مسائل خلافية حار فيها أهل السنة

اشارة

نوع: كتاب
پديدآور: آل محسن، علي
عنوان و شرح مسئوليت: مسائل خلافية حار فيها أهل السنة [منبع الكترونيكي] / تاليف علي آل محسن
ناشر: موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت (ع)
توصيف ظاهري: 1 متن الكترونيكي: بايگاني HTML؛ داده هاي الكترونيكي (269 بايگاني: 780.9KB)
يادداشت: كتابنامه به صورت زيرنويس
موضوع: فقه تطبيقي
احاديث احكام
احاديث اهل سنت

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيد الأنبياء والمرسلين، وعلي آله الطيبين الطاهرين، وبعد: فهذه مسائل متفرقة، اختلف فيها الشيعة وأهل السنة، واشتدت الحاجة إلي معرفة الرأي الحق فيها، لما يترتب علي ذلك من معرفة المذهب الصحيح وتمييزه عن غيره. وهذه المسائل قد رُويت فيها أحاديث صحيحة عند أهل السنة، وكان من اللازم أن تَحسِم تلكم الأحاديث هذا النزاع القديم المستحكم بين هاتين الطائفتين، إلا أن أهل السنة ـ هداهم الله ـ تحيَّروا في بعضها حيرة شديدة، فاضطربت أقوالهم، وتشتَّت آراؤهم، ولم يهتدوا فيها إلي الصواب، لأنهم حاولوا أن يصرفوا تلك الأحاديث عن معانيها إلي ما يوافق معتقداتهم ويلتئم مع مذهبهم، فوجَّهوا بعض هذه الأحاديث إلي غير جِهَتها بما لا يرتضيه المنصفون، ولا يقبله المحِقّون، وأهملوا بعضها الآخر، فتركوا البحث فيها مع عظم أهميتها وشدة الحاجة إلي معرفة الوجه فيها. وحيث إن المسائل الخلافية بين الشيعة وأهل السنة في أصول الدين وفروعه كثيرة جداً، واستقصاء ذلك يستدعي الإطالة، ويسبِّب ضياع ما تمس الحاجة إلي بيانه أكثر من غيره، فلذا آثرنا أن نقتصر علي سبع مسائل مهمة، هي من جملة المهم من مسائل أصول الدين التي لها شأنها في اختيار المذهب [ صفحه 6] الحق من هذين المذهبين. والمسائل التي وقع عليها الاختيار هي: 1 ـ مَن هم الأئمة الاثنا عشر؟ 2 ـ ما هو المصحِّح لخلافة أبي بكر؟ 3 ـ لماذا لم يتمسَّك أهلُ السنة بأهل البيت عليهم السلام؟ 4 ـ لماذا هذه المذاهب الأربعة؟ 5 ـ ماذا بقي من شعائر الإسلام صحيحاً عند أهل السنة؟ 6 ـ مَن هو إمام المسلمين في هذا العصر؟ 7 ـ ما هي الفرقة الناجية؟ وأسأل المولي جل شأنه أن يوفِّقنا لبيان الحق وقول الصدق، وأن يجمع كلمة المسلمين علي رضاه، إنه علي ما يشاء قدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين. 22 جمادي الثانية 1419هـ علي آل محسن [ صفحه 7]

من هم الخلفاء الاثنا عشر عند أهل السنة؟

تمهيد لقد جاءت الأحاديث الصحيحة مبشِّرة باثني عشر خليفة من قريش، لا يزيدون ولا ينقصون، عددهم كعدد نقباء بني إسرائيل، يكون الإسلام بهم قائماً عزيزاً منيعاً ظاهراً علي مَن ناواه، ويكون الأمر بهم صالحاً، وأمر الناس بهم ماضياً... ومع استفاضة تلك الأحاديث ووضوحها إلا أن علماء أهل السنة تحيَّروا في معرفة هؤلاء الخلفاء، ولم يهتدوا في هذه المسألة إلي شيء صحيح، فجاءت أقوالهم ـ علي كثرتها ـ واهية ركيكة ضعيفة كما سيتضح قريباً إن شاء الله تعالي.

طرق حديث الخلفاء الاثني عشر

1 ـ أخرج البخاري وأحمد والبيهقي وغيرهم عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش [1] . [ صفحه 8] قال البغوي: هذا حديث متّفق علي صحّته [2] . 2 ـ وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي علي النبي صلي الله عليه وسلم، فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتي يمضي فيهم اثنا عشر خليفة. قال: ثم تكلم بكلام خفي عليَّ. قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش [3] . 3 ـ وأخرج مسلم أيضاً ـ واللفظ له ـ وأحمد عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً. ثم تكلم النبي صلي الله عليه وسلم بكلمة خفيت عليَّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ فقال: كلهم من قريش [4] . 4 ـ وأخرج مسلم أيضاً وأحمد والطيالسي وابن حبان والخطيب التبريزي وغيرهم عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: لا يزال الإسلام عزيزاً إلي اثني عشر خليفة. ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش [5] . 5 ـ وأخرج مسلم ـ واللفظ له ـ وأحمد وابن حبان عن جابر بن سمرة، قال: انطلقت إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ومعي أبي، فسمعته يقول: لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلي اثني عشر خليفة. فقال كلمة صَمَّنيها الناس، فقلت [ صفحه 9] لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش [6] . 6 ـ وأخرج مسلم ـ واللفظ له ـ وأحمد عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول: لا يزال الدين قائماً حتي تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش... [7] . 7 ـ وأخرج الترمذي وأحمد عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يكون من بعدي اثنا عشر أميراً. ثم تكلم بشيء لم أفهمه، فسألت الذي يليني، فقال: قال: كلهم من قريش [8] . 8 ـ وأخرج أبو داود حديث الخلفاء الاثني عشر بثلاثة طرق صحيحة [9] . قال في أحدها: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: لا يزال هذا الدين قائماً حتي يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم تجتمع عليه الأمة. فسمعت كلاماً من النبي لم أفهمه، قلت لأبي: ما يقول؟ قال: كلهم من قريش [10] . وقال في آخر: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: لا يزال هذا الدين عزيزاً إلي اثني عشر خليفة. قال: فكبَّر الناس وضجّوا، ثم قال كلمة خفية. قلت [ صفحه 10] لأبي: يا أبه، ما قال؟ قال: كلهم من قريش [11] . 5 ـ وأخرج أحمد ـ واللفظ لغيره ـ، والحاكم في المستدرك، والهيثمي في مجمع الزوائد عن الطبراني في الأوسط والكبير والبزَّار، أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: لا يزال أمر أمتي صالحاً حتي يمضي اثنا عشر خليفة. وخفض بها صوته، فقلت لعمي وكان أمامي: ما قال يا عم؟ قال: كلهم من قريش [12] . 6 ـ وأخرج أحمد في المسند، والهيثمي في مجمع الزوائد، وابن حجر في المطالب العالية، والبوصيري في مختصر الإتحاف، عن مسروق، قال: جاء رجل إلي عبد الله بن مسعود، فقال: هل حدَّثكم نبيَّكم كم يكون بعده من الخلفاء؟ قال: نعم، وما سألني عنها أحد قبلك وإنك لمن أحدث القوم سنًّا. قال: يكونون عدّة نقباء موسي، اثني عشر نقيباً [13] . 7 ـ وأخرج أحمد وأبو نعيم والبغوي عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش... [14] . [ صفحه 11] 8 ـ وأخرج أحمد بن حنبل في المسند ـ واللفظ له ـ، والحاكم النيسابوري في المستدرك عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول في حجّة الوداع: لا يزال هذا الدين ظاهراً علي من ناواه، لا يضرّه مخالف ولا مفارق، حتي يمضي من أمتي اثنا عشر أميراً، كلهم. ثم خفي من قول رسول الله صلي الله عليه وسلم، قال: يقول: كلهم من قريش [15] . إلي غير ذلك مما لا يحصي كثرة [16] .

من هم الخلفاء الاثنا عشر؟

لقد حاول علماء أهل السنة كشف المراد بالخلفاء الاثني عشر في الأحاديث السابقة، بما يتَّفق مع مذهبهم، ويلتئم مع معتقدهم، فذهبوا ذات اليمين وذات الشمال لا يهتدون إلي شيء. وحاولوا جاهدين أن يصرفوا هذه الأحاديث عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، ويجعلونها في غيرهم ممن لا تنطبق عليهم الأوصاف الواردة فيها، فتاهوا وتحيَّروا، حتي ذهبوا إلي مذاهب عجيبة، وصدرت منهم أقوال غريبة، وأقرَّ بعضهم بالعجز، واعترف بعضهم بعدم وضوح معني لهذه الأحاديث تركن إليه النفس. قال ابن الجوزي في كشف المشكل: هذا الحديث قد أطلتُ البحث عنه، وتطلَّبتُ مظانّه، وسألتُ عنه، فما رأيت أحداً وقع علي المقصود به... [17] . وقال ابن بطال عن المهلب: لم ألقَ أحداً يقطع في هذا الحديث ـ يعني [ صفحه 12] بشيء معين [18] .

اختلاف أهل السنة في الخلفاء الاثني عشر

اشاره

لقد كثرت أقوالهم في هذه المسألة، واختلفت آراؤهم اختلافاً عظيماً، وتضاربت تضارباً شديداً، ومع كثرة تلك الأقوال لا تجد فيها قولاً خالياً من الخدش والخلل، وأهم ما عثرت عليه من أقوالهم في هذه المسألة ثمانية أقوال، وإليك بيانها، وبيان ما فيها:

رأي القاضي عياض والحافظ البيهقي

قال القاضي عياض [19] : لعل المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة عزَّة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره، والاجتماع علي مَن يقوم بالخلافة، وقد وُجد فيمن اجتمع عليه الناس، إلي أن اضطرب أمر بني أمية، ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد، فاتصلت بينهم إلي أن قامت الدولة العباسية، فاستأصلوا أمرهم [20] . قال ابن حجر العسقلاني: كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه، لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة: «كلّهم يجتمع عليه الناس»، وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته، [ صفحه 13] والذي وقع أن الناس اجتمعوا علي أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، إلي أن وقع أمر الحَكَمين في صفِّين، فتسمَّي معاوية يومئذ بالخلافة، ثم اجتمع الناس علي معاوية عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا علي ولده يزيد، ولم ينتظم للحسين أمر، بل قُتل قبل ذلك، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلي أن اجتمعوا علي عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثم اجتمعوا علي أولاده الأربعة: الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد: عمرُ بن عبد العزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك، اجتمع الناس عليه لما مات عمّه هشام، فولي نحو أربع سنين، ثم قاموا عليه فقتلوه، وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ، ولم يتفق أن يجتمع الناس علي خليفة بعد ذلك... [21] . وهذا هو قول البيهقي [22] أيضاً في دلائل النبوة، حيث قال بعد أن ساق بعضاً من الأحاديث السابقة: وقد وُجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلي وقت الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ثم وقع الهرج والفتنة العظيمة كما أخبر في هذه الرواية، ثم ظهر ملك العباسية... [23] . ثم قال: والمراد بإقامة الدين ـ والله أعلم ـ إقامة معالمه وإن كان بعضهم [ صفحه 14] يتعاطي بعد ذلك ما لا يحل [24] . أقـول: 1 ـ يرُدّ هذا القول وسائر أقوالهم ما رواه القوم عن سفينة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: الخلافة ثلاثون سنة، ثم تكون بعد ذلك ملكاً [25] . ولأجل هذا صرَّحوا بأن الخلافة عندهم منحصرة في أربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي استناداً إلي هذا الحديث، أو خمسة بضميمة عمر بن عبد العزيز [26] ، فكيف صار غير هؤلاء خلفاء مع أن الحديث نصَّ علي أن ما بعد ثلاثين سنة لا تكون خلافة، بل يكون ملك. وفي سنن الترمذي: قال سعيد: فقلت له [أي لسفينة راوي الحديث]: [ صفحه 15] إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم. قال: كذبوا بنو الزرقاء، بل هم ملوك من شر الملوك. وفي سنن أبي داود: قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن علياً لم يكن بخليفة. قال: كذبت أستاه بني الزرقاء ـ يعني بني مروان [27] . وقال القاضي عياض وغيره في الجمع بين حديث سفينة وحديث الخلفاء الاثني عشر: إنه أراد في حديث سفينة خلافة النبوة، ولم يقيّده في حديث جابر ابن سمرة بذلك [28] . وقال الألباني: وهذا جمع قوي، ويؤيّده لفظ أبي داود: (خلافة النبوة ثلاثون سنة)، فلا ينافي مجيء خلفاء آخرين من بعدهم، لأنهم ليسوا خلفاء النبوة، فهؤلاء هم المعنيون في الحديث لا غيرهم، كما هو واضح [29] . ويردّه: أن خلافة النبوة هذه لم يذكر لها علماء أهل السنة معني واضحاً، واختلفوا في بيان المراد منها، فمنهم من قال بأن خلافة النبوة هي التي لا طلب فيها للملك ولا منازعة فيها لأحد [30] فعليه تخرج خلافة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام عن كونها خلافة نبوة، لمنازعة أهل الجمل وأهل النهروان ومعاوية وأهل الشام له [31] ، مع أنهم ذكروا أن خلافته عليه السلام خلافة نبوة. وهذا تهافت واضح. ومنهم مَن ذكر أن خلافة النبوة إنما تكون لمن عملوا بالسُّنَّة، فإذا خالفوا [ صفحه 16] السنّة وبدّلوا السيرة فهم ملوك وإن تسمّوا بالخلفاء [32] . وعليه تكون خلافة النبوة أكثر من ثلاثين سنة، لاتفاقهم علي أن عمر بن عبد العزيز كان يعمل بالسنّة، ولعدّهم إياه من الخلفاء الراشدين، مع أنهم لم يذكروه من ضمن مَن كانت خلافتهم خلافة نبوة. ومنهم من قال: إن المراد بالخلافة في حديث سفينة هي الخلافة الحقَّة أو المرضية لله ورسوله، أو الكاملة، أو المتصلة [33] . وعليه فتكون خلافة النبوة هي خلافة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام وابنه الحسن عليه السلام فقط دون غيرهما، لما سيأتي في الفصل الثاني عند الحديث في خلافة أبي بكر. ولو سلَّمنا أن خلافة الأربعة كانت مرضيّة لله ورسوله أو كاملة أو غير ذلك فلا بد أن يُضاف إليها عندهم خلافة عمر بن عبد العزيز، فتكون خلافة النبوة حينئذ أكثر من ثلاثين سنة. والصحيح أن يقال في هذا الحديث علي تقدير صحَّته: إن خلافة النبوة لا يمكن أن يراد بها إلا الخلافة التي كانت بنصّ النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فمَن استخلفه النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي الأمة فهو خليفة النبي، وخلافته هي خلافة النبوة، ومَن لم يستخلفه واستخلفه الناس فهو خليفتهم، والنبي صلي الله عليه وآله وسلم استخلف عليّاً عليه السلام، وسيأتي ذكر النصوص الدالة علي ذلك في الفصل المذكور إن شاء الله تعالي. وعليه يكون معني حديث سفينة: إن خلافة النبوة ـ وهي خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام ـ تستمر إلي ثلاثين سنة، ثم يتولي أمور المسلمين الملوك. وعدم تمكّن أمير المؤمنين عليه السلام من تولي أمور المسلمين، أو عدم اتّباع الناس له إلا النفر القليل لا يسلب عنه الخلافة بعد حكم الشارع المقدس بها ونصّه [ صفحه 17] عليها، وهذا له نظائر كثيرة في الأصول والفروع لا تخفي [34] . وأما حديث الخلفاء الاثني عشر فهو بيان لعدد أئمة الهدي وخلفاء الحق وسادة الخلق المنصوبين من الله سبحانه، الذين لا يضرهم من ناواهم، ويكون الإسلام بهم عزيزاً، وبذلك يتّضح ألا منافاة بين الحديثين بهذين المعنيين. 2 ـ إن أكثر مَن ذكرهم لم يجتمع عليه الناس، فإن عثمان وإن تمَّت له البيعة واجتماع الناس في أول خلافته، إلا أن الأمور انتقضت عليه بعد ذلك حتي قتله الناس، وأما علي بن أبي طالب عليه السلام فلم يجتمع عليه الناس من أول يوم في خلافته، وذلك لأن أهل الشام لم يبايعوه، وهم كثيرون، وخرج عليه طلحة والزبير وعائشة، فحاربهم في البصرة، ثم خرج عليه الخوارج فحاربهم في النهروان... وكل ذلك كان في أقل من خمس سنين. قال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية: علي رضي الله عنه... لم يجتمع الناس في زمانه، بل كانوا مختلفين، لم ينتظم فيه خلافة النبوة ولا الملك [35] . فعلي ذلك لا يكون علي عليه السلام من هؤلاء الخلفاء عندهم. وأما يزيد بن معاوية فلم يبايعه الحسين بن علي عليه السلام وأهل بيته حتي قُتلوا في كربلاء، وخرج عليه أهل المدينة، وأخرجوا منها عامله وسائر بني أمية، فوقعت بينهم وبينه وقعة الحرة، وخرج عليه ابن الزبير في مكة واستولي عليها... فأي اجتماع حصل له!؟ 3 ـ أن معاوية ومن جاء بعده من ملوك بني أمية وغيرهم لم يجتمع عليهم الناس، بل كانوا متغلِّبين علي الأمَّة بالقوة والقهر، ومن الواضح أن هناك فرقاً [ صفحه 18] بيِّناً بين اجتماع الناس علي شيء وجمعهم عليه، فإن الاجتماع مأخوذ في معناه اختيار المجتمعين، وأما الجمع فمأخوذ فيه عدم الاختيار، والذي حصل لبني أمية هو الثاني، والمذكور في الحديث هو الأول، وهذا واضح معلوم لمن نظر في تاريخ بني أمية وسيرتهم في الناس. وقد روي فيما يدلِّل ذلك الكثير، ومنه ما روي عن سعيد بن سويد، قال: صلي بنا معاوية بالنخيلة ـ يعني خارج الكوفة ـ الجمعة في الضحي، ثم خطبنا فقال: ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلّوا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا، قد عرفت أنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمَّر عليكم، فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون [36] . 4 ـ أن الخلفاء حسبما ذكر في كلامه يكونون ثلاثة عشر لا اثني عشر، وهم: 1 ـ أبو بكر. 2 ـ عمر. 3 ـ عثمان. 4 ـ الإمام علي عليه السلام. 5 ـ معاوية. 6 ـ يزيد بن معاوية. 7 ـ عبد الملك. 8 ـ الوليد. 9 ـ سليمان. 10 ـ عمر بن عبد العزيز. 11 ـ يزيد بن عبد الملك. 12 ـ هشام بن عبد الملك. 13 ـ الوليد بن يزيد. قال ابن كثير: إن الخلفاء إلي زمن الوليد بن اليزيد أكثر من اثني عشر علي كل تقدير [37] .

رأي ابن حجر العسقلاني

قال ابن حجر العسقلاني: الأَولي أن يحمل قوله: (يكون بعدي اثنا عشر خليفة) علي حقيقة البَعْدية، فإن جميع من ولي الخلافة مِن الصدِّيق إلي عمر [ صفحه 19] ابن عبد العزيز أربعة عشر نفساً، منهم اثنان لم تصح ولايتهما ولم تطل مدَّتهما، وهما معاوية بن يزيد، ومروان بن الحكم، والباقون اثنا عشر نفساً علي الولاء كما أخبر صلي الله عليه وسلم. إلي أن قال: ولا يقدح في ذلك قوله: (يجتمع عليه الناس)، لأنه يُحمَل علي الأكثر الأغلب، لأن هذه الصفة لم تفقد إلا في الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير مع صحة ولايتهما، والحُكم بأن مَن خالفهما لم يثبت استحقاقه إلا بعد تسليم الحسن، وبعد قتل ابن الزبير، والله أعلم [38] . أقـول: علي هذا القول يكون الخلفاء الاثنا عشر هم: 1 ـ أبو بكر.2 ـ عمر.3 ـ عثمان. 4 ـ الإمام علي عليه السلام.5 ـ الإمام الحسن عليه السلام.6 ـ معاوية. 7 ـ يزيد بن معاوية.8 ـ عبد الله بن الزبير.9 ـ عبد الملك. 10 ـ الوليد.11 ـ سليمان.12 ـ عمر بن عبد العزيز. وقوله: «يجتمع عليه الناس» محمول علي الأكثر الأغلب، يردّه أن مجيء التأكيد بـ «كل» في قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «كلّهم يجتمع عليه الناس» الدال بالنصّ علي العموم يقدح في هذا القول. هذا مع أن الصفة المذكورة ـ وهي اجتماع الناس ـ فُقدت في غير الحسن عليه السلام وابن الزبير كما مر آنفاً. وقوله: «إن معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم لم تصح ولايتهما» يردّه أن يزيد بن معاوية إن كانت ولايته صحيحة كما قال، فنص يزيد علي ابنه من بعده يصحِّح ولايته بلا ريب ولا شبهة وإن لم تطل مدّته. وإن كان التغلّب علي أمور المسلمين يصحّح خلافة معاوية، فتغلّب مروان بعد ذلك مصحِّح لخلافته. [ صفحه 20] ثم إن جعله طول الولاية دليلاً علي صحَّتها واعتبارها لا يمكن التسليم به، فإنه لم يقل به أحد، هذا مع أنه اعتبر ولاية الإمام الحسن عليه السلام التي دامت ستة أشهر، ولم يعتبر ولاية مروان بن الحكم التي دامت نفس المدة. ومن الغريب أنه زعم أن عبد الملك بن مروان لم يثبت استحقاقه للخلافة إلا بعد قيامه علي الخليفة الحق عنده آنذاك وهو عبد الله بن الزبير وقتله. والذي يظهر من كلام ابن حجر أنه يري أن كل أولئك الحكَّام كانوا متأهِّلين للخلافة مستحقّين لها، مع أن يزيد بن معاوية مثلاً لا يختلف المنصفون في عدم أهليته للخلافة وعدم استحقاقه لها، لأنه تولَّي ثلاث سنين: السنة الأولي قتل فيها الحسين عليه السلام، والسنة الثانية أباح فيها المدينة، والسنة الثالثة هدم فيها الكعبة... فكيف يكون من الخلفاء الذين يكون الإسلام بهم عزيزاً منيعاً قائماً؟! وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالي.

قول ابن أبي العز شارح العقيدة الطحاوية

قال ابن أبي العز الحنفي [39] : والاثنا عشر: الخلفاء الراشدون الأربعة، ومعاوية وابنه يزيد، وعبد الملك بن مروان وأولاده الأربعة، وبينهم عمر بن عبد العزيز ثم أخذ الأمر في الانحلال، وعند الرافضة أن أمر الأمَّة لم يزل في أيام هؤلاء فاسداً منغَّصاً، يتولّي عليه الظالمون المعتدون، بل المنافقون [ صفحه 21] الكافرون، وأهل الحق أذل من اليهود. وقولهم ظاهر البطلان، بل لم يزل الإسلام عزيزاً في ازدياد في أيام هؤلاء الاثني عشر [40] . أقول: الخلفاء الاثنا عشر علي هذا القول هم: 1 ـ أبو بكر.2 ـ عمر.3 ـ عثمان. 4 ـ الإمام علي عليه السلام.5 ـ معاوية.6 ـ يزيد بن معاوية. 7 ـ عبد الملك.8 ـ الوليد.9 ـ سليمان. 10 ـ عمر بن عبد العزيز.11 ـ يزيد بن عبد الملك.12 ـ هشام بن عبد الملك. ويَرِد عليه ما قلناه في خلافة معاوية بن يزيد، وخلافة مروان بن الحكم، فراجعه. ثم إن كل مَن نظر في تاريخ المسلمين يعلم أن الأمة لا تزال في ذلّ وهوان في زمن أكثر هؤلاء الخلفاء، وأقوال علماء أهل السنة تشهد بذلك وتصرح به، ولو لم يكن في زمانهم إلا قتل الحسين عليه السلام لكفي، كيف وقد أعلن بنو أمية سب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام علي المنابر قرابة ستين سنة، وضُرِبت الكعبة حتي تهدّمت حيطانها، وأبيحت المدينة ثلاثة أيام، فوقع فيها من المخازي ما يندي له جبين التاريخ. فإنهم كانوا يقتلون كل من وجدوه من الناس، وكانوا يسلبون كل ما وقع تحت أيديهم من الأموال، ووقعوا علي النساء حتي قيل: إنه حبلت ألف امرأة من أهل المدينة من غير زوج. وقُتل من وجوه المهاجرين والأنصار سبعمائة، ومن سائر الناس عشرة آلاف، ولما دخل مسلم بن عقبة المدينة دعا الناس للبيعة علي أنهم عبيد وخَدَم ليزيد بن معاوية، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء [41] . [ صفحه 22] إلي غير ذلك مما يطول ذِكره. وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء: لو لم يكن من مساوئ عبد الملك إلا الحجَّاج وتوليته إياه علي المسلمين وعلي الصحابة رضي الله عنهم، يهينهم ويذلّهم قتلاً وضرباً وشتماً وحبساً، وقد قتل من الصحابة وأكابر التابعين ما لا يُحصي، فضلاً عن غيرهم، وختم علي عنق أنَس وغيره من الصحابة ختماً، يريد بذلك ذلَّهم، فلا رحمه الله ولا عفا عنه [42] . وقال الذهبي في كتابه العِبَر: قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: الوليد بالشام، والحجَّاج بالعراق، وقُرَّة [بن شريك] بمصر، وعثمان بن حبان بالحجاز، امتلأت والله الأرض جوراً [43] . فهل كان الإسلام عزيزاً وفي ازدياد؟ وهل كان الناس عامة والمؤمنون خاصة في عز وكرامة، أم في ذلَّ ومهانة؟ الأمر معلوم وواضح، ولا ينكر ذلك إلا مكابر أو جاهل أو متعصب. ويكفي قول سفينة المتقدم فيهم لما سأله سعيد فقال: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم. قال: كذبوا بنو الزرقاء، بل هم ملوك من شر الملوك.

قول ابن كثير وابن تيمية

وهو أن المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلي يوم القيامة، يعملون بالحق وإن لم تتوالَ أيامهم، ويؤيده ما أخرجه مُسدَّد في مسنده الكبير من طريق أبي بحر، أن أبا الجلد حدَّثه أنه لا تهلك هذه الأمة حتي يكون منها اثنا عشر خليفة، كلهم يعمل بالهدي ودين الحق، منهم رجلان من أهل بيت محمد صلي الله عليه وسلم، يعيش أحدهما أربعين سنة، والآخر ثلاثين سنة. [ صفحه 23] وعلي هذا فالمراد بقوله: (ثم يكون الهرج) أي الفتن المؤذنة بقيام الساعة، من خروج الدجال ثم يأجوج ومأجوج إلي أن تنقضي الدنيا [44] . قال ابن كثير: قد وافق أبا الجلد طائفة من العلماء، ولعل قوله أرجح لما ذكرنا، وقد كان ينظر في شيء من الكتب المتقدمة، وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: إن الله تعالي بشَّر إبراهيم بإسماعيل، وأنه ينميه ويكثِّره، ويجعل في ذرّيّته اثنا عشر عظيماً. قال شيخنا العلامة أبو العباس بن تيمية: وهؤلاء المبشَّر بهم في حديث جابر بن سمرة، وقرّر أنهم يكونون مفرّقين في الأمّة، ولا تقوم الساعة حتي يوجدوا [45] . قال السيوطي: وعلي هذا فقد وُجد من الاثني عشر خليفة: الخلفاء الأربعة، والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز، ويحتمل أن يُضم إليهم المهتدي من العباسيين، لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز، وكذلك الطاهر لما أوتيه من العدل، وبقي الاثنان المنتظران، أحدهما المهدي، لأنه من أهل بيت محمد صلي الله عليه وآله وسلم [46] . أقول: يفسد هذا القول أن الإمام عليًّا وابنه الإمام الحسن عليهم السلام ـ وهما من أهل البيت عليهم السلام ـ لم يعش واحد منهما ثلاثين سنة والآخر أربعين، وعليه فينبغي إخراجهما من جملة هؤلاء الاثني عشر. قال ابن كثير: إن إخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الاثني عشر خلاف ما نصَّ عليه أئمة السنة، بل والشيعة [47] . هذا مضافاً إلي أن عد السيوطي من هؤلاء الخلفاء ثلاثة من أهل البيت خلاف حديث أبي الجلد الذي أيَّدوا به قولهم. [ صفحه 24] ثم إن عد معاوية ممن يعمل بالهدي ودين الحق خلاف ما هو معلوم من حاله ومشهور من أفعاله، وحسبك أنهم اتَّفقوا علي إخراجه من زمرة الخلفاء الراشدين، فجعلوهم أربعة أو خمسة، ولم يجعلوه منهم. وأخرج مسلم في الصحيح عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ـ في حديث طويل قال: فقلت له ـ أي لعبد الله بن عمرو بن العاص ـ: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا، والله يقول (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً). قال: فسكت ساعة، ثم قال: أطعه في طاعة الله، واعصِه في معصية الله [48] . وأخرج الحاكم وصحَّحه علي شرط الشيخين، عن عبادة بن الصامت، أنه قام قائماً في وسط دار عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال: إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم محمداً أبا القاسم يقول: (سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصي الله، فلا تعتبوا أنفسكم)، فوالذي نفسي بيده إن معاوية من أولئك. فما راجعه عثمان حرفاً واحداً [49] . ثم إن إخبار النبي صلي الله عليه وآله وسلم بهؤلاء الخلفاء إنما كان لفائدة عظيمة وغاية مهمة يريد النبي صلي الله عليه وآله وسلم إيضاحها للأمة، وهي مبايعة هؤلاء الخلفاء، ومتابعتهم، والأخذ بهديهم دون غيرهم ممن لم يكن بهذه الصفة. وعليه، فلو صحَّ هذا القول لما كان ثمة أي فائدة في بيان وجود اثني عشر خليفة يعملون بالحق في جميع مدة الإسلام إلي يوم القيامة، وإن لم تتوالَ أيامهم، فكل خليفة يتولي أمور الناس لا يُعلم أنه منهم أم لا، فلا يُدري هل [ صفحه 25] يُبايَع ويُتابَع أم لا. ولا فائدة في ذكر العدد المجرد، القابل للانطباق علي كل واحد يتولّي أمر الأمَّة إذا لم يتميّز هؤلاء الخلفاء بأعيانهم وأشخاصهم بحيث لا يدخل فيهم غيرهم. والغريب من ابن كثير كيف رجَّح قول أبي الجلد بكونه ينظر في كتب أهل الكتاب، واستدل في هذه المسألة بحديث مذكور في التوراة، مع أنَّا لا نحتاج لإثبات مسألة مهمَّة كهذه بتوراة أو إنجيل محرَّفين، وعندنا أحاديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم التي تكفّلت ببيان هذه المسألة وغيرها. وهذا دليل واضح علي مبلغ التخبّط والحيرة التي وقع فيها أعلام أهل السنّة في هذه المسألة حتي التجأوا إلي ما لا يجوز الالتجاء إليه، واعتمدوا علي ما لا يصح الاعتماد عليه. ثم إن البيان الذي ذكره السيوطي لو سلَّمنا به فهو لا يزال ناقصاً، فإن الخلفاء الذين ذكرهم أحد عشر خليفة، فيبقي عليه ذكر الثاني عشر، فأين هو؟

قول ابن الجوزي والخطابي

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 17: 23: الإمام العلامة الحافظ اللغوي أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي صاحب التصانيف، ولد سنة بضع وعشرة وثلاثمائة. أخذ الفقه علي مذهب الشافعي عن القفال الشاشي وغيره، وحدث عنه الحاكم النيسابوري والإمام والإسفراييني وغيرهما. قال السلفي: وأما أبو سليمان الشارح لكتاب أبي داود فإذا وقف منصف علي مصنفاته واطلع علي بديع تصرفاته في مؤلفاته تحقق إمامته وديانته فيما يورده وأمانته، وكان قد رحل في الحديث وقراءة العلوم وطوف، وألف في فنون العلم وصنف.. توفي ببست سنة 388 هـ (بتصرف). وهو أنه صلي الله عليه وآله وسلم أشار إلي ما يكون بعده وبعد أصحابه، وأن حكم أصحابه مرتبط بحكمه، فأخبر عن الولايات الواقعة بعدهم، فكأنه أشار بذلك إلي عدد الخلفاء من بني أمية، وكأن قوله: «لا يزال الدين» أي الولاية إلي أن يلي اثنا عشر خليفة، ثم ينتقل إلي صفة أخري أشد من الأولي، وأول بني [ صفحه 26] أمية يزيد بن معاوية، وآخرهم مروان الحمار، وعدّتهم ثلاثة عشر، ولا يُعَد عثمان ومعاوية ولا ابن الزبير، لكونهم صحابة، فإذا أسقطنا مروان بن الحكم للاختلاف في صحبته، أو لأنه كان متغلِّباً بعد أن اجتمع الناس علي ابن الزبير صحَّت العدة، وعند خروج الخلافة من بني أمية وقعت الفتن العظيمة والملاحم الكثيرة حتي استقرت دولة بني العباس، فتغيرت الأحوال عما كانت عليه تغيراً بيناً... [50] . أقول: لا يخفي ضعف هذا القول وركاكته، فإن أحاديث الخلفاء الاثني عشر وردت بلسان المدح لهم والبشارة بهم، ووصفتهم بأن الإسلام بهم يكون عزيزاً منيعاً قائماً، وقد تقدم مفصلاً أن حال هؤلاء ليس كذلك، ومنه يتضح أن هذه الأحاديث أجنبية عن أولئك الخلفاء وبعيدة كل البعد عنهم. وقوله: (إن حكم أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم مرتبط بحكمه في هذا الأمر) لا تدل عليه هذه الأحاديث ولا غيرها. والعجيب في المقام أن الخطابي جعل أحاديث الخلفاء الاثني عشر مقصورة علي بني أمية خاصة، مع أنها جاءت مادحة للاثني عشر مبشرة بهم، وغفل عن الأحاديث الصحيحة الأخري التي دلَّت علي ذم بني أمية وبني أبي العاص بأشد ما يكون الذم، وهي كثيرة جداً. منها: ما دلَّ علي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ساءه ملك بني أمية. فقد أخرج الترمذي في السنن والسيوطي في الدر المنثور وغيرهما أن النبي صلي الله عليه وسلم أُري بني أمية علي منبره فساءه ذلك، فنزلت (إنا أعطيناك الكوثر)... ونزلت (إنا أنزلناه في ليلة القدر - ليلة القدر خير من ألف شهر) يملكها بنو أمية يا محمد. قال القاسم: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا يزيد يوم ولا ينقص [51] . [ صفحه 27] وأخرج الهيثمي في مجمع الزوائد، والحاكم في المستدرك وصحَّحه، وابن حجر في المطالب العالية والبوصيري في مختصر الإتحاف وابن كثير في البداية والنهاية، وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم رأي في منامه كأن بني الحكَم [52] ينزون علي منبره وينزلون، فأصبح كالمتغيظ، فقال: ما لي رأيت بني الحكَم ينزون علي منبري نزو القردة؟ قال: فما رؤي رسول الله صلي الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً بعد ذلك حتي مات صلي الله عليه وسلم [53] . وأخرج السيوطي عن ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن سعيد بن المسيب، قال: رأي رسول الله صلي الله عليه وسلم بني أمية علي المنابر فساءه ذلك، فأوحي الله إليه: (إنما هي دنيا أُعطوها). فقرَّت عينه، وهي قوله (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) يعني بلاء [54] . ومنها: ما دلَّ علي أن بني أميّة أبغض الناس إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم. فقد أخرج الهيثمي والحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبي، والبوصيري وحسَّنه، عن أبي برزة الأسلمي، قال: كان أبغض الأحياء إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف [55] . [ صفحه 28] ومنها: ما دلَّ علي سوء فعلهم وعظم ضررهم إذا كثر عددهم. فقد أخرج الحاكم والبوصيري وحسَّنه والهيثمي والبيهقي وابن حجر عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إذا بلغ بنو أبي العاص [56] ثلاثين رجلاً اتّخذوا مال الله دُوَلاً [57] ، ودين الله دَغَلاً [58] ، وعباد الله خَوَلاً [59] [60] . وفي رواية أخرجها الحاكم قال: إذا بلغت بنو أمية أربعين... [61] . ومنها: ما دلَّ علي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لعن بعض هؤلاء الخلفاء وهم في الأصلاب. ومن ذلك ما أخرج الحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبي عن عبد الله بن الزبير، أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعن الحكَم وولده [62] . [ صفحه 29] واخرج الحاكم وصحَّحه عن عمرو بن مرة الجهني وكانت له صحبة أن الحكم بن أبي العاص استأذن علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فعرف النبي صلي الله عليه وآله وسلم صوته وكلامه، فقال: ايذنوا له، عليه لعنة الله وعلي من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم، وقليل ما هم، يشرفون في الدنيا، ويضعون في الآخرة، ذو مكر وخديعة، يعطون في الدنيا، وما لهم في الآخرة من خلاق [63] . ومنها: ما دلَّ علي أن بعضهم أشر علي هذه الأمة من فرعون لقومه، وهو الوليد بن عبد الملك، أو الوليد بن يزيد. فقد أخرج أحمد في المسند، والهيثمي في مجمع الزوائد عن عمر، قال: وُلد لأخي أم سلمة زوج رسول الله صلي الله عليه وسلم غلام فسمَّوه الوليد، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: سمّيتموه بأسماء فراعنتكم؟ ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد، لَهُو أشر علي هذه الأمة من فرعون لقومه [64] . قال ابن كثير: قال أبو عمر الأوزاعي: كان الناس يرون أنه الوليد بن عبد الملك، ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد، لفتنة الناس به، حتي خرجوا عليه فقتلوه، وانفتحت علي الأمة الفتنة والهرج [65] . أقول: سواء أكان هذا أم ذاك فكلاهما من الخلفاء الاثني عشر عندهم، فيكون واحد من هؤلاء الخلفاء أشر علي هذه الأمة من فرعون. ومنها: ما دلَّ علي أن بعضهم جبابرة. ومن ذلك ما أخرجه الهيثمي وابن كثير وغيرهما عن ابن وهب ـ في حديث ـ قال: وذكر مروان حاجة له ـ أي لمعاوية ـ فردَّ مروان عبد الملك إلي [ صفحه 30] معاوية، فكلمه فيها، فلما أدبر عبد الملك قال معاوية [لابن عباس وكان جالساً معه علي سريره]: أنشدك بالله يا ابن عباس، أما تعلم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم ذكر هذا فقال: أبو الجبابرة الأربعة؟ فقال ابن عباس: اللهم نعم [66] . أقول: الجبابرة الأربعة هم أولاد عبد الملك، وهم: الوليد وسليمان ويزيد وهشام، وهم من الخلفاء الاثني عشر عندهم، فتدبَّر. فهل يصح بعد النظر في هذه الأحاديث الصحيحة وغيرها أن يقال: إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم بشَّر بهؤلاء الملوك من بني أمية، وأخبر أن الدين بهم يكون عزيزاً منيعاً صالحاً... ثم إن الخطابي أخرج مروان بن الحكم من عداد هؤلاء الاثني عشرللاختلاف في صحبته، مع أن أقوال علماء أهل السنة تنص علي عدم صحبته. قال البخاري: لم يرَ النبي صلي الله عليه وسلم [67] . وقال ابن حجر: روي عن النبي، ولا يصح له منه سماع [68] . وقال أيضاً: لم أرَ من جزم بصحبته [69] . وقال الذهبي: لم يرَ النبي صلي الله عليه وسلم لأنه خرج مع أبيه وهو طفل [70] . وقال النووي: لم يسمع النبي صلي الله عليه وسلم ولا رآه، لأنه خرج إلي الطائف طفلاً لا يعقل حين نفي النبي صلي الله عليه وسلم أباه الحكم، فكان مع أبيه بالطائف حتي استخلف [ صفحه 31] عثمان فردَّهما [71] . وكذلك قال ابن الأثير في أسد الغابة وابن عبد البر في الاستيعاب وغيرهما [72] . ثم إن لازم إخراج مروان من عدّة هؤلاء الخلفاء لتغلّبه إخراج كل خلفاء بني أمية معه، لأن خلافتهم كانت بالتغلّب والقهر أيضاً كما هو معلوم. علي أنَّا إذا أخرجنا مروان من العدّة فلا بد أن ندخل إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ليتم العدد، مع أن إبراهيم هذا تولّي الملك سبعين ليلة، ثم خلع نفسه، وسلَّم الأمر إلي مروان بن محمد، وبايعه طائعاً [73] . وقوله: (وعند خروج الخلافة من بني أميّة وقعت الفتن العظيمة...) إلي آخر ما قاله، يفسده أن ما وقع من الحوادث والفتن في زمن هؤلاء الخلفاء من بني أمية أعظم وأشنع من الفتن الواقعة في زمن جملة من خلفاء بني العباس، كالمنصور والمهدي والهادي وهارون والمأمون والمعتصم، وهذا ظاهر معلوم.

قول ابن حبان

قال ابن حبَّان [74] : معني الخبر عندنا: أن مَن بعد الثلاثين سنة يجوز أن يقال لهم خلفاء أيضاً علي سبيل الاضطرار وإن كانوا ملوكاً علي الحقيقة، [ صفحه 32] وآخر اثني عشر من الخلفاء كان عمر بن عبد العزيز، فلما ذكر المصطفي صلي الله عليه وسلم الخلافة ثلاثين سنة وكان آخر الاثني عشر عمر بن عبد العزيز، وكان من الخلفاء الراشدين المهديين، أطلق علي مَن بينه وبين الأربع الأول اسم الخلفاء... ثم ساق كلاماً طويلاً ذكر فيه كل مَن تولّي، ولم يعيِّن من هم الاثنا عشر، إلا أنه ذكر الأربعة، ومعاوية، والإمام الحسن عليه السلام، ويزيد، ومعاوية ابن يزيد، وعبد الله بن الزبير، ومروان بن الحكم، وعبد الملك، والوليد، وسليمان، وعمر بن عبد العزيز، وهو آخرهم [75] . أقول: هؤلاء أربعة عشر نفساً، وهو قول فاسد علي جميع الاحتمالات. قال ابن كثير: وعلي كل تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز. ثم أوضح ذلك بما حاصله: أنه إن أُدخل يزيد بن معاوية خرج عمربن عبد العزيز، مع أن الأئمة عدّوه من الخلفاء الراشدين، وإن أعتُبر مَن اجتمعت الأمة عليه خرج علي وابنه الحسن، وهذا خلاف ما نصّ عليه أئمة السنة بل والشيعة، وخلاف ما دلَّ عليه نصّاً حديث سفينة، وقد بيَّنَّا دخول خلافة الحسن وكانت نحواً من ستة أشهر فيها أيضاً... إلي آخر ما قاله [76] .

رأي المهلب

نُسب إلي المهلَّب [77] أنه قال: الذي يغلب علي الظن أنه عليه الصلاة [ صفحه 33] والسلام أخبر بأعاجيب تكون بعده من الفتن، حتي يفترق الناس في وقت واحد علي اثني عشر أميراً. قال: ولو أراد غير هذا لقال: «يكون اثنا عشر أميراً يفعلون كذا...»، فلما أعراهم من الخبر عرفنا أنه أراد أنهم يكونون في زمن واحد. قال ابن حجر: وهو كلام مَن لم يقف علي شيء من طرق الحديث غير الرواية التي وقعت في البخاري هكذا مختصرة، وقد عرفت من الروايات التي ذكرتها من عند مسلم وغيره أنه ذكر الصفة التي تختص بولايتهم، وهو كون الإسلام عزيزاً منيعاً. وفي الرواية الأخري صفة أخري، وهي أن كلهم يجتمع عليه الناس كما وقع عند أبي داود. إلي أن قال: ولو لم يرِد إلا قوله: كلهم يجتمع عليه الناس [لكفي] فإن وجودهم في عصر واحد عين الافتراق، فلا يصح أن يكون المراد [78] .

قول أبي الحسين بن المنادي

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 15: 361: الإمام المقرئ الحافظ أبو الحسين، أحمد بن جعفر بن المحدث أبي جعفر محمد بن عبيد الله بن أبي داود بن المنادي البغدادي صاحب التواليف. ولد سنة 257 هـ تقريباً، وتوفي سنة 336 هـ. قال الداني: مقرئ جليل غاية في الإتقان، فصيح اللسان عالم بالآثار، نهاية في علم العربية، صاحب سنة، ثقة مأمون (بتصرف). قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 4: 69: كان صلب الدين، شرس الأخلاق، فلذلك لم تنتشر عنه الرواية، وقد صنف أشياء وجمع. فإنه قال في الجزء الذي جمعه في المهدي: يحتمل في معني حديث: (يكون اثنا عشر خليفة) أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، فقد وجدت في كتاب دانيال: إذا مات المهدي مَلَكَ بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر، ثم خمسة من ولد السبط الأصغر، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر، ثم يملك بعده ولده، فيتم بذلك اثنا عشر ملكاً، [ صفحه 34] كل واحد منهم إمام مهدي. ثم ساق رواية رواها أبو صالح عن ابن عباس، ورواية أخري عن كعب بهذا المعني [79] . قال ابن حجر: الوجه الذي ذكره ابن المنادي ليس بواضح، ويعكِّر عليه ما أخرجه الطبراني من طريق قيس بن جابر الصدفي، عن أبيه، عن جدّه رفعه: (سيكون من بعدي خلفاء، ثم من بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ثم يؤمّر القحطاني، فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه)، فهذا يرِد علي ما نقله ابن المنادي من كتاب دانيال، وأما ما ذكره عن أبي صالح فواهٍ جداً، وكذا عن كعب [80] .

الخلفاء الاثنا عشر هم أئمة أهل البيت

بعد أن تبين بطلان الأقوال السابقة كلها نقول: إن الخلفاء الاثني عشر الذين بشَّر بهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الأحاديث المتقدمة هم أئمة أهل البيت عليهم السلام، ويدل علي ذلك أمور: 1 ـ أن هذه الأحاديث نصَّت علي العدد المعيَّن ـ أي الاثني عشر ـ وهو عدد أئمة أهل البيت عليهم السلام، بلا زيادة ولا نقيصة، فلا نحتاج لأن نتكلَّف إسقاط بعض أو ضم بعض آخر. ولا يصح أن يراد بهم ملوك بني أمية أو ملوك بني العباس كلهم، لأنهم يزيدون علي هذا العدد بكثير، ولا أن يُراد بعضهم دون بعض، لأنه لا ترجيح في البين، لأن أحوالهم متقاربة، وسِيَرهم متشابهة، مع أن كل واحد منهم لا تنطبق عليه الأوصاف المذكورة في الأحاديث كما مرَّ مفصَّلاً. 2 ـ أن الأحاديث المذكورة أشارت إلي أوصافهم، فأوضحت أن الدين يكون بهم عزيزاً منيعاً قائماً، وأن أمر الناس يكون بهم صالحاً ماضياً، وهذا لا يتحقق إلا إذا تولي أمر المسلمين من يرشدهم إلي الحق، ويدلّهم علي الهدي، ويحملهم علي الخير، ويكون اتّباع الناس له سبباً لسعادتهم في الدنيا ولفوزهم في الآخرة.@. أقول: الذي ذكره ابن المنادي ليس بظاهر البتة من أحاديث الخلفاء الاثني عشر المتقدمة، بل الظاهر منها خلافه، فإن الخطاب في قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «يكون عليكم اثنا عشر خليفة» إنما هو لصحابته الباقين بعده، ولأنهم فهموا ذلك علا الضجيج الذي حال دون سماع جابر بن سمرة باقي كلام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولو كان الأمر مرتبطاً بغيرهم ويقع في آخر الزمان لما كان ثمة ما يثير مشاعرهم إلي هذا الحد. هذا مضافاً إلي أن أحاديث آخر الزمان لم تذكر هؤلاء الخلفاء الاثني عشر الذين ذكرهم ابن المنادي في كلامه، اللهم إلا ما ورد في كتاب دانيال، وهو كتاب إن صحَّ فلعل المراد بيان أن ثمة اثني عشر ملكاً يكونون بعد المهدي، غير الاثني عشر الذين يكونون بعد زمان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. هذه بعض أقوالهم التي وقفت عليها في هذه المسألة، وهي كلها كما رأيت ضعيفة واهية، لا يمكن الأخذ بها بحال. ولا يختلف المسلمون في أن الإسلام يكون عزيزاً منيعاً قائماً، وأمر الناس يكون ماضياً صالحاً بأئمة أهل البيت عليهم السلام، الذين أجمعت الأمة علي أنهم عصمة للأمة من الضلال، وأمان لها من الفرقة والاختلاف [81] . وأما غيرهم ـ ولا سيما بنو أمية ـ فإن الأمة لم تنل بولايتهم إلا التفرق والوقوع في الفتن والمهالك، وهو واضح لا يحتاج إلي بيان. [ صفحه 36] 3 ـ قد قلنا فيما تقدم أن الغاية من ذِكر هؤلاء الخلفاء في هذه الأحاديث هي الحث علي اتّباعهم والاهتداء بهم، وحديث الثقلين وغيره من الأحاديث التي سنذكرها في الفصل الثالث قد أوضحت أن الذين يلزم اتّباعهم والاهتداء بهم هم أئمة أهل البيت عليهم السلام، فتكون هذه الأحاديث مبيِّنة للمراد بالخلفاء الاثني عشر في تلك الأحاديث. ولا سيما أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أطلق لفظ (الخليفة) علي العترة النبوية الطاهرة كما في بعض طرق حديث الثقلين، حيث قال: إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرَّقا حتي يَرِدَا عليَّ الحوض [82] . ولعل قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «كلهم من قريش» فيه نوع إشارة إلي هؤلاء الخلفاء، فإنه صلي الله عليه وآله وسلم لما أراد أن يوضح هؤلاء الأئمة وينص عليهم بأعيانهم حال الضجيج بينه وبين ذلك، فاكتفي بالإشارة عن صريح العبارة. وليس من البعيد أن يكون النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد أوضح هذا الأمر ونص علي هؤلاء الأئمة من عترته أو من بني هاشم، إلا أن يد التحريف عبثت بهذه الأحاديث رعاية لمآرب أعداء آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم من الحُكَّام وغيرهم. ويشهد لذلك أنها رُويَت هكذا في بعض كتب القوم، كما في ينابيع المودة وغيره، عن جابر بن سمرة، قال: كنت مع أبي عند النبي صلي الله عليه وسلم، فسمعته يقول: بعدي اثنا عشر خليفة. ثم أخفي صوته، فقلت لأبي: ما الذي أخفي صوته؟ قال: قال: كلهم من بني هاشم [83] . والحاصل أن صلاح هؤلاء الأئمة، وحسن سيرتهم، وطيب سريرتهم، وأهليتهم للإمامة العظمي والخلافة الكبري مما لا ينكره إلا مكابر أو متعصب. أما أهلية الإمام أمير المؤمنين وولديه الحسن والحسين عليهم السلام للإمامة والخلافة فهي واضحة لا تحتاج إلي بيان، ومع ذلك فقد أقرَّ بها وبأهلية غيرهم [ صفحه 37] من الأئمة بعض علماء أهل السنة. قال الذهبي: فمولانا الإمام علي من الخلفاء الراشدين المشهود لهم بالجنة رضي الله عنه نُحِبّه ونتولاه... وابناه الحسن والحسين فسبطا رسول الله صلي الله عليه وسلم وسيدا شباب أهل الجنة، لو استُخلفا لكانا أهلاً لذلك [84] . وقال في ترجمة الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام: وكان له جلالة عجيبة، وحقَّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمي، لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه، وكمال عقله [85] . وقال في ترجمة الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: وكان أحد مَن جمع بين العلم والعمل والسؤدد والشرف والثقة والرزانة، وكان أهلاً للخلافة [86] . وقال في ترجمة الإمام جعفر الصادق عليه السلام: مناقب جعفر كثيرة، وكان يصلح للخلافة، لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه رضي الله عنه [87] . وقال في الإمام موسي بن جعفر عليه السلام: كبير القدر، جيّد العلم، أولي بالخلافة من هارون [الرشيد] [88] . وقال في ترجمة الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام: وقد كان علي الرضا كبير الشأن، أهلاً للخلافة [89] . وقال ابن تيمية في ضمن ردّه علي من قال بإمامة الأئمة الاثني عشر دون غيرهم لِما امتازوا به من الفضائل التي لم يحزها غيرهم: إن تلك الفضائل [ صفحه 38] غايتها أن يكون صاحبها أهلاً أن تُعقد له الإمامة، لكنه لا يصير إماماً بمجرد كونه أهلاً، كما أنه لا يصير الرجل قاضياً بمجرد كونه أهلاً لذلك. ثم قال: إن أهلية الإمامة ثابتة لآخرين كثبوتها لهؤلاء، وهم أهل أن يتولّوا الإمامة، فلا موجب للتخصيص، ولم يصيروا بذلك أئمة [90] . وكلامه واضح في الاعتراف بأهلية هؤلاء الأئمة الاثنا عشر عليهم السلام للخلافة، ولو كان بوسعه إنكار أهليتهم للخلافة لأنكرها كما أنكر كثيراً من الأحاديث الصحيحة في كتابه منهاج السنة كما سيأتي ذِكر بعضها في تضاعيف الكتاب. هذا ما عثرت عليه من إقرار علماء أهل السنة بأهلية هؤلاء الأئمة، ولولا قلة المصادر لدي لعثرت علي أكثر من ذلك، ولعل الباحث المتتبّع يجد المزيد، إلا أن فيما ذكرناه كفاية، فإن علماءهم مع إقرارهم بأهلية أئمة أهل البيت عليه السلام للخلافة لم يتّفقوا علي إدخال الخلفاء الثلاثة الأوائل في الخلفاء الاثني عشر، فضلاً إثبات أهليتهم وأهلية غيرهم، وهذا دليل واضح علي أن كل ما قالوه لصرف هذه الأحاديث عن أئمة أهل البيت عليه السلام إنما كان ظناً وتخرّصاً لا يغنيان عن الحق شيئاً.

شبهة و جوابها

قد يقول قائل: إن أئمة أهل البيت لم يتولوا أمور المسلمين وإن كانوا [ صفحه 39] أهلاً لذلك، فلا يصدق عليهم أنهم خلفاء بمجرد أهليتهم للخلافة، كما أن القاضي لا يصدق عليه أنه قاض بمجرد كونه أهلاً للقضاء ما لم يتولّ القضاء، فكيف صار هؤلاء الأئمة هم الخلفاء الاثني عشر؟ والجواب: لمَّا دلَّت النصوص الصحيحة علي أن الخلفاء الاثني عشر هم أئمة أهل البيت عليهم السلام، وأنهم هم الذين يجب اتّباعهم ومبايعتهم وطاعتهم دون سواهم. فحينئذ لا يجوز العدول عنهم، ومبايعة من عداهم، لأن ذلك تبديل لحكم النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ورَدٌّ لقوله، وإبطال لأمره. علي أن انصراف أكثر الناس عنهم لا يصيّرهم رعيّة، ولا يصير غيرهم أئمة وخلفاء، كما أن انصراف أكثر الناس عن الاعتقاد بنبوّة النبي لا يبطل نبوّته. قال تعالي (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرَة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلَّ ضلالاً مبيناً) [91] . ولا ريب في أن ثمة فرقاً بين القاضي المنصوب وبين مَن له أهلية القضاء، فإن الأول يسمَّي قاضياً، والآخر لا يسمَّي بذلك، إلا أن هذا أجنبياً عما نحن فيه، فإن الأئمة قد أخبر النبي صلي الله عليه وآله وسلم بهم ونصَّ عليهم، فهُم خلفاء لأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم سمَّاهم بذلك، وإن لم يبايعهم الناس أو يقرّوا لهم بالخلافة. وحال هؤلاء حال من نصَّبه النبي صلي الله عليه وآله وسلم للقضاء فأبي الناس، فإنه يكون قاضياً شاء الناس أم أبوا، وهذا واضح لا يحتاج إلي مزيد بيان. ثم إن الأئمة عليهم السلام قاموا بأمور الإمامة خير قيام، فبيّنوا الأحكام، وأوضحوا شرائع الإسلام، ونفوا عن الدين تحريف المبطلين وتأويل الجاهلين، وردّوا شبهات المُضلّين، فجزاهم الله خير الجزاء عن الإسلام والمسلمين. والنبوة فضلاً عن الإمامة لا تتقوم باتباع الناس أو بخلافهم، فإن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان رسولاً نبيا وهو في مكة لم يؤمن به إلا قليل، والإمام كذلك. [ صفحه 40]

شبهة أخري و جوابها

وقد يقول قائل: إن بعض الأحاديث الصحيحة دلّت علي أن أولئك الخلفاء كلّهم يجتمع عليه الناس، مع أن أئمة أهل البيت لم يجتمع عليهم أحد، حتي أمير المؤمنين عليه السلام اختلف الناس في زمانه، فكيف يكونون هم الأئمة المعنيين في تلك الأحاديث؟ والجواب إذا كان المراد باجتماع الناس عليهم هو ما فهمه بعض علماء أهل السنة من الاتفاق علي البيعة، فهذا لا ينطبق علي أي واحد ممن تولّوا أمر الناس، حتي أبي بكر وعمر، فإن أبا بكر تمَّت له البيعة في سقيفة بني ساعدة وأكثر المهاجرين كانوا غائبين عنها، وهذا سيأتي بيانه في الحديث حول بيعة أبي بكر في الفصل الآتي، وأما عمر فكانت خلافته بنص أبي بكر لا باجتماع الناس، حتي قال بعضهم لأبي بكر: ما أنت قائل لربّك إذا سألك عن تولية عمر علينا وقد تري غلظته... [92] . وأما غيرهما ممن جاء بعدهما فقد بيَّنّا أنهم لم يجتمع عليهم الناس بهذا المعني. وعليه فإن كان المراد من اجتماع الناس هذا المعني فهو لا ينطبق علي أحد، فيكون هذا الحديث باطلاً، فحينئذ لا مناص من القول بأن المراد من اجتماع الناس في الحديث هو اجتماعهم علي صلاح هؤلاء الخلفاء، وحسن سيرتهم، وطيب سريرتهم، والاجتماع بهذا المعني متحقق في أئمة أهل البيت عليهم السلام دون غيرهم، فهُم وحدهم الذين اتفق الشيعة وأهل السنة علي اتّصافهم بذلك، فيكون هذا المعني هو المراد في الحديث، لوجود مصاديق له دون المعني الأول. [ صفحه 41] قال الدهلوي [93] : وقد عُلم أيضاً من التواريخ وغيرها أن أهل البيت ولا سيما الأئمة الأطهار من خيار خلق الله تعالي بعد النبيين، وأفضل سائر عباده المخلصين والمقتفين لآثار جدّهم سيد المرسلين [94] . ويمكن أن نقول: أن اللام في (الناس) لاستغراق الصفات، فيكون المراد بهم الكُمَّل من الناس، لا سواد الناس الهمج الرعاع، الذين ينعقون مع كل ناعق، أتباع سلاطين الجور وأئمة الضلال، فإنهم لا قيمة لهم، ولا عبرة بخلافهم. والكُمَّل من الناس اجتمعوا علي بيعة هؤلاء الأئمة خلفاء للأمّة دون غيرهم، وفيهم بحمد الله كفاية للدلالة علي صدق الحديث. وبعد كل هذا البيان يتّضح أن الخلفاء الاثني عشر الذين بشَّر النبي صلي الله عليه وآله وسلم بهم أمّته، ووصفهم بأن الإسلام يكون بهم عزيزاً منيعاً قائماً، وأمر الناس يكون بهم صالحاً ماضياً؟ وكلهم تجتمع عليه الأمة، لا يمكن أن يكونوا هم أولئك الخلفاء الذين ذكروهم، وكانت أيامهم مملوءة بالفتن والهرج والاختلاف، ولياليهم كلها خمر ومجون، وانتهاك لحرمات الله، وعبث بأحكام الله، وما إلي ذلك مما هو معلوم، فإن الأمة لم تجنِ من ولاية هؤلاء خيراً. [ صفحه 42] وحينئذ لا مناص من الجزم بأن الخلفاء الاثني عشر هم أئمة أهل البيت عليهم السلام، الذين حث النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي اتّباعهم والتمسك بهم في أحاديث أخر سيأتي بيانها مفصّلاً في الفصل الثالث إن شاء الله تعالي. إلا أنَّا نتساءل: هل خفي علي أعلام أهل السنة هؤلاء الخلفاء الذين وصفهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأوضح الصفات التي بها امتازوا عن سواهم؟ أم أنهم أخفوا بيان ذلك للناس؟ إن زعم خفاء هذه المسألة يرجع في واقعه إلي الطعن في نبي الأمة صلي الله عليه وآله وسلم بالتقصير في بيان هذه المسألة المهمة حتي خفيت علي علماء الأمة، وهذا لا يصدر من مسلم، فإن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يكن يتحدَّث بالأحاجي والألغاز ولا سيما في أهم المسائل الدينية، وهي مسألة الإمامة والخلافة. إذن، لماذا خفيت هذه المسألة عن علماء أهل السنة؟ أو لماذا أخفوها؟ هذه أسئلة تدور، وتحتّم علي أهل السنة أن يجيبوا عليها إجابات علمية صحيحة ليست مبتنية علي الظن والتخمين والاحتمالات التي لا تغني من الحق شيئاً. (وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) سورة البقرة: 146 [ صفحه 43]

ما هو المصحح لخلافة أبي بكر؟

تمهيد إن بيعة أبي بكر لم تكن بالنص من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما ذهب إليه مشهور أهل السنة وكافة الشيعة، كما أنها لم تكن بالشوري بين المسلمين، ولم تكن بإجماع المسلمين كما سيأتي بيانه، وإنما كانت فلتة كما عبَّر عنها عمربن الخطاب في حديث السقيفة. وحيث أن مذهب أهل السنة مبتنٍ في أساسه علي خلافة أبي بكر، فلا بد أن نبحث هذه المسألة من جوانبها، لنعرف هل هي صحيحة أم غير صحيحة. وهذا ما سيتّضح من خلال البحوث الآتية:

خلافة أبي بكر لم تكن بالنص من النبي

ذهب مشهور أهل السنة إلي أن خلافة أبي بكر لم تكن بنص النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وبذلك صرّح أعلامهم، وشهدت به كتبهم: قال عبد القاهر البغدادي في الفَرْق بين الفِرَق في معرض بيانه لعقائد أهل السنة: وقالوا: ليس من النبي صلي الله عليه وسلم نَصّ علي إمامة واحد بعينه، علي خلاف قول من زعم من الرافضة أنه نَصَّ علي إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه نصّاً مقطوعاً علي صحّته [95] . [ صفحه 44] وقال أبو حامد الغزالي: ولم يكن نصَّ رسول الله صلي الله عليه وسلم علي إمام أصلاً، إذ لو كان لكان أولي بالظهور من نصبه آحاد الولاة والأمراء علي الجنود في البلاد، ولم يخْفَ ذلك، فكيف خفي هذا؟ وإن ظهر فكيف اندرس حتي لم يُنقَل إلينا؟ فلم يكن أبو بكر إماماً إلا بالاختيار والبيعة [96] . وقال الإيجي في المواقف: المقصد الرابع: في الإمام الحق بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهو عندنا أبو بكر، وعند الشيعة علي رضي الله عنه. لنا وجهان: الأول: أن طريقه إما النص أو الإجماع. أما النص فلم يوجد لما سيأتي، وأما الإجماع فلم يوجد علي غير أبي بكر اتفاقاً [97] . وقال النووي: إن المسلمين أجمعوا علي أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف، ويجوز له تركه، فإن تركه فقد اقتدي بالنبي صلي الله عليه وسلم في هذا، وإلا فقد اقتدي بأبي بكر [98] . وقال في شرح الحديث الآتي: وفي هذا الحديث دليل علي أن النبي صلي الله عليه وسلم لم ينص علي خليفة، وهو إجماع أهل السنة وغيرهم [99] . وقال ابن كثير: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم ينص علي الخلافة عيناً لأحد من الناس، لا لأبي بكر كما قد زعمه طائفة من أهل السنّة، ولا لعلي كما يقوله طائفة من الرافضة [100] . هذا مضافاً إلي أنهم رووا أحاديث واضحة الدلالة علي أن النبي لم يستخلف أبا بكر: منها: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، والترمذي وأبو داود [ صفحه 45] في سُننهم، وأحمد في المسند وغيرهم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قيل لعمر: ألا تستخلف؟ فقال: إن أستخلف فقد استخلف مَن هو خير مني: أبو بكر، وإن أترك فقد ترك مَن هو خير مني: رسول الله صلي الله عليه وسلم. فأثنوا عليه، فقال: راغب وراهب، وددتُ أني نجوت منها كفافاً، لا لي ولا عليَّ، لا أتحمّلها حيّاً وميّتاً [101] . فالنتيجة أن بيعة أبي بكر لم تكن بنص النبي صلي الله عليه وآله وسلم.

بيعة أبي بكر لم تكن بالإجماع

إذا اتضح أن خلافة أبي بكر لم تكن بالنص، فهل انعقد الإجماع عليها أم لا؟ تحرير الكلام في هذه المسألة من جهتين: الجهة الأولي: أن الإجماع هل يصلح أن يكون دليلاً في مسألة الخلافة أم لا؟ لا ريب في أن الإجماع لا يصلح أن يكون دليلاً في هذه المسألة، فلا بد لمن يتولي الخلافة من مستند شرعي يصحِّح خلافته، وأما اتفاق الناس عليه فليس بحُجّة، لأن كل واحد من الناس يجوز عليه الخطأ، واحتمال الخطأ لا ينتفي بضم غيره إليه، ولا سيما إذا كان اجتماعهم حاصلاً بأسباب مختلفة: كخوف بعضهم من حصول الفتنة، وكراهة بعض آخر من إبداء الخِلاف، وخوف آخرين من الامتناع عن البيعة، أو ما شاكل ذلك مما سيأتي بيانه، فحينئذ لا يكون هذا مشمولاً لما رووه عن النبي صلي الله عليه وسلم: «لا تجتمع أمتي علي [ صفحه 46] ضلالة»، لأن الأمة هنا لم تجتمع علي ضلالة، بل جُمِعَت وأُكرهتْ، وهذا لا مانع من حصوله، كما حصل في زمن الأمويين والعباسيين، إذ أكرَهوا الناس علي بيعتهم، فحينئذ لا تكون تلك الخلافة شرعية. الجهة الثانية: أن أهل السنة حكموا بأن بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة وقعت صحيحة من أول يوم مع أنها لم تكن عامّة، ولم يتحقق إجماع عليها في أول يوم، وقالوا: إن البيعة العامة حصلت في اليوم التالي. ولو سلّمنا بحصول الإجماع بعد ذلك، فما هو المصحِّح لها قبل تحقق الإجماع؟ ثم إن قوماً ـ سيأتي ذِكرهم ـ من صحابة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم يبايعوا أبا بكر، وامتنعوا عن البيعة، ولم يبايعوا إلا بعد ستة أشهر إن صحَّت عنهم الرواية. قال ابن الأثير في اُسد الغابة: وكانت بيعتهم ـ يعني مَن تخلَّفوا عن بيعة أبي بكر ـ بعد ستة أشهر علي القول الصحيح [102] . فإذا كانت بيعة أبي بكر صحيحة لأجل الإجماع فالإجماع لم يتحقق، وإن كانت صحيحة لأمر آخر، فلا بد من بيانه لننظر فيه هل هو صحيح أم لا. والذي ذكره بعض علمائهم هو أنهم صحَّحوا خلافة أبي بكر ببيعة أهل الحل والعقد عندهم، لا بالإجماع. ولذلك صدحَت كلماتهم بذلك وبعدم اشتراط تحقق الإجماع في بيعة الخلفاء. قال الإيجي في المواقف: وإذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة، فاعلم أن ذلك لا يفتقر إلي الإجماع، إذ لم يقم عليه دليل من العقل أو السمع، بل الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف، لعلمنا أن الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك، كعقد عمر لأبي بكر، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان، ولم يشترطوا اجتماع مَن في المدينة فضلاً عن اجتماع الأمة. هذا ولم ينكر عليه أحد، وعليه انطوت الأعصار إلي وقتنا [ صفحه 47] هذا [103] . وقال الجويني المعروف بإمام الحرمين: اعلموا أنه لا يشترط في عقد الإمامة الإجماع، بل تنعقد الإمامة وإن لم تُجمِع الأمّة علي عقْدها، والدليل عليه أن الإمامة لما عُقدت لأبي بكر ابتدر لإمضاء أحكام المسلمين، ولم يتأنَّ لانتشار الأخبار إلي مَن نأي من الصحابة في الأقطار، ولم يُنكِر مُنكِر. فإذا لم يُشترط الإجماع في عقد الإمامة لم يَثبُت عدد معدود ولا حَدّ محدود، فالوجه الحكم بأن الإمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحل والعقد [104] . وقال الماوردي في الأحكام السلطانية: اختلف العلماء في عدد مَن تنعقد به الإمامة منهم علي مذاهب شتي، فقالت طائفة: لا تنعقد إلا بجمهور أهل العقد والحل من كل بلد، ليكون الرضا به عامّاً، والتسليم لإمامته إجماعاً، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر رضي الله عنه علي الخلافة باختيار مَن حضرها، ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها [105] . الجهة الثالثة: أن الإجماع لم يتم لأحد من هذه الأمة، حتي مَن اتفق أهل السنة والشيعة علي صحّة خلافته، كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فإن أمير المؤمنين عليه السلام لم يبايعه أهل الشام قاطبة، وامتنع جمع من الصحابة عن بيعته، كعبد الله بن عمر وزيد بن أرقم ومحمد بن مسلمة وغيرهم. وأما أبو بكر فقد اعترف الإيجي بعدم انعقاد الإجماع علي خلافته كما مرّ، وتخلّف عن بيعته أمير المؤمنين عليه السلام وبنو هاشم قاطبة وجمع آخر من الصحابة. وقد نصَّ علي ذلك جمع من أعلام أهل السنة في كتبهم ومصنَّفاتهم، وإليك بعض ما ذكروه: [ صفحه 48]

اسماء المتخلفين عن بيعة أبي بكر

1 ـ الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: ذكر تخلّفه عن بيعة أبي بكر: البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن عائشة في حديث قالت: وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر... [106] . وذَكَر تخلّفه عليه السلام أيضاً ابن حجر في فتح الباري، ونقله عن المازري [107] وكذا ذكره ابن الأثير في اُسد الغابة [108] ، وفي الكامل في التاريخ [109] ، والحلبي في السيرة الحلبية [110] ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة [111] ، والطبري في الرياض النضرة [112] ، واليعقوبي في تاريخه، وأبو الفداء في المختصر في أخبار البشر [113] . 2 ـ عامة بني هاشم: ذَكَر تخلّفهم ابن الأثير في اُسد الغابة [114] ، وفي الكامل في التاريخ [115] . وقال المسعودي في مروج الذهب: ولم يبايعه أحد من بني هاشم حتي ماتت فاطمة رضي الله عنها [116] وكذا ذكره الحلبي في السيرة الحلبية [117] . [ صفحه 49] وذَكَر اليعقوبي في تاريخه من بني هاشم: العباس بن عبد المطلب عم النبي صلي الله عليه وآله وسلم، والفضل بن العباس [118] وذكر الطبري في الرياض النضرة العباس وبنيه [119] . 3 ـ سعد بن عبادة الأنصاري زعيم الخزرج: ذَكَر تخلّفه ابن الأثير في أسد الغابة [120] وقال المسعودي: وخرج سعد بن عبادة ولم يبايع، فصار إلي الشام، فقُتل هناك في سنة خمس عشرة [121] . وكذا ذكره ابن قتيبة في الإمامة والسياسة [122] ، والطبري في الرياض النضرة [123] . 4 ـ الزبير بن العوام: ذَكَر تخلّفه ابن الأثير في أسد الغابة [124] ، وفي الكامل في التاريخ [125] ، والحلبي في السيرة الحلبية [126] ، والطبري في الرياض النضرة [127] ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما [128] . 5 ـ خالد بن سعيد بن العاص الأموي: ذَكَر تخلّفه ابن الأثير في أسد الغابة [129] ، والمحب الطبري في الرياض النضرة [130] ، واليعقوبي وأبو الفداء في [ صفحه 50] تاريخيهما [131] . 6 ـ طلحة بن عبيد الله: ذَكَر تخلّفه ابن الأثير في الكامل في التاريخ [132] ، والحلبي في السيرة الحلبية [133] ، والطبري في الرياض النضرة [134] . 7 ـ المقداد بن الأسود: ذَكَر تخلّفه: الحلبي في السيرة الحلبية [135] ، واليعقوبي في تاريخه [136] ، والطبري في الرياض النضرة [137] ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما [138] . 8 ـ سلمان الفارسي: ذَكَر تخلّفه اليعقوبي في تاريخه [139] ، والطبري في الرياض النضرة [140] ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما [141] . 9 ـ أبو ذر الغفاري: ذَكَر تخلّفه اليعقوبي في تاريخه [142] ، والطبري في الرياض النضرة [143] ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما [144] . [ صفحه 51] 10 ـ عمار بن ياسر: ذَكَر تخلّفه اليعقوبي في تاريخه [145] ، والطبري في الرياض النضرة [146] ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما [147] . 11 ـ البراء بن عازب: ذَكَر تخلّفه اليعقوبي في تاريخه [148] ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما [149] . 12 ـ أُبَي بن كعب: ذَكَر تخلّفه اليعقوبي في تاريخه [150] ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما [151] . 13 ـ عتبة بن أبي لهب: ذَكَر تخلّفه أبو الفداء في تاريخه، وقال: إنه قال: ما كنتُ أحسبُ أن الأمرَ منصرفٌ عن هاشمٍ ثم منهم عن أبي حـسـَنِ عن أولِ الناسِ إيماناً وسابقـــةٌ وأعلمِ الناسِ بالقـرآنِ والسُّنَـــنِ وآخرِ الناسِ عهــداً بالنبيِّ ومَنْ جبريلُ عونٌ له فـي الغُسْلِ والكفَنِ مَن فيه ما فيهمُ لا يمتــرون بهِ وليس في القومِ ما فيه من الحسَنِ 14 ـ أبو سفيان: ذكر تخلّفه اليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما [152] . وفي ذِكر هؤلاء القوم كفاية في الدلالة علي عدم تحقق إجماع الصحابة علي بيعة أبي بكر.

بيعة أبي بكر كانت فلتة

أخرج البخاري في صحيحه، وأحمد في مسنده، والحميدي والموصلي في الجمع بين الصحيحين وابن أبي شيبة في المصنف وغيرهم عن ابن عباس في حديث طويل أسموه بحديث السقيفة، قال فيه عمر: إنما كانت بيعة أبي بكر فَلْتَة وتمَّت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقي شرَّها... مَن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايَع هو ولا الذي بايعَه تغرَّة أن يُقتَلا [153] . وفي رواية أخري: ألا إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، وقي الله المؤمنين شرَّها، فمن عاد إلي مثلها فاقتلوه. وذكر هذا الحديث من علماء أهل السنة: السيوطي في تاريخ الخلفاء، وابن كثير في البداية والنهاية، وابن هشام في السيرة النبوية، وابن الأثير في الكامل، والطبري في الرياض النضرة، والدهلوي في مختصر التحفة الاثني عشرية، وغيرهم [154] . تأملات في الحديث: قول عمر: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة. قال ابن منظور في لسان العرب: يقال: كان ذلك الأمر فلتة، أي فجأة إذا لم يكن عن تدبّر ولا تروّ، والفلتة: الأمر يقع من غير إحكام [155] . وقال ابن الأثير في تفسير ذلك: أراد بالفلتة الفجأة... والفلتة كل شيء [ صفحه 53] فُعل من غير روية [156] . وقال المحب الطبري: الفلتة: ما وقع عاجلاً من غير تروٍّ ولا تدبير في الأمر ولا احتيال فيه، وكذلك كانت بيعة أبي بكر رضي الله عنه، كأنهم استعجلوا خوف الفتنة، وإنما قال عمر ذلك لأن مثلها من الوقائع العظيمة التي ينبغي للعقلاء التروي في عقدها لعظم المتعلق بها، فلا تبرم فلتة من غير اجتماع أهل العقد والحل من كل قاصٍ ودانٍ، لتطيب الأنفس، ولا تَحمل من لم يُدْعَ إليها نفسُه علي المخالفة والمنازعة وإرادة الفتنة، ولا سيما أشراف الناس وسادات العرب، فلما وقعت بيعة أبي بكر علي خلاف ذلك قال عمر ما قال. ثم إن الله وقي شرَّها، فإن المعهود في وقوع مثلها في الوجود كثرة الفتن، ووقوع العداوة والإحن، فلذلك قال عمر: وقي الله شرَّها [157] . أقول: إذا كانت بيعة أبي بكر فلتة، قد وقعت بلا تدبير ولا تروّ، ومن غير مشورة أهل الحل والعقد، فهذا يدل علي أنها لم تكن بنص من النبي صلي الله عليه وآله وسلم، لا نص صريح كما ادّعاه بعض علماء أهل السنة، ولا نص خفي وإشارة مُفهِمة كما ادّعاه بعض آخر، لأن بيعته لو كانت مأموراً بها تصريحاً أو تلميحاً من النبي صلي الله عليه وآله وسلم لَكانت بتدبير، ولَما كان للتروي ومشاورة الناس فيها مجال بعد أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم بها. ثم إن وصف هذه البيعة بالفلتة مشعر بأن أبا بكر لم يكن أفضل صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وأنَّ كل ما رووه بعد ذلك في أفضليته علي سائر الصحابة إنما اختُلق لتصحيح خلافته وخلافة مَن جاء بعده، ولصرف النظر عن أحقيَّة غيره، وإلا لو كانت أفضليّته معلومة عند الناس بالأحاديث الكثيرة التي رووها في ذلك، لَما كان صحيحاً أن تُوصف بيعة أفضل الناس بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأنهاوقعت بلا تروّ وتدبير، لأن التروي والتدبير إنما يُطلَبان للوصول إلي [ صفحه 54] بيعة الأفضل لا لأمر آخر، فإذا تحققت هذه البيعة فلا موضوعية للتروي أصلاً. وقول عمر: «إلا أن الله وقي شرّها» يدل علي أن تلك البيعة فيها شرّ، وأنه من غير البعيد أن تقع بسببها فتنة، إلا أن الله سبحانه وقي المسلمين شرَّها. والشرّ الذي وقي الله هذه الأمة منه هو الاختلاف والنزاع، وإن كان قد وقع النزاع والشجار في سقيفة بني ساعدة، وخالف أمير المؤمنين عليه السلام وأصحاب فامتنعوا عن البيعة كما مرَّ البيان، لكن هذا الخلاف لم يُشهر فيه سيف، ولم يُسفك فيه دم. إلا أن فتنة الخلاف في الخلافة باقية إلي اليوم، وما افتراق المسلمين إلي شيعة وسُنّة إلا بسبب ذلك. ومَن يتتبَّع حوادث الصدر الأول يجد أن الظروف التاريخية ساعدت أبا بكر وعمر علي تولّي الأمر واستتبابه لهما، مع عدم أولويتهما بالأمر واستحقاقهما له، وذلك يتَّضح بأمور: 1 ـ إن انشغال أمير المؤمنين عليه السلام وبني هاشم بتجهيز النبي صلي الله عليه وآله وسلم حال دون ذهابه إلي السقيفة، واحتجاجه علي القوم بما هو حقّه. كما أن غفلة عامة المهاجرين وباقي الأنصار عما تمالأ عليه القوم في السقيفة، وحضور أبي بكر وعمر وأبي عبيدة دون غيرهم من المهاجرين، جَعَل الحجّة لهم علي الأنصار، إذ احتجوا عليهم بقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: الأئمة من قريش. ولأنه لم يكن من قريش في السقيفة غيرهم، فالخلافة لا بد حينئذ من أن تنحصر فيهم، لأن القوم كانوا عقدوا العزم علي اختيار خليفة من بين مَن حضروا في السقيفة، لا يثنيهم عن ذلك شيء. وقد سارع في تحقّق البيعة لأبي بكر ما كان بين الأوس والخزرج من المشاحنات المعروفة، وما كان بين الخزرج أنفسهم من الحسد، ولذلك بادر [ صفحه 55] بشير بن سعد [158] فبايع أبا بكر. فقال له الحباب بن المنذر [159] : يا بشير بن سعد، عقَقْتَ عقاق، ما أحوجك إلي ما صنعت؟ أنفستَ علي ابن عمك الإمارة؟ [160] . قال الطبري في تاريخه، وابن الأثير في الكامل: ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد، وما تدعو إليه قريش، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض، وفيهم أسيد بن حضير، وكان أحد النقباء: والله لئن وَلِيَتْها الخزرج عليكم مرة، لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، ولا جعلوا لكم معهم نصيباً، فقوموا فبايعوا أبا بكر. فقاموا إليه فبايعوه، فانكسر علي سعد بن عبادة وعلي الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم [161] . فكان نظر أبي بكر وعمر أن الخلافة لا يصح أن تكون إلا في قريش، وكان لا بد من الإسراع في بيعة رجل من قريش لئلا تُجعل في غيرهم. قال المحب الطبري: وخشي ـ يعني أبا بكر ـ أن يخرج الأمر عن قريش، فلا تدين العرب لمن يقوم به من غير قريش، فيتطرق الفساد إلي أمر هذه الأمة، ولم يحضر معه في السقيفة من قريش غير عمر وأبي عبيدة، فلذلك دّلَّ عليهما، [ صفحه 56] ولم يمكنه ذِكر غيرهما ممن كان غائباً خشية أن يتفرّقوا عن ذلك المجلس من غير إبرام أمر ولا إحكامه، فيفوت المقصود، ولو وَعَدوا بالطاعة لمن غاب منهم حينئذ ما أَمِنَهم علي تسويل أنفسهم إلي الرجوع عن ذلك [162] . ولأجل هذا المعني اعتذر عمر بن الخطاب نفسه في حديث السقيفة عن مسارعتهم في بيعة أبي بكر، وعدم تريّثهم لمشاورة باقي المسلمين، فقال: وإنَّا والله ما وجَدْنا فيما حضرنا من أمر أقوي من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقْنا القوم ولم تكن بيعة، أن يُبايِعوا رجلاً منهم بعدنا، فإما بايعناهم علي ما لا نرضي، وإما نخالفهم فيكون فساد. وأشار أبو بكر إلي ذلك في خطبته في المسجد بعد ذلك، معتذراً للناس عن قبوله البيعة لنفسه، فقال: والله ما كنت حريصاً علي الإمارة يوماً ولا ليلة قط، ولا كنت راغباً فيها، ولا سألتها الله في سِرّ ولا علانية، ولكن أشفقت من الفتنة [163] . وأخرج أحمد في المسند أن أبا بكر قال: فبايَعوني لذلك، وقبلتُها منهم، وتخوَّفتُ أن تكون فتنة تكون بعدها رِدَّة [164] . 2 ـ إن ما أُصيب به الإسلام والمسلمون من المصيبة العظمي والداهية الكبري بفقد النبي الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم، وما تبعه من حوادث، جعل كثيراً من صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم يتجنَّبون الخِلاف والنزاع. فبعد أن علموا أن البيعة تمَّت لأبي بكر في السقيفة، رأوا أنهم إما أن يرضوا بما وقع، وفيه ما فيه، أو يُظهروا الخلاف فيكون الأمر أسوأ والحالة أشد، والمسلمون أحوج ما يكونون إلي نبذ الفرقة ولم الشمل، فبايعوا أبا بكر، وكانت بيعتهم من باب دفع الأفسد في نظرهم بالفاسد. [ صفحه 57] وكان كثير من الصحابة يتجنّبون الخلاف حتي مع علمهم بالخطأ، ويرون فعل الخطأ مع الوفاق، أولي من فعل الحق مع الخلاف. ومن ذلك ما أخرجه أبو داود في السنن عن عبد الرحمن بن يزيد قال: صلّي عثمان بمني أربعاً، فقال عبد الله: صليت مع النبي صلي الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين. زاد عن حفص: ومع عثمان صدراً من إمارته، ثم أتمَّها... ثم تفرَّقت بكم الطرُق، فلَوددتُ أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبَّلتين... فقيل له: عِبْتَ علي عثمان ثم صلَّيتَ أربعاً؟ قال: الخلاف شر [165] . ورواه أحمد في المسند عن أبي ذر [166] ورواه البيهقي في السنن الكبري عن ابن مسعود، وفيه أنه قال: ولكن عثمان كان إماماً، فما أخالفه، والخلاف شر [167] . وكان ابن عمر إذا صلّي مع الإمام صلّي أربعاً، وإذا صلاها وحده صلي ركعتين [168] . 3 ـ أن عمر بن الخطاب كان يعضِّد أبا بكر ويقوّيه، وعمر معروف بالشدة والغلظة، فلذلك خاف قوم من مخالفة أبي بكر وعمر في هذا الأمر، وأُجبر قوم آخرون علي البيعة [169] ، فاستتبَّ الأمر بذلك لأبي بكر. [ صفحه 58] فإذا كانوا قد كشفوا بيت فاطمة لأخذ البيعة من أمير المؤمنين عليه السلام [170] ، ولم يراعوا لبيت فاطمة الزهراء عليه السلام حرمة، فعدم مراعاة غيرها من طريق أولي، وإن قهْرهم لعلي عليه السلام لأخذ البيعة منه [171] ، مع ما هو معلوم من شجاعته وقربه من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، يجعل غيره لا يمتنع عن البيعة. ومن شدة عمر في هذا الأمر أنه كان من الذين نَزَوا علي سعد بن عبادة يوم السقيفة وكادوا يقتلونه، وقد ذكر ذلك عمر في حديث السقيفة، فقال: [ صفحه 59] ونزَوْنا علي سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة. فقلت: قتل الله سعد بن عبادة. وهو الذي ضرب يد الحباب بن المنذر يوم السقيفة فندر السيف منها. قال الطبري في تاريخه: لما قام الحباب بن المنذر، انتضي سيفه وقال: أنا جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب... فحامله عمر، فضرب يده، فندر السيف فأخذه، ثم وثب علي سعد ووثبوا علي سعد [172] . وزبدة المخض أن أكثر الصحابة ـ المهاجرين منهم والأنصار ـ أعرضوا عن النصوص المروية عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم في مسألة الخلافة، وصدرت منهم اجتهادات خالفوا بها النصوص الثابتة، ثم التمسوا لهم الأعذار فيها، والتمس مَن جاء بعدهم لهم ما يصحِّح اجتهاداتهم تلك. ويدلّ علي ذلك أن الأنصار اجتمعوا في السقيفة وهم كثرة، ليختاروا منهم خليفة للمسلمين، مع أنهم يعلمون ـ كما في حديث السقيفة ـ أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: «الأئمة من قريش»، فتجاوزوا هذا النص الصريح الواضح في هذه المسألة حرصاً منهم علي الإمارة، كما أخبر النبي صلي الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة، عن النبي صلي الله عليه وسلم، أنه قال: إنكم ستحرصون علي الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فَنِعْمَ المرضعة، وبئس الفاطمة [173] . وكان ذلك مصداقاً لما أخبر به النبي صلي الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم [ صفحه 60] وغيرهما عنه صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها [174] . وفي رواية أخري، قال: ولكني أخشي عليكم الدنيا أن تنافسوها [175] . وبالجملة فإن قلنا: إنه يشترط في الخليفة أن يكون قرشياً فلا يجوز للأنصار أن يبايعوا رجلاً منهم، وإن قلنا: إن اختيار الخليفة لا بد أن يكون بالشوري، فحينئذ لا يحق لِمَن حضر في السقيفة أن يختاروا خليفة منهم دون مشورة باقي المسلمين، ولا سيما أنه لم يحضر من المهاجرين إلا ثلاثة نفر: أبو بكر وعمر وأبو عبيدة. ثم إن احتجاج أبي بكر وعمر بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم منهم وهم عشيرته، ولا يصلح لخلافته رجل من غيرهم [176] ، يستلزم أن يكون الخليفة من بني هاشم، ومن آل النبي صلي الله عليه وآله وسلم بالخصوص. ولذلك احتج أمير المؤمنين عليهم بما احتجوا به علي غيرهم، فقال فيما نُسب إليه: فإن كنتَ بالشوري ملكتَ أمورَهم فكيـف بهـذا والمشـيرون غُيَّــبُ [ صفحه 61] وإن كنتَ بالقربي حجَجْتَ خصيمَهم فغـيـرُك أولي بالنبـي وأقــربُ [177] . وأما إذا قلنا بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد نصَّ علي الخليفة من بعده كما هو الصحيح، فالمخالفة حينئذ تكون أوضح. ومن ذلك كله يتضح أن أهل السقيفة ـ المهاجرين منهم والأنصار ـ خالفوا النصوص الصحيحة الواردة من النبي صلي الله عليه وآله وسلم في مسألة الخلافة. وهذا يستلزم ألا يكون شيء مما قرَّروه في السقيفة مُلزِماً لغيرهم، أو حجَّة عليهم، بل لا يمكن أن يُصَحَّح بحال. وأما اجتهاد باقي الصحابة ورغبتهم في ترك الخلاف ببيعة أبي بكر من أجل رأب الصدع وعدم إحداث الفرقة، فهذا اجتهاد منهم لا يُلزِم غيرهم أيضاً، ولا يصحِّح بيعة أبي بكر مع ثبوت النصوص الصحيحة الدالة علي خلافة علي عليه السلام التي سيأتي بيانها إن شاء الله تعالي.

رد أدلتهم علي خلافة أبي بكر

ذكر علماء أهل السنة بعضاً من الأحاديث والحوادث التي استدلوا بها علي خلافة أبي بكر، ونحن سنذكر أهمها، وسنبيِّن ما فيها. منها: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما وغيرهما عن جبير بن مطعم، قال: أتت امرأة النبي صلي الله عليه وسلم، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ كأنها تقول: الموت. قال: إن لم تجديني فأتي أبا بكر [178] . استَدل به علي خلافة أبي بكر: ابن حجر في صواعقه، وشارح العقيدة [ صفحه 62] الطحاوية، وأبو نعيم الأصفهاني في كتاب الإمامة [179] وغيرهم. وهذا الحديث علي فرض صحة سنده لا نصَّ فيه علي الخلافة، بل ولا ظهور فيه أيضاً، إذ لعل تلك المرأة جاءت لأمر يتعلق بها يمكن لأي واحد من المسلمين أن يقضيه لها، فأمرها بأن ترجع لأبي بكر فيه، إما لأنه سينجزه لها عاجلاً، أو لأنها من جيرانه وهو يعرفها، فإن أهله بالسُّنْخ [180] وهي كذلك، أو لغير ذلك. هذا مضافاً إلي أن الأمر الذي جاءت له تلك المرأة لم يتّضح من الحديث، ومن الواضح أنه ليس أمراً لا يقوم به إلا النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو خليفته من بعده كأمر الحرب أو ما شابهه، بل هو أمر بسيط متعلّق بامرأة عادية. ومنها: ما أخرجه الترمذي وحسّنه وابن ماجة والحاكم وصحَّحه وأحمد وغيرهم عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: اقتدوا باللذَين من بعدي: أبي بكر وعمر [181] . استدل به علي خلافة أبي بكر: الإيجي في المواقف [182] ، وابن حجر في صواعقه [183] ، وشارح العقيدة الطحاوية [184] ، وأبو نعيم الأصفهاني في كتاب الإمامة [185] وغيرهم. [ صفحه 63] وهو علي فرض صحة سنده لا يدل علي خلافة أبي بكر وعمر أيضاً، لأن الاقتداء بينه وبين الخلافة عموم وخصوص من وجه، فقد يكون خليفة عند أهل السنة ولا يجوز الاقتداء به، وقد يكون مقتديً به وليس بخليفة، وقد يكون خليفة ومقتدي به. وعليه فالأمر بالاقتداء بأبي بكر وعمر لا يدل علي خلافتهما بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم. ويؤيد ذلك ما ورد في بعض ألفاظ الحديث بعد ذلك: واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن مسعود [186] . فإنهم لم يقولوا بدلالة هذا الحديث بهذا اللفظ علي خلافة عمار من بعدهما ولا ابن مسعود، مع أن الأمر بالاهتداء بهدي عمار، أقوي دلالة علي الخلافة من الاقتداء، لأن الله جل شأنه وصف الأئمة في كتابه بأنهم هداة إلي الحق، فقال عز من قائل (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) [187] وقال (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) [188] . وأما الأمر بالاقتداء فورد في آية واحدة من كتاب الله، وهي قوله تعالي (أولئك الذين هدي الله فبهداهم اقتده) , وهي مع ذلك اشتملت علي ذِكر الهدي، فكل من كان علي الهدي جاز الاقتداء به، ولا عكس، إذ يجوز أن يقتدي بشخص عند أهل السنة في الصلاة مع كونه فاسقاً فاجراً، أو في أي طريقة في أمور الدنيا نافعة مع كونه كافراً، كالاقتداء بحاتم في كرمه، وبالسموأل في وفائه، أو ما شاكل ذلك. هذا مع أن بعض مفسّري أهل السنة قالوا بأن قوله تعالي (أولئك) شاملة للأنبياء وغيرهم من المؤمنين. [ صفحه 64] قال ابن كثير: (أولئك) يعني الأنبياء المذكورين مع من أُضيف إليهم من الآباء والذرية والإخوان وهم الأشباه [189] . ومنه يتضح أن الآباء والذرية والإخوان إنما يُقتدي بهم لإيمانهم، لا لكونهم خلفاء ولا أئمة، وعليه فلا دلالة للاقتداء في الحديث علي الخلافة أو الإمامة. هذا مع أن هذا الحديث لم يسلم سنده من كلام، فإن الترمذي أخرجه في سننه بطريقين، أحدهما سكت عنه فلم يصحّحه، والآخر وإن حسّنه، إلا أنه قال: وكان سفيان بن عيينة يدلِّس في هذا الحديث [190] ، فربما ذكره عن زائدة عن عبد الملك بن عمير، وربما لم يذكر فيه زائدة. وذكر له طريقاً آخر من جملة رواته سفيان الثوري، وهو أيضاً مدلّس [191] . وأما الحاكم فإنه صحَّح رواية حذيفة بشاهد صحيح لها عنده، وهو رواية ابن مسعود، إلا أن الذهبي في التلخيص ضعَّف هذا الشاهد، فقال: سنده واه. وعلي كل حال، فأكثر أسانيد هذا الحديث مروية عن السفيانيَّين، وهما مدلّسان كما مرَّ آنفاً، فكيف يقبل خبَرهما في مسألة الخلافة التي هي أهم المسائل. [ صفحه 65] ومنها: ما أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم، عن أبي سعيد الخدري في حديث عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام ومودَّته [192] . استَدل به علي خلافة أبي بكر: ابن حجر في صواعقه [193] ، وشارح العقيدة الطحاوية [194] ، وأبو نعيم الأصفهاني في كتاب الإمامة [195] وغيرهم. ولو سلّمنا بصحة هذا الحديث فأكثر ما يدل عليه هو أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يتّخذ أبا بكر خليلاً، ولو أراد أن يتّخذ خليلاً لاتّخذ أبا بكر، والخُلة: هي الصداقة، والخليل هو الصديق [196] . وعليه، يكون معني الحديث: لو أردتُ أن أتّخذ صديقاً لاتّخذت أبا بكر. وهذا لا دليل فيه علي أفضليته علي غيره فضلاً عن خلافته، لأنه يحتمل أن يكون اتخاذه خليلاً للِين طبعه، أو حُسن أخلاقه كما وصفوه به، أو لقِدَم صُحبته، أو لكونه مِن أتراب النبي صلي الله عليه وآله وسلم المقاربين له في السن، أو لمصاهرته، أو لغير ذلك من الأمور التي تُراعي في اتخاذ الصديق، وإن كان غيره خيراً منه، وربما يتخذ الرجل الحكيم خليلاً، إلا أنه لا يعتمد عليه في القيام بأموره المهمة، بل يسندها إلي غيره، وهو واضح لا يحتاج إلي مزيد بيان. [ صفحه 66] ومنها: ما أخرجه مسلم ومسلم وأحمد وغيرهم عن عائشة، قالت: قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: ادعي له أباك وأخاك حتي أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمني متمنٍّ، ويقول قائل: أنا أولي. ويأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر [197] . استَدل به علي خلافة أبي بكر: ابن حجر في صواعقه [198] ، وشارح العقيدة الطحاوية [199] ، وأبو نعيم الأصفهاني في كتاب الإمامة [200] . وهذا الحديث لا يصدر من النبي صلي الله عليه وآله وسلم، لأنه مروي عن عائشة، وأمر الخلافة لا يصح إيكاله للنساء، لارتباطها بالرجال، فإخبارهم بذلك هو المتعين، دون عائشة أو غيرها من النساء. ومع الإغماض عن ذلك فهذا من شهادة الأبناء للآباء، أو ما يسمَّي بشهادة الفرع للأصل، وهي غير مقبولة عندهم [201] ، ولذا صحَّحوا ردّ أبي بكر [ صفحه 67] شهادة الحسن والحسين عليهما السلام لفاطمة عليها السلام في أمر فدك. وعليه فلا مناص من رد شهادة عائشة لأبيها في هذه المسألة بالأولوية، لأن مسألة الخلافة أعظم وأهم من فدك. ثم إن عائشة كان بينها وبين أمير المؤمنين عليه السلام جفوة، وربما صدر منها ما يصدر من النساء في عداواتهن مع غيرهن، ولذا أعرضتْ عن ذِكر اسم علي عليه السلام لَمَّا خرج النبي صلي الله عليه وآله وسلم في مرضه معتمداً عليه وعلي العباس فيما أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة وغيرهم [202] . فإذا أخفت اتَكاء النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي أمير المؤمنين عليه السلام، فما يتعلّق بالخلافة أولي بالإخفاء. فكيف يصح قبول قولها في مسألة كهذه؟! ثم أين هذا الكتاب الذي أمر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم عائشة أن تدعو أباها وأخاها ليكتبه لهم؟ وما فائدة كتابة كتاب في أمر خطير كالخلافة لا يعلم به أحد من الناس إلا عائشة وأبوها وأخوها؟ ثم إن الحديث لا نصَّ فيه علي الخلافة، بل أقصي ما يدل عليه الحديث أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب كتاباً لأبي بكر، حتي لا يتمني متمنٍّ شيئاً. أما [ صفحه 68] ماذا أراد أن يكتب لأبي بكر؟ فهو غير ظاهر من الحديث، فلعله كان يريد أن يهبه متاعاً أو أرضاً أو أمراً آخر، أو لعله لما علم صلي الله عليه وآله وسلم بدنو أجله أراد أن يكتب كتاباً يجعله به أميراً علي سرِيَّة أسامة إذا ألمَّ بأسامة مُلِم أو أصابه مكروه، ويخشي أن يتمنَّي متمنّ في القوم ذلك. وأما قوله: «ويأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر» فمعناه: أنني إذا كتبتُ له كتاباً بالمتاع أو الأرض أو الإمرة علي سرية أسامة من بعده، فإن الله لا يرضي إلا بما كتبته، وكذا المؤمنون. والله العالم. ومنها: ما أخرجه البخاري عن عمر بن العاص: أن النبي صلي الله عليه وسلم بعثه علي جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ فقال: عائشة. فقلت: من الرجال؟ فقال: أبوها. قلت: ثم مَن؟ قال: عمر بن الخطاب. فَعَدَّ رجالاً [203] . استدل به علي خلافة أبي بكر: شارح العقيدة الطحاوية [204] ، وأبو نعيم الأصفهاني في كتاب الإمامة [205] وغيرهما. وهذا الحديث معارَض بحديث آخر رواه الترمذي وحسَّنه، والحاكم في المستدرك وصحَّحه عن عمير التيمي، قال: دخلتُ مع عمّتي علي عائشة، فسُئِلتْ: أي الناس كان أحب إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة. فقيل: مِن الرجال؟ قالت: زوجها، إن كان ما علمتُ صوَّاماً قواماً [206] . [ صفحه 69] وأخرج الحاكم في المستدرك، والنسائي في الخصائص عن بريدة، قال: كان أحب النساء إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فاطمة، ومن الرجال علي [207] . وعن عمر أنه دخل علي فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: يا فاطمة والله ما رأيت أحداً أحب إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم منك [208] . فإن قالوا بدلالة الأحاديث الأول علي خلافة أبي بكر، فالأحاديث الأخر تدل علي خلافة أمير المؤمنين عليه السلام، وإلا فلا دلالة في الكل. ثم إن حديث البخاري مروي عن عمرو بن العاص، وهو من أعداء أمير المؤمنين عليه السلام، فلا يُقدَّم علي حديث عائشة، وهو واضح. ثم إن تلك الأحاديث أيضاً معارضة بما أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر: استعمل النبي صلي الله عليه وسلم أسامة، فقالوا فيه، فقال النبي: قد بلغني أنكم قلتم في أسامة، وإنه أحب الناس إلي [209] . وبما أخرجه مسلم، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله قال وهو علي المنبر: إن تطعنوا في إمارته ـ يريد أسامة بن زيد ـ فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وأيم الله إن كان لخليقاً لها، وأيم الله إن كان لأحب الناس إلي، وأيم الله إن هذا لخليق لها ـ يريد أسامة بن زيد ـ، وأيم الله إن كان لأحبهم إلي من بعده [210] . مع أنهم لا يقولون بأن فيها أدني إشارة إلي خلافة أسامة بن زيد، مع أن [ صفحه 70] إسامة جعله النبي صلي الله عليه وسلم أميراً علي سريّة فيها أبو بكر وعمر وعثمان، فكيف صارت باؤكم تَجُر، وباء غيركم لا تجر؟! علي أنَّا لو صحَّحنا تلك الأحاديث وسلَّمنا بأن أبا بكر كان أحب الناس إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فهم لا يسلِّمون بأن الحب يرتبط بالأهلية للخلافة فضلاً عن الأولوية والأفضلية، وذلك لأنهم رووا عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبّهم. قيل: يا رسول الله سمِّهم لنا. قال: «علي منهم» يقول ذلك ثلاثاً «وأبو ذر والمقداد وسلمان، أمرني بحبّهم، وأخبرني أنه يحبهم» [211] . ومع ذلك رووا أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يولِّ أبا ذر إمارة لأنه رجل ضعيف، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده علي منكبي، ثم قال: يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا مَن أخذها بحقّها، وأدَّي الذي عليه فيها [212] . ومنها: ما رووه عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء [213] . استدل به علي خلافة أبي بكر: الإيجي في المواقف [214] ، وابن حجر في صواعقه [215] ، وشارح العقيدة الطحاوية [216] وغيرهم. [ صفحه 71] بتقريب أن خلافة أبي بكر خلافة نبوة فهي صحيحة وشرعية، وإلا لما صحَّ وصفها بذلك. وقد تحدّثنا فيما تقدَّم حول هذا الحديث مفصَّلاً، وأوضحنا بما لا مزيد عليه أن المراد بخلافة النبوة هي خلافة مَن استخلفه النبي صلي الله عليه وآله وسلم بالنصوص الثابتة، وهي خلافة أمير المؤمنين عليه السلام، وقد استمرت ثلاثين سنة، من وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي وفاته عليه السلام، فراجعه. وعليه، فهذا الحديث لا يصلح أن يتمسّكوا به لتصحيح خلافة مَن تقدَّم علي أمير المؤمنين عليه السلام كلاً أو بعضاً. ومنها: ما رووه من أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم في مرضه أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس، وهذا دليل علي أنه كان أفضل صحابته صلي الله عليه وآله وسلم، فيتعين أن يكون هو الخليفة من بعده. واستَدل به علي خلافة أبي بكر: الإيجي في المواقف [217] ، وابن حجر في صواعقه [218] ، وشارح العقيدة الطحاوية [219] ، والصابوني في عقيدة السلف [220] ، وأبو نعيم الأصفهاني في كتاب الإمامة [221] وغيرهم. وصلاة أبي بكر بأمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم لو سلَّمنا بوقوعها فهي لا تدل علي الأفضلية، فضلاً عن دلالتها علي الأولوية بالخلافة، وذلك لأنهم رووا عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: يؤم القوم أقرأُهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة، فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمّهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمّهم [ صفحه 72] أكبرهم سنّاً [222] . وفي بعضها: فإن كانوا في الهجرة سواء فأعلمهم بالسنة... وعند مسلم: أنه صلي الله عليه وآله وسلم قال: فإذا حضرت الصلاة فليؤذِّن لكم أحدكم، ثم ليؤمّكم أكبركم [223] . فلعل أبا بكر أمَّ الناس لأنه أقدمهم هجرة، أو لـمَّـا تساووا في تلك الأمور وكان أبو بكر أكبرهم سنّاً أمره النبي بالصلاة بالناس. ثم إنهم لم يجعلوا مسألة الإمامة في الصلاة مرتبطة بالخلافة الكبري في غير هذا المورد، ولهذا لما ضُرب عمر أمَرَ صهيباً الرومي أن يصلّي بالناس [224] ، ولما ضُرب أمير المؤمنين عليه السلام أمَرَ جعدة بن هبيرة أن يصلي بالناس، ولم يرَ الناس ذلك نصاً منهما علي خلافة أو إمرة، فكيف صارت صلاة أبي بكر نصَّاً فيها؟؟ ومنها: ما ذكره بعضهم من أن مَن لم يرَ صحة خلافة أبي بكر فقد أزري بالمهاجرين والأنصار، إذ نسَبَهم إلي أنهم تمالأوا علي الباطل، وهم أنصار دين الله وحمَلة شريعته، ونسبة ذلك إليهم لا تجوز. قال النووي وحكاه عنه ابن حجر في الصواعق: مَن قال: إن علياً كان أحق بالولاية فقد خطَّأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار، وما أراه يرتفع له مع هذا عمَل إلي السماء [225] . [ صفحه 73] والجواب عن ذلك: أن تخطئة أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار لا غضاضة فيها مع موافقة الأحاديث الثابتة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، لأنه لا دليل علي وجوب التعبّد بأقوال أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار في شيء من أمور الدين والدنيا أصلاً. وعليه، فهل يجوز لمؤمن أن يترك قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم الصحيح الثابت عنه إلي قول أبي بكر وعمر؟ ولهذا بادر أبو بكر إلي تخطئة كل الأنصار المجتمعين في السقيفة، الذين عقدوا العزم علي بيعة رجل منهم، بقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: الأئمة من قريش. وبذلك أيضاً يجوز تخطئة غيرهم. ثم إن أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار إذا لم يكن لديهم نص في مسألة الخلافة كما تقدم النقل عنهم من أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يستخلف، فاستخلافهم لأبي بكر إنما كان عن اجتهاد منهم، فلا يجب علي غيرهم أن يقلِّدهم في اجتهاداتهم في الوقائع غير المنصوصة، فضلاً عما إذا ثبت النص. وأما مسألة الإزراء بالمهاجرين والأنصار فهذا من الخطابيات التي لا قيمة لها، وذلك لأن تخطئتهم في بيعة أبي بكر لا يستلزم الإزراء بهم بالضرورة، إذ لا يجب علي المسلمين أن يصحِّحوا اجتهادات الصدر الأول في الوقائع، وإلا لكان علينا أن نقول بعصمتهم، وهو باطل بالاتفاق. ثم إنا لا نُزري بالمهاجرين والأنصار كلهم بهذه البيعة، بل نقول: إن مَن بايع أبا بكر من صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وكان مُكرَهاً، أو أراد أن يبايع أمير المؤمنين عليه السلام فلم يتمكن فهو معذور، وأما من كان يريد أن يحوزها لنفسه بغير حق، أو أراد أن يزحزحها عن أمير المؤمنين عليه السلام حسداً، أو ضغناً، أو خشية من أن يستأثر بها بنو هاشم، أو كيداً للدين، فهو آثم لا شك في ذلك ولا ريب، ولا حرمة له عندنا ولا كرامة. ثم إن قولهم هذا معارَض بمثله، فنقول: إن مَن حكم بخطأ أمير المؤمنين [ صفحه 74] عليه السلام وصحبه في ترك بيعة أبي بكر، فقد أزري بأمير المؤمنين عليه السلام وبطائفة من الصحابة الأجلاء كأبي ذر وعمار وسلمان والمقداد والعباس وغيرهم، وهذا لا يجوز. فكيف جاز الإزراء بهؤلاء ولم يجز الإزراء بأولئك؟ النتيجة المتحصَّلة: والنتيجة المتحصَّلة من كل ما تقدَّم أن تلك الأحاديث التي استدلّ بها بعضهم علي خلافة أبي بكر وإن كانت مروية من طرق أهل السنّة، ولا يصح الاحتجاج بها علي غيرهم، فهي مع ذلك لا دلالة فيها علي ما أرادوه كما أوضحناه مفصَّلاً. ولذلك ذهب مشهور أهل السنّة إلي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم ينص علي أبي بكر، ولو كانت خلافته منصوصاً عليها لاحتجّ أبو بكر أو عمر علي أهل السقيفة بالنص عليه، واستغني به عن الاحتجاج بحديث: «الأئمة من قريش»، ولَمَا قال عمر: إنها فلتة. ولَمَا قال: إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يستخلف. مع أنه كان أحوج ما يكون لإثبات النص علي خلافة أبي بكر لتصحيح خلافته هو.

النصوص الدالة علي خلافة علي بن أبي طالب

اشاره

أما النصوص الدالة علي خلافة أمير المؤمنين عليه السلام فهي كثيرة جداً، ولا يسعنا ذكرها كلها، لأن ذلك يستدعي الإطالة، وسنكتفي بخمسة أحاديث مشهورة:

حديث الثقلين

وسيأتي الكلام فيه مفصَّلاً في الفصل الآتي، وهو يدل علي لزوم اتّباع أهل البيت عليهم السلام دون غيرهم، وأمير المؤمنين عليه السلام أفضل أهل البيت بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيتعيَّن للخلافة دون غيره، لأن اتّباع غيره من سائر الناس بمقتضي دلالة الحديث لا يُنجي من الوقوع في الضلال، وهو واضح.

حديث الموالاة

وهو قول النبي مَن كنت مولاه فعلي مولاه [226] . والمولي له معان كثيرة، منها: الرَّب، والمالك، والسيِّد، والعبد، والمُنعم، والمنعَم عليه، والمُعتِق، والمُعتَق، والناصر، والمُحِب، والتابع، والجار، وابن العم، والحليف، والعقيد، والصَّهْر، والولي الذي يلي عليك أمرك [227] . [ صفحه 76] قال ابن الأثير بعد تعداد المعاني المذكورة: وأكثرها قد جاء في الحديث، فيضاف كل واحد إلي ما يقتضيه الحديث الوارد فيه، وكل مَن ولِيَ أمراً أو قام به فهو مولاه ووَلِيّه [228] . قال: وقول عمر لعلي: أصبحتَ مولي كل مؤمن أي ولِيّ كل مؤمن [229] . والمراد بالمولي في الحديث هو الولي، وهو القائم بالأمر الأولي بالتصرف، لما ورد في كثير من طرق الحديث أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: أيها الناس، ألستُ أولي بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلي يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه [230] . وقد جاء وُصِف أمير المؤمنين عليه السلام بالولي في أحاديث أخر، منها: ما أخرجه الترمذي في سننه، والنسائي في الخصائص، والحاكم في المستدرك، وأحمد في المسند، وابن حبان في صحيحه، والألباني في سلسلته الصحيحة، [ صفحه 77] أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: ما تريدون من علي؟ إن علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي [231] . قال ابن الأثير في النهاية، وابن منظور في لسان العرب، والجوهري في الصحاح: كل من ولِيَ أمر واحد فهو وَلِيّه. ومنه يتضح أن معني «ولِيّ كل مؤمن بعدي» هو المتولِّي لأمور المؤمنين من بعدي، وهو معني آخر للخليفة من بعدي، لأن الخلفاء هم ولاة أمور المسلمين. وفي قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «بعدي» دليل علي أنه لا يريد بالولي المحب ولا الناصر والمنعِم ولا غيرها من المعاني، لأن المعاني الأخَر كالرَّب والمالك والسيد والعبد والمُعتِق والجار وابن العم والصَّهْر وغيرها لا تصح في المقام، وأما المحب والناصر والمنعِم عليه فهي غير مرادة أيضاً، لأن قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «بعدي» دليل علي أن المراد بلفظ (الولي) غير ذلك، لأن هذه الأمور كانت ثابتة لعلي عليه السلام حتي في زمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فذِكر البعدية حينئذ لغو، فلا يصح أن يقال: علي مُحِبُّكم أو ناصركم أو منعِم عليكم من بعدي، لأنه عليه السلام كان كذلك في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم. ولوضوح هذا الحديث في الدلالة علي خلافة أمير المؤمنين عليه السلام أنكره [ صفحه 78] ابن تيمية، وطعن في سنده ودلالته. قال في منهاج السنة: قوله: «هو ولي كل مؤمن بعدي» كذِبٌ علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن، وكل مؤمن ولِيّه في المحيا والممات. فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان، وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها: والي كل مؤمن بعدي [232] . والجواب: أما من ناحية سند الحديث فيكفي في اعتباره أن الترمذي حسَّنه في سننه، والحاكم صحَّحه في مستدركه، وابن حبان أخرجه في صحيحه، والألباني أورده في سلسلته الصحيحة. قال الألباني بعد أن حكم بصحة هذا الحديث: فمن العجيب حقاً أن يتجرّأ شيخ الإسلام ابن تيمية علي إنكار هذا الحديث وتكذيبه في منهاج السنة 4: 104. ثم قال: فلا أدري بعد ذلك وجه تكذيبه للحديث، إلا التسرع والمبالغة في الرد علي الشيعة [233] . وأما من ناحية دلالة الحديث فهو واضح كما مرَّ، وأما قوله: «بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن»، فمراده أن المجيء بلفظ بعدي لغو، وهذا صحيح إذا كان المراد به المحب والناصر، فيكون أمير المؤمنين عليه السلام ولي كل مؤمن في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وبعد وفاته. لكنا بيَّنَّا أن هذا المعني غير مراد، لما ذكرناه وذكره هو من المحذور، وهو استلزام اللغوية في قوله: بعدي. وقوله: (وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها: والي كل مؤمن بعدي) مردود بما سمعت من تصريح علماء اللغة بأن المولي والولي بمعني واحد، وبأن كل من ولِيَ أمر واحد فهو وَلِيّه. فيكون كل مَن وَلِيَ أمر المسلمين وَلِيَّهم،وتكون الولاية بمعني الإمارة، فيصح أن يقال: (ولي كل مؤمن) بهذا [ صفحه 79] المعني. وأما لزوم التعبير بـ (والي كل مؤمن) للدلالة علي هذا المعني فهو غير صحيح، وأهل اللغة يقولون: (فلان والي البلد)، فتضاف كلمة (والي) إلي البلد، ولا تضاف إلي المسلمين أو المؤمنين إلا من باب جواز الإضافة لأدني ملابسة.

حديث المنزلة

وهو قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي [234] . فأوضح النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن منزلة علي عليه السلام منه صلي الله عليه وآله وسلم كمنزلة هارون من موسي عليهما السلام، إلا أن عليّاً عليه السلام ليس بنبي، وبيَّن القرآن الكريم هذه المنزلة في آيات كثيرة: منها: قوله تعالي (وقال موسي لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح [ صفحه 80] ولا تتَّبع سبيل المفسدين) [235] . وقوله تعالي (واجعل لي وزيراً من أهلي - هارون أخي - اشدد به أزري - وأشركه في أمري) [236] . وقوله تعالي (ولقد آتينا موسي الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا) [237] . فدلَّت الآية الأولي علي أن هارون خليفة موسي في قومه، ودلّت الآيتان الأخريان علي أنه وزير موسي عليه السلام. وذلك يدل علي أن أمير المؤمنين عليه السلام هو خليفة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في قومه. وتدل المناسبة التي صدر فيها الحديث علي أن هذا المعني هو المراد، فقد أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأحمد وغيرهم عن سعد: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم خرج إلي تبوك، واستخلف عليّاً، فقال: أَتُخَلِّفني في النساء والصبيان؟ قال: ألا ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه ليس نبي بعدي؟ [238] . فذَكَرَ صلي الله عليه وآله وسلم ذلك بمناسبة استخلاف علي عليه السلام علي المدينة لـمَّا ذهب لغزوة تبوك. وهذا يدل علي أن المنزلة المذكورة في الحديث هي منزلة الخلافة [ صفحه 81] كما نصَّتْ عليه الآية المباركة في هارون عليه السلام. وقال الإيجي في الرد علي ذلك: الجواب: منع صحة الحديث، أو المراد استخلافه علي قومه في قوله (اخلفني في قومي) لاستخلافه علي المدينة، ولا يلزم دوامه بعد وفاته... كيف والظاهر متروك، لأن من منازل هارون كونه أخاً ونبيَّاً [239] . والجواب: أن الحديث صحيح السند، بل هو متّفق عليه، بل هو متواتر، ويكفي في الدلالة علي أنه صحيح ومتَّفق عليه أنه مروي في الصحيحين، ونص علي صحَّته كثير من حفاظ الحديث كالترمذي والحاكم والذهبي وغيرهم، حتي ابن تيمية وابن حزم اللذان أنكرا كل فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام لم يسعهما إنكار هذا الحديث، ونص علي تواتره السيوطي في (قطف الأزهار المتناثرة) والكتاني في (نظم المتناثر)، والزبيدي في (لقط اللآلئ المتناثرة) وغيرهم. وأما قوله: «لا يلزم دوامه بعد وفاته» فهو مكابرة، لأن النبي لم يقيد هذه المنزلة بحال الحياة، أو بتلك الواقعة، بل هي في الحديث مطلقة شاملة لكل الأزمنة، وفي كل الوقائع. وقوله: (كيف والظاهر متروك، لأن من منازل هارون كونه أخاً ونبيَّاً) مردود بأن الظاهر صحيح، أما كونه أخاً فهي صفة ثابتة لأمير المؤمنين عليه السلام بنص حديث المؤاخاة [240] واعتراف علماء أهل السنة به [241] . [ صفحه 82] وأما النبوة فقد صرَّح النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حديث المنزلة باستثنائها، حيث قال: «إلا أنه لا نبي بعدي»، فلا تكون النبوة ثابتة لأمير المؤمنين عليه السلام. وقال ابن تيمية: (والنبي صلي الله عليه وسلم إنما شبَّه عليّاً بهارون في أصل الاستخلاف لا في كماله) [242] يريد به أن هارون لم يخلُف موسي بعد موته، بل خلَفَه يوشع ابن نون، والمطلوب هو الدلالة علي الاستخلاف بعد الموت، لا حال الحياة فقط. والجواب: أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ذكر أن منزلة علي عليه السلام منه هي منزلة هارون من موسي، وهذه المنزلة أوضحها القرآن الكريم، وليس المراد بالحديث هو المشابهة بين علي وهارون من جميع الجهات. وأما أن هارون عليه السلام لم يخلف موسي عليه السلام بعد وفاته فما ذلك إلا لأنه مات في حياة موسي عليه السلام، ولو كان حيّاً لَخلَفَه بعد وفاته كما خلَفَه في حياته، لأنه لا يصح أن يكون خليفة موسي عليه السلام غير نبي مع وجود النبي.

علي مع الحق

وهو قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: علي مع الحق، والحق مع علي. فقد أخرج الهيثمي في مجمع الزوائد ـ في حديث ـ أن علي بن أبي طالب مرَّ، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: الحق مع ذا، الحق مع ذا [243] . وعن حذيفة أنه قال: انظروا إلي الفرقة التي تدعو إلي أمر علي فالزموها، فإنها علي الهدي [244] . [ صفحه 83] وأخرج الحاكم عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: اللهم أدِر الحق معه حيث دار [245] . قال الفخر الرازي: ومَن اقتدي في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدي، والدليل عليه قوله عليه السلام: اللهم أدِر الحق مع علي حيث دار [246] . وعليه، فمن كان مع الحق والحق معه، فهو المتعين للاتباع دون غيره، كما قال جل وعلا (أفمَن يهدي إلي الحق أحق أن يُتَّبَع أمَّن لا يَهِدِّي إلا أن يُهدَي فما لكم كيف تحكمون) [247] .

علي مع القرآن

وهو قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يتفرقا حتي يرِدا عليَّ الحوض [248] . وقد وردت أحاديث كثيرة تدل أيضاً علي أنه عليه السلام مع الحق والقرآن وأنهما معه: منها: قوله صلي الله عليه وآله وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصي الله، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومن عصي عليّاً فقد عصاني [249] . وذلك لأن أمير المؤمنين عليه السلام مع الحق، والنبي صلي الله عليه وآله وسلم كذلك، فمن أطاعه فقد أطاع النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ومن عصاه فقد عصي النبي صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 84] ومنها: قوله صلي الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: أنت تبيِّن لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي [250] . ولا يكون مبيَّناً لهم ما اختلفوا فيه، إلا إذا كان مع الحق، فيكون قوله رافعاً للاختلاف. ومنها: قوله صلي الله عليه وآله وسلم: يا علي من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك يا علي فقد فارقني [251] . وذلك لأن مَن فارق علياً عليه السلام فقد فارق الحق، فيكون حينئذ مفارقاً للنبي صلي الله عليه وآله وسلم. ومنها: قوله صلي الله عليه وآله وسلم: مَن يريد أن يحيي حياتي، ويموت موتي، ويسكن جنَّة الخلد التي وعدني ربّي، فليتولَّ علي بن أبي طالب، فإنه لن يخرجكم من هدي، ولن يدخلكم في ضلالة [252] . وهذه الأحاديث وغيرها تدل علي أنه عليه السلام هو الإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، لأن مَن بايع غيره واتبع سواه فقد فارقه، ومن فارقه فارق الحق كما مر في الأحاديث المتقدمة.

نصوص صريحة

قد يلتبس الأمر علي بعضهم فيقول: إن مسألة الخلافة التي هي من أهم المسائل تتطلَّب أن يُنَص علي الخليفة الحق بنصوص صريحة واضحة لا تحتاج [ صفحه 85] إلي تأويل وشرح وبيان وما شاكل ذلك، فأين هذه النصوص الدالة علي خلافة علي عليه السلام؟ وتحرير الجواب عن ذلك يتحقق بأمور: 1 ـ أن النصوص الصريحة الدالة علي خلافة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بلا فصل، رواها الشيعة بطرق كثيرة جداً، تفوق حد الحصر، وهي مبثوثة في كتب الأحاديث المعتبرة عند الشيعة الإمامية، وقد رواها الثقات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وعن غيرهم، وفيها غني وكفاية، إلا أن أهل السنّة يردّونها ويحكمون عليها بأنها مكذوبة، لمخالفتها لأحاديثهم، فلذا رأينا أن نحتج عليهم بما في كتبهم لا بما في كتب الشيعة. 2 ـ أن النصوص الصريحة مروية أيضاً في كتب أهل السنة، إلا أن علماءهم ردّوا تلك الأحاديث إما بأنها منكرة، فلا تكون حجَّة، أو اتهموا راويها بالتشيع والرفض، فأسقطوا كل مروياته عن الاعتبار. فإذا كان الحديث الدال علي خلافة أمير المؤمنين عليه السلام أو أفضليته حديثاً منكَراً عندهم، وراويه إما أن يكون كذَّاباً أو شيعياً أو رافضياً، فلا غرابة حينئذ في أن لا يسلم حديث واحد يدل علي خلافة أمير المؤمنين عليه السلام؟ 3 ـ مع كل ذلك فقد روي أهل السنة نصوصاً واضحة صريحة تدل علي خلافة أمير المؤمنين عليه السلام وأفضليته: منها: ما أخرجه الحاكم في المستدرك أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه ليس بعدي نبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي [253] . [ صفحه 86] وعند البوصيري عن أبي يعلي، أنه صلي الله عليه وآله وسلم قال: إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفة من بعدي [254] . ومنها: ما أخرجه الحاكم وأبو نعيم والخطيب البغدادي والهيثمي وغيرهم أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب [255] . ومنها: ما أخرجه الحاكم في المستدرك وصحَّحه أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: أُوحي إليَّ في علي ثلاث: أنه سيّد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغُر المُحجّلين [256] . ومنها: ما أخرجه ابن المغازلي في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: مَن ناصَبَ علياً الخلافة بعدي فهو كافر، وقد حارب الله ورسوله، ومن شكَّ في علي فهو كافر [257] . ومنها: ما أخرجه ابن كثير في البداية والنهاية عن ابن مسعود قال: كنا مع النبي صلي الله عليه وسلم ليلة وفد الجن، قال: فتنفّس فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال: نُعِيَت إليَّ نفسي. قلت: فاستخلِف. قال: مَن؟ قلت: أبا بكر. قال: فسكت ثم مضي ثم تنفّس. قلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال: نُعِيَت إليَّ نفسي يا ابن مسعود. قلت: فاستخلِف. قال: مَن؟ قلت: عمر. فسكت ثم مضي ساعة ثم تنفّس. قال: فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال: نُعِيَت إليَّ نفسي يا ابن [ صفحه 87] مسعود. قلت: فاستخلِف. قال: مَن؟ قلت: علي بن أبي طالب. قال: أما والذي نفسي بيده، لئن أطاعوه ليدخلُنَّ الجنة أجمعين أكتعين [258] . ومنها: ما أخرجه ابن عساكر عن بريدة الأسلمي، قال: أمَرَنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نسلِّم علي علي بأمير المؤمنين [259] . ومنها: ما أخرجه الترمذي والحاكم وأبو نعيم والخطيب البغدادي عن أنس بن مالك، قال: كان عند النبي صلي الله عليه وسلم طير، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. فجاء علي فأكل معه [260] . ومنها: ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن أبي ذر وسلمان قالا: أخذ رسول الله صلي الله عليه وسلم بيد علي فقال: هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصدّيق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب [261] المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين [262] . [ صفحه 88]

شبهة و جوابها

قد يقال: إنا إذا أخذنا بهذه الأحاديث فلازم ذلك أن تخطِّئ كل الصحابة ونفسِّقهم، وهذا لا يصح. والجواب: 1 ـ أنا قد أوضحنا فيما تقدم أن صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم منهم من لم يبايع أبا بكر، ومنهم من أُكرِه علي البيعة، منهم من لم يكن راضياً لكنه لا يستطيع أن ينكر علي من تولّوها في شيء، ومنهم من رأي أن صلاح أمر المسلمين في ترك الخلاف، ومنهم من شايع وبايع. وهؤلاء منهم المعذور عند الله بلا شك ولا ارتياب. وعليه فالأخذ بتلك النصوص الدالة علي خلافة أمير المؤمنين عليه السلام لا يستلزم تفسيق كل صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم كما هو واضح. 2 ـ أنا لو سلمنا أن الأخذ بتلك النصوص يستلزم تفسيق كل الصحابة، فهذا لا يوجب ترك النصوص الصحيحة الثابتة، وذلك لأن الحجّة إنما ثبتت لقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ولا حجة لقول أو فعل شخص غيره، ولا سيما إذا عارض الأحاديث الثابتة. 3 ـ أن الأحاديث الصحيحة دلَّت علي أن الأمّة ستغدر بعلي عليه السلام بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وما ذلك الغدر إلا إقصاؤه عليه السلام عن منصبه الذي أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم به ونص به عليه. ومن تلك الأحاديث ما رواه الحاكم في المستدرك، وابن حجر في المطالب العالية، والبوصيري في مختصر الإتحاف وغيرهم، عن علي عليه السلام أنه قال: إن مما عهد إليَّ النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن الأمّة ستغدر بي بعده [263] . [ صفحه 89] وعنه عليه السلام قال: والله إنه لعهد النبي صلي الله عليه وسلم: إنهم سيغدرون بك من بعدي [264] . وأخرج الهيثمي وابن حجر والبوصيري عن علي عليه السلام ـ في حديث ـ أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أجهش باكياً، قال: قلت: يا رسول الله ما يبكيك؟ قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي... [265] . فإذا عهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام بذلك فلا وجه لتبرئة مَن حكم النبي صلي الله عليه وآله وسلم عليه بالغدر.

خلاصة البحث

والخلاصة أن خلافة أبي بكر لم تكن منصوصاً عليها كما اعترف به علماء أهل السنة، ودلَّت عليه الأحاديث الصحيحة، وكذلك لم تكن بالإجماع كما أوضحناه فيما مرّ، ولم تدل علي صحَّتها أحاديث صحيحة، والنصوص التي تمسّكوا بها مع التسليم بصحّتها لا تدل علي الخلافة. ثم إنها لم تكن بالشوري، لأنها كانت فلتة كما نصَّ عليه عمر في حديث السقيفة، ولم تكن ببيعة أهل الحل والعقد، لأن عامة المهاجرين لم يكونوا في السقيفة، ومَن بايع بعد ذلك كان إما عن اجتهاد لا يكون مُلزِماً لغيره، وإما عن إكراه، وإما عن ضغن لعلي عليه السلام، وإما لغير ذلك مما لا يكون حجة علي أحد من الناس. [ صفحه 90] ومن ذلك كله يتضح أنه لا يوجد مصحِّح معتبر لخلافة أبي بكر، والله العالم بحقائق الأمور. (لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) يونس: 94.

لماذا لم يتمسك أهل السنة بأهل البيت؟

تمهيد إن الأحاديث الصحيحة الدالة علي لزوم التمسك بأهل البيت عليهم السلام كثيرة مستفيضة، وقد رُويت بطرق صحيحة في كتب الحديث عند أهل السنة، وصحَّحها كثير من حفَّاظ الحديث في كتبهم. بل إن تلكم الأحاديث تدل بما لا يقبل الشك علي أن النجاة من الوقوع في الضلال لا تتحقق إلا باتباع أئمة الهدي من أهل البيت عليهم السلام دون سواهم. ومع ذلك فإن أهل السنّة تركوا التمسك بأهل البيت عليهم السلام واتّبعوا غيرهم، ومالوا إلي سواهم، فتركوا اتّباع من أُمروا باتباعهم بمقتضي الروايات الصحيحة عندهم، واتّبعوا مَن لا دليل عندهم علي صحَّة اتّباعه. هذا ما سنكشف النقاب عنه في البحوث الآتية:

حديث الثقلين

إن الأحاديث الدالة علي لزوم اتّباع أهل البيت عليهم السلام كثيرة، ومن أتمها دلالة وأصحَّها سنداً هو حديث الثقلين، المروي عن جمع من الصحابة، كجابر بن عبد الله، وزيد بن أرقم، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن ثابت، وغيرهم. وصحَّحه جمع من حفَّاظ الحديث من أهل السنة كما سيأتي بيانه مفصَّلاً إن شاء الله تعالي. [ صفحه 92]

طرق حديث الثقلين

1 ـ أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم ـ في حديث طويل ـ أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وأنا تارك فيك ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدي والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسِكوا به. فحثَّ علي كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي [266] . 2 ـ وأخرج الترمذي وغيره عن جابر بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم في حَجّته يوم عرفة، وهو علي ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي [267] . 3 ـ وأخرج أيضاً عن زيد بن أرقم وأبي سعيد، قالا: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرَّقا حتي يرِدَا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلِّفونّي فيهما [268] . 4 ـ وأخرج أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك، وابن أبي عاصم في كتاب السنة، وابن كثير في البداية والنهاية وغيرهم عن زيد بن أرقم، قال: [ صفحه 93] لما رجع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من حجّة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقُمِمْن [269] ، فقال: كأني دُعِيتُ فأجبـتُ، إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلِّفوني فيهما، فإنهما لن يتفرَّقا حتي يرِدا عليَّ الحوض... [270] . 5 ـ وأخرج الحاكم في المستدرك أيضاً عن زيد بن أرقم، قال: نزل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بين مكة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام، فكنس الناس ما تحت الشجرات، ثم راح رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عشية فصلي، ثم قام خطيباً، فحمد الله وأثني عليه وذكَّر ووعظ ما شاء الله أن يقول، ثم قال: أيها الناس، إني تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتَّبعتموهما، وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي... [271] . 6 ـ وأخرج الحاكم في المستدرك، وابن أبي عاصم في كتاب السنة وغيرهما عن زيد بن أرقم أيضاً، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرَّقا حتي يرِدا عليَّ الحوض [272] . 7 ـ وأخرج أحمد بن حنبل في المسند، والهيثمي في مجمع الزوائد، والسيوطي في الجامع الصغير، وابن أبي عاصم في كتاب السنة، والمتقي [ صفحه 94] الهندي في كنز العمال وغيرهم، عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرّقا حتي يرِدا علي الحوض [273] . 8 ـ وأخرج أحمد بن حنبل في المسند، وابن أبي عاصم في كتاب السنة، والبغوي في شرح السنة وغيرهم، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي الثقلين: أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتي يرِدا عليَّ الحوض [274] . 9 ـ وأخرج أحمد في المسند، وابن سعد في الطبقات، والمتقي الهندي في كنز العمال وغيرهم، عن أبي سعيد أيضاً، عن النبي صلي الله عليه وسلم، قال: إني أوشك أن أُدعي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عز وجل وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتي يرِدا عليَّ الحوض، فانظروني بم تخلّفونّي فيهما [275] . 10 ـ وأخرج ابن حجر في المطالب العالية، والبوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة، والطحاوي في مشكل الآثار وغيرهم، عن علي عليه السلام، عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ـ في حديث ـ قال: وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: [ صفحه 95] كتاب الله، سببه بيده، وسببه بأيديكم، وأهل بيتي [276] . 11 ـ وأخرج البوصيري في مختصر الإتحاف عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إني تارك معكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلّوا: كتاب الله عز وجل وعترتي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض [277] . وأخرج هذا الحديث بنحو ما تقدم وبألفاظ أخري متقاربة: أحمد بن حنبل في المسند [278] وفي فضائل الصحابة [279] ، والهيثمي في مجمع الزوائد [280] ، والسيوطي في تفسيره الدر المنثور [281] ، وفي إحياء الميت [282] والمتقي الهندي في كنز العمال [283] ، وأبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء [284] ، والنسائي في خصائص أمير المؤمنين عليه السلام [285] ، والديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب [286] ، وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنده [287] ، والدارمي في السنن [288] ، والبيهقي في السنن [ صفحه 96] الكبري [289] ، وابن الأثير في جامع الأصول [290] ، والطبراني في المعجم الكبير والصغير [291] ، وغيرهم. وذكره كثير من الأعلام في مصنَّفاتهم: كالسيوطي في الخصائص الكبري [292] ، وابن تيمية في منهاج السنة [293] ، والنووي في رياض الصالحين [294] ، والقاضي عياض في الشفا [295] ، والطبري في ذخائر العقبي [296] ، وابن الأثير في أسد الغابة [297] ، والذهبي في سير أعلام النبلاء [298] ، وابن حجر في الصواعق المحرقة [299] ، والدولابي في الذرية الطاهرة [300] ، والتفتازاني في شرح المقاصد [301] ، وابن حزم في الإحكام [302] ، وابن المغازلي في المناقب [303] وغيرهم. وذكره من أصحاب المعاجم اللغوية ابن منظور في لسان العرب [304] ، [ صفحه 97] والفيروز آبادي في القاموس المحيط [305] ، والزبيدي في تاج العروس، والزمخشري في الفائق في غريب الحديث [306] ، وابن الأثير في النهاية في غريب الحديث [307] وغيرهم.

صحة سند الحديث

صحَّح هذا الحديث جمع من أعلام أهل السنة، وقد ذكرنا تصحيح بعضهم فيما تقدم: منهم الحاكم النيسابوري في المستدرك، والذهبي في التلخيص، والسيوطي في الجامع الصغير، والهيثمي في مجمع الزوائد، والذهبي كما في البداية والنهاية، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية، والبوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وصحيح الجامع الصغير، وحسَّنه الترمذي في سننه، والبغوي في شرح السنة، وقد مرَّ ذلك كله. مضافاً إلي ذلك فقد صحَّحه أيضاً ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة، وابن كثير في البداية والنهاية وتفسير القرآن العظيم، والمناوي في فيض القدير وغيرهم. قال ابن حجر: ومن ثم صحَّ أنه صلي الله عليه وسلم قال: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي [308] . وقال: وفي رواية صحيحة: كأني دُعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما آكد من الآخر: «كتاب الله عز وجل وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتي يردا علي الحوض»... ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بضع وعشرين صحابياً، لا حاجة لنا ببسطها [309] . [ صفحه 98] وقال المناوي: قال الهيثمي: «رجاله موثقون». ورواه أبو يعلي بسند لا بأس به... ووهم من زعم وضعه كابن الجوزي [310] . وقال ابن كثير بعد أن ساق رواية النسائي المتقدمة: قال شيخنا الذهبي: هذا حديث صحيح [311] . وقال في تفسيره: وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال في خطبته بغدير خم: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، وإنهما لن يفترقا حتي يرِدا عليَّ الحوض [312] . وقد ذكر الألباني هذا الحديث ضمن أحاديث سلسلته الصحيحة، وخرَّج بعض طرقه وأسانيده الصحيحة والحسنة، وذكر بعض شواهده وحسَّنها، ووصف من ضعَّف هذا الحديث بأنه حديث عهد بصناعة الحديث، وأنه قصَّر تقصيراً فاحشاً في تحقيق الكلام عليه، وأنه فاته كثير من الطرق والأسانيد التي هي بذاتها صحيحة أو حسنة، فضلاً عن الشواهد والمتابعات، وأنه لم يلتفت إلي أقوال المصحِّحين للحديث من العلماء، إذ اقتصر في تخريجه علي بعض المصادر المطبوعة المتداولة دون غيرها، فوقع في هذا الخطأ الفادح في تضعيف الحديث الصحيح [313] .

تأملات في حديث الثقلين

قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «إني تارك» أو «إني مخلِّف»: فيه إشعار بعِظم وأهمية ما سيخلَّفه أو سيتركه للأمّة من بعده، لأن ما يخلّفه النبي صلي الله عليه وآله وسلم للأمّة لا بد أن يكون نفيساً وخطيراً. [ صفحه 99] ثم إنه ـ بقرينة ما سيأتي ـ لا بد أن يكون منبعاً من منابع العلم، ومصدراً من مصادر الحكمة، لأن الأنبياء لا يورِّثون للأمَّة دراهم أو دنانير، وإنما يورِّثون لهم العلم والحكمة. وقد روي عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر [314] . وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «الثقلين»: بيَّنهما فيما سيأتي من كلامه بأنهما الكتاب والعترة. قال ابن حجر: سَمَّي رسول الله صلي الله عليه وسلم القرآن وعترته ـ وهي الأهل والنسل والرهط الأدنون ـ ثقلين، لأن الثقل كل نفيس خطير مصون، وهذان كذلك، إذ كل منهما معدن العلوم اللدنية، والأسرار والحكم العلية، والأحكام الشرعية. ولذا حث صلي الله عليه وسلم علي الاقتداء والتمسك بهم، والتعلم منهم، وقال: الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت. وقيل: سُمِّيا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما [315] . قلت: وهذا المعني للثقلين ذكره أرباب المعاجم اللغوية، ومنهم ابن منظور في لسان العرب، وابن الأثير في النهاية، والهروي في غريب الحديث، وغيرهم. قال ابن منظور: قال ثعلب: سُمِّيا ثقلين لأن الأخذ بهما ثقيل والعمل بهما ثقيل، قال: وأصل الثَّقَل أن العرب تقول لكل شيء نفيس خطير مصون: ثَقَل. فسمَّاهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما [316] . [ صفحه 100] وقريب من ذلك كلام ابن الأثير [317] والفيروزأبادي في القاموس [318] . وقال القاري في مرقاة المفاتيح: سمَّي كتاب الله وأهل بيته بهما لِعِظم قدرهما، ولأن العمل بهما ثقيل علي تابعهما [319] . وقال الزمخشري في الفائق: الثقل المتاع المحمول علي الدابة، وإنما قيل للجن والإنس الثقلان، لأنهما ثقال الأرض، فكأنهما أثقلاها، وقد شبَّه بهما الكتاب والعترة في أن الدين يستصلح بهما ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين [320] . قوله صلي الله عليه وآله وسلم: وعترتي أهل بيتي: قال ابن منظور في لسان العرب: عِتْرَة الرجل: أقرباؤه من ولد وغيره... وقال أبو عبيد وغيره: عِتْرَة الرجل وأُسرَته وفصيلته: رهطه الأدنون. [وقال] ابن الأثير: عِتْرَة الرجل أخصّ أقاربه. وقال ابن الأعرابي: العِتْرة: ولد الرجل وذرّيّته وعَقِبه من صُلبه، قال: فعترة النبي صلي الله عليه وسلم ولد فاطمة البتول عليها السلام. وروي عن أبي سعيد قال: العترة ساق الشجرة، قال: وعترة النبي صلي الله عليه وسلم عبد المطلب وولده. وقيل: عترته أهل بيته الأقربون، وهم أولاده وعلي وأولاده. وقيل: عترته الأقربون والأبعدون منهم... إلي آخر ما قال [321] . وأقول: إن مسألة بيان مَن يكون التمسّك به منقذاً من الضلال لا تحتمل الإبهام من قبل النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وإلا لكان ذِكرها كإهمالها، ولا سيما مع علم النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن الأمة ستختلف من بعده إلي فِرَق وطوائف كثيرة. ولذا فسَّر النبي صلي الله عليه وآله وسلم المراد بعِتْرته في كل الأحاديث التي سقناها إليك وغيرها بأنهم أهل بيته، والأحاديث الأخري الكثيرة أوضحت ببيان شافٍ أن [ صفحه 101] أهل البيت هم علي وفاطمة وأبناؤهما عليهم السلام، ولذا كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم في غني عن بيانهم هنا، لأنه صلي الله عليه وآله وسلم قد أحالهم في هذه الأحاديث علي ما هو معلوم عندهم، وواضح لديهم. ولوضوح المراد بالعترة عند القوم لا نري في كل تلك الأحاديث سائلاً يسأل: مَن هم عترة النبي صلي الله عليه وآله وسلم؟ أو مَن هم أهل بيته صلي الله عليه وآله وسلم؟ وأما الأحاديث التي دلَّت علي أن المراد بأهل بيته صلي الله عليه وآله وسلم هم علي وفاطمة وأبناؤهما عليهم السلام، فهي كثيرة جداً: منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، والترمذي في سُننه مختصراً، وكذا الحاكم في المستدرك علي الصحيحين، عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في حديث طويل: ولمَّا نزلت هذه الآية (فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم) [322] دعا رسول الله صلي الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: اللهم هؤلاء أهلي [323] . ومنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة، قالت: خرج النبي صلي الله عليه وسلم وعليه مِرْط مُرَحَّل [324] من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيرا) [325] . [ صفحه 102] ومنها: ما أخرجه الترمذي في سننه وحسَّنه، والحاكم في المستدرك وصحَّحه، والهيثمي في مجمع الزوائد وغيرهم عن أنس بن مالك وغيره: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلي صلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت (إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيرا) [326] . ومنها: ما أخرجه الحاكم عن عامر بن سعد، قال: قال معاوية لسعدبن أبي وقاص رضي الله عنه: ما يمنعك أن تسب ابن أبي طالب؟ قال: فقال: لا أسُب ما ذكرت له ثلاثاً قالهن له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم. قال: ما هن يا أبا إسحاق؟ قال: لا أسبُّه ما ذكرت حين نزل عليه الوحي فأخذ عليّاً وابنيه وفاطمة، فأدخلهم تحت ثوبه، ثم قال: ربِّ إن هؤلاء أهل بيتي [327] . ومنها: ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن أم سلمة، قالت: في بيتي نزلت (إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيرا)، قالت: فأرسل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: هؤلاء أهل بيتي [328] . [ صفحه 103] إلي غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الدالّة علي ما قلناه [329] . ثم إن المراد من العترة ههنا هم أئمة الدين من أهل البيت النبوي، لا كل من انتسب إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم من طريق فاطمة عليها السلام، وقد نصَّ غير واحد من أعلام أهل السنة علي أن المراد بالعترة هم العلماء لا الجهّال: قال المناوي: قال الحكيم: والمراد بعترته هنا العلماء العاملون، إذ هم الذين لا يفارقون القرآن، أما نحو جاهل وعالم مخلط فأجنبي عن المقام [330] . وقال ابن حجر: ثم الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلي الحوض، ويؤيّده الخبر السابق: «ولا تعلِّموهم فإنهم أعلم منكم»، وتميَّزوا بذلك عن بقية العلماء، لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وشرَّفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة، وقد مرَّ بعضها [331] . أقول: وأوضح مصاديق هؤلاء العلماء من العترة النبوية الطاهرة أئمة أهل البيت عليهم السلام، فإنهم الذين اتفقت الأمَّة علي حسن سيرتهم، وطيب سريرتهم، وأجمعوا علي أنهم علماء يُقتدي بهم، وتُقتفي آثارهم، وقد سبق الإشارة إلي ذلك فيما تقدم. وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «ما إن تمسَّكتم بهما» يدل علي أن ترك التمسُّك بهما موقع في الضلال، لأن المشروط عدَمٌ عند عدم شرطِه. [ صفحه 104] قال المناوي في شرح الحديث: يعني إن ائتمرتم بأوامر كتابه، واهتديتم بهدي عترتي، واقتديتم بسيرتهم، فلن تضلوا. قال القرطبي: وهذه الوصية وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله وإبرارهم وتوقيرهم ومحبتهم، وجوب الفرائض المؤكَّدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها، هذا مع ما عُلِم من خصوصيتهم بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم، وبأنهم جزء منه، فإنهم أصوله التي نشأ عنها، وفروعه التي نشأوا عنه، كما قال: فاطمة بضعة مني [332] . وقال التفتازاني: لاتّصافهم بالعلم والتقوي مع شرف النَّسَب، ألا يُري أنه صلي الله عليه وسلم قَرَنَهم بكتاب الله في كون التمسّك بهما منقِذاً من الضلالة، ولا معني للتمسّك بالكتاب إلا الأخذ بما فيه من العلم والهداية، فكذا العترة [333] . وقال الدهلوي: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «إني تارك فيكم الثقلين، فإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي»، وهذا الحديث ثابت عند الفريقين: أهل السنة والشيعة، وقد عُلم منه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أمرنا في المقدمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسّك بهذين العظيمي القدر، والرجوع إليهما في كل أمر، فمن كان مذهبه مخالفاً لهما في الأمور الشرعية اعتقاداً وعملاً فهو ضال، ومذهبه باطل لا يُعبأ به، ومن جحد بهما فقد غوي، ووقع في مهاوي الردي [334] . أقول: والتعبير بالتمسُّك دون الإمساك يدل علي قوة الاقتداء بهما وشدة اتَباعهما. وعليه فلا ينجو من الضلال من أخذ بشيء منهما، واتّبع غيرهما وتمذهب بأي مذهب سواهما. وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «بهما» يدل علي أن التمسّك بأحدهما غير منجٍ من [ صفحه 105] الوقوع في الضلال. وبذلك يتّضح أن قول عمر: «حسْبنا كتاب الله» [335] يتنافي مع قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم في هذه الأحاديث. وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «وإنهما لن يفترقا حتي يرِدَا عليَّ الحوض». قال المناوي في شرح ذلك: وفي هذا مع قوله أولاً: «إني تارك فيكم» تلويح بل تصريح بأنهما ـ أي الكتاب والعترة ـ كتوأمين خلَّفهم ووصَّي أمته بحسن معاملتهما، وإيثار حقّهما علي أنفسهم، واستمساك بهما في الدين، أما الكتاب فلأنه معدن العلوم الدينية والأسرار والحِكَم وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق. وأما العترة فلأن العنصر إذا طاب أعان علي فهم الدين، فّطِيبُ العنصر يؤدي إلي حسن الأخلاق، ومحاسنها تؤدي إلي صفاء القلب ونزاهته وطهارته [336] . أقول: قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض» دالٌّ علي أن العترة لا يفترقون عن كتاب الله العزيز مطلقاً، وعدم الافتراق يتحقق من جهات ثلاث: الجهة الأولي: أنهم لا يفارقون القرآن في أقوالهم وفتاواهم، فهي موافقة لمعاني القرآن الظاهرة والباطنة، وذلك لأنهم علموا محكَمه ومتشابهه، [ صفحه 106] وناسخه ومنسوخه، وخاصَّه وعامَّه، ومقيَّده ومطلقه، ومبيَّنه ومجمَله، فردّوا المتشابه إلي المحكم، والمنسوخ إلي الناسخ، والعام إلي الخاص، والمطلق إلي المقيّد، والمجمل إلي المبيّن. ولولا ذلك لوقعوا في مخالفة الكتاب العزيز من حيث لا يعلمون، فيقع بينهما الافتراق المنفي في هذا الحديث، ويتحقق التعارض بين علامتَي الحق المنصوبتين اللتين يجب أن تكونا متّفقتين، لأن كل واحدة منهما ينبغي أن تكون دالة علي الحق، وهذا لا يتأتّي مع حصول التعارض بينهما. الجهة الثانية: أنهم لا يفارقون القرآن في أفعالهم وسلوكهم، وذلك لأنهم لمَّا علموا بمعاني القرآن وفهموا مقاصده الشريفة عملوا بما فيه في جميع شؤونهم وأحوالهم، فلا يقع منهم ما يخالفه لا عن عمد ولا عن جهل ولا عن سهو ولا غفلة. ولولا ذلك لافترقوا عنه في بعض أحوالهم، فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول عليهم بأنهم لا يفترقون عنه ولا يفترق عنهم. الجهة الثالثة: أنهم لا يفارقون القرآن في الوجود، فلا بد من وجود مَن يكون أهلاً للتمسك به من أهل البيت عليهم السلام في كل زمن إلي قيام الساعة، حتي يتوجّه الحث المذكور علي التمسّك بهاتين العلامتين علي ممر الدهور. قال ابن حجر: والحاصل أن الحث علي التمسّك بالكتاب والسنة وبالعلماء بهما من أهل البيت، ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأُمور الثلاثة إلي قيام الساعة [337] . وقال: وفي أحاديث الحث علي التمسك بأهل البيت إشارة إلي عدم انقطاع متأهِّل منهم للتمسّك به إلي يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق: «في كل خَلَف من أُمتي عدول من أهل بيتي...» إلي آخره [338] . [ صفحه 107] وقال المناوي: قال الشريف: هذا الخبر يُفهم وجود من يكون أهلاً للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلي قيام الساعة حتي يتوجه الحث المذكور إلي التمسك بهم كما أن الكتاب كذلك، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض [339] . وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «فانظروا كيف تخلّفونّي فيهما»: معناه: فانظروا لأنفسكم ماذا تختارون: هل تسلكون سبيل الهدي باتباع الكتاب والعترة، أم سبيل الضلال باتباع غيرهما، والعاقل مَن يسلك ما ينجيه، ويبتعد عما يُرديه. وفيه إشارة إلي قوله تعالي (قل هل من شُركائكم من يهدي إلي الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلي الحق أحَقُّ أن يُتَّبَع أمَّن لا يَهِدِّي إلا أن يُهْدَي فما لكم كيف تحكمون) [340] . ولو نظرنا إلي أئمة المذاهب وغيرهم من علماء أهل السنة لوجدنا بعضهم يلجأ في أمور الدين إلي بعض، وكل واحد منهم يعترف بالقصور، فتأمل في سِيَرهم وأحوالهم وأخبارهم لتري أنهم علموا شيئاً وغابت عنهم في أمور الدين أشياء وأشياء. وفي قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «فانظروا كيف تخلفوني فيهما» إشارة إلي أن كثيراً من هذه الأمة لن يتّبع الكتاب والعترة، كما حدث في قوم موسي فيما أخبر به الله جل وعلا، حيث قال: (ولما رَجَعَ موسي إلي قومه غضبان أَسِفًا قال بئسما خَلَفْتُمُوني من بعدي أَعَجِلتُم أَمْرَ ربِّكم وأَلقي الأَلواح وأَخَذَ بِرأس أَخيه يَجُرُّه إليه قال ابنَ أُمَّ إنَّ القوم استضعَفُوني وكادوا يَقتُلُونني فلا تُشْمِتْ بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظَّالمين) [341] . وهذا ما حدث في هذه الأمة، فإن أكثر الناس جحدوا فضل العترة [ صفحه 108] النبوية الطاهرة، حتي لا يذكرهم ذاكر بما هم أهله من الذِّكْر الحسن والثناء الجميل. قال المناوي بعد أن ذكر أن التمسّك بالعترة واجب علي الأمة وجوب الفرائض المؤكَّدة التي لا عذر لأحد في تركها: ومع ذلك فقابل بنو أمية عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق، فسفكوا من أهل البيت دماءهم، وسَبَوا نساءهم، وأسَروا صغارهم، وخرَّبوا ديارهم، وجحدوا شرفهم وفضلهم، واستباحوا سبَّهم ولعنهم، فخالفوا المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم في وصيّته، وقابلوه بنقيض أمنيّته، فواخجلهم إذا وقفوا بين يديه، ويا فضيحتهم يوم يُعرَضون عليه [342] . أقول: إن بني أمية وبني العباس صنعوا الأفاعيل بأهل البيت عليهم السلام فماذا فعل أهل السنة لنصرة أهل البيت؟ تاالله إن كانت أميّةُ قد أتَتْ قتلَ ابنِ بنتِ نبيها مظلومـا فلقد أتتْه بنو أبِيه بمثلِــه هذا لعمْرُك قبرُه مهدومــا أسِفُوا علي ألا يكونُوا شـا ركوا في قتْلِه فتتبَّعوه رميما ثم إن أهل السنة مضافاً إلي أنهم مالوا عن أهل البيت إلي سواهم، فاتّبعوا غيرهم وقلدوهم، فإنهم أنكروا فضل أهل البيت وجحدوهم حقوقهم، واتّفقوا علي مخالفة الأحاديث الصحيحة الدالة علي فضلهم عليهم السلام التي رووها في كتبهم وصحَّحوها، وهذا الحديث الذي نحن بصدد الحديث عنه (حديث الثقلين) مثال واضح بيَّن يُلزَمون به، والله المستعان.

احاديث أخر دالة علي اتباع أهل البيت

لقد رووا أحاديث أُخر بمعني حديث الثقلين تدل علي لزوم اتِّباع أهل البيت عليهم السلام دون غيرهم، وتنص علي أن الهداية والنجاة منوطان بالتمسك بهم: [ صفحه 109] منها: ما أخرجه الحاكم وغيره عن أبي عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول صلي الله عليه وآله وسلم: النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا، فصاروا حزب إبليس [343] . أقول: إن الأُمة إذا اتبعتهم واقتفت آثارهم واقتدت بهم لا تنشعب إلي فِرَق، ولا تنقسم إلي طوائف، فبهم تجتمع الكلمة وتأتلف الفُرقة. وحيث أنهم مع الحق، والحق معهم وفيهم، يدور معهم حيثما داروا، فمَن خالفهم خالفه، ومن نابذهم نابذه، فصار من حزب الشيطان (ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون). ومنها: ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن المنكدر في حديث عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، قال: النجوم أمان لأهل السماء، فإن طُمست أتي السماء ما يوَعدون، وأنا أمان لأصحابي، فإذا قُبِضتُ أتي أصحابي ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتي أمتي ما يوعَدون [344] . ومنها: ما أخرجه أحمد في الفضائل، وابن حجر في المطالب، والهيثمي في مجمع الزوائد، والسيوطي في الخصائص وإحياء الميت والجامع الصغير ورمز له بالحسن، والبوصيري في مختصر الإتحاف وغيرهم عن سلمة بن الأكوع، أنه صلي الله عليه وسلم قال: النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي [345] . قال المناوي: رواه عنه أيضاً الطبراني ومسدّد وابن أبي شيبة بأسانيد [ صفحه 110] ضعيفة، لكن تعدد طرقه ربما يصيره حسناً [346] . ومنها: ما أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد، وأبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح، والحاكم في المستدرك وصحَّحه، والسيوطي في الخصائص وإحياء الميت والجامع الصغير ورمز له بالحسن، وغيرُهم عن أبي ذر، قال: سمعتُ النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: مثَل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق [347] . قال المناوي: «مثل أهل بيتي» زاد في رواية: فيكم، «مثل سفينة نوح» في رواية: في قومه، «من ركبها نجا» أي خلص من الأمور المستصعبة، «ومن تخلف عنها غرق»، وفي رواية: هلك. ومن ثم ذهب قوم إلي أن قطب الأولياء في كل زمن لا يكون إلا منهم. ووجه تشبيههم بالسفينة أن مَن أحبَّهم وعظَّمهم شكراً لنعمة جدِّهم، وأخذ بهدي علمائهم، نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلَّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم، وهلك في معادن الطغيان [348] . وقال القاري في مرقاة المفاتيح: (ألا إن مثل أهل بيتي) أي شَبَهُهم (فيكم مثل سفينة نوح) أي في سببيّة الخلاص من الهلاك إلي النجاة، (من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك) فكذا من التزم محبّتهم ومتابعتهم نجا في الدارين، وإلا فهلك فيهما [349] . [ صفحه 111] وقال: شَبَّه الدنيا بما فيها من الكفر والضلالات والبدع والجهالات والأهواء الزائغة ببحر لجّي يغشاه موج، من فوقه موج، من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض، وقد أحاط بأكنافه وأطراف الأرض كلها، وليس منه خلاص ولا مناص إلا تلك السفينة، وهي محبة أهل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم [350] . أقول: لا خلاص ولا مناص إلا تلك السفينة، وهي اتباع أهل البيت عليهم السلام لا محبّتهم المجرَّدة عن الاتِّباع التي لا تعصم عن الوقوع في الهلاك، وسيأتي لهذا مزيد بيان قريباً إن شاء الله تعالي. والحاصل أنه قد اتضح من كل ما تقدم بما لا يدع مجالاً للشك أن الواجب علي كل مؤمن بالله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم أن يتمسَّك بكتاب الله العزيز وبالعترة النبوية الطاهرة ليسلك سبيل الهدي، وينجو من سُبُل الغي والردي. وهنا لا بد من بيان أمرين مهمّين: الأمر الأول: أن النجاة من الضلال لا تتحقق إلا بالتمسك بكتاب الله وعترة النبي صلي الله عليه وآله وسلم دون غيرهما، وذلك لأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان في مقام البيان، ولو كان أمر ثالث في البين لنصَّ عليه. فمَن زعم أنه متمسِّك بالصحابة أو التابعين أو أئمة المذاهب من غير أئمة أهل البيت عليهم السلام وأنه صار بسبب ذلك علي الهدي والحق، فقد ردَّ علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قوله، ونقض حُكمه، كما هو واضح. الأمر الثاني: أن الواجب هو التمسك بالثقلين معاً، والتمسّك بأحدهما دون الأخر لا ينفع في الوصول إلي الحق، وذلك لأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد نصَّ في حديث الثقلين المتقدم باختلاف ألفاظه علي أن التمسّك بهما معاً هو [ صفحه 112] المنجي من الوقوع في الضلال. فمَن زعم أنه متمسك بالقرآن، وأنه ناج من الضلال بسبب ذلك، فهو متوهم غافل، وذلك لأن القرآن فيه المحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمبيَّن والمجمل، وتمييز بعض ذلك عن بعضه الآخر من الأمور المشكلة التي خفيت معرفتها علي علماء أكثر الطوائف، مما سبَّب وقوع الناس في مزيد من التحير والاختلاف، فلا مناص حينئذ من اتباع العلامة الأخري التي يكون اتّباعها رافعاً للتحيُّر والاختلاف، وهم أهل البيت عليهم السلام. والحاصل: أن الأحاديث المتقدمة دلَّت بما لا يدع مجالاً للريب علي أن الناجين من كل فئات هذه الأمة هم أَتْبَاع أهل البيت عليهم السلام، السائرين علي نهجهم، والآخذين بهديهم، والمقتفين لآثارهم، دون غيرهم من الناس، وذلك لأنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة أن الأمة تفترق إلي ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، فإذا كانت الفرقة الناجية هي التي تمسَّكت بالكتاب والعترة النبوية فغيرها لا بد أن يكون علي ضلال... (فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنَّي تُصرَفون).

شبهة و جوابها

قد يُقال: إن أهل السنة تمسَّكوا بصحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، إما عملاً بقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم»، أو لأنهم عدول، فيصح الاقتداء بهم، ولا مانع أن يكون النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد جعل أكثر من علامةلهداية الأمّة، فيكون المتمسّك بأي من العلامات المنصوبة ناجياً لا محالة. والجواب: أن حديث (أصحابي كالنجوم) غير صحيح، وقد نص جمع من أعلام أهل السنة علي ضعفه وفساده. قال ابن حجر: قال أبو بكر البزار: هذا الكلام لم يصح عن النبي صلي الله عليه وسلم. [ صفحه 113] وقال ابن حزم: هذا خبر مكذوب موضوع باطل [351] . وقال البيهقي: هذا الحديث مشهور المتن، وأسانيده ضعيفة، لم يثبت في هذا إسناد [352] . وقال أحمد بن حنبل: لا يصح هذا الحديث [353] . وقال ابن عبد البر: هذا إسناد لا تقوم به حجّة [354] . وقال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: وأما ما يُروي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: (أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم) فهو حديث ضعيف، قال البزار: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، وليس هو في كتب الحديث المعتمدة [355] . وضعَّفه ابن القيم في أعلام الموقعين، والألباني في سلسلته الضعيفة، فراجع [356] . والحاصل أنه حديث ضعيف سنداً لا يصح أن يعارض ذلك الحديث الصحيح، وأيضاً هو فاسد معني، لا يصح أن يصدر من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، لاستلزامه محاذير كثيرة فاسدة. قال ابن حزم: فقد ظهر أن هذه الرواية لا تثبت أصلاً، بل لا شك أنها مكذوبة... فمن المحال أن يأمر النبي صلي الله عليه وسلم باتّباع كل قائل من الصحابة رضي الله عنهم، وفيهم مَن يُحلِّل الشيء وغيره يحرِّمه، ولو كان ذلك لكان بيع [ صفحه 114] الخمر حلالاً اقتداءً بسمرة بن جندب، وحراماً اقتداءً بغيره منهم، ولكان ترك الغُسل من الإكسال واجباً اقتداءً بعلي وعثمان وطلحة وأبي أيوب وأبيّ بن كعب، وحراماً اقتداءً بعائشة وابن عمر، وكل هذا مروي عندنا بالأسانيد الصحيحة [357] . ثم قال: فكيف يجوز تقليد قوم يخطئون ويصيبون؟! وقال: وإنما الفرض علينا اتّباع ما جاء به القرآن عن الله تعالي الذي شرع لنا دين الإسلام، وما صحَّ عن رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي أمره الله ببيان الدين... [358] . وقال في مورد آخر: وأما قوله صلي الله عليه وسلم: «عليكم بسُنّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين» فقد علمنا أنه صلي الله عليه وسلم لا يأمر بما لا يُقدَر عليه، ووجدنا الخلفاء الراشدين بعده صلي الله عليه وسلم قد اختلفوا اختلافاً شديداً، فلا بد من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها: إما أن نأخذ بكل ما اختلفوا فيه، وهذا ما لا سبيل إليه، ولا يُقدَر عليه، إذ فيه الشيء وضدّه، ولا سبيل إلي أن يورِّث أحد الجد دون الأخوة بقول أبي بكر وعائشة، ويورِّثه الثلث فقط، وباقي ذلك للأخوة علي قول عمر، ويورِّثه السدس، وباقيه للأخوة علي مذهب علي. وهكذا كل ما اختلفوا فيه، فبطل هذا الوجه... أو يكون مباحاً لنا بأن نأخذ بأي ذلك شئنا، وهذا خروج عن الإسلام، لأنه يوجب أن يكون دين الله موكولاً إلي اختيارنا، فيُحرِّم كل واحد منا ما يشاء، ويحل ما يشاء، ويحرّم أحدنا ما يحلّه الآخر... ثم قال: فإذا بطل هذان الوجهان، فلم يبقَ إلا الوجه الثالث، وهو أخذ ما أجمعوا عليه، وليس ذلك إلا فيما أجمع عليه سائر الصحابة... أقول: فإذا أجمعوا علي قول فهذا يكشف عن أنه هو الذي جاء به النبي [ صفحه 115] صلي الله عليه وآله وسلم، كيف لا وفيهم العترة النبوية الطاهرة التي أُمِرْنا باتباعها، فرجعنا بالنتيجة إلي اتباع العترة النبوية دون غيرهم من الناس. ثم قال ابن حزم: وأيضاً فإن الرسول صلي الله عليه وسلم إذا أمر باتباع سُنَّة الخلفاء الراشدين لا يخلو ضرورة من أحد وجهين: إما أن يكون صلي الله عليه وسلم أباح أن يسنُّوا سُنَنَاً غير سُنَنه، فهذا لا يقوله مسلم، ومَن أجاز هذا فقد كفر وارتدَّ، وحَلَّ دمه وماله، لأن الدين كله إما واجب أو غير واجب، إما حرام وإما حلال، لا قسم في الديانة غير هذه الأقسام أصلاً، فمَن أباح أن يكون للخلفاء الراشدين سُنَّة لم يسُنّها رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد أباح أن يُحرِّموا شيئاً كان حلالاً علي عهده صلي الله عليه وسلم إلي أن مات، أو أن يُحلُّوا شيئاً حرَّمه رسول الله صلي الله عليه وسلم، أو أن يوجِبوا فريضة لم يوجبها رسول الله صلي الله عليه وسلم، أو أن يُسقِطوا فريضة فرضها رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولم يسقطها إلي أن مات، وكل هذه الوجوه مَن جوَّز منها شيئاً فهو كافر مشرك بإجماع الأمة كلها بلا خلاف... وإما أن يكون أمر باتباعهم في اقتدائهم بسُنَّته صلي الله عليه وسلم، فهكذا نقول، ليس يحتمل هذا الحديث وجهاً غير هذا أصلاً [359] . أقول: هذا كله إذا كان المراد بالخلفاء الراشدين هم الأربعة، ومع التسليم بصحة الحديث فلا مناص من حمله علي أن المراد بالخلفاء فيه هم الاثنا عشر، ليحصل الالتئام والاتفاق بين كل الأحاديث: حديث الخلفاء الاثنا عشر، وحديث الثقلين والتمسك بالعترة، وهذا الحديث. وبمجموع ما قلناه وما نقلناه يتّضح أنه لا دليل علي صحّة اتباع أحد من صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم غير العترة، لا الخلفاء ولا غيرهم.

شبهة أخري و جوابها

قال فخر الدين الرازي: نحن معاشر أهل السنة بحمد الله ركبنا سفينة [ صفحه 116] محبّة أهل البيت، واهتدينا بنجم هدي أصحاب النبي [360] ، فنرجو النجاة من أهوال القيامة ودركات الجحيم، والهداية إلي ما يوجب درجات الجنان والنعيم المقيم. وقال القاري في بيان ذلك: وتوضيحه أن من لم يدخل السفينة كالخوارج هلك مع الهالكين في أول وهلة، ومن دخلها ولم يهتدِ بنجوم الصحابة كالروافض ضل [361] . والجواب: أن أهل السنة لا يحبّون أهل البيت عليهم السلام وإن تشدّقوا بذلك، فإن للمحب علامات لا نجدها في أهل السنة , ويكفي في الدلالة علي بغضهم لأهل البيت أن أحاديثهم مع أنها تدل علي تشريك الآل مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الصلاة عليه إلا أنهم أطبقوا علي طرحهم منها، فصاروا يقولون: «صلي الله عليه وسلم»، فتركوا العمل بأمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الأحاديث الصحيحة حيث قال: قولوا: اللهم صلِّ علي محمد وعلي آل محمد، كما صلّيت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم، إنك حميد مجيد... [362] . [ صفحه 117] وإذا عطفوا الآل علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الصلاة، فإنهم يعطفون عليهم الصحب، مع أن أخبارهم لم تدل علي ذلك أصلاً، وما ذلك إلا لصرف الفضل عن آل النبي صلي الله عليه وآله وسلم وتشريك غيرهم معهم. ومثل هذا كثير يعرفه المتتبع، ويطول شرحه لو أردنا استقصاءه. ولو سلّمنا أن أهل السنة يحبون أهل البيت فالحب شيء والاتباع شيء آخر، والأحاديث السابقة دلّت علي لزوم الاتباع لتحصل النجاة، وأما المحبة المجردة فلا تكفي، فإن حديث الثقلين قيَّد النجاة من الضلال بالتمسك بهم، والمحبة المجردة لا تستلزم التمسك بهم والاتباع لهم. وأما حديث سفينة نوح فإن من ركبها نجا، وأما من أحبّها وهو بعيد عنها فهو من الهالكين لا محالة. والحاصل أن أهل السنة لم يركبوا سفينة أهل البيت عليهم السلام حتماً، إلا أنهم لمَّا اتّبعوا نجوم الصحابة وتلك النجوم مختلفة، بعضها في اليمين وبعضها في الشمال، إذا أظلم عليهم الليل كيف يسيرون، وإذا تشعّبت المسالك فأي السبل يسلكون؟ وأين يذهبون؟ وبمَ يستضيئون؟ وأي سفينة يركبون؟

نتيجة البحث

أن الأحاديث الثابتة الصحيحة التي رواها أهل السنة في كتبهم وصحَّحوها دلَّت بأتم وأوضح دلالة علي أن مَن لم يتمسّك بأهل البيت عليهم السلام فهو من الهالكين، إلا أن أهل السنة هداهم الله قد انصرفوا عن أهل البيت عليهم السلام، الذين أُمِروا باتّباعهم، واتّبعوا غيرهم، فبِمَ يعتذرون عن ميلهم عن أهل البيت عليهم السلام؟ وبمَ يحتجّون علي تمسّكهم بمذاهبهم التي لم يرد في جواز اتباعها نص؟ (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) آل عمران: 53

لماذا هذه المذاهب الأربعة؟

تمهيد لقد اختلف أهل السنة إلي مذاهب كثيرة في الفروع والأصول، كمذهب سفيان بن عيينة بمكة، ومذهب مالك بن أنس بالمدينة، ومذهب أبي حنيفة وسفيان الثوري بالكوفة، ومذهب الأوزاعي بالشام، ومذهب الشافعي والليث بن سعد بمصر، ومذهب إسحاق بن راهويه بنيسابور، ومذهب أحمدبن حنبل وأبي ثور ببغداد... وغيرها. إلا أن أكثر تلك المذاهب انقرض بين الناس، وظلّت آراء أصحابها مدوَّنة في بطون الكتب عند أهل السنة، وبقيت من تلك المذاهب: الأربعة المعروفة، وهي مذهب أبي حنيفة النعمان، ومذهب مالك بن أنس، ومذهب محمد بن إدريس الشافعي، ومذهب أحمد بن حنبل. وهذه المذاهب صارت هي المذاهب التي عليها أهل السنة في كافة الأمصار منذ أن حُصر التقليد فيها إلي عصرنا الحاضر. وهنا نسأل: هل يجوز التعبّد بهذه المذاهب الأربعة، وهل تبرأ الذمة باتباع واحد منها أم لا؟ هذا ما سنكشف عنه النقاب في البحوث الآتية إن شاء الله تعالي: [ صفحه 119]

نشأة المذاهب الأربعة

كان الناس في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم يلجأون في معرفة أمور دينهم إليه صلي الله عليه وآله وسلم وإلي مَن جعلهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم من قِبله كأمراء أو رُسُل إلي البلاد الأخري، وبقي الحال علي ذلك إلي أن قُبِض النبي صلي الله عليه وآله وسلم. وأما بعد زمانه صلي الله عليه وآله وسلم فكان الناس يسألون الخلفاء خاصة والصحابة عامة لمَّا تفرَّقوا في سائر البلدان، لأنهم كانوا أقرب الناس إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وأعرفهم بأحكام دينه. ولما جاء عصر التابعين وتابعي التابعين انقسم العلماء إلي قسمين: أهل الحديث، وأهل الفتوي. وكثر المفتون في المدينة ومكة والشام ومصر والكوفة وبغداد وغيرها من بلاد الإسلام، فكان العامة يسألون مَن يظهر لهم علمه ومعرفته، دون أن يتمذهبوا بقول واحد بعينه. إلا أن المهاترات التي وقعت بين أهل الحديث وأهل الفتوي وبالأخص أهل الرأي منهم من جهة، مضافاً إلي تقريب الخلفاء لبعض العلماء دون البعض الآخر من جهة أخري، وَلَّد روح التعصّب عند الناس لبعض الفقهاء، والحرص علي الالتزام بآرائه الفقهية وطرح آراء غيره. ولما ظهر أبو حنيفة كفقيه له آراؤه الفقهية، استطاع أن يستقطب له تلاميذ صار لهم الدور الكبير بعد ذلك في نشر تلك الآراء، ولا سيما القاضي أبو يوسف [363] الذي نال الحظوة عند الخلفاء العباسيين، فتولي منصب القضاء [ صفحه 120] لثلاثة من الخلفاء: المهدي والهادي والرشيد، فنشر مذهب أبي حنيفة بواسطة القضاة الذين كان يعيّنهم هو وأصحابه. ولما بزغ نجم مالك بن أنس أراد أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس علي العمل بما في الموطأ، وأمر من ينادي في الناس: «ألا لا يُفتينَّ أحد ومالك بالمدينة». وحظي مالك بمكانة عظيمة عنده وعند مَن جاء بعده من أبنائه الخلفاء، كالمهدي والهادي والرشيد، فسبّب ذلك ظهور أتباع له يروّجون مذهبه، ويظهرون التعصب له. ثم تألَّق الشافعي وبرز علي علماء عصره، وساعده علي ذلك تتلمذه علي مالك في المدينة، ونزوله ضيفاً لما ذهب إلي مصر عند محمد بن عبد الله بن الحكم الذي كانت له في مصر مكانة ومنزلة علمية، وكان مقدَّماً عند أهل مصر، فقام هذا الأخير بنشر علم الشافعي وبث كتبه، مضافاً إلي ما لقيه الشافعي في بادئ الأمر من المالكية في مصر من الإقبال والحفاوة، بسبب كثرة ثنائه علي الإمام مالك، وتسميته بـ (الأستاذ). ولما وقع الإمام أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن، وضُرب وحُبس، مع ما أظهر من الصبر والتجلد، جعل له المكانة عند الناس، ولا سيما بعد أن أدناه المتوكل العباسي وأكرمه وعظَّمه، وعني به عناية فائقة. هكذا نشأت هذه المذاهب وانتشرت دون غيرها. ثم إن الأغراض السياسية والمآرب الدنيوية كانت وراء دعم الخلفاء لهذه المذاهب، فإن خلفاء بني العباس أرادوا أن يلفتوا الناس إلي علماء من أهل السنة، لتكون لهم المكانة السامية عند الناس، باعتبارهم أئمة في الدين، ليصرفوا الأنظار عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، الذين كانت نقطة التوتر بينهم هي الأولوية بالخلافة. ولهذا كان شعراء بني العباس يثيرون هذه المسألة في مناسبات كثيرة، يُعرِّضون فيها بأبناء علي وفاطمة عليهم السلام، ويحتجون بأن الخلافة ميراث النبي [ صفحه 121] صلي الله عليه وآله وسلم، وعلي عليه السلام ابن عم النبي صلي الله عليه وآله وسلم، والعباس عمّه، وابن العم لا يرِث مع وجود العم. ومما أنشده مروان بن أبي الجنوب للمتوكل: مُلْكُ الخليفـــــةِ جعفرٍ للدينِ والدنيــا سلامــهْ لكـمُ تُراثُ محمـــــدٍ وبِعَدْلِكم تُنفــَي الظُّلامـهْ يرجـــو التراثَ بنو البنا تِ و ما لهم فيهـا قُلامـهْ والصِّهـــرُ ليس بوارث والبنتُ لا ترِثُ الإمـامـهْ مـا للذين تنحّلـــــوا ميراثَكـم إلا الندامــــهْ أخَذَ الـــــوِراثةَ أهلُها فعَلامَ لومُكـمُ علامـــهْ لو كان حقَّكمُ لَمَـــــا قامتْ علي النـاسِ القيامهْ ليـــس التراثُ لغيركـٍم لا والإلهٍ، و لا كـرامـهْ أصبحت بين مُحِبّكــــم والمبغضين لكـم علامـهْ قال مروان: فعَقَد لي علي البحرين واليمامة، وخلع لي أربع خلع، وخلع عليَّ المنتصر، وأمر لي المتوكل بثلاثة آلاف دينار، فنُثرت عليّ [364] . قال ابن حزم في كتابه الإحكام في أصول الأحكام: وليعلم مَن قرأ كتابنا أن هذه البدعة العظيمة ـ نعني التقليد ـ إنما حدثت في الناس وابتُدئ بها بعد الأربعين ومائة من تاريخ الهجرة، وبعد أزيد من مائة عام وثلاثين عاماً بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنه لم يكن قط في الإسلام قبل الوقت الذي ذكرنا مسلم واحد فصاعداً علي هذه البدعة، ولا وجد فيهم رجل يقلد عالماً بعينه، فيتبع أقواله في الفتيا، فيأخذ بها ولا يخالف شيئاً منها. ثم ابتدأت هذه البدعة من حين ذكرنا في العصر الرابع في القرن المذموم، ثم لم تزل تزيد حتي عمَّت بعد المائتين من الهجرة عموماً طبق الأرض، إلا من عصم الله عز وجل وتمسك بالأمر الأول الذي كان عليه الصحابة والتابعون [ صفحه 122] وتابعو التابعين بلا خلاف من أحد منهم. نسأل الله تعالي أن يثبِّتنا عليه، وأن لا يعدل بنا عنه، وأن يتوب علي من تورَّط في هذه الكبيرة من إخواننا المسلمين، وأن يفيء بهم إلي منهاج سلفهم الصالح [365] . وسواء كانت هذه المذاهب سبقت هذا الزمان قليلاً أو كثيراً فهي علي كل حال لم تكن في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وإنما استُحدِثت بعد أكثر من قرن من وفاته صلي الله عليه وآله وسلم.

فرض المذاهب الأربعة مذاهب رسمية

بقي العمل بالمذاهب المتعدّدة عند أهل السنة، الأربعة وغيرها، إلي أن جعل الخلفاء المدارس وقصروا التدريس في هذه المذاهب، كما أن مناصب القضاء حُصرت أيضاً في القضاة الذين يقضون بفتاوي الأئمة الأربعة، واستمر الحال علي ذلك إلي أن أمر السلطان الظاهر بيبرس الذي كان له النفوذ والسلطان علي مصر والشام وغيرهما من بلاد الإسلام بجعل قضاة أربعة في مصر: لكل مذهب قاض خاص، وكان ذلك في سنة 663هـ، ثم جعل بعد ذلك بعام في بلاد الشام قضاة أربعة أيضاً، وعلي ذلك استمر الحال، فانحصرت المذاهب عند أهل السنة في هذه الأربعة منذ ذلك الوقت إلي زماننا الحاضر. قال المقريزي: فلما كانت سلطنة الظاهر بيبرس البندقداري ولَّي بمصر أربعة قضاة، وهم شافعي ومالكي وحنفي وحنبلي، فاستمر ذلك من سنة 665هـ، حتي لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يُعرف من مذاهب الإسلام سوي هذه المذاهب الأربعة، وعملت لأهلها مدارس والخوانك والزوايا والربط في سائر ممالك الإسلام، وعُودي مَن تمذهب بغيرها، وأُنكر عليه، ولم يولَّ قاضٍ ولا قُبِلت شهادة أحد، ولا قُدِّم للخطابة والإمامة من لم يكن مقلِّداً لأحد هذه المذاهب، وأفتي فقهاء الأمصار في طول هذه المدة [ صفحه 123] بوجوب اتّباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها [366] . قال ابن كثير في البداية والنهاية: ثم دخلت سنة أربع وستين وستمائة، استهلَّت والخليفة: الحاكم العباسي، والسلطان: الملك الظاهر، وقضاة مصر أربعة، فيها جعل بدمشق أربعة قضاة من كل مذهب قاض كما فعل بمصر عام أول... وقد كان هذا الصنيع الذي لم يسبق إلي مثله قد فعل في العام الأول بمصر كما تقدم، واستقرت الأحوال علي هذا المنوال [367] . وذكر ذلك أيضاً: الذهبي في كتابه «العبر» في حوادث سنة 663هـ. وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب، وتغري بردي في النجوم الزاهرة وغيرهم [368] . وقال السيد سابق: وبالتقليد والتعصب للمذاهب فقدت الأمة الهداية بالكتاب والسنة، وحدث القول بانسداد باب الاجتهاد، وصارت الشريعة هي أقوال الفقهاء، وأقوال الفقهاء هي الشريعة، واعتُبر كل من يخرج عن أقوال الفقهاء مبتدعاً لا يوثق بأقواله، ولا يُعتد بفتاويه. وكان مما ساعد علي انتشار هذه الروح الرجعية ما قام به الحكام والأغنياء من إنشاء المدارس، وقصر التدريس فيها علي مذهب أو مذاهب معينة، فكان ذلك من أسباب الإقبال علي تلك المذاهب، والانصراف عن الاجتهاد، محافظة علي الأرزاق التي رُتّبت لهم! سأل أبو زرعة شيخه البلقيني قائلاً: ما تقصير الشيخ تقي الدين السبكي عن الاجتهاد وقد استكمل آلته؟ فسكت البلقيني. فقال أبو زرعة: فما عندي أن الامتناع عن ذلك إلا للوظائف التي قُدّرت للفقهاء علي المذاهب الأربعة، وإن خرج عن ذلك لم ينله شيء، وحُرم ولاية القضاء، وامتنع الناس عن [ صفحه 124] إفتائه، ونُسبَتْ إليه البدعة. فابتسم البلقيني ووافقه علي ذلك [369] .

اصحاب المذاهب الأربعة

ابوحنيفة النعمان

هو النعمان بن ثابت بن زوطي، مولي بني تيم الله بن ثعلبة، أصله من كابل، وُلد بالكوفة سنة 80هـ ونشأ فيها، رأي أنس بن مالك، وكان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه، ثم انقطع للتدريس والإفتاء، وهو إمام أهل الرأي. روي له الترمذي والنسائي في سُنَنهما، من أشهر تلاميذه القاضي أبو يوسف، ومحمد بن حسن الشيباني، له كتاب «المسند» في الحديث، جمعه تلاميذه، و «المخارج» كتيب صغير في الفقه، رواه عنه تلميذه أبو يوسف. ضربه أمير العراقين عمر بن هبيرة ليتولّي قضاء الكوفة فامتنع، وأراده أبو جعفر المنصور بعد ذلك للقضاء ببغداد، فامتنع أيضاً، فحبسه إلي أن مات ببغداد سنة 150هـ، وله مزار معروف بالقرب من بغداد في محلّة تعرف بالأعظمية نسبة إليه، وقد بني ذلك علي قبره محمد بن منصور الخوارزمي مستوفي مملكة السلطان ملك شاه السلجوقي سنة 459هـ [370] . [ صفحه 125]

مالك بن أنس

هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي الحميري، أبو عبد الله المدني. ولد سنة 93هـ، وقيل غيرها، وقيل: حملت به أمّه سنتين، وقيل: ثلاث سنين، لُقِّب بإمام دار الهجرة. روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام ونافع وابن المنكدر وغيرهم، وروي عنه الإمام الشافعي والسفيانيان والأوزاعي وغيرهم. له كتاب الموطأ في الحديث. قال الشافعي: ما في الأرض كتاب أكثر صواباً من موطأ مالك، وقال البخاري: أصح الأسانيد: مالك عن نافع عن ابن عمر. مات بالمدينة سنة 179هـ وعمره تسعون سنة، وقيل: خمس وثمانون، ودُفن بالبقيع [371] .

محمد بن إدريس الشافعي

هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب القرشي المطلبي المكي. وُلد في غزة بفلسطين سنة 150هـ، وقيل: باليمن، مات أبوه وهو صغير وحملته أمّه إلي مكة وهو ابن سنتين. فنشأ بمكة، ثم انتقل إلي المدينة وقرأ الموطأ علي مالك. روي عن ابن عيينة ومالك وغيرهم، وروي عنه أحمد بن حنبل وأبو ثور والمزني وغيرهم. اعتبره بعضهم هو المجدد علي رأس المائتين، له كتاب «الأم» وفيه آراؤه الفقهية الجديدة، وكتاب «المسند» في الحديث، [ صفحه 126] و«أحكام القرآن» وغيرها، وله شعر جيد، ومنه: ما حَكَّ جلدَك مثلُ ظفركْفتولَّ أنت جميعَ أمرِك وإذا بُليتَ بحاجــــةٍفاقصد لمعترِفٍ بفضلكْ وله أشعار جيدة في حب أهل البيت عليه السلام، زار بغداد سنة 195هـ فاجتمع به أحمد بن حنبل وأبو ثور وغيرهما، وأقام بها حولين وصنف بها كتابه القديم، ثم عاد إلي مكة، ثم رجع إلي بغداد سنة 198هـ، ومكث فيها شهراً، ثم قصد مصر سنة 199هـ، وصنف بها كتبه الجديدة كالأم، والأمالي الكبري، ومختصر البويطي، ومختصر المزني، ومات فيها سنة 204هـ وعمره 54 سنة، وقبره معروف بالقرب من المقطم [372] .

احمد بن حنبل

هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي البغدادي، صاحب المسند. خرجت به أمه من مرو حملاً، ووُلد في بغداد سنة 164هـ، ونشأ بها، وتوفي أبوه وهو ابن ثلاث سنين، طلب الحديث سنة 179هـ، وقيل: 187هـ، وطاف بالبلاد، ودخل الكوفة والبصرة والحجاز واليمن والشام والجزيرة، سمع من هشيم عن الشافعي وسفيان بن عيينة وغيرهم، وروي عنه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم، وروي عنه الترمذي والنسائي وابن ماجة بواسطة رجل واحد. [ صفحه 127] دُعي إلي القول بخلق القرآن في زمن المأمون العباسي سنة 218هـ، ثم في زمن المعتصم، فأبي وامتنع، فحُبس نحواً من ثمانية وعشرين شهراً، أو 28 يوماً علي اختلاف النقل، وضُرب، فثبت علي قوله، فأطلقه المعتصم سنة 221هـ، وبقي مدة في منزله، وفي سنة 237هـ استقدمه المتوكل العباسي إليه وأكرمه وقرّبه. مات ببغداد سنة 241هـ، وعمره سبع وسبعون سنة [373] .

اقوالهم في عدم جواز التقليد في الدين

لقد تطابقت كلمات أعلام أهل السنة علي عدم جواز تقليد الرجال في الدين، وقد ذكر ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين ثمانين دليلاً علي عدم جواز التقليد في أحكام الله، وعدم جواز الالتزام باتباع واحد من أصحاب المذاهب وغيرهم. وإليك بعض كلماتهم: قال ابن حزم: التقليد حرام، ولا يحل لأحد أن يأخذ قول أحد غير رسول الله صلي الله عليه وسلم بلا برهان، لقوله تعالي (اتّبعوا ما أُنزل إليكم من ربكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء) [374] . وقال: ويكفي في إبطال التقليد أن القائلين به مقِرّون علي أنفسهم [ صفحه 128] بالباطل، لأن كل طائفة من الحنفية والمالكية والشافعية مقرّة بأن التقليد لا يحل، وأئمتهم الثلاثة قد نهوا عن تقليدهم، ثم مع ذلك خالفوهم وقلّدوهم، وهذا عجب ما مثله عجب، حيث أقرّوا ببطلان التقليد، ثم دانوا الله بالتقليد [375] . وقال ابن القيم في أعلام الموقعين: إن العالِم قد يَزِلّ ولا بد، إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما يقوله، ويُنَزَّل منزلة قول المعصوم، فهذا الذي ذمَّه كلُّ عالِم علي وجه الأرض، وحرّموه وذمّوا أهله، وهو أصل بلاء المقلِّدين وفتنتهم، فإنهم يقلِّدون العالِم فيما زلَّ وفيما لم يزِلّ فيه، وليس لهم تمييز بين ذلك، فيأخذون الدين بالخطأ ولا بد، فيُحِلُّون ما حرَّم الله، ويُحرِّمون ما أحلَّ الله، ويشرِّعون ما لم يشرِّع، ولا بد لهم من ذلك إذا كانت العصمة منتفية عمن قلَّدوه، فالخطأ واقع منه ولا بد [376] . وقال المعصومي: لمَّا غيَّر المسلمون أوامر رب العالمين، جازاهم الله تعالي بتغيير النعمة عليهم، وسلب عنهم الدولة، وأزال عنهم الخلافة، كما تشهد به آيات كثيرة. فمِن جملة ما غيَّروا: التمذهب بالمذاهب الخاصة، والتعصّب لها ولو بالباطل، وهذا [بدعة] لا شك فيه ولا شبهة، وكل بدعة تُعتَقد دِيناً وثواباً فهي ضلالة [377] . وقال ابن حزم أيضاً: فليعلم مَن أخذ بجميع أقوال أبي حنيفة أو جميع أقوال مالك، أو جميع أقوال الشافعي، أو جميع أقوال أحمد رضي الله عنهم، ولم يترك من اتبع منهم أو من غيرهم إلي قول غيره، ولم يعتمد علي ما جاء في القرآن والسنة، غير صارف لذلك إلي قول إنسان بعينه، أنه خالف إجماع الأمة كلها، أولها عن آخرها بيقين لا إشكال فيه، وأنه لا يجد لنفسه سلفاً ولا [ صفحه 129] إنساناً في جميع الأعصار المحمودة الثلاثة، نعوذ بالله من هذه المنزلة [378] . إلي غير ذلك مما يطول ذكره، وفيما ذكرناه كفاية.

نهي الأئمة الأربعة عن تقليدهم

إن أئمة المذاهب الأربعة نهوا الناس عن تقليدهم واتّباعهم، وقد نُقل ذلك عنهم، وهو محفوظ من أقوالهم وكلماتهم: قال ابن القيم في أعلام الموقعين: وقد نهي الأئمة الأربعة عن تقليدهم، وذمّوا مَن أخذ أقوالهم بغير حُجّة [379] . وقال ابن حزم: وقد ذكرنا أن مالكاً وأبا حنيفة والشافعي لم يُقلِّدوا، ولا أجازوا لأحد أن يقلِّدهم، ولا أن يقلِّد غيرهم [380] . وقال أبو حنيفة: لا يحل لأحد أن يقول بقولنا حتي يعلم من أين قلناه [381] . وقال: لا يحل لمن يفتي من كتبي أن يفتي حتي يعلم من أين قلت [382] . وروي ابن حزم بسنده عن المازني، عن الشافعي أنه نهي الناس عن تقليده وتقليد غيره [383] . ونقل السيوطي عن الإمام أبي شامة أنه قال: نهي إمامنا الشافعي عن تقليده وتقليد غيره [384] وذكر المزني صاحب الشافعي ذلك في مقدمة مختصره [385] . [ صفحه 130] وقال أحمد بن حنبل: لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الثوري ولا الأوزاعي، خذ من حيث أخذوا. وقال: من قلة فقه الرجل أن يقلد في دينه الرجال. وقال: لا تقلّد دينك أحداً [386] . قال ابن القيم: ولأجل هذا لم يؤلف الإمام أحمد كتاباً في الفقه، وإنما دوّن أصحابه مذهبه من أقواله وأفعاله وأجوبته وغير ذلك. ثم إن كل واحد من الأئمة الأربعة نهي أن يؤخذ بقوله إذا كان مخالفاً لما هو مروي عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. فالمعتمد هو قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا أقوالهم: قال أبو حنيفة: إذا جاء عن النبي صلي الله عليه وسلم فعلي العين والرأس، وإذا جاء عن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم نختار من قولهم، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم... [387] . وقال الشافعي: كل ما قلت وكان عن النبي صلي الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي صلي الله عليه وسلم أولي، فلا تقلدوني [388] . وقال مالك بن أنس: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنّة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنّة فاتركوه [389] . وبعد هذا كله هل يجوز لمؤمن أن يتَّبع إماماً نهي عن تقليده واتّباعه، وأمر الناس بعرض أقواله علي كتاب الله وسُنة نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم، وأمر بطرح كل ما [ صفحه 131] خالفهما، وعلي ذلك يكون كل مَن لم يفعل ذلك فهو مخالفاً لهم وهو يزعم أنه يتّبعهم، ولعلهم يتبرّؤون من كل أولئك الذين اتبعوهم يوم العرض علي الله. (إذ تبرَّأ الذين اتُّبِعُوا من الذين اتَّبَعُوا وَرَأَوْا العذاب وتقطعت بهم الأسباب - وقال الذين اتَّبَعُوا لو أن لنا كرَّة فَنَتَبَرَّأَ منهم كما تبرّأوا منا كذلك يُريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار) [390] . قال ابن حزم: هكذا والله يقول هؤلاء الفضلاء الذين قلَّدهم أقوام قد نهوهم عن تقليدهم، فإنهم رحمهم الله قد تبرأوا في الدنيا والآخرة من كل من قلَّدهم، وفاز أولئك الأفاضل الأخيار، وهلك المقلِّدون لهم، بعدما سمعوا من الوعيد الشديد، والنهي عن التقليد [391] . وقال: ووالله لو أن هؤلاء [الأئمة] وَرَدُوا عرصة القيامة بملء السماوات والأرض حسنات، ما رحموه ـ يعني مَن قلَّدهم ـ بواحدة، ولو أنه المغرور وَرَدَ ذلك الموقف بملء السماوات والأرض سيئات، ما حطُّوا منها واحدة، ولا عرَّجوا عليه، ولا التفتوا إليه، ولا نفعوه بنافعة [392] .

احاديث ضعيفة و أحلام سخيفة

اشاره

لقد رووا عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم روايات في فضل بعض هؤلاء الأئمة، وهي إما ضعيفة من جهة السند، أو ضعيفة من ناحية الدلالة. وإليك بعضاً منها:

ما رووه في فضل أبي حنيفة

عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: يكون في أمتي رجل اسمه النعمان، وكنيته أبو [ صفحه 132] حنيفة، هو سراج أمتي، هو سراج أمتي، هو سراج أمتي [393] . وهذا الحديث موضوع. قال الخطيب: وهو حديث موضوع تفرد بروايته البورقي، وقد شرحنا فيما تقدم أمره وبينّا حاله [394] . وذكره السيوطي في الموضوعات، ونقل تضعيفه عن الخطيب والحاكم [395] . وقال الشوكاني: هو موضوع، وفي إسناده وضَّاعان: مأمون بن أحمد السلمي، وأحمد بن عبد الله الجويباري [396] . ومنها: عن أنس مرفوعاً قال: سيأتي من بعدي رجل يقال له: النعمان ابن ثابت، ويكني أبا حنيفة، ليُحيِيَنّ دين الله وسُنّتي علي يده. قال الخطيب: باطل موضوع، محمد بن يزيد متروك الحديث، وسليمان وشيخه مجهولان، وأبان يُرمي بالكذب [397] . وعن أنس أيضاً مرفوعاً: يكون في أمتي رجل يقال له النعمان، يُكنّي أبا حنيفة، يجدِّد الله له سُنّتي علي يديه [398] . قال السيوطي: موضوع، آفته الجويباري [399] . وقال الملا علي القاري في ضمن تعداده للموضوعات في أحاديث المناقب: ومن ذلك ما وضعه الكذَّابون في مناقب أبي حنيفة والشافعي علي [ صفحه 133] التنصيص علي اسميهما [400] .

ما رووه في فضل مالك

عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة [401] . قالوا: المراد به مالك بن أنس. وهذا الحديث وإن حسَّنه الترمذي، إلا أنه لا دلالة فيه علي أن عالم المدينة هو مالك بن أنس، لأن المدينة ضمَّت رجالاً أفذاذاً قبل أحمد وفي زمانه وبعده، وحسبك أن منهم: علي بن الحسين زين العابدين، وابنه الإمام محمد ابن علي الباقر، وابنه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام، وغيرهم من العلماء البارزين، ومالك لم يسبق هؤلاء ولا غيرهم في نسب ولا فضل ولا علم ولا غير ذلك، بل نصَّ بعضهم علي أن غيره أفضل منه [402] ، فكيف يتعيَّن أن يكون هو عالم المدينة. [ صفحه 134] ثم إن الظاهر من الحديث هو الدلالة إلي علماء المدينة، وأن العلماء في غيرها من البلدان لا يقاسون بهم، لا أن المراد به الدلالة علي عالم مخصوص، حتي يقع الكلام في أنه مالك بن أنس أو غيره. ولهذا قال: «فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة»، أي من جنس العالم الذي بالمدينة، ولم يقُل: فلا يجدون أحداً أعلم من عالمٍ بالمدينة. حتي يكون المراد به عالماً مخصوصاً. ولو سلَّمنا أن المراد به عالم مخصوص فلم يحصل اتفاقهم علي أنه مالك بن أنس، فإن الترمذي في السُّنَن ذكر في رواية عن سفيان بن عيينة أنه قال: إنه مالك، وفي رواية أخري قال: إنه العُمَري [403] . وقال أحمد في المسند: وقال قوم: هو العمري، قال: فَقَدَّموا مالكاً [404] . وذكر الخطيب أن أبا موسي سأل سفيان: أكان ابن جُرَيْج يقول: نري أنه مالك بن أنس؟ فقال: إنما العالم من يخشي الله، ولا نعلم أحداً كان أخشي لله من العمري [405] .

ما رووه في فضل الشافعي

اشاره

عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: عالم قريش يملأ طباق الأرض علماً. يعني الشافعي. أورده الشوكاني في الموضوعات، وقال: هو موضوع. قاله الصغاني [406] . ومع ضعف الحديث فإنه لا يدل علي خصوص الشافعي، وما قلناه في (عالم المدينة) يأتي هنا أيضاً، فإن عالم قريش لا يدل علي رجل مخصوص، وأئمة العترة النبوية الطاهرة عليهم السلام كلهم من قريش، وهم أفقه من الشافعي وغيره، وهذا لا نحتاج فيه إلي مزيد بيان. [ صفحه 135] وأما الأحلام التي أيَّدوا بها مذاهبهم فهي كثيرة، ولا يحسن بنا إضاعة الوقت بذكرها، لأن الأحلام ليست حُجة في بيع حزمة بقل فما دونها، فكيفتكون حجة في إمامة الدين والعلم، وهو واضح لا يحتاج إلي إطالة الكلام فيه. ولكن لا بأس أن نذكر بعضاً منها للدلالة علي مبلغ سخافتها:

ابوحنيفة

ذكر ابن عبد البر في كتاب الانتقاء وغيره أن أبا حنيفة قال: رأيت في المنام كأني نبشتُ قبر النبي عليه السلام، فأخرجت عظامه فاحتضنتها، قال: فهالتني هذه الرؤيا، فرحلت إلي ابن سيرين، فقصصتها عليه، فقال: إن صدقت رؤياك لتُحيِيَنَّ سُنّة نبيِّك محمد صلي الله عليه وسلم. وذكرها بعينها أيضاً عن رجل رأي هذه الرؤيا في أبي حنيفة. وعن أبي رجاء وكان من العبادة والصلاح بمكان، قال: رأيت محمد بن الحسن في المنام، فقلت: ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي. قلت: وأبو يوسف؟ قال: هو أعلي درجة مني. قلت: فما صنع أبو حنيفة؟ قال: هيهات، هو في أعلي عليين [407] .

مالك بن أنس

ذكر أبو نعيم في الحلية عن إسماعيل بن مزاحم المروزي أنه قال: رأيت النبي صلي الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله مَن نسأل بعدك؟ قال: مالك بن أنس. وعن محمد بن رمح التجيبي أنه قال: رأيت النبي صلي الله عليه وسلم فيما يري النائم، فقلت: يا رسول الله قد اختلف علينا في مالك والليث، فأيهما أعلم؟ قال: مالك ورث حدي، معناه أي علمي. وعن عبد الله مولي الليثيين وكان مختاراً قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم في المسجد قاعداً والناس حوله، ومالك قائم بين يديه، وبين يدي رسول الله [ صفحه 136] صلي الله عليه وسلم مسك، وهو يأخذ منه قبضة قبضة فيدفعها إلي مالك، ومالك ينشرها علي الناس. قال مطرف: فأُوّلت ذلك العلم واتباع السنّة [408] .

الشافعي

ذكر الخطيب عن المزي أنه قال: رأيت النبي صلي الله عليه وسلم في المنام، فسألته عن الشافعي، فقال لي: من أراد محبّتي وسُنّتي فعليه بمحمد بن إدريس الشافعي المطلبي، فإنه مني وأنا منه. وعن أحمد بن حسن الترمذي قال: كنت في الروضة فأغفيت، فإذا النبي صلي الله عليه وسلم قد أقبل، فقمت إليه فقلت: يا رسول الله قد كثر الاختلاف في الدين، فما تقول في رأي أبي حنيفة؟ فقال: أف. ونفض يده، قلت: فما تقول في رأي مالك؟ فرفع يده وطأطأ وقال: أصاب وأخطأ. قلت: فما تقول في رأي الشافعي؟ فقال: بأبي ابن عمّي، أحيي سُنّتي [409] .

احمد بن حنبل

ذكر الخطيب في تاريخ بغداد عن أبي الفرج الهندبائي قال: كنت أزوز قبر أحمد بن حنبل، فتركته مدة، فرأيت في المنام قائلاً يقول: لمَ تركتَ زيارة قبر إمام السُّنّة؟ [410] . أقول: لا أدري لِمَ قطع هذا الرجل بأن رؤياه ليست من أضغاث الأحلام؟ وهلاّ حثّه هذا القائل علي زيارة الحسين عليه السلام ابن بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ ولا سيما أن المسافة بين قبر أحمد في بغداد وقبر الحسين عليه السلام في كربلاء ليست كثيرة. اللهم إلا إذا كان أحمد ـ بنظر ذلك القائل كما هو الظاهرـ خيراً من سيد شباب أهل الجنة عليه السلام، وزيارته أفضل وأكثر ثواباً. وعن يحيي بن أيوب المقدسي، قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم في النوم وهو نائم، وعليه ثوب مغطّي به، وأحمد بن حنبل ويحيي بن معين يذبّان عنه [411] .

ما ذكروه في ذم الأئمة الأربعة

اشاره

ما قيل في ذم الأئمة الأربعة كثير، ولا يسعنا حصره، وما سندرجه في هذه الفقرة لم نتقوّله عليهم، بل هو مذكور في كتب علماء أهل السنة، وصادر من علمائهم، وقد ذكرنا مصادره في الحواشي لتوثيق النقل عنهم. وليس غرضنا من نقله الإزراء بهم أو الطعن فيهم، فإن أئمة المذاهب وفدوا علي ربّهم، والله أعلم بحالهم، ولكن الغاية هي أن يعلم القارئ الكريم أن هؤلاء رجال غير معصومين، وقد قيل فيهم ما قيل إن صدقاً وإن كذباً، ونحن نذكره لكي يتحقق الفرد المسلم في اختيار الأئمة في الدين، وليعلم أن الواجب عليه هو اتباع مَن أُمر باتباعهم، وهم أهل البيت عليهم السلام دون غيرهم، والله أعلم بحقائق الأمور. وإليك بعض ما قالوه فيهم:

ما قالوه في أبي حنيفة

قال البخاري: كان مرجئاً، سكتوا عن رأيه وعن حديثه [412] . وروي البخاري في تاريخه الصغير أن سفيان لَمَّا نُعي أبو حنيفة قال: الحمد لله، كان ينقض الإسلام عروة، ما وُلد في الإسلام أشأم منه [413] . وقال ابن عبد البر في كتاب الانتقاء: ممن طعن عليه وجرحه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، فقال في كتابه في الضعفاء والمتروكين: أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، قال نعيم بن حماد: نا يحيي بن [ صفحه 138] سعيد ومعاذ بن معاذ، سمعا سفيان الثوري يقول: قيل: استُتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين [414] . وقال نعيم عن الفزاري: كنت عند سفيان بن عيينة، فجاء نعي أبي حنيفة، فقال: لعنه الله، كان يهدم الإسلام عروةً عروة، ما وُلد في الإسلام مولود أشر منه. هذا ما ذكره البخاري [415] . وقال: قال ابن الجارود في كتابه في الضعفاء والمتروكين: النعمان بن ثابت جُل حديثه وهم، وقد اختُلف في إسلامه. وقال: وقد روي عن مالك رحمه الله أنه قال في أبي حنيفة نحو ما ذكر سفيان أنه شر مولود وُلد في الإسلام، وأنه لو خرج علي هذه الأمة بالسيف كان أهون [416] . قلت: ورواه الخطيب البغدادي أيضاً عن الأوزاعي وحماد [417] ومالك [418] . وقال الذهبي: ضعَّفه النسائي من جهة حفظه، وابن عدي وآخرون [419] ، وترجم له الخطيب في فصلين من تاريخه، واستوفي كلام الفريقين: معدِّليه ومضعِّفيه [420] . وروي ابن أبي حاتم عن ابن المبارك أنه قال: كان أبو حنيفة مسكيناً في الحديث. وعن أحمد بن حنبل أن أبا حنيفة ذُكِر عنده فقال: رأيه مذموم، وبدنه لا يذكر. وعن محمد بن جابر اليمامي أنه قال: سرَق أبو حنيفة كتب [ صفحه 139] حماد مني [421] . وذكر ابن سعد في الطبقات عن محمد بن عمر، قال: كان ضعيفاً في الحديث [422] . وذكر أبو نعيم في حلية الأولياء، والخطيب في تاريخه أن مالك بن أنس ذَكَرَ أبا حنيفة، فقال: كاد الدين، ومَن كاد الدين فليس مِن أهله. وعن الوليد بن مسلم قال: قال لي مالك: يُذْكَر أبو حنيفة ببلدكم؟ قلت: نعم. قال: ما ينبغي لبلدكم أن تُسكَن [423] . وقال سفيان بن عيينة: ما زال أمر الناس معتدلاً حتي غيَّر ذلك أبو حنيفة بالكوفة، والبتي بالبصرة، وربيعة بالمدينة [424] . وقال أحمد بن حنبل: ما قول أبي حنيفة والبعر عندي إلا سواء [425] . وقال الشافعي: نظرت في كتاب لأبي حنيفة فيه عشرون ومائة، أو ثلاثون ومائة ورقة، فوجدت فيه ثمانين ورقة في الوضوء والصلاة، ووجدت فيه إما خلافاً لكتاب الله، أو لسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، أو اختلاف قول، أو تناقض، أو خلاف قياس [426] . وروي الخطيب عن أبي بكر بن أبي داود أنه قال لأصحابه: ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والحسن بن صالح وأصحابه، وسفيان الثوري وأصحابه، وأحمدبن حنبل وأصحابه؟ فقالوا: يا أبا بكر، لا تكون مسألة أصح من [ صفحه 140] هذه. فقال: هؤلاء كلهم اتفقوا علي تضليل أبي حنيفة [427] . وبالجملة، فما قالوه في الطعن في أبي حنيفة كثير جداً، ولا يسعنا استقصاؤه، وقد أعرضنا عن أمور عظيمة ذكروها فيه، ومن شاء الاستزادة فليرجع إلي تاريخ بغداد، والانتقاء، وجامع بيان العلم وفضله وغيرها [428] .

ما قالوه في مالك

ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ أن مالكاً لم يشهد الجماعة خمساً وعشرين سنة. وذكر عن ابن سعد أن مالكاً كان يأتي المسجد ليشهد الصلوات والجنائز، ويعود المرضي، ويقضي الحقوق، ويجلس في المسجد، ثم ترك الجلوس فيه، فكان يصلي وينصرف، وترك شهود الجنائز، فكان يأتي أصحابه فيعزّيهم، ثم ترك ذلك كله والصلاة في المسجد والجمعة [429] . وذُكر أنه بكي في مرض موته، وقال: والله لوددت أني ضُرِبتُ في كل مسألة أفتيت بها، وليتني لم أُفتِ بالرأي [430] . وذكر الذهبي عن الهيثم بن جميل قال: سمعت مالكاً سُئل عن ثمان وأربعين مسألة، فأجاب عن اثنتين وثلاثين منها بـ «لا أدري». وعن خالد بن خداش، قال: قدمتُ علي مالك بأربعين مسألة، فما [ صفحه 141] أجابني منها إلا علي خمس مسائل [431] . وروي الخطيب عن أحمد بن حنبل أنه سُئل عن مالك، فقال: حديث صحيح، ورأي ضعيف [432] . وعن مالك أيضاً أنه ربما كان يُسأل خمسين مسألة، فلا يجيب في واحدة منها [433] . ونقل ابن عبد البر عن الليث بن سعد أنه قال: أحصيت علي مالك بن أنس سبعين مسألة كلها مخالفة لسُنة رسول الله صلي الله عليه وسلم مما قال فيها برأيه، قال: ولقد كتبت إليه أعظه في ذلك [434] . وعن المروزي قال: وكذلك كان كلام مالك في محمد بن إسحاق لشيء بلَغَه عنه تكلّم به في نَسَبه وعِلْمه [435] . وعن سلمة بن سليمان قال: قلت لابن المبارك: وضعتَ من رأي أبي حنيفة، ولم تضع من رأي مالك؟ قال: لم أره علماً [436] . وقال ابن عبد البر: وقد تكلم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة، كرهتُ ذِكره، وهو مشهور عنه، قاله إنكاراً لقول مالك في حديث البيِّعين بالخيار... [437] ، وتكلم في مالك أيضاً فيما ذكره الساجي في كتاب العلل: عبد العزيز بن أبي سلمة، وعبد الرحمن بن زيد بن [ صفحه 142] أسلم، وابن إسحاق، وابن أبي يحيي، وابن أبي الزناد، وعابوا عليه أشياءمن مذهبه، وتكلم فيه غيرهم لتركه الرواية عن سعد بن إبراهيم، وروايته عن داود بن الحصين وثور بن زيد، وتحامل عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسَداً لموضع إمامته، وعابَهُ قوم في إنكاره المسح علي الخفَّين في الحضر والسفر، وفي كلامه في علي وعثمان، وفتياه إتيان النساء من الأعجاز، وفي قعوده عن مشاهدة الجماعة في مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم، ونسبوه بذلك إلي ما لا يحسن ذِكره [438] . قال ابن حجر: ويقال إن سعداً [439] وعظ مالكاً فوجد عليه، فلم يروِ عنه... وقال أحمد بن البرقي: سألت يحيي عن قول بعض الناس في سعد أنه كان يري القدر وترك مالك الرواية عنه. فقال: لم يكن يري القدر، وإنما ترك مالك الرواية عنه لأنه تكلم في نسب مالك، فكان مالك لا يروي عنه، وهو ثَبْت لا شك فيه [440] .

ما قالوه في الشافعي

قيل ليحيي بن معين: والشافعي كان يكذب؟ قال: ما أحب حديثه ولا ذِكْره [441] . واشتهر عن يحيي أنه كان يقول عن الشافعي: إنه ليس بثقة [442] . وأخرج ابن حجر في توالي التأسيس عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه قال: كان الشافعي قد مرض من هذا الباسور مرضاً شديداً، حتي ساء [ صفحه 143] خُلُقه، فسمعته يقول: إني لآتي الخطأ وأنا أعرفه [443] . وذكر ابن حجر في لسان الميزان عن معمر بن شبيب أنه سمع المأمون يقول: امتحنت الشافعي في كل شيء فوجدته كاملاً، وقد بقيت خصلة، وهو أن أسقيه من الهندبا تغلب علي الرجل الجسيد العقل. فحدّثني ثابت الخادم أنه استدعي به فأعطاه رطلاً فقال: يا أمير المؤمنين ما شربته قط. فعزم عليه فشربه، ثم والي عليه عشرين رطلاً فما تغير عقله، ولا زال عن حُجّة [444] . قلت: لعل الشافعي شربه تقية، لأنه كان يري التقية من الخلفاء.

ما قالوه في أحمد بن حنبل

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعتُ أبي يقول: وددتُ أني نجوت من هذا الأمر، لا عليَّ ولا لي [445] . وعن أبي بكر الأثرم، قال: سمعت أحمد بن حنبل يُستفتَي، فيكثر أن يقول: لا أدري [446] . وقال الفخر الرازي: إنه ـ يعني الإمام أحمد ـ ما كان في علم المناظرة والمجادلة قوياً، وهو الذي قال: لولا الشافعي لبقيت أقفيتنا كالكرة في أيدي أصحاب الري [447] . وقال ابن أبي خيثمة: قيل لابن معين: إن أحمد يقول: إن علي بن عاصم ليس بكذاب. فقال: لا والله، ما كان علي عنده قط ثقة، ولا حدَّث عنه بشيء، فكيف صار اليوم عنده ثقة؟ [448] . [ صفحه 144] وقال الحسين بن علي الكرابيسي في الطعن في أحمد: أيش نعمل بهذا الصبي؟ إن قلنا: (مخلوق) قال: بدعة. وإن قلنا: (غير مخلوق) قال: بدعة [449] . ولعل أحمد بن حنبل هو الذي سَلِم تقريباً من أن توجَّه إليه السهام والطعون كما وُجِّهت لغيره، وذلك لأنه جعل جُل عنايته في جمع الأحاديث، فصنّف المسند الذي اشتمل علي أكثر من خمسة وعشرين ألف حديث، ثم إنه حاول أن يفر من الفتوي [450] ، ولم تُعرف له فتاوي شاذة كثيرة كما عُرفت لغيره، ثم إن محنة خلق القرآن أكسبته مكانة عظيمة عند الناس، وفتواه بوجوب طاعة السلطان وحرمة الخروج عليه وإن كان جائراً، أعطته منزلة كبيرة عند الخلفاء والسلاطين.

تعصب أهل السنة لمذاهبهم

إن المتتبِّع لما كتبه أهل السنة ـ علماؤهم وغيرهم ـ يجد أن التعصب للمذاهب كان قوياً جداً، ولم يسلم منه حتي مَن كان يُتوقَّع منه التنزّه عنه لجلالته وعلمه، والأمثلة علي ذلك كثيرة جداً، ويمكن أن نقول: إن التعصب قد وقع علي أنحاء مختلفة: منه: ما نتج عنه رَد الأحاديث والآثار النبوية، والعمل بفتوي إمام المذهب، وإن كان فيها مخالفة صريحة للنص الثابت. وقال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالي (اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله): قال شيخنا ومولانا خاتمة المحققين والمجتهدين رضي الله [ صفحه 145] عنهم: قد شاهدت جماعة من مقلّدة الفقهاء، قرأت عليهم آيات كثيرة من كتاب الله تعالي في بعض المسائل، وكانت مذاهبهم بخلاف تلك الآيات، فلم يقبلوا تلك الآيات ولم يلتفتوا إليها، وبقوا ينظرون إليَّ كالمتعجِّب، يعني كيف يمكن العمل بظواهر هذه الآيات مع أن الرواية عن سَلَفنا وردت علي خلافها، ولو تأمَّلتَ حق التأمَّل وجدتَ هذا الداء سارياً في عروق الأكثرين من أهل الدنيا [451] . وقال السيد سابق في فقه السنة: وقد بلغ الغلو في الثقة بهؤلاء الأئمة حتي قال الكرخي ـ وهو حنفي ـ: كل آية أو حديث يخالف ما عليه أصحابنا فهو مؤول أو منسوخ؟! [452] . وقال ابن حزم: قال بعض من قوي جهله وضعف عقله ورقَّ دينه: إذا اختلف العالمان وتعلَّق أحدهما بحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم أو آية، وأتي الآخر بقول يخالف ذلك الحديث وتلك الآية، فواجب اتباع من خالف الحديث، لأننا مأمورون بتوقيرهم [453] . وعن إبراهيم النخعي قال: لو رأيتهم يتوضؤون إلي الكوعين ما تجاوزتهما وأنا أقرؤها (إلي المرافق) [454] . ومِن تعصّبهم: ما جرَّهم إلي أمور منكرة ومهاترات عجيبة. ومن ذلك ما ذكره ابن كثير في ترجمة محمد بن موسي بن عبد الله الحنفي، فقال: ولي قضاء دمشق، وكان غالياً في مذهب أبي حنيفة... وكان يقول: لو كانت لي الولاية لأخذت من أصحاب الشافعي الجزية. وكان مبغضاً لأصحاب مالك أيضاً [455] . [ صفحه 146] وذكر الذهبي في العِبَر أن الفقيه الشافعي أبا حامد محمد بن محمد البروي الطوسي صاحب التعليقة المشهورة في الخِلاف كان بارعاً في معرفة مذهب الأشعري، قدم بغداد وشغب علي الحنابلة، وأثار الفتنة، ووعظ بالنظامية، فأصبح ميتاً، فيقال: إن الحنابلة أهدوا له مع امرأة صحن حلوي مسمومة. وقيل: إن البروي قال: لو كان لي أمر لوضعت علي الحنابلة الجزية [456] . ومِن تعصّبهم: ما جرَّهم إلي فتاوي غريبة وأحكام عجيبة. فقد أفتي بعض الأحناف بعدم جواز تزويج الحنفي بالشافعية، باعتبار أن الشافعية تشك في إيمانها، لأن الشافعي يقول: أنا مؤمن إن شاء الله. إلا أن بعضهم قال: يجوز ذلك، قياساً علي الذمّية، أي فكما يجوز زواج الحنفي بالذمّية كذلك يجوز زواج الحنفي بالشافعية. ومن تعصبهم: ما أحدث الفتن فيما بينهم. قال ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة 323هـ في بغداد: وفيها عظم أمر الحنابلة، وقويت شوكتهم، وصاروا يكسبون من دُور القُوَّاد والعامة، وإن وجدوا نبيذاً أراقوه، وإن وجدوا مغنية ضربوها، وكسروا آلة الغناء، واعترضوا في البيع والشراء، ومشْي الرجال مع النساء والصبيان، فإذا رأوا ذلك سألوه عن الذي معه من هو؟ [فإذا] أخبرهم، وإلا ضربوه وحملوه إلي صاحب الشرطة، وشهدوا عليه بالفاحشة، فأرهجوا بغداد... وزاد شرّهم وفتنتهم، واستظهروا بالعميان الذين كانوا يأوون المساجد، وكانوا إذا مرَّ بهم شافعي المذهب أغروا به العميان، فيضربونه بعِصِيّهم حتي يكاد يموت [457] . ومن تعصبهم: ما سبَّب إغلاق باب الاجتهاد عند أهل السنة. قال السيد سابق: وبالتقليد والتعصب للمذاهب فقدت الأمة الهداية [ صفحه 147] بالكتاب والسنة، وحدث القول بانسداد باب الاجتهاد، وصارت الشريعة هي أقوال الفقهاء، وأقوال الفقهاء هي الشريعة، واعتُبر كل من يخرج عن أقوال الفقهاء مبتدعاً لا يوثق بأقواله، ولا يُعتد بفتاويه [458] . وقال أبو شامة: وكانت تلك الأزمنة مملوءة بالمجتهدين، فكل صنف علي ما رأي، وتعقب بعضهم بعضاً مستمدّين من الأصلين: الكتاب والسنة... ولم يزل الأمر علي ما وصفت إلي أن استقرّت المذاهب المدوَّنة، ثم اشتهرت المذاهب الأربعة، وهُجر غيرها، فقصرت همم أتباعهم إلا قليلاً منهم، فقلَّدوا بعدما كان التقليد حراماً لغير الرسُل، بل صارت أقوال أئمتهم بمنزلة الأصلين: الكتاب والسنة، وذلك معني قوله تعالي (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) فعُدِم المجتهدون، وغلب المتقلّدون، وكثر التعصب، وكفروا بالرسول حيث قال: يبعث الله في كل مائة سنة مَن ينفي تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وحجَروا علي ربّ العالمين مثل اليهود أن لا يبعث بعد أئمتهم وليّاً مجتهداً، حتي آل بهم إلي التعصب إلي أحدهم إذا أُورد عليه شيء من الكتاب والسنة علي خلافه، يجتهد في دفعه بكل سبيل من التأويلات البعيدة، نصرةً لمذهبه ولقوله [459] . ومن تعصّبهم: غلوّ كل طائفة في إمامها. قال البيهقي: إن الشافعي إنما وضع الكتب علي مالك أنه بلغه أن بالأندلس قلنسوة لمالك يُستسقي بها، وكان يقال لهم: (قال رسول الله). فيقولون: (قال مالك). فقال الشافعي: إن مالكاً بَشَرٌ يخطئ. فدعاه ذلك إلي تصنيف الكتاب في اختلافه معه [460] . [ صفحه 148] وأخرج الخطيب عن علي بن جرير، قال: كنت في الكوفة فقدمت البصرة وبها ابن المبارك، فقال لي: كيف تركت الناس؟ قال: قلت: تركت بالكوفة قوماً يزعمون أن أبا حنيفة أعلم من رسول الله صلي الله عليه وسلم. قال: كُفْر. قلت: اتخَذوك في الكفر إماماً. قال: فبكي حتي ابتلّت لحيته، يعني أنه حدَّث عنه. وعنه أيضاً قال: قدمت علي ابن المبارك، فقال له رجل: إن رجلين تماريا عندنا في مسألة، فقال أحدهما: قال أبو حنيفة. وقال الآخر: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم. فقال: كان أبو حنيفة أعلم بالقضاء [461] . هذا غيض من فيض من الآثار المذمومة للتعصب للمذاهب، نسأل الله أن يأخذ بيد جميع المسلمين إلي رضاه، إنه قريب مجيب.

المسلم غير ملزم باتباع أحد المذاهب الأربعة

هذا وقد ذكر بعض علماء أهل السنة في كتبهم ما يضيء الدرب أمام مَن التزم باتباع مذهب معين، فشدَّدوا في الإرشاد، وأبلغوا في النصح، لعل شيئاً منها يجد أذناً صاغية أو قلباً واعياً. وإليك بعض كلماتهم: قال ابن عبد البر: يقال لمن قال بالتقليد: لِمَ قلتَ به وخالفتَ السلف في ذلك، فإنهم لم يقلّدوا؟ فإن قال: قلَّدتُ لأن كتاب الله جل وعزّ لا علم لي بتأويله، وسُنّة رسوله لم أحصها، والذي قلّدته قد علم ذلك، فقلّدت مَن هو أعلم مني. قيل له: أما العلماء إذا اجتمعوا علي شيء من تأويل الكتاب، أو حكاية سُنّة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، أو اجتمع رأيهم علي شيء فهو الحق، لا شك فيه، ولكن اختلفوا فيما قلّدت فيه بعضهم دون بعض، فما حُجّتك في تقليد بعض دون بعض، وكلهم عالم، ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم من [ صفحه 149] الذي ذهبت إلي مذهبه. فإن قال: قلّدته لأني علمت أنه صواب. قيل له: علمتَ ذلك بدليل من كتاب أو سُنّة أو إجماع، فقد أَبطَلَ التقليد، وطولب بما ادّعاه من الدليل. وإن قال: قلّدته لأنه أعلم مني. قيل له: فقلّد كل من هو أعلم منك، فإنك تجد خلقاً كثيراً، ولا تخص مَن قلّدته، إذ علّتك فيه أنه أعلم منك. فإن قال: قلّدته لأنه أعلم الناس. قيل له: فهو إذن أعلم من الصحابة. وكفي بقول مثل هذا قبحاً. وإن قال: إنما أقلّد بعض الصحابة. قيل له: فما حُجّتك في ترك مَن لم يُقلَّد منهم، ولعل مَن تركتَ قوله منهم أفضل ممن أخذت بقوله. علي أن القول لا يصح لفضل قائله، وإنما يصح بدلالة الدليل عليه [462] . وقال ابن حزم: إن العجب ليطول ممن اختار أخذ أقوال إنسان بعينه لم يصحبه من الله عز وجل معجزة، ولا ظهرت عليه آية، ولا شهد الله له بالعصمة عن الخطأ، ولا بالولاية. وأعجب من ذلك إن كان مِن التابعين فمَن دونهم، ممن لا يُقطع علي غيب إسلامه [463] ، ولا بِيَد مقلِّده أكثر من حسن الظن به، وأنه في ظاهر أمره فاضل من أفاضل المسلمين، لا يقطع له علي غيره من الناس بفضل، ولا يشهد له علي نُظرائه بسبق، إن هو إلا الضلال المبين [464] . ثم قال: ثم ننحط في سؤالهم درجة فنقول: ما الذي دعاكم إلي التهالك علي قول مالك وابن القاسم؟ فهلاّ تبعتم قول عمر بن الخطاب وابنه فتهالكتم عليها؟ فهما أعلم وأفضل من مالك وابن القاسم عند الله عز وجل بلا شك. ونقول للحنفيين: ما الذي حملكم علي التماوت علي قول أبي حنيفة [ صفحه 150] وأبي يوسف ومحمد بن الحسن؟ فهلاّ طلبتم أقوال عبد الله بن مسعود وعلي فتماوتّم عليها؟ فهما أفضل وأعلم من أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن عند الله تعالي بلا شك. ونقول لمَن قلّد الشافعي رحمه الله: ألم ينهكم عن تقليده وأمركم باتباع كلام النبي صلي الله عليه وسلم حيث صحّ؟ فهلاّ اتبعتموه في هذه القولة الصادقة التي لا يحل خلافها لأحد؟ [465] . وقال ابن القيم: نقول: أخذتم بقول فلان لأن فلاناً قاله؟ أو لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قاله؟ فإن قلتم: (لأن فلاناً قاله) جعلتم قول فلان حُجّة، وهذا عين الباطل. وإن قلتم: (لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قاله) كان هذا أعظم وأقبح، فإنه مع تضمّنه للكذب علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وتقويلكم عليه ما لم يقله، هو أيضاً كذب علي المتبوع، فإنه لم يقُل: هذا قول رسول الله صلي الله عليه وسلم. فقد دار قولكم بين أمرين لا ثالث لهما: إما جعل قول غير المعصوم حجّة، وإما تقويل المعصوم ما لم يقُله، ولا بد من واحد من الأمرين. فإن قلتم: بل منهما بُد، وبقي قسم ثالث، وهو أنا قلنا كذا، لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم أمرَنا أن نتّبع مَن هو أعلم منا، ونسأل أهل الذِّكر إن كنا لا نعلم، ونرُدّ ما لم نعلمه إلي استنباط أولي العلم، فنحن في ذلك متَّبِعون ما أمَرَنا به نبيّنا. قيل: وهل نُدَنْدِن إلا حول اتّباع أمره صلي الله عليه وسلم، فحيهلا بالموافقة علي هذا الأصل الذي لا يتم الإيمان والإسلام إلا به، فنُناشدكم بالذي أرسله: إذا جاء أمره وجاء أمر مَن قلّدتموه، هل تتركون قوله لأمره صلي الله عليه وسلم، وتضربون به الحائط، وتحرِّمون الأخذ به والحالة هذه، حتي تتحقق المتابعة كما زعمتم، أم تأخذون بقوله، وتفوِّضون أمر الرسول صلي الله عليه وسلم إلي الله، وتقولون: هو أعلم [ صفحه 151] برسول الله صلي الله عليه وسلم منا، ولم يخالف هذا الحديث إلا وهو عنده منسوخ أو مُعارَض بما هو أقوي منه، أو غير صحيح عنده. فتجعلون قول المتبوع مُحْكَماً، وقول الرسول متشابِهاً، فلو كنتم قائلين بقوله لكون الرسول أمركم بالأخذ بقوله، لقدَّمتم قول الرسول أين كان. وقال: إن ما ذكرتم بعينه حُجّة عليكم، فإن الله سبحانه أمر بسؤال أهل الذِّكر، والذكر هو القرآن والحديث... فهذا هو الذِّكر الذي أمرنا الله باتباعه، وأمر مَن لا عِلم عنده أن يسأل أهله، وهذا هو الواجب علي كل أحد أن يسأل أهل العلم بالذِّكر الذي أنزله الله علي رسوله ليُخبروه به، فإذا أخبروه به لم يسعه غير اتباعه، وهذا كان شأن أئمة أهل العلم، لم يكن فيهم مقلِّد معيَّن يتّبعونه في كل ما قال، فكان عبد الله بن عباس يسأل الصحابة عما قاله رسول الله صلي الله عليه وسلم أو فعَله أو سَنَّه، لا يسألهم عن غير ذلك، وكذلك الصحابة... وكذلك التابعون كانوا يسألون الصحابة عن شأن نبيّهم فقط، وكذلك أئمة الفقه... ولم يكن أحد من أهل العلم قط يسأل عن رأي رجل بعينه ومذهبه، فيأخذ به وحده، ويخالف له ما سواه [466] . وقال الشيخ محمد حياة السندي: من تعصّب لواحد معين غير الرسول صلي الله عليه وسلم، ويري أن قوله هو الصواب الذي يجب اتباعه دون الأئمة الآخرين فهو: ضال جاهل، بل قد يكون كافراً يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل. فإنه متي اعتقد أنه يجب علي الناس اتباع واحد معين من الأئمة رضي الله عنهم دون الآخرين، فقد جعله بمنزلة رسول الله صلي الله عليه وسلم، وذلك كفر [467] . هذا قليل من كثير قالوه في مسألة عدم جواز اتباع واحد من المذاهب المعروفة، الأربعة وغيرها، ولو شئنا استقصاءه لخرجنا عن موضوع الكتاب، [ صفحه 152] ولكن فيما ذكرناه كفاية لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد، والحمد لله رب العالمين. خلاصة البحث لقد اتّضح مما تقدم أمور: 1 ـ أن المذاهب إنما هي أمور مستحدثة، أُحدثت بعد زمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأكثر من قرن من الزمان. ولم يرِد نصّ من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي جواز التعبد بأي منها. وكل ما روي في فضلهم فلا يعدو أن يكون أحاديث موضوعة أو أحلام مكذوبة. 2 ـ أن علماء أهل السنّة نصّوا علي عدم جواز التقليد في الدين، وعدم جواز التعبد بأي مذهب من المذاهب الأربعة وغيرها، وأكّدوا أن وظيفة العامي هي اتباع كتاب الله وسُنة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، ولا يجوز له أن يأخذ دِينه من الرجال. 3 ـ أن أئمة المذاهب الأربعة نهوا عن تقليدهم، وأمروا بعرض ما يُنقل من فتاواهم علي كتاب الله وسُنة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، فما وافقها يؤخذ، وما خالفها يُطرح. 4 ـ أن الأئمة الأربعة رجال غير معصومين، لهم عثرات وأخطاء، وقد طعَن فيهم مَن طعن، بحق أو بغير حق. فبعد هذا كله نسأل أهل السنّة: هل يجوز التعبد بهذه المذاهب المستحدثة، وهل تبرأ ذمّة المكلف باتباع واحد منها؟ لقد أجاب ابن حزم علي هذا السؤال، فقال: وأما مَن أخذ برأي أبي حنيفة أو رأي مالك أو غيرهما، فقد أخذ بما لم يأمره الله تعالي قط بالأخذ به، وهذه معصية لا طاعة [468] . [ صفحه 153] وقال السيد محمد باقر الحجة: قَلَّدْتُمُ النعمـانَ أو محمــداأو مالـكَ بنَ أنسٍ أو أحمــدا فهل أتي الذِّكرُ به أو وصَّيبه النبي، أو وجدتم نصَّا؟ [469] . (ومِن الناس مَن يَتَّخِذ مِن دون الله أَندادًا يُحِبُّونهم كَحُبِّ الله والذين آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لله وَلَو يَرَي الذين ظَلَمُوا إذ يَرَون العذاب أَنَّ القُوَّة لله جميعًا وأَنَّ الله شديد العذاب - إذ تَبَرَّأَ الذين اتُّبِعُوا مِن الذين اتَّبَعُوا ورأَوا العذاب وَتَقَطَّعَتْ بهم الأَسْباب - وقال الذين اتَّبَعُوا لو أَنَّ لنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ منهم كما تَبَرَّءُوا منَّا كذلك يُرِيهم الله أَعمالهم حَسَرَاتٍ عليهم وما هُم بِخَارِجين من النَّار - يا أَيّها الناس كُلُوا مِمَّا في الأَرض حلالاً طَيِّبًا ولا تَتَّبِعُوا خُطُوات الشَّيطان إِنَّه لكم عَدُوٌّ مُبين - إِنَّمَا يأْمركم بالسُّوء والفحشاء وأَنْ تقولوا علي الله ما لا تَعْلَمون - وإذا قِيلَ لَهُم اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ الله قَالوا بَل نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنَا عليه آباءنا أَوَلَو كان آباؤهم لا يَعْقِلُونَ شيئًا ولا يَهْتَدُون) سورة البقرة: 165 ـ 170.

ماذا بقي من شعائر الإسلام صحيحا عند أهل السنة؟

تمهيد لقد دلَّت الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة علي أن شعائر الإسلام بعد زمان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد غُيِّرَتْ، وأحكام الدين قد حُرِّفت، فلم يبقَ من الدين شيء إلا وطالته يد التحريف والتغيير، حتي الصلاة التي هي عمود الدين فإنها قد ضُيِّعت كما ضُيِّع غيرها. ومن تلك الأحاديث ما أخرجه البخاري في صحيحه عن الزهري أنه قال: دخلت علي أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركتُ إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعتْ. وفي رواية أخري، قال: ما أعرف شيئاً مما كان علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم. قيل: الصلاة؟ قال: أليس ضيَّعتم ما ضيَّعتم فيها؟! [470] . وأخرج الترمذي في سننه، وأحمد بن حنبل في المسند عن أنس أنه قال: ما أعرف شيئاً مما كنا عليه علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم. فقلت: أين الصلاة؟ قال: [ صفحه 155] أوَلم تصنعوا في صلاتكم ما قد علمتم؟ [471] . وأخرج مالك بن أنس في الموطأ عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال: ما أعرف شيئاً مما أدركت عليه الناس إلا النداء للصلاة [472] . وأخرج أحمد في المسند عن أم الدرداء أنها قالت: دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب، فقلت: مَن أغضبك؟ قال: والله لا أعرف منهم من أمر محمد صلي الله عليه وسلم شيئاً إلا أنهم يصلّون جميعا [473] . وفي رواية أخري قال: إلا الصلاة [474] . وأخرج أحمد في مسنده عن أنس أيضاً أنه قال: ما أعرف شيئاً مما عهدتُ مع رسول الله صلي الله عليه وسلم اليوم. فقال أبو رافع: يا أبا حمزة، ولا الصلاة؟ فقال: أوَليس قد علمت ما صنع الحَجَّاج في الصلاة؟ وأخرج أحمد في المسند، والبغوي في شرح السنة، والبوصيري في مختصر الإتحاف عن أنس قال: ما أعرف فيكم اليوم شيئاً كنت أعهده علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم غير قولكم: لا إله إلا الله. قال: فقلت: يا أبا حمزة، الصلاة؟ قال: قد صليت حين تغرب الشمس، أفكانت تلك صلاة رسول الله صلي الله عليه وسلم... [475] . وأخرج الطيالسي في المسند، والبوصيري في مختصر الإتحاف عن أنس أنه قال: والله ما أعرف اليوم شيئاً كنت أعرفه علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم قالوا: يا [ صفحه 156] أبا حمزة، والصلاة؟ قال: أوليس أحْدَثتم في الصلاة ما أحدثتم؟ [476] .

دلالة الحديث

قوله: «لا أعرف شيئاً مما أدركتُ» أو «مما كنا عليه علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم»، يدل علي أن كل معالم الدين التي جاء بها النبي الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم قد حُرِّفت وبُدلت، فلم يبق شيء علي ما كان عليه في عهده صلي الله عليه وآله وسلم، حتي الصلاة التي يتعاهدها المسلمون كل يوم خمس مرات هي أيضاً لم تسلم من التبديل والتغيير، وإن بقيت لها صورة الصلاة الظاهرية، وهذا العموم استفيد من دلالة وقوع النكرة في سياق النفي في كلام أنس. وقوله: أليس ضيَّعتم ما ضيَّعتم فيها؟ وقوله: أو لم تصنعوا في صلاتكم ما قد علمتم؟ وقوله: أو ليس أحْدَثتم في الصلاة ما أحدثتم؟ كلها تدل علي أن الناس أحدثوا في خصوص الصلاة ما لم يكن معروفاً في زمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وأن الحجَّاج أيضاً قد أحدث فيها ما أحدث. ثم إن سؤال القوم عن خصوص الصلاة مع أن كلامه دال علي العموم ظاهر في أن القوم كانوا يعلمون بتبدل أحكام الدين وتحريفها، ولذلك لم يَعجَبوا من قول أنس، ولم يسألوه عنها، وأما الصلاة فكانوا يظنون أنها لا تزال سالمة من أي تحريف أو تغيير. وقوله في حديث البخاري: «إلا هذه الصلاة»، يدل علي أن الصلاة سلمت نوعاً ما من التغيير، ولم تسلم بالكلية، بدليل قوله بعد ذلك: (وهذه الصلاة قد ضُيّعت). ثم إن القوم أغفلوا أو تغافلوا عن الشطر الأول من هذه الأحاديث، الدال علي أن كل أحكام الدين قد حُرِّفت وبُدِّلت، ووجَّهوا الأنظار إلي [ صفحه 157] الشطر الثاني فحسب، وهو تضييع الصلاة، وجعلوا تضييعها تأخيرها عن وقتها، ولأجل ذلك أدرج البخاري هذين الحديثين في كتاب مواقيت الصلاة، باب تضييع الصلاة عن وقتها. قال ابن حجر: المراد أنه لا يعرف شيئاً موجوداً من الطاعات معمولاً به علي وجهه غير الصلاة، وقوله: (وهذه الصلاة قد ضُيّعت) قال المهلب: المراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحب لا أنهم أخرجوها عن الوقت. كذا قال وتبعه جماعة. ثم ردّه بأنه تضييع للصلاة عن وقتها الواجب، واستدل بالأحاديث المشهورة التي تدل علي أن الوليد بن عبد الملك والحجَّاج كانا يؤخّران الصلاة إلي أن يمضي وقتها [477] . إلا أن التأمل الصحيح في هذه الأحاديث يقضي بأن يكون المراد هو أن أحكام الدين التي كانت في زمن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومنها الصلاة قد تبدّلت وحُرّفت، بدليل قوله: أو ليس أحْدَثتم في الصلاة ما أحدثتم؟ وتأخير الصلاة عن وقتها لا يسمَّي إحداثاً فيها. ثم إن بكاء أنس بالشام لا يكون إلا لأمر عظيم جليل، وهو تحريف أحكام الدين، والعبث بشريعة سيد المرسلين، وأما تأخير الولاة أو الخلفاء للصلاة فإنه لا يستدعي منه كل ذلك، لأنه كان يري منهم الظلم والفسق والفجور والمجون، ولم يبكِ لشيء من ذلك، فكيف يبكي لتأخير الصلاة عن وقتها؟!

لفت نظر

إن أكثر الأحاديث التي مرَّ ذكرها مروي عن أنس بن مالك، والقليل منها مروي عن أبي الدرداء، ولعل السبب في ذلك هو أن أنس بن مالك كان من أواخر الصحابة موتاً، فهو قد عاش إلي سنة تسعين من الهجرة، أو ثلاث [ صفحه 158] وتسعين علي اختلاف الآراء، وعمره تجاوز المائة أو نقص عنها قليلاً [478] ، فأدرك كثيراً من الفتن والأهواء والآراء التي حدثت بعد زمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فهو قد رأي ما لم يرَ غيره [479] .

بعض الصحابة أحدثوا في الدين ما ليس منه

لقد دلَّت الروايات الكثيرة علي أن وقوع التحريف في أحكام الدين قد وقع من بعض صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعد وفاته. منها: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، والترمذي في سننه وصحَّحه، والنسائي في سننه، و أحمد في المسند عن ابن عباس عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ـ في حديث ـ قال: ألا وإنه يجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربِّ أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح: (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) [480] . ومنها: ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة أنه كان يحدِّث أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: يرِد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي، [ صفحه 159] فيُحَلَّون [481] عن الحوض، فأقول: يا ربِّ أصحابي. فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري [482] . وعنه صلي الله عليه وآله أنه قال: يرِد عليَّ الحوض رجال من أصحابي، فيحلّؤون عنه، فأقول: يا ربِّ أصحابي. فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري [483] . ومنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه، وأحمد بن حنبل في المسند وغيرهما عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أنا فرَطكم [484] علي الحوض، ولأُنازَعَنَّ أقواماً ثم لأُغلَبَنَّ عليهم [485] ، فأقول: يا رب، أصحابي أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك [486] . ومنها: ما أخرجه البخاري ـ واللفظ له ـ ومسلم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله: إني فرَطكم علي الحوض، من مرَّ عليَّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، لَيَرِدن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش، فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم. فقال: أَشهدُ علي أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها: فأقول: إنهم مني. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سُحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي [487] . [ صفحه 160] ومنها: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأحمد في المسند وغيرهم، عن أنس عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: لَيَرِدَنَّ عليَّ ناس من أصحابي الحوض، حتي إذا عرفتهم اختُلِجوا دوني، فأقول: أصحابي. فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك [488] . إلي غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي رواها حفَّاظ الحديث من أهل السنة بطرق كثيرة جداً وبألفاظ متقاربة، وفيما ذكرناه كفاية [489] .

تأملات في حديث: لا تدري ما أحدثوا بعدك

تأملات في هذه الأحاديث قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «أقوام» يدل علي كثرة من بدَّل وأحدث بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ومنه يستفاد كثرة ما حُرِّف في الدين وبُدِّل، لأنه إذا كان الذين بدّلوا أقواماٌ فلا ريب في أن الذي بُدّل يكون كثيراً، لأن ما بدَّله بعضهم لا يصح نسبته إلي غيره. وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «من أصحابي» ظاهر في أن أولئك المبدِّلين في الدين والمحدِثين فيه هم ممن صحب النبي صلي الله عليه وآله وسلم وخالطه. وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: ارتدوا علي أدبارهم القهقري: الارتداد: هو الرجوع، أعم من أن يكون من الدين أو من غيره، و إن غلب إطلاقه علي الرجوع عن الدين، وهو محتمل في هذه الأحاديث، إلا أن قوله: «أحدثوا» ظاهر في أنهم كانوا باقين علي الإسلام، لأن المرتد عن [ صفحه 161] الدين بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا يمكنه أن يُحدِث في الإسلام شيئاً، اللهم إلا إذا كان يبطن خلاف ما يُظهِر، ولعل المراد بالارتداد هو الرجوع عن بعض الواجبات الدينية المهمة، والتنصّل منها بعد توكيدها، كبيعة أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة كما سيتّضح في المباحث الآتية إن شاء الله تعالي. وعلي هذا يكون المراد في هذه الأحاديث: أنهم أحدثوا في الدين ما أحدثوا، وبدَّلوا في أحكام الله ما بدَّلوا. وبما أن هذا المعني يثير سؤالاً، وهو: أنهم إذا كانوا قد اتّبعوا الخليفة الحق المنصوص عليه من قبل النبي صلي الله عليه وآله وسلم فكيف تأتّي لهم أن يُحدِثوا في الدين ما شاءوا؟ أجاب بقوله: «إنهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري» أي رجعوا عن ما وقع منهم أو أُمِروا به من البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام.

احكام محرفة و بدع مستحدثة

اشاره

لقد روي القوم أحاديث كثيرة تدل علي أن كثيراً من أحكام الدين قد غُيِّرت وبُدّلت، وكثيراً من البِدع قد استُحدِثت، وهذه الأحكام والبِدَع قد بقيت إلي يومنا هذا، يعمل الناس بها، ويتعبدون علي طبقها. وبما أن تلكم الأحاديث كثيرة جداً، وسردها كلّها يستلزم الإطالة، وضياع المهم الذي نريد بيانه، فإنا سنذكر بعض الموارد التي وقع فيها ذلك، وسنذكر من الأحاديث ما يكون صحيحاً عندهم، وهذه الروايات نقسمها إلي طوائف:

تحريم نكاح المتعة

الطائفة الأولي دلَّت علي حلية نكاح المتعة , وأن تحريمها وقع بعد زمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم: منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عطاء قال: قدم جابر بن عبد الله معتمراً، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم استمتعنا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر. [ صفحه 162] ومنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي بكر، حتي نهي عنه عمر في شأن عمرو بن حريث [490] . إلي غير ذلك من الروايات الكثيرة في هذه المسألة [491] . وقد ذكر تحريم عمر للمتعة السيوطي في تاريخ الخلفاء [492] ، وأبو هلال العسكري في كتاب الاوائل [493] وغيرهما.

تحريم متعة الحج

الطائفة الثانية دلَّت علي أن بعضهم حرَّم متعة الحج مع أنها كانت ثابتة في زمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم: منها: ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال: أُنزلت أية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن يحرِّمه ولم ينهَ عنها حتي مات، قال رجل برأيه ما شاء [494] . ومنها: ما أخرجه البخاري في صحيحه والنسائي في سننه عن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعليّاً رضي الله عنهما، وعثمان ينهي عن المتعة وأن يُجمع بينهما، فلما رأي عليٌّ أهلَّ بهما لبّيك بعمرة وحجّة، قال: ما كنت لأدع سُنَّة النبي صلي الله عليه وسلم لقول أحد [495] . وفي رواية أخري: فقال عليٌّ: ما تريد إلا أن تنهي عن أمر فعله النبي [ صفحه 163] صلي الله عليه وسلم؟! [496] . ومنها: ما أخرجه النسائي في سننه عن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول: والله إني لأنهاكم عن المتعة، وإنها لفي كتاب الله، ولقد فعلها رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ يعني العمرة في الحج [497] . ومنها: ما أخرجه النسائي في سننه عن طاووس أنه قال في حديث: يقول ابن عباس: هذا معاوية ينهي الناس عن المتعة وقد تمتَّع النبي صلي الله عليه وسلم [498] . ومنها: ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس قال: تمتّع رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، وأول من نهي عنها معاوية [499] . والأحاديث في هذه المسألة كثيرة لا تحصي.

التطليقات الثلاث

الطائفة الثالثة دلَّت علي أن التطليقات الثلاث بصيغة واحدة كانت تُعَدّ واحدة في زمن النبي صلي الله عليه وسلم فجُعلت ثلاثاُ: منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن عباس، قال: كان الطلاق في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمرٍ قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم. فأمضاه عليهم [500] . ومنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه، والنسائي وأبو داود في [ صفحه 164] سُننهما أن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم أنما كانت الثلاث تُجعل واحدةعليعهدالنبي صلي الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثاً من أمارة عمر؟ فقال ابن عباس: نعم [501] . وفي رواية أخري عند مسلم قال ابن عباس: قد كان ذلك، فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق، فأجازه عليهم.

صلاة التراويح

الطائفة الرابعة دلَّت علي أن قيام الليل في زمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان يؤدَّي فرادي، فصار جماعة، وهو ما يسُمّي بصلاة التراويح [502] . منها: ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: مَن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه. قال ابن شهاب: فتوفّي رسول الله صلي الله عليه وسلم والأمر علي ذلك، ثم كان الأمر علي ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنهما. ومنها: ما أخرجه البخاري في صحيحه، ومالك في الموطأ، وغيرهما عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلي المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أري لو جمعتُ هؤلاء علي قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم فجمعهم علي أُبيّ بن كعب، ثم خرجتُ معه ليلة أخري والناس يصلّون بصلاة قارئهم، قال عمر: نِعْمَ البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان [ صفحه 165] الناس يقومون أوّله [503] . هذا وقد اعترف جمع من العلماء بأن عمر بن الخطاب هو أول من سنَّ صلاة التراويح جماعة. قال ابن سعد في الطبقات: وهو ـ يعني عمر ـ أول من سنَّ قيام شهر رمضان، وجمع الناس علي ذلك، وكتب به إلي البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة، وجعل للناس قارئين: قارئاً يصلّي بالرجال، وقارئاً يصلي بالنساء [504] . وذكر ذلك في أوليات عمر: أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل [505] ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء [506] ، وكتاب الوسائل [507] . والغريب في هذه المسألة أن أهل السنة يلتزمون بصلاة التراويح في شهر رمضان في المساجد، ويحرصون عليها، مع أن أحاديثهم نطقت بأن صلاة النافلة في البيت أفضل. ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما والترمذي وأبو داود والنسائي والدارمي في سُننهم، ومالك في الموطأ، وأحمد في المسند وغيرهم، عن زيد بن ثابت: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم اتَّخذ حجرة ـ قال: حسِبْتُ أنه قال: من حصير ـ في رمضان، فصلّي فيها ليالي، فصلي بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد، فخرج إليهم فقال: قد عرفتُ الذي رأيتُ من صنيعكم، فصَلّوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاةُ [ صفحه 166] المرء في بيته إلا المكتوبة [508] . وقوله: (يُصلّون بصلاته) لا يدل علي أنهم كانوا يصلون معه جماعة، بل كانوا يصلّون مع صلاته، فهم يصلّون فرادي، فالباء في (بصلاته) بمعني مع، مثل قولهم: بعتك الدار بأثاثها. أي مع أثاثها. لأن صلاة الجماعة لا تتم والإمام داخل الحجرة، والمأمومون خارجها. قال ابن حجر: مقتضاه أنهم كانوا يصلّون بصلاته وهو داخل الحجرة، وهم خارجها [509] .

حد شارب الخمر

الطائفة الخامسة دلَّت علي أن جلد شارب الخمر ثمانين جلدة استُحدث بعد زمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم. منها: ما أخرجه البخاري في صحيحه عن السائب بن يزيد قال: كنا نُؤتي بالشارب علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتي كان آخر إمرة عمر، فجَلد أربعين، حتي عَتَوا وفسَقوا جَلد ثمانين [510] . وأخرج مسلم في الصحيح، وأبو داود في سُننه عن أنس بن مالك، أن النبي صلي الله عليه وسلم أُتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين. قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد [ صفحه 167] الرحمن: أخف الحدود ثمانين. فأمر به عمر [511] . وأخرج أبو داود والترمذي والدارمي في سُننهم عن أنس بن مالك: أن النبي صلي الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر رضي الله عنه أربعين، فلما ولي عمر دعا الناس فقال لهم: إن الناس قد دنوا من الريف، فما ترون في حد الخمر؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف: نري أن تجعله كأخف الحدود. فجلد فيه ثمانين [512] . وقد اعترف بأن عمر هو أول من ضرب في الخمر ثمانين ابن سعد في الطبقات [513] ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء [514] ، وكتاب الوسائل [515] ، وأبو هلال العسكري في كتاب الأوائل [516] وغيرهم.

صلاة ركعتين بعد العصر

الطائفة السادسة دلَّت علي أن صلاة ركعتين بعد العصر كانت جائزة في زمان النبي صلي الله عليه وسلم، فنُهي عنها بعد ذلك. ومنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن مختار بن فلفل قال: سألت أنس بن مالك عن التطوع بعد العصر، فقال: كان عمر يضرب الأيدي علي صلاة بعد العصر... [517] . [ صفحه 168] ومنها: ما أخرجه أحمد في المسند والطبراني في المعجم الكبير عن زيدبن خالد الجهني أنه رآه عمر بن الخطاب وهو خليفة ركع بعد العصر ركعتين، فمشي إليه فضربه بالدرة وهو يصلي كما هو، فلما انصرف قال زيد: يا أمير المؤمنين فوالله لا أدَعها أبداً بعد أن رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يصليهما. قال: فجلس إليه عمر وقال: يا زيد بن خالد لولا أني أخشي أن يتّخذها الناس سلماً إلي الصلاة حتي الليل لم أضرب عليها [518] . ومنها: ما أخرجه الهيثمي عن عروة بن الزبير قال: خرج عمر علي الناس فضربهم علي السجدتين بعد العصر، حتي مرَّ بتميم الداري فقال: لا أدَعهما، صلّيتهما مع من هو خير منك: رسول الله صلي الله عليه وسلم. فقال عمر: إن الناس لو كانوا كهيئتك لم أُبالِ [519] . والأحاديث التي دلَّت علي أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يصلّيهما، بل كان مداوماً عليهما كثيرة: منها: ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عائشة قالت: ركعتان لم يكن رسول الله صلي الله عليه وسلم يَدَعُهما سرّاً ولا علانية: ركعتان قبل صلاة الصبح، وركعتان بعد العصر [520] . ومنها: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ـ واللفظ لمسلم ـ والنسائي وأبو داود والدارمي في سننهم وغيرهم عن عائشة قالت: ما ترك رسول الله صلي الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط. [ صفحه 169] وقالت: ما كان النبي صلي الله عليه وسلم يأتيني في يوم بعد العصر، إلا صلّي ركعتين [521] .

العول في الفرائض

الطائفة السابعة دلَّت علي أن بعضهم أعال الفرائض، ولم يكن هذا العول ثابتاً في زمان النبي صلي الله عليه وسلم. ومن ذلك ما أخرجه الحاكم في المستدرك وصحَّحه، والبيهقي في السنن وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أول من أعال الفرائض عمر رضي الله عنه، وأيم الله لو قُدَّم من قدَّم الله، وأُخَّر من أخّر الله ما عالت فريضة [522] . وقد نص غير واحد من علماء أهل السنّة علي أن أول من قال بالعول هو عمر: قال السيوطي: أول من قال بالعول في الفرائض عمر بن الخطاب [523] . وقال أبو هلال العسكري: أول من أعال الفرائض عمر رضي الله عنه [524] . والعول في الفرائض: هو زيادة فروض الورثة بحيث لا يتّسع لها المال. مثل: امرأة ماتت ولها زوج وأختان لأبوين: فالزوج له النصف، والأختان لهما الثلثان، ولو جعلنا التركة ستة أسهم، فالزوج له ثلاثة، والأختان لهما أربعة، وهي تساوي سبعة، فتكون قد عالت علي أصل المال. [ صفحه 170] وذهب الجمهور تبعاً لعمر بن الخطاب إلي أن النقص يرد علي الجميع، فتُجعل التركة سبعة أسهم، ويكون للزوج ثلاثة من سبعة (ثلاثة أسباع) التركة، وللأختين أربعة من سبعة (أربعة أسباع). وذهب الشيعة الإمامية تبعاً لأئمة أهل البيت عليهم السلام إلي تقديم أصحاب السهام المؤكَّدة الذين لا ينتقلون من فرض إلي فرض، كالزوجين والأبوين علي البنات والأخوات، فيُجعل الباقي لهن. ففي فرض المسألة يأخذ الزوج ثلاثة من ستة، والباقي للأختين. وهذا هو رأي ابن عباس رضي الله عنه، وقد أوضحه في الحديث المذكور آنفاً. قال الزهري: وأيم الله، لولا أنه تَقَدَّمَ ابنَ عباس إمامُ عدل، فأمضي أمراً فمضي، وكان أمراً ورعاً، ما اختلف علي ابن عباس اثنان من أهل العلم [525] .

بدعة التثويب في الأذان

الطائفة الثامنة دلَّت علي أن التثويب بدعة. منها: ما أخرجه الترمذي عن مجاهد قال: دخلت مع عبد الله بن عمر مسجداً، وقد أَذَّن فيه، ونحن نريد أن نصلي فيه، فَثَوَّبَ المؤذّن، فخرج عبد الله بن عمر من المسجد، وقال: اخرُجْ بنا من عند هذا المبتدع. ولم يصَلِّ [526] . ومنها: ما أخرجه أبو داود في سننه عن مجاهد، قال: كنت مع ابن عمر، فثوَّب رجل في الظهر أو العصر، قال: اخرج بنا، فإن هذه بدعة [527] . والتثويب: هو قول: (الصلاة خير من النوم) أو غيره في أذان صلاة الفجر أو غيرها. [ صفحه 171] وقسَّم بعضهم التثويب إلي قسمين: تثويبٌ سُنة، وتثويبٌ بدعة، واختلفوا في البدعة من التثويب، فقال أحمد بن حنبل وابن المبارك: هو قول (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر. وقال إسحاق بن راهويه: هو أن المؤذن إذا استبطأ الناس قال بين الأذان والإقامة: قد قامت الصلاة، حي علي الصلاة، حي علي الفلاح. قال: وهو التثويب الذي كرهه أهل العلم، والذي أحدثوه بعد النبي صلي الله عليه وسلم [528] . قال الترمذي: والذي فسَّر ابنُ المبارك وأحمد: أن التثويب أن يقول المؤذن في أذان الفجر: (الصلاة خير من النوم)، وهو قول صحيح... وهو الذي اختاره أهل العلم ورأوه. وقال الصنعاني في سبل السلام: شرعية التثويب إنما هي في الأذان الأول للفجر، لأنه لإيقاظ النائم، وأما الأذان الثاني فإنه إعلام بدخول الوقت ودعاء إلي الصلاة [529] . وقال الزيلعي في نصب الراية: أحاديث التثويب: وهو مخصوص عندنا بالفجر... وفيه حديثان ضعيفان: أحدهما للترمذي وابن ماجة... عن بلال قال: أمرني رسول الله صلي الله عليه وسلم أن لا أثوِّب في شيء من الصلاة إلا في صلاة الفجر.. والحديث الثاني أخرجه البيهقي... ولكن اختلفوا في التثويب، فقال أصحابنا ـ يعني الحنفية ـ هو أن يقول بين الأذان والإقامة: «حي علي الصلاة، حي علي الفلاح» مرتين. وقال الباقون: هو قوله في الأذان: الصلاة خير من النوم. وحاصل كلامهم أن التثويب البدعة هو زيادة قول: (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر وفي غيرها من الصلوات، أو زيادة غيرها بين الأذان [ صفحه 172] والإقامة في عامة الصلوات، وأما زيادة (الصلاة خير من النوم) في الأذان الأول في الفجر فهو سنة عندهم. ومنه يتضح أن ما يفعله أهل السنة في هذه الأعصار من قول (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر فهو بدعة. هذا إذا صحّت الروايات الدالة علي أن (الصلاة خير من النوم) جزء من الأذان الأول لصلاة الصبح، والذي يظهر من بعض الروايات أن عمر بن الخطاب هو أول من وضعها في أذان صلاة الفجر، فقد أخرج مالك في الموطأ أنه بلغه أن المؤذن جاء إلي عمر يُؤْذِنه لصلاة الصبح، فوجده نائماً، فقال: الصلاة خير من النوم. فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح [530] . وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف بلفظ متقارب [531] . وأخرج الدارقطني في سُننه عن ابن عمر، عن عمر أنه قال لمؤذِّنه: إذا بلغت (حي علي الفلاح) في الفجر، فقل: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم [532] . وقال الشوكاني في نيل الأوطار: قال في البحر: أحدثه عمر فقال ابنه: هذه بدعة. وعن علي عليه السلام حين سمعه: لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه [533] . وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، قال: ما ابتدعوا بدعة أحب إلي من التثويب في الصلاة. يعني العشاء والفجر [534] . [ صفحه 173] فعلي ذلك تكون هذه الجملة بدعة في أي أذان قيلت. ولا يُعتد بكلام السرخسي في المبسوط: أما المتأخرون فاستحسنوا التثويب في جميع الصلوات، لأن الناس قد ازداد بهم الغفلة، وقلّما يقومون عند سماع الأذان، فيستحسن التثويب للمبالغة في الإعلام [535] . وذلك لأنه إذا كان بدعة كما نص عليه أعلام أهل السنة فلا يختلف الحال فيها في جميع الأزمان والأحوال، فلا يصح أن يُزاد في الأذان أو في غيره من العبادات أية زيادة بأي اعتبار من الاعتبارات. هذا قليل من كثير، وأمثاله لا يكاد يحصي، وهو مبثوث في كتبهم، ولوأردنا أن نستقصي أشباه هذه الطوائف لطال بنا المقام، وفيما ذكرناه كفاية.

محاولات لتحريف الأحكام لم يكتب لها الدوام

اشاره

ودلَّت أحاديث أخري صحيحة علي أن القوم خالفوا السُّنّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلي الله عليه وسلم، إلا أن هذه المخالفات لم يُكتب لها الدوام، فاندثرت واضمحلّت، ولم تصبح أحكاماً في الدين، ولم يفتِ علي طبقها أحد المُفتين. وهذه الأحاديث أيضاً نقسمها إلي طوائف:

الصلاة بمني تماما

الطائفة الأولي دلت علي أن منهم مَن صلّي بالناس في مني تماماً مع ثبوت الصلاة قصراً عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم. منها: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ـ واللفظ لمسلم ـ والنسائي وأبو داود والدارمي في سننهم وغيرهم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: صلّي بنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بِمِنَي أربع ركعات، فقيل ذلك [ صفحه 174] لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه فاسترجع [536] ، ثم قال: صليت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم بمني ركعتين، وصليت مع أبي بكر رضي الله عنه بمني ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمني ركعتين، فليت حظّي من أربع ركعات ركعتان متقبّلتان [537] . ومنها: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، والنسائي والدارمي في سُننهما، وأحمد في المسند عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: صلّيت مع النبي صلي الله عليه وسلم بمني ركعتين، وأبي بكر وعمر، ومع عثمان صدراً من إمارته، ثم أتَمَّها [538] . وزاد مسلم: فكان ابن عمر إذا صلّي مع الإمام صلّي أربعاً، وإذا صلاها وحده صلي ركعتين.

النداء الثالث يوم الجمعة

الطائفة الثانية دلَّت علي أن بعضهم ابتدع النداء الثالث لصلاة الجمعة، مع أن ذلك لم يكن في زمن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. منها: ما أخرجه البخاري في صحيحه ـ واللفظ له ـ، والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة في سُننهم، وأحمد في المسند عن السائب بن يزيد قال: إن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة علي المنبر في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان في خلافة عثمان [ صفحه 175] رضي الله عنه وكثروا أمَرَ عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأُذِّن به علي الزوراء [539] ، فثبت الأمر علي ذلك [540] . ومنها: ما أخرجه البخاري في صحيحه عن السائب بن يزيد قال: إن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان رضي الله عنه حين كثر أهل المدينة، ولم يكن عند النبي صلي الله عليه وسلم مؤذِّن غير واحد، وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام، يعني علي المنبر [541] .

تقديم خطبتي العيدين

الطائفة الثالثة دلَّت علي أن بعضهم جعل الخطبة في العيدين قبل الصلاة، مع أنها كانت في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعد الصلاة. منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه، والترمذي في سُننه، عن طارق بن شهاب، قال: أول مَن بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة. فقال: قد تُرِك ما هنالك... [542] . وعند البخاري: فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غَيَّرتم والله. فقال: أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم. فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم. فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة [543] . [ صفحه 176] ومنها: سنن أبي داود 1: 297. وصححه الألباني في صحيح سنن ابي داود 1: 211. سنن ابن ماجة 1: 406 ح1275. وصححه الالباني في صحيح سنن ابن ماجة 1: 215 ح1053. مسند أحمد بن حنبل 3: 10، 20، 52، 54، 92.@. قال الزرقاني: في الصحيحين عن ابن عباس: شهدت العيد مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم كانوا يصلّون قبل الخطبة. قال: واختلف في أول من غيَّر ذلك، ففي مسلم عن طارق بن شهاب: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان. وفي ابن المنذر بسند صحيح عن الحسن البصري: أول من خطب قبل الصلاة عثمان، صلّي بالناس ثم خطبهم، أي علي العادة، فرأي الناس لم يدركوا الصلاة... فصار يخطب قبل الصلاة... ويحتمل أن عثمان فعل ذلك أحياناً، بخلاف مروان فواظب عليه، فلذا نُسِب إليه. وقال: وروي عن عمر مثل فعل عثمان... وهذا إسناد صحيح... وأخرج الشافعي عن عبد الله بن يزيد نحو حديث ابن عباس، وزاد: حتي قدم معاوية، فقدّم الخطبة. وهذا يشير إلي أن مروان إنما فعل ذلك تبعاً لمعاوية، لأنه كان أمير المدينة من جهته [544] . وذكر الشوكاني في نيل الأوطار نحو ذلك [545] . أقول: المتحصّل من كل هذه الروايات أن أول من قدَّم الخطبة يوم العيد [ صفحه 177] هو عمر، إلا أنه فعل ذلك قليلاً، وكذا صنَع عثمان، ثم صارت سُنّة جارية في زمن معاوية، فعلها هو وأمراؤه كمروان في المدينة، وزياد بالبصرة.

الاذان لصلاة العيدين

الطائفة الرابعة دلَّت علي أن بعضهم ابتدع الأذان لصلاة العيدين، مع أن ذلك لم يكن في زمن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن المسيب، قال: أول من أحدث الأذان في العيدين معاوية [546] . قال الشافعي في كتاب الأم: أخبرنا الثقة عن الزهري أنه قال: لم يُؤَذّن للنبي صلي الله عليه وسلم ولا لأبي بكر ولا لعمر ولا لعثمان في العيدين، حتي أحدَثَ ذلك معاوية بالشام، فأحدثه الحجّاج بالمدينة حين أُمِّر عليها. وقال الزهري: وكان النبي صلي الله عليه وسلم يأمر في العيدين المؤذّن أن يقول: الصلاة جامعة [547] . هذا وقد نص بعض أعلام أهل السنة علي ذلك: قال ابن حجر في فتح الباري: واختُلف في أول من أحدث الأذان فيها ـ أي في صلاة العيد ـ فروي ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه معاوية. وروي الشافعي عن الثقة عن الزهري مثله [548] . وهي عين عبارة الزرقاني في شرح الموطأ [549] . وقال القسطلاني: أول من أحدث الأذان فيها معاوية. رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح [550] . وقال الشوكاني: وروي ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن المسيب قال: أول من أحدث الأذان في العيد معاوية [551] .

الصلاة لم تسلم من التحريف

لقد مرَّ بنا بعض ما ابتُدع في الصلاة، كإحداث صلاة التراويح، والصلاة في مني تماماً، والتثويب في الأذان، والأذان لصلاة العيدين، والأذان الثالث يوم الجمعة، وجعل خطبة العيدين قبل الصلاة وغير ذلك. وأما ما ابتُدع في الصلاة نفسها فسيأتي ذِكر بعضه قريباً، وحسبك ما تجده من الاختلافات الكثيرة بين المذاهب الأربعة وغيرها من مذاهبهم في كل أحكام الصلاة تقريباً: من التكبير إلي التسليم، فراجع الكتب المعدة لذلك ككتاب الفقه علي المذاهب الأربعة، وكتاب بداية المجتهد، وكتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة وغيرها لتدرك صحة ما قلناه. وللدلالة علي كثرة تلكم الاختلافات انظر الفرق بين الصلاة الصحيحة عند أبي حنيفة والصلاة الصحيحة عند غيره، وسنذكرها فيما يأتي من الكلام. ولا بأس أن ننقل بعض فقرات مما قاله ابن رشد في اختلافهم في الصلاة، ليتبيّن للقارئ العزيز صحّة ما قلناه: قال ابن رشد في بيان اختلافهم في أقوال الصلاة فقط دون أفعالها: اختلف العلماء في التكبير علي ثلاثة مذاهب: فقوم قالوا: إن التكبير كله واجب في الصلاة، وقوم قالوا: إنه كله ليس بواجب. وهو شاذ، وقوم أوجبوا تكبيرة الإحرام فقط. وقال مالك: لا يجزئ من لفظ التكبير إلا: الله أكبر. وقال الشافعي: (الله أكبر) و(الله الأكبر) اللفظان كلاهما يجزئ. وقال أبو حنيفة: يجزئ من لفظ التكبير كل لفظ في معناه، مثل: الله الأعظم والله الأجل. وذهب قوم إلي أن التوجيه في الصلاة واجب، وهو أن يقول بعد التكبير: [ صفحه 179] (وجَّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض)، وهو مذهب الشافعي، وإما أن يسبِّح، وهو مذهب أبي حنيفة، وإما أن يجمع بينهما، وهو مذهب أبي يوسف وصاحبه. وقال مالك: ليس التوجيه بواجب ولا سُنَّة. وقد ذهب قوم إلي استحسان سكتات كثيرة في الصلاة، منها حين يكبّر، ومنها حين يفرغ من قراءة أم القرآن، وإذا فرغ من القراءة قبل الركوع، وممن قال بهذا الشافعي وأبو ثور والأوزاعي، وأنكر ذلك مالك وأصحابه، وأبو حنيفة وأصحابه. واختلفوا في قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) في افتتاح القراءة في الصلاة، فمنع ذلك مالك في الصلاة المكتوبة، جهراً كانت أو سرّاً، لا في استفتاح أم القرآن ولا في غيرها من السور، وأجاز ذلك في النافلة. وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد: يقرؤها مع أم القرآن في كل ركعة سرّاً. وقال الشافعي: يقرؤها، ولا بد في الجهر جهراً، وفي السر سرّاً، وهي عنده آية من فاتحة الكتاب، وبه قال أحمد وأبو ثور وأبو عبيد. واختلف قول الشافعي، هل هي آية من كل سورة، أم إنما هي آية من سورة النمل فقط، ومن فاتحة الكتاب؟ فرُوي عنه القولان جميعاً. واختلفوا في القراءة الواجبة في الصلاة، فرأي بعضهم أن الواجب مِن ذلك أم الكتاب لـمَن حفظها، وأن ما عداها ليس فيه توقيت، ومِن هؤلاء مَن أوجبها في كل ركعة، ومنهم من أوجبها في أكثر الصلاة، ومنهم من أوجبها في نصف الصلاة، ومنهم من أوجبها في ركعة من الصلاة. وبالأول قال الشافعي، وهي أشهر الروايات عن مالك، وقد روي عنه أنه مَن قرأها في ركعتين من الرباعية أجزأتْه. وأما من رأي أنها تجزئ في ركعة، فمنهم الحسن البصري وكثير من فقهاء البصرة. وأما أبو حنيفة فالواجب عنده إنما هو قراءة أي آية اتفقت أن تقرأ، وحَدَّ أصحابه في ذلك ثلاث آيات قصار أو آية طويلة مثل آية الدَّيْن. وهذا في الركعتين الأوليين، وأما في الأخيرتين فيستحب عنده التسبيح فيهما دون القراءة، وبه قال الكوفيون، والجمهور يستحبون القراءة فيها كلها. [ صفحه 180] واتفق الجمهور علي منع قراءة القرآن في الركوع والسجود... وبه أخذ فقهاء الأمصار، وصار قوم من التابعين إلي جواز ذلك، وهو مذهب البخاري. واختلفوا هل الركوع والسجود قول محدود يقوله المصلّي أم لا؟ فقال مالك: ليس في ذلك قول محدود. وذهب الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وجماعة غيرهم إلي أن المصلي يقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم) ثلاثاً، وفي السجود: (سبحان ربي الأعلي) ثلاثاً. وكذلك اختلفوا في الدعاء في الركوع بعد اتفاقهم علي جواز الثناء علي الله، فكره ذلك مالك... وقالت طائفة: يجوز الدعاء في الركوع... وأبو حنيفة لا يجيز الدعاء في الصلاة بغير ألفاظ القرآن، ومالك والشافعي يجيزان ذلك. واختلفوا في التشهد وفي المختار منه، فذهب مالك وأبو حنيفة وجماعة إلي أن التشهد ليس بواجب، وذهبت طائفة إلي وجوبه، وبه قال الشافعي وأحمد وداود. وأما المختار من التشهد فإن مالكاً رحمه الله اختار تشهد عمر رضي الله عنه... الذي كان يعلمه الناس علي المنبر... واختار أهل الكوفة وأبو حنيفة وغيره تشهد عبد الله بن مسعود... وبه قال أحمد وأكثر أهل الحديث... واختار الشافعي وأصحابه تشهد عبد الله بن عباس. وقد اشترط الشافعي الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم في التشهد، وقال: إنها فرض... وذهب قوم من أهل الظاهر إلي أنه واجب أن يتعوذ المتشهد من الأربع التي جاءت في الحديث من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن فتنة المحيا والممات. واختلفوا في التسليم من الصلاة، فقال الجمهور بوجوبه، وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليس بواجب، والذين أوجبوه منهم من قال الواجب علي المنفرد والإمام تسليمة واحدة، ومنهم من قال: اثنتان. [ صفحه 181] واختلفوا في القنوت، فذهب مالك إلي أن القنوت في صلاة الصبح مستحب. وذهب الشافعي إلي أنه سنة. وذهب أبو حنيفة إلي أنه لا يجوز القنوت في صلاة الصبح، وأن القنوت إنما موضعه الوتر، وقال قوم: بل يقنت في كل صلاة. وقال قوم: لا قنوت إلا في رمضان. وقال قوم: بل في النصف الأخير منه. وقال قوم: بل في النصف الأول منه [552] . هذا شيء مما ذكره في اختلافاتهم في أقوال الصلاة، والاختلاف في أفعال الصلاة أكثر، وما ذكرناه كاف في الدلالة علي ما قلناه. ومنه يتضح مدي ما وقع علي الصلاة من جور التحريف والتبديل، حتي ضاعت معالمها، وتهدّمت أركانها، وتغيّرت هيئتها. فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

بدع كثيرة ذكروها

لقد ذكر علماء أهل السنة جملة كثيرة من البِدَع الأخري التي أحدثها الخلفاء، وهي كثيرة جداً وذكرها يخرجنا عن موضوع الكتاب، وحيث أنا لا نريد البحث فيها، فإنا نذكر جملة منها، وللقارئ العزيز أن يراجع فيها المطوّلات. منها [553] : 1 ـ أول من نقص التكبير معاوية، كان إذا قال: (سمع الله لمن حمده) انحطّ إلي السجود، ولم يكبّر. وقيل: زياد. (94، 95) (ص164) 2 ـ أول من ترك قنوت في الصبح معاوية. (97) 3 ـ أول من جمع الناس في صلاة الجنائز علي أربع تكبيرات: عمر. (24) (ص113) [ صفحه 182] ورووا أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يصلي علي الجنائز أربعاً أو خمساً، وأول من جمع الناس علي أربع فقط هو عمر [554] . 3 ـ أول من جهر بالتسليم عمر بن الخطاب، فأنكرت عليه الأنصار وقالوا: ما شأنك؟ قال: أردت أن يكون أذاناً... وقوله: (أذاناً) أي إعلاماً بانتهاء الصلاة. (98، 99) 4 ـ أول من خفض صوته بالتكبير عثمان. (93) 5 ـ أول من أحدث المحراب المجوّف عمر بن عبد العزيز حين بني المسجد النبوي. (92) 6 ـ أول من عمل المقصورة في المسجد معاوية، لأنه رأي علي منبره كلباً، وقيل: مروان بن الحكم، لأنه ضُرب بسكين وهو يصلي... وقيل: عثمان بن عفان، خوفاً أن يصيبه ما أصاب عمر. (89) (ص163) 7 ـ أول من أمر المؤذن أن يشعره ويناديه، فيقول: (السلام علي أمير المؤمنين، الصلاة يرحمك الله) معاوية. قال ابن عبد البر: وقيل: إن المغيرةبن شعبة أول من فعل ذلك. والأول أصح. (76) 8 ـ أول من خطب جالساً معاوية، حين كثر شحمه وعظم بطنه. وأخرج ابن أبي شيبة عن طاووس: خطب رسول الله صلي الله عليه وسلم قائماً وأبو بكر وعمر وعثمان، وإن أول من جلس علي المنبر في الجمعة معاوية بن أبي سفيان. (123، 124) (ص164) 9 ـ أول من خطب بمكة علي منبر معاوية بن أبي سفيان، قدم به من الشام سنة حجَّ في خلافته، وكانت الخلفاء والولاة يخطبون يوم الجمعة علي أرجلهم قياماً في وجه الكعبة وفي الحِجْر. (252) 10 ـ أول من فوَّض إلي الناس إخراج زكاتهم عثمان. (189) (ص125) [ صفحه 183] 11 ـ أول من حمي الحمي عثمان. (190) (ص123) 12 ـ أول من جعل مُدَّين حنطة في زكاة الفطر عدل صاع من تمر: عثمان. (191) 13 ـ أول من جعل العشور: عمر بن الخطاب. وأخرج ابن أبي شيبة عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: ليس علي المسلم عشور، إنما علي اليهود والنصاري. (201، 203) 14 ـ أول من قنت في النصف الأخير من رمضان: عمر. (210) 15 ـ أول من ركب عند رمي الجمار ذاهباً وراجعاً: معاوية بن أبي سفيان، وكان الناس يمشون. (218، 253) 16 ـ أول من فرَّق بين الرجال والنساء في الطواف: خالد القسري والي مكة لعبد الملك بن مروان، فاستمر ذلك إلي اليوم. (244، 245) 17 ـ أول من أدار الصفوف حول الكعبة: خالد بن عبد الله القسري. وعن عقبة بن الأزرق: كان الناس يقومون قيام شهر رمضان في أعلي المسجد الحرام... فلما ولي خالد القسري مكة لعبد الملك بن مروان، وحضر شهر رمضان أمر خالد القرّاء أن يتقدّموا ويصلّوا خلف المقام، وأدار الصفوف حول الكعبة، وذلك أن الناس ضاق عليهم أهل المسجد، فأدارهم حول الكعبة. فقيل له: تقطع الطواف لغير المكتوبة؟ قال: فأنا آمرهم يطوفون بين كل ترويحتين سبعاً. فأمرهم يفصلون بين كل ترويحتين بطواف سبع... (249) 18 ـ أول من اتخذ المحامل في زمن الحجَّاج، وإنما كانوا يحجّون علي الرحال. أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل، وذكره المبرد في الكامل. وفي ذلك يقول الراجز: أولُ عبْـدٍ عمل المحامـلاأخزاه ربي عاجلاً وآجِــلا (269، 270) 19 ـ أول من استَلحق بنسبه في الإسلام: معاوية، استلحق زياد بن [ صفحه 184] أبيه. (329) (ص167) 20 ـ أول من سنَّ للصداق أربعمائة درهم: عمر بن عبد العزيز. (333) 21 ـ أخرج ابن سعد عن الشعبي: أن أول رأس حمل في الإسلام، وأول رأس رُفع علي خشبة رأس الحسين عليه السلام. (429، 430) 22ـ أول من سُمّي (أمير المؤمنين): عمر. (491) (ص103) 23 ـ أول من عَهد بالخلافة: أبو بكر. (615) (ص102) 24 ـ أول من أقطع الأرضين: عثمان. (625) (ص122) 25 ـ أول الملوك: معاوية. (629) 26 ـ أول مَن بايع لولده: معاوية. (630) (ص159) 27 ـ قال مالك: أول مَن استقضي: معاوية. (684) 28 ـ أول من قضي بشهادة الغلمان: مروان بن الحكم. (697). 29 ـ أول مَن أحلف بالطلاق: سنان بن سلمة وكان عاملاً علي كرمان، ولاّه زياد بن أبيه زمن معاوية. (707، 708). 30 ـ أول مَن جمع الناس في القرآن علي حرف واحد: عثمان. أخرجه البخاري (716).

لفت نظر

ربما يُظَن لأول وهلة أن بعض ما أدرجناه في هذه البِدع ليس من البدع، مثل: أن معاوية هو أول الملوك، وأول من بايع لابنه. إلا أنه بعد التأمل يتّضح أن الأمر كما قلناه، وذلك لأن الاستيلاء علي أمور المسلمين بالقهر والغلبة، لا بالنص ولا بالشوري، مما لم يأمر به النبي صلي الله عليه وسلم، ولم يرِد في شيء من آيات الكتاب، أو أحاديث السُنَّة المطهرة، بل الوارد خلافه، وكذلك الحال في جعل الخلافة كسروية يتوارثها الأبناء عن الآباء، فإن بعض الأحاديث وصفت ذلك [ صفحه 185] بالملك العضوض. وكل ما لم يكن مأموراً به، بل كان منهيّاً عنه وجُعل من الدين فهو بدعة، وهكذا الحال في غير هذين الأمرين.

محرمات عند أهل السنة جوزتها الأحاديث

اشاره

لو ألقينا نظرة فاحصة علي فتاوي علماء أهل السنة، وتأملنا الأحاديث الصحيحة التي يروونها في صِحاحهم وغيرها، لوجدنا أن هناك كمّاً هائلاً من الأحكام عندهم تصطدم مع رواياتهم، وهي كثيرة، ونحن سنذكر بعضاً منها:

نكاح المتعة

وقد مرَّ الكلام فيها.

الجمع بين الصلاتين لا لعذر

لم يجوّزه أحد من أصحاب المذاهب الأربعة: قال ابن رشد في بداية المجتهد: وأما الجمع في الحضر لغير عذر، فإن مالكاً وأكثر الفقهاء لا يجيزونه، وأجاز ذلك جماعة من أهل الظاهر، وأشهب من أصحاب مالك [555] . وقال الترمذي: والعمل علي هذا عند أهل العلم: أن لا يُجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرَفة. ورخَّص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: يُجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق. ولم يرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين [556] . وجوزه الشيعة الإمامية، ودلَّت عليه أخبار رووها في الصحاح وغيرها. منها: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأحمد والطيالسي في مسنديهما، عن ابن عباس قال: أن النبي صلي الله عليه وسلم صلّي بالمدينة سبعاً وثمانياً: [ صفحه 186] الظهر والعصر، والمغرب والعشاء [557] . ومنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه، ومالك في الموطأ، وأبو داود والنسائي في سُننهما، وأحمد في المسند، وابن خزيمة في صحيحه، وأبو عوانة في مسنده، والبيهقي في السنن وغيرهم، عن ابن عباس قال: صلي رسول الله صلي الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، في غير خوف ولا سفر [558] . ومنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه، والترمذي وأبو داود والنسائي في سُننهم، وأحمد في المسند، وأبو عوانة في مسنده، والبيهقي في السنن، وغيرهم عن ابن عباس قال: جمع رسول الله صلي الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، في غير خوف ولا مطر... قال: قلت لابن عباس: لمَ فعل ذلك؟ قال: كي لا يُحرج أمَّته [559] . [ صفحه 187] ومنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه، وأحمد في المسند، وأبو عوانة في مسنده، عن عبد الله بن شقيق، قال: خطَبَنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتي غربت الشمس وبَدَت النجوم. وجعل الناس يقولون: الصلاة.قال: فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني: الصلاة الصلاة. فقال ابن عباس: أتعلّمني بالسُّنّة؟ لا أم لك. ثم قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. قال عبد الله بن شقيق: فَحَاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة، فسألته فصدَّق مقالته [560] . وفي رواية أخري قال: لا أم لك، أتُعلِّمنا بالصلاة؟ وكنا نجمع بين الصلاتين علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم [561] . وقولهم: (إن هذه الأحاديث محمولة علي أن الجمع بين الصلاتين كان لأجل المطر). يَرُدّه ما ذُكِر في بعضها، من أنه صلي الله عليه وآله وسلم صلي سبعاً وثمانياً في غير خوف ولا مطر. وفي بعضها: في غير خوف ولا سفر. والجمع بينها يقتضي أنه صلي الله عليه وآله وسلم جمع بين الصلاتين في غير خوف ولا سفر ولا مطر. ثم إن التعليل الوارد في أكثر تلك الأحاديث، وهو قول ابن عباس: (أراد ألاّ يُحرج أمَّته) يدل علي أن الجمع لم يكن لعذر من تلك الأعذار، فإن تفريق الصلوات كثيراً ما يكون فيه حرَج نوعي، وهذا ملاحظ في البلاد التي [ صفحه 188] تتعطَّل فيها جميع المصالح العامة لأجل إقامة الجماعة بعد دخول وقت الصلاة.

التكبير علي الجنائز خمسا

قال ابن المنذر: ذهب أكثر أهل العلم إلي أن التكبير أربع، وفيه أقوال أخر [562] . أقول: ذهبت الإمامية إلي أن التكبيرات علي الجنائز خمس، ودلَّ علي ذلك الأحاديث الصحيحة التي رواها أهل السنة: منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه، والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي والدارقطني في سُننهم، وأحمد والطيالسي في مسنديهما، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، قال: كان زيد يكبِّر علي جنائزنا أربعاً، وإنه كبَّر علي جنازة خمساً. فسألته فقال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يكبِّرها [563] .

وجوب الإفطار للسفر

ذهب أئمة المذاهب الأربعة إلي أن المكلَّف إذا سافر بالشروط المذكورة في محلِّها فهو مخيَّر بين الصيام والإفطار، واختلفوا في أيهما الأفضل، فذهب أحمد وإسحاق أن الفطر أفضل وإن لم يشق عليه الصوم. وذهب مالك وسفيان الثوري وابن المبارك إلي أن مَن وجد قوّة فالصيام له أفضل. وذهب الشافعي [ صفحه 189] وأبو حنيفة إلي أن الصيام أفضل إلا إذا حصلت له مشقة فالفطر أفضل [564] . وذهب الشيعة الإمامية إلي وجوب الإفطار، وقد دلَّت عليه أحاديث رووها في كتبهم: منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه، والترمذي والنسائي والبيهقي في سُننهم، وابن خزيمة في صحيحه، والطيالسي في مسنده، وغيرهم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلي مكة في رمضان، فصام حتي بلغ كراع الغميم، فصام الناس. ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتي نظر الناس إليه، ثم شرب فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام. فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة [565] . ومنها: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي في سُننهم، وأحمد والطيالسي في مسنديهما، والحاكم في المستدرك، وابن أبي شيبة في المصنف وغيرهم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ليس من البِر الصيام في السفر [566] . [ صفحه 190] والبِر هو الطاعة والعبادة كما نصَّ عليه ابن الأثير وغيره. قال ابن الأثير: وفي حديث الاعتكاف: «البِر يُردن» أي الطاعة والعبادة، ومنه الحديث: ليس من البر الصيام في السفر [567] . وعليه لا يكون الصيام في السفر عبادة ولا طاعة، فيكون غير مشرَّعاً ولا مأموراً به، فيتعيّن حينئذ الإفطار. وقالوا: إن النبي صلي الله عليه وسلم إنما قال ذلك لما رأي زحاماً ورجلاً قد ظُلِّل عليه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم... وهذا يدل علي أن الصيام الذي هو ليس بِبِر إنما هو الصيام الذي تكون معه مشقة، لا مطلق الصيام في السفر. وهذا مردود بأن خصوص المورد لا يخصِّص الوارد، فإن لفظ (الصيام) في الحديث مطلق غير مقيد بحالة حصول المشقة والحرج، فلا يصح تخصيصه بما حدث في تلك الواقعة. علي أن الحديث الأول أوضح دلالة من هذا الحديث، لأنه صلي الله عليه وآله وسلم وصف كل الصائمين بأنهم عصاة، مع أنه لم يستعلم أحوالهم فوجدهم قد شقَّ عليهم الصوم، بل ظاهر الحديث أن صومهم لا مشقة فيه عليهم، لأنهم لو وجدوا فيه أدني مشقّة وكانوا قد رأوا النبي صلي الله عليه وآله وسلم يفطر لأفطروا معه، ولكنهم لما وجدوا في أنفسهم طاقة علي الصوم بلا حرج عليه صاموا، وهو واضح لا [ صفحه 191] يحتاج إلي مزيد بيان.

مسح الرجلين في الوضوء

ذهب الأئمة الأربعة إلي وجوب غَسل الرجلين في الوضوء، وذهبت الشيعة الإمامية تبعاً لأئمة أهل البيت عليهم السلام إلي وجوب المسح عليهما. وهو ما دلَّت عليه آية الوضوء في الكتاب العزيز، في قوله عز من قائل (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلي الكعبين) [568] . وفي قراءة ابن عباس والحسن وعكرمة وحمزة وابن كثير: (وأرجلِكم) بالكسر [569] ، بعطف الأرجل علي الرؤوس في المسح عليها. وقد دلَّ علي ذلك أيضاً أحاديث صحيحة عندهم: منها: ما أخرجه الترمذي في سننه، وابن أبي شيبة في المصنّف عن الرُّبَيِّع قالت: أتاني ابن عباس فسألني عن هذا الحديث ـ تعني حديثها الذي ذكَرَتْ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم توضّأ وغسل رجليه [570] ـ فقال ابن عباس: إن الناس أبَوا إلا الغَسل، ولا أجد في كتاب الله إلا المسح [571] . ومنها: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأحمد في المسند وغيرهم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: تخلَّف عنا النبي صلي الله عليه وسلم في سفرة سافرناها، فأدرَكَنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح علي أرجلنا، فنادي بأعلي صوته: «ويل للأعقاب من النار» [ صفحه 192] مرتين أو ثلاثاً [572] . بتقريب: أن مسح أولئك الصحابة كلهم علي أرجلهم دال علي ثبوته في الوضوء في زمن رسول الله صلي الله عليه وسلم، وإلا فكيف يصح أن يكون كل هؤلاء لا يعلمون أن الواجب هو غسل الأرجل، ولا سيما أن فيهم أمثال عبد الله بن عمرو بن العاص الذي عدّوه من علماء الصحابة. وقوله: «ويل للأعقاب من النار» لا يدل علي وجوب غَسل القدمين كما ذهبوا إليه، ولعل زجرهم إنما كان بسبب مسحهم علي الأعقاب، لا لعدم استيعاب القدمين بالغَسل، فإن الواجب إنما هو مسح ظاهر القدمين دون باقي الأجزاء، والمخالفة إنما حصلت في الأعقاب فقط، ولذلك لحِقها الويل، ولو كان الواجب هو الغَسل لَلَحِق الويل كل القَدم، لوقوع المخالفة فيها جمعاء، والله العالم. ومنها: ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف عن عكرمة قال: غَسلتان ومسحتان [573] . ومنها: ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف عن الشعبي قال: نزل جبريل بالمسح [574] . ومنها: ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف عن الشعبي قال: إنما هو المسح علي القدمين، ألا تري أن ما كان عليه الغَسل جُعِل عليه التيمم، وما كان عليه المسح أُهمِل، فلم يُجعَل عليه التيمم [575] .

ترك السنة الصحيحة لمخالفة الروافض

مع ثبوت السُنَّة الصحيحة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم بالأحاديث الثابتة عند أهل السنة، إلا أنهم في بعض الأحكام الشرعية بدا لهم أن يتعمَّدوا تجنّبها من أجل مخالفة الروافض. قال ابن تيمية: ومن هنا ذهب مَن ذهب مِن الفقهاء إلي ترك بعض المستحبات إذا صارت شعاراً لهم [أي للشيعة]، فإنه وإن لم يكن الترك واجباً لذلك، لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم، فلا يتميَّز السُّني من الرافضي، ومصلحة التميُّز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحب. وهذا الذي ذُهب إليه يُحتاج إليه في بعض المواضع إذا كان في الاختلاط والاشتباه مفسدة راجحة علي مصلحة فعل ذلك المستحب [576] . وهي موارد عديدة، منها التختم باليمين، وتسطيح القبور، والصلاة علي الآل، وغيرها.

نماذج من فتاواهم

قال ابن حجر في فتح الباري: اختُلف في السلام علي غير الأنبياء، بعد الاتفاق علي مشروعيته في تحية الحي، فقيل: يشرع مطلقاً، وقيل: بل تبعاً، ولا يُفرد لواحد، لكونه صار شعاراً للرافضة. ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني. وقال أيضاً: قال ابن القيم: المختار أن يُصلَّي علي الأنبياء والملائكة وأزواج النبي صلي الله عليه وسلم وآله وذرّيّته وأهل طاعته علي سبيل الإجمال، وتكره في [ صفحه 194] غير الأنبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعاراً، ولا سيما إذا تُرك في حق مثله أو أفضل منه [577] كما يفعله الرافضة [578] . وقال الزمخشري في الكشاف: القياس جواز الصلاة علي كل مؤمن لقوله تعالي (هو الذي يصلي عليكم) وقوله تعالي (وصلِّ عليهم إن صلاتك سكن لهم) وقوله صلي الله عليه وسلم: اللهم صلِّ علي آل أبي أوفي. ولكن للعلماء تفصيلاً في ذلك، وهو أنها إن كانت علي سبيل التبع كقولك: (صلي الله علي النبي وآله) فلا كلام فيها، وأما إذا أُفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يُفرد هو فمكروه، لأن ذلك صار شعاراً لذِكر رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولأنه يؤدّي إلي الاتهام بالرفض [579] . قال مصنّف كتاب الهداية وهو من الأحناف: المشروع التختم في اليمين، لكن لمَّا اتّخذته الرافضة عادة جعلنا التختم في اليسار [580] . وذكر الغزالي في الذخيرة والماوردي وهما من الشافعية أن تسطيح القبورهو المشروع، ولكن لما اتّخذته الرافضة شعاراً لهم عدلنا عنه إلي التسنيم [581] . وقال محمد بن عبد الرحمن الدمشقي في كتابه رحمة الأمة في اختلاف الأئمة: السُّنَّة في القبر التسطيح، وهو أولي من التسنيم علي الراجح من [ صفحه 195] مذهب الشافعي، وقال الثلاثة [أبو حنيفة ومالك وأحمد]: التسنيم أولي، لأن التسطيح صار من شعائر الشيعة [582] . وقال الحافظ العراقي في بيان كيفية إسدال طرف العمامة: فهل المشروع إرخاؤه من الجانب الأيسر كما هو المعتاد، أو الأيمن لشرفه؟ لم أرَ ما يدل علي تعيين الأيمن إلا في حديث ضعيف عند الطبراني، وبتقدير ثبوته فلعله كان يرخيها من الجانب الأيمن، ثم يردّها إلي الجانب الأيسر كما يفعله بعضهم، إلا أنه صار شعار الإمامية، فينبغي تجنّبه لترك التشبّه بهم [583] . وقال عبد الله المغربي المالكي في كتابه (المعلم بفوائد مسلم): إن زيداً كبَّر خمساً علي جنازة، قال: وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يُكبِّرها. وهذا المذهب الآن متروك، لأنه صار علَماً علي القول بالرفض [584] . وفي التذكرة: قال الشافعي وأحمد والحكَم: المسح علي الخفّين أولي من الغسل، لما فيه من مخالفة الشيعة [585] . وقال إسماعيل البروسوي في تفسيره (روح البيان) عند ذِكر يوم عاشوراء: قال في عقد الدرر واللئالي [586] : ولا ينبغي للمؤمن أن يتشبّه بيزيد الملعون في بعض الأفعال، وبالشيعة الروافض والخوارج أيضاً، يعني لا يجعل ذلك اليوم يوم عيد أو يوم مأتم، فمن اكتحل يوم عاشوراء فقد تشبَّه بيزيد [ صفحه 196] الملعون وقومه، وإن كان للاكتحال في ذلك اليوم أصل صحيح، فإن ترك السُّنّة سُنّة إذا كانت شعاراً لأهل البدعة، كالتختم باليمين، فإنه في الأصل سُنة، لكنه لما صار شعار أهل البدعة والظلمة صارت السُّنة أن يُجعَل الخاتم في خنصر اليد اليسري في زماننا، كما في شرح القهستاني [587] . إلي غير ذلك مما لا يحصي كثرة.

فتاوي غريبة عند أهل السنة

اشاره

لقد صدرت من أعلام أهل السنة وأئمة مذاهبهم فتاوي غريبة، وأحكام عجيبة، صارت محل تندّر وتفكّه من غيرهم، حتي نظمها الشعراء في أشعار ساخرة، وقصائد لاذعة. فقال ابن الحجاج: الشافعيُّ مـن الأئمــةِ قائــلٌ اللعْبُ بالشطرنـجِ غيــرُ حـرامِ وأبو حنيفةَ قالَ وهـو مصــدَّقٌ فيما يبلِّغُــه منَ الأحــكـــامِ شُرْبُ المثلّثِ والمنصَّفِ جائــزٌ فاشربْ علي طرَبٍ من الأيـــامِ وأباحَ مالكٌ الفُقـاعَ تطـرّقـــاً وبه قوامُ الديـنِ والإســـلامِ [588] . والحَبْرُ أحمدُ حلَّ جَلْـدَ عميرة [589] وبذاك يُستغني عـن الأرحـــامِ فاشربْ ولُط وازنِ وقامرْ واحتجِجْفي كل مسألـةٍ بقــول إمـــامِ وقال الزمخشري: إذا سألوا عن مذهبـي لم أبُــحْ به وأكتمُـهُ كتمانُــهُ لي أســلَـمُ فإن حنفيًّاً قلــتُ قالـوا بأننــي أبيح الطلا وهو الشـرابُ المحرَّمُ وإن مالكيًّاً قلـتُ قالـوا بأنـنــي أبيحُ لهم أكلَ الكــلابِ وهمْ هـمُ وإن شافعيًّاً قلتُ قالــوا بأننــي أبيحُ نكاحَ البنتِ والبنتُ تحــرمُ [ صفحه 197] وإن حنبليًّاً قلتُ قالــوا بأننـي ثقيـلٌ حلولـي بغيضٌ مجسِّــمُ وإن قلتُ من أهلِ الحديثِ وحزبِه يقولون تَيْسٌ ليس يدري ويفهمُ [590] . والفتاوي الغريبة عندهم كثيرة جداً، إلا أنا نذكر اليسير، ومن أراد المزيد فلينظر في أقوالهم، وليتتبَّع فتاواهم فسيجد الكثير. وهي عدة طوائف:

بعض فتاوي أبي حنيفة

1 ـ صلاة أبي حنيفة: قال ابن خلكان في وفيات الأعيان: ذكر إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني في كتابه الذي سمَّاه (مغيث الخَلْق في اختيار الأحق) أن السلطان محمود [بن سبكتكين] كان علي مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، وكان مولعاً بعلم الحديث، وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه وهو يسمع، وكان يستفسر الأحاديث، فوجد أكثرها موافقاً لمذهب الشافعي رضي الله عنه، فوقع في خلده حكة، فجمع الفقهاء من الفريقين في مرْو، والتمس منهم الكلام في ترجيح أحد المذهبين علي الآخر، فوقع الاتفاق علي أن يُصلّوا بين يديه ركعتين علي مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، وعلي مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، لينظر فيه السلطان ويتفكر ويختار ما هو أحسنهما، فصلّي القفال المروزي بطهارة مسبغة وشرائط معتبرة من الطهارة والسترة واستقبال القبلة، وأتي بالأركان والهيئات والسنن والآداب والفرائض علي وجه الكمال والتمام، وقال: هذه صلاة لا يجوِّز الإمام الشافعي رضي الله عنه دونها، ثم صلَّي ركعتين علي ما يجوِّز أبو حنيفة رضي الله عنه، فلبس جلد كلب مدبوغاً، ولطَّخ ربعه بالنجاسة، وتوضّأ بنبيذ التمر، وكان في صميم الصيف في المفازة، واجتمع عليه الذباب والبعوض، وكان وضوؤه منكساً منعكساً، ثم استقبل القبلة، وأحرم للصلاة من غير نيَّة في الوضوء، وكبَّر بالفارسية: دو برك سبز [591] ، ثم [ صفحه 198] نقر نقرتين كنقرات الديك من غير فصل ومن غير ركوع، وتشهَّد، وضرط في آخره من غير نية السلام. وقال: أيها السلطان، هذه صلاة أبي حنيفة. فقال السلطان: لو لم تكن هذه الصلاة صلاة أبي حنيفة لقتلتك، لأن مثل هذه الصلاة لا يجوِّزها ذو دين. فأنكرت الحنفية أن تكون هذه صلاة أبي حنيفة، فأمر القفال بإحضار كتب أبي حنيفة، وأمر السلطان نصرانياً كاتباً يقرأ المذهبين جميعاً، فوُجدتْ الصلاة علي مذهب أبي حنيفة علي ما حكاه القفال، فأعرض السلطان عن مذهب أبي حنيفة، وتمسّك بمذهب الشافعي رضي الله عنه [592] . 2 ـ أفتي بجواز شرب المثلَّت، وهو أن يُطبخ عصير العنب حتي يذهب ثلثاه، ويبقي الثلث ويشتد، ويسكر كثيره لا قليله، ويسمَّي (الطلا) [593] . قال ابن حزم: ولا خلاف عن أبي حنيفة في أن نقيع الدوشات عنده حلال وإن أسكر، وكذلك نقيع الرُّب وإن أسكر. والدوشات من التمر، والرُّب من العنب [594] . 3 ـ وأفتي بأن رجلاً لو تزوّج امرأة في مجلس، ثم طلّقها فيه قبل غيبته عنهم، ثم أتت امرأته بولد لستة أشهر من حين العقد، لحقه الولد، وكذا لو تزوج رجل في المشرق بامرأة في المغرب، ثم مضت ستة أشهر، وأتت بولد، فإنه يلحق به، لأن الولد إنما يلحقه بالعقد ومضي مدة الحمل، وإن علم أنه لم يحصل منه الوطء [595] . [ صفحه 199] 4 ـ وأفتي بأنه لو تزوج رجلان امرأتين، فغلط بهما عند الدخول، فزُفَّت كل واحدة إلي زوج الأخري، فوطأها وحملت منه، لحق الولد بالزوج لا بالواطئ، لأن الولد للفراش [596] . 5 ـ وأفتي بأنه لو ادَّعي مسلم وذمّي ولداً، وأقام كل منهما بيِّنة، فإن الولد يُلحق بالمسلم وإن كان شهود الذمي مسلمين، وشهود المسلم من أهل الذمة. معلِّلاً بأن ذلك موجب لإسلام الولد [597] . 6 ـ قال ابن تيمية: إذا آجر الرجل الدار لأجل بيع الخمر واتخاذها كنيسة أو بيعة، لم يجز قولاً واحداً، وبه قال الشافعي، كما لا يجوز أن يكري أمته أو عبده للفجور. وقال أبو حنيفة: يجوز أن يؤاجرها لذلك [598] . 7 ـ وأفتي أبو حنيفة بأن الرجل إذا استأجر المرأة للوطء، ولم يكن بينهما عَقد نكاح، فليس ذلك بزنا، ولا حدّ فيه. والزنا عنده ما كان مطارفة [599] ، وأما ما فيه عطاء فليس بزنا [600] . هذا وقد عقد ابن أبي شيبة في كتابه (المصنَّف) باباً لمخالفات أبي حنيفة للأحاديث المروية عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، أسماه: كتاب الرد علي أبي حنيفة. وقال: هذا ما خالف به أبو حنيفة الأثر الذي جاء عن رسول الله صلي الله عليه وسلم. وذكر فيه 125 مورداً، فراجعه [601] . [ صفحه 200] وروي ابن عبد البر في كتاب الانتقاء، والخطيب في تاريخ بغداد عن وكيع بن الجراح قال: وجدت أبا حنيفة خالف مائتي حديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم [602] . وروي الخطيب عن يوسف بن أسباط أنه قال: ردَّ أبو حنيفة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم أربعمائة حديث أو أكثر [603] .

بعض فتاوي مالك بن أنس

1 ـ أفتي بطهارة الكلاب والخنازير، وسؤرهما [604] طاهر يُتوضَّأ به ويُشرب، وإن ولغا في طعام لم يحرم أكله، وعنده أن الأمر بغَسل الإناء من ولوغ الكلب فيه مجرد تعبّد [605] . 2 ـ وأفتي بجواز أكل الحشرات كالديدان والصراصير والخنافس والفئران والجراذين والحرباء والعضاء، والحيّة حلال إذا ذُكِّيت [606] . 3 ـ وأفتي بحِلِّية الزواج من بنته من الزنا، ومن أخته وبنت ابنه، وبنت بنته، وبنت أخيه وأخته من الزنا، مستدلاً بأنها أجنبية منه، ولا تنتسب إليه شرعاً، ولا يجري التوارث بينهما، ولا تعتق عليه إذا ملكها، ولا تلزمه نفقتها، فلا يحرم عليه نكاحها كسائر الأجانب [607] . وسيأتي قريباً هذا القول للشافعي أيضاً. 4 ـ وذهب الإمام مالك إلي أن أقصي مدة الحمل سبع سنين، فلو طلَّق الرجل امرأته أو مات عنها، فلم تنكح زوجاً آخر، ثم جاءت بولد بعد سبع [ صفحه 201] سنين من الوفاة أو الطلاق، لحقه الولد، وانقضت العدة به [608] .

بعض فتاوي الشافعي

1 ـ أفتي الشافعي بحِلِّية الزواج من بنته من الزنا، ومن أخته وبنت ابنه، وبنت بنته، وبنت أخيه وأخته من الزنا، مستدلاً بنفس دليل الإمام مالك في هذه المسألة كما مرّ آنفاً [609] . وهذه المسألة ذكرها الفخر الرازي في مناقب الشافعي مسلِّماً بها ومدافعاً فيها عنه [610] . وإليها أشار الزمخشري في الأبيات المتقدمة بقوله: فإن شافعيّاً قلتُ قالوا بأنني أبيحُ نكاحَ البنتِ والبنتُ تحرُمُ 2 ـ وأفتي بحليّة الذبيحة التي لم يُذكر اسم الله عليها، لأن التسمية مستحبة عنده غير واجبة، لا في عمد ولا في سهو [611] ، وهذا القول مروي أيضاً عن أحمد بن حنبل، مع أن الله تعالي يقول (ولا تأكلوا مما لم يُذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) [612] .

بعض فتاوي أحمد بن حنبل

1 ـ إذا ادَّعي اثنان ولداً فإن لم يكن لأحدهما بيِّنة، أو كان لكل منهما بيِّنة تعارض الأخري، فهنا يُعرض علي القافة [613] ، فإن ألحقه القافة بأحدهما [ صفحه 202] لحق به، وإن ألحقوه بالاثنين لحق بهما، فيرثانه جميعاً ميراث أب واحد، ويرثهما ميراث ابن [614] وكذا لو ادَّعاه أكثر من اثنين، فألحقه القافة بهم [615] . قلت: بهذه الفتوي يكون له أبوان أو ثلاثة آباء أو أكثر، مع أن المقطوع به أنه ابن لواحد فقط، ثم إن مسألة الميراث الأمر فيها سهل، ولكن إلي مَن ينتسب هذا المولود، فإن الانتساب إلي أكثر من واحد لا يتأتي. قال ابن حزم: لا يجوز أن يكون ولد واحد ابن رجلين، ولا ابن امرأتين [616] . 2 ـ ذهب الأمام أحمد إلي أن أقصي مدة الحمل أربع سنين، فلو طلَّق الرجل امرأته أو مات عنها، فلم تنكح زوجاً آخر، ثم جاءت بولد بعد أربع سنين من الوفاة أو الطلاق، لحقه الولد، وانقضت العدة به [617] .

فتاوي مختلفة لعلماء آخرين

1 ـ أفتي ابن حزم وداود الظاهري بأن الرجل الكبير البالغ له أن يرتضع من امرأة فيكون ابنها من الرضاعة، فيحل له بعد ذلك ما يحل لابنها من الرضاعة، وهذا الحكم يثبت له وإن كان المرتضع شيخاً. وهذا هو مذهب عائشة [618] ، وسنذكر قريباً بعض الأحاديث في ذلك. 2 ـ وذهب الزهري إلي أن الجنين قد يبقي في بطن أمة سبع سنين، وقال أبو عبيد: ليس لأقصاه وقت يُوقف عليه [619] . 3 ـ وأفتي المالكيون بحلية أكل لحوم السباع، ومن ضمنها الكلاب [ صفحه 203] والسنانير. قال ابن حزم في معرض الرَّد عليهم: ثم قد شهدوا علي أنفسهم بإضاعة المال والمعصية في ذلك، إذ تركوا الكلاب والسنانير تموت علي المزابل وفي الدُّور، ولا يذبحونها فيأكلونها، إذ هي حلال، ولو أن امرءاً فعل هذا بغنمه وبقره لكان عاصياً لله تعالي بإضاعة ماله [620] . 4 ـ وأفتي محمد بن الحسن الشيباني ـ تلميذ أبي حنيفة ـ بأن ما أسكر كثيرُه مما عدا الخمر مكروه وليس بحرام [621] . 5 ـ وأفتي عطاء ومجاهد ومكحول والأوزاعي والليث بأنه لو ذبح النصاري لكنائسهم أو ذبحوا علي اسم المسيح أو الصليب، أو أسماء من مضي من أحبارهم ورهبانهم فذبيحتهم لا يحرم الأكل منها [622] . 6 ـ وأفتي ابن حزم بجواز الاستمناء، ونقل الفتوي بذلك عن الحسن البصري وعمرو بن دينار وزياد بن أبي العلاء ومجاهد [623] . 7 ـ قال ابن حزم: أباح الأحناف لمن طالت يده من الفسَّاق أو قصُرت أن يأتي إلي زوج أي امرأة عشقها، فيضربه بالسوط علي ظهره حتي ينطق بطلاقها مكرهاً، فإذا اعتدَّت المرأة أكرهها الفاسق علي أن تتزوّجه بالسياط أيضاً، حتي تنطق بالقبول مكرهة، فيكون ذلك عندهم نكاحاً طيّباً، وزواجاً مباركاً، ووطءً حلالاً، يُتقرَّب به إلي الله تعالي [624] . 8 ـ وأفتي ابن تيمية أن إنشاء السفر لزيارة النبي صلي الله عليه وآله وسلم غير جائز، ويعد معصية. وقد وصف زيارته صلي الله عليه وآله وسلم بأنها غير واجبة باتفاق المسلمين، بل ولم [ صفحه 204] يشرع السفر إليها، بل هو منهي عنه [625] . 9 ـ وأفتي محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح بأن لبن البهيمة ينشر الحرمة، فلو شرب اثنان أو أكثر من لبن شاة واحدة صاروا إخوة أو أخوات من الرضاعة. قال السرخسي في المبسوط: ولو أن صبيّين شربا من لبن شاة أو بقرة لم تثبت به حرمة الرضاع، لأن الرضاع معتبر بالنسب، وكما لا يتحقق النسب بين آدمي وبين البهائم فكذلك لا تثبت حرمة الرضاع بشرب لبن البهائم. وكان محمد بن إسماعيل البخاري صاحب التاريخ رضي الله عنه يقول: تثبت الحرمة. وهذه المسألة كانت سبب إخراجه من بخارا، فإنه قدم بخارا في زمن أبي حفص الكبير رحمه الله، وجعل يفتي فنهاه أبو حفص رحمه الله، وقال: لست بأهل له. فلم ينته، حتي سُئل عن هذه المسألة فأفتي بالحرمة، فاجتمع الناس وأخرجوه [626] .

احاديث عجيبة عند أهل السنة

اشاره

الأحاديث الصحيحة التي تثير الدهشة عند أهل السُّنّة كثيرة جداُ، واستقصاؤها يستدعي الإطالة، ونحن نكتفي بذكر خمسة أحاديث صحيحة عجيبة:

ارضاع الكبير

حاصل هذه الواقعة أن أبا حذيفة كان قد تبني سالم المعروف بسالم مولي أبي حذيفة، فلما نزل قوله تعالي (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) جاءت سهلة بنت سهيل زوجة أبي حذيفة للنبي صلي الله عليه وآله وسلم فقالت: يارسول الله،كنا نري سالماً ولداً، وكان يدخل علي وأنا فضل (أي مكشوفة غير متحجبة). وإني أري في وجه حذيفة من دخول سالم. فقال لها: أرضعيه خمس رضعات. أخرج مسلم في صحيحه ـ واللفظ له ـ، وأبو داود [ صفحه 205] والنسائي وابن ماجة والدارمي والبيهقي في سننهم، ومالك في الموطأ، وأحمد في المسند والطبراني في الكبير وغيرهم، عن عائشة، قالت: جاءت سهلة بنت سهيل إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أري في وجه أبي حذيفة من دخول سالم (وهو حليفه). فقال النبي صلي الله عليه وسلم: أرضعيه. فقالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟! فتبسّم رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال: قد علمت أنه رجل كبير [627] . وفي رواية أخري: فقال لها النبي صلي الله عليه وسلم: أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة. فرجَعَتْ فقالت: إني قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة [628] . وفي رواية ثالثة: قالت: إنه ذو لحية. فقال: أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة [629] . وعند أبي داود: فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة. وعند النسائي: فأرضعته وهو رجل.

وضع مشين ينزه عنه النبي

أخرج البخاري ومسلم في [ صفحه 206] صحيحيهما، والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي في سننهم، ومالك في الموطأ، وأحمد في المسند وغيرهم عن عبد الله بن عمر، قال: ارتقيتُ فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقضي حاجته، مستدبر القبلة، مستقبل الشام [630] . وفي رواية أخري: فرأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم علي لبنتين، مستقبلاً بيت المقدس لحاجته [631] . وفي رواية عند الترمذي: عن جابر قال: نهي النبي صلي الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يُقْبَض بعام يستقبلها [632] .

النبي يبول قائما

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما، والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي في سُننهم، وأحمد في المسند وغيرهم عن حذيفة، قال: أتي النبي صلي الله عليه وسلم سُباطة قوم، فبال قائماً، ثم دعا بماء، فجئته بماء فتوضّأ [633] . [ صفحه 207] هذا مع أنهم رَوَوا عن عائشة أنها قالت: مَن حدَّثكم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدِّقوه، ما كان يبول إلا جالساً [634] .

النبي قدم لغيره طعاما ذبح علي الأنصاب

أخرج البخاري في صحيحه، وأحمد في المسند وغيرهما عن سالم أنه سمع عبد الله يحدّث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بَلْدَح، وذاك قبل أن يُنَزَّل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم الوحي، فقدَّم إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم سفرة فيها لحم، فأبي أن يأكل منها، وقال: إني لا آكل مما تذبحون علي أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذُكر اسم الله عليه [635] .

النبي أبدي عورته أمام الناس

أخرج البخاري ومسلم ـ واللفظ له ـ عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره، فقال له العباس عمُّه: يا ابن أخي، لو حللتَ إزارك فجعلته [ صفحه 208] قال: فما رؤي بعد ذلك اليوم عرياناً [636] . وأخرج الترمذي عن عائشة قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلي الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم عرياناً يجر ثوبه، والله ما رأيته عرياناً قبله ولا بعده، فاعتنقه وقبَّله [637] . إلي غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي لا يسعها المقام، فراجع إن شئت ما كتبناه في كتابنا (كشف الحقائق)، ففيه المزيد.

اسباب ضياع الشريعة عند أهل السنة

إن الأسباب الداعية إلي ضياع الأحكام وتحريفها كثيرة، وحيث أن المقام لا يستدعي بسط الكلام في هذه المسألة، فإننا سنذكر أمرين مهمّين كان لهما بالغ الأثر في حصول ذلك: الأمر الأول: عدم اتِّباع أهل البيت عليهم السلام والتمسّك بهم. وقد تقدّم مفصَّلا بيان أن التمسك بأهل البيت عليهم السلام سبب للنجاة من الضلال والأمن من الوقوع في الهلكات في الفصل الثالث. وبما أن أهل السنة أعرضوا عنهم عليهم السلام واتّبعوا غيرهم، فإن النتيجة التي لا مفرّ منها هي الوقوع في الضلال، الذي يتمثّل في ضياع الأحكام وتحريف الشريعة المقدسة. الأمر الثاني: اتّباع كل مَن هبَّ ودَرَجَ من الصحابة. فإن أهل السنّة لما قالوا بعدالة كل الصحابة وقداستهم، ورأوا أن كل مَن رأي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فهو ثقة عدْل، تؤخذ منه أحكام الدين وشرائع الإسلام، [ صفحه 209] وإن كان من المنافقين والطلقاء والأعراب والأجلاف وأعداء أمير المؤمنين عليه السلام، فحينئذ من الطبيعي أن تُختلق الأحاديث وتتبدّل الأحكام، سواء كان ذلك بعمد وقصد، أم كان بغفلة وجهل. هذا وقد سُئل أمير المؤمنين عليهم السلام عما في أيدي الناس من الأحاديث فقال عليهم السلام: إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً. وقد كُذِب علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي عهده حتي قام خطيباً، فقال: «مَن كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقامه من النار»، وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال، ليس لهم خامس: رجل منافق مُظهِر للإيمان، متصنِّع بالإسلام، لا يتأثَّم ولا يتحرَّج، يكذب علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم متعمّداً، فلو علِم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه، ولم يصدِّقوا قوله، ولكنهم قالوا: صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، رآه وسمع منه، ولَقِف عنه، فيأخذون بقوله، وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك، ووصَفهم بما وصفهم به لك، ثم بقوا بعده، فتقرَّبوا إلي أئمة الضلال والدعاة إلي النار بالزور والبهتان، فولَّوهم الأعمال، وجعلوهم حُكَّاماً علي رقاب الناس، فأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا، إلا من عصم الله، فهذا أحد الأربعة. ورجل سمع من رسول الله شيئاً لم يحفظه علي وجهه، فوَهِمَ فيه، ولم يتعمَّد كذباً، فهو في يديه، ويرويه ويعمل به، ويقول: أنا سمعته من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فلو علم المسلمون أنه وَهِمَ فيه لم يقبلوه منه، ولو علم هو أنه كذلك لرفضه. ورجل ثالث سمع من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يأمر به، ثم إنه نهي عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهي عن شيء، ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنه منسوخ لَرَفَضَه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه [ صفحه 210] أنه منسوخ لرفضوه. وآخر رابع لم يكذب علي الله ولا علي رسوله، مبغض للكذب خوفاً من الله، وتعظيماً لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، لم يَهِم، بل حفظ ما سمع علي وجهه، فجاء به علي ما سمعه، لم يزد فيه ولم ينقص منه، فهو حفظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ فجنَّب عنه، وعرف الخاص والعام والمحكم والمتشابه، فوضع كل شيء موضعه، وقد كان يكون من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الكلام له وجهان، فكلام خاص وكلام عام، فيسمعه مَن لا يعرف ما عني الله سبحانه به، ولا ما عني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فيحمله السامع ويوجِّهه علي غير معرفة بمعناه وما قُصِد به، وما خرج من أجله، وليس كل أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مَن كان يسأله ويستفهمه، حتي إن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابي والطارئ فيسأله عليه السلام حتي يسمعوا، وكان لا يمرّ بي من ذلك شيء إلا سألته عنه وحفظته. فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعِلَلِهم في رواياتهم [638] . أقـول: بهذا كله يُعلَّل اختلاف الحديث عند أهل السنة، وما تبع ذلك من اختلاف فتاواهم في أكثر الفروع الفقهية، حتي صار كل مذهب يحتج علي ما ذهب إليه بأحاديث يرويها عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، حتي المسائل التي كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يكرِّرها كل يوم أمام الناس مرات ومرات كالوضوء والصلاة وغيرهما ولم تسلم أيضاً من الخلاف والاختلاف.

خلاصة البحث

لقد اتضح من كل ما تقدَّم أن أهل السنة لم يبق عندهم شيء من أحكام الدين مما كان علي زمن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلا حُرِّف وبُدِّل، حتي الصلاة لم تسلم من التغيير والتحريف كما نصَّت عليه الأحاديث الصحيحة عندهم، [ صفحه 211] وكما شهد به مَن أدرك الحوادث من صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم. فلينظر أهل السنة ـ هداهم الله ـ بعد هذا بمَ يأخذون، وأي مسلك يسلكون، وأي نهج ينهجون، فإن السُّبُل واضحة، والأمور منكشفة، وسُفُن النجاة معلومة، فلا يغرَّنهم الشيطان، ولا يأخذنَّهم التعصب، ويستحوذ عليهم العناد، فإنهم يوم القيامة مسؤولون، وعلي أعمالهم محاسَبون، فليبادروا إلي التمسّك بأهل البيت عليهم السلام الذين أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأتباعهم، قبل فوات الفوت وحلول الموت. (وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتّبع ما وجدنا عليه آباءنا أوَلَوا كان الشيطان يدعوهم إلي عذاب السعير). سورة لقمان: 21.

من هو إمام المسلمين في هذا العصر؟

وجوب نصب الإمام في كل عصر

تمهيد إن مسألة معرفة إمام العصر من المسائل المهمة التي تترتب عليها أعظم المصالح الدينية والدنيوية، وتُؤدَّي بها أهم الوظائف الشرعية، وقد وردت فيها أحاديث صحيحة مشتملة علي التحذير الشديد، وتصف من مات جاهلاً بها بأن ميتته جاهلية. مضافاً إلي أن علماء أهل السنة قد أكَّدوا في مصنفاتهم علي أن نصب الإمام في كل عصر واجب علي المسلمين كافة، بل جعلوه من أعظم الواجبات الدينية التي لا يسع المسلمين تركها أو التهاون في المبادرة إليها. قال الإيجي في المواقف: نصب الإمام عندنا واجب علينا سمعاً... وقال: انه تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم علي امتناع خلو الوقت عن إمام، حتي قال أبو بكر رضي الله عنه في خطبته: «ألا إن محمداً قد مات، ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به»، فبادر الكل إلي قبوله، وتركوا له أهم الأشياء، وهو دفن رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولم يزل الناس علي ذلك في كل عصر إلي زماننا هذا من نصب إمام متَّبع في كل عصر... [639] . وقال الماوردي: وعقدها ـ أي الإمامة ـ لمن يقوم بها في الأمَّة واجب [ صفحه 213] بالإجماع [640] . وقال ابن حجر: قال النووي: أجمعوا علي أنه يجب نصب خليفة، وعلي أن وجوبه بالشرع لا بالعقل [641] . وقال التفتازاني: نصب الإمام واجب علي الخلق سمعاً عندنا وعند عامة المعتزلة [642] . وقال ابن حزم: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم نص علي وجوب الإمامة، وأنه لا يحل بقاء ليلة دون بيعة [643] . وقال: لا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين ليس في عنقه لإمام بيعة [644] . إلي غير ذلك مما يطول ذكره [645] . ومع كل ذلك فإن أهل السنة بعد عصر الخلافة عندهم أطبقوا علي ترك هذا الواجب، بل تركوا الخوض في هذه المسألة وتجنبوا البحث فيها من قريب أو بعيد، فلا نري منهم اهتماماً بالبحث في هذا الأمر مع عظم أهميته، حتي تركه من تعرض لشرح تلك الأحاديث وقابله بالإعراض والإهمال الشديدين [646] ولعل السبب في ذلك خشية علماء أهل السنة من سخط حكّام [ صفحه 214] عصرهم إذا نفوا عنهم أهليتهم لإمامة المسلمين، وخوفهم من العامة،وحذرهم من تخطئة كل أهل السنة في ترك أمر مهم واجب لا ينبغي تركه. والأحاديث المروية في هذه المسألة كثيرة، وإليك بعضاً منها:

حديث من مات و ليس في عنقه بيعة

أخرج مسلم في صحيحه، والبيهقي في السنن، والهيثمي في مجمع الزوائد، والتبريزي في مشكاة المصابيح، والألباني في السلسلة الصحيحة وغيرهم عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: مَن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية [647] . وأخرج أحمد في المسند، والهيثمي في مجمع الزوائد، وأبو داود الطيالسي في مسنده، وابن حبان في صحيحه، وأبو نعيم في حليته، والمتقي الهندي في كنز العمال وغيرهم، عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: مَن مات بغير إمام مات ميتة جاهلية [648] . وفي رواية أخرجها الهيثمي وابن أبي عاصم، أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية [649] . [ صفحه 215] وفي رواية أخري: من مات وليست عليه طاعة مات ميتة جاهلية [650] .

تأملات في الحديث

قوله صلي الله عليه وآله وسلم: من مات: فيه إشعار إلي أن بيعة إمام المسلمين الحق ينبغي المبادرة إليها وعدم إهمالها أو التهاون فيها خشية مباغتة الموت والوقوع في الهلاك. قوله صلي الله عليه وآله وسلم: وليس في عنقه بيعة: أي ولم تكن بيعة ملازمة له لا تنفك عنه، كما في قوله تعالي (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه). فلا يجوز نقض بيعة إمام الحق ولا النكث عنها. ولأجل الدلالة علي اللزوم لم يعبِّر بـ (من مات ولم يبايع إماماً...). والبيعة: هي المعاقدة والمعاهدة علي السمع والطاعة، ولعلها مأخوذة من البيع، فكأن من بايع الإمام قد باع نفسه للإمام، وأعطاه طاعته وسمعه ونصرته. وعليه فلا تقع البيعة إلا مع الإمام الحاضر الحي، دون الإمام الغابر الميت، لأن الميت لا تتحقق معه المعاهدة، واعتقاد إمامة الأئمة الماضين لا يستلزم تحقق البيعة لهم. وقوله: لإمام: يدل علي أنه لا يجوز مبايعة أكثر من إمام واحد في عصر واحد، وهذا مما اتفقت عليه كلمة المسلمين ودلَّت عليه الأحاديث الصحيحة عند الفريقين. فمما ورد من طرق أهل السنة ما أخرجه مسلم في صحيحه وغيره عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما [651] . [ صفحه 216] وعن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: … وستكون خلفاء فتكثر. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول [652] . قال النووي: في هذا الحديث معجزة ظاهرة لرسول الله صلي الله عليه وسلم، ومعني هذا الحديث: إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها، وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول [أم] جاهلين، وسواء كانا في بلدين أو بلد، أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والآخر في غيره، هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء... واتفق العلماء علي أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد، سواء اتسعت دار الإسلام أم لا [653] . وقال البغدادي: وقالوا ـ أي أهل السنة ـ: لا تصح الإمامة إلا لواحد في جميع أرض الإسلام [654] . ونصَّ علي ذلك أيضاً ابن حزم [655] والماوردي [656] والتفتازاني [657] وغيرهم. وقوله: مات ميتة جاهلية: ميتة علي وزن فِعْلة، وهو اسم هيئة، والمعني: مات كميتة أهل الجاهلية. قال النووي: أي علي صفة موتهم من حيث هي فوضي لا إمام لهم [658] . أقول: لعل تشبيه موت من ترك بيعة إمام الزمان بميتة أهل الجاهلية من حيث أن ترك تلك البيعة يستلزم ترك متابعة إمام الحق، ويؤدي إلي متابعة أئمة [ صفحه 217] الجور، وهذا مسبِّب للوقوع في الضلال، فتكون حاله حال أهل الجاهلية الذين يموتون علي ضلال.

بعض مؤهلات إمام المسلمين و صفاته

اشاره

إن إمام العصر لا بد أن تتوفر فيه عدة مزايا تؤهّله لأن يكون إماماً علي سائر المسلمين دون غيره، وقد ذكر علماء أهل السنة بعضاً من تلك المزايا التي ينبغي توفرها في إمام المسلمين، ومع أنهم اختلفوا في بعض الصفات إلا أنهم يكادون يتفقون علي بعض آخر منها. فمما اشترطوه:

ان يكون قرشيا

فلا تصح إمامة غير القرشي كائناً من كان، وذلك لقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: الأئمة من قريش [659] . قال المناوي: ذهب الجمهور إلي العمل بقضية هذا الحديث، فشرطوا كون الإمام قرشياً [660] . وقال: قال عياض: اشتراط كون الإمام قرشياً مذهب كافة العلماء، وقد عدّوها من مسائل الإجماع، ولا اعتداد بقول الخوارج وبعض المعتزلة. [ صفحه 218] وقال أيضاً: به ـ أي بهذا الحديث ـ احتج الشيخان يوم السقيفة، فقبله الصحب وأجمعوا عليه [661] . ونص أيضاً علي اشتراط القرشية في الإمام عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق [662] ، وابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل [663] والمحلّي [664] ، والتفتازاني في شرح المقاصد [665] ، والماوردي في الأحكام السلطانية [666] والغزالي في قواعد العقائد [667] وغيرهم.

ان يكون عالما مجتهدا

قال الإيجي: الجمهور علي أن أهل الإمامة مجتهد في الأصول والفروع، ليقوم بأمور الدين [668] . وقال عبد القاهر البغدادي: وأوجبوا ـ أي أهل السنة ـ من العِلم له مقدار ما يصير به من أهل الاجتهاد في الأحكام الشرعية [669] . ونص أيضاً علي لزوم كون إمام المسلمين مجتهداً في الأحكام الشرعية الماوردي في الأحكام السلطانية [670] ، والتفتازاني [671] ، والباقلاني في التمهيد [672] ، [ صفحه 219] وغيرهم.

ان يكون عادلا غير فاسق

قال البغدادي بعد أن ذكر شرط العدالة في الإمام: وأوجبوا ـ أي أهل السنة ـ من عدالته أن يكون ممن يجوز حكم الحاكم بشهادته، وذلك بأن يكون عدلاً في دينه، مُصلِحاً لماله وحاله، غير مرتكب لكبيرة ولا مُصِرّ علي صغيرة، ولا تارك للمروءة في جل أسبابه [673] . وقال الإيجي: يجب أن يكون عدلاً لئلا يجور. وذكر أنه شرط بالإجماع [674] . ونص علي اشتراط العدالة في إمام المسلمين الماوردي [675] في الأحكام السلطانية، والغزالي في قواعد العقائد [676] ، والتفتازاني في شرح المقاصد [677] ، وغيرهم. إلي غيرها من الصفات التي ذكروها، وفيما ذكرناه كفاية.

حيرة أهل السنة في هذا العصر

عندما نلقي نظرة علي واقع أهل السنة في هذا العصر نجد أنهم لم يبايعوا إماماً واحداً لهم مع وجوبه عليهم، بل مع كونه من أعظم الواجبات كما مرَّ مفصلاً. فلم يبايعوا واحداً من حكام المسلمين المعاصرين ولا غيرهم إماماً لهم. إما لأن الإمام يجب أن يكون قرشيًّا، وجُل حكَّام المسلمين اليوم ليسوا من قريش، والقرشي منهم لم يقم دليل علي إمامته العامة علي كل المسلمين، لا [ صفحه 220] عند أهل السنة ولا عند غيرهم، وإما لعدم توفّر الصفات الأخري فيه.

محاولة لدفع الإشكال وردها

قد يقال: إن أهل السنة في بعض البلاد الإسلامية بايعوا حاكمهم بيعة شرعية صحيحة، وبذلك يكونون قد أدَّوا ما فرضه الله عليهم من مبايعة إمام لهم في هذا الزمان. والجواب: 1 ـ علي فرض حصول بيعة (شرعية) لحاكم من حُكّام المسلمين في بلد ما، فإن باقي أهل السنة في كل البلاد الأخري لم يبايعوا ذلك الحاكم، فإما أن تكون بيعة المبايِعين صحيحة فيجب علي غيرهم متابعتهم فيها، وحيث لم يفعلوا فقد تركوا أهم الواجبات عليهم، وإما أن تكون تلك البيعة باطلة فلا اعتبار بها، فوجودها كعدمها. 2 ـ أن أولئك المبايعين إنما بايعوه علي السمع والطاعة وعلي كونه حاكماً علي بلادهم، لا علي كونه خليفة أو إماماً لكل المسلمين، ولذلك لم نرَ حاكماً معاصراً ادَّعي الخلافة أو الإمامة علي كل المسلمين، والذي يتأدَّي به الفرض هو البيعة علي النحو الثاني لا الأول. 3 ـ أن الخليفة الحق لا تثبت خلافته عندهم إلا بالنص من الله ورسوله، أو بنصّ إمام الحق الذي قبله، أو بالشوري من المسلمين كافة، أو بالقهر والغلبة علي سائر بلاد الإسلام، وشيء من ذلك كله لم يتم لحاكم معاصر كما هو واضح. وتثبت الخلافة أيضاً ببيعة أهل الحل والعقد، وعليه فإن كان أولئك المبايعون هم أهل الحل والعقد [678] فبيعتهم صحيحة، وإلا فلا، ولا تُعْرَف فئة في أهل السنة اليوم موصوفة بهذه الصفة، فحينئذ لا تصح بيعة هؤلاء، ولا تكون [ صفحه 221] مُلزِمة لغيرهم، وتكون مشمولة لقول عمر: فمَن بايع رجلاً علي غير مشورة من المسلمين فلا يُتابَع هو ولا الذي بايعه تغِرَّة أن يُقتَلا [679] . 4 ـ أن مبايعتهم لذلك الحاكم معارَضة بمبايعة غيرهم لحاكم آخر في بلاد أخري من بلاد المسلمين، ولا يصح بيعة خليفتين في عصر واحد، ومع تحقق ذلك فإحدي البيعتين باطلة قطعاً. ثم إن البيعة لا تصح عندهم إلا إذا كان الحاكم قرشياً عادلاً مجتهداً كما مرّ. والحاصل: أن كل أهل السنة لم يبايعوا إماماً واحداً لهم من الحُكّام المعاصرين ولا من غيرهم، وبذلك يكونون قد تركوا واجباً من أعظم الواجبات الشرعية، وتخلفوا عن وظيفة من أهم الوظائف الدينية.

محاولة أخري وردها

وقد يقال أيضاً: إن كل واحد من أهل السنة اتَّبع إماماً من أئمة المسلمين، ومن الواضح المعلوم أن أهل السنة منهم من يتّبع أبا حنيفة النعمان، ومنهم من يتَّبع مالك بن أنس، ومنهم من يتبع محمد بن إدريس الشافعي، ومنهم من يتّبع أحمد بن حنبل، فكل واحد منهم يموت وفي عنقه بيعة لإمام من هؤلاء الأئمة، فلا إشكال عليهم حينئذ. والجواب: 1 ـ أن محل الكلام هو مبايعة الإمام الذي يتولَّي أمور المسلمين ويكون حاكماً له سلطة زمنية علي الناس، وهذا هو الذي أوجبه علماء أهل السنة فيما تقدم من عباراتهم، ودلّت عليه الأحاديث السابقة، وليس محل البحث هو علماء الدين الذين يعمل الناس بفتاواهم، فإن هؤلاء لا تجب مبايعتهم بالاتفاق، بل يجب سؤالهم لمعرفة الأحكام الشرعية لا غير، كما قال جل شأنه [ صفحه 222] (فاسألوا أهل الذِّكْر إن كنتم لا تعلمون) [680] . 2 ـ لم يُفْتِ أحد من أئمة المذاهب الأربعة بوجوب أخذ البيعة له أو لغيره من فقهاء الأمصار، ولم ينقل أحد من أعلام أهل السنة أن البيعة أُخِذَت لهم، لا في عصورهم ولا في العصور المتأخرة عنهم، ولو كانت البيعة لهم واجبة لبيَّنوا ذلك للناس وحثّوهم عليها. 3 ـ أنا قلنا فيما مرَّ أن البيعة هي المعاهدة، وهي لا تتحقق إلا مع الإمام الحي الحاضر، وعليه فلا يمكن مبايعة واحد من الأئمة الماضين، لأنها مفاعلة بين طرفين، والميت لا يعلم ببيعة الحي له ولا تقع منه معاهدة معه علي شيء، وهو واضح لا يحتاج إلي زيادة تفصيل.

محاولة ثالثة وردها

فإن أجابوا عن هذه المسألة بأن إمام المسلمين واحد من العلماء المعاصرين من أهل السنة. فالجواب: 1 ـ ما قلناه فيما تقدّم يأتي هنا أيضاً، فإن محل الكلام في الإمام الذي يتولَّي أمور المسلمين ويكون حاكماً عليهم، وليس الكلام في أئمة العلم، فإن أئمة العلم لا تجب بيعتهم عند أهل السنة. 2 ـ قلنا فيما تقدم أنه يشترط في الإمام أن يكون مجتهداً، وحيث إن أهل السنة قد أغلقوا باب الاجتهاد، وحصروا التقليد في أئمة المذاهب الأربعة، فلا يوجد في علماء أهل السنة في هذا العصر إلا المقلِّدة، ومن يدَّعي الاجتهاد منهم لا يوافقونه علي اجتهاده ولا يسلِّمون له به، فحينئذ لا يصلح واحد منهم لإمامة المسلمين. 3 ـ لو سلَّمنا أن واحداً من العلماء المعاصرين فيه الأهلية للإمامة عندهم، [ صفحه 223] إلا أنه لا يكون إماماً بمجرد كونه أهلاً للإمامة، وذلك لأن علماء أهل السنة أنفسهم اعتبروا أيضاً في إمام المسلمين أن يبايعه أهل الحل والعقد، أو يكون مبسوط اليد علي بلاد المسلمين متسلِّطاً عليها، ولأجل ذلك عدّوا معاوية مثلاً من الخلفاء الاثني عشر الذين بشَّر بهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم كما مرَّ مفصّلا، ولم يعدّوا منهم مَن هو خير منه من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار المعاصرين له الذين لم تكن لهم إمرة، كما لم يعدُّوا منهم غيرهم ممن وصفوهم بأنهم من المبشَّرين بالجنة، كسعد بن أبي وقاص مثلاً. بل لم يعدوا من الخلفاء الاثني عشر علماء الصحابة كابن عباس وابن مسعود وغيرهما، للسبب الذي ذكرناه.

محاولة رابعة وردها

فإن قالوا: إنَّا نسلّم أن أهل السنة تركوا القيام بهذا الفرض فلم يبايعوا إماماً في هذا العصر ولا في العصور المتقدمة التي تلت عصر الخلافة، لكن لا تلزم المعصية والضلالة والموت ميتة جاهلية، وذلك إنما يلزم لو تركوه عن قدرة واختيار لا عن عجز واضطرار [681] . فالجواب: 1 ـ أنَّا لا نسلّم أن أهل السنة عاجزون عن بيعة إمام لهم في هذا العصر، لأن البيعة هي نوع من إظهار الطاعة للحاكم، وهذا مقدور عليه، ويمكن لعلماء أهل السنة أن يرشدوا العوام في جميع البلاد إلي مبايعة من يرونه الأصلح للإمامة من حُكام المسلمين أو من غيرهم. وخوفهم من سخط حُكَّام بلادهم لا يسوّغ لهم ترك بيان فريضة من أهم الفرائض ووظيفة من أعظم الوظائف، لأن أهل السنة لا يرون جواز التقية من الحاكم المسلم، ولهذا عدّوا من فضائل الإمام مالك بن أنس والإمام أحمد بن حنبل وغيرهما الجهر ببيان المعتقد مع ما كان فيه من سخط الخلفاء والوقوع في [ صفحه 224] المحنة. هذا مع أن هناك منابر دولية يُتمكَّن بها من بيان كل عقيدة وإيضاح كل وظيفة بلا أي محذور ولا خوف ولا ضرر، وهذا أمر مقدور للكل أو للأغلب، مع أنَّا لا نري أحداً من أهل السنة قام به. 2 ـ مع الإغماض عن كل ذلك وتسليم أن أهل السنة عاجزون عن مبايعة إمام لهم، فهذا يرفع الإثم والعقاب عنهم، لأن الله جل شأنه لا يكلف الناس بما لا يطيقون، أما أن ميتتهم لا تكون بسبب الاضطرار جاهلية فهذا لا نسلّم به، فإن أهل الفَتْرة ـ الذي عاشوا في الجاهلية وهم لا يعلمون بدين سماوي، وكانوا مستضعفين في الأرض، ولا يفقهون من أمرهم إلا ما يتعلق بمعاشهم ـ فإن هؤلاء لا يُعذَّبون، عملاً بقوله جل شأنه (وما كنا معذِّبين حتي نبعث رسولاً)، مع أنهم لا شك في كونهم ضُلاّلاً، لأن كل من لم يتّبع الحق ـ وإن كان معذوراً ـ فهو ضال. وما نحن فيه كذلك، فإن حديث مسلم نص علي أن كل من لم تكن في عنقه بيعة لإمام فميتته جاهلية، وبإطلاقه يشمل من كان معذوراً لجهل أو اضطرار أو عجز أو غير ذلك. وعلي ضوء ما تقدّم نقول: إن أهل السنة في جميع البلاد الإسلامية إما أن يكون فيهم من هو أهل للإمامة، ومتَّصف بالصفات التي ذكروها، فحينئذ يجب عليهم جميعاً أن يبايعوه إماماً لهم. وإما أن لا يكون فيهم مَن يتَّصف بالصفات المزبوة، فالواجب عليهم حينئذ بيعة رجل منهم يكون إماماً علي جميع المسلمين، ولا يجوز ترك المسلمين من دون إمام بَرّ أو فاجر. هذا ما نصَّ عليه علماؤهم في مصنفاتهم. وأهل السنة في جميع البلدان لم يبايعوا إماماً لهم، فهم بأجمعهم أو [ صفحه 225] أكثرهم مخالفون لفتاوي علمائهم التي دلَّت علي أنه يجب علي المسلمين في كل عصر أن يبايعوا مَن يصلح منهم للإمامة، ومعرضون عن الأحاديث الصحيحة، غير عاملين بمضمونها، وبذلك تكون ميتتهم جاهلية بنص الأحاديث السابقة.

امام العصر هو الإمام محمد بن الحسن العسكري

اشاره

وأما الشيعة الإمامية فقد ذهبوا إلي أن إمام هذا العصر هو المهدي المنتظر الإمام محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام. فهو الإمام الحق علي مسلك الشيعة وعلي مسلك أهل السنة أيضاً. أما علي مسلك الشيعة فتدل علي ذلك أدلة كثيرة، نكتفي ببعضها:

يجب أن يكون الإمام معصوما

الدليل الأول أن إمام المسلمين يجب أن يكون معصوماً. ويدل علي ذلك أمور: 1 ـ أن غير المعصوم لا يوثق بصحة قوله، ويُشَك في نفاذ أمره وحكمه، لاحتمال خطئه ونسيانه وغفلته وجهله وكذبه، فلا يتوجَّه الأمر بطاعته مطلقاً في قوله تعالي (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [682] ، فإن الله سبحانه ساوي بين طاعته جل وعلا وطاعة أولي الأمر ـ وهم الأئمة ـ، وذلك لانتفاء الخطأ في الكل. 2 ـ أن غير المعصوم ظالم لنفسه، لوقوع المعاصي منه، فكل من ارتكب معصية فقد ظلم نفسه علي أقل تقدير، فلا يصلح حينئذ للإمامة، لقوله تعالي (قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) [683] فذِكْر الظالمين بصيغة العموم يشمل مَن ظلم نفسه ومَن ظلم غيره، ومراده بالعهد في الآية هو الإمامة بدليل الكلام المتقدم فيها. [ صفحه 226] 3 ـ أن الإمامة العظمي التي يتوقف عليها بقاء الدين واستقامة أمور المسلمين لا يصح أن تُوكَل إلي إمام يخطئ ويصيب، لأن ذلك يترتب عليه انمحاق الدين وتبدّل الأحكام مع توالي الأئمة وتطاول الأزمنة، ولهذا عصم الله سبحانه أنبياءه ورسله من كل ذلك، لأنهم القائمون بتبليغ الشرائع والأحكام، حياطة للدين، وحفظاً لأحكام شريعة سيد المرسلين. إذا اتّضح ذلك كله نقول: إن إمامة العصر متعيّنة في الإمام المهدي عليه السلام، وذلك لأن المهدي عليه السلام معصوم بنص النبي صلي الله عليه وآله وسلم، إذ قال: «يملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً» [684] ، وذلك لا يتم إلا بعصمته وتمام معرفته بأحكام الدين. قال البرزنجي: وأما عصمة المهدي ففي حكمه [685] . ثم قال: لا يحكم المهدي إلا بما يلقي إليه الملَك من عند الله الذي بعثه إليه يسدِّده، وذلك هو الشرع الحنيفي المحمدي، الذي لو كان محمد صلي الله عليه وسلم حياً ورُفعت إليه تلك النازلة لم يحكم فيها إلا بحكم هذا الإمام... ولذا قال صلي الله عليه وسلم في صفته: «يقفو أثري لا يخطئ» فعرفنا أنه متَّبِع لا مشرِّع وأنه معصوم، ولا معني للمعصوم في الحكم إلا أنه معصوم من الخطأ، فإن حكم الرسول لا يُنسب إلي الخطأ، فإنه لا ينطق عن الهوي، إن هو إلا وحي يوحي [686] . وعليه، فإن قلنا بعصمة الإمام المهدي عليه السلام ووجوده في هذا العصر تعيَّنت إمامته، لأن الأمة أجمعت علي أن غير المهدي في هذا الزمان ليس [ صفحه 227] بمعصوم، وإلا خلا الزمان ممن يصلح للإمامة، وهذا باطل بالاتفاق.

يجب أن يكون منصوصا عليه

الدليل الثاني: أن إمام المسلمين يجب أن يكون منصوصاً عليه ويدل علي ذلك: 1 ـ أنه قد ثبت اشتراط العصمة في الإمام، والعصمة أمر نفساني لا يعلمه الناس، فلا بد من نص العالم بخفايا النفوس وخبايا القلوب جل وعلا. 2 ـ أن ترك التنصيص علي الإمام يفتح باب الخلاف ويفضي إلي النزاع، كما وقع في سقيفة بني ساعدة، واستمر منها الخلاف في الخلافة إلي يومنا هذا، مع أن الله أمر بالأُلفة ونبذ الفرقة، حيث قال (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) [687] وقال: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) [688] ، فلا يصح حينئذ بحال أن يفتح الله للمسلمين باباً واسعاً للفرقة والنزاع، فيوكل اختيار الخليفة إليهم يتنازعون فيه. 3 ـ أن غير النص ـ وهو الشوري ـ في أكثر الأحوال لا يفضي إلي تنصيب الأفضل، لأن اختيار الخليفة كثيراً ما يكون بداعي المصالح الشخصية والمنافع الفردية، أو بباعث الميول النفسية واتباع العصبية. والناس قد ينصرفون عن أفضل رجل في الأمة إذا كان حازماً في الحق، أو قليل المال والأعوان والعشيرة. هذا إذا عرف الناس من هو الأفضل، وربما لا يميِّزونه ولا يشخِّصونه، ولا سيما إذا كان بعيداً عن دائرة الضوء وأماكن الأحداث. وعليه فلا يصح أن يوكل الله سبحانه أمر الإمامة العظمي إلي الناس الذين وصف أكثرهم في كتابه العزيز بأوصاف سيّئة، ونعتهم بنعوت قبيحة، فقال (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) [689] ، (وما أكثر [ صفحه 228] الناس ولو حرصت بمؤمنين) [690] ، (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) [691] ، (وأكثرهم للحق كارهون) [692] . إلي غير ذلك مما لا يحصي كثرة. فلا مناص حينئذ من النص علي الإمام، لأنه سبحانه هو العالم بمصالح خلقه وبأولاهم بالإمامة وأجدرهم بالخلافة. 4 ـ أن الإمامة خلافة لله ورسوله، والإمام خليفة لهما، ولا تكون الخلافة عنهما إلا بقولهما. 5 ـ أن آيات القرآن العزيز قد أوضحت بأجلي بيان أن جعل النبي والإمام والوزير والخليفة موكول إلي الله، ولم نرَ في كتاب الله العزيز آية أشارت إلي أن شيئاً من ذلك موكول إلي الناس. أما جعل الأنبياء فيدل عليه قوله جل وعلا (اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء) [693] ، (ووهبنا له إسحاق ويعقوب وكلاَّ جعلنا نبيًّا) [694] ، (ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب) [695] ، (الله أعلم حيث يجعل رسالته) [696] ، (إنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين) [697] . وأما جعل الخليفة والإمام والوزير فيدل عليه قوله تعالي (يا داود إنَّا [ صفحه 229] جعلناك خليفة في الأرض) [698] ، (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) [699] . وقوله سبحانه (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) [700] ، (قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذرّيتي قال لا ينال عهدي الظالمين) [701] ، (واجعلنا للمتقين إماماً) [702] ،(وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمَّا صبروا) [703] وقوله جل من قائل (واجعل لي وزيراً من أهلي - هارون أخي) [704] . هذه هي سنة الله جل وعلا الجارية في خلقه والثابتة في دينه (سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) [705] . فإذا اتّضح ذلك نقول: إن الإمام المهدي عليه السلام إما أن يكون هو ذلك الإمام المنصوص عليه في هذا الزمان، فيثبت المطلوب. وأما إذا لم نقل بوجوده فضلاً عن النص عليه فقد خلا الزمان ممن يصلح للإمامة، لأن غير الإمام المهدي عليه السلام قد أجمعت الأمة علي أنه غير منصوص عليه، وخلو الزمان من متأهِّل للإمامة باطل بإجماع المسلمين.

اثباته بحديث الثقلين المتقدم

الدليل الثالث حديث الثقلين الذي تقدَّم الكلام فيه مفصلاً، وهو قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: إني تركتُ فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي: الثقلين، [ صفحه 230] أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض. وهو يدل علي لزوم التمسك بإمام صالح للإمامة من أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم، لا يفترق عن كتاب الله في قوله وفعله، ويفهم معاني الكتاب الظاهرة والباطنة، ويعرف الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبيَّن، وهو مع كل ذلك يعمل بما فيه في جميع شؤونه وكافة أحواله، لا يحيد عنه ولا يميل إلي سواه، كما مرَّ ذلك مفصّلاً. وعليه، فلا بد أن يكون الإمام المهدي عليه السلام موجوداً في هذا العصر، وهو المتعين للإمامة، لأنه أهل للتمسك به، وغيره قد أجمعت الأمة علي أنه يفترق عن القرآن قولاً وعملاً، لعدم عصمته، وإلا فلا يوجد من يصلح للإمامة من أهل البيت النبوي وغيرهم في هذا الزمان وهو باطل بالاتفاق. هذا كله علي مسلك الشيعة الإمامية، وأما علي مسلك أهل السنة، فأيضاً يكون إمام العصر هو الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، وتقريب ذلك يتم بعدة وجوه:

انه من قريش و عادل و أعلم من سائر المجتهدين

1 ـ أنه من قريش لكونه من ذرية النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وعادل لقوله صلي الله عليه وآله وسلم: يملؤها قسطاً وعدلاً، وهو أعلم من سائر المجتهدين، لأنه يحكم في كل واقعة بحكم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وغيره ليس كذلك كما مرَّ. فإذا سلَّم الخصم بأنه عليه السلام هو إمام العصر فقد ثبت المطلوب، وإلا فقد خلا الزمان من صالح للإمامة، لأن أهل السنة وغيرهم ليس فيهم صالح للإمامة قائم بها، والشيعة لا يرون أحداً صالحاً للإمامة غير الإمام المهدي عليه السلام، وخلو الزمان من صالح للإمامة باطل كما تقدم.

نفيه يستلزم وقوع المسلمين جميعا في الإثم

2 ـ لو لم يكن الإمام المهدي عليه السلام هو إمام هذا العصر لكان جميع [ صفحه 231] المسلمين آثمين بتركهم هذا الفرض، فتكون الأمَّة المرحومة قد اجتمعت علي خطأ وضلال، وهذا باطل، لقوله صلي الله عليه وآله وسلم: لا تجتمع أمتي علي ضلالة أو خطأ [706] .

شبهة و جوابها، و ذكر من اعترف بوجود الإمام المهدي من علماء أهل السنة

اشاره

شبهة وجوابها فإن قال قائل: إن الإمام المهدي ليس بمولود ولا موجود، وإنما سيولد في آخر الزمان، وليس هو محمد بن الحسن العسكري كما تزعم الشيعة. والجواب: 1 ـ أن جمعاً من علماء أهل السنة قد اعترفوا بأن المهدي الموعود هو محمدبن الحسن العسكري عليه السلام، وأنه باقٍ إلي الآن. ومع أن هذا المعتقد مخالف لما عليه أكثر علماء أهل السنة إلا أن هؤلاء رأوه مذهباً حقاً يعتنقونه ويذبّون عنه، فذكروه في مصنفاتهم التي صحت نسبتها إليهم. ومن هؤلاء المذكورين: 1 ـ محمد بن طلحة الشافعي [707] (582 ـ 652 هـ): ذكر ذلك في كتابه (مطالب السَّؤول) في الباب الثاني عشر. [ صفحه 232] 2 ـ محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي [708] (ت 658هـ): ذكر ذلك في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان) في الباب الأخير منه، في الدلالة علي جواز بقاء المهدي عليه السلام منذ غيبته. 3 ـ علي بن محمد المشهور بابن الصباغ المالكي [709] (784 ـ 855هـ): ذكر ذلك في كتابه (الفصول المهمة) في الفصل الثاني عشر منه [710] . 4 ـ سبط ابن الجوزي [711] (581 ـ 654 هـ): ذكر ذلك في كتابه (تذكرة الخواص) في الفصل المعقود للإمام المهدي عليه السلام [712] . 5 ـ عبد الوهاب الشعراني [713] (898 ـ 973هـ): ذكر ذلك في الباب الخامس والستين من الجزء الثاني من كتابه (اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر)، وسنذكر قريباً عبارته بنصّها [714] . 6 ـ محي الدين بن عربي [715] (560 ـ 638هـ): ذكر ذلك في الباب السادس [ صفحه 233] والستين وثلاثمائة من كتابه (الفتوحات المكية). 7 ـ صلاح الدين الصفدي [716] (696 ـ 764 هـ): ذكر ذلك في كتابه شرح الدائرة [717] . 8 ـ محمد بن علي بن طولون [718] (880 ـ 953هـ): نص علي ذلك في كتابه (الأئمة الاثنا عشر) في أبيات ساقها فيه من نظمه، وهي: عليكَ بالأئمةِ الاثنـي عشـــرْ من آل بيتِ المصطفي خيرِ البشرْ أبو ترابٍ، حسنٌ، حسيـــنُ وبُغضُ زينِ العابديـنَ شَيْـــنُ محمدُ الباقِرُ كــم عِلــمٍ دري والصادقَ ادْعُ جعفـراً بين الوري موسي هو الكاظمُ وابنُه علــي لقِّبْه بالرضا وقَــدْرُه علـــي محمـدُ التقــيُّ قلبُه معمــورُ علـيٌّ النقــيُّ دُرُّه منثـــورُ والعسكريُّ الحسنُ المطهَّـــرُ محمدُ المهديُّ سوف يظهــرُ [719] . وقد ذكر الميرزا حسين النوري قدس الله نفسه في كتابه «كشف الأستار» أسماء أربعين من علماء أهل السنة الذين عثر علي بعض كتبهم التي يعترفون فيها بأن الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام هو المهدي المنتظر، مع اعترافه قدس سره بقلة المصادر التي لديه وكثرة كتب علماء أهل السنة وتفرقها في البلدان، ولعل من وقف علي أكثرها يجد أضعاف [ صفحه 234] هذا العدد [720] .

اعتراف بعض علماء أهل السنة برؤيته

2 ـ أن بعض علماء أهل السنة اعترف برؤية الإمام المهدي ولقائه. قال عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر) بعد كلام طويل:... إلي أن يصير الدين غريباً كما بدأ... فهناك يُترقَّب خروج المهدي عليه السلام، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين هجرية، وهو باقٍ إلي أن يجتمع بعيسي بن مريم عليه السلام... هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي [721] ... عن الإمام المهدي حين اجتمع به، ووافقه علي ذلك سيدي علي الخواص [722] . والنتيجة: أن الإمام المهدي عليه السلام هو إمام هذا العصر علي كلا المسلكين: مسلك الشيعة ومسلك أهل السنة. وأما الإشكالات التي ذكروها في هذه المسألة المتعلّقة بطول عمره عليه السلام، وبالفائدة منه حال غيبته وغير ذلك، فقد أجاب عنها علماؤنا الأعلام في مصنفاتهم بما يقطع ألسن المخالفين ويخمد تشويش المشوشين، والمقام لا يقتضي ذِكرها هنا، فراجعها في مظانِّها [723] . إذا اتضح كل ما تقدم نقول: إن أهل السنة إما أن يردُّوا أقوال علمائهم، ويُسقطوا اعتبار إجماعاتهم، ويطرحوا حديث: «من مات وليس في عنقه بيعة» المروي في [ صفحه 235] صحيح مسلم وغيره ويرفضوه، فيلزمهم إعادة النظر في كل إجماعاتهم والتحقق من صحة مستندها، كما يلزمهم القول بأن صحيح مسلم فيه أحاديث باطلة. وإما أن يَرَوا صحّة إجماعاتهم وصحّة أحاديث صحيح مسلم فيلزمهم حينئذ أمران: الأول: أن يبحثوا عن إمام زمانهم الذي ثبتت إمامته عندهم في هذا العصر علي جميع المسلمين ويبايعوه، وإلا فهُم مقصِّرون في القيام بأهم الوظائف الشرعية والواجبات الدينية. والثاني: أن يعتقدوا أن كل مَن كان علي مذهب أهل السنة في هذا العصر وفي العصور المتأخرة التي لم يبايعوا فيها إماماً واحداً لهم، كلهم ماتوا ميتة جاهلية، وأنهم كانوا مخطئين بتركهم واجباً من أعظم الواجبات الدينية، ووظيفة من أهم الوظائف الشرعية. (وكذَّب به قومك وهو الحق، قل لست عليكم بوكيل) الأنعام: 66

ما هي الفرقة الناجية؟

تمهيد لقد جاءت الأحاديث الصحيحة المروية عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم منذرة بافتراق الأمة إلي فِرَق كثيرة، وتشعّبها إلي طوائف مختلفة، كلها في النار إلا واحدة. وقد وقع ما أخبر به الصادق الأمين صلي الله عليه وآله وسلم، فافترقت هذه الأمة إلي فِرَق كثيرة يكفِّر بعضها بعضاً، ويستحل بعضها دم بعض. وصارت كل فرقة تدَّعي أنها هي الفرقة المُحِقَّة، وأن أتْبَاعها هم الناجون دون غيرهم من طوائف الأمة، وغدت كل طائفة تنافح في إثبات ذلك بكل ما أُوتيت من جهد وقوة، فاختُلقَت الأحاديث الكثيرة التي تنتصر بها كل فرقة علي غيرها من الفِرَق، وأُلِّفَت كثير من الكتب المملوءة بالأحاديث الموضوعة المكذوبة علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وصارت كل فرقة تحتج علي غيرها بأقوال تنسبها للنبي صلي الله عليه وآله وسلم، فزادت الفتنة، وعظمت المحنة، وخفي الحق، وانتشر الباطل، وصار الناس في ظلمة عمياء، إذا أخرج المرء فيها يده لم يكد يراها. إلا أن الحق لا تختفي أنواره، ولا تندثر آثاره، فأعلامه لائحه، ودلائله واضحة، فإن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة تصدح بالحق وتصدع بالهدي، إلا أن مبتغي الحق يلزمه ألا يتعصّب للمخلوقين، وأن يجانب هواه، وأن يفر من عبادة السادة والكبراء، وينأي عن تقليد الأجداد والآباء. [ صفحه 237] فإنه إن تجرّد من كل ذلك، وتمسَّك بآيات الكتب العزيز وبالآثار الصحيحة المروية عن سيد الأنام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أدرك الحق ووصل إليه، ونال مبتغاه، وحصل علي ما يتمنَّاه، فإن الوصول إلي الحق هو غاية الغايات ومنتهي الطلبات، وهو منية كل طالب، ورغبة كل راغب. فاللازم إذن هو معرفة الفرقة الناجية والطائفة المحِقَّة من كل تلك الطوائف، فما هي هذه الفرقة؟ إن المباحث الآتية ستتكفّل ببيان جواب هذا السؤال، ونحن قد مهَّدنا لمعرفة الفرقة الناجية بالأبحاث المتقدمة، وسنحيل القارئ الكريم إلي ما سبق بيانه فيما مرَّ كلما دعت الحاجة إلي ذلك، فبه سبحانه نستعين فنقول:

احاديث اختلاف الأمة

أحاديث افتراق الأمة وردت في كتب الحديث بطرق كثيرة، رواها جمع كبير من أعلام أهل السنة في كتبهم: كالترمذي وأبي داود وابن ماجة وأحمد والحاكم والهيثمي وابن حجر والذهبي والسيوطي وغيرهم. وصحّحها كثير من حفاظ الحديث عند أهل السنة كما سنبيّنه قريباً إن شاء الله تعالي. ورواها عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم طائفة من الصحابة: كأمير المؤمنين عليه السلام، وأبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، ومعاوية، وسعدبن أبي وقاص، وغيرهم. وجاءت بألفاظ مختلفة، إلا أنها كلها تؤدي معني واحداً، وإليك بعضاً منها:

بعض ألفاظ الحديث

1 ـ أخرج الترمذي ـ واللفظ له ـ وأبو داود وابن ماجة والحاكم وأحمدبن حنبل والدارمي وابن حبان وابن أبي عاصم والسيوطي وغيرهم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: تفرّقت اليهود علي إحدي وسبعين فرقة، [ صفحه 238] أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصاري مثل ذلك، وتفترق أمّتي علي ثلاث وسبعين فرقة [724] . 2 ـ وأخرج الترمذي والحاكم وغيرهما عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ليأتين علي أمتي ما أتي علي بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتي إن كان منهم مَن أتي أُمَّه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرَّقت علي اثنتين وسبعين ملّة، وتفترق أمتي علي ثلاث وسبعين ملّة، كلهم في النار إلا ملّة واحدة. قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي [725] . وعند الحاكم: قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي. 3 ـ وأخرج أبو داود وابن ماجة وأحمد والهيثمي وابن أبي عاصم والسيوطي وابن حجر والتبريزي والألباني وغيرهم عن معاوية وغيره، قال: ألا إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قام فينا فقال: ألا إن مَن قبلكم مِن أهل الكتاب افترقوا علي ثنتين وسبعين ملّة، وإن هذه الملّة ستفترق علي ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة [726] . [ صفحه 239] إلي غير ذلك من الأحاديث المتقاربة في اللفظ والمعني مع ما ذكرناه.

كل حزب بما لديهم فرحون

لقد ادَّعت كل طائفة أنها هي الفرقة الناجية دون غيرها، فكثر الأخذ والرد بين علماء الطوائف، وساقت كل طائفة ما عندها من الأدلة. ومن المعلوم أنه لا يمكن قبول كلام كل الطوائف في هذه المسألة، لأنه يستلزم تكذيب الأحاديث الصحيحة السابقة التي نصَّت علي أن الناجية هي واحدة من كل الفِرق، ثم إن اعتقاد ذلك يؤدي إلي الوقوع في اعتقاد المتناقضات، فنعتقد أن أهل السنة هم الناجون دون غيرهم، والمعتزلة والخوارج والشيعة وغيرهم كذلك، وهذا واضح الفساد. وعليه، فلا بد من النظر في الأدلة وتمحيصها، والأخذ بالحُجج القطعية، وطرح الادعاءات الواهية التي لا تستند إلي شيء، فإنها لا قيمة لها ولا فائدة فيها. ولنضرب أنموذجين لبعض استدلالات أهل السنة علي أنهم هم الفرقة الناجية، ليري القارئ العزيز كيف تمسّك بعضهم بما لا ينفع، وتشبّث بما لا يفيد: الأول: ما ذكره الإيجي في المواقف، حيث قال: وأما الفرقة المستثناة الذين قال فيهم: «هم الذين علي ما أنا عليه وأصحابي»، فهم الأشاعرةوالسلف من المحدّثين وأهل السنة والجماعة، ومذهبهم خال من بِدَع هؤلاء... [ صفحه 240] ثم ساق عقائد أهل السنة [727] . وهذا الدليل كما تري ركيك ضعيف، فإن كل الفِرَق تدّعي أنها علي ما كان عليه النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأصحابه، وأن مذاهبهم خالية من البِدَع. هذا مع أننا ذكرنا في ما تقدَّم كثيراً من البِدَع التي اتَّبع فيها أهل السنة خلفاءهم، وقد فصَّلنا ذلك في الفصل الخامس، فراجعه. ثم إن الأشاعرة وأهل السنة وأهل الحديث الذين ذكر أنهم هم الناجون هم أكثر من فرقة [728] . والعجيب أن الإيجي نفسه ذكر الأشعرية من ضمن الفِرَق الضالة قبل هذا الكلام بصفحة، فإنه قال أولاً: اعلم أن كبار الفِرَق الإسلامية ثمانية: المعتزلة، والشيعة، والخوارج، والمرجئة، والنجارية، والجبرية، والمشبِّهة، والناجية [729] . ثم قال: الفرقة السادسة: الجبرية، والجبر إسناد فعل العبد إلي الله، والجبرية متوسّطة تثبت للعبد كسباً كالأشعرية، وخالصة لا تثبته كالجهمية... [730] . ثم قال: فهذه هي الفرق الضالّة الذين قال فيهم رسول الله: كلّهم في النار. [ صفحه 241] فكيف عدَّ الأشاعرة بعد ذلك من الفرقة الناجية؟ ثم إن ما ساقه الإيجي من عقائد أهل السُّنّة فيه من الباطل ما فيه، ومنه قوله: إن الله تعالي يراه المؤمنون يوم القيامة. مع أن ذلك خلاف نص الكتاب العزيز في قوله سبحانه (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) [731] ، ولسنا هنا بصدد بيانه. ومنه قوله: لا غرض لفعله سبحانه. وهو خلاف قوله تعالي (أَفَحَسِبْتم أَنَّما خَلَقْنَاكُم عَبَثًا) [732] ، وقوله تعالي (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وقوله (الذي خَلَقَ المَوْتَ والحياة لِيَبْلُوَكُم أَيُّكُم أَحْسَن عَمَلاً وهو العزيز الغفور) [733] ، وغير هذه الآيات في كتاب الله كثير. وقوله: إن الإمام الحق بعد رسول الله أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، والأفضلية بهذا الترتيب. وهذا قد بيَّنَّا فساده في الفصل الثاني من هذا الكتاب فراجعه. إلي غير ذلك من مواقع الخلل في كلامه، فكيف يكون أهل السنة هم الفرقة الناجية بهذه الأدلة الواهية؟ الثاني: ما ذكره المناوي في فيض القدير، فإنه قال بعد أن ذكر أن الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة: فإن قيل: ما وثوقك بأن تلك الفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة، مع أن كل واحدة من الفرق تزعم أنها هي دون غيرها؟ قلنا: ليس ذلك بالادّعاء والتشبث باستعمال الوهم القاصر والقول [ صفحه 242] الزاعم، بل بالنقل عن جهابذة هذه الصنعة وأئمة أهل الحديث، الذين جمعوا صحاح الأحاديث في أمر المصطفي صلي الله عليه وسلم وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته، وأحوال الصحب والتابعين، كالشيخين وغيرهما من الثقات، الذين اتفق أهل المشرق والمغرب علي صحة ما في كتبهم، وتكفّل باستنباط معانيها وكشف مشكلاتها كالخطابي والبغوي والنووي جزاهم الله خيراً، ثم بعد النقل يُنظَر من تمسّك بهديهم، واقتفي أثرهم، واهتدي بسيرتهم في الأصول والفروع، فيُحكم بأنهم هم [734] . وأقول: هذا الدليل في ركاكته كسابقه، فإن كل الفِرَق تزعم أنها جمعت الآثار الصحيحة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته بالنقل الصحيح عن جهابذة الحديث وأئمة الدين... إلي آخره. وكل الفِرَق تدّعي أنها تقتفي آثار الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وتتمسّك بأحكامه المنقولة عنه بالنقل الثابت الصحيح. إلا أن هذه كلها دعاوي فارغة لا قيمة لها كما قلنا. وقوله: (بالنقل عن جهابذة هذه الصنعة... كالشيخين وغيرهما من الثقات الذي اتفق أهل المشرق والمغرب علي صحة ما في كتبهم) ادّعاء فاسد، فإن الشيعة مثلاً لا يصحِّحون أسانيد أكثر تلك الأحاديث ولا يعتدّون بها، وإجماع أهل السنة علي صحة تلك الأحاديث التي جمعها حفّاظ الأحاديث عندهم لا يعني إجماع كل الأمة علي ذلك فضلاً عن إجماع أهل المشرق والمغرب. وقوله: (ثم بعد النقل يُنظَر من تمسّك بهديهم [735] ، واقتفي أثرهم، واهتدي بسيرتهم في الأصول والفروع، فيُحكم بأنهم هم) لم يبيِّن فيه أن أهل السنة هم الذين تمسّكوا بهدي الصحابة والتابعين، بل علّق الحكم بالنجاة علي [ صفحه 243] النظر. ومجموع كلامه لا يدل علي أكثر من أن أهل السنة جمعوا الأحاديث الصحيحة فقط، أما أنهم عملوا بها أم لا، فهذا لم يثبته كما هو واضح. ثم إن المطلوب هو التمسك بهدي النبي صلي الله عليه وآله وسلم واتباع مَن أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم باتباعه، لا اتِّباع مَن رأي الناس لأنفسهم اتباعه. هذان أنموذجان من استدلالاتهم علي نجاتهم، وهما كغيرهما من أدلتهم دعاوي مجرّدة، وأدلّة ملفّقة، لا تستند إلي حجّة صحيحة ولا إلي برهان مستقيم. وهذا واضح جلي عند كل من تتبع كلماتهم ونظر في كتبهم.

الشيعة الإمامية هم الفرقة الناجية

اشاره

إن كل عالم منصف يري أن الأدلة القطعية تأخذ بالأعناق إلي اتّباع مذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام، دون غيره من المذاهب، والأحاديث الصحيحة دلَّت بأجلي بيان علي ما عليه الشيعة الإمامية. ولنا أن نستدل علي حقِّيَّة مذهب الشيعة الإمامية بعدة أدلة:

الدليل 01

أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أخبر الأمّة بأن النجاة منحصرة في التمسّك بالكتاب وأهل البيت عليهم السلام بقوله صلي الله عليه وآله وسلم: إني تارك فيك ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتي يرِدا عليَّ الحوض. ولا ريب في أن أهل السنة والمعتزلة والخوارج وغيرهم من الطوائف لم يتمسَّكوا بأهل البيت عليهم السلام، فوجب بمقتضي الحديث وقوعهم في الضلال، وأما الشيعة الإمامية فاتَّبعوهم واتّخذوهم أئمة، فكانوا بذلك هم الناجين دون غيرهم. وقد أشبعنا الكلام في حديث الثقلين وطرقه وبيان صحة سنده في الفصل الثالث، فراجعه. [ صفحه 244]

الدليل 02

أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أخبر في أحاديث صحيحة مرَّ بيانها في الفصل الأول من هذا الكتاب أن الخلفاء الذين يكون الدين بهم قائماَ وعزيزاً ومنيعاً وأمر الناس بهم صالحاً هم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش. وأخبر صلي الله عليه وآله وسلم في حديث الثقلين أن الواجب علي الأمّة هو اتباع أهل البيت عليهم السلام والتمسّك بهم لئلا تقع في الضلال، فبضم هذه الأحاديث إلي تلك يُعلم أن الخلفاء الاثني عشر لا بد أن يكونوا من أهل البيت عليهم السلام. ونحن نظرنا في المذاهب فلم نجد طائفة تعتقد باثني عشر إماماً فقط، سواء كانوا من أهل البيت أم من غيرهم، إلا الشيعة الإمامية. فبهذا يكونون هم الناجين دون غيرهم.

الدليل 03

أنا قد بيَّنَّا في الفصل السادس أن أهل السنة في هذا العصر وما قبله وغيرهم لم يبايعوا إماماً واحداً لهم، مع أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد نَصَّ علي أن مَن مات وليس في عنقه بيعة فميتته جاهلية، فتكون كل الطوائف مشمولة بهذا الحديث، فلا يمكن أن يكونوا ناجين وهم موصوفون بهذه الصفة. وأما الشيعة الإمامية فلهم إمام واحد معصوم منصوص عليه كما مرَّ في الفصل السادس مفصَّلاً، فبذلك يكونون هم الناجين دون غيرهم.

الدليل 04

أن أحكام الشريعة عند أهل السنة اعتراها التغيير والتبديل، فلم يبق منها شيء كما كان علي عهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وقد مرَّ تفصيل ذلك في الفصل الخامس، فحينئذ لا يمكن أن يكونوا هم الناجين وشرائع دينهم محرَّفة، فيكون الناجون هم الشيعة الإمامية، لاتفاق السنة والشيعة علي أن غير هاتين الطائفتين ليس بناج، فإذا انتفت نجاة إحداهما ثبتت نجاة الأخري. [ صفحه 245]

الدليل 05

أن خلافة أبي بكر وعمر التي ارتكز عليها مذهب أهل السنة لم نعثر علي دليل واحد يصحِّحها كما أوضحناه في الفصل الثاني، وحيث أن أساس الخلاف بين مذهب الشيعة وأهل السنة هو مسألة الخلافة، وأن كلاً من المذهبين قائم علي ما أسَّسه في مسألة الإمامة، فإذا ثبت بطلان خلافة أبي بكر وعمر، فلا مناص حينئذ من ثبوت بطلان مذهب أهل السنة المبتني عليهما، فيثبت صحة مذهب الإمامية لعين ما قلناه في الدليل الرابع.

الدليل 06

أن الأحاديث التي رواها أهل السنة صرَّحت بنجاة الشيعة، بينما لم يرووا في كتبهم أحاديث تدل علي نجاتهم هم. ومن تلك الأحاديث ما رووه عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: عليٌّ وشيعته هم الفائزون يوم القيامة. وأخرج السيوطي في الدر المنثور والشوكاني في فتح القدير عن ابن عساكر، قال: عن جابر بن عبد الله قال: كنّا عند النبي صلي الله عليه وسلم فأقبل علي، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لَهُم الفائزون يوم القيامة. ونزلت (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البَرِيَّة)، فكان أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم إذا أقبل علي قالوا: جاء خير البَرِيَّة [736] . وعن ابن عباس قال: لما نزلت (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البَرِيَّة) قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لعلي: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين [737] . وعن علي عليه السلام قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم: ألم تسمع قول الله [ صفحه 246] (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البَرِيَّة) أنت وشيعتك. وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جاءت الأمم للحساب تُدعَون غُرَّاً محجَّلين [738] . وأخرج الطبري في تفسير الآية المذكورة عن محمد بن علي: (أولئك هم خير البرية) فقال النبي صلي الله عليه وسلم: أنت يا علي وشيعتك [739] . وعنه صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: يا علي، إنك ستقدم علي الله وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم عليه عدوّك غضاب مُقمَّحين [740] . وقال صلي الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: أنت وشيعتك ترِدُون عليَّ الحوض [741] . وقال: أنت وشيعتك في الجنة [742] . قال صلي الله عليه وآله وسلم أيضاً: إن أول أربعة يدخلون الجنة: أنا وأنت والحسن والحسين، وذرارينا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرارينا، وشيعتنا خلف أيماننا وشمائلنا [743] . إلي غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تؤدّي هذا المعني.

الدليل 07

أن الشيعة اتّبعوا أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهم مضافاً إلي دلالة [ صفحه 247] الأحاديث الصحيحة علي لزوم اتّباعهم، فقد وقع الاتفاق علي صلاحهم ونجاتهم، وحسن سيرتهم، وطيب سريرتهم، وأما أهل السنّة فاتَّبعوا أئمتهم الذين لم يرِد في جواز اتّباعهم نصّ، ولم يُتَّفَق علي نجاتهم وصلاحهم، بل إنهم رووا الأحاديث الصريحة في الطعن فيهم [744] . ولا ريب في أن الواجب هو اتّباع المتَّفَق علي صلاحه، دون المختَلَف فيه الذي قَدَح فيه أولياؤه وأعداؤه. فحينئذ يكون الشيعة الإمامية هم الناجين دون غيرهم، لأنهم اتَّبعوا مَن يجب اتّباعه دون أهل السنّة وغيرهم.

الدليل 08

أن أئمة أهل السنّة غير مستيقنين بإيمانهم وبنجاتهم، وأما أئمة أهل البيت عليهم السلام فهم جازمون بذلك غير شاكين فيه. ولا شك في أن اتّباع الجازم بذلك هو المتعيِّن، دون اتّباع غيره. وبذلك يكون الشيعة الإمامية هم الناجين دون غيرهم، لاتّباعهم من يتعيَّن اتّباعه. أما أن أئمة أهل السنة غير جازمين بنجاتهم فيدل عليه كثير من الآثار المروية عنهم في ذلك: ومن ذلك ما رووه في احتضار أبي بكر أنه قال: وددتُ أني خضرة [ صفحه 248] تأكلني الدواب [745] . وقال عمر في احتضاره: لو أن لي الدنيا وما فيها لافتديتُ بها من النار وإن لم أرَها [746] . وقال أيضاً حينئذ: لو أن لي الدنيا وما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر [747] وفي بعضها: لافتديت به من هول المطَّلع [748] . وقال وقد أخذ تِبْنة من الأرض: ليتني كنت هذه التِّبْنة، ليتني لم أُخلَق، ليت أمّي لم تلدني، ليتني لم أكُ شيئاً، ليتني كنت نسياً منسياً [749] . وما قاله عمر وقت احتضاره غير هذا كثير، فراجعه في مظانّه [750] . بينما رووا أن علياً عليه السلام لما ضربه ابن ملجم قال: فزتُ وربّ الكعبة [751] . ثم إن عمر كان يسأل حذيفة بن اليمان هل ذُكر في المنافقين أم لا [752] . قال الغزالي بعد أن ساق جملة من الأخبار الواردة في النفاق: فهذه [ صفحه 249] الأخبار والآثار تُعرِّفك خطر الأمر بسبب دقائق النفاق والشرك الخفي، وأنه لا يؤمَن منه، حتي كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل حذيفة عن نفسه وأنه هل ذُكِر في المنافقين [753] . وأخرج أحمد في المسند، والهيثمي في مجمع الزوائد عن أم سلمة قالت: قال النبي صلي الله عليه وسلم: مِن أصحابي مَن لا أراه ولا يراني بعد أن أموت أبداً. قال: فبلغ ذلك عمر فأتاها يشتد أو يسرع، فقال: أنشدك الله، أنا منهم؟ قالت: لا، ولا أبرّئ بعدك أحداً أبداً [754] . ثم إن أئمتهم اتفقوا علي أن الرجل إذا سُئل: «هل أنت مؤمن؟» فلا يجوز له أن يقول: «نعم»، بل يقول: «أنا مؤمن إن شاء الله». أو يقول: «ما أدري أنا عند الله عز وجل شقي أم سعيد، أمقبول العمل أم لا». أو يقول: «أرجو إن شاء الله» [755] . وعن قتادة أن عمر بن الخطاب قال: مَن زعم أنه مؤمن فهو كافر، ومن زعم أنه في الجنة فهو في النار [756] . قال ابن بطة الحنبلي: فمن صفة أهل العقل والعلم أن يقول الرجل: أنا مؤمن إن شاء الله [757] . [ صفحه 250] وأخرج ابن بطة عن أحمد بن حنبل قال: حدّثني علي بن بحر، قال: سمعت جرير بن عبد الحميد يقول: كان الأعمش ومنصور ومغيرة وليث وعطاء بن السائب وإسماعيل بن أبي خالد وعمارة بن القعقاع، والعلاء بن المسيب، وابن شبرمة، وسفيان الثوري، وأبو يحيي صاحب الحسن وحمزة الزيات، يقولون: «نحن مؤمنون إن شاء الله»، ويعيبون مَن لا يستثني [758] . وهذا كله ناشئ من شكّهم في أنهم مؤمنون كما لا يخفي، مع أن الإيمان لا بد أن يكون عن جزم ويقين، ولا يكون بالشك والظن والتخمين. وقال ابن بطة: ولكن الاستثناء يصح من وجهين: أحدهما: نفي التزكية، لئلا يشهد الإنسان علي نفسه بحقائق الإيمان وكوامله... ويصح الاستثناء من وجه آخر يقع علي مستقبل الأعمال ومستأنف الأفعال، وعلي الخاتمة، وبقية الأعمال، ويريد أني مؤمن إن ختم الله لي بأعمال المؤمنين، وإن كنت عند الله مثبتاً في ديوان أهل الإيمان، وإن كان ما أنا عليه من أفعال المؤمنين أمراً يدوم لي ويبقي عليَّ حتي ألقي الله، و لا أدري هل أصبح وأمسي علي الإيمان أم لا... فأنت لا يجوز لك إن كنت ممن يؤمن بالله وتعلم أن قلبك بيده، يصرفه كيف شاء، أن تقول قولاً جزماً حتماً: إني أصبح غداً كافراً ولا منافقاً. إلا أن تصل كلامك بالاستثناء، فتقول: إن شاء الله. فهكذا أوصاف العقلاء من المؤمنين [759] . أقول: هذا عين الشك في الإيمان، لأن مورد النزاع هو هل أنا الآن متَّصف بالإيمان أم لا، وهذا أمر وجداني يشعر به كل مؤمن، ويدرك في نفسه أنه معتقد بالحق جازم به، وأما ما يكون في مستقبل الأيام فلا علم لنا به، فلا ينبغي لمؤمن أن يقول: «أنا سأبقي مؤمناً إلي ما بعد سنة»، لأن هذا أمر غيبي لا نجزم به، ولا طريق لنا إلي معرفته، فلا يصح هذا القول من هذه الجهة [ صفحه 251] إلا بالاستثناء، وليس هذا موضع نزاعنا. وقولي: «إني مؤمن» لا تزكية فيه للنفس، بل هو إخبار عن واقع صحيح باعتقادي، وإنما يكون تزكية إذا ادّعيت أني كامل الإيمان وفي أعلي مراتبه، لأن الإيمان مراتب ودرجات. ولِمَ لا يكون قولي ذلك من باب التحدّث بنعمة الله تعالي إذ أنعم علينا بنعمة الإيمان، وربما يكون عدم جزمي بذلك نوعاً من الجحود. ثم إن الله تعالي حكي عن موسي عليه السلام ذلك، فقال عز من قائل (وَخَرَّ مُوسَي صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قال سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِليكَ وَأَنَا أَوَّلُ المؤمنين) [760] . وحكاه عن السَّحَرة الذين آمنوا بموسي فقال جل شأنه (قال آمنتم له قبل أن آذَن لكم إنه لكبيركم الذي علَّمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعَنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلّبنّكم أجمعين - قالوا لا ضير إنَّا إلي ربِّنا منقلبون - إنا نطمع أن يغفر لنا ربُّنا خطايانا أَنْ كنَّا أول المؤمنين) [761] .

الدليل 09

أن مذهب الشيعة الإمامية هو المذهب الخالص عن الأباطيل في الفروع والأصول، وقد مرَّت بك نماذج كثيرة من أقوال أصحاب المذاهب وفتاواهم، وهي قليل من كثير عثرنا عليه، وما لم نعثر عليه أكثر، بسبب قلة المصادر لدينا، وكثرة كتب أهل السنة وتفرّقها في البلدان، وكثرة المشاغل، وضيق الأوقات، وخشية ملالة القرَّاء، وغير ذلك. وأما عقائد الإمامية فهي خالية عن كل ذلك. [ صفحه 252] ولا بأس أن نذكرها مجملة، فنقول في بيانها علي نحو الإجمال: إن الشيعة الإمامية يعتقدون أن الله سبحانه هو المخصوص بالأزلية والقِدَم، وكل ما سواه مخلوق مُحدَث، وأنه واحد وليس بمركَّب، لأنه لو كان مركباً لاحتاج إلي أجزائه، ولكان مسبوقاً بها، فيكون حينئذ مُحدَثاً، كما أنه تعالي ليس بجسم ولا جوهر ولا عَرض ولا يحويه مكان ولا في جهة، وإلا لكان مُحدَثاً مخلوقاً، وليس له شبيه ولا نظير ولا نِد ولا مثيل. ويعتقدون أنه تعالي قادر علي جميع المقدورات، وأنه لا يعجزه شيء وهو علي كل شيء قدير، وأنه عَدْل حكيم لا يظلم أحداً، ولا يقع منه القبيح، ولا يفعل إلا لحكمة وغرض، ولولا ذلك لكان جاهلاً أو محتاجاً أو عاجزاً أو عابِثاً تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً. ويعتقدون أيضاً أنه تعالي لا يُري ولا يُدرَك بالحواس، لا في الدنيا ولا في الآخرة، لقوله تعالي (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) [762] . ويعتقدون أنه تعالي لا يعذِّب الأنبياء علي طاعتهم، ولا يثيب إبليس علي معصيته، ولا يكلِّف الناس بما لا يطيقون، ولا يؤاخذهم بما لا يعلمون. وأما الأشاعرة والحنابلة فاعتقدوا أن لله يدين ورجلين يضعهما في النار فتقول: (قَط قَط)، ويكون في صورة خاصة، يراه الناس يوم القيامة، فلا يعرفونه إلا بكشف ساقه وسجود الأنبياء له. وأنه تعالي ينزل كل ليلة جمعة إلي سماء الدنيا، فينادي: هل من تائب فأتوب عليه، وهل من مستغفر فأغفرُ له. وأن له أن يعذِّب الأنبياء والمؤمنين ويدخلهم النار، ويثيب العصاة والمنافقين وإبليس ويدخلهم الجنة، لأنه لا يُسأل عما يفعل وهم يُسأَلون. ثم إن الشيعة الإمامية يعتقدون أن أنبياء الله عامة ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خاصة معصومون عن الخطأ والسهو والمعصية: صغيرها وكبيرها، من أول [ صفحه 253] العمر إلي آخره، قبل بعثتهم وبعدها، فيما يبلِّغونه وما لا يبلِّغونه، ولولا ذلك لما حصل الوثوق بهم وبكلامهم، فتنتفي الفائدة من بعثتهم، وأنهم منزَّهون من كل ما يُنفِّر عنهم من الصفات الذميمة والطباع السيئة والأفعال القبيحة وعن دناءة الآباء وعهر الأمهات. وأما أهل السنة فجوَّزوا علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن يسهو في صلاته حتي صلي الظهر ركعتين، وأن يغفل عنها حتي نام عن صلاة الفجر، وأن يشك في نبوَّته في بداية بعثته حتي سأل عنها غيره، وأن يظن أن النبوة انتقلت إلي غيره كلما تأخر عنه الوحي، وأن يضرب مَن لا يستحق، ويسب ويلعن بغير حق، وأن يسمع المعازف مع أهله، ويسابق زوجه فيسبقها مرة، وتسبقه مرة أخري، ويخرج إلي المسجد للصلاة وعلي ثيابه أثر المني، وغير ذلك مما لا يليق بمقامه صلي الله عليه وآله وسلم. ثم إن الإمامية قالوا بعصمة الأئمة، وبلزوم النصّ عليهم، وبأنهم أفضل أهل زمانهم، لقبح تقديم المفضول علي الفاضل، واشترطوا طهارة مولده، ونزاهته عن كل ما ينفِّر منه كما تقدم في النبي. وأن يكون أعلم الناس لا يحتاج أن يسأل غيره فيما ينتابه من الحوادث، وأن يكون طاهر المولد، ولا يكون ابن زنا أو مختلط النسب، أو مَن يُعيَّر بأمّه أو بأبيه، أو معتوهاً، أو متكالباً علي الدنيا، أو مأبوناً أو ملعوناً. وأما أهل السنة فصحَّحوا خلافة كل مَن بايعه الناس وإن كان فاسقاً أو منافقاً، وصحَّحوا خلافة كل مَن تولَّي أمور المسلمين بالقهر والقوة وإن كان من الطلقاء وأبناء الطلقاء وأبناء الزنا. وجوَّزوا خلافة مَن عبد الأصنام في سالف عمره، وشرب الخمر، ووأد البنات، وفعل أفعال الجاهلية. وبالإجمال: كل مَن كان منصفاً، واطّلع علي المذاهب بتأمّل وإنصاف يجد أن مذهب الشيعة الإمامية هو المذهب الواجب الإتباع، لموافقته للأدلة الصحيحة، وبعده عن الأباطيل والبدع، وقد تقدمَّت نماذج كثيرة من بِدَع القوم، فراجعها.

الدليل 10

لقد أثبت علماء الشيعة الإمامية مذهب أهل البيت عليهم السلام وردّوا علي خصومهم، وفندوا آراء المذاهب الأخري، وهم في ذلك قد ألزموا أنفسهم بألا يحتجّوا إلا بما ورد في كتب القوم مما يعترفون بصحّته ويسلّمون به، فأثبتوا صحة المذهب من طريقهم، وطريق خصومهم. فاحتجوا علي أهل السنة بما روي في الصحيحين وباقي الكتب المعتبرة عندهم، وبأقوال أعلامهم وأساطين علمائهم. وأما الخصوم عامة، وأهل السنة خاصة، فإنهم لم يتسنَّ لهم ذلك، فغاية ما سلكوا في إثبات مذاهبهم أنهم يحتجّون علي غيرهم بأحاديث رُويت من طريقهم هم، لا يسلِّم بها الخصم، فاحتج أهل السنة علي الشيعة بما في صحيح البخاري ومسلم وباقي كتب الحديث عندهم، وبأقوال أحمدبن حنبل والشافعي ومالك وأبي الحسن الأشعري وابن تيمية وغيرهم. ومن الواضح أن الدليل الذي يصح الاحتجاج به لا بد أن يسلم به الخصم ويقر به، وأدلتهم كلها ليست كذلك. ثم إن بعض علماء أهل السنة لمَّا أعياهم الدليل الصحيح في نقد مذهب الإمامية عمدوا مع بالغ الأسي إلي تضعيف الأحاديث الصحيحة المروية عندهم، كحديث الثقلين، وحديث الغدير، وحديث أنا مدينة العلم، وحديث الطير مع كثرة طرقه، وغيرها من الأحاديث التي تلزمهم [763] . [ صفحه 255] وعمدوا أيضاً إلي اختلاق الأكاذيب علي الشيعة واتهامهم بما لا يقولون به [764] ، وبما ليس فيهم [765] وهذا كله ناشئ من عدم الدليل عندهم علي صحة مذاهبهم. ثم إنا لم نجد في ردّهم علي الشيعة الإمامية إلا السباب والشتم المقذع، مع أن الله تعالي يقول (ادعُ إلي سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) فانظر ما كتبه ابن حجر في الصواعق المحرقة، وابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل، وابن تيمية في منهاج السنة وغيرهم، وهذا سبيل العاجز عن مقارعة الحجة بالحجة كما هو معلوم [766] . وهذا كله يدل بوضوح علي صحّة مذهب الإمامية وسلامته.

الدليل 11

قد تقدَّم أن مذاهب أهل السنة في الأصول الاعتقادية ثلاثة: الأثرية [ صفحه 256] وإمامهم أحمد بن حنبل (164 ـ 241هـ)، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري (260 ـ 330هـ)، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي (ت 330هـ). وكلها نشأت بعد القرن الثاني من الهجرة. وأما في الفروع فهم مذاهب كثيرة، وأشهرها المذاهب الأربعة المعروفة. وكلها نشأت بعد انتهاء القرن الأول من الهجرة. فإذا كانت هذه المذاهب قد نشأت في عصور متأخرة، فلا بد أن يكون الحق في غيرها قبل نشوئها، لأنه لا بد أن تكون طائفة من طوائف هذه الأمة علي الحق من زمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي قيام الساعة، وإلا لزم أن تكون الأمة كلها علي ضلال إلي زمان نشوء هذه المذاهب، وهو باطل بالاتفاق. فإذا كان الحق في غيرها فهو منحصر في مذهب الإمامية، لأنه هو المذهب الفريد بين كل المذاهب الإسلامية الذي امتد من حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي العصور المتأخرة [767] . لا يقال: إن أئمة المذاهب أخذوا عمن سبقهم إلي أن يصل الأمر إلي زمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم. لأنا نقول: إن أئمة المذاهب اختلفوا فيما بينهم في الأصول والفروع، وخالفوا من سبقهم، لأنهم كانوا مجتهدين غير مقلِّدين لغيرهم، ولذلك اجتهد الإمام أحمد في المسائل المتجدّدة كمسألة خلق القرآن وغيرها من المسائل التي لم تكن مطروحة من قبل.

الدليل 12

أنَّا رأينا في الحوادث الكثيرة والوقائع المختلفة التي اشتهرت وذاعت أنه [ صفحه 257] ما من رجل كان ينتحل مذهباً من مذاهب أهل السنة، وانتقل عنه إلي مذهب الشيعة الإمامية، إلا كان عالماً مخلصاً، أو مفكِّراً مطّلعاً حُرّاً، أو كان صاحب شهادة علمية عالية وثقافة واسعة. كما أنَّا لم نرَ رجلاً كان علي مذهب الإمامية وانتقل عنه إلي مذاهب أهل السنة، إلا كان جاهلاً بالمذهب الذي انتقل عنه، وبالمذهب الذي انتقل إليه، أو كان منحرف السلوك، نفعيّاً يسعي وراء مصلحة دنيوية من مال أو منصب أو شهرة أو غير ذلك. وقد رأينا علماء ومفكّرين من أهل السنة تشيَّعوا قديماً وحديثاً، ولم يحدث العكس. ويكفي أن نذكر بعضاً ممن تشيَّع في هذا العصر علي سبيل المثال لا الحصر ممن لهم كتب ومؤلفات، منهم: 1 ـ الشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي السوري، من شيوخ الجامع الأزهر بمصر، كان شافعي المذهب فاستبصر، وألَّف كتاب (لماذا اخترت مذهب الشيعة) مطبوع، يذكر فيه قصة تشيّعه، ويستدل فيه علي لزوم اتباع مذهب الإمامية. 2 ـ الشيخ محمد أمين الأنطاكي السوري، من شيوخ الجامع الأزهر بمصر، وهو أخ الشيخ السابق، كان شافعي المذهب فاستبصر، وألَّف كتاب (في طريقي إلي التشيع) مطبوع، ذكر فيه قصة تشيّعه. 3 ـ الدكتور محمد التيجاني السماوي التونسي، خرّيج جامعة السوربون في فرنسا بشهادة الدكتوراه في الفلسفة، كان مالكياً فصار شيعياً إمامياً، وألَّف كتاب (ثم اهتديت) مطبوع، ذكر فيه قصة تشيعه، وانتصر فيه لمذهب الإمامية، وألَّف كتباً أخري في اثبات مذهب الإمامية، منها: (مع الصادقين)، (فاسألوا أهل الذِّكْر)، (الشيعة هم أهل السنة)، (اتقوا الله)، (اعرف الحق) وغيرها، وكلها مطبوعة. 4 ـ المحامي أحمد حسين يعقوب الأردني، كان علي مذهب أهل السنة، [ صفحه 258] ثم صار شيعياً إمامياً، له كتاب (النظام السياسي في الإسلام) وكتاب (نظرية عدالة الصحابة)، و(المواجهة مع رسول الله وآله) وغيرها، وهي كلها مطبوعة ينتصر فيها لمذهب الإمامية. 5 ـ أسعد وحيد القاسم، فلسطيني، لديه شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية، والماجستير في إدارة الإنشاءات، كان علي مذهب أهل السنة فصار إمامياً، وألَّف كتاب (حقيقة الشيعة الاثني عشرية) مطبوع، ذكر فيه قصة تشيّعه وانتصر فيه لمذهب الإمامية. 6 ـ صالح الورداني: كاتب مصري، كان علي مذهب أهل السنة فصار إمامياً، له عدة مؤلفات مطبوعة، منها: (الخدعة: رحلتي من السنة إلي الشيعة)، (أهل السنة: شعب الله المختار، دراسة في فساد عقائد أهل السنة)، (السيف والسياسة: إسلام السنة أم إسلام الشيعة)، (عقائد السنة وعقائد الشيعة)، (زواج المتعة حلال: عند أهل السنة) وغيرها، وكلها ينتصر فيها لمذهب الإمامية، وهي مطبوعة. 7 ـ إدريس الحسيني: كان علي مذهب أهل السنة فصار إمامياً، له عدة مؤلفات مطبوعة: منها: (لقد شيعني الحسين: أو الانتقال الصعب في رحاب المعتقد). 8 ـ الشيخ معتصم سيد أحمد: كاتب سوداني،كان علي مذهب أهل السنة فصار إمامياً، وألَّف كتاب (الحقيقة الضائعة: رحلتي نحو مذهب آل البيت)، وهو مطبوع، يذكر فيه قصة تشيّعه. 9 ـ مروان خليفات: كان شافعي المذهب، فاستبصر واتّبع مذهب أهل البيت عليهم السلام، وسجَّل رحلته إلي الإيمان في كتابه (وركبت السفينة)، وهو مطبوع، ينتصر فيه إلي مذهب الإمامية. وكل هذه الكتب المذكورة جيدة في بابها، وتدل علي سعة اطلاع، وقوة اعتقاد، وصلابة في الحق، فجزي الله أصحابها خير جزاء المؤمنين المخلصين، [ صفحه 259] وشكر الله لهم مساعيهم وجهودهم في بيان الحق ونصرة أهله.

الدليل 13

إن علماء الشيعة الإمامية ناظروا خصومهم في الإمامة وغيرها من المسائل الخلافية، فكانت الحجّة معهم والغلَبة لهم علي غيرهم، فألَّفوا في ذلك المصنفات الكثيرة المشتملة علي أمثال هذه المناظرات، ككتاب (الاحتجاج) لأحمد بن علي الطبرسي، وكتاب (الفصول المختارة) للسيد المرتضي، وكتاب (المراجعات) للسيد شرف الدين، وكتاب (الغدير) للشيخ عبد الحسين الأميني وغيرها من الكتب التي لو تأملها المتأمّل لحصل له القطع بمذهب الشيعة الأمامية دون غيره من المذاهب. وعلماء الشيعة كانوا وما يزالون يَدْعُون أرباب المذاهب للمناظرة في المذهب، بل إن عوام الشيعة كثيراً ما يُقدِمون علي مناظرة علماء الطوائف الأخري فضلاً عن العوام منهم، ثقة منهم بأن ما عندهم هو الحق، وما عليه غيرهم هوالباطل، والباطل لا يزهق الحق (بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) [768] ، وهذا أمر بيِّن يعرفه كل من عرف الشيعة وخالطهم واطّلع علي أحوالهم.

الدليل 14

اعتراف بعض علماء أهل السنة بصحّة مذهب الشيعة الإمامية وجواز التعبّد به دون العكس، منهم: 1 ـ الشيخ سليم البشري، شيخ الجامع الأزهر [769] : [ صفحه 260] قال فيما كتبه إلي السيد عبد الحسين شرف الدين أعلي الله مقامه: أشهدُ أنكم في الفروع والأصول علي ما كان عليه الأئمة من آل الرسول، وقد أوضحت هذا الأمر فجعلتَه جلِيّاً، وأظهرت من مكنونه ما كان خفيّاً، فالشك فيه خبال، والتشكيك فيه تضليل... وكنتُ قبل أن أتَّصل بسببك علي لبس فيكم، لما كنت أسمعه من إرجاف المرجفين، وإجحاف المجحفين [770] . 2 ـ الشيخ محمود شلتوت، شيخ الجامع الأزهر [771] : أفتي فتواه المشهورة بجواز التعبّد بمذهب الشيعة الإمامية، ومما ورد فيها: إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة. فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلَّصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معيَّنة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة علي مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالي، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرّرونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات [772] . [ صفحه 261] وقال في مقال له نُشر في كتاب (دعوة التقريب من خلال رسالة الإسلام): ولقد تهيَّأ لي بهذه الأوجه من النشاط العلمي أن أُطل علي العالم الإسلامي من نافذة مشرفة عالية، وأن أعرف كثيراً من الحقائق التي كانت تحول بين المسلمين واجتماع الكلمة وائتلاف القلوب علي أخوة الإسلام، وأن أتعرف إلي كثير من ذوي الفكر والعلم في العالم الإسلامي، ثم تهيَّأ لي بعد ذلك وقد عُهد إلي بمنصب مشيخة الأزهر أن أصدرت فتواي في جواز التعبد علي المذاهب الإسلامية الثابتة الأصول المعروفة المصادر، المتَّبعة لسبيل المؤمنين، ومنها مذهب الشيعة الإمامية «الاثنا عشرية»، وهي تلك الفتوي المسجلة بتوقيعنا في دار التقريب، التي وُزِّعت صورتها الزنكغرافية بمعرفتنا، والتي كان لها ذلك الصدي البعيد في مختلف بلاد الأمة الإسلامية، وقرَّت بها عيون المؤمنين المخلصين الذي لا هدف لهم إلا الحق والألفة ومصلحة الأمة، وظلَّت تتوارد عليَّ الأسئلة والمشاورات والمجادلات في شأنها وأنا مؤمن بصحَّتها، ثابت علي فكرتها، أؤيّدها في الحين بعد الحين، فيما أبعث به من رسائل للمستوضحين، أو أرد به علي شُبَه المعترضين، وفيما أنشئ من مقال ينشر، أو حديث يُذاع، أو بيان أدعو به إلي الوحدة والتماسك والالتفاف حول أصول الإسلام، ونسيان الضغائن والأحقاد، حتي أصبحت والحمد الله حقيقة مقرَّرة، تجري بين المسلمين مجري القضايا المسلَّمة، بعد أن كان المرجفون في مختلف عهود الضعف الفكري والخلاف الطائفي والنزاع السياسي يثيرون في موضوعها الشكوك والأوهام بالباطل [773] . [ صفحه 262]

الدليل شبهات وردود

الشبهة 1

قد يقال: إن أحاديث افتراق الأمة تدل علي أن الفرقة المحقة هي الطائفة التي تتَّبع الصحابة، لأنه صلي الله عليه وآله وسلم قال: ما أنا عليه وأصحابي. وتدل علي أن الناجين هم الجماعة، والمراد بهم أهل السنة.

والجواب

أن الحديث لم ينص علي أن الحق هو ما عليه الصحابة فقط، بل قال: «ما أنا عليه وأصحابي»، فما كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم عليه وأصحابه هو الحق بلا شبهة، إلا أن الصحابة لمَّا وقع بينهم الاختلاف بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فلا يصح اتباع بعضهم بمقتضي هذا الحديث دون بعض، لعدم الدليل علي هذا الاتباع، ولا مناص حينئذ من البحث عن دليل آخر ينفع في هذه الحال. وحديث الثقلين الذي تقدم الكلام فيه، هو الدليل الآخر الذي لا مناص من الأخذ به، وهو يرشد إلي التمسك بالعترة النبوية الطاهرة دون غيرهم. علي أنَّا لو سلَّمنا بلزوم اتّباع الصحابة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فبما أن الصحابة اختلفوا فيما بينهم كما مرَّ مفصلاً في الفصل الثالث، ولا يصح التكليف باتباع الكل، فلا مناص من اتّباع البعض منهم، والشيعة اتّبعوا مَن نص النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي أن الحق معه، وهو مع الحق، وأن الحق يدور معه حيثما دار، وهو أمير المؤمنين عليه السلام، فرجعنا بالنتيجة إلي اتباع العترة أيضاً. وأما الجماعة المذكورة في أحاديث اختلاف الأمة فليس المراد بهم من يُعرفون الآن بأهل السنة والجماعة بجميع مذاهبهم، وإنما المراد بهم جماعة الحق وإن قلّوا. قال الترمذي: وتفسير الجماعة عند أهل العلم: هم أهل الفقه والعلم والحديث. [ صفحه 263] قال الألباني: وهذا المعني مأخوذ من قول ابن مسعود رضي الله عنه: الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (13: 322: 2) بسند صحيح عنه [774] . وأهل الحق هم العترة النبوية الطاهرة التي أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم باتّباعها والتمسك بها، دون غيرها من فئات هذه الأمة كما مرَّ مفصَّلاً في الفصل الثالث، فراجعه.

الشبهة 2

أن كل الأدلة التي ذكرتها دالة علي أن مذهب أهل البيت هو المذهب الحق، ونحن لا ننكر ذلك، ولكن ننكر أنكم تتَّبعون أهل البيت عليهم السلام. قال ابن تيمية: لا نسلِّم أن الإمامية أخذوا مذهبهم من أهل البيت، لا الاثنا عشرية ولا غيرهم، بل هم مخالفون لعلي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت في جميع أصولهم التي فارقوا فيها أهل السنّة والجماعة: توحيدهم وعدلهم وإمامتهم [775] . قال الذهبي: لا نسلّم أنكم أخذتم مذهبكم عن أهل البيت، فإنكم تخالفون عليّاً وأئمة أهل البيت في الأصول والفروع [776] .

والجواب

أن اتّباع الشيعة الإمامية لأئمة أهل البيت عليهم السلام وتمسّكهم بهم، وسيرهم علي منهاجهم، أشهر من أن يُذكَر، وأظهر من أن يُنكَر، وما إنكاره إلا إنكار بديهة واضحة لا تخفي علي ابن تيمية والذهبي وغيرهما. ومن الواضح أن أهل السنة لم يذكروا في كتبهم أقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام في الأصول والفروع، ولم ينقلوها من طريقهم، فكيف علم ابن تيمية [ صفحه 264] والذهبي أن ما عليه الشيعة الإمامية مخالف لما عليه أئمة أهل البيت عليهم السلام؟ ولماذا لم يذكرا موارد المخالفة بين الشيعة وبين أئمة أهل البيت عليهم السلام في الأصول والفروع، ليكون كلامهما مستنداً إلي حجّة صحيحة؟ ثم إن المنقول من أقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتبهم وهو قليل جداً موافق لما عليه الشيعة الإمامية، كما سيأتي بيانه قريباً إن شاء الله تعالي.

الشبهة 3

أن أهل السنّة جازمون بأن الشيعة الإمامية لا يتّبعون أئمة أهل البيت عليهم السلام في أصول الدين وفروعه، وذلك لأن ما عليه الشيعة مخالف لما رواه الثقات عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فالقول بصدق الشيعة في النقل عن أئمة أهل البيت يستلزم الطعن في أهل البيت بمخالفة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فلا مناص حينئذ تكذيب الشيعة فيما زعموا، وبذلك لا يكونوا أتباعاً لأهل البيت.

فالجواب

أن مخالفة ما نقله الشيعة الإمامية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام لما رواه غيرهم عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا يستلزم ما ذكروه، وذلك لأن رواية الثقات عند أهل السنّة كمعاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وبسر بن أرطأة وأمثالهم لا يستلزم بالضرورة صدوره عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم حتي يكون ما خالفه باطلاً. ومن الواضح أن الصادر من النبي صلي الله عليه وآله وسلم شيء واحد، واختلاف الرواية عنه يدل علي كذب إحدي الروايتين، والشيعة أخذوا بما رواه أئمة أهل البيت عليهم السلام عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وتمسَّك أهل السنّة بما رواه غيرهم من النواصب والخوارج والمرجئة والقدرية [777] ، فأي الفريقين أولي بالنجاة يا أولي الألباب؟ [ صفحه 265] هذا مضافاً إلي أن أئمة أهل السنّة اختلفوا فيما بينهم وتفرَّقوا إلي مذاهب في الأصول الاعتقادية والفروع الفقهية كما مرَّ، وتنازعوا في أكثر المسائل كما هو واضح لكل مَن تتبَّع أقوالهم وفتاواهم ونظر في كتبهم، فأي المذاهب منها هو الصحيح الذي يتَّفق مع ما عليه أئمة أهل البيت عليهم السلام. ومن ذلك يتضح بطلان زعم ابن تيمية أن أئمة أهل البيت متفقون مع أهل السنّة والجماعة في الأصول والفروع.

الشيعة الإمامية هم أتباع أهل البيت

اشاره

لقد قلنا فيما تقدم: إن متابعة الشيعة لأهل البيت عليهم السلام هي أوضح من أن تُنكَر، وأشهر من أن تُذكَر، إلا أنَّا لما ابتُلينا بقوم ينكرون البديهيات، ويجادلون في الواضحات، رأينا أن نذكر بعضاً من الأدلة الدالة علي متابعة الشيعة الإمامية لأهل البيت وتمسّكهم بهم، دفعاً لتشويش المشوِّشين، ودحضاً لشغب المشاغبين. ويمكن بيان ذلك بعدة أدلة:

الدليل 01

أن الشيعة الإمامية حصروا الإمامة في أهل البيت عليهم السلام، ونفوها عن غيرهم، واعتقدوا أن ما قال أئمة أهل البيت عليهم السلام هو الحق، وما لم يقولوه هو الباطل. ولهذا حرص الشيعة علي تدوين علومهم، وكتابة أحاديثهم في أصول الدين وفروعه حتي جمعوا الشيء الكثير. فإذا كان الداعي لمتابعتهم والتمسّك بهم ـ وهو اعتقاد إمامتهم دون غيرهم ـ موجود، والمانع من متابعتهم مفقود، فلا بد من حصول المتابعة لهم والتمسّك بهم.

الدليل 02

اعتراف جمع من علماء أهل السنّة بمتابعة الشيعة لأهل البيت عليهم السلام [ صفحه 266] ومشايعتهم لهم: 1 ـ قال الشهرستاني: الشيعة هم الذين شايعوا عليّاً رضي الله عنه علي الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصيّة، إما جليّاً وإما خفيّاً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده [778] . وقال في ترجمة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: وهو ذو علم غزير في الدين، وأدَب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات... وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض علي الموالين له أسرار العلوم [779] . 2 ـ قال ابن منظور في لسان العرب، والفيروزأبادي في القاموس المحيط، والزبيدي في تاج العروس: وقد غلَب هذا الاسم [أي الشيعة] علي مَن يتوالي عليّاً وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين، حتي صار لهم اسماً خاصاً، فإذا قيل: «فلان من الشيعة» عُرف أنه منهم [780] . 3 ـ وقال الزهري: والشيعة قوم يهوون هوي عترة النبي صلي الله عليه وسلم ويوالونهم [781] . 4 ـ وقال ابن خلدون: اعلم أن الشيعة لغةً: الصَّحْب والأتْبَاع، ويُطلَق في عُرْف الفقهاء والمتكلِّمين من الخلَف والسلف علي أَتْبَاع علي وبنيه رضي الله عنهم [782] .

الدليل 03

أن الشيعة دأبوا علي تدوين معارف أهل البيت عليهم السلام وعلومهم، [ صفحه 267] ورواية أحاديثهم، والأخذ بأقوالهم، والتسليم لهم، ونشر فضائلهم، وكتابة سِيَرهم، والحزن علي مصائبهم وما جري عليهم، وإقامة مآتمهم، والفرَح بمواليدهم وأعيادهم، ومحبَّة أوليائهم، والبراءة من أعدائهم، حتي حكموا بضعف كل مَن انحرف عنهم، وبنجاسة كل مَن نصَب العداء لهم. وهذا كله كاشف عن موالاة الشيعة لأئمة أهل البيت عليهم السلام ومتابعتهم لهم، ولو أنكرنا الموالاة والاتباع مع كل ذلك لحَقَّ لنا إنكار متابعة كل فرقة لِمَن تنتسب إليه، ولأمكننا بالأولوية أن ننكِر متابعة أهل السنة لأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي الحسن الأشعري وغيرهم، لأن أهل السنّة لا يصنعون مع أئمتهم جُل تلك الأمور التي ذكرناها عن الشيعة، وهو واضح لا يحتاج إلي مزيد بيان.

الدليل 04

أنَّا لو أنكرنا متابعة الشيعة الإمامية لأهل البيت عليهم السلام للزم تخطئة كل الأمَّة، والحكم علي جميع الطوائف بالوقوع في الضلال، ولَمَا كانت فرقةمنها علي الحق، لِما أوضحناه في الفصل الثالث من أن العاصم عن الوقوع في الضلال هو التمسّك بالكتاب والعترة دون غيرهما، فإذا كان الشيعة الإمامية وغيرهم قد أعرضوا عن أهل البيت عليهم السلام ولم يتمسّكوا بهم، فلا مناص من الحكم عليهم كلهم بالضلال، وهذا باطل بالاتفاق.

الدليل 05

أن ما نقلوه من الفتاوي وغيرها عن بعض أئمة أهل البيت عليهم السلام عامة وأمير المؤمنين عليه السلام خاصة موافق لما عليه الشيعة الإمامية، مما يدل علي أن الإمامية عنهم عليهم السلام يأخذون، ولهم متّبعون، ونحن نكتفي بذِكر عدة موارد تدل علي أن ما عليه الإمامية هو بعينه ما نقله أهل السنة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام: 1 ـ اختلف أئمة المذاهب في الجهر في الصلاة بالبسملة، ونقل علماؤهم [ صفحه 268] أن علياً عليه السلام كان يجهر بها مطلقاً: في الجهرية والإخفاتية [783] . وهذا هو قول الإمامية، والأئمة الأربعة كلهم علي خلافه. 2 ـ واتفقوا علي أنه لا يجوز قول: «حي علي خير العمل» في الأذان، ورووا عن علي بن الحسين عليه السلام أنه كان يقول هذه الفقرة في أذانه [784] ، وعلي هذا علماء الإمامية. 3 ـ واختلفوا في جواز رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق، ونقلوا جوازه عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام [785] ، وبه أفتي علماء الإمامية، خلافاً للأئمة الأربعة. 4 ـ واختلفوا في أن المسافر هل تجب عليه صلاة الجمعة والعيدين، ونقلوا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع، فلا تجب إلا علي الحاضر دون المسافر [786] ، وبه قال الإمامية، واختلف في ذلك الأئمة الأربعة. 5 ـ واختلفوا في المشي مع الجنائز، هل الأفضل أمام الجنازة كما يفعله أبو بكر وعمر وذهب إليه الشافعي ومالك، أو أن الأفضل المشي خلفها كما هومروي عن علي عليه السلام [787] ، والإمامية علي الثاني تبعاً لأمير المؤمنين عليه السلام. 6 ـ واختلفوا في طلاق المُكرَه، ونقلوا عن أمير المؤمنين عليه السلام عدم [ صفحه 269] وقوعه [788] ، وعلي ذلك فقهاء الإمامية، خلافاً لأبي حنيفة، والشافعي علي تفصيل عنده. 7 ـ واختلفوا في عدّة الحامل المتوفَّي عنها زوجها، فذهب الجمهور وفقهاء الأمصار إلي أن عدتها تنتهي بوضع الحمل، ورووا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنها تعتد بأبعد الأجلين [789] ، وعليه فقهاء الإمامية. 8 ـ واختلفوا في مال المرتد إذا قُتل أو مات، فقال جمهور فقهاء الحجاز: هو للمسلمين، ولا يرثه قرابته، وبه قال مالك والشافعي، ونقلوا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه يرثه ورثته من المسلمين [790] وهو قول الإمامية. 9 ـ واختلفوا في المرأة إذا قَتَلت رجلاً، فقُتلتْ به، فالجمهور لم يوجبوا علي أولياء المرأة شيئاً، ونقلوا عن أمير المؤمنين عليه السلام أن عليهم أن يدفعوا نصف الدية لولي المقتول [791] ، وبه قال الإمامية.

نتيجة البحث

والنتيجة أن الأدلة الصحيحة الثابتة كلها ترشد إلي مذهب الشيعة الإمامية، وأما باقي المذاهب بما فيها مذاهب أهل السنة، فلم يقم علي صحَّتها دليل صحيح معتبر، وكل ما ذكروه لا يعدو كونه مجرد دعاوي لا تستند إلي برهان صحيح، ولا تنهض بها حجّة تامَّة. (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين - ليُحِق الحق ويُبْطِل الباطل ولو كره المجرمون) الأنفال: 7، 8 [ صفحه 270]

الخاتمة

هذا تمام ما أردنا بيانه في هذا الكتاب، وألتمِسُ ممن ينظر في كتابي هذا أن يتأمّله تأمّل منصف طالب للحق راغب فيه، وأن يتجرَّد عن تقديس الآراء الممقوتة والمعتقدات الموروثة، وعبادة الأحبار والرهبان والسادة والكبراء، وأن يعلم أن الحق أحق أن يُتَّبَع، وأن كل امرئ مسؤول عن نجاة نفسه وأهله. (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [792] . وهذا هو واجب النصيحة لكل مسلم يؤمن بالله ورسوله ويؤمن بيوم الحساب، وهو مقتضي الأمانة في العلم، التي ينبغي أداؤها لمن لا يعلم بها. ثم ليعلم كل من اطّلع علي كتابي هذا أنني ما أردت بشيء مما كتبته أن أُعيب طائفة معيَّنة، أو أن أذم رجلاً من الناس، أو أن أكشف عورة مستورة، وإنما كانت الغاية بيان الحق الذي أمرنا الله تعالي ببيانه، والجهر بالصدق الذي أمرنا الله بالجهر به (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [793] ، وما بدر في ثنايا الكتاب مما لا يرتضيه بعضهم فهو مما اقتضاه البحث وقاد إليه الدليل. ونحن بحمد الله ما افترينا علي قوم فرية، ولا اتّهمنا فئة بتهمة، ولم نتَّخذ [ صفحه 271] الظن دليلاً، ولا الأهواء سبيلاً، وكل ما ورد في الكتاب نقلناه من كتب أهل السنة المعروفة المطبوعة المتداولة، وأثبتنا أسماء الكتب والمصادر بالمجلدات والصفحات، ليعلم مَن كان في قلبه شك أنَّا سلكنا سبيل الأمانة والتثبّت في النقل، فدونك فصول الكتاب، فإنها تشهد بصحة كل ما قلناه. وفي الختام أسأل الله جلَّت قدرته أن يرشد به المسترشدين، وأن يُدِلّ به الحائرين، وينفع به المسلمين، وأن يجعله في صحيفة الأعمال، وينفعني به يوم الفقر والفاقة، إنه علي ما يشاء قدير. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

پاورقي

[1] صحيح البخاري 9:101 كتاب الاحكام، باب 51، مسند أحمد بن حنبل 5: 90، 95. دلائل النبوة 6: 519.
[2] شرح السنة 15: 31.
[3] صحيح مسلم 3: 1452 كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش.
[4] صحيح مسلم 3: 1452 كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش. مسند أحمد بن حنبل 5: 98، 101. سلسلة الأحاديث الصحيحة 1: 651، قال الألباني: وهذا إسناد صحيح علي شرطهما.
[5] صحيح مسلم 3: 1453 كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش. مسند أحمد بن حنبل 5: 90، 100. مسند أبي داود الطيالسي، ص 105، 180، مشكاة المصابيح 3: 1687 وقال التبريزي: متفق عليه. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8: 230.
[6] صحيح مسلم 3: 1453 كتاب الامارة، باب الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش. مسند احمد بن حنبل 5: 98، 101. وفي ص 96 قال: عزيزاً منيعاً ظاهراً علي من ناواه، لا يضره من فارقه أو خالفه. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8: 230.
[7] صحيح مسلم 3: 1453 كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش. مسند أحمد بن حنبل 5: 86، 88، 89. سلسلة الأحاديث الصحيحة 2: 690.
[8] سنن الترمذي 4: 501 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. مسند أحمد بن حنبل 5: 92، 94، 99، 108.
[9] صححها الالباني في صحيح سنن أبي داود 3: 807. [
[10] سنن أبي داود 4: 106 كتاب المهدي. وهذا الحديث ذكره البيهقي في دلائل النبوة 6: 520 والألباني في صحيح الجامع الصغير 2: 1274 بعين لفظه، وأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة، ص 518 بلفظ متقارب.
[11] سنن أبي داود 4: 106 كتاب المهدي. وذكره الخطيب في تاريخ بغداد 2: 126، وأخرجه أحمد في المسند 5: 98، 99 وفيه: ثم لغط القوم وتكلموا. وفي نفس الصفحة: فجعل الناس يقومون ويقعدون.
[12] مسند أحمد 5: 97، 107 إلا أن فيه: لا يزال هذا الامر صالحاً. المستدرك 3: 618. مجمع الزوائد 5: 190 قال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح. ورواه عن جابر في ص 191 وقال: رجاله ثقات.
[13] مسند أحمد بن حنبل 1: 398، مجمع الزوائد 5: 190، المطالب العالية 2: 197. مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة 6: 436. وهذا الحديث حسنه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 13: 181، وابن حجر الهيتمي في تطهير الجنان واللسان، ص 313، والسيوطي في تاريخ الخلفاء، ص8، والبوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة 6: 436.
[14] مسند أحمد بن حنبل 1: 398. حلية الاولياء 4: 333. شرح السنة 15: 30 قال البغوي: هذا حديث صحيح.
[15] مسند أحمد بن حنبل 5: 87، 88، 90. المستدرك 3: 617.
[16] راجع المعجم الكبير للطبراني 2: 195 وما بعدها، ح 1791 ـ 1801، 1808، 1809، 1841، 1849 ـ 1852، 1875، 1876، 1883، 1896، 1923، 1936، 1964، 2007، 2044، 2059 ـ 2063، 2067 ـ 2071، 2073.
[17] كشف المشكل 1: 449، وذكر ابن حجر هذه العبارة في فتح الباري 13: 181.
[18] المصدر السابق 13: 180.
[19] قال السيوطي في طبقات الحفاظ، ص 468: القاضي عياض بن موسي بن عياض بن عمرو بن موسي بن عياض العلامة عالم المغرب أبو الفضل اليحصبي السبتي الحافظ، ولد سنة 476 هـ، وأجاز له أبو علي النسائي، وتفقه وصنف التصانيف التي سارت بها الركبان كـ (الشفا) و (طبقات المالكية) و (شرح مسلم)، و(المشارق) في الغريب، و (شرح حديث أم زرع... وبعد صيته، وكان إمام أهل الحديث في وقته، وأعلم الناس بعلومه، وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم. ولي القضاء سبتة ثم غرناطة، ومات ليلة الجمعة سنة 544 هـ بمراكش.
[20] المصدر السابق 13: 180.
[21] المصدر السابق 13: 182.
[22] قال السيوطي في طبقات الحفاظ، ص 433: البيهقي الإمام الحافظ العلامة شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسي الخسروجردي صاحب التصانيف، ولد سنة 384 هـ، ولزم الحاكم وتخرج به، وأكثر عنه جداً، وهو من كبار أصحابه، بل زاد عليه بأنواع العلوم. كتب الحديث وحفظه من صباه، وبرع وأخذ في الأصول، وانفرد بالإتقان والضبط والحفظ، ورحل... وعمل كتباً لم يسبق إليها (كالسنن الكبري)، و (الصغري)، و (شعب الايمان)، و (الاسماء والصفات)، و (دلائل النبوة) وغير ذلك مما يقارب ألف جزء. مات سنة 458 هـ بنيسابور، ونقل في تابوت الي بيهق (بتصرف).
[23] دلائل النبوة 6: 520.
[24] المصدر السابق 6: 521.
[25] أخرجه أبو داود في سننه 4: 211 ح 4646، 4647، والترمذي في سننه 4: 503 وقال: هذا حديث حسن، وأخرجه ابن حبان في صحيحه كما في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9: 48، والحاكم في المستدرك 3: 71، 145، وأحمد في المسند 5: 220، 221، والبيهقي في دلائل النبوة 6: 342 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3: 879، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 1: 742 ح 459، ونقل تصحيحه عن الحاكم والذهبي وابن حبان وابن حجر وابن جرير الطبري وابن تيمية، ونقل عنه اعتماد الإمام أحمد عليه، وأنه متفق عليه بين الفقهاء وعلماء السنة. ورد الالباني علي من ضعف الحديث كابن خلدون في تاريخه، وأبي بكر بن العربي في العواصم من القواصم، ثم قال: فقد تبين بوضوح سلامة الحديث من علة قادحة في سنده، وأنه صحيح محتج به.
[26] توفي الإمام العادل أمير المؤمنين وخامس الخلفاء الراشدين أبو حفص عمر بن عبد العزيز. وأخرج أبو داود في سننه 4: 207: عن سفيان الثوري أنه قال: الخلفاء خمسة: ابو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز.
[27] سنن أبي داود 4: 210. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3: 879.
[28] فتح الباري 13: 180.
[29] سلسلة الأحاديث الصحيحة 1: 748.
[30] هذا القول للطيبي، نقله في عون المعبود 12: 388.
[31] ذهب إلي ذلك ابن أبي العز حيث قال: إن زمان علي لم ينتظم فيه الخلافة ولا الملك. وستأتي كلمته قريباً. وقال الطيبي كما في عون المعبود 12: 388: إن الخلافة في زمن عثمان وعلي رضي الله عنهما مشوبة بالملك.
[32] ذكر ذلك الإمام البغوي في شرح السنة 14: 75، والمناوي في فيض القدير 3: 509.
[33] هذا القول للملا علي القاري في مرقاة المفاتيح 9: 271.
[34] منها: أن وصف الرسالة والنبوة لا يرتفع عن النبي والرسول بسبب عدم اتباع الناس له، وصاحب المال أو المتاع لا يحكم بصيرورة المال لغيره بمجرد عدم تمكنه من التصرف فيه، وتمكن غيره منه، وهو واضح معلوم.
[35] شرح العقيدة الطحاوية، ص 473.
[36] البداية والنهاية 8: 134.
[37] المصدر السابق 6: 255.
[38] المصدر السابق 13: 182.
[39] قال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب 6: 326: صدر الدين محمد بن علاء الدين علي بن محمد بن أبي العز الحنفي الصالحي، اشتغل قديماً ومهر ودرس وأفتي وخطب بحسبان مدة، ثم ولي قضاء دمشق في سنة 779 هـ، ثم ولي قضاء مصر بعد ابن عمه، فأقام شهراً ثم استعفي ورجع الي دمشق علي وظائفه، ثم بدت منه هفوة فاعتقل بسببها، وأقام مدة مقتراً خاملاً إلي أن جاء الناصري، فرفع إليه أمره فأمر برد وظائفه، فلم تطل مدته بعد ذلك، وتوفي في سنة 792 هـ (بتصرف).
[40] شرح العقيدة الطحاوية، ص 489.
[41] نقلنا ذلك باختصار من كتاب البداية والنهاية 8: 224، راجع لسان الميزان 6: 294، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 61 ـ 80 هـ.
[42] تاريخ الخلفاء، ص 176.
[43] العبر في خبر من غبر 1: 85.
[44] البداية والنهاية 6: 256، فتح الباري 13: 182.
[45] البداية والنهاية 6: 256.
[46] تاريخ الخلفاء، ص 10.
[47] البداية والنهاية 6: 255.
[48] صحيح مسلم 3: 1472. كتاب الامارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالاول.
[49] المستدرك علي الصحيحين 3: 357.
[50] فتح الباري 13: 181.
[51] سنن الترمذي 5: 445. الدر المنثور 8: 596. البداية والنهاية 6: 248.
[52] الحكم هو الحكم بن أبي العاص الأموي والد مروان بن الحكم وعم عثمان بن عفان، طرده رسول الله صلي الله عليه وآله ونفاه من المدينة الي الطائف، ولعنة رسول اله صلي الله عليه وآله ولعن من في صلبه، توفي في خلافة عثمان.
[53] مجمع الزوائد 5: 243، قال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح غير مصعب بن عبد الله بن الزبير وهو ثقة. المستدرك 4: 480 وقال: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين. ورمز له الذهبي بـ (م) أي علي شرط مسلم. المطالب العالية 4: 332. مختصر إتحاف السادة المتقين 10: 505 وقال: رواه أبو يعلي ورواته ثقات. البداية والنهاية 6: 248.
[54] الدر المنثور 5: 310. البداية والنهاية 6: 248. وراجع إن شئت تاريخ بغداد 9: 44، معجم الطبراني الكبير 2: 92.
[55] المستدرك 4: 481 قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وأخرجه البويصري في مختصر إتحاف السادة المتقين 9 ـ 10: 202، وروي عنه صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: (وشر قبائل العرب بنو أمية)، قال البويصري: رواه أبو يعلي الموصلي بإسناد حسن. مجمع الزوائد 10: 71 وقال: رواه أحمد وأبو يعلي... وكذلك الطبراني، ورجالهم رجال الصحيح غير عبد الله بن مطرف بن الشخير وهو ثقة.
[56] هم الحكم وابنه مروان وأولادهما.
[57] أي يتداولونه فيما بينهم.
[58] قال ابن الاثير في النهاية 2: 123: أي يخدعون به الناس، وأصل الدغل الشجر الملتف الذي يكمن أهل الفساد فيه.
[59] أي خدم وعبيد.
[60] المستدرك 4: 480. مجمع الزوائد 5: 243 إلا أنه قال: بنو أبي الحكم. وقال: رواه الطبراني، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف، وحديثه حسن. دلائل النبوة 6: 507. مختصر إتحاف السادة المتقين 10: 505 وقال: رواه أبو يعلي بسند صحيح. المطالب العالية 4: 332. البداية والنهاية 6: 248.
[61] المستدرك 4: 379.
[62] المصدر السابق 4: 481 وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
[63] المستدرك 4: 481 وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
[64] مسند أحمد بن حنبل 1: 18، مجمع الزوائد 5: 240 وقال: رواه أحمد وإسناده حسن.
[65] البداية والنهاية 6: 247.
[66] مجمع الزوائد 5: 243. وقال: رواه الطبراني، وفيه أبن لهيعة وفيه ضعف، وحديثه حسن. البداية والنهاية 6: 247.
[67] ميزان الاعتدال 4: 89.
[68] تهذيب التهذيب 10: 83.
[69] الإصابة 3: 477.
[70] التجريد 2: 69.
[71] تهذيب الاسماء اللغات 2: 87.
[72] اُسد الغابة 4: 348، الاستيعاب 3: 425.
[73] تاريخ الخلفاء، ص 204.
[74] قال السيوطي في طبقات الحفاظ، ص 374: أبن حبان الحافظ العلامة أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن معاذ... التميمي البستي صاحب التصانيف، سمع النسائي والحسن بن سفيان وأبا يعلي الموصلي، وولي قضاء سمرقند، وكان من قفهاء الدين وحفاظ الآثار، عالماً بالنجوم والطب وفنون العلم. صنّف المسند الصحيح و (التاريخ) و (الضعفاء). قال الخطيب: كان ثقة نبيلاً فهماً. وقال ابن الصلاح: ربما غلط الغلط الفاحش. مات في شوال سنة 354 هـ.
[75] الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8: 227.
[76] البداية والنهاية 6: 255.
[77] هو ابو القاسم المهلب بن أحمد بن أبي صفرة اسيد بن عبد الله الاسدي الاندلسي، مصنف شرح صحيح البخاري. قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 17: 579: كان أحد الائمة الفصحاء الموصوفين بالذكاء... ولي قضاء المرية، وتوفي في سنة 435 هـ (بتصرف).
[78] المصدر السابق 13: 180.
[79] فتح الباري 13: 181.
[80] المصدر السابق 13: 182.
[81] فإن أهل السنة لا يختلفون في ورعهم وتقواهم وعلمهم، وأن الناس لو اتبعوهم لما ضلو، ولو اجتمعوا عليهم لما افترقوا، فلذا قلنا بأن الأمة اجمعت واجتمعت عليهم.
[82] سيأتي تخرجه في الفصل الثالث إن شاء الله تعالي.
[83] ينابيع المودة 3: 104.
[84] سير أعلام النبلاء 13: 120.
[85] المصدر السابق 4: 398. وذكر أهليته للخلافة أيضاً في 13: 120.
[86] المصدر السابق 4: 402. وكذلك في 13: 120.
[87] تاريخ الاسلام: حوادث ووفيات سنة 141 ـ 160 هـ، ص 93. سير أعلام النبلاء 13: 120.
[88] سير أعلام النبلاء 13: 120.
[89] المصدر السابق 9: 392.
[90] منهاج السنة النبوية 4: 213. قول ابن تيمية هذا يدل علي انه لم يكن في وسعه أن يجحد فضل أئمة أهل البيت عليهم السلام وأهليتهم للإمامة، ولو كان ذلك في وسعه لأنكر ما وسعه الإنكار، لإنه كان في مقام المناظرة مع خصمه لا في مقام المجاملة. وتنظيره الإمام بالقاضي مغالطة واضحة، والصحيح ان ينظر بالقاضي المنصوب من قبل النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فإنه يكون قاضياً وإن جحده كثير من الناس، ومع نص النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي خلافتهم لا يضرهم من خالفهم ولا من ناواهم. وقوله: (فلا موجب للتخصيص) غير صحيح، لأن التخصيص حاصل بالنصوص الصحيحة الآمرة بالتمسك بأهل البيت دون غيرهم، فلا سبيل للعدول عنهم إلي غيرهم.
[91] سورة الاحزاب، الآية 36.
[92] الطبقات الكبري 3: 199، تاريخ الخلفاء، ص 62، الصواعق المحرقة 1: 254.
[93] قال محب الدين الخطيب في ترجمته في مقدمة مختصر التحفة الاثني عشرية: كبير علماء الهند في عصره شاه عبد العزيز الدهلوي (1159 ـ 1239) أكبر أنجال الإمام الصالح الناصح شاه ولي الله الدهلوي، وكان شاه عبد العزيز يعد خليفة أبيه ووارث علمه. أقول: هو مؤلف كتاب (التحفة الاثنا عشرية)، وهو شديد التحامل علي الشيعة والطعن فيهم وفي مذهبهم علي طريقة ابن تيمية وابن حزم ونظائرهما.
[94] مختصر التحفة الاثني عشرية، ص 55.
[95] الفرق بن الفرق، ص 349.
[96] قواعد العقائد، ص 226.
[97] المواقف، ص 400.
[98] صحيح مسلم بشرح النووي 12: 205.
[99] المصدر السابق 12: 205. [
[100] البداية والنهاية 5: 219.
[101] صحيح البخاري 4: 2256 الاحكام، ب 51 ح 7218. صحيح مسلم 3: 1454 الإمارة، ب 2 ح 1823: 11، 12. سنن الترمذي 4: 502 ح 2225 قال الترمذي: وهذا حديث صحيح. سنن أبي داود 3: 133 ح 2939. صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2: 567 ح 2546. مسند أحمد بن حنبل 1: 284، 295، 299 ح 299، 322، 332.
[102] اُسد الغابة 3: 330.
[103] المواقف، ص 400.
[104] الإرشاد، ص 424 عن كتاب الالهيات 2: 523.
[105] الأحكام السلطانية، ص 33.
[106] صحيح البخاري 3: 1286 المغازي، ب 38 ح 4240. صحيح مسلم 3: 1380 الجهاد والسير، ب 16 ح 1759.
[107] فتح الباري 7: 398.
[108] اُسد الغابة 3: 329.
[109] الكامل في التاريخ 2: 325، 331.
[110] السيرة الحلبية 3: 484.
[111] الإمامة والسياسة، ص 12.
[112] الرياض النضرة 1: 241.
[113] تاريخ اليعقوبي 2: 9. تاريخ أبي الفداء 1: 219.
[114] اُسد الغابة 3: 329.
[115] الكامل في التاريخ 2: 325، 331.
[116] مروج الذهب 2: 301.
[117] السير الحلبية 3: 484، إلا أنه ذكر العباس، وقال: وجمع من بني هاشم.
[118] تاريخ اليعقوبي 2: 9.
[119] الرياض النضرة 1: 241.
[120] اُسد الغابة 3: 329.
[121] مروج الذهب 2: 301.
[122] الإمامة والسياسة، ص 10.
[123] الرياض النضرة 1: 241.
[124] اُسد الغابة 3: 329.
[125] الكامل في التاريخ 2: 325، 331.
[126] السيرة الحلبية 3: 484.
[127] الرياض النضرة 1: 241.
[128] تاريخ اليعقوبي 2: 9. تاريخ أبي الفداء 1: 219.
[129] اُسد الغابة 3: 329.
[130] الرياض النضرة 1: 241.
[131] تاريخ اليعقوبي 2: 9. تاريخ أبي الفداء 1: 219.
[132] الكامل في التاريخ 2: 325.
[133] السيرة الحلبية 3: 484.
[134] الرياض النضرة 1: 241.
[135] السيرة الحلبية 3: 484.
[136] تاريخ اليعقوبي 2: 103.
[137] الرياض النضرة 1: 241.
[138] تاريخ اليعقوبي 2: 9. تاريخ أبي الفداء 1: 219.
[139] تاريخ اليعقوبي 2: 103.
[140] الرياض النضرة 1: 241.
[141] تاريخ اليعقوبي 2: 9. تاريخ أبي الفداء 1: 219.
[142] تاريخ اليعقوبي 2: 103.
[143] الرياض النضرة 1: 241.
[144] تاريخ اليعقوبي 2: 9. تاريخ أبي الفداء 1: 219.
[145] تاريخ اليعقوبي 2: 103.
[146] الرياض النضرة 1: 241.
[147] تاريخ اليعقوبي 2: 9. تاريخ أبي الفداء 1: 219.
[148] تاريخ اليعقوبي 2: 103.
[149] تاريخ اليعقوبي 2: 9. تاريخ أبي الفداء 1: 219.
[150] تاريخ اليعقوبي 2: 103.
[151] تاريخ اليعقوبي 2: 9. تاريخ أبي الفداء 1: 219.
[152] تاريخ اليعقوبي 2: 10. تاريخ أبي الفداء 1: 219.
[153] صحيح البخاري 8: 210 الحدود، باب رجم الحبلي من الزنا، 4: 2130 ح 6830. مسند أحمد بن حنبل 1: 323 ح 391. الجمع بن الصحيحين للحميدي 1: 104. الجمع بين الصحيحين للموصلي 1: 260. المصنف 7: 431 ح 37031، 37032.
[154] تاريخ الخلفاء، ص 51. البداية والنهاية 5: 215. السيرة النبوية 4: 657. الكامل في التاريخ 2: 326. الرياض النضرة 1: 233. مختصر التحفة الاثني عشرية، ص 243.
[155] لسان العرب 2: 67.
[156] النهاية في غريب الحديث 3: 467.
[157] الرياض النضرة 1: 237.
[158] بشير بن سعد والد النعمان بن بشير، من الخزرج. قال ابن الاثير في اُسد الغابة 1: 398: شهد بدراً وأحداً والمشاهد بعدها، يقال: إنه أول من بايع أبا بكر رضي الله عنه يوم السقيفة من الأنصار، وقتل يوم عين تمر مع خالد بن الوليد بعد انصرافه من اليمامة سنة اثنتي عشرة.
[159] هو الحباب من المنذر بن الجموح الأنصاري، من الخزرج. قال ابن الاثير في أسد الغابة 1: 665: شهد بدراً وهو أبن ثلاث وثلاثين سنة... وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ويقال له: ذو الرأي. وهو القائل يوم السقيفة: أنا جذيلها المحكك وعُذيقها المرجب، منا أمير. وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب.
[160] يعني أنك حسدت سعد بن عبادة أو الحباب نفسه لأنه دعا إلي نفسه، فبادرت إلي مبايعة أبي بكر، لئلا ينالها سعد أو الحباب.
[161] تاريخ الطبري 2: 458. الكامل في التاريخ 2: 331.
[162] الرياض النضرة 1: 238.
[163] السيرة الحلبية 3: 484. وراجع مروج الذهب 2: 301.
[164] مسند أحمد بن حنبل 1: 41 ح 42، قال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
[165] سنن أبي داود 2: 199 ح 1960.
[166] مسند أحمد بن حنبل 31: 205 ح 21541.
[167] السنن الكبري 3: 144.
[168] صحيح مسلم 1: 482.
[169] ذكر الطبري في تاريخه أن سعد بن عبادة قال يوم السقيفة لأبي بكر: إنك وقومي أجبرتموني علي البيعة. فقالوا له: إنا لو أجبرناك علي الفرقة فصرت إلي الجماعة كنت في سعة، ولكنا أجبرنا علي الجماعة فلا إقالة فيها، لئن نزعت يداً من طاعة أو فرقت جماعة لنضربن الذي فيه عيناك.
[170] ذكر المسعودي في مروج الذهب 2: 301 أن أبا بكر لما احتضر قال: ما آسي علي شيء إلا علي ثلاث فعلتها، وددت أني تركتها، وثلاث تركتها وددت أني فعلتها، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عنها، فأما الثلاث التي فعلتها، ووددت أني تركتها، فوددت أني لم أكن فتشت بيت فاطمة. وفي الإمامة والسياسة، ص 18: فأما اللاتي فعلتهن وليتني لم أفعلهن: فليتني تركت بيت علي وإن كان أعلن عليّ الحرب... وذكر هجوم القوم علي بيت فاطمة أيضاً: اليعقوبي في تاريخه 2: 11. وأبو الفداء في تاريخه 1: 219. وأبن قتيبة في الإمامة والسياسة، ص 13 كما سيأتي.
[171] قال أبن قتيبة في الإمامة والسياسة، ص 13: ثم قام عمر، فمشي معه جماعة، حتي أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت اصواتهم نادت بأعلي صوتها: يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وأبن أبي قحافة؟ فلما سمع القوم صوتها وبكائها انصرفوا باكين... وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا علياً، فمضوا به إلي أبي بكر فقالوا له: بايع... وقال أبو الفداء في تاريخه 1: 219: ثم إن أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلي علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي الله عنها، وقال: إن أبوا عليك فقاتلهم. فأقبل عمر بشيء من نار علي أن يضرم الدار، فلقيته فاطمة رضي الله عنها وقالت: إلي أين يا ابن الخطاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخل فيه الأمة... ونظم هذا المعني حافظ إبراهيم، فقال: وقولــــة لعلـي قالها عمر أكرم بسامعها أعظم بملقيهـــا حرقت دارك لا أبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفي فيها ما كان غير أبي حفص بقائلها أمام فارس عدنان وحاميهـــا وهو كثير في كتب التاريخ يجده المتتبع.
[172] تاريخ الطبري 2: 459.
[173] صحيح البخاري 4: 2234 الاحكام، ب 7 ح 7148. سنن النسائي 7: 181 ح 4222، 8: 617 ح 5400. صحيح سنن النسائي 2: 457، 1090. مسند أحمد بن حنبل 2: 448، 476. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 8. السنن الكبري 3: 129، 10: 95. الترغيب والترهيب 3: 98. مشكاة المصابيح 2: 1089. حلية الاولياء 7: 93. شرح السنة 1: 57، 14: 58. الجامع الصغير 1: 388 ح 2538. صحيح الجامع الصغير 1: 388 ح 2304. سلسلة الأحاديث الصحيحة 6: 1: 70 ح 2530.
[174] صحيح البخاري 1: 399 الجنائز، ب 72 ح 1344، 3: 1110 المناقب، ب 25 ح 3596، 4: 2059 الرقاق، ب 53 ح 6590. صحيح مسلم 4: 1795 الفضائل، ب 9 ح 2296.
[175] صحيح البخاري 3: 1234 المغازي، ب 17 ح 4043.
[176] ذكر الطبري في تاريخه 2: 457، وابن الاثير في الكامل في التاريخ 2: 329 خطبة أبي بكر يوم السقيفة، فذكر المهاجرين وبين فضلهم علي غيرهم، فكان مما قال: فهم أول من عبد الله في الارض، وآمن بالله والرسول، وهم أولياؤه وعشيرته، وأحق بهذا الامر من بعده، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم. وكان مما قاله عمر: من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته، ونحن أولياؤه وعشيرته، إلا مُدْلٍ بباطل، أو متجانف لإثم، أو متورط في هلكة. وقال أبو عبيدة: ألا إن محمداً صلي الله عليه وسلم من قريش، وقومه أولي به.
[177] ديوان أمير المؤمنين عليه السلام، ص 12. وراجع احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بذلك في (الإمامة السياسة)، ص 11.
[178] صحيح البخاري 3: 1126 فضائل أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم، ب 5 ح 3659. صحيح مسلم 4: 1856 فضائل الصحابة، ب 1 ح 2386.
[179] الصواعق المحرقة 1: 53. شرح العقيدة الصحاوية، ص 471. كتاب الإمامة، ص 252.
[180] السنح: موضع في أطراف المدينة، وكان بينها وبين منزل النبي صلي الله عليه وآله وسلم ميل، وكان بها منزل أبي بكر.
[181] سنن الترمذي 5: 609 ح 3663، 3663. سنن أبن ماجة 1: 37 ح 97. مسند أحمد بن حنبل 5: 382، 385، 399. المستدرك 3: 75.
[182] المواقف، ص 407.
[183] الصواعق المحرقة 1: 56.
[184] شرح العقيدة الطحاوية، ص 472.
[185] كتاب الإمامة، ص 253.
[186] المستدرك 3: 75 ـ 76 وصححه الحاكم، وجلعه شاهداً للحديث السابق.
[187] سورة السجدة، الآية 24.
[188] سورة الانبياء، الآية 73.
[189] تفسير القرآن العظيم 2: 155.
[190] وصفه بالتدليس: الذهبي في ميزان الاعتدال 2: 170، وابن حجر في طبقات المدلسين، ص 32.
[191] ذكر ابن أبي حاتم في كتابه (الجرح والتعديل) 4: 225 عن يحيي بن معين أنه قال: لم يكن أحد أعلم بحديث أبي إسحاق من الثوري، وكان يدلس. وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 2: 169: سفيان بن سعيد: الحجة الثبت، متفق عليه، مع أنه كان يدلس عن الضعفاء. وقال ابن حجر في طبقات المدلسين، ص 32: وصفه النسائي وغيره بالتدليس.
[192] صحيح البخاري 1: 162، 163، الصلاة، ب 80 ح 466، 467، 3: 1125 ـ 1126 فضائل أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم، ب 3، 4، 5 ح 3654، 3656 ـ 3658. صحيح مسلم 4: 1854 ـ 1856 فضائل الصحابة، ب 1 ح 2382 ـ 2383. مسند أحمد بن حبنل 3: 18.
[193] الصواعق المحرقة 1: 57.
[194] شرح العقيدة الطحاوية، ص 472.
[195] كتاب الإمامة، ص 251، 252.
[196] راجع النهاية في غريب الحديث 2: 72. لسان العرب 11: 217. الصحاح 4: 1688.
[197] صحيح البخاري 4: 1814 المرضي، ب 16 ح 5666، 4: 2256 الأحكام، ب 51 ح 7217. صحيح مسلم 4: 1857 فضائل الصحابة، ب 1 ح 2387. مسند أحمد بن حنبل 6: 106، 144.
[198] الصواعق المحرقة 1: 58.
[199] شرح العقيدة الطحاوية، ص 472.
[200] كتاب الإمامة، ص 252.
[201] أنه نحلها، وشهد علي والحسن والحسين وأم كلثوم، فرد أبو بكر شهادتهم. قلنا أما الحسن والحسين فللفرعين، وأما علي وأم كلثوم فلقصورهما عن نصاب البينة. وقال ابن حجر في الصواعق 1: 93: وزعمهم أن الحسن والحسين وأم كلثوم شهدوا لها باطل، علي ان شهادة الفرع والصغير غير مقبولة. وقال الحلبي في السيرة الحلبية 3: 488: وأما زعم أنه شهد لها الحسن والحسين وأم كلثوم فباطل، لم ينقل عن أحد ممن يعتمد عليه، علي ان شهادة الفرع للأصل غير مقبولة. وقال في رحمة الأمة، ص 578: وهل تقبل شهادة الوالد لولده، والولد لوالده، أم لا؟ قال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا تقبل شهادة الوالدين من الطرفين للولدين، ولا شهادة الولدين للوالدين: الذكور والإناث، بعدوا أو قربوا. وعن أحمد ثلاث روايات: إحداها: كمذهب الجماعة. والثانية: تقبل شهادة الابن لأبيه، ولا تقبل شهادة الاب لابنه. والثالثة: تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه ما لم تجر نفعاً في الغالب.
[202] أخرج البخاي ومسلم في صحيحيهما أن عائشة قال: لما ثقل النبي صلي الله عليه وسلم واشتد به وجعه، استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له، فخرج النبي صلي الله عليه وسلم بين رجلين، تخط رجلاه في الارض، بين عباس ورجل آخر. قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بن عباس فقال: أتدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ قلت: لا. قال: هو علي بن أبي طالب. راجع صحيح البخاري 1: 87 ح 198، ص 211 ح 665، 2: 781 ح 2588، 3: 1340 ح 4442. صحيح مسلم 1: 312 ح 418: 91، 92. سنن ابن ماجة 1: 517 ح1618.
[203] صحيح البخاري 3: 1127، 1129 فضائل أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم، ب 5، ح 3662، 3671. صحيح مسلم 4: 1856 فضائل الصحابة، ب 1 ح 2384، 2385.
[204] شرح العقيدة الطحاوية، ص 472.
[205] كتاب الإمامة، ص 252.
[206] سنن الترمذي 5: 701 ح 3874 قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. المستدرك 3: 157 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ولم يتعقبه الذهبي بشيء. خصائص أمير المؤمنين للنسائي، ص 127 ح 111. وقال الالباني في تعليقه علي مشكاة المصابيح 3: 1735: إسناده حسن.
[207] المستدرك 3: 155 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
[208] المستدرك 3: 155 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد علي شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
[209] صحيح البخاي 3: 1346 المغازي، ب 87 ح 4468.
[210] صحيح مسلم 4: 1884 فضائل الصحابة، ب 10 ح 2426: 64.
[211] سنن الترمذي 5: 636 ح 3718 قال الترمذي: هذا حديث حسن. سنن أبن ماجة 1: 53 ح 149. المستدرك 3: 130 قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه. مسند أحمد بن حنبل 5: 356.
[212] صحيح مسلم 3: 1457 الإمارة، ب 4 ح 1825، 1826.
[213] سبق تخريجه وبيان مصادره.
[214] المواقف، ص 407.
[215] الصواعق المحرقة 1: 58.
[216] كتاب الإمامة، ص 250.
[217] شرح العقيدة الطحاوية، ص 473.
[218] المواقف، ص 407.
[219] الصواعق المحرقة 1: 59.
[220] شرح العقيدة الطحاوية، ص 472.
[221] عقيدة السلف وأصحاب الحديث، ص 290.
[222] صحيح مسلم 1: 465 كتاب المساجد، ب 53 ح 673: 291. سنن الترمذي 1: 458 ح 235 قال الترمذي: حديث حسن صحيح. سنن النسائي 1: 410 ح 779. سنن أبي داود 1: 159 ح 582. سنن أبن ماجة 1: 313 ح 980.
[223] صحيح مسلم 1: 466 كتاب المساجد، ب 53 ح 674.
[224] نص علي ذلك ابن الاثير في اُسد الغابة 3: 41 ت 2538. وابن حجر في الإصابة 3: 366 ت 4124. وابن عبد البر في الاستيعاب 2: 732، قال: وهذا مما أجمع عليه أهل السير والعلم بالخبر.
[225] تهذيب الأسماء واللغات 2: 189. الصواعق المحرقة 1: 44.
[226] سنن الترمذي 5: 633 ح 3713 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. سنن أبن ماجة 1: 45ح 121، صححه الالباني في صحيح أبن ماجة 1: 26 ح 98. المسترك 3: 109، 110 وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. مسند أحمد بن حنبل 1: 84، 118، 119، 152، 321، 4: 281، 368، 370، 372، 5: 347، 366، 419. حلية الاولياء 4: 23، 5: 27، 364. مجمع الزوائد 9: 103 ـ 106. كتاب السنة، ص 590 ـ 596. خصائص أمير المؤمنين، ح 12، 24، 79 ـ 88، 93 ـ 96، 98، 99، 157. المعجم الكبير للطبراني ح 4968 ـ 4971، 4983، 4985، 4986، 4996، 5058، 5059، 5065، 5066، 5068، 5071، 5092، 5096، 5097، 5128. صحيح أبن حبان 15: 375 ح 6931. المصنف لابن أبي شيبة ح 32056، 32064، 32069، 32082، 32083، 320109، 32123. الاحاديث المختارة ح 464، 479، 480، 481، 553. مختصر إتحاف السادة المهرة 9: 194 ـ 196 ح 7483 ـ 7492. وصححه جمع من أعلام أهل السنة، منهم الترمذي كما مر، والحاكم في المستدرك، والذهبي في التلخيص وتاريخ الاسلام 2: 629، والقاري في مرقاة المفاتيح 10: 464، وابن حجر في الصواعق المحرقة، ص 149وقال: إن كثيراً من طرقه صحيح أو حسن. وابن عبد البر في الاستيعاب 3: 36، والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 104 ـ 108، والبويصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة، والألباني في صحيح الجامع الصغير 2: 1112، وسلسلته الصحيحة 4: 343 وغيرهم. وعده السيوطي في (قطف الازهار المتناثرة)، ص 277 من الاحاديث المتواترة، وكذا في (نظم المتناثر)، ص 206، والزبيدي في (لقط اللآلي المتانثرة)، ص 205، والحافظ شمس الدين الجزري في (أسني المطالب)، ص 5، والألباني في سلسلته الصحيحه 4: 343.
[227] راجع النهاية في غريب الحديث 5: 228. لسان العرب 15: 409. الصحاح 6: 2529 القاموس المحيط، ص 1209 كلها مادة (ولي). .
[228] النهاية في غريب الحديث 5: 228. لسان العرب 15: 410.
[229] المصدران السابقان.
[230] ابن ماجة 1: 43 ح 116. صححه الالباني في صحيح سنن أبن ماجة1: 26 ح 98. مسند أحمد بن حنبل 4: 370، فضائل الصحابة 2: 682. صحيح ابن حبان 15: 375 ح 6913. المصنف لابن أبي شيبة 6: 376 ح 32123. الأحاديث المختارة 2: 173 ح 553. سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 331 قال: إسناده صحيح علي شرط الشيخين. مجمع الزوائد 9: 104 وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة. المعجم الكبير ح 5066، 5068، 5070، 5092. كتاب السنة ح 1361، 1367، 1369. خصائص أمير المؤمنين ح 82، 84، 93. المستدرك 3: 110 قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي. البداية والنهاية 7: 359 ـ 363. مختصر إتحاف السادة المهرة ج 9 ح 7483، 7485، 7487، 7489 قال البويصيري في الأول: رواه بسند صحيح.
[231] سنن الترمذي 5: 632 ح 3712 قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. خصائص أمير المؤمنين، ص 109 ح 89، 90. مسند أحمد بن حنبل 4: 437، 5: 356. فضائل الصحابة 2: 605 ح 1035. مسند أبي داود الطيالسي، ص 111 ح 829. المصنف لابن أبي شيبة 6: 375ح 32112. صحيح ابن حبان 15: 373 ح 6929. المستدرك 3: 110 قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه. ولم يتعقبه الذهبي بشيء. حلية الأولياء 6: 294. الكامل ف ضعفاء الرجال 2: 145. سلسلة الأحاديث الصحيحة 5: 261 ح 2223. البداية والنهاية 7: 351، 356، 358. مختصر إتحاف السادة المهرة 9: 170 ح 7410 قال البويصيري: رواه أبو داود الطيالسي بسند صحيح.
[232] منهاج السنة 4: 104.
[233] سلسلة الأحاديث الصحيحة 5: 263 ح 2223.
[234] صحيح البخاري 3: 1142 فضائل أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم، ب 9 ح 3706. صحيح مسلم 4: 1870 ـ 1871 فضائل الصحابة، ب 4 ح 2404: 31، 32. سنن الترمذي 5: 638، 640، 641 ح 3724، 3730، 3731 وقال في بعضها: حديث حسن. وفي بعضها: حديث صحيح. سنن أبن ماجة 1: 42، 45 ح 115، 121. مسند أحمد ابن حنبل 1: 170، 173 ـ 175، 177، 179، 182، 184، 185، 330، 3: 32، 338، 6: 369، 438. المستدرك 3: 109، 133، قال الحاكم فيهما: حديث صحيح. ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد 9: 109 ـ 111 ووثق رجال بعض الطرق. حلية الأولياء 7: 194 ـ 196 وقال: صحيح مشهور. خصائص النسائي ح 11، 12، 24، 44 ـ 64، 126. فضائل الصحابة ح 954، 956، 957، 960، 1005، 1006، 1041، 1045، 1079، 1091، 1143، 1153. مسند أبي داود الطيالسي، ص 29 ح 209، 213. السنن الكبري 9: 40. المصنف لابن أبي شيبة ح 32065 ـ 32069. صحيح ابن حبان 15: 15، 370 ح 6643، 6926، 6927. المعجم الكبير للطبراني 23: 376 ح 892. كتاب السنة ح 1331 ـ 1351، 1381 ـ 1386. مسند الحميدي 1: 38 ح 71. البداية والنهاية 7: 347، 351 ـ 354، مختصر إتحاف السادة المهرة 9: 177، 181 ح 7434، 7443.
[235] سورة الإعراف، الآية 142.
[236] سورة طه، الآيات 29 ـ 32.
[237] سورة الفرقان، الآية 35.
[238] صحيح البخاري 3: 1331 المغازي، ب 78 ح 4416. صحيح مسلم 4: 1871 فضائل الصحابة، ب 4 ح 2404: 31، 32. سنن الترمذي 5: 638 ح 3724 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. مسند أحمد بن حنبل 1: 177، 182. صحيح ابن حبان 15: 370 ح 6927. مسند أبي داود الطيالسي، ص 29 ح 209، السنن الكبري 9: 40. دلائل النبوة 5: 220. خصائص النسائي، ص 74 ح 56. حلية الأولياء 7: 196. تاريخ بغداد 11: 432. شرح السنة 14: 113 ح 3907. مشكل الآثار 2: 309. البداية والنهاية 7: 353. المطالب العالية 4: 65 ح 3972.
[239] المواقف، ص 406.
[240] أخرج الترمذي في سننه 5: 636 ح 3720 وحسَّنه، عن ابن عمر قال: آخي رسول الله صلي الله عليه وسلم بين أصحابه، فجاء علي تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله آخيت بين اصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد. فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: أنت أخي في الدنيا والآخرة. المستدرك 3: 14. مشكاة المصابيح 3: 1720 ح 6084. البداية والنهاية 7: 348. فضائل الصحابة 2: 617 ح 1055 وغيرها.
[241] قال النووي في تهذيب الاسماء واللغات 1: 344 ت 429 في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام: (وهو أخو رسول الله صلي الله عليه وسلم بالمؤاخاة وصهره علي فاطمة سيدة نساء العالمين). وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء، ص 132: (وعلي رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأخو رسول الله صلي الله عليه وسلم بالمؤاخاة).
[242] المنتقي من منهاج الاعتدال، ص 212.
[243] مجمع الزوائد 7: 234 ـ 235 قال الهيثمي: رواه أبو يعلي، ورجاله ثقات. المطالب العالية 4: 66 ح 3974. مختصر إتحاف السادة المهرة 9: 175 ح 7430.
[244] مجمع الزوائد 7: 236 قال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله ثقات.
[245] المستدرك 3: 124 قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه. سنن الترمذي 5: 633 ح 3417. در السحابة، ص 228.
[246] التفسير الكبير 1: 205.
[247] سورة يونس، الآية 35.
[248] المستدرك 3: 124 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد 9: 134. تاريخ الخلفاء، ص 137. كنز العمال ح 32912. الصواعق المحرقة 2: 361 عن الطبراني في الاوسط. در السحابة، ص 228.
[249] المستدرك 3: 121 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. در السحابة، ص 227.
[250] المستدرك 3: 122 قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. در السحابة، ص 228.
[251] المستدرك 3: 124 قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. در السحابة، ص 226 قال الشوكاني: أخرجه البزار بإسناد رجاله ثقات.
[252] المستدرك 3: 128 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. در السحابة، ص 228.
[253] مسند أحمد بن حنبل 1: 330 ـ 331. المستدرك 3: 133 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة. ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد 9: 119 قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير أبي بلج الفزاري وهو ثقة وفيه لين.
[254] إتحاف الخيرة المهرة 9: 259 ح 8944. مختصر إتحاف السادة المهرة 9: 180 ح 7443.
[255] المستدرك 3: 124، 138 وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. حلية الأولياء 1: 63. تاريخ بغداد 11: 89. ترجمة الإمام أمير المؤمنين من تاريخ ابن عساكر 2: 261. در السحابة، ص 214. مجمع الزوائد 9: 116.
[256] المستدرك 3: 137 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ترجمة الإمام أمير المؤمنين من تاريخ ابن عساكر 2: 256 ـ 258. حلية الأولياء 1: 63. در السحابة، ص 229.
[257] مناقب أمير المؤمنين عليه السلام، ص 93.
[258] البداية والنهاية 7: 374.
[259] ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق 2: 260.
[260] سنن الترمذي 5: 363 ح 3721. المستدرك 3: 130 ـ 132 قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة علي ثلاثين نفساً، ثم صحت الرواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة. خصائص النسائي ح 10. مجمع الزوائد 9: 125 ـ 126 قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني باختصار، ورجال الطبراني رجال الصحيح غير فطر بن خليفة، وهو ثقة. حلية الأولياء 6: 339. تاريخ الإسلام 2: 633 قال الذهبي: له طرق كثيرة عن أنس متكلم فيها، وبعضها علي شرط السنن. تاريخ بغداد 3: 171، 8: 382، 9: 369، 11: 376. المعجم الكبير للطبراني 1: 253 ح 730. ترجمة الإمام أمير المؤمنين من تاريخ أبن عساكر 2: 105 ـ 151. البداية والنهاية 7: 363 ـ 366. المطالب العالية 4: 61 ح 3962، 3964. مختصر إتحاف السادة المهرة ج 9 ح 7446 ـ 7450.
[261] اليعسوب: هو السيد والرئيس.
[262] عن در السحابة للشوكاني، ص 205 قال الشوكاني: أخرجه الطبراني في الكبير بإسناد رجاله ثقات.
[263] المستدرك 3: 140 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. 3: 142 قال الحاكم: صحيح. ووافقه الذهبي أيضاً. المطالب العالية 4: 56 ح 3947، 3948. مختصر إتحاف السادة المهرة 9: 7415 قال البوصيري: رواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد حسن.
[264] المطالب العالية 4: 56 ح 3946.
[265] مجمع الزوائد 9: 118، المطالب العالية 4: 60 ح 3960، مختصر إتحاف السادة المهرة 9: 176 ح 7433. قال البوصيري: رواه أبو يعلي الموصلي والبزار والحاكم وصححه.
[266] صحيح مسلم 4: 1873 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
[267] سنن الترمذي 5: 622 كتاب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وذكر في مشكاة المصابيح 3: 1735، سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 356 وقال الالباني: الحديث صحيح.
[268] سنن الترمذي 5: 663. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وذكر في مشكاة المصابيح 3: 1735، صحيح الجامع الصغير 1: 482 حديث 2458 وصحححه الألباني أيضاً.
[269] الدوحات: الأشجار العظيمة. وقممن: أي كنس ما تحتهن.
[270] مسند أحمد بن حنبل 3: 14، 26. المستدرك علي الصحيحين 3: 109، قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله، شاهده حديث سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل، وهو أيضاً صحيح علي شرطهما. ووافقه الذهبي. كتاب السنة 2: 630. البداية والنهاية 5: 184، وقال: قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: هذا حديث صحيح.
[271] المستدرك علي الصحيحين 3: 109 ـ 110.
[272] المستدرك علي الصحيحين 3: 148، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. كتاب السنة 2: 630.
[273] مسند أحمد بن حنبل 5: 181، 189. مجمع الزوائد 9: 162 قال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده جيد. 2: 170 وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. الجامع الصغير 1: 402 حديث 2631 ورمز له السيوطي بالصحة. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1: 482 حديث 2457.
[274] مسند أحمد بن حنبل 3: 59، وراجع ص 14، 17، 26. كتاب السنة، ص 629. شرح السنة 14: 119 وقال: حسن غريب.
[275] مسند أحمد بن حنبل 3: 17. الطبقات الكبري 2: 194. كنز العمال 1: 185. قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 357: وهو إسناد حسن في الشواهد.
[276] المطالب العالية 4: 65 وقال: هذا إسناد صحيح. مختصر إتحاف السادة المهرة 9: 194، وقال: رواه إسحاق بسند صحيح. مشكل الآثار 2: 307.
[277] مختصر إتحاف السادة المهرة 8: 461، وقال: رواه أبو بكر بن أبي شيبة وعبد بن حميد، ورواته ثقات.
[278] مسند أحمد بن حنبل 3: 14، 4: 371.
[279] فضائل الصحابة 1: 172، 2: 572، 585، 603، 779، 786.
[280] مجمع الزوائد 9: 162 وما بعدها.
[281] الدر المنثور 7: 349 في تفسير الآية 23 من سورة الشوري.
[282] إحياء الميت، ص 28، 29، 39، 40، 48، 55، 56.
[283] كنز العمال 1: 172 وما بعدها.
[284] حلية الأولياء 1: 355.
[285] خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ص 96.
[286] الفردوس بمأثور الخطاب 1: 66.
[287] مسند ابن أبي شيبة 1: 108.
[288] سنن الدارمي 2: 432.
[289] السنن الكبري 2: 148، 10: 114.
[290] جامع الأصول 1: 187.
[291] المعجم الكبير للطبراني 3: 62 ـ 65 ح 2678 ـ 2681، 2638، 5: 154 وما بعدها ح 4922، 4923، 4980 ـ 4982، 5025 ـ 5028، 5040. المعجم الصغير 1: 135.
[292] الخصائص الكبري 2: 266.
[293] منهاج السنة 2: 250، 4: 104.
[294] رياض الصالحين 1: 264.
[295] شرح الشفا 2: 82.
[296] ذخائر العقبي، ص 47 ـ 48.
[297] اُسد الغابة 2: 17.
[298] سير أعلام النبلاء 9: 365.
[299] الصواعق المحرقة 2: 437، 438، 652، 653 (ط محققة).
[300] الذرية الطاهرة، ص 166.
[301] شرح المقاصد 5: 302.
[302] الإحكام في أصول الاحكام 6: 267.
[303] مناقب علي بن أبي طالب، ص 156 ـ 157، ط اُخري: ص 214.
[304] لسان العرب 11: 88.
[305] القاموس المحيط 3: 353، ط جديدة، ص 875 مادة (ثقل).
[306] الفائق في غريب الحديث 1: 150.
[307] النهاية في غريب الحديث 1: 216.
[308] الصواعق المحرقة، ص 145.
[309] المصدر السابق، ص 228.
[310] المصدر السابق 9: 162.
[311] البداية والنهاية 5: 184.
[312] تفسير القرآن العظيم 4: 113.
[313] سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 355، حديث 1761.
[314] أخرجه البخاري في صحيحه 1: 27، سنن الترمذي 5: 49، سنن أبي داود 3: 317، سنن أبن ماجة 1: 81، سنن الدرامي 1: 98، مسند أحمد 5: 196، صحيح ابن حبان 1: 289، مشكل الآثار 1: 429، شرح السنة 1: 276 وغيرهم.
[315] الصواعق المحرقة، ص 151، 2: 442 (ط محققة).
[316] لسان العرب 11: 88 مادة (ثقل).
[317] راجع النهاية في غريب الحديث 1: 216.
[318] القاموس المحيط، ص 875 (ط جديدة).
[319] مرقاة المفاتيح 10: 516.
[320] الفائق في غريب الحديث 1: 150.
[321] لسان العرب 4: 538 مادة (عتر).
[322] سورة آل عمران، الآية 61.
[323] صحيح مسلم 4: 1871 كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه. مسند أحمد بن حنبل 1: 185، سنن الترمذي 5: 225 وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. المستدرك 3: 150، وقال: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
[324] المرط: كساء من صوف، أو من خز أو غيرهما، والمرحل: الذي نقش فيه تصاوير الرحال.
[325] صحيح مسلم 4: 1883 كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بيت النبي صلي الله عليه وسلم.
[326] سنن الترمذي 5: 225. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. المستدرك 3: 158، قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين. مجمع الزوائد 9: 168.
[327] المستدرك 3: 108 ـ 109، قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة، وقال الذهبي: علي شرط مسلم فقط. وأخرجه أيضاً بلفظ قريب مما مر في حديث طويل آخر 3: 133، وقال: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة. ووافقه الذهبي.
[328] المستدرك 3: 146، وقال: هذا حديث صحيح علي شرط البخاري، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأخرجه أيضاً في 3: 147 عن واثلة بن الأسقع وعن عائشة وصححه في الموضعين ووافقه الذهبي فيهما.
[329] راجع مسند أحمد بن حنبل 1: 185، 330، 4: 107، 6: 292، 323. مجمع الزوائد 9: 166 ـ 174، الدر المنثور 6: 603 في تفسير آية التطهير، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9: 61، السنن الكبري 2: 149 ـ 150، مسند أبي داود الطيالسي، ص 274، خصائص أمير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، ص 30، 47، كتاب السنة 2: 588، مشكاة المصابيح 3: 1731، تاريخ بغداد 10: 278 وغيرها.
[330] فيض القدير 3: 14.
[331] الصواعق المحرقة، ص 151.
[332] فيض القدير 3: 14.
[333] شرح المقاصد 5: 303.
[334] مختصر التحفة الأثني عشرية، ص 52.
[335] قاله عمر لما أراد النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن يكتب في مرضه كتاباً لا تضل به الأمة من بعده، وهذا الحديث مروي عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: لم اشتد بالنبي صلي الله عليه وسلم وجعه قال: أئتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. قال عمر: إن النبي صلي الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط، قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع. فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلي الله عليه وسلم وبين كتابه. أخرجه البخاري 1: 38، 4: 85، 121، 6: 11، 7: 155، 9: 137، واللفظ له، وأخرجه مسلم في صحيحه 3: 1257 ـ 1259 بألفاظ متقاربة، وأخرجه أحمد بن حنبل في المسند 1: 222، 293، 324، 336، 355، والحاكم في المستدرك وصححه 3: 477، وغيرهم.
[336] فيض القدير 3: 14.
[337] الصواعق المحرقة، ص 180. وط محققة 2: 439.
[338] الصواعق المحرقة، ص 181. وط محققة 2: 442.
[339] فيض القدير 3: 15.
[340] سورة يونس، الآية 35.
[341] سورة الأعراف، الآية 150.
[342] فيض القدير 3: 14.
[343] المستدرك 3: 149، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
[344] المصدر السابق 3: 457، 2: 448، قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
[345] الجامع الصغير 2: 680. مجمع الزوائد 9: 174. المطالب العالية 4: 74، 347. إحياء الميت، ص 37، 45. الخصائص الكبري 2: 266. فضائل الصحابة 2: 671. مختصر إتحاف السادة المهرة 9: 210. وذكره العجلوني في كشف الخفا 2: 135، 327. كنز العمال 12: 96.
[346] فيض القدير 6: 298.
[347] المستدرك 2: 343، 3: 150. مجمع الزوائد 9: 168. مشكاة المصابيح 3: 1742. الجامع الصغير 2: 533. إحياء الميت، ص 41 ـ 42. الخصائص الكبري 2: 266. حلية الاولياء 4: 306. تاريخ بغداد 12: 91. كنز العمال 12: 94، 95، 98.
[348] فيض القدير 5: 517.
[349] مرقاة المفاتيح 10: 552.
[350] المصدر السابق 10: 553.
[351] تلخيص الحبير 4: 191. ونقل كلام البزار أيضاً الزركشي في المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر، ص 83. وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2: 90.
[352] المعتبر في تخريج أحدايث المنهاج والمختصر، ص 83.
[353] سلسلة الأحاديث الضعيفة 1: 79 عن المنتخب لابن قدامة 10: 199: 2.
[354] جامع بينان العلم وفضله 2: 91.
[355] شرح العقيدة الطحاوية، ص 468.
[356] أعلام الموقعين 2: 242. سلسة الأحاديث الضعيفة 1: 78 ـ 84.
[357] الإحكام في أصول الأحكام 6: 244.
[358] المصدر السابق 5: 62.
[359] المصدر السابق 6: 239 ـ 240.
[360] يشير الي الحديث السابق: أصحابي كالنجوم.
[361] مرقاة المفاتيح 10: 553.
[362] أخرجه البخاري في صحيحه 4: 178، 6: 151، 8: 95. ومسلم في صحيحه 1: 305، ومالك في الموطأ، ص 83، وأبو داود في سننه 2: 257، 258، والنسائي في سننه 2: 45 ـ 49، والترمذي في سننه 2: 352، وابن ماجة في سننه 1: 292 ـ 294، وأحمد في المسند 3: 47، 4: 118، 119، 241، 244، والدارمي في سننه 1: 309، 310، وأبو عوانة في مسنده 2: 212، 213، والطيالسي في مسنده، ص 142، والحميدي في مسنده 2: 311، والبيهقي في السنن الكبري 2: 147، 148، وابن أبي شيبة في مسنده 1: 343، والطبراني في المعجم الصغير 1: 85، وابن حجر في تلخيص الحبير 1: 262، 263، والطحاوي في مشكل الآثار 3: 71 ـ 75، والألباني في إرواء الغليل 2: 24، وغيرهم كثير، وهو حديث متفق عليه. قال ابن منده: حديث مجمع علي صحته (عن إرواء الغليل 2: 25).
[363] هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، ولد في الكوفة سنة 113هـ، ونشأ فيها،وكان فقيراً معدما ً، اتصل بأبي حنيفة وتتلمذ علي يديه، وفأولاه أبو حنيفة عناية خاصة، فكان ينفق عليه وعلي عياله، إلي أن مات أبو حنيفة سنة 150 هـ، فأستقل برئاسة المذهب، وتولي القضاء، وحظي بمكانة عظيمة عند هارون الرشيد، وهو أول من لقب بقاضي القضاة، ونشر مذهب أبي حنيفة في الآفاق، توفي سنة 182 هـ، وعمره 69 سنة.
[364] الكامل في التاريخ 7: 101.
[365] الإحكام في أصول الأحكام 6: 126.
[366] المواعظ والاعتبار (خطط المقريزي) 3: 390.
[367] البداية والنهاية 13: 260.
[368] العبر في خبر من غبر 3: 307. شذرات الذهب 5: 312. النجوم الزاهرة 7: 121.
[369] فقه السنة 1: 10.
[370] له ترجمة في الأنتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، ص 121 ـ 175، ميزان الاعتدال 4: 265. تقريب التهذيب، ص 563 ت 7153. سير أعلام النبلاء 6: 390 ت 163. تهذيب التهذيب 10: 401 ت 819. التاريخ الكبير 8: 81 ت 2253. الجرح والتعديل 8: 449 ت 2062. تاريخ بغداد 13: 323. الطبقات الكبري 6: 368. طبقات الحفاظ، ص 80 ت 156. شذرات الذهب 1: 227. تاريخ الثقات، ص 450 ت 1694. البداية والنهاية 10: 110. تذكرة الحفاظ 1: 168 ت 163. العبر في خبر من غبر 1: 164. تهذيب الأسماء والصفات 2: 216. النجوم الزاهرة 2: 12. وفيات الأعيان 5: 405 ت 765. مفتاح السعادة 2: 174. الأعلام 8: 36.
[371] له ترجمة في البداية والنهاية 10: 180. تذكرة الحفاظ 1: 207 ت 199. شذرات الذهب 1: 289. تهذيب الأسماء والصفات 2: 75. تهذيب التهذيب 10: 5. طبقات الحفاظ، ص 96 ت 189. تقريب التهذيب، ص 516 ت 6425. حلية الاولياء 6: 316 ت 394. صفة الصفوة 2: 177 ت 189. العبر في خبر من غبر 1: 210. النجوم الزاهرة 2: 96. وفيات الاعيان 4: 135 ت 550. الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، ص 9 ـ 63. التاريخ الكبير 7: 310 ت 1323. الجرح والتعديل 8: 204 ت 902. سير أعلام النبلاء 8: 48. مفتاح السعادة 2: 195.
[372] له ترجمة في الأنتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، ص 65 ـ 119. طبقات الحفاظ، ص 157 ت 336. البداية والنهاية 10: 262. شذرات الذهب 2: 9. تاريخ بغداد 2: 56. تهذيب الأسماء واللغات 1: 44. تذكرة الحفاظ 1: 361 ت 354. تهذيب التهذيب 9: 23. العبر في خبر من غبر 1: 269. حلية الأولياء 9: 63 ت 451. وفيات الأعيان 4: 163 ت 558. تقريب التهذيب، ص 467 ت 5717. سير أعلام النبلاء 10: 5. طبقات الحنابلة 1: 280. الجرح والتعديل 7: 201 ت 1130. النجوم الزاهرة 2: 176. الوافي بالوفيات 2: 171. صفة الصفوة 2: 248 ت 220. مفتاح السعادة 2: 199. الأعلام 6: 26.
[373] له ترجمة في طبقات الحفاظ، ص 189 ت 417. شذرات الذهب 2: 96. تذكرة الحفاظ 2: 431 ت 438. سير أعلام النبلاء 11: 177. العبر في خبر من غبر 1: 342. التاريخ الكبير 2: 5 ت 1505. الطبقات الكبري 7: 354. تهذيب الاسماء واللغات 1: 110. طبقات الحنابلة 1: 4. البداية والنهاية 10: 340. تهذيب التهذيب 1: 62 ت 126. تقريب التهذيب، ص 84 ت 96. تاريخ بغداد 4: 412. حلية الأولياء 9: 161 ت 453. صفة الصفوة 2: 336 ت 262. وفيات الاعيان 1: 63 ت 20. النجوم الزاهرة 2: 304. مفتاح السعادة 2: 208.
[374] الرد علي من أخلد ألي الارض، ص 131.
[375] المصدر السابق، ص 133.
[376] أعلام الموقعين 2: 192.
[377] هدية السلطان، ص 47.
[378] الرد علي من أخلد إلي الارض، ص 132.
[379] أعلام الموقعين 2: 200.
[380] الإحكام في اصول الأحكام 6: 314.
[381] أعلام الموقعين 2: 200.
[382] الانتقاء، ص 145.
[383] الإحكام في أصول الأحكام 6: 174.
[384] الرد علي من أخلد الي الارض، ص 141.
[385] مختصر المزني، ص 1. ونقل ذلك عنه السيوطي في المصدر السابق، ص 142.
[386] أعلام الموقعين 2: 211.
[387] الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، ص 144، 145.
[388] آداب الشافعي ومناقبه، ص 68. حلية الاولياء 9: 106، 107. توالي التأسيس، ص 107. مناقب الإمام الشافعي، ص 359. أعلام الموقعين 2: 285. البداية والنهاية 10: 265. تذكرة الحفاظ 1: 362. سير أعلام النبلاء 10: 33، 34، 35.
[389] الإحكام في أصول الأحكام 6: 294. تهذيب التهذيب 10: 8.
[390] سورة البقرة، الآياتان 166، 167.
[391] الإحكام في أصول الأحكام 6: 276.
[392] المصدر السابق 6: 281.
[393] تاريخ بغداد 13: 335.
[394] المصدر السابق.
[395] اللآلي المصنوعة 1: 457.
[396] الفوائد المجموعة، ص 420 ح 185.
[397] اللآلي المصنوعة 1: 458.
[398] الكامل في ضعفاء الرجال 1: 178.
[399] اللآلي المصنوعة 1: 458.
[400] الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، ص 455.
[401] سنن الترمذي 5: 47 ح 2680. مسند أحمد 15: 135 ح 7967.
[402] ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء 8: 156 عن الشافعي أنه قال: الليث أفقه من مالك، ولكن الخطوة لمالك رحمه الله. وعن الشافعي: الليث أتبع للأثر من مالك. وفي تاريخ بغداد 2: 298 عن أحمد بن حنبل قال: كان أبن أبي ذئب ثقة صدوقاً، أفضل من مالك بن أنس. وفي 2: 175 عن يحيي بن صالح قال: محمد بن الحسن فيما يأخذه لنفسه أفقه من مالك. وفي 9: 164 عن علي بن المديني قال: سألت يحيي بن سعيد قلت له: أيما أحب إليك، رأي مالك أو رأي سفيان؟ قال: سفيان لا يشك في هذا... سفيان فوق مالك في كل شيء، يعني في الحديث وفي الفقه وفي الزهد. وفي 2: 302 أن شامياً سأل الإمام أحمد: من أعلم، مالك أو أبن أبي ذئب؟ فقال: أبن أبي ذئب في هذا أكبر من مالك، وأبن أبي ذئب اصلح في دينه وأورع ورعاً، وأقوم بالحق من مالك عند السلاطين.
[403] سنن الترمذي 5: 47 ح 2680.
[404] مسند أحمد 15: 135 ح 7967.
[405] تاريخ بغداد 13: 377.
[406] الفوائد المجموعة، ص 420 ح 186.
[407] الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، ص 145 ـ 146.
[408] حلية الاولياء 6: 317.
[409] تاريخ بغداد 2: 69.
[410] تاريخ بغداد 4: 423.
[411] البداية والنهاية 10: 357.
[412] التاريخ الكبير 8: 81 ت 2253. وذكر الخطيب في تاريخ بغداد 13: 379 ـ 380. 398، 399 من قال إن أبا حنيفة من المرجئة. وقال أبن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2: 1072 (ط محققة): ونقموا أيضاً علي أبي حنيفة الإرجاء، ومن أهل العلم من ينسب إلي الإرجاء كثير، ولم يعن أحد بنقل قبيح ما قيل فيه كما عنوا بذلك في أبي حنيفة لإمامته. وراجع الكامل في ضعفاء الرجال 7: 8.
[413] التاريخ الصغر 2: 93. تاريخ بغداد 13: 418. الكامل في ضعفاء الرجال 7: 8.
[414] وذكره أيضاً الخطيب في تاريخ بغداد 13: 390 ـ 393.
[415] الأنتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، ص 149 ـ 150.
[416] المصدر السابق، ص 150.
[417] تاريخ بغداد 13: 420.
[418] المصدر السابق 13: 415.
[419] روي الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 13: 450 ـ 451 أن أبا حنيفة ضعفة: يحيي بن معين، وعلي بن المديني، وعمرو بن علي، والجوزجاني، وابن أبي شيبة، ومسلم، والنسائي. وضعفه كذلك ابن عدي في الكامل 7: 5 ـ 12.
[420] ميزان الاعتدال 4: 265 ت 9092.
[421] الجرح والتعديل 8: 450 ت 2062.
[422] الطبقات الكبري 6: 368.
[423] حلية الاولياء 6: 325. تاريخ بغداد 13: 421. الكامل في ضعفاء الرجال 7: 6.
[424] الإحكام في أصول الأحكام 6: 223. تاريخ بغداد 13: 413 ـ 414.
[425] تاريخ بغداد 13: 439.
[426] حلية الاولياء 10: 103.
[427] تاريخ بغداد 13: 394.
[428] تاريخ بغداد 13: 370 ـ 454 ذكر الخطيب أكثر من 150 قولا في ذمه ص 147 ـ 152. جامع بيان العلم وفضله 2: 1074، 1079، 1086 (ط محققة) الكامل في ضعفاء الرجال 7: 5 ـ 12.
[429] تذكرة الحفاظ 1: 210 ت 199. شذرات الذهب 1: 289 ـ 290 وفيات الاعيان.
[430] شذرات الذهب 1: 292. وفيات الاعيان 4: 137. الإحكام في أصول الأحكام الدين 6: 224. جامع بيان العلم وفضله 2: 1072 (ط محققة).
[431] سير أعلام النبلاء 8: 77.
[432] تاريخ بغداد 13: 445.
[433] فتاوي ومسائل ابن الصلاح 1: 13.
[434] جامع بيان العلم وفضله 2: 1080 (ط محققة).
[435] المصدر السابق 2: 1105.
[436] المصدر السابق 2: 1109.
[437] ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 2: 302 عن أحمد بن حنبل قال: بلغ ابن ابي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث (البيعين الخيار)، قال: يستتاب وإلا ضربت عنقه.
[438] المصدر السابق 2: 1115.
[439] هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، كان قاضي المدينة، روي عنه الستة.
[440] تهذيب التهذيب 3: 403 ـ 404.
[441] جامع العلم وفضله 2: 1083 (ط محققة).
[442] المصدر السابق 2: 1114.
[443] توالي التأسيس، ص 177.
[444] لسان الميزان 6: 67.
[445] سير أعلام النبلاء 11: 227.
[446] فتاوي ومسائل ابن الصلاح 1: 13.
[447] مناقب الإمام الشافعي، ص 389.
[448] تهذيب التهذيب 7: 304.
[449] تاريخ بغداد 8: 65.
[450] ذكر الخطيب في تاريخ بغداد 6: 66 أن رجلاً سأل أحمد بن حنبل عن مسألة في الحلال والحرام، فقال له أحمد: سل عافاك الله غيرنا. قال: إنما نريد جوابك يا أبا عبد الله. فقال: سل عافاك الله غيرنا، سل الفقهاء، سل أبا ثور.
[451] التفسير الكبير 16: 37.
[452] فقه السنة1: 10.
[453] الإحكام في أصول الاحكام 6: 260.
[454] المصدر السابق 6: 263.
[455] البداية والنهاية 12: 187. لسان الميزان 5: 402.
[456] العبر في خبر من غبر 3: 52. شذرات الذهب 4: 224.
[457] الكامل في التاريخ 8: 307 ـ 308.
[458] فقه السنة 1: 10.
[459] المختصر المؤمل للردل إلي الأول، ص 14 ـ 15. (عن كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 2: 145).
[460] توالي التأسيس، ص 147.
[461] تاريخ بغداد 13: 441 ـ 442.
[462] جامع بيان العلم وفضله 2: 117.
[463] يعني كيف نقلد من لا نقطع بأنه مسلم، غاية ما في الأمر أننا نحسن الظن به باعتبار أنه في الظاهر من أفاضل المسلمين، أما العلم بحقيقة حاله فلا سبيل لنا إليه.
[464] الإحكام في أصول الأحكام 6: 280.
[465] المصدر السابق 6: 281.
[466] أعلام الموقعين 2: 233 ـ 234.
[467] رسالة «إرشاد النقاد إلي أدلة الاجتهاد» ضمن المجموعة المنيرية 1: 26 ـ 28 (عن كتاب السجود علي التربة الحسينية للسيد محمد مهدي الخرسان).
[468] الإحكام في أصول الاحكام 6: 226.
[469] منظومة الشهاب الثاقب، ص 120.
[470] صحيح البخاري 1: 133 كتاب مواقيت الصلاة وفضلها، باب تضييع الصلاة عن وقتها.
[471] سنن الترمذي 4: 633، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. مسند أحمد بن حنبل 3: 101، 208.
[472] الموطأ، ص42.
[473] مسند أحمد بن حنبل 6: 443، 5: 195.
[474] المصدر السابق 6: 443.
[475] مسند أحمد بن حنبل 3: 270، شرح السنة 14: 394، مختصر إتحاف السادة المهرة 2: 307.
[476] مسند أبي داود الطيالسي، ص271، مختصر إتحاف السادة المهرة 2: 307.
[477] فتح الباري 2: 11.
[478] راجع اُسد الغابة 1: 296، تهذيب الكمال 3: 376 ـ 377، النجوم الزاهرة 1: 224، تهذيب التهذيب 1: 330 وغيرها.
[479] قال ابن عبد البر في الاستيعاب 1: 111: يقال إنه آخر من مات بالبصرة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، وما أعلم أحداً مات بعده ممن رأي رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا أبا الطفيل عامر بن واثلة.
[480] صحيح البخاري 6: 69 كتاب التفسير، باب سورة المائدة، 6: 122 سورة الانبياء، 8: 136 كتاب الرقاق، باب 45. صحيح مسلم 4: 2195 كتاب الجنة... باب 14، سنن الترمذي 5: 321 ـ 322 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. سنن النسائي 4: 117 وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2: 449. مسند أحمد 1: 235، 253.
[481] أي يطردون ويبعدون.
[482] صحيح البخاري 8: 150 كتاب الرقاق، باب في الحوض.
[483] المصدر السابق 8: 150.
[484] أي سابقكم ومتقدمكم.
[485] أي سأجادل عن أقوام رغبة في خلاصهم فلا ينفعهم ذلك.
[486] صحيح مسلم 4: 1796 كتاب الفضائل، باب رقم 9. مسند أحمد بن حنبل 1: 384، 406، 407، 425، 453.
[487] صحيح البخاري 8: 150. صحيح مسلم 4: 1793.
[488] صحيح البخاري 8: 149. صحيح مسلم 4: 1800. مسند أحمد بن حنبل 3: 281، 5: 48، 50.
[489] راجع إن شئت صحيح البخاري 8: 148 ـ 150، وصحيح مسلم 1: 217، 4: 1794 ـ 1796، سنن الترمذي 4: 615 ـ 616. سنن ابن ماجة 2: 1016. مسند أحمد 1: 254، 402، 439، 455، 3: 28، 102، 5: 388، 393، 400، 412. صحيح ابن خزيمة 1: 7. مجمع الزوائد 10: 364 ـ 365. صحيح سنن ابن ماجة 2: 182. الموطأ، ص23. مختصر إتحاف السادة المهرة 10: 594. مسند ابن أبي شيبة 1: 86، 94.
[490] صحيح مسلم 2: 1023 كتاب النكاح، باب 13.
[491] راجع مسند أحمد 3: 380، 4: 429، 438، 439.
[492] تاريخ الخلفاء، ص108.
[493] الأوائل 1: 240، ص112 ط الباز.
[494] صحيح البخاري 6: 33 التفسير، سورة البقرة.
[495] صحيح البخاري 2: 175 الحج، باب التمتع والإقران... سنن النسائي بشرح السيوطي 5: 148.
[496] المصدر السابق 2: 176.
[497] سنن النسائي بشرح السيوطي 5: 153، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2: 578.
[498] سنن النسائي بشرح السيوطي 5: 154، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2: 578.
[499] سنن الترمذي 3: 185 قال الترمذي: حديث ابن عباس حديث حسن. وفيه ما دل علي أن عمر كان ينهي عن متعة الحج.
[500] صحيح مسلم 2: 1099 الطلاق، باب طلاق الثلاث.
[501] صحيح مسلم 2: 1099 الطلاق، باب طلاق الثلاث. سنن أبي داود 2: 261. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2: 415. سنن النسائي بشرح السيوطي 6: 145، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2: 718، وإرواء الغليل 7: 122.
[502] صلاة التراويح: هي صلاة النافلة جماعة في ليالي شهر رمضان، وسميت بالتراويح لأنهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين. ولم تكن في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم تصلي جماعة، وأول من جمع الناس فيها علي إمام هو عمر بن الخطاب.
[503] صحيح البخاري 2: 595 صلاة التراويح، ب1 (ط مرقمة). الموطأ، ص59 ح247. الجمع بين الصحيحين 1: 131.
[504] الطبقات الكبري 3: 281.
[505] الأوائل 1: 229.
[506] تاريخ الخلفاء، ص108.
[507] الوسائل في مسامرة الأوائل، ص33.
[508] صحيح البخاري 1: 228 الأذان، ب81 ح731. صحيح مسلم 1: 539 صلاة المسافرين، ب29 ح781. سنن الترمذي 2: 312 ح450. سنن ابي داود 1: 274 ح1044، 2: 69 ح1447. الموطأ، ص66 ح288. سنن الدارمي 1: 317. مسند أحمد بن حنبل 31: 262، 274، 282 ح 21665، 21686، 21709 (تتمة ط شاكر).
[509] فتح الباري 2: 170.
[510] صحيح البخاري 4: 2116 الحدود، ب4 (ط مرقمة).
[511] صحيح مسلم 3: 1330، الحدود، ب8. سنن أبي داود 4: 163.
[512] سنن أبي داود 4: 163، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3: 847. سنن الترمذي 4: 48 قال الترمذي: حديث أنس حديث حسن صحيح، والعمل علي هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم، وغيرهم أن حد السكران ثمانون. سنن الدارمي 2: 175..
[513] الطبقات الكبري 3: 281 ـ 282.
[514] تاريخ الخلفاء، ص108.
[515] الوسائل في مسامرة الاوائل، ص55.
[516] الاوائل 1: 238.
[517] صحيح مسلم 1: 573 صلاة المسافرين، ب55.
[518] مسند أحمد بن حنبل 4: 115، المعجم الكبير 5: 228، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2: 223: رواه أحمد والطبراني في الكبير، وإسناده حسن.
[519] مجمع الزوائد 2: 222، قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح في الكبير والأوسط..
[520] صحيح البخاري 1: 193 مواقيت الصلاة، ب33 (ط مرقمة). صحيح مسلم 1: 572 صلاة المسافرين، ب54. سنن النسائي 1: 304 ـ 305 (ط محققة).
[521] صحيح البخاري 1: 193 مواقيت الصلاة، ب33 (ط مرقمة). صحيح مسلم 1: 572 صلاة المسافرين، ب54. سنن النسائي 1: 304 ـ 305 (ط محققة). وعند أبي داود 2: 25: ما من يوم يأتي علي النبي صلي الله عليه وسلم إلا صلي بعد العصر ركعتين. (صححه الألباني في صحيح سنن ابي داود 1: 238). سنن الدارمي 1: 334.
[522] السمتدرك 4: 340 قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه. السنن الكبري 6: 253. أحكام القران 2: 90. المغني 7: 27. المحلي 8: 279.
[523] الوسائل في مسامرة الأوائل، ص48. وذكر ذلك في اوليات عمر في تاريخ الخلفاء، ص108.
[524] الأوائل 1: 256.
[525] أحكام القرآن 2: 90. السنن الكبري 6: 253. المحلي 8: 281.
[526] سنن الترمذي 1: 381.
[527] سنن ابي داود 1: 148 ح538. أورده الألباني في صحيح سنن ابي داود 1: 108 ح504 وقال: حسن. وكذلك في إرواء الغليل 1: 254. السنن الكبري 1: 424.
[528] نقلنا كلا القولين عن سنن الترمذي 1: 380.
[529] سبل السلام 1: 250.
[530] الموطأ، ص42، ح151.
[531] المصنف 1: 189 ح2159.
[532] سنن الدارقطني 1: 243.
[533] نيل الأوطار 2: 38.
[534] المصنف 1: 190 ح2170. وهو حديث صحيح عندهم، رواه ابن أبي شيبة عن وكيع، عن سفيان، عن ابن الاصبهاني، وهو عبد الرحمن بن عبدالله، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، وكلهم ثقات عندهم.
[535] المبسوط 1: 131.
[536] أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
[537] صحيح البخاري 1: 325 تقصير الصلاة، ب2 (ط مرقمة). صحيح مسلم 1: 483 صلاة المسافرين، ب2. سنن أبي داود 2: 199. صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1: 369.
[538] صحيح البخاري 1: 325 تقصير الصلاة، ب2، 1: 492 الحج، ب84 (ط مرقمة). صحيح مسلم 1: 482 صلاة المسافرين، ب2. سنن النسائي 3: 136. صححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1: 313. مسند أحمد بن حنبل 5: 208 (ط محققة). سنن الدارمي 2: 55.
[539] الزوراء: موضع بالمدينة عند السوق. وفي سنن ابن ماجة 1: 359: أنها دار في السوق يقال لها الزوراء.
[540] صحيح البخاري 1: 272 الجمعة، ب25. سنن الترمذي 2: 392 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. سنن النسائي 2: 111 (ط محققة). سنن أبي داود 1: 285. سنن ابن ماجة 1: 359. وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1: 301، وصحيح سنن ابن ماجة 1: 187، وصحيح سنن ابي داود 1: 203. مسند أحمد بن حنبل 3: 450.
[541] صحيح البخاري 1: 272 الجمعة، ب22 (ط مرقمة).
[542] صحيح مسلم 1: 69 الإيمان، ب20. وفي 2: 605 صلاة العيدين، ح9. سنن الترمذي 4: 469 ح2172، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
[543] صحيح البخاري 1: 287 العيدين، ب6 (ط مرقمة).
[544] شرح الزرقاني علي موطأ مالك 1: 513.
[545] نيل الأوطار 3: 294.
[546] المصنف 1: 491.
[547] كتاب الأم 1: 235.
[548] فتح الباري 2: 362.
[549] شرح الزرقاني علي موطأ مالك 1: 512.
[550] إرشاد الساري 2: 211.
[551] نيل الاوطار 3: 295.
[552] نقلنا مقتطفات من كلام ابن رشد في كتابه بداية المجتهد، ص121 ـ 133.
[553] نقلناه من كتاب (الوسائل في مسامرة الأوائل) للسيوطي، وأدرجنا أرقام الكتاب بعد كل بند ذكرناه. ثم أدرجنا بعدها أرقام صفحات البند نفسه إن وجد من كتاب الأوائل للعسكري، ط العلمية.
[554] رواه البيهقي في السنن الكبري 4: 37، وصححه ابن حجر في فتح الباري 3: 157 وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء، ص108.
[555] بداية المجتهد 1: 173.
[556] سنن الترمذي 1: 357.
[557] صحيح البخاري 1: 182 مواقيت الصلاة، ب12 (ط مرقمة)، 1: 186 ب18، 1: 348 التهجد، ب30. صحيح مسلم 1: 491 صلاة المسافرين، ب6. مسند أحمد بن حنبل 3: 280 ح1918، 3: 283 ح1929، 4: 154 ح2465، ص201 ح2582، 5: 92 ح3265، ص134 ح3397 (ط شاكر). مسند أبي داود الطيالسي، ص341، 342، ح2164، 2629.
[558] صحيح مسلم 1: 489 صلاة المسافرين، ب6. الموطأ، ص73 ح327، سنن أبي داود 2: 6 ح1210، 1214. صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1: 224 ح1068. سنن النسائي 1: 315 ح600. صحح الألباني في صحيح سنن النسائي 1: 130 ح585. مسند أحمد بن حنبل 3: 292 ح1953، 4: 191 ح2557 (ط شاكر)، صحيح ابن خزيمة 2: 85 ح971. مسند أبي عوانة 2: 353. السنن الكبري 3: 166، 167.
[559] صحيح مسلم 1: 490 صلاة المسافرين، ب6. سنن الترمذي 1: 354 ح187، سنن ابي داود 2: 6 ح1211. صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1: 224 ح1070. سنن النسائي 1: 315 ح601. صححه الالباني في صحيح سنن النسائي 1: 130 ح586 وفي إرواء الغليل 3: 34 ح579. مسند أحمد بن حنبل 5: 81 ح3235، ص113 ح3323 (ط شاكر). مسند أبي عوانة 2: 353. سنن البيهقي 3: 167..
[560] صحيح مسلم 1: 491 صلاة المسافرين، ب6. مسند أحمد بن حنبل 4: 70 ح2269 (ط شاكر). مسند أبي عوانة 2: 354.
[561] صحيح مسلم 1: 492 صلاة المسافرين، ب6. مسند أحمد بن حنبل 5: 100 ح3293 (ط شاكر).
[562] فتح الباري 3: 157.
[563] صحيح مسلم 2: 659 الجنائز، ب23 ح957. سنن الترمذي 3: 343 ح1023، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. سنن ابي داود 3: 210 ح 3197. وصححه الألباني في صحيح سنن ابي داود 2: 616 ح2738، وأحكام الجنائز، ص112، وصحيح سنن النسائي 2: 427 ح1873، وصحيح سنن ابن ماجة 1: 252 ح1222. سنن النسائي 4: 375 ح1981 (ط محققة). سنن ابن ماجة 1: 482 ح1505. السنن الكبري 4: 36. مسند أبي داود الطيالسي، ص93 ح674. مسند أحمد بن حنبل 4: 367، 370، 372. سنن الدارقطني 2: 73.
[564] راجع أقوالهم في سنن الترمذي 3: 90، الفقه علي المذاهب الأربعة 1: 575، بداية المجتهد 1: 296.
[565] صحيح مسلم 2: 785 الصيام، ب15، ح1114. سنن الترمذي 3: 89 ح710 قال الترمذي: حديث جابر حديث حسن صحيح. سنن النسائي 4: 488 ح2262 (ط محققة). وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2: 482 ح2136. السنن الكبري 4: 241. مسند أبي داود الطيالسي، ص232 ح1667. صحيح ابن خزيمة 3: 255 ح2019.
[566] صحيح البخاري 2: 578 الصوم، ب36، ح1946. صحيح مسلم 2: 786 الصيام، ب15، ح1115. سنن الترمذي 3: 90، ح710. سنن النسائي 4: 485، ح2254 ـ 2261. سنن ابي داود 2: 317 ح2407. سنن ابن ماجة 1: 532 ح1664، 1665. مسند أحمد بن حنبل 5: 434. سنن الدارمي 2: 9. مسند أبي داود الطيالسي، ص191 ح1343، ص238 ح1721. السنن الكبري 4: 242 ـ 243. المستدرك 1: 433. صحيح ابن حبان 2: 70 ح355، 8: 317، 320، 322 ح3548، 3552، 3554. المعجم الكبير للطبراني 12: 374، 379، 446، ح13387، 13403، 13618. إرواء الغليل 4: 58. المصنف لابن أبي شيبة 2: 279 ح8959، 8960. صحيح ابن خزيمة 3: 253، 254 ح2016، 2017، 2018. مسند الحميدي 2: 539 ح1289.
[567] النهاية في غريب الحديث والأثر 1: 116.
[568] سورة المائدة، الآية 5.
[569] أحكام القرآن 2: 345.
[570] رواه أبو داود في سننه 1: 31 ح126.
[571] سنن ابن ماجة 1: 156 ح458، قال البوصيري في مصباح الزجاجة 1: 183: هذا إسناد حسن، رواه ابن أبي شيبة في مصنفه. وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1: 76. المصنف لابن أبي شيبة 1: 27 ح199.
[572] صيحح البخاري 1: 46 العلم، ب3 ح60 (ط مرقمة)، ص58 ب30 ح96، ص78 الوضوء، ب27 ح163. صحيح مسلم 1: 214 الطهارة، ب9 ح241. مسند أحمد بن حنبل 11: 166 ح6976، 12: 50 ح7103 (ط شاكر).
[573] هذا حديث صحيح، رواه ابي شيبة في المصنف 1: 26 ح180 عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة، وكلهم ثقات عندهم.
[574] هذا حديث صحيح أيضاً، رواه ابن أبي شيبة في المصنف 1: 26 ح185 عن وكيع عن إسماعيل، وهو ابن إبراهيم بن علية، عن الشعبي، وكلهم ثقات عندهم.
[575] هذا حديث صحيح أيضاً، رواه ابن أبي شيبة في المصنف 1: 26 ح181 عن وكيع عن ابن علية، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن علية المتقدم ذكره، عن داود، وهو ابن أبي هند، عن الشعبي، وكلهم ثقات عندهم.
[576] هذا حديث صحيح ايضا، رواه ابن ابي شيبة في المصنف 1: 26 ح181 عن وكيع عن ابن علية، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن علية المتقدم ذكره، عن داود، وهو ابن أبي هند، عن الشعبي، وكلهم ثقات عندهم.
[577] كما لو صلي علي الإمام علي عليه السلام، وترك الصلاة علي من هو خير منه عندهم كأبي بكر وعمر.
[578] فتح الباري 11: 142. وقد ذكره ابن حجر بالمعني، وعبارة ابن القيم مذكورة في كتابه (جلاء الأفهام علي خير الأنام)، ص663.
[579] الكشاف 3: 246 في تفسير قوله تعالي (إن الله وملائكته يصلون علي النبي) سورة الأحزاب، الآية 56.
[580] عن الصراط المستقيم 2: 510. ومنهاج الكرامة، ص108. الغدير 10: 210.
[581] عن المصادر السابقة بأجزائها وصفحاتها.
[582] رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص155.
[583] شرح المواهب للزرقاني 5: 13.
[584] عن الصراط المستقيم 2: 510.
[585] عن المصدر السابق.
[586] في فضل الشهوروالأيام والليالي، للشيخ شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الحموي، الشهير بابن الرسام (عن الغدير 10: 211). ولد بحماة سنة 773هـ، ولي قضاء حماة ثم قضاء حلب، وتوفي سنة 844هـ تقريباً، له ترجمة في شذرات الذهب 7: 252، الضوء اللامع 1: 249، ومعجم المؤلفين 1: 174.
[587] روح البيان 4: 142 ـ عن كتاب الغدير 10: 211.
[588] رواه بعضهم هكذا: وأباح مالك اللواط تكرما - في ظهر جارية وظهر غلام.
[589] جلد عميرة هو الاستمناء.
[590] تفسير الكشاف 4: 310.
[591] هنا سقط، وقد ذكر في بعض الطبعات الأخري: ثم قرأ آية بالفارسية: (دو برك سبز). ومعناه: (مدهامتان).
[592] وفيات الأعيان 5: 180. وذكر ابن القيم في أعلام الموقعين 2: 222 هذه الصلاة ولم يذكر من قال بإجزائها.
[593] أوضحه السرخسي في المبسوط 23: 2 ـ 15. الفقه علي المذاهب الأربعة 2: 7.
[594] المحلي 6: 194.
[595] المغني لابن قدامة 9: 55. وذكر الفخر الرازي في مناقب الإمام الشافعي، ص532 أن ذلك هو قول أبي حنيفة.
[596] المغني لابن قدامة 9: 58 ـ 59.
[597] المبسوط للسرخسي 17: 132.
[598] اقتضاء الصراط المستقيم، ص236.
[599] المطروفة من النساء هي التي لا تغض طرفها عن الرجال، وتشرف لكل من أشرف لها، وتصرف بصرها عن بعلها إلي سواه.
[600] المحلي 12: 196.
[601] المصنف 7: 276 ـ 326.
[602] الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، ص151. تاريخ بغداد 13: 407.
[603] تاريخ بغداد 13: 407.
[604] السؤر: هو فضلة الشراب.
[605] المغني لابن قدامة 1: 70.
[606] المغني لابن قدامة 11: 65. رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص251.
[607] المغني لابن قدامة 7: 485.
[608] المحلي 10: 132.
[609] المغني لابن قدامة 7: 485.
[610] مناقب الإمام الشافعي، ص532.
[611] المغني لابن قدامة 11: 34. المحلي 6: 87. وذكر الفخر الرازي هذا المسألة في مناقب الإمام الشافعي، ص535 وانتصر للشافعي فيها.
[612] سورة الانعام، الآية 121.
[613] القافة: جمع قائف، وهو من يزعم فيه أنه يعرف النسب بفراسته ونظره إلي أعضاء المولود.
[614] المغني لابن قدامة 6: 430.
[615] المصدر السابق 6: 432.
[616] المحلي 9: 339.
[617] المغني لابن قدامة 9: 117.
[618] المحلي 10: 202. وراجع بداية المجتهد 2: 36.
[619] المغني لابن قدامة 9: 117.
[620] المحلي 6: 70.
[621] المحلي 6: 194.
[622] اقتضاء الصراط المستقيم، ص254.
[623] المحلي 12: 407 ـ 408.
[624] المصدر السابق 12: 417.
[625] قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، ص73. اقتضاء الصراط المستقيم، ص430.
[626] المبسوط 30: 297، 1: 139.
[627] صحيح مسلم 2: 1076 الرضاع، ب7 ح1453 (ستة أحاديث). سنن أبي داود 2: 223 ح2061. صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2: 388 ح1815. سنن النسائي 6: 413 ـ 415 ح3319 ـ 3325. صححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2: 698 ح3112 ـ 3118. سنن ابن ماجة 1: 625 ح1943. صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1: 328 ح1579. سنن الدارمي 2: 158. الموطأ، ص323 ح1284. مسند أحمد بن حنبل 6: 201، 255، 271. السنن الكبري 7: 459، 460. المعجم الكبير للطبراني 24: 289 ـ 292 ح737 ـ 742.
[628] صحيح مسلم 2: 1076 الرضاع، ب7 1453.
[629] المصدر السابق 2: 1078 الرضاع، ب7 1453.
[630] صحيح البخاري 1: 75 الوضوء، ب14، ح148، 149. صحيح مسلم 1: 225 الطهارة، ب17 ح226. سنن الترمذي 1: 16 ح11. وقال: هذا حديث حسن صحيح. مسلم أحمد بن حنبل 6: 276، ح4606، 4617 (ط شاكر).
[631] صحيح البخاري 1: 74 الوضوء، ب12، ح145. صحيح مسلم 1: 224 الطهارة، ب17 ح266. سنن أبي داود 1: 4 ح12. صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1: 5 ح9. سنن النسائي 1: 28 ح23. صححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1: 7 ح23. سنن ابن ماجة 1: 116 ح322. صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1: 58 ح260. سنن الدارمي 1: 171. مسند أحمد بن حنبل 7: 84 ح4991 (ط شاكر).
[632] سنن الترمذي 1: 15 ح9.
[633] صحيح البخاري 1: 224 الوضوء، ب60 ـ 62، ح224 ـ 226، 2: 742 المظالم، ب27 ح2471. صحيح مسلم 1: 228 الطهارة، ب22 ح273. سنن الترمذي 1: 19 ح13. سنن أبي داود 1: 6 ح23. صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1: 8 ح18. سنن النسائي 1: 25، 31 ح18، 26 ـ 28. صححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1: 7، 8 ح26 ـ 28. سنن ابن ماجة 1: 111 ح305، 306. سنن الدارمي 1: 171. مسند أحمد بن حنبل 23: 546، 549، 550، 593، 616، 618، ح23348، 23353، 23355، 23452، 23521، 23529.
[634] سنن الترمذي 1: 17 ح12، قال الترمذي: حديث عائشة أحسن شيء في الباب وأصح. سنن النسائي 1: 31 ح29. صححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1: 8 ح29. سنن ابن ماجة 1: 112 ح307، صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة1: 56 ح249. سلسلة الاحاديث الصحيحة 1: 345 ح201، إرواء الغليل 1: 95. مسند أبي داود الطيالسي، ص211 ح1515. مسند أحمد بن حنبل 6: 136، 192، 213. المستدرك 1: 181 وصححه علي شرط الشيخين. السنن الكبري 1: 101. مسند أبي عوانة 1: 198.
[635] صحيح البخاري 7: 118 الذبائح والصيد، باب ما ذبح علي النصب والأصنام، 3: 1170 ح3826، 4: 1770 ح5499. مسند أحمد بن حنبل 7: 196 ح5369. 8: 27، 234 ح5631، 6111.
[636] صحيح مسلم 1: 268 كتاب الحيض، باب الاعتناء بحفظ العورة. صحيح البخاري 5: 51 كتاب فضائل أصحاب النبي، باب بنيان الكعبة. مسند أحمد بن حنبل 3: 295، 3: 310، 3: 333، 3: 380. 23: 30، 146، 551، ح14180، 14373، 15111.
[637] سنن الترمذي 5: 76 ح2732 قال الترمذي: هذا حديث حسن.
[638] شرح نهج البلاغة 3: 13. ط محققة 11: 38.
[639] المواقف، ص395. والإيجي عاش بين سنة 700هـ وسنة 756هـ.
[640] الأحكام السلطانية، ص29.
[641] فتح الباري 13: 176.
[642] شرح المقاصد 5: 235.
[643] الفصل في الملل والأهواء والنحل 4: 169.
[644] المحلي 8: 420.
[645] راجع إن شئت كلام ابن حزم في الفصل في الملل 4: 149، والبغدادي في الفرق بين الفرق، ص349.
[646] خذ مثالاً علي ذلك الإمام النووي الذي شرح صحيح مسلم، فإنه لم يعلق بحرف واحد علي حديث (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)، راجع صحيح مسلم بشرح النووي 12: 240، مع أن النووي توفي سنة 676هـ بعد سقوط الخلافة العباسية وتشتت بلاد المسلمين إلي دويلارت علي كل دولة خليفة.
[647] صحيح مسلم 3: 1478 كتاب الإمارة، باب 13، ح58، السنن الكبري 8: 156، مجمع الزوائد 5: 218، مشكاة المصابيح 2: 1088 ح3674، سلسلة الأحاديث الصحيحة 2: 715 ح984.
[648] مسند أحمد 4: 96، مجمع الزوائد 5: 218، مسند الطيالسي، ص259، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 49، حلية الأولياء 3: 224، كنز العمال 1: 103 ح464، 6: 65 ح14863.
[649] مجمع الزوائد 5: 224، 225، كتاب السنة، ص489 ح1057، قال الألباني: إسناده حسن ورجاله ثقات.
[650] مسند أحمد 3: 446، كنز العمال 6: 65 ح14861، كتاب السنة، ص490 ح1058، المطالب العالية 2: 228.
[651] صحيح مسلم 3: 1480 كتاب الإمارة، باب 15 ح61، السنن الكبري 8: 144.
[652] صحيح مسلم 3: 1471 كتاب الإمارة، باب 10 ح44.
[653] صحيح مسلم بشرح النووي 12: 231.
[654] الفرق بين الفرق، ص350.
[655] الفصل في الملل والأهواء والنحل 4: 150. المحلي 8: 422.
[656] الأحكام السلطانية، ص37.
[657] شرح المقاصد 5: 233.
[658] المصدر السابق 12: 238.
[659] أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده 3: 129، 183، 4: 421، والطيالسي في مسنده، ص125، 284، والحاكم في مستدركه 4: 501 وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير 1: 480، أبو نعيم في حلية الاولياء 1: 171، 5: 8، 7: 242، 8: 123، والهيثمي في مجمع الزوائد 5: 192، والبيهقي في السنن الكبري 3: 121، 4: 76، والطبراني في المعجم الصغير 1: 152، والألباني في صحيح الجامع الصغير 1: 534، قال أبو نعيم في الحلية 3: 171: هذا حديث مشهور ثابت من حديث أنس. وقال البيهقي في السنن 3: 121: مشهور من حديث أنس. وعده من الأحاديث المتواترة السيوطي في قطف الأزهار المتناثرة، ص248، والكتاني في نظم المتناثر، ص169 وابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل 4: 152 وغيرهم، واستقصي الألباني طرق هذا الحديث وصححها في إرواء الغليل 2: 298 ـ 301 ونفي الشك في تواتر الحديث.
[660] فيض القدير 3: 189.
[661] المصدر السابق 3: 190.
[662] الفرق بين الفرق، ص349.
[663] الفصل في الملل والأهواء والنحل 4: 152.
[664] المحلي 8: 420.
[665] شرح المقاصد 5: 243.
[666] الأحكام السلطانية، ص32.
[667] قواعد العقائد، ص230.
[668] المواقف، ص398.
[669] الفرق بين الفرق، ص349.
[670] الأحكام السلطانية، ص31.
[671] شرح المقاصد 5: 233.
[672] التمهيد، ص181 (عن كتاب الإلهيات 2: 518).
[673] الفرق بين الفرق، ص349.
[674] المواقف، ص389.
[675] الأحكام السلطانية، ص31.
[676] قواعد العقائد، ص230.
[677] شرح المقاصد 5: 233.
[678] أهل الحل والعقد هم أصحاب الرأي والدين والمشورة في المسلمين الذي يلزم غيرهم متابعتهم عند أهل السنة، مثل الصحابة في المدينة بعد زمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم.
[679] صحيح البخاري 9: 100 كتاب الأحكام، باب الاستخلاف. وهو الحديث الذي تقدم تخريجه في حديثنا عن بيعة أبي بكر وأنها كانت فلتة في الفصل الثاني.
[680] سورة الأنبياء، الآية 7.
[681] هذا الجواب للتفتازاني في شرح المقاصد 5: 239.
[682] سورة النساء، الآية 59.
[683] سورة البقرة، الآية 124.
[684] أخرجه أبو داود في سننه 4: 106، 107 ح4282، 4283، 4285. وصححها الألباني في صحيح سنن ابي داود 3: 807، 808 ح3601، 3602، 3604. مشكاة المصابيح 3: 1501 ح5452، 5454. الجامع الصغير 2: 438 ح7489، 7490 ورمز له بالصحة. صحيح الجامع الصغير 2: 938 ح5304، 5305. مسند أحمد بن حنبل 3: 27، 28، 36، 37، 52، 70.
[685] الإشاعة لأشراط الساعة، ص108.
[686] المصدر السابق، ص110.
[687] سورة آل عمران، الآية 103.
[688] سورة الأنفال، الآية 46.
[689] سورة الأنعام، الآية 116.
[690] سورة يوسف، الآية 103.
[691] سورة الأعراف، الآية 187.
[692] سورة المؤمنون، الآية 70.
[693] سورة المائدة، الآية 20.
[694] سورة مريم، الآية 49.
[695] سورة الحديد، الآية 26.
[696] سورة الأنعام، الآية 124.
[697] سورة القصص، الآية 7.
[698] سورة ص، الآية 26.
[699] سورة البقرة، الآية 30.
[700] سورة الأنبياء، الآية 73.
[701] سورة البقرة، الآية 124.
[702] سورة الفرقان، الآية 74.
[703] سورة السجدة، الآية 24.
[704] سورة طه، الآيتان 29 ـ 30.
[705] سورة الفتح، الآية 23.
[706] أخرجه الترمذي في سننه 4: 4660 ح2167 بلفظ: إن الله لا يجمع أمتي... علي ضلالة. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1: 378، واخرجه ابن ماجة في السنن 2: 1303 ح3950، وابن أبي عاصم في كتاب السنة بالفاظ مختلفة تؤدي هذا المعني، حسن الألباني بعضها واستجود بعضها الآخر. وصحح الألباني الحديث بلفظ: (لا تجتمع أمتي علي ضلالة) في تخريج مشكاة المصابيح 1: 61، وضعيف سنن ابن ماجة، ص318، وكتاب السنة 1: 41، وأورده السخاوي في المقاصد الحسنة ص460 وقال: وبالجملة فهو حديث مشهور المتن، ذو اسانيد كثيرة وشواهد متعددة. وهي عين عبارة العجلوني في كشف الخفا 2: 350. وعده الكتاني في نظم المتناثر، ص172 من الأحاديث المتواترة.
[707] راجع ترجمته في كتاب العبر في خبر من غبر للذهبي 3: 296، وطبقات الشافعية للسبكي 8: 63، شذرات الذهب 5: 259، البداية والنهاية 13: 198.
[708] راجع ترجمته في كتاب الوافي بالوفيات 5: 254، ومعجم المؤلفين 12: 134، الأعلام 7: 150.
[709] راجع ترجمته في الأعلام للزركلي 5: 8، معجم المؤلفين 7: 178.
[710] الفصول المهمة، ص286، 287.
[711] ترجم له في شذرات الذهب 5: 266، الاعلام 8: 246، ميزان الاعتدال 4: 471، وفيات الأعيان 3: 142، البداية والنهاية 13: 206.
[712] تذكرة الخواص، ص325.
[713] ترجم له في شذرات الذهب 8: 372، الأعلام 4: 180، معجم المؤلفين 6: 218، جامع كرامات الأولياء 2: 134.
[714] عن إسعاف الراغبين، ص154.
[715] ترجم له في ميزان الاعتدال 3: 659، الوافي بالوفيات 4: 173، فوات الوفيات 3: 435، لسان الميزان 5: 311، شذرات الذهب 5: 190، جامع كرامات الاولياء 1: 118، دائرة المعارف الإسلامية 1: 231، سير اعلام النبلاء 23: 48، الأعلام 6: 281.
[716] له ترجمة في طبقات الشافعية الكبري 10: 5، شذرات الذهب 6: 200، العبر في خبر من غبر 4: 203، البداية والنهاية 14: 318، الأعلام 2: 315، معجم المؤلفين 4: 114، وذكر أن له ترجمة في الدرر الكامنة لابن حجر 2: 87، 88 والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11: 19 ـ 21 والبدر الطالع للشوكاني 1: 243، 244 وغيرها.
[717] عن ينابيع المودة، ص471.
[718] له ترجمة في شذرات الذهب 8: 298، الكواكب السائرة 2: 52، الأعلام 6: 291، معجم المؤلفين 11: 51.
[719] الأئمة الاثنا عشر، ص118.
[720] كشف الأستار، ص89.
[721] ذكر قصة لقائه بالإمام المهدي عليه السلام في جامع كرامات الأولياء 1: 400.
[722] عن إسعاف الراغبين، ص154.
[723] راجع إن شئت كتاب المهدي للسيد صدر الدين الصدر، كشف الأستار للميرزا حسين النووي، كتابنا دليل المتحيرين، ص329 ـ 339 وغيرها.
[724] سنن الترمذي 5: 25 ح2640 قال الترمذي: حديث حسن صحيح. سنن أبي داود 4: 197 ح4596. صحيح سنن أبي داود 3: 869 ح3842. سنن ابن ماجة 2: 1321 ح3991. صحيح سنن ابن ماجة 2: 364 ح3225. سنن الدارمي 2: 690 ح2423. مسند أحمد بن حنبل 2: 332، 3: 120. المستدرك 1: 6، 128. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8: 258 ح6696. كتاب السنة 1: 33 ح66. السنن الكبري 10: 208. الجامع الصغير 1: 184 ح1223. صحيح الجامع الصغير 1: 245 ح1082، 1083. سلسلة الأحاديث الصحيحة 1: 356 ح203.
[725] سنن الترمذي 5: 26 ح2641. شرح السنة 1: 213. مشكاة المصابيح 1: 61 ح171. المستدرك 1: 128.
[726] سنن أبي داود 4: 198 ح 4597. صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3: 3843، سنن ابن ماجة 2: 1322 ح3992، 3993 صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2: 364 ح3226، 3227. مسند أحمد بن حنبل 3: 145، مجمع الزوائد 7: 258. كتاب السنة 1: 33 ح65. مشكاة المصابيح 1: 61 ح172. الدر المنثور 2: 286 في تفسير 3:103. المطالب العالية 3: 87 ح2956. الجامع الصغير 1: 516 ح2641. سلسلة الأحاديث الصحيحة 1: 358 ح204، 3: 480 ح1492.
[727] المواقف، ص429 ـ 430.
[728] قال السفاريني في لوامع الأنوار البهية 1: 73: أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي. ثم قال في ص76: قال بعض العلماء: هم يعني الفرقة الناجية أهل الحديث: يعني الأثرية، والأشعرية والماتريدية. وعقب بما حاصلة: أن قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: (إلا فرقة واحدة) ينافي التعدد، فالفرقة الناجية هم الأثرية فقط أتباع أحمد بن حنبل، دون الأشعرية والماتريدية.
[729] المصدر السابق، ص414.
[730] المواقف، ص428.
[731] سورة الأنعام، الآية 103.
[732] سورة المؤمنون، الآية 115.
[733] سورة الملك، الآية 2.
[734] فيض القدير 2: 20.
[735] يعني بهدي الصحب والتابعين.
[736] الدر المنثور 8: 589. فتح القدير 5: 477 في تفسير الآية 7من سورة البينة.
[737] المصدران السابقان، عن ابن عدي.
[738] المصدر السابق، عن ابن مردويه.
[739] تفسير الطبري 30: 171.
[740] مجمع الزوائد 9: 131. المعجم الكبير للطبراني 1: 319 ح948. الصواعق المحرقة 2: 449.
[741] مجمع الزوائد 9: 131. المعجم الكبير للطبراني 1: 319 ح950.
[742] تاريخ بغداد 12: 289، 358. حلية الأولياء 4: 329. فضائل الصحابة 2: 655 ح1115.
[743] مجمع الزوائد 9: 131. فضائل الصحابة 2: 624 ح1068.
[744] لا يسعنا أن نذكر الطعون والمثالب التي ذكرها القوم في أئمتهم، وهي كثيرة ومبثوثة في مطاوي الكتب، ومن أراد الاطلاع علي شي منها فليراجع كتاب (منهاج الكرامة في معرفة الإمامة) للعلامة الحلي، وكتاب (الغدير) للأميني ج6، وكتاب (الاستغاثة) لعلي بن أحمد الكوفي، وكتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وكتاب (الشافي في الإمامة) 4: 57 ـ 293: لسيد المرتضي، وكتاب (النص والاجتهاد) للسيد شرف الدين، وكتاب ما روته العامة من مناقب أهل البيت عليهم السلام، ص307 ـ 474.
[745] الطبقات الكبري 3: 198.
[746] كتاب المحتضرين، ص56.
[747] الطبقات الكبري 3: 353. كتاب المحتضرين، ص56.
[748] المستدرك 3: 92. تاريخ الإسلام: عهد الخلفاء الراشدين، ص278. مجمع الزوائد 9: 75، وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. 9: 77 وقال: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح. تاريخ الخلفاء، ص106.
[749] الطبقات الكبري 3: 360، 361.
[750] راجع الطبقات الكبري 3: 351 ـ 361، تاريخ الاسلام: عهد الخلفاء الراشدين، ص278 ـ 282. كتاب المحتضرين، ص55 ـ 56.
[751] كتاب المحتضرين، ص60 ـ 61. إحياء علوم الدين 4: 479.
[752] سير أعلام النبلاء 2: 364. تاريخ الإسلام: عهد الخلفاء الراشدين، ص494. جامع البيان (تفسير الطبري) 11: 9. البداية والنهاية 5: 18، كنز العمال 13: 344.
[753] إحياء علوم الدين 1: 124.
[754] مسند أحمد بن حنبل 6: 290، 298، 307، 312، 317. مجمع الزوائد 1: 112. 9: 72 قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. المعجم الكبير للطبراني 23: 317 ـ 318 ح719 ـ 721.
[755] راجع كتاب الشريعة للآجري، ص148 باب فيمن كره من العلماء لمن سأل غيره فيقول له: أنت مؤمن؟ هذا عندهم مبتدع رجل سوء. وكتاب الإبانة عن شريعة الفرق الناجية 2: 862 ـ 883.
[756] الإبانة عن شريعة الفرق الناجية 2: 869 ح1180.
[757] المصدر السابق 2: 864.
[758] المصدر السابق 2: 871.
[759] المصدر السابق 2: 865 ـ 866.
[760] سورة الأعراف، الآية 143.
[761] سورة الشعراء، الآيات 49 ـ 51.
[762] سورة الأنعام، الآية 103.
[763] من ذلك إنكار ابن حزم حديث الغدير قال في الفصل في الملل والأهواء والنحل 4: 147: واما (من كنت مولاه فعلي مولاه) فلا يصح من طريق الثقات أصلاً. ومنه تضعيف ابن تيمية في منهاج السنة 4: 104 لحديث (ما تريدون من علي؟ علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي)، وقد مر بيان ذلك في صفحة 78 من هذا الكتاب.
[764] من ذلك ما ذكره ابن تيمية في كتابه منهاج السنة 4: 111، فإنه سطّر الأكاذيب القبيحة علي الشيعة، منها: أن الشيعة ينتفون النعجة كأن لهم عليها ثاراً، كأنهم ينتفون عائشة، ويشقون جوف الكبش كأنهم يشقون جوف عمر، وأنهم يكرهون لفظ العشرة لبغضهم الرجال العشرة، فإذا أرادوا أن يقولوا: عشرة، قالوا: تسعة وواحد. إلي غير ذلك مما ملأ به كتابه هذا وغيره من كتبه.
[765] سمعنا من كثير من أهل السنة يعيبون الشيعة بأن لهم أذناباً كما للبهائم. فلا أدري كيف يصدقون هذه الافتراءات والأكاذيب مع أنهم يرون جميع أهل الملل الكافرة لا أذناب لهم، فهل خص الله الشيعة بالأذناب دون سائر الناس؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.
[766] ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 13: 431 أن الشافعي قال: ناظر أبو حنيفة رجلا فكان يرفع صوته في مناظراته إياه. فوقف عليه رجل، فقال الرجل لأبي حنيفة: أخطأت. فقال أبو حنيفة للرجل: تعرف المسألة ما هي؟ قال: لا. قال: فكيف تعرف أني أخطأت؟ قال: أعرفك إذا كان لك الحجة ترفق بصاحبك، وإذا كانت عليك تشغب وتجلب.
[767] وذلك لأن أول الأئمة عند الإمامية هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم ابنه الإمام الحسن عليه السلام، ثم الإمام الحسين عليه السلام، ثم ابنه الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام، ثم ابنه الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام، ثم ابنه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، المعاصر له أول ائمة المذاهب الأربعة وهو أبوحنيفة.
[768] سورة الأنبياء، الآية 18.
[769] الشيخ سليم بن أبي فراج البشري (1284 ـ 1335هـ) شيخ الجامع الأزهر، من فقهاء المالكية، ولد في محلة بشر بمصر، وتعلَّم وعلَّم بالأزهر، تولّي نقابة المالكية، ثم مشيخة الأزهر مرتين، وتوفي بالقاهرة، له كتاب (المقامات السنية في الرد علي القادح في البعثة النبوية) مخطوط. (عن الأعلام 3: 119 بتصرف).
[770] المراجعات، ص295.
[771] الشيخ محمود شلتوت (1310 ـ 1383هـ) فقيه مفسر مصري، ولد في البحيرة بمصر، وتخرج من الأزهر سنة 1918م، وتنقل في التدريس إلي أن نقل للقسم العالي بالقاهرة سنة 1927م، وكان داعية إصلاح نير الفكرة، يقول بفتح باب الاجتهاد، وسعي إلي إصلاح الأزهر، فعارضه بعض كبار الشيوخ وطُرد هو ومناصروه، فعمل في المحاماة، وأعيد إلي الأزهر، فعين وكيلا لكلية الشريعة، ثم كان من أعضاء كبار العلماء، ومن أعضاء مجمع اللغة العربية، ثم شيخاً للأزهر سنة 1958م إلي وفاته، وكان خطيباً موهوباً جهير الصوت، له 26 مؤلفاً مطبوعاً (عن الأعلام 7: 173 بتصرف).
[772] صورة هذه الفتوي أدرجناها في كتابنا (دليل المتحيرين)، ص388، فراجعه.
[773] دعوة التقريب من خلال رسالة الإسلام، ص10.
[774] حاشية مشكاة المصابيح 1: 61.
[775] منهاح السنة النبوية 2: 116.
[776] المنتقي من منهاج الاعتدال، ص167.
[777] راجع مقدمة فتح الباري، ص459 ـ 465، لتري من طعن فيه بسبب معتقده من رجال صحيح البخاري.
[778] الملل والنحل 1: 146.
[779] المصدر السابق 1: 166.
[780] لسان العرب 8: 189. القاموس المحيط 3: 49. تاج العروس 21: 303.
[781] لسان العرب 8: 189. تاج العروس 21: 303.
[782] مقدمة ابن خلدون، ص196.
[783] المستدرك 1: 234. قال الفخر الرازي في التفسير الكبير 1: 205: أما أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر. وراجع أقوالهم في بداية المجتهد 1: 179.
[784] السنن الكبري 1: 425.
[785] بداية المجتهد 2: 149.
[786] راجع بداية المجتهد 1: 299.
[787] راجع بداية المجتهد 1: 299.
[788] راجع بداية المجتهد 3: 122.
[789] راجع بداية المجتهد 3: 137.
[790] راجع بداية المجتهد 4: 170.
[791] راجع بداية المجتهد 4: 228.
[792] سورة الزمر، الآية 15.
[793] سورة الأنفال، الآية 42.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.