محمد باقر المحمودي، [ صفحه 35] 3 مجلدات، مؤسسة الطبع والنشر، التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، الطبعة الأولي، 1411 ه / 1990 ق، طهران. 26 - الصافي، لمحمد بن المرتضي المعروف بالفيض الكاشاني (م 1901 ق)، 5 مجلدات، مطبعة سعيد، مشهد، الناشر: دار المرتضي للنشر. أيضا طبع المكتبة الإسلامية بطهران. أيضا الطبع الحجري. 27 - صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (م 256 ق) 8 جزءا في 4 مجلدات، بيروت، دار الفكر، 1401 ه / 1981 م، بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باسطنبول. 28 - عوالي اللئالي، لمحمد بن علي بن إبراهيم الإحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م أوائل القرن العاشر) تحقيق مجتبي العراقي، الطبعة الأولي، 4 مجلدات، قم 1403 - 1405 ق. 29 - غاية المرام للسيد هاشم البحراني، الطبع الحجري. 30 - الغدير في الكتاب والسنة والأدب، للعلامة الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني (م 1290 ق) الطبعة الثالثة، 11 مجلدا، بيروت، دار الكتاب العربي، 1378 ه / 1967 م. 31 - الغيبة، للشيخ محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني، المعروف بابن أبي زينب، طبع مكتبة الصدوق بطهران، تحقيق علي أكبر الغفاري. 32 - الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة عليهم السلام، لعلي بن محمد بن أحمد المالكي المكي المعروف بابن صباغ (م 855 ق) طهران، مؤسسة الأعلمي، بالأوفست عن طبعة النجف الأشرف، مكبة دار الكتب التجارية. أيضا الطبع الحجري. [ صفحه 36] 33 - القاموس المحيط، لأبي طاهر مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (م 817 ق) تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1407 ه / 1987 م. 34 - الكافي، لأبي جعفر ثقة الإسلام محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329 ه) تحقيق علي أكبر الغفاري، 8 مجلدات، بيروت، دار صعب ودار التعارف، 1410 ه، بالأوفست عن طبعة دار الكتب الإسلامية بطهران. 35 - كتاب سليم بن قيس، لسليم بن قيس الهلالي العامري (م حوالي 90 ق) الطبع الحديث في 3 مجلدات. 36 - الكشاف = تفسير الكشاف، لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري (م 538 ق) 4 مجلدات، قم: نشر أدب الحوزة. 37 - كشف الغمة، للإربلي، طبع المكتبة الإسلامية بطهران. 38 - الكني والألقاب، للشيخ عباس بن محمد رضا القمي (م 1359 ق) 3 مجلدات، قم، انتشارات بيدار بالأوفست عن طبعة طهران. أيضا طبع النجف. 39 - مجمع البيان في تفسير القرآن، لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548 ق) تحقيق الميرزا أبي الحسن الشعراني، الطبعة الخامسة، 10 أجزاء في 5 مجلدات، طهران، المكتبة الإسلامية، 1395 ه. 40 - المحاسن، لأبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي (م 274 / 280) تحقيق جلال الدين الحسيني المشتهر بالمحدث الأرموي، الطبعة الثانية، قم، دار الكتب الإسلامية. [ صفحه 37] 41 - المحجة البيضاء، لمحمد بن المرتضي المعروف بالفيض الكاشاني (م 1091 ق) تحقيق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، 8 أجزاء في 4 مجلدات، مؤسسة النشر الإسلامي، قم. 42 - مسند أحمد بن حنبل، لأحمد بن حنبل (م 241 ق) 6 مجلدات، بيروت، دار الفكر، بالأوفست عن طبعة مصر، المطبعة الميمنة، 1313 ه. 43 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، للرافعي (م 770 ه) لأحمد بن محمد بن علي الفيومي (م 770 ه) جزءان في مجلد واحد، بيروت، دار الكتب العلمية، 1398 ه / 1978 م. 44 - معاني الأخبار، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ق) تحقيق علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1361 ش. 45 - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، عدة من المستشرقين، 7 مجلدات، مكتبة بريد في مدينة ليدن، سنة 1936 م. 46 - مناقب آل أبي طالب، لأبي جعفر رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني (م 588 ه) إعداد: محمد حسين دانش الآشتياني والسيد هاشم الرسولي المحلاتي، الطبعة الأولي، 4 مجلدات، قم، انتشارات علامة. أيضا طبع النجف. أيضا الطبع الحجري. [ صفحه 38] 47 - مناقب ابن المغازلي، لأبي الحسن علي بن محمد بن محمد الواسطي الشافعي المعروف بابن المغازلي (م 483 ه) إعداد محمد باقر البهبودي، الطبعة الثانية، طهران، المطبعة الإسلامية، 1402 ه. 48 - مناقب الخوارزمي، للموفق بن أحمد بن محمد المكي الخوارزمي (م 568 ق) إعداد مالك المحمودي، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1411 ق. أيضا طبع النجف. أيضا الطبع الحجري. 49 - وسائل الشيعة، للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (م 1104 ق)، تحقيق آية الله الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، 20 مجلدا، قم وبيروت. 50 - ينابيع المودة، لسليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (م 1294 ه) طبع إسطنبول. [ صفحه 39] مصباح الهداية في إثبات الولاية تحقيق علمي دقيق في إثبات الولاية والإمامة مما تضافرت عليه الآيات والروايات تأليف آية الله سماحة العلامة المحقق الحاج السيد الموسوي البهبهاني قدس سره الطبعة الرابعة بإشراف رضا الاستادي [ صفحه 40] لا يخفي علي القارئ الكريم أن تحقيق ضبط بعض أسماء رواة روايات هذا الكتاب يحتاج إلي المراجعة والدقة الكاملة، إذ احتمال التصحيف في كثير منها غير بعيد، ولكننا قد اعتمدنا في هذا المجال علي المصادر التي أشرنا إليها في ذيل الصفحات، ولم نراجع كتب الرجال وضوابط الأسماء إلا نادرا. [ صفحه 41]

في بيان اشتمال الكتاب علي أربعين حديثا...

بسم الله الرحمن الرحيم في بيان اشتمال الكتاب علي أربعين حديثا مفسرة لأربعين آية متعلقة بولاية مولانا أمير المؤمنين والأئمة المعصومين الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وهداه إلي الدين الحنيف والمنهج القويم، فركب فيه العقل حجة باطنة دالة علي خالقه، وبعث الأنبياء ونصب الأوصياء حججا ظاهرة مؤيدين، أدلاء علي أمره ونهيه، فخصهم بالمعجزات الواضحة، والآيات الباهرة، إتماما للحجة، وإكمالا للنعمة، والصلاة والسلام علي أكمل الحجج، وأفضل الرسل، محمد وأهل بيته الهادين إلي خير السبل. أما بعد: فيقول العبد المفتقر إلي الله الغني " علي بن محمد بن علي الموسوي البهبهاني " حشرهم الله تعالي مع آبائهم الطاهرين، سلام الله عليهم أجمعين: أنه قد روي - مسندا - عن مولانا الكاظم - سلام الله عليه وعلي آبائه الطاهرين وأبنائه المعصومين - أنه قال: " قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: من حفظ علي أمتي أربعين حديثا مما يحتاجون إليه [من أمر دينهم] بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما ". [31] . [ صفحه 42] ولما كان كتب الحديث وإيضاحه بما يسهل التفقه فيه للناظرين، وبثه بينهم، من أتم وجوه الحفظ عليهم، أحببت أن أجمع أربعين حديثا مفسرة لأربعين آية متعلقة بولاية مولانا أمير المؤمنين والأئمة المعصومين من ذريته سلام الله عليهم أجمعين، وأشرحها بما يسر الله تعالي لي فهمه، ورزقني علمه، فأقول: [ صفحه 43]

في تفسير قوله تعالي: قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب

اشاره

الرعد: 43. في الكافي، وبصائر الدرجات: عن مولانا الباقر عليه السلام: إيانا عني، وعلي عليه السلام أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم. [32] وفي المجمع: عن مولانا الصادق عليه السلام مثله. [33] وفي الاحتجاج: سأل رجل علي بن أبي طالب عليه السلام عن أفضل منقبة له فقرأ الآية، وقال: إيانا عني بمن عنده علم الكتاب. [34] وفي الصافي عن المجالس: عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه سئل عن هذه الآية، قال: ذاك أخي علي بن أبي طالب عليه السلام. [35] وفي رواية أخري، عن بعض أصحابنا: كنت مع أبي جعفر عليه السلام في [ صفحه 44] المسجد يحدث، إذ مر بعض ولد عبد الله بن سلام، فقلت: جعلت فداك هذا ابن الذي يقول الناس: الذي عنده علم الكتاب؟ فقال: لا، إنما ذاك علي بن أبي طالب عليه السلام. أنزلت فيه خمس آيات: إحداها: (قل كفي بالله... الخ). [36] والقمي: عن الصادق عليه السلام: " هو أمير المؤمنين عليه السلام ". [37] وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب أعلم أم الذي عنده علم الكتاب؟ فقال: ما كان الذي عنده علم من الكتاب عند الذي عنده علم الكتاب إلا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر. [38] وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " ألا إن العلم الذي هبط به آدم من السماء إلي الأرض، وجميع ما فضلت به النبيون إلي خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين ". [39] وفي تفسير البرهان من طريق العامة: روي الفقيه ابن المغازلي الشافعي بطريق، والثعلبي بطريقين: أنه علي بن أبي طالب عليه السلام. [40] .

ينبغي التكلم في مقامات ثلالثة

الأول: في اختصاص من عنده علم الكتاب بمولانا أمير المؤمنين وأولاده الطاهرين عليهم السلام، وعدم صدقه علي من عداهم، كما دل عليه تقديم المفعول علي الفعل في الحديث الشريف، وأنه لا ينافي عمومها للأئمة [ صفحه 45] الطاهرين من فريته عليهم السلام نزولها في شأنه عليهم السلام. والثاني: في احتوائها علي المنقبة الفاضلة. والثالث: في أنه أفضل منقبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام كما دلت عليه رواية الاحتجاج.

امور ستة تتضح بها حال المقامات الثلاثة

اشاره

وقبل التكلم فيها لا بد من تمهيد مقدمة يذكر فيها أمور ستة، تتضح بها حال المقامات الثلاثة: الأول: في أن ضم من عنده علم الكتاب إلي شهادته تعالي أهو من قبيل ضم شهادة عدل إلي شهادة عدل آخر، أو من قبيل ضم برهان إلي برهان آخر؟ والثاني: في بيان المراد من الكتاب. والثالث: في بيان كيفية شهادته تعالي، وشهادة من عنده علم الكتاب، أهي قولية أم فعلية؟ والرابع: في بيان سبب حصول العلم واليقين من شهادة من عنده علم الكتاب بحيث تعد برهانا مستقلا، وتستحق أن تجعل عديلا لشهادته تعالي ومكتفي بها في إثبات الرسالة. والخامس: في بيان أن إضافة العلم إلي الكتاب تفيد العموم أم لا؟ والسادس: في أن سورة الرعد التي فيها الآية الكريمة مكية أم مدنية؟

توضيح الأمر 01

أما الأول: فمن الواضح أنه من قبيل ضم برهان ودليل مستقل إلي برهان آخر، ضرورة عدم تطرق النقص في شهادته تعالي، حتي تتم بضم شهادة غيره إليها، ولعل تقديمه عز وجل (شهيدا بيني وبينكم) علي المعطوف تنبيه علي هذا المعني، كما أن الاتيان بصيغة فعيل دون الفاعل لعله للتنبيه علي أن الاتصاف بالشهادة علي وجه الثبوت، لا الحدوث. [ صفحه 46] وكيف كان فكل من الشهادتين دليل تام وبرهان قاطع مثبت لنبوته ورسالته صلي الله عليه وآله وسلم، ولا مجال لاحتمال أن يقال: ضم شهادة من عنده علم الكتاب إلي شهادته تعالي، من قبيل ضم الدليل الظني إلي الدليل العلمي، لأن الأمر الظني لا يعقل التمسك به في المقام، وجعله دليلا علي المطلوب من وجوه ثلاثة: الأول: أنه لا يتصور اعتبار الأمر الظني في المقام، لأن الاعتبار إما ذاتي كالأدلة العلمية، وإما تعبدي جعلي كالبينة، والطرق، والأمارات الشرعية، وكلاهما منتف في المقام. أما الأول فظاهر، ضرورة عدم اعتبار الظن ذاتا، وأما الثاني فلعدم تصور التعبد في المقام، لأنه فرع التصديق بنبوته صلي الله عليه وآله وسلم فلا يعقل جعله دليلا تعبديا مثبتا لنبوته صلي الله عليه وآله وسلم. والثاني: إن التعبد بالظن أو الظني إنما يتطرق في مورد الجهل بالواقع وعدم العلم بوفاته أو خلافه، فلا يعقل أن يجعل دليلا علي رسالته صلي الله عليه وآله وسلم مع وجود ما يوجب العلم بها وهو شهادته تعالي، سيما مع تقديم شهادته تعالي عليه في الذكر. والثالث: أن أصول الدين لأهميتها لا تثبت إلا بالعلم، والظن أو الظني إنما يعتبر حيث يعتبر في الفروع لا في الأصول. وقد ذم تعالي شأنه قوما ركنوا إلي الظن في أصول عقائدهم فقال جل ذكره: (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) [41] فكيف يحتج لإثبات رسالة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم بما نهي عن اتباعه والركون إليه. [ صفحه 47] فإن قلت: يمكن أن يقال ذكر (من عنده علم الكتاب) إنما يكون علي وجه التأييد لا لاستقلاله في الاعتبار، فلا ينافي كون شهادته ظنية غير معتبرة. قلت: عطفه علي اسم الجلالة يقتضي اشتراكه معه في الحكم وهو الاكتفاء بشهادته في إثبات الرسالة، وثبوت الحجة علي الكفرة المكذبين لرسالته صلي الله عليه وآله وسلم فلا مجال لما ذكرت. فإن قلت: قد احتج الله تعالي في مواضع من الكتاب المجيد بما لا يفيد العلم. منها: قوله تعالي في سورة النحل: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر). [42] فإن المراد بأهل الذكر المسؤول عنهم: أهل الكتاب من اليهود والنصاري علي ما فسره بعض المفسرين، وشهادتهم لا توجب العلم بالمشهود به للسائلين وهم عبدة الأصنام، لأنهم كما كانوا منكرين للرسول صلي الله عليه وآله وسلم مستبعدين أنه تعالي بعث رسولا من البشر، كذلك كانوا منكرين لليهود والنصاري، فلا تفيد شهادتهم بأن الله تعالي بعث رسلا من البشر علما بما شهدوا بالنسبة إلي منكريهم. ومنها: قوله تعالي في سورة الشعراء: (أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل). [43] فإن علماء بني إسرائيل لعدم عصمتهم لا تفيد شهادتهم بصدق الرسالة العلم بها، وإنما تفيد الظن. [ صفحه 48] منها: قوله تعالي في سورة الأحقاف: (قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل علي مثله فآمن واستكبرتم ". [44] فإن شهادة شاهد من بني إسرائيل لا توجب العلم، واليقين بصدق المشهود به. قلت: المراد بأهل الذكر هم أهل بيت النبوة المعصومون المطهرون، كما دلت عليه روايات الفريقين [45] ، ولا ينافي ذلك أن المأمورين بالسؤال عنهم هم الكفرة المنكرون لهم وللرسول صلي الله عليه وآله وسلم، لأن الغرض من السؤال استكشاف المسؤول عنه منهم بإقامة الحجة والبرهان الموجب للعمل، كما يشهد به قوله تعالي: (بالبينات والزبر). وتعليق الأمر بالسؤال علي عدم علمهم، ضرورة أن الأمر بالسؤال معلقا علي عدم علم المأمور بعث علي تحصيل ما يوجب العلم لا مجرد السؤال، ولو لم يوجب العلم. ولو أريد من أهل الذكر أهل الكتاب من اليهود والنصاري فالغرض من السؤال عنهم أيضا مطالبة الحجة والبرهان منهم لا تصديق قولهم من دون حجة وبرهان، وعلي كل تقدير ليس فيه أمر باتباع الظن، والركون إليه كما توهم. وأما علم علماء بني إسرائيل الذي جعل آية كافية وحجة ظاهرة. فإن أريد منه العلم بصحة نبوته وصدق رسالته صلي الله عليه وآله وسلم فالمراد من علمائهم حينئذ العلماء الذين هاجروا من أوطانهم قبل بعثته صلي الله عليه وآله وسلم إلي محل هجرته وهو جبل أحد ليدركوه ويؤمنوا به وينصروه، وكانوا يستفتحون به صلي الله عليه وآله وسلم علي [ صفحه 49] العرب، حتي أن العرب شكوا بهم إلي تبع فحصرهم، وبعد أن علم بأن غرضهم درك النبي الأمي القرشي محمد صلي الله عليه وآله وسلم آمن به صلي الله عليه وآله وسلم وأسكن الأوس والخزرج معهم، حارسين لهم، وناصرين للنبي صلي الله عليه وآله وسلم من قبله وقت ظهوره. ومن المعلوم أن علمهم ببعث النبي الأمي صلي الله عليه وآله وسلم وهجرته إلي هذا المكان قبل ظهوره، الذي دعاهم إلي المهاجرة من أوطانهم المألوفة إلي هذا المكان، وارتكابهم المشقة الشديدة من العرب، واستفتاحهم به صلي الله عليه وآله وسلم، ليس إلا من قبل إخبار أنبيائهم، ووجود خبره في كتبهم، إذ لا سبيل إلي العلم به - يومئذ إلا خبر الأنبياء وكتبهم. ومن المعلوم - حينئذ - أن هذا العلم منهم يوجب العلم بصحة نبوة نبينا صلي الله عليه وآله ويشهد بذلك - أي أن المراد من العلماء: العلماء قبل البعثة - أن سورة الشعراء كلها مكية غير قوله تعالي: (والشعراء يتبعهم الغاوون) [46] إلي آخر السورة. فإنها نزلت بالمدينة علي ما ذكره الطبرسي رحمه الله في المجمع. [47] ولم يسلم أحد من علماء بني إسرائيل في مكة وإنما أسلم من أسلم منهم بعد الهجرة، فلم يكن قبل الهجرة منهم مسلم مصدق للنبي صلي الله عليه وآله وسلم حتي يستشهد الله عز وجل بشهادته علي الكفرة من المشركين، وأهل الكتاب. ويؤيده جعل علمهم آية لهم لا شهادتهم فإنهم لم يكونوا - يومئذ - موجودين حتي يشهدوا. وإن أريد منه العلم بصحة ولاية مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ووجوده في زبر الأولين كما يناسبه تفسير الآية السابقة عليه، وهي قوله تعالي: وإنه [ صفحه 50] لتنزيل رب العالمين - نزل به الروح الأمين - علي قلبك لتكون من المنذرين) [48] بولاية أمير المؤمنين عليه السلام علي ما في الكافي والبصائر عن مولانا الباقر: (إنه هي الولاية لأمير المؤمنين). وعن القمي، عن مولانا الصادق عليه السلام: (هي الولاية التي نزلت لأمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير). [49] فالمراد منه المؤمنون بعد البعثة أو قبلها، المخبرون بأن ولاية مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ثابتة في زبر الأولين وشهادتهم حينئذ تفيد العلم لاجتماع شرطية وهما: كون الشهود موثوقا بهم، وكون المشهود به بديهيا لا نظريا. وأما شاهد من بني إسرائيل فالمراد منه إما موسي عليه السلام كما فسره به بعض المفسرين [50] ، أو نبي آخر أو وصي منهم، لا من شهد منهم بعد البعثة بنبوة نبينا صلي الله عليه وآله وسلم مع كونه غير معصوم، لأن سورة الأحقاف كلها مكية [51] ولم يسلم أحد منهم في مكة حتي يشهد بنبوته ورسالته صلي الله عليه وآله وسلم. قال في المجمع في تفسير (وشهد شاهد من بني إسرائيل): يعني عبد الله بن سلام علي مثله، معناه عليه، أي علي أنه من عند الله، وقيل: علي مثله أي علي التوراة عن مسروق، وقيل: الشاهد موسي شهد علي التوراة كما شهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي القرآن لأن السورة مكية وابن سلام أسلم بالمدينة انتهي. [52] أقول: لا شاهد لتفسيره بابن سلام، بل الشاهد علي خلافه موجود [ صفحه 51] وهو: نزول السورة في مكة، وتوهم أن السورة كلها مكية إلا هذه الآية، لنزولها في عبد الله بن سلام استنباط من القائل، لا أنه ظفر برواية وخبر، ونسبته في المجمع إلي ابن عباس، كنسبة تفسير (من عنده علم الكتاب) بابن سلام إليه أيضا خطأ، لما سيأتي من أن ابن عباس ممن يصر علي أن الآية إنما نزلت في شأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ولا تنطبق إلا عليه. وبالجملة العقل يستقل بقبح الاحتجاج بما لا حجية له، فكيف يحتج تعالي شأنه في كتابه المجيد بما لا يكون حجة، ويجعلها حجة كافية قاطعة للخصومة.

توضيح الأمر 02

وأما الثاني [53] فالظاهر أن لام الكتاب للعهد، فينصرف إلي القرآن الذي فيه تبيان كل شئ، أو اللوح المحفوظ المكتوب فيه كل شئ، دون سائر الكتب المنزلة من التوراة والإنجيل والزبور وهكذا ويحتمل أن يكون اللام للجنس فيعم جميع الكتب السماوية، إذ لا مجال لإرادة كتاب منه لا بعينه في المقام، فيتحد الوجهان في المعني.

توضيح الأمر 03

وأما الثالث وهي كيفية الشهادة فمختلفة. أما شهادته تعالي فهي فعلية، إذ من الواضح أن الله تعالي لم يتكلم مع الناس بإيجاد صوت في شجرة ونحوها كما تكلم مع كليمه عليه السلام، لعدم قابلية طبقات الناس لهذا المقام الجليل، فالمراد من شهادته تعالي برسالة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم إظهار المعجزات علي يده تصديقا لدعواه، ومن جملتها بل أعظمها إنزال القرآن المجيد عليه، البالغ في الفصاحة والبلاغة كمالهما، بحيث تحدي به العرب، وعجزت الفصحاء والبلغاء علي إتيان سورة من [ صفحه 52] مثله، مع شيوع الفصاحة والبلاغة في عصره وحذاقتهم فيهما، ومن الواضح البين أنه يقبح إظهار المعجزة علي يد الكاذب، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا. وأما شهادة (من عنده علم الكتاب) فهي قولية وفعلية أما القولية فبالإقرار له باللسان، وأما الفعلية فبمتابعته له والائتمار بأمره والانتهاء بنهيه صلي الله عليه وآله وسلم. لا يقال الشهيد من الشهود بمعني الحضور حسا أو علما واطلاعا، وهيئة الفاعل أو الفعيل لإفادة التلبس بالمبدأ، وهو إنما يتحقق باتصاف الشخص به بنبوته له. وأما إظهار الشهود المنطبق علي أداء الشهادة فإنما يجئ من قبل الإخبار به، كقولك: أنا أشهد بكذا، أو شاهد به، وليس في المقام إخبار صريح عن شهادته تعالي أولا، ولا يوجب الإخبار عن شهادته تعالي برسالته إظهار المعجزات علي يده، ثانيا. لأنا نقول: أمره تعالي شأنه بالاحتجاج علي منكري رسالته بالاكتفاء بشهادته تعالي، وشهادة (من عنده علم الكتاب) إخبار عنها بالضرورة، ولو لم يقترن إخباره تعالي بشهادته برسالته بإظهار المعجزات علي يده لم يكن حجة علي منكري رسالته ولم يتم الاحتجاج به، ضرورة أن مجرد قول المدعي بأن الله تعالي يعلم ويشهد بصدق ادعائي من دون ظهور أثر تصديقه تعالي له في الخارج لا يكون حجة علي المنكر، فكيف يكتفي الله تعالي شأنه بالإخبار المجرد حجة لرسوله صلي الله عليه وآله وسلم علي منكر الرسالة، حيث قال عز وجل (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب). [54] . [ صفحه 53] لا يقال: يمكن أن يقال: الآية الكريمة نزلت لتسلي نبيه ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم بأن الله تعالي يعلم بأنك رسوله فلا يضرك تكذيب الكفرة، ولا تكون في مقام الاحتجاج عليهم حتي يستلزم اقتران شهادته برسالته بإظهار المعجزات علي يده الكاشف عنها. لأنا نقول: لو كانت الآية هكذا: (كفي بالله شهيدا ومن عنده علم الكتاب) من دون ذكر (قل) في صدرها وضم (بيني وبينكم) لاحتملت ذلك، وأما مع ذكر (قل) في صدرها وضم (بيني وبينكم) فهي صريحة في أنها في مقام الاحتجاج وجواب ورد علي الكفرة المنكرين لرسالته المكذبين له صلي الله عليه وآله وسلم.

توضيح الأمر 04

وأما الرابع: فكشف الحجاب عنه يتوقف علي بيان معني علم الكتاب. فأقول: ليس المراد من علم الكتاب، العلم بظاهره فقط، إذ العلم به كذلك يجامع مع عدم العصمة، ومتابعة الهوي كما هو ظاهر، ومن هذا شأنه لا تكون شهادته مفيدة للعلم واليقين، ولا تكون مقبولة عند العقل، فكيف يستحق أن يجعل شهادته عديلا لشهادته تعالي، وبرهانا مستقلا مثبتا لنبوته صلي الله عليه وآله وسلم. فالمراد منه العلم بظاهر الكتاب وباطنه، تأويله، وتنزيله، وخوافيه، وأسراره المودعة فيه، الذي هو موهبة إلهية غير كسبية، لا يليق به إلا من كان معصوما مطهرا من الخطأ والزلل عمدا وسهوا، فتكون شهادته حينئذ مفيدة للعلم، ومقبولة عند العقل، ولائقة لأن تجعل عديلا لشهادته تعالي. ثم إن طريق استكثار العلم بالباطن لا ينحصر في إخبار النبي بأنه عالم به، وإلا لزم أن لا تكون شهادته مثبتة لنبوته صلي الله عليه وآله وسلم إذ التصديق بعلمه بالباطن، [ صفحه 54] وعصمته حينئذ فرع التصديق بنبوته صلي الله عليه وآله وسلم، فكيف تكون شهادته مثبتة لما يتفرع اعتبار شهادته عليه فالعلم بالباطن كما يستكشف من قبل إخبار النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعد التصديق بنبوته، كذلك يستكشف من قبل ظهور آثاره فيه من ظهور المعجزات وخوارق العادات علي يده عند طلبها منه لإثبات الحجة، كما ظهر من الذي (عنده علم من الكتاب) وهو آصف وصي سليمان بن داود عليه السلام حين أتي بعرش بلقيس قبل ارتداد الطرف.

توضيح الأمر 05

وأما الخامس: فمن الواضح أن الإضافة في أمثال المقام تفيد [55] العموم والاستغراق، فلا يقال: زيد عنده علم الفقه، أو النحو والصرف، باعتبار العلم ببعض مسائله. لا أقول إن إضافة المصدر إلي فاعله أو مفعوله مطلقا تفيد العموم حتي ينتقض بضرب زيد ورؤية عمرو ونحوهما، مما لا تفيد العموم بالضرورة. [ صفحه 55] بل أقول: إن إضافة المصدر لفظا أو معني إلي كل صالح كل جزء منه أن يكون متعلقا له ظاهرة في الاستيعاب والعموم، إلا إذا كان الاستيعاب والعموم خارجا عن العادة، ولذا يكون ملك العبد، وعتقه، وتحريره، وشراء الدار وبيعها، ونحوها منصرفة إلي العموم، ظاهرة فيه، دون نحو ضرب زيد، ورؤية عمرو، لعدم جريان العادة بتعلق الضرب والرؤية بكل من أجزائهما.

توضيح الأمر 06

وأما السادس: أعني السورة فهي مكية، كما رواه النيشابوري، عن سعيد بن جبير، وكذا رواه البغوي في " معالم التنزيل ". إذا اتضحت لك هذه المقدمات اتضح لك غاية الاتضاح عدم صدق (من عنده علم الكتاب) علي عبد الله بن سلام ونظرائه من وجوه عديدة: الأول: الاكتفاء بشهادة (من عنده علم الكتاب) في إثبات النبوة التي هي أساس الدين، وجعلها في عرض شهادته تعالي متوقف علي إفادتها العلم واليقين، وهي متوقفة علي ثبوت عصمته وطهارته، وهو متوقف علي إرادة العلم بظاهر الكتاب وباطنه، ولو ببعضه الملازم للطهارة والعصمة. ومن المعلوم أن ابن سلام ونظرائه من علماء اليهود لم ينالوا مقام العصمة، وإلا لم يبقوا علي شريعة موسي عليه السلام المنسوخة بشريعة عيسي عليه السلام. فإن بقاءهم علي شريعة موسي، إما من معاندتهم مع الحق، وإما من جهلهم به، وكل منهما مناف لمقام العصمة، وإذا ثبت أنه غير معصوم فإسلامه لا يلازم الحق، إذ كما يحتمل أن يكون الداعي علي إسلامه علمه بنبوة نبينا صلي الله عليه وآله وسلم من كتاب التوراة - كما هو الظاهر - يحتمل أن يكون الداعي عليه الخوف أو الطمع، فلا يجوز الاحتجاج بإسلامه وشهادته علي أحقية نبينا صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 56] والثاني: أن إضافة العلم إلي الكتاب تفيد الاستغراق والعموم، كما عرفت، فالمراد منه العلم بكل الكتاب الذي لم يفرط فيه شئ، ولا رطب ولا يابس إلا فيه، ولو كان المراد العلم ببعضه لأتي عز وجل بكلمة (من) المفيدة للتبعيض في مثل المقام ونحوه، كما أتي بها في قضية آصف، فقال عز من قائل: (وقال الذي عنده علم من الكتاب)، وعلم الكتاب كله لم يكن عند سائر الأنبياء سلام الله عليهم، كما يظهر من الآيات والأخبار فإن علومهم محدودة وإنما يختص ذلك بنبينا صلي الله عليه وآله وسلم وأوصيائه الطيبين الطاهرين، فكيف يفسر من هذا شأنه بعلماء أهل الكتاب من اليهود والنصاري. والثالث: أن سورة الرعد كلها مكية وابن سلام وسائر علماء أهل الكتاب إنما أسلموا في المدينة بعد الهجرة، ولذا قال سعيد بن جبير: كيف تكون هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام والسورة كلها مكية. [56] لا يقال: قال الكلبي ومقاتل: [57] أنها مكية إلا آخر آية منها نزلت في شأن عبد الله بن سلام. [58] لأنا نقول: المستند في استثنائهما آخر آية منها من كونها مكية نزولها في شأن عبد الله بن سلام بزعمهما، كما يظهر من كلامهما، لا عثورهما علي رواية، فإن قولهما نزلت في عبد الله بن سلام في مقام التعليل، وقد ظهر لك أن هذا التوهم واضح الفساد، وإنما نشأ هذا التوهم ممن توهم من عدم التأمل في أطراف الآية الكريمة، ولو تأملوا فيها حق التأمل لا تضح لهم الحق كمال الاتضاح. [ صفحه 57] وكيف كان فقد اتضح اتضاح الشمس في رابعة النهار أنه لا يصدق (من عنده علم الكتاب) علي من أسلم من علماء أهل الكتاب، فلم يبق إلا ما ورد عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعترته الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، من نزولها في شأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وجريانها في الأئمة من بعده من ذريته، فإنهم المعصومون المطهرون [59] العالمون بالكتاب كله، ظاهره وباطنه، تأويله وتنزيله، محكمه ومتشابهه، ناسخه ومنسوخه. وأما توهم أن المراد به الله تعالي والعطف تفسيري - كما نسب إلي بعض - [60] ففي غاية البرودة والسخافة، بل لم يعهد العطف التفسيري مع الفصل بين المتعاطفين، كما في المقام ولو كان الأمر كذلك لوجب تأخير (شهيدا بيني وبينكم) عنه. وما حكي عن الزجاج من أنه يدل عليه قراءة: ومن عنده بكسر الميم والدال [61] ، غلط، لأن الآية علي هذه القراءة - علي فرض صحتها - إنما تدل علي أن علم الكتاب إنما يكون موهبة من قبله تعالي شأنه لمن وهبه، فلا ينافي ما دلت عليه الروايات من أن الموهوب له هو مولانا أمير المؤمنين، والأئمة المعصومون من ذريته، بل يوافقه ويلائمه. نعم لو قرأ: (وعنده علم الكتاب) بإسقاط (من) رأسا، لكان لما ذكره وجه في الجملة. فإن قلت: المنكر للأصل وهو النبي صلي الله عليه وآله وسلم منكر للفرع وهو الوصي [ صفحه 58] بالضرورة، فلا تكون شهادته قاطعة للخصومة بالنسبة إلي النبوة، ولا وقع لشهادته عند المنكر، فكيف يستشهد الله عز وجل بشهادته علي ثبوت النبوة، ويحتج بها علي منكري النبوة والرسالة، ويجعلها كافية. قلت: إنما لا يجوز الاكتفاء بشهادة الفرع إذا كان القبول مستندا إلي مجرد الاقرار والاعتراف، مع قطع النظر عن ظهور مقامه ودرجته من كونه عالما بالكتاب، واقفا علي كل شئ، قادرا علي إظهار المعجزات وخوارق العادات الملازم للعصمة والصدق عقلا. وأما إذا كان الاستشهاد به من حيث كونه كذلك كما في المقام، حيث لم يذكر الشاهد باسمه بل بوصفه، لينظر المنكر في شأنه، ويراجع إليه، ويظهر عنده ثبوت آثاره، فينكشف عنده ثبوت الوصف للشاهد وحقية المشهود به، فهو قاطع للخصومة، ومثبت للدعوي بالضرورة، وإن لم يعترف به المنكر عنادا. وإذ قد اتضح لك مما بيناه أن (من عنده علم الكتاب) في الآية الكريمة لا يعقل أن ينطبق علي عبد الله بن سلام ونظرائه: فقد اتضح لك أن تفسير من فسره بابن سلام، أو غيره ممن أسلم من علماء أهل الكتاب تفسير بالرأي، ناش عن الغفلة عن الخصوصيات التي تضمنتها الآية الكريمة. وأما الرواية المسندة إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو أهل البيت في تفسيرها فمتفقة من طريقنا وطريق العامة علي أنها نزلت في شأن مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام ولم يستند أحد منهم تفسيرها بابن سلام إلي رواية إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو أهل البيت عليهم السلام. ثم إن نزولها في شأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لا ينافي مع استعمال الموصول في المعني العام المنطبق علي الأئمة المعصومين من ذريته، لأن [ صفحه 59] النزول في شأنه إنما هو باعتبار أنه عليه السلام أول مصاديقه، وأفضلها، وأكملها، لا باعتبار اختصاصه به. والحصر المستفاد من بعض الروايات إضافي بالنسبة إلي ابن سلام ونظرائه، هذا تمام الكلام في المقام الأول. ومما بيناه تبين حال المقام الثاني، بل الثالث أيضا [62] ، كما لا يخفي علي من استشم رائحة من علم الكتاب بتوفيق الله تعالي وهدايته. فإن سائر المناقب الفاضلة إما متفرعة علي هذه المنقبة الجليلة أو ملازمة لها، فإن منها العصمة والطهارة المصرحة بها في آية التطهير الدال عليها قوله عز من قائل: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) [63] المفسر به وبأبنائه المعصومين سلام الله عليهم أجمعين، والآية الشريفة تدل عليها بالملازمة من وجهين: الأول: اكتفاؤه عز وجل بشهادته في إثبات نبوة سيد الأنبياء ورسالته صلي الله عليه وآله وسلم فإنه ملازم للعصمة والطهارة، وعدم تطرق الخطأ بأنحائه إلي ساحة قدسه، وإلا لم يكتف بها، بل جعل شهادته عديلا لشهادة نفسه، يدل علي كمال عصمته وطهارته، فإنها كالعدالة، لها مراتب شتي. ومن هنا لا يجوز صدر ترك الأولي من أولي العزم من الرسل، مع جواز صدوره من غيرهم من الرسل، مع عصمة الجميع. والثاني: العلم بالكتاب كله ظهره وبطنه، تنزيله وتأويله، لما عرفت من إفادة الإضافة في مثل المقام العموم، والعلم به كذلك ملازم لكمال العصمة، ومنتهي طهارة النفس، وتمام القدس. [ صفحه 60] توضيحه: إن العلم بظهر الكتاب وبطنه - ولو ببعض منه - لا يحصل بالاكتساب، وإنما هي موهبة جليلة، لا يليق بها إلا من اجتمعت فيه الصفات الحميدة، والفضائل الكريمة، ومنها: العصمة، والطهارة، وإنما يؤتيه الله تعالي من يشاء حسب مراتب استعداده، ولذا اختلف نصيب الأنبياء منه، فمنهم: من أوتي حرفا واحدا، ومنهم من أوتي حرفين أو ثلاثة أو أزيد، ولم يؤت الجميع أحدا من الأنبياء والأوصياء سلام الله عليهم إلا نبينا وأوصياؤه صلي الله عليه وعليهم، ولم يكن منع الجميع منهم من بخل في المبدأ الفياض، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا، وإنما كان عدم إعطائه الجميع من جهة عدم استعدادهم له. فإعطاؤه عز وجل الجميع نبينا وأوصيائه صلي الله عليه وعليهم يدل علي ارتقائهم درجات الكمال، منتهاها وتمامها، بحيث لا يتصور فوقها درجة ومرتبة، ومنها العصمة والطهارة. ومن مناقبه عليه السلام أنه أخو رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة، ونفس الرسول كما نطقت به آية المباهلة. ومنها كونه عليه السلام هاديا، والنبي صلي الله عليه وآله وسلم منذر. ومنها الولاية والإمامة، وأنه أولي بالمؤمنين من أنفسهم، كما أن الرسول أولي بهم من أنفسهم. فإن جميع هذه المناصب الجليلة متفرعة علي ما تضمنته الآية الكريمة. أما الإخوة للرسول صلي الله عليه وآله وسلم وكونه بمنزلة نفسه الشريفة فإنما يليق بهما من كان في مرتبته من العلم والعصمة، وسائر صفات الكمالات وقد ظهر مما بيناه أن التعبير ب (من عنده علم الكتاب) دال علي استجماع جميع الكمالات فيه نصا والتزاما. وأما الهداية فإنها متقومة بأمرين: العلم والعصمة، لأن الاخلال [ صفحه 61] بالهداية إما من الجهل، أو من الخالفة عمدا أو سهوا، ومع العلم والعصمة لا يتطرق إليه الاخلال بها، فيكون هاديا لا محالة، فتفرعها علي ما تضمنته الآية الكريمة أوضح وأظهر. وهكذا الأمر في الولاية والإمامة. توضيح الحال: إن استحقاق شخص لمرجعية أمر ديني أو دنيوي يتوقف علي علمه وبصيرته به، وأمانته فيه، إذ مع عدم العلم والبصيرة لا يمكنه القيام به، كما أنه مع عدم أمانته فيه لا يؤمن من إفساده وتضييعه، فاستحقاق المرجعية إنما يكون علي قدر البصيرة والأمانة، فمن كانت له بصيرة ناقصة وأمانة ضعيفة لا يجوز أن يولي ما هو فوق بصيرته وأمانته. فاستحقاق الولاية التامة، والإمامة الكبري، والرئاسة العامة في أمور الدين والدنيا إنما هو بالعلم بجميع النواميس الإلهية، والعصمة الصائنة عن السهو والخطأ والعمد. وقد اتضح لك بما بيناه ثبوتهما في (من عنده علم الكتاب) علي الوجه الأتم، فالعدول عنه إلي من لم يكن كذلك مخالف للفطرة، وبداهة حكم العقل، قال عز من قائل: (أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون) [64] فظهر بما بيناه أن الصلة في (من عنده علم الكتاب) تدل علي إمامة من اتصف بها وخلافته عن الله والرسول صلي الله عليه وآله وسلم وولايته التامة، بل انحصارها فيه، واختصاصه بها دلالة لمية - أي دلالة العلة علي معلولها - كما أن دلالتها علي عصمته وطهارته من قبيل الدلالة الآنية - أي دلالة المعلول علي علته -. فإن قلت: دلالتها علي استحقاق من اتصف بها للإمامة مسلمة، وأما [ صفحه 62] انحصارها فيه فلا، لجواز قيام علة أخري مقامها. قلت: المرجعية إنما تتبع العلم والأمانة، وعدم تطرق قيام صفة أخري مقامهما في استحقاق المرجعية من البديهيات الأولية. فإن قلت: نعم المرجعية تابعة للعلم والأمانة فلا يعقل إمامة من لا علم له في الدين ولا أمانة له رأسا، وأما تبعيتها لعلم الكتاب كله، والعصمة الصائنة عن الخطأ - عمدا وسهوا - فلا، بل يجوز تقدم من له علم بالدين وأمانة في الجملة علي من كان معصوما عالما بالكتاب كله لمصلحة اقتضتها، والمقدمون علي علي أمير المؤمنين في الإمامة لهم أمانة وعلم بالدين في الجملة، ولذا قدمهم أهل الحل والعقد لمصلحة رأوها. قلت: أولا: إنك قد عرفت استحقاق شخص لمرجعيته في أمر إنما هو طبق بصيرته وأمانته فيه، ولا يجوز تولية أمر إلي من لم يكن أمينا في بعض جهاته، أو لم يكن بصيرا فيه بتمامه، وتولية أمر إلي من كان ناقصا في بصيرته به أو أمانته فيه كتوليته إلي من لم يكن مأمونا بالمرة، أو جاهلا به كذلك ضرورة أن الناقص - بالنسبة إلي ما زاد علي بصيرته أو أمانته فيه - جاهل أو غير مأمون فيه. والإمامة: عبارة عن الخلافة عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في أمور الدين والدنيا، وافتراض طاعته علي الأمة فيما أمر به أو نهي عنه، وهو أمر جليل متفرع علي معرفته بأحكام الدين وأمانته فيه جميعا، والذين تولوا هذا الأمر قبل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لم يكونوا عالمين بأحكام الدين كله بالضرورة، لمراجعتهم في كثير من المسائل التي عجزوا عن حلها إلي مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، كما هو مذكور في كتب الفريقين. وقد قال الخليفة الثاني غير مرة: " لولا علي لهلك عمر "، بل اشتهر أنه قاله في سبعين موطنا. [ صفحه 63] وبالجملة قصور علمهم عما تولوه واضح غير قابل للإنكار. [65] وثانيا: إن الإمامة خلافة عن الله تعالي وعن رسوله صلي الله عليه وآله وسلم لا وكالة عن الناس، حتي يكون لهم الاختيار في تفويضها إلي من شاءوا، فالمرجع في تعيينه إنما هو الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم، فلا اختيار للأمة في تعيين الإمام وإعمال المصلحة فيه بنظرهم. ثالثا: إن الإمام في كل عصر لا يكون إلا واحدا كما اعترف به الخليفة الثاني، وقال: (لا يجتمع سيفان في غمد واحد) ومن عداه من الأمة يجب أن يكون تحت طاعته وبيعته، إذ لا يخلو الشخص من أن يكون إما إماما، أو مأموما، فحينئذ يلزم أن يكون العالم بالكتاب المعصوم من الزلل، تحت طاعة غير معصوم من الزلل، وهل يكون شئ أقبح من ذلك عند العقل؟ كلا ثم كلا. فإن قلت: إنما ثبت مما بينت أنه لا يصدق (من عنده علم الكتاب) علي ابن سلام ونظرائه، وأما نزول الآية في شأن علي أمير المؤمنين عليه السلام لم يثبت بالدليل القطعي، إذ الأخبار الواردة في بيانه أخبار آحاد لا توجب علما، فكيف يكتفي بها في إثبات الإمامة التي هي من أصول الدين التي لا يكتفي فيها بما دون العلم. قلت: إنه كما ثبت عما بيناه بالدليل القطعي عدم صدقه علي ابن سلام ونظرائه، ثبت أيضا اختصاصه بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة. المعصومين من ذريته سلام الله عليهم أجمعين. توضيحه: إن الآية الكريمة تدل دلالة قطعية علي أن في المؤمنين [ صفحه 64] الشاهدين علي نبوته ورسالته صلي الله عليه وآله وسلم من يتصف بالوصف الذي ذكره، ولولا ذلك لم يأمر نبيه بالاحتجاج بشهادته علي من أنكر رسالته صلي الله عليه وآله وسلم من الكفرة، وهذا الشاهد لا بد أن يكون معروفا أو معرفا بتعريف الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، ولم يعرف في الروايات إلا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ولو عرف غيره لورد فيه رواية، وعدم ورود رواية في حق غيره في مثل هذه القضية دليل قاطع علي عدم احتمال غيره. وما احتمله بعض من كونه ابن سلام أو نظرائه ممن أسلم من علماء أهل الكتاب قد ظهر لك أنه تفسير بالرأي، غفلة عن خصوصيات الآية، مع أن اختصاص مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الموهبة الكبري يظهر من اتفاق المسلمين علي أنه أعلم أمته، إذ بعد ما ثبت بالآية الكريمة أن بعض المؤمنين الشاهدين علي رسالته صلي الله عليه وآله وسلم متصف بهذا الوصف، فحينئذ إن قلنا بأنه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ثبت المطلوب، وإن قيل بأنه غيره لزم أن لا يكون أعلم أمته، أو أن يكون عالما بما فوق علم الكتاب حتي يصير أعلم من العالم بالكتاب، وكلاهما باطل، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأن الكتاب جامع للكل، فليس فوق العلم به علم آخر إلا ما يختص بذاته تعالي. وإلي ما بيناه ينظر ما روي عن ابن عباس أنه قال: لا والله ما هو إلا علي بن أبي طالب، لقد كان عالما بالتفسير والتأويل، والناسخ والمنسوخ، والحلال والحرام) [66] يعني أنه لم يكن في أمته من يكون عالما بجميعه إلا علي بن أبي طالب عليه السلام فلا يحتمل نزولها في شأن غيره. وأيضا يظهر من الروايات [67] أن غير أتباع أهل البيت عليه السلام من الناس [ صفحه 65] إنما زعموا أن (من عنده علم الكتاب) إنما هو ابن سلام، والأئمة عليهم السلام وأتباعهم، كابن الحنفية، وابن عباس، وزيد بن علي، وسعيد بن جبير، وأمثالهم، نبهنا علي أن ذلك لا ينطبق علي عبد الله بن سلام، وإنما هو مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وليس فيهم من يدعي ثالثا، فإذا بطل بالبرهان القاطع انطباقه علي عبد الله بن سلام تعين أنه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ولا مجال لاحتمال الثالث. تنبيه: وبعد ما ظهر لك أن الآية الكريمة تدل علي أن (علم الكتاب) كله عند مولانا أمير المؤمنين والأئمة المعصومين من ذريته سلام الله عليهم أجمعين، ظهر لك أنهم أعلم وأفضل من أولي العزم من الأنبياء عليهم السلام، لأن علومهم محدودة وليس عندهم " علم الكتاب " كله. في كتاب الاحتجاج: روي عن محمد بن أبي عمير عن عبد الله بن الوليد السمان، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ما يقول الناس في أولي العزم وعن صاحبكم - يعني أمير المؤمنين - قال: قلت: ما يقدمون علي أولي العزم أحدا، فقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالي قال عن موسي: (وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة) [68] ولم يقل كل شئ، وقال عن عيسي: (ولا بين لكم بعض الذي تختلفون فيه) [69] وقال لصاحبكم - يعني أمير المؤمنين عليه السلام - (قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) وقال عز وجل (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) [70] وعلم [ صفحه 66] هذا الكتاب عنده [71] . فقد علم مولانا الصادق عليه السلام الراوي طريق استنباط ما بينه من القرآن المجيد. ومنه يظهر أن علم كل نبي من أولي العزم بمقدار ما حواه كتابه، وأن القرآن المجيد حاو للكل، وأنه سيد الكتب السماوية كما أن نبينا محمدا سيد الأنبياء صلي الله عليه وعلي آله الطاهرين وعليهم أجمعين. [ صفحه 67]

في تفسير قوله تعالي: أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسي إماما ورحمة

اشاره

هود: 17. العياشي عن مولانا الباقر عليه السلام: الذي علي بينة من ربه، رسول الله، والذي تلاه من بعده الشاهد منه أمير المؤمنين ثم أوصياؤه واحدا بعد واحد. [72] وعن مولانا الباقر والصادق سلام الله عليهما: إنما أنزلت (أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) إماما ورحمة، فقدموا وأخروا في التأليف. [73] وقد استفاضت الروايات عن أهل البيت عليهم السلام من طريقنا في أن المراد ب (شاهد منه) مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بل كادت أن تكون متواترة. [74] وفي الاحتجاج: أنه سئل عن أفضل منقبة له فتلا هذه الآية، وقال: [ صفحه 68] (أنا الشاهد من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم). [75] وقد استفاضت الروايات أيضا من طريق العامة مسندة إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام ومولانا الباقر عليه السلام وابن عباس أن المراد به مولانا أمير المؤمنين عليه السلام. [76] ومع ذلك قد اختلف المفسرون في المعني بالموصول وشاهد منه. وفي المجمع - بعد أن ذكر أن المعني بالموصول: النبي، وبالبينة: القرآن - قال: وقيل: المعني به كل محق يدين بحجة وبينة، لأن " من " يتناول العقلاء. وقيل: هم المؤمنون من أصحاب محمد صلي الله عليه وآله وسلم عن الجبائي. ثم قال في تفسير (ويتلوه شاهد منه) واختلف في معناه. فقيل: الشاهد جبرائيل يتلو القرآن علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن الله تعالي، عن ابن عباس ومجاهد والزجاج. وقيل: شاهد من الله تعالي محمد صلي الله عليه وآله وسلم، روي ذلك عن الحسين بن علي عليهما السلام وابن زيد واختاره الجبائي. وقيل: شاهد منه لسانه، أي يتلو القرآن بلسانه، عن محمد بن علي أعني ابن الحنفية والحسن وقتادة. وقيل: الشاهد منه علي بن أبي طالب عليه السلام، يشهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهو منه، وهو المروي عن أبي جعفر وعلي بن موسي الرضا عليهما السلام، ورواه الطبري بإسناده عن جابر بن عبد الله عن علي عليه السلام. [ صفحه 69] وقيل: الشاهد ملك يحفظه الله ويسدده، عن مجاهد. وقيل: بينة من ربه حجة من عقله، وأضاف البينة إليه تعالي لأنه ينصب الأدلة العقلية والشرعية يتلوه شاهد منه يشهد بصحته وهو القرآن، عن أبي مسلم، انتهي. [77] .

ينبغي التكلم في مقامات ثلاثة

اشاره

المقام الأول: في عدم صدق الموصول إلا علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم. والمقام الثاني: في عدم صدق شاهد منه إلا علي مولانا أمير المؤمنين والأئمة المعصومين من ذريته واحدا بعد واحد، وفساد سائر التفاسير المخالفة للروايات المستفيضة من الطرفين. والمقام الثالث: في اشتمالها علي المنقبة الفاضلة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأوصيائه الطاهرين، بل أفضل منقبة كما دلت عليه رواية الاحتجاج.

توضيح المقام 01

أما الأول: فلأن صدق الموصول علي غير النبي صلي الله عليه وآله وسلم يتوقف علي استجماع الصلات الثلاثة. [78] ومن الواضح أن كل محق يدين بحجة وبينة لا تتحقق فيه الصلة الثالثة، إذ لا يصدق قوله تعالي: (ومن قبله كتاب موسي) بالنسبة إلي من تقدم عليه من الأنبياء وأممهم بالضرورة، بل الثانية أيضا، كما سيظهر لك إن شاء الله تعالي، فمجرد تناول " من " للعقلاء لا يوجب الحكم بإرادة العموم، مع عدم وجود الصلات فيهم. وأما تفسيره بالمؤمنين من أصحاب محمد صلي الله عليه وآله وسلم فلا ينطبق عليهم الصلة الثانية لأن المراد من شاهد منه حينئذ إما النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو القرآن، إذ لا مجال [ صفحه 70] لاحتمال سائر الوجوه من كونه جبرائيل، أو الملك الحافظ للنبي صلي الله عليه وآله وسلم حينئذ. والفعل مأخوذ إما من التلاوة أو التلو، فيحصل هناك وجوه أربعة وكل منها باطل. أما الأول: وهو إرادة كون النبي صلي الله عليه وآله وسلم تاليا للبينة - أي القرآن - عليهم ففاسدة معني ولفظا. أما معني فمن جهة أن من كان علي بينة من ربه - أي القرآن المنزل من الرب تعالي - إنما هو النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا المؤمنون من أصحابه، إذ القرآن إنما نزل علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وكان بينة لنبوته، فكيف يجوز أن يقال المؤمنون علي هذه البينة، ويجعل النبي تاليا لهذه البينة عليهم، فيلزم حينئذ أن يكون المؤمنون أصلا في هذه البينة والنبي فرعا وهو غلط. وأما لفظا فلأن الجملة المعطوفة علي الصلة يجب أن تشتمل علي الضمير الراجع إلي الموصول، إلا إذا كانت معطوفة بالفاء، والجملة خالية عن العائد حينئذ، لأن الضمير المنصوب يرجع إلي " بينة " حينئذ والمجرور إلي الرب. وأما الثاني وهو كون النبي صلي الله عليه وآله وسلم تاليا - أي تابعا - فأفسد، لأنه إن قيل حينئذ برجوع الضمير المنصوب إلي الموصول ففساده واضح، لأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ليس تاليا وتابعا للمؤمنين من أصحابه، وإن قيل برجوعه إلي بينة، ففيه - مضافا إلي ما ذكر في الوجه الأول من الفساد لفظا ومعني - أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ليس تاليا وتابعا للبينة أي القرآن بالنسبة إلي المؤمنين، وإنما القرآن تال للنبي صلي الله عليه وآله وسلم بالنسبة إليهم، فإنه المخلف عنه صلي الله عليه وآله وسلم والباقي فيهم مع العترة الطاهرة [ صفحه 71] إلي أن يردا عليه الحوض. [79] وأما الثالث: وهو كون القرآن تاليا بمعني التلاوة، فلا مجال له، لأنه بهذا المعني متلو لا تال. وأما الرابع: وهو أن القرآن تال أي تابع فمع رجوع الضمير المنسوب إلي الموصول لا مجال له كما هو ظاهر، ومع رجوعه إلي (بينة) ففاسد لفظا ومعني. أما لفظا فقد ظهر. وأما معني فلأن المراد بالبينة حينئذ البصيرة العقلية، لا القرآن، وإلا لزم أن يتحد التالي والشاهد والمشهود به، والبصيرة العقلية ليس من قبلها كتاب موسي وإنما ثبتت القبلية بالنسبة إلي نفس المؤمنين، لا علي بصائرهم، ولو رجع ضمير من قبله حينئذ إلي الموصول للزم التفكيك بين الضميرين، وأن يكون التالي بالنسبة إلي شئ، والمتقدم بالنسبة إلي شئ آخر، وهو تعسف ركيك لا يليق به كلام البلغاء، بل من له أدني مرتبة في البلاغة، فضلا عن كلام الخالق تعالي شأنه. ثم إن إرجاع الضمير المذكر إلي بينة في أغلب الصور المذكورة خلاف الظاهر، لا يرتكب إلا مع قيام دليل عليه. ومما بيناه تبين أن الصلة الثانية كما لا تنطبق علي المؤمنين من الأصحاب، كذلك لا تنطبق علي كل محق يدين بحجة وبينة، لأن المراد من الشاهد حينئذ إما الكتاب أو النبي، فيرد جميع ما أوردناه علي التفسير الثاني، وكيف كان فقد اتضح لك غاية الاتضاح أن المعني بالموصول ليس إلا نبينا صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 72]

توضيح المقام 02

وأما المقام الثاني: وهو اختصاص شاهد منه بمولانا أمير المؤمنين والأئمة المعصومين من ذريته سلام الله عليهم أجمعين، فتوضيح الأمر فيه إلي إبطال سائر التفاسير التي ذكرها المفسرون فيه بالرأي. فأقول: أما تفسيره بجبرائيل الأمين، أو الملك الحافظ للنبي صلي الله عليه وآله وسلم فباطل من وجوه: الأول: أن الله تبارك وتعالي في مقام إثبات رسالة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم والاحتجاج علي المنكرين بأنه لا ينبغي التردد فيها من شاعر متعقل، مع استجماع هذه الأمور الثلاثة التي كل منها دليل قاطع، وبرهان مستقل علي إثبات دعواه. ومن المعلوم: أن الدليل لا بد أن يكون ظاهرا منكشفا حتي ينكشف به المدعي الذي هو مجهول، وشهادة أمين الوحي، أو الملك الحافظ من الأمور المجهولة التي يحتاج إثباتها إلي دليل، فكيف تجعل دليلا عديلا لبينة من ربه، وثبوته بخبر النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا يصلح لجعله دليلا علي نبوته صلي الله عليه وآله وسلم كما هو ظاهر، كما أن ثبوته بالقرآن لا يصلح لجعله دليلا مستقلا في قبال بينة من ربه. الثاني: أن الظاهر من الكلام أن الضمير المنصوب والمجرور يرجع إلي الموصول وهو النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولا يصدق علي الملك أنه شاهد منه صلي الله عليه وآله وسلم لعدم كونه من البشر. الثالث: أن الفعل إن أخذ من التلاوة ورجع الضمير المنصوب إلي بينة، والمجرور إلي الرب لزم خلو المعطوف عن العائد. والقول برجوع الضمير المجرور إلي الموصول حينئذ لا يستقيم من جهة عدم صدق شاهد منه علي الملك، وإن أخذ من التلو فهو باطل من وجهين: [ صفحه 73] الأول: أنهما ليسا تاليين للنبي صلي الله عليه وآله وسلم وإنما هما معه صلي الله عليه وآله وسلم لانقطاع الوحي والحفظ بوفاته صلي الله عليه وآله وسلم. والثاني: عدم صدق شاهد منه علي منهما لما عرفت. وإعادة الضمير المجرور علي الرب تعالي حينئذ مخالفة للظاهر، ضرورة أن الظاهر من الكلام رجوع الضمير الثاني إلي ما رجع عليه الأول مع صلوحه له. وأما تفسيره بالقرآن فمع تفسير الموصول بالمؤمنين من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد ظهر لك فساده. وأما مع تفسير الموصول بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم فأفسد، إذ أظهر بينة من ربه وأكملها وأتمها هو القرآن، الذي جعله الله تعالي معجزا ودليلا علي صدقه، وتحدي به فصحاء العرب وبلغائهم. فبينة من ربه إما تختص به كما زعمه بعض المفسرين، أو تعمه وغيره من المعجزات، فلا يمكن - والحال هذه - إرادة القرآن من شاهد يتلوه، مع أنه لا يصدق علي القرآن أنه شاهد منه، إذ التعبير بكلمة " من " حينئذ إما بلحاظ أن تأليفه من النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو بملاحظة تحقق النسبة والقرابة، وبطلان كلا الأمرين في غاية الوضوح. وأما تفسيره بلسانه الشريف فهو فاسد من وجوه عديدة أيضا: الأول: أن الظاهر من يتلوه بقرينة مقابلته مع قوله تعالي: (ومن قبله كتاب موسي) التلو لا التلاوة. والثاني: أن التالي حينئذ نفس الرسول، لأن اللسان آلة التلاوة، فحق التعبير حينئذ أن يقال: أفمن كان علي بينة من ربه، ويتلوه من دون ذكر شاهد منه. [ صفحه 74] والثالث: أنه لا يصدق الشاهد علي اللسان. والرابع: أنه حينئذ لا يكون دليلا آخر، وبرهانا علي حدة، مع أن الظاهر الواضح أنه عز وجل في مقام الاتيان بحجة أخري، ونسبته إلي محمد بن علي - أي ابن الحنفية - غلط، فإنه أجل شأنا من أن يصدر منه مثله، ولعله عبر عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بلسان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم كما وقع ذلك في خبر حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، قال: (أفمن كان علي بينة من ربه) رسول الله و (يتلوه شاهد منه) هو علي بن أبي طالب عليه السلام كان والله لسان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [80] ، فوهم الراوي ولم يفهم مراده. وأما تفسيره بالنبي فمع تفسير الموصول بالمؤمنين من أصحابه قد ظهر لك فساده. وأما مع تفسيره به صلي الله عليه وآله وسلم فأظهر فسادا، إذ لا يصدق علي الشخص أنه شاهد بالنسبة إلي نفسه، ولا شاهد منه ولا أنه تال له أو عليه، فنسبته إلي مولانا الحسين بن علي عليه السلام لا أصل لها وغلط قطعا. ثم إن نسبة تفسير " شاهد منه " بجبرائيل إلي ابن عباس خطأ أيضا، إذ قد ذكر في تفسير البرهان عن الحافظ أبي نعيم بثلاثة طرق عن ابن عباس: أنه علي بن أبي طالب عليه السلام. [81] قال وذكر الخطيب الخوارزمي مثله. [82] ونقل أيضا عن الثعلبي في تفسيره، وعن موفق بن أحمد، عن [ صفحه 75] ابن عباس أنه علي خاصة يشهد للنبي صلي الله عليه وآله وسلم وهو منه. [83] فلم يبق في البين إلا ما استفاضت الروايات من الطريقين أنه مولانا أمير المؤمنين، بل تواترت الروايات عن أهل البيت عليهم السلام في هذا المعني. [84] ولا ينافي نزولها في شأن مولانا أمير المؤمنين جريانها في الأئمة المعصومين من ذريته سلام الله عليهم أجمعين لما مر [85] ، ولا ينافيه صيغة الإفراد، لأن كلا منهم شاهد منه في عصره، كما أشار إليه مولانا الباقر حيث قال عليه السلام: (ثم أوصياؤه واحدا، بعد واحد) [86] ولعله لأجل تعدده وقيام الشهادة في كل عصر بواحد أتي عز وجل بصيغة الإفراد منكرة. وأما الاتيان ببينة منكرة، فلعله لأجل التنبيه علي أن ذات البينة من قبل الرب تعالي كافية في إثبات دعواه من دون فرق بين مصاديقها، ولأجل عمومها للقرآن وغيره من المعجزات وخوارق العادات، وللتعظيم، إذ قد يقصد بالتنكير التعظيم.

توضيح المقام 03

وأما المقام الثالث: وهو الاحتواء علي المنقبة الفاضلة فيظهر من مواضع منها: الأول: كونه شاهدا للرسول صلي الله عليه وآله وسلم علي رسالته. والثاني: أنه من الرسول. والثالث: أنه تال له. [ صفحه 76] والرابع، والخامس: أنه إمام ورحمة. توضيح الأمر: إن من الآثار المترتبة علي الشهادة برسالته صلي الله عليه وآله وسلم إسلام الشاهد، وهو مترتب عليها في جميع الموارد، سواء كان الشاهد معصوما أم لا. ومنها: ثبوت الرسالة بها، وهو إنما يترتب عليها إذا كان الشاهد عالما معصوما من الخطأ والزلل عمدا وسهوا وجهلا. والغرض من المقام إنما هو الثاني لا الأول، ضرورة أنه عز وجل في مقام إثبات رسالة رسوله بالحجج القاطعة التي لا ينبغي الارتياب فيها ممن له حظ من مراتب التعقل، فلو لم يكن هذا الشاهد الذي ذكره تعالي معصوما من الجهل والزلل عمدا وسهوا لم يكن لذكره في هذا المقام، وجعل شهادته في مقابل بينة الرب تعالي مقدمة علي شهادة كتاب موسي مجال. وبالجملة: ما بيناه في كمال الوضوح ونهاية الظهور ولذا لم يتجاوز المفسرون في تفسيرهم إلي من لم يكن معصوما مع اضطراب كلماتهم وكثرة اختلافهم فيه كما رأيت. فتبين بما بيناه أن كونه عليه السلام شاهدا للرسول صلي الله عليه وآله وسلم من ألقابه الشريفة الدالة علي عصمته وطهارته، بل تقديم شهادته علي شهادة كتاب موسي في الذكر يدل علي تقدمها عليها رتبة المستلزم لتقدمه علي موسي الكليم في الرتبة، لما عرفت من أن علم كل نبي طبق ما حواه كتابه، فدرجته أيضا طبق درجة كتابه، فالمقدم علي الكتاب في الرتبة مقدم علي صاحبه كذلك. هذا كله بالنسبة إلي كونه عليه السلام شاهدا للرسول صلي الله عليه وآله وسلم علي رسالته. وأما كونه من الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فمنقبة أخري قد كشف عنها الرسول صلي الله عليه وآله وسلم علي ما رواه الفريقان، أنه قال صلي الله عليه وآله وسلم: [ صفحه 77] (أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتي [87] وعلي مني وأنا منه). [88] وهي منقبة جليلة دالة علي اتحادهما وتساويهما في الكمال، وعدم ارتقاء أحد من الناس مرتبته ودرجته. وأما كونه تاليا للرسول صلي الله عليه وآله وسلم بناء علي أخذ يتلوه من التلو ورجوع الضمير المنصوب إلي الموصول، كما هو الظاهر بقرينة مقابلته مع قوله عز وجل: (ومن قبله كتاب موسي) وتذكير الضمير الظاهر في الرجوع إلي المذكر وهو الموصول لا البينة، فهو دليل علي أنه خير الناس وأفضلهم بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم وخلافته صلي الله عليه وآله وسلم بلا فصل، إذ لو تلاه غيره ابتداء لكان أحق بالذكر، بل لا مجال لذكر المتأخر وترك المتقدم. فإن قلت: يصدق التلو باعتبار التأخر والمتابعة ولا يتوقف تحققه علي الخلافة عن المتلو حتي يدل عليها. قلت: مجرد التأخر والمتابعة لا يكفي في صدق التلو في جميع الموارد، بل يعتبر في صدقه في مثل المورد كون التالي بعد المتلو في شؤونه القائمة به، ألا تري أنه لا يقال لواحد من الرعايا أو المقلدين أو الفقراء أنه يتلو السلطان، أو العالم المقلد أو التاجر، وإنما يعتبر بتالي السلطان عن ولي عهده، والقائم مقامه في السلطنة، وتالي العالم المقلد عن العالم الذي يستحق القيام مقامه في التقليد والمرجعية، وتالي التاجر عن تاجر آخر مثله. بل يمكن أن يقال إن ذلك معتبر في صدق التلو في جميع الموارد، غاية الأمر أن الشؤون والخصوصيات تختلف باختلاف الموارد. [ صفحه 78] هذا إن أخذ الفعل من التلو كما هو الظاهر، وإن أخذ من التلاوة بإرجاع الضمير المنصوب إلي بينة علي تأويلها بالقرآن، فهو دليل أيضا علي خلافته عليه السلام عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، لأن المراد من تلاوة القرآن ليس مجرد قراءته، وإلا لم يكن لذكره في مقام إثبات رسالته صلي الله عليه وآله وسلم محل ومجال، فالمراد تلاوته علي الناس في مقام إرشادهم وهدايتهم إلي دين الحق، كما أرشدهم وهداهم إليه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. ومن الواضح: أن هذا شأن خليفته، وولي عهده، والقائم بأمره، ومنه يعلم أنه عليه السلام عالم بالكتاب ظاهره وباطنه، تنزيله وتأويله. وإلا لم يكن لتخصيص التلاوة به وجه، ولم يتمكن من الهداية التامة المستفادة من الآية الكريمة، إذ لو كان ناقصا في الهداية لم يحتج عز وجل به علي إثبات رسالة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم. وأما الرابع والخامس: فدلالتهما علي المنقبة الفاضلة والإمامة صريحة غنية عن البيان وكأنه لإخراج دلالة الآية الكريمة علي إمامة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أخروهما في التأليف عن كتاب موسي ولم يعلموا أن الله تعالي أنزل القرآن علي وجه بحيث يبقي دلالته علي المطلوب للعلماء مع التغيير في تأليفه وهذا من جملة وجوه إعجاز القرآن المجيد. ومما يبين أن قوله عز من قائل: (إماما ورحمة) حال عن شاهد منه، لا كتاب موسي، ما رواه في تفسير البرهان عن طريق العامة. قال: أخبرنا أبو بكر بن مردويه قال: أخبرنا أبو بكر بن أحمد السري بن يحيي التميمي، حدثنا أبي، حدثنا عمي الحسين بن سعيد بن أبي الجهم، حدثنا أبي عن أبان بن تغلب، عن مسلم، قال: سمعت أبا ذر، والمقداد، وسلمان الفارسي قالوا: " كنا قعودا عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولكن ما معنا غيرنا إذ [ صفحه 79] أقبل ثلاثة رهط من المهاجرين البدريين، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم " تفرق بعدي ثلاث فرق: فرقة أهل حق لا يشوبه باطل، مثلهم كمثل الذهب كلما فتنته بالنار زاد جودة وطيبا، وإمامهم هذا لأحد الثلاثة، وهو الذي أمر الله في كتابه (إماما ورحمة)، وفرقة أهل باطل لا يشوبونه بحق، مثلهم كمثل خبث الحديد كلما فتنته بالنار ازداد خبثا وإمامهم هذا لأحد الثلاثة، وفرقة أهل ضلالة مذبذبين بين ذلك لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء، وإمامهم هذا لأحد الثلاثة " قال: فسألتهم عن أهل الحق وإمامهم فقالوا: " هذا علي بن أبي طالب عليه السلام إمام المتقين وأمسك عن الاثنين فجهدت أن يسميهما فلم يفعل). [89] وروي هذا الحديث أخطب خطباء خوارزم موفق بن أحمد، ورواه أيضا أبو الفرج المعافي وهو شيخ جامع صحيح البخاري، انتهي. [90] فتبين - بحمد الله تعالي - مما بيناه أن هذه الآية الكريمة أخت الآية الأولي من حيث اشتمالها علي فضائل جليلة، ومناقب كريمة، لمولانا أمير المؤمنين، والأئمة المعصومين من ذريته صلي الله عليه وآله وسلم من ثبوت رسالة الرسول في بشهادته الملازم للعصمة والطهارة، وأنه من الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وخلافته عنه، وكونه تلوا له في الكمالات فاستحقت بدلالتها علي هذه المناقب الكريمة أن تكون أفضل منقبة. تبصرة: الآية الكريمة تدل علي انحصار من يتلو الرسول في (شاهد منه)، إذ لو تلاه غير من اتصف بالوصف المذكور لذكره الله تعالي، إذ [ صفحه 80] لا يجوز الاخلال بذكره في الحكمة مع كونه في درجة شاهد، فتدل علي انحصار الخلافة والإمامة في من كان من الرسول، مع اتصافه بكونه شاهدا علي رسالته فتنحصر الإمامة والخلافة في مولانا أمير المؤمنين وأولاده المعصومين الطاهرين. فيخرج غير أقارب الرسول من كلمة (منه) وأقاربه غير المعصومين من وصف الشاهد، لما ظهر لك من أن المقصود بهذه الشهادة " المثبتة للرسالة الملازمة لعصمة الشاهد وطهارته)، ولم يدع العصمة أحد من العلويين وغيرهم سوي أئمتنا الطيبين من ذريته سلام الله عليه وعليهم أجمعين. [ صفحه 81]

في تفسير قوله تعالي: واعتصموا بحبل الله جميعا

آل عمران: 103. العياشي بإسناده عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: آل محمد هم حبل الله الذي أمر بالاعتصام به فقال: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا). [91] وقد أخرج السيد قدس سره [92] في غاية المرام في تفسير حبل الله، بآل محمد صلي الله عليه وآله وسلم ستة أخبار من طريقنا، وأربعة من طريقهم. [93] ويبين ذلك أيضا ما تواترت الروايات من الطريقين من أنه صلي الله عليه وآله وسلم أمر بالتمسك بالثقلين: كتاب الله وعترته، وقال صلي الله عليه وآله وسلم: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، ألا وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض ". [94] . [ صفحه 82] وفي رواية أبي سعيد الخدري أنه صلي الله عليه وآله وسلم قال: (أيها الناس إني تركت فيكم حبلين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض). [95] وقد ذكر في غاية المرام من الروايات الواردة في هذا الباب من طريقنا اثنين وثمانين، ومن طريقهم تسعة وثلاثين، وذكر الروايات مفصلة. [96] أقول: ولا يضر الاختلاف اليسير بينها في بعض الألفاظ لتطابقها في المعني. واعلم أن حديث العترة المتواتر، الذي لا ريب في صحته من الطريقين يدل علي أن العترة الهادية أفضل الناس وخيرهم بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم، واحتياج جميع الناس إليهم، واستغنائهم عن جميعهم، وعصمتهم وعلمهم بالكتاب كله، وخلافتهم عن الله ورسوله، وانحصار الإمامة فيهم، والاهتداء بالتمسك بذيلهم، وعدم خلو الأرض منهم إلي يوم القيامة. أما الأول: فيعلم من جعل كل من الكتاب والعترة قرينا للآخر وعديلا له غير مفترق عن صاحبه، ومتمسكا لهم جميعا، وجعل التمسك بهم رافعا للضلالة، إذ لو كان فيهم من كان مقدما علي العترة أو مساويا لهم في الفضيلة لما جعلهم متمسكين والعترة متمسكا بهم، بل لو كان فيهم من استحق التقدم عليهم لوجب أن يجعل العترة متمسكين به. وأما الثاني: فيعلم من عدم افتراق الكتاب عن العترة، وعدم افتراقهم عنه، فإن الأول يدل علي احتياج جميع الأمة إلي العترة، والثاني علي [ صفحه 83] استغنائهم عن الجميع. توضيحه: إن جميع الأمة محتاجون إلي العلم بما في كتاب الله، لأجل معرفة أحكامهم ووظائفهم، وفصل القضاء في خصوماتهم، ومعرفة حقوقهم، والحكم بالعدل فيهم، وإصلاح معاشهم، ومعادهم. والكتاب المجيد مع وفائه بجميع ما يحتاجون إليه إذ لا رطب ولا يابس إلا فيه منه مجمل كفواتح السور، ومحكم كنصوص الآيات، ومتشابه يحتمل وجوها، وله ظهر وبطن وتنزيل وتأويل، ولبطنه أيضا بطن إلي سبعين بطنا، والمحكمات منه لا يستنبط منها إلا قليل من الأحكام ولا سبيل لأحد إلي تفسير المجمل والمتشابه وتأويله وبطونه إلا من اختاره الله تعالي ترجمانا له، وجعله مطلعا عليه، وقد أعلمهم صلي الله عليه وآله وسلم بقوله " لن يفترقا " إن المفسرين لكتابه المجيد، والعالمين بمجملاته ومحكماته ومتشابهاته وتأويله وتنزيله وظهره وبطنه، إنما هو العترة الهادية، وهم المترجمون الربانيون، فدل قوله صلي الله عليه وآله وسلم " لن يفترقا " علي علم العترة بجميع ما في الكتاب، وإلا لافترقوا عنه، وعلي اختصاصهم [97] بالعلم به، وإلا افترق الكتاب عنهم، فعدم الافتراق من الجانبين يدل علي علم العترة بجميع ما في الكتاب، وعدم وجود علم الكتاب عند غيرهم، فثبت استغناؤهم عن الكل لعلمهم بالكتاب كله واحتياج الجميع إليهم لانحصار سبيل العلم بما في الكتاب في المراجعة إليهم والتمسك بهم. وأما الثالث: فيعلم من عدم افتراقهم عن الكتاب، وعدم تطرق [ صفحه 84] الضلالة في التمسك بهم، إذ لو لم يكونوا معصومين من ارتكاب الذنب، وعروض السهو والنسيان لافترقوا عن الكتاب عند ارتكاب الذنب، وطرو السهو والنسيان، ولما كان التمسك بهم مصونا عن الضلالة. وأما الرابع: وهو العلم بالكتاب كله فيظهر من الفقرتين، إذ لو كانوا جاهلين ببعض الكتاب، لافترقوا عنه، إذ الجاهل مفترق عما جهله، ولما كان التمسك بهم مصونا عن الضلالة. وأما الخامس: فيعلم صريحا من قول صلي الله عليه وآله وسلم: " ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا " ضرورة أن التمسك به يكون أمانا للمتمسك، فجعلهم قرناء للقرآن، ومحلا لتمسك الأمة صريح في إمامتهم، وولايتهم، وخلافتهم عن الله تعالي، وعن رسوله صلي الله عليه وآله وسلم. وفي بعض الروايات ذكر " خليفتين " عقيب " الثقلين ". والتزاما عقليا من قوله صلي الله عليه وآله وسلم: لن يفترقا، لدلالته علي استغنائهم عن الكل واحتياج الكل إليهم كما عرفت. ولا يعقل إمامة الجاهل، والمحتاج إلي العالم المستغني. أما حال جهله وحاجته إلي العلم فبديهي، بل وكذلك بعد رجوعه إلي المستغني وأخذ العلم من عنده، ضرورة أن رجوعه إلي المستغني وأخذ العلم من عنده ينافي مع إمامته له وائتمام العالم به، هل يرضي جاهل أن يقول: يجب علي العالم المستنبط أن يقلد الجاهل الذي يرجع إليه في معرفة وظيفته بعد أن أخبره بالحكم والوظيفة، كلا، ثم كلا. بل تقسيمه تعالي شأنه كتابه المجيد إلي مجمل ومحكم ومتشابه، يدل علي أنه تعالي جعل لكتابه مترجمين ربانيين مراجع للأمة، وإنه علم بوجود أشخاص تدعي مقامهم. [ صفحه 85] إذ لو لم يجعل الله تعالي له مترجما من عنده، مع تقسيم كتابه المجيد إلي الأقسام الثلاثة لزم الاخلال بالحكمة، حيث جعل كلامه الذي هو وسيلة الهداية موجبا للحيرة والضلالة، تعالي شأنه عن ذلك علوا كبيرا. ولو لم يكن في الأمة من يدعي منزلتهم لم يحتج إلي ذلك، لأن بيان المقصد بالرمز والتشابه إنما هو للإخفاء عن غير أهله، فلو كانت الأمة مجتمعة علي الطاعة والانقياد لهم، لم يكن في البين غير أهل، حتي يحتاج إلي الرمز والتشابه. وقد ورد عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنه تعالي شأنه قسم كتابه إلي مجمل ومحكم ومتشابه، حتي يتميز المتولون علي الخلافة عمن هو أهل للخلافة ويكون خليفة له. [98] وأما السادس: وهو انحصار الإمامة فيهم، فيعلم من قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " لن يفترقا " أيضا، لأن دلالته علي احتياج غير العترة عن الأمة إليهم تنبئ عن عدم تطرق الخلافة والإمامة فيهم، وإلا لكان الإمام منهم مستغنيا كالعترة، وهو مناقض لقوله صلي الله عليه وآله وسلم: " لن يفترقا "، بل يدل عليه أيضا قوله: ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي " إذ لو كان فيهم إمام لوجب استثناؤه من المتمسكين، ضرورة أن الإمام لا يتمسك بغيره من الأمة. وأما السابع: وهو انحصار الاهتداء في التمسك بهم، والرجوع إليهم فتدل عليه الفقرتان أيضا ظهورا وصراحة. أما ظهورا فمن الفقرة الأولي، فإن قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا " في مقام بيان أن سبيل الهداية ينحصر فيهما، ولا تكون الأمة مصونة [ صفحه 86] عن الضلالة ما لم يتمسك بهما، وظهوره في الحصر بمثابة يكون كالصراحة. وأما تصريحا فمن الفقرة الثانية، إذ لو وجد علم الكتاب عند غيرهم، وحصل الاهتداء بالرجوع إلي من عداهم، لم يصدق عدم افتراق الكتاب عنهم. وأما الثامن: فيظهر من الفقرة الأخيرة بضميمة قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " حتي يردا علي الحوض " إذ لو خلت الأرض منهم قبل ورودهم الحوض عليه صلي الله عليه وآله وسلم لافترق كل من الكتاب والعترة عن صاحبه، ولم يصدق قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " لن يفترقا حتي يردا علي الحوض " مع أنه يظهر من الفقرة الأولي التزاما أيضا، لأن ضم العترة إلي الكتاب في الصون عن الضلالة، إنما هو لحاجة الكتاب إلي ترجمان رباني في بيان مقاصده، كما هو ظاهر، ولا يكون ترجمانا له إلا العترة الهادية، لما عرفت من انحصار الاهتداء في التمسك بهم، فلو جاز خلو الأرض عنهم عليهم السلام حينا من الأحيان لزم انقطاع سبيل الهداية، ونقصان الدين بعد إكماله، ويستحيل علي الحكيم أن لا يكمل دينه، وسبيل هدايته، أو يجعله ناقصا بعد إكماله، ولا ينافي ذلك غيبة إمامنا عجل الله تبارك وتعالي فرجه في عصرنا، لأنه ينتفع به عليه السلام في حال الغيبة، كما ينتفع بالشمس من وراء السحاب. إذا اتضح لك ما بيناه، فقد ظهر لك أن حديث العترة من جوامع الكلم الذي قد جمع فيه فضائل العترة الطاهرة سلام الله عليهم. فإن قلت: ليس في الروايات الأمر بالتمسك بهما، وإنما قال صلي الله عليه وآله وسلم: " ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا " فأخبر الأمة أن في التمسك بهما، صونا عن الضلالة، ولم يأمرهم بالتمسك بهما. قلت: التعبير بهذا النحو أتم وأكمل في إفادة الوجوب من التعبير [ صفحه 87] بصيغة الأمر، لأن صيغة الأمر تحتمل الحمل علي الندب مع قطع النظر عن خصوصية المورد، وأما حصر الهداية وعدم الضلالة في التمسك بهما المستفاد من التعبير المذكور فصريح في وجوب التمسك بهما، ولا يتطرق إليه احتمال الندب، ضرورة أن التمسك بسبيل الهداية والتحرز عن طريق الضلالة واجب عقلا، فذكر الموضوع هنا يغني عن بيان حكمه، لكمال وضوحه وظهوره، مع أن التمسك بالكتاب واجب بالضرورة، ولا مجال للتفكيك بينه وبين العترة التي قرنها به وعبر عنهما بالثقلين اللذين تركهما فيهم، وجعلهما حبلين تتمسك الأمة بهما، صونا عن أن يضلوا بجعل التمسك بأحدهما واجبا دون الآخر. فإن قلت: العترة ليس نصا في أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم لمجيئه بمعني الرهط والطائفة، ومنه قول أبي بكر: نحن عترة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم التي خرج منها، وبيضته التي تفقأت عنه. [99] قلت أولا: إن العترة لم يجئ بمعني مطلق الرهط، وإنما جاء بمعني ذرية الشخص وأهله. وفي المصباح المنير: العترة نسل الإنسان. قال الأزهري، وروي ثعلب عن ابن الأعرابي: إن العترة ولد الرجل، وذريته، وعقبه من صلبه، ولا تعرف العرب من العترة غير ذلك، ويقال رهطه الأدنون - وإن ذكر بعد ذلك - ويقال إنه والرهط بمعني، ومنه قول أبي بكر إلخ. [100] إلا أن التحقيق أن قول أبي بكر من باب التجوز، كما قال ابن أبي الحديد. [ صفحه 88] قال في شرح كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام " وآخر قد يسمي عالما ليس به، فاقتبس جهائل من جهال، وأضاليل من ضلال، إلي آخر الخطبة ": وعترة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أهله ونسله، وليس بصحيح قول من قال إنه رهطه وإن بعد، وإنما قال أبو بكر - يوم السقيفة أو بعده -: " نحن عترة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وبيضته التي تفقأت عنه " علي طريق المجاز، لأنهم بالنسبة عترة له لا في الحقيقة، ألا تري أن العدناني يفاخر القحطاني فيقول له: أنا ابن عم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، يعني ليس أنه ابن عمه علي الحقيقة، لكنه بالإضافة إلي القحطاني ابن عمه، وإنما استعار ذلك ونطق به مجازا " انتهي. [101] وثانيا: إن الروايات مصرحة بأن المراد من العترة أهل بيته صلي الله عليه وآله وسلم كما اعترف بذلك أيضا ابن أبي الحديد في الشرح، حيث قال بعد ذلك: " وقد بين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن عترته من هي لما قال " إني تارك فيكم الثقلين - فقال: - وعترتي أهل بيتي ". [102] وقد ذكر في ذيل الروايات التي أسندها العامة إلي زيد بن أرقم - بعد أن أوضح العترة بأنهم أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم - أنه سئل زيد عن أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم هل تدخل فيه نساؤه؟ فقال: لا، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة عليهم [103] ويظهر منه أن تفسير العترة بأهل بيته صلي الله عليه وآله وسلم كان واضحا عندهم، ولذا سألوا عن دخول نسائه في أهل بيته لا في عترته صلي الله عليه وآله وسلم. وثالثا: إن الأوصاف التي وصف بها العترة من العصمة والطهارة، وأن التمسك بهم مصون من الضلالة، وعلمهم بالكتاب كله، إنما تنطبق [ صفحه 89] علي أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم في شأنهم بالنصوص المستفيضة، بل المتواترة من الطريقين: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك. [104] وإن عليا خير البرية، وسيد العرب، وخير الوصيين. [105] وأنا مدينة العلم، وعلي بابها. [106] وعلي مني وأنا منه. [107] وعلي مع القرآن والقرآن معه. [108] والحق مع علي وعلي مع الحق يدور معه حيث دار [109] وحق علي علي هذه الأمة كحق الوالد علي ولده. [110] إلي غير ذلك من الفضائل التي لا تحصي مما رواه الفريقان ولا شبهة فيها. وليس في الأمة من غير أهل البيت عليهم السلام من كان معصوما مطهرا من الرجس، عالما بالكتاب كله، لا يفارق القرآن ولا يفارقه حتي تنطبق أوصاف العترة عليه، ويحتمل صدقها عليه. إذا تبين لك ذلك فاعلم أن الآية الكريمة تدل علي وجوب الاعتصام [ صفحه 90] بالعترة الطاهرة، لأنه إن فسر حبل الله بهم - كما دلت عليه الروايات المفسرة - [111] فهو، وإن فسر بالقرآن - كما نسب إلي أبي سعيد الخدري، و عبد الله وقتادة والسدي [112] - يدل عليه التزاما للروايات المتواترة الدالة علي عدم افتراق أحدهما عن الآخر، فالمعتصم بأحدهما لا بد له من الاعتصام بالآخر. وإن فسر بالإسلام ودين الله، كما عن ابن عباس وأبي زيد، فكذلك لأن المعتصم به لا بد له من الاعتصام بكتاب الله، الذي لا يفارق العترة، ولا ينكشف أحكامه إلا بهم. ثم إن في التعبير بالاعتصام دلالة علي أن الأخذ بالمعتصم به يوجب الصون عن الضلالة، فهو أو في من التعبير بالتمسك ونحوه. وأما الروايات فلأجل التصريح فيها بأن الأخذ به يوجب عدم الضلالة، عبر فيها بالتمسك والأخذ به. [ صفحه 91]

في تفسير قوله تعالي: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين

اشاره

سورة التوبة: 120. في الكافي عن مولانا الباقر عليه السلام: (إيانا عني). [113] وعن مولانا الرضا عليه السلام: (الصادقون هم الأئمة الصديقون بطاعتهم). [114] وفي الاكمال عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في جمع من المهاجرين والأنصار: " أسألكم بالله أتعلمون أنه لما نزلت هذه الآية قال سلمان لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: عامة هذه الآية أم خاصة؟ فقال صلي الله عليه وآله وسلم: أما المأمورون فعامة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة لأخي وأوصيائي من بعده إلي يوم القيامة، قالوا: اللهم نعم. [115] وقد استفاضت الروايات من طريقنا وطريق العامة: أن الصادقين هم [ صفحه 92] أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم المطهرون. وقد ذكر في غاية المرام عشرة أخبار من طريقنا، وسبعة أخبار من طريق العامة. [116] أقول: ويدل علي اختصاص الصادقين في الآية الكريمة، بالأئمة المعصومين الطيبين من آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم، وعدم إرادة مطلق الصادقين منه، كما دلت عليه الروايات المستفيضة من الطرفين: أنه لو كان المراد بالصدق مطلق الصدق الشامل لكل مرتبة منه، المطلوب من كل مؤمن، وبالصادقين المعني العام، الشامل لكل من اتصف بالصدق في أي مرتبة كان، لوجب أن يعبر مكان " مع " بكلمة " من "، ضرورة أنه يجب علي كل مؤمن أن يتحرز عن الكذب، ويكون من الصادقين، فالعدول عن كلمة " من " إلي " مع " يكشف عن أن المراد بالصدق مرتبة مخصوصة، وبالصادقين طائفة معينة.

دلالة هذه الآية علي عصمة الأئمة الطاهرين

ومن المعلوم أن هذه المرتبة مرتبة كاملة، بحيث يستحق المتصفون بها أن يتبعهم سائر المؤمنين جميعا، وهذه المرتبة الكاملة التي تكون بهذه المثابة ليست إلا العصمة والطهارة، التي لم يتطرق معها كذب في القول والفعل، إذ في الأمة من طهره الله تعالي، وأذهب عنه الرجس، وهم أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم، بنص آية التطهير، واتفاق جميع المسلمين، فلو أريد من الصادقين غير المعصومين لزم أن يكون المعصومون مأمورون بمتابعة غير المعصومين المتطرق فيهم الكذب ولو جهلا أو سهوا، وهو قبيح عقلا، فتعين أن يكون المراد الصادقون المطهرون، الحائزون جميع مراتب الصدق قولا وفعلا، ولا يصدق ذلك إلا علي أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وإليه يشير قول مولانا الرضا عليه السلام: " هم الأئمة الصديقون [ صفحه 93] بطاعتهم. [117] ويدل علي كونهم أئمة كما نبه عليه مولانا الرضا عليه السلام في هذه الرواية أمره سبحانه وتعالي جميع المؤمنين - بعد أمرهم بالاتقاء عن محارمه - بأن يكونوا مع الصادقين، ولا يصدق الكون معهم إلا بأن يكونوا تحت طاعتهم، متحرزين عن مخالفتهم، وليس للإمامة معني إلا افتراض طاعة الإمام علي المأموم من قبله تعالي، بل لا تعبير أقرب إلي معني الإمامة من أمر المؤمنين بأن يكونوا معه، إذ حقيقة الائتمام عبارة عن متابعة المأموم إمامه، وعدم مفارقته عنه. فإن قلت: افتراض الطاعة لا يكشف عن الإمامة، إذ يجب علي الولد طاعة والده، وعلي الزوجة طاعة زوجها، مع عدم الإمامة لهما. قلت: افتراض طاعتهم علي جميع المؤمنين - كما يقتضيه عموم الموصول - من دون استثناء لا في مدلول الموصول، ولا في الطاعة يلازم الإمامة، بخلاف افتراض الطاعة علي شخص مخصوص بعلاقة الأبوة أو الزوجية، وهكذا في جهات خاصة محدودة، فإنه لا يلازم الإمامة كما هو ظاهر. ويكشف أيضا عن عموم الأمر بالكون مع الصادقين لجميع المؤمنين: أنه تعالي أمرهم بالاتقاء عن محارمه، وعطف عليه الأمر بالكون مع الصادقين، فإن الأمر بالتقوي يعم الجميع، ولا يحتمل فيه تخصيص وتقييد، فعطفه تعالي شأنه الأمر بالكون مع الصادقين علي الأمر بالاتقاء تصريح بالعموم، فليس لأحد أن يتقدم علي الصادقين من آل محمد: علي وأولاده الطيبين الطاهرين، صلي الله عليه وعليهم أجمعين. [ صفحه 94]

في تفسير قوله تعالي: و إني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدي

طه: 82. في غاية المرام: أحمد بن محمد بن خالد البرقي، في المحاسن، عن أبيه، عن حماد بن عيسي - فيما أعلم - عن يعقوب بن شعيب، قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام من قول الله عز وجل (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدي) قال: (إلي ولايتنا والله، أما تري كيف اشترط الله عز وجل. [118] أقول: ويدل علي ذلك [119] أيضا أن الذي يعتبر في قبول التوبة والإيمان [ صفحه 95] والعمل الصالح إنما هو ولاية أهل البيت عليهم السلام، علي ما تواترت فيه روايات الفريقين. من أنه لا يكمل الإيمان، ولا يقبل عمل صالح إلا بولاية مولانا أمير المؤمنين، والأئمة المعصومين من ذريته سلام الله عليهم أجمعين. [120] وإن معرفة الله لا تتم إلا بمعرفتهم وولايتهم. [121] ولو أن رجلا قام ليله، وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله، وحج جميع دهره، ولم يعرف [ولاية] ولي الله فيواليه، ويكون جميع أعماله [ صفحه 96] بدلالته إليه، ما كان علي الله عز وجل حق في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان، [ثم قال] أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة [بفضل رحمته]. [122] والروايات فيه من طريق الفريقين كثيرة جدا، وإلي ذلك أشار مولانا الصادق عليه السلام حيث قال بعد أن قال: اهتدي إلي ولايتنا والله، أما تري كيف اشترط الله عز وجل) معني أن الشرط المعتبر في كمال الإيمان وقبول العمل الصالح الموجب للغفران ليس إلا ولايتنا أهل البيت عليهم السلام، [123] وهذا واضح لمن نظر في روايات الفريقين. ومن جملة روايات العامة أنه قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (من مات علي حب آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم مات شهيدا، ومن مات علي حب آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم مات مغفورا له، ألا ومن مات علي حب آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم مات تائبا، ألا ومن مات علي حب آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم مات مؤمنا مستكمل الإيمان، ألا ومن مات علي حب آل محمد [صلي الله عليه وآله] بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير، ألا ومن مات علي حب آل محمد [صلي الله عليه وآله] مات علي السنة والجماعة، ألا ومن مات علي بغض آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه: آيس من رحمة الله، ألا ومن مات علي بغض آل محمد [صلي الله عليه وآله] مات كافرا، ألا ومن مات علي بغض آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم لم يستشم رائحة الجنة ". [124] والحمد لله الذي هدانا لمحبتهم وولايتهم، ورزقنا البراءة من أعدائهم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. [ صفحه 97] ويدل علي ذلك أيضا أن الله تعالي جعل لكل قوم هاديا من آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم علي ما استفاضت روايات الفريقين، بل كادت أن تكون متواترة من أن قوله عز وجل: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)، [125] إنما نزل في شأن مولانا أمير المؤمنين والأئمة المعصومين عليه السلام وأنه لكل قوم هاد بعد هاد من آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم، ولا تخلو الأرض منهم. [126] ومن المعلوم أن من جعله تعالي هاديا لأمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم يجب الاهتداء إليه بمعرفته وولايته أولا، ثم الاهتداء به ثانيا، فهذا الاهتداء الذي بعد التوبة والإيمان بالله ورسوله والعمل الصالح، ليس إلا الاهتداء بالهادي الذي جعله الله هاديا. [127] ثم إن تغيير السياق في المتعاطفات، وعطف اهتدي ب " ثم "، [128] دون [ صفحه 98] (آمن وعمل) يدل علي أن الإيمان والعمل الصالح لا يوجب الاهتداء والخروج عن الضلالة، بل الخروج عنها والاهتداء إلي الحق يحتاج إلي أمر آخر، لأن كلمة " ثم " تدل علي أن ما بعده مترتب علي ما قبله بتراخ، فلو كان الإيمان والعمل الصالح كافيا في الاهتداء والخروج عن الضلالة لم يكن مجال للعطف بكلمة " ثم "، ولا ضلالة بعد الإيمان والعمل الصالح علي طريقة أهل السنة، لأن الخلافة عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم عندهم من فروع الدين، ولذا تتحقق عندهم بالبيعة، فعدم الخروج عن الضلالة بالإيمان والعمل الصالح إنما يتم علي طريقة الشيعة الإمامية من أن معرفة الإمام والخليفة من أصول الدين، ولا تثبت الخلافة والإمامة إلا بالنص من الله تعالي ومن رسوله صلي الله عليه وآله وسلم فقد ورد من الطريقين: " أن من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة الجاهلية). [129] وأما المفسرون بالرأي فقد فسروا الاهتداء مرة بلزوم الإيمان واستمراره إلي موته، وأخري بأن لا يشك في إيمانه، وتارة بأن كان عاملا بالسنة وتاركا للبدعة. وقد ذكر في مجمع البيان كلا من هذه الوجوه، ونسب كلا منها إلي قائل. [130] . [ صفحه 99] وفيه أن الوجه الثالث راجع إلي العمل الصالح، فلا مجال لترتيبه عليه، وعطفه بكلمة " ثم "، والوجهين الأولين إلي وجه واحد، وهو استمرار الإيمان، وثباته عليه إلي موته، وهو مناف لكلمة " اهتدي " الدال علي قبول الهداية، الملازم لعدم خروجه عن الضلالة، قبل قبوله الهداية، لأن قبول الهداية مسبوق بالضلالة، واستمرار الإيمان مسبوق بالإيمان الذي هو أساس الهداية، فلا مجال لتفسير أحدهما بالآخر. وأيضا المتميز بكلمة " ثم " الدالة علي التراخي، لعله لأجل التنبيه علي تراخي الأمة عن الاهتداء، دون المتعاطفين الآخرين، فإنه لم يكن أمر أشق عليهم من الاهتداء بولاية أهل البيت عليهم السلام كما يظهر لمن كان له أدني تتبع في حالات الصحابة، وروايات الفريقين. وقد أسند في غاية المرام إلي أنس بن مالك أنه قال: " رجعنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قادمين من تبوك، فقال لي في بعض الطريق: ألقوا إلي الأحلاس والأقتاب ففعلوا، وصعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فخطب فحمد الله وأثني عليه كما هو أهله ثم قال: " معاشر الناس ما لي إذا ذكر آل إبراهيم تهللت وجوهكم، وإذا ذكر آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم كأنها تفقأ في وجوهكم حب الرمان، فوالذي بعثني بالحق نبيا لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال، ولم يجئ بولاية علي بن أبي طالب لأكبه الله عز وجل في النار ". [131] أقول: ويكفي في بغض آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم تقديم غيرهم عليهم، ومتابعة أمرهم، وتنفيذ أحكامهم، والمراجعة إليهم دون آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم كما نطقت به الروايات، ووجهه واضح، لأن المحب لا يعرض [132] حبيبه، ومحقق لما حققه، [ صفحه 100] ومبطل لما أبطله. ومن الواضح البين الذي لا ريب فيه: أن مولانا أمير المؤمنين والأئمة المعصومين [عليهم السلام] من ذريته يرون أن الخلافة والولاية تختص بهم، وأن الناس منعوهم عن حقهم، فمن تابع مانعيهم، وأنفذ أمرهم، ويري أن لهم حقا: مكذب لآل محمد صلي الله عليه وآله وسلم وكاذب في دعوي محبتهم قطعا. [ صفحه 101]

في تفسير قوله تعالي: وقفوهم إنهم مسؤولون

اشاره

الصافات: 24. في غاية المرام: ابن شهرآشوب من طريق العامة وغيرهم، عن محمد بن إسحاق الشعبي، والأعمش، وسعيد بن جبير، وابن عباس، وأبو نعيم الإصفهاني، والحاكم الحسكاني، والنظيري (كذا)، وجماعة أهل البيت عليهم السلام: (وقفوهم إنهم مسؤولون) عن ولاية أهل البيت، وحبهم. [133] وقد روي الشيخ في أماليه بإسناده عن عبد الله بن عباس، قال: (قلت يا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أوصني، فقال: عليك بمودة علي بن أبي طالب عليه السلام، والذي بعثني بالحق نبيا لا يقبل الله من عبد حسنة حتي يسأله عن حب علي بن أبي طالب عليه السلام وهو تعالي أعلم، فإن جاء بولايته، قبل عمله علي ما كان منه، وإن لم يأت بولايته لم يسأله عن شئ، ثم أمر به إلي النار). [134] وقد استفاضت الروايات في هذا الباب، وفي عدم جواز العبد علي [ صفحه 102] الصراط ودخول الجنة إلا بجواز من أمير المؤمنين عليه السلام بولايته، وولاية أهل البيت من الطريقين. وقد ذكر في غاية المرام - في هذا الباب - من طريقهم عشرين حديثا، ومن طريقنا ثمانية عشر. [135] ومن جملة الروايات من طريقهم ما ذكره عن موفق بن أحمد من أعيان العامة في " كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام مسندا إلي الحسن البصري، عن عبد الله قال: " قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إذا كان يوم القيامة يقعد علي بن أبي طالب علي الفردوس - وهو جبل قد علا علي الجنة - وفوقه عرش رب العالمين، ومن سفحه تتفجر أنهار الجنة، وتتفرق في الجنان، وهو جالس علي كرسي من نور يجري من بين يديه التسنيم، لا يجوز أحد الصراط إلا ومعه براءة بولايته وولاية أهل بيته، يشرف علي الجنة فيدخل محبيه الجنة ومبغضيه النار ". [136] أقول: ويدل ذلك علي اختصاص الإمامة والخلافة بأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعدم اختصاص من عداهم لها.

شواهد مخالفة أهل البيت مع المتصدين لأمر الخلافة

توضيح ذلك: أن مولانا أمير المؤمنين، والأئمة المعصومين من ذريته سلام الله عليهم أجمعين، كانوا مدعين للإمامة بالضرورة، معلنين بأنها حق خاص لهم، إن أطاعتهم الأمة قاموا بها، وإن منعوهم عنها ودفعوهم عن مقامهم صبروا علي ذلك حتي يحكم الله لهم، والمبايعة مع من عداهم لم تكن عن طوع ورغبة، فإن شواهد مخالفة أهل البيت عليهم السلام مع المتصدين لأمر الخلافة واضحة لائحة. [ صفحه 103] منها: استنصار مولانا أمير المؤمنين عليه السلام من المهاجرين والأنصار ليلا، واحتجاجه عليهم، وعدم بيعته مع أبي بكر إلا بعد ظهور الغدر منهم، وعدم وفائهم بما وعدوه من نصرته إلا أربعة، بل في صحيح البخاري أنه عليه السلام لم يبايع أبا بكر مدة حياة فاطمة عليها السلام وذكر أن مدة بقائها بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ستة أشهر. [137] ومنها: هجر القرآن الذي ألفه، وجمعه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بحيث لا يطلع عليه أحد من المسلمين إلا أهل البيت عليهم السلام، مع أنه عليه السلام أول من جمعه بأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ووصيته، وأعلم الأمة باتفاقهم، وأحد الثقلين الذي لا يفارق القرآن ولا يفارقه، فردهم القرآن الذي ألفه بأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما أنزل عليه أمين الوحي جبرائيل لا يكون إلا عن مخالفتهم معه عليه السلام. لا يقال: إنما لم يقبلوا ما جمعه وألفه لأنه شاهد واحد، ولم يشارك معه غيره، والشاهد الواحد غير مقبول، ولذا لم يقبلوا شرعا من غيره آية إلا إذا شهد به عدلان. لأنا نقول: لم يكن عليه السلام شاهدا بل كان وصيا من قبل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في جمعه وتأليفه كما أنزل عليه صلي الله عليه وآله وسلم: " وقول الوصي نافذ " وإن كان واحدا ولا يعتبر فيه التعدد بالضرورة، ولو تنزلنا وقلنا: إنه عليه السلام كان شاهدا وجب تنفيذ شهادته لعصمته وطهارته، بنص آية التطهير، ولا يجوز رد شهادة من تبينت عصمته. ومنها: تصرف فدك وعزل عمال فاطمة عليها السلام وإسناد الحديث إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأنا معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقه، ومخاصمتهم مع [ صفحه 104] فاطمة عليها السلام، ومطالبة البينة منها، ورد شهادة مولانا أمير المؤمنين، والحسن، والحسين، سلام الله عليهم أجمعين، مع إثبات الحجة عليهم بأنه ليس لأحد أن يطالب بالبينة ممن نزلت في شأنه آية التطهير، وشهد الله تعالي بطهارته وعصمته، ولا رد شهادة من كان كذلك، مع أن فدك كانت في يدها عليها السلام، ولا يطالب ذو اليد بإقامة البينة، فهل هذا إلا مخالفة بينة وهل يكون أمر أبين من هذا؟ ومنها: دفن فاطمة الزهراء عليها السلام ليلا، وإخفاء قبرها وامتناعه عليه السلام من حضورهما في تشييع جنازتها والصلاة عليها حسب وصيتها عليها السلام الكاشفة من عدم رضائها منهما. ومنها: مناشدة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مع أصحاب الشوري واحتجاجه عليهم [138] بفضائله، ومناقبه التي لا تحصي بأن الحق كان من أول الأمر له خاصة، وأن بيعته معهما لم تكن إلا عن كره وإجبار، والمناشدة مفصلة وقد رواها الفريقان في كتبهم. ومنها: شكايته عليه السلام من الخلفاء - قبله - في خطبه عليه السلام في مواطن كثيرة [139] حتي قال الأشعث بن قيس لأمير المؤمنين عليه السلام: (يابن أبي طالب: ما منعك حين بويع أخو تيم بن مرة، وأخو عدي، وأخو بني أمية بعدهما أن تقاتل وتضرب بسيفك فإنك لم تخطبنا منذ قدمت العراق إلا قلت فيها: والله إني أولي الناس بالناس وما زلت مظلوما، قال عليه السلام قد قلت فاستمع الجواب: لم يمنعني من ذلك الجبن، ولا كراهة للقاء ربي، ولا أن أعلم بما عند الله خير لي من الدنيا بما فيها، ولكن منعني من ذلك أمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [ صفحه 105] وعهده إلي: أخبرني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بما الأمة [صانعة بي] بعده، فلم أكن بما صنعوا حين عاينته بأعلم مني به، ولا أشد يقينا به مني، بل أنا بقول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أشد يقينا لما عاينت وشاهدت، فقلت لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فما تعهد إلي إذا كان ذلك؟ قال: إن وجدت أعوانا، فانبذ إليهم وجاهدهم. وإن لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك حتي تجد علي إقامة كتاب الله وسنتي أعوانا، وأخبرني أن الأمة ستخذلني، وتتبع غيري، وأخبرني أني منه بمنزلة هارون من موسي، وأن الأمة سيصيرون بعده بمنزلة هارون ومن تبعه، ومنزلة العجل ومن تبعه، فقال موسي: (يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا - ألا تتبعن أفعصيت أمري) [140] قال: (يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني). [141] (وقال يا بن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي). [142] وإنما يعني أن موسي أمر هارون حين استخلفه عليهم إن ضلوا، ثم وجد أعوانا أن يجاهدهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه، ولا يفرق بينهم، وإني خشيت أن يقول أخي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فرقت بين الأمة ولم ترقب قولي، وقد عهدت إليك إن لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك ودم أهل بيتك وشيعتك، فلما قبض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قام الناس إلي أبي بكر فبايعوه - وأنا مشغول - وآليت علي نفسي أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتي أجمعه في كتاب، ثم حملت فاطمة عليها السلام وأخذت بيد ابني الحسن والحسين عليهما السلام فلم أدع أحدا من أهل البدر، وأهل السابقة من [ صفحه 106] المهاجرين والأنصار إلا ناشدتهم الله في حقي، ودعوتهم إلي نصرتي فلم يستجب لي من الناس إلا أربعة نفر: الزبير، وسلمان، وأبو ذر، والمقداد) هكذا في غاية المرام عن كتاب سليم بن قيس. [143] ومنها: خطبة مولانا أبي محمد الحسن عليه السلام في مجلس معاوية، والخطبة مفصلة، وقد ذكر عليه السلام فيها جملة من مناقب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ومناقبه عليه السلام ومناقب سائر أهل البيت سلام الله عليهم، ثم قال بعد ذلك: " وإن معاوية بن صخر زعم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا فكذب معاوية - وأيم الله - لأنا أولي الناس بالناس في كتاب الله، وعلي لسان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، غير أنا لم نزل أهل البيت مخيفين مظلومين مضطهدين، منذ قبض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا، ونزل علي رقابنا، وحمل الناس علي أكتافنا، ومنعنا سهمنا في كتاب الله من الفئ والغنائم، ومنع أمنا فاطمة [سلام الله عليها] ما جعل لها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي آخر الخطبة. [144] وبالجملة مخاصمة أهل البيت عليهم السلام مع المتصدين لأمر الخلافة والإمامة في استحقاق الخلافة واضحة لائحة، فحينئذ يدور الأمر بين أن يكون أهل البيت عليهم السلام صادقين في دعواهم أو كاذبين، والكاذب مبغوض عند الله تعالي ولا تكون ولايته وحبه واجبا مسؤولا عنها يوم القيامة. ومن كمال الإيمان به وبرسوله بحيث لا يجوز أحد علي الصراط إلا بولايتهم، وأخذ الجواز والبراءة منهم، فتعين أن يكونوا صادقين، وإذا ثبت أنهم صادقون ثبت [اختصاص الإمامة والخلافة بهم]. [ صفحه 107]

في تفسير قوله تعالي: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد

سورة ق: 24. في غاية المرام: أسند الحديث من طرقنا، وطرق العامة إلي شريك بن عبد الله القاضي، أنه قال: (حضرت سليمان الأعمش في العلة التي قبض فيها، فبينما أنا عنده إذ دخل عليه ابن شبرمة، وابن أبي ليلي، وأبو حنيفة، فسألوه عن حاله، وذكر ضعفا شديدا، وذكر ما يتخوف من خطيئاته، وأدركته رقة فبكي، وأقبل عليه أبو حنيفة، فقال: يا أبا محمد اتق الله وانظر نفسك، فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، وقد كنت تحدث في علي بن أبي طالب بأحاديث لو رجعت عنها لكان خيرا لك، قال الأعمش: مثل ماذا يا نعمان؟ قال: مثل حديث عباية: أنا قسيم النار، قال: ولمثلي تقول - يا يهودي - أقعدوني وسندوني؟ حدثني - والذي إليه مصيري - موسي بن طريف، ولم أر أسديا كان خيرا منه، قال: سمعت عباية بن ربعي إمام الحي، فقال: سمعت عليا أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أنا قسيم النار، أقول وقولي: هذا وليي دعيه، وهذا عدوي خذيه. [ صفحه 108] وحدثني أبو المتوكل الناجي في إمرة الحجاج، وكان يشتم عليا شتما مقذعا - يعني الحجاج - نعم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " إذا كان يوم القيامة قال الله عز وجل لي ولعلي بن أبي طالب: أدخلا النار من أبغضكما، وأدخلا الجنة من أحبكما " وذلك قوله تعالي: (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد)، قال: فقام أبو حنيفة وقال: قوموا لا يأتي بأطم من هذا، قال شريك بن عبد الله: فما أمسي - يعني الأعمش - حتي فارق الدنيا. [145] أقول: سليمان الأعمش من أجلاء الشيعة، مشهور بحب أهل البيت، معروف عند الخاصة والعامة، وله قصة مشهورة مع أبي جعفر المنصور، من الخلفاء العباسيين - وقد سأله المنصور في الليلة التي حضرها عنده - فقال: سألتك بالله كم حديث ترويه في فضائل علي عليه السلام، فقال: يسيرا، قال كم؟ قال: عشرة آلاف وما زاد. [146] والروايات في هذا الباب مستفيضة من الطرفين، ويدل عليه الروايات المتقدمة في الباب السابق من عدم جواز العبد علي الصراط، وعدم دخوله الجنة إلا ببراءة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وجوازه والروايات المستفيضة المتكاثرة من الجانبين علي أنه ساقي الحوض، [147] وأنه يذود رجالا من الحوض كما يذاد البعير الضال عن الماء، [148] وأنه قسيم الجنة والنار. [149] . [ صفحه 109] ومن جملة روايات العامة ما رواه موفق بن أحمد بإسناده عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب عليه السلام: " إذا كان يوم القيامة يؤتي بك - يا علي - بنجيب من نور، وعلي رأسك تاج، قد أضاء نوره، وكاد يخطف أبصار أهل الموقف، فيأتي النداء من عند الله جل جلاله: أين خليفة محمد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ فتقول: ها أنذا، قال: فينادي المنادي: أدخل من أحبك الجنة ومن عاداك في النار، فأنت قسيم الجنة وقسيم النار. [150] وأيضا موفق بن أحمد، بإسناده عن نافع عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (علي عليه السلام صاحب لوائي، وأميني علي الحوض، ومعيني علي مفاتيح خزائن الجنة). [151] والحمويني من علماء العامة ذكر رواية مفصلة مسندة إلي أبي سعيد الخدري، وذكر في آخرها: إن مفاتيح الجنة، ومقاليد النار تسلم إلي علي بأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيقف علي عجزة جهنم، وقد تطاير شررها، واشتد حرها، وعلي عليه السلام آخذ بزمامها، فتقول له جهنم: يا علي جزني فقد أطفأ نورك لهبي، فيقول لها علي عليه السلام: قري يا جهنم خذي هذا عدوي، واتركي هذا وليي فلجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي عليه السلام فيما يأمرها به من جميع الخلائق. [152] وبالجملة: الروايات المتظافرة المتكاثرة من الجانبين في أنه عليه السلام الساقي [ صفحه 110] من الحوض وليه، والذائد عنه عدوه، وأنه حامل اللواء، ولا يجوز العبد علي الصراط، ولا يدخل الجنة إلا بإذنه، وأنه قسيم النار والجنة، وأنه الآمر علي النار بأخذ عدوه وترك وليه، [153] تنبئ عن معني واحد، وهو تفويض أمر الجنة والنار إليه عليه السلام، يسكن في الجنة من والاه، ويدخل في النار من عاداه. ومجموع الأخبار في إفادة هذا المعني متواترة، ومن هذا شأنه يدور مع الحق والحق معه لا محالة، ضرورة أنه لو لم يكن كذلك لم يستحق هذه الموهبة العظيمة من الله تعالي، فلا يقول إلا صدقا ولا يعمل إلا حقا، وإذا ثبت ذلك ثبت اختصاص الإمامة والخلافة به، وبذريته الطاهرين سلام الله تعالي عليهم أجمعين، لما عرفت من أنه عليه السلام لم ير للخلافة أهلا إلا نفسه الشريفة وأولاده الطيبين عليهم السلام. [ صفحه 111]

في تفسير قوله تعالي: إنما أنت منذر و لكل قوم هاد

اشاره

الرعد: 7. عن بريد العجلي عن مولانا أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) فقال: رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم المنذر، ولكل زمان منا هاد يهديهم إلي ما جاء به نبي الله صلي الله عليه وآله وسلم، ثم الهداة من بعده: علي عليه السلام ثم الأوصياء واحدا بعد واحد). [154] وفي غاية المرام: إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة، في كتاب فرائد السمطين في فضائل المرتضي وفاطمة والسبطين عليه السلام قال: أنبأنا شيخنا العلامة نجم الدين عثمان بن الموفق، أنبأنا المؤيد بن محمد بن علي الطوسي إجازة، أنبأنا الشيخ عبد الجبار بن محمد الجواري البيهقي، أنبأنا الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، قال: من الآيات فيها علي تلو النبي صلي الله عليه وآله وسلم في قوله: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد). [155] وذكر أيضا: عن إبراهيم الحمويني - مسندا إلي أبي هريرة الأسلمي - قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (إنما أنت منذر) وضع يده علي صدر نفسه، ثم وضعها علي يد علي عليه السلام ويقول: (لكل قوم هاد). [156] . [ صفحه 112] ونقل فيه عن الثعلبي مسندا إلي ابن عباس، قال: (لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يده علي صدره، وقال: أنا المنذر، وأومأ بيده إلي منكب علي بن أبي طالب عليه السلام: أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون). [157] .

الروايات في وصف العترة الطاهرة بأنهم مع الكتاب لا يفارقهم و لا يفارقونه مستفيضة

والروايات في هذا المعني من الطريقين كثيرة مستفيضة، بل الرواية عن خصوص ابن عباس في هذه الآية بهذا المعني مستفيضة من الطريقين، كما ذكره في غاية المرام. [158] وقال ابن شهرآشوب: صنف أحمد بن محمد بن سعيد - يعني ابن عقدة - كتابا في قوله تعالي: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) إنما نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام. [159] أقول: ويدل علي ذلك أيضا الروايات المتواترة من الجانبين في وصف العترة الطاهرة، بأنهم: مع الكتاب، لا يفارقهم ولا يفارقونه، وأنه لا صون عن الضلالة إلا مع التمسك بهم. [160] والروايات المستفيضة من الطرفين، في أن مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق. [161] ووجه الدلالة واضح: إذ لو كان الهادي الذي أخبر الله تعالي به في كتابه من غير أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم لكان التمسك به مصونا عن الضلالة وسببا [ صفحه 113] للنجاة، وكان قرينا لكتابه المجيد، مع أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يقرن مع الكتاب إلا أهل بيته وصرح بأنهما لن يفترقا، أي لا يوجد علم الكتاب إلا عندهم، وجعل جميع الأمة متمسكين بهم بقوله صلي الله عليه وآله وسلم: " ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا " وحصر النجاة في التمسك بهم بقوله صلي الله عليه وآله وسلم: " ومن تخلف عنها غرق ". وشعر حسان من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم معروف مشهور. إنما أنت منذر لعباد وعلي لكل قوم هاد واعلم أن الآية الكريمة تدل علي احتياج الأمة إلي الهادي، الذي جعله الله تعالي هاديا لهم، لأنه تعالي حصر وصف نبيه صلي الله عليه وآله وسلم في الانذار. ومن الواضح أن الدين والإسلام لا يكمل بالإنذار فقط، لأن الانذار إنما يوجب تأسيس الأساس، ومجرد التأسيس لا يوجب البقاء، لأنه معرض للزوال والنقصان، فلا بد في إبقائه من وجود قيم وحافظ وهاد يهدي إليه في القرون الآتية، فقال عز من قائل بعد ذلك: (ولكل قوم هاد) يعني أني كما جعلتك نبيا منذرا، وأسست أساس الدين بك، أكملته وأحكمته، وأتممت نعمتي علي الناس، بأن جعلت لكل قوم في القرون اللاحقة هاديا، به يهتدي المهتدون، وينفي عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

دلالة هذه الآية علي أمور ثلاثة

فدلت الآية الكريمة علي أمور: الأول: الاحتياج إلي هاد بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم في إبقاء الدين، وصونه عن النقصان والزوال. والثاني: أن منصب الهداية [162] كمنصب الانذار، إنما هو من المناصب [ صفحه 114] الإلهية التي لا يتطرق فيه اختيار الناس. والثالث: أنه تلو النبوة، لأن تأثير أحدهما في التأسيس والآخر في الابقاء، فكلاهما من أصول الدين، ويجب علي الناس معرفة الهادي والاعتراف بمقامه، واتباعه، كما يجب عليهم معرفة المنذر، والإقرار برسالته وإطاعته. وإذا اتضح لك: أن هذا المنصب من المناصب الرفيعة الإلهية اتضح لك أن معرفة صاحبه لا تكون إلا بتوسط المنذر صلي الله عليه وآله وسلم، ولا سبيل للناس إلي معرفته إلا من قبله عليه السلام فوجب عليه صلي الله عليه وآله وسلم تعريفه لهم، ولم يعرف في الروايات الواردة من الجانبين إلا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، فدل ذلك علي أنه المعني بالهادي قطعا، مع أن حديث الثقلين المتفق عليه عند الفريقين، " ومثل أهل بيتي مثل سفينة نوح " يدلان علي أن الهادي إنما هو من أهل البيت، ولم يخرج منهم. ثم إن تنكير " هاد " متأخرا عن قوله تعالي " ولكل قوم " يدل علي تعدد الهادي، وأنه لكل قوم هاد بعد هاد، كما نبه عليه مولانا الباقر عليه السلام بقوله: ولكل زمان منا هاد يهديهم إلي ما جاء به نبي الله صلي الله عليه وآله وسلم ودلالة اللفظ علي التعدد في مثل هذا التركيب واضحة، ألا تري أنه لا يصدق قولك: لكل قوم عالم، ولكل شخص من هؤلاء دينار، إلا مع تعدد العالم والدينار، ولا ينافي ذلك ما في كثير من الروايات من تفسيره بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام ونزول الآية في شأنه، لأنه من جهة أنه عليه السلام أول المصاديق [ صفحه 115] وأكملها. ومنه تبين أن ما نقله الطبرسي رحمه الله عن بعض المفسرين بالرأي من تفسير هاد به تعالي [163] باطل جدا، مع أنه تعالي منذر وهاد بواسطة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم وخلفائه المعصومين، فإن أريد أنه هاد بواسطة فهو كذلك. ولكن لا مجال للتفكيك حينئذ بين المنذر والهادي وإن أريد أنه هاد بلا واسطة فهو غلط، لأنه تعالي أبي أن يجري الأمور إلا بأسبابها، ولو هدي الله تعالي بلا واسطة لأنذر أيضا بلا واسطة. وبالجملة: دلالة اللفظ علي التعدد في غاية الوضوح والظهور ولا ينبغي الارتياب فيه ومع ذلك أقول مزيدا للإيضاح: إن الآية الكريمة دلت علي احتياج الأمة إلي هاد بعد المنذر، وهو رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولو كان الهادي في قرن كافيا للأقوام الذين يأتون في القرون اللاحقة للزم عدم الحاجة إلي هاد بعده صلي الله عليه وآله وسلم، لأنه كان عليه السلام هاديا في قرنه، وهو خلف، فعلم أن كل زمان وقرن لا بد له من هاد، ولا يتم ذلك إلا بأن يكون متعددا، والهداة بعد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ليسوا إلا العترة الطاهرين، الذين وصفهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأنهم مع القرآن والقرآن معهم، وأنه لا يخلو الأرض منهم بقوله صلي الله عليه وآله وسلم " لن يفترقا حتي يردا علي الحوض ". [164] .

بيان دلالة الآية علي إمامة أميرالمؤمنين وأولاده الطاهرين

وإذا تبين لك هذا المعني تبين لك أن الولاية والإمامة لا تكون إلا لمولانا أمير المؤمنين وأولاده الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، لأن الإمامة تدور مدار الهداية، ضرورة أنه لا يعقل أن يكون الهادي مأموما لمن لا يهتدي إلا به. [ صفحه 116] قال عز من قائل: (أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون). [165] فإن قلت: يجوز أن يقال إن (هاد) معطوف علي منذر، كما نقله الطبرسي رحمه الله عن بعض العامة، [166] فيصير المعني حينئذ أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم منذر وهاد لكل قوم. قلت: مع أنه خلاف ظاهر التركيب، ومناف للروايات المفسرة من الجانبين، يستلزم تعلق المجرور ب (هاد) دون (منذر)، إذ لو كان متعلقا بهما، وكان من قبيل باب التنازع للزم أن يقال: إنما أنت منذر وهاد لكل قوم، فيلزم حينئذ أن يكون النبي صلي الله عليه وآله وسلم هاديا لكل قوم، ولم يكن منذرا كذلك وهو غلط، إذ الانذار والهداية بلا واسطة يختص بهما من كان في عصره صلي الله عليه وآله وسلم وبواسطته تعمان كل عصر وكل قوم، فلا مجال للتفكيك بينهما بتخصيص هدايته بكل قوم، دون إنذاره، فتعين أن يكون المجرور خبرا مقدما عن هاد، والعطف من قبيل عطف الجملة علي الجملة. والحمد لله الذي أوضح الحق لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد. [ صفحه 117]

في تفسير قوله تعالي: إخوانا علي سرر متقابلين

اشاره

الحجر: 47. في غاية المرام عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، منتهيا إسناده إلي زيد بن أبي أو في، قال: " دخلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مسجده فذكر قصة مؤاخاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بين أصحابه، فقال علي عليه السلام: - يعني للنبي صلي الله عليه وآله وسلم - لقد ذهبت روحي، وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من سخط منك فلك العتبي [167] والكرامة، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: والذي بعثني بالحق نبيا ما أخرتك إلا لنفسي، فأنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي، قال: وما أرث منك يا رسول الله؟ قال: ما ورث الأنبياء قبلي، قال: وما ورث الأنبياء قبلك؟ قال: كتاب الله وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة مع ابنتي فاطمة، وأنت أخي ورفيقي، ثم تلا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم (إخوانا علي سرر متقابلين) المتحابون في الله ينظر بعضهم إلي بعض. [168] . [ صفحه 118]

اشتمال هذه الرواية علي مناقب ثلاث لمولانا أميرالمؤمنين: المنزلة والاخوة والوراثة

أقول: قد اشتملت هذه الرواية علي مناقب ثلاثة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام: المنزلة، والأخوة، والوراثة. أما الأولان: فقد تواترت الروايات فيهما من الطريقين، فقد ذكر في غاية المرام [169] الروايات المصرحة بهما من طرق العامة ما تجاوز عن مائة طريق، وأما الوراثة فقد استفاضت الروايات فيها من الجانبين، بل كادت تبلغ التواتر أيضا. [170] وبالجملة لا شبهة في ما اشتملت عليه هذه الرواية من المناقب الثلاثة، ولا بأس بذكر روايتين منها مسندين إلي الخليفة الثاني، ومعاوية. الأولي ما ذكره في غاية المرام: قال الخامس والثلاثون: ابن المغازلي الشافعي، قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن العباس البزاز، رفعه إلي إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس قال: " سأل رجل معاوية عن مسألة، فقال سل عنها علي بن أبي طالب فإنه أعلم، قال: يا أمير المؤمنين قولك فيها أحب إلي من قول علي، فقال: بئس ما قلت ولؤم ما جئت به، لقد كرهت رجلا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يغره العلم غرا، ولقد قال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا إنه لا نبي بعدي " ولقد كان عمر بن الخطاب يسأله فيأخذ عنه، ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه شئ قال: هاهنا علي؟ ولا أقام الله رجليك، ومحي اسمه من الديوان): [171] . ومناقب شهد العدو بفضلها والفضل ما شهدت به الأعداء [ صفحه 119] ورواه أيضا عن مسند أحمد بن حنبل. [172] والثانية ما ذكره فيه أيضا قال: الثاني والتسعون علي بن أحمد المالكي في " الفصول المهمة من أعيان علماء العامة " نقله عن كتاب الخصائص، عن العباس بن عبد المطلب، قال: " سمعت عمر بن الخطاب يقول: كفوا عن علي بن أبي طالب إلا بخير، فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: في علي ثلاث خصال، وودت أن لي واحدة منها أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، وذاك أني كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح، ونفر من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذ ضرب النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي كتف علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: يا علي أنت أول المسلمين إسلاما، وأنت أول المؤمنين إيمانا، وأنت مني بمنزلة هارون من موسي، كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك، يا علي أحبك فقد أحبني، ومن أحبني أحبه الله تعالي وأدخله الجنة، ومن أبغضك أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله تعالي وأدخله النار ". [173] وقد نقله فيه أيضا، عن موفق بن أحمد، بإسناد آخر منتهيا إسناده إلي ابن عباس، عن عمر بن الخطاب، ولكن بحذف قوله: " كذب من زعم إلي آخره...). [174] ثم اعلم أن المراد من إرث الكتاب والسنة: العلم بهما، فإن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر، [175] ولا مجال لاحتمال غير العلم في إرث الكتاب والسنة. [ صفحه 120] وما روي من طريقهم من أنه صلي الله عليه وآله وسلم قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة " [176] من المجعولات من جهة تحريف الرواية وحذف عجزها ووضع (ما تركناه صدقة) مكانه. والعجب أنه كيف خفيت الرواية علي وارث الكتاب والسنة وظهرت علي غيره.

دلالة المنزلة علي اختصاص الإمامة بمولانا أميرالمؤمنين

وإذا اتضح لك ما بيناه فاعلم أن كل واحد من المناقب الثلاثة يدل علي اختصاص الإمامة والخلافة بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وعدم استحقاق غيره من الأمة لها مع وجوده عليه السلام. أما المنزلة فلأن قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي، [177] يدل علي ثبوت جميع منازل هارون من موسي لمولانا [ صفحه 121] أمير المؤمنين من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلا النبوة التي استثناها، ومن جملة منازل [ صفحه 123] هارون من موسي، بل أظهرها وأجلاها خلافته عنه ووزارته له، كما قص الله تعالي علي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم في كتابه المجيد. [178] فإن قلت: دلالة حديث المنزلة علي الخلافة مسلمة، وإنما الكلام في [ صفحه 124] الاختصاص وعدم استحقاق غيره التقدم عليه. قلت أولا: من جملة منازل هارون من موسي الخلافة عنه بلا فضل، فيدل علي الاختصاص، وعدم استحقاق غيره التقدم عليه. وثانيا: إن هذا الحديث الشريف يدل علي استخلافه صلي الله عليه وآله وسلم مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كما استخلف موسي هارون فثبتت خلافته عنه صلي الله عليه وآله وسلم بالنص، ولم يعارضه نص آخر، حتي يجوز العدول عنه إلي غيره، إذ لا نص لهم من النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي خلافة الخلفاء الثلاثة، وإنما أثبتوا خلافة الأول بالبيعة، وخلافة الثاني بنص الأول عليها، وخلافة الثالث بالشوري التي جعلها الثاني، والبيعة لا تعارض النص، قال عز من قائل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ". [179] فكيف جاز لهم أن يختاروا خليفة بعد نص الرسول علي خلافته عنه صلي الله عليه وآله وسلم مع أن الخلافة عن الرسول لا تكون من أمورهم وشؤونهم، بل هي من الأمور الراجعة إلي الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم، وإذا لم يجز لهم الخيرة في أمورهم - بعد قضاء الرسول - فكيف جاز لهم الاختيار في أمر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بعد قضائه.

دلالة الاخوة عليه

وأما أخوته عليه السلام لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فهي دالة علي أنه عليه السلام أقرب الناس شرفا ومنزلة منه صلي الله عليه وآله وسلم، ومن هذا شأنه كيف يجوز لغيره التقدم عليه في الخلافة عنه صلي الله عليه وآله وسلم. توضيح ذلك: إن الأخوة في الدين ثابتة بين جميع المؤمنين بقوله [ صفحه 125] تعالي: (إنما المؤمنون إخوة) [180] وأما المؤاخاة التي اتخذها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بين كل اثنين من الصحابة فهي - حسب ما مر - بينهما من الدين والإيمان، كما هو ظاهر، فاتخاذه صلي الله عليه وآله وسلم عليا أخا لنفسه دون غيره يدل علي أنه عليه السلام أقرب هو ظاهر، فاتخاذه صلي الله عليه وآله وسلم عليا أخا لنفسه دون غيره يدل علي أنه عليه السلام أقرب الخلق إليه صلي الله عليه وآله وسلم في الدين والإيمان بالله وبرسوله صلي الله وآله وسلم والعلم بالكتاب والسنة، والعمل بهما. ومن هذا شأنه يستحق الخلافة عنه ويكون مكملا لما بعث لأجله من قبل الله تعالي من هداية العباد، وتبليغ أحكامه تعالي بالضرورة، ولا يجوز لغيره أن يتقدم عليه. وهل تري من نفسك أن تحكم بأن البعيد عن الشخص يرثه، مع وجود القريب أو يتقدم القريب علي من هو أقرب منه، كلا ثم كلا، وهذه قضية ضرورية فطرية، يكون المخالف لها مخالفا لفطرته، وبداهة عقله.

دلالة الوراثة عليه

وأما وراثته عنه صلي الله عليه وآله وسلم فدلالتها علي اختصاص الخلافة والإمامة به عليه السلام أوضح وأبين. بيان ذلك: إن الوراثة عبارة عن قيام الوارث مقام مورثه فيما تركه، وتركة النبي صلي الله عليه وآله وسلم حيث نبوته ورسالته إنما هي الكتاب والسنة، لا المال، وهذا معني: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث درهما ولا دينارا وإنما نورث العلم والإمامة). [181] والخلافة عنه صلي الله عليه وآله وسلم عبارة عن قيام الخليفة والإمام مكانه صلي الله عليه وآله وسلم فيما هو من شؤون نبوته ورسالته، لا في تركته من الأموال كما هو ظاهر، ولذا يجب [ صفحه 126] طاعته علي الأمة كما يجب طاعة النبي عليهم. فبعد قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " أنت أخي ووارثي " [182] وتصريحه بأن هذه الوراثة ليست وراثة مال بل وراثة ما هو من شؤون نبوته ورسالته صلي الله عليه وآله وسلم حيث قال: ما ورث الأنبياء قبلي " وتبيينه بعد ذلك: أن ما تركه الأنبياء هو الكتاب والسنة لا يبقي مجال لجعل الخلافة لغيره، لأن الخلافة والإمامة لا حقيقة لها إلا هذه الوراثة التي أثبتها لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وجعلها مختصة به فجعل الخلافة لغيره نقض صريح لقوله صلي الله عليه وآله وسلم: " وأنت أخي ووارثي " وتوريث للأجنبي ومنع للوارث عن إرثه. فإن قلت: كون الإمامة خلافة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم من حيث نبوته أمر معلوم، ولذا يفترض طاعة الإمام علي الأمة كما يجب طاعة النبي صلي الله عليه وآله وسلم عليهم، ولكن شؤون النبوة متعددة، فمنها: العلم بالكتاب والسنة، ومنها: افتراض الطاعة، ومنها: العصمة والطهارة، ومنها: نزول الوحي عليه صلي الله عليه وآله وسلم وهكذا من شؤون. والحديث الشريف يدل علي ثبوت الشأن الأول لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وأي مانع من قيام شأنه الآخر وهو افتراض الطاعة بغيره. قلت: افتراض الطاعة من الشؤون المترتبة علي الشأن الأول، ضرورة استحالة افتراض طاعة الجاهل في حد نفسه، لأنه مع عدم ترتب هداية عليه إلقاء في الحيرة والضلالة. وأشد محذورا منه تقديم طاعته علي طاعة العالم، قال عز من قائل: (أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي ما لكم كيف تحكمون). [183] . [ صفحه 127] وأقبح منه إيجاب طاعة الجاهل علي العالم، والحكم بوجوب بيعته مع الجاهل. بل يفهم من الرواية: أن عمدة ما تركه الأنبياء - سلام الله عليهم - إنما هو العلم بالكتاب والسنة، حيث حصر إرثهم فيه وهو كذلك، لأن المقصود من بعث الأنبياء عليهم السلام إنما هو إرشاد العباد، وهدايتهم إلي الحق، وإخراجهم من ظلمات الحيرة والضلالة إلي نور العلم واليقين، واستكمالهم في العلم والعمل، وهذا لا يتم إلا بالعلم بالكتاب والسنة، فسائر الشؤون تابعة له ولا يعقل وجود التابع من دون وجود متبوعه. والعجب أن الآخذين بزمام الخلافة لم يقضوا دينه، ولم ينجزوا عداته، وجعلوا قضاء دينه وإنجاز عداته صلي الله عليه وآله وسلم علي عهدة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، فوفي بهما - روحي فداه - فأخذوا غنم الوراثة وتركوا غرمها. [ صفحه 128]

في تفسير قوله تعالي: إني جاعلك للناس إماما، قال ومن ذريتي، قال لا ينال عهدي الظالمين

اشاره

البقرة: 126. في غاية المرام: أبو الحسن الفقيه ابن المغازلي الشافعي، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن بن أحمد بن موسي القندجاني، قال: أخبرنا أبو الفتح هلال بن أحمد الحفار، قال: حدثنا إسماعيل بن علي بن رزين، قال: حدثني أبي وإسحاق بن إبراهيم الديري، قالا: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثني أبي عن مينا مولي عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله " أنا دعوة أبي إبراهيم، قلت: يا رسول الله وكيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟ قال: أوحي الله عز وجل إلي إبراهيم: (إني جاعلك للناس إماما)، فاستخف إبراهيم الفرح، قال ومن ذريتي أئمة مثلي، فأوحي الله عز وجل: أن يا إبراهيم إني لا أعطيك عهدا لا أفي لك به، قال: يا رب ما العهد الذي لا تفي لي به، قال: لا أعطيك لظالم من ذريتك عهدا، قال: إبراهيم عندما: واجنبني وبني أن نعبد الأصنام، رب إنهن أضللن كثيرا [ صفحه 129] من الناس. فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: فانتهت الدعوة إلي وإلي علي، لم يسجد أحدنا لصنم قط، فاتخذني نبيا، واتخذ عليا وصيا). [184] وقد رواه الشيخ قدس سره في أماليه، عن ابن مسعود بهذا الإسناد. [185] وقد استفاضت الروايات من طرقنا عن أهل البيت عليهم السلام في أن الآية أبطلت إمامة كل ظالم، [186] فصارت في الصفوة من ذرية إبراهيم الخليل عليه السلام.

الآية الكريمة تدل علي أمور ثلاثة

اشاره

أقول: الآية الكريمة تدل علي أمور ثلاثة: الأول: أن الإمامة عهد إلهي ومنصب رباني، لا يتطرق فيه اختيار الناس. والثاني: أن الإمامة مرتبة فوق النبوة. والثالث: عدم قابلية من مسه الظلم لهذا العهد الشريف.

توضيح الأمر 01

أما الأول: فمن قوله عز وجل (لا ينال عهدي) فإنه صريح في أن الإمامة عهد للرب تعالي، ويدل عليه أيضا قوله تعالي: (إني جاعلك للناس إماما) وإذا ثبت أنه عهد للرب تعالي تبين لك عدم جواز اختيار الناس فيه، ضرورة أن الناس إنما لهم الاختيار في العهود التي ترجع إليهم، لا في عهد الرب تعالي.

توضيح الأمر 02

وأما الثاني: فلأن قوله تعالي: (إني جاعلك للناس إماما) [ صفحه 130] وطلب [187] الخليل عليه السلام منه تعالي شأنه هذه المرتبة الجليلة لبعض ذريته، وقوله تعالي: (لا ينال عهدي الظالمين) إنما كان بعد نيله درجة النبوة، إذ الوحي إليه بجعله إماما للناس، وطلبه منه تعالي شأنه ذلك لبعض ذريته، وجوابه عز وجل بقوله: (لا ينال عهدي الظالمين) لا يصلح إلا لمن كان نبيا، وحيا أو كليما، بل في روايات أهل البيت عليهم السلام أنه كان بعد الخلة، والخلة بعد النبوة والرسالة. في غاية المرام: ابن يعقوب عن محمد بن الحسن عمن ذكره عن محمد بن خالد عن محمد بن سنان، عن زيد الشحام، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله تبارك وتعالي اتخذ إبراهيم عليه السلام عبدا قبل أن يتخذه نبيا، وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، وإن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا، وإن الله اتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما، فلما جمع له الأشياء، قال: (إني جاعلك للناس إماما)، فمن عظمها في عين إبراهيم؟ قال: ومن ذريتي، قال: لا ينال عهدي الظالمين، قال: لا يكون السفيه إمام التقي. [188] وإذا ثبت أن إمامته كانت بعد نبوته، بل رسالته وخلته، تبين لك أنها مرتبة فوق النبوة، ومن هنا يتبين لك أيضا: أنها عهد إلهي لا يجوز فيه [ صفحه 131] اختيار الناس بالضرورة، وباتفاق جميع المسلمين. وإذا كانت المرتبة النازلة عهدا إلهيا لا يتطرق فيه اختيار الناس، فكيف يجوز أن تكون المرتبة الفائقة عليها مما يتطرق فيه اختيار الناس، عقدا وحلا؟

توضيح الأمر 03

وأما الثالث: فيظهر من الأمر الثاني، إذ يعتبر في المرتبة الفائقة ما يعتبر في المرتبة النازلة، مع أمر زائد، والعصمة معتبرة في النبوة، فكذا في الإمامة بطريق أولي، ومن مسه الظلم لا يكون معصوما فلا يكون إماما. فالمراد من الظالمين في الآية الكريمة من جاز عليه الظلم، وتطرق فيه، أو من وجد فيه الظلم ولو انقضي عنه. فإن قلت: المشتق حقيقة في المتلبس بالمبدأ، وإطلاقه علي من تطرق فيه التلبس بالمبدأ، أو انقضي عنه المبدأ مجاز، لا يصار إليه إلا بدليل. قلت: إنما لا يصدق المشتق حقيقة علي ما انقضي عنه المبدأ، إذا كان المبدأ من قبيل الصفات كالعالم والجاهل والقائم والقاعد، وأما إذا كان المبدأ من قبيل الأفعال التي يكون العنوان المأخوذ منها منتزعا من حدوث المبدأ من الذات، كالضارب والقاتل والوالد والولد، فصدق المشتق فيها دائر مدار حدوث المبدأ، ولا يعتبر فيه بقاؤه، أتري أن الأب والد مجازا، والابن ولد كذلك، وقاتل عمرو وضارب بكر لا يصدق عليه العنوانان حقيقة؟ كلا ثم كلا! والظالم من قبيل الثاني، لأن الظلم فعل لا صفة، فلو أريد من وجد فيه الظلم فهو صادق عليه حقيقة، ولا يكون مخالفا للظاهر حتي لا يصار إليه إلي بدليل. نعم إذا أريد منه من جاز عليه الظلم فهو مخالف للظاهر، ولكن الدليل علي المصير إليه موجود، وهو منافاة عدم العصمة وتطرق الظلم لنيل الإمامة التي هي عهد إلهي فوق مرتبة النبوة. [ صفحه 132]

دلالة الآية الكريمة علي عدم استحقاق الخلفاء الثلاث للخلافة من وجوه ثلاثة

وكيف كان فالآية الكريمة تدل علي عدم استحقاق الخلفاء الثلاثة للخلافة من وجوه ثلاثة: الوجه الأول: أن الإمامة عهد إلهي لا يثبت إلا بالنص من قبله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم. وإمامة الخليفة الأول إنما كانت ببيعة أهل العقد والحل معه بزعمهم، مع عدم اتفاقهم علي بيعته عندنا، لخروج خيار الأصحاب عنهم. وإمامة الثاني: بنص الأول عليها. وإمامة الثالث: بحكم أهل الشوري التي جعلها الثاني ولم يدع أحد منهم نصا علي خلافته من قبله تعالي، ومن قبل رسوله صلي الله عليه وآله وسلم. والوجه الثاني: عدم عصمتهم مع اعتبارها في النبوة التي هي مرتبة نازلة من الإمامة، الموجب لاعتبارها فيها بطريق أولي. لا يقال: إن القدر المسلم من اعتبار العصمة إنما هو حال النبوة لا قبلها، فيلزم منه اعتبار العصمة في الإمام حال إمامته، فلا ينافي مع إمامتهم حينئذ كونهم مشركين عابدين للأوثان قبل إسلامهم. لأنا نقول: الحق اعتبار العصمة في النبي من حين تولده إلي حين وفاته، ولو سلمنا عدم اعتبارها إلا حال نبوته، كما ذهبوا إليه فالمنافاة أيضا ثابتة لعدم عصمتهم قبل تصدي الخلافة وبعدها، باتفاق المسلمين، ولم يدع أحد منهم العصمة فيهم، ولو ادعي ذلك فهو باطل قطعا، إذ لا سبيل إلي العلم بالعصمة إلا من قبل النص، ولا نص علي عصمتهم باتفاق المسلمين، وإنما ورد النص علي عصمة أهل البيت عليهم السلام. والوجه الثالث: تصريحه تعالي شأنه بعدم نيل عهده الظالمين وهم [ صفحه 133] ظالمون، لما عرفت من أن الآية الكريمة إما بمعني من جاز عليه الظلم، أو من وجد فيه وهو بكلا المعنيين منطبق عليهم. وبما بيناه تبين أن الإمامة من أصول الدين والاعتراف بإمامة الإمام وولايته، كالإقرار بنبوة النبي صلي الله عليه وآله وسلم من الأصول، لا من الفروع، ولذا قال صلي الله عليه وآله وسلم: " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " [189] بل معرفة النبي صلي الله عليه وآله وسلم إنما يكون أصلا واجبا باعتبار كونه رسولا أو إماما، لأن النبي مع قطع النظر عن رسالته وإمامته لا يجب علي الناس معرفته، كمن كان نبيا علي نفسه ولا يكون رسولا إلي أحد، ولا إماما علي الأمة. فالمعرفة إنما تجب لأحد الوصفين، فإن وجبت المعرفة لأجل الرسالة استلزم وجوب معرفة الإمام بطريق أولي، لأن الإمامة مرتبة فوق الرسالة، وإن وجبت لأجل الإمامة، فالوجوب أوضح لاتحاد الموضوع واستحالة التفكيك. تنبيه: قد تبين مما بيناه من أن الإمامة أعلي مرتبة، وأكمل درجة من النبوة والرسالة، سر تقديمه صلي الله عليه وآله وسلم منزلته من الأمة من حيث الإمامة، لا من حيث النبوة حين استخلف مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مكانه صلي الله عليه وآله وسلم وأثبت له الولاية فقال صلي الله عليه وآله وسلم: " ألست أولي بكم من أنفسكم " ولم يقل: " لست نبيكم أو رسولكم " فإن إمامة الفرع وولايته متفرعة علي إمامة الأصل وولايته. لا علي نبوته ورسالته، إذ لا توجب نبوة الأصل أو رسالته ثبوت الإمامة لخليفته، والقائم مقامه.

بيان أن أئمتنا أفضل من سائر الأنبياء حتي اولوالعزم منهم

وقد تبين مما بيناه أيضا أن أئمتنا سلام الله عليهم أفضل من سائر الأنبياء، حتي أولي العزم منهم، أما تقدمهم علي غير أولي العزم منهم فقد [ صفحه 134] اتضح مما ظهر لك من أن مرتبة الإمامة فوق مرتبة النبوة والرسالة. وأما تقدمهم علي أولي العزم منهم مع ثبوت الإمامة لهم، فمن جهة أن الإمامة والولاية لها مراتب، وأتم مراتبهما وأكملها ما ثبت لنبينا صلي الله عليه وآله وسلم ولذا كان أفضل الأنبياء صلي الله عليه وآله وسلم ومرتبة إمامة الفرع في مرتبة إمامة أصله، فإمامة أئمتنا سلام الله عليهم أيضا أتم مراتب الإمامة والولاية. وقد تبين أيضا أن النبوة والإمامة قد يجتمعان، كما في نبينا صلي الله عليه وآله وسلم وإبراهيم الخليل، بل في أولي العزم مطلقا، وقد تفترق النبوة عن الإمامة، كما في غير أولي العزم من الأنبياء صلي الله عليه وآله وسلم وقد تفترق الإمامة عن النبوة، كما في أئمتنا سلام الله عليهم. فإن قلت: ما ذكرت من أن الإمامة مرتبة فوق النبوة ينافي مع افتراق الإمامة عنها، لأن نيل المرتبة الفائقة متفرع علي نيل المرتبة النازلة. قلت: استحقاق المرتبة الفائقة - أي الإمامة - علي استحقاق المرتبة النازلة وهي النبوة واستحقاقها ثابت في أئمتنا سلام الله عليهم، وإنما منع عنها ثبوت مرتبة الخاتمية لخاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم وعلي آله الطاهرين. وإليه يشير قوله صلي الله عليه وآله وسلم في بعض أحاديث المنزلة، المروي عن طرق العامة بعد قوله صلي الله عليه وآله وسلم: (إلا أنه لا نبي بعدي ولو كان لكنت). [190] . [ صفحه 135]

في تفسير قوله تعالي: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم

اشاره

النساء: 57. في غاية المرام: ابن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن حماد بن عيسي، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن ابن أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس، قال: سمعت عليا صلوات الله عليه يقول: وأتاه رجل فقال له: أدني ما يكون به العبد مؤمنا، وأدني ما يكون به العبد كافرا، وأدني ما يكون به العبد ضالا؟ فقال: قد سألت فافهم الجواب: أما أدني ما يكون به العبد مؤمنا أن يعرف [191] الله تبارك وتعالي نفسه فيقر له بالطاعة، ويعرف نبيه صلي الله عليه وآله وسلم فيقر له بالطاعة، ويعرف إمامه وحجته في أرضه، وشاهده علي خلقه، فيقر له بالطاعة، قلت: يا أمير المؤمنين [عليه السلام]: وإن جهل جميع الأشياء إلا ما وصفت؟ قال: نعم إذا أمر أطاع، وإذا نهي انتهي. [ صفحه 136] وأدني ما يكون به كافرا من زعم أن شيئا نهي الله عنه أن الله أمر به ونصبه دينا يتولي عليه، ويزعم أنه يعبد الذي أمره به، وإنما يعبد الشيطان. وأدني ما يكون العبد به ضالا، أن لا يعرف حجة الله تبارك وتعالي، وشاهده علي عباده الذي أمر الله عز وجل بطاعته، وفرض ولايته، قلت: يا أمير المؤمنين صفهم لي، قال: الذين قرنهم الله تعالي بنفسه وبنبيه فقال: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) فقلت: يا أمير المؤمنين - جعلني الله فداك - أوضح لي، فقال: الذين قال رسول الله في آخر خطبته يوم قبضه الله عز وجل إليه: (إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي إن تمسكتم بهما، كتاب الله عز وجل، وعترتي أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض - وجمع بين مسبحتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين المسبحة والوسطي فتسبق إحداهما الأخري - فتمسكوا بهما لا تزلوا، ولا تقدموهم، فتضلوا). [192] والروايات في هذا المعني من طريقنا مستفيضة، بل كادت أن تكون متواترة، [193] وأما من طريق العامة فقد ذكر في غاية المرام أربع روايات. [194] .

ينبغي التنبيه علي أمور

اشاره

وينبغي التنبيه علي أمور يتضح بها عدم صدق عنوان أولي الأمر إلا علي مولانا أمير المؤمنين وذريته الطيبين سلام الله عليهم أجمعين، ودلالة الآية الكريمة علي إمامتهم وخلافتهم عن الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم غاية الاتضاح.

ان عنوان اولي الأمر إنما يصدق علي من كان صاحبا للأمر واقعا لا من كان متغلبا علي الأمر من دون حق

الأول: إن عنوان أولي الأمر إنما يصدق علي من كان صاحبا للأمر [ صفحه 137] واقعا، لا من كان متغلبا علي الأمر من دون حق كما أن صاحب المال إنما هو مالكه، لا من في يده غصبا أو سرقة، وأولي الألباب من كان ذا عقل واقعا لا من تظاهر أنه ذو لب وليس به. والحاصل أن صحابة الشئ إنما هو بثبوته له واقعا، لا بالاستظهار والادعاء - كما هو ظاهر - فصحابة الأمر إنما تحقق بكونه حقا له، ولا يكون حقا له إلا بثبوت ولاية الأمر له.

ان ولاية الأمر ذاتا وابتداءا انما هو للخالق تعالي شأنه

والثاني: إن ولاية الأمر ذاتا وابتداء إنما هو للخالق تعالي شأنه، لأن ولايته تعالي شأنه منتزعة من خلقه تعالي، وتكوينه إياهم، وأما الخلق فلا ولاية لبعضهم علي بعض ذاتا، وإنما تثبت الولاية لبعضهم علي بعض آخر بجعله تعالي، والانتهاء إلي أمره عز وجل، لأن ما بالغير لا بد وأن ينتهي إلي ما بالذات، ولا يعقل أن تحصل الولاية من قبل تولية بعضهم بعضا، لأن المولي فاقد للولاية في حد نفسه، فكيف تثبت الولاية لغيره من قبله. ذات نايافته از هستي بخش كي تواند كه شود هستي بخش [195] .

ان وجوب الإطاعة يدور مدار الولاية

والثالث: إن وجوب الإطاعة يدور مدار الولاية، ضرورة أنه مع عدم ولاية الأمر علي المأمور لا يستحق الطاعة، فاستحقاق الطاعة إنما هو من شؤون الولاية، ولا يقوم مقامها صفة أخري، حتي العصمة، فإنها إنما توجب تصديق قوله، وإن ما قاله صدق وحق، فلو قال من ثبتت عصمته إني أولي بالأمر، يجب علينا تصديقه بالولاية، وبعد ثبوتها بقوله يجب علينا إطاعته فيما أمر به ونهي عنه، ولا حاجة في إثبات وجوب إطاعته إلي أمر آخر بعد ثبوت ولايته، لأن وجوبها حينئذ مما يستقل به العقل، وما ورد في الشرع من وجوب إطاعته تأكيد لحكم العقل، وإرشاد إليه. [ صفحه 138]

ان ثبوت الولاية من قبل التولية فرع ثبوت الولاية للمولي

والرابع: إن ثبوت الولاية من قبل التولية فرع ثبوت الولاية للمولي وإلا لم ينفذ توليته، فوجوب إطاعة الولي حينئذ إنما هو بالنسبة إلي غير المولي، ولا يعقل ثبوت الولاية علي نفس المولي بتوليته، حتي يجب عليه إطاعة الولي من قبله عليه، بل يجب علي الولي أن لا يخالف من حدود ما ولاه عليه، فهو تحت طاعة من ولاه الأمر، لا أن من ولاه الأمر تحت طاعته.

ان الولاية علي قسمين: مطلقة ومحدودة

والخامس: إن الولاية علي قسمين: مطلقة ومحدودة. والولاية التامة المطلقة إنما تكون لله تعالي شأنه، لأن منشأ انتزاع علقة المولوية والعبودية بينه تعالي شأنه وبين عباده هو خلقه تعالي، وتربيته إياهم، ومن المعلوم أن المخلوق والمربوب يرجع بكله إليه عز وجل، فلا يعقل حينئذ حصر وتحديد في الولاية، وإلا لزم أن يستقل الممكن في بعض جهاته، وهو مناقض لإمكانه، ولا تثبت الولاية المطلقة لأحد من المخلوقين إلا بالاستخلاف عنه تعالي شأنه، فثبوت هذا النحو من الولاية لنبينا صلي الله عليه وآله وسلم حيث قال عز من قائل: (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم) [196] كاشف عن ثبوت الخلافة الكبري له صلي الله عليه وآله وسلم عنه تعالي شأنه. وأما الولاية المحدودة فيجوز ثبوتها من قبل الاستخلاف عنه تعالي شأنه، كولاية القيم من قبل الحاكم الشرعي في أمر الصغير، أو من قبل أسباب أخر، كولاية الأب علي ابنه الصغير، والمستأجر علي أجيره، والزوج علي زوجته، المنتزعة من علقة الأبوة والبنوة، والزوجية، وعقد الإجارة. والولاية في جميع الصور مجعولة بجعل الشارع ابتداء وتبعا لتقرير موضوعها، ولكن يختلف منشأ انتزاعها باختلاف الموارد، فقد يكون منشأ [ صفحه 139] الانتزاع الاستخلاف عنه تعالي شأنه، وقد يكون المنشأ أسباب أخر. إذا اتضحت لك هذه الأمور فقد اتضح لك أنه لا تحديد في وجوب إطاعته تعالي شأنه، ولا في وجوب إطاعة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم مطلقة غير محدودة.

بيان دلالة الآية علي أن الولاية التامة ليست إلا لمن أخبر النبي عنهم بأنهم المتصفين بالعصمة والطهارة

بيان ذلك: أنه لو قال تعالي شأنه: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا أولي الأمر منكم، ولم يقيده بقيد لكان ظاهرا في الاطلاق والعموم، كما هو ظاهر، ولكنه تعالي شأنه صدر الكلام بإطاعة نفسه، وإطاعة رسوله المطلقتين بالضرورة، وعطف عليه أولي الأمر من غير تقييد تأكيدا لإفادة الاطلاق، وتصريحا به، وهذا معني قول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام روحي فداه، الذين قرنهم الله تعالي بنفسه ونبيه صلي الله عليه وآله وسلم وحيث إن هذه المرتبة من الولاية التامة لا يعقل ثبوتها لأحد من الخلق إلا أن يكون قرينا لرسوله صلي الله عليه وآله وسلم في العلم بما في الكتاب كله، والعصمة والطهارة، تعين أنها ليست إلا لمن أخبر النبي صلي الله عليه وآله وسلم عنهم، بأنهم المتصفين بهما، ولذا قال صلي الله عليه وآله وسلم بعد طلب السائل الايضاح: الذين قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في آخر خطبته إلي آخر كلامه صلي الله عليه وآله وسلم. ثم اعلم أنه ليس معني قوله صلي الله عليه وآله وسلم في آخر خطبته أنه لم يقل ذلك إلا في آخر خطبته، لوضوح أنه صلي الله عليه وآله وسلم أخبر به تكرارا في مواضع متعددة، ومواطن كثيرة، يوم الغدير وغيره من المواضع، كما يشهد به روايات الفريقين، بل معناه أن ذكره صلي الله عليه وآله وسلم في آخر خطبته تأكيدا لما بينه من قبل، دفعا لتوهم من يتوهم أنه صلي الله عليه وآله وسلم عدل عنهم إلي غيرهم. وما نسب إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم من أنه قال، بعد ذلك: " إنا أهل بيت اصطفانا الله تعالي، واختار لنا الآخرة علي الدنيا، فإن الله لم يكن ليجمع لنا - أهل البيت - النبوة والخلافة) تكذبه الرواية الشريفة أولا، وقول الخليفة [ صفحه 140] الأول: أقيلوني ولست بخيركم وعلي فيكم [197] ثانيا: إذ لو كان الخبر صدقا لم يكن لاستقالته عن الخلافة بملاحظة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مجال، وصنع الخليفة الثاني في الشوري ثالثا، حيث أدخل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في الشوري، وجعله من الستة الذين يصلحون للخلافة، وأن الخلافة كالنبوة من الشؤون الدينية لا الدنيوية رابعا، ضرورة أن نصب الخليفة كبعث النبي صلي الله عليه وآله وسلم إنما هو لهداية الأمة، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، لا لمجرد السلطنة والرئاسة.

عدم صحة تفسير اولي الأمر بسلاطين الإسلام أو العلماء

وبعد ما تبين لك أن المراد من أولي الأمر في الآية الكريمة من كانت له الولاية المطلقة كولاية الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بشهادة السياق، وإطلاق الكلام، تبين لك أن تفسيره بسلاطين الإسلام، أو القضاة المنصوبة من قبلهم، أو أمراء الجيش، وهكذا، من الخرافات التي نسجها المفسرون بالرأي غلط بين. وأما تفسيره بالعلماء، كما عن بعضهم مستدلا عليه بقوله تعالي: (ولو ردوه إلي أولي الأمر لعلمه الذين يستنبطونه منهم) [198] فهو حق إن أريد بهم أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم الذين قرنهم بالكتاب وتركهما في أمته وأمر بالتمسك بهما كما ورد عنهم عليهم السلام: نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون، [199] وإن أريد به مطلق العلماء فهو باطل أيضا، لاختصاص الولاية المطلقة بأهل بيت النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وجعلهم ورثة الكتاب. وبما بيناه تبين أنه لا يعقل تأثير بيعة الرعية مع واحد منهم في صيرورته ولي الأمر مفترضا طاعته عليهم، لأن رقبة الرعية مشدودة بحبل الإمامة [ صفحه 141] وولاية الأمر، وليس الحبل بأيديهم، وإنما هو بيد من له الأمر، وهو الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم بالاستخلاف عنه تعالي شأنه. ومن الواضح أنه لا اختيار لمن في رقبته الحبل، ولا تأثير لبيعتهم مع واحد منهم، إلا الإباق والخروج عن تحت طاعة ولي الأمر، الذي نصبه الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم، ولو فرض أن لهم الولاية علي ذلك للزم افتراض طاعتهم علي من ولوه هذا الأمر وبايعوه، لا افتراض طاعته عليهم، لأن ولايته حينئذ فرع ولايتهم، وتابعة لها. ومن الواضح البين أنه لا تجب طاعة الفرع علي الأصل، وإنما تجب طاعة الأصل علي الفرع، ولذا يجب طاعة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم علي الإمام القائم مقامه، لإطاعته علي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. فإن قلت: مقتضي ما ذكرت عدم ثبوت الولاية للزوج علي زوجته، والمستأجر علي أجيره، لأن ولايتهما متفرعة علي ولاية الزوجة والأجير علي أنفسهما وإعطائهما الولاية للزوج والمستأجر بسبب اختيارهما عقد التزويج والإجارة. قلت: عقد التزويج والإجارة وهكذا، من العقود الشرعية من جهات المتعاقدين وشؤونهما، وهما المرجع فيها، فإذا اختارا عقدا من العقود التي هما المرجع فيه حكم علي كل منهما بما يقتضيه، وثبت لكل منهما الولاية علي الآخر حسبما يوجبه، فيستحق الزوج التمتع من زوجته، كما تستحق النفقة عليه، ويستحق المستأجر استيفاء المنفعة من أجيره، كما أنه يستحق وجه الإجارة في ذمة المستأجر، فالولاية المستتبعة من العقود تابعة لها، فإذا تحقق عقد في الخارج تحققت الولاية لكل من المتعاقدين، حسبما يقتضيه العقد. [ صفحه 142] والبيعة لا تقتضي ثبوت الولاية علي المبايعين، لأن مرجع هذه البيعة إن كانت إلي استخلاف أبي بكر عن المسلمين فهي لا تقتضي وجوب طاعته عليهم، ضرورة عدم وجوب طاعة الخليفة علي المستخلف، وإن كانت إلي استخلافه عن الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم فليس لهم هذا الاستخلاف لأنه ليس من شؤونهم وجهاتهم. فإن قلت: للناس الولاية علي أنفسهم في الشرع ولذا ينفذ تقريرهم ومعاملاتهم وعهودهم، ومن جملتها البيعة مع واحد منهم، وأي دليل علي خروج خصوص البيعة من العهود التي تنفذ عليهم بعد إيجابها علي أنفسهم، وإذا نفذت البيعة وجبت الطاعة. قلت: البيعة بمنزلة القبض والإقباض، فإن كانت عن استحقاق كبيعة الرعية مع من نصبه الله تعالي إماما، وجعله قيما عليهم نفذت ووجبت الطاعة، وإلا ألغيت وبطلت، فالمبايعون مع أبي بكر إن أرادوا منها عقد الاستخلاف، فقد ظهر بطلانه، وإن أرادوا مجرد عقد البيعة من دون استخلاف ونحوه فبطلانه أوضح وأظهر، لأن البيعة المجردة من دون عنوان لا توجب الطاعة. بل التحقيق أن نفوذ البيعة مسبوق بوجوب الطاعة دائما، لا أنه من أحكام البيعة كما توهم، ضرورة أن البيعة مع من لا يستحقها لا توجب الطاعة، ووجوب الطاعة - مع البيعة مع من يستحقها سابق علي البيعة، ونفوذها حينئذ إنما هو من آثار وجوب الطاعة. فإن قلت: لعله فوض إليهم تعيين الإمام والخليفة من قبل النبي صلي الله عليه وآله وسلم فينفذ أمرهم فيه من جهة التفويض، لا من جهة ولايتهم علي أنفسهم، كما فوض أحيانا تعيين إمارة الجيش إلي المسلمين بعد قتل الأمير المنصوب. [ صفحه 143] قلت: الإمامة الكبري، والخلافة العظمي، وهي الرئاسة العامة في أمور الدين والدنيا من الشؤون العظيمة التي لا ينالها شأن النبوة وتتوقف علي العصمة، وعلم الكتاب كله. والعصمة من الأمور الخفية التي لا يطلع عليها إلا عالم السرائر، فكيف يجوز للحكيم تعالي شأنه أن يفوضها إلي اختيار الأمة الجاهلين بمواقعها وحدودها، وهل هذا إلا إهمال وإخلال بالحكمة!! تعالي الله عنه علوا كبيرا، مع أنه لم يدل دليل علي التفويض، ولم يدعه الخصم، وإنما زعموا أنه لم ينص علي أحد.

دلالة الآية علي تعدد ولي الأمر

ثم إن الآية الكريمة كما تدل علي أن الله تعالي نصب للأمة ولي الأمر بعد رسوله صلي الله عليه وآله وسلم حيث أمر بطاعته وقرن طاعته بطاعته وطاعة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، تدل علي تعدده، وعدم انحصاره في فرد واحد، حيث عبر بصيغة الجمع.

رد كلام بعض أهل السنة حيث أنكر دلالة الكتاب والسنة علي وجود الخلافة العظمي والإمامة الكبري في دين الإسلام

ثم اعلم أن بعض المتجددين من أهل السنة أنكر دلالة الكتاب والسنة علي وجود الخلافة العظمي، والإمامة الكبري في دين الإسلام، فقال: أما الكتاب فما يصلح منه أن يستدل به عليها قوله تعالي: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ". [200] وأما السنة فما يصلح منها أن يستدل به عليها، فأخبار معدودة، مثل ما روي عنه صلي الله عليه وآله وسلم " الأئمة من قريش "، [201] (ومن مات وليس في عنقه بيعة، فقد مات ميتة جاهلية " [202] وذكر أخبارا يقرب منهما، ثم ناقش في دلالة الآية والروايات - بعد تسليم صحة سندها - بوجهين: [ صفحه 144] أحدهما: أن وجوب الطاعة لا يدل علي أن الخلافة حق ثابت في الدين، وأن للخلفاء شأنا عنده تعالي، فقال: أو لسنا مأمورين شرعا بطاعة البغاة والعاصين، وتنفيذ أمرهم إذا تغلبوا علينا، وكان في مخالفتهم فتنة تخشي، من غير أن يكون ذلك مستلزما لمشروعية البغي، وجواز الخروج عن الحكومة. وثانيهما: أنه لا يدل علي وجوب نصبه علينا أو وجوده في الخارج، وإنما يدل علي حكم هذا الموضوع إذا وجد في الخارج، فقال: أو لسنا مأمورين بإكرام السائلين واحترام الفقراء، فهل يستطيع ذو عقل أن يقول: ذلك يوجب علينا أن نوجد بيننا فقراء ومساكين. أقول: أما عدم دلالة الكتاب والسنة علي وجوب نصب الإمام علينا فهو حق متين، بل قد عرفت أن تأثير نصب الرعية في ثبوت الإمامة غير معقول، وأما وجوده وأنه تالي الرسول، فدلالة الآيات الكثيرة، والروايات الصحيحة المتظافرة المسلمة بين فرق المسلمين عليه واضحة لائحة، كما مر شطر يسير منها، وسيأتي جملة منها إن شاء الله تعالي. والحري الآن بيان دفع مناقشته في دلالة آية أولي الأمر، والروايات التي ذكرها سندا ودلالة فأقول: أما المناقشة في السند فلا مجال لها بعد وجود الروايات في الكتب المعتمدة. وأما دلالتها علي ثبوت الإمامة في الدين - سيما الخبر الثاني - فواضحة ظاهرة، إذ لو لم يكن إمام منصوب من قبله تعالي شأنه ووجبت معرفته والبيعة معه، لم يكن لإطلاق القول، بأن (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) مجال، فإن هذا التعبير كاشف من أن الإمامة من أركان [ صفحه 145] دين الإسلام، بحيث يكون ترك البيعة مع متقلدها خروجا عن الإسلام، ولو كان المراد بيان حكم موضوع إذا وجد في الخارج، كما زعمه وجب حينئذ أن يقال: إذا تغلب رجل علي المسلمين وخافوا الفتنة في مخالفته وجب عليهم البيعة معه. وأما دلالة الآية الكريمة علي الخلافة الكبري والإمامة العظمي فقد ظهرت بما بيناه من أن أولي الأمر إنما تصدق علي من كان صاحبا للأمر واقعا، وكان الأمر حقا له، لا من تغلب علي الأمر من دون استحقاق، حتي يحتمل أن يكون وجوب طاعته من قبيل وجوب طاعة البغاة، مع أن ذكر (منكم) بعد (أولي الأمر) يصرح بما بيناه، إذ وجوب التحرز عن مخالفة المتغلب علي الأمر الذي يخاف منه لا يختص بكونه من المؤمنين. ومما بيناه تبين دفع شبهة أخري، فإن ولاية الأمر بهذا المعني لا تتحقق إلا بالاستخلاف ونصبه تعالي شأنه، فلو لم ينصبه الله تعالي شأنه للمؤمنين لم يأمرهم بإطاعته، فأمره تعالي شأنه بإطاعته مقرونا بإطاعته وإطاعة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم دليل علي نصبه لهم. والتعبير بصيغة الجمع يدل علي تعدده، وعدم انحصاره في فرد واحد، وحيث إن المستشكل من العامة وجرت عادتهم بإطلاق أولي الأمر علي المتغلبين علي الأمر وصرف التعبير عن محله الأصلي غفل عما بيناه، مع وضوحه في حد نفسه. [ صفحه 146]

في تفسير قوله عز من قائل: فتلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم

البقرة: 37. في غاية المرام: ابن المغازلي الشافعي في مناقبه، قال أحمد بن محمد بن عبد الوهاب إجازة، أخبرنا محمد بن عثمان، قال: حدثني محمد بن سليمان بن الحرث، قال: حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار، قال: حدثنا حسين الأشقر، قال: حدثنا عثمان بن أبي المقدام، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: " سئل النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، قال: سأله بحق محمد، وعلي عليه السلام، وفاطمة عليها السلام، والحسن والحسين عليهما السلام: إلا ما تبت علي، فتاب عليه ". [203] وذكر في هذا الباب ثلاثة أحاديث من طريق العامة، وتسعة أحاديث من طريقنا. [204] أقول: ويدل علي ذلك ما رواه في أول الكتاب من طريقنا، وطريق [ صفحه 147] العامة: من أنه لولا الخمسة الطيبة: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ما خلق الله جل جلاله آدم عليه السلام، ولا الجنة والنار، ولا العرش ولا الكرسي، ولا السماء ولا الأرض، ولا الملائكة والإنس والجن. وذكر هنا تسعة عشر خبرا من طريقهم وأربعة عشر من طريقنا، [205] فمن الأحاديث التي رواه من طريقهم: ما رواه عن الحمويني من أعيان علماء العامة - في كتابه المسمي بفرائد السمطين في فضائل المرتضي والبتول والسبطين - بإسناده، منتهيا إلي أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: " لما خلق الله تعالي أبا البشر، ونفخ فيه من روحه التفت آدم بيمنة العرش، فإذا نور خمسة أشباح سجدا وركعا، قال آدم: يا رب هل خلقت أحدا من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم، قال: فمن هؤلاء الخمسة الذين أراهم في هيأتي وصورتي؟ قال: هؤلاء خمسة أسماء من ولدك لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار، ولا العرش ولا الكرسي، ولا السماء ولا الأرض، ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن، فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العالي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الاحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين، آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال حبة من خردل من بغض أحدهم أن أدخلته ناري ولا أبالي يا آدم، هؤلاء صفوتي بهم أنجيهم، وبهم أهلكهم، فإذا كان لك إلي حاجة فبهؤلاء توسل، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: (نحن سفينة النجاة، من تعلق بها نجا، ومن حاد [ صفحه 148] عنها هلك، فمن كان له إلي الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت). [206] ومنها ما رواه الحمويني أيضا بإسناده، منتهيا إلي ابن عباس، أنه قال: " سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول لعلي عليه السلام: (خلقت أنا وأنت من نور الله تعالي ". [207] بيان وجه اشتقاق اسم فاطمة عليها السلام من اسم الفاطر لعله بملاحظة أن الفطر بمعني الخلقة أو الشق يوجب فطم المخلوق عن حالته الأولية، وهو العدم إلي الوجود، فهو حاو لمعني الفطم، فاشتق اسم فاطمة من اسم الفاطر اشتقاقا معنويا. واعلم أن هذه الروايات المستفيضة من الجانبين تدل علي أن الخمسة الطيبة صلوات الله عليهم أفضل الخلائق أجمعين من الأولين والآخرين، حتي أولي العزم من الأنبياء سلام الله عليهم، ضرورة أنهم لو لم يكونوا أفضل من جميعهم لم يكونوا واسطة في إيجادهم. ومن هذا شأنه كيف يجوز أن يتقدم عليه في الإمامة والخلافة الإلهية، من كان برهة من زمانه في الشرك؟ وهل يكون تقديمه في الإمامة علي من فضله الله تعالي علي جميع خلقه إلا مخالفة لضرورة حكم العقل؟ [ صفحه 149]

في تفسير قوله تعالي: و أنذر عشيرتك الأقربين

الشعراء: 214. أبو علي الطبرسي في مجمع البيان، قال: عند الخاص والعام في الخبر المأثور عن البراء بن عازب، أنه قال: " لما نزلت هذه الآية جمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب - وهم يومئذ أربعون رجلا - الرجل منهم يأكل المسنة، ويشرب العس، فأمر عليا عليه السلام برجل شاة فأدمها ثم قال لهم: ادنوا بسم الله، فدنا القوم عشرة عشرة، فأكلوا حتي صدروا، ثم دعا بقعب من لبن، فجرع منه جرعة، ثم قال لهم: اشربوا فشربوا حتي رووا، فبدرهم أبو لهب فقال: هذا ما سحركم به الرجل، فمكث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولم يتكلم، فدعاهم من الغد علي مثل ذلك من الطعام والشراب، ثم أنذرهم رسول الله [صلي الله عليه وآله] فقال: يا بني عبد المطلب: إني أنا النذير إليكم من الله عز وجل والبشير، فأسلموا وأطيعوا تهتدوا، ثم قال: من يؤاخيني ويؤازرني علي هذا الأمر يكون وليي، ووصيي بعدي، وخليفتي في أهلي، ويقضي ديني، فسكت القوم، فأعادها ثلاثا، كل ذلك يسكت القوم، ويقول علي: [ صفحه 150] أنا، فقال له في المرة الثالثة أنت هو، فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك، فقد أمر عليك) أورده الثعلبي في تفسيره. وروي عن أبي رافع هذه القصة: " وأن جمعهم في الشعب، فصنع لهم رجل شاة فأكلوا حتي تضلعوا، وسقاهم عسا فشربوا كلهم حتي رووا، ثم قل: إن الله تعالي أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين، وأنتم عشيرتي ورهطي، وإن الله لم يبعث نبيا إلا جعل له من أهله أخا، ووزيرا، ووارثا، ووصيا، وخليفة في أهله، فأيكم يقوم فيبايعني علي أنه أخي، ووارثي، ووزيري، ووصيي، ويكون مني بمنزلة هارون من موسي، إلا أنه لا نبي بعدي، فسكت القوم، فقال: ليقومن قائمكم أو ليكونن في غيركم، ثم لتندمن، ثم أعاد الكلام ثلاث مرات، فقام علي رابعة، فأجابه، ثم قال: ادن مني، فدنا منه، ففتح فاه ومج في فيه من ريقه، وتفل بين كتفيه وثدييه، فقال أبو لهب: بئس ما حبوت به ابن عمك، أن أجابك فملأت فاه ووجهه بزاقا، فقال صلي الله عليه وآله وسلم: ملأته حكمة وعلما " وفي قراءة عبد الله بن مسعود (وأنذر عشيرتك الأقربين) ورهطك منهم المخلصين. وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام. [208] والروايات في هذا المعني من الطريقين مستفيضة. [209] واعلم أن دلالة الروايات المذكورة علي إمامة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وولايته، وخلافته، ووصايته، ووزارته عنه صلي الله عليه وآله وسلم واضحة ظاهرة. فإن قلت: الروايات إنما تدل علي أنه عليه السلام خليفة عنه صلي الله عليه وآله وسلم في أهله، فلا تدل علي خلافته عنه بالنسبة إلي جميع الأمة، حتي تدل علي الإمامة [ صفحه 151] والولاية المطلقة. قلت: هذه الخلافة - بقرينة الشرط - إنما هي الخلافة الراجعة إلي مقام النبوة والرسالة. والخلافة عنه صلي الله عليه وآله وسلم في شأن الرسالة ليست إلا الإمامة. بيان ذلك: إن الشرط وهو قوله صلي الله عليه وآله وسلم (من يؤاخيني [210] ويؤازرني علي هذا الأمر) صريح في المؤاخاة والمؤازرة علي أمر الانذار والرسالة، فإن المشار لا يحتمل غيره، فالجواب - وهو قوله صلي الله عليه وآله وسلم " يكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني " - إنما يرجع حينئذ إلي الخلافة والوصاية بالنسبة إلي مقام الرسالة والإنذار أيضا، والخلافة بالنسبة إلي مقام الرسالة ليست إلا الإمارة، وهذا في غاية الوضوح، وحيث إن دلالة كلامه صلي الله عليه وآله وسلم علي ثبوت الإمارة والإمامة لخليفته في نهاية الظهور، استهزؤوا من قوله صلي الله عليه وآله وسلم وقالوا لأبي طالب عليه السلام: أطع ابنك فقد أمر عليك، والإمارة والإمامة بالنسبة إلي أهله صلي الله عليه وآله وسلم وهم بنو عبد المطلب يستلزم الإمامة بالنسبة إلي غيرهم، إذ لا يجوز أن يكون لطائفة إمام، ولطائفة أخري إمام آخر، كما هو ظاهر، واعترف به الخليفة الثاني حيث قال في جواب الأنصار القائلين: منا أمير ومنكم أمير: " لا يجتمع سيفان في غمد واحد ". [211] والسر في تخصيص خلافته عنه صلي الله عليه وآله وسلم بأهله، أنه صلي الله عليه وآله وسلم كان يومئذ مأمور بإنذار عشيرته الأقربين وأهله، مع أن اختصاص أهله به صلي الله عليه وآله وسلم أشد من اختصاص سائر الأمة به، وخلافته علي أهل النبي صلي الله عليه وآله وسلم من قبله من حيث مقام نبوته ورسالته صلي الله عليه وآله وسلم توجب الخلافة والإمامة علي سائر أمته بطريق أولي. [ صفحه 152] ومما يوضح لك أيضا أن الوصاية والخلافة في المقام عبارة عن الإمامة، قوله صلي الله عليه وآله وسلم: ويقضي ديني - بعد قوله - وخليفتي في أهلي، لأن تعهد قضاء دين الرسول صلي الله عليه وآله وسلم من لوازم الخلافة عن مقام الرسالة الراجعة إلي ولاء الإمامة، التي لها طرفان: الغنم والغرم. وأما الخلافة عن الميت، لا من جهة الإمامة فلا تقتضي إلا تلقي المال عن الميت، وأما دينه فإنما هو علي عهدة تركته لو كانت، بل تصدير الجزاء بقوله: يكون وليي، وعطف وصيي وخليفتي في أهلي عليه صريح في ولاء الإمامة، وأن المراد وليي من قبلي كما لا يخفي. بل يستفاد من الرواية الثانية التي أوردها الثعلبي في تفسيره: أن خليفة كل نبي لا يكون إلا من أهله. وكيف كان فالروايات المفسرة للآية الكريمة دالة علي النص علي خلافة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام عنه صلي الله عليه وآله وسلم وإمامته عليه السلام وعدول أكثر الناس عن نص الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، والبيعة مع غيره لا يوجب بطلان النص، ونسخ حكم الرسول صلي الله عليه وآله وسلم كما هو ظاهر. [ صفحه 153]

في تفسير قوله تعالي: و ربك يخلق ما يشاء و يختار، ما كان لهم الخيرة

اشاره

القصص: 68. في غاية المرام: الحافظ محمد مؤمن الشيرازي في كتابه المستخرج من تفاسير الاثني عشر - وهو من مشايخ أهل السنة - في تفسير قوله تعالي: (وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة) يرفعه إلي أنس بن مالك قال: سألت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية فقال: إن الله خلق آدم من الطين، كيف يشاء ويختار، وإن الله تعالي اختارني وأهل بيتي علي جميع الخلق، فانتجبنا فجعلني الرسول، وجعل علي بن أبي طالب الوصي، ثم قال: (ما كان لهم الخيرة) يعني ما جعلت للعباد أن يختاروا، ولكني أختار من أشاء، فأنا وأهل بيتي صفوته وخيرته من خلقه، ثم قال: " سبحان الله "، يعني تنزها لله " عما يشركون " به كفار مكة، ثم قال: (وربك) يعني يا محمد (يعلم ما تكن صدورهم) من بغض المنافقين لك، ولأهل بيتك (وما يعلنون) [212] من الحب لك، ولأهل بيتك. [213] . [ صفحه 154]

الروايات الدالة علي أن أهل بيت النبي هم الذين أختارهم الله علي جميع خلقه كثيرة مسلمة عند الفريقين لا ريب في صحتها

اشاره

أقول: ويدل علي ذلك أي أن أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم هم الذين اختارهم الله علي جميع خلقه روايات مسلمة عند الفريقين، لا ريب في صحتها.

منها خبر الطير المشوي

منها: خبر الطير المشوي، فقد رواه في غاية المرام عن طريق العامة بخمس وثلاثين طريقا [214] نذكر واحدا منها تيمنا. قال الثامن والعشرون: موفق بن أحمد أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي، أخبرنا القاضي الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ، أخبرني والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن علي الدوربادي، أخبرنا أبو بكر محمد بن هرويه بن عباس بن سنان الرازي، أخبرنا أبو حاتم الرازي، حدثنا عبد الله بن موسي، أخبرنا إسماعيل الأزرق، عن أنس بن مالك، قال: (أهدي لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم طيرا فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير "، فقلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار، فجاء علي عليه السلام فقلت: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي حاجة، قال: فذهب، قال: ثم جاء فقلت: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي حاجة، قال: فذهب، ثم جاء فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: افتح الباب ففتح، ثم دخل فقال: ما حديثك يا علي؟ فقال: ثلاث مرات قد أتيت ويردني أنس، يزعم أنك علي حاجة، قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: ما حملك علي ما صنعت يا أنس، قال: سمعت دعاءك فأحببت أن يكون في رجل من قومي، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم إن الرجل ليحب قومه ". [215] ولكافي الكفاة ابن عباد في هذا المقام شعر: [ صفحه 155] يا أمير المؤمنين المرتضي إن قلبي عندكم قد وقفا كلما جددت مدحي فيكم قال ذو النصب تسب السلفا من كمولاي علي زاهد طلق الدنيا ثلاثا ووفي من دعا بالطير كي يأكله ولنا في بعض هذا مكتفي من وصي المصطفي عندكم فوصي المصطفي من يصطفي [216] .

منها ما دل علي أنه لولا محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ما خلق الله آدم و من دونه

ومنها: ما سبق ذكره [217] من أنه لولا محمد صلي الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ما خلق الله آدم ومن دونه، ولا الملائكة ولا الجن، ولا السماء ولا الأرض، ولا العرش ولا الكرسي، ولا الجنة ولا النار.

منها الخبر الدال علي أن عليا خير الخلق بعد رسول الله

ومنها: ما رواه الفريقان مستفيضا، بل متواترا من أن عليا خير الخلق بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وخير البرية، وخير البشر، خير العرب، وخير الأمة. وقد ذكر في غاية المرام - في هذا الباب - ثلاثة وعشرين حديثا من طريق العامة. [218] .

منها قوله علي مني و أنا منه

ومنها: قوله صلي الله عليه وآله وسلم " علي مني وأنا منه " المروي مستفيضا، بل متواترا من الطريقين، وقد رواه في غاية المرام - من طريقهم - بخمسة وثلاثين طريقا أيضا، [219] نذكر ثلاثة منها تبركا. قال: " الثاني والعشرون، ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري من الجزء الثاني في مناقب علي بن أبي طالب، قال: وقال عمر بن الخطاب: [ صفحه 156] توفي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو عنه راض، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم " أنت مني وأنا منك ". [220] الثالث والعشرون: ومن الجمع بين الصحاح الستة - من الباب أيضا - من سنن أبي داود، وصحيح الترمذي، قال: عن عمران بن الحصين، قال: بعث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سرية واستعمل عليهم عليا، فلما غنموا أصاب علي عليه السلام من السبي جارية، فتعاقدوا أن يخبروا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فلما أخبروه أعرض عنهم، ثم أقبل عليهم - والغضب يعرف في وجهه - فقال: " وما تريدون من علي؟ إن عليا مني وأنا منه ". [221] الرابع والعشرون - ومن الباب أيضا - من سنن أبي داود، وصحيح الترمذي، قال: عن أبي جنادة: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: " علي مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي ". [222] .

منها خبر الراية في غزوة خيبر

ومنها: قوله صلي الله عليه وآله وسلم في غزوة خيبر: " لا عطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله " وقد أعطاها عليا عليه السلام وهو مما تواترت فيه روايات الفريقين، [223] ولم ينكره أحد من المسلمين.

منها خبر أنا مدينة العلم و علي بابها

ومنها: قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب " وهو أيضا من المتواترات التي لم ينكرها أحد. [224] .

منها قوله أقضي و أعلم أمتي علي بن أبي طالب

ومنها: قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " إن أقضي أمتي علي بن أبي طالب، وأعلم أمتي [ صفحه 157] من بعدي علي بن أبي طالب " [225] وهو من المسلمات التي اتفق عليها الفريقان.

منها قوله علي مع الحق

ومنها: قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " علي مع الحق والحق مع علي، يدور الحق معه حيثما دار " وهو من الأخبار المستفيضة، بل المتواترة، وقد رواه في غاية المرام بخمسة عشر طريقا من طرقهم. [226] ومن جملتها: ما نقله عن الزمخشري الذي هو من أعاظم علماء العامة في ربيع الأبرار، قال: " استأذن أبو ثابت مولي علي عليه السلام علي أم سلمة رضي الله عنها فقالت: مرحبا بك يا أبا ثابت، أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها؟ قال: تبع علي، قالت: وفقت، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: " علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي، ولن يفترقا حتي يردا علي الحوض ". [227] .

منها قوله حق علي علي هذه الأمة كحق الوالد علي ولده

ومنها: قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " حق علي علي هذه الأمة كحق الوالد علي ولده " [228] و " أنا وعلي أبوا هذه الأمة " [229] وقد رواه في غاية المرام بعدة طرق من طريقهم ولنتبرك بذكر واحد منها، قال: الثاني: موفق بن أحمد، وقد ذكر إسناده منتهيا إلي عمار بن ياسر، وأبي أيوب، قالا: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " حق علي علي المسلمين كحق الوالد علي ولده ". [230] . [ صفحه 158]

منها خبر سد الأبواب من المسجد إلا باب علي

ومنها: سد الأبواب من المسجد إلا باب علي عليه السلام، وهو مما اتفق عليه المسلمون، وقد رواه في غاية المرام من طريق العامة بتسعة وعشرين طريقا، [231] ولنتبرك بذكر روايتين منها قال: الرابع: ابن المغازلي الفقيه الشافعي في كتاب المناقب، قال: أخبرنا أحمد بن محمد إجازة، قال: أخبرنا عمر بن شوذب، قال: حدثنا أحمد بن عيسي بن هيثم، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، قال: حدثنا علي بن عابس، عن الحارث بن حصين، عن عدي بن ثابت قال: خرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي المسجد فقال: " إن الله أوحي إلي نبيه موسي أن ابن لي مسجدا طاهرا، لا يسكنه إلا موسي وهارون وابنا هارون، وإن الله أوحي إلي أن أبني مسجدا طاهرا، لا يسكنه إلا أنا وعلي وابنا علي عليهم السلام. [232] قال: الخامس ابن المغازلي أيضا، وانتهي إسناده إلي حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: لما قدم أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يكن لهم بيوت يبيتون فيها فيحتلمون، ثم إن القوم بنو بيوتا حول المسجد وجعلوا أبوابها إلي المسجد، وإن النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعث إليهم معاذ بن جبل، فنادي أبا بكر، فقال: إن الله أمرك أن تخرج من المسجد، فقال: سمعا وطاعة، فسد بابه طاعة، وخرج من المسجد، ثم أرسل إلي عمر فقال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يأمرك أن تسد بابك في المسجد وتخرج منه، فقال: سمعا وطاعة لله ولرسوله، غير أني أرغب إلي الله في خوخة إلي المسجد، فأبلغه معاذ ما قال عمر، ثم أرسل إلي عثمان - وعنده رقية - فقال: سمعا وطاعة لله ولرسوله صلي الله عليه وآله وسلم فسد بابه، وخرج من [ صفحه 159] المسجد، ثم أرسل إلي حمزة فسد بابه، وقال: سمعا وطاعة، وعلي علي. ذلك يتردد ولا ندري ما هو فيمن يقيم، أو فيمن يخرج، وكان النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد بني له بيتا في المسجد بين أبياته، فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: اسكن طاهرا مطهرا، فبلغ حمزة قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم لعلي فقال: يا محمد تخرجنا وتمسك غلمان علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: لو كان الأمر إلي ما جعلت من دونكم من أحد، والله ما أعطاه إياه إلا الله، وإنك لعلي خير من الله ورسوله، أبشر، فبشره النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقتل يوم أحد شهيدا، وحقد [233] من ذلك رجال علي علي، فوجدوا [234] في أنفسهم وتبين فضله عليهم، وعلي غيرهم من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقام خطيبا فقال: إن رجالا يجدون في أنفسهم في أن اسكن عليا في المسجد، والله ما أخرجتكم ولا أسكنته. إن الله عز وجل أوحي إلي موسي وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا، واجعلوا بيوتكم قبلة، وأقيموا الصلاة، وأمر موسي أن لا يسكن مسجده، ولا ينكح فيه، ولا يدخله إلا هارون وذريته، وإن عليا بمنزلة هارون من موسي، وهو أخي دون أهلي، ولا يحل مسجدي لأحد ينكح فيه النساء إلا علي وذريته، فمن ساءه فهاهنا، وأومأ بيده نحو الشام. [235] .

منها الروايات المتواترة في فضل محبي علي و شيعته

ومنها: ما ورد متواترا من الفريقين في فضل محبي علي عليه السلام وشيعته، وقد ذكر في غاية المرام في هذا الباب خمسة وتسعين حديثا من طرق العامة، [236] وأذكر روايتين منها تبركا. [ صفحه 160]

دلالة هذه المناقب علي إمامة علي و أولاده الطاهرين

قال فيه: الحادي والثلاثون، موفق بن أحمد، وانتهي الإسناد إلي علقمة، مولي بني هاشم، قال: صلي بنا النبي صلي الله عليه وآله وسلم الصبح، ثم التفت إلينا، وقال: معاشر أصحابي رأيت البارحة عمي حمزة بن عبد المطلب، وأخي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وبين أيديهما من نبق فأكلا ساعة، ثم تحول النبق عنبا، فأكلا ساعة، ثم تحول العنب رطبا، فأكلا ساعة، فدنوت منهما، وقلت: بأبي أنتما وأمي، أي الأعمال وجدتما أفضل؟ فقالا: فديناك بالآباء والأمهات، وجدنا أفضل الأعمال الصلاة عليك، وسقي الماء، وحب علي بن أبي طالب عليه السلام. [237] قال: الثاني والثلاثون، موفق بن أحمد، وانتهي الإسناد إلي أبي بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ذات يوم: إن الله تعالي أمرني أن أحب أربعة من أصحابي، أخبرني أنه يحبهم، قال: فقلنا: من يا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: إن عليا منهم، ثم قال في اليوم الثاني مثل ما قال في اليوم الأول، فقلنا: من هم يا رسول الله؟ قال: إن عليا منهم، ثم قال مثل ذلك في اليوم الثالث، فقلنا: من هم يا رسول الله؟ فقال: إن عليا منهم، وأبا ذر الغفاري، ومقداد بن أسود الكندي، وسلمان الفارسي رضي الله عنهم. [238] أقول: حب سلمان، وأبو ذر، ومقداد، سلام الله عليهم يرجع إلي حب مولانا علي أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، لأنهم من شيعته الذين لم يتخلفوا عن أمره، ولم يفارقوه صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 161] وقد اتضح لك غاية الاتضاح [من] هذه المناقب الثابتة عند جميع المسلمين: أن مولانا أمير المؤمنين وأبناءه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين هم الذين اختارهم الله علي جميع خلقه، ومن المعلوم بالضرورة أنه لا يجوز للناس أن يختاروا علي من اختارهم الله علي جميع خلقه من لم يكن كذلك. [ صفحه 162]

في تفسير قوله تعالي: ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فلله وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل

اشاره

الحشر: 7. في الكافي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام " نحن والله الذين عني الله بذي القربي الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه صلي الله عليه وآله وسلم فقال: (ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فلله وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل " منا خاصة، ولم يجعل لنا سهما في الصدقة، أكرم الله نبيه صلي الله عليه وآله وسلم وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس. [239] .

توضيح دلالة الآية علي انحصار الإمامة في أهل بيت النبوة يتوقف علي بيان أمور

اشاره

واعلم أن الآية الكريمة تدل علي انحصار الخلافة والإمامة في أهل بيت النبوة والرسالة، وتوضيح ذلك موقوف علي بيان أمور: الأول: في معني الفئ والمراد منه في المقام. والثاني: في معني ذي القربي والمراد منه في الآية. والثالث: في بيان كيفية اختصاص الفئ به، أهو علي وجه المصرفية [ صفحه 163] أو الملكية أو علي وجه آخر أتم منهما.

توضيح الأمر 01

أما الأول: فمفاده المطرد في موارد استعمالاته: هو الرجوع. في المصباح المنير: فاء الرجل، يفئ فيئا - من باب باع - رجع، وفي التنزيل: (حتي تفئ إلي أمر الله) أي حتي يرجع إلي الحق، وفاء المولي فئة رجع عن يمينه إلي زوجته، وله علي امرأته فئة أي رجعة، وفاء الظل يفئ فياء رجع من جانب المغرب إلي جانب المشرق " انتهي. [240] أقول: ومنه إطلاق الفئة علي الجماعة، باعتبار رجوع بعضهم إلي بعض، وإطلاق الفئ علي الخراج والغنيمة التي تختص به تعالي شأنه، لرجوعهما إلي المحل الأصلي، بعد أن كانتا في أيدي الكفرة. هذا مفهومه لغة. وأما المراد منه في المقام بقرينة قوله تعالي (من أهل للقري) كلما أخذ من دار الحرب بغير قتال، وكل أرض انجلي عنها أهلها بغير قتال، أو لقوم صولحوا وأعطوها بأيديهم.

توضيح الأمر 02

وأما الثاني: فذو بمعني صاحب، وقربي مصدر قرب خلاف بعد، وله مصادر خمسة: قرب وقربة وقربان وقرابة وقربي. قال في المصباح: " ويقال القرب في المكان، والقربة في المنزلة، والقربي والقرابة في الرحم، ثم قال: والقربان بالضم مثل القربة. [241] واللام للتعريف والإشارة إلي المدخول، والمراد منه ذو القرابة والرحم من الرسول صلي الله عليه وآله وسلم إذ لا يحتمل غيره.

توضيح الأمر 03

أما الثالث: وهو كيفية اختصاص الفئ به فلا بد من استعلامها من [ صفحه 164] بيان كيفية اختصاصه بالمعطوف عليه. فأقول بعون الله تعالي ومشيئته: إن لأم الجر تفيد الاختصاص في جميع الموارد، ويختلف أنحاؤه وخصوصياته باختلاف خصوصيات الموارد، ففي بعضها يتلبس بلباس التعليل، كقولك: ضربت للتأديب، وقعدت للجبن، فإن اختصاص الضرب بالتأديب لا يصلح إلا للتعليل تحصيلا، كما أن اختصاص القعود بالجبن لا يصلح إلا للتعليل حصولا. وفي بعض المواضع يتلبس بلباس التوقيت، نحو قوله تعالي: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلي غسق الليل) [242] فإن اختصاص إقامة الصلاة بدلوك الشمس لا يصلح إلا للتوقيت. وقد يتلبس بلباس الملكية، كقولك: المال لزيد، أو بلباس الاستحقاق، كقولك: الحمد لله، أو بلباس الاختصاص علي وجه المصرفية، كقوله تعالي: (إنما الصدقات للفقراء) [243] أو بلباس الاختصاص الوضعي، كقولك: هذا اللفظ لهذا المعني، أو اللبسي، كقولك: الجل للفرس، وهكذا من الخصوصيات المختلفة باختلاف الموارد. والخصوصية الصالحة للمورد إنما هو حق السلطنة والولاية والإمارة، إذ الخصوصيات الصالحة في بدو النظر في المقام أربعة: المصرفية، والملكية بمعني الجدة والملكية تكوينا، وحق السلطنة، ولا سبيل إلي الثلاثة المتقدمة. أما الأول: فلعدم تطرق الحاجة إليه تعالي، حتي يصير مصرفا للمال. [ صفحه 165] وأما الثاني: فلاستحالة قيام الجدة به تعالي شأنه، فإنه منزه عن أن يكون محلا للحوادث. وأما الثالث: فلعدم اختصاصه بالفئ، فإن لله تعالي ملك السماوات والأرض، فتعين الرابع. فإن قلت: ما معني رجوع الفئ إليه تعالي شأنه بعنوان حق السلطنة والولاية، مع ثبوت ولايته تعالي علي جميع الأشياء. قلت: حق الولاية علي نحوين: تكويني وتشريعي. والأول مجامع مع الحرية، والرقية، والملكية، وعدمها، ولا يتصور فيه تحديد. وأما الثاني فهو محدود بتحديد الشارع، ولا يجامع مع كونه ملكا للغير. واختصاص الفئ به تعالي شأنه إنما هو علي الوجه الثاني، يعني أنه منقطع عنه ربط ملكية المخلوق، فيختص به تعالي شأنه، وليس لأحد من المسلمين التصرف فيه بوجه من الوجوه. وإذا اتضح لك أن رجوع الفئ إليه تعالي شأنه لا يكون إلا من باب حق الإمارة والسلطنة، اتضح لك أن رجوعه إلي الرسول وذي القربي من هذا الباب أيضا، لأن العطف يقتضي مشاركة المعطوف مع المعطوف عليه في الحكم، ويؤكد هذا المعني، ويبينه أنه تعالي شأنه عطف الرسول، وذي القربي، علي نفسه، وأعاد اللام في كل منهما، مع عدم وجوب إعادة الجار في العطف علي الظاهر، وعطف اليتامي، والمساكين، وابن السبيل، وترك اللام تصريحا بأن رجوع الفئ إلي الرسول وذي القربي، طبق رجوعه إلي نفسه، من دون اختلاف في كيفية الرجوع، وأن الاختلاف في الكيفية [ صفحه 166] إنما يكون في المتعاطفات التالية، إذ لو كان رجوع الفئ إلي ذي القربي، مثل رجوعه إلي تواليه، ولم يكن كرجوعه إلي سابقيه لوجب جعله مثل التوالي، لا مثل سابقيه، فإعادة اللام فيه تصريح بأنه مثل سابقيه، وهذا معني قول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، روحنا وأرواح العالمين فداه: (نحن والله الذين عني الله بذي القربي الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه صلي الله عليه وآله وسلم). ويبين هذا المعني أيضا الاتيان بذي القربي مفردا، دلالة علي أن ذي القربي الراجع إليه الفئ في كل عصر لا يكون إلا واحدا، لأن الإمارة والإمامة في كل عصر لا تقوم إلا بواحد. فإن قلت: لو كان رجوع الفئ إلي المعطوف عليه من باب حق السلطنة والإمارة - كما ذكرت - للزم عدم صحة عطف اليتامي، والمساكين، وابن السبيل عليه، لعدم رجوعه إليهم، علي وجه حق الإمارة بالضرورة وإلا لزم أن يكونوا ولاة علي الناس. قلت: رجوع الفئ إليهم علي وجه حق الإمارة لا يتنافي مع عدم إمارتهم علي الناس، لأن رجوع حق الإمارة لشخص علي وجهين: الأول لكونه واليا وأميرا، كالرسول، وذي القربي، حيث قرنهما بنفسه، والثاني: لكونه من توابع الأمير كأهليه [244] ، وأقاربه. واليتامي، والمساكين، وابن السبيل من التوابع، وأفاد تعالي شأنه بتغيير السياق، وترك اللام فيها إنهم من توابع ذي القربي، فهم كذي القربي من حيث أخذ الفئ، وليسوا مثله في الإمارة والاستقلال، فدل علي أن اليتامي، والمساكين، وابن السبيل - في الآية الكريمة - ليست مطلقة، وإنما هم [ صفحه 167] الذين من توابع ذي القربي، وهذا معني قوله عليه السلام روحي فداه " واليتامي، والمساكين، وابن السبيل منا خاصة ". وإذا اتضح لك أن رجوع الفئ إلي ذي القربي إنما هو علي وجه حق السلطنة والإمارة، اتضح لك أنه خليفة الله والإمام القائم مقام الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بعده، وإلا لم يقرنه بنفسه ونبيه صلي الله عليه وآله وسلم في رجوع الفئ الذي هو من شؤون السلطنة والإمارة إليه. كما اتضح لك انحصار الخلافة والإمامة فيهم، وإلا لم يقتصر علي ذي القربي، مع أنه يكفينا في القول باختصاص الخلافة بهم ثبوت خلافتهم بنص الآية الكريمة، لأن خلافة الأول منهم إنما كان بالبيعة، والثاني بنصب الأول إياه، والثالث بحكم الشوري التي جعلها الثاني، ولا مجال لكل منها مع وجود النص. والحمد لله الذي أوضح الحق لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد. [ صفحه 168]

في تفسير قوله تعالي: واعلموا أن ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي

اشاره

واعلموا أن ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا علي عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان والله علي كل شئ قدير ". [245] عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: سمعته يقول كلاما كثيرا، ثم قال: وأعطاهم من ذلك سهم ذي القربي الذين قال الله: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا علي عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان) نحن والله ذو القربي والذين قرنهم الله بنفسه ونبيه صلي الله عليه وآله وسلم فقال: فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل " منا خاصة، ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا، أكرم نبيه صلي الله عليه وآله وسلم وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ الناس. [246] وعن مولانا الصادق صلي الله عليه وآله وسلم في قوله تعالي: (واعلموا أن ما غنمتم من [ صفحه 169] شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي " قال: أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام. [247] وفي التهذيب عن أحدهما عليهما السلام: خمس الله تعالي للإمام، وخمس الرسول صلي الله عليه وآله وسلم للإمام، وخمس ذي القربي لقرابة الرسول والإمام، واليتامي، يتامي آل الرسول، والمساكين منهم، وأبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلي غيرهم. [248] وفي الكافي عن مولانا الرضا عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية، فقيل له: فما كان لله فلمن هو؟ فقال: لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وما كان لرسول الله فهو للإمام فقيل له: أرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر، وصنف أقل ما يصنع به، قال: ذاك إلي الإمام أرأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كيف يصنع، أليس إنما كان يعطي علي ما يراه، كذلك الإمام. [249] .

ينبغي التنبيه علي أمور

اشاره

واعلم أن هذه الآية الكريمة كالآية السابقة في دلالتها علي اختصاص ذي القربي بالإمامة والخلافة عن الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم وقد اتضح لك بما بيناه هنا وجه دلالتها علي ما ذكرناه، ثم إنه ينبغي هنا بيان أمور: الأول: وجه تقديم الخبر علي الاسم، والعطف بعد تتميم الكلام، واستكماله. والثاني: احتواء الآية الشريفة علي ضروب من التأكيد ووجهه. والثالث: أن موضوع الخمس وهو غنم يختص بغنائم دار الحرب أم لا؟ مبائن مع الفئ أم لا؟ [ صفحه 170] والرابع: وجه كون الصدقة وسخا دون الخمس والفئ.

وجه تقديم الخبر علي الاسم والعطف بعد تتميم الكلام واستكماله

أما الأول: وهو تقديم ما حقه التأخير، فقد يكون لإفادة الحصر، وقد يكون للاهتمام والعناية بشأنه، والمقام يحتمل كلا منهما، بل يحتملهما معا، إذ لا منافاة بينهما، كما أنه لا ينافي الحصر رجوع الخمس إلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم وذي القربي أيضا، لأن رجوعه إليهما إنما هو بالاستخلاف عنه تعالي شأنه، فرجوعه إليهما عين رجوعه إليه تعالي شأنه، وهذا معني قول مولانا الرضا عليه السلام " وما كان لله فهو لرسول الله [صلي الله عليه وآله]، وما كان لرسول الله [صلي الله عليه وآله] فهو للإمام عليه السلام " ومنه يتبين سر العطف علي الخبر - بعد الاستكمال - فإنه تنبيه علي أن الأصل في الحكم إنما هو المعطوف عليه، واشتراك المتعاطفات معه في الحكم إنما هو لوقوعها في طوله لا في عرضه.

احتواء الآية الشريفة علي ضروب من التأكيد و وجهه

وأما الثاني: فالتأكيد فيه من وجوه ستة: أولا: تصدير الكلام بقوله عز من قائل (واعلموا) فإنه توجيه للمخاطبين إلي الاستماع والتصديق بما يذكره عز وجل، وهذه الكلمة أبلغ وأكمل من أدوات التنبيه، لاستحضار الطرف. ثانيا: تصدير الاسم بكلمة " أن " المفيدة للتأكيد والتحقيق. ثالثا: تصدير الجملة الخبرية بها أيضا. رابعا: تعليق الحكم بإيمانهم بالله تعالي شأنه، بل بثباتهم علي الإيمان به، حيث قال عز من قائل: (إن كنتم آمنتم بالله) ولم يقل إن آمنتم بالله. خامسا: تعليقه بالإيمان بما أنزله من الآيات والملائكة والنصر يوم الفرقان، يوم بدر، يوم التقي الجمعان، أي ليلة البدر علي ما في بعض الأخبار. [ صفحه 171] سادسا: قوله عز من قائل: " والله علي كل شئ قدير " عقيب هذه التأكيدات البليغة. ومن المعلوم أنه لا يحسن التأكيد إذا لم يكن الطرف منكرا، ولا مترددا، ولا منزلا منزلته. فهذه التأكيدات البليغة الراجعة إلي تحقيق الحكم وتقريره وتثبيته تكشف عن كمال اهتمام الباري جل شأنه بهذا الحكم، كما تكشف عن شدة إنكارهم لهذا الأمر، واستنكافهم عن قبوله والانقياد له، وليس هذا إلا من طرف ذي القربي، الذين منعوا عن حقهم، وخمسهم وفيئهم الذي جعله الله لهم.

في أن موضوع الخمس يختص بغنائم دار الحرب أم لا، مبائن مع الفيم أم لا

وأما الثالث: وهو موضوع الخمس فهو أعم من غنائم دار الحرب، لأن الغنم مقابل للغرم، ولا يختص ذاتا بغنائم دار الحرب، لعموم الغنم لكل فوز بالمال مجانا، وليس في الآية ما يوجب تخصيصه بها، بل الآية مصرحة بالعموم. تقريره: إن كلمة " ما " من المبهمات، وهي ظاهرة في العموم لكل مغنوم، مع قطع النظر عن بيانه، إذ لا عهد في البين، ولا سبيل إلي إرادة فرد منه لا بعينه في المقام، فتعين أن يراد منه العموم. وأما مع ملاحظة بيانه فهو صريح في العموم لأن تبيين المبهم بشئ الذي هو مبهم أيضا، تصريح بأنه لا يكون في البين تخصيص وتقييد، ولو كان لقيده به في مقام البيان. والحاصل: أن جعل المبهم بيانا للمبهم أبلغ من تأكيده به في إفادة العموم، وأصرح منه كما لا يخفي، فتبين أن ما ذهب إليه العامة من تخصيصه بغنائم دار الحرب مخالف لصريح الآية. ثم إن المستفاد من الآية الكريمة أن موضوع الخمس هو الذي غنمه [ صفحه 172] المسلمون، لا مطلق الغنيمة، فانتساب الغنم إليهم مقوم لموضوع الخمس، كغنائم دار الحرب التي حازتها عسكر الإسلام وأخذوها بالغلبة والمقاتلة، وأرباح المكاسب التي اكتسبوها وسائر ما غنموه بالغوص، أو الاستنباط من المعدن وما وجدوه من كنز ونحوه، فهو مغاير مع الفئ، إذ الفئ - وإن صدق عليه الغنيمة - إلا أنه ليس مما غنمه المسلمون، وانتسب إليهم، إذ الفئ ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فلم يدخل تحت حيازتهم حتي ينتسب إليهم، فهو بجميعه راجع ابتداء إليه تعالي وإلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم وذي القربي، بخلاف ما غنموه ودخل تحت سلطنتهم بالحيازة أو الاكتساب بوجه آخر، فإن الراجع منه إليه تعالي وإلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم وذي القربي إنما هو خمسه. وبما بيناه تبين أن ما ذهب إليه بعض العامة من أن الأنفال والفئ منسوخة بآية الخمس من الأغلاط، لأن النسخ إنما يتحقق مع اتحاد الموضوع، وقد تبين لك أن موضوع الخمس مباين مع الفئ والأنفال.

وجه كون الصدقة و سخا دون الخمس

وأما الرابع: وهو كون الصدقة وسخا دون الفئ والخمس، فالسر فيه أن المال يعرضه الوسخ عند الشارع، ولو باعتبار صاحبه، ولذا أمر بتطهيره وتزكيته بتصدق مقدار معين منه، فهذا المقدار المعين الذي أمر بإخراجه عن ماله كان وسخا عند الشارع، حيث جعل إخراجه عن المال والتصدق به سببا لتطهير الباقي، ولذا نزه نفسه ونبيه صلي الله عليه وآله وسلم وذي القربي عنها، وجعل لها مصارف مخصوصة، فقال عز من قائل: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " إلي آخر الآية. [250] وأما الفئ والخمس فهما مما اصطفاه الله تعالي لنفسه، وجعلهما من [ صفحه 173] حقوقه، وخص بهما رسوله وذي القربي، وتوابعهم من يتاماهم، ومساكينهم، وأبناء سبيلهم، فليس فيهما شائبة وسخ، بل هما من أنظف الأموال وأطيبها، حيث رجعا إليه تعالي بعنوان أنهما حق له تعالي شأنه، ثم رجعا إلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم وذي القربي إكراما منه عز وجل. واعلم أن هذه الآية الشريفة مع وجازتها يستفاد منها أغلب أحكام الخمس، بل جميعها، وقد صنف سيدنا الأستاذ العلامة أعلي الله مقامه في تفسير الآية الشريفة رسالة مستقلة وبين فيها كيفية استخراج أغلب أحكامه منها، وهذه الرسالة من أنفس للرسائل، إلا أنها بقيت غير مهذبة. [251] . [ صفحه 174]

في تفسير قوله تعالي: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي

اشاره

الشوري: 23. في غاية المرام: (من مسند أحمد بن حنبل، قال: وفيما كتب إلينا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي يذكره: أن الحارث بن الحسن الطحان حدثه قال: حدثنا حسين الأشقر، عن قيس، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزل قوله: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي " قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما، صلوات الله عليهم أجمعين " [252] والروايات في هذا المعني مستفيضة من الجانبين، بل كادت أن تكون متواترة، وقد ذكر في غاية المرام سبعة عشر حديثا من طريقهم، واثنين وعشرين حديثا من طريقنا. [253] . [ صفحه 175] ومن جملة ما ذكره عن طريقهم: ما عن محمد بن جرير برجاله في كتاب المناقب أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال لعلي عليه السلام: أخرج فناد: ألا من ظلم أجيرا أجرته فعليه لعنة الله، ألا ومن تولي غير مواليه فعليه لعنة الله، ألا ومن سب أبويه فعليه لعنة الله، فنادي بذلك فدخل عمر وجماعة علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وقالوا: هل من تفسير لما نادي، قال: نعم إن الله يقول: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي " فمن ظلمنا فعليه لعنة الله، ويقول: " النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم " ومن كنت مولاه فعلي مولاه، فمن والي غيره وغير ذريته فعليه لعنة الله، وأشهدكم أنا وعلي أبوا المؤمنين، فمن سب أحدنا فعليه لعنة الله، فلما خرجوا قال عمر: يا أصحاب محمد صلي الله عليه وآله وسلم ما أكد النبي صلي الله عليه وآله وسلم لعلي بغدير خم ولا غيره أشد من تأكيده في يومنا هذا، قال حسان بن الأرت: كان ذلك قبل وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بتسعة عشر يوما. [254] .

جعل المودة في القربي أجر الرسالة يدل علي أمرين

أقول: جعل المودة في القربي أجر الرسالة يدل علي أمرين: الأول: وجوب مودة القربي من حيث كونه أجرا للرسالة، ضرورة أنه لا يعقل ثبوت الأجر عليهم مع عدم وجوب الوفاء به، ولغاية وضوحه وظهوره، قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ بل يدل علي أنه من أجل الواجبات الدينية وأكملها، لأن أمر الرسالة من أعظم أمور الدين وأقواها، إذ لا أمر بعد التوحيد أجل وأنبل من الرسالة، وأجر الشئ ما يعادله ويوازنه، فأجرها ما يساويها ويوازنها في الجلالة والنبالة. والثاني: أنهم أفضل وأحب عند الله تعالي من جميع الأمة، حيث أوجب علي جميعهم مودة القربي، وجعلها أجر رسالة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، بحيث [ صفحه 176] من وفي بها أدي حق الرسالة وأجرها، ومن لم يف بها ظلم الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وعليه لعنة الله ولا يكون شخص أحب وأفضل عنده تعالي إلا لأجل أنه أشد إطاعة، وأقوم إيمانا بالله تعالي وبرسوله صلي الله عليه وآله وسلم، ومن هذا شأنه يستحق الإمامة والخلافة عنه تعالي وعن رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، ولا يجوز لأحد التقدم عليه، ومن أجاز أن يكون الناقص مرجعا وملاذا وإماما للكامل فقد خالف حكم الفطرة. فإن قلت: لو كان الأمر كما ذكرت من دلالة الآية علي أن أقارب الرسول صلي الله عليه وآله وسلم أحب وأفضل عنده تعالي شأنه من جميع الأمة، للزم أن لا يكون من أقاربه من يعصي الله تعالي طرفة عين، مع أن ظلم خلفاء بني العباس، وعتوهم وتمردهم عن الحق مشاهد مخصوص. قلت: الآية الكريمة لا تدل علي أنه جعلت مودة جميع أقارب الرسول صلي الله عليه وآله وسلم أجرا للرسالة، إذ القربي مفرد محلي باللام، والمفرد المحلي لا يفيد العموم، بل العدول عن إضافة المودة إليه، وجعله مدخولا لكلمة " في " متعلقة بالمودة يصرف الحكم عن العموم لو فرض أنه يقتضيه، فالآية الكريمة إنما تدل علي أن المودة التي هي أجر الرسالة إنما هي في القربي، دون الأجنبي. ولغاية وضوح عدم دلالة الآية علي العموم، بل دلالتها علي الخصوص سألوا الرسول صلي الله عليه وآله وسلم عن الذين وجبت مودتهم من القربي، وقالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال صلي الله عليه وآله وسلم: علي وفاطمة وابناهما. وقد ورد هذا السؤال والجواب في عدة من روايات العامة، وفي جملة من رواياتنا، بل في بعض رواياتنا التصريح بعدم العموم. [ صفحه 177] قال في غاية المرام: الثاني محمد بن يعقوب أيضا، عن محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن إسماعيل بن عبد الخالق، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأبي جعفر الأحول، وأنا أسمع: فقال: لقيت البصرة؟ قال: نعم، فقال: كيف رأيت مسارعة الناس إلي هذا الأمر ودخولهم فيه؟ فقال: والله إنهم لقليل، وقد فعلوا، وإن ذلك لقليل، فقال: عليك بالأحداث، فإنهم أسرع إلي كل خير، ثم قال: ما يقول أهل البصرة في هذه الآية: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي " قلت: جعلت فداك إنهم يقولون أنهم لأقارب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: كذبوا، إنما نزلت فينا خاصة، في أهل البيت، في علي وفاطمة والحسن والحسين أصحاب الكساء عليهم السلام. [255] أقول: بعد ما تبين لك أن المودة التي هي أجر الرسالة إنما هي لبعض قربي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم تعين أنها إنما هي لأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، لأنهم أقرب منه صلي الله عليه وآله وسلم رحما ومنزلة، فلا يجوز أن يكون أجر الرسالة مودة سائر أقاربه دون أهل بيته صلي الله عليه وآله وسلم، بل قيل إن هيئة فعلي من أبنية المصادر تفيد مزية [256] وجود المبدأ، فعلي هذا يكون مفاد " قربي " هي القرابة القريبة، فلا ينطبق حينئذ علي مطلق أقاربه صلي الله عليه وآله وسلم فيخرج منه ولد عباس، لعدم القرابة القريبة فيهم. هذا وللمفسرين بالرأي كلمات غريبة في المقام، ففسر بعضهم القربي بالتقرب إلي الله تعالي، وبعضهم المودة بمودة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 178] قال في مجمع البيان بعد ذكر الآية: اختلف في معناه علي أقوال: أحدها: لا أسألكم علي تبليغ الرسالة وتعليم الشريعة أجرا إلا التواد والتحاب فيما يقرب إلي الله تعالي من العمل الصالح، عن الحسن، والجبائي، وأبي مسلم، قالوا: هو التقرب إلي الله تعالي والتودد إليه بالطاعة. وثانيها: إن معناه أن تودوني في قرابتي منكم، وتحفظوني لها، عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، قالوا: وكل قرشي كانت بينه وبين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قرابة، وهذا للقرشي خاصة، والمعني إن لم تودوني لأجل النبوة فودوني لأجل القرابة التي بيني وبينكم. وثالثها: أن معناه إلا أن تودوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم. انتهي. [257] أقول: وفي الأول منها أن تفسير القربي بالتقرب غلط، فإن قربي وقرابة إنما يستعملان في الرحم كما أن قربة وقربان إنما يستعملان في المنزلة وقد صرح بذلك الفيومي في المصباح المنير كما مر، [258] مع أنه لو كان المراد ذلك لكان حقيقا أن يقال: إلا العمل بالقربي، لأن الفرض من المقربات هو العمل، لا مجرد المودة. وفي الثاني منهما: أن المسؤول من الأجر إنما هم المؤمنون لا المشركون، لأن المنكرين لرسالته معادون له، فكيف يسألهم الأجر علي رسالته؟ والمؤمنون المعتقدون برسالته يكون مودتهم للرسول صلي الله عليه وآله وسلم لأجل رسالته [ صفحه 179] أشد من مودتهم إياه للقرابة، فلا موقع للسؤال عن مودته حينئذ مع أن ما ذكره من أن معناه إن لم تودوني لأجل النبوة فودوني لأجل القرابة صرف للنظر عن الرسالة، وأخذ بمودة القربي، لا أخذ بأجر الرسالة، فهو مخالف لصريح الآية الكريمة. وأيضا استعمال " في " في موضع اللام - لو صح - فهو مخالف للظاهر، لا يصار إليه، بلا دليل، فهو غلط في غلط. ونسبته إلي ابن عباس غلط آخر، فإن الروايات المفسرة للقربي بقربي آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم عن ابن عباس من طرقهم مستفيضة، [259] مع أن التفسير بالرأي غلط في حد نفسه، خصوصا مع مخالفته للروايات المستفيضة من الجانبين غاية الاستفاضة، بحيث كادت أن تكون متواترة، فتعين التفسير الثالث الموافق للروايات المستفيضة، المطابق للقواعد اللفظية. [ صفحه 180]

في تفسير قوله تعالي: إن الله و ملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما

اشاره

الأحزاب: 56. في غاية المرام من صحيح البخاري في الجزء الرابع منه، في الكراس الرابعة منه، وكان الجزء تسعة كراريس فهي أو في من ثلاثة، قال: حدثنا قيس بن حفص، وموسي بن إسماعيل، قالا: حدثنا عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا أبو فروة مسلم بن سالم الهمداني، حدثني عبد الله بن عيسي، أنه سمع عبد الرحمن بن أبي ليلي، قال: لقيني كعب بن عجرة، فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال: بلي، فاهدها إلي، فقال: سألنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله علمنا كيف نسلم؟ قال: " قولوا اللهم علي محمد وآل محمد، كما صليت علي إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيدا ". [260] أقول: والروايات في هذا الباب مستفيضة، بل متواترة من الجانبين، [ صفحه 181] وقد ذكر في غاية المرام ثلاثة وعشرين حديثا من طرقهم، وتسعة عشر من طريقنا، [261] ولنذكر عدة منها تيمنا. قال فيها: السابع، من صحيح مسلم في الجزء الرابع في أوسطه، بإسناده قال: قلنا يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفنا، فكيف الصلاة عليك؟ فقال صلي الله عليه وآله وسلم: " قولوا اللهم صل علي محمد وآل محمد، كما صليت علي إبراهيم وآل إبراهيم ". [262] قال: الثامن، الثعلبي في تفسيره، قال: أخبرنا الحسين، حدثنا أبو العباس محمد بن همام، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن محمد بن رزين، حدثني حسان - يعني ابن حسان - حدثنا حماد بن سلمة ابن أخت حميد الطويل، عن علي بن زيد بن جذعان، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة رضي الله عنها، عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال لفاطمة عليها السلام: إيتيني بزوجك وابنيك فجاءت، فألقي عليهم كساء، ثم رفع يده عليهم فقال: اللهم هؤلاء آل محمد، فاجعل صلواتك وبركاتك علي آل محمد، فإنك حميد مجيد، قلت: فرفعت الكساء لأدخل معهم فاجتذبه، فقال: إنك علي خير. قال: وروي أبو حاتم عن أبي هريرة، قال: نظر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي علي، وفاطمة، والحسن، والحسين صلوات الله عليهم، فقال: " إني حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم ". [263] قال: التاسع، إبراهيم بن محمد الحمويني المتقدم، وذكر الإسناد مفصلا منتهيا إلي أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " من صلي علي [ صفحه 182] واحدة صلي الله عليه عشر صلوات، وحطت عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات. [264] قال: العاشر، الحمويني هذا، وبالإسناد المتقدم إلي عبد الرحمن النسابي، قال: أخبرنا سعيد بن يحيي بن سعيد الأمويني في حديثه عن أبيه، عن عثمان بن حكيم، عن خالد بن سلمة، قال: أنا سألت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: صلوا علي، واجتهدوا في الدعاء، وقولوا: اللهم صل علي محمد وآل محمد. [265] قال: الحادي عشر، الحمويني هذا، قال: أخبرنا الشيخ الإمام المفتي حرم الله تعالي، محب الدين أحمد بن عبد الله بن أبي بكر الطبري المكي بمكة المعظمة بالحرم الشريف تجاه الكعبة المقدسة زيدت قدسا، قدام قبة الصخرة زيدت شرفا، يوم السبت بعد صلاة العصر، الرابع عشر من شهر الله الحرام، ذي الحجة، سنة تسع وسبعين وستمائة، وعدهن في يدي، قال: أنبأنا قاضي الحرم الشريف إسحاق بن أبي بكر البطري، وعدهن في يدي، قال: أنبأنا الشيخ الإمام شرف الدين أبو المظفر محمد بن علوان بن مهاجر الموصلي، وعدهن في يدي، قال: نبأنا الشيخ أبو الفرج يحيي بن محمود بن سعد الثقفي وعدهن في يدي، قال: نبأنا جدي، وعدهن في يدي، قال: أنبأنا الشيخ أبو بكر بن خلف، وعدهن في يدي، قال: أنبأنا الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الحاكم، وعدهن في يدي، وقال: وعدهن في يدي أبو بكر بن أبي حازم الحافظ بالكوفة، وقال لي: عدهن في يدي حرب بن الحسن الطحان، وقال لي عدهن في يدي، [ صفحه 183] يحيي بن المساور الحناط، وقال لي: عدهن في يدي، عمر بن خالد، وقال لي: عدهن في يدي علي بن الحسين بن علي عليه السلام وقال لي: عدهن في يدي علي بن أبي طالب عليه السلام، وقال لي: عدهن في يدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: عدهن في يدي جبرائيل، وقال جبرائيل عليه السلام: هكذا نزلت بهن من رب العزة: " اللهم صل علي محمد وآل محمد، كما صليت علي إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك علي محمد وآل محمد، كما باركت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم ترحم علي محمد وآل محمد، كما ترحمت علي إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم وتحنن علي محمد وآل محمد، كما تحننت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم سلم علي محمد وآل محمد، كما سلمت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميد مجيد). [266] .

كلام الفخر الرازي في أن الله تعالي جعل أهل بيت نبيه مساويا له في خمسة أشياء

ثم قال بعد ذكر أخبار أخر عن الحمويني، قال: إبراهيم بن محمد الحمويني - وهو من أعيان علماء العامة - عقيب ذكر هذه الأحاديث: فائدة، قال الإمام العلامة فخر الدين محمد بن عمر الرازي: جعل الله أهل بيت نبيه محمد صلي الله عليه وآله وسلم مساويا له في خمسة أشياء: 1 - في المحبة، قال الله تعالي: " فاتبعوني يحببكم الله " [267] قال لأهل بيته: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي ". [268] 2 - والثاني تحريم الصدقة، قال صلي الله عليه وآله وسلم: " حرمت الصدقة علي وعلي أهل بيتي ". [ صفحه 184] 3 - والثالث: في الطهارة قال الله تعالي: (طه - ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي - إلا تذكرة لمن يخشي) [269] وقال لأهل بيته: " ويطهركم تطهيرا ". [270] 4 - الرابع في السلام، قال: السلام عليك أيها النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وقال: فيأهل بيته " سلام علي آل يس " [271] . 5 - الخامس: في الصلوات علي الرسول، وعلي الآل، كما في آخر التشهد. [272] [273] وقد نقل أيضا، من الجزء الثاني من كتاب الفردوس، من باب الميم بالإسناد، قال عن أمير المؤمنين عليه السلام: ما من دعاء إلا بينه وبين السماء حجاب حتي يصلي علي النبي وعلي آل محمد، فإذا فعل ذلك انخرق ذلك الحجاب، ودخل الدعاء، فإذا لم يفعل ذلك رجع الدعاء. [274] هذه جملة من الروايات المروية عن طرقهم. وأما الروايات من طريقنا فأكثر من أن تحصي، ولنتبرك بذكر روايات منها. قال في غاية المرام: الثالث، ابن بابويه قال: حدثنا الحسن بن أحمد بن. [ صفحه 185] إدريس، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد عن حميد عن محمد بن أبي عمير، عن عبد الله بن الحسن بن علي، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: من قال صلي الله علي محمد وآله، قال الله جل جلاله: صلي الله عليك، فليكثر من ذلك، ومن قال صلي الله علي محمد ولم يصل علي آله لم يجد ريح الجنة، وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام. [275] قال: الرابع، ابن بابويه، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، قال: حدثنا المعلي بن محمد بن جمهور القمي، عن أحمد بن حفص البزاز الكوفي، عن أبيه، عن ابن أبي حمزة، عن أبيه، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " [276] فقال الصلاة من الله عز وجل رحمته، ومن الملائكة تزكيته، ومن الناس دعاء. وأما قوله وسلموا تسليما فإنه يعني التسليم له فيما ورد عنه، قال: فقلت: كيف نصلي علي محمد وآل محمد؟ قال: يقولون صلوات الله، وصلوات ملائكته، وأنبيائه، ورسله، وجميع خلقه علي محمد وآل محمد، والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته، قال: قلت: فما ثواب من صلي علي النبي وآله بهذه الصلوات؟ قال: الخروج من الذنوب كهيئة يوم ولدته أمه. [277] ثم سرد الروايات إلي أن قال: [ صفحه 186] الثالث عشر: ابن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، وحصين بن أبي العلا، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال إذا ذكر النبي صلي الله عليه وآله وسلم فأكثروا الصلاة عليه، فإنه من صلي علي النبي صلاة واحدة صلي الله عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة، ولم يبق شئ مما خلق الله إلا صلي علي العبد لصلاة الله وصلاة ملائكته، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور. [278] واعلم أن الروايات الشريفة المفسرة للآية الكريمة تدل علي أن المراد من الصلاة علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الآية الكريمة الصلاة عليه وعلي آله، فالله جل جلاله أخبر أولا بأنه تعالي شأنه وملائكته يصلون علي النبي وآله، ثم أمر المؤمنين كافة بأن يصلوا عليه وعلي آله ويسلموا أمره تسليما، أو يسلموا عليه وعلي آله، فدلهم جل جلاله علي أن منزلة أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم عنده تعالي شأنه، منزلته صلي الله عليه وآله وسلم عنده تعالي شأنه، وأن منزلتهم من الأمة منزلته صلي الله عليه وآله وسلم منهم، فإخباره تعالي شأنه، وملائكته يصلون علي النبي وآله يدل علي أن منزلتهم عنده تعالي شأنه، منزلته صلي الله عليه وآله وسلم عنده جل جلاله، كما أن أمره المؤمنين بأن يصلوا عليه، وعلي آله يدل علي أن منزلتهم من المؤمنين منزلته صلي الله عليه وآله وسلم منهم. ثم إن التعبير بصيغة المضارع لا الماضي في المقام يدل علي أنه تعالي شأنه وملائكته يتصفون بالصلاة عليه وعلي آله علي وجه الدوام والاستمرار، ضرورة أنه ليس المراد من المضارع في المقام الإخبار بالصلاة [ صفحه 187] عليه في الحال أو الاستقبال دون الماضي، وهذا شرف وفضل لا يدانيه فضل وشرف، ومن هذا شأنه يكون خليفة الله تعالي وحجته علي العباد بالضرورة، ويستحيل عند العقل أن يتقدم عليهم في الخلافة والإمامة والولاية من كان مأمورا بالصلاة والتسليم عليهم صلي الله علي محمد وآله وسلم. والحمد لله الذي هدانا لولايتهم ومحبتهم، ورزقنا البراءة من أعدائهم. ثم اعلم أن اختلاف كيفية الصلاة عليهم محمول علي اختلاف مراتب الفضل. [ صفحه 188]

في تفسير قوله تعالي: فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل...

اشاره

في تفسير قوله تعالي: فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين [279] . في غاية المرام: الشيخ المفيد في كتاب الاختصاص، عن محمد بن الحسن بن أحمد - يعني ابن الوليد - عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن. أحمد، عن محمد بن إسماعيل العلوي، قال: حدثني محمد بن الزبرقان الدامغاني الشيخ، قال: قال أبو الحسن موسي بن جعفر عليه السلام، قال: اجتمعت الأمة برها وفاجرها أن حديث النجراني حين دعاه النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي المباهلة، لم يكن في الكساء إلا النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام، فقال الله تبارك وتعالي: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم، فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم "، فكان تأويل أبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة، وأنفسنا علي بن أبي طالب سلام الله عليهم. [280] . [ صفحه 189] وقد روي العامة بأسانيد صحيحة أن معاوية بن أبي سفيان، قال لسعد: ما يمنعك أن تسب أبا تراب، فقال: لما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فلن أسبه، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم. سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول حين خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي عليه السلام: يا رسول الله، خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي، إلا أنه لا نبي بعدي؟ ". وسمعته يقول يوم خيبر: " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله " قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليا، فأتي به أرمد العين، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه ففتح الله علي يده. ولما نزلت هذه الآية: (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل) دعا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عليا وفاطمةوحسنا وحسينا، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي. [281] .

دلالة الآية علي ان منزلة مولانا أميرالمؤمنين من رسول الله منزلة نفسه منه

أقول: انحصار أصحاب الكساء في الخمسة الطيبة سلام الله عليهم مما اجتمعت عليه الأمة، ولم يختلف فيه أحد منهم، كما نبه عليه مولانا الكاظم عليه السلام، وتواترت فيه روايات الفريقين، [282] ولا ينافي ذلك التعبير بصيغة الجمع في كل من الفقرات، مع عدم تعدد النساء والأنفس، لأن التعبير عن الواحد بصيغة الجمع في مقام التعظيم شائع، مع أن التعبير بصيغة الجمع في المقام إنما هو لتبيين أن كلا من المتباهلين ينبغي أن يدعو خواص أهل بيته من [ صفحه 190] هذه الأصناف الثلاثة في مقام المباهلة، سواء تعدد أفراد كل صنف أم لا فإحضاره صلي الله عليه وآله وسلم من البنين سيدي شباب أهل الجنة: الحسن والحسين عليهما السلام، ومن النساء الصديقة الطاهرة عليها السلام، ومن الأنفس مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، يكشف عن أنهم أخص أهل بيته صلي الله عليه وآله وسلم، ولم يكن فيهم من يدانيهم في الفضل، حتي يدعوه معهم، فالآية الكريمة دلت علي أن الذين اختارهم الرسول صلي الله عليه وآله وسلم للمباهلة مع النصاري بأمر الله عز وجل، وجعلهم تحت الكساء كانوا أحب الخلق وأقربهم إلي الله تعالي، وإلي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، كما أنها دلت علي أن مولانا أمير المؤمنين [عليه السلام] من بينهم أخص وأقرب، حيث نزله تعالي شأنه منزلة نفس النبي صلي الله عليه وآله وسلم، إذ لا مجال لدخوله عليه السلام في غير أنفسنا. [283] ولا ينافي ذلك تأخيره في الذكر عن " أبناءنا ونساءنا " لأن الترقي إنما هو من الخاص إلي الأخص، ومن العالي إلي الأعلي، مع أنه لو قدم لتوهم كونه تأكيدا للضمير، فيفوت المقصود حينئذ. وكيف كان، فقد اتضح لك أن الآية الكريمة تدل علي أن منزلة مولانا أمير المؤمنين من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم منزلة نفسه منه صلي الله عليه وآله وسلم، ويدل علي ذلك أيضا ما رواه العامة والخاصة من أنه صلي الله عليه وآله وسلم قال لبني وليعة: لتنتهين يا بني وليعة أو لأبعثن [ صفحه 191] إليكم رجلا كنفسي، يقتل مقاتليكم، ويسبي ذراريكم، وإنما عني عليا عليه السلام. في غاية المرام: قال ابن أبي الحديد: الخبر المشهور عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال لبني وليعة: لتنتهين يا بني وليعة، أو لأبعثن إليكم رجلا عديل نفسي، يقتل مقاتليكم، ويسبي ذراريكم، قال عمر بن الخطاب: فما تمنيت الإمارة إلا يومئذ، وجعلت أنصب له صدري رجاء أن يقول هو هذا، فأخذ علي عليه السلام. [284] ويدل عليه أيضا ما رواه في غاية المرام، عن موفق بن أحمد بإسناده، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ما من نبي إلا وله نظير في أمته، وعلي نظيري. [285] وعن أحمد بن حنبل في مسنده، قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوي، يرفعه إلي سعد بن حذيفة، عن أبيه حذيفة بن اليمان، قال: آخي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار، وكان يؤاخي بين الرجل ونظيره، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: هذا أخي، قال حذيفة: فرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سيد المسلمين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الذي ليس له شبه ونظير. وعلي عليه السلام أخوه. [286] وإذا اتضح لك أن منزلته من الرسول صلي الله عليه وآله وسلم منزلة نفسه منه صلي الله عليه وآله وسلم اتضح لك اختصاص الخلافة والإمامة به، ضرورة أن خلافة شخص عن شخص آخر عبارة عن تنزيله منزلته، وقيامه مقامه، وصيرورته بمنزلة نفسه، ولا حقيقة [ صفحه 192] للخلافة إلا ذلك.

بعد ثبوت هذه المنزلة لا يعقل سلب الخلافة عنه

فبعد ثبوت هذه المنزلة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام من رسول الله بنص الآية الكريمة، لا يعقل [287] سلب الخلافة عنه، ويكون السلب في حكم المناقضة بل عينها، ويكون التصريح بالخلافة تأكيدا وإرشادا إلي ثبوت هذه المنزلة. وأيضا خلافة شخص عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم من جهة رسالته وولايته المستتبعة لافتراض طاعته علي الناس، ووجوب البيعة معه فرع اتصافه بصفات الأصل الموجبة لاستحقاقه الخلافة، وصيرورته أهلا لها، بحيث لا يكون جعلها له للشئ في غير محله، والاتصاف بصفات الأصل له مراتب متدرجة، ودرجات متصاعدة، وأقوي المراتب وأكمل الدرجات، بحيث لا يتصور فوقها مرتبة، هو درجة بلوغه مرتبة يصح معها أن يقال إنه نفس الأصل علي وجه الاطلاق، من دون تقييد بصفة خاصة، فمن له هذه المنزلة يستحق الخلافة عن الأصل قطعا، ولا يعقل العدول عنه إلي من لم يكن كذلك، مع وجوده بالضرورة. وأيضا بعد ما تبين لك أن الآية الكريمة تدل علي أن أصحاب الكساء أقرب الخلق، وأحبهم إلي الله تعالي، تبين لك أنه لا يعقل صرف الخلافة عنهم إلي غيرهم، ضرورة استحالة أن يكون الأبعد مولي للأقرب، فتبين أن الآية الكريمة تدل علي اختصاص الخلافة والإمامة بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام [ صفحه 193] وجوه متعددة، والفرق بين الوجوه ظاهر للمتأمل. فإن قلت: دلالة قوله عز من قائل: (وأنفسنا) علي خلافته وإمامته عليه السلام مسلمة، ولكن لا دلالة له علي اختصاص الإمامة به عليه السلام إذ لا ينافي ذلك مع تنزيل شخص آخر بمنزلة نفسه صلي الله عليه وآله وسلم أيضا، فلا مانع من ثبوت الخلافة للخلفاء الثلاثة حينئذ. قلت: ثبوت الخلافة له عليه السلام بنص الآية الكريمة مانع عن ثبوت الخلافة لغيره بالبيعة واتفاق أهل الحل والعقد من الناس، إذ لا مجال للبيعة والاتفاق مع وجود النص بالضرورة، واتفاق الأمة وخلافة الخلفاء الثلاثة عند القائلين بها، لا تكون بالنص، بل خلافة الأول بالبيعة، وخلافة الثاني بنصبه الأول، وخلافة الثالث بحكم الشوري التي جعلها الثاني بزعمهم. وأيضا لو كانت منزلتهم من الرسول صلي الله عليه وآله وسلم منزلة نفسه منه صلي الله عليه وآله وسلم لأدخلهم تحت الكساء للمباهلة، لأن الله تعالي أمر نبيه صلي الله عليه وآله وسلم بدعوة من كان كذلك للمباهلة، فعدم دعوته إياهم للمباهلة كاشف عن عدم ثبوت هذه المنزلة لهم. [ صفحه 194]

في تفسير قوله تعالي: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا

اشاره

الأحزاب: 33. في غاية المرام: الحادي والعشرون، الثعلبي، قال: أخبرني أبو عبد الله، حدثنا عبد الله بن أحمد بن يوسف بن مالك، حدثنا محمد بن إبراهيم بن زياد، حدثنا الحرث بن عبد الله الحارثي، حدثنا قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " قسم الله الخلق قسمين: فجعلني في خيرها قسما، فذلك قوله تعالي: " وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين " [288] فأنا خير أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين أثلاثا، فجعلني في خيرها قسما، فذلك قوله تعالي: " فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة والسابقون السابقون " [289] فأنا من السابقين، ومن خير السابقين، ثم جعل الأثلاث قبائل، فجعلني من خيرها قبيلة، ثم جعل القبائل بيوتا، فجعلني من خيرها بيتا، فذلك قوله [ صفحه 195] تعالي: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ". [290] قال: الثاني والعشرون، الحميدي، قال: الرابع والستون: من المتفق عليه من الصحيحين، عن البخاري، ومسلم، من مسند عائشة، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، قالت: خرج النبي صلي الله عليه وآله وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " وليس لمصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة، في مسند من الصحيحين غير هذا. [291] قال: الثالث والعشرون، ومن الجمع بين الصحاح الستة، من موطأ مالك بن أنس الأصبحي، وصحيح مسلم البخاري، وسنن أبي داود السجستاني، وصحيح الترمذي، والنسخة الكبيرة من صحيح النسائي، من جمع الشيخ أبي الحسن رزين بن معاوية العبدري السرقسطي الأندلسي، من صحيح أبي داود السجستاني، وهو كتاب السنن في تفسير قوله تعالي: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا "، عن عائشة قالت: " خرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ". [ صفحه 196] قال: وعن أم سلمة زوج النبي صلي الله عليه وآله وسلم، أن هذه الآية نزلت في بيتها: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " قالت: وأنا جالسة عند الباب، فقلت يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ فقال إنك إلي خير، إنك من أزواج رسول الله، قالت: وفي البيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فجللهم بكساء، وقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ". [292] قال: الرابع والعشرون، في سنن أبي داود، وموطأ مالك، عن أنس: إن رسول الله [صلي الله عليه وآله] كان يأتي بباب فاطمة عليها السلام إذا خرج إلي صلاة الفجر، حين نزلت هذه الآية، قريبا من ستة أشهر، يقول: الصلاة يا أهل البيت " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ". [293] ثم سرد الروايات إلي أن قال: الحادي والثلاثون، ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وهو من أعيان علماء المعتزلة، قال: قد بين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عترته من هي، لما قال: أنا تارك فيكم الثقلين، فقال: وعترتي أهل بيتي، وبين في مقام آخر من أهل بيته حين طرح عليهم الكساء، وقال حين نزل " إنما يريد الله " اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس.

كلام ابن أبي الحديد في معني العترة

ثم قال ابن أبي الحديد: فإن قلت: فمن العترة التي عناها أمير المؤمنين بهذا الكلام؟ قلت: نفسه وولديه، والأصل في الحقيقة نفسه لأن ولديه تابعان له، ونسبتهما إليه مع وجوده نسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المضيئة، وقد نبه النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي ذلك بقوله: وأبوكما خير منكما. قوله: وهم [ صفحه 197] أزمة الحق جمع زمام كأنه جعل الحق دائرا معهم حيثما داروا، وذاهبا معهم حيثما ذهبوا، كما أن الناقة طوع زمامها، وقد نبه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم علي صدق هذه القضية بقوله: وأدر الحق معه حيث دار قوله: والسنة الصدق من الألفاظ الشريفة القرآنية، قال الله تعالي: " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " [294] كما كان لا يصدر عنهم حكم ولا قول إلا وهو موافق للحق والصواب، كأنهم ألسنة الصدق، لا يصدر عنها قول كاذب أصلا، بل هي كالمطبوعة علي الصدق، قوله: فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن تحت سر عظيم وذاك أنه أمر المكلفين بأن يجري العترة في إجلالها وإعظامها والانقياد لها والطاعة لأوامرها مجري القرآن. ثم قال ابن أبي الحديد: فإن قلت: فهذا القول منهم مشعر بأن العترة معصومة فما قول أصحابكم في ذلك؟ قلت: نص أبو محمد بن متويه رحمه الله في كتاب الكفاية علي: " أن عليا عليه السلام معصوم، وإن لم يكن واجب العصمة، ولا العصمة شرط في الإمامة، لكن أدلة النصوص قد دلت علي عصمته والقطع علي باطنه ومغيبه، وإن ذلك أمر اختص هو عليه السلام به دون غيره من سائر الناس، والفرق ظاهر بين قولنا: زيد معصوم، وبين قولنا: زيد واجب العصمة لأنه إمام، ومن شرط الإمام أن يكون معصوما، فالاعتبار الأول مذهبنا، والاعتبار الثاني مذهب الإمامية " انتهي. [295] .

بيان دلالة الآية علي عصمة أهل البيت واختصاص الإمامة بهم يتوقف علي أمور أربعة

أقول: لا شبهة في نزول آية التطهير في شأن الخمسة الطيبة صلوات الله عليهم وقد اتفق عليه المسلمون، وتواترت فيه روايات الفريقين، والشأن إنما هو في بيان معني الآية الكريمة، ووجه دلالتها علي عصمة [ صفحه 198] أهل البيت عليهم السلام، واختصاص الإمامة بهم، دون غيرهم من الأمة. توضيح الكلام فيه: يتوقف علي تقديم مقدمة تحتوي أمورا أربعة: الأول: أن الإرادة علي قسمين تكوينية وتشريعية، والأول لا يتخلف عن المراد " إذا أراد الله شيئا أن يقول له كن فيكون " والثاني لا يستلزم وقوع المراد في الخارج، لرجوعه إلي أمره تعالي شأنه عباده بالطاعة، ونهيهم عن المعصية، ومن المعلوم أن مجرد الأمر والنهي لا يستلزم تحقق الامتثال بالضرورة، وإلا لأجبروا علي الطاعة وترك المعصية. والثاني: أن الرجس مطلق ما يعد قذارة، فالمعصية مطلقا صغيرة كانت أو كبيرة رجس، بل الأخلاق الذميمة ولو لم تترتب عليه، بل مطلق متابعة الهوي ولو في المباحات، بل مطلق ما يرجع إلي الشيطان وله مدخل فيه. والثالث: أن النكرة وما في حكمها إذا وقعت في سياق النفي أو ما في معناه تعم جميع الأفراد، كما هو ظاهر واشتهر بينهم. والرابع: أن إذهاب الرجس والتطهير علي قسمين: الأول إذهابه بعد ثبوته بسبب الاتيان بما يزيله، كتطهير الأعيان المتنجسة بالماء، وتطهير المذنب نفسه من رجس الذنوب بالتوبة والإنابة، والثاني إذهابه عن المحل بدفعه عنه، بسبب قوة ملكوتية قدسية، دافعة عنه، مانعة عن عروضه علي المحل، والتعبير بإذهاب الرجس والتطهير حينئذ مثل قولك للحفار: ضيق فم الركية، ونظير قول النحاة: المبتدأ هو المجرد عن العوامل اللفظية، وهو تعبير شائع في العرف، فيما إذا كان المحل في حد نفسه صالحا لعروضه عليه، وإنما حصل الدفع بسبب خارج عن ذاته. وإذا اتضحت لك هذه الأمور. [ صفحه 199] فاعلم أنه لا يجوز أن يراد من الإرادة في الآية الكريمة الإرادة التشريعية، لأن الله تعالي خلق الجن والإنس للطاعة والعبادة، ويسرهم لذلك، وأمرهم به، قال الله تعالي: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " فلا وجه لاختصاص أهل البيت عليهم السلام به، وحصر المراد في طاعتهم، فتعين أن يكون المراد هي الإرادة التكوينية التي لا تتخلف عن المراد. ثم إن الرجس الذي هو مفرد معرف باللام، وإن كان لا يفيد العموم في حد نفسه، إلا أنه يفيده باعتبار وقوعه مفعولا ليذهب، لأن الاذهاب رفعا أو دفعا في معني سلب الرجس ونفيه، ولا يصدق سلبه إطلاقا إلا بانتفاء كل فرد منه، وأوضح منه في إفادة العموم قوله عز من قائل: " ويطهركم تطهيرا " ضرورة عدم حصول التطهير برفع بعض الأقذار دون بعض، وإنما يتحقق التطهير برفع جميع الأقذار، ودفعه عن المحل. فتبين بما بيناه غاية التبين دلالة الآية الكريمة علي عصمة أهل البيت عليهم السلام، وتنزههم عن كل رجس وقذر، ذنبا كان أو غيره. فإن قلت: الآية الكريمة إنما تدل علي عصمتهم حين نزولها، لا قبله، لأن الله تعالي أخبر عن إرادته في الحال، وعبر بصيغة المضارع التي هي للحال أو للاستقبال، فلا تدل علي عصمتهم من حين تولدهم، كما تدعيه الإمامية - رضوان الله عليهم - خصوصا مع التعبير بالتطهير، وإذهاب الرجس المتوقف علي ثبوته في المحل. قلت: إن تأليف الكلام المجيد سابق علي تنزيله علي خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم فلو دل الكلام علي الحال فإنما يدل علي حال التأليف، لا حال التنزيل، والتأليف سابق علي ولادتهم عليهم السلام كما يظهر من الأخبار، مع أن دلالة [ صفحه 200] المضارع علي الحال في مثل المقام ممنوعة. توضيح الكلام فيه: إن الفعل لا يتقوم باقترانه بإحدي الأزمنة وضعا، كما اشتهر بين المتأخرين من أهل العربية، وإنما يتقوم بالإنباء عن حركة المسمي، كما أفاده مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، والفرق بين أنواعه إنما هو باختلاف أنحاء الإسناد، فصيغة الماضي إنما وضعت لإفادة تحقيق المبدأ من الذات، كما أن صيغة المضارع لإفادة اتصاف الذات بالمبدأ وصيغة الأمر لإفادة البعث علي اتصاف الذات بالمبدأ، كما يشهد به الاطراد في موارد الاستعمالات، واستفادة الزمان الماضي من الفعل الماضي، والحال والاستقبال من المضارع، حيث استفيد منها، إنما هي بالانصراف، لا بالوضع، كما أوضحنا الكلام فيه في محله، ولا انصراف للمضارع في مثل المقام إلي الحال أو الاستقبال، فإنه إذا استعمل في مقام المدح أو الذم أو الشكر ونحوه، إنما يفيد الاستمرار في الاتصاف، ألا تري أن قوله عز من قائل: " الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون " [296] ليس ناظرا إلي أنه يستهزئ بهم في الحال أو الاستقبال، ولم يستهزئ بهم في الماضي، وإنما يفيد أنه تعالي يتصف بالاستهزاء بهم، لأجل نفاقهم واستهزائهم برسوله صلي الله عليه وآله وسلم، وهكذا الحال في المقام، فإنه تعالي شأنه في مقام تنزيه أهل بيت النبوة عن الرجس، فقوله تعالي: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت " ناظر إلي أنه عز وجل إنما يتصف بإرادة تنزيه أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن الرجس، ويستمر في هذا الاتصاف، ولا نظر للكلام إلي أنه يتصف بها في الحال، ولم يتصف بها قبل، بل تبيين ضمير المخاطب بقوله تعالي: [ صفحه 201] " أهل البيت " تنبيه علي أنه تعالي شأنه إنما يريد إذهاب الرجس عنهم من جهة أنهم أهل بيت النبوة، وهذه الخصوصية ثابتة لهم في الماضي والحال والاستقبال، فلا مجال حينئذ للتفكيك بين الأزمنة، وتعتق الإرادة بالتنزيه في الحال، دون الماضي. ومما بيناه تبيين أن إذهاب الرجس والتطهير في المقام إنما هو علي وجه الدفع، لا الرفع، فاندفع بحمد الله تعالي ما توهمه الخصم. هذا كله من حيث استفادتهم من الآية الكريمة بمقتضي القواعد اللفظية، مع قطع النظر عن الروايات المفسرة والشاهدة لها، وأما مع ملاحظتها فالأمر أوضح وأظهر، فإن قوله عليه السلام في الرواية الأولي: فجعلني من خيرها بيتا واستشهاده صلي الله عليه وآله وسلم بقوله تعالي: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت " يدل علي أن أهل بيته كانوا من أفضل السابقين، واصطفاهم الله تعالي، واختارهم علي بريته، وطهرهم من الرجس، وعصمهم من الزلل حين خلقهم، كما تدل عليه الروايات المروية من الطريقين، الدالة علي أن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه: هي أسماء الخمسة الطيبة عليهم السلام، [297] وأنه لولاهم ما خلق الله آدم ومن دونه، [298] إذ لا يعقل ثبوت هذه المنزلة لهم مع عدم ثبوت العصمة لهم من أول الأمر، ولا ينافي ذلك ما ورد عنه صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " فإنه تنبيه منه صلي الله عليه وآله وسلم علي أن الابقاء علي الموهبة بعد الهبة نعمة أخري يحتاج إلي الدعاء وطلبه منه تعالي شأنه. وإذا تبين لك عصمة أهل البيت عليهم السلام بنص الآية الكريمة والروايات [ صفحه 202] المتواترة من الجانبين، تبين لك اختصاص الإمامة بهم، إذ لم تثبت العصمة لغيرهم من الأمة ولم يدعها أحد منهم، والإمامة تدور مدار العصمة، لأنها عبارة عن الرئاسة العامة في أمور الدين والدنيا، وما هذا شأنه لا يجوز أن يتقلده غير معصوم من الرجس والزلل. ولو قيل بعدم اعتبار العصمة في تقلد الإمامة في حد نفسه كما يقوله العامة، فاختصاصهم عليهم السلام بها ثابت أيضا، إذ لا يعقل أن يكون من يتطرق إليه الرجس والزلل مرجعا وملاذا وإماما مفترض الطاعة لمن عصمه الله من الرجس والزلل وطهره تطهيرا، والقول بجوازه مخالفة لضرورة حكم العقل، ولا يجوز أن يقال المعصوم حينئذ إمام لنفسه، ولا يكون مأموما، ولا إماما للأمة لعدم التزام الخصم به، وبطلانه في حد نفسه، ضرورة أن الشخص لا يخلو من أن يكون مطاعا أو مطيعا، وخلوه عنهما مستلزم للفساد. [ صفحه 203]

في تفسير قوله تعالي: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون

اشاره

الأنبياء: 7. في غاية المرام، بعد أن ذكر أن المراد من أهل الذكر أهل البيت عليهم السلام، وأن فيه أحد وعشرون حديثا من طريقنا. [299] قال: الحديث الأول: محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلي بن محمد، عن الوشاء، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: الذكر أنا والأئمة عليهم السلام أهل الذكر، وقوله عز وجل (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) [300] قال أبو جعفر عليه السلام نحن قومه ونحن المسؤولون. [301] الحديث الثاني: عن ابن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلي بن محمد بن أورمة، عن علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمن بن كثير، قال: [ صفحه 204] قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " قال: الذكر محمد صلي الله عليه وآله وسلم، ونحن المسؤولون، قال: قلت قوله: وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون " قال: إيانا عني، ونحن أهل الذكر، ونحن المسؤولون. [302] الحديث الثالث: ابن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلي بن محمد، عن الوشاء قال: قال سألت الرضا عليه السلام فقلت له: جعلت فداك " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " فقال: نحن أهل الذكر، ونحن المسؤولون، قلت: أنتم المسؤولون، ونحن السائلون؟ قال نعم، قلت: حقا علينا أن نسألكم؟ قال: نعم، قلت: حقا عليكم أن تجيبونا؟ قال: لا، ذاك إلينا إن شئنا فعلنا، وإن شئنا لم نفعل، أما تسمع قول الله تبارك وتعالي: " هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب " [303] [304] وسرد الروايات إلي أن قال: الثاني عشر: ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب، وجعفر بن محمد بن مسرور - رضي الله عنه - قالا: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، قال: حضر الرضا عليه السلام مجلس المأمون بمرو، وقد اجتمع إليه في مجلسه من علماء أهل العراق وخراسان، وذكر الحديث في الفرق بين الآل والأمة، والحديث المذكور بطوله في عيون أخبار الرضا عليه السلام، وتقدم عن قريب، [305] وذكر [ صفحه 205] الحديث إلي أن قال فيه الرضا عليه السلام: نحن أهل الذكر الذين قال الله تعالي في كتابه: " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " فاسألوا إن كنتم لا تعلمون، فقالت العلماء: إنما عني بذلك اليهود والنصاري، فقال أبو الحسن عليه السلام: سبحان الله، وهل يجوز ذلك؟ إذن يدعوننا إلي دينهم، ويقولون هو أفضل من دين الإسلام، فقال المأمون: هل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوا؟ فقال: نعم، الذكر رسول الله، ونحن أهله، وذلك بين في كتاب الله حيث يقول في سورة الطلاق " فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا - رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ". [306] فالذكر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ونحن أهله [307] هذه جملة من الروايات من طريقنا. وأما من طريق العامة فقد ذكر في غاية المرام ثلاثة أحاديث، منها، قال: الحديث الأول: الثعلبي في تفسير قوله تعالي: " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " قال: قال جابر: لما نزلت هذه الآية، قال علي عليه السلام: نحن أهل الذكر. [308] الحديث الثاني: في تفسير يوسف القطان، عن وكيع، عن الثوري، عن السدي، قال: كنت عند عمر بن الخطاب إذ أقبل عليه كعب بن الأشرف، ومالك بن الصيف، وحي بن أخطب، فقالوا: إن في كتاب الله: [ صفحه 206] " وجنة عرضها السماوات والأرض " [309] إذا كانت سعة جنة واحدة كسبع سماوات وسبع أرضين، فالجنان كلها يوم القيامة أين تكون؟ فقال عمر: لا أعلم، فبينما هم كذلك إذ دخل علي عليه السلام فقال: أفي شئ كنتم، فألقي اليهودي المسألة عليه، فقال لهم: خبروني أن النهار إذا أقبل الليل أين يكون؟ قالوا له: في علم الله تعالي، فقال علي عليه السلام: كذلك الجنان، تكون في علم الله، فجاء علي عليه السلام إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأخبره بذلك فنزل " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ". [310] الحديث الثالث: ما رواه الحافظ محمد مؤمن الشيرازي في المستخرج من تفاسير الاثني عشر، في تفسير قوله تعالي: " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " يعني أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، والله ما سمي المؤمن مؤمنا إلا كرامة لعلي بن أبي طالب عليه السلام. [311] .

في أن أهل البيت هم أهل الذكر

أقول: قد أطلق الذكر علي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، كقوله تعالي في سورة الطلاق، [312] وعلي القرآن كقوله تعالي: " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس " [313] والمعني واحد وإنما الاختلاف في المصداق، فإن كلا منهما ممحض لذكره تعالي شأنه، وأهل البيت عليهم السلام أهل لهما معا، أما الأول فواضح، وأما الثاني: فلأنهم الذين قرنهم الرسول بكتاب الله، وخلفهما [ صفحه 207] في أمته وأمر بالتمسك بهما، وقال: " ألا إنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض " فهم أهل القرآن العالمون به، الذين لا يفارقون القرآن، ولا يفارقهم، فتفسير الذكر في أكثر الروايات بالرسول صلي الله عليه وآله وسلم لا ينافي مع تفسيره في بعضها بالقرآن، لرجوع التفسيرين إلي معني واحد. وبما بيناه تبين أن تفسير أهل الذكر بمطلق العلماء - كما قد يتوهم - في غير محله. وأما تفسيره بعلماء اليهود والنصاري، كما توهموه فبطلانه في غاية الوضوح والظهور، إذ لو أريد من الذكر مطلق الكتب السماوية لم يشملهم أهل الذكر لأن إضافة الأهل إلي الذكر إنما تصح مع العلم به، والموافقة والمتابعة له. وأما مع العلم به والمخالفة له، فلا يصدق علي العالم به كذلك أهل الذكر قطعا، وعلماء اليهود والنصاري خالفوا الذكر، وإلا أسلموا، بل لو شملهم أهل الذكر لم يشملهم الأمر بالسؤال، ضرورة أن الأمر بالسؤال إنما هو بالنسبة إلي المأمونين منهم، وعلماء اليهود والنصاري خالفوا الذكر، فكيف يأمر الله عز وجل بالسؤال عنهم؟

دلالة الآية علي اختصاص الخلافة والإمامة بهم

إذا اتضح لك ذلك فاعلم أن الآية الكريمة تدل علي اختصاص الخلافة والإمامة بهم، دون غيرهم من الأمة، لأن التعبير عنهم بأهل الذكر، وأمره تعالي شأنه سائر الأمة بسؤال ما لا يعلمون عنهم، يدل علي أنهم الهداة الذين نصبهم وجعلهم مرجعا للأمة في أخذ العلم واقتباسه منهم، ومن هذا شأنه يكون خليفة للرسول صلي الله عليه وآله وسلم، وإماما للأمة لا محالة، لأن الخلافة عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في شأن رسالته المستتبعة لافتراض الطاعة، ووجوب البيعة معه إنما هو بقيام هداية الأمة به، ودلالتهم إلي الحق، وإرشادهم إلي الصواب، وإخراجهم من ظلمات الجهل إلي نور اليقين، ومن لم يجعله الله تعالي [ صفحه 208] كذلك لا يعقل أن يكون خليفة عن رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، وإماما لأمته، وأوضح منه استحالة تقديمه علي الهادي الذي نصبه الله تعالي هاديا لأمته، ومرجعا لأخذ العلم منه، والحكم بافتراض طاعته علي الذي أمره الله تعالي بالرجوع إليه، والاهتداء به. فإن قلت: الآية الكريمة إنما تدل علي استحقاقهم الخلافة والإمامة، لا اختصاصها بهم، لجواز أن يكون المقدمون علي علي أمير المؤمنين عليه السلام متصفين بصفات أهل الذكر، فيستحقونها أيضا. قلت: عدم اتصافهم بصفات أهل الذكر واضح بين لرجوعهم في كثير من المسائل التي عجزوا عن حلها إلي مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، كما هو مذكور في كتب الفريقين، [314] فهم مندرجون تحت المأمورين بالسؤال عن أهل الذكر، فكيف يستحقون الخلافة، فضلا عن استحقاقهم التقدم؟ [ صفحه 209]

في تفسير قوله تعالي: و سئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا

اشاره

الزخرف: 45. وقد ذكر في غاية المرام ثلاثة أحاديث من طريق العامة، في تفسيره، فقال: الحديث الأول: إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة، قال: أنبأني الشيخ الحافظ شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي إجازة، قال: أنبأنا أحمد بن خلف، حدثنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيع، حدثنا محمد بن المظفر، حدثنا عبد الله بن محمد بن غزوان، حدثنا علي بن جابر، حدثنا محمد بن خالد الحافظ ابن عبد الله، حدثنا محمد بن فضل، حدثنا محمد بن سوقه، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " أتاني ملك فقال يا محمد، واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا علي ما بعثوا؟ قال: علي ولايتك وولاية علي بن أبي طالب عليه السلام. [315] . [ صفحه 210] الحديث الثاني: أبو نعيم المحدث الإصفهاني في حلية الأولياء، في تفسير قوله تعالي: " وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا " ليلة أسري به، جمع الله بينه وبين الأنبياء، قال: سلهم يا محمد علي ماذا بعثتم؟ قالوا: بعثنا علي شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بنبوتك، والولاية لعلي عليه السلام. [316] الحديث الثالث: أبو الحسن الفقيه ابن شاذان، من طريق العامة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " لما عرج بي إلي السماء انتهي بي المسير مع جبرائيل إلي السماء الرابعة، فرأيت بيتا من ياقوت أحمر، فقال لي جبرائيل: يا محمد هذا البيت المعمور خلقه الله تعالي قبل خلق السماوات والأرضين بخمسين ألف عام قم يا محمد فصل إليه، قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: جمع الله النبيين صلي الله عليه وآله وسلم، فصفهم جبرائيل عليه السلام ورائي صفا، فصليت بهم، فلما سلمت أتاني آت من عند ربي، فقال لي: يا محمد ربك يقرؤك السلام، ويقول لك: سل الرسل علي ماذا أرسلتم من قبلي؟ فقلت: معاشر الرسل علي ماذا بعثكم ربي قبلي، فقال الرسل: علي ولايتك وولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو قوله تعالي: " وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ". [317] وأما الروايات من طريقنا فكثيرة جدا، وقد رويت الرواية الأولي والثانية عن ابن مسعود، وابن عباس من طرقنا أيضا. [318] ومن جملة الروايات عن طريقنا: ما عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيي، عن سلمة بن الخطاب، عن علي بن سبت، عن العباس بن [ صفحه 211] عامر، عن أحمد بن درن العمشاني، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث الله نبيا قط إلا بها ". [319] وما عن محمد بن الحسن الصفار - في بصائر الدرجات - عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن فضيل، عن أبي الحسن عليه السلام قال: " ولاية علي عليه السلام مكتوبة في جميع صحف الأنبياء عليهم السلام ولم يبعث الله نبيا إلا بنبوة محمد وولاية وصيه علي عليهما السلام ". [320] .

دلالة الآية علي اختصاص الإمامة والخلافة بمولانا أميرالمؤمنين وأبنائه الطاهرين

إذا اتضح لك تفسير الآية الكريمة بروايات الفريقين: فاعلم أنها تدل علي اختصاص الإمامة والخلافة بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأبنائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين. توضيح ذلك: إن ولاية مولانا أمير المؤمنين عليه السلام التي بعث الله الأنبياء عليهم السلام عليها، إن كانت بمعني ولاية التصرف في الأمور - كما هو ظاهر - فقد ثبت أن خلافته عليه السلام عن الله تعالي، وعن رسوله صلي الله عليه وآله وسلم منصوصة في الكتاب المجيد وفي سائر الصحف السماوية، والنص علي خلافته وإمامته يوجب اختصاصها به عليه السلام إذ لا مجال مع النص للعدول إلي غيره باختيار الأمة، وتقديمه عليه عليه السلام. وإن كانت بمعني المودة والمحبة، فبعث الأنبياء عليهم السلام عليها وجعلها تلو ولاية سيد الأنبياء صلي الله عليه وآله وسلم ورسالته، يدل علي أنها أقرب وسيلة يتوسل بها إلي الخالق تبارك وتعالي بعد التوحيد والإقرار برسالته ونبوته صلي الله عليه وآله وسلم، فيدل [ صفحه 212] علي أنه عليه السلام أفضل الخلق بعد خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم حتي الأنبياء عليهم السلام ومن كان هذا شأنه لا يجوز أن يتقدم عليه من مضي برهة من زمانه في عبادة الأوثان بالضرورة، فهل يجوز أن يتقدم من أشرك بالله مدة عمره علي من تقدم شأنه ودرجته عند الله تعالي شأنه علي جميع الأنبياء، سوي خاتم النبيين صلي الله عليه وآله الطاهرين؟ كلا ثم كلا، حاشا ثم حاشا، وما أري مجوزه إلا مخالفا للحكم الفطري الضروري. [ صفحه 213]

في تفسير قوله تعالي: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية

اشاره

البينة: 7. في غاية المرام من طريق العامة. قال: الخامس، الأعمش، عن عطية، عن الخدري، وروي الخطيب الخوارزمي، عن جابر: أنه لما نزلت هذه الآية، قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " علي خير البرية ". وفي رواية جابر: كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذا أقبل علي قالوا: جاء خير البرية. [321] قال: السادس، أبو المؤيد موفق بن أحمد، في كتاب المناقب، قال: أخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شهرويه بن شهردار الديلمي، فيما كتب لي من همدان، حدثنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني إجازة، عن الشريف أبي طالب الفضل بن محمد بن طاهر الجعفري [ صفحه 214] رضي الله عنه بداره بأصبهان، في سكة الخوارج، أخبرني الشيخ الحافظ أبو بكر بن أحمد بن موسي بن مردويه بن فورك الإصبهاني، حدثنا أحمد بن محمد السري، أخبرنا المنذر بن محمد بن المنذر، حدثني أبي، حدثني عمي الحسين بن سعيد، عن أبيه، عن إسماعيل بن زياد البزاز، عن إبراهيم بن مهاجر، حدثنا يزيد بن شرحبيل الأنصاري - كاتب علي عليه السلام - قال: سمعت عليا كرم الله وجهه يقول: " حدثني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأنا مسنده إلي صدري، فقال: يا علي ألم تسمع قول الله تعالي: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جيئت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين ". [322] قال: السابع، الجيري يرفعه إلي ابن عباس، قال: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " في علي عليه السلام وشيعته. [323] قال: الثامن، في كتاب شواهد التنزيل، للحاكم أبي إسحاق الحسكاني، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، بالإسناد المرفوع إلي يزيد بن شرحبيل الأنصاري - كاتب علي عليه السلام - قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: قبض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأنا مسنده إلي صدري، فقال: يا علي ألم تسمع قول الله تعالي: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " هم شيعتك، موعدي وموعدكم الحوض تدعون غرا محجلين. [324] قال: التاسع، مقاتل بن سليمان، عن الضحاك، عن ابن عباس، في قوله: " هم خير البرية " قال: نزلت في علي وأهل بيته. [ صفحه 215] قال: العاشر، صاحب كتاب الأربعين، وهو الثامن والعشرون من أحاديث الأربعين، قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن الحسن الصفار بقراءتي عليه، قال: أخبرنا أبو عمرو بن مهدي، قال: أخبرنا أبو العباس بن عقدة، قال: حدثنا محمد بن أحمد القطواني، قال: حدثنا إبراهيم بن جعفر بن عبد الله بن محمد بن مسلم، عن ابن الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: كنا عند النبي صلي الله عليه وآله وسلم فأقبل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم " قد أتاكم أخي، ثم التفت إلي الكعبة فضربها بيده، ثم قال: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ثم قال: إنه أولكم إيمانا معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية، قال: فنزلت " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " قال: فكان أصحاب محمد صلي الله عليه وآله وسلم إذا أقبل علي عليه السلام قالوا: قد جاء خير البرية. [325] قال: الحادي عشر، أبو نعيم الإصفهاني، يرفعه إلي تميم بن جذلم، عن ابن عباس رحمه الله قال: لما نزلت هذه الآية، قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " هم أنت وشيعتك تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوكم غضبانا مقحمين ". [326] هذه جملة من الروايات المروية من طريقهم. وأما الروايات من طريقنا فكثيرة جدا، ولنتبرك بذكر واحدة منها: في غاية المرام، عن الشيخ الطوسي رحمه الله في أماليه، منتهيا إسناده إلي يعقوب بن ميثم التمار، مولي علي بن الحسين عليه السلام قال: دخلت [ صفحه 216] علي أبي جعفر عليه السلام فقلت له: جعلت فداك يا بن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إني وجدت في كتب أبي: أن عليا عليه السلام قال لأبي ميثم: أحبب حبيب آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم وإن كان فاسقا زانيا، وأبغض مبغض آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم لا وإن كان صواما قواما، فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو يقول: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " ثم التفت وقال: هم والله شيعتك يا علي، وميعادك وميعادهم الحوض غدا غرا محجلين، فقال: أبو جعفر عليه السلام: هكذا هو عندنا في كتاب علي عليه السلام. [327] .

من كان خير البرية لا يجوز أن يتقدم غيره عليه في الخلافة

أقول: الروايات المستفيضة من الجانبين تدل علي أن أكمل مصاديق " الذين آمنوا وعملوا الصالحات " الخبر عنهم بأنهم خير البرية إنما هو مولانا أمير المؤمنين، ولا ينطبق الموصول علي غيره إلا من كان من شيعته وأتباعه فمن كان هذا شأنه فهو أقرب الخلق إلي الله تعالي بعد رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، فلا يجوز أن يتقدم غيره عليه في الخلافة عن الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم، بل التقدم عليه مناف لانحصار المؤمنين الصالحين فيه وفي شيعته.

ادعاء تفويض علي الخلافة إلي الخلفاء يكذبه التاريخ والشواهد

فإن قلت: لا ينافي كونهم من شيعته عليه السلام تقدمهم عليه في الخلافة، لجواز أن يكون ذلك التقديم لتفويضه الأمر إليهم، لمصلحة رآها. قلت: من وقف علي قصة سقيفة بني ساعدة، وكيفية أخذ البيعة منه عليه السلام ومن أتباعه، وتصرفهم فدكا، ورد شهادة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وشهادة الحسن والحسين عليهما السلام، وهمهم بإحراق بيت فاطمة عليها السلام ومن فيه، واستخلاف الأول الثاني، وجعل الثاني الشوري لتعيين الخليفة من بين ستة، وسائر ما جري بينهم يعلم بعدم موافقتهم لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وعدم [ صفحه 217] موافقته معهم، وهذه الأمور الواقعة مما اتفقت عليه الأمة، وصرحت به أخبار الفريقين، وإن زادت أخبار بعضهم علي بعض في بعض الخصوصيات.

كلام ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة

قال ابن قتيبة في تاريخه - المعروف بالإمامة والسياسة - بعد تصريحه بأن ما ذكره مما اتفقت عليه الأخبار. [328] قال: في بيان كيفية بيعته عليه السلام مع أبي بكر، وإن أبا بكر تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب: وقال والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها علي من فيها، فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة، قال: وإن، فخرجوا فبايعوا إلا عليا، فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج. ولا أضع ثوبي علي عاتقي حتي أجمع القرآن، فوقفت فاطمة رضي الله عنها علي بابها. فقالت لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقا، فأتي عمر أبا بكر فقال ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولي له: فادع لي عليا، قال: فذهب إلي علي عليه السلام فقال: ما حاجتك، فقال: يدعوك خليفة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال علي: لسريع ما كذبتم علي رسول الله، فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكي أبو بكر طويلا، فقال عمر الثانية أن لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال: أبو بكر رضي الله عنه لقنفذ: عد إليه فقل له أمير المؤمنين يدعوك لتبايع فجاءه قنفذ فأدي ما أمر به، فرفع علي صوته فقال: سبحان الله لقد ادعي ما ليس له، فرجع قنفذ، فأبلغ الرسالة، فبكي أبو بكر طويلا. [ صفحه 218] ثم قال عمر: فمشي معه جماعة حتي أتوا فاطمة عليها السلام فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلي صوتها: يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تتصدع، وأكبادهم تتفطر، وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا عليا، فمضوا به إلي أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: إن لم أفعل فمه، قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك، قال: تقتلون عبدا لله وأخا رسوله؟ قال عمر: أما عبد الله فنعم وأما أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك، فقال: لا أكرهه علي شئ ما كانت فاطمة إلي جنبه، فلحق علي بقبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في يصيح ويبكي وينادي: " يا بن أم، إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ". فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلي فاطمة، فإنا قد أغضبناها، فاستأذنا علي فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا عليا فكلماه، فأدخلهما عليها. فلما قعدا عندها حولت وجهها إلي الحائط، فسلما عليها فلم ترد السلام، فتكلم أبو بكر، فقال: يا حبيبة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت، ولا أبقي بعده، أفتراني أعرفك، وأعرف فضلك، وشرفك، وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله، إلا أني سمعت أباك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: لا نورث، ما تركنا فهو صدقة. فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تعرفانه وتفعلانه، قالا: نعم، فقالت: ناشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضي فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد [ صفحه 219] أسخطني، قالا: نعم، سمعناه من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قالت: فإني أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني، وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم لأشكونكما إليه، فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالي من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر يبكي حتي كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها. ثم خرج باكيا، فاجتمع إليه الناس، فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته مسرورا بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي، قالوا: يا خليفة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إن هذا الأمر لا يستقيم، وأنت أعلمنا بذلك، إنه إن كان هذا لم يقم لله دين، فقال: والله لولا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة، بعد ما سمعت ورأيت من فاطمة عليها السلام. قال: فلم يبايع علي كرم الله وجهه حتي ماتت فاطمة رضي الله عنها، ولم تمكث بعد أبيها إلا خمسا وسبعين ليلة، قال: فلما توفيت أرسل علي إلي أبي بكر، أن أقبل إلينا، فأقبل أبو بكر حتي دخل علي علي عليه السلام وعنده بنو هاشم، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: أما بعد يا أبا بكر فإنه لم يمنعنا أن نبايعك إنكارا لفضيلتك، ولانفاسة عليك، ولكنا كنا نري أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددت علينا، ثم ذكر علي عليه السلام قرابته من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فلم يزل يذكر ذلك حتي بكي أبو بكر، فقال أبو بكر: لقرابة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي، وإني والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، يصنعه إلا صنعته إن شاء الله تعالي، فقال علي عليه السلام: موعدك غدا في المسجد الجامع للبيعة إن شاء الله تعالي. ثم خرج فأتي المغيرة بن شعبة، فقال: ألا تري يا أبا بكر أن تلقوا [ صفحه 220] العباس فتجعلوا له في هذا الأمر نصيبا يكون له ولعقبة، وتكون لكما الحجة علي علي وبني هاشم، إذا كان العباس معكم، قال: فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة حتي دخلوا علي العباس رضي الله عنه، فحمد الله أبو بكر وأثني عليه، ثم قال: إن الله بعث محمدا صلي الله عليه وآله وسلم نبيا وللمؤمنين وليا، فمن الله تعالي بمقامه بين أظهرنا، حتي اختار له الله ما عنده، فخلي علي الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم، متفقين لا مختلفين، فاختاروني عليهم وليا، ولأمورهم راعيا، وما أخاف بحمد الله وهنا، ولا حيرة، ولا جبنا، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم، عليه توكلت وإليه أنيب، وما زال يبلغني من طاعن يطعن بخلاف ما اجتمعت عليه عامة المسلمين، ويتخذونكم لحافا، فاحذروا أن تكونوا جهد المنيع، فلما دخلتم فيما دخل فيه العامة أو دفعتموهم عما مالوا إليه. وقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا، يكون لك ولعقبك من بعدك، إذ كنت عم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وإن كان الناس قد رأوا مكانك، ومكان أصحابك، فعدلوا الأمر عنكم [329] علي رسلكم بني عبد المطلب، فإن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم منا ومنكم، ثم قال عمر: أي والله وأحري [330] إنا لم نأتكم حاجة منا إليكم، ولكن كرهنا أن يكون الطعن منكم، فيما اجتمع عليه العامة فيتفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا لأنفسكم ولعامتكم، فتكلم العباس، فحمد الله وأثني عليه. ثم قال إن الله بعث محمدا صلي الله عليه وآله وسلم كما زعمت نبيا، وللمؤمنين وليا، فمن الله بمقامه بين أظهرنا حتي اختار ما عنده، فخلي علي الناس أمرهم [ صفحه 221] ليختاروا لأنفسهم مصيبين للحق، لا مائلين عنه بزيغ الهوي، فإن كنت برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم طلبت فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين طلبت، فنحن منهم متقدمون فيهم، وإن كان هذا الأمر إنما يجب لك بالمؤمنين، فما وجب إذ كنا كارهين، فأما ما بذلت لنا فإن يكن حقا لك فلا حاجة لنا فيه، وإن يكن حقا للمؤمنين فليس لك أن تحكم عليهم، وإن كان حقا لنا لم ترض عنك فيه ببعض دون بعض. وأما قولك إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم منا ومنكم فإنه قد كان من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها. قال: ثم خرج أبو بكر إلي المسجد الشريف فأقبل علي الناس فعذر عليا عليه السلام بمثل ما اعتذر عنده، ثم قام علي عليه السلام فعظم حق أبي بكر، وذكر فضيلته وسابقته، ثم مضي فبايعه، فأقبل الناس علي علي عليه السلام فقالوا: أصبت يا أبا الحسن، وأحسنت، قال: فلما تمت البيعة لأبي بكر أقام ثلاثة أيام يقيل الناس، ويستقيلهم، يقول: أقلتكم في بيعتي، هل من كاره هل من مبغض؟ فيقوم علي عليه السلام في أول الناس فيقول: والله لا نقيلك ولا نستقيلك أبدا، قد قدمك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لتوحيد ديننا، من ذا الذي يؤخرك لتوجيه دنيانا " انتهي كلامه. وقد ذكر قبل ذلك: ثم إن عليا كرم الله وجهه أتي به إلي أبي بكر وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقيل له: بايع أبا بكر، فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولي بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وتأخذونه منا أهل البيت غصبا، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولي بهذا الأمر منهم لما كان محمد صلي الله عليه وآله وسلم فيكم، فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة، فإذا احتج عليكم بمثل ما [ صفحه 222] احتججتم علي الأنصار نحن أولي برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم حيا وميتا، فانصفوا إن كنتم تؤمنون، وإلا فبوءوا بالظلم، وأنتم تعلمون، فقال له عمر: إنك لست متروكا حتي تبايع، فقال له علي عليه السلام: " احلب حلبا لك شطره واشدد له اليوم يردده عليك غدا، ثم قال: والله يا عمر لا أقبل قولك، ولا أبايعه، فقال له أبو بكر: فإن لم تبايع فلا أكرهك. فقال أبو عبيدة بن الجراح لعلي كرم الله وجهه: يا ابن عم إنك حديث السن، وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أري أبا بكر إلا أقوي علي هذا الأمر منك، وأشد احتمالا واستضلاعا، فسلم لأبي بكر هذا الأمر، فإنك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق وحقيق في فضلك، ودينك، وعلمك، وفهمك، وسابقتك، ونسبك، وصهرك فقال علي كرم الله وجهه: " الله الله يا معشر المهاجرين لا تخرجوا سلطان محمد صلي الله عليه وآله وسلم في العرب من داره، وقعر بيته إلي دوركم وقعور بيوتكم، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت، ونحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، المتطلع لأمر الرعية الدافع عنهم الأمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية، والله إنه لفينا فلا تتبعوا الهوي فتضلوا عن سبيل الله، فتزدادوا من الحق بعدا ". وقال بشير بن سعد الأنصاري: لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف عليك. قال: وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي دابة ليلا في مجالس الأنصار، تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت [ صفحه 223] رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك، وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول علي كرم الله وجهه: أفكنت أدع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في بيت لا أدفنه، وأخرج أنازع الناس بسلطانه، فقالت: فاطمة عليها السلام: ما صنع أبو الحسن عليه السلام إلا ما كان ينبغي، لقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم " انتهي. [331] وإذا وقفت علي ما جري بينهم وبين مولانا أمير المؤمنين عليه السلام اتضح لك اتضاح الشمس في رابعة النهار أن احتمال الموافقة وتفويض الأمر إليهم لا مجال له، كما تبين لك أن بيعته عليه السلام وبيعة أتباعه مع أبي بكر لم يكن إلا عن كره وإجبار، فلم يحصل اتفاق علي بيعته. والعجب من هذا المؤرخ الفاضل، كيف زعم بعد ذكر هذه التفاصيل أنه عليه السلام بايع أبا بكر باختيار، كما يظهر من آخر كلامه في بيان كيفية بيعته عليه السلام مع أبي بكر، وليت شعري ما وجه إنكار عمر؟ وتكذيبه أنه عليه السلام أخا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مع أن قضية مؤاخاته عليه السلام مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أظهر من الشمس، وأبين من الأمس، وقد تواترت روايات الفريقين علي أنه صلي الله عليه وآله وسلم اتخذ عليا أخا لنفسه. [332] . [ صفحه 224]

في تفسير قوله تعالي: ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون

الزخرف: 57. في غاية المرام: محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: بينا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ذات يوم جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين عليه السلام، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " إن فيك شبها من عيسي بن مريم، لولا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصاري في عيسي بن مريم، لقلت فيك قولا لا تمر بملا من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك، يلتمسون بذلك البركة " قال: فغضب الأعرابتان، والمغيرة بن شعبة، وعدة من قريش، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلا إلا عيسي بن مريم، فأنزل الله علي نبيه صلي الله عليه وآله وسلم فقال: " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون - وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون - إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل - ولو نشاء لجعلنا منكم - يعني من بني هاشم - ملائكة في الأرض [ صفحه 225] يخلفون " [333] قال: فغضب الحارث بن عمرو الفهري، فقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، أنزل الله عليه مقالة الحارث، ونزلت عليه هذه الآية: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " [334] ثم قال له: يا أبا عمرو إما تبت وإما رحلت، فقال: يا محمد تجعل لسائر قريش مما في يدك، فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: ليس ذلك لي ولك، إلي الله تبارك وتعالي، فقال: يا محمد قلبي لا يتابعني علي التوبة، ولكن أرحل عنك فدعا براحلته فركبها، فلما صار بظهر المدينة أتته جندلة، فرضت هامته، ثم أتي الوحي إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال: سأل سائل بعذاب واقع - للكافرين ليس له دافع - من الله ذي المعارج ". [335] قال: قلت جعلت فداك إنا لا نقرأها هكذا، فقال: هكذا أنزل الله بها جبرائيل علي محمد صلي الله عليه وآله وسلم، وهكذا والله مثبت في مصحف فاطمة عليه السلام فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لمن حوله من المنافقين: انطلقوا إلي صاحبكم، فقد أتاه ما استفتح به، قال الله عز وجل: " واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ". [336] [337] وقد روي في باب المنزلة من طريق المخالفين وطريقنا مسندا إلي جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: لما قدم علي من فتح خيبر قال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " يا علي لولا أن طائفة من أمتي يقولون فيك ما قالت النصاري في [ صفحه 226] عيسي بن مريم لقلت فيك مقالا لا تمر بملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت رجليك وفضول طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي، إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت تبرئ ذمتي، وتستر عورتي، وتقاتل علي سنتي، وأنت غدا في الآخرة أقرب الخلق مني، وأنت علي الحوض خليفتي، وإن شيعتك ومحبيك في القيامة مبيضة وجوههم حولي، أشفع لهم فيكونون في الجنة جيراني، يا علي حربك حربي، وسلمك سلمي، وسرورك سروري، وأنت تقضي ديني، وتنجز وعدي، وأن الحق يجري علي لسانك، ويجري علي قلبك، ومعك، وبين يديك، ونصب عينيك، والإيمان مخالط لحمك ودمك، كما خالط لحمي ودمي، ولا يرد علت الحوض مبغض لك، ولا يغيب عنه محب لك ". فخر علي عليه السلام ساجدا لله تعالي، وقال: الحمد لله الذي من علي بالإسلام، وعلمني القرآن، وحببني إلي خير البرية، وأعز الخليفة، وأكرم أهل السماوات والأرض علي ربه، خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وصفوة الله من جميع العالمين إحسانا من الله تعالي، وتفضلا علي "، فقال له يا علي: " ما عرف الإسلام بعدي إلا بك، يا علي لقد جعل الله نسل كل نبي من صلبه، ونسلي من صلبك، فأنت أعز الخلق لدي، وأكرمهم لدي، ومحبوك أكرم علي من أمتي ". [338] أقول: والأخبار في هذا الباب مستفيضة، وقد ذكر في غاية المرام في هذا المقام سبعة أخبار من طريقنا وثلاثة عشر من طريقهم. [339] فقال: الأول، أبو نعيم الحافظ الإصفهاني، في كتابه الموسوم بنزول [ صفحه 227] القرآن في علي عليه السلام، قال قوله تعالي: " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون " عن ربيعة ابن ناجد، قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: في نزلت هذه الآية. [340] فقال: الثاني، محمد بن العباس، من طريق العامة، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيي، عن محمد بن زكريا، عن مخدج بن عمر الحنفي، عن عمر بن قايد، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: بينا النبي صلي الله عليه وآله وسلم في نفر من أصحابه، إذ قال: الآن يدخل عليكم نظير عيسي ابن مريم في أمتي، فدخل أبو بكر فقالوا: هو هذا؟ فقال: لا، فدخل عمر فقالوا: هو هذا؟ فقال: لا، فدخل علي عليه السلام فقالوا: هو هذا؟ فقال: نعم، فقال قوم: لعبادة اللات والعزي أهون من هذا، فأنزل الله عز وجل " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون - وقالوا أآلهتنا خير " الآيات. [341] وقال: الثالث، محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن سهل العطار، قال: حدثنا أحمد بن عمر الدهقان، عن محمد بن كثير الكوفي، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: جاء قوم إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقالوا: يا محمد إن عيسي بن مريم عليه السلام يحيي الموتي فأحي لنا الموتي، فقال لهم: من تريدون، فقالوا: نريد فلان، وأنه قريب عهد بموت، فدعا علي بن أبي طالب عليه السلام فأصغي إليه بشئ لا نعرفه، ثم قال له: انطلق معهم إلي الميت، فادعه باسمه، واسم أبيه، فمضي معهم حتي وقف علي قبر الرجل، ثم ناداه يا فلان بن فلان، فقام الميت، فسألوه، ثم اضطجع في لحده، ثم انصرفوا وهم يقولون: إن هذا من أعاجيب بني عبد المطلب أو نحوها، فأنزل الله عز وجل: " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه [ صفحه 228] يصدون " أي يضجون. [342] ثم سرد الروايات إلي آخرها. إذا تبين لك أن الآية الكريمة تدل علي أن في أمة خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم نظير عيسي ابن مريم، وشبيهه الذي يحيي الموتي بإذن الله، ويبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، وهو مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، تبين لك اختصاص الخلافة والإمامة به عليه السلام. توضيح ذلك: إن هذا المقام مقام منيع من أطوار مقام الولاية، فهو إن لم يكن عين الإمامة فمن لوازمها وتوابعها، والتنصيص عليه تنصيص علي الخلافة والإمامة، ومن هنا يضج القوم، كما في قراءة أهل البيت عليهم السلام " يصدون " أي يضحكون، كما فسر في بعض الأخبار، [343] ولا مجال للعدول مع النص إلي غيره بالضرورة. ثم إن هذه الأخبار المروية من الطريقين صريحة في أنه صلي الله عليه وآله وسلم بعد أن ذكر ما ذكر من فضائل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ومناقبه، من خبر المنزلة، ومقام الأخوة، وأنه أحب الخلق إلي الله تعالي وإلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، وأنه مع الحق والحق معه يدور معه حيثما دار، وسائر المناقب التي لا تحصي، لم يبين كمال فضائله ومناقبه عليه السلام خوفا من أن يرتد فيه عليه السلام طوائف من أمته، وتقول فيه عليه السلام ما قالت النصاري في عيسي ابن مريم عليه السلام. ومن هذا شأنه كيف يستحق أن يتقدم عليه من أشرك بالله تعالي برهة من زمانه؟! [ صفحه 229]

في تفسير قوله تعالي: و سلام علي آل يس

اشاره

الصافات: 130. في غاية المرام: أبو نعيم الإصفهاني بإسناده عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله تعالي: " وسلام علي آل يس " قال: " آل يس " آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم. [344] أقول: والروايات عن أهل البيت عليهم السلام " وعن ابن عباس رضي الله عنه مستفيضة في أن " آل " بالمد، لا بكسر الهمزة، [345] بل في بعض الأخبار متنهيا إلي أبي عبد الرحمن السلمي: أن عمر بن الخطاب كان يقرأ: " سلام علي آل يس " بالمد قال عبد الرحمن: " آل يس " آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم. [346] بل يظهر مما احتج به مولانا الرضا عليه السلام في مجلس المأمون علي

قراءة آل يس صحيحة

العلماء: أن قراءة الآل بالمد مسلمة عند المسلمين، فقال عليه السلام في مقام بيان الآيات الدالة علي اصطفاء أهل البيت علي الأمة. [ صفحه 230] وأما الآية السابقة، فقوله تبارك وتعالي: " إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " [347] وقد علم المعاندون منهم أنه لما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: تقولون: " اللهم صل علي محمد وآل محمد كما صليت علي إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد " فهل بينكم معاشر الناس في هذا خلاف؟ فقالوا: لا، فقال المأمون: هذا ما لا خلاف فيه أصلا، وعليه إجماع الأمة، فهل عندك في الآل شئ أوضح من هذا في القرآن، قال أبو الحسن عليه السلام: نعم، أخبروني عن قول الله عز وجل " يس " قال العلماء: " يس " محمد صلي الله عليه وآله وسلم لم يشك فيه أحد، قال أبو الحسن عليه السلام: إن الله أعطي محمدا وآل محمد صلي الله عليه وآله وسلم من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه إلا من عقله، وذلك لأن الله لم يسلم علي أحد إلا علي الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، فقال تبارك وتعالي: " سلام علي نوح في العالمين، [348] سلام علي إبراهيم، [349] وسلام علي موسي وهارون [350] "، ولم يقل سلام علي آل نوح، ولا علي آل موسي، ولا علي آل إبراهيم " فقال: " سلام علي آل يس " يعني آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم. [351] ولم يرد أحد من العلماء في مجلس المأمون علي مولانا الرضا عليه السلام: أن القراءة بكسر الهمزة لا بمدها، وهو كاشف عن أن القراءة بالمد عندهم [ صفحه 231] مسلمة.

دلالة الآية علي إمامة أهل البيت

وناهيك في ذلك أن العلامة الرازي - مع تشكيكه في أغلب الأمور، بحيث صار ملقبا بإمام المشككين - جزم بقراءة المد، واحتج بالآية الكريمة علي مساواة أهل البيت مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم في التسليم عليهم، [352] وهو يكشف عن كمال وضوح قراءة الآل عنده، بحيث لا تكون محلا للشك والتشكيك، وإلا لشك فيه هو كما هو دأبه وديدنه في سائر الموارد. وإذا تبين ذلك فاعلم أن الله تبارك وتعالي أشرك آل إبراهيم وآل عمران مع الأنبياء في الاصطفاء، فقال جل ذكره: " إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين " [353] ولكن لم يشرك آل أحد منهم عليهم السلام معهم في التسليم عليهم سوي آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم وذلك يدل علي أن الله أعطاهم فضلا وشرفا لا يدانيه فضل وشرف، ولا يبلغ أحد كنه وصفه إلا من عقله كما أفاده مولانا الرضا عليه السلام. ومن هذا شأنه لا يقاس بسائر الناس من الأمة، فلا يعقل أن تتخلف الإمامة والخلافة عنهم إلي غيرهم. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. [ صفحه 232]

في تفسير قوله تعالي: وتعيها أذن واعية

اشاره

الحاقة: 12. في غاية المرام بعد أن قال: أنها نزلت في شأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ذكر فيه تسعة أحاديث من طريق العامة، وثمانية من طريقنا. [354] فقال: الأول أبو المؤيد موفق بن أحمد، من أعيان علماء العامة، من كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام: أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي، أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ، أخبرنا والدي أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرنا أبو القاسم الحسين بن محمد بن حبيب المقري - من أصل كتابه - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، أخبرنا أبو بكر الفضل بن جعفر الصيدلاني الواسطي بواسط، حدثنا يحيي بن زكريا بن حمويه، حدثنا سنان بن هارون، عن الأعمش، عن علي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: " ضمني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقال: أمرني ربي أن أدنيك ولا أقصيك [ صفحه 233] وأذني تسمع وتعي، وحقا علي الله أن تسمع وتعي، فنزلت هذه الآية " وتعيها أذن واعية ". [355] وقال: الثاني الموفق بن أحمد أيضا بإسناده السابق، عن أحمد بن الحسين هذا، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الصفاني بمرو، وأخبرنا أبو رجاء محمد بن حمدون الشيخي، أخبرنا العلا بن مسلمة أبو سالم البغدادي، حدثنا أبو قتادة الحسن بن عبد الله بن رائد، عن جعفر بن يرقان، عن ميمون بن مرهان، عن ابن عباس، عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " سألت ربي عز وجل أن يجعلها أذن علي " قال علي كرم الله وجهه: ما سمعت من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم شيئا إلا ووعيته وحفظته، ولم أنسه. [356] وقال: الثالث الثعلبي في تفسيره، في تفسير قوله تعالي: " أذن واعية " قال: أخبرني ابن فنجويه، قال: حدثنا ابن حيان، حدثنا إسحاق بن مجة، حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن عيسي، حدثنا علي بن علي، حدثني أبو حمزة الثمالي، حدثني عبد الله بن الحسين، قال: حين نزلت هذه الآية " وتعيها أذن واعية " قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " سألت الله عز وجل أن يجعلها أذنك يا علي " قال علي: فما نسيت شيئا بعد ذلك وما كان لي أن أنساه. [357] وقال: الرابع الثعلبي، أخبرني ابن فنجويه، حدثنا ابن حبش، حدثنا أبو القاسم بن الفضل، حدثنا محمد بن الغالب بن حرب، حدثنا بشر بن آدم، حدثنا عبد الله بن زبير الأسدي، حدثنا صالح بن هيثم، قال: سمعت بريدة [ صفحه 234] الأسلمي يقول: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: " إن الله عز وجل أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي، وحق علي الله أن تعي " قال: فنزلت " وتعيها أذن واعية ". [358] وقال: الخامس الحافظ أبو نعيم الإصفهاني، بإسناده عن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " إن الله عز وجل أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي، وأنزل علي هذه الآية: " وتعيها أذن واعية "، فأنت الأذن الواعية ". [359] ثم سرد الروايات إلي آخر ما رواه من طريق العامة. وأما الروايات من طريقنا فكثيرة جدا، فقد روي في غاية المرام، عن محمد بن العباس بن ماهيار الثقة في تفسيره أنه أورد ثلاثين حديثا من الخاص والعام. منها: ما رواه عن محمد بن سهل القطان، عن محمد بن عمر الدهقان، عن محمد بن كثير، عن الحرث بن الحضيرة، عن أبي داود، عن أبي بريدة، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " إني سألت الله ربي أن يجعل لعلي أذن واعية، فقيل لي: قد فعل ذلك به ". [360] ومن جملة روايات الخاصة: ما عن محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات، عن الأصبغ بن نباته، قال: لما قدم علي عليه السلام الكوفة صلي بهم أربعين صباحا يقرأ بهم " سبح اسم ربك الأعلي " فقال المنافقون والله [ صفحه 235] ما يحسن أن يقرأ علي بن أبي طالب عليه السلام القرآن، ولو أحسن أن يقرأ بنا غير هذه السورة لفعل، قال فبلغه ذلك، فقال: ويلهم إني لأعرف ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وفصله من فاصله، وحروفه عن معانيه، والله ما حرف نزل علي محمد صلي الله عليه وآله وسلم إلا وأنا أعرف فيمن أنزل، وفي أي يوم نزل، وفي أي موضع، ويلهم أما يقرأون: " إن هذا لفي الصحف الأولي - صحف إبراهيم وموسي " [361] والله هي عندي، ورثتها من رسول الله من إبراهيم وموسي، ويلهم والله أنا الذي أنزل الله في " وتعيها أذن واعية " فإنا كنا عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيخبرنا بالوحي: فأعيه أنا ويفوتهم، فإذا خرجنا قالوا: ماذا، قال آنفا. [362] .

يشهد لكون علي الأذن الواعية الروايات المتواترة الدالة علي...

يشهد لكون علي عليه السلام الأذن الواعية الروايات المتواترة الدالة علي أنه باب مدينة علم النبي وحكمته وأنه أعلم الأمة وأقضاهم وأنه مع القرآن، القرآن معه وغيرها أقول: ويشهد لذلك أي إنه عليه السلام الأذن الواعية التي أخبر الله تعالي عنها في كتابه المجيد بأنها تعي علوم النبي صلي الله عليه وآله وسلم، الروايات المتواترة من الجانبين معني بل لفظا، من أنه صلي الله عليه وآله وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها. [363] وأنا مدينة الحكمة وعلي بابها. [364] وأنا دار الحكمة وعلي مفتاحها. [365] وإن عليا أعلم أمتي. [366] . [ صفحه 236] وإن عليا أقضاكم. [367] وعلي مع القرآن والقرآن معه. [368] وأن العلم خمسة أجزاء، وأعطي علي بن أبي طالب من ذلك أربعة أجزاء وأعطي سائر الناس واحدا، وشاركهم في هذا الجزء. [369] إلي غير ذلك من الأخبار الدالة علي أن تمام العلم عنده عليه السلام.

دلالة الآية علي اختصاص الخلافة والإمامة به

إذا تبين لك ذلك فاعلم أن الآية الكريمة تدل علي اختصاص الخلافة والإمامة بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام. توضيح ذلك: إن قوله عز وجل: " وتعيها أذن واعية " إخبار عن أن الشرع والدين والكتاب مصون عن الضياع بوعيها وضبطها، كما هو ظاهر، وهذا كما يدل مطابقة علي علمه عليه السلام بجميع أحكام الدين وعدم تطرق السهو والنسيان إليه، يدل التزاما علي عصمته وأمانته، إذ لو لم يكن مأمونا مصونا عن العمد في المخالفة، لتطرق الضياع إلي الكتاب والدين من جهة عدم عصمة واعيه وحامله، فلا يتم المخبر به إلا باجتماع أمرين: الوعي المصون معه عن الجهل والسهو والنسيان، والعصمة المانعة عن اتباع الهوي وارتكاب المعصية. فالكلام الملقي في هذا المقام ناظر إلي إفادة الأمرين قطعا، فكل منهما مستفاد من اللفظ، غاية الأمر أن استفادة أحدهما منه علي وجه المطابقة، والآخر علي وجه الالتزام. [ صفحه 237] وأيضا الغرض من دعاء النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن يجعلها أذن علي عليه السلام وإجابته تعالي شأنه، وتنزيل الآية في شأن علي عليه السلام إجابة لدعاء نبيه صلي الله عليه وآله وسلم ليس إلا حفظ الدين والكتاب بسبب وعيها، فلو لم يكن عنده معصوما من الزلل والخطأ، كما عصمه من السهو والنسيان للزم نقض الغرض، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا. والفرق بين هذا الوجه وسابقه: أن هذا ناظر إلي الالتزام العقلي، والأول إلي الالتزام اللفظي. وإذا اتضح لك هذا المعني اتضح لك أنه صلي الله عليه وآله وسلم هاد إلي الحق بقول مطلق، لا يفارق عن الحق أبدا، يدور معه الحق أينما دار. ومن هذا شأنه يستحق الخلافة والإمامة قطعا لأن الخلافة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم من حيث نبوته ورسالته صلي الله عليه وآله وسلم المستتبعة لافتراض طاعته علي الأمة إنما هي من شؤون الهداية إلي الدين الحنيف، التي لم يبعث النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلا لها، وليس للخلفاء المقدمين عليه هذا الشأن قطعا، لمراجعتهم [370] في كثير من الموارد التي أشكل عليهم الأمر إلي مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، كما هو مذكور في كتب الفريقين، فتختص الخلافة والإمامة به حينئذ، إذ لا مجال للعدول عن مثله عليه السلام إلي غيره من الأمة، قال الله تعالي: " أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون " [371] فالآية الكريمة دالة وناصة علي اختصاص الخلافة والإمامة به عليه السلام، لأن النص علي الشئ قد يكون بالتنصيص علي وجود علته وسببه، كما في المقام، فيستدل به علي [ صفحه 238] وجود المعلول استدلالا لميا، وقد يكون بالتنصيص علي ثبوت ما يتفرع عليه كإرجاع الخمس والفئ الذين هما من حقوق الإمارة والولاية إلي ذي القربي، طبق رجوعه إليه تعالي، وإلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم كما في آية الخمس والفئ، فيستدل به علي وجود العلة استدلالا إنيا، وقد يكون بالنص علي الإمامة والولاية ابتداء كآية أولي الأمر، فالكل ناصة علي الخلافة ودليل عليها، وإن اختلف في كيفية الدلالة. [ صفحه 239]

في تفسير قوله تعالي: و أذان من الله و رسوله إلي الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله

براءة: 3. في غاية المرام، ابن شهرآشوب ذكره عن جماعة من العامة، قال: فصل في الاستنابة والولاية، ولاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في أداء سورة براءة، وعزل به أبا بكر بإجماع المفسرين، ونقلة الأخبار، رواه الطبري، والبلاذري، والترمذي، والواقدي، والشعبي، والسدي، والثعلبي، والواحدي، والقرطبي، والقشيري، والسمعاني، وأحمد بن حنبل، وابن بطة، ومحمد بن إسحاق، وأبو يعلي الموصلي، والأعمش، وسماك بن حرب - في كتبهم - عن عروة بن الزبير، وأبي هريرة، وأنس، وأبي رافع، وزيد بن نقيع، وابن عمر، وابن عباس، واللفظ له: إنه لما نزل براءة من الله ورسوله إلي تسع آيات أنفذ النبي صلي الله عليه وآله وسلم أبا بكر إلي مكة لأدائها، فنزل جبرائيل، قال: إنه لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام: اركب ناقتي الغضباء والحق أبا بكر، وخذ براءة من يده، قال: ولما رجع أبو بكر إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم جزع: وقال يا رسول الله [ صفحه 240] إنك أهلتني لأمر طالت الأعناق فيه، فلما له توجهت رددتني عنه، قال صلي الله عليه وآله وسلم: الأمين هبط إلي عن الله تعالي، أنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، وعلي مني ولا يؤدي عني إلا علي. [372] أقول: والأخبار في هذا الباب متواترة من الجانبين، وقد ذكر في غاية المرام ثلاثة وعشرين خبرا من طريقهم، وستة عشر من طريقنا. [373] ومن جملة ما رواه عن طريقهم: ما رواه عن الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري، في الجزء الثاني، في تفسير سورة براءة من صحيح أبي داود - وهو السنن - وصحيح الترمذي، قال عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: بعث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أبا بكر وأمره أن ينادي في الموسم ببراءة، ثم أردفه عليا فبينا أبو بكر في بعض الطريق، إذ سمع رغاء ناقة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الغضباء، فقام أبو بكر فزعا يظن أنه حدث أمر، فدفع إليه علي كتابا من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن عليا ينادي بهؤلاء الكلمات، فإنه لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي، فانطلق فقام علي عليه السلام أيام التشريق ينادي: " ذمة الله ورسوله برئت من كل مشرك، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت بعد العام عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة "، قال: وكان علي عليه السلام ينادي بها فإذا أعيي أمر غيره فنادي. [374] وقد ذكر أيضا في قوله صلي الله عليه وآله وسلم: (علي مني وأنا منه) خمسة وثلاثين حديثا من طريقهم، وفي كثير منها بعد قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " علي مني وأنا منه، لا يؤدي عني إلا أنا أو علي ". [375] . [ صفحه 241] إذا وقفت علي ذلك فاعلم أن عزل سيد الأنبياء صلي الله عليه وآله وسلم أبا بكر، ونصب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لتبليغ سورة البراءة معللا بأنه لا يؤدي عني إلا أنا أو من كان مني، وعلي مني وأنا منه، تصريح بعدم أهلية أبي بكر، ومن يحذو حذوه لمقام الخلافة والإمامة، وإن المستحق لها ليس إلا أهل بيته صلي الله عليه وآله وسلم، الذين هم منه، وهو منهم، لأن الخلافة عنه صلي الله عليه وآله وسلم تولية لتأدية ما هو من وظيفته وشأنه صلي الله عليه وآله وسلم، فقوله صلي الله عليه وآله وسلم: بأن الأمين جبرائيل عليه السلام هبط إلي، وقال: (أنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، وعلي مني وأنا منه، فلا يؤدي عني إلا علي " وعزل أبي بكر، لأنه ليس منه تصريح بأن التأدية عنه صلي الله عليه وآله وسلم من وظائف نفسه الشريفة، ومن كان منه، ولا يجوز لغيره القيام بها، فكيف يجوز حينئذ لأبي بكر وتاليه أن يباشروا الخلافة، ويؤدوا عنه وظائف النبوة والرسالة. فإن قلت: لو كان الأمر كذلك لم يجز لأحد من الصحابة أن يبلغ ما سمعوه من الأحكام، مع أنه صلي الله عليه وآله وسلم أمر بتبليغ الشاهد منهم الغائب، وقال: رحم الله امرءا سمع مقالتي فوعاها، كما سمعها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلي من هو أفقه منه، ألا فليبلغ الشاهد الغائب، والوالد الولد. [376] قلت: تبليغ الأحكام علي وجه الرواية وظيفة كل صحابي سمع منه صلي الله عليه وآله وسلم، والذي هو من وظيفته صلي الله عليه وآله وسلم ووظيفة أهل بيته عليهم السلام إنما هو التأدية عنه بمعني التولية لأداء ما هو من وظيفته، وتنفيذه، والخلافة عنه ليس مجرد الرواية عنه، وإلا لاشترك فيها جميع الصحابة، وإنما هي تولية لأمر الدين، وتنفيذ لما هو من وظيفته فتختص بأهل بيته. [ صفحه 242]

في تفسير قوله تعالي: في بيوت أذن الله أن ترفع...

اشاره

في تفسير قوله تعالي: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال - رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار. [377] . في غاية المرام، بعد أن قال في تفسيره من طريق العامة أربعة أحاديث. فقال: الأول، عن أنس، وبريدة، قالا: قرأ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم (في بيوت أذن الله أن ترفع) إلي قوله: " القلوب والأبصار " فقام رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله قال: بيوت الأنبياء، فقال: يا رسول الله: هذا البيت منها، بيت علي وفاطمة؟ قال: نعم من أفاضلها. [378] وقال: الثاني، من تفسير مجاهد، وأبي يوسف، ويعقوب بن سفين، قال ابن عباس في قوله تعالي: " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما " [379] أن دحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة فنزل عند أحجار [ صفحه 243] الزيت، ثم ضرب بالطبول ليؤذن بقدومه، ومضوا (كذا) الناس إليه إلا علي والحسن والحسين، وفاطمة، وسلمان، وأبو ذر، والمقداد، وصهيب، وتركوا النبي صلي الله عليه وآله وسلم قائما يخطب علي المنبر، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: لقد نظر الله يوم الجمعة إلي مسجدي، فلولا هؤلاء الثمانية الذين جلسوا في مسجدي لاضطرمت المدينة علي أهلها نارا، وحصبوا بالحجارة، كقوم لوط، ونزل فيهم: " رجال لا تلهيهم تجارة ". [380] وقال: الثالث، الثعلبي في تفسيره، في تفسير الآية برفع الإسناد إلي أنس بن مالك، قال: قرأ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هذه الآية، فقام رجل، فقال: يا رسول الله هذا البيت منها؟ يعني بيت علي وفاطمة قال: نعم، من أفاضلها. [381] وقال: الرابع، الثعلبي في تفسيره في معني الآية، قال: حدثنا المنذر بن محمد القابوسي، حدثنا الحسين بن سعيد، حدثني أبي، عن أبان بن تغلب، عن مصقع بن الحرث، عن أنس بن مالك، وعن بريدة، قالا: قرأ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هذه الآية: " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه " إلي قوله " والأبصار " فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هذا البيت منها، يعني بيت علي وفاطمة قال: نعم، من أفاضلها. [382] وأما الروايات من طريقنا فكثيرة جدا. منها: ما ذكره في غاية المرام، عن محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن من ذكره، عن [ صفحه 244] محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إنكم لا تكونون صالحين حتي تعرفوا، ولا تعرفون حتي تصدقوا، ولا تصدقون حتي تسلموا أبوابا أربعة، لا يصلح أولها إلا بآخرها، ضل أصحاب الثلاثة وتاهوا فيها تيها بعيدا، أن الله تبارك وتعالي: لا يقبل إلا العمل الصالح، ولا يقبل إلا بالوفاء بالشروط والعهود، فمن وفي لله عز وجل بشرطه، واستكمل ما وصف في عهده نال ما عنده، واستكمل ما وعده الله، إن الله تبارك وتعالي أخبر العباد بطريق الهدي، وشرع لهم فيها المنار، وأخبرهم كيف يسلكون، فقال: " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدي " [383] وقال: " إنما يتقبل الله من المتقين " [384] فمن اتقي الله فيما أمره لقي الله مؤمنا بما جاء به محمد صلي الله عليه وآله وسلم هيهات هيهات مات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا، فظنوا أنهم آمنوا، وأشركوا من حيث لا يعلمون، إنه من أتي البيوت من أبوابها اهتدي، ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردي، وطاعة ولي أمره بطاعة الله له، وطاعة رسوله بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله، وهو الاقرار بما أنزل من عند الله عز وجل، خذوا زينتكم عند كل مسجد، والتمسوا البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإنه أخبركم أنهم: " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار " إن الله قد استخلص الرسل لأمره ثم استخلصهم مصدقين بذلك في نذره، فقال: " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " [385] تاه من جهل، واهتدي من أبصر وعقل، [ صفحه 245] إن الله عز وجل يقول: " إنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور " [386] وكيف يهتدي من لم يبصر، وكيف يبصر من لم يتدبر، اتبعوا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، وأقروا بما أنزل الله، واتبعوا آثار الهدي " فإنهم علامات الأمانة والتقي، واعلموا أنه لو أنكر رجل عيسي بن مريم عليه السلام وأقر بمن سواه من الرسول لم يؤمن. اقتصوا الطريق بالتماس المنار، والتمسوا من رواء الحجة الآثار، تستكملوا أمر دينكم، وتؤمنوا بالله ربكم. [387] وعن أبي حمزة الثمالي أنه حضر قتادة بن دعامة البصري عند مولانا الباقر عليه السلام في مسجد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فقال أبو جعفر عليه السلام: أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: نعم، فقال له أبو جعفر: ويحك يا قتادة إن الله عز وجل خلق خلقا من خلقه فجعلهم حججا علي خلقه، فهم أوتاد في الأرض قوام بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه أظلة عن يمين العرش، قال: فسكت قتادة طويلا، ثم قال: أصلحك الله، والله لقد جلست بين يدي الفقهاء، وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك، فقال أبو جعفر عليه السلام: ما تدري أين أنت؟ أنت بين يدي: " بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال - رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة " ونحن أولئك، فقال له قتادة: صدقت والله، جعلني الله فداك، والله ما هي بيوت حجارة، ولا طين. [388] . [ صفحه 246] أقول: وبعد ما تبين لك من روايات الفريقين أن المراد من " بيوت أذن الله أن ترفع " بيوت الأنبياء سلام الله عليهم لا بيوت حجارة وطين، وأن بيت علي وفاطمة سلام الله عليهما من أفاضلها، تبين أنهم صفوة الصفوة من الخلق، وأن الإمامة والخلافة تختص بهم دون سائر الأمة. توضيح ذلك: إن الله تبارك وتعالي أخبر في كتابه المجيد باصطفاء آل إبراهيم وآل عمران علي العالمين، قال عز من قائل: " إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين "، [389] فهم صفوة العالمين، وآل محمد صلي الله عليه وآله وسلم من أفاضلها بمقتضي روايات الفريقين، فهم صفوة الصفوة من العالمين.

دلالة الآية علي اختصاص الإمامة والخلافة بأهل البيت

وإذا تبين لك أنهم عليهم السلام كذلك، تبين لك اختصاص الإمامة والخلافة بهم، أتري أنه يجوز أن تكون صفوة الصفوة من العالمين بنص عالم السر والخفيات تحت بيعة من لم يعلم أمر باطنهم، وخبيات سرائرهم. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين. [ صفحه 247]

في تفسير قوله تعالي: الله نور السماوات والأرض...

اشاره

في تفسير قوله تعالي: الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور علي نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم [390] . في غاية المرام: ابن المغازلي الشافعي في كتاب المناقب، يرفعه إلي علي بن جعفر عليه السلام، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام، عن قول الله عز وجل: " كمشكاة فيها مصباح المصباح " قال: المشكاة فاطمة عليها السلام، والمصباح الحسن والحسين عليهما السلام و " الزجاجة كأنها كوكب دري " قال: كانت فاطمة كوكبا دريا بين نساء العالمين " يوقد من شجرة مباركة " إبراهيم " لا شرقية ولا غربية " ولا يهودية، ولا نصرانية، " يكاد زيتها يضئ " قال: كاد العلم ينطق منها، " ولو لم تمسسه نار نور علي نور " قال: منها إمام بعد إمام " يهدي الله لنوره من يشاء " يهدي الله لولايتنا من يشاء. [391] . [ صفحه 248] هذا من طريق العامة. وأما من طريقنا، فعن جابر عن مولانا أبي جعفر عليه السلام قال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي، وهو قول الله عز وجل: " الله نور السماوات والأرض مثل نوره " يقول: أنا هادي السماوات والأرض مثل العلم الذي أعطيته، هو نوري الذي يهتدي به، مثل المشكاة، فيها مصباح، والمشكاة قلب محمد صلي الله عليه وآله وسلم، والمصباح النور الذي فيه العلم وقوله: " المصباح في زجاجة "، يقول إني أريد أن أقبضك، فاجعل الذي عندك عند الوصي، كما يجعل المصباح في الزجاجة " كأنها كوكب دري " فأعلمهم فضل الوصي " يوقد من شجرة مباركة " فأصل الشجرة المباركة إبراهيم عليه السلام، وهو قول الله عز وجل: " رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد " [392] وهو قول الله عز وجل: " إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين - ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " [393] لا شرقية، ولا غربية، فيقول: لا يهود فتصلون قبل المغرب ولا نصاري فتصلون قبل المشرق، وأنتم علي ملة إبراهيم، وقد قال الله عز وجل: " ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين "، [394] وقوله: " يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور علي نور يهدي الله لنوره من يشاء " يقول مثل أولادكم الذين يولدون منكم كمثل الزيت الذي يتخذ من الزيتون " يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور علي نور يهدي الله لنوره من يشاء " يقول يكادون أن [ صفحه 249] يتكلموا بالنبوة، ولو لم ينزل عليهم ذلك. [395] وفي رواية أخري عن عيسي بن راشد، عن مولانا أبي جعفر عليه السلام أيضا، في قول الله عز وجل: " كمشكاة فيها مصباح " قال: المشكاة نور العلم في صدر محمد صلي الله عليه وآله وسلم " المصباح في زجاجة " الزجاجة صدر علي عليه السلام صار علم النبي صلي الله عليه وآله وسلم عنده عليه السلام، " الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة "، قال: نور العلم " لا شرقية ولا غربية "، قال لا يهودية، ولا نصرانية، " يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار "، قال يكاد العالم من آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم، بتكلم بالعلم قبل أن يسأل " نور علي نور "، يعني إماما مؤيدا بنور العلم والحكمة في إثر إمام من لدن آدم إلي أن تقوم الساعة. [396] وفي رواية أخري: عن جابر عن مولانا الباقر عليه السلام، في قول الله عز وجل: " الله نور السماوات والأرض مثل نوره " فهو محمد صلي الله عليه وآله وسلم " فيها مصباح " هو العلم " المصباح في زجاجة الزجاجة " أمير المؤمنين عليه السلام، وعلم نبي الله صلي الله عليه وآله وسلم عنده. [397] وفي رواية أخري: عن مولانا الرضا عليه السلام: " الله نور السماوات والأرض "، أي هاد لأهل السماء ولأهل الأرض. [398] وفي رواية أخري: عن جابر، قال: دخلت مسجد الكوفة وأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه يكتب بأصبعه ويتبسم فقلت له: يا أمير المؤمنين ما الذي يضحكك؟ فقال عليه السلام: عجبت لمن يقرأ هذه الآية ولم [ صفحه 250] يعرفها حق معرفتها، فقلت له: أي آية يا أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: قوله تعالي: " الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة " المشكاة محمد " فيها مصباح " أنا المصباح " في زجاجة، الزجاجة " الحسن والحسين " كأنها كوكب دري " وهو علي بن الحسين " يوقد من شجرة مباركة " محمد بن علي " زيتونة " جعفر بن محمد " لا شرقية " موسي بن جعفر " ولا غربية " علي [بن] موسي الرضا " يكاد زيتها يضئ " محمد بن علي " ولو لم تمسسه نار " علي بن محمد " نور علي نور " الحسن بن علي " يهدي الله لنوره من يشاء " القائم المهدي " ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم ". [399] .

في أن المراد بالنور في الآية هو النور المعنوي

إذا وقفت علي روايات الباب، فاعلم أن توضيح الأمر في المقام وتطبيق الآية الكريمة علي ما في الروايات، من جهة القواعد اللفظية يتوقف علي تقديم مقدمة، وهي: أن المراد بالنور في المقام هو النور المعنوي، وهو لعلم والهداية، لا الحسي وهو ضوء الشمس والقمر والنجوم وهذا لأمور: [400] الأول: أن التشبيه بمشكاة فيها مصباح والمصباح في زجاجة، وتشبيه الزجاجة بكوكب دري، وتوصيفه بأنه يوقد من شجرة مباركة زيتونة إلي آخر الآية لا يجري في ضوء الشمس والقمر والنجوم، وهكذا من الأنوار المحسوسة الظاهرة، كما هو ظاهر. والثاني: أن الخفي إنما يشبه بالجلي، لا الجلي بالخفي، وخفاء المشبه بالنسبة إلي المشبه به إما من جهة كون المشبه أمرا معقولا معنويا والمشبه به [ صفحه 251] أمرا حسيا مدركا بذاته، وإما من جهة كون المشبه به أقوي من المشبه مع تساويهما في أنهما مدركان حسا، أو معني، والأمر في المقام بالعكس، لأن ضوء الشمس والقمر والنجوم مع كونه حسيا أقوي من نور المصباح في المشكاة، فيكون أظهر. والثالث: قوله تعالي: " يهدي الله لنوره من يشاء " إذ الهداية إلي الأنوار الحسية كضوء الشمس والقمر والنجوم يشترك فيها جميع الخلق ممن هداه الله ولم يهده، وإنما الذي يختص به من يشاء هو الاهتداء إلي نور الله في أرضه وسمائه، وحجته علي عباده، وخليفته في خلقه. والرابع: قوله تعالي: " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه " [401] إلي آخر الآية، لأنه متعلق بقوله تعالي: " مثل نوره " يعني أن هذا النور الذي: " كمشكاة فيها مصباح " إلي آخر الآية كائن في بيوت موصوفة بالأوصاف المذكورة، ومن المعلوم أن ضوء الشمس والقمر والنجوم لا تعلق لها بالبيوت الموصوفة بالأوصاف المذكورة سواء أريد من البيوت المساجد، كما زعمه بعض المفسرين، [402] أو بيوت الأنبياء سلام الله عليهم، كما دلت عليه روايات الفريقين، فما عن الحسن، وأبي العالية، والضحاك من أن معني " الله نور السماوات والأرض " الله منور السماوات والأرض، والشمس والقمر والنجوم [403] غلط، لا يلائم ما بعده بوجه، مع أن ضوء الشمس والقمر والنجوم لا يظهر إلا في الأرض وما جاورها من الهواء الواصل إليه أثر الانعكاس من الأرض. [ صفحه 252] فتبين بما بيناه أنه لا مجال لتفسير " نور السماوات والأرض " في الآية الكريمة إلا بما أطبقت عليه الروايات من هادي السماوات والأرض. بيانه: إن النور كسائر الحقائق من الممكنات، فلا يحمل علي الواجب تعالي شأنه حقيقة تعالي الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، فحمله عليه تعالي شأنه إنما هو باعتبار ثبوت أثره له تعالي، وعدم تطرق الضد فيه عز وجل، كما أن إثبات صفات الكمال له تعالي إنما هو بهذا المعني، والأثر الظاهر للنور إنما هو ظهور الأشياء به، فحينئذ إما أن يراد ظهور الأشياء به حسا أو معني، وقد تبين لك أن إرادة الأول لا يلائم مع ما بعده بوجه، فتعين الثاني، وهو رفع ظلمات الجهل بنور العلم والهداية. وإذا ثبت ذلك: تبين أن إضافته إلي السماوات والأرض لا تكون إلا باعتبار أهلها، لأن العلم والهداية لا يتعلق بنفس السماء والأرض، فالتعبير بالسماوات حينئذ إنما هو باعتبار عدم اختصاص الهداية، بفرد دون فرد، فإن التعبير بالجمع المحلي وغيره حينئذ شائع في العرف، كقوله تعالي: " وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها "، [404] ولا يكون هذا من باب التجوز في الكلمة بعلاقة الحال، كما توهموه، وإنما هو من باب التجوز في الإسناد، كما حققناه في محله.

في أن هدايته تعالي لأهل الأرض لا تكون بلا واسطة فلابد من هاد بينه تعالي شأنه وبينهم

وبما بيناه تبين أيضا أن تفسير " نور السماوات والأرض " بمزين السماء بالملائكة، ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء - كما نسب إلي أبي كعب - [405] في غير محله، إلا أن يرجع إلي ما بيناه، لأن التزيين وإن كان من آثار النور إلا أنه ليس من الحيثيات الظاهرة له، [ صفحه 253] فالتفسير التام إنما هو ما في الروايات أي هاد لأهل السماء، وهاد لأهل الأرض، وحيث إن هدايته تعالي لأهل الأرض لا تكون بلا واسطة، فلا بد من هاد بينه تعالي شأنه وبينهم. فقال عز من قائل: " مثل نوره " أي الهادي الذي اختاره الله تعالي هاديا لهم، ويمكن أن يكون التفصيل بين السماء والأرض بالتعبير في الأول بصيغة الجمع، وفي الثاني بصيغة الإفراد تنبيها علي هذا المعني " وهو ثبوت الواسطة في الهداية بينه تعالي شأنه، وبين أهل الأرض، وعدم ثبوتها بالنسبة إلي أهل السماوات، حيث إن هداية أهل الأرض بواسطة خلفائه، وهداية أهل السماوات بالإلهام، أو ما بمنزلته. وكيف كان فالنور المضاف إليه تعالي في قوله عز وجل: " مثل نوره " غير النور المحمول عليه أولا إذ لا يجوز إضافة المحمول إلي موضوعه، فالمراد منه الهادي المنتسب إليه تعالي شأنه، الذي جعله واسطة بينه وبين خلقه، وسببا لهدايتهم، فالمثل إنما هو له، لا لله تعالي. والتشبيه إنما هو لمثل خليفته في خلقه، أي العنوان المناسب اللائق له، والغرض من التشبيه توضيح مقام خليفته، وبيان عدم انقطاع حبل الخلافة بما يناسبه عالم الحس والظاهر، حتي يتوسل الخلق إلي إدراك مقامه بواسطة تطبيق المعقول علي المحسوس. إذا عرفت ذلك فقد تبين لك أن تفسير " مثل نوره " بالإيمان في قلوب المؤمنين، وبطاعتهم لله تعالي في غير محله، لأن الإيمان والطاعة نتيجة الهداية، لا سببها، مع أن التشبيه بمشكاة فيها مصباح - إلي آخر الآية - لا يلائمه أصلا، ضرورة أن المشبه به سبب الهداية ووسيلة إلي رفع الظلمة، فالذي يشبه به إنما هو ما يكون سببا للهداية، لا ما هو نتيجة له. [ صفحه 254] توضيح ذلك: أن المنظور من المشبه به بيان سبب الإنارة والإضاءة لمن استضاء به، لاستنارة المشكاة بالمصباح، سواء أريد من المشكاة الكوة أو القنديل، أو العمود الذي فيه الفتيلة، كما هو ظاهر. والحاصل أن المشكاة من توابع المضئ الذي يستضئ به الناس، لا أن حيثيتها الاستضاءة بالمصباح، فلا مجال لتشبيه الإيمان في قلب المؤمن، أو طاعة الله في قلبه بمشكاة فيها مصباح، لأن قلب المؤمن إنما يستنير بالإيمان والطاعة، لا أنه يصير سببا لاستنارة غيره به. وأما ما عن أبي من أنه كان يقرأ مثل نور. من آمن به " [406] فلا ينافي ما بيناه، لأن خليفة الله في خلقه نور الله باعتبار أنه منصوب من قبله، هاديا للخلق، ونور المؤمنين بواسطة أنهم يهتدون به، فتصح إضافته إليه تعالي، وإلي المؤمنين بالاعتبارين. وبما بيناه تبين أن تفسير " مثل نوره " بالقرآن في القلب [407] في غير محله أيضا، مع أنه لا ينطبق عليه قوله تعالي: " يوقد من شجرة مباركة زيتونة "، لأن الموقد من شجرة الخليل عليه السلام إنما هو نبينا صلي الله عليه وآله وسلم ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة المعصومين من ذريته سلام الله عليهم أجمعين، لا القرآن بل لا يناسبه قوله تعالي: " يهدي الله لنوره من يشاء " لأن التعبير باللام إنما يلائم إذا كان الاهتداء إليه مقصودا، كخليفة الله تعالي في عباده، حيث اعتبر ولايته والاهتداء إلي معرفته في الإيمان. وأما القرآن فليس له هذا الشأن وإنما هو سبب للهداية فقط، فالتعبير المناسب له: " يهدي الله بنوره من يشاء ". [ صفحه 255] وأما تفسيره بالأدلة الدالة علي توحيده وعدله التي هي في الوضوح والظهور مثل النور، كما عن بعض المفسرين بالرأي أيضا [408] فأفسد من الجميع، إذ مع عدم ملائمته لما ذكرنا من الوجوه المتعددة لا يلائم مع قوله تعالي: " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ".

في أن المراد من مثل نوره خليفته في خلقه

فلم يبق إلا ما فسر في روايات أهل البيت عليهم السلام من أن المراد من " مثل نوره " خليفة الله في خلقه، الذي هو نور الله في أرضه، وأن مشكاة فيها مصباح منطبق علي خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم، الذي فيه مصباح النبوة، وأن الزجاجة ينطبق علي سيد الأوصياء مولانا أمير المؤمنين عليه السلام الذي ظهر فيه علم خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم ومنه أشرق، وكانت منزلته عليه السلام منه صلي الله عليه وآله وسلم منزلة الباب من المدينة، فلا يدخلها إلا من أتاها من بابها، الذي هو كوكب دري يوقد من شجرة الخليل عليه السلام التي هي شجرة ميمونة مباركة، وأن الزيت المتخذ من الزيتونة المباركة منطبق علي أولاده المعصومين، الذين هم نور علي أثر نور، ولا تخلو الأرض منهم إلي يوم القيامة. وأما تطبيق كل فقرة من الآية الشريفة علي واحد من الأئمة عليهم السلام، كما في رواية جابر، عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فلعله من التفسير بالباطن. وقد رام شيخ مشايخنا العلامة أعلي الله في الفردوس مقامه [409] في رسالته النورية [410] تطبيق فقرات الآية علي الأئمة عليهم السلام كما في الرواية، ببيان لطيف من أراد الاطلاع عليه فليرجع إليها. [ صفحه 256] وأما تطبيق: " مشكاة فيها مصباح " علي سيدة العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، كما في رواية علي بن جعفر عليه السلام من طريق العامة، [411] وفي بعض الروايات المروية عن أهل البيت عليهم السلام من طريقنا [412] فمشكل، ولعله تأويل إن لم يقع فيها خلط من الراوي. وكيف كان فقد ظهر من الآية الشريفة أن الله تعالي لم يهمل عباده، ولم يترك أرضه بغير قيم، ولم يفوض أمر الولاية والإمامة إلي اختيار الناس، بل جعل في أرضه أنوارا، نورا في إثر نور، مطهرين معصومين، هادين مهديين، لم يكن ظلمة وكدورة، فإن التعبير عنهم عليهم السلام بنوره، وتوصيفهم بما وصفه تصريح بعصمتهم وطهارتهم، إذ لو لم يكونوا معصومين مطهرين، لتطرق إليهم ظلمة المعصية، وكدورة الجهل، والسهو، والنسيان، ولم يكونوا خالصين في النورانية، مع أنه تعالي شأنه وصفهم بكمال النورانية، ولا ينطبق ذلك إلا علي مولانا أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة المعصومين من ذريته سلام الله عليهم أجمعين، إذ لم يدع أحد من الأمة ادعاء النص والعصمة في شأن الخلفاء الثلاثة وغيرهم من الأئمة. والحمد لله الذي نور قلوبنا، وهدانا لنوره، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين. [ صفحه 257]

في تفسير قوله تعالي: والسابقون السابقون - أولئك المقربون - في جنات النعيم

اشاره

الواقعة: 10 - 12. في غاية المرام من طريق العامة إبراهيم بن محمد الحمويني بإسناده المتصل إلي سليم بن قيس الهلالي - في حديث طويل - يذكر أمير المؤمنين عليه السلام فضائله بمشهد جمع كثير من المهاجرين والأنصار ويناشدهم الاقرار بفضائله عليه السلام التي يذكرها - إلي أن قال عليه السلام -: فأنشدكم الله أتعلمون أن الله عز وجل فضل في كتابه السابق علي المسبوق في غير آية. وإني لم يسبقني إلي الله عز وجل، وإلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم أحد من الأمة؟ قالوا: اللهم نعم، فأنشدكم الله أتعلمون حيث نزلت " والسابقون الأولون - من المهاجرين والأنصار " [413] والسابقون السابقون أولئك المقربون ". سئل عنها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: أنزلها الله تعالي ذكره في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله، وعلي بن أبي طالب وصيي أفضل الأوصياء؟ قالوا: [ صفحه 258] اللهم نعم... [414] والحديث طويل. والثعلبي في تفسيره، قال: أخبرني أبو عبد الله، حدثنا عبد الله بن أحمد بن يوسف بن مالك، حدثنا محمد بن إبراهيم بن زياد الرازي، حدثنا الحارث بن عبد الله الحارثي، حدثنا قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: قسم الله الخلق قسمين: فجعلني في خيرها قسما، فذلك قوله تعالي: " وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين "، [415] فأنا خير أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين أثلاثا، فجعلني في خيرها ثلاثا، فذلك قوله تعالي: " فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة - وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة - والسابقون السابقون " [416] وأنا من السابقين، وأنا من خير السابقين، ثم جعل إلا ثلاث قبائل، وجعلني من خيرها قبيلة، وذلك قوله عز وجل: " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " [417] فأنا أتقي ولد آدم، وأكرمهم علي الله عز وجل ثناءه، ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني من خيرها بيتا، فذلك قوله تعالي: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " [418] [419] . والفقيه ابن المغازلي الشافعي في المناقب، في قوله تعالي: [ صفحه 259] " والسابقون السابقون " يرفعه إلي ابن عباس، قال: " السابق ثلاثة: سبق يوشع بن نون إلي موسي عليه السلام، وسبق صاحب يس إلي عيسي عليه السلام، وسبق علي عليه السلام إلي محمد صلي الله عليه وآله وسلم هو أفضلهم ". [420] وأبو نعيم الحافظ عن رجاله، مرفوعا إلي ابن عباس: سابق هذه الأمة علي بن أبي طالب عليه السلام. [421] وأبو المؤيد موفق بن أحمد، بإسناده إلي إبراهيم بن سعيد الجوهري وصي المأمون، حدثني أمير المؤمنين الرشيد، عن أبيه، عن جده، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قال: سمعت عمر بن الخطاب - وعنده جماعة - فتذكروا السابقين إلي الإسلام فقال عمر: أما علي فسمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: فيه ثلاث خصال، لوددت أن تكون لي واحدة منهن، وكانت أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة، وأبو بكر، وجماعة من أصحابه، إذ ضرب النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي منكب علي رضي الله عنه وقال له: ويا علي أنت أول المؤمنين إيمانا، وأول المسلمين إسلاما، وأنت مني بمنزلة هارون من موسي. [422] وموفق بن أحمد بإسناده إلي مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: السبق ثلاثة: السابق إلي موسي عليه السلام يوشع بن نون، والسابق إلي عيسي عليه السلام صاحب يس، والسابق إلي محمد صلي الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام. [423] . [ صفحه 260] وأما الروايات من طريقنا فكثيرة جدا بالغة حد التواتر، ولنتبرك بذكر واحدة منها. علي بن إبراهيم، في تفسيره، أخبرنا الحسن بن علي، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن الحسين بن علوان الكلبي، عن الحسين بن علي العبدي، عن أبي هارون العبدي، عن ربيعة السعدي، عن حذيفة بن اليمان: أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أرسل إلي بلال فأمره أن ينادي بالصلاة قبل وقت كل يوم في رجب لثلاثة عشر خلت منه، قال: فلما نادي بلال بالصلاة فزع الناس من ذلك فزعا شديدا، وذعروا وقالوا: رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بين أظهرنا، لم يغب عنا، ولم يمت، فاجتمعوا وحشدوا، فأقبل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يمشي حتي انتهي إلي باب من أبواب المسجد، فأخذ بمضاديته، وفي المسجد مكان يسمي السدة، فسلم ثم قال: " هل تسمعون يا أهل السدة؟ فقالوا: سمعنا وأطعنا، فقال: هل تبلغوه؟ قالوا: ضمنا ذلك لك يا رسول الله، ثم قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أخبركم أن الله خلق الخلق قسمين: فجعلني في خيرها قسما، وذلك قوله: " أصحاب اليمين وأصحاب الشمال " فأنا من أصحاب اليمين، وأنا من خير أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين أثلاثا، فجعلني من خيرها ثلاثا، وذلك قوله: " أصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة - والسابقون السابقون " فأنا من السابقين، وأنا خير السابقين، ثم جعل الأثلاث قبائل، فجعلني في خيرها قبيلة، وذلك قوله: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " فقبيلتي خير القبائل، وأنا سيد ولد آدم، وأكرمهم علي الله، ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتا، فجعلني من خيرها بيتا، وذلك قوله: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت [ صفحه 261] ويطهركم تطهيرا " ألا وإن الله اختارني في ثلاثة من أهل بيتي، وأنا سيد الثلاثة وأتقاهم لله، اختارني، وعليا وجعفرا ابني أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، كنا رقودا بالأبطح، ليس منا إلا مسجي بثوبه علي وجهه، علي بن أبي طالب عن يميني، وجعفر عن يساري، وحمزة عند رجلي، فما نبهتني عن رقدتي غير حفيف أجنحة الملائكة، وبرد ذراعي علي بن أبي طالب في صدري، فانتبهت من رقدتي، وجبرائيل في ثلاثة أملاك، يقول له أحد الأملاك الثلاثة: جبرائيل إلي أي هؤلاء أرسلت؟ فرفسني برجله، فقال: إلي هذا، قال: ومن هذا يستفهم، فقال: هذا رسول الله سيد النبيين صلي الله عليه وآله وسلم وهذا علي بن أبي طالب سيد الوصيين، وهذا جعفر بن أبي طالب عليه السلام له جناحان يطير بهما في الجنة، وهذا حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء " عليهم الصلاة والسلام. [424] .

لا شبهة عند الفريقين أن أول من آمن بالله تعالي وبرسوله وصلي معه من الرجال مولانا أميرالمؤمنين

أقول: لا شبهة عند الفريقين أن أول من آمن بالله تعالي وبرسوله صلي الله عليه وآله وسلم وصلي معه من الرجال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، كما أن أول من آمن به من النساء خديجة الكبري أم المؤمنين، وقد تواترت الأخبار فيه من الجانبين. وقد ذكر في غاية المرام في هذا الباب سبعة وأربعين حديثا من طريق العامة، وثمانية عشر من طريقنا. [425] ومن جملة ما رواه من طريقهم: ما رواه عن موفق بن أحمد بإسناده، إلي معاذ بن جبل، أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: " اختصمت بالنبوة ولا نبوة بعدي وتخصم الناس بسبع لا يحاجك فيهن أحد من قريش، أنت أولهم إيمانا بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بالله ضرابة، وأقسمهم [ صفحه 262] بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم في القضية، وأعظمهم عند الله يوم القيامة مزية ". [426] وما عن إبراهيم الحمويني من أعيان علماء العامة، بإسناده إلي ابن سخيلة، قال: حججت أنا وسلمان، فنزلنا بأبي ذر فكنا عنده ما شاء الله، فلما حان منا خفوق، قلت: يا أبا ذر، إني أري أمورا قد حدثت وإني خائف علي الناس الاختلاف، فإن كان ذلك فما تأمرني؟ قال: إلزم كتاب الله وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فأشهد أني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: علي أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، والفاروق يفرق بين الحق والباطل. [427] وما عن الحمويني المتقدم، بإسناده عن أبي أيوب، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم " لقد صلت الملائكة علي وعلي علي سبع سنين، لأنا كنا نصلي ليس معنا أحد يصلي غيرنا ". [428] وما عن ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، قال: روي عبد السلام بن صالح، عن إسحاق الأزرق، عن جعفر بن محمد عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لما زوج فاطمة دخل النساء عليها، فقلن: يا بنت رسول الله خطبك فلان وفلان فردهم عنك وزوجك فقيرا لا مال له، فلما دخل عليها أبوها صلي الله عليه وآله وسلم رأي ذلك في وجهها، فسألها فذكرت له ذلك، فقال: " يا فاطمة إن الله أمرني فأنكحتك أقدمهم سلما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما، وما زوجتك إلا بأمر من السماء، أما علمت أنه أخي في الدنيا وفي [ صفحه 263] الآخرة. [429] ومن جملة ما رواه من طريقنا: ما عن ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن علي رحمه الله عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان، عن مفضل، عن جابر بن يزيد، عن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إن الله تبارك وتعالي اصطفاني، واختارني، وجعلني رسولا، وأنزل علي سيد الكتب، فقلت: إلهي وسيدي إنك أرسلت موسي إلي فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيرا، يشد به عضده، ويصدق به قوله، وإني أسألك يا سيدي وإلهي أن تجعل لي من أهلي وزيرا تشد به عضدي، فاجعل لي عليا وزيرا وأخا، واجعل الشجاعة في قلبه، وألبسه الهيبة علي عدوه، وهو أول من آمن بي، وصدقني، وأول من وحد الله معي، وإني سألت ذلك ربي عز وجل فأعطانيه، فهو سيد الأوصياء، اللحوق به سعادة، والموت في طاعته شهادة، واسمه في التوراة مقرون إلي اسمي، وزوجته صديقة الكبري ابنتي، وابناه سيدا شباب أهل الجنة ابناي، وهو، وهما، والأئمة من بعدهم حجج الله علي خلقه بعد النبيين، وهم أبواب العلم في أمتي، من تبعهم نجا من النار، ومن اقتدي بهم هدي إلي صراط مستقيم، لم يهب الله محبتهم لعبد إلا أدخله الله الجنة ". [430] .

دلالة الآية الكريمة علي اختصاص الخلافة والإمامة بأميرالمؤمنين من وجهين

إذا وقفت علي ما بيناه ورويناه في تفسير الآية الكريمة من روايات الفريقين، من أنها نزلت في شأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، فاعلم أن الآية الكريمة تدل علي اختصاص الخلافة والإمامة به عليه السلام من وجهين: [ صفحه 264] الأول: إخباره تعالي شأنه عن السابقين في الإيمان بالله تعالي وبرسوله صلي الله عليه وآله وسلم بأنهم السابقون علي وجه الاطلاق، يعني أنهم استحقوا السبق في جميع الموارد، ومن جملتها: الخلافة، والإمامة، والإمارة، فجعل السابق مسبوقا في الخلافة عن الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم نقض صريح لقوله تعالي، ورد عليه عز وجل. والثاني: إخباره تعالي عنهم بأنهم المقربون، فإن مقتضي كون السابقين هم المقربون إلي الله عز وجل ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم، تقدمهم علي المسبوقين، فتقديم المسبوقين علي السابقين في الخلافة تقريب للبعيد، وتبعيد للقريب، وهو ضروري البطلان، إذ لا يمكن أن يكون المحمول نافيا للموضوع. بيانه إن التقرب [431] إليه تعالي لا يكون بالمكان، بل بالمنزلة، كما هو ظاهر فإذا صار البعيد خليفة عن الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم والقريب تحت طاعته، وبيعته من قبل الله تعالي صار البعيد قريبا إليه تعالي شأنه، إذ لا منزلة أقرب إليه تعالي من منزلة الخلافة عنه، والقريب بعيدا، لتمسكه بذيل البعيد، فهو خلف للموضوع، واستحالته أوضح من استحالة اجتماع الضدين. فإن قلت: لا شبهة في أن الأقرب إلي الله تعالي يستحق التقدم علي غيره ولكن قد تقتضي الحكمة تقديم البعيد علي القريب، كما قال [ صفحه 265] ابن أبي الحديد في خطبته: [432] الحمد لله الذي قدم المفضول علي الفاضل " لحكمة اقتضتها، فلا مانع حينئذ من القول بتقديم البعيد علي القريب، مع وجود ما يقتضيه. قلت: إنك قد عرفت أن تقديم البعيد علي القريب في الخلافة والإمامة مما لا يعقل، لأن القرب بالنسبة إليه تعالي إنما هو في المنزلة، لا في المكان أو النسب وهكذا من أسباب القرب المتطرقة في الممكنات، وتقديم البعيد عنه تعالي منزلة علي القريب إليه كذلك في الخلافة والإمامة يوجب انقلاب الموضوع، وصيرورة البعيد قريبا، والقريب بعيدا، وهو خلف محال، مع أنه لو قطعنا النظر عما بيناه من عدم إمكانه في حد نفسه، فالقول بوقوعه ونسبته إليه تعالي شأنه باطل، إذ لو أريد من نسبة تقديم المفضول علي الفاضل إليه تعالي شأنه ثبوت النص علي تقديم الخلفاء الثلاثة علي مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فهو بديهي البطلان، إذ لم يدع أحد منهم وجود النص علي خلافتهم، بل استخلاف الأول منهم بالبيعة بزعمهم، والثاني بنصب الأول إياه، والثالث بالشوري التي جعلها الثاني. وإن قيل إن نسبة التقديم إليه تعالي باعتبار اتفاق الأمة علي البيعة معه، الكاشف عن استحقاقه الخلافة كقوله صلي الله عليه وآله وسلم: " لا تجتمع أمتي علي الخطأ " [433] فهو بديهي البطلان أيضا لعدم انعقاد الاجماع علي بيعته طوعا، كما مر لك ذكره. وإن قيل إنها باعتبار تفويض أمر الخلافة إليهم من قبل مولانا [ صفحه 266] أمير المؤمنين، فهو أبين بطلانا، إذ المراد من التفويض إما الإنابة والتوكيل أو إلقاء حبل الخلافة إليهم، معرضا عنها، مسقطا حقه فيها أم لا والكل باطل. أما الأول فمع أنه فرية بينة، لا يجامع مع إصرارهم علي أخذ البيعة منه عليه السلام حتي اهتموا بإحراق بيت سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام لإخراجه وإحضاره وأخذ البيعة منه عليه السلام كرها، كما رواه نقلة الأخبار من الفريقين، إذ لا مجال لأخذ النائب البيعة من المنوب عنه. وأما الثاني فهو غير معقول في حد نفسه، لأن حبل الخلافة بيده تعالي شأنه، ولا يقبل السقوط بإسقاط الإمام عليه السلام مع أنه باطل مع قطع النظر عما بينا، لمنافاته مع شكايته عليه السلام عنهم في مواضع كثيرة، كما عرفت. وأما الثالث فهو راجع في الحقيقة إلي الأول. وكيف كان لا يجامع هذا النحو من التفويض، مع أخذ البيعة منه عليه السلام وينافي مع شكايته عليه السلام عنهم، فلا معني للتفويض علي كل، بل لم يدعه أحد من الأمة. نعم صبر عليه السلام علي غصب حقه، ولا يطالبه بالسيف خوفا من ارتداد الناس عن الإسلام رأسا. وإن أريد أن خلافة الخلفاء كانت بمشيئته تعالي وإلا لم تكن، إذ " ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن " ففيه: أن مشيئته تعالي بمعني التقدير، وعدم منع العبد عن مراده، وإبقاء الاختيار له، حتي يتمكن من فعل ما أراده جارية في الطاعة والمعصية، وإلا لم يصدر منهم، مع أن صدور المعصية منهم من الشرك والإلحاد وهكذا، واضح بين، فلا تكشف المشيئة بهذا المعني من رضائه تعالي شأنه بما فعله العبد. فتبين بما بيناه غاية التبين أن نسبة تقديم الخلفاء إلي الله تعالي غلط بين. [ صفحه 267] فإن قلت: إسلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وإيمانه بالله تعالي وبرسوله صلي الله عليه وآله وسلم إنما كان في حال صباه، وقبل بلوغه، ولا عبرة بإسلام الصبي، فلا يكون فضلا له موجبا لتقدم إسلامه علي إسلام الخلفاء. قلت: هذا اعتراض علي خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم حيث مدح مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بأنه أول المؤمنين إيمانا، وأول المسلمين إسلاما، كما رواه الفريقان، بل قد عرفت أن الخليفة الثاني من جملة رواة هذه الرواية الشريفة، وأنه قال: لوددت أن يكون لي واحدة منهن، وكانت أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، بل اعتراض علي الله تعالي شأنه حيث أنزل في شأنه عليه السلام قوله عز وجل: " والسابقون السابقون - أولئك المقربون " [434] باتفاق روايات الفريقين، فهو لا يستحق جوابا حينئذ ومع ذلك نقول تفضلا: إن الصبا لا يمنع من كمال العقل الموجب لقبول الإسلام والإيمان، ألا تري أن عيسي ويحيي عليه السلام أوتيا الحكمة في حال الصبا ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام حسب أخبار النورانية وغيرها من الأخبار التي رواها الفريقان كان أكمل الخلق بعد خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم، فلا مجال حينئذ لتوهم عدم قبول إيمانه في حال صباه، بل يجب علي من أسلم بعد عثوره علي روايات الباب الاعتراف بفضيلة أخري له عليه السلام وهو كماله قبل بلوغه عليه السلام لا الاستبعاد، وإظهار التزلزل في قبول إيمانه عليه السلام. [ صفحه 268]

في تفسير قوله تعالي: طوبي لهم و حسن مآب

الرعد: 28. في غاية المرام: الثعلبي قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد، حدثنا محمد بن عثمان بن الحسن، حدثنا محمد بن الحسين بن صالح، قال: حدثنا علي بن محمد الدهان، والحسين بن إبراهيم الجصاص، قالا: حدثنا الحسين بن الحكم، حدثنا حسن بن حسين، عن حيان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: " طوبي لهم " قال: شجرة أصلها في دار علي عليه السلام في الجنة، وفي كل دار مؤمن منها غصن يقال له: طوبي، و " حسن مآب " حسن المرجع. [435] أيضا: الثعلبي، عن أبي صالح، أخبرنا عبد الله بن سواد، حدثنا جندل بن والق النعماني، حدثنا إسماعيل بن أمية القرشي، عن داود بن عبد الجبار، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سئل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن قوله: " طوبي لهم وحسن مآب " فقال: شجرة في الجنة أصلها في داري وفرعها [ صفحه 269] علي أهل الجنة، فقيل له: يا رسول الله سألناك عنها فقلت شجرة في الجنة، أصلها في دار علي وفرعها علي أهل الجنة، فقال: إن داري ودار علي واحدة غدا في مكان واحد. [436] وعن محمد بن سيرين في قوله تعالي: " طوبي لهم " قال: هي شجرة في الجنة أصلها في حجرة علي وليس في الجنة حجرة إلا وفيها غصن من أغصانها. [437] وقد روي الثعلبي في وصف شجرة طوبي خبرين: الأول: قال روي معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " طوبي شجرة غرسها الله تعالي بيده ونفخ فيها من روحه تنبت بالحلي والحلل، وإن أغصانها لتري من وراء ستور الجنة ". والثاني: قال عندر بن عمير: هي شجرة في جنة عدن، أصلها في دار النبي صلي الله عليه وآله وسلم وفي كل دار وغرفة غصن منها، لم يخلق الله لونا ولا زهرة إلا وفيها منها، إلا السواد، ولم يخلق الله فاكهة ولا ثمرة إلا وفيها منها، ينبع من أصلها عينان: الكافور والسلسبيل - وبه قال مقاتل - كل ورقة تظل أمة عليها ملك يسبح بأنواع التسبيح. [438] هذا. وأما الروايات من طريقنا فكثيرة جدا، ولنذكر خبرين منها تيمنا. الأول: ابن بابويه، بإسناده عن أبي بصير، قال: قال الصادق عليه السلام: طوبي لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا ولم يزغ قلبه بعد الهداية، فقلت له: [ صفحه 270] جعلت فداك وما طوبي؟ قال: شجرة في الجنة، أصلها في دار علي بن أبي طالب عليه السلام وليس من مؤمن إلا وفي داره غصن من أغصانها، وذلك قول الله عز وجل: " طوبي لهم وحسن مآب ". [439] والثاني: محمد بن يعقوب بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن لأهل الدين علامات يعرفون بها صدق الحديث، وأداء الأمانة، ووفاء العهد، وصلة الأرحام، ورحمة الضعفاء، وقلة المراقبة للنساء - أو قال: قلة المواتاة للنساء وبذل المعروف، وحسن الخلق، وسعة الحلم، واتباع العلم فيما يقرب إلي الله زلفي طوبي لهم وحسن مآب، وطوبي شجرة في الجنة، أصلها في دار النبي صلي الله عليه وآله وسلم وليس من مؤمن إلا وفي داره غصن منها، لا يخطر علي قلبه شهوة شئ إلا أتاه به ذلك الغصن، ولو أن راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام ما خرج منه، ولو أن غرابا طار من أسفلها ما بلغ أعلاها حتي يسقط هرما، ألا في هذا فارغبوا، أن المؤمن من نفسه في شغل، والناس منه في راحة، إذا جن عليه الليل افترش وجهه وسجد لله عز وجل بمكارم بدنه، يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته، ألا فهكذا كونوا. [440] أقول: ويستفاد عن هذه الروايات الشريفة المفسرة للآية الكريمة المستفيضة من طريق العامة، المتواترة من طريقنا، أن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام سيد المؤمنين وخيرهم، وأفضلهم بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأنه بمنزلة نفس النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وليس أحد أقرب منه إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم درجة ومنزلة. [ صفحه 271] توضيح ذلك: إن قوله صلي الله عليه وآله وسلم في جواب السائل: إن داري ودار علي واحدة غدا في مكان واحد، يدل علي أن منزلته عليه السلام منه صلي الله عليه وآله وسلم منزلة نفسه الشريفة وهما في درجة واحدة عند الله تعالي شأنه، كما أن قوله صلي الله عليه وآله وسلم " أصلها في دار علي وفرعها علي أهل الجنة، وليس من مؤمن إلا وفي داره غصن منها "، كاشف عن أنه عليه السلام أفضل المؤمنين، وسيدهم، وخيرهم بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم ويتبين المعني الأول أيضا من آية " أنفسنا " [441] وخبر المنزلة، وحديث المؤاخاة المتواترين من الجانبين، ومنها يتبين المعني الثاني أيضا، ضرورة أن من كان بمنزلة نفس النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأخا له صلي الله عليه وآله وسلم يكون سيد المؤمنين، وأفضلهم، وخيرهم. ويدل عليه بالخصوص الروايات المتواترة عند الفريقين، وقد ذكر - في غاية المرام من طريق العامة - في هذا الباب ما تجاوز عن خمسين حديثا. [442] منها: ما رواه عن أبي المؤيد موفق بن أحمد أخطب خطباء خوارزم، من أعيان علماء العامة في كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام بإسناده عن أنس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " يا أنس اسكب لي وضوءا ثم قام فصلي ركعتين، ثم قال: يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب: أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين، قال: قلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار وكتمته إذ جاء علي عليه السلام: فقال: من هذا يا أنس؟ فقلت: علي عليه السلام، فقام مستبشرا فاعتنقه، ثم جعل يمسح عرق وجه علي عن وجهه، فقال علي: يا رسول الله لقد رأيتك صنعت أشياء ما صنعت بي من قبل، قال: وما يمنعني وأنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما [ صفحه 272] اختلفوا فيه من بعدي. [443] بيان: المراد من خاتم [444] الوصيين: خاتم أوصياء الأنبياء صلي الله عليه وآله وسلم فلا ينافي مع أنه أول الأوصياء بالنسبة إلي نبينا صلي الله عليه وآله وسلم وبعد ما تبين لك أنه عليه السلام بمنزلة نفس النبي وأنه أفضل المؤمنين وسيدهم وخيرهم بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم تبين لك اختصاص الخلافة والإمامة به، لاستحالة أن يكون من هذا شأنه تحت بيعة من دونه من المؤمنين. [ صفحه 273]

في تفسير قوله تعالي: ومن يطع الله والرسوله

اشاره

ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. [445] . في غاية المرام: الشيخ الطوسي في مصابيح الأنوار. [446] عن أنس بن مالك قال: صلي بنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في بعض الأيام صلاة الفجر، ثم أقبل علينا بوجهه الكريم، فقلت: يا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إن رأيت أن تفسر لنا قول الله عز وجل: " أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا " فقال صلي الله عليه وآله وسلم: أما النبيون فأنا، وأما الصديقون فأخي علي بن أبي طالب عليه السلام وأما الشهداء فعمي حمزة، وأما الصالحون فابنتي فاطمة عليها السلام وأولادها الحسن والحسين عليهما السلام، قال: وكان العباس حاضرا فوثب وجلس بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقال: ألسنا أنا [ صفحه 274] وأنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام من نبعة واحدة، قال: وكيف ذلك يا عم، قال العباس: لأنك تعرف بعلي وفاطمة والحسن والحسين دوننا، فتبسم النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقال: أما قولك يا عم ألسنا من نبعة واحدة، فصدقت، ولكن يا عم إن الله خلقني وعليا وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام قبل أن يخلق الله آدم، حيث لا سماء مبنية، ولا أرض مدحية، ولا ظلمة ولا نور، ولا جنة ولا نار، ولا شمس ولا قمر. قال العباس: وكيف كان بدء خلقكم يا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: يا عم لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا، ثم تكلم بكلمة، فخلق منها روحا، فمزج النور بالروح، فخلقني وأخي عليا وفاطمة والحسن والحسين، فكنا نسبحه حين لا تسبيح، ونقدسه حين لا تقديس، فلما أراد الله أن ينشئ الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري، ونوري من نور الله، ونوري أفضل من العرش، ثم فتق نور أخي علي بن أبي طالب، فخلق منه الملائكة، فالملائكة من نور علي، ونور علي من نور الله، وعلي أفضل من الملائكة، ثم فتق نور ابنتي فاطمة، فلخلق منه السماوات والأرض، ونور ابنتي فاطمة من نور الله عز وجل، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض، ثم فتق نور ولدي الحسن، وخلق منه الشمس والقمر، فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن، ونور ولدي الحسن من نور الله، والحسن أفضل من الشمس والقمر، ثم فتق نور ولدي الحسين، فخلق منه الجنة والحور العين، فالجنة والحور العين من نور ولدي الحسين عليه السلام ونور ولدي من نور الله، وولدي أفضل من الجنة والحور العين، ثم أمر الله الظلمات أن تمر بسحائب الظلم، فأظلمت السماوات علي الملائكة، فضجت الملائكة بالتسبيح والتقديس، وقالت إلهنا وسيدنا منذ خلقتنا وعرفتنا هذه الأشباح لم نر بؤسا، فبحق هذه الأشباح إلا ما كشفت [ صفحه 275] عنا هذه الظلمة، فأخرج الله من نور فاطمة قناديل فعلقها في بطنان العرش، فأزهرت السماوات والأرض، ثم أشرقت بنورها، فلأجل ذلك سميت الزهراء، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر الذي أشرقت به السماوات والأرض؟ فأوحي الله إليها هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة بنت حبيبي، وزوجة وليي، وأخ نبيي، وأب حججي علي عبادي، أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها ومحبيها إلي يوم القيامة، فلما سمع العباس من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وثب قائما وقبل ما بين عيني علي عليه السلام وقال: والله أنت يا علي الحجة البالغة، لمن آمن بالله واليوم الآخر. [447] أقول: علي ما في هذه الرواية من تفسير الصديقين بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام ما رواه الفريقان عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مستفيضا بل متواترا من طريقنا: " ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب عليه السلام وهو أفضلهم " وقد رواه في غاية المرام من طريق العامة بستة عشر طريقا. [448] منها: عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا محمد قال: حدثنا الحسن بن عبد الرحمن الأنصاري، قال: حدثنا عمر بن جميع، عن أبي ليلي، عن أخيه عيسي بن عبد الرحمن بن أبي ليلي، عن أبيه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: الصديقون ثلاثة: حبيب بن موسي النجار، وهو مؤمن آل يس، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب الثالث، وهو [ صفحه 276] أفضلهم. [449] ومنها: من الجزء الثاني من جزئين اثنين من كتاب الفردوس، وهو نصف الكتاب من تصنيف ابن شيرويه الديلمي، في باب الصاد عن داود بن بلال، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب عليه السلام وهو أفضلهم ". [450] ومنها: عن ابن المغازلي بطريقين، مسندا إلي أبي ليلي، عن أبيه عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. [451] ومنها: عن الثعلبي، في تفسيره بالإسناد عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، عن أبيه، قال: سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: علي بن أبي طالب عليه السلام، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون، فهم الصديقون، وعلي عليه السلام أفضلهم. [452] ومنها: عن علي بن الجعد، عن الحسن، عن ابن عباس، في قوله تعالي: " والذين آمنوا بالله ورسوله أولئك هم الصديقون " [453] قال: صديق هذه الأمة علي بن أبي طالب هو الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، ثم قال: والشهداء عند ربهم. قال ابن عباس، وهم: علي، وجعفر وحمزة، وهم صديقون، وهم شهداء الرسل علي أممهم، أنهم قد بلغوا الرسالة، ثم [ صفحه 277] قال: لهم أجرهم علي التصديق بالنبوة، ونورهم علي الصراط. [454] بيان: المراد من مؤمن آل يس: صاحب يس، فالإضافة فيه ظرفية أي آل مذكور في سورة يس. أقول: يظهر من رواية الثعلبي أن الاتصاف بهذه المرتبة الجليلة - وهي مرتبة الصديقية - أو كمالها متفرع علي السبق إلي الإيمان بالله تعالي وبرسوله صلي الله عليه وآله وسلم علي سائر الناس فينحصر حينئذ الصديق الكامل في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لسبق إيمانه علي إيمان سائر الناس باتفاق المسلمين. فيدل علي ثبوت هذه المرتبة له عليه السلام جميع ما دل علي سبقه علي سائر الناس، فيثبت له عليه السلام كمال مرتبة الصديقية بالأخبار المتواترة من الجانبين، لأن مجموع الروايات الواردة من الطريقين، بل من طريق المخالفين فقط يبلغ حد التواتر قطعا. ثم اعلم أن صيغة فعيل تدل علي ملازمة المبدأ ودوامه، كما يشهد به الاطراد في موارد الاستعمالات، فإن سكير لا يطلق إلا علي دائم السكر، وملازمه، كما أن شريب لا يطلق إلا علي دائم الشرب وملازمه، فالصديق من كان ملازما للصدق ومداوما عليه، ولا يتحقق هذا المعني إلا بأن يصدق قوله فعله، وفعله قوله، وكمال هذه المرتبة ملازمة للعصمة.

دلالة الآية الكريمة علي اختصاص الخلافة والإمامة بأميرالمؤمنين وهو الصديق

وإذا تبين لك ما بيناه تبين لك اختصاص الخلافة والإمامة به عليه السلام ضرورة استحالة أن يكون من هذا شأنه تحت طاعة من لم يكن صديقا في قوله وفعله. [ صفحه 278] فإن قلت: إن أبا بكر كان صديقا أيضا، وقد اشتهر تلقبه بهذا اللقب عند المسلمين. قلت: إطلاق الصديق عليه كإطلاق خليفة رسول الله، وأمير المؤمنين عليه، من موضوعات الناس، فلا عبرة به، وأين اللقب الذي أعطاه الناس الذين لا اطلاع لهم علي السرائر والضمائر، حسب هواهم من اللقب الذي أعطاه الله تعالي العالم بسرائر عباده وضمائرهم. [ صفحه 279]

في تفسير قوله تعالي: أن تقول نفس يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله و إن كنت لمن الساخرين

اشاره

الزمر: 57. في غاية المرام بعد أن ذكر أن فيه ثلاثة أحاديث من طريق العامة. قال: الأول، محمد بن إبراهيم المعروف بابن زينب النعماني، رواه من طريق العامة، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن معمر الطبراني بطبرية، سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، وكان هذا الرجل من موالي يزيد بن معاوية ومن النصاب، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا علي بن هاشم، والحسن بن السكن، قال: حدثنا عبد الرزاق بن همام، قال: أخبرني أبي عن مينا مولي عبد الرحمن بن عوف، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: وفد علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أهل اليمن، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: جاءكم أهل اليمن يبسون بسيسا، فلما دخلوا علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: قوم رقيقة قلوبهم، راسخ إيمانهم، منهم المنصور، يخرج في سبعين ألفا، ينصر خلفي، وخلف وصيي، حمائل سيوفهم المسك، فقالوا يا رسول الله، ومن وصيك؟ فقال: هو الذي أمركم [ صفحه 280] الله بالاعتصام به، فقال عز وجل: " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " [455] فقالوا: يا رسول الله بين لنا ما هذا الحبل؟ فقال: هو قول الله: " إلا بحبل من الله وحبل من الناس " [456] ، فالحبل من الله كتابه، والحبل من الناس وصيي، فقالوا: يا رسول الله ومن وصيك؟، فقال: هو الذي أنزل فيه: " أن تقول نفس يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله " فقالوا: يا رسول الله وما جنب الله هذا؟ فقال: هو الذي يقول الله فيه: " ويوم يعض الظالم علي يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا " [457] هو وصيي، السبيل إلي من بعدي، فقالوا: يا رسول الله بالذي بعثك بالحق أرناه، فقد اشتقنا إليه، فقال: هو الذي جعله الله آية للمتوسمين فإن نظرتم إليه نظر من " كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد " عرفتم أنه وصيكم، كما عرفتم أني نبيكم فتخللوا الصفوف، وتصفحوا الوجوه، فمن أهوت إليه قلوبكم فإنه هو، لأن الله عز وجل يقول في كتابه: " واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم " [458] وإلي ذريته عليه السلام، قال: فقام أبو عامر الأشعري في الأشعريين، وأبو غرة الخولاني في الخولانيين وظبيان وعثمان بن قيس، وغربة الدوسي في الدوسيين، ولاحق بن علاقة، فتخللوا الصفوف، وتصفحوا الوجوه، وأخذوا بيد الأصلع البطين، وقالوا: إلي هذا أهوت أفئدتنا يا رسول الله، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: أنتم نخبة الله حين عرفتم وصي رسول الله قبل أن تعرفوه، فيم عرفتم أنه هو؟ فرفعوا أصواتهم يبكون، [ صفحه 281] وقالوا: يا رسول الله نظرنا إلي القوم فلم ينجس لهم، ولما رأيناه وجلت قلوبنا، ثم اطمأنت نفوسنا فانجاست أكبادنا، وهملت أعيننا وتبلجت صدورنا حتي كأنه لنا أب، ونحن له بنون، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " [459] أنتم منه بالمنزلة التي سبقت لكم بها الحسني، وأنتم عن النار مبعدون، قال: فبقي هؤلاء القوم المسمون حتي شهدوا مع أمير المؤمنين عليه السلام الجمل وصفين، فقتلوا رضي الله عنهم بصفين، وكان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يبشرهم بالجنة وأخبرهم أنهم يستشهدون مع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. [460] وقال: الثاني، صاحب المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة قال: يروي عن أبي بكر، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " خلقت أنا وأنت يا علي من جنب الله تعالي، فقال: يا رسول الله ما جنب الله تعالي؟ فقال: سر مكنون، وعلم مخزون، لم يخلق الله منه سوانا، فمن أحبنا وفي بعهد الله، ومن أبغضنا فإنه يقول في آخر نفس: " يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله ". [461] قال: الثالث، إبراهيم الحمويني من أعيان علماء العامة بإسناده إلي أبي جعفر بن بابويه قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن العباس بن معروف، عن عبد الله بن عبد الرحمن البصري، عن أبي المعز حميد بن المثني العجلي، عن أبي بصير، عن خيثمة الجعفي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: " نحن جنب [ صفحه 282] الله، ونحن صفوته، ونحن خيرته، ونحن مستودع مواريث الأنبياء، ونحن أمناء الله عز وجل، ونحن حجة الله، ونحن أركان الإيمان، ونحن دعائم الإسلام، ونحن من رحمة الله علي خلقه، ونحن بنا يفتح، وبنا يختم، ونحن أئمة الهدي، ونحن مصابيح الدجي، ونحن منار الهدي ونحن السابقون، ونحن الآخرون، ونحن العلم المرفوع للحق من تمسك بنا لحق ومن تأخر غرق، ونحن الغر المحجلون، ونحن خيرة الله، ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلي الله، ونحن نعمة الله عز وجل علي خلقه، ونحن المنهاج، ونحن معدن النبوة، ونحن موضع الرسالة، ونحن مختلف الملائكة، ونحن السراج لمن استضاء بنا، ونحن السبيل لمن اقتدي بنا، ونحن الهداة إلي الجنة، ونحن الجسور والقناطر، من مضي عليها لم يسبق، ومن تخلف عنها محق، ونحن السنام الأعظم، ونحن بنا ينزل الله عز وجل الرحمة، وبنا يسقون الغيث، ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب، فمن عرفنا وأبصرنا، وعرف حقنا، ويأخذ بأمرنا فهو منا وإلينا. [462] والروايات من طريقنا كثيرة جدا. منها: عن ابن بابويه رحمه الله بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أنا الهادي وأنا المهتدي وأنا أبو اليتامي والمساكين، وزوج الأرامل، وأنا ملجأ كل ضعيف، ومأمن كل خائف، وأنا قائد المؤمنين إلي الجنة، وأنا حبل الله المتين، وأنا عروة الله الوثقي، وكلمة التقوي، وأنا عين الله، ولسانه الصادق ويده، وأنا جنب الله الذي يقول: " أن تقول نفس يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله "، وأنا يد الله المبسوطة علي عباده بالرحمة والمغفرة، وأنا باب حطة، من [ صفحه 283] عرفني وعرف حقي فقد عرف ربه، لأني وصي نبيه صلي الله عليه وآله وسلم في أرضه وحجته علي خلقه، لا ينكر هذا إلا راد علي الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم [463] ومنها: عن الطبرسي في الاحتجاج، في حديث طويل عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قد زاد جل ذكره في التبيان وإثبات الحجة في قوله في أصفيائه وأوليائه عليهم السلام: " أن تقول نفس يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله " تعريفا للخليقة قربهم، ألا تري أنك تقول فلان إلي جنب فلان إذا أردت أن تصف قربه منه، وإنما جعل الله تبارك وتعالي في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه، وحججه في أرضه، لعلمه ما يحدثه في كتابه المبدلون من إسقاط أسماء حججه وتلبيسهم ذلك علي الأمة، ليعينوهم علي باطلهم فأثبت فيه الرموز، وأعمي قلوبهم وأبصارهم لما عليهم في تركها وترك غيرها من الخطاب الدال علي ما أحدثوه فيه. [464] أقول: ويدل علي ما في الرواية الأولي من أن وصيه صلي الله عليه وآله وسلم مولانا أمير المؤمنين عليه السلام الأخبار المتواترة من الجانبين، وقد روي في غاية المرام في هذا الباب من طريق العامة ما تجاوز عن خمسين حديثا. [465] والوصاية في هذا الخبر، وفي سائر الأخبار صريحة في الخلافة عنه صلي الله عليه وآله وسلم في شأن الرسالة التي هي الولاية والإمامة الكبري، ضرورة أن سؤال أهل اليمن إنما هو عن وصيه صلي الله عليه وآله وسلم القائم مقامه في أمور المسلمين، لا عن وصيه في صرف مال ونحوه، وجوابه بأنه هو الذي أمركم بالاعتصام به وأنه هو الذي [ صفحه 284] أنزل فيه " أن تقول نفس يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله " أصرح وأبين، فلا مجال لاحتمال أن تكون الوصاية في غير مسألة الخلافة والإمامة.

دلالة الروايات علي أن جنب الله في الآية الكريمة هو مولانا أميرالمؤمنين

وإذا تبين لك من روايات الفريقين أن جنب الله في الآية الكريمة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، تبين لك اختصاص الخلافة والإمامة به عليه السلام. بيان ذلك: أنه لا يطلق جنب الله مطلقا علي شخص إلا مع تمحضه في القرب إليه تعالي، ضرورة أن من قرب إليه تعالي مرة بالطاعة، وبعد عنه تارة بالمعصية لا يكون جنبه تعالي، ولا يستحق إطلاق هذا الاسم عليه من الله تعالي، بل يظهر من الرواية الثانية المنسوبة إلي الخليفة الأول من طريقهم أنه أكمل مراتب القرب بحيث خص بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم وبعلي أمير المؤمنين، والتمحض في القرب ملازم للعصمة والطهارة. ومن هذا شأنه لا يقاس بجنب الناس، وهو الخليفة الأول الذي اختاره أهل الحل والعقد للخلافة بزعمهم. أتري أنه لو دار الأمر بين جنب الله وجنب الناس في الخلافة عن الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم يجوز تقديم جنب الناس علي جنب الله تعالي؟ كلا ثم كلا، فتبين أن الآية الكريمة تدل علي وجود صفة في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، لا تنفك عنها الخلافة والإمامة، ولا يجوز تقديم غيره عليه في الخلافة. هذا كله مع قطع النظر عن الخصوصيات التي تحتوي عليها الروايات، وأما مع ملاحظتها فالأمر أوضح وأظهر. فإن دلالة الرواية الأولي في غاية الوضوح والظهور. والرواية الثانية تدل علي أنه أقرب الخلق إلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم وأنه خير [ صفحه 285] الخلق بعده صلي الله عليه وآله وسلم ومن المعلوم أنه لا مجال حينئذ لتقديم غيره عليه في الخلافة عن الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم. وأما الرواية الثالثة، فكل فقرة منها تدل علي إمامته، وخلافته عليه السلام وخلافة الأئمة من ذريته سلام الله عليهم، ولا يمنع من قبولها إسنادها إلي مولانا الصادق عليه السلام، من دون إسناد إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم لأنه عليه السلام مقبول القول عند أهل السنة. [ صفحه 286]

في تفسير قوله تعالي: و إن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير

التحريم: 4. الطبرسي في مجمع البيان، قال: ووردت الرواية من طريق الخاص والعام أن المراد بصالح المؤمنين علي عليه السلام وهو قول مجاهد، وفي كتاب شواهد التنزيل بالإسناد عن سدير الصيرفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: لقد عرف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عليا أصحابه مرتين، أما مرة فحيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وأما الثانية فحيث نزلت هذه الآية: " فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " أخذ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بيد علي، فقال: أيها الناس، هذا صالح المؤمنين. وقالت أسماء بنت عميس: سمعت النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: وصالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. [466] وقد ذكر في غاية المرام في هذا الباب ستة أحاديث من طريق العامة. [467] . [ صفحه 287] منها: ما عن ابن شهرآشوب في مناقبه، من طريق العامة، عن تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان النسوي، والكلبي، ومجاهد، وأبي صالح والمغربي، عن ابن عباس أنه رأت حفصة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حجرة عائشة، مع مارية القبطية فقال صلي الله عليه وآله وسلم: اكتمي علي حديثي؟ قالت: نعم، قال: إنها علي حرام لطيب قلبها، فأخبرت عائشة وسرتها من تحريم مارية، فكلمت عائشة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في ذلك، فنزل: " وإذ أسر النبي إلي بعض أزواجه حديثا " إلي قوله: " فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " قال: صالح المؤمنين والله علي عليه السلام، يقول الله حسبه، والملائكة بعد ذلك ظهير. عن البخاري والموصلي، قال ابن عباس: سألت عمر بن الخطاب عن المتظاهرتين، فقال: حفصة وعائشة. [468] وأما الروايات من طريقنا فكثيرة جدا. منها: ما في غاية المرام، عن محمد بن العباس بن ماهيار الثقة في تفسيره، فيما نزل في أهل البيت عليهم السلام أورد في هذه الآية اثنين وخمسين حديثا من طريق الخاصة والعامة. منها: قال: حدثنا جعفر بن محمد الحسيني، عن عيسي بن مهران، عن مخاول (مخلول خ ل) بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع، عن فاطمة عليها السلام قالت: " لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم غشي عليه ثم أفاق، وأنا أبكي وأقبل يديه وأقول: من لي وولدي بعدك يا رسول الله؟ قال: لك الله بعدي ووصيي صالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ". [469] . [ صفحه 288] أقول: ويؤيد الروايات الدالة علي نزول الآية في شأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وأنه المراد من صالح المؤمنين ما ثبت بالروايات المتواترة بين الفريقين بل بالضرورة أن مولانا أمير المؤمنين أفضل المؤمنين وسيدهم وخيرهم بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وأنه كان أنصرهم لله تعالي ولرسوله صلي الله عليه وآله وسلم في جميع المواطن، فلا يصلح تخصيص الصلاح والنصرة من المؤمنين إلا به، ضرورة عدم جواز تخصيص غير الأكمل بهما، مع وجوده، وإذا تبين أنه المخصوص بالصلاح والنصرة لرسوله صلي الله عليه وآله وسلم من بين المؤمنين، لأن صلاحه أكمل ونصرته أتم، تبين اختصاص الخلافة والإمامة به عليه السلام بداهة استحالة أن يكون الأخص عند الله وعند رسوله صلي الله عليه وآله وسلم تابعا تحت ولاية من لم يكن له هذا الشأن عنده تعالي. أتري أنه يجوز أن يكون غير الأخص متبوعا ومولي، للأخص الذي خصه الله بالصلاح والنصر لرسوله صلي الله عليه وآله وسلم من بين جميع المؤمنين، وقرن نصرته لرسوله صلي الله عليه وآله وسلم بنصرة نفسه ونصرة الأمين جبريل عليه السلام!؟ والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. [ صفحه 289]

في تفسير قوله تعالي: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد

اشاره

البقرة: 207. في غاية المرام، عن تفسير الثعلبي في الجزء الأول، في تفسير سورة البقرة، قوله تعالي: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب عليه السلام مكة، لقضاء ديونه، ورد الودائع التي كانت عندهم، وأمره ليلة الخروج إلي الغار - وقد أحاط المشركون بالدار - أن ينام علي فراشه، فقال له: يا علي اتشح ببردي الحضرمي، ثم نم علي فراشي فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله عز وجل وفعل ذلك عليه السلام فأوحي الله عز وجل إلي جبرائيل وميكائيل: إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختارا كلاهما الحياة، فأوحي الله عز وجل إليهما: ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب عليه السلام آخيت بينه وبين محمد صلي الله عليه وآله وسلم، فنام علي فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، اهبطا إلي الأرض فاحفظاه من عدوه، فنزلا فكان [ صفحه 290] جبرائيل عليه السلام عند رأسه، وميكائيل عند رجله، فقال جبرائيل بخ بخ من مثلك، يا ابن أبي طالب، يباهي الله بك الملائكة، فأنزل الله علي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم وهو متوجه إلي المدينة في شأن علي بن أبي طالب عليه السلام: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ". [470] وعن المالكي في الفصول المهمة، قال: أورد الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه إحياء علوم الدين: أن ليلة بات علي بن أبي طالب عليه السلام علي فراش رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أوحي الله تعالي إلي جبرائيل وميكائيل: إني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه الحياة؟ فاختارا كلاهما الحياة وأحباها، فأوحي الله تعالي إليهما، أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمد، فبات علي علي فراشه يقيه بنفسه، ويؤثره بالحياة، اهبطا إلي الأرض فاحفظاه من عدوه، فكان جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، ينادي ويقول: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب، يباهي الله بك الملائكة، فأنزل الله عز وجل: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد ". [471] في مجمع البيان روي السدي عن ابن عباس، قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب، حين هرب النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن المشركين إلي الغار ونام علي عليه السلام علي فراش النبي صلي الله عليه وآله وسلم فنزلت الآية بين مكة والمدينة. وروي، أنه لما نام علي فراشه، قام جبرائيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرائيل ينادي [ صفحه 291] بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب، يباهي الله بك الملائكة. [472] أقول: والروايات من الطريقين مستفيضة بل كادت أن تكون متواترة. وقد روي في غاية المرام أحد عشر حديثا من طريق العامة، وأحد عشر حديثا من طريقنا. [473] بل يظهر مما ذكره الثعلبي وحجة الإسلام الغزالي أن نزول الآية في شأنه عليه السلام وهبوط الملكين المقربين لحراسته، وقول جبرائيل: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة، كمبيته عليه السلام علي فراش النبي صلي الله عليه وآله وسلم تلك الليلة، من المسلمات التي لا حاجة لها إلي ذكر الإسناد، حيث ذكرا الحديث من دون إسناد، وأرسلاه إرسال المسلمات وهو كذلك. وإن كان الجاحد في مقام الجحود لا يري أبين منه. ثم إن إتيانه عز وجل الشراء بصيغة " المضارع " لا الماضي - مع أن المترائي أن الأنسب الاتيان بصيغة الماضي، حيث إنه إخبار عنا وقع - تنبيه علي أنه عليه السلام يكون متصفا بشراء نفسه ابتغاء لمرضاة الله تعالي، ويكون من فضائله الشريفة، وخصاله الكريمة التي يستمر عليها، لا أنه تحقق منه أحيانا، إذ صيغة المضارع تدل علي اتصاف الذات بالمبدأ، كما يشهد به الاطراد في موارد الاستعمالات، ولذا يؤتي به في مورد الاتصاف الذاتي، كقولك: " من لمن يعقل " والاتصاف العرضي الاستمراري، كقولك: " فلان يتجر "، أي شغله التجارة، فالعدول عن صيغة الماضي - في مثل المقام - إلي صيغة المضارع تنبيه علي أن اتصافه عليه السلام بهذه الصفة السامية من عادته الكريمة، وسجيته الشريفة، ومن هنا باهي الله تعالي به ملائكته المقربين، ومن وقف [ صفحه 292] علي سيرته عليه السلام في الحروب وغيرها، يعلم علما ضروريا بأن ذلك من سجيته.

دلالة الآية علي اختصاص الخلافة والإمامة بأميرالمؤمنين

وإذا وقفت علي ما بيناه تبين لك تبين الشمس في رابعة النهار اختصاص الخلافة والإمامة به عليه السلام، إذ أكمل مراتب العبودية، بين [474] البلوغ إلي هذه المرتبة الجليلة ومن كان له هذا الشأن عليه السلام يستحيل عند العقل أن يكون تحت ولاية من كان دونه بمرتبة، فضلا أن يكون تحت ولاية من كان دونه بمراتب، فإن فرار الخلفاء الثلاثة مع الفارين في أحد أو خيبر، وعدم جرأتهم للبراز مع عمرو بن عبد ود كاشف عن غلبة حب أنفسهم علي حب الله ورسوله، ولذا قال صلي الله عليه وآله وسلم باتفاق الفريقين في خيبر: " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، لا يرجع حتي يفتح الله علي يديه " [475] فإن قوله صلي الله عليه وآله وسلم كما يدل علي كمال مقام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، حيث أعطاه اللواء وفتح الله علي يديه يدل علي ضعف مقام الأولين في محبتهما الله تعالي ولرسوله صلي الله عليه وآله وسلم حيث رجعا باللواء، ولم يفتح الله علي يديهما، ومن كان ضعيفا في محبته لله تعالي ورسوله كيف يختاره الله علي من أحب الله تعالي ورسوله، وكان كاملا في المحبة، بحيث لم يؤثر علي رضاه تعالي شأنه شيئا.

في أن صحبة أبي بكر للنبي في الغار لا تدل علي فضيلة

فإن قلت: كما أن لمولانا علي أمير المؤمنين عليه السلام فضل المبيت علي فراش النبي صلي الله عليه وآله وسلم وشراء نفسه ابتغاء لمرضاة الله تعالي. كذلك لأبي بكر فضل صحبة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الغار، ومرافقته معه صلي الله عليه وآله وسلم، بل جعله ثاني اثنين من رسوله، [ صفحه 293] يدل علي كمال فضيلته، وكذا قوله صلي الله عليه وآله وسلم له: " لا تحزن إن الله معنا ". [476] قلت: مجرد الصحبة والاجتماع في مكان واحد، وتعبير أحد المتصاحبين عن الآخر بصاحبه، لا يدل علي فضل ولا نقص، كما لا يدل التعبير بثاني اثنين ونحوه علي فضل، فضلا عن كمال الفضيلة. ألا تري أن الله تعالي شأنه جعل الكافر صاحب المؤمن، والمؤمن صاحب الكافر، فقال عز وجل في سورة الكهف: " فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا " [477] وقال أيضا: " قال له صاحبه أكفرت بالذي خلقك من تراب " [478] وقال تعالي شأنه: " ما يكون من نجوي ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدني من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا " [479] ولم يكن في التعبير المذكور فضيلة لأهل النجوي. بل يمكن أن يقال: قوله تعالي: " فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها " [480] باعتبار إفراد الضمير يدل علي أن اشتراكه مع الرسول صلي الله عليه وآله وسلم إنما هو في المصاحبة، واجتماعهما في الغار، لا في نزول السكينة، مع أنها مما تعم المؤمنين. لا يقال: يحتمل رجوع الضمير إلي أبي بكر، لأنه كان محزونا محتاجا إلي السكينة. [ صفحه 294] لأنا نقول: ضمير " وأيده " راجع إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم قطعا، والتفكيك بين الضميرين خارج عن أسلوب الكلام البليغ، بل لا يجوز في المقام، لأن صدر الآية في مقام بيان نصرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقال عز من قائل: " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ". [481] فقوله تعالي: " فأنزل الله سكينته عليه " تبيين لنصرته تعالي إياه، فلو رجع الضمير إلي أبي بكر لا يلائم ذيل الكلام مع صدره، فتعين أن يكون الضمير عائدا إلي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 295]

في تفسير قوله تعالي: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا

اشاره

مريم: 96. قد ذكر في غاية المرام ثلاثة عشر حديثا من طريق العامة أنها نزلت في مولانا علي أمير المؤمنين عليه السلام. [482] منها: عن ابن المغازلي الشافعي في المناقب، يرفعه إلي ابن عباس، قال: أخذ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بيدي، وأخذ بيد علي فصلي أربع ركعات، ثم رفع يده إلي السماء، فقال: اللهم سألك موسي بن عمران، وأنا محمد أسألك أن تشرح لي صدري وتيسر لي أمري وتحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به أزري، وأشركه في أمري، قال ابن عباس فسمعت مناديا ينادي: يا أحمد قد أعطيت ما سألت. فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: يا أبا الحسن ارفع يدك إلي السماء، وادع ربك واسأله يعطك، فرفع علي عليه السلام يده إلي السماء وهو يقول: اللهم اجعل لي عهدا [ صفحه 296] واجعل لي عندك ودا، فأنزل الله تعالي علي نبيه صلي الله عليه وآله وسلم " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " فتلاها النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي أصحابه فتعجبوا من ذلك عجبا شديدا، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: أتعجبون أن القرآن أربعة أرباع، فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع حلال، وربع حرام، وربع فضائل وأحكام، والله أنزل فينا كرائم القرآن. [483] ومنها: عن الثعلبي في تفسيره - في تفسير الآية - قال: أخبرنا عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف ببغداد، حدثنا أبو جعفر الحسن بن علي الفارسي، حدثنا إسحاق بن بشير الكوفي، حدثنا خالد بن يزيد، عن حمزة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب عليه السلام: يا علي قل: اللهم اجعل لي عندك عهدا، واجعل لي في صدور المؤمنين مودة، فأنزل الله عز وجل: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ". [484] ومنها: عن إبراهيم بن محمد الحمويني، قال: قال الواحدي: أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم بن حموية، نبأنا يحيي بن محمد العلوي، نبأنا أبو علي الصواف ببغداد، نبأنا الحسن بن علي بن الوليد بن النعمان الفارسي، نبأنا إسحاق بن بشير، عن خالد بن يزيد بن حجرة الزيات، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: يا علي قل: " اللهم اجعل لي عندك عهدا، واجعل لي في صدور المؤمنين مودة "، فأنزل الله تعالي: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا "، قال نزل في [ صفحه 297] علي بن أبي طالب عليه السلام. [485] وقد ذكر من طريق الخاصة أحد عشر حديثا. منها: عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيي، عن سلمة بن الخطاب، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام قوله تعالي: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا "، قال: ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، هي الود الذي قال الله تعالي. [486] ومنها: عن علي بن إبراهيم في تفسيره، قال: حدثنا جعفر بن أحمد، عن عبيد الله بن موسي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قوله تعالي: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " قال: ولاية أمير المؤمنين هي الود الذي ذكره. [487] .

دلالة الآية علي اختصاص الخلافة والإمامة بأميرالمؤمنين

وإذا وقفت علي ما ذكرناه من الروايات المستفيضة من الجانبين، الدالة علي نزول الآية الكريمة في شأن مولانا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام، فاعلم أنها تدل علي اختصاص الخلافة والإمامة به عليه السلام. توضيح الأمر: إن المراد من الجعل في الآية إما الجعل التشريعي أو التكويني، ومن الود إما الولاية والإمامة، وإما مطلق المحبة والمودة. فإن قلنا بأن المراد منه الجعل التشريعي، كما دلت عليه الروايات من طريقنا، ورواية ابن المغازلي، بل رواية الثعلبي والحمويني أيضا، لانصراف [ صفحه 298] العهد المسؤول إلي عهد الخلافة والإمامة، فالدلالة واضحة ظاهرة. فإن قلت: لا مجال لأخذ الود بمعني الولاية والإمامة، إذ لا تكون معني حقيقيا له، كما هو ظاهر، ولا معني مجازيا له، لعدم العلاقة المصححة للاستعمال بين المعنيين. قلت: الحب الثابت الصادق بالنسبة إلي شخص يستلزم الموافقة معه، وعدم التخلف عنه، كما أنه بالنسبة إلي فعل، إتيانه وإيجاده، فيكني الود بالنسبة إلي الشخص حينئذ عن الموافقة معه، والاقتداء والائتمام به، كما أنه يكني بالنسبة إلي الفعل عن إتيانه، كما كني عن حب شيوع الفاحشة، في قوله تعالي: " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا " [488] عن الغيبة، وحيث إن صدق المحبة ملازم لظهور أثرها في الخارج، ويصح سلبها عمن لم يظهر عليه أثرها في الخارج، يجوز أن يراد منها أثرها كناية، فإرادة الولاية والإمامة من الود حينئذ علي سبيل الحقيقة، وغاية الأمر أنه علي سبيل الكناية. وإن قلنا بأن المراد من الجعل التشريعي من الود مطلق المحبة، والمودة، فالدلالة ثابتة. بيانه: إنه لا شبهة في أن مولانا أمير المؤمنين كان مدعيا للخلافة والإمامة، ولم ير غيره من الأمة أهلا لها، وامتنع عن البيعة مع أبي بكر، واحتج عليه، وعلي غيره من الأصحاب، واستنصر منهم لأخذ حقه من أبي بكر، ولم يبايع عليه السلام معه اختيارا، وهو كالشمس في رابعة النهار، لا ينكره إلا معاند جاحد، فمقتضي وده عليه السلام الذي جعله الله له تصديقه [ صفحه 299] واتباعه، وإلا لم يكن مدعي وده صادقا في الود، ضرورة أن الود الصادق إنما هو الود الذي يترتب عليه أثره في الخارج، فكيف يصدق حينئذ ادعاء وده مع مخالفته عليه السلام؟ فإن قلت: ثبوت المحبة لا يلزم تصديق دعوي من أحبه، إذ قد أمر المؤمنون بأن يحب بعضهم بعضا، ولم يؤمروا بتصديق ادعائهم بدون البينة. قلت: الحب من قبل الإيمان يشترك فيه الكل، فلا مجال لتخصيص التصديق ببعضهم دون بعض، وتصديق كل منهم الآخر مستلزم لتصديق المدعي المنكر، وبالعكس، وهو تناقض. وأما المقام: فعامة المؤمنين أمروا بمودة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فوجب عليهم تصديقه واتباعه. وأيضا إيجاب مودته عليه السلام علي جميع المؤمنين ليس إلا لكونه أكمل في طاعة الله ورسوله، وأقرب وأحب عند الله تعالي، وعند رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، فلا يعقل حينئذ تقديم غيره عليه في الخلافة عن الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم. وإن أريد من الجعل الجعل التكويني، فالدلالة أيضا ثابتة، سواء أريد من المودة الولاية والإمامة، أو مطلق المحبة والمودة. توضيح: إن الجعل التكويني المتصور في المقام هو تقدير وده عليه السلام وتيسير أسبابه في قلوب المؤمنين، بحيث يهتدون إليه ويختارون وده ومحبته، فما من مؤمن إلا ويحبه، وما من منافق إلا ويبغضه، لا الجعل بمعني الاضطرار والإلجاء، كما هو ظاهر، وتخصيصه عليه السلام من بين المؤمنين بجعل وده في قلوبهم ليس إلا لكونه أقرب وأحب عند الله تعالي، وعند [ صفحه 300] رسوله صلي الله عليه وآله وسلم فيكون أحق بالخلافة عنه تعالي وعن رسوله صلي الله عليه وآله وسلم من غيره. الحمد لله الذي وهبنا مودته، ومودة الطيبين من ذريته، سلام الله عليهم أجمعين ورزقنا البراءة من أعدائهم. [ صفحه 301]

في تفسير قوله تعالي: مرج البحرين يلتقيان - بينهما برزخ لا يبغيان

اشاره

الرحمن: 19 - 20. وقد ذكر في غاية المرام سبعة أحاديث من طريق العامة في تفسيره، فقال: الأول، المالكي في الفصول المهمة، عن أنس بن مالك، في قوله تعالي: " مرج البحرين يلتقيان " قال: علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ": الحسن والحسين عليهما السلام ورواه صاحب كتاب الدرر. [489] الثاني، محمد بن العباس، من طريق العامة، قال: حدثنا علي بن عبد الله، عن إبراهيم، عن محمد بن الصلت، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: قوله عز وجل " مرج البحرين يلتقيان " علي وفاطمة " بينهما برزخ لا يبغيان "، قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان "، قال: الحسن والحسين عليهما السلام. [490] . [ صفحه 302] الثالث، أبو علي الطبرسي روي من طريق العامة وغيرهم، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، وسعيد بن جبير، وسفيان الثوري، أن " البحرين " علي وفاطمة عليهما السلام " بينهما برزخ " محمد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " الحسن والحسين عليهما السلام. [491] الرابع، ابن شهرآشوب من طرق العامة وغيرهم " عن الحركوسي في كتاب اللوامع وشرف المصطفي، وأبو بكر الشيرازي - في كتابه، وأبي صالح، وأبي إسحاق الثعلبي، وعلي بن أحمد الطائي، وابن علوية القطان - في تفاسيرهم - عن سعيد بن جبير، وسفيان الثوري، وأبو نعيم الإصفهاني - فيما نزل في القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام - عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، وعن أبي هالك، عن ابن عباس، والقاضي النظيري، عن سفيان بن عيينة، عن جعفر الصادق عليه السلام - واللفظ له - في قوله تعالي: " مرج البحرين يلتقيان " قال: علي وفاطمة بحران عميقان، لا يبغي أحدهما علي صاحبه. وفي رواية " بينهما برزخ " رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان "، قال: الحسن والحسين عليهما السلام ". [492] الخامس، عن أبي معاوية الضرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عباس: إن فاطمة عليها السلام بكت للجوع والعري، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: إقنعي يا فاطمة بزوجك، فوالله إنه سيد في الدنيا، وسيد في الآخرة، وأصلح بينهما، فأنزل الله تعالي: " مرج البحرين " يقول: أنا أرسلت البحرين علي بن أبي طالب بحر العلم، وفاطمة بحر النبوة " يلتقيان " يتصلان، أنا الله أوقعت الوصلة بينهما، ثم قال: بينهما برزخ مانع، رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يمنع [ صفحه 303] علي بن أبي طالب أن يحزن لأجل الدنيا، ويمنع فاطمة أن تخاصم بعلها لأجل الدنيا، يا معشر الجن والإنس " تكذبان " بولاية أمير المؤمنين عليه السلام وحب فاطمة الزهراء، قال " اللؤلؤ " الحسن، " المرجان " الحسين عليه السلام لأن اللؤلؤ الكبار، والمرجان الصغار، ولاغرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما، وكثرة خيرهما، فإن البحر إنما سمي بحرا لسعته، وأجري النبي فرسا فقال: وجدته بحرا ". [493] السادس، كتاب المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة، عن المبارك بن مسرور، قال: أخبرني القاضي أبو عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: أخبرني أبو غالب محمد بن عبد الله، يرفعه إلي أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: سألت ابن عباس عن قول الله عز وجل: " مرج البحرين يلتقيان " فقال: علي وفاطمة، " بينهما برزخ لا يبغيان " رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " الحسن والحسين عليهما السلام. [494] السابع، الثعلبي وانتهي إسناده إلي سفيان الثوري هذا. [495] وأما رواياتنا فكثيرة جدا، وقد ذكر في غاية المرام خمسة أحاديث من طريقنا، [496] ولنتبرك بذكر روايتين منها. إحداهما: عن ابن بابويه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد الإصبهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن يحيي بن سعيد العطار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: " مرج [ صفحه 304] البحرين يلتقيان - بينهما برزخ لا يبغيان "، قال: علي وفاطمة بحران من العلم عميقان، لا يبغي أحدهما علي صاحبه " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " الحسن والحسين عليهما السلام. [497] ثانيهما: عن محمد بن العباس، عن علي بن مخلد الدهان، عن أحمد بن سليمان، عن إسحاق بن إبراهيم الأعمش، عن كثير بن هشام، عن كهمش بن الحسن، عن أبي السليل، عن أبي ذر رضي الله عنه في قوله عز وجل: " مرج البحرين يلتقيان " قال: علي وفاطمة عليهما السلام، " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " الحسن والحسين عليهما السلام، فمن رأي مثل هؤلاء الأربعة: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا كافر، فكونوا مؤمنين بحب أهل البيت عليهم السلام، ولا تكونوا كفارا ببغضهم فتلقوا في النار. [498] .

يستفاد من الآية الكريمة أمور خمسة

وإذا وقفت علي ما بيناه فاعلم أنه يستفاد من الآية الكريمة أمور خمسة: الأول: علو مقام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وسيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام ورفعة شأنهما عند الله تبارك وتعالي، حيث عبر عنهما بالبحرين، فإن البحر إنما يستعار للأمر الواسع، بل قال في المصباح المنير: إنما سمي البحر بحرا لاتساعه، [499] والمقام مقام إظهار آلائه ونعمه علي عباده، فهما من النعم الواسعة الجليلة التي أنعم بها علي الجن والإنس، فقال عز من قائل: " فبأي [ صفحه 305] آلاء ربكما تكذبان ". [500] والثاني: أن كلا منهما عديل للآخر، وكفو له بحيث لا يبغي أحدهما علي الآخر، ويدل عليه أيضا الروايات في فضل سيدتنا الصديقة الطاهرة سلام الله عليها، من أنه لولا علي عليه السلام لم يكن لفاطمة عليها السلام كفو من الأولين والآخرين. [501] والثالث: أن تزويجهما كان من الله تبارك وتعالي. توضيحه: كما يستند التقاء البحرين الحسييين إلي مرسلهما، حيث أرسلهما علي وجه يلتقيان ويتصلان، فكذلك التقاء بحرين معنويين مستند إلي من أرسلهما، وهو الله تعالي شأنه، فالتعبير بصيغة " مرج " معلوما مسندا إليه تعالي شأنه إرشاد إليه، فإن الالتقاء في الحقيقة متولد عن كيفية الارسال، لا أنه يتعقبه فقط، ويدل علي هذا المعني روايات الفريقين. ومن جملة روايات العامة: ما رواه في غاية المرام، في باب أن عليا عليه السلام خير الخلق بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، عن أبي الحسن الفقيه ابن المغازلي الشافعي، في كتاب المناقب، بإسناده إلي أبي أيوب الأنصاري، قال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مرض مرضة، فدخلت عليه فاطمة عليها السلام تعوده وما به من مرض، فلما رأت ما برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من الجهد والضعف خنقتها العبرة حتي جرت دمعتها، فقال لها: يا فاطمة إن الله عز وجل اطلع إلي الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع إليها الثانية فاختار منها بعلك، فأوحي إلي فأنكحته واتخذته وصيا، أما علمت يا فاطمة أن لكرامة الله إياك زوجك أعظمهم حلما، وأقدمهم سلما، وأعلمهم علما، فسرت بذلك [ صفحه 306] فاطمة واستبشرت، ثم قال لها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: يا فاطمة، وله ثمانية أضراس ثواقب: إيمان بالله وبرسوله، وحكمته (حكمه خ ل)، وتزويجه فاطمة، وسبطاه الحسن والحسين عليهما السلام، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر وقضاؤه بكتاب الله عز وجل، يا فاطمة إنا أهل البيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين قبلنا - أو قال: - الأنبياء، ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا: منا أفضل الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عمك، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وهو جعفر ابن عمك، ومنا سبطا هذه الأمة، وهما ابناك، والذي نفسي بيده منا مهدي هذه الأمة. [502] ورواه أيضا عن الحمويني بإسناد آخر، عن علي بن الهلال، عن أبيه مع زيادة. [503] وروي من طريقنا عن سلمان رضي الله عنه، مع زيادات كثيرة. [504] والرابع، علو شأن سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين سلام الله عليهما عنده تعالي شأنه، حيث عبر عنهما ب " اللؤلؤ والمرجان "، وشبههما بهما، فجعل تعالي شأنه منزلتهما من الجن والإنس منزلة اللؤلؤ والمرجان منهم في عالم الحسن والظاهر، فكما أنهما زينة لهم في عالم الحسن تقر بهما أعينهم، ويتسارع كل منهم في تحصيلهما حسب مقدورهم فكذلك هما - روحي فداهما - زينة للمؤمنين تقر بهما أعينهم، ويتسارعون في محبتهما ومودتهما وولايتهما، سلام الله عليهما، وعلي جدهما، وأبيهما، وأمهما، [ صفحه 307] وبنيهما الأئمة الطاهرين. والخامس، اختصاص الإمامة والخلافة بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وولديه: الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة سلام الله عليهم، ضرورة أن من كان بهذه المنزلة عند الله تبارك وتعالي من الجن والإنس، حيث من بهم علي جميع الجن والإنس، فقال تعالي شأنه: " فبأي آلاء ربكما تكذبان "، لا يجوز أن يتقدمهم أحد من الجن والإنس في الخلافة عن الله تعالي ورسوله، ضرورة أنه لا يجوز أن يكون من من الله تعالي بوجوده علي الإنس والجن مأموما وتابعا لمن كان في جملة المنعم عليهم بوجوده.

في أن الخلفاء الثلاثة لم يبلغوا في العلم ولا في سائر الصفات الكريمة...

في أن الخلفاء الثلاثة لم يبلغوا في العلم ولا في سائر الصفات الكريمة مبلغا يستحقون لمعارضة معه في الخلافة والولاية وإن شئت مزيد توضيح فاعلم أن تعبيره عز وجل عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بالبحر كاشف عن اتساعه في العلم والخير، والخلفاء الثلاثة لم يبلغوا في العلم ولا في سائر الصفات الكريمة مبلغا يستحقون المعارضة معه في الخلافة والولاية، ومن وقف علي قصصهم وأخبارهم لا يشك فيما بيناه. قال ابن قتيبة في تاريخه المعروف: [505] قال أبو بكر في مرضه الذي توفي فيه في جواب عبد الرحمن بن عوف: " أجل والله ما آسي إلا علي ثلاث فعلتهن ليتني كنت تركتهن، وثلاث تركتهن ليتني فعلتهن، وثلاث ليتني سألت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عنهن، فأما اللاتي فعلتهن - وليتني لم أفعلهن - فليتني تركت بيت علي عليه السلام وإن كان أعلن علي الحرب، وليتني يوم سقيفة بني ساعدة كنت ضربت علي يد أحد الرجلين أبي عبيدة أو عمر، فكان هو الأمير وأنا الوزير، وليتني حين أتيت بالفجأة السلمي أسيرا أني قتلته ذبيحا [ صفحه 308] أو أطلقته نجيحا، ولم أكن أحرقته بالنار. وأما اللاتي [506] تركتهن - وليتني فعلتهن - حين أتيت بالأشعث بن قيس أسيرا أني قتلته ولم أستحيه، فإني سمعت منه وأراه لا يري غيا ولا شرا إلا أعان عليه، وليتني حين بعثت خالد بن الوليد إلي الشام، أني كنت بعثت عمر بن الخطاب إلي العراق، فأكون قد بسطت يدي جميعا في سبيل الله. وأما اللواتي كنت أود أني سألت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عنهن فليتني سألته لمن هذا الأمر من بعده، فلا ينازعه فيه أحد، وليتني كنت سألته هل للأنصار فيها من حق، وليتني كنت سألته عن ميراث بنت الأخ والعمة، فإن في نفسي من ذلك شيئا " انتهي. ومن كان كذلك كيف جاز له الإقدام علي هذا الأمر الخطير الذي هو تلو النبوة، بل أعلي منها - كما عرفت - والعجب أنه مع هذا الحال كيف سارع اليوم الأول هو وسائر إخوانه واجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لتعيين الخليفة، وتركوا جنازة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعقدوا الخلافة لواحد منهم، ولم يشاوروا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وسائر بني هاشم، حتي لا تختلف كلمتهم، وكيف أوصي الخلافة للثاني آخر يومه، ولم يتركها بحالها، كما تركها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بزعمه وزعمهم. هذا حال الخليفة الأول. وأما الخليفة الثاني فيكفي منه ما اشتهر في كتب الفريقين، من أنه قال [ صفحه 309] في عدة مواطن: " لولا علي لهلك عمر " [507] ، وأحصاها بعضهم إلي سبعين موطنا وأما الثالث فحاله أوضح، كما لا يخفي علي من تتبع أخبارهم. والحاصل: إن الذين كانوا بهذا الشأن كيف يجوز لهم المعارضة مع باب مدينة علم النبي صلي الله عليه وآله وسلم الذي سماه الله تعالي في القرآن بحرا، وجعله من الآية التي من بها علي الجن والإنس. والحمد لله الذي هدانا لمعرفة وليه وحجته، ولم يجعلنا من المكذبين بالآية، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. [ صفحه 310]

في تفسير قوله تعالي: إنما وليكم الله و رسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون

اشاره

المائدة: 55. وقد ذكر في غاية المرام في تفسيره من طريق العامة أربعة وعشرين حديثا. فقال: الحديث الأول، قال الثعلبي، قال السدي، وعتبة بن أبي حكيم وغالب بن عبد الله: إنما عني بقوله سبحانه وتعالي: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " علي بن أبي طالب عليه السلام، لأنه مر به سائل - وهو راكع في المسجد - وأعطاه خاتمه. ثم قال الثعلبي: أخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم الفقيه، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد الشعراني، قال: أخبرنا أبو علي أحمد بن علي بن رزين، قال: حدثنا المظفر بن الحسن الأنصاري، قال: حدثنا السري بن علي الوراق، حدثنا يحيي بن عبد الحميد الحماني، عن قيس بن الربيع، عن [ صفحه 311] الأعمش، عن عباية بن الربعي، قال: حدثنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو جالس بشفير زمزم، يقول: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذ أقبل رجل معتم بعمامة، فجعل ابن عباس لا يقول: قال رسول الله، إلا وقال الرجل: قال رسول الله، فقال له ابن عباس: سألتك بالله، ممن أنت؟ قال: فكشف العمامة عن وجهه، وقال: يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بهاتين وإلا صمتا، ورأيته بهاتين وإلا فعميتا، يقول: " علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله " أما إني صليت مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوما من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلي السماء وقال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فلم يعطني أحد شيئا، وكان علي راكعا فأومي إليه بخنصره اليمني، وكان يتختم فيها، فأقبل السائل حتي أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلي السماء وقال: اللهم موسي سألك، فقال: " رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري - واحلل عقدة من لساني - يفقهوا قولي - واجعل لي وزيرا من أهلي - هارون أخي - اشدد به أزري - وأشركه في أمري " [508] فأنزلت عليه قرآنا ناطقا: " سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا " [509] اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، اللهم واشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به ظهري. [ صفحه 312] قال أبو ذر: فما استتم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الكلمة حتي نزل عليه جبريل عليه السلام من عند الله تعالي فقال: يا محمد اقرأ، قال: وما أقرأ؟ قال اقرأ: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ". [510] الحديث الثاني، ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين، من الجزء الثالث، في تفسير سورة المائدة، قوله تعالي: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ". من صحيح النسائي، عن ابن سلام، قال: أتيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقلنا: إن قومنا حادونا لما صدقنا الله ورسوله، وأقسموا أن لا يكلمونا، فأنزل الله تعالي: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ". ثم أذن بلال لصلاة الظهر، فقام الناس يصلون فمن بين ساجد وراكع، إذ سائل يسأل، وأعطي علي عليه السلام خاتمه وهو راكع، فأخبر السائل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقرأ علينا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون - ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ". [511] [512] ثم سرد الروايات إلي أن قال: الحديث العاشر، موفق بن أحمد في جواب مكاتبة معاوية إلي عمرو بن العاص. [ صفحه 313] قال عمرو بن العاص: لقد علمت يا معاوية ما أنزلت في كتابه في علي عليه السلام من الآيات المتلوات في فضائله التي لا يشاركه فيها أحد، كقوله تعالي: " يوفون بالنذر "، [513] إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " [514] أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله " [515] وقد قال الله تعالي: " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " [516] وقد قال الله تعالي لرسوله: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي ". [517] [518] وقال: الحديث الحادي عشر، موفق بن أحمد، وانتهي إسناده إلي ابن عباس رضي الله عنه، قال: أقبل عبد الله بن سلام، ومعه نفر من قومه ممن قد آمن بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول الله إن منازلنا بعيدة، وليس لنا مجلس ومتحدث دون هذا المجلس، وإن قومنا لما رأونا قد آمنا بالله ورسوله وقد صدقناه رفضونا وآلوا علي أنفسهم أن لا يجالسونا، ولا يناكحونا، ولا يكلمونا، وقد شق ذلك علينا، فقال لهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ". ثم إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم خرج إلي المسجد والناس بين قائم وراكع، وبصر [ صفحه 314] بسائل، فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: هل أعطاك أحد شيئا؟ قال نعم: خاتم من ذهب [519] فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: من أعطاكه، فقال: ذلك القائم، وأومي بيده إلي علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال له: علي أي حال أعطاك؟ قال: أعطاني وهو راكع، فكبر النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ثم قرأ: " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " [520] ، فأنشأ حسان بن ثابت يقول: أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي وكل بطئ في الهوا ومسار أيذهب مدحي والمحبر ضائع وما المدح في جنب الإله بضائع فأنت الذي لم أعطيت إذ كنت راكعا فدتك نفوس القوم يا خير راكع فأنزل فيك الله خير ولاية وبينها في محكمات الشرائع [521] . ثم سرد الروايات إلي آخرها. هذا ولا خلاف بين الأمة أن هذه الآية نزلت في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كما صرح به ابن شهرآشوب، [522] فلا حاجة إلي إكثار ذكر الروايات من طريقهم، ولنتبرك بذكر روايات من طريقنا. منها: ما في الكافي عن مولانا الصادق عليه السلام في قول الله عز وجل: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا... " قال: إنما يعني: أولي بكم، أي أحق بكم، وبأموالكم من أنفسكم " الله ورسوله والذين آمنوا " - يعني عليا وأولاده الأئمة عليهم السلام - إلي يوم القيامة، ثم وصفهم الله عز وجل فقال: " الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ". [ صفحه 315] وكان أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الظهر، وقد صلي ركعتين وهو راكع، وعليه حلة قيمتها ألف دينار، وكان النبي صلي الله عليه وآله وسلم كساه إياها وكان النجاشي أهداها له. فجاء سائل، فقال: السلام عليك يا ولي الله وأولي بالمؤمنين من أنفسهم، تصدق علي مسكين، فطرح الحلة إليه وأومي بيده أن احملها، فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآية وصير نعمة أولاده بنعمته، فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة مثله، فيتصدقون وهم راكعون. والسائل الذي سأل أمير المؤمنين عليه السلام من الملائكة، والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة. [523] ومنها: ما في الكافي أيضا عن مولانا الصادق، عن أبيه عن جذه عليهم السلام في قوله عز وجل: " يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها " [524] قال: لما نزلت " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " الآية، اجتمع نفر من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في مسجد المدينة، فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في هذه الآية؟ فقال بعضهم: إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها، وإن آمنا فهذا ذل حين سلط علينا ابن أبي طالب عليه السلام فقالوا: قد علمنا أن محمد صلي الله عليه وآله وسلم صادق فيما يقول، ولكن نتولاه ولا نطيع عليا فيما أمرنا، فنزلت هذه الآية: " يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها " يعني ولاية علي وأكثرهم الكافرون بالولاية. [525] ومنها: عن احتجاج الطبرسي، في رسالة أبي الحسن الثالث علي بن محمد الهادي عليه السلام إلي أهل الأهواز، حين سألوه عن الجبر والتفويض. [ صفحه 316] قال عليه السلام: اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك: أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها، في حالة الاجتماع عليه مصيبون، وعلي تصديق ما أنزل الله مهتدون، لقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " لا تجتمع أمتي علي ضلالة " [526] ، فأخبر صلي الله عليه وآله وسلم أن ما اجتمعت عليه الأمة ولم يخالف بعضها بعضا هو الحق. فهذا معني الحديث، لا ما تأوله الجاهلون، ولا ما قاله المعاندون من إبطال حكم الكتاب، واتباع أحكام الأحاديث المزورة، والروايات المزخرفة، واتباع الأهواء المردية المهلكة، التي تخالف نص الكتاب، وتحقيق الآيات الواضحات النيرات، ونحن نسأل الله أن يوفقنا للصلاح، ويهدينا إلي الرشاد. ثم قال عليه السلام: فإذا شهد الكتاب بصدق خبر وتحقيقه، فأنكرته طائفة من الأمة عارضته بحديث من هذه الأحاديث المزورة، فصارت بإنكارها ودفعها الكتاب ضلالا. وأصح خبر مما عرف تحقيقه من الكتاب مثل الخبر المجمع عليه من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: إني مستخلف فيكم خليفتين: كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض. واللفظة الأخري عنه في هذا الكتاب المعني بعينه قوله صلي الله عليه وآله وسلم " إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا " وجدنا شواهد هذا الحديث نصا في كتاب الله مثل قوله: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يقيمون [ صفحه 317] الصلاة ويؤتون الزكاة ". [527] .

اتفقت الروايات في أن أميرالمؤمنين تصدق بخاتمه وهو راكع

ثم اتفقت روايات العلماء في ذلك لأمير المؤمنين عليه السلام أنه تصدق بخاتمه وهو راكع، فشكر الله ذلك له، وأنزل الآية فيه. ثم وجدنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد أبانه من أصحابه بهذه اللفظة: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه " وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: " علي يقضي ديني وينجز وعدي، وهو خليفتي، عليكم بعدي " وقوله حيث استخلفه علي المدينة، فقال: يا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أتخلفني علي النساء والصبيان؟ فقال: " أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي ". فعلمنا أن الكتاب شهد بتصديق الأخبار، وتحقيق هذه الشواهد، فيلزم الأمة الاقرار بها، إذا كانت هذه الأخبار وافقت القرآن. فلما وجدنا ذلك موافقا لكتاب الله وكتاب الله موافقا لهذه الأخبار، وعليها دليلا، كان الاقتداء بها فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد والفساد. [528] ومنها عن الاحتجاج أيضا في حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال المنافقون لرسول الله: هل بقي لربك علينا بعد الذي فرض علينا شئ آخر يفترضه، فيذكر فتسكن أنفسنا، إنه لم يبق غيره، فأنزل الله في ذلك: " قل إنما أعظكم بواحدة " [529] يعني الولاية، فأنزل الله: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا... " الآية. وليس بين الأمة خلاف أنه لم يؤت الزكاة يومئذ وهو راكع غير رجل [ صفحه 318] واحد، لو ذكر اسمه في الكتاب لأسقط مع ما أسقط من ذكره، وهذا - وما أشبهه - من الرموز التي ذكرت لك ثبوتها في الكتاب، ليجهل معناها المحرفون، فيبلغ إلي أمثالك. وعند ذلك قال الله عز وجل: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ". [530] [531] بيان: يمكن التوفيق بين ما رواه في الكافي أن المتصدق به كان حلة، وبين ما رواه غيره واشتهر بين الخاصة والعامة: أنه كان خاتما، بأنه عليه السلام لعله تصدق في ركوع صلاة الظهر بالحلة، وفي ركوع صلاة أخري بالخاتم، ونزلت الآية بعد الثانية. ويدل علي ذلك ما رواه الحمويني من طريقهم مسندا إلي عمار بن ياسر رضي الله عنه من أنه عليه السلام كان راكعا في صلاة التطوع وسأله سائل، فنزع خاتمه وأعطاه السائل، فنزلت الآية. [532] .

ان الخاتم كان فصه ياقوتة وحلقته من فضة

ثم إن الخاتم - علي ما رواه عمار الساباطي - عن أبي عبد الله عليه السلام كان فصه ياقوتة حمراء، وزنها خمسة مثاقيل، وحلقته من فضة وزنها أربعة مثاقيل، [533] فما في بعض روايات العامة من أن السائل قال: أعطاني خاتما من ذهب لعله اشتباه من السائل، وكان مذهبا. أقول: وقد تبين لك مما بيناه أنه لا خلاف بين المسلمين في نزول الآية الكريمة في شأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام. [ صفحه 319] ومما يوضح ذلك أيضا مع وضوحه وظهوره: أن المراد من " الذين يقيمون الصلاة " مصداق مخصوص، لا العنوان العام الشامل لكل من آتي الزكاة في حال الركوع، إذ ليس له مزية خاصة يختص به بعض المؤمنين، حتي يناسب حصر الولاية في المتصف به دون غيره، فالصفة المأخوذة في القضية إنما أخذت معرفة لا عنوانا يدور مداره الحكم، بحيث يعم الحكم كل من يتصدق في حال الركوع، فلا بد حينئذ من تعريف المصداق المخصوص الذي هو موضوع الحكم. ولم يعرف في الروايات الواردة من الطريقين مع كثرتها واستفاضتها، بل تواترها، إلا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فلا مجال للتردد والتزلزل في عدم صدقه إلا علي مولانا أمير المؤمنين عليه السلام. ولا ينافي ذلك التعبير بصيغة الجمع لأن التعبير بها في مقام التعظيم شائع، مع أن في التعبير عنه عليه السلام بصيغة الجمع إشارة إلي أمر آخر، وهو أن إيمانه عليه السلام أكمل مراتب الإيمان سبقا وثباتا ويقينا، وأن طاعته لله تعالي أتم درجات الطاعات إخلاصا، متمحضة في وجه الله تعالي، خالية عن شائبة الطمع والخوف، كما هو المأثور عنه عليه السلام أنه قال: " ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك، بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك " [534] فعبر عنه بصيغة الجمع تنبيها علي هذا المعني، وتنزيلا له منزلة جميع المؤمنين، من حيث استكمال جميع مراتب الإيمان، وأشد درجات الطاعات فيه عليه السلام. وارتقاؤه علي أعلي مراتب اليقين والإيمان وأكمل درجات الطاعات، قد دلت عليه نصوص الفريقين في مواطن كثيرة، مثل قوله صلي الله عليه وآله وسلم له حين برز عليه السلام إلي [ صفحه 320] عمرو بن عبد ود: " برز الإيمان كله إلي الشرك كله " [535] وإنه أحب الخلق إلي الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم في حديث الطير المشوي. [536] وفي غزوة تبوك " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرارا غير فرار، لا يرجع حتي يفتح الله علي يديه ". [537] وهكذا من النصوص المسلمة وما هو مشهود من حاله عليه السلام، لا يرتاب فيه من له أدني اطلاع بحاله.

في أن الآية الكريمة صريحة في اختصاص الولاية التامة والإمامة الكبري به

وإذا تبين لك ما بيناه، فاعلم أن الآية الكريمة صريحة في اختصاص الولاية التامة والإمامة الكبري، والخلافة العظمي بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام، لأن الولي وإن أطلق علي معان متعددة: مالك الأمر، والصديق، والمحب، والناصر، إلا أن المعني الشائع المنصرف إليه الاطلاق هو الأول، فولي الصغير من يملك أمره وولي المرأة من يملك تدبير نكاحها، وولي الدم من كان له المطالبة بالقود، وولي العهد من يملك عهد السلطنة، وهكذا من الموارد.

الولي في الآية بمعني أولي وأحق من وجهين

في مجمع البيان: " قال المبرد في كتاب العبارة عن صفات الله: أصل الولي الذي هو أولي - أي أحق - ومثله المولي " انتهي. [538] فالولي بمعني أولي وأحق، هو الظاهر، مع قطع النظر عن قرائن المقام، وأما بملاحظتها فهو متعين، وهي في المقام من وجهين: الأول: أنه كما تكون إضافة الولي إلي من له حاجة إلي من يقوم بأمره قرينة معينة عند أهل العرف علي إرادة مالك الأمر، كولي الصغير، [ صفحه 321] وولي المرأة، بحيث لا يحتمل أحد أن يراد من العبارتين محبهما، أو ناصرهما، أو صديقهما، أو جارهما، ويحكمون قطعا بأن المراد منه مالك الأمر. فكذلك إسناد الولي إلي من كانت سلطنته ثابتة علي الطرف عقلا، أو شرعا، أو عرفا، قرينة معينة عندهم علي إرادة مالك الأمر. ألا تري أنك إذا قلت: ولي الرعية السلطان، وولي عهده والقائم مقامه من بعده، لا يحتمل أحد أن يكون المراد منه المحب أو الناصر مثلا، بل يحكمون جزما بأن المراد منه مالك الأمر، والمقام من هذا القبيل، فإن سلطنته تعالي شأنه ثابتة علي الخلق عقلا بالضرورة، وكذا سلطنة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم علي الأمة من حيث رسالته وخلافته عن الرب تعالي شأنه، فيتعين الولي حينئذ في المقامين في مالك الأمر، وعطف: " الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة... " الآية عليه تعالي شأنه أو علي رسوله، يوجب اشتراك المعطوف مع المعطوف عليه في الحكم كما هو ظاهر، فتعين أن تكون الولاية الثابتة لمن آتي الزكاة في حال الركوع هي الولاية الثابتة له تعالي، ولرسوله صلي الله عليه وآله وسلم وهي الولاية بمعني الأحقية والأولوية وملك الأمر. والثاني: أداة الحصر، وهي كلمة " إنما " المفيدة للحصر باتفاق أهل العربية، بل بالضرورة فإن الولاية بمعني سائر المعاني لا تنحصر فيه تعالي شأنه وفي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم والمؤمن الموصوف بأنه يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة في حال الركوع، فتحقيق معني الحصر يوجب القطع بأن المراد بالولاية إنما هي ولاية الأمر، وأولوية التصرف. فإن قلت: الظاهر بقرينة الآية السابقة عليه بأربع آيات، وهو قوله [ صفحه 322] تعالي: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصاري أولياء... " [539] والآية اللاحقة عليه بآيتين، وهو قوله تعالي: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا... " إلي قوله تعالي: " والكفار أولياء " [540] إن المراد من الولاية هنا المحبة، لأن المنهي عنها بالنسبة إلي اليهود والنصاري والكفار إنما هي الولاية، بمعني المحبة لا بمعني الأولوية، لأن المؤمنين لم يتخذوهم أولي الأمر حتي ينهوا عنه فحينئذ يحكم بأن المراد من الولاية في الجميع بمعني المحبة، والحصر إنما يكون مجازيا لا حقيقيا. قلت: مجرد كون الولي في آية أخري سابقة أو لاحقة غير مربوطة بهذه الآية بمعني المحب، لا يوجب أخذ الولي في هذه الآية بمعناه أيضا، مع أن المناسب للسابقة واللاحقة أخذ الولي هنا بمعني ولي الأمر، والأولي والأحق بالأمور. فهي إرشاد للمؤمنين بأن ولي أمركم هو الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم والمؤمن الموصوف بما وصفه، وأنتم تحت ولاية أمرهم، ولا اختيار لكم في اتخاذ المودة بينكم وبين من كفر بهم ووجب عليكم إطاعة مواليكم، والائتمار بأمرهم، والانتهاء عما نهوا عنه، فالآية تأكيد وتثبيت للنهي السابق واللاحق. ثم إن التجوز في الحصر لا يكون إلا علي سبيل التنزيل، [541] ضرورة أن [ صفحه 323] التجوز في الحروف إنما يكون بتبع مدخولها، فما لم ينزل المدخول منزلة المحصور فيه لا يصح دخول أداة الحصر. وحصر الولي فيه تعالي شأنه وفي رسوله، والمؤمن الموصوف بما وصفه لو كان تنزيليا بأخذ الولي بمعني المحب أو الناصر - مثلا - إنما يصح إذا نزلت محبتهم ومودتهم منزلة جميع من وجبت مودتهم ومحبتهم من المؤمنين، وهذا لا يتم إلا بأن يكون المؤمن الموصوف بما وصفه قريبا لرسوله صلي الله عليه وآله وسلم خليفة عنه، وحجته علي عباده وإلا فلا مجال للتنزيل. وجعله قرينا لرسوله صلي الله عليه وآله وسلم في حصر المحبة فيه، وثبوت الخلاف له صلي الله عليه وآله وسلم بالآية الكريمة يقتضي اختصاصها به، لعدم النص علي خلافة الخلفاء الثلاثة بالضرورة، وباعتراف الخصم، مع أن حصر الولاية بعده تعالي شأنه وبعد رسوله صلي الله عليه وآله وسلم في المؤمن الموصوف بما وصفه، ولو كان تنزيليا لا يجامع مع كونهم عند الله تعالي مستحقين لمقام الخلافة بل وجب حينئذ أن يقرنهم بالرسول كما قرن به المؤمن الموصوف بما وصفه. فإن قلت: الحصر لا يتم علي مذهبكم أيضا، لا تحقيقا، ولا تنزيلا، لأن الإمامة والخلافة لا تنحصر في واحد باعتقادكم، بل عدد الأئمة عندكم اثنا عشر، كعدد الشهور، وعدد أسباط بني إسرائيل. قلت: إنما لا يصح حصر الولاية في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام إذا كانت إمامة كل واحد من الأئمة عليهم السلام في عرض إمامة الآخر كاستحقاق الشركاء بالنسبة إلي ما اشتركوا فيه، وأما إذا كانت إمامة كل واحد منهم علي سبيل الترتيب، بأن يكون الإمام في كل عصر واحد، أو يكون كل منهم قائما مقام [ صفحه 324] الآخر، فيصح حصر الولاية في المترتب عليه لرجوع ولاية المترتبين إلي ولايته عليه السلام، فيصح حصر الولاية في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لرجوع ولاية سائر الأئمة عليهم السلام إلي ولايته عليه السلام، كما يصح حصر الولاية في الرسول صلي الله عليه وآله وسلم باعتبار رجوع ولاية الجميع إلي ولايته، كما يصح حصر الولاية في الله تعالي شأنه لأنه الأصل في الولاية، وولاية الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وولاية الأئمة عليهم السلام مترتبة علي ولايته عز وجل. نعم لا يصح حصر الولاية في المرتب لعدم رجوع ولاية المترتب عليه إلي ولايته، فالحصر إنما لا يتم علي مذهب الخالفين الذين جعلوا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام متأخرا عن خلفائهم، وأما علي مذهبنا من أنه صلي الله عليه وآله وسلم أول الخلفاء، وسيد الأوصياء عليهم السلام، فالحصر تام ولا غضاضة فيه بوجه. فاتضح بحمد الله تعالي غاية الاتضاح بما بيناه أن الآية الكريمة صريحة الدلالة في اختصاص الإمامة بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام. والحمد لله الذي أوضح الحق لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد. [ صفحه 325]

في تفسير قوله تعالي: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس

اشاره

المائدة: 71. وقد ذكر في غاية المرام تسعة أحاديث من طريق العامة في تفسيره. فقال الأول: الثعلبي في تفسير هذه الآية، قال: قال أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام: " معناه بلغ ما أنزل إليك في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام، وفي نسخة أخري أنه عليه السلام قال: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك في علي عليه السلام، وقال: هكذا نزلت، رواه (كذا) جعفر بن محمد عليه السلام فلما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بيد علي عليه السلام وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". [542] وقال الثاني: قال أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد القاضي، حدثنا أبو الحسين محمد بن عثمان النصيبي، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين، عن حسان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله تعالي: " يا [ صفحه 326] أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " الآية، نزلت في علي بن أبي طالب، أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأن يبلغ فيه، فأخذ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بيد علي عليه السلام وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ". [543] وقال الثالث: كشف الغمة، عن زربن عبد الله، قال: كنا نقرأ علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " أن عليا مولي المؤمنين. " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ". [544] ثم سرد الروايات إلي آخرها.

ينبغي التكلم في أمور ثلاثة

اشاره

أقول: ينبغي التكلم هنا في أمور ثلاثة: الأول: في أن الآية الكريمة إنما نزلت في ولاية مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في غدير خم. والثاني: فيما بلغه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم من الله تعالي في هذا المكان، في شأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام. والثالث: في أن ما بلغه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في شأنه عليه السلام صريح في الإمامة والخلافة.

في أن الآية الكريمة نزلت في ولاية علي في غدير خم

أما الأمر الأول: فقد استفاضت الروايات من الطريقين مسندة إلي أهل البيت عليهم السلام، وابن عباس وجابر، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة: إن الآية إنما نزلت فيه عليه السلام في غدير خم، [545] بل الروايات من طريقنا عن [ صفحه 327] أهل البيت عليهم السلام متواترة، مع أن الآية الكريمة تدل من وجهين علي أن المنزل من الرب تعالي، والمأمور بتبليغه إنما هي الولاية. توضيح الحال: إنه يظهر من الآية الكريمة أمران: الأول: اهتمامه تعالي شأنه بما أنزله إلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم في هذه الموارد أشد من اهتمامه بسائر ما أنزله علي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، حيث نفي رسالته رأسا لو لم يبلغ هذا الحكم بخصوصه. والثاني: أن تبليغه كان ثقيلا علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم لخوفه من استنكاف الناس عن قبوله، وإيذائهم له، حيث هدده تعالي شأنه وأوعده في ترك تبليغه بقوله عز وجل: " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " فإنه لا يقال مثل هذا التعبير إلا إذا كان الأمر ثقيلا علي الطرف. ومن المعلوم أنه لا ثقل علي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في تبليغ ما أمر به الرب تعالي من قبل نفسه، وإنما يكون الثقل من طرف الناس، ولذا عصمه تعالي منهم، وقال تعالي شأنه: " والله يعصمك من الناس " وكل منهما يدل علي أن المنزل إليه هي الولاية والخلافة. بيانه: إن سورة المائدة آخر سورة نزلت علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولذا نسخت ما قبلها، ولم ينسخها شئ، [546] فخوفه صلي الله عليه وآله وسلم ليس من المشركين لأن من لم يسلم منهما كانوا مقهورين في زمان نزول السورة، فهذا الخوف إنما هو بالنسبة إلي من أسلموا بأفواههم، ولم يؤمنوا بقلوبهم، والذي يظهر من الأخبار، وتاريخ حالاتهم أن الذي استنكف مثل هؤلاء المسلمين عنه إنما هو ولاية مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ولم يكن شئ أثقل عليهم من قبول ولايته، [ صفحه 328] ولم يكن لهم معارضة مع الصلاة، والصوم، والحج، والجهاد، والخمس، والزكاة، وهكذا من الأحكام، نعم منعوا الخمس، لأجل الولاية أيضا، وكفي بذلك شاهدا قضية الحارث بن النعمان الفهري التي رواها الفريقان. [547] وملخصه لما كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بغدير خم نادي الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي عليه السلام فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه " فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فأتي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي ناقة له، حتي أتي إلي الأبطح، فنزل عن ناقته فأناخها، فجاء إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والرسول في ملأ من أصحابه، فقال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله فقبلنا، وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلنا، وأمرتنا بالحج فقبلنا، ثم لم ترض لهذا حتي رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا وقلت: " من كنت مولاه " فهذا شئ منك أم من الله عز وجل؟ فقال: " والذي لا إله إلا هو إن هذا من الله " فولي الحارث يريد راحلته، وهو يقول: " اللهم إن كان ما يقول محمد حقا، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " فما وصل إليها حتي رماه الله تعالي بحجر فسقط علي هامته، وخرج من دبره، فقتله، وأنزل الله عز وجل: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع [548] [549] . فتبين أن الذي أمر بتبليغه من الرب تعالي وخاف الرسول صلي الله عليه وآله وسلم من الناس في تبليغه، فوعده الله تعالي العصمة منهم، وأكد تبليغه غاية التأكيد [ صفحه 329] بحديث جعله بمنزلة تمام الدين، إنما هي الولاية والخلافة، لأن تبليغ غيرها من الأحكام لم يكن محلا لخوف الرسول صلي الله عليه وآله وسلم من الناس. كما أن هذا الاهتمام والتأكيد لا يناسب غير الولاية من سائر الأحكام، إذ لا يكون منزلة غيرها من الأحكام بهذه المثابة، بحيث لو ترك ترك الجميع، وإنما يناسب هذا الاهتمام الولاية والخلافة، حيث يكون الدين محفوظا من الضياع بنصب الخليفة وتعيينه من قبله تعالي، ومعرضا للضياع من حيث الزيادة والنقصان بتركه هذا. ولا بأس بذكر التفاسير المخالفة للروايات، وبيان ما فيه. ففي مجمع البيان: أكثر المفسرون فيه الأقاويل. فقيل: إن الله تعالي بعث النبي صلي الله عليه وآله وسلم برسالة ضاق بها ذرعا، وكان يهاب قريشا، فأزال الله بهذه الآية تلك الهيبة، عن الحسن. وقيل: يريد به إزالة التوهم من أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كتم شيئا من الوحي للتقية، عن عائشة. وقيل غير ذلك. [550] وروي العياشي في تفسيره، بإسناده عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وجابر بن عبد الله، قالا: أمر الله محمدا صلي الله عليه وآله وسلم أن ينصب عليا للناس، فيخبرهم بولايته، فتخوف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يقولوا: حابي ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحي الله إليه الآية، فقام بولايته يوم غدير خم. [551] وهذا الخبر - بعينه - قد حدثناه السيد أبو الحمد عن الحاكم أبي القاسم [ صفحه 330] الحسكاني، بإسناده عن ابن أبي عمير، في كتاب شواهد التنزيل، انتهي. [552] أقول: أما ما عن الحسن فلا يخالف ما في الروايات، غاية الأمر أنه لم يعين شأن النزول، إما لجهله بمحله، أو تقية من الناس، أو موافقة مع هو أهم، والظاهر أحد الأخيرين، بل الأخير كما يظهر من خبر العياشي، بإسناده عن زياد بن المنذر أبي الجارود صاحب الزيدية الجارودية، قال: كنت عند أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام بالأبطح، وهو يحدث الناس، فقام إليه رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعشي، كان يروي عن الحسن البصري، فقال: يا ابن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جعلت فداك، إن الحسن البصري يحدثنا حديثا يزعم أن هذه الآية نزلت في رجل، ولا يخبرنا من الرجل: " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " تفسيرها: أتخشي الناس، فالله يعصمك من الناس، فقال أبو جعفر عليه السلام: ماله لا قضي الله دينه " انتهي ما أردناه. [553] وأما ما عن عائشة فبعيد عن الآية أبعد مما بين السماء والأرض، إذ لو كان الفرض ما ذكر لكان حق العبارة: يا أيها الناس بلغ الرسول ما أنزل إليه من ربه جميعا بصيغة الماضي ونحو ذلك، لا أمر رسوله صلي الله عليه وآله وسلم بالتبليغ وإيعاده علي تركه، ولعل نسبته إلي عائشة خطأ. ثم إنه ينبغي التنبيه علي بعض خصوصيات الآية الشريفة. فأقول: عبر بالرسول دون النبي ونحوه، لأن المناسب لمقام التبليغ ذكر وصف الرسالة، سيما إذا كان التبليغ مهتما به في الغاية كالمقام، وبصيغة التفعيل دون الأفعال، لكمال الاهتمام ببلوغ المنزل إلي الأمة، فناسب التعبير [ صفحه 331] بصيغة التفعيل الدالة علي اتصاف المحل بالمبدأ، دون صيغة الأفعال الدالة علي مجرد إيصال المبدأ بالمحل، وبصيغة المجهول في " أنزل " تنبيها علي أن الاهتمام التام الذي سيق له الآية إنما هو بشأن المنزل، مع قطع النظر عن الإسناد إلي الفاعل. ثم أتي عز وجل بقوله: " من ربك " تصريحا بأن إنزال هذا الأمر المهم إنما هو من طرف الرب تعالي، دفعا لتوهم الجهلة من الأمة. ويستفاد من الآية الكريمة أن إنزال هذا الأمر المهم كان قبل نزولها، وأخر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم تبليغه خوفا من استهزاء الجهلة منهم، وانتظارا لأن تأتيه العصمة من الله تعالي، وأكد الله تبليغه بهذه الآية، وأوعد رسوله صلي الله عليه وآله وسلم علي ترك تبليغه وأعطاه العصمة من الناس. وفي روايات أهل البيت عليهم السلام إنه كان نزول آية الولاية يوم عرفة فخشي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا ويرجعوا إلي الجاهلية فسأل جبرائيل أن يسأل ربه العصمة من الناس، وانتظر أن يأتيه جبرائيل بالعصمة من الناس من الله جل اسمه، فأخر ذلك إلي أن بلغ مسجد الخيف، فأتاه بالولاية، ولم يأته العصمة، فأخر تبليغها حتي أتي " كراع الغميم " بين مكة والمدينة، فأتاه جبرائيل وأمره بالذي أتاه به من قبل الله، ولم يأته بالعصمة. فقال: يا جبرائيل إني أخشي قومي أن يكذبوني، ولا يقبلوا قولي في علي عليه السلام فرحل، فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرائيل علي خمس ساعات مضت من النهار بالزجر، والانتهار، والعصمة من الناس، فقال: يا محمد إن الله تعالي يقرؤك السلام، ويقول لك: " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في - علي - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ". [ صفحه 332]

فيما بلغه الرسول من الله في هذا المكان

وأما الأمر الثاني: [554] فقد تواترت الأخبار من الطريقين علي أنه عليه السلام نص علي ولاية مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في منصرفه من حجة الوداع في غدير خم، وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، وقد ذكر في غاية المرام [555] من طريق العامة تسعة وثمانين حديثا، فقال: الأول: من مسند أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا زيد بن علي بن ثابت، عن البراء بن عازب، قال: كنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في سفره فنزلنا بغدير خم ونودي فينا الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تحت شجرة، فصلي الظهر، وأخذ بيد علي عليه السلام فقال: " ألستم تعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلي، قال: ألستم تعلمون أني أولي بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلي، وأخذ بيد علي عليه السلام فقال لهم: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) قال: فلقاه عمر، فقال: هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولي كل مؤمن ومؤمنة. [556] الثاني: أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا أبو عوانة عن المغيرة، قال: حدثنا أبو عبيدة عن ابن ميمون بن عبد الله، قال: قال زيد بن أرقم وأنا أسمع: نزلنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بواد يقال له: وادي " خم " فأمر بالصلاة فصلاها، قال: فخطبنا - وظلل لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بثوب علي شجرة من الشمس - فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: أو لستم تعلمون، أو لستم تشهدون أني أولي بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا بلي، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، [ صفحه 333] اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ". [557] الثالث: عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عبد الله بن نعيم عن أبيه، قال: حسين بن محمد، وأبو نعيم، قالا حدثنا قطر عن أبي الطفيل، قال: جمع علي عليه السلام الناس في الرحبة، ثم قال: " أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: يوم غدير خم: ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس، قال أبو نعيم: فقام أناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: أتعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قال: " من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ". [558] ثم سرد الروايات إلي آخرها. والثامن منها: أحمد بن حنبل، قال: حدثنا ابن نمير، قال: حدثنا عبد الملك بن عطية العوفي، قال: أتيت زيد بن أرقم فقلت: إن خالي حدثني عنك بحديث في شأن علي يوم غدير خم، فأنا أحب أن أسمعه منك، فقال: معشر أهل الكوفة فيكم ما فيكم، فقلت: ليس عليك مني بأس، قال: نعم كنا بالجحفة فخرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ظهرا وهو آخذ بيد علي عليه السلام فقال: " يا أيها الناس ألستم تعلمون أني أولي المؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه " قال: فقلت له: هل قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه "؟ قال: إنما أخبرك ما سمعت. [559] وقال: الخامس والعشرون منها، من الجمع بين الصحاح الستة، من [ صفحه 334] الجزء الثالث، من جمع أبي الحسن رزين العبدري - إمام الحرمين - في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وذلك علي حد ثلث الكتاب من صحيح أبي داود السجستاني، وهو كتاب السنن، ومن صحيح الترمذي، قال عن أبي سرحة، وزيد بن أرقم: أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". [560] وقال: الثامن والعشرون منها، أبو الحسن الشافعي، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن طاوان قال: أخبرنا أبو الخير أحمد بن الحسين بن السماك، قال: حدثني أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير الجلدي، حدثني علي بن سعيد بن قتيبة الرملي، قال: حدثني حمزة بن ربيعة القرشي عن ابن شوذب، عن مطرق الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: " من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا، وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلي الله عليه وآله وسلم بيد علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: " ألست أولي بالمؤمنين "؟ قالوا: بلي يا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصحبت مولاي ومولي كل مؤمن ومؤمنة فأنزل الله تعالي: " اليوم أكملت لكم دينكم ". [561] وقال: الأربعون منها، ابن المغازلي عن أحمد، وانتهي الإسناد إلي زيد بن أرقم، قال: نشد علي عليه السلام الناس في المسجد فقال: أنشد الله رجلا سمع النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه " فكنت أنا فيمن كتم فذهب بصري. [562] . [ صفحه 335] وقال: الحادي والأربعون منها، ابن المغازلي، عن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن طاوان، قال: أخبرنا الحسين بن محمد العلوي العدلي الواسطي، يرفعه إلي عطية العوفي، قال: رأيت ابن أبي أوفي في دهليز بعد ما ذهب بصره، فسألته عن حديث فقال: إنكم - يا أهل الكوفة - فيكم ما فيكم، قال: قلت أصلحك الله إني لست منهم، ليس عليك مني عار، قال: أي حديث؟ قال: قلت حديث علي عليه السلام يوم غدير خم، فقال: خرج علينا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في حجه يوم غدير خم، وهو آخذ بعضد علي عليه السلام فقال: " يا أيها الناس ألستم تعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي يا رسول الله، فقال: " من كنت مولاه فهذا مولاه ". [563] وقال: الحادي والخمسون منها، من كتاب " الأنساب " لأحمد بن يحيي بن جابر البلاذري في الجزء الأول في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال علي عليه السلام علي المنبر: أنشدت الله رجلا سمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: يوم غدير خم " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، إلا قام فشهد، وتحت المنبر أنس بن مالك، والبراء بن عازب، وجرير بن عبد الله البجلي، فأعادها، فلم يجبه أحد. فقال: " اللهم من كتم هذه الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتي تجعل به آية يعرف بها " فبرص أنس، وعمي البراء، ورجع جرير أعرابيا بعد هجرته، فأتي السراة فمات في بيت أمه. [564] وقال: والرابع والثمانون منها، ابن أبي الحديد في الشرح، قال: ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أن عدة من الصحابة، والتابعين، والمحدثين كانوا منحرفين عن علي عليه السلام قائلين فيه السوء، ومنهم من كتم مناقبه، وأعان [ صفحه 336] أعداءه، ميلا مع الدنيا، وإيثارا للعاجلة، فمنهم: أنس بن مالك، ناشد علي عليه السلام في رحبة القصر - أو قال في رحبة الجامع بالكوفة -: أيكم سمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: " من كنت مولاه فعلي عليه السلام مولاه " فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها، وأنس بن مالك في القوم لم يقم، فقال له: يا أنس ما يمنعك أن تقوم فتشهد، فلقد حضرتها، فقال: يا أمير المؤمنين عليه السلام كبرت ونسيت، فقال: " اللهم إن كان كاذبا فارم بها بيضاء لا تواريها العمامة " قال طلحة بن عمر: فوالله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه. وروي عثمان بن مطرف أن رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: إني آليت ألا أكتم حديثا سألت عنه في علي عليه السلام بعد يوم الرحبة: ذاك رأس المتقين يوم القيامة. سمعت والله من نبيكم صلي الله عليه وآله وسلم. [565] أقول: ومن الكاتمين بل الآمرين بإنكار خبر الغدير مع معرفته به أبو حنيفة أحد أئمة العامة. فقد روي شيخنا المفيد في أماليه مسندا إلي محمد بن نوفل بن عابد الصيرفي، قال: دخل علينا أبو حنيفة النعمان بن ثابت، فذكرنا أمير المؤمنين ودار بيننا كلام في غدير خم، فقال أبو حنيفة: قد قلت لأصحابنا لا تقروا لهم بغدير خم، فيخصموكم، فتغير وجه الهيثم بن حبيب الصيرفي، وقال: لم لا تقرون به، أما هو عندك يا نعمان، قال: هو عندي، وقد رويته، فقال: لم لا تقرون به، وقد حدثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم: أن عليا عليه السلام أنشد الله في الرحبة من سمعه، فقال أبو حنيفة: [ صفحه 337] أفلا ترون أنه قد جري في ذلك خوض، حتي شد علي الناس لذلك، فقال الهيثم: فنحن نكذب عليا أو نرد قوله، فقال أبو حنيفة: ما نكذب عليا ولا نرد قولا قاله، ولكنك تعلم أن الناس قد غلا منهم قوم، فقال الهيثم: يقول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويخطب به، ونشفق نحن منهم ونتقيه بغلو غال أو قول قائل [566] هذا. ويظهر من الأخبار أنه بعد ما استولي الخلفاء علي الخلافة، بني غالب الناس علي كتمان مناقبه عليه السلام تمايلا معهم، سيما خبر الغدير لكمال صراحته، ووضوح دلالته علي اختصاص الولاية والخلافة به عليه السلام. إذ بعد ما ظهر لك أن أنس بن مالك، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب ممن عرف صحبتهم للنبي صلي الله عليه وآله وسلم كانوا ممن كتموا شهادتهم في خصوص خبر الغدير في زمان سلطة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وفي محضره مع مناشدته عليه السلام حتي دعا عليه السلام فبرص أنس وذهب بصر الآخرين فرووا الخبر بعد ذلك، فما ظنك بسائر الناس، مع قلة المتقين في كل زمان، وغلبة ميل الناس مع الأمراء والملوك، ولكنه بحمد الله تعالي قد ظهر في خصوص خبر الغدير، مع شدة كتمان الناس إياه ما يبلغ التواتر من طريق العامة. وقد قال في غاية المرام - بعد تسعة وثمانين حديثا من طريقهم - " أن محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ أخرج خبر غدير خم، وطرقه من خمسة وسبعين طريقا، وأفرد له كتابا سماه " كتاب الولاية " وهذا الرجل عامي المذهب، وذكر أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة خبر يوم الغدير، وأفرد له كتابا وطرقه من مائة وخمسة طرق " انتهي. [567] . [ صفحه 338] وأشعار حسان بن ثابت من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم التي أنشدها في هذا اليوم مشهورة، قد ذكرها المخالف والمؤالف في رواياتهم. ففي رواية الحمويني وموفق بن أحمد: فقال حسان بن ثابت: ائذن لي يا رسول الله، فأقول في علي عليه السلام أبياتا تسمعها، فقال صلي الله عليه وآله وسلم: قل علي بركة الله، فقام حسان بن ثابت فقال: يا معشر مشيخة قريش اسمعوا قولي شهادة من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الولاية الثابتة فقال: يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم وأسمع بالرسول مناديا وقال فمن مولاكم ووليكم فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت ولينا ولا تجدن في الخلق للأمر عاصيا فقال له قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماما وهاديا [568] . وبالجملة: لا ريب في أصل الخبر، ولا ينكره إلا معاند مكابر، ولا حاجة إلي ذكر الروايات من طريقنا، ولكن نتبرك بذكر واحد منها. ففي غاية المرام: عن ابن بابويه، تال: حدثني أبي رحمه الله قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد القبطي، قال: قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: " أغفل الناس قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في علي بن أبي طالب عليه السلام في مشربة أم إبراهيم، كما أغفلوا قوله يوم غدير خم أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان في مشربة أم إبراهيم، وعنده أصحابه، إذ جاء علي عليه السلام فلم يفرجوا له فلما رآهم لا يفرجون له، قال: يا معاشر الناس هذا أهل بيتي تستخفون بهم وأنا حي بين أظهركم! أما والله لئن غبت عنكم إن الله لا يغيب عنكم، إن الروح والراحة، والبشر [ صفحه 339] والبشارة لمن ائتم بعلي وتولاه، وسلم له، وللأوصياء من ولده، حقا علي أن أدخلهم في شفاعتي، لأنهم أتباعي، ومن تبعني فإنه مني، سنة جرت في أبي إبراهيم، لأني من إبراهيم وإبراهيم مني، وفضلي له فضل، وفضله فضلي، وأنا أفضل منه، تصديق قول ربي " ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " [569] [570] .

في أن ما بلغه في غدير خم صريح في الإمامة

وأما الأمر الثالث، وهي صراحة الخبر الشريف في إمامة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وخلافته عن الرسول بلا فصل، فمما لا ريب فيه، ولذا بني أوائلهم علي كتمان الخبر، أو إنكاره لو وجدوا إليه سبيلا، ولم ينقل منهم مناقشة في دلالته، وأما الأواخر فلما رأوا أنه بعد الكتمان الشديد من أوائلهم قد ظهر الخبر ظهور المتواترات، ولم يمكنهم إنكاره، وإن أنكره بعض معانديهم - علي ما نقل - بنوا علي المناقشة في الدلالة فناقشوا فيه من وجوه.

جواب المناقشات في دلالة حديث الغدير

الأول: أن " المولي " من الألفاظ المشتركة بين معان عديدة: السيد، والعبد، والجار، والحليف، والمعتق، والناصر، والمحب، والصديق... وهكذا، ولا يكون هناك قرينة جلية علي إرادة الأولي بالتصرف منه كما ذكره الشيعة، فيصير اللفظ مجملا حينئذ ولا يصح الاستدلال به علي إرادة أحد المعاني بعينه. والثاني: ما نقل عن الفخر الرازي من أن المولي لم يأت لغة وعرفا بمعني الأولي بالتصرف، حتي يحتمل الحمل عليه [571] . [ صفحه 340] والثالث: إنه مع تسليم دلالة الخبر علي الإمامة والخلافة، لا دلالة له علي ثبوتها له عليه السلام بلا فصل، حتي ينافي مذهب العامة، لأن إمامته في الجملة مسلمة بين الفريقين، والخبر لا دلالة له علي أزيد من ثبوت الإمامة له عليه السلام. أقول: توهم أن المولي من الألفاظ المشتركة، وهم ظاهر، أما هيئة، فلظهور أن هيئته هيئة مفعل، وهي في جميع الموارد إنما تفيد نسبة المبدأ إلي شئ علي وجه المحلية زمانا أو مكانا، وأما مادة، فلأن مادته الولي - وهي كما قال في المصباح المنير - [572] مثل فلس: القرب، ولم يذكر له سوي هذا المعني، وإنما ذكر بعده موارد استعمالاته. والتحقيق أنه بمعني القرب بلا فصل، حسا أو معني، كما يشهد به الاطراد في موارد استعمالاته. ومن الموارد التي ينطبق فيها هو علي القرب الحسي الموالاة بين الفعلين، فإنها عبارة عن إتيان أحدهما عقيب الآخر بلا فصل، ومن هذا الباب قولك: توالت الأخبار، وقولك: مما يليه، أي يقاربه، وجاءوا ولاء، أي متتابعين، ومن الموارد التي ينطبق فيها علي القرب المعنوي الموالاة بين شخصين، بمعني المحبة أو النصرة أو السلطنة، وهكذا، فإنها أسباب للقرب المعنوي بين الطرفين، ويكون كل منهما طرفا للولاء، ومحلا، فانطباق المولي علي السيد والعبد باعتبار أن كلا منهما طرف لولاء الملك والسلطنة، لا أنه من الأضداد حينئذ، غاية الأمر أنه يختلف الطرفان في الطرفية، فأحدهما حبل السلطنة بيده، والآخر في رقبته. وأما إطلاق التولي عن الشئ علي الإعراض والإدبار عنه، فهو من [ صفحه 341] جهة كلمة " عن "، فإن العطف عن الشئ إعراض وإدبار عنه، كما أن الرغبة عنه كذلك: فالمعني الأصلي، وهو القرب والعطف محفوظ في جميع الموارد، ولا يختلف باختلافها، وإنما تختلف الخصوصيات الطارئة علي أصل المعني باختلاف الموارد، واختلاف التعدية ب " عن " وغيره، فيتوهم الجاهل أن المعني يختلف في الموارد، ويكون اللفظ مشتركا لفظيا بين معان عديدة. وإذ تبين لك ذلك فقد تبين لك أنه لا مجال لما توهمه من الاجمال، لعدم تعدد المعني الأصلي الذي يستعمل فيه اللفظ، حتي يتطرق الاجمال في المستعمل فيه عند عدم القرينة المعينة. هذا بالنسبة إلي أصل المعني. وأما بالنسبة إلي الخصوصيات الطارئة باختلاف الموارد، فالأمر أوضح، لظهور لفظ المولي في مالك الأمر، والأولي بالتصرف في حد نفسه، مع قطع النظر عن المورد، لانصراف اللفظ إليه عند الاطلاق، مع قطع النظر عن خصوصية المورد، وقد صرح به المبرد - علي ما نقله عنه صاحب المجمع [573] ، كما عرفت - وكمال ظهوره، بل صراحته فيه باعتبار المورد، لأن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم الذي هو أولي بالمؤمنين من أنفسهم، إذا قال للأمة: " من كنت مولاه " لا يفهم منه في العرف إلا الولاية والسلطنة الإلهية، كما أن السلطان إذا قال للرعية: من كنت مولاه، فابني أو أخي أو ابن عمي مولاه، لا يفهم منه عند العرف إلا ولاية السلطنة، وتعيين الخليفة لنفسه وصراحته، بل كمال الصراحة باعتبار صدر الخبر، وهو قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " ألست أولي بكم من [ صفحه 342] أنفسكم "؟ فإن الاستفهام في المقام ليس إلا للتقرير، فهو صلي الله عليه وآله وسلم أخذ منهم الاقرار أولا بولايته عليهم من قبل الرب تعالي بقولهم: " اللهم نعم " ثم قال بعد إقرارهم بالولاية: " من كنت مولاه فعلي مولاه " فأي قرينة أجلي وأبين منه في أن المراد من هذه الولاية: الولاية والسلطنة الإلهية؟! ولا ينافي ما بيناه عدم ذكر بعض الرواة صدر الخبر اختصارا، أو نسيانا، أو لغرض آخر، لأن ذكره في كثير منها كاف للاعتبار، وصيروته قرينة لتعيين كيفية الولاية المتعرضة لصدر الحديث الشريف، والساكتة عنه، حتي يتوهم سقوطه عن الاعتبار، باعتبار المعارضة، إذ لا معارضة بين الروايات. وبما بيناه ظهر أنه لا إجمال في الحديث، وإن سلمنا الاشتراك اللفظي في لفظ المولي، للجهات الثلاثة المذكورة: انصراف لفظ المولي في حد نفسه إلي الأولي بالتصرف، وتعينه له ظهورا وصراحة باعتبار المورد، وصدر الخبر هذا. وأما مناقشة الرازي فهو تشكيك في البديهيات؟ لأنه إن أراد من عدم مجئ المولي بمعني الأولي بالتصرف لغة ولا عرفا أنه لم يرد منه الأولي بالتصرف في استعمالاتهم، ولو علي سبيل الاطلاق فهو بديهي البطلان، لأن إطلاق المولي علي السيد ومالك الرقبة الذي هو الأولي بالتصرف من العبد في أمره، من الاطلاقات الشائعة التي لا تقبل الانكار، بل هو المتبادر عند الاطلاق، وإن أراد منه عدم مجئ هيئة مفعل، بمعني هيئة التفضيل، فهو صحيح، ولا ينفعه، لأن إطلاق المولي علي السيد، ومالك الأمر الذي هو أولي بالتصرف إنما هو باعتبار أنه محل لولاء العبد، من حيث كونه آخذا بحبله المستتبع لا ولويته بالتصرف في أمر المأخوذ، لا باعتبار مجئ [ صفحه 343] هيئته بمعني هيئة أخري، حتي يقال إنه لم يعهد ذلك لغة ولا عرفا. والحاصل أن إطلاق المولي علي الأولي بالتصرف كإطلاقه علي المعتق والصديق، والجار، والحليف، والناصر، وابن العم، وهكذا من باب انطباق محل الولاء عليه، فلا معني لتسليم سائر الموارد، وإنكار هذا المورد بخصوصه، مع أنه أظهر إطلاقاته، وأشيعها. وأما المناقشة الثالثة فيكفي في رفعها ما بيناه كرارا، من أن دلالة النص علي إمامته وخلافته عليه السلام تكفي في اختصاصها به، إذ لا مجال للبيعة، ونصب الغير، والشوري، مع وجود النص من قبله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم مع أن دلالة الخبر الشريف علي عموم ولايته لمن كان تحت ولاية الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، وعدم استثناء الخلفاء منه مع حضورهم في مجلس الخطاب، تصريح بعدم الفصل، إذ لا ولاية للمتأخر علي المتقدم، فلو كانوا مقدمين علي مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لوجب استثناؤهم منه. وأغرب شئ في المقام ما نقل عن بعض الجهلة: من أن المولي في الخبر الشريف بمعني من كان له ولاء الإرث، فلا دلالة علي ما ذهبت إليه طائفة الشيعة. لأن ظهور اللفظ انصرافا وصراحة، موردا وصدرا، في الأولي بالتصرف - كما عرفت - مانع من إرادة معني آخر. مع أن ولاء الإرث ينحصر في ثلاثة: ولاء العتق، وولاء ضمان الجريرة، وولاء الإمامة، ولا ينطبق ما ذكره علي شئ منها. لأنه إن أريد منه ولاء الإمامة، فهو تصديق بالمطلوب، لا رد له، وإن أريد ولاء ضمان الجريرة فهو باطل من وجهين: الأول: أن عقد ضمان الجريرة لا يتطرق في النبي صلي الله عليه وآله وسلم لأن من شرطه أن لا يكون للمضمون عنه وارث نسبا وسببا، ومع وجود هذا الشرط يكون [ صفحه 344] المال له صلي الله عليه وآله وسلم بالإمامة والولاية، فلا مجال لتأثير عقد الضمان حينئذ بالنسبة إليه. والثاني: أن ولاء ضمان الجريرة لا يتعدي عن الضامن بالضرورة، واتفاق المسلمين، فلا مجال لجعله لغيره إرثا. وإن أريد ولاء العتق، فهو لعصبة المعتق من قبل أبيه، ويشترك فيه العباس وبنوه وعقيل، ولا يختص بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام حينئذ ولا يتقدم في هذا المقام العصبة من قبل الأب والأم علي العصبة من قبل أبيه، حتي يقال: يمنع عباس وبنوه منه، لأجل انتسابهم إلي الأب فقط، بل مقتضي تقدم الأقرب ثبوت الولاء للعباس فقط. وتقدم ابن العم من قبل الأب والأم علي العم لأب، إنما هو فيما إذا كان الانتساب من قبل الأم دخيلا في الإرث، كالإرث بالنسب. وأما الإرث بالولاء الذي يدور مدار الانتساب بالأب فقط، فلا مجال لتقدم ابن العم من قبل الأبوين علي العم من قبل الأب فيه. وبالجملة هذا الجاهل قد سمع ولاء إرث ولم يتقنه حتي يتصور ما يقوله. [ صفحه 345]

في تفسير قوله تعالي: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا

اشاره

المائدة: 3. عن الشيخ في أماليه عن مولانا الصادق جعفر بن محمد عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: حدثنا الحسن بن علي - صلوات الله عليه - أن الله عز وجل بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه، بل رحمة منه، لا إله إلا هو، ليميز الخبيث من الطيب، وليبتلي ما في صدوركم، وليمحص ما في قلوبكم، ولتتسابقوا إلي رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنته، ففرض عليكم الحج، والعمرة، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، والولاية، وجعل لكم بابا لتفتحوا به أبواب الفرائض، ومفتاحا إلي سبيله، ولولا محمد صلي الله عليه وآله وسلم والأوصياء من ولده عليهم السلام كنتم حياري كالبهائم، لا تعرفون فرضا من الفرائض، وهل تدخل قرية إلا من بابها، فلما من عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم صلي الله عليه وآله وسلم قال: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " ففرض عليكم لأوليائه [ صفحه 346] حقوقا وأمركم بأدائها إليهم، ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم، وأموالكم، ومآكلكم، ومشاربكم، ويعرفكم بذلك البركة، والنماء، والثروة، ليعلم من يطيعه منكم بالغيب، ثم قال عز وجل: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي " [574] . فاعلموا أن من يبخل فإنما يبخل عن نفسه، إن الله هو الغني وأنتم الفقراء إليه، فاعملوا من بعد ما شئتم، فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ثم تردون إلي عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا علي الظالمين. سمعت جدي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: خلقت من نور الله عز وجل، وخلق أهلبيتي من نوري، وخلق محبوهم من نورهم، وسائر الناس في النار [575] . وعن العياشي في تفسيره بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام آخر فريضة أنزلها الله الولاية: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " فلم ينزل من الفرائض شئ بعدها حتي قبض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [576] . وعن ابن بابويه، عن مولانا الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم: " أفضل أعياد أمتي وهو اليوم الذي أمرني الله تعالي ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب عليه السلام علما لأمتي، يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأنا من علي، خلق من طينتي، وهو إمام الخلق بعدي، يبين لهم ما اختلفوا فيه من [ صفحه 347] سنتي، وهو أمير المؤمنين عليه السلام، وقائد الغر المحجلين، ويعسوب المؤمنين، وخير الوصيين، وزوج سيدة نساء العالمين، وأبو الأئمة المهتدين. معاشر الناس! من أحب عليا أحببته، ومن أبغض عليا أبغضته، ومن وصل عليا وصلته " ومن قطع عليا قطعته، ومن جفا عليا جفوته، ومن والي عليا واليته، ومن عادي عليا عاديته. معاشر الناس! أنا مدينة الحكمة وعلي بن أبي طالب عليه السلام بابها، ولن تؤتي الحكمة إلا من قبل الباب، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض عليا. معاشر الناس! والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني علي جميع البرية ما نصبت عليا علما لأمتي في الأرض، حتي نوه الله باسمه في سماواته،وأوجب ولايته علي جميع ملائكته [577] . وعن الشيخ في أماليه عن مولانا الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أعطيت تسعا لم يعطها أحد قبلي سوي النبي صلي الله عليه وآله وسلم: لقد فتحت لي السبل، وعلمت المنايا، والبلايا، والأنساب، وفصل الخطاب، ولقد نظرت إلي الملكوت بإذن ربي، فما غاب عني ما كان قبلي، ولا ما يأتي بعدي، فإن بولايتي أكمل الله لهذه الأمة دينهم، وأتم عليهم النعم، ورضي لهم إسلامهم، إذ يقول يوم الولاية لمحمد صلي الله عليه وآله وسلم: يا محمد أخبرهم أني أكملت اليوم دينهم، وأتممت عليهم النعمة، ورضيت لهم إسلامهم، كل ذلك من الله علي، فله الحمد [578] . وفي الكافي عن عبد العزيز بن مسلم، قال: كنا مع الرضا عليه السلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة وكثرة [ صفحه 348] اختلاف الناس فيها، فدخلت علي سيدي عليه السلام فأعلمته خوض الناس فيها فتبسم عليه السلام ثم قال: يا عبد العزيز، جهل القوم، وخدعوا عن أديانهم، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه حتي أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن " فيه تبيان كل شئ " [579] وبين فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا، وقال عز وجل: " ما فرطنا في الكتاب من شئ " [580] وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلي الله عليه وآله وسلم " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ". أمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتي بين لأمته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم علي سبيل قصد الحق، وأقام لهم عليا عليه السلام علما وإماما، وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فهو كافر. هل تعرفون فضل الإمامة ومحلها من الأمة، فيجوز فيها اختيارهم إن الإمامة أجل قدرا، وأعظم شأنا، وأعلي مكانا، وأمنع جانبا، وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماما باختيارهم. إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل بعد النبوة، والخلة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرف بها وأشار بها ذكره، فقال: " إني جاعلك للناس إماما " فقال الخليل عليه السلام مسرورا بها " ومن ذريتي " قال الله تبارك [ صفحه 349] وتعالي: " لا ينال عهدي الظالمين " [581] فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلي يوم القيامة، فصارت في الصفوة. ثم أكرمه الله تعالي بأن جعلها في ذريته: أهل الصفوة والطهارة، فقال: " ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين - وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين " [582] . فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا، حتي ورثها الله عز وجل النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال جل وتعالي: " إن أولي الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " [583] فكانت له خاصة فقلدها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام بأمر الله عز وجل، علي رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الأوصياء الذين آتاهم العلم والإيمان، بقوله عز وجل: " وقال الذين أوتوا العالم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلي يوم البعث " [584] فهي في ولد علي خاصة إلي يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمد صلي الله عليه وآله وسلم، فمن يختار هؤلاء الجهال [585] والحديث الشريف المنبئ عن إمامته - روحي فداء - مفصل، وقد اقتصرت منه علي هذا المقدار. والأخبار في هذا الباب من طريقنا في غاية الكثرة، بل وكذلك من [ صفحه 350] طريق العامة. وقد ذكر في غاية المرام ستة أحاديث من طريقهم [586] ، كلها مسندة إلي أبي سعيد الخدري، ولنذكر واحد منها. في غاية المرام: إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة، عن سيد الحفاظ أبو منصور بن شهرآشوب شيرويه بن شهردار الديلمي، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد المقري الحافظ قال: نبأنا أحمد بن عبد الله بن أحمد، قال: نبأنا محمد بن أحمد بن علي، قال: نبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: نبأنا يحيي الحماني، قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم دعا الناس إلي علي عليه السلام في غدير خم وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقم، وذلك يوم الخميس، فدعا صلي الله عليه وآله وسلم عليا فأخذ بضبعيه، فرفعهما حتي نظر الناس إلي بياض إبطي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ثم لم يفترقوا حتي نزلت هذه الآية: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: الله أكبر علي إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي، ثم قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ". فقال حسان بن ثابت: ائذن لي يا رسول الله، فأقول في علي أبياتا تسمعها، فقال: قل علي بركة الله، فقام حسان بن ثابت، فقال: يا معشر مشيخة قريش اسمعوا قولي شهادة من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الولاية الثابتة فقال: يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم وأسمع بالرسول مناديا [587] . [ صفحه 351] وهذه الأبيات والحديث مشهور في كتب العامة والخاصة، وقال الحمويني عقيب هذا الحديث والأبيات: هذا حديث له طرق كثيرة إلي أبي سعيد سعد بن مالك الخدري الأنصاري [588] . أقول: وقد ذكر أبو نعيم الحديث مسندا إلي أبي سعيد الخدري، مع زيادة بيتين في آخر الأبيات المتقدمة، وهما: فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أنصار صدق مواليا هناك دعا اللهم وال وليه وكن للذي عادي عليا معاديا وإذا وقفت علي ما بيناه فاعلم أن الآية الكريمة تدل دلالة قطعية علي تعيين أمر الإمامة والخلافة من قبله تعالي شأنه، إذ الإمامة من الدين، بل من أركانه، فلو أهمله تعالي شأنه لم يكمل دينه، وهو مناقض لقوله تعالي: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي... "، الآية، ورد عليه تعالي شأنه، كما نبه عليه مولانا الرضا سلام الله عليه. فإن قلت: الآية الكريمة تدل علي إكمال الدين، وعدم إهمال شئ عن أمر الدين، ويكفي في عدم الاهمال تفويض أمر الإمامة إلي اختيار الأمة - كما ادعاه العامة - فلا يدل علي نصب شخص خاص بعينه، كما يقول الشيعة.

دلالة الآية الكريمة علي تعيين أمر الإمامة والخلافة من قبله تعالي

قلت: أولا: إن العامة لم يدعوا تفويض أمر الإمامة إلي اختيار الأمة بنص من قبله تعالي، ومن قبل رسوله صلي الله عليه وآله وسلم وإنما ادعوا أن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم أهمله، ولم ينص فيه بشئ، واجتمع الناس علي بيعة أبي بكر، وكان اجتماعهم عليه صوابا لقوله صلي الله عليه وآله وسلم: " لا تجتمع أمتي علي ضلال ". [ صفحه 352] ولو ادعوا أن الإمامة إنما تكون باجتماع الأمة بنص الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، لم ينصب أبو بكر عمر، ولم يقل في حال احتضاره: ليتني سألت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لمن هذا الأمر من بعده، فلا ينازعه فيه أحد، وليتني كنت سألته هل للأنصار فيها من حق، فالأصل وهو الخليفة الأول كلامه صريح في أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم سكت عن أمر الخلافة، وأهمله، وتمني أن يكون سائلا عنه حتي لا ينازع فيه. وثانيا: إن الإمامة أجل قدرا، وأعظم شأنا، وأمنع جانبا، وأعلي مكانا، من أن يصير الناس مرجعا في تعيينها، لمن شاءوا واختاروه، كما نبه عليه مولانا الرضا عليه السلام، ضرورة أن المرجع لا بد أن يكون عارفا بحدود ما رجع إليه، ويقبح من الحكيم تعالي شأنه أن يرجع الأمر في الإمامة التي هي تلو الرسالة، بل أكمل منها إلي اختيار الناس، الغير المطلعين علي سرائر العباد وضمائرهم، الجاهلين بحدودها، وعلو مكانها، وسمو شأنها، فهل هذا إلا إهمال؟ كيف وقد قال الله عز وجل: " الله أعلم حيث يجعل رسالته، [589] فهو تعالي نبه العباد علي أن السبيل منحصر في جعله تعالي. فتبين بما بيناه أن ما ذهب إليه العامة وبنوا أصل مذهبهم عليه لا يلائم مع إكمال الدين المصرح به في الآية الكريمة.

دلالة الآية الكريمة علي نصب جميع خلفاء الرسول

واعلم أن الآية الكريمة تدل علي نصب جميع خلفاء الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، والأئمة من بعده صلي الله عليه وآله وسلم، لا علي نصب خليفة واحد منهم بعينه، وإلا لزم الاهمال بالنسبة إلي من لم ينص علي نصبه، وهو مناقض لإكمال الدين، وإتمام النعمة، وهو صلي الله عليه وآله وسلم كما صرح بولاية أمير المؤمنين عليه السلام ونصبه يوم الغدير، [ صفحه 353] صرح بأن الأوصياء من بعده صلي الله عليه وآله وسلم من ذريته، ففي رواية الاحتجاج، بعد أن قال صلي الله عليه وآله وسلم: " ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر الله ربكم " ثم الإمامة فيذريتي من ولده إلي يوم القيامة [590] . وعن كتاب سليم بن قيس الهلالي أنه صعد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام المنبر في عسكره وبحضرته المهاجرون والأنصار، فحمد الله وأثني عليه، وذكر شطرا من فضائله ومناقبه، فقام نحو سبعين رجلا من أهل بدر كلهم من الأنصار، وبقية من المهاجرين، فشهدوا بأننا سمعنا ذلك من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعد ما صلي بهم الظهر - يوم الغدير - قال: " أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي بهم من أنفسهم، من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه "، فقام إليه سلمان الفارسي، فقال: يا رسول الله... ولاية ماذا؟ فقال: ولاية كولايتي من كنت أولي به من نفسه، فأنزل الله عز وجل: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ". فقال سلمان: يا رسول الله هذه الآيات في علي خاصة؟ فقال: نعم فيه وفي أوصيائه إلي يوم القيامة، فقال سلمان: سمهم لي يا رسول الله، فقال: علي أخي، ووزيري، وخليفتي في أمتي، وولي كل مؤمن بعدي، وأحد عشر إماما: ابني الحسن، وابني الحسين ثم التسعة من ولده واحدا بعد واحد، القرآن معهم، وهم مع القرآن، لا يفارقونه حتي يردوا علي الحوض. [ صفحه 354] فقام اثني عشر من البدريين فشهدوا: أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، كما قلت سواء، لم تزد فيه ولم تنقص منه. وقال بقية السبعين: قد سمعنا - كما قلت - ولم نحفظ كله، وهؤلاء الاثني عشر [هم] خيارنا، وأفضلنا، قال: صدقتم ليس كل الناس يحفظ، بعضهم أحفظ من بعض، فقام من الاثني عشر أربعة: أبو الهيثم بن التيهان، وأبو أيوب الأنصاري، وعمار، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين. فقالوا: نشهد إنا قد حفظنا قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يومئذ، وعلي قائم إلي جنبه: " يا أيها الناس إن الله أمرني أن أنصب لكم إمامكم ووصيي فيكم، وخليفتي من أهل بيتي من بعدي، والذي فرض الله طاعته علي المؤمنين في كتابه، فأمركم فيه بولايته، فراجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبها، فأوعدني لأبلغها أو ليعاقبني. يا أيها الناس إن الله جل ذكره أمركم في كتابه بالصلاة، وقد بينها لكم وسميتها، والزكاة والصوم والحج فبينته وفسرته لكم، وأمركم في كتابه بولايته وإني أشهدكم أيها الناس أنها خاصة لعلي وأوصيائي من ولدي وولده، أولهم ابني حسن، ثم ابني حسين، ثم تسعة من ولدي الحسين، لا يفارقون الكتاب حتي يردوا علي الحوض. يا أيها الناس قد علمتكم المهدي، ووليكم وإمامكم، وهاديكم بعدي، وهو أخي علي بن أبي طالب، وموفيكم بمنزلتي فيكم، فقلدوه، وأطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علمني الله، وأمرني أن أعلمكم أنه عنده فاسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه، ولا تعلموهم، ولا تتقدموهم،ولا تخلفوا عنهم فإنهم مع الحق، والحق معهم لا يزايلهم [591] . [ صفحه 355] وقد ذكر في غاية المرام: روايات كثيرة من طرق العامة، في أن عدة الأئمة اثني عشر، ولنذكر عدة منها: قال: في الباب العاشر [592] - في أن عدة الأئمة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم اثني عشر - بعد أن ذكر أن فيه تسعة أحاديث من طريق العامة، فسرد الروايات. فقال: الثالث، أبو المؤيد موفق بن أحمد في كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وهو من أعيان علماء العامة، ثم ذكر إسناده إلي أن انتهي إلي أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان المحمدي رضي الله عنه، قال: دخلت علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وإذا الحسين عليه السلام علي فخذه، وهو يقبل عينيه ويلثم فاه، وهو يقول: " أنت سيد ابن سيد، وأخو سيد، أبو السادة، أنت إمام ابن الإمام، أخو الإمام، أبو الأئمة، أنت حجة بن حجة،أخو حجة، أبو حجج تسع من صلبك، تاسعهم قائمهم [593] . وقال: الخامس منها: ما نقله عن موفق بن أحمد أيضا بإسناده إلي أبي سليمان راعي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: ليلة أسري بي إلي السماء، قال لي الجليل جل جلاله: " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه " [594] . فقلت: والمؤمنون، قال: صدقت. قال: من خلفت في أمتك؟ قلت: خيرها، قال، علي بن أبي طالب عليه السلام؟ قلت: نعم يا رب. [ صفحه 356] قال: يا محمد إني اطلعت إلي الأرض اطلاعة فاخترتك منها، فشققت لك اسما من أسمائي، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمد صلي الله عليه وآله وسلم. ثم اطلعت الثانية: فاخترت منها عليا، وشققت له اسما من أسمائي، فأنا الأعلي وهو علي. يا محمد إني خلقتك، وخلقت عليا، وفاطمة، والحسن، والحسين، والأئمة من ولده من نوري، وعرضت ولايتكم علي أهل السماوات والأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمد لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتي ينقطع، أو يصير كالشن البالي ثم جاءني جاحدا لولايتكم ما غفرت له، حتي يقر بولايتكم. يا محمد تحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب، فقال: التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا بعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسي بن جعفر، وعلي بن موسي، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والمهدي عليهم السلام، في مصباح من نور، قيام يصلون، وهو في وسطهم - يعني المهدي - كأنه كوكب دري، وقال: يا محمد هؤلاء الحجج وهو الثائر من عترتك، وعزتي وجلالي أنه الحجة الواجبة لأوليائي، والمنتقم من أعدائي [595] . وقال الثامن منها: ما نقل عن الحمويني بإسناده إلي سعيد بن جبير، [ صفحه 357] عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إن خلفائي وأوصيائي، وحجج الله علي الخلق بعدي اثنا عشر: أولهم أخي وآخرهم ولدي، قيل يا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ومن أخوك؟ قال: علي بن أبي طالب عليه السلام، قيل: فمن ولدك؟ قال: المهدي الذي يملأها قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا، والذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم، حتي يخرج فيه ولدي المهدي، ينزل روح الله عيسي بن مريم، فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والغرب [596] . وقد ذكر في الباب الثاني عشر من طريق العامة أخبارا كثيرة تدل علي أن عدتهم عليهم السلام اثني عشر [597] . منها: ما عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: معاشر الناس! اعلموا أن لله تعالي بابا من دخله أمن من النار، ومن النزع الأكبر، فقام إليه أبو سعيد الخدري، فقال: يا رسول الله إهدنا إلي هذا الباب حتي نعرفه، قال: " هو علي بن أبي طالب سيد الوصيين، وأمير المؤمنين، وأخي رسول رب العالمين، وخليفة الله علي الناس أجمعين. معاشر الناس! من أحب أن يتمسك بالعروة الوثقي التي لا انفصام لها فليتمسك بولاية علي بن أبي طالب، فإن ولايته ولايتي، وطاعته طاعتي. معاشر الناس! من أحب أن يعرف الحجة بعدي، فليعرف علي بن أبي طالب. معاشر الناس! من سره أن يقتدي بي فعليه أن يتولي ولاية علي بن أبي طالب والأئمة من ذريتي، فإنهم خزان علمي. [ صفحه 358] فقام جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال: يا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ما عدة الأئمة؟ فقال: يا جابر سألتني - رحمك الله - عن الإسلام بأجمعه، عدتهم: عدة الشهور، وهي عند الله اثني عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض. وعدتهم عدة العيون التي انفجرت منه لموسي بن عمران، حين ضرب بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، وعدة نقباء بني إسرائيل، قال الله تعالي: " ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا " [598] ، فالأئمة - يا جابر - اثني عشر إماما: أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم صلوات الله عليهم أجمعين [599] . وبالجملة الأخبار من طريقهم في أن عدة الأئمة عليهم السلام، اثنا عشر مستفيضة، لو لم تكن متواترة، فليعتبر المعتبر. إكمال

دلالة الكتاب المجيد علي اختصاص الإمامة بمولانا أميرالمؤمنين والأئمة الطاهرين

دلالة الكتاب المجيد علي اختصاص الإمامة والولاية بمولانا أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين من ذريته، وذرية خاتم النبيين، صلوات الله عليهم أجمعين علي أقسام ثلاثة: 1 - منها الآيات النازلة في شأنهم، كما عرفت شطرا منها. 2 - ومنها تقسيم الكتاب المجيد إلي أقسام ثلاثة: مجمل، ومحكم، ومتشابه. توضيح الحال: إنه لا شبهة في أن الغرض من الكتاب المجيد هداية الناس إلي الدين الحنيف، واهتداؤهم إلي ما فيه مما يكمل به دينهم من [ صفحه 359] المعارف الحقة... [600] علي العزائم، والرخص، والحلال والحرام والحدود، والأحكام وهكذا، لا مجرد التلاوة والقراءة من دون تدبر وتفهم، فلا محالة يكون وافيا بجميع ما تحتاج إليه الأمة، وإلا لزم أن يكون الكتاب مما فرط فيه شئ ولا يكون مكملا لدينهم، وهو رد لقوله تعالي شأنه وكفر به ومحكمات القرآن لا تفي بجميع ما يحتاج إليه الأمة، كما هو ظاهر، فلا بد أن يكون هذا الاكمال في مجموع الكتاب، ومنه المجمل والمتشابه. فلا بد للأمة من معرفتهما عند الحاجة. ومن المعلوم أنه لا سبيل إلي معرفتهما بالحدس والرأي لاختلافهما باختلاف الأنظار، فيزداد بهما الحيرة والضلالة، والحكيم تعالي شأنه لا يخل بغرضه، فالعقل يحكم حينئذ حكما جزميا بأن الحكيم تعالي شأنه الذي قسم الكتاب المجيد إلي هذه الأقسام الثلاثة قرنه بمترجم رباني كاشف عن حقائقه، لا شبهة في حكمه، عالم بجميع الكتاب من عنده، مصون من الزلل، وهذا المترجم الرباني ليس إلا خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم وخلفائه المعصومين سلام الله عليهم أجمعين. ومن المعلوم أن الخلفاء الثلاثة ليسوا عالمين بمجمله ومتشابهه كما يظهر من مراجعتهم في كثير من الموارد التي أشكل عليهم الأمر فيها إلي مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كما هو مذكور في كتب الفريقين، ولا يجوز أن يكون حامل أسرار رب العالمين - أعني مجملات القرآن ومتشابهه - معزولا عن الخلافة، والأجنبي عنها خليفته تعالي شأنه، وهذا الصنع في الكتاب المجيد - كما يدل علي أن مع القرآن حاملا ربانيا ما دام الدين باقيا لا يفارق القرآن عنه - يدل [ صفحه 360] علي أن في الأمة من يدعي حقهم، ويستولي علي مقامهم، وإلا لم يجعل منه مجملا ومتشابها، ضرورة أن الرمز والتشابه إنما هو لإخفاء الأمر علي المدعي المعارض. وقد ورد عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أن الله تعالي قسم كتابه إلي محكم، ومجمل، ومتشابه، حتي يتميز خليفته عمن استولي علي الأمر [601] . 3 - ومنها: قصص أوصياء الأنبياء في الكتاب المجيد، فإن بيان حالاتهم، وصفاتهم، وعلومهم إرشاد إلي معرفة أوصياء خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم أجمعين، فمن تدبر في قصة آصف بن برخيا وزير سليمان بن داود عليه السلام الذي قال تعالي شأنه في حقه: " وقال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك " [602] علم أن سؤال سليمان ليس لعجز منه في إحضار عرش بلقيس، كما أحضره آصف وإلا لزم أن يكون الوصي أفضل من الأصل، وهو محال، فغرضه عليه السلام ظهور هذا من وصيه، حتي يقر الناس بفضله، ويعلموا أنه يستحق الوصاية، فإذا كان وصي سليمان بهذه المنزلة، مع أن سليمان ليس من أولي العزم من الأنبياء، بل من أتباع موسي بن عمران عليه السلام وعامل بشريعته، فلا محالة يكون وصي موسي أفضل من وصي سليمان، وحيث إن خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم أفضل من جميع الأنبياء، يكون وصيه أفضل من جميع أوصياء الأنبياء، فيستحيل أن يكون خليفة سليمان ووصيه عالما بعلم من الكتاب " به يقدر علي إتيان عرش بلقيس، قبل ارتداد الطرف، ووصي خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم لا يعرف شيئا من بواطن الكتاب. فلا محالة يكون [ صفحه 361] وصيه أعلم من وصي سليمان، بل هو العالم بالكتاب كله كما قال تعالي في شأنه: " ومن عنده علم الكتاب " [603] . وقد سئل مولانا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن الذي عنده علم من الكتاب أعلم، أم الذي عنده علم الكتاب؟ فقال عليه السلام: ما كان علم الذي عنده علم من الكتاب إلا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر [604] ، يعني أن منزلة من عنده علم الكتاب منزلة البحر، ومنزلة الذي عنده علم من الكتاب منزلة القطرة. واعلم أنه كما يكون ذكر قصص الأوصياء في الكتاب المجيد إرشادا إلي معرفة وصي نبينا صلي الله عليه وآله وسلم كذلك ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام فيه إرشاد إلي معرفة نبينا صلي الله عليه وآله وسلم لتصريح بمعجزات موسي، وعيسي، وإبراهيم، ونوح، وصالح، وسائر الأنبياء صلي الله عليه وآله وسلم في ضمن قصصهم تصريح بأن نبينا صلي الله عليه وآله وسلم كان قادرا علي إظهار المعجزات، وأن ما تواتر من صدورها منه لا ريب فيه. ولا ينبغي أن يرتاب فيه عاقل، إذ لو لم يكن صادقا في نبوته ولم يقدر علي إظهار المعجزات لم يصدق معجزات سائر الأنبياء، ولم يذكرها في كتابه، كما أن البابية وأضرابهم - خذلهم الله - افتروا علي الله وكذبوا صدور المعجزات من الأنبياء لئلا يضيق الأمر عليهم بزعمهم.

في أن الآيات النازلة في شأن أهل البيت الدالة علي اختصاص الولاية لا تنحصر في الأربعين

ثم اعلم أن الآيات النازلة في شأن أهل البيت عليهم السلام، الدالة علي اختصاص الولاية لا تنحصر في أربعين، كيف وقد روي ابن المغازلي عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: القرآن أربعة أرباع، فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع حلال، وربع حرام، وربع فرائض وأحكام، والله أنزل فينا [ صفحه 362] كرائم القرآن [605] . وقد ذكر في غاية المرام مائة وثمانية وعشرين آية حسب روايات الفريقين.

جواب بعض العامة حيث قال: لو بين الرسول لأصحابه أمر الولاية لم يخالفوه

تنبيه: قد ذكر بعض العامة أنه لو بين الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لأصحابه أمر الولاية كما بين لهم حكم الصلاة، والصوم، والحج، والجهاد، وسائر الأحكام لم يخالفوه، ولم يستضعفوا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، كما لم يخالفوا أمر الصلاة، وسائر أحكامه. واستبعد مخالفتهم وإعراضهم عما سمعوه الله عليه وآله وسلم جدا. منه صلي الله عليه وآله وسلم جدا. أقول: من وقف علي قصة بني إسرائيل، وأن أكثرهم ارتدوا في غيبة موسي عليه السلام واستضعفوا هارون عليه السلام خليفته، واتخذوا العجل ربا لهم وفتنوا به، ولم يرجعوا عنه حتي رجع إليهم موسي عليه السلام لا ينبغي له أن يستبعد مخالفة أكثر أصحاب نبينا صلي الله عليه وآله وسلم عن أمره، فإن ارتداد بي إسرائيل أبعد من وجوه: الأول: أن بني إسرائيل كانوا موحدين خلفا عن سلف، ولم يقروا لفرعون بالربوبية، وكانوا منتظرين لظهور نبيهم موسي عليه السلام، وأصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد نشأوا في الجاهلية ومضت أكثر أعمار أكثرهم في عبادة الأصنام، ولم يسلم أغلبهم إلا خوفا أو طمعا، قال الله تعالي: " قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " [606] الآية. ومنهم المنافقون الذين نزل في شأنهم سورة المنافقين، ومن المعلوم أن ارتداد بني إسرائيل أبعد. والثاني: أن ما وقع فيه بنو إسرائيل من اتخاذ العجل ربا أعظم وأشد [ صفحه 363] بمراتب من اتخاذ غير من نصبه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم خليفة عنه، فإنهم باتخاذهم العجل ربا خرجوا عن الدين رأسا، وأما أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم فلم يخرجوا بما صنعوه عن أصل الإسلام، وكان ذلك سهلا في نظرهم لزعمهم أن أمر الخلافة والإمامة من الفروع. والثالث: أن ارتداد بني إسرائيل كان في حياة نبيهم عليه السلام، ومخالفة أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم في أمر الخلافة كان بعد وفاته صلي الله عليه وآله وسلم. ومن المعلوم أن الأول أبعد من الثاني، وبعد وقوع الأول عند ظهور الفتنة لا مجال لاستبعاد وقوع الثاني، ورد النصوص أو تأويلها، كيف وقد أخبر تعالي شأنه بانقلاب أكثرهم بعد موت النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال عز من قائل: " أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " [607] . مع أنه قد ورد عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " إن مثل أمتي مثل بني إسرائيل طابق النعل بالنعل " [608] ، ولعله لأجل تشابه حال هذه الأمة بحال بني إسرائيل كرر عز وجل قصتهم في كتابه المجيد حتي يكون الناس علي كمال بصيرة في أمرهم ويتدبروا في شأنهم وتتم الحجة عليهم. ثم إن قياس حكم الولاية بحكم الصلاة، وسائر أحكام الدين لا وجه له، لأن الحسد إنما يكون في أمر الولاية، قال تعالي شأنه: " أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " [609] . [ صفحه 364] والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ووفقني لإكمال ما أحببته، وإتمام ما قصدته، وصلي الله علي خير خلقه محمد وآله الطاهرين المنتجبين، الذين أكمل لنا بولايتهم الدين، ورضي لنا الإسلام دينا، بقبول ولايتهم. وقد وقع الفراغ منه مذ كنت متشرفا بعتبة سيد شباب أهل الجنة، مولانا أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، وعلي جده وأبيه، وعلي أمه وأخيه، وعلي الأئمة من ذريته وبنيه، في اليوم الثالث، من العشر الثالث من الشهر التاسع من الشهور الهلالية من السنة الرابعة بعد الألف والثلاثمائة والستين من الهجرة [: 1364 ق] علي مهاجرها آلاف الثناء والتحية.

پاورقي

[1] گنجينهء دانشمندان 3 / 242.
[2] أعلام الشيعة (القرن 13) ص 415.
[3] أعلام الشيعة (القرن 14) ص 349.
[4] هو الشيخ المولي محمد تقي بن المولي محمد كاظم بن محمد جعفر بن المولي محمد صادق البهبهاني عالم جليل وورع تقي كان مرجع الإمامة وغيرها في بهبهان، تشرف إلي العتبات المقدسة حدود 1320 ورجع وتوفي في نيف وعشرين وثلاثمائة. كان جده الأعلي من طبقة تلاميذ الوحيد البهبهاني ومعاصرا للمولي محمد كاظم تلميذ الوحيد. وكان ابنه العالم الفاضل الشيخ محمد علي من قدماء أصدقاء العلامة الطهراني صاحب الذريعة، وكان شريكه في البحث سنين: أيام حضورهما علي الآخوند الخراساني " ره ". راجع أعلام الشيعة (القرن 14) ص 266.
[5] أعلام الشيعة (القرن 14) ص 936.
[6] راجع كتاب " مرگي در نور " ص 326 - 346.
[7] راجع كتاب " المحقق الطباطبائي (السيد عبد العزيز) في ذكراه السنوية الأولي " 3 / 1301 - 1313.
[8] الذريعة 7 / 255 والشيخ شير محمد من تلاميذ الشيخ علي أصغر الخطائي، وهو من تلامذة الشيخ هادي الطهراني أيضا. راجع أعلام الشيعة (القرن 14) ص 849.
[9] وقد ألف الشيخ فياض الزنجاني - وهو أيضا من أجلة تلاميذ الشيخ هادي الطهراني - رسالة " ذخائر الإمامة " وقال في مقدمتها: المقاصد في مسألة الخمس خمسة: الأول ما فيه الحق، والثاني من هو عليه، والثالث من هو له، والرابع كيفية تعلقه، والخامس بيان مصرفه، والمتكفل لها كلها آية الخمس، ثم بينها تفصيلا طبعت في 240 صفحة. [
[10] آشنايي با چند نسخه خطي ص 222.
[11] الذريعة 1 / 333.
[12] آشنايي با چند نسخه خطي ص 223.
[13] آشنايي با چند نسخه خطي ص 223.
[14] آشنايي با چند نسخه خطي ص 223.
[15] آشنايي با چند نسخه خطي ص 223.
[16] گنجينهء دانشمندان 3 / 250 وهذا التلميذ صهر الأستاذ.
[17] مؤلفين كتب چاپي للمشار 2 / 409. دائرة المعارف تشيع 4 / 27. دائرة المعارف العلوية طبع قم.
[18] ارمغان أصفهان، ص 55.
[19] راجع ارمغان أصفهان ص 63.
[20] راجع گنجينهء دانشمندان 3 / 154.
[21] مجلة نور العلم، ش 39.
[22] ارمغان أصفهان ص 66 ونور العلم ش 39.
[23] راجع مجلة نور العلم ش 39.
[24] شرح حال وآثار وأفكار آية الله بهبهاني ص 79.
[25] ومن أراد الاطلاع علي تفصيل آثاره المباركة فليراجع كتاب ارمغان أصفهان ص 67. ومجلة نور العلم العدد 39 وشرح حال آية الله البهبهاني للأستاذ الدواني ص 64.
[26] شرح حال وآثار آية الله بهبهاني، ص 245.
[27] شرح حال وآثار آية الله بهبهاني، ص 245.
[28] شرح حال وآثار آية الله بهبهاني، ص 245.
[29] مقدمة مصباح، الهداية طبع مصر مع تلخيص وتصرف.
[30] قال في خاتمته: قد وقع الفراغ منه مذ كنت متشرفا بعتبة سيد شباب أهل الجنة مولانا أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه وعلي جده وأبيه وعلي أمه وأخيه وعلي الأئمة من ذريته وبينه.
[31] الخصال ص 541، باب الأربعين. ثواب الأعمال، الحديث 300. بحار الأنوار 2 / 153 باب من حفظ أربعين حديثا.
[32] الكافي 1 / 299. بصائر الدرجات ص 214 و 216.
[33] مجمع البيان 6 / 301.
[34] الاحتجاج 1 / 232.
[35] الصافي 3 / 77.
[36] بصائر الدرجات ص 214 - الصافي 3 / 77 مع اختلاف يسير.
[37] تفسير القمي 1 / 367.
[38] تفسير القمي 1 / 367.
[39] تفسير القمي 1 / 367.
[40] البرهان 2 / 304 - مناقب ابن المغازلي ص 314.
[41] النجم: 28.
[42] النحل: 43 - 44.
[43] الشعراء: 197.
[44] الأحقاف: 10.
[45] راجع غاية المرام 240 - 242. الكافي 1 / 210 - 212. بصائر الدرجات 38 - 43. الصافي 2 / 137.
[46] الشعراء: 224.
[47] مجمع البيان 7 / 182.
[48] الشعراء: 192 - 194.
[49] الكافي 1 / 412. بصائر الدرجات ص 73. تفسير القمي ص 474 الطبع الحجري.
[50] راجع مجمع البيان 9 / 81.
[51] مجمع البيان 9 / 81.
[52] مجمع البيان 9 / 84.
[53] أي الثاني من الأمور الستة التي قلنا لا بد من ذكرها للإيضاح.
[54] الرعد: 43.
[55] أن استفادة التبعيض منها لا تكون بالوضع، كما توهم، إنما تكون لخصوصية المورد. منه ره.
[56] مجمع البيان 6 / 273.
[57] في القاموس في مادة قتل: مقاتل بن سليمان المفسر الضعيف. منه ره.
[58] مجمع البيان 6 / 273.
[59] عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: (أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون، معصومون) ينابيع المودة ص 425 طبعة إسلامبول.
[60] مجمع البيان 6 / 301.
[61] مجمع البيان 6 / 301.
[62] يعني المقام الثاني والثالث من المقامات الثلاثة التي قلنا في صدر البحث ينبغي التكلم فيها.
[63] التوبة: 119.
[64] يونس: 35.
[65] راجع الغدير 6 / 327 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12 / 205.
[66] غاية المرام ص 357. وليست فيه جملة: والحلال والحرام.
[67] راجع غاية المرام ص 357 - 358 وتفسير البرهان 2 / 303.
[68] الأعراف: 145.
[69] الزخرف: 63.
[70] الأنعام: 53.
[71] الاحتجاج 2 / 140.
[72] تفسير العياشي 1 / 142.
[73] تفسير القمي 1 / 324.
[74] راجع غاية المرام ص 361 والبرهان 2 / 212.
[75] الاحتجاج 1 / 131 و 232.
[76] راجع غاية المرام 359 وبحار الأنوار 35 / 386.
[77] مجمع البيان 5 / 150.
[78] يعني: كان علي بينة من ربه - ويتلوه شاهد منه - ومن قبله كتاب موسي.
[79] كما يدل عليه حديث الثقلين.
[80] البرهان 2 / 214 ومناقب ابن شهرآشوب 3 / 85.
[81] البرهان 2 / 214 وغاية المرام ص 360.
[82] مناقب الخوارزمي ص 278 الطبع الحديث. البرهان 2 / 214. غاية المرام ص 359.
[83] البرهان 2 / 214. غاية المرام ص 360. مناقب الخوارزمي ص 278 الطبع الحديث.
[84] راجع البرهان وغاية المرام.
[85] أي في شرح الحديث الأول حيث قال: ثم إن نزولها في شأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لا ينافي.
[86] العياشي 2 / 142. غاية المرام ص 362.
[87] مناقب ابن المغازلي ص 400.
[88] غاية المرام ص 456.
[89] البرهان 2 / 214.
[90] البرهان 2 / 214.
[91] العياشي 1 / 194.
[92] يعني السيد هاشم البحراني مؤلف " غاية المرام " و " البرهان " وغيرهما.
[93] غاية المرام ص 242 - 244.
[94] راجع غاية المرام ص 211.
[95] مجمع البيان 2 / 482.
[96] غاية المرام ص 211 - 234.
[97] ويبين ذلك أيضا أنه لو كان في الأمة من كان عالما بالكتاب كله لوجب أن يجعله قرينا للعترة، ومتمسكا لسائر الأمة كالعترة، فجعله صلي الله عليه وآله وسلم جميع الأمة متمسكين بالعترة من دون استثناء أحد منهم، يدل علي احتياجهم إلي العترة وعدم علمهم بالكتاب كله. منه ره.
[98] الصافي ذيل الآية 7 من آل عمران نقلا عن الاحتجاج للطبرسي. والمؤلف (ره) نقل الحديث بالمعني فلا تغفل.
[99] المصباح المنير 1 / 45. [
[100] المصباح المنير 1 / 45.
[101] شرح نهج البلاغة 6 / 375.
[102] شرح نهج البلاغة 6 / 375.
[103] البرهان 3 / 324 نقلا عن صحيح مسلم.
[104] غاية المرام ص 237.
[105] غاية المرام ص 326 و 618.
[106] غاية المرام ص 521.
[107] غاية المرام ص 456.
[108] غاية المرام ص 540.
[109] غاية المرام ص 539.
[110] غاية المرام ص 543.
[111] غاية المرام ص 242. الصافي 1 / 337. مجمع البيان 2 / 482. العياشي 1 / 194.
[112] مجمع البيان 2 / 482.
[113] الكافي 1 / 208.
[114] الكافي 1 / 208.
[115] إكمال الدين ص 264. البحار 33 / 149.
[116] غاية المرام ص 248.
[117] في المصدر: (والصديقون بطاعتهم) فراجع.
[118] غاية المرام ص 333. المحاسن ص 142.
[119]. وما يكون لاحقا علي الإيمان والعمل الصالح بحيث يتحقق بتحققه الاهتداء وبفقده الضلالة، ولم ينفعه إيمانه وما عمله من الصالحات إلا بقبوله، ليس إلا ولاية أهل البيت عليهم السلام، ضرورة عدم اعتبار ما عدا الولاء. منه " ره ". هذه التعليقة بطولها موجودة في الطبعة الأولي، والمؤلف رحمه الله قد أدرجها في المتن في الطبعة الثانية مع تصرف فيها ومع ذلك نحن نقلناها لبعض الفوائد فيها.
[120] غاية المرام ص 250 الباب 46 و 47. الكافي 1 / 180.
[121] غاية المرام ص 253.
[122] الكافي 2 / 19. غاية المرام ص 257.
[123] غاية المرام ص 333.
[124] الكشاف 4 / 220. غاية المرام ص 252.
[125] الرعد: 7.
[126] الكافي 1 / 191. بصائر الدرجات ص 29. مناقب آل أبي طالب 3 / 83. العياشي 2 / 203. غاية المرام ص 235.
[127] ثم إن تغيير السياق في المتعاطفات وعطف " اهتدي " ب " ثم " دون " آمن وعمل " لعله لأجل التنبيه علي أمرين: الأول: أن آخر ما يعتبر في الغفران الذي لا يتحقق كمال الإيمان وقبول العمل الصالح إلا به هو الاهتداء إلي ولاية أهل البيت عليهم السلام ولا شئ بعده. والثاني: تراخي الأمة عن الاهتداء دون المتعاطفين الآخرين فإنه لم يكن أمر أشق عليهم من الاهتداء بولاية أهل البيت عليهم السلام كما يظهر لمن كان له أدني تتبع في حالات الصحابة وروايات الفريقين. هذه العبارة كانت في المتن في الطبعة الأولي والمؤلف رحمه الله قد بدلها في الطبعة الثانية بما تري من قوله: ثم إن تغير السياق - إلي قوله - وقد أسند في غاية المرام... ونحن نقلناها - مع كونها تكرارا لما في المتن - لبعض الفوائد فيها.
[128] وقد يستعمل " ثم " إيذانا بحاجة السابق إلي المعطوف به مع أن الظاهر في بدو النظر عدم الحاجة إليه، والمقام من هذا القبيل، فإن الظاهر أن الإيمان مع العمل الصالح بعد التوبة كاف في الغفران، فنبه بالإتيان ب " ثم " علي وجود الحاجة إلي أمر آخر، وهو الاهتداء إلي الهادي الذي نصبه تعالي شأنه للعباد. منه " ره ".
[129] الكافي 1 / 378. المحاسن ص 153. مناقب آل أبي طالب 1 / 246. البحار 68 / 339.
[130] مجمع البيان 7 / 23.
[131] أمالي الشيخ الطوسي 1 / 314 الباب 11. غاية المرام ص 257.
[132] كذا في النسخة المطبوعة والظاهر: عن حبيبه.
[133] غاية المرام ص 259 نقلا عن المناقب.
[134] الأمالي 1 / 103، الباب 4.
[135] غاية المرام ص 259 - 261.
[136] غاية المرام ص 262. مناقب الخوارزمي ص 31.
[137] صحيح البخاري 5 / 177، طبع 1378.
[138] كتاب سليم بن قيس 2 / 636. والغدير 1 / 159 طبع دار الكتب الإسلامية.
[139] راجع الخطبة الشقشقية في نهج البلاغة.
[140] طه: 92 - 93.
[141] الأعراف: 150.
[142] طه: 94.
[143] غاية المرام ص 72. كتاب سليم بن قيس 2 / 663. مع اختلاف يسير في بعض الجملات.
[144] البحار 44 / 63 نقلا عن أمالي الطوسي.
[145] غاية المرام ص 390 و 687.
[146] راجع تنقيح المقال للمامقاني 2 / 66 والكني والألقاب للقمي 2 / 40.
[147] راجع غاية المرام ص 685.
[148] بحار الأنوار 39 / 216 نقلا من إعلام الوري للطبرسي 189 وفيه: " الصادي " بدل " الضال " ومناقب الخوارزمي ص 60.
[149] غاية المرام ص 542.
[150] غاية المرام ص 684.
[151] غاية المرام ص 684.
[152] غاية المرام ص 685 نقلا عن فرائد السمطين.
[153] قد مر مصدر جميع هذه الروايات.
[154] الكافي 1 / 191. العياشي 2 / 214. غاية المرام ص 235.
[155] غاية المرام ص 235 نقلا عن فرائد السمطين.
[156] غاية المرام ص 235 نقلا عن فرائد السمطين.
[157] غاية المرام ص 235.
[158] غاية المرام ص 237.
[159] المناقب 3 / 83. غاية المرام ص 237.
[160] غاية المرام ص 211.
[161] غاية المرام ص 237 - 240.
[162] يعني أن الهادي المذكور في الآية ليس مطلق من يهدي ولو في بعض الأحكام، لعدم جبر الحاجة. فالمراد منه هاد إلي جميع ما تحتاج الأمة وفي جميع الموارد، وهو يتوقف علي العلم بجميع ما في الكتاب، وعصمته عن الهوي، واختيار الردي علي الهدي، فهو تلو للنبي المختار. لا يعرفه إلا الله تعالي، فوجب عليه نصبه علما للعباد حتي يتم به الحجة. منه " قدس سره ".
[163] مجمع البيان 6 / 278.
[164] غاية المرام ص 211 - 225.
[165] يونس: 35.
[166] مجمع البيان 6 / 278.
[167] بضم العين بمعني الرضا في المقام.
[168] غاية المرام ص 399.
[169] غاية المرام ص 109 - 126 و 478 - 491.
[170] غاية المرام ص 612 - 615.
[171] غاية المرام ص 112. مناقب ابن المغازلي ص 34.
[172] غاية المرام ص 114 نقلا عن مسند أحمد.
[173] غاية المرام ص 124. الفصول المهمة ص 126.
[174] غاية المرام ص 114 نقلا عن الخوارزمي.
[175] الكافي 1 / 32.
[176] راجع المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي 7 / 184.
[177] تنبيه: لا بأس بذكر شبهات القوشجي في المقام، وبيان دفعها تتميما لما أوضحناه، قال في ذيل كلام المحقق الطوسي قدس سره: " ولحديث المنزلة المتواتر: بيانه: أن المنزلة اسم جنس أضيف إلي العلم فيه، كما إذا عرف باللام، بدليل صحة الاستثناء، وإذا استثني منه مرتبة النبوة بقيت عامة في باقي المنازل التي من جملتها كونه خليفة له، ومتوليا في تدبير الأمر ومتصرفا في مصالح العامة، ورئيسا مفترض الطاعة - لو عاش بعده - إذ لا يليق بمرتبة النبوة زوال هذه المنزلة الرفيعة الثابتة في حياة موسي عليه السلام بوفاته، وإذ قد صرح بنفي النبوة لم يكن ذلك إلا بطريق الإمامة. وأجيب بأنه غير متواتر، بل هو خبر واحد في مقابل الاجماع. وبمنع عموم المنازل، بل غاية الاسم المفرد المضاف إلي العلم الاطلاق، وربما يدعي كونه معهودا معينا، كغلام زيد، وليس الاستثناء المذكور إخراجا لبعض أفراد المنزلة بمنزلة قولك: إلا النبوة، بل منقطع بمعني لكن. فلا يدل علي العموم، كيف ومن منازله الأخوة في النسب، ولم تثبت لعلي عليه السلام اللهم إلا أن يقال: إنها بمنزلة المستثني، لظهور انتفائها. ولو سلم العموم فليس من منازل هارون الخلافة والتصرف بطريق النيابة، علي ما هو مقتضي الإمامة، لأنه شريك له في النبوة، وقوله اخلفني ليس استخلافا، بل مبالغة، وتأكيدا في القيام بأمر القوم. ولو سلم فلا دلالة علي بقائها بعد الموت، وليس انتفاؤها بموت المستخلفة عزلا ولا نقصا، بل ربما يكون عودا إلي حالة أكمل منه، وهي الاستقلال بالنبوة والتبليغ من الله تعالي، فتصرف هارون وإنفاذ أمره لو بقي بعد موسي عليه السلام إنما يكون لنبوته، وقد انتفت النبوة في حق علي فينتفي، ما يبتني عليها، ويتسبب عنها. وبعد اللتيا والتي لا دلالة له علي نفي إمامة الأئمة الثلاثة قبل علي عليه السلام. أقول: من وقف علي روايات حديث المنزلة لا يسعه إلا الاعتراف بتواتره، فالمنكر له إما مكابر أو جاهل بحاله، وكثرة رواته، كما أن من وقف علي قصة سقيفة بني ساعدة، وما جري بين الأصحاب، وكيفية أخذ البيعة منهم يعلم علما ضروريا بأنه لم ينعقد الاتفاق علي بيعة أبي بكر، حتي يعارض النص، مع أنه لو تم فإنما يكون حجة - علي فرض حجيته - إذا فقد النص، وأما مع وجوده فلا مجال للاتفاق علي خلافه، حتي يعارضه ويتقدم عليه. وأما منع العموم فلا وجه له بعد استثناء النبوة المنزلة المتفرع علي إرادة العموم منها، وادعاء العهد جزاف، مع أنه - لو سلم - فالمعهود من منزلة هارون من موسي عليه السلام إنما هي الخلافة والوزارة. ثم إن ما توهمه من أن الاستثناء منقطع، فلا يدل علي العموم، وهم ظاهر، لعدم المصير إلي الانقطاع، مع احتمال الاتصال وصلوح المورد له. بل التحقيق أنه لا انقطاع أبدا في الاستثناء، وما توهم أنه كذلك فهو متصل دال علي عموم الحكم المستثني، وإن لم يعمه الموضوع، ولا منافاة بين عموم الحكم مع عدم عموم الموضوع كما حققناه في الأصول. ويمكن أن يقال إن الموضوع يعم المستثني حينئذ علي وجه الالتزام، فإنه إنما يصح استثناء الغلمان أو الدواب مثلا من القوم في قولك: جاءني القوم إذا جرت العادة بمجئ دوابهم وغلمانهم معهم، وأما إذا لم تجر العادة بمجيئهم معهم فلا مجال للاستثناء حينئذ. وأما ما توهم من أنه ينافي العموم عدم ثبوت الأخوة في النسب فبطلانه ظاهر، لأن عموم المنزلة إنما هو في الجهات الصالحة، ومنها الأخوة التنزيلية منزلة النسبية الثابتة له عليه السلام باتفاق الفريقين. وأما قوله ولو سلم العموم فليس من منازل هارون الخلافة إلخ، فأغرب من الجميع، لأن شراكته مع موسي عليه السلام إنما هي في مطلق النبوة، لا في النبوة التي اختص بها موسي، من كونه صاحب كتاب وشرع ودين مستقل، ناسخ لشرع من تقدم عليه، فالأصل الذي هو من أولي العزم إنما هو موسي، وهارون كسائر أنبياء بني إسرائيل المتأخرين عنه إلي زمان المسيح عليه السلام من أتباعه وتحت شريعته، فلا ينافي نبوته حينئذ مع خلافته عن موسي فيما اختص به من الإمامة. وقوله: اخلفني في قومي صريح في أن المرجع إنما هو موسي عليه السلام ولو كان هارون شريكا معه في الشرع والدين لقال: في قومي وقومك. وأما قوله: ولو سلم فلا دلالة له علي بقائها بعد موت موسي فواضح البطلان. وتحرير الكلام - بحيث ينحسم به مادة الشبهة - يتوقف علي بيان وجوهها ودفعها. فأقول: توهم عدم البقاء ناش من أمور: الأول: كون الخلافة كالوكالة غير قابلة للبقاء في حد نفسها، فكما تبطل الوكالة بموت الموكل، فكذلك تبطل الخلافة بموت المستخلف. والثاني: أن استقلال هارون عليه السلام في النبوة بعد موت موسي عليه السلام مانع من قيام الخلافة به، إذ لا يعقل قيام الولاية التبعية به بعد ثبوت الولاية الأصلية له. والثالث: أن الإمامة إنما هي الخلافة بعد الموت ولا يجوز أن تكون الخلافة في حال حياة المستخلف إمامة، وإلا لزم أن يكون في زمان واحد إمامان مفترضا الطاعة، فالخلافة في حال الحياة إنما هي من قبيل الوكالة لا الإمامة، فلا تبقي بعد الموت، وقد حكي هذا الوجه عن بعضهم. والرابع: أن خلافة هارون عن موسي لم تكن مطلقة حتي تبقي بعد الموت، وإنما هي مقيدة بحال غيبة موسي، فلا يدل التنزيل منزلته حينئذ علي الخلافة المطلقة الباقية بعد موت الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. والخامس: أن الخلافة لو سلمت أنها مطلقة لا يحكم ببقائها بعد الموت، إلا مع التصريح بالتأييد. وفيه: أن الوكالة إنما تبطل بموت الموكل من أجل أن المال الموكل في بيعه مثلا ينتقل بموت الموكل إلي وارثه، فلا مجال لبقاء الوكالة حينئذ، لأن حقيقتها عبارة عن الإذن في التصرف في ماله. وأما شأن النبوة فلا تنتقل بموت النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي غيره حتي لا يتطرق في الخلافة فيه البقاء، ولو كان الأمر كذلك للزم عدم نفوذ الاستخلاف بالنسبة إلي ما بعد الموت، مع التصريح بالبقاء بعده، وهو بديهي البطلان، فاندفع الوجه الأول. وأما الوجه الثاني: فقد ظهر اندفاعه بما بيناه من أن نبوة هارون لا تكون في عرض نبوة موسي عليه السلام حتي يستقل بعد موت موسي، ولا يكون مجال لقيام الخلافة به، فما توهمه من أن انتفاءها بموت المستخلف ليس عزلا ولا نقصا بل عودا إلي حالة أكمل - وهي الاستقلال بالنبوة - في غير محله، لأن النبوة الثابتة له تقتضي الاستقلال فيما هو من شأن موسي عليه السلام من الإمامة، فنفوذ أمر هارون - لو بقي بعد موسي - إنما يكون لخلافته، لا لأجل نبوته. وأما الوجه الثالث: ففيه أنه لا مانع عقلا ولا شرعا من عقد عهد الإمامة للفرع بعنوان الخلافة عن الأصل، بحيث يستقل في التصرف مع غيبة الأصل، أو بعد موته. فتوهم أن الإمامة إنما هي الخلافة بعد الموت غلط لا وجه له. وأما الوجه الرابع: ففيه أن قوله تعالي: (هارون اخلفني في قومي) (الأعراف: 142) مطلق غير مقيد بزمان غيبته، ومجرد كون إرادة الاستخلاف علي السفر لا يوجب تقييده بحال سضره وغيبته ما لم يقيده بقوله: ما دمت غائبا مثلا، فوجب الحكم ببقائها بعد موت موسي عليه السلام أو عاش بعده. وتوهم أن الخلافة حقيقة في قيام شخص مقام آخر فيما لا يتمكن الأصل من مباشرته بنفسه، وهو لا يتم إلا بغيبته، وهم، لصدق الخليفة علي النائب، مع قدرة المنوب عنه علي المباشرة بالضرورة، مع أنه - لو تم - لم يتم ما ذكره من أنه لا يتم إلا بغيبة، لتحقق الخلافة حينئذ بأحد أمرين: غيبة المنوب عنه أو موته، ضرورة أنه كما يتحقق عدم التمكن من المباشر بالغيبة كذلك يتحقق بالموت، فتقييده بأحدهما لا وجه له. وأما الوجه الخامس: فواضح الفساد، إذ مع الاطلاق يجب الحكم بالبقاء، لتحقق المقتضي وعدم المانع، ولا حاجة إلي التصريح بالتأييد. وأما ما ذكره من أنه بعد اللتيا والتي لا دلالة علي نفي إمامة الثلاثة، فقد اتضح اندفاعه بما بيناه في المتن. منه (قدس سره).
[178] الأعراف: 142 وطه: 21.
[179] الأحزاب: 36.
[180] الحجرات: 10.
[181] راجع الكافي 1 / 32.
[182] غاية المرام ص 612 - 614.
[183] يونس: 35.
[184] غاية المرام ص 270. مناقب ابن المغازلي 276.
[185] غاية المرام ص 270 نقلا عن أمالي الطوسي 1 / 388.
[186] راجع غاية المرام ص 270 - 272 والبرهان 1 / 147 - 151.
[187] وما يتوهم من أن ما طلبه الخليل عليه السلام لذريته هي السلطنة الظاهرية التكوينية لا التشريعية وهم ظاهر، لأنها لا تكون عهدا لربه تعالي لا ينال الظالمين. إذ نالها كثير منهم، بل لم ينلها من المؤمنين إلا قليل، مع أنه مناف لصدر الآية أيضا، لأن الذي طلبه الخليل عليه السلام لذريته هو الذي جعله الله تعالي واختصه به، وما جعله الله تعالي إنما هو الإمامة والولاية التشريعية لا السلطنة الظاهرية التكوينية. منه " ره ".
[188] الكافي 1 / 175. غاية المرام ص 271.
[189] الكافي 1 / 278. المحاسن ص 153. مناقب آل أبي طالب 1 / 246. بحار الأنوار 68 / 339.
[190] مناقب آل أبي طالب 3 / 16.
[191] في المصدر: يعرفه الله... ويعرفه نبيه... ويعرفه إمامه....
[192] الكافي 2 / 414. غاية المرام ص 266.
[193] راجع غاية المرام ص 265 - 268 ففيها 14 حديثا من طريقنا.
[194] غاية المرام ص 264.
[195] أي أن فاقد الشئ كيف يكون معطيا.
[196] الأحزاب: 6.
[197] غاية المرام ص 549.
[198] النساء: 83.
[199] الكافي 1 / 34.
[200] النساء: 59.
[201] مسند أحمد 2 / 129 و 4 / 421.
[202] راجع البحار 23 / 94 وشرح صحيح مسلم للنووي 12 / 482.
[203] غاية المرام ص 393. مناقب ابن المغازلي ص 63.
[204] غاية المرام ص 393.
[205] غاية المرام ص 5 - 13.
[206] غاية المرام ص 6 نقلا عن فرائد السمطين.
[207] غاية المرام ص 7 نقلا عن فرائد السمطين.
[208] مجمع البيان 7 / 206.
[209] راجع غاية المرام ص 320 - 323.
[210] المراد تضمنه معني الشرط، فلم يناف ذلك عدم جزمه الفعلين. منه " ره ".
[211] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 / 38.
[212] القصص: 69.
[213] غاية المرام ص 331.
[214] غاية المرام ص 448 - 454.
[215] غاية المرام ص 473 نقلا عن مناقب الخوارزمي ص 65.
[216] مناقب الخوارزمي 65.
[217] في ذيل الحديث الثاني عشر.
[218] غاية المرام ص 471 - 475.
[219] غاية المرام ص 456 - 458.
[220] غاية المرام ص 458.
[221] غاية المرام ص 458.
[222] غاية المرام ص 458.
[223] غاية المرام ص 465 - 471.
[224] غاية المرام ص 520 - 523.
[225] غاية المرام ص 528 - 530.
[226] غاية المرام ص 539 - 542.
[227] غاية المرام ص 540. وراجع ربيع الأبرار 1 / 828.
[228] غاية المرام ص 543 - 544.
[229] غاية المرام ص 543 - 544.
[230] غاية المرام ص 543.
[231] غاية المرام ص 639 - 647.
[232] غاية المرام ص 639. مناقب ابن المغازلي ص 252.
[233] في المناقب: " ونفس ذلك " مكان " وحقد من ذلك ".
[234] الوجد: الحزن والغضب.
[235] غاية المرام ص 640. مناقب ابن المغازلي ص 253 - 255. مع تفاوت يسير في بعض الجملات.
[236] غاية المرام ص 578 - 587.
[237] غاية المرام ص 581. مناقب الخوارزمي ص 33.
[238] غاية المرام ص 581. مناقب الخوارزمي ص 34.
[239] الكافي 1 / 539.
[240] المصباح المنير ص 585.
[241] المصباح المنير ص 597.
[242] الإسراء: 78.
[243] التوبة: 60.
[244] كذا في الأصل، ولعل الصحيح: كاهله.
[245] الأنفال: 41.
[246] الكافي 4 / 357. التهذيب 4 / 126.
[247] البرهان 2 / 83 نقلا عن الكافي 1 / 414.
[248] التهذيب 4 / 125.
[249] الكافي 1 / 544.
[250] التوبة: 60.
[251] راجع كتاب ذخائر الإمامة تأليف الشيخ فياض الزنجاني " ره " في تفسير الآية الشريفة، فإنه ورسالة السيد الأستاذ العلامة أي السيد محسن الكوهكمري رضيعا لبن واحد وكلاهما من تلاميذ الشيخ هادي الطهراني " ره ". راجع مقدمة الكتاب.
[252] غاية المرام ص 306.
[253] غاية المرام ص 306 - 310.
[254] غاية المرام ص 306.
[255] الكافي 8 / 93. غاية المرام ص 307.
[256] كذا في الأصل، ولعل الصحيح: مزيد.
[257] مجمع البيان 9 / 28.
[258] في ذيل الحديث الخامس عشر.
[259] راجع غاية المرام ص 306.
[260] صحيح البخاري 3 / 1233. غاية المرام ص 311.
[261] غاية المرام ص 311 - 314.
[262] غاية المرام ص 311.
[263] غاية المرام ص 311.
[264] غاية المرام ص 311 نقلا عن فرائد السمطين.
[265] غاية المرام ص 312 نقلا عن فرائد السمطين.
[266] غاية المرام ص 312 نقلا عن فرائد السمطين.
[267] آل عمران: 31.
[268] الشوري: 306.
[269] طه: 1 - 3.
[270] الأحزاب: 33.
[271] الصافات: 130.
[272] أقول: بل في ستة أشياء والسادس في الولاية قال عز من قائل: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) منه (قدس سره).
[273] غاية المرام ص 312 نقلا عن فرائد السمطين.
[274] غاية المرام ص 312.
[275] غاية المرام ص 313. أمالي الصدوق ص 310 (المجلس 60).
[276] الأحزاب: 56.
[277] غاية المرام ص 313 نقلا عن معاني الأخبار ص 367.
[278] الكافي 2 / 492. غاية المرام ص 314.
[279] آل عمران: 61.
[280] الاختصاص: 56. غاية المرام: 304.
[281] غاية المرام ص 302 نقلا عن الفصول المهمة عن صحيح مسلم وسنن الترمذي.
[282] راجع غاية المرام ص 257 - 300.
[283] كما أنه لا مجال لتأويل أنفسنا بغير مولانا أمير المؤمنين، إذ الذين دعاهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم للمباهلة باتفاق الأمة لم يكونوا إلا مولانا أمير المؤمنين، وفاطمة الزهراء، والحسن، والحسين عليهم السلام وتأويله بنفس الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لا يجوز من وجوه: الأول: أنه يلزم أن لا يكون حينئذ ذكر عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مع دخوله عليه السلام في المدعوين للمباهلة باتفاق الأمة. والثاني: أنه يلزم اتحاد الداعي والمدعو، وبطلانه واضح. والثالث: أنه يلزم زيادة قوله تعالي: (وأنفسنا وأنفسكم) وعدم الحاجة إليه، لدخوله في قوله تعالي (قل تعالوا ندع). منه (قدس سره).
[284] غاية المرام ص 455. ولعل الصحيح: فأخذ بيد علي عليه السلام.
[285] غاية المرام ص 455. مناقب الخوارزمي ص 85.
[286] غاية المرام ص 455.
[287] إذ تنزيله منزلة نفسه صلي الله عليه وآله وسلم إطلاقا لا يجتمع مع عدم خلافته عليه السلام عنه صلي الله عليه وآله وسلم، لأنها من أحد وجوه التنزيل، بل أظهرها وأجلاها، بحيث لو نزل منزلة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لا في مقام الولاية والإمامة التي هي عمدة شؤونه لا يصح التعبير عنه عليه السلام بأنه نفس الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قطعا. منه " قدس سره ".
[288] الواقعة: 27.
[289] الواقعة: 8 و 10.
[290] غاية المرام ص 289 نقلا عن تفسير الثعلبي.
[291] غاية المرام ص 289 نقلا عن الجمع بين الصحيحين.
[292] غاية المرام ص 289.
[293] غاية المرام ص 289.
[294] الشعراء: 84.
[295] غاية المرام ص 261 نقلا عن شرح نهج البلاغة 6 / 375.
[296] البقرة: 15.
[297] غاية المرام ص 393 - 394.
[298] غاية المرام ص 5 - 7.
[299] غاية المرام ص 240 - 242.
[300] الزخرف: 44.
[301] الكافي 1 / 210. غاية المرام ص 240.
[302] الكافي 1 / 210. غاية المرام ص 240.
[303] طه: 38.
[304] الكافي 1 / 210. غاية المرام ص 240.
[305] يعني في غاية المرام.
[306] الطلاق: 10 و 11.
[307] أمالي الصدوق ص 428، المجلس 79. غاية المرام ص 241.
[308] غاية المرام ص 240.
[309] آل عمران: 133.
[310] غاية المرام ص 240.
[311] غاية المرام ص 240.
[312] " فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا - رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ". الآية: 10 - 11.
[313] النحل: 44.
[314] راجع الغدير 6 / 327.
[315] غاية المرام ص 249 نقلا عن فرائد السمطين.
[316] غاية المرام ص 249.
[317] غاية المرام ص 249.
[318] غاية المرام ص 249.
[319] الكافي 1 / 437. غاية المرام ص 250.
[320] بصائر الدرجات ص 72. غاية المرام ص 250.
[321] غاية المرام ص 327.
[322] غاية المرام ص 327. مناقب الخوارزمي ص 265.
[323] غاية المرام ص 327.
[324] غاية المرام ص 327. نقلا عن شواهد التنزيل.
[325] غاية المرام ص 327.
[326] غاية المرام ص 327.
[327] غاية المرام ص 328. أمالي الطوسي 2 / 418، المجلس 14.
[328] الإمامة والسياسة ص 12 - 15 طبع المكتبة التجارية الكبري بمصر.
[329] في المصدر: وعلي.
[330] في المصدر: وأخري.
[331] الإمامة والسياسة ص 18 - 22، طبع 1378.
[332] غاية المرام ص 478 - 491.
[333] الزخرف: 57 - 60.
[334] الأنفال: 33.
[335] المعارج: 1 - 3.
[336] إبراهيم: 15.
[337] الكافي 8 / 57. غاية المرام ص 425.
[338] راجع غاية المرام ص 109 - 152.
[339] غاية المرام ص 424 - 426.
[340] غاية المرام ص 424.
[341] غاية المرام ص 424.
[342] غاية المرام ص 424.
[343] راجع مجمع البيان 9 / 53 وتفسير القمي ص 611 الطبع الحجري وغاية المرام ص 426.
[344] غاية المرام ص 382. البرهان 4 / 33.
[345] البرهان 4 / 33. غاية المرام ص 382.
[346] غاية المرام ص 382.
[347] الأحزاب: 56.
[348] الصافات: 79.
[349] الصافات: 109.
[350] الصافات: 120.
[351] غاية المرام ص 382.
[352] تفسير الفخر الرازي 26 / 162.
[353] آل عمران: 33.
[354] غاية المرام ص 366.
[355] غاية المرام ص 366. مناقب الخوارزمي ص 283 الطبع الحديث.
[356] غاية المرام ص 367. مناقب الخوارزمي ص 283 - 284.
[357] غاية المرام ص 367 نقلا عن تفسير الثعلبي.
[358] غاية المرام ص 367 نقلا عن تفسير الثعلبي.
[359] غاية المرام ص 367.
[360] غاية المرام ص 367.
[361] الأعلي: 18 و 19.
[362] غاية المرام ص 367. بصائر الدرجات ص 135.
[363] غاية المرام ص 520.
[364] غاية المرام ص 521.
[365] غاية المرام ص 523.
[366] غاية المرام ص 510.
[367] غاية المرام ص 528.
[368] غاية المرام ص 541.
[369] غاية المرام ص 511.
[370] في الأصل: " ولمراجعتهم " والظاهر زيادة الواو.
[371] يونس: 35.
[372] غاية المرام ص 463 نقلا عن مناقب ابن شهرآشوب 2 / 126 طبع قم.
[373] غاية المرام ص 461 - 465.
[374] غاية المرام ص 462.
[375] غاية المرام 456 - 459.
[376] الكافي 1 / 403.
[377] النور: 36 - 37.
[378] غاية المرام ص 317.
[379] الجمعة: 11.
[380] غاية المرام ص 317.
[381] غاية المرام ص 317 نقلا عن تفسير الثعلبي.
[382] غاية المرام ص 317 نقلا عن تفسير الثعلبي.
[383] طه: 82.
[384] المائدة: 27.
[385] فاطر: 24.
[386] الحج: 46.
[387] غاية المرام ص 317. الكافي 2 / 47.
[388] غاية المرام ص 318 نقلا عن الكافي 6 / 256.
[389] آل عمران: 33.
[390] النور: 35.
[391] غاية المرام ص 315. مناقب ابن المغازلي ص 317.
[392] هود: 73.
[393] آل عمران: 33 - 34.
[394] آل عمران: 67.
[395] غاية المرام ص 315 نقلا عن الكافي 8 / 380.
[396] غاية المرام ص 315 - 316 نقلا عن الصدوق.
[397] غاية المرام ص 316 نقلا عن الصدوق.
[398] غاية المرام ص 315 نقلا عن الكافي 1 / 115.
[399] غاية المرام ص 317.
[400] في الأصل: " وهكذا الأمور " والصحيح ظاهرا ما أثبتناه.
[401] النور: 36.
[402] مجمع البيان 7 / 144.
[403] مجمع البيان 7 / 144.
[404] يوسف: 82.
[405] مجمع البيان 7 / 142.
[406] مجمع البيان 7 / 142.
[407] مجمع البيان 7 / 142.
[408] مجمع البيان 7 / 143.
[409] يعني الشيخ هادي الطهراني " ره ".
[410] المطبوع بالطبع الحجري وطبعت ترجمته أيضا.
[411] غاية المرام ص 315. مناقب ابن المغازلي ص 317.
[412] غاية المرام ص 316.
[413] التوبة: 10.
[414] غاية المرام ص 355 نقلا عن فرائد السمطين.
[415] الواقعة: 27.
[416] الواقعة: 8 - 10.
[417] الحجرات: 13.
[418] الأحزاب: 33.
[419] غاية المرام ص 386 نقلا عن تفسير الثعلبي.
[420] غاية المرام ص 386. مناقب ابن المغازلي ص 320.
[421] غاية المرام ص 386.
[422] غاية المرام ص 356. مناقب الخوارزمي ص 19.
[423] غاية المرام ص 356. مناقب الخوارزمي ص 20.
[424] غاية المرام ص 356 نقلا عن تفسير القمي 661. الطبع الحجري.
[425] غاية المرام ص 499.
[426] غاية المرام ص 502 نقلا عن مناقب الخوارزمي ص 61.
[427] غاية المرام ص 502 نقلا عن فرائد السمطين.
[428] غاية المرام ص 502 نقلا عن فرائد السمطين.
[429] غاية المرام ص 503.
[430] غاية المرام ص 504. أمالي الصدوق ص 28 المجلس 6.
[431] وببيان أوضح قرب العبد إلي الله تعالي وصيرورته من المقربين: إنما هو بظهور آثار القرب فيه، وترتب آثاره عليه من سبق دخوله في الجنة، وإنزال الرحمة عليه وإكرامه بما لا يكرم به غيره، وهكذا من الآثار المترتبة علي القرب، لا بصيرورته قريبا حقيقة في المكان أو في سائر الجهات المتطرقة في الخلق، فلو رتب آثار القرب علي المسبوق بجعله خليفة لله تعالي، والسابق تحت طاعته وولايته للزم أن يكون المسبوق مقربا إليه تعالي، دون السابق " وهو مناقض لقوله عز وجل " أولئك هم المقربون ". منه " قدس سره ".
[432] يعني خطبة كتاب شرح نهج البلاغة.
[433] راجع البحار ج 2 / 225 و ج 28 / 104، والمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي ج 1 / 367.
[434] الواقعة: 9 - 10.
[435] غاية المرام ص 392 نقلا عن تفسير الثعلبي.
[436] غاية المرام ص 392 نقلا عن تفسير الثعلبي.
[437] غاية المرام ص 392.
[438] غاية المرام ص 391 - 392 نقلا عن تفسير الثعلبي.
[439] غاية المرام ص 392 نقلا عن الصدوق.
[440] الكافي 2 / 239. غاية المرام ص 396.
[441] آية المباهلة.
[442] غاية المرام ص 454 - 460.
[443] غاية المرام ص 619 نقلا عن مناقب الخوارزمي ص 42.
[444] هكذا في رواية موفق بن أحمد، وروي غيره من العامة والخاصة، عن أنس بدل خاتم الوصيين خير الوصيين، فعلي هذا يحتمل أن يكون خاتم الوصيين سهوا من الراوي أو الناسخ، ولو صح تعين حمله علي ما ذكرناه، إذ لم يدع أحد الوصاية لغيره عليه السلام، والعامة فرقوا بين الوصاية والخلافة، فجعلوا الوصاية لعلي عليه السلام والخلافة لأبي بكر بالبيعة، ولم يدع أحد منهم الوصاية له.
[445] النساء: 69.
[446] هذا الكتاب ليس من الشيخ الطوسي " ره ". وفي غاية المرام هكذا: " ابن بابويه في كتاب مصباح الأنوار " وهذه النسبة أيضا غير صحيحة. راجع الذريعة 21 / 103.
[447] غاية المرام ص 427.
[448] غاية المرام ص 648.
[449] غاية المرام ص 647.
[450] غاية المرام ص 647.
[451] غاية المرام ص 648. مناقب المنازلي ص 246 - 247.
[452] غاية المرام ص 648 نقلا عن تفسير الثعلبي.
[453] الحديد: 19.
[454] غاية المرام ص 648 نقلا عن مناقب ابن شهرآشوب. 3 / 89 طبع قم.
[455] آل عمران: 103.
[456] آل عمران: 112.
[457] الفرقان: 27.
[458] إبراهيم: 37.
[459] آل عمران: 7.
[460] غاية المرام ص 341 نقلا عن غيبة النعماني ص 39 - 41 طبع مكتبة الصدوق.
[461] غاية المرام ص 341.
[462] غاية المرام ص 341 - 342.
[463] غاية المرام ص 342 نقلا عن الصدوق.
[464] الاحتجاج 1 / 75. غاية المرام ص 343.
[465] غاية المرام ص 341 - 343.
[466] مجمع البيان 10 / 316.
[467] غاية المرام ص 365 - 366.
[468] مناقب آل أبي طالب 3 / 77. صحيح البخاري 4 / 1868. غاية المرام ص 365 - 366.
[469] غاية المرام ص 366.
[470] غاية المرام ص 344.
[471] غاية المرام ص 345 - 346. الفصول المهمة ص 48. المحجة البيضاء 6 / 80. البرهان 1 / 206.
[472] مجمع البيان 2 / 301.
[473] غاية المرام ص 344 - 347.
[474] كذا في الأصل. ولعل الصحيح: " من البلوغ ".
[475] غاية المرام ص 465 - 470.
[476] التوبة: 40.
[477] الكهف: 34.
[478] الكهف: 37.
[479] المجادلة: 7.
[480] التوبة: 40.
[481] التوبة: 40.
[482] غاية المرام ص 373 - 374.
[483] غاية المرام ص 373. مناقب ابن المغازلي ص 328.
[484] غاية المرام ص 373.
[485] غاية المرام ص 373 نقلا عن فرائد السمطين.
[486] الكافي 1 / 431. غاية المرام ص 374.
[487] غاية المرام ص 374 نقلا عن تفسير القمي ص 417. الطبع الحجري.
[488] النور: 19.
[489] غاية المرام ص 413. الفصول المهمة ص 12. الطبع الحجري.
[490] غاية المرام ص 413.
[491] مجمع البيان 9 / 201. غاية المرام ص 413.
[492] مناقب آل أبي طالب 3 / 318. غاية المرام ص 413.
[493] مناقب آل أبي طالب 3 / 319. غاية المرام ص 414.
[494] غاية المرام ص 414.
[495] غاية المرام ص 414.
[496] غاية المرام ص 414.
[497] غاية المرام ص 414 نقلا عن الصدوق.
[498] غاية المرام ص 414.
[499] المصباح المنير ص 48.
[500] الرحمن: 21.
[501] البحار 43 / 107.
[502] غاية المرام ص: 449. مناقب ابن المغازلي: 101.
[503] غاية المرام ص: 449.
[504] غاية المرام ص: 452.
[505] الإمامة والسياسة ص 18 طبع المكتبة التجارية الكبري بمصر.
[506] هكذا عبارة النسخة التي نقلتها منها، ولا يخفي أن المذكور منها اثنان ولعله سقط الثالث من قلم الناسخ والله العالم، وقد ظفرت علي ذكر الثالث في العقد الفريد لابن عبد ربه بهذه اللفظة " ووددت أني يوم سيرت خالد بن الوليد إلي أهل الردة أقمت بذي القصة، فإن ظفرت المسلمون ظفروا، وإن انهزموا كنت بصدد لقاء أو مدد " منه " قدس سره ".
[507] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12 / 205. الغدير 6 / 327.
[508] طه: 25 - 32.
[509] القصص: 35.
[510] غاية المرام ص 104.
[511] المائدة: 55 - 56.
[512] غاية المرام ص 104.
[513] الإنسان: 7.
[514] المائدة: 55.
[515] هود: 17.
[516] الأحزاب: 23.
[517] الشوري: 23.
[518] غاية المرام ص 104. مناقب الخوارزمي ص 200.
[519] سيأتي أنه خاتم من فضة، في حديث عن أبي عبد الله عليه السلام.
[520] المائدة: 56.
[521] غاية المرام ص 105. مناقب الخوارزمي ص 265.
[522] مناقب آل أبي طالب 3 / 3.
[523] الكافي 1 / 288.
[524] النحل: 83.
[525] الكافي 1 / 427.
[526] راجع البحار 2 / 225 و 28 / 104 والمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي 1 / 367.
[527] المائدة: 55.
[528] الاحتجاج 2 / 251 - 253.
[529] سبأ: 46.
[530] المائدة: 3.
[531] غاية المرام ص 109 نقلا عن الاحتجاج 1 / 601 طبع الأسوة.
[532] غاية المرام ص 106 نقلا عن فرائد السمطين.
[533] غاية المرام ص 109.
[534] عوالي اللئالي 1 / 404 و 2 / 11.
[535] كشف الغمة 1 / 272 وفيه: خرج الإسلام كله إلي الشرك كله.
[536] غاية المرام ص 471 - 477.
[537] غاية المرام ص 465 - 470.
[538] مجمع البيان 3 / 209.
[539] المائدة: 51.
[540] المائدة: 57.
[541] توضيح: إن حصر الولاية بمعني المحبة فيه تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم إنما يصح باعتبار أن محبة سائر المؤمنين بعضهم بعضا من حيث الإيمان ترجع إلي محبته بعد محبة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، لأن الأصل إنما هو الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم، والمؤمن الذي قرنه برسوله صلي الله عليه وآله وسلم إن كان إماما مفترضا طاعته لا يكمل الإيمان إلا بقبول ولايته، والاستمساك بحبله يصح حصر المحبة فيه أيضا، لأنه أصل في الإيمان، كما أن الرسول أصل فيه، وإلا فلا مجال لحصر المحبة فيه لعدم رجوع محبة المؤمنين إلي محبته. منه قدس سره.
[542] غاية المرام ص: 334 نقلا عن تفسير الثعلبي.
[543] غاية المرام ص: 334 نقلا عن تفسير الثعلبي.
[544] غاية المرام ص: 334 نقلا عن كشف الغمة. 1 / 437 طبع طهران وفيه: زر عن عبد الله.
[545] مجمع البيان 3 / 223. غاية المرام ص 334 - 335.
[546] تفسير العياشي 1 / 288.
[547] غاية المرام ص 397 - 398.
[548] المعارج: 1 و 2.
[549] غاية المرام ص 397 - 398.
[550] مجمع البيان 2 / 223.
[551] العياشي 1 / 331.
[552] مجمع البيان 2 / 223. شواهد التنزيل 2 / 381.
[553] العياشي 1 / 333.
[554] يعني من الأمور الثلاثة الذي قال: ينبغي التكلم فيها في ذيل الحديث 39.
[555] غاية المرام: 79.
[556] غاية المرام: 79 نقلا عن مسند أحمد.
[557] غاية المرام: 79.
[558] غاية المرام: 79.
[559] غاية المرام: 79.
[560] غاية المرام: 81. مناقب ابن المغازلي 24.
[561] غاية المرام: 82.
[562] غاية المرام: 83. مناقب ابن المغازلي: 23.
[563] غاية المرام: 83.
[564] غاية المرام: 84.
[565] غاية المرام: 89.
[566] أمالي المفيد: 26 المجلس 3.
[567] غاية المرام: 89.
[568] غاية المرام: 87. بحار الأنوار 37 / 112 و 150 و ج 38 / 267.
[569] آل عمران: 34.
[570] غاية المرام: 90. أمالي الصدوق: 98 المجلس 23.
[571] تفسير الفخر الرازي 12 / 26 - 30.
[572] المصباح المنير: 840.
[573] مجمع البيان 3 / 209.
[574] الشوري: 23.
[575] أمالي الطوسي 2 / 667. الباب 34.
[576] العياشي 1 / 292.
[577] أمالي الصدوق: 109. المجلس 26.
[578] أمالي الطوسي 1 / 208. الباب 8.
[579] اقتباس من " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ " النحل: 89.
[580] الأنعام: 38.
[581] البقرة: 124.
[582] الأنبياء: 72 و 73.
[583] آل عمران: 68.
[584] الروم: 56.
[585] الكافي 1 / 199.
[586] غاية المرام ص 87.
[587] تقدم الأبيات في ذيل الحديث 39.
[588] غاية المرام: 87.
[589] الأنعام: 124.
[590] الاحتجاج 1 / 74.
[591] كتاب سليم بن قيس 2 / 757.
[592] غاية المرام: 27.
[593] غاية المرام: 27 نقلا عن مناقب الخوارزمي.
[594] البقرة: 285.
[595] غاية المرام: 27 نقلا عن الخوارزمي.
[596] غاية المرام: 28 نقلا عن فرائد السمطين.
[597] غاية المرام: 32.
[598] المائدة: 12.
[599] غاية المرام: 45.
[600] هنا جملة لا تقرأ.
[601] الصافي: ذيل الآية 7 من آل عمران، نقلا عن الاحتجاج للطبرسي. والمؤلف نقل الحديث بالمعني.
[602] النمل: 40.
[603] الرعد: 43.
[604] تفسير القمي: 343. البحار 26 / 160.
[605] البحار 39 / 290 و 35 / 356 و 36 / 116 و 24 / 305.
[606] الحجرات: 14.
[607] آل عمران: 144.
[608] راجع البحار: 28 / 30.
[609] النساء: 54.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.