مدافع الفقهاء التطرف بين فقهاء السلف وفقهاء الخلف

اشارة

نوع: كتاب
پديدآور: ورداني، صالح1952- م.,Wardani,Salih
عنوان و شرح مسئوليت: مدافع الفقهاء التطرف بين فقهاء السلف وفقهاء الخلف
صالح الورداني
ناشر: موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت (ع)
موضوع: فقيهان

تقديم

(و إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بد نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) البقرة / 170
هذا النص القرآني نقدمه لفقهاء السلف والخلف الذين يريدون تعبيد الأمة للروايات وأقول الرجال والذين سلطوا مدافعهم علي المنادين بحرية الرأي واستخدام العقل والعودة إلي القرآن.. [ صفحه 7] عندما نتحدث عن مدافع الفقهاء فإننا نقصد أولئك الفقهاء الذين توجهوا بمدافعهم نحو الجماهير لا نحو الحكام ومقاومة الظلم والفساد... نقصد أولئك الفقهاء الذين كانوا من صنع الحكام أو هم برزوا ونموا وترعرعوا بدعم منهم... هؤلاء الفقهاء هم الذين حرفوا الإسلام وجعلوه في خدمة الحكام لا في خدمة الجماهير وهم الذين أورثونا ذلك التراث المتناقض المشوه الذي يكتظ بفتاواهم ورواياتهم التي أصبحت بدعم الحكام هي الإسلام، وسقط النص الشرعي ضحية هذا التراث وأصبح النقص هو ما ينطق به هؤلاء الفقهاء.. ومدافع الفقهاء التي نعرض لها في هذا الكتاب لم تطول الجماهير في زمانهم وتلحق بهم الخسائر الفادحة في عقائدهم ومواقفهم ودينهم وتحقق الأمن والسلام ورغد العيش للحكام فحسب وإنما امتدت لتصيب جماهير العصر الحاضر أيضا... امتدت لتحلق بهم إصابات خطيرة في عقولهم ومواقفهم ودينهم بالكامل... وذلك كله كان ببركات الحكام وعلي رأسهم آل سعود وأدواتهم من التيارات والرموز والمؤسسات الإسلامية التي أسهمت في بعث مدافع الفقهاء ودفع الجماهير نحو العيش بعقل الماضي... من هنا فإن القضية المطروحة في هذا الكتاب لا ترتبط بالماضي وإنما هي ترتبط بالحاضر كما ترتبط بالمستقبل... وإن ما نهدف إليه في دائرة هذا البحث هو التحرر من أغلال هؤلاء الفقهاء وكشف حقيقتهم ودورهم والتحرر من عقل الماضي وتحقيق الاعتدال في الفكر والتصور والسلوك. وهو ما نهدف إليه في جمع كتاباتنا... وما ندعوا إليه.. [ صفحه 8] أن الفقيه لا يجب أن يكون ضد الرعية وفي خدمة الحكام... الفقيه يجب أن يكون في خدمة النص... والنص إنما جاء لخدمة الجماهير... وهذه هي حقيقة الإسلام...
صالح الورداني القاهرة ص ب: 163 / 11794 رمسيس [ صفحه 9]

الفقهاء بين الدين والحكام

برزت طبقة الفقهاء علي يد معاوية بن سفيان حين تحالف معه عدد من الصحابة وساروا [ صفحه 11] في ركابه وعلي رأسهم المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص وعبد الله بن عمر وأبي هريرة ثم عائشة بنت أبي بكر... وهؤلاء جميعا أسهموا في تكوين طبقة من التابعين سايرت خط معاوية وخط بني أمية من بعده وحملت هذه الطبقة علي كاهلها وضع حجر الأساس لصرح الفقه الإسلامي الحكومي الذي تطور فيما بعد علي يد فقهاء العصر العباسي وتمخض عما سمي بعقيدة أهل السنة والجماعة. تلك العقيدة التي برزت لحماية هذا الفقه وإضفاء المشروعية عليه وردع المخالفين له وتطويع الجماهير للحكام... ولقد قام هذا الفقه وتأسست هذه العقيدة علي روايات وفتاوي أبي هريرة وعائشة وابن عمر ومعاوية وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم من الصحابة الذين تحالفوا مع بني أمية... وقام الفقهاء الذين تربوا علي هذه الفتاوي والروايات بتوجيه مدافعهم نحو خصومهم من التيارات الأخري ونحو الجماهير لإرهابها وعزلها عن هذه التيارات وحصرها في دائرة الخط السائد خط الحكام الذين اعتبروا أئمة طاعتهم واجبة شرعا وعصيانهم حرام يؤدي إلي التهلكة حسب نصوص الفقهاء التي سوف نعرض لها فيما بعد... - الفقهاء ويزيد بن معاوية: يروي البخاري أن معاوية خطب في الناس يطلب البيعة لولده يزيد من بعده فبلغ الخبر ابن عمر فدخل علي حفصة أخته فقال لها: قد كان من الأمر ما ترين. فلم يجعل لي من الأمر شئ، فقالت: الحق. فإنهم ينتظرونك. وأخشي أن يكون في احتباسك عنهم فرقة، فلم تدعه حتي ذهب، فلما تفرق الناس خطب معاوية فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه. فلنحن أحق به منه ومن أبيه. قال حبيب بن مسلمة لابن عمر: فهلا أجبته؟ قال ابن عمر: فحللت حبوتي. وهممت أن أقول: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك علي الإسلام. فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم وتحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعد الله في الجنان. فقال له حبيب: حفظت وعصمت.. [1] . [ صفحه 12] وهذه الرواية تكشف لنا موقف ابن عمر فقيه الصحابة من معاوية وولده يزيد فهو رغم علمه بحقيقة معاوية ومكانته المهزوزة في قلوب المسلمين وهو ما يتضح من قوله: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك علي الإسلام، لم يتراجع عن بيعته ولا عن بيعة ولده يزيد... وحين ثار أهل المدينة علي يزيد وخلعوه وأطاحوا بواليه فيها جمع ابن عمر حشمه وولده وقال: إني سمعت رسول الله (ص) يقول: ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة، وإنا قد بايعنا هذا الرجل - يزيد - علي بيع الله ورسوله. وإني لا أعلم غدرا أعظم من أن نبايع رجلا علي بيع الله ورسوله ثم ننصب له القتال، وأني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلا كنت الفيصل بيني وبينه.. [2] . ويروي أن ابن عمر جاء إلي ابن مطيع داعية ابن الزبير الخارج علي يزيد فقال: أتيتك لأحدثك سمعت رسول الله (ص) يقول: من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.. [3] . وهاتين الروايتين يتبين منهما أن ابن عمر تجاوز حدود الموقف الشخصي بمبايعته يزيد إلي الدعوة لمناصرته ومعارضة الثورة عليه بل والعمل علي إطفاء نار هذه الثورة بروايات منسوبة للرسول (ص).. [4] . وقد استمر ابن عمر موقفه الموالي للحكام هذا حتي عصر الحجاج بن يوسف حيث بايع خليفته عبد الملك بن مروان ثم صلي وراء الحجاج وشاركه في الصلاة أنس بن مالك خادم الرسول.. [5] . ومن خلال مواقف ابن عمر هذه والروايات المنسوبة للرسول الخاصة بالحكام. استنبط الفقهاء عقائد ومفاهيم وفقه خاص يلزم المسلمين بطاعة الحكام ولو كانوا فجارا والجهاد والحج من ورائهم... وبرر الكثير من الفقهاء مواقف ابن عمر هذه ومواقف يزيد ودافعوا عنه ونفوا جميع الشبهات المثارة من حوله.. [ صفحه 13] فقد روي ابن حنبل ليزيد رواية تقول: إذا مرض أحدكم مرضا فأشفي ثم تماثل فلينظر إلي أفضل عمل عنده فليلزمه، ولينظر إلي أسوا عمل عنده فليدعه.. [6] . وقال أبو بكر بن العربي معلقا علي هذه الرواية: وهذا يدل علي عظيم منزلته عنده - أي منزلة يزيد عند ابن حنبل - حتي يدخله في جملة الزهاد ومن الصحابة والتابعين الذين يقتدي بقولهم ويرعون من وعظهم.. [7] . ويقول ابن خلدون: والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون سواه إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بني أمية. إذ بني أمية يومئذ لا يرضون سواهم، وهم عصابة من قريش وأهل الملة أجمع وأهل الغلب منهم. فآثره بذلك ودون غيره فيظن أنه أولي بها. وعدل عن الفاضل إلي المفضول حرصا علي الاتفاق واجتماع الأهواء الذي شأنه أهم عند الشارع، وإن كان لا يظن بمعاوية غير هذا لعدالته، وصحبته مانعة من سوي ذلك وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه دليل علي انتفاء الريب فيه، فليسوا مما يأخذهم في الحق هوادة. وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق. فإنهم كلمهم أجل من ذلك وعدالتهم مانعة منه.. [8] . وقال ابن تيمية مهاجما الحسين لخروجه علي يزيد: إنه لم يكن في الخروج مصلحة لا في دين ولا في دنيا، وكان خروجه وقتله من الفساد ما لم يحصل لو قعد في بلده فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شئ بل زاد الشر بخروجه وقتله، ونقص الخير بذلك، وصار سببا لشر عظيم، وكان قتل الحسين مما أوجب الفتن.. [9] . ويقول عن يزيد: إن الناس اختلفوا في أمره ثلاثة فرق: الأولي: أنه كان كافرا منافقا... والثانية: أنه كان ملكا رجلا صالحا وإمام عدل... والثالثة: أنه كان ملكا من ملوك المسلمين له حسنات وسيئات ولم يكن كافرا. ولكن جري بسببه ما جري. [ صفحه 14] وهذا قول أهل العقل والعلم والسنة والجماعة ثم افترقوا ثلاث فرق: فرقة لعنته... فرقة أحبته.. وفرقه لاتسبه لاتحبه.. وهذا المنصوص عليه عن الامام أحمد بن حنبل وعليه المعتضد من أصحابه وغيرهم. وقد استدل القائلون بالمغفرة له بحديث مسلم عن ابن عمر أن رسول الله (ص) قال أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له. وأول جيش غزاها كان أميره يزيد.. [10] . وقال ابن تيمية: ان يزيد كان من شباب المسلمين ولا كان كافرا ولا زنديقا. وتولي بعد أبيه علي كراهة من بعض المسلمين ورضي من بعضهم وكان فيه شجاعة وكرم ولم يك مظهرا للفواحش كما يحكي عنه بعض خصومه وجرت في جرت في إمارته أمور عظيمة أحدها مقتل الحسين وهو لم يأمر بقتله ولا أظهر الفرح بقتله ولا نكت بالقضيب علي ثناياه ولا حمل رأس الحسين إلي الشام، لكن أمر بمنع الحسين وامساكه وبدفعه عن الأمر ولو كان بقتاله.. [11] . وقال الشيخ الخضري: إن الحسين أخطأ خطأ عظيما في خروجه هذا الذي جر علي الأمة وبال الفرقة والإختلاف وزعزع عماد ألفتها إلي يومنا هذا.. وغاية الأمر أن الرجل طلب أمرا يتهيأ له، ولم يعد له عدته فحيل بينه وبين ما يشتهي وقتل دونه، والحسين قد خالف يزيد وقد بايعه الناس، ولم يظهر عنه ذلك الجور ولا العسف عند إظهار الخلاف حتي يكون في الخروج عليه مصلحة للأمة.. [12] . - الفقهاء وعبد الملك بن مروان: عبد الملك هو ابن مروان بن الحكم الذي هيمن علي الحكم في عصر عثمان ابن عمه وكان السبب المباشر في الثورة عليه وقتله، وهو الذي قتل طلحة بن عبيد الله بسهم في ظهره فقتله وكان معه في جيش عائشة يوم الجمل [13] . [ صفحه 15] وكان عبد الملك وأبيه ضمن من أخرج من المدينة يوم الحرة حين خرجت المدينة علي يزيد بن معاوية وطردت منها بنو أمية، وخاف أن تكون الغلبة لأهل المدينة، وحين دخلها جيش يزيد واستباحها ثلاثة أيام خر عبد الملك ساجدا وعاد إلي المدينة.. [14] . ويروي أن عبد الملك هو الذي دل جيش يزيد علي عورات أهل المدينة وكيف يؤتون ومن أين يدخل عليهم وأين ينزل. [15] . وتمكن عبد الملك من قتل مصعب بن الزبير ثم قتل عبد الله بن الزبير وتدمير الكعبة علي يد الحجاج وبذلك دانت له العراق والحجاز. يروي: اجتمع الناس علي عبد الملك بن مروان سنة ثلاث وسبعين، وكتب إليه ابن عمر بالبيعة وكتب إليه أبو سعيد الخدري وسلمة بن الأكوع بالبيعة.. [16] . وكتب ابن عمر إليه يقول: إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الملك أمير المؤمنين علي سنة الله وسنة رسوله ما استطعت، وأن بني قد أقروا بمثل ذلك.. [17] . ويروي أن عبد الملك بن مروان قد حفظ عن عثمان وسمع عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وغيرهم من أصحاب رسول الله (ص) وكان عابدا ناسكا قبل الخلافة.. [18] . ويروي عن نافع قوله: لقد رأيت عبد الملك بن مروان وما بالمدينة أشد تشميرا ولا أطلب للعلم منه، أحسبه قال: ولا أشد اجتهادا.. [19] . ويروي عن ابن جريح قال: سمعت ابن شهاب الزهري يسأل عن ربط الأسنان بالذهب. قال: لا بأس به، ربط عبد الملك بن مروان أسنانه بالذهب.. [20] . [ صفحه 16] ويروي أن عبد الملك بن مروان كان يلقب بحمامة المسجد، وقد سئل ابن عمر: أرأيت إذا تفاني أصحاب رسول الله (ص) من نسأل؟ فأجابهم: سلوا هذا الفتي: وأشار إلي عبد الملك.. [21] . ويروي عن أبي الزناد: فقهاء المدينة سعيد بن المسيب وعبد الملك بن مروان وعروة بن الزبير وقبيصة بن ذؤيب.. [22] . وقال الشعبي: ما جالست أحدا إلا وجدت عليه الفضل إلا عبد الملك بن مروان فإني ما ذاكرته حديثا إلا وزادني فيه. ولا شعر إلا وزادني فيه.. [23] . وكانت هناك علاقة صداقة بين ابن شهاب الزهري الذي يعد عالم السنة في عصره وحافظها وناقل رواياتها وبين عبد الملك بن مروان.. وكان عبد الملك هو الذي وجهه للقيام بهذا الدور ونشر الروايات المنسوبة للرسول (ص) بين الناس ثم ارتبط الزهري بعد ذلك بالقصر الأموي حتي تولي تربية أولاد هشام بن عبد الملك. ثم تولي القضاء من بعد ليزيد الثاني.. [24] . وكما أخذ ابن شهاب الزهري فتوي ربط الأسنان بالذهب عن عبد الملك بن مروان أخذ مالك أيضا بقضاء عبد الملك في امرأة مستكرهة بصداقها علي من فعل ذلك بها وقد أكثر مالك في الاستدلال بقضاء مروان بن الحكم وولده عبد الملك في موطأة والعمل بفتاواه.. [25] . وقد روي البخاري عن عبد الملك بن مروان، كما روي عنه الزهري وعروة بن الزبير وعدد من فقهاء التابعين وعبادهم مثل خالد بن معدان ورجاء بن حيوة.. [26] . ومن هذه الروايات والشهادات التي عرضناها يتبين لنا أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان كان في منظور الصحابة عاصروه والفقهاء الذين برزوا في عصره فقيها ومحدثا ثقة وعابدا ورعا.. [ صفحه 17] ولقد تجاوز الفقهاء حدود هذا الحكم إلي تناول الدين منه والأخذ بفتاواه.. إلا أننا سوف نعرض هنا لعدد من الروايات التي تكشف الوجه الآخر لعبد الملك بن مروان وتكشف لنا من جانب أخر كيف سقط الفقهاء ضحية السياسة والحكام وأخضعوا الدين لهم، وأن لسان حالهم ينطق بلسان الحكام لا بلسان الدين.. يروي السيوطي عن ابن أبي عائشة قال: أفضي الأمر - الحكم - إلي عبد الملك بن مروان والمصحف في حجره فأطبقه وقال: هذا آخر العهد بك.. [27] . ويروي أن عبد الملك أول من غدر في الإسلام، وأول من نهي عن الكلام بحضرة الخلفاء وأول من نهي عن الأمر بالمعروف.. وأول خليفة بخل في الإسلام.. [28] . ويروي أنه خطب عبد الملك بن مروان بالمدينة بعد قتل ابن الزبير عام حج سنة خمس وسبعين فقال: أما بعد. فلست بالخليفة المستضعف - يعني عثمان - ولا الخليفة المداهن - يعني معاوية - ولا الخليفة المأفون - يعني يزيد - ألا وإن من كان قبلي من الخلفاء كانوا يأكلون ويطعمون من هذه الأموال. ألا وإني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف حتي تستقيم لي قناتكم. تكلفوننا أعمال المهاجرين ولا تعملون مثل أعمالهم فلن تزدادوا إلا عقوبة حتي يحكم السيف بيننا وبينكم.. ألا وإنا نحمل لكم كل شئ إلا وثوبا علي أمير أو نصب راية والله لا يفعل أحد فعلة إلا جعلتها في عنقه. والله لا يأمرني أحد بتقوي الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه.. [29] . ويروي أن عبد الملك كان إذا قعد للحكم خيم علي رأسه بالسيوف.. [30] . هذا الشاعر يقول في بني مروان: يا قوم لا تغلبوا عن رأيكم فلقد++ جربتم الغدر من أبناء مروانا أمسوا وقد قتلوا عمرا وما رشدوا++ يدعون غدرا بعهد الله كيانا ويقتلون الرجال البزل ضاحية++ لكي يولوا أمور الناس ولدانا تلاعبوا بكتاب الله فاتخذوا++ هواهم في معاصي الله قربانا [31] . [ صفحه 18] وهذا الوجه الذي تبرزه هذه الروايات لعبد الملك بن مروان إنما يتناقض مع ذلك الوجه الذي يحاول إبرازه الفقهاء جعلوا أنفسهم سدنه له وسخروا الدين في خدمة بني أمية.. ومثل هذه المواقف التي تبناها الفقهاء من معاوية ويزيد وعبد الملك بن مروان هي التي تأسس عليها موقف الفقهاء من بني العباسي فيما بعد وسلسلة الحكام من بعدهم حتي يومنا هذا.. - الفقهاء والمنصور العباسي: تولي أبو جعفر المنصور الخلافة سنة سبع وثلاثين ومائة بعد وفاة أخيه أبو العباس السفاح بمرض الجدري وكان جبارا جماعا للمال تاركا للهو واللعب قتل خلقا كثيرا حتي استقام ملكه في غاية الحرص والبخل.. وفي عصره شرع الفقهاء في تدوين الحديث والفقه والتفسير.. فصنف مالك الموطأ في المدينة. والأوزاعي الفقه بالشام... وسفيان الثوري بالكوفة... وصنف أبو حنيفة الفقه والرأي... وصنف ابن إسحاق المغازي... ويروي أن أبا جعفر المنصور كان يرحل في طلب العلم قبل الخلافة.. [32] . وروي عن الإفريقي: كنت أطلب العلم مع أبي جعفر المنصور قبل الخلافة.. [33] . وقال الصولي: كان المنصور أعلم الناس بالحديث والأنساب مشهورا بطلبه.. [34] . وقد روي الفقهاء عن المنصور الكثير من الروايات المنسوبة للرسول نقل السيوطي عن ابن عساكر بعض منها: [ صفحه 19] عن المنصور عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس أن النبي (ص) كان يتختم في يمينه.. [35] . وروي عن المنصور قال رسول الله (ص) مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تأخر عنها هلك.. [36] . وروي عنه قال رسول الله (ص): إذا أمرنا أميرا وفرضنا له فرضا فما أصاب من شئ فهو غلول.. [37] . وروي عنه عن الرسول (ص): كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسي.. [38] . وروي عنه (ص): وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجلة وآجله ولأنتقمن ممن رأي مظلوما يقدر أن ينصره فلم يفعل.. [39] . ويبدوا من خلال هذه الروايات أن الفقهاء قد وضعوا المنصور في مصاف المحدثين من أهل العلم الذين يتحدثون بلسان الرسول (ص) كما وضعوا عبد الملك بن مروان من قبل إلا أن حقيقة المنصور وتاريخه ومواقفه تؤكد لنا أنه غير هذه الصورة وأن ما يروي عنه مجرد اختلاق بهدف تلميعه والتغطية علي مساوئه وانحرافاته.. يروي أن المنصور هو أول خليفة قرب المنجمين وعمل بأحكام النجوم، وهو أول من استعمل مواليه علي الأعمال وقدمهم علي العرب وكثر ذلك بعده حتي زالت رئاسة العرب وقيادتها.. وهو أول من أوقع الفرقة بين ولد العباس وولد علي وكان قبل ذلك أمرهم واحد.. [40] . ويروي أن عبد الصمد بن علي قال للمنصور: لقد هجمت بالعقوبة حتي كأنك لم تسمع بالعفو؟ قال: لأن بني مروان لم تبل رممهم وآل أبي طالب لم تغمد سيوفهم. ونحن بين قوم قد رأونا أمس سوقة واليوم خلفاء، فليس تتمهد هيبتنا في صدورهم إلا بنسيان العفو واستعمال العقوبة.. [41] . [ صفحه 20] ومثل هذه المساوئ والتجاوزات التي تبرزها هذه الروايات أنما تكشف الوجه الآخر للمنصور وهو وجه يتناقص كما هو واضح مع الصورة التي يحاول إبرازها الفقهاء من خلال وضع المنصور في موضع المحدثين وأهل العلم... وكما ألبس الفقهاء هذا الثوب للمنصور ألبسوه أيضا لولده المهدي من بعده حيث وضعوه في مصاف المحدثين ورووا عنه.. يقول السيوطي: المهدي أبو عبد الله محمد بن المنصور. كان جوادا ممدحا مليح الشكل محببا للرعية حسن الاعتقاد تتبع الزنادقة وأفني منهم خلقا كثيرا وهو أول من أمر بتصنيف كتب الجدل في الرد علي الزنادقة والملحدين، روي الحديث عن أبيه.. [42] . وقال الذهبي: ما علمت فيه - أي في المهدي - جرحا ولا تعديلا.. [43] . وروي الفقهاء في المهدي رواية منسوبة للرسول تقول: المهدي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي.. وهي رواية خاصة بالمهدي المنتظر الذي بشر به الرسول في آخر الزمان وقد طبقها الفقهاء علي المهدي العباسي.. وكان المهدي يقتل علي التهمة ومن أشهر قتلاه الشاعر صالح بن عبد القدوس.. [44] . ويروي أن المهدي كان يحب الحمام فدخل عليه المحدث غياث بن إبراهيم فقال له رواية منسوبة إلي الرسول (ص) في الحمام، فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم.. [45] . وروي أن شريكا دخل علي المهدي. فقال له المهدي: لا بد من ثلاث.. إما أن تلي القضاء أو تؤدب ولدي وتحدثهم أو تأكل عندي أكله. ففكر ساعة ثم قال: الأكلة أخف علي، فأكل ألوان من الطعام ثم حدثهم بعد ذلك وعلمهم العلم وولي القضاء لهم.. [46] . [ صفحه 21] - الفقهاء وهارون الرشيد: يروي السيوطي وغيره أن هارون الرشيد كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلي أن مات لا يتركها إلا لعلة. وكان يحب أهل العلم ويعظم حرمات الإسلام، وكان يبكي علي نفسه وعلي إسرافه وذنوبه سيما إذا وعظ.. [47] . وقال الفضيل بن عياض عن هارون: الناس يكرهون هذا - أي هارون - وما في الأرض أعز علي منه لو مات لرأيت أمورا عظاما.. [48] . ويروي أن الرشيد كان يقتفي آثار جده المنصور إلا في الحرص فإنه لم ير خليفة قبله أعطي منه. أعطي مرة سفيان بن عيينة مائة ألف. وأجاز السحاق الموصلي مرة بمائتي ألف. وأجاز مروان بن أبي حفصة علي قصيدة خمسة آلاف دينار.. [49] . وقال الذهبي: أخبار الرشيد يطول شرحها ومحاسنه جمة وله أخبار في اللهو واللذات المحظورة والغناء سامحه الله.. [50] . وكان أبو يوسف صاحب أبي حنيفة قاضيا لهارون ونديما يفتي له في كل نازلة ويسخر الدين لهواه وملذاته وقد كتب له كتاب الخراج وقال في مقدمته: أطال الله بقاء أمير المؤمنين، وأدام له العز في تمام من النعمة، ودوام من الكرامة، وجعل ما أنعم به عليه موصولا بنعيم الآخرة الذي لا ينفذ ولا يزول، ومرافقة النبي (ص).. وقد حشد أبو يوسف في كتابه هذا عشرات الروايات التي تحض علي طاعة الحكام ولزوم الجماعة والصبر علي الظلم وعدم سب الأمراء وعصيانهم ووجوب الصلاة من خلفهم... [51] . يروي أن هارون وقعت في نفسه جارية من جواري أبيه المهدي فراودها عن نفسه. فقالت لا أصلح لك إن أباك قد طاف بي، فشغف بها وأرسل إلي أبي يوسف فسأله أعندك في هذا شئ؟ [ صفحه 22] فقال: يا أمير المؤمنين أو كلما ادعت أمة شيئا ينبغي أن تصدق، لا تصدقها فإنها ليست بمأمونة.. [52] . قال ابن المبارك: فلم أدر ممن أعجب من هذا الذي قد وضع يده في دماء المسلمين وأموالهم يتحرج عن حرمة أبيه، أو من هذه الأمة التي رغبت بنفسها عن أمير المؤمنين، أو من هذا فقيه الأرض وقاضيها، قال: اهتك حرمة أبيك واقض شهوتك وصيره في رقبتي [53] . ويروي أن الرشيد اشتري جارية وأراد أن يطأها قبل الاستبراء، فقال لأبي يوسف: هل عندك حيلة؟ فقال: نعم. تهبها لبعض ولدك ثم تتزوجها. [54] . ويروي أن الرشيد دعا أبو يوسف ليلا فأفتاه فأمر له بمائة ألف درهم. فقال أبو يوسف: إن رأي أمير المؤمنين أمر بتعجيلها قبل الصبح.. فقال: عجلوها.. فقال بعض من عنده: إن لخازن في بيته والأبواب مغلقة.. فقال أبو يوسف: فقد كانت الأبواب مغلقة حين دعاني ففتحت.. [55] . ويروي أن القاضي الفاضل قال: ما أعلم أن لملك رحلة قط في طلب العلم إلا للرشيد فإنه رحل بولديه الأمين والمأمون لسماع الموطأ علي مالك.. [56] . ويروي أن الرشيد أول خليفة لعب بالشطرنج من بني العباس، وقال الصولي: هو أول من جعل للمغنين مراتب وطبقات.. [57] . ومن شعر الرشيد يرثي جاريته هيلانه: قاسيت أوجاعا وأحزانا++ لما استخص الموت هيلانا فارقت عيش حين فارقتها++ فما أبالي كيف ما كانا كانت هي الدنيا فلما ثوت++ في قبرها فارقت دنيانا [ صفحه 23] قد كثر الناس ولكنني++ لست أري بعدك إنسانا والله لا أنساك ما حركت++ ريح بأعلي نجد أغصانا ويروي: سمع الرشيد يخطب فقال في خطبته: حدثني مبارك ابن فضالة عن الحسن عن أنس قال. قال رسول الله (ص): اتقوا النار ولو بشق تمرة.. [58] . ويروي عنه قول الرسول (ص): نظفوا أفواهكم فإنها طرق القرآن.. [59] . - الفقهاء والمأمون: تنامت حركة نقل الروايات و تدوينها في عصر المنصور والرشيد كما تنامت حركة تدوين الفقه ونقله فكثرت المدراس وكثر الفقهاء وتباينت الآراء... وحقق المعتزلة ولأول مرة في تاريخهم قفزة سياسية كبيرة باستقطابهم الخليفة المأمون إلي صفهم وتبنيه لأفكارهم ومتعتقداتهم.. [60] . وكان أن درات الدائرة علي الفقهاء الذين نموا وترعرعوا في ظل الروايات والفتاوي المأثورة عن الصحابة والتابعين و مباركة الحكام السابقين.. وانقسم الفقهاء في مواجهة المأمون وخط المعتزلة المناهض لهم: فمنهم من وقف علي الحياد.. ومنهم من أعلن عدائه لهذا الخط ورفض الانصياع له.. وقد تزعم الاتجاه الأخير أحمد بن حنبل بفرقته التي كانت في طور التأسيس، ودخل في صدام مع المأمون والمعتزلة.. إلا أن هذا الصدام لم يكن صداما سياسيا يقوم علي أساس عدم الاعتراف بشرعية حكم المأمون وإنما كان صداما فقهيا ينحصر في محيط قضية كلامية ليست من صلب العقيدة وهي قضية خلق القرآن.. [61] . [ صفحه 24] وكان معتزلة قد تبنوا فكرة خلق القرآن وكون كلام الله مخلوق.. بينما رفض ابن حنبل والحنابلة من بعده تبني هذه الفكرة علي أساس أنها منافية للموروثات الفقهية التي ورثها عن الصحابة والتابعين فضلا عن كونها منافية للروايات التي يتبناها ويقوم مذهبه علي أساسها. من هنا قام المأمون بتصفية تيار الحنابلة أو من يطلقون علي أنفسهم أهل الحديث واعتقل إما مهم ابن حنبل وأحكم الحصار الفكري من حوله كي يتراجع عن فكرة كون القرآن غير مخلوق إلا أن ابن حنبل أصر علي موقفه مما أوقعه في دائرة التعذيب وظل في حبسه حتي توفي المأمون وجاء من بعده المعتصم الذي تبني في مواجهته نفس الموقف، كذلك الخليفة الواثق من بعده، حتي جاء المتوكل فأعلن مناصرته للحنابلة الذين كانوا قد أطلقوا علي أنفسهم أهل السنة والجماعة، وأطلق لهم العنان لنشر أفكارهم ورواياتهم تحت حمايته، فكان أن بطشوا بالمعتزلة والشيعة والمخالفين لهم وكثرت الفتن والصدامات الدموية.. [62] . ولأجل هذا الموقف الذي تبناه المتوكل تغاضي الفقهاء عن مساوئه وجرائمه وانحرافاته التي تصطدم بجوهر الدين ونصوصه الصريحة، واعتبروا موقفه هذا كاف واحد؟؟؟ لجب هذه المساوئ والجرائم والتجاوزات وغفرانها... يروي عن ابن تيمية قوله: ما أظن الله يغفل عن المأمون.. ولا بد أن يعاقبه علي ما أدخله علي هذه الأمة.. [63] . وأجمع الفقهاء علي أن أهل الحديث أو أهل السنة هم الذين يمثلون نهج الرسول (ص) وهم الفرقة الناجية من النار والطائفة المنصورة لولا هم لأهلك الناس المعتزلة وأهل الرأي.. [64] . وفي منظور الفقهاء المأمون أهان السنة وأهلها وأكرم أصحاب الاعتزال (المعتزلة) والزنادقة وأن عصره لم يكن عصرا ذهبيا بل عصر ضلال وبدع وفساد عقائدي.. [65] . [ صفحه 25] إن المأمون هو الحاكم الوحيد في تاريخ المسلمين الذي حاز علي غضب الفقهاء ونقمتهم ليس لأسباب دينية أو سياسية ولكن لأسباب مذهبية. حيث أنه خالف نهجهم ومال لأصحاب العقل والرأي مما هدد نفوذ الفقهاء وأفكارهم ومعتقداتهم التي فرضوها علي الأمة بدعم من الحكام السابقين بالزوال.. يروي المؤرخون أنه لما جاء المتوكل أعلن سنة (234 هـ) إبطال القول بخلق القرآن، وأظهر الميل للمحدثين ووقف بجانبهم واستقدمهم إلي سامراء وأجزل عطاياهم وأكرمهم وأمرهم بأن يحدثوا بأحاديث الصفات وأحاديث رؤية الله.. وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في جامع الرصافة فاجتمع إليه نحو من ثلاثين ألف نفس وجلس أخوه في جامع المنصور فاجتمع إليه مثل هذا العدد، وكثر الدعاء للمتوكل وبالغ الفقهاء في الثناء عليه والتعظيم له واغتفروا له سوء فعاله.. [66] . ويبدو لنا من خلال هذا أن فقهاء أهل السنة قد أخذوا الدفعة الكبري التي أتاحت لهم الشيوع والانتشار والسيادة علي الآخرين بالإضافة إلي نشر رواياتهم من المتوكل العباسي. وأنه لولا هذه الدفعة لكان فقهاء أهل السنة ورواياتهم في ذمة التاريخ.. يروي السيوطي عن أحمد بن حنبل قوله: سهرت ثم نمت فرأيت في نومي كأن رجلا يعرج إلي السماء وقائلا يقول: ملك يقاد إلي مليك عادل++ متفضل في العفو ليس بجائر ثم أصبحنا فجاء نعي المتوكل من سر من رأي (سامراء) إلي بغداد.. [67] . وروي أيضا عن عمرو بن شيبان قال: رأيت في الليلة التي قتل فيها المتوكل في المنام قائلا يقول: [ صفحه 26] يا نائم العين في أوطار جسمان++ أفض دموعك يا عمرو بن شيبان أما تري الفئة الأرجاس ما فعلوا++ بالهاشمي وبالفتح بن خاقان وافي إلي الله مظلوما تضج له++ أهل السماوات من مثني ووحدان وسوف يأتيكموا أخري مسمومة++ توقعوها لها شأن من الشأن فابكوا علي جعفر وارثوا خليفتكم++ فقد بكاه جميع الإنس والجان ثم رأيت المتوكل في النوم بعد أشهر فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بقليل من السنة أحييتها.. [68] . ويروي الفقهاء عن المتوكل عدة روايات منسوبة للرسول (ص) منها: يروي السيوطي: سمعت المتوكل يحدث عن يحي بن أكثم عن محمد بن عبد الوهاب عن سفيان الثوري عن الأعمش أن رسول الله قال: من حرم الرفق حرم الخير.. [69] . وروي ابن عساكر عن علي بن الجهم قال: كنت عند المتوكل فتذاكروا عنده الجمال. فقال: إن حسن الشعر لمن الجمال: [70] . ويروي عن المتوكل عن المعتصم عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال: كانت لرسول الله (ص) جمة إلي شحمة أذنيه كأنها نظام اللؤلؤ.. [71] . وقال علي بن الجهم: كان للمتوكل جمة إلي شحمة أذنية.. [72] . وبداية من عصر المتوكل حصل فقهاء الرواية من الحنابلة وغيرهم علي الحرية والدعم من حكام بني العباس فانطلقوا يجمعون الروايات وينشرونها ويرهبون بها المخالفين.. [ صفحه 27] فظهر إسحاق بن راهويه والدارقطني وعلي بن المديني ويحيي بن معين وغيرهم الذين تتلمذ عليهم جامعو الأحاديث وأخذوا عنهم ووثقوهم ونقلوا الروايات عن طريقهم وعلي رأس هؤلاء البخاري وأبو داود والنسائي والدرامي والترمذي وابن ماجه والبيهقي ومسلم وابن حبان والحاكم وغيرهم.. [73] . وقدم كتاب البخاري علي هذه الكتب جميعا واعتبر أصح الكتب بعد كتاب الله لخلوه من الروايات التي تدعم الاتجاهات الأخري خاصة الشيعة المنافس الدائم للفقهاء والحكام علي مر تاريخ المسلمين.. واعتبر كتاب مسلم في الدرجة الثانية بعد البخاري بينما اختلف في كتب الآخرين وفي رواياتهم التي دخلت في دائرة القبول والرفض.. [74] . وكان الفضل في انتشار البخاري وتقديمه يعود إلي الحكام وفقهاء السلاطين كذلك الحال بالنسبة لمسلم.. [75] . من جهة أخري حصل فقهاء الأحكام والعقائد علي دعم الحكام وحمايتهم فدونوا كتب الفقه وكتب العقائد وتصدوا للتيارات المخالفة والمناهضة للوضع القائم ورموها بالزندقة والضلال وبدا أثر السياسة واضحا علي نتاجاتهم الفقهية والعقائدية... وأمسك الحكام بزمام الدين وأصبحوا يولون الفقهاء مناصب القضاء ويدعمون المذاهب الفقهية ويتغاضون عن اتجار الفقهاء بالدين مقابل سكوت الفقهاء عنهم ومباركتهم لمواقفهم و ممارساتهم.. وكان الفقهاء يسهمون بدور فاعل في اختيار الخلفاء وإضفاء المشروعية عليهم.. يروي السيوطي أنه لما ثار الترك علي المستعين بالله وقبضوا عليه وضربوه وطالبوه بأن يخلع نفسه أحضروا القاضي ابن أبي الشوارب والشهود من الفقهاء وخلعوه [76] . [ صفحه 28] ولما قرر المهتدي بالله خلع المعتز جيئ بالشهود من الفقهاء وغيرهم من الأعيان فشهدوا علي المعتز أنه عاجز عن الخلافة فاعترف بذلك ومد يده فبايع المهتدي.. [77] . ولما حجر علي الخليفة المعتمد جمع الفقهاء والقضاة والأعيان وطلب منهم أن يخلعوه فخلعوه كذلك حين خلع القاهر أقر الفقهاء ثورة الجند عليه وولوا الراضي بالله وطلبوا من القاهر أن يخلع نفسه فأبي فقبض عليه الجند وقتلوه.. [78] . ومن الطريف أن الفقهاء المساجد كانوا يراقبون هذه الصراعات ويبادرون علي الفور برفع اسم الخليفة المخلوع أو المقتول من الخطبة ويضعون اسم الخليفة الجديد وهو في أحيان كثيرة يكون صبيا لم يبلغ الحلم.. [79] . ويروي السيوطي لما خلع المقتدر بالله وتولي الخلافة عبد الله بن المعتز ولقب بالغالب بالله وباركه الفقهاء. جمع المقتدر خواصه ولبسوا السلاح فلما رآهم ابن المعتز من حوله فر منهزما ومعه وزيره وقاضيه بلا قتال، وقبض المقتدر علي الفقهاء والأمراء الذين خلعوه وسلموا إلي يونس الخادم فقتلهم.. [80] . وفي زمن المقتدر حوكم الحلاج من قبل الفقهاء وحكموا بقتله بعد أن اتهموه بادعاء الألوهية والدعوة إلي القرامطة.. [81] . ويروي عن الخليفة القادر أنه كان من الديانة والسيادة وإدامة التهجد بالليل وكثرة البر والصدقات وحسن الطريقة علي صفة اشتهرت عنه وعرف بها كل أحد مع حسن المذهب وصحة الاعتقاد. تفقه علي يد أبي بشر الهروي الشافعي، وقد صنف كتابا في الأصول ذكر فيه فضائل الصحابة علي ترتيب مذهب أصحاب الحديث وأورد في كتابه فضائل عمر بن عبد العزيز وإكفار المعتزلة والقائلين بخلق القرآن وكان ذلك الكتاب يقرأ في كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي ويحضره الناس، وترجم له ابن الصلاح في طبقات الشافعية [82] . [ صفحه 29] ولما هيمن السلاجقة علي بغداد في عهد الخليفة القائم وظهر الوزير الفقيه نظام الملك وزير ألب أرسلان أبطل ما كان عليه الحال من قبل الوزير عميد الملك من سب الأشاعرة والتعصب للحنابلة وانتصر للشافعية وأعلي من قدر الأشاعرة وأكرم إمامهم الجويني إمام الحرمين وأبا القاسم القشيري وبني المدرسة النظامية وهي أول مدرسة بنيت للفقهاء.. [83] . وتولي الخلافة بعد القائم بأمر الله المقتدي بأمر الله وكان عمره تسعة عشر عاما وأتم بيعته من الفقهاء أبي إسحاق الشيرازي وابن الصباغ والدامغاني. وقام المقتدي بعزل فخر الدولة بن جهير من الوزارة لكونه شذ عن الحنابلة.. [84] . ويروي السيوطي أن السلطان السلجوقي ملك شاه ضيق الخناق علي المقتدر فدعا عليه فاستجاب الله دعائه ومات ملك شاه فعد الفقهاء ذلك من كرامات المقتدر.. [85] . ويروي عن الخليفة المسترشد بالله أنه سمع الحديث عن فقهاء الحديث وذكره ابن الصلاح في طبقات الشافعية. وهو الذي صنف له الفقيه أبو بكر الشاشي كتابه العمدة في الفقه وبلقبه اشتهر الكتاب فإنه كان حنيئذ يلقب عمدة الدنيا والدين وذكره ابن السبكي في طبقات الشافعية.. [86] . وتولي بعد المسترشد ولده الراشد فأراد السلطان مسعود السلجوقي خلعه فجمع الفقهاء وكتب محضرا فيه شهادة طائفة بما جري من الراشد من الظلم وأخذ الأموال وسفك الدماء وشرب الخمر، واستفتاهم فيمن فعل ذلك هل تصح إمامته؟ فأفتي الفقهاء بجواز خلعه، وحكم بخلعه، وبايعوا عمه محمد بن المستظهر ولقب المقتفي لأمر الله، وقتل الراشد بعد ذلك كما قتل أبيه من قبل.. [87] . ويروي الفقهاء عن المقتفي قول الرسول (ص): لا يزداد الأمراء إلا شدة ولا الناس إلا شحا ولا تقوم الساعة إلا علي شرار الناس.. [88] . [ صفحه 30] ويقول ابن الجوزي عن الخليفة المستضئ بأمر الله: وفي خلافته انقضت دولة بني عبيد - الدولة الفاطمية - وخطب له بمصر وضربت السكة باسمه وجاء البشير بذلك فغلقت الأسواق في بغداد وعملت القباب، وصنفت كتابا سميته (النصر علي مصر).. [89] . وقال الذهبي: في أيامه ضعف الرفض - التشيع - ببغداد ووهي، وأمن الناس، ورزق سعادة عظيمة في خلافته، وخطب له باليمن وبرقة ومصر إلي أسوان ودانت الملوك بطاعته وذلك سنة سبع وستين وخمسمائة.. [90] . وقال العماد الكاتب: استفتح السلطان صلاح الدين سنة سبع وستين وخمسمائة بإقامة الخطبة في الجمعة الأولي منها بمصر لبني العباس وعفت البدعة وصفت الشرعة.. [91] . ويروي عن الخليفة المستنصر بالله أنه أنشأ المدرسة المستنصرية ورتب فيها الرواتب الحسنة لأهل العلم علي المذاهب الأربعة. كما رتب فيها مطبخا للفقهاء بالإضافة إلي البسط والحصر لبيوتهم والزيت والورق والحبر وغير ذلك وجعل لهم فوق ذلك في الشهر دينارا ونقل إليها الكتب النفيسة.. [92] . ويروي عن المستعصم بالله: كان متدينا متمسكا بالسنة وخرج له الفقهاء أربعين حديثا، قال السيوطي: رأيتها بخطة.. [93] . وقد استخدم حكام بني العباسي الفقهاء في محاربة الدولة الفاطمية في مصر والتي ضمت إليها الشام وأصبحت تهدد الخلافة العباسية في بغداد.. ومن صور هذه الحرب حملات التشكيك التي شنها الفقهاء حول نسب الفاطميين إلي بيت الرسول (ص) ومحاولاتهم ربط نسب الفاطميين باليهود.. وقد كتب الفقهاء محضرا في بغداد يطعن في نسب الفاطميين هذا نصه: [ صفحه 31] هذا ما شهد به الشهود أن معد بن إسماعيل المستولي علي مصر، هو معد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد، وأنهم منتسبون إلي ديصان بن سعد الدين ينتسب إليه الديصانية، وأن سعيد المذكور صار إلي المغرب وسمي بعبيد الله ولقب بالمهدي وأن هذا الناجم الحاكم بمصر هو منصور الملقب بالحاكم - حكم الله عليه بالبوار والدمار - ابن نزار بن معد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد، وأن من تقدمه من سلفه الأرجاس الأنجاس - عليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين - أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - ولا يتعلقون منه بنسب، وأن ما ادعوه من الانتساب إليه باطل وزور، لم يتوقف أحد من أهل بيوتات الظالمين من إطلاق القول في هؤلاء لأنهم خوارج أدعياء، وأن هذا الإنكار لباطلهم كان سابقا بالحرمين وفي أول أمرهم بالمغرب انتشر انتشارا عظيما، وأن هذا الناجم بمصر هو وسلفه كفار وفساق وزنادقة ملحدون معطلون وللإسلام حاجزون ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون. عطلوا الحدود وأباحوا الفروج وأحلوا الخمور وسفكوا الدماء وسبوا الأنبياء وادعوا الربوبية وكتب ذلك في ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة، وشهد بذلك من العلويين الشرفاء: المرتضي والرضي الموسويان، وجماعة منهم، وشهد من الفقهاء المعتبرين الشيخ أبو حامد الاسفرايني، وأبو الحسن القدوري، وقاضي القضاة محمد بن أحمد، وأبو عبد الله البيضاوي.. وقد انساق الفقهاء والمؤرخون وراء هذه الدعوي دون تدبر باستثناء المقريزي الذي انتقد هذا المحضر واعتبروا ما يقال في الفاطميين إنما هو من صنع خلفاء بني العباس وهو من قبيل الموضوعات.. [ صفحه 32] - الفقهاء والأيوبيين: كان صلاح الدين شافعيا أشعريا متعصبا وعندما جاء إلي مصر مع أسد الدين شيركوه بأمر نور الدين محمود لدعم مصر في مواجهة الفرنجة. أكرمه الخليفة الفاطمي العاضد ووزره بعد وفاة شيركوه، فما أن تمكن صلاح الدين حتي دبر للعاضد فلم يزل أمره في ازدياد وأمر العاضد في نقصان.. [94] . وعندما سقطت الدولة الفاطمية بعد وفاة العاضد سيرت الخلع من بغداد إلي نور الدين وصلاح الدين وللخطباء بالديار المصرية وأرسلت معهم الرايات السود رايات العباسيين [95] . وأخذت بطانة الفقهاء المحيطة بصلاح الدين تحرضه علي الشيعة فقام بصرف قضاة مصر الشيعة وفرض المذهب الشافعي وحمل الكافة علي عقيدة الأشعري في مصر وبلاد الشام ومنها إلي أرض الحجاز واليمن وبلاد المغرب حتي أصبح الاعتقاد السائد الممثل لأهل السنة في سائر هذه البلاد ومن خالف عن ذلك ضرب عنقه.. [96] . وولي صلاح دين صدر الدين عبد الملك بن درباس الكردي قضاء القاهرة.. [97] . وقبض علي أولاد العاضد وحبسهم واستولي علي ما كان بالقصور من أموال وفرق بين الرجال والنساء ليكون ذلك أسرع إلي انقراضهم.. يقول ابن خلكان القاضي معبرا عن فرحته بما فعل صلاح الدين وشماتته بالفاطميين: وكانت هذه الفعلة من أشرف فعاله فلنعم ما فعل، فإن هؤلاء كانوا باطنيين زنادقة وأضحي الدين واحد بعد أن كان أديانا والبدعة خاشعة، والجمعة جامعة، والمذلة في شيع الضلالة شائعة، وحقت عليهم الكلمة تشريدا وقتلا (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا) [98] . وقام صلاح الدين بإحراق نفائس الكتب التي حوتها دار الحكمة بالقاهرة ودار العلم الفاطميتين وأغلق جامع الأزهر وأبطل الخطبة فيه فلم يزل معطلا عن إقامة الجمعة فيه مائة عام حتي عصر السلطان الظاهر بيبرس... [99] . [ صفحه 33] وكان نجم الدين الخبوشاني الفقيه الشافعي نديم صلاح الدين يحرضه علي الشيعة ويفتيه بوجوب استئصالها، وكان محل ثقته ورضاه، ولما مات وجد لديه ألوف الدنانير قد جمعها بغير الحق ولم يصرفها في وجوهها المشروعة وأسف عليه صلاح الدين وخاب ظنه فيه.. [100] . وكان نور الدين محمود يجمع الفقهاء من حوله ويستقدمهم من بلاد شتي ويعظمهم ويكرمهم وقد عهد للفقيه عماد الدين عمر بن حمويه بولاية خوانق دمشق وكان من المقربين إليه وأطلق عليه لقب شيخ الشيوخ، ثم بعد وفاته عهد صلاح الدين الذي كان قد تولي السلطنة بعد وفاة نور الدين - إلي صدر الدين محمد بن عماد الدين عمر بن حمويه بولاية مشيخة دمشق وقام بنقله بعد ذلك إلي مصر ليتولي أمر المدرسة الصالحية وهي مدرسة خاصة تدرس المذاهب الأربعة وذلك بهدف تطويق المذهب الشيعي هناك والقضاء علي آثاره وهذه المدرسة كان يدرس بها الحنبوشاني قبل وفاته [101] . وتجاوز صدر الدين هذا الدور في ظل الدولة الايوبية إلي القيام بدور سياسي إذ كان رسول العادل الايوبي إلي الخليفة العباسي الناصر لدين الله، وكان رسول الملك الكامل محمد نائب السلطنة بمصر إلي والده السلطان العادل بدمشق، ورسوله إلي بغداد... [102] . وقد لعب أولاد صدر الدين الأربعة وهم عماد الدين، وكمال الدين ومعين الدين وفخر الدين دورا بارزا في مساندة الحكم الأيوبي حتي سقوطه، وتولي عماد الدين التدريس مكان والده في المدرسة الصلاحية وبالمشهد الحسيني وكان ملازما للملك الكامل وقد جمع له بين رياسة العلم والقلم... [103] . وبعد مقتل عماد الدين تولي مكانه شقيقة كمال الدين واستعان به الملك الكامل في حسم الصراع مع إخوته علي السلطة، ثم ولاه بعد ذلك الوزارة في الديار المصرية في آخر عام (627 هـ) وحصل علي لقب شيخ الشيوخ، واعتمد عليه الملك الصالح نجم الدين أيوب بعد ذلك في مواجهة منافسيه والخارجين عليه من الأمراء.. [104] . [ صفحه 34] ونفس الدور قام به بع وفاته شقيقه الثالث معين الدين الذي كان رسول الملك الكامل محمد إلي الخليفة المستنصر في بغداد وألقي أمامه كلمة تقول: عبد الدولة المقدسة المستنصرية يقبل القباب التي يستشفي بتقبيل ثراها ويستكفي بتمسكه من عبوديتها بأوثق عراها، ويوالي شكر الله تعالي علي إماطة ليل العزاء الذي عم مصابه بصبح الهناء الذي تم نصابه حتي تزحزح عن شمس الهدي شفق الاشفاق فجعل كلمتها العليا وكلمة معاديها السفلي وزادها شرفا في الآخرة والأولي، ثم تولي الوزارة من قبل نجم الدين... [105] . أما الشقيق الأصغر فخر الدين فقد خلع العمامة ولبس زي الأمراء ونادم الملك الكامل وتخلي عن دوره الفقهي... [106] . - الفقهاء والمماليك: ورث المماليك عن الأيوبيين مذهب الأشعري في العقيدة والشافعي في الفقه الذي فرضهما السلطان صلاح الدين علي المصريين بعد تصفية الوجود الشيعي فيها... [107] . وفي سنة (665 هـ) أصدر الملك الظاهر بيبرس مرسوما بقصر التعامل في مجال الفتوي علي أحد المذاهب الأربعة وفي مجال العقيدة علي مذهب الأشعري.. [108] . ولما كان حكام المماليك أصولهم من الرقيق كانت حاجتهم إلي الشرعية أشد من حاجة غيرهم من الحكام فمن ثم قد احتضنوا الفقهاء وقربوهم وأنعموا عليهم بالمناصب والعطاء فأصبحوا ظلهم الدائم لا يقطعوا أمرا دونهم.. وكان فقهاء الشافعية هم الأقراب دوما من السلطان وأكثر المتولين لمناصب القضاء علي مستوي مصر والشام دائرة حكم المماليك.. وكان حكام المماليك يمارسون سنة الأيوبيين والعباسيين من قبلهم في اختيار السلطان ومبايعته بشهادة الفقهاء ومباركتهم.. [ صفحه 35] ويحدثنا التاريخ أن الفقهاء وحكام المماليك كانوا في حالة وئام وتعايش ولم تبرز حالة صدام واحدة بين الطرفين رغم وجود شبهات شرعية حول تولي الرقيق أمر المسلمين ورغم أن الطرف الحاكم كان شديد التعسف والظلم للرعية.. [109] . وحين سقطت الدولة العباسية علي يد التتار عمل الظاهر بيبرس علي إحياء الخلافة العباسية في مصر فاستقدم أحد أبناء العباسيين وهو أحمد بن الخليفة الظاهر بن الخليفة الناصر والذي كان قد فر هاربا من وجه التتر... وخرج الظاهر بنفسه ومعه وزيره وقاضي القضاء تاج الدين بن بنت الأعز والفقهاء والأمراء لإستقباله وأسكنه قلعة الجبل ثم أشهد قاضي القضاة والفقهاء بأن نسبه يتصل بالعباس بن عبد المطلب وأقر بذلك القضاة والفقهاء، فقام السلطان بيبرس فبايعه وتبعه القضاة والفقهاء ولقب بالمستنصر بالله.. [110] . ولم تكن فكرة نقل الخلافة العباسية إلي مصر سوي واجهة لحكام المماليك يستمدون منها الشرعية التي افتقدوها بسبب انتسابهم إلي الرق. ففي نفس العام الذي وصل فيه المستنصر العباسي إلي مصر وهو عام (659 هـ) قام بيبرس بجمع القضاة والفقهاء وجاء بالمستنصر ليخلع عليه خلعة السلطنة ويقلده حكم البلاد وتم ذلك في حفل كبير.. [111] . وكان الخليفة العباسي في ظل حكم المماليك لا يملك من الأمر شئ فهو ليس إلا مجرد صورة وتنحصر مهمته في تقليد سلاطين المماليك وتفويضهم لحكم البلاد، وإذا ما بدرت منه بادرة أثارت ريب السلطان فإنه لا يتردد في عزله وحبسه أو قتله وتولية الخلافة لمن يشاء من أبناء العباسيين في مصر.. [112] . وقد عايش الفقهاء هذا الوضع المتناقض والمخالف لقواعد الفقه والاعتقاد التي ورثوها عن طريق السلف والروايات.. [113] . [ صفحه 36] وحين برز ابن تيمية واصطدم بفقهاء عصره بسب أفكاره الشاذة في مسألة صفات الله وزيارة القبور والطلاق وغيرها من المسائل انحاز إليه بعض أمراء المماليك وعاداة الطرف الآخر، ورغم العلاقة التي كانت تربطه بالسلطان محمد بن قلاوون إلا أنه ضحي به في النهاية تحت ضغط الفقهاء والقضاة وحبسه حتي مات في الحبس.. [114] . وفي عصر السلطان الناصر فرج الذي حفل بالمظالم والاضطربات وسفك الدماء دخل فرج في صدامات مع الأمراء الخارجين عليه في الشام ولحقت به الهزيمة النكراء فاستدعي الفقهاء والقضاة وحثهم علي نصرته والقيام معه فأجابوه.. [115] . وحين أطيح بالناصر واستبد الأمراء بالحكم تحت ستار الخليفة المستعين، وعاد فرج للمطالبة بالحكم بقوة عسكرية. كتب المستعين والقضاة والفقهاء محضرا يحكمون بمقتضاه علي الناصر فرج بالخروج عن الدين واستباحة دمه.. [116] . ولما سقط الناصر فرج في قبضة الأمراء اجتمع المستعين والفقهاء من مصر والشام وقرروا جميعا الحكم بإراقة دمه، فقتل في صفر عام (815 هـ).. [117] . ثم أن القضاة الأربعة - الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي - اجتمعوا بعد ذلك بإشارة من كاتب سر السلطان المؤيد شيخ واتفقوا علي خلع الخليفة المستعين.. [118] . وكان حكام المماليك إذا ما خرجوا للحرب يأخذون الفقهاء معهم ضمن عناصر الجيش [119] . وقد عبر ابن حجر العسقلاني عن سعادته بانتصار المستعين علي المماليك واسترداده لسلطاته قبل أن يطاح به من جديد - بقصيدة طويلة تقول: الملك فينا ثابت الأساس++ بالمستعين العادل العباسي رجعت مكانة آل عم المصطفي++ لمحلها من بعد طول تناسي [ صفحه 37] فرع نما من هاشم في روضة++ زاكي المنابت طيب الأغراس من أسرة أسروا الخطوب وطهروا++ مما يغيرهم من الأدناس مثل الكوكب نوره ما بينهم++ كالبدر أشرق في دجي الأغلاس فالحمد الله المعز لدينه++ من بعد ما قد كان من إبلاس ومناقب العباسي لم تجمع سوي++ لحفيده ملك الوري العباسي لا تنكروا للمستعين رئاسة++ في الملك من بعد الجحود الناس مولاي عبدك قد أتي لك راجيا++ منك القبول فلا يري من بأس فأدام رب الناس عزك دائما++ بالحق محروسا برب الناس. [120] . ويقول السيوطي مباركا هذه الفترة: واعلم أن مصر حين صارت دار الخلافة عظم أمرها وكثرت شعائر الإسلام فيها، وعلت فيها السنة، وعفت عنها البدعة، وصارت محل سكن العلماء ومحط رحال الفضلاء، وهذا سر من أسرار الله أودعه في الخلافة النبوية حيث ما كانت يكون معها الإيمان والكتاب.. [121] . - الفقهاء والعثمانيين: وضع العثمانيون حجر الأساس لأول مؤسسة دينية حكومية تخضع لإشراف الحكم في تاريخ المسلمين، وقبلهم كان الحكام يتعاملون مع الفقهاء وفق الحاجة والمصلحة. فتارة يقربون الشافعية.. وتارة ينقمون عليهم.. وتارة يقربون المالكية.. وتارة ينقمون عليهم.. وكان من الممكن للحاكم أن يتعامل مع فقهاء المذاهب الأربعة في وقت واحد. كما كان الفقهاء والقضاة يدينون بالطاعة والولاء للحاكم ولكهنم لم يكونوا ينطقون جميعهم بلسانه [ صفحه 38] ويعتمدون في أرزاقهم عليه.. إلا أن العثمانيين بإعلانهم مؤسسة شيخ الإسلام قد حكروا الدين في دائرة هذه المؤسسة التي منحت الشرعية وفق مذهب الأحناف الذي تبنته الدولة العثمانية بينما أخرجت المذاهب والاتجاهات الأخري من دائرة الحماية الحكومية لتتحول إلي أنشطة فقيهة أهلية لا تملك القدرة علي التأثير في الجماهير والانتشار علي ساحة الواقع بل أصبحت محل رصد السلطة وتحيط بها الشبهات وتوضع أمامها العراقيل.. [122] . وتحول الفقهاء إلي موظفين في الدولة فأصبحوا ينتظرون تعليماتها وينطقون بلسانها ويفتون لصالحها.. ومن باب حماية هذه المراكز الوظيفية والامتيازات التي ترتبط بها اتخذ فقهاء الدولة موقف العداء الصريح من الفقهاء والأنشطة والتيارات التي لا تخضع لهم وتنازعهم دورهم وتهدد نفوذهم وتوقع بينهم وبين الحاكم... وبداية من هذه الفترة ظهرت طبقتان من الفقهاء: طبقة حكومية. وطبقة شعبية. وبين الطبقتين صراع قائم ومستمر كثيرا ما يسهم الحاكم في زيادة حدته من باب سياسة فرق تسد ومن باب شغل الجميع ببعضهم.. ولقد استقبل الفقهاء العثمانيين كفاتحين مسلمين جاءوا لتحريرهم من استعمار المماليك واعترفوا بهم كخلفاء شرعيين. يقول ابن العماد عن سليم الأول العثماني: هو من بيت رفع الله علي قواعده فسطاط السلطنة الإسلامية، ومن قوم أبرز الله تعالي لهم ما ادخره من الاستيلاء علي المدائن الايمانية رفعوا عماد الإسلام وأعلوا مناره وتواصوا باتباع السنة المطهرة وعرفوا للشرع الشريف مقداره وصاحب الترجمة منهم - أي سليم - هو الذي ملك بلاد العرب واستخلصها من أيدي [ صفحه 39] الجراكسة - المماليك - بعد ما شتت جمعهم... [123] . ويقول الشيخ مرعي الحنبلي مثنيا علي سليم الأول لتصديه لإسماعيل الصفوي الشيعي مؤسس الدولة الصفوية في إيران: وفي أيامه تزايد ظهور شأن إسماعيل شاه واستولي علي سائر ملوك العجم وقتل العلماء وأحرق كتبهم ونبش قبور المشايخ من أهل السنة، فلما بلغ السلطان سليم ذلك تحركت همته لقتاله وعد ذلك من أفضل الجهاد.. [124] . وعندما دخل سليم الأول حلب وحضر صلاة الجمعة فيها خطب الخطيب باسمه ونعته بخادم الحرمين الشريفين فسجد لله شكرا ثم ارتحل إلي الشام وأمر بعمارة قبة علي الشيخ محي الدين بن عربي بصالحية دمشق.. [125] . وعندما دخل سليم الأول مصر ودانت له استقبله الفقهاء والقضاة فقام بتولية الأربع وهم كمال الدين الشافعي ونور الدين علي الطرابلسي الحنفي والدميري المالكي وشهاب الدين بن النجار الحنبلي... [126] . وكان القاضي بن ظهيره الشافعي قاضي مكة قد حبس بمصر بأمر من السلطان الغوري ثم أطلقه طومان باي بعد مصرع الغوري في وقعة مرج دابق، ولما جاء سليم الأول مصر جاء إليه بن ظهيره فأكرمه وعظمه وخلع عليه وجهزه إلي مكة معززا مكرما مع الإحسان إليه وجعله نائبه في تفريق الصدقات السليمية.. [127] . ولما دخل السلطان سليم الأول إلي مدينة تبريز لقتال شاه إسماعيل الصفوي أخذ معه إلي بلاد الروم الفقيه ظهير الدين الأردبيلي الحنفي الشهير بقاضي زاده وعين له كل يوم ثمانين درهما.. [128] . وفي سنة (956 هـ) جلس المولي عبد الكريم الملقب بمفتي شيخ الرومي الحنفي بقسطنطينية مشتغلا بالارشاد والفقه حتي أتقن مسائلة وعين له السلطان سليمان كل يوم مائة عثماني [ صفحه 40] ونصبه مفتيا فأفتي وظهرت مهارته في الفقه... [129] . ولم يكن حكم الأتراك العثمانيين يختلف في شئ عن حكم الأمويين والعباسيين وغيرهم من الدول الجائرة المستبدة التي كان الدين بالنسبة لها مجرد شعار ولا تطبق أحكامه إلا علي الرعية.. وقد أحدث السلطان مراد الأول منصب قاضي العسكر الذي كان صاحب سلطة مطلقة تجاوزت الحدود العسكرية إلي السيطرة علي القضاة والفقهاء والموظفين.. [130] . وخضت الهيئات الدينية والقضائية بعد عهد سليم الأول لمفتي استانبول أو ما أطلق عليه مفتي التخت السلطاني أو شيخ الإسلام، وعمل السلطان محمد الثاني وسليمان الأول علي ودعم مركز شيخ الإسلام وتقوية شوكته ورفعه إلي أعلي المناصب الإدراية في الدولة.. [131] . ومع بروز الحركة الوهابية الحنبلية في جزيرة العرب وإعلانها الحرب علي دولة الخلافة العثمانية، استثمر العثمانيون الفقهاء في مواجهتها وإبطال دعواها.. إلا أن الحركة الوهابية رغم الضربات القاتلة التي وجهت لها علي يد محمد علي حاكم مصر وقواته تمكنت من الانتصار علي العثمانيين في النهاية والاستقلال بجزيرة العرب وذلك بدعم آل سعود وقوي أجنبية أخري معادية للعثمانيين علي رأسهم الانجليز... [132] . والعجيب أن الأفكار الحنبلية التي تبنتها تلك الحركة لا تنص علي فكرة الخروج علي الحاكم تحت أي دعوي، وأن نصوص أمام الحنابلة صريحة في ذلك.. [133] . والأكثر عجبا أن الوهابيين أقاموا نظام حكم في جزيرة العرب لا يمت بصلة إلي نظام الخلافة وكان أسوا بكثير من نظام حكم العثمانيين.. وتعايش الفقهاء مع حكم آل سعود في داخل الجزيرة وفي خارجها رغم أن عقيدة أهل السنة تنص علي عدم جواز البيعة والطاعة لإمامين في وقت واحد توجب قتل الإمام الثاني [ صفحه 41] بحكم خروجه علي الإمام الأول وحسب نص الحديث.. [134] . ثم استولي آل سعود علي الحرمين وأخضعوهما لسياستهم وبارك الفقهاء هذا الوضع رغم ما يحمل من نتائج سلبية تنعكس علي ممارسة الشعائر في هذين المكانين حيث أخضع الوهابيون الحرمين لأفكارهم الحنبلية المتشددة ومنعوا أية ممارسات ترتبط بالمذاهب الأخري خاصة فيما يتعلق بزيارة قبر الرسول وآثار النبي وآل البيت.. [135] . وقد أكثر الفقهاء من البكاء والعويل علي دولة الخلافة الزائلة وإنزال اللعنات علي مصطفي كمال أتاتورك والحكم بكفره، ثم ما لبثوا أن وجدوا بديلا يعطي بلا حساب فاتجهوا نحوه بقلوبهم وألسنتهم وهو الحكم السعودي، فهو من منظورهم الحكم الوحيد الباقي علي وجه الأرض الذي يرفع راية الإسلام ويطبق شرع الله.. [136] . والحق أن نظام الحكم السعودي ليس إلا امتدادا للحكم الأموي والعباسي والأيوبي والمملوكي والعثماني والإسلام عنده ليس سوي شعار والشرع عنده خاص بالرعية.. [137] . - الأزهر والحكام: ومع بداية ضعف الدولة العثمانية واستقلال الولايات التابعة لها عنها بدأت المؤسسات الدينية في تلك الولايات في الاستقلال عن المؤسسة الأم في الاستانة. وقامت الحكومات في تلك الولايات خاصة في مصر والشام بدعم المؤسسة الدينية فيها بهدف تطويق نظام الخلافة العثمانية من هنا برز دور الأزهر كمؤسسة دينية استثمرتها الحكومات في إضفاء المشروعية علي نظام الحكم في مصر، بل أن هذه المؤسسة أسهمت بدور كبير في محاولة نقل مقر الخلافة الإسلامية إلي مصر وتنصيب فؤاد الأول خليفة للمسلمين وذلك بعد إعلان سقوط الدولة [ صفحه 42] العثمانية عام (1924 م).. [138] . وبارك الأزهر مواقف وممارسات الملك فؤاد ومن بعده الملك فاروق وتغاضي عن الانحرافات والمفاسد التي ارتبطت بعصرهما.. وفي العصر الجمهوري ارتبط الأزهر بالحكم بصورة أكبر حتي تحول إلي مؤسسة من مؤسسات الدولة وقد تمثل موقفه المداهن للحكم الشديد الارتباط به في انحيازه الكامل إلي صف عبد الناصر ضد الإخوان المسلمين وإصداره الفتاوي المتطرفة والعدائية ضدهم ثم تبلور أكثر في تبنيه الخط الاشتراكي الذي تبناه عبد الناصر والخط السياسي المعادي لإسرائيل والغرب الذي انتهجته الدولة في فترة الستينيات.. [139] . وفي فترة السبعينيات انقلب موقف الأزهر سيرا مع الاتجاه الجديد للحكم الذي أعلن المصالحة مع الأخوان المسلمين والاعتراف بالكيان الصهيوني في فلسطين والارتباط بالغرب وتم توظيفه ليلعب دورا ضد الشيوعية والعلمانية.. [140] . وفي فترة الثمانينيات انقلب الأزهر علي التيار الإسلامي وإيران والشيعة سيرا مع التوجه الجديد لنظام الحكم ولا يزال علي هذا الموقف.. [141] . ومن الملاحظ أن ارتباط الأزهر بنظام الحكم الجمهوري قد أغرقه في السياسة وباعد بينه وبين دوره الفقهي ويعود السبب المباشر في ذلك إلي اندماجه وذوبانه داخل الدولة حتي أصبح المفتي وشيخ الأزهر كلاهما يعينان بقرار من رئيس الجمهورية. ولم يعد لمفتي الجمهورية من دور سوي أن يرصد حركة الأهلة ليعلم الناس بقدوم شهر رمضان وعيد الفطر والأضحي بالإضافة إلي المهمة التشريعية التي شرفه بها القضاة وهي إبداء الرأي في حالات الحكم بالإعدام علي الأشخاص والنظر في مدي مطابقتها لأحكام [ صفحه 43] لشرع واعتراضه علي هذه الأحكام لا يغير من الأمر شئ.. [142] . وأصبح هذا هو حال المفتي - موظف الدولة - في جميع بلاد المسلمين سيرا مع السنة التي سنها العثمانيين... كذلك الحال بالنسبة لشيخ الأزهر فهو أشبه بمدير جامعة إلا أن المكانة التاريخية للأزهر قد أضفت عليه قداسة في قلوب المسلمين في كل مكان مما جعلهم يطلقون عليه اسم الإمام الأكبر.. لكن ظهور النفط في جزيرة العرب قد مكن آل سعود من أن يلعبوا دورا في المحيط الإسلامي - بالإضافة إلي سيطرتهم علي الحرمين - نافسوا به الأزهر بل تفوقوا عليه في مواطن كثيرة تمكنوا من استقطاب الرموز والهيئات الإسلامية سخروها لنشر الفكر الوهابي وتعميمه في كل مكان ليصبح المذهب الحنبلي مذهبا عالميا لأول مرة في تاريخه وكان قبل ذلك يقبع في زاوية مظلمة من زوا يا التاريخ.. [143] . وقد تجاوز الأمر هذا الحد بأن تمكن السعوديون من اختراق الأزهر واستقطاب رموزه إلي صف الدعوة الوهابية المعادية له كمؤسسة تتبني الخط الحنفي وتتعايش مع الخط الصوفي والشيعي وكلا الخطين خصمين عنيدين للوهابية.. وإذا كان السعوديون قد تمكنوا من دفع الأزهر إلي معاداة الشيعة وإعلان الحرب علي إيران إلا أنهم لم يتمكنوا من دفعة نحو محاربة الطرق الصوفية ويعود السبب في ذلك إلي سياسة الدولة المعادية لشيعة وإيران والتي فتحت الباب أمام الأزهر ليلعب هذا الدور ضد الشيعة وإيران ولم تفتحه في مواجهة الطرق الصوفية المتحالفة معها والتي تلعب دورا في وسط المسلمين هو أكبر بكثير من دور الأزهر.. - نصوص الفقهاء في الحكام: اعتمد الفقهاء اعتمادا كبيرا علي النص المنسوب للرسول (ص) الذي يقول: الأئمة من [ صفحه 44] قريش، واعتبروا أن هذا النص هو الذي حسم الخلاف والصراع الذي دار في سقيفة بني ساعده لاختيار الإمام من بعد الرسول.. قال البغدادي: قال أصحابنا أن الشرع قد ورد بتخصيص قريش بالإمامة ودلت الشريعة علي أن قريشا لا تخلوا ممن يصلح للإمامة، فلا يجوز إقامة الإمام للكافة من غيرهم.. [144] . واشترط الفقهاء في الإمام أربعة شروط: الأول: العلم الثاني: العدالة والورع.. الثالث: السياسة وحسن التدبير.. الرابع: النسب من قريش.. [145] . ومن الثابت تاريخيا أن أغلب الذين تولوا الحكم في بلاد المسلمين بداية من العصر الأموي وحتي عصرنا هذا لم تكن تتوافر فيهم هذه الشروط اللهم إلا شرط القرشية الذي توافر في الأمويين والعباسيين ولم يتوافر في السلاجقة الترك أو الأيوبيين الأكراد، أو المماليك الرقيق أو العثمانيين الترك، ومع ذلك دان الفقهاء لهؤلاء الحكام وأقروا لهم بالسمع والطاعة وألزموا الرعية بذلك.. وعندما قامت الدولة الفاطمية في مصر وحكامها ينسبون إلي قريش رفضوها ورموها بالكفر والزندقة لأنها لا تلتزم عقيدتهم ولا تتبع نهجهم ورواياتهم في الوقت الذي كانوا يدينون فيه بالطاعة والولاء لحكام زنادقة سفاحين ضاق بهم العباد من الأمويين والعباسيين وغيرهم.. [146] . أما عن طريقة اختيار الإمام أو الخليفة فقد اختلف الفقهاء في هذا الأمر: قال الأشعري: إن الإمامة تنعقد لمن يصلح لها بعقد رجل واحد من أهل الاجتهاد والورع إذا عقدها لمن يصلح لها. فإذا فعل ذلك وجب علي الباقين طاعته.. [147] . [ صفحه 45] وقال القلانسي: تنعقد الإمامة بعلماء الأمة (علماء بلد الإمام) الذين يحضرون موضع الإمام وليس لذلك عدد مخصوص، فإن عقد الإمامة واحد أو جماعة لواحد وعقدها آخرون لواحد آخر وكل واحد منهما يصلح لها صح العقد السابق، فإن عقد في وقت واحد ولم يعرف السابق منهما استؤنف العقد لأحدهما أو لغيرهما.. [148] . وقال ابن قدامة المقدسي، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به أو غلبهم بسيفه حتي صار الخليفة وسمي أمير المؤمنين، وجبت طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين.. [149] . وقال ابن حنبل: من ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به وغلب عليهم بالسيف حتي صار خليفة. ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم.. [150] . وقال: ومن خرج علي إمام من أئمة المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله (ص) فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع علي غير السنة والطريق.. [151] . وقال: الخلافة في قريش ما بقي من الناس اثنان، ليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها ولا يخرج عليهم، ولا نقر لغيرهم بها إلي قيام الساعة، والجهاد ماض قائم مع الأئمة بروا أو فجروا، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، والجمعة والعيدان والحج مع السلطان، وإن لم يكونوا بررة عدولا أتقياء، ودفع الخراج والفئ والصدقات والأعشار والغنائم إلي الأمراء عدلوا فيها أم جاروا والانقياد إلي من ولاه الله أمركم، لا تنزع يدا من طاعته ولا تخرج عليه بسيفك وتسمع وتطيع ولا تنكث بيعة، فمن فعل ذلك فهو مبتدع ضال مفارق للجماعة [152] . وقال الأشعري: وأجمعوا علي السمع والطاعة لأئمة المسلمين، وعلي أن كل من ولي شيئا من أمورهم عن رضي أو غلبه من بر وفاجر لا يلزمهم الخروج عليه بالسيف جار أو عدل وعلي أن يغزو معهم العدو ويحج معهم، وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها، ويصلي خلفهم الجمع [ صفحه 46] والأعياد.. [153] . ويقول ابن تيمية: ويرون - أي أهل السنة - إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبرارا كانوا أو فجارا. [154] . وقال البر بهاري: لا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يري أن ليس عليه إمام برا كان أو فاجرا ومن خرج علي إمام أئمة المسلمين فهو خارجي قد شق عصا المسلمين وخالف الآثار وميتته جاهلية. وإذا رأيت الرجل يدعو علي السلطان فاعلم أنه صاحب هوي، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة، أمرنا أن ندعو لهم بإصلاح ولم نؤمر أن ندعو عليهم.. [155] . وقال البيجوري: ولو تغلب عليها شخص - الإمامة - قهرا انعقدت له وإن لم يكن أهلا كصبي وامرأة وفاسق. وتجب طاعته فيما أمر به أو نهي عنه.. [156] . ويقول أبو يعلي: والإمامة تنعقد من وجهين. أحدهما: باختيار أهل الحل والعقد.. بعهد الإمام من قبل.. فأما انعقادها باختيار أهل الحل والعقد فلا تنعقد إلا بجمهور أهل الحل والعقد. ويجوز للإمام أن يعهد إلي إمام بعده، ولا يحتاج في ذلك إلي شهادة أهل الحل والعقد [157] . ويري كثير من الفقهاء أن الإمامة تنعقد بثلاثة أوجه هي: الأول: العهد إليه من سابقة كما فعل أبو بكر مع عمر حين أوصي إليه بالخلافة بعده.. [ صفحه 47] الثاني: اتفاق أهل الحل والعقد، وهم مجموعة معينة من الخليفة.. الثالث: القهر، والغلبة أي الاستيلاء علي الحكم بالقوة وقد حدث هذا مع كثير من الحكام علي مر تاريخ المسلمين.. [158] . وقال ابن حزم: عقد الإمامة يصح بوجوه أولها وأفضلها وأصحها أن يعهد الإمام الميت إلي إنسان يختاره إماما بعد موته وسواء فعل ذلك في صحته أو في مرضه وعند موته إذ لا نص ولا إجماع علي المنع من أحد هذه الوجوه كما فعل الرسول (ص) بأبي بكر وكما فعل أبو بكر بعمر وكما فعل سليمان بن عبد الملك بعمر بن عبد العزيز وهذا هو الوجه الذي نختاره ونكره غيره لما في هذا الوجه من اتصال الإمامة وانتظام أمر الإسلام وأهله ورفع ما يتخوف من الاختلاف والشغب مما يتوقع في غيره من بقاء الأمة فوضي ومن انتشار الأمر وارتفاع النفوس وحدوث الأطماع. فإن مات الإمام ولم يعهد إلي إنسان بعينه فوثب رجل يصلح للإمامة فبايعه واحد فأكثر ثم قام آخر ينازعه ولو بطرفه عين بعده فالحق حق الأول وسواء كان الثاني أفضل منه أو مثله أو دونه لقول الرسول (ص): فوا بيعة الأول فلأول فمن جاء ينازعه فاضربوا عنقه كائنا من كان.. [159] . ويري جمهور أهل السنة أن الإمام لا ينخلع بالفسق أو بالجور أو بغضب الأموال وضرب الأبشار وتضييع الحقوق وتعطيل الحدود ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه.. [160] . وقد استفزت علاقة الفقهاء بالحكام ابن الجوزي في زمانه فكتب يقول: ومن تلبيس إبليس علي الفقهاء مخالطتهم الأمراء والسلاطين ومداهنتهم وترك الإنكار عليهم مع القدرة علي ذلك، وربما رخصوا لهم فيما لا رخصه لهم فيه لينالوا من دنياهم عرضا فيقع بذلك الفساد لثلاثة أوجه: الأول: الأمير يقول لولا أني علي صواب لأنكر علي الفقيه، وكيف لا أكون مصيبا وهو يأكل من ما لي. [ صفحه 48] والثاني: العامي أنه يقول لا بأس بهذا الأمير ولا بماله ولا بأفعاله فإن فلانا الفقيه لا يبرح عنده. والثالث: الفقيه فإنه يفسد دينه بذلك، وقد لبس إبليس عليهم في الدخول علي السلطان فيقول إنما ندخل لنشفع في مسلم وينكشف هذا التلبيس بأنه لو دخل غيره يشفع لما أعجبه ذلك وربما قدح في ذلك الشخص لتفرده بالسلطان ومن تلبيس إبليس عليه في أخذ أموالهم فيقول لك حق فيها. ومعلوم أنها إن كانت من حرام لم يحل له منها شئ وإن كانت من شبهة فتركها أولي، وإن كانت من مباح جاز له الأخذ بمقدار مكانه من الدين لا علي وجه إتفاقه في إقامة الرعونة، وربما اقتدي العوام بظاهر فعله واستباحوا ما لا يستباح، وقد لبس إبليس علي قوم من العلماء ينقطعون علي السلطان إقبالا علي التعبد والدين فيزين لهم غيبة من يدخل علي السلطان من العلماء فيجمع لهم آفتين: غيبة الناس ومدح النفس، وفي الجملة فالدخول علي السلاطين خطر عظيم لأن النية قد تحسن في أول الأمر ثم تتغير بإكرامهم وإنعامهم أو بالطمع فيهم ولا يتماسك عن مداهنتهم وترك الإنكار عليهم، وقد كان علماء السلف يبعدون عن الأمراء لما يظهر من جورهم فتطلبهم الأمراء لحاجتهم إليهم في الفتاوي والولايات فنشأ أقوام قويت رغبتهم في الدنيا فتعلموا العلوم التي تصلح للأمراء.. [161] . [ صفحه 49]

مدافع ابن حنبل

إمام المتطرفين.. [ صفحه 50] تتلمذ أحمد بن حنبل علي يد كثير من الفقهاء في عصره ودرس الفقه والشريعة واللغة والحديث ثم طلق كل هذه العلوم وتفرغ للحديث وجعله موضع اهتمامه وبني علي أساسه عقيدته وتصوره ومواقفه طارحا العقل والاجتهاد جانبا.. [ صفحه 51] من هنا فإن الطبري المؤرخ والمفسر والفقيه لم يعده في زمره الفقهاء بل عده في زمرة المحدثين من أهل الرواية حين صنف كتابة (اختلاف الفقهاء) وأغفل ذكره مما أدي إلي ثورة الحنابلة عليه وقذفوه بالمحابر وأهاجوا عليه العامة واتهموه بالرفض - التشيع - وجعلوا يرمون بيته بالحجارة حتي حجبتها مما دفع بالشرطة إلي التدخل لحسم الأمر.. [162] . - من الاعتدال إلي التطرف: استمر ابن حنبل يدرس الرواية ويحفظها وينقلها ويبثها بين الناس لم يكن يعترض سبيله أحد، ولم يكن يصطدم بأحد.. كانت الرواية هي حياته وشغله الشاغل وحيثما توجهه الرواية كان يتوجه حتي أنه اعتبر تبني الرواية الضغيفة والأخذ بها خير من استخدام العقل واللجوء للرأي.. وتشكلت شخصيته وعقيدته علي أساس هذه الروايات التي كانت سلاحه الأول والأخير في مواجهة المخالفين.. وعندما تبني المأمون نهج المعتزلة في نهاية حكمة خرج ابن حنبل رافعا لواء المعارضة لفكر المعتزلة الذي يرجح العقل علي الرواية معتبرا أن هذا الاتجاه يشكل خطورة علي عقيدة السلف وعلي الرواية، وابن حنبل كان يشعر علي الدوام بخطورة المعتزلة والاتجاهات الأخري علي طرحه وعلي الروايات إلا أنه لم يظهر العداء في مواجهة هذه الاتجاهات لضعفها أمام تيار الرواية الذي كان سائدا آنذاك بالإضافة إلي تيار الفقهاء المدعوم من قبل الحكام. ولقد شكل حدث تبني المأمون نهج المعتزلة انقلابا دينيا في نظر ابن حنبل نقل المعتزلة من طور الاستضعاف إلي طور التمكن وفتح الأبواب أمامهم ليسودوا علي حساب أهل السنة ويهدموا صرح الرواية الذي أسهم فقهاء السلف في تأسيسه منذ عشرات السنين.. وهكذا أعلن ابن حنبل رفضه لفكرة خلق القرآن التي يتبناها المعتزلة، وشكل هذا الرفض تحديا لسلطة المأمون الذي أمر بالقبض عليه، فأحضر مكبلا بالأغلال إليه في طرسوس. لكن القدر أنقذه من يد المأمون إذ جاءه الخبر بوفاته وهو في الطريق إليه فأعيد إلي بغداد ووضع في السجن، ثم مثل أمام المعتصم الخليفة الجديد وجرت له محاكمة وأصر ابن حنبل علي موقفه برفض القول بخلق القرآن فضرب بشدة وأعيد إلي السجن وأخلي سبيله بعد حوالي العامين فالتزم العزلة والانقطاع طوال عصر المعتصم وعصر الواثق من بعده... [163] . [ صفحه 52] وعاش ابن حنبل في مطاردات ومضايقات طوال عصر المعتصم والواثق حتي جاء المتوكل الذي أعلن تنبيه لنهج أهل السنة ورفضه لنهج المعتزلة وجمع المحدثين عام (234 هـ) للرد علي الجهمية والمعتزلة ونصرة الرواية.. [164] . في ظل هذا العصر استأنف ابن حنبل نشاطه واتخذ المتوكل من يحيي ابن أكثم وزيرا بدلا من أحمد بن داود المعتزلي الذي كان وزير المعتصم... وتقرب أحمد بن حنبل من المتوكل الذي دعاه إلي سامراء سنة (237 هـ) لأجل إعطاء ولده المعتز دروسا في الحديث... - المدفع الأول: كان ابن حنبل ورعا في الفتيا والاجتهاد، ولم يكن يجرؤ علي التصدي لأية قضية دون أن يكون هناك نص صريح لديه يتمثل في رواية منسوبة للرسول (ص) أو الصحابي أو فتوي منسوبة لصحابي أو لأحد من التابعين. من هنا فقد رفض ابن حنبل أن يدون عنه شيئا من رواياته أو مسائلة مخافة أن تختلط بالكتاب والسنة.. إلا أن ولديه عبد الله وصالح لم يلتزما بذلك بعد وفاته، فقد قام عبد الله بتدوين روايات والده فيما سمي بمسند ابن حنبل وزاد عليه من عنده روايات أخري كما أضاف إليه كتاب الزهد وزادت الروايات التي جمعها عبد الله في مسند أبيه علي ثمانية وعشرين ألف رواية.. وقام تلامذته بتدوين مسائلة وردوده في عدة كتب تم نشرها بين المسلمين.. ويمكن تحديد نهج ابن حنبل ونوع مدافعة من خلال رسالتين من رسائله كتب أولاهما في السجن وهي رسالة: الرد علي الزنادقة والجهمية.. [ صفحه 53] والثانية هي رسالة وسوف نعرض لها فيما بعد.. وتعد رسالة الرد علي الجهمية والزنادقة من أقوي مدافع ابن حنبل التي صوبها نحو المسلمين والاتجاهات الأخري المخالفة له، وعلي أساسها قامت مدارس واتجاهات عدوانية شديدة التطرف ضد العقل والآخرين حمل رايتها الحنابلة ومن سار علي دربهم. يقول ابن حنبل في رسالته في معرض ردوده علي القائلين بفكرة خلق القرآن وهم في تصوره الجهمية ثم أن الجهمي ادعي أمرا وهو من المحال فقال: أخبرونا عن القرآن أهو الله تعالي أو غير ذلك؟ فادعي في القرآن أمرا يوهم الناس. فإذا سئل الجاهل عن القرآن هو الله أو غير الله، فلا بد أن يقول بأحد القولين: فإن قال هو الله، قال له الجهمي كفرت. وأن قال غير الله، قال صدقت، فلم لا يكون غير الله مخلوقا. فيقع في نفس الجاهل من ذلك ما يميل به إلي قول الجهمي. وهذه المسألة من الجهمي هي من المغاليط. والجواب للجهمي إذا سأل فقال أخبرونا عن القرآن هو الله أو غير الله؟ قيل له: إن الله جل ثناؤه لم يقل في القرآن أن القرآن أنا ولم يقل غيري وقال هو كلامي فسميناه باسم سماه الله به فقلنا كلام الله، فمن سمي القرآن باسم سماه الله به كان من المهتدين ومن سماه باسم من عنده كان عن الضالين.. ثم أن الجهمي ادعي أمرا آخر، فقال: أخبرونا عن القرآن هو شئ؟ فقلنا: نعم هو شئ. فقال إن الله خالق كل شئ، فلم لا يكون القرآن من الأشياء المخلوقة وقد أقررتم أنه شئ فلعمري لقد ادعي أمرا أمكنه فيه الدعوي ولبس علي الناس بما ادعي. فقلنا إن الله سبحانه لم يسم كلامه في القرآن شيئا. إنما سمي شيئا الذي كان بقوله. ألم تسمع إلي قوله تبارك وتعالي (إنما قولنا لشئ) فالشئ ليس هو أمره وأنما الشئ الذي كان يقوله، وقال في آية أخري (إنما أمره أراد شيئا) فالشئ ليس هو أمره وأنما الشئ الذي كان يأمره، فكذلك إذا قال (خالق كل شئ) لا يعني نفسه ولا علمه ولا كلامه مع الأشياء [ صفحه 54] المخلوقة.. ففي هذا دلالة وبيان لمن عقل عن الله عز وجل، فرحم الله من فكر ورجع عن القول الذي يخالف الكتاب والسنة ولم يقل علي الله إلا الحق، وقد حرم الله أن يقال عليه الكذب وقد قال (ويوم القيامة تري الذين كذبوا علي الله وجوههم مسودة) أعاذنا الله وإياكم من فتن المضلين وقد ذكر الله كلامه في غير موضع من القرآن فسماه كلاما ولم يسمه خلقا قوله (فتلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه) وقال (قد كان فريق منهم يسمعون كلام الله) وقال (كلم الله موسي تكليما) وقال (يريدون أن يبدلوا كلام الله) وقال (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله) ولم يقل حتي يمسع خلق الله... ثم أن الجهمي ادعي أمرا آخر فقال أنا أجد آية في كتاب الله علي أن القرآن مخلوق، فقلنا في أي آية..؟ فقال قول الله تبارك وتعالي: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) فزعم أن الله قال للقرآن محدث، وكل محدث مخلوق، فلعمري لقد شبه علي الناس بهذا وهي آية من المتشابه فقلنا في ذلك قولا واستعنا بالله ونظرنا في كتاب الله ولا حوله ولا قوة إلا بالله.. ثم أن الجهمي ادعي أمرا فقال إنا وجدنا آية في كتاب الله تدل علي أن القرآن مخلوق. فقلنا أي آية..؟ فقال: قول الله تعالي (إنما المسيح عيس بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلي مريم) وعيسي مخلوق.. فقلنا إن منعك الفهم في القرآن.. ثم إن الجهمي ادعي أمرا فقال إن الله يقول (خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام) فزعم أن القرآن لا يخلوا أن يكون في السماء أو في الأرض أو فيما بينهما. فشبه علي الناس ولبس عليهم. فقلنا له: أليس إنما أوقع الله جل ثناؤه الخلق علي المخلوقين ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما فقالوا نعم، فقلنا: هل فوق السماوات شئ مخلوق؟ قالوا: نعم. فقلنا: فإنه يجعل ما فوق السماوات مع الأشياء المخلوقة.. أحداث عام (241 هـ).. [ صفحه 55] إن الله تبارك وتعالي يقول (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق) والحق الذي خلق به السماوات والأرض هو قوله إن الله يقول الحق، (ويوم يقول كن فيكون قوله الحق) فالحق الذي خلق به السماوات والأرض قد كان قبل السماوات والأرض، والحق قوله وليس قوله مخلوقا.. وفي باب آخر من أبواب الرسالة تحت عنوان: باب بيان ما جحدت الجهمية من قوله تعالي (وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة). قال لم أنكرتم أن أهل الجنة ينظرون إلي ربهم؟ فقالوا: لا ينبغي لأحد أن ينظر إلي ربه لأن المنظور إليه معدود موصوف إنما تري الأشياء بفعله فقلنا: إن الله يقول (إلي ربها ناظرة) فقالوا: معناها إلي ربها ناظرة تنتظر الثواب من ربها، وإنما ينظرون إلي فعله وقدرته.. فقلنا: إنها مع ما تنتظر الثواب هي تري ربها، وقد قال النبي (ص): إنكم سترون ربكم.. فأيهما أولي أن نتبع النبي حين قال سترون ربكم، أم قول الجهمي حين قال لا ترون ربكم؟ والأحاديث في أيدي أهل العلم عن النبي (ص) أن أهل الجنة يرون ربهم لا يختلف فيها أهل العلم.. ثم أنكر ابن حنبل في باب آخر قول الجهمية أن يكون الله سبحانه في كل مكان مؤكدا أن الله في السماء فوق العرش مستندا إلي عدد من النصوص القرآنية والروايات المنسوبة إلي الرسول (ص) مهاجما الجهمية عاملا علي إبطال استدلالاتهم من القرآن.. يقول ابن حنبل: إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب علي الله حين زعم أن الله في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان. فقل أليس الله كان ولا شئ؟ فيقول: نعم.. فقل له حين خلق الشئ خلقه في نفسه أو خارج في نفسه؟ [ صفحه 56] فإنه يصير إلي ثلاثة أقوال واحد منها: إن زعم أن الله خلق الخق في نفسه كفر حين زعم أنه خلق الجن والأنس والشياطين في نفسه.. وإن قال خلقهم خارجا عن نفسه ثم دخل فيهم كان هذا أيضا كفر حين زعم أنه دخل في مكان رجس قذر ردئ.. وإن قال خلقهم خارجا من نفسه ثم لم يدخل فيهم رجع عن قوله أجمع وهو قول أهل السنة.. ورد ابن حنبل علي ما استندت إليه الجهمية من الروايات علي أن القرآن مخلوق وعلي رأسها رواية تقول: أن القرآن يجيئ في صورة الشاب الشاحب فيأتي صاحبه فيقول هل تعرفني؟ فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا القرآن الذي أظمأت نهارك وأسهرت ليلك.. الخ. فادعوا أن القرآن مخلوق من قبل هذه الأحاديث، فقلنا لهم القرآن لا يجيئ إلا بمعني أنه قد جاء من قرأ (قل هو الله أحد) فله كذا وكذا، ألا ترون أن من قرأ قل هو الله أحد لا تجيئه بم يجيئ ثوابه لأنا نقرأ القرآن فيقول يا رب ويجيئ ثواب القرآن وكلام الله لا يجيئ ولا يتغير من حال إلي حال، وإنما معني أن القرآن يجيئ إنما يجيئ ثواب القرآن فيقول يا رب.. ويستمر ابن حنبل في إطلاق مدافعة وإنزال لعناته علي الجهمية ومن سار علي دربهم ويختتم رسالته بقوله: قلنا للجهمية حين زعموا أن الله في كل مكان لا يخلوا منه مكان: أخبرونا عن قوله جل ثناؤه (فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا) لم تجلي للجبل إن كان فيه عمكم. فلو كان فيه كما تزعمون لم يكن يتجلي لشئ هو فيه، ولكن الله جل ثناؤه علي العرش وتجلي ولم يكن فيه ورأي الجبل شيئا لم يكن رآه قبل ذلك. وقلنا للجهم الله نور. فقال هو نور كله. فقلنا فالله قال (وأشرقت الأرض بنور ربها) فقد أخبر الله جل ثناؤه أن له نورا، أخبرونا حين زعمتم أن الله تعالي في كل مكان وهو نور فلم يا يضئ البيت المظلم من النور الذي هو فيه إذ زعمتم أن الله في كل مكان. وما بال السراج إذا أدخل البيت يضئ، فعند ذلك تبين [ صفحه 57] للناس كذبهم علي الله فرحم الله من عقل عن الله ورجع القول الذي يخالف الكتاب والسنة وقال بقول العلماء وهو قول المهاجرين والأنصار وترك دين الشيطان ودين جهم وشيعته.. ويلاحظ من خلال ما تم عرضه من هذه الرسالة أن خصوم ابن حنبل من الجهمية وغيرهم يستندون إلي الكتاب والسنة التي يستند عليها ابن حنبل. فمن ثم هم مسلمون مثلما هو مسلم فإذا كان الأمر كذلك فلما كل هذه الحرب من قبل ابن حنبل عليهم..؟ أن المسألة في مضمونها هي صراع بين اتجاهين متناقضين: اتجاه ابن حنبل الذي يرفض العقل والرأي ويتبني الروايات.. واتجاه الآخرين الذين يؤمنون بالعقل والرأي.. وقد لاقي اتجاه ابن حنبل منذ عصر المتوكل دعما متواصلا من حكام بني العباسي. بينما اعتبر الاتجاه الآخر مرفوضا ومجرما ومزندقا.. حتي أن اتجاه الأشعري الذي برز بعد مرحلة ابن حنبل تأثر به وتبني الكثير من مقولاته فتلقفته حكومات السلاجقة والأيوبيين والمماليك واعتبروه النهج المعبر عن أهل السنة ومنذ ذلك الحين عاشت الاتجاهات الأخري في ركن مظلم معزولة عن الواقع مستضعفة تلاحقها السيوف تارة، وفتاوي التكفير والزندقة تارة أخري، وذلك علي أساس ما وضع ابن حنبل من قواعد وعقائد ومفاهيم.. - المدفع الثاني: وتشكل رسالة السنة التي سوف نعرض لها هنا الإطار العقائدي والأساس الذي بيت عليه المواقف والممارسات المتطرفة التي تبناها الحنابلة وغيرهم، وتبناها كذلك الحكام في مواجهة المسلمين المخالفين. لقد أهدي ابن حنبل الأمة تراثا هو عبارة عن مجموعة من المدافع الثقيلة الشديدة علي العقل والاتجاهات الأخري، استثمره الحكام واستثمرته الجماعات المريضة في تفتيت وحدة المسلمين وزرع الإرهاب بينهم وتفريغ عقولهم. يقول ابن حنبل في مقدمة الرسالة: هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروقها المعروفين بها. المقتدي بهم فيها من لدن أصحاب النبي (ص) إلي يومنا [ صفحه 58] هذا وأدركت من أدركت من علماء الحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب علي قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق.. كانت هذه هي أولي طلقات هذا المدفع.. ويواصل ابن حنبل قائلا: من زعم أن الزنا ليس بقدر قيل له: أرأيت هذه المرأة حملت من الزنا وجاءت بولد. هل شاء الله عز وجل أن يخلق هذا الولد؟ وهل مضي في سابق علمه؟ فإن قال: لا. فقد زعم أن مع الله خالقا، وهذا هو الشرك صراحا. ومن زعم أن السرقة وشرب الخمر وأكل المال الحرام ليس بقضاء وقدر فقد زعم أن هذا الإنسان قادر علي أن يأكل رزق غيره، وهذا صراح قول المجوسية.. ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله عز وجل وأن ذلك بمشيئة من خلقه، فقد زعم أن المقتول مات بغير أجله، وأي كفر أوضح من هذا؟ ويحدد ابن حنبل موقفه من الحكام صراحة بقوله: ولا تخرج علي السلطان وتسمع وتطيع ولا تنكث بيعته، فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة.. ولا نشهد علي أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله ولا لكبيرة أتاها إلا أن يكون ذلك في حديث كما جاء علي ما روي فنصدقه، والكف عن أهل القبلة ولا تكفر أحدا منهم بذنب ولا تخرجه من الإسلام بعمل إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء وكما روي وتصدقه وتقبله وتعلم أنه كما روي نحو ترك الصلاة وشرب الخمر وما أشبه ذلك، أو يبتدع بدعة ينسب إلي صاحبها الكفر والخروج من الإسلام فاتبع الأثر في ذلك ولا تجاوزه، فإن احتج مبتدع أو زنديق بقوله الله عز وجل (كل شئ هالك إلا وجهه) وبنحو هذا من متشابه القرآن، قيل له: كل شئ مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك، والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء ولا للهلاك، وهما من الآخرة لا من الدنيا، والحور العين لا يمتن عند قيام الساعة، ولا عند النفخة، ولا أبدا، لأن الله عز وجل خلقهن للبقاء لا للفناء، ولم يكتب عليهن الموت، فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع وقد ضل عن سواء السبيل، ولله عز وجل عرش، وللعرش حملة يحملونه، والله عز وجل علي عرشه يتحرك ويتكلم وينظر ويبصر ويضحك ويفرح ويحب [ صفحه 59] ويكره ويبغض ويرضي. وينزل كل ليلة إلي سماء الدنيا كيف يشاء، وقلوب الرحمن بين إصبعين من أصابع الرحمن بقلبها كيف يشاء، ويوعيها ما أراد، وخلق آدم بيده علي صورته، والسماوات والأرض يوم القيامة في كفه، ويضع قدمه في النار تنزوي، ويخرج قوما من النار بيده، وينظر أهل الجنة إلي وجهه يرونه فيكرمهم، ويتجلي لهم فيعطيهم، والقرآن كلام الله، تكلم به ليس بمخلوق، ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من قول الأول، ومن زعم أن ألفاظنا به وتلاوتنا له مخلوقه والقرآن كلام الله فهو جهمي، ومن لم يكفر هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم، ومن سب أصحاب رسول الله (ص) أو أحدا منهم، أو تنقصهم أو طعن عليهم أو عرض بعيبهم أو عاب أحدا منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف. لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.. وخير الأمة بعد النبي (ص) أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بعد عثمان، وهم خلفاء راشد مهديون ثم أصحاب رسول بعد هؤلاء الأربعة خير الناس، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم. ولا يطعن علي أحد منهم بعيب ولا بنقص، فمن فعل ذلك فقد وجب علي السلطان تأديبه وعقوبته، ليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبه، فإن تاب قبل منه، وإن ثبت عاد عليه بالعقوبة وخلده الحبس حتي يموت أو يرجع... والدين إنما هو كتاب الله عز وجل وآثار وسنن وروايات صحاح عن الثقات بالأخبار الصحيحة القوية المعروفة يصدق بعضها بعضا، حتي ينتهي ذلك إلي رسول الله (ص) وأصحابه والتابعين وتابعي التابعين ومن بعدهم من الأئمة المعروفين المقتدي بهم المتمسكين بالسنة والمتعلقين بالآثار، لا يعرفون بدعة ولا يطعن فيهم بكذب، ولا يرمون بخلاف، وليسوا بأصحاب قياس ولا رأي لأن القياس في الدين باطل، والرأي كذلك أبطل منه، وأصحاب الرأي والقياس في الدين مبتدعة ضلال، إلا أن يكون في ذلك أثر عمن سلف من الأئمة الثقات. ومن زعم أنه لا يري التقليد ولا يقلد دينه أحدا: فهو قول فاسق عند الله ورسوله (ص) إنما يريد بذلك إبطال الأثر وتعطيل العلم والسنة، والتفرد بالرأي والكلام والبدعة والخلاف. وهذه المذاهب والأقاويل التي وصفت مذهب أهل السنة والجماعة والآثار وأصحاب الروايات وحملة العلم الذين أدركناهم وأخذنا عنهم الحديث وتعلمنا منهم السنن وكانوا أئمة معروفين ثقات أصحاب صدق يقتدي بهم ويؤخذ عنهم ولم يكونوا أصحاب بدعة ولا خلاف ولا تخليط [ صفحه 60] وهو قول أئمتهم وعلمائهم الذين كانوا قبلهم، فتمسكوا بذلك رحمكم الله وتعلموه وعلموه.. ثم حدد ابن حنبل نهاية رسالته أصحاب البدع والضلال في تصوره بقوله: ولأصحاب البدع ألقاب وأسماء لا تشبه أسماء الصالحين ولا العلماء من أمة محمد (ص).. فمن أسمائهم المرجئة وهم الذين يزعمون أن الإيمان قول بلا عمل.. والقدرية وهم الذين يزعمون أن إليهم الاستطاعة والمشيئة والقدرة.. والمعتزلة والجهمية والرافضة والزيدية والخوارج ثم أصحاب الرأي الذين أطلق عليهم آخر قذائفه بقوله: وأصحاب الرأي وهم مبتدعة ضلال أعداء للسنة والأثر يبطلون الحديث ويردون علي الرسول (ص) ويتخذون أبا حنيفة ومن قال بقوله إماما، ويدينون بدينهم، وأي ضلالة أبين ممن قال بهذا أو ترك قول الرسول وأصحابه، فكفي بهذا غيا مرديا وطغيانا.. فمن قال بشئ من هذه الأقاويل - أقول الاتجاهات الأخري - أو صوبها أو رضيها أو أحبها فقد خالف السنة وخرج من الجماعة، وترك الأثر، وقال بالخلاف، ودخل في البدعة، وزال عن الطريق. ويبدو أن الاتجاهات الأخري لم تستسلم لمدافع ابن حنبل بل درت عليه وهاجمته وطعنت في عقيدته وتصوره مما دفع به إلي أن يسلط عليهم مدافعه في نهاية رسالته بقوله: وقد رأيت لأهل الأهواء والبدع والخلاف أسماء شنيعة قبيحة يسمون بها أهل السنة يريدون بذلك عيبهم والطعن عليهم والوقيعة فيهم والإزراء بهم عند السفهاء والجهال.. فأما المرجئة فإنهم يسمون أهل السنة شكاكا وكذبت المرجئة.. وإما القدرية فيسمونهم المجبرة وكذبت القدرية.. وأما الجهمية فيسمونهم المشبهة وكذبت الجهمية أعداء الله.. وإما الرافضة فيسمونهم الناصبة وكذبت الرافضة.. وأما الخوارج فيسمونهم مرجئة وكذبت الخوارج.. وأما أصحاب الرأي فيسمونهم حشوية وكذب أصحاب الرأي أعداء الله، بل هم الحشوية تركوا آثار الرسول وحديثه وقالوا بالرأي وقاسوا الدين بالاستحسان، وحكموا بخلاف الكتاب والسنة وهم أصحاب بدعة جهلة ضلال وطلاب دنيا بالكذب والبهتان.. اللهم أدحض باطل المرجئة وأوهن كيد القدرية وأذل دولة الرافضة وامحق شبه أصحاب [ صفحه 61] الرأي، واكفنا مؤنة الخارجية - الخوارج - وعجل الانتقام من الجهمية. ونخرج من هذا العرض لرسالة السنة أن قذائفها أشد فتكا من سابقتها، وأن ابن حنبل قد أعلن عن وجهته صراحة من خلالها.. فهو قد أعلن أن هذه الرسالة تمثل عقيدة السلف من الصحابة والتابعين.. وأعلن أن الخارج عن حدودها والمخالف لها مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن سبيل الحق. نسب الظلم إلي الله سبحانه حين ربط الزنا والسرقة والخمر والقتل بمشيئة الله وإرادته وربط الحكم بصلاح المسلم ونجاته من النار بالرواية وليس بالقرآن. وأعلن أن الخارج عن السلطان مبتدع مخالف مفارق للجماعة.. وأعلن أن الله في السماء فوق العرش يتحرك ويتكلم ويضحك ويفرح وينزل إلي الدنيا وخلق آدم علي صورته ويضع قدمه في النار.. الخ هذه الصفات التي جاءت بها الروايات ولم يأت بها القرآن والتي تضع ابن حنبل ومن سار في ركاب هذه الرويات في دائرة التجسيم. وأعلن تكفير الجهمية لقولهم بخلق القرآن ودخل معهم في دائرة التكفير الشيعة والمعتزلة الذين يتبنون نفس الفكرة.. وتطرف ابن حنبل في موقفه أكثر فكفر الذين يقولون بأن القرآن كلام الله وكفي.. والذين يقولون بأن الألفاظ والتلاوة مخلوقة، وإن من لم يكفر هؤلاء فهو مثلهم.. وأخرج من دائرة الإسلام الذين يتبنون مواقف من الصحابة كالشيعة والمعتزلة والخوارج وغيرهم الذين لا يعترفون بمعاوية ويهاجمونه ويتبنون نفس الموقف من عمر وبن العاص أو المغيرة بن شبعة أو عثمان أو أبو هريرة وغيرهم من الصحابة الذين ارتبطوا بالفتن والخلافات التي وقعت بعد وفاة الرسول (ص). وتجاوز هذا الحد بأن حرض الحاكم عليهم وأفتاه بجواز تأديبهم وحبسهم وقتلهم. وحدد الدين في دائرة الكتاب والسنة والسلف، أي ربط الرواية والرجال بالقرآن فكأن من نبذ الرواية والرجال نبذ القرآن وخرج من الإسلام، وهو بهذا قد أضفي القداسة علي الرواية والرجال وأرهب المسلمين من المساس بهما.. وفي رسالة أخري لابن حنبل تحت عنوان (كتاب الصلاة) أعلن ابن حنبل تكفير تارك الصلاة وعدم جواز الصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين.. [ صفحه 62] ويظهر لنا من خلال أفكار ابن حنبل أنها استمدت جميعها من الروايات وأقوال الرجال أي السنة والأثر فمن ثم فهو رجل تقليدي يتعبد بنصوص التراث كما هي ولا يعطي لأتباعه فرصة إعمال العقل فيها كما لا يعطي لخصومه فرصه نقدها.. ولعل تمسك ابن حنبل بالروايات وأقوال السلف هو الذي جعل له شعبية وسط العامة الذين تجذبهم الروايات بدافع عشقهم للرسول (ص) وجيله، فقول الرسول أو الصحابي يجذب الناس ويستقطبهم أما الرأي فله خواصه من الناس.. وعندما توفي ابن حنبل أصبح قبره مزارا تحتشد الناس من حوله ووضعت الحراسات عليه، وقام الخليفة المستضئ بوضع بناء عليه نقش فيه مدحا وتمجيدا له وذلك في عام 574 هـ ثم جاء فيضان دجلة فأزال القبر فاتجه الناس نحو قبر ولده عبد الله وأضفوا عليه القداسة التي كانوا يضفونها علي قبر أبيه.. [165] . - المدافع الثالث: وقد حمل تراث ابن حنبل جيل من الحنابلة يساندهم قطاع من عوام بغداد انطلق يرهب الناس والمخالفين ويرفع راية التكفير والزندقة في مواجهتهم.. وإذا كان الأستاذ الإمام بهذا القدر من التطرف فكيف يكون حال تلاميذه؟ لا شك أن حجم مدافعهم سوف تكون أكبر وطلقاتهم سوف تكون أشد.. وهذا ما تشهد به وقائع التاريخ، فيما أطلق عليه المؤرخون فتن الحنابلة وهي حوادث وقعت في فترات متفرقة ضمن حدود بغداد موطن الحنابلة، كان ضحيتها المخالفين علي الدوام فقهاء وعوام من السنة والشيعة.. وكان الحنابلة قد قويت شوكتهم بدعم من المتوكل العباسي ومن بعده من خلفاء بني العباس الذين عملوا علي استثمارهم في تقوية نظام حكمهم وتصفية المعارضين لهم.. ومنذ ذلك الحين كثرت اعتداءاتهم علي العامة والنساء في الطرقات والتفريق بينهما في الأسواق ومهاجمة الأسواق لمنع الاختلاط ومقاومة البدع.. [ صفحه 63] ودخلوا في صدامات دموية مع الشيعة والأشاعرة والشافعية والأحناف والمعتزلة.. يروي الذهبي عن أحداث عام (398 هـ) أن في هذه السنة وقعت فتنة عظيمة بين الشيعة والسنة في بغداد وكاد أن يقتل الشيخ أبو حامد الاسفرايني، فأنفذ الخليفة القادر الفرسان لمعاونة أهل السنة وقمع الشيعة.. [166] . ومثل هذه المدافع التي حملها الحنابلة في مواجهة الناس والمخالفين والتي هي من صناعة إمامهم ابن حنبل لم توجه في يوم من الأيام إلي الحكام، وهذا الأمر إن دل علي شئ فإنما يدل علي أن عقيدة الحنابلة في مضمونها عقيدة حكومية في صالح الحاكم لا في صالح الجماهير.. وهو يدل من جناب آخر علي أن هذه العقيدة قد فرضت علي المسلمين بضغط الحكام ولو قدر لها أن تسلك السبيل المعتاد في الدعوة الذي سلكته الشيعة والخوارج من بعد الإمام علي والمعتزلة والمذاهب الأخري لما قدر لها البقاء والانتشار، والبرهان علي ذلك أن مذهب الحنابلة سقط وتواري بعد سقوط الدولة العباسية، واتجهت الدول التي ظهرت بعدها نحو الأشاعرة والشافعية.. وجاء ابن تيمية في القرن الثامن فحمل مدافع الحنابلة وأطلق نيرانه علي المسلمين فقمعه الفقهاء والحكام وحبس حتي مات في الحبس وحبس معه تلميذه ابن القيم.. ولم يقدر للحنابلة البروز بعد ذلك حتي جاء محمد بن عبد الوهاب وحمل مدافعهم من جديد ثم تسلمت الجماعات راية الحنابلة من الوهابيين وحملت مدافعهم في مواجهة المسلمين وغير المسلمين لتعود فتن الحنابلة إلي البروز علي ساحة الواقع من جديد.. [167] . [ صفحه 65]

مدافع ابن حزم

متطرف راح ضحية المتطرفين.. [ صفحه 66] نشأ ابن حزم في الأندلس وتربي في بلاط الحكم حيث كان أباه وزيرا في الدولة العامرية وجده الأكبر كان نصرانيا.. [ صفحه 67] ومرت عائلة ابن حزم بمحن كثيرة بعد الإطاحة بالأسرة العامرية في دائرة الصراعات التي كانت قائمة بين ملوك الأندلس آنذاك والتي كانت أشبه بالحروف الأهلية.. واستوزره المرتضي خليفة مدينة بلنسية، ثم استوزره الخليفة عبد الرحمن الخامس الملقب بالمستظهر في قرطبه عام (414 هـ)، ثم قتل عبد الرحمن بعد ذلك بمدة قصيرة وقبض علي ابن حزم ووضع في السجن ثم أفرج عنه بعد ذلك.. ويروي أنه وزر مرة ثالثة لهشام المعتد إلا أنه اعتزال السياسة بعد ذلك وتفرغ للعلم والتأليف حتي أصبح من أشهر علماء الأندلس وأكثرهم ذكرا في مجالس الرؤساء وعلي ألسنة العلماء وقد حمل ابن حزم نوعين من المدافع الثقيلة: الأولي: مدافع خاصة بالمسلمين.. الثانية: مدافع خاصة بغير المسلمين.. - المدافع الأول: كان عصر ابن حزم عصر دسائس وفتن وصراعات بين ملوك الطوائف وبعضهم وبين الفقهاء الذين ساروا في ركاب هؤلاء الملوك وبعضهم.. ويبدوا أن هذه الحالة السياسية والدينية قد انعكست علي شخصية ابن حزم فأصابتها بالحيرة والانفعال الذي نراه بوضوح في آرائه ومواقفه من الآخرين فقد أعلن الحرب علي فقهاء عصره وشتي الاتجاهات الإسلامية الأخري مما أدي إلي بغض الجميع له وتربصهم به.. ثم تبني ابن حزم المذهب الظاهري وأخذ يدعوا له ولاقي في سبيل ذلك مواجهة عنيفة من الحكام والفقهاء الذين كانوا يتبنون المذهب المالكي ويتعصبون له، وصدر قرار فقهي بمنع ابن حزم من الفتوي وحبس المترددين عليه والمستمعين له.. وقد أطلق ابن حزم أول مدافعة علي فقهاء عصره بقوله: أن هؤلاء القوم ليسوا من أهل الفقه ولا من أهل الكلام ولا يحسنون شيئا غير التناغي والقول الفاسد.. ولا يغرنكم الفساق المنتسبون إلي الفقه اللابسون جلود الضأن علي قلوب السباع المزينون لأهل الشر شرهم الناصرون لهم علي فسقهم [168] . وكان فقهاء عصر ابن حزم كما يعبر ابن حبان المعاصر له يمشون في ركاب الملوك بين آكل من حلوائهم وخابط في أهوائهم.. [ صفحه 68] ويواصل ابن حزم إطلاق مدافعة علي فقهاء وحكام عصره بقوله: والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية لأمورهم لبادروا إليها فنحن نراهم يستنجدون بالنصاري ويمكنونهم من حرم المسلمين وأبنائهم ورجالهم ويحملونهم أساري إلي بلادهم، وربما أعطوهم المدن القلاع طوعا، فأخلوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس، لعن الله جميعهم وسلط عليهم سيفا من سيوفه.. ويصف ابن حزم حالة الإنهيار الاجتماعي وتفشي الفساد وسيادة الحرام في عصره حتي أصبح كأنه ليس للفقهاء دور بقوله: إنا لا نعلم لا أنا ولا غيري بالأندلس درهما حلالا ولا دينارا طيبة يقطع علي أنه حلال.. [169] . وكان من نتيجة هذا الموقف المتشدد من قبل ابن حزم تجاه الفقهاء ومذهبهم المالكي وأنصارهم أن حرض الفقهاء الحكام عليه وسعوا لدي المعتضد بن عباد حاكم أشبيلية الذي أمر بجمع كتب ابن حزم وإحراقها علانية.. ورد ابن حزم علي هذه الحادثة شعرا يقول: فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي++ تضمنه القرطاس بل هو في صدري يسير معي حيث استقلت ركائبي++ وينزل إن أنزل ويدفن في قبري دعوني من إحراق رق وكاغد++ وقولوا بعلم كي يري الناس من يدري [170] . وقد استمر ابن حزم في موقفه المعادي للمخالفين من الاتجاهات الأخري ولم تؤثر فيه تلك المدافع ذات القذائف الثقيلة التي أطلقها عليه خصومه.. يقول ابن حزم: إنا لما تدبرنا أمر طائفتين ممن شاهدنا في زماننا هذا وجدناهما قد تفاقم الداء بهما.. فأما إحداهما فقد حلت المصيبة فيها وبها، وهم قوم افتتحوا عنوان أفهامهم وابتدأ دخولهم إلي المعارف بتعلم علم العدد وبرهانه وتخطيه إلي تعديد الكواكب وهيئة الأفلاك، وكيفية قطع الشمس والقمر انتقالها من الأجرام العلوية وإعظامها وأبعادها والطبيعة وعوارض الجو ومطالعة شئ من كتب الأوائل وحدودها. فلم تلق هذه الطائفة المذكورة من حملة الدين إلا قوما لا عناية لهم بشئ وإنما عنيت من الشريعة بأحد ثلاثة أشياء. [ صفحه 69] إما بألفاظ ينقلون ظاهرها ولا يعرفون معانيها ولا يهتمون بتفهمها.. وإما بمسائل من الأحكام لا يشتغلون بدلائلها ومبعثها وإنما حسبهم منها ما أقاموا به جاههم وحالهم.. وإما انحرافات منقولة عن كل ضعيف وكذاب وساقط لم يهتبلوا قط بمعرفة صحيح منها من سقيم ولا مرسل من سند ولا ما نقل عن النبي (ص). وأما الطائفة الثانية فهم قوم ابتدء وا الطلب لحديث النبي (ص) فلم يزيدوا علي طلب علوم السند والغرائب دون أن يهتموا بشئ مما كتبوا ولا يعلمون به وإنما يحملونه حملا لا يزيدون علي قراءته دون تدبير معانيه ودون أن يعلموا أنهم المخاطبون به وأنه لم يأت مهملا ولا قاله (ص) عبثا، بل أمرنا بالتفقه فيه والعمل به، وأكثر هذه الطائفة لا عمل عندهم إلا بما جاء عن طريق مقاتل بن سليمان والضحاك بن مزاحم وكتاب البزدوي التي إنما هي خرافات موضوعة وأكاذيب مستعملة ولدها الزنادقة تدليسا علي الإسلام وأهله.. [171] . وعلي الرغم من أن موقف ابن حزم من الفقهاء وممارساتهم تحمل جانبا كبيرا من الصحة إلا أن حدتها أفقدتها موضوعيتها وجنت عليه في النهاية. وقد قيل أن قلم ابن حزم كان في مضاء سيف الحجاج، وكان ينهال علي رجال محل تقدير السواد الأعظم من المسلمين بالتحقير والازدراء كالأشعري ومالك وأبي حنيفة.. [172] . واعترف ابن حزم أن حدته كانت ترجع إلي مرض كان يلازمه.. [173] . ثم تصدي فقهاء المالكية فيما بعد لمصنفات ابن حزم خاصة كتابه (المحلي) وأصدروا ردودهم عليه.. - المدفع الثاني: وهو من أخطر مدافعة وأشدها ويتمثل في كتابة (الفصل في الملل والنحل) والذي أطلق من خلاله قذائفه علي جميع الاتجاهات مسلمين وغير مسلمين.. يقول ابن حزم في الفصل: أهل السنة أهل الحق ومن عداهم فأهل البدعة، فإنهم الصحابة وكل من سلك نهجهم من خيار التابعين ثم أصحاب الحديث ومن اتبعهم من الفقهاء جيلا فجيلا إلي يومنا هذا ومن اقتدي بهم من العوام في شرق الأرض وغربها، وقد تسمي باسم [ صفحه 70] الإسلام من أجمع جميع فرق الإسلام علي أنه ليس مسلما مثل طوائف الخوارج، وطوائف من المعتزلة وطوائف من المرجئة وآخرون كانوا من أهل السنة كالحلاج وغيره وطوائف من الشيعة، وكل هذه الفرق لا تتعلق بحجة أصلا وليس بأيديهم إلا دعوي الإلهام والقحة والمجاهرة بالكذب ولا يلتفتون إلي مناظرة ويكفي من الرد عليهم أن يقال لهم ما الفرق بينكم وبين من ادعي أنه ألهم بطلان قولكم ولا سبيل إلي الانفكاك من هذا، وأيضا فإن جميع فرق الإسلام متبرئة منهم مكفرة لهم مجمعون علي أنهم علي غير الإسلام.. والأصل في أكثر خروج هذه الطوائف عن ديانة الإسلام أن الفرس أظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل بيت رسول الله (ص) واستشناع ظلم علي (رضي الله عنه) ثم سلكوا بهم مسالك شتي حتي أخرجوهم عن الإسلام فقوم منهم أدخلوهم إلي القول بأن رجلا ينتظر يدعي المهدي عنده حقيقة الدين، وقد أوضحنا شنع جميع هذه الفرق في كتاب لنا اسمه النصائح المنجية من الفضائح المخزية والقبائح المردية من أقوال أهل البدع من الفرق الأربع المعتزلة والمرجئة والخوارج والشيع. فإياكم وكل قول لم يبين سبيله ولا وضح دليله ولا تعوجا عما مضي نبيكم (ص) وأصحابه.. [174] . أن الإسلام عند ابن حزم هو أهل السنة الذين ينطق بلسانهم ويحاكم الاتجاهات الأخري علي أساس عقائدهم ورواياتهم، وكتابة (الفصل) كما هو حال كتب الفرق الأخري إنما يتحدث بلسان الاتجاه السائد اتجاه أهل السنة لا بلسان النص والعقل والرأي لأن كل ذلك مجرم في مذهب أهل السنة الذين تقوم عقائدهم ومذهبهم علي أساس الروايات وأقوال الرجال ونبذ الرأي والعقل.. ويبدو لنا من خلال كلام ابن حزم أنه يتحدث بمنطق الاستعلاء علي الاتجاهات الأخري وهو المنطق السائد لدي أهل السنة في تعاملهم مع الآخرين كما هو منطق كتب الفرق جميعها التي كتبت بأقلام رجال أهل السنة وجارت علي الاتجاهات الأخري وزندقتها.. والاتجاهات الأخري في منظور ابن حزم ومذهبه بين خيارين: إما أن تلتزم بنهج الصحابة والتابعين وأصحاب الحديث والفقهاء وتتبني رواياتهم.. وإما أن تسلك سبيل المعارضة وهي بهذا تكون قد دخلت دائرة البدعة والزندقة ووضعت نفسها في دائرة الاستحلال من قبل الحكام والفقهاء وحتي عوام الناس. [ صفحه 71] والعجيب في كلام ابن حزم أنه اعتبر أن جميع الفرق والاتجاهات التي كفرها وزندقها تتبرأ منها جميع فرق الإسلام وتكفرها وتجمع علي أنها علي غير الإسلام، فكيف يستقيم هذا الكلام..؟ هل هذا يعني أن هناك فرق أخري غير الفرق المعروفة يعترف بها ابن حزم ولا يزندقها أهل السنة تشاركهم هذا الموقف تجاه هذه الفرق المزعومة؟ ويظهر لنا من كلام ابن حزم الجزم بتسطيح الآخرين وتبني الأفكار الساذجة في مواجهتهم وبدا وكأنه يصور لنا الاتجاهات الأخري أنها لا تحوي رصيدا من الفكر والوعي والنصوص ولا تقوم بأمرها عناصر فقيهة، بل أنها أهل السفة والجهالة وأصحاب الأهواء، وهذا الموقف لا يتفرد به ابن حزم أنما هو موقف الفقهاء عموما من خصومهم شيعة ومعتزلة ومرجئة وقدرية وغيرهم، أن العلم والحق والرفعة والطهارة في جانبهم أما الجانب الآخر فهو يحوي الجهل والضلال والزندقة والبدعة وغير ذلك من التسميات التي أطلقوها علي الخصوم ومن الأفكار الساذجة التي يتبناها ابن حزم والفقهاء تجاه الاتجاهات الأخري تحميل الفرس مسئولية ما نشأ وسط المسلمين من اتجاهات وتيارات خالفت الخط السائد وخاصمت أهل السنة، وكان المفروض أن يكون الأمر عكس ذلك أي أن العرب هم الذين يتحملون مسئولية تأسيس هذه الاتجاهات والتيارات وتوطينها بين الفرس بحكم أنهم الشعب المغلوب، إلا أن القوم عكسوا الآية وجعلوا الغالب يدخل في دين المغلوب، وهم بهذا يستخفون بالعرب أكبرا استخاف ويؤكدون أن الإسلام لم يوطن في نفوسهم وأن التزامهم به كان التزاما قشريا.. ولقد كان الهدف من وراء فكرة ربط الفرس بالتيارات الإسلامية ضرب الشيعة علي وجه الخصوص وإثارة الشبهات من حولهم، والتأكيد علي أن الفرس تستروا بهم وبثوا أفكارهم المجوسية من خلال بعث فكرة آل البيت وجمع المسلمين من حولهم.. إلا أن الحقيقة فكرة آل البيت فكرة شرعية لها ما يدعمها من نصوص الكتاب والسنة وكذلك بقية أفكار الشيعة ومعتقداتهم.. [175] . ونفس الحال ينطبق علي أفكار المعتزلة والمرجئة والجهمية وحتي الخوارج فجميع هذه الاتجاهات تتسلح بالكتاب والسنة ولديها من البراهين والأسانيد ما تدعم به أفكارها ومعتقداتها.. [ صفحه 72] إذا كان هذا هو الحال فلماذا يصر الفقهاء علي تتبني نهج التسطيح والتسفيه في مواجهة الآخرين ولماذا يصرون علي تبني الأفكار الساذجة والمهزوزة في مواجهتهم؟ إن تلك الأفكار السطحية والساذجة التي يتبناها الفقهاء في مواجهة الخصوم ما كان لها أن تدوم ويكتب لها البقاء لولا مساندة الحكام لها.. ولو قدر لهؤلاء الفقهاء أن يدخلوا في مناظرة حرة مع أي من هذه الاتجاهات لانهزموا شر هزيمة، لكن اللغة التي كانت سائدة هي لغة الطرف الواحد لغة الفقهاء.. والذين يتبنون دعوي فارسية التشيع الأولي لهم أن يتبنوا فارسية التسنن لأن رجال الفقه والرواية الذين قامت علي أكتافهم عقيدة أهل السنة هم من بلاد فارس بينما عقيدة الشيعة ومذهبهم قام علي أساس فقه وروايات أهل البيت الهاشمي بداية من الرسول (ص) وثم الإمام علي وأولاده.. وقد أوقع ابن حزم نفسه في حرج كبير حين ادعي أن فكرة المهدي هي من اختراع الفرس وهم الذين أوحوا بها إلي الشيعة، وكأنه بهذا يعلن جهلة بعشرات النصوص التي يتبناها أهل السنة والتي تؤكد أن المهدي شخصية حقيقية تنبأ بها الرسول (ص) وحدد ملامحها ودورها... - المدفع الثالث: ثم يقوم ابن حزم بعد هذا كله بتوجيه مدفعه الحكومي علي الرعية والخصوم بقوله بجواز الصلاة وراء الحاكم الفاسق والجهاد والحج معه ودفع الزكاة إليه وإنفاذ أحكامه من الأقضية والحدود وغير ذلك.. يقول ابن حزم: ذهبت طائفة إلي أنه لا يجوز الصلاة إلا خلف الفاضل - أي الحاكم التقي الأفضل والأولي بالحكم - وهو قول الخوارج والزيدية والروافض وجمهور المعتزلة وبعض أهل السنة وذهبت طائفة الصحابة كلهم دون خلاف من أحد منهم وجميع فقهاء التابعين كلهم دون خلاف من أحد منهم وأكثر من بعدهم وجمهور أصحاب الحديث وهو قول أحمد بن حنبل والشافعي وأبي حنيفة وداود وغيرهم إلي جواز الصلاة خلف الفاسق الجمعة وغيرها وبهذا نقول، وخلاف هذا القول بدعة محدثة، فما تأخر قط أحد من الصحابة الذين أدركوا المختار [ صفحه 73] بن عبيد والحجاج وعبيد الله بن زياد وحبيش بن دلجة وغيرهم عن الصلاة خلفهم، وهؤلاء أفسق الفساق وأما المختار فكان متهما في دينه مظنونا به الكفر.. ويريد ابن حزم أن يؤكد لنا من خلال هذا المدفع الحكومي أن مذهبه ومذهب الفقهاء بل إن الدين الحق يجب أن يقوم علي الرجال لا علي النص أو العقل، فما دام الصحابة والتابعين وأهل الحديث قد اعترفوا بشرعية الحكام الفسقة وصلوا خلفهم فيجب علينا أن نمتثل لذلك حتي لا نكون من المبتدعة الزائغين من الروافض والخوارج والمعتزلة والزيدية الذين أبت عقولهم ونفوسهم أن تهضم هذا الوضع وتقربه. وليس لابن حزم من سند في هذا سوي هواه والروايات التي نسبت للرسول بخصوص الحكام أما أصحاب العقول الذين لا يدينون بمثل هذه الروايات ويشكون فيها فهم في نظر ابن حزم وغيره من فقهاء البلاط أصحاب البدعة المحدثة المخالفة لنهج السلف الصالح. ثم من أين لابن حزم هذه اليقين الإجماع المطلق للصحابة والتابعين والفقهاء علي هذه القضية؟ وكيف يصح مثل هذا الادعاء مع قوله أن هناك طائفة من أهل السنة توافق القائلين بعدم جواز هذه الصلاة..؟ وليتأمل القارئ موقف ابن حزم هذا وما ينقله عن الفقهاء، ثم يتأمل موقف ابن حنبل من صاحب البدعة لبدعته حيث يقول بعدم جواز الصلاة خلفه وعدم قبول شهادته هجرا له وزجرا لينكف ضرر بدعته عن المسلمين.. لقد أجاز الفقهاء الصلاة وراء الحاكم الفاسق الذي تقطر يده بدماء المسلمين بينما حرموها وراء المخالف لهم من الاتجاهات الأخري بحكم أنهم من أهل البدع في منظورهم. إن الفقهاء أمثال ابن حنبل وابن حزم اعتبروا أنفسهم أوصياء علي الدين وحفظه المسلمين من شرور المخالفين فمن ثم سلكوا جميع الوسائل والسبل من أجل عزلهم والقضاء عليهم بداية من تحريص الحكام عليهم ونهاية بتكفيرهم.. [ صفحه 75]

مدافع البغدادي

النجاة لنا والهلاك للآخرين.. [ صفحه 77] البغدادي هو أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي المتوفي عام (429 هـ) وقد صنف البغدادي عدة مصنفات هي بمثابة مدافع مسلطة علي المسلمين استثمرها الفقهاء في مواجهة خصومهم من التيارات الأخري.. وعلي رأس هذه المصنفات كتابه الفرق بين الفرق. وكتابه أصول الدين، وهذان الكتابان من أخطر ما صنف في مواجهة الآخرين. وقد اعتمد عليها مذهب أهل السنة في تبرير تطرفه وعداوته للمخالفين لمذهبهم.. - الفرق بين الفرق: وقد اعتمد البغدادي في كتابة هذا علي رواية منسوبة للرسول (ص) تنص علي أن الأمة سوف تفترق إلي ثلاث وسبعين فرقة. وقام علي أساس هذه الرواية بتبيين الاتجاهات المخالفة وإلقاء الضوء عليها مؤكدا أنها تنتسب إلي الإسلام بينما هي ليست منه في شئ. وخصص فصلا لما أسماه فضائح هذه الاتجاهات باعتبارها من فرق الأهواء الضالة والكتاب من أوله إلي آخره يفتح النار علي المخالفين لنهج أهل السنة الذين حصر الحق في دائرتهم وحكم بالضلال والبوار والخلود في النار علي مخالفيهم، فأهل السنة في منظوره فم الفرقة الوحيدة الناجية من النار يوم القيامة فمن سار علي دربهم واتبع طريقهم وتبني عقائدهم فقد نجا، ومن حاد عن هذا الدرب وتبني عقائد واتجاهات الآخرين فقد حاد عن الطريق القويم وسلك سبيل الضالين أهل النار.. يقول البغدادي: إن أمة الإسلام تجمع المقرين بحدوث العالم وتوحيد صانعه وقدمه صفاته وعدله وحكمته ونفي التشبيه عنه، وبنبوة محمد (ص) ورسالته إلي الكافة وبتأييد شريعته وبأن كل ما جاء به حق وبأن القرآن منبع أحكام الشريعة وأن الكعبة هي القبلة التي تجب الصلاة إليها فكل من أقر بذلك كله ولم يشبه ببدعة تؤدي إلي الكفر فهو السني الموحد، وإن ضم إلي الأقوال بما ذكرناه بدعة شنعاء نظر فإن كانت بدعته من جنس بدع المعتزلة أو الخوارج أو الرافضة الإمامية - الشيعة - أو الزيدية وأو الجهمية أو المجسمة فهو من الأمة في بعض الأحكام وهو جواز دفنه في مقابر المسلمين وألا يمنع حظه من الفيئ والغنيمة إن غزا مع المسلمين وألا يمنع من الصلاة في المساجد، وليس في الأمة في أحكام سواها وذلك ألا تجوز الصلاة عليه ولا خلفه ولا تحل ذبيحته ولا نكاحه لامرأة سنية، ولا يحل للسني أن يتزوج المرأة منهم إذا كانت علي اعتقادهم.. [ صفحه 78] ومثل هذا الكلام لا يعني إلا شيئا واحدا وهو أن أصحاب المذاهب والاتجاهات الأخري غير أهل السنة بين أمرين لا ثالث لهما: الأول: أن يتنازلوا عن معتقداتهم وأفكارهم ويدينوا بمذهب أهل السنة.. الثاني: أن يكونوا في دائرة المبتدعة الضالين ويعاملوا علي هذ الأساس في الحياة الدنيا من قبل أهل السنة فتفرض عليهم العزلة ويعاملوا كمواطنين من الدرجة الثانية ويتقبلوا ما سوف يلاقونه من اضطهاد واستحلال لأموالهم ودمائهم.. وإذا كان جميع المسلمين يقرون بما ذكر البغدادي فما هو المبرر لهذا التصنيف واتخاذ مثل هذا الموقف المتطرف من المخالفين..؟ وهل هناك من ينكر وحدانية الله ونبوة محمد (ص) ورسالته والشريعة التي جاء بها علي لسان القرآن ويرفض الاعتراف بالكعبة قبلة للمسلمين..؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي، فما هو مبرر هذا الكلام. وما هو ضرورته؟ إن القضية باختصار هي أن الإقرار بمثل هذه الأمور لا يكفي وحده للحكم بصحة إسلام الفرد في نظر أهل السنة. وإنما يجب مع ذلك الإقرار أن يتبني عقائدهم ورواياتهم.. عقائدهم التي تنص علي موالاة الحكام ووجوب السمع والطاعة لهم وإن كانوا فسقة وفجارا، ووجوب الصلاة والحج والجهاد معهم. وتنص علي عدالة جميع الصحابة وأن كل من رأي الرسول (ص) ولو ساعة أو ولد في حياته أو سلم عليه فهو صحابي عدل يجب أن تضفي عليه القداسة.. وتنص علي أن الله سبحانه له يد ورجل وعين ويهبط ويصعد ويضحك ويفرح وأن جميع الصفات الواردة له سبحانه في القرآن هي حقيقة لا مجاز.. [176] . أما رواياتهم فهي سبب شقاء الأمة وفرقتها.. وهي التي شوهت صورة الإسلام.. وهي التي منحت الفقهاء الحق في ضرب المخالفين وتصفيتهم.. وهي التي قامت علي أساسها تلك العقائد الباطلة من وجوب طاعة الحكام والاستسلام لهم وإن كانوا فجارا وتحريم الخروج عليهم.. [ صفحه 79] وهي التي قامت علي أساسها فكرة عدالة الصحابي ووجوب التغطية علي تلك الانحرافات والتجاوزات التي ارتبطت بالصحابة. وهي التي قامت علي أساسها فكرة التجسيم والتشبيه فيما يتعلق بصفات الله سبحانه.. إن القارئ لكتب السنن خاصة كتابي البخاري ومسلم سوف يجد مئات الروايات التي تمجد الحكام وتضفي القداسة علي الصحابة وتصف الله سبحانه بما لا يجب أن يوصف به وتدعوا إلي التطرف وتنتهك الحقوق والحرمات والعقول.. [177] . ويحدد البغدادي معالم مذهب أهل السنة فيما يلي: - الإحاطة بأبواب التوحيد والنبوة والأحكام.. - التبرء ومن الاتجاهات الأخري.. - تبني رؤية الله تعالي.. - تبني عذاب القبر.. - تبني إمامة أبو بكر وعمر وعثمان.. - الثناء علي السلف.. - تبني صلاة الجمعة خلف الحكام والأئمة.. - تبني استنباط الأحكام من الكتاب السنة وإجماع الصحابة.. - تبني جواز المسح علي الخفين.. - تبني وقوع الطلاق الثلاث في مكان واحد وفي لفظ واحد.. - تبني تحريم زواج المتعة.. - وجوب طاعة السلطان.. وهذه المعالم علي ما يبدو تعد من القضايا الخلافية وهي للفقه أقرب من كونها أصول وإذا كانت الاتجاهات الأخري تختلف حول هذه القضايا فهي لا تختلف حول أصول الدين وإنما تختلف مع مذهب أهل السنة. [ صفحه 80] ومكمن المشكلة أن أهل السنة اعتبروا أنفسهم هم الإسلام، وهم الجهة الوحيدة التي لها الحق في النطق بلسانه، وقد نتج هذا الاعتقاد لديهم بسبب دعم الحكام لهم وفتح الأبواب أمامهم كي يسودوا وينتشروا بين المسلمين حتي أصبحوا هم الأغلبية فتصوروا أن الحق معهم لكثرتهم والباطل مع غيرهم لقتلهم وعدم شهرتهم.. والنصوص القرآنية صريحة في كون الكثرة ليست معيار الحق ولا دليلا عليه.. [178] . يقول البغدادي: ومن مال إلي الأهواء الضالة لم يكن من أهل السنة ولا كان قوله حجة في اللغة والنحو والحديث والفقه وخلافه.. ثم حسم البغدادي الأمر في نهاية كتابة بإطلاق قذيفة قاتلة أبادت الاتجاهات الأخري في الحياة الدنيا وفي الآخرة وهي أن الفرقة الناجية الوحيدة هي أهل السنة وأن جميع الاتجاهات الأخري هالكة ومثواها النار.. - أصول الدين: وقد حدد البغدادي أصول الدين في منظورة فيما يلي: - الروايات.. - الإجماع.. - أسماء الله وصفاته.. - معرفة الأنبياء.. - المعجزات والكرامات.. - الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج.. - الأحكام والتكاليف.. وفيما يتعلق بالروايات فقد شن حربا شعواء وأطلق قذائفه علي منكري الروايات جملة والذين ينكرون أحاديث الآحاد خاصة. [ صفحه 81] ومن المعروف أن غالبية الروايات المنسوبة للرسول (ص) هي روايات آحاد.. [179] . ثم أطلق قذائفه علي منكري الإجماع والمشككين فيه. ولم تسثني قذائفه بالطبع أولئك الذين يتبنون رؤية في أسماء الله وصفاته لا تعتمد علي الروايات.. فالذين ينكرون رواية أن الله خلق أدم علي صورته.. ورواية أن الله يضع قدمه في النار حتي تقول قط قط.. ورواية أن الله ينزل إلي السماء كل ليلة.. ورواية أن الله في السماء.. ورواية أن الله يري في الآخرة.. وغيرها من الروايات التي تشير إلي أن الله سبحانه له يد ورجل وعين يضحك ويحزن والتي أنكرتها الاتجاهات المخالفة لأهل السنة من باب دفع التشبيه والتجسيم وتنزيه الله سبحانه عن مشابهة مخلوقاته.. الذين ينكرون مثل هذه الروايات أو يشككون فيها هم من أهل الزيغ والضلال في نظر البغدادي ومن علي شاكلته من الفقهاء. وليس من بين المسلمين من ينكر النبوات والأنبياء والشهادتين وسائر أركان الإسلام أو الأحكام والتكاليف إلا أن التسليم بمثل هذه الأمور لا يكفي في نظر البغدادي وأمثاله فلا بد حتي يكمل الإيمان ويسلم الإنسان أن يدين بمذهب أهل السنة.. من هنا فقد أعلن البغدادي في كتابة أن من أكل لحم الخنزير من غير ضرورة ولا خوف أو أظهر زي الكفار في بلاد المسلمين وما جري مجري ذلك من علامات الكفر وإن لم يكن في نفسه كفر أجرينا عليه حكم أهل الكفر وإن لم نعلم كفره باطنا، وأن الدار - المجتمع - لا يحكم بكونها دار إسلام إلا إذا أنفذ فيها حكم المسلمين علي أهل الذمة وكانت الغلبة فيها لأهل السنة علي أهل البدعة.. [ صفحه 82] ومعني هذا الكلام الحكم بالكفر علي المجتمعات المعاصرة والاعتبار الزي (الإفرنجي) الذي يرتديه المسلمون اليوم وشتي الممارسات التي يمارسونها من ألعاب وصناعات ووسائل ترفيه وما شابهها هي صورة من صور الكفر، علي أساس الرواية التي تقول: من تشبه بقوم فهو منهم.. وقد عقد البغدادي في كتابه أكثر من عشرة فصول عن الإمامة ووجوبها وشروطها مسلطا قذائفه علي الاتجاهات الأخري التي تتبني رؤية مختلفة في الإمامة لا تنطبق علي الحكام الذين اعتبرهم البغدادي وأصحابه أئمة المسلمين وعلي رأسهم معاوية وولده يزيد وذلك سيرا مع الروايات المنسوبة للرسول (ص) المتعلقة بالإمامة والتي لا تدين الاتجاهات بها الأخري.. ثم ختم البغدادي كتابة بإطلاق قذيفة مدوية علي الخصوم أعداء الدين تمثلت فيما يلي: - وجوب قتل المرتدين.. - كفر الاتجاهات الأخري (أهل البدع والأهواء) ووجوب قتالهم.. - عدم جواز أكل ذبائح أهل الأهواء والبدع وحرمة مواريثهم.. - عدم جواز نكاح المسلمة منهم.. - الشاك في كفر أهل الأهواء كافر.. [ صفحه 83]

مدافع الطحاوي

الآخرون ضلال وأردياء.. [ صفحه 85] صاحب هذا المدفع هو أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المصري الحنفي المعروف بالطحاوي (237: 321 هـ) وقد أطلق علي مدفعه هذا اسم العقيدة السلفية وعرف فيما بعد بالعقيدة الطحاوية. وجاء من بعده القاضي صدر الدين علي بن محمد بن العز الحنفي (731: 792 هـ) فقام بشرح هذه العقيدة وأضاف قذائف جديدة إلي قذائف الطحاوي.. - مدافع ضد العقل / يوجه الشارح أول مدافعه نحو أصحاب الرأي من أهل الكلام أي أهل الجدل الفلسفة والمنطق بنقل مقاله لأبي يوسف صاحب أبو حنيفة فيهم هذا نصها: العلم بالكلام هو الجهل والجهل بالكلام هو العلم. وإذا صار الرجل رأسا في الكلام قيل زنديق أو رمي بالزندقة ومن طلب العلم بالكلام تزندق.. ونقل عن الشافعي قوله فيهم: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل علي الكلام.. ثم يوجه مدفعه الثاني نحو الاتجاهات المخالفة لعقيدة الفقهاء فيما يتعلق بصفات الله تعالي التي تقوم علي الروايات وأقوال السلف، تلك الاتجاهات التي أنكرت رؤية الله وأن كلامه سبحانه غير مخلوق ورفضت التشبيه والتجسيم الذي تشير إليه الروايات ونسبة الظلم إلي الله برفض فكرة إرادة الله للشر والكفر وأنهما يتمان بمشيئته، وهي ما يعرف بفكرة خلق أفعال العباد التي يدين بها الفقهاء.. أما مدفعه الثالث فقد سلطه علي العقل واعتبر أنه إذا اصطدم العقل مع النقل وجب تقديم النقل أي الرواية لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين وتقديم العقل ممتنع والواجب التسليم للرواية وتلقيها بالقبول والتصديق دون معارضة بخيال باطل نسميه معقولا.. ويؤكد الطحاوي أن جميع ما ورد عن الرسول (ص) من الروايات التي يعتبرها الفقهاء صحيحة من الشرع والبيان كله حق. [ صفحه 86] وشن الشارح حربا شعواء علي الفلسفة والفلاسفة وأن حقيقة أقوالهم أنهم لم يؤمنوا بالله ولا رسله ولا كتبه. مؤكدا أن أهل السنة لا يعدلون عن الرواية ولا يعارضوها بمعقول أو بقول أحد من أهل البدع والأهواء. وهاجم الشارح الاتجاهات الأخري التي تستند إلي قوله تعالي (ليس كمثله شئ) في نقص الروايات المنسوبة للرسول (ص) بخصوص صفات الله تعالي والتي تصطدم اصطدما صريحا بهذا النص القرآني.. والشارح بموقفه هذا يكون قد مال إلي صف الرواية في مواجهة النص القرآني، بل اعتبر خصومه يحرفون الكلم عن مواضعه ويلبسون علي الناس دينهم وفهموا من أخبار الصفات ما لم يرده الله ولا رسوله فهمه أحد من الفقهاء.. - في خدمة الحكام / يقول الطحاوي: ولا نري الخروج علي أئمتنا وولاة أمرنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم. ونري طاعتهم من طاعة الله فريضة ما لم يأمروا بمعصية وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة.. وحشد الشارح عشرات الروايات التي توجب علي المسلمين طاعة الحكام وإن كانوا فجارا فسقة شعارهم ظلم العباد ونهب البلاد.. وعلي رأس هذه الروايات رواية تقول: من رأي من أميره شيئا فليصبر.. ورواية تقول: أطع الأمير وإن جلد ظهرك وأخذ مالك.. ورواية تقول: من فارق الجماعة - أي شق عصا الطاعة علي الحكم - فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه أو مات ميتة جاهلية كما تنص روايات أخري.. يقول الشارح: وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا فلأنه يترتب علي الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر علي جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور. فإن الله تعالي ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا والجزاء من جنس العمل فعلينا الاجتهاد بالاستغفار والتوبة وإصلاح العمل، فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم فليتركوا الظلم. وهذا الكلام هو محل إجماع الفقهاء سلفا وخلفا بل هو من معتقدات أهل السنة التي [ صفحه 87] اعتبرت من أساسيات الدين الواجب علي المسلمين الالتزام بها ومن أخل بها فهو ضال زائغ يدخل في زمرة أهل البدع والأهواء.. وقد أجاز الفقهاء قتل الخارج علي الحكام المفارق للجماعة علي أساس رواية تقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدي ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة.. هذا هو نهج الفقهاء والسلف الذين سخروا الدين في خدمة الحكام وألزموا الأمة بالسير علي هذا النهج الذي حدد الشارح أن أتباعه هدي وخلافه ضلال.. يقول الطحاوي: والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين برهم وفاجرهم إلي قيام الساعة لا يبطلها شئ ولا ينقضها. ثم يتجه الطحاوي من بعد ومعه الشارح إلي تصويب مدافعهم علي المخالفين لعقائد الفقهاء في الحكام والصحابة والسلف معلنين أن حب هؤلاء من الإيمان وبغضهم من النفاق وأن الواجب الشرعي يحتم بغض من يبغضهم والبراءة منه وإحسان القول فيهم بلا استثناء. يقول الطحاوي: ومن أحسن القول في أصحاب الرسول (ص) وأزواجه فقد برئ من النفاق وعلماء السلف أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو علي غير السبيل ولا نصدق من يدعي شيئا يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة هذا ديننا واعتقادنا ظاهرا وباطنا ونحن براء إلي الله تعالي من كل خالف الذي ذكرناه وبيناه ونسأل الله تعالي أن يثبتنا علي الإيمان ويختم لنا به ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة والمذاهب الردية مثل المشبهة والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية وغيرهم من الذين خالفوا السنة والجماعة وحالفوا الضلالة ونحن منهم براء وهم عند ضلال وأردياء.. ويقول الشارح: وسبب ضلال هذه الفرق وأمثالهم عدولهم عن الصراط المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه. والشارح بقوله هذا يريد أن يؤكد أن صراط الفقهاء والحكام هو الصراط المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه. وهو الصراط الذي حدد معالمه الطحاوي في ختام كتابه بقوله: هذا ديننا واعتقادنا. وهذا الكلام يؤكد المقولات السابقة من أن أهل السنة هم أهل الحق وأصحاب الجنة وغيرهم [ صفحه 88] من الاتجاهات الأخري هم أهل الباطل وأصحاب النار.. ويطالب الشارح الحكام بالتدخل للقضاء علي المخالفين من جميع الاتجاهات وأهل اللعب واللهو والفنون بقوله: والواجب علي ولي الأمر وكل قادر أن يسعي إلي إزالة المنجمين والكهان والعرافين وأصحاب الضرب بالرمل والحصي والقرع والقالات ومنعهم من الجلوس في الحوانيت والطرقات أو يدخلوا علي الناس في منازلهم وقد ثبت عن الرسول (ص) قوله: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أو شك أن يعمهم الله بعقاب منه.. وهو بهذه الفتوي لم يمنح الحاكم فقط سلطة مقاومة المنكر بل منح أفراد الرعية أيضا هذه السلطة لمقاومة مثل هذه الأنشطة والممارسات.. وبالطبع فإن مقاومة أصحاب الرأي والاتجاهات المخالفة هي مقدمة علي ذلك بل هي أولي في منظور الفقهاء.. وهكذا نري مدافع الفقهاء تتداول فيما بينهم عبر العصور يسلمها كل فقيه لمن بعده ولا مانع أن تسلم هذه المدافع للحكام أيضا ولأفراد الرعية إذا حتمت الضرورة ذلك وتهدد نفوذ الفقهاء والحكام.. [ صفحه 89]

مدافع ابن تيمية

أكذوبة شيخ الإسلام.. [ صفحه 91] ابن تيمية الحراني من فقهاء القرن الثامن التزم المذهب الحنبلي وتعصب له وجرت له بسبب ذلك محن كثيرة.. [180] . وقد اتخذ من الشام مقرا له في عصر سلاطين المماليك وكثرة مشاغباته مع الفقهاء من أصحاب المذاهب الأخري ومع الاتجاهات الفلسفية والصوفية والشيعية في عصره. إلا أنه رغم محاولاته إحياء نهج الحنابلة وتصانيفه الكثيرة، لم يحصل علي رضا فقهاء عصره من الحنابلة أو من غيرهم.. وكان ابن تيمية عنيدا سليط اللسان عجولا في إلقاء التهم علي الخصوم متسرعا في أحكامه كثيرا المراوغة معجبا بنفسه.. [181] . يروي أن القضاة الثلاثة الشافعي والمالكي والحنفي أرسلوا إليه مرات فامتنع عن الحضور إليهم ولما أحضر ووقع البحث مع بعض الفقهاء كتب عليه محضر بأنه قال أنا أشعري.. [182] . - مدافع ضد الفقهاء: يروي أنه تكلم في حق مشايخ الصوفية - أي سبهم وهاجمهم - وقال لا يستغاث بالنبي (ص) فقبض عليه وحبس، ثم نقل أن جماعة يترددون عليه في السجن وأنه يتكلم في نحو ما تقدم فأمر بنقله من محبسه.. [183] . يقول عنه الذهبي أحد تلاميذه: تعتريه حدة في البحث وشظف للخصم تزرع له عداوة في النفوس، أي أنه حاد في حواراته عصبي يظن أن الحق معه ويسخر من الخصم ولا يحترمه والناس في نظره جهال.. [184] . وأطلق ابن تيمية مدافعة علي سيبويه العالم النحوي عندما ذكر أمامه علي لسان ابن حبان صاحبه مما أدي إلي مقاطعة ابن حبان له وصير ذلك ذنبا لا يغفر وأصبح لا يذكره بخير.. [185] . [ صفحه 92] وكان ابن تيمية قد قال في سيبويه: ما كان سيبويه نبي النحو ولا كان معصوما، بل أخطأ في (الكتاب) في ثمانين موضعا ما تفهمها أنت - يقصد ابن حبان -... [186] . وقد نسب إلي أصحاب ابن تيمية الحنابلة الغلو فيه - أي الإيمان الشديد المتطرف به - واقتضي له ذلك العجب بنفسه حتي زها علي أبناء جنسه واستشعر أنه مجتهد، فصار يرد علي صغير العلماء وكبيرهم قديمهم وحديثهم حتي انتهي إلي عمر بن الخطاب فخطأه في شئ فبلغ ذلك الشيخ إبراهيم فأنكر عليه.. [187] . وكان كثير الوقوع في الأشاعر حتي أنه سب أبو حامد الغزالي فقام عليه قوم وكادوا يقتلونه وكانت له وقائع شهير وإذا حوقق - نوقش فأفحم وقام عليه الدليل وألزم - يقول لم أر هذا، وإنما أردت كذا فيذكر احتمالا بعيدا.. [188] . ويروي أنه أفتي يوما في مسألة وأفتي فقيه أخر بخلافة، فرد عليه ابن تيمية قائلا: من قال هذا فهو كالحمار الذي في داره.. ولم يسلم أحد ممن هو خارج دائرة ابن تيمية وتلاميذ وأتباعه من مدافعه، حتي فقهاء الحنابلة الآخرين أوذوا منه وخشوا علي المذهب من أفكاره وفتاويه.. ويروي أن كثير من العلماء والفقهاء والمحدثين والصالحين كرهوا له التفرد ببعض المسائل التي أنكرها السلف علي من شذبها، حتي أن بعض قضاة العدل الحنابلة منعه من الافتاء. [189] . وعندما قال ابن تيمية بإنكار المجاز نسب إليه التجسيم حيث اعتبرت جميع صفات الله الواردة في القرآن والروايات حقيقة، وأن الله سبحانه له يد وعين ورجل ويصعد ويهبط وما شابه ذلك.. [190] . وقام الفقهاء علي ابن تيمية وعقدوا له مجلس محاكمة ومنع من الكلام، وحدثت فتنة بين أتباعه وبين الشافعية في دمشق ولحق الأذي باتباع ابن تيمية مما اضطره إلي الرجوع عن [ صفحه 93] مقالته، ثم ارتد مرة أخري فصدر مرسوم أن من يتكلم في العقائد فعل به كذا وكذا، ونودي في دمشق من اعتقد عقيدة ابن تيمية حل دمه وماله.. [191] . ثم جمع الحنابلة الصالحية وغيرها وأشهدوا علي أنفسهم أنهم علي معتقد الإمام الشافعي. [192] . وأطلق ابن تيمية مدافعه نحو ابن عربي فكفره ونسب الإلحاد إليه وإلي أصحابه. ونسب الشرك إلي من توسل بالنبي واستغاث به وأنكر زيارة قبر النبي (ص).. [193] . ونتيجة لهذا كله انقسم الناس في مواجهة ابن تيمية أربعة أقسام: - منهم من نسبة إلي الكفر والزندقة.. ومنهم من نسبه إلي النفاق.. ومنهم من نسبه إلي السعي للإمامة.. وفوق هذا هناك من طالب بقتله.. - ابن تيمية والحكام: عاش ابن تيمية عصر المماليك البحرية وحاز شهرة بسبب مشاغباته في الشام ومصر حتي تمكن من استمالة محمد بن قلاوون إلي صفه، كذلك الأمير سلار نائب السلطنة في عصر بيبرس الجاشنكير الذي أطاح بابن قلاوون من الحكم. وكان نظام حكم المماليك يعتمد علي الفقهاء في استمالة العامة وتحقيق الأمن والاستقرار للحكم، فلم تكن هناك في هذا العصر مؤسسة دينية محددة مرتبطة بالحكم.. ولم يستطع ابن تيمية أن يأخذ مكانه بين كبار الفقهاء القريبين من السلطة إلا أنه تمكن من كسب عطف بعض أمراء المماليك الذين كان لهم دورهم البارز في التخفيف عليه في حبسه الذي تكرر عدة مرات.. وكان بيبرس الجاشنكير ضد ابن تيمية وله ميول صوفية. وحين أمر بحسبه كان " سلار " يهرب له الأقلام والقراطيس ويدخل عليه أصحابه، فكان ابن تيمية يكتب ويفتي ويراسل أمه [ صفحه 94] ويوجه أتباعه وهو داخل الحبس وحين حبس بمصر كانوا ينقلون إلي قلعة الإسكندرية صيفا. وقلعة القاهرة شتاء.. ولما جاء محمد بن قلاوون إلي السلطة استقبل ابن تيمية بالأحضان وأطلق يده فانطلق هو وأتباعه في الأسواق يعتدون علي العامة ويكسرون الحانات ويعتدون علي زوار القبور مما أقلق ابن قلاوون فقرر الحد من نشاطه. فكتب ابن تيمية له كتابا اسمه (الجواب الباهر في زوار المقابر) يثبت فيه بطلان زيارات القبور وما يجري فيها.. [194] . ولم يكن ابن تيمية ضد الحكام، وإنما كان ضد المسلمين. فهو لم يتصد لمنكرات المماليك وفساد وانحرافات الحكم في عصره، وإنما تصدي للصوفية والأشاعرة والشيعة وعوام الناس. - ابن تيمية والعقل / وجه ابن تيمية مدافعه نحو العقل كما هو شأن الحنابلة. كما حارب المنطق والفلسفة.. وكانت أول مدافعه في هذا الميدان قد وجهت نحو الخلف والاتجاهات الإسلامية من الشيعة والمعتزلة الذين تبنوا نهج التأويل في مواجهة النصوص الخاصة بصفات الله، وفسروا قوله تعالي (يد الله فوق أيديهم) علي أن اليد تعني القدرة، وقوله تعالي (وكلم الله موسي تكليما)، أي بواسطة، وقوله (وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة) أي منتظرة.. وقوله (ولتصنع علي عيني) أي برعايتي.. وقوله (أأمنتم من في السماء) بنفي تحديد مكان الله في السماء.. واعتبر ابن تيمية مثل ذلك ضربا من الضلال والانحراف عن نهج السلف والأحاديث النبوية فهو لا يريد إعمال العقل في هذه النصوص، ويريد أن تؤخذ علي ظاهرها والإقرار بأن الله سبحانه له يد وعين يتكلم بلا واسطة وسوف يراه الناس، وأن مكانه في السماء.. [195] . ولابن تيمية كتاب يسمي (نقد المنطق) نص فيه علي ما يلي: - عمدة كل زنديق ومنافق إبطال أحاديث رسول الله والطعن فيها.. - أهل الحديث (الروايات) عندهم من العلم والمعرفة واليقين ما ليس عند أئمة المتفلسفة المتكلمين. [ صفحه 95] - أن المعظمين للفلسفة والكلام (علم الكلام) ومنهم واصل ابن عطاء والغزالي والشافعي وفخر الرازي إذا كشفت أحوالهم وجدتهم من أجهل الناس. - كل من زعم أن طائفة غير أهل الحديث أدركوا من حقائق الأمور أكثر مما أدركوا فهو منافق جاهل.. - المنطق يأمر بالتوحيد وعبادة الله بل يأمر بالشرك وعبادة الكواكب.. ولم يكن ابن تيمية يريد للعقل أن يأخذ مكانه ويؤدي دوره في هذا الكم الهائل من الروايات المنسوبة للرسول والتي تضر بالإسلام وتشوه صورته. - نماذج من فتاوي ابن تيمية / فتاوي ابن تيمية أكثر من أن تحصي، وهي تشكل تراثه الفكري.. فالرجل لم يدون كتبا بالمعني المألوف، وإنما كتب رسائل وردودا وأصدر فتاوي جمعت فيما بعد من قبل أتباعه وتلاميذه.. وقد انتقينا هنا بعض الفتاوي الخاصة بالخصوم والمعارضين والتي تعكس مدي تطرفه وعدوانيته علي الآخرين -: - أجاز ابن تيمية قتل الداعية إلي البدعة المخالفة للكتاب والسنة، وهي في منظوره تشمل المعتزلة والشيعة والصوفية وغيرهم من المخالفين. - من قامت عليه الحجة من أهل البدع استحق العقوبة. - أن الكتب المشتملة علي الكذب والبدعة يجب إتلافها وإعدامها وهي أولي بذلك من آلات اللهو والمعازف وإتلاف آنية الخمر، فإن ضررها أعظم من ضرر هذه. - جواز قتل معطلي الشرائع من المسلمين وقتالهم. " فتوي الياسق ". - وحول ابن الفارض وابن سبعين وابن حمويه الذين اتهمهم بالقول بوحدة الوجود والحلول أفتي بقوله: من يعاونهم وينصرهم علي أهل الإيمان - ابن تيمية وأتباعه - فهو شر ممن ينصر النصاري علي المسلمين، فإن هؤلاء شر من قول النصاري، بل هم شر ممن ينصر المشركين علي المسلمين. - الراد علي أهل البدع مجاهد. - أفتي ابن تيمية عام 704 هـ باستباحة دماء الشيعة وأقنع السلطان محمد بن قلاوون بتسيير حملة اشتراك فيها ابن تيمية لمقاتلة الشيعة في جبال كسروان بلبنان. [ صفحه 96] وكانت نتيجة هذه الحملة أن خربت كسروان وقتل النساء والشيوخ والأطفال.. ولم يقصر ابن تيمية فتاواه علي المسلمين بل تعداهم إلي المسيحيين، وأفتي بوجوب هدم الكنائس في مصر والقاهرة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد ونحوها من الأمصار سواء كانت تلك المعابد قديمة قبل الفتح أو محدثة.. [196] . " مثل هذه الفتاوي وغيرها يوجد منها الكثير في كتب ابن تيمية مثل الفتاوي الكبري ونقد المنطق.. ودرء تناقض العقل والنقل ". - مرجع الجماعات المتطرفة / هل بعد حبس ابن تيمية وموته سكتت مدافعه؟ الإجابة أن بعض تلامذته مثل ابن قيم وابن كثير حاولا تسليط هذه المدافع نحو المسلمين إلا أن مصيرهما كان كمصير إمامها أن ضربا وضيق عليهما ولحق بهما الأذي فاتجها نحو الكتابة والتصنيف. ومنذ ذلك الحين أسدل الستار علي ابن تيمية وعطلت مدافعه وحل بها الخراب حتي ظهر محمد ابن عبد الوهاب في جزيرة العرب، فكشف عنها، وقام بتنظيفها وتجهيزها ثم سلطها مرة أخري علي المسلمين، وقدر الله أن ينصره ابن سعود لتقوم لأول مرة في التاريخ دولة للحنابلة ويصبح ابن تيمية شيخ الإسلام بعد أن كان منبوذا. وببركات النفط أصبحت له هيئات وجامعات ورموز تنشر فكره وترضعه للمسلمين في كل مكان. وعن طريق هذه المؤسسات والجامعات والرموز اخترقت التيارات والجماعات الإسلامية وتشبعت بفكر ابن تيمية وتقمصت شخصيته حتي بدا وكأنه لا يوجد فقهاء في تاريخ المسلمين سواه. وأصبحت كتب ابن تيمية التي لم يكن يسمع عنها أحد تطبع وتوزع مجانا، وتهدي ولا تباع، بل توزع فتاواه (37 مجلدا) مجانا علي المساجد والمؤسسات والأفراد. [197] . ومن هنا حملت الجماعات الإسلامية مدافع ابن تيمية من جديد وأخذت توجهها نحو المسلمين وأيضا المسيحيين. [ صفحه 97] - مدفع الفرقان وفي كتابه الفرقان بين الحق والباطل الذي صنفه في سجن دمشق قال في مقدمته: إن الله بين في كتابه الفرقان بين الحق والباطل وكذلك نبيه فمن كان أعظم اتباعا لكتابه الذي أنزله ونبيه الذي أرسله كان أعظم فرقانا. ومن كان أبعد عن اتباع الكتاب والرسول كان أبعد عن الفرقان واشتبه عليه الحق بالباطل كالذين اشتبه عليهم عبادة الرحمن بعبادة الشيطان والنبي الصادق بالمتبني الكاذب وآيات النبيين بشبهات الكذابين حتي اشتبه عليهم الخالق بالمخلوق. وهذا الكلام الذي يدين به فقهاء الحنابلة إنما اخترع لإرهاب المخالفين لنهج الرواية والرجال وذلك بربط الرواية بالقرآن. وهدي الله بهدي الرسول (ص). بمعني أن الذين يرفضون الروايات ويشككون فيها يكونوا بهذا التصور يرفضون القرآن ويشككون في نصوصه. وهو ما تم توكيده في الشعار الدائم الذي لا زال يرفع حتي اليوم وهو شعار: الكتاب والسنة حيث أصبح الإسلام هو الكتاب والسنة. بينما الحقيقة أن الإسلام هو الكتاب. فهو المصدر الوحيد المعصوم المنزل من قبل الله سبحانه ليكون حجة علي البشر.. ولقد أصبحت الروايات بمرور الزمن وبتوجيه الحكام هي الناطق بلسان الإسلام والمعبر عنه ونتج عن هذا أن هيمنت الروايات علي القرآن مما أدي إلي استفزاز أصحاب العقول وتصديهم للروايات والفقهاء الذين يدعمونها. وابن تيمية هنا إنما يردد تهديدات من سبقه من فقهاء السلف من الحنابلة وغيرهم لإرهاب الاتجاهات الأخري وعزل المسلمين عنها.. ويؤكد ابن تيمية أن اتباع رجال السلف ومعرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم خيرا وأنفع من معرفة أقوال المتأخرين وأعمالهم. أقوال السلف وأعمالهم في جميع علوم الدين كالتفسير وأصول الدين وفروعه والزهد والعبادة والأخلاق والجهاد وغير ذلك. فإنهم أفضل ممن بعدهم كما دل عليه الكتاب والسنة فالاقتداء بهم خير من الاقتداء بمن بعدهم. ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم. وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصوما. وإذا تنازعوا فالحق لا يخرج عنهم. فيمكن طلب الحق في بعض أقاويلهم ولا يحكم بخطأ قول من أقوالهم حتي يعرف دلالة الكتاب والسنة علي خلافه. [ صفحه 98] ويواصل ابن تيمية إطلاق مدافعه علي المخالفين بقوله: وكل من خالف ما جاء به الرسول (ص) لم يكن عنده علم بذلك ولا عدل. بل لا يكون عنده إلا جهل وظلم وظن وما تهوي الأنفس.. ثم يسلط مدفعه علي أصحاب الرأي بقوله: وكل الأصول العقلية التي ابتدعها هؤلاء باطلة في العقل والشرع.. والمقصود بهذا الكلام الاتجاهات الرافضة للروايات المتعلقة بصفات الله المأولة لهذه الصفات المتبنية لنهج العقل والمنطق وا لفلسفة أو ما سمي بعلم الكلام أو العقليات.. فجميع ذلك مرفوض عند ابن تيمية وسلفه من الحنابلة الذين يعتقدون بأن الله سبحانه له يد وعين ورجل ويري ويهبط ويصعد ومكانه فوق العرش وأنه أراد الشر واختاره كما نص علي ذلك أمامهم ابن حنبل.. وهؤلاء الرافضين هم أهل الهوي والزيغ والضلال... [ صفحه 99]

مدافع ابن القيم

تلميذ بن تيمية وحامل مدافعه.. [ صفحه 101] حمل ابن القيم راية الحنابلة من بعد وفاة أستاذه ابن تيمية وأطلق مدافعه علي الخصوم وسار علي سنة أستاذه إلا أنه لم يصمد طويلا وسلك سبيل التأليف بعيد عن الصدام والمواجهة بعدما نال من الاضطهاد والمحن علي يد الفقهاء من أصحاب المذاهب الأخري وحلفائهم من حكام المماليك.. [198] . وقام ابن القيم بتطوير مدفع إمامه ابن حنبل المسمي (الرد علي الجهمية والزنادقة) وأعده وجهزه ليواجه أهل زمانه من المسلمين المخالفين أو الزنادقة المارقين وأسماه (اجتماع الجيوش الإسلامية علي غزو المعطلة والجهمية) وسلك ابن القيم نفس سبل إمامه ابن حنبل وأستاذه ابن تيمية في مواجهة المعارضين معتمدا علي الروايات وأقوال سلفة وشعاراتهم التي رفعوها وبدا وكأنه صورة طبق الأصل من ابن حنبل وابن تيمية.. ثم تجاوز ابن القيم هذا الدور واجتهد في تصنيف المخالفين وإصدار الأحكام فيهم.. يقول ابن القيم: وأما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام ولكنهم مخالفون في بعض الأصول - كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم - فهؤلاء أقسام: أحدها: الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته، إذا لم يكن قادرا علي تعلم الهدي وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسي الله أن يعفوا عنهم وكان الله عفو غفورا.. القسم الثاني: المتمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق، ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورياسته ولذته ومعاشه وغير ذلك، فهذا مفرط مستحق للوعيد آثم بترك ما وجب عليه من تقوي الله بحسب استطاعته، فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات فإن غلب ما فيه من البدعة والهوي علي ما فيه من السنة والهدي ردت شهادته، وأن غلب ما فيه من السنة والهدي قبلت شهادته.. القسم الثالث: أن يسأل فيطلب ويتبين له الهدي، ويتركه تقليدا أو تعصبا أو بغضا أو معاداة لأصحابه فهذا أقل درجاته: أن يكون فاسقا، وتكفيره، محل اجتهاد وتفصيل، فإن [ صفحه 102] كان معلنا داعية ردت شهادته وفتاويه وأحكامه مع القدرة علي ذلك، ولم تقبل له شهادة ولا فتوي ولا حكم إلا عند الضرورة كحال غلبه هؤلاء واستيلائهم، وكون القضاء والمفتين والشهود منهم، ففي رد شهادتهم وأحكامهم إذ ذاك فساد كثير و لا يمكن ذلك فتقبل للضرورة.. [199] . وقام ابن القيم بإعداد مدفع آخر أسماه (أحكام أهل الذمة) سلطة علي غير المسلمين وحشاه بشتي أنواع القذائف الثقيلة.. وأول هذه القذائف ذلك الكم من الروايات التي حشدها في كتابة: وأول هذه الروايات رواية تقول: لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة.. وهذه الرواية منسوبة للرسول (ص).. وثاني هذه الروايات منسوبة لابن عباس قال: أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه ولا يضربوا فيه ناقوسا ولا يشربوا فيه خمرا ولا يتخذوا فيه خنزير، وأيما مصر مصرته العجم ففتحه الله علي العرب فنزلوا فيه فإن للعجم ما في عهدهم وعلي العرب أن يوفوا بعهدهم ولا يكلفوهم فوق طاقتهم. وثالث هذه الروايات منسوبة لعمر بن عبد العزيز أن عمر كتب أمرا بهدم الكنائس التي في أمصار المسلمين.. ورابع هذه الروايات عن الحسن تقول: من السنة أن تهدم الكنائس التي بالأمصار القديمة والحديثة.. وخامس هذه الروايات تقول: سئل ابن حنبل عن البيعة والكنيسة تحدث - أي تبني من جديد - فقال: يرفع أمرها إلي السلطان، أي ليأمر بهدمها.. وسادس هذه الروايات رواية منسوبة للرسول (ص) تقول: لا تكون قبلتان في بلد واحد.. وأخري تقول: لا تبني كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها.. وهذه الروايات وغيرها مما تكتظ به كتب السنن فيما يتعلق بأصحاب الديانات الأخري موضع شك فقهاء الحديث، ورغم ذلك يسترشد بها الفقهاء. كما أن هذه الروايات جميعها رويت عن طريق أحمد بن حنبل.. [ صفحه 103] ثم حشد ابن القيم بعد هذه الروايات كما من فتاوي الفقهاء التي ترتكز علي هذه الروايات وغيرها من الروايات التي تتعلق بالموضوع.. وجميع هذه الفتاوي تتركز في دائرة منع بناء الكنائس ومنع ترميمها والعلاقة بين الحاكم والذمي وأورد ابن القيم في كتابه الشروط التي يلتزم بها أهل الذمة في ديار الإسلام وهي: - ألا يحدثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا صومعة راهب ولا يجددوا ما خرب.. - أن لا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم.. - أن لا يؤوا جاسوسا ولا يغشوا المسلمين ولا يمنعوا ذوي قراباتهم من الإسلام إن أرادوا.. - أن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس.. - أن لا يتشبهوا بالمسلمين في شئ من لباسهم وأن يشدوا الزنانير علي أوساطهم.. - أن لا يتقلدوا سيفا ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في شئ من طريق المسلمين.. - أن لا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم.. - أن لا يعلموا أولادهم القرآن ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم.. - أن لا يجاوروا المسلمين بموتاهم وأن يجزوا مقادم رؤوسهم.. فإن خالفوا شيئا مما شرطوه فلا ذمة لهم وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق. قال ابن القيم وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها - أي محاولة إثبات صحتها من حيث السند - فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم واحتجوا بها ولم يزل ذكر الشروط العمرية - نسبة إلي عمر بن الخطاب صاحب الشروط السابقة - علي ألسنتهم وفي كتبهم وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها.. وقسم ابن القيم في كتابه البلاد التي تحوي أصحاب الديانات الأخري إلي ثلاثة أقسام: الأول: بلاد أنشأها المسلمون في الإسلام.. [ صفحه 104] الثاني: بلاد أنشئت قبل الإسلام فافتتحها المسلمون عنوة وملكوا أرضها وساكنيها. الثالث: بلاد أنشئت قبل الإسلام وفتحها المسلمون صلحا.. والقسم الأول الثاني لا يجوز أن تبني كنيسة ولا بيع فيه وما بني يهدم ويلزم بالشروط السابق ذكرها، أما القسم الثالث فيقر علي حاله وما بني بعد الصلح يهدم.. يقول ابن القيم: وهذا الذي جاءت به النصوص والآثار هو مقتضي أصول الشرع وقواعده فإن إحداث هذه الأمور إحداث لشعائر الكفر وهو أغلظ من إحداث الخمارات والمواخير، فإن تلك شعار الكفر وهذه شعار الفسق، ولا يجوز للإمام أن يصالحهم في دار الإسلام علي إحداث شعائر المعاصي والفسوق، فكيف إحداث مواضع الكفر والشرك.. [200] . ومثل هذه الروايات التي استند عليها ابن القيم والفتاوي التي استحضرها هي التي ارتكز عليها حنابلة العصر من الجماعات الإسلامية واستباحوا دماء وأموال النصاري علي أساسها مرتكزين علي أن المجتمع المعاصر يعد حسب المفهوم الفقهي الذي وضعه الفقهاء: دار حرب لا يوجد فيها إمام ولا توجد بين المسلمين والنصاري عقود ذمة تحفظ علي أساسها أموالهم ودمائهم فمن ثم هم عرضه للاستحلال من قبل هذه الجماعات التي جعلت من نفسها قيما علي الدين ومعبرا عنه وناطقة بلسانه وقد منحتها هذه الصلاحيات عقيدة أهل السنة ونصوص الفقهاء، وعجز فقهاء العصر وتحالفهم مع الحكام من جانب آخر.. مثل هذا الفقه المتطرف الذي بني علي روايات ضعيفة وعلي الأعراف وقرارات الحكام يجب أن يعاد ضبطه مع القرآن، وهو لن ينضبط معه بحال، فالقرآن لم ينص علي شئ من هذا تجاه الديانات الأخري.. هذا الفقه إنما هو وليد مرحلة سياسية خاصة هي مرحلة الحروب والغزوات وليس وليد النصوص. [ صفحه 105]

مدافع ابن حجر الهيتمي

إمامي معاوية.. [ صفحه 106] [201] أنظر ملاحق الكتاب.. [ صفحه 107] ولد ابن الحجر الهيتمي في محلة أبي الهيتم من أعمال الغربية بمصر سنة (909 هـ) ثم انتقل للإقامة بمكة سنة (940 هـ) وتوفي بها سنة (974 هـ).. [202] . وقد استفز ابن حجر تيار الشيعة فقرر أن يطلق مدافعه عليه. تلك المدافع التي تمثلت في كتابين شهيرين له: الأول هو كتاب (الصواعق المحرقة في الرد علي أهل البدع والزندقة). والثاني هو (تطهير الجنان واللسان عن الخطورة والتفوه بثلب معاوية بن أبي سفيان). - مدفع الصواعق: يقول ابن حجر في مقدمة كتابه هذا: سئلت قديما في تأليف كتاب يبين حقية خلافة الصديق وإمارة ابن الخطاب فأجبت إلي ذلك مسارعة في خدمة هذا الجناب. ثم سئلت في إقرائه في رمضان سنة خمسين وتسعمائة بالمسجد الحرام لكثرة الشيعة والرافضة ونحوهما الآن بمكة المشرفة فأجبت إلي ذلك رجاء لهداية بعض من زل به قدمه عن أوضح المسالك، ويصف ابن حجر كتابه بقوله: فجاء كتابا في فنه حافلا ومطلبا في حلل الرصانة والتحقيق رافلا ومهندا قاصما لحجج المبطلين وأعناق شرار المبتدعة الضالين.. وحشد ابن حجر في مقدمته كما من الروايات التي ترهب المخالفين من المبتدعة الضالين المنسوبة لرسول رب العالمين (ص).. الأولي رواية تقول: أهل البدع شر الخلق والخليفة.. والثانية تقول: أصحاب البدع كلاب النار.. والثالثة تقول: من وقر صاحب بدعة فقد أعان علي هدم الإسلام.. والرابعة تقول: إذا مات صاحب بدعة فقد فتح في الإسلام فتح.. والخامسة تقول: لا يقبل الله لصاحب بدعة صلاة ولا صوما ولا صدقة ولا حجا ولا عمرة ولا جهادا ولا صرفا ولا عدلا يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين.. وبالطبع المقصود بأصحاب البدعة هم المخالفون للفقهاء والنهج السائد من أصحاب [ صفحه 108] الاتجاهات الأخري من داخل أهل السنة ومن خارجهم.. وقد حشد ابن حجر بعد ذلك كما هائلا من الروايات التي تهاجم المخالفين والناظرين بعقولهم في حركة الصحابة وما جري بعد وفاة الرسول (ص) من خلافات وصدامات مؤكدا من خلال هذه الروايات أن فترة الصحابة فترة مقدسة وأن ما جري فيها لا يخرج عن كونه صورة من صور الاجتهاد المحمود شرعا، وأن الناقدين لتلك الفترة سواء كانوا من الشيعة أو من غيرهم هم مبتدعة زنادقة كما حدد ذلك مسبقا علي غلاف كتابه.. يقول ابن حجر: وإنما أفتتحت هذا الكتاب بالصحابة وختمته بهم، إشارة إلي أن المقصود بالذات من تأليفه تبرئتهم من جميع ما افتراه عليهم أو علي بعضهم من غلبت عليهم الشقاوة وتردوا بأردية الحماقة والغباوة ومرقوا من الدين واتبعوا سبيل الملحدين وركبوا متن عمياء وخبطوا خبط عشواء فباؤا من الله بعظيم النكال ووقعوا في أهوية الوبال والضلال ما لم يداركهم الله بالتوبة والرحمة.. ومن الواضح مدي تطرف هذا الكلام في حق المخالفين تجاه قضية محيطها الرجال وهي ليست أصلا من أصول الدين، لكن المسألة في الأساس ليست مسألة صحابة وإنما هي مسألة حكام يتسترون بالصحابة، ويعتبرون محاولة التشكيك في الصحابة تعني التشكيك في شرعيتهم.. أو بصورة أخري المسألة في أساسها تنحصر في معاوية وتدور من حوله بمعني أن التشكيك في الصحابة سوف يقود إلي التشكيك في معاوية. والتشكيك في معاوية سوف يقود إلي التشكيك في الحكام بعده فجميع الحكام أمويين وعباسيين وغيرهم ساروا علي سنة معاوية.. [203] . يقول ابن حجر: إعلم أن الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة أنه يجب علي كل مسلم تزكية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم، والكف عن الطعن فيهم والثناء عليهم، ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن ما جري بين علي ومعاوية من الحروب لم يكن لمنازعة معاوية لعلي في الخلافة، فلم تهج الفتنة بسببها وإنما هاجت بسبب أن معاوية ومن معه طلبوا من علي تسليم قتلة عثمان إليهم لكون معاوية ابن عمه.. [ صفحه 109] ومن اعتقاد أهل السنة أن معاوية من المجتهدين له أجر علي اجتهاده، وأما ما يستبيحه بعض المبتدعة من سبه ولعنه فلا يلتفت إلي ذلك ولا يعول عليه فإنه لم يصدر إلا من قوم حمقي جهلاء أغبياء طغاة لا يبالي الله بهم بأي واد هلكوا، فلعنهم الله وخذلهم أقبح اللعنة والخذلان، وأقام علي رؤوسهم من سيوف أهل السنة وحججهم المؤيدة بأوضح الدلائل والبرهان ما يقمعهم عن الخوض في تنقيص أولئك الأئمة والأعيان، ولقد استعمل معاوية عمر وعثمان وكفاه ذلك شرفا أه.. إن الدفاع عن معاوية في نظر ابن حجر والفقهاء إنما هو دفاع عن الدين وقد استتبع هذا الدفاع دفاع عن ولده يزيد، حيث أن الطعن في يزيد طعن في والده.. يقول بن حجر: ولا يجوز الطعن في معاوية لأنه من كبار الصحابة ولا يجوز لعن يزيد ولا تكفيره فإنه من جملة المؤمنين وأمره إلي مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه.. [204] . ونقل ابن حجر قول الغزالي: ويحرم علي الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين وحكاياته وما جري بين الصحابة من التشاجر والتخاصم فإنه يهيج علي بعض الصحابة والطعن فيهم وهم أعلام الدين، فالطاعن فيهم مطعون طاعن في نفسه ودينه.. وروي ابن حجر قصة وقعت في عام (755 هـ) أنه أحضر شخصا بدمشق أتهم بسبب الشيخين (أبو بكر وعمر) فأخذ وسجن والأغلال في عنقه، ثم قدم للقاضي المالكي فضربه وهو مصر علي قوله. ثم تكرر ضربه واستتابته فلم يرجع عن قوله، فاجتمع الفقهاء والقضاة للبحث في كفره وعدم قبول توبته، وحكم بقتله.. وشنع السبكي علي من قال أن هذا الرجل قتل بغير حق. وجزم بأنه قتل بحق لأنه كافر مصر علي كفره.. وقدم ابن حجر الروايات والفتاوي التي تؤيد كفره وجواز قتله وصواب الحكم الذي صدر فيه.. [205] . والثابت أنه لا يوجد نص في القرآن أو في السنة يقول صراحة بقتل الذي يسب الرسول فضلا عن الذي يسب صحابي، والفقهاء في حالة صاحب هذه القصة قد طبقوا عليه أحكام [ صفحه 110] المرتد عن الدين، وكأن الصحابة أصبحوا ركنا من أركان الإسلام.. ويبدو أن ابن حجر لم يقنع بما أحدثه مدفعه المسمي بالصواعق من خسائر وأضرار في المسلمين وعقولهم ودينهم فشهر مدفعا آخر ضد خصوم معاوية والطاعنين فيه كي يسكتهم إلي الأبد.. يقول ابن حجر: فهذه وريقات ألفتها في فضل سيدنا معاوية بن أبي سيفان رضي الله عنه وأرضاه وفي مناقبه وحروبه. وفي الجواب عن بعض الشبه التي استباح سبه بسببها كثير من أهل البدع والأهواء جهلا واستهتارا بما جاء عن نبيهم (ص) من المبالغة الأكيدة في التخدير عن سب أو نقص أحد من أصحابه، لا سيما أصهاره وكتابه ومن بشر بأنه سيملك أمته، ودعا له بأنه يكون هاديا مهديا.. دعاني إلي تأليفها الطلب الحثيث من السلطان همايون أكبر سلاطين الهند وأصلحهم وأشدهم تمسكا بالسنة الغراء ومحبة أهلها وما نسب إليه مما يخالف ذلك فبفرض وقوعه منه تنصل منه التنصل الدافع لكل ريبة وتهمة، كما يقطع بذلك التواتر عنه في أواخر أمره كأوله بل حكي لي من هو في رتبة مشايخ مشايخنا من بعض أكابر بني الصديق عنه أنه مكث أربعين سنة لا ينظر إلي السماء حياء من الله تعالي. وأنه إنما يأكل من كسب يده، وأن من قدم عليه من علماء أهل السنة بالغ في تعظيمه بما لم يسمع عن غيره ككثرة التردد عليه ومع سعة ملكه وأبهة عسكره جالسا بين يديه علي التراب كصغار طلبته مطلقا عليه من الأرزاق والإنعام ما يلحقه بأكابر الأغنياء، وسبب طلبه ذلك أنه نبغ في بلاده قوم ينتقصون معاوية وينالون منه وينسبون إليه العظائم مما هو برئ منه لأنه لم يقدم علي شئ مما صح عنه إلا بتأويل يمنعه من الإثم بل ويوجب له خطأ من الثواب، فأجبته إلي ذلك.. ولا يشك أحد أن معاوية من أكابرهم نسبا وقربا منه (ص) وعلما وحلما فوجبت محبته لهذه الأمور التي اتصف بها الإجماع، فمنها شرف الإسلام وشرف الصحبة وشرف النسب وشرف مصاهرته له (ص) المستلزمة لموافقته له (ص) في الجنة ولكونه معه فيها وشرف العلم والحلم والإمارة ثم الخلافة، وواحدة من هذه تتأكد المحبة لأجلها فكيف إذا اجتمعت، وهذا كاف لمن في قلبه أدني إصغاء للحق وإذعان للصدق.. وهذا الدفاع المستميت من ابن حجر عن معاوية يشوبه الضعف والخلل والتناقض. فهو أولا قد حشد عشرات الروايات التي تمدح معاوية وتزكية علي لسان الرسول (ص) وهي [ صفحه 111] جميعها روايات ضعيفة وموضوعة واجماع أئمته من أهل الفقه والرواية علي أنه لم تصح في معاوية منقبة وهذا ما شهد به البخاري وشارحه ابن حجر العسقلاني وإسحاق بن راهويه أستاذ البخاري.. [206] . وقد تدارك ابن حجر الأمر وسد الباب أمام الشاكين في هذه الروايات بقوله: فإن قلت هذا الحديث المذكور سنده ضعيف فكيف يحتج به؟ قلت: الذي أطبق عليه أئمتنا الفقهاء والأصوليون والحفاظ أن الحديث الضعيف حجة في المناقب.. هكذا حسم ابن حجر المسألة بكل بساطة مع ما تحمل من استخفاف بالعقل وبالدين في آن واحد ومن الطبيعي أن يكون هذا توجه من جعل نفسه في خدمة الحكام وسخر النصوص لدعمهم وإضفاء المشروعية عليهم.. وتأمل ثناء ابن حجر علي همايون الهندي الذي كتب كتابه في معاوية بتوجيه منه وذلك لقمع الذين ينتقصون معاوية في بلاده، أي أن ابن حجر سلم مدفعا لحاكم الهند ليسلطه علي شعبه، وهو قد صنع هذا المدفع تقربا إلي الله ونصره لحاكم موال لأهل السنة خصما لأهل البدعة فمقياس الحاكم الصالح في نظر الفقهاء أن يكون ملتزما بمذهبهم، ومقياس الفقيه الصالح في نظر الحكام أن يكون مواليا لهم رهن إشارتهم باطشا بخصومهم مكفرا لهم.. ويسلط ابن حجر مدافعه علي خصوم معاوية بقوله: أولئك كالانعام بل هم أضل سبيلا فلا يتأهلون لخطاب ولا يوجه إليهم جواب لأنهم معاندون وعن الحق ناكثون بل أشبهوا كفار قريش في العناد والبهتان حتي لم تنفع فيهم معجزة ولا قرآن، وأنما النافع لهم القتل والجلاء عن الأوطان كيف وهم لا يرجعون لدليل وشفاء العليل منهم كالمستحيل.. وهذا الكلام شديد التطرف من قبل ابن حجر تجاه خصوم معاوية هو بمثابة فتوي أو بمعني أصح مدفع مسلط علي المسلمين يناوله الفقهاء للحكام ليقمعوا به المعارضة التي يتزعمها المبتدعة والزنادقة.. ويستمر ابن حجر في إطلاق مدافعه علي المخالفين بقوله: أحذر أيها الموفق أن تسترسل [ صفحه 112] مع مبتدع في جدل أو خصام، فإنك لو أقمت عليه الحجج القطعية والأدلة البرهانية والآيات القرآنية لم يصغ إليك واستمر علي بهتانه وعناده لأن قلبه أشرب حب الزيغ عن سنن أهل السنة وخلفاء التوفيق والمنة اقتداء بكفار قريش الذين لم ينفع فيهم حجة ولا قرآن بل عاندوا إلي أن أفناهم العناد والسنان فكذا هؤلاء المبتدعة الكلام معهم علي.. وهكذا يطلق ابن حجر آخر مدافعه مدمرا جميع الوسائل السلمية من حوار ونقاش ومناظرة وعقل وتبادل رأي ومدمرا معها المخالفين من الزنادقة والمبتدعة فهم ككفار قريش لا يصلح معهم إلا السنان. وابن حجر يريد بهذا أن يعفي المسلمون مؤنة النقاش والحوار واستخدام العقل مع الخصوم والمخالفين بقتلهم وإفنائهم أو تشريدهم في الأرض فهذا هو الحل الشرعي الذي أوجبته الروايات وفتاوي السلف أو بمعني أكثر وضوحا هو الحل الذي يحوز علي رضا الحكام حماة أهل السنة شعب الله المختار الذين خلقهم الله ليكونوا سادة الأرض ومالكيها وحكامها بينما كتب الدمار والهلاك علي مخالفيهم في الدنيا والآخرة.. [ صفحه 113]

مدافع محمد بن عبدالوهاب

أنصاره يشبهونه بالرسول.. [ صفحه 115] لا ننكر أن فترة القرن الثامن عشر كانت تحتاج إلي صحوة إسلامية وتجديد فعلي للفكر الإسلامي، إلا أن ما فعله محمد بن عبد الوهاب وما دعا إليه لم يكن صحوة ولم يكن إصلاحا لحال المسلمين.. تعالوا بنا إذن نعرف الحكاية من أولها.. - قرن الشيطان.. ينتمي محمد بن عبد الوهاب إلي منطقة نجد وهي نفس منطقة آل سعود وقد ولد عام (1115 هـ - 1703 م) في بلدة العيينة شمال الرياض.. وكاد حاد المزاج يعشق ابن تيمية ويتقمص شخصيته.. درس علي يد والده الفقه الحنبلي والتفسير والحديث.. وتروي كتب الأحاديث أن رسول الله (ص) ذم نجد وأهلها وحذر المسلمين من شرهم.. الراوية الأولي تقول: ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان وأشار إلي نجد.. والراوية الثانية تقول: الفتنة من قبل المشرق. حيث يطلع قرن الشيطان.. والرواية الثالثة قول الرسول (ص): اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا.. قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله (ص): فكرروا ثلاثا ورسول الله يدعو للشام واليمن ثم قال: تلك مواضع الزلازل والفتن.. [207] . إلا أن فقهاء الوهابية لم يتركوا هذه الروايات تمر مر الكرام خوفا من أن يستثمرها خصومه، فعلموا علي تأويلها وصرفها عن معناها مؤكدين أن المقصود بمواضع الزلازل والفتن هي العراق.. وكان محمد بن عبد الوهاب قد تنقل في البلاد طلبا للعلم وقد طاب له المقام بالبصرة إلا أن أهلها أخرجوه منها وطردوه حافيا بسبب دخوله في صدام مع التيار الصوفي وإنكاره عليهم زياراتهم لمقابر الأولياء والتوسل بهم فتوجه بعدها إلي الشام ولم يوفق فيها وعاد إلي نجد حيث لازم أباه وعكف علي كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.. ثم بدأ بعد ذلك في الاحتكاك بالناس ودعوتهم إلي أفكاره فكان أن اصطدم به والده وشقيقه سليمان وحارباه، ولم يتسطيع الجهر بدعوته إلا بعد وفاة أبيه، إلا أنه أجبر علي [ صفحه 116] الفرار من (حريملا) بعد أن نجا من محاولة لقتله واتجه نحو (العيينة) مسقط رأسه واحتمي بحاكمها ودعاه إلي مذهب فمال إليه ثم تراجع عن نصرته بعد أن أحسن بغضب حاكم الأحساء الذي أرسل يطلب رأس ابن عبد الوهاب، فأمر بإخراجه من حريملا وأرسل معه فارس وكله بقتله في الطريق.. [208] . وتروي الكتب الوهابية أن هذا الفارس ارتعدت يداه ولم يتمكن من قتله.. ونزل ابن عبد الوهاب (الدرعية) وهناك تعرف عليه أميرها محمد بن سعود.. [209] . - الدم.. الدم. والذهب.. الذهب. وكان أن مال ابن سعود لدعوة ابن عبد الوهاب.. ويروي أن ابن سعود دخل علي ابن عبد الوهاب قائلا: أبشر بالخير والعز والمنعة.. وكان رد ابن عبد الوهاب ما يلي: وأنت أبشر باليمن والغلبة علي جميع بلاد نجد.. ورجاه أن يكون إماما يجتمع عليه المسلمون ويكون له الملك والسيادة ومن بعده في ذريته.. قال ابن سعود: أبشر بالنصر لما أمرت به والجهاد لمن خالف التوحيد ولكني أشترط عليك شرطين: الأول: إذا نحن قمنا بنصرتك والجهاد في سبيل الله وفتح الله لنا ولك البلاد لا ترحل عنا ولا تستبد لنا بغيرنا.. الثاني: أن لي علي أهل الدرعية خراجا آخذه منهم في وقت اقتطاف الثمار فلا تمنعني من استيفائه منهم.. فقال ابن عبد الوهاب: أما الأولي فأمدد يدك لأبايعك فمدها له وقبض عليها الشيخ قائلا: الدم بالدم والهدم بالهدم.. وأما الثانية فلعل الله يفتح لنا الفتوحات فيعوضك من الغنائم ما هو خير منها.. وتم الاتفاق وبدأ ابن عبد الوهاب يخطط لدعوته.. [ صفحه 117] وابن سعود يخطط لملكه.. وهكذا تم تقسيم السلطات وتوزيع الاختصاصات.. وهكذا أعمل السيف في رقاب المسلمين في جزيرة العرب المناهضين لدعوة التوحيد التي يرفع رايتها محمد بن عبد الوهاب.. وأحلت لابن سعود الغنائم بفتوي ابن عبد الوهاب.. وسار كلاهما في طريق جانبه ذهب وجانبه الآخر دماء.. وربح ابن سعود الملك والذهب.. وربح ابن عبد الوهاب منصب شيخ الإسلام في جزيرة العرب.. وكان هذا الاتفاق بمثابة تأكيد لشرعية فصل الدين عن الدولة.. - عقيدة ابن عبد الوهاب.. هل جاء محمد بن عبد الوهاب بشئ جديد؟ والإجابة أن عقيدة ابن عبد الوهاب هي عقيدة الحنابلة وابن تيمية علي وجه الخصوص تلك العقيدة التي تقوم علي ما يلي: - الروايات.. - السلف الحنابلة.. - تكفير المخالفين واستحلالهم.. وعلي أساس الروايات وأقوال الحنابلة بني ابن عبد الوهاب عقيدته التي أسماها (التوحيد). وما دامت عقيدته هي عقيدة التوحيد فإن من يخالفه أو يناهضة فهو من المشركين المستباحين.. من هنا فإن محمد بن عبد الوهاب نهض بسيف ابن سعود للقضاء علي الشرك والضلال السائد في جزيرة العرب والذي تحرسه دولة الخلافة في الاستانة.. نهض ابن عبد الوهاب ليدعوا إلي توحيد العبودية لله حيث أن الناس في زمانه قد أشركوا في عبادة الله الأنبياء والأولياء والأشجار ونذروا لها وحلفوا بها وقدسوها.. [ صفحه 118] ويدعو إلي رفض التوسل بالأموات من الأنبياء والصالحين.. ويدعو إلي منع شد الرحال إلي مساجد الأنبياء والصالحين (الزيارة) ويدعو إلي منع البناء علي القبور وكسوتها وإنارتها.. ويدعو إلي توحيد الأسماء والصفات أي وصف الله بما ورد في الروايات من أن له يد وعين ورجل ويضحك ويغار ويفرح ويهبط ويصعد وما شابه ذلك ورفض تأويل هذه الروايات وصرفها عن معناها الظاهري إلي معني مجازي.. وجاء ابن عبد الوهاب ليدعو إلي إنكار البدع كالاحتفال بالموالد والصلاة علي الرسول بعد الآذان والتلفظ بالنية وممارسات الصوفية.. ويبدو من خلال هذه الأمور التي دعا إليها ابن عبد الوهاب أنه يأت بجديد، وأن مثل هذه الأفكار طرحها من قبل ابن تيمية وتم ضربها وانتهت بموته في الحبس.. إلا أن الفارق بين ابن تيمية وابن عبد الوهاب، أن ابن تيمية لم يجد له نصيرا يدعمه بسيفه، بينما تحقق لابن عبد الوهاب ذلك.. من هنا يمكن القول أن عقيدة ابن عبد الوهاب فرضت علي الناس بالسيف لا بالدعوة والحوار.. ولو كانت دعوته تعتمد علي الحوار والتبليغ لما كانت هناك حاجة لسيف ابن سعود.. - دولة الحنابلة.. دخل ابن سعود ومعه ابن عبد الوهاب في حروب دينية دموية مع المعارضين لهما في جزيرة العراب.. واستمرت هذه الحروب سنوات طويلة تمكن ابن سعود وأولاده من بعده من السيطرة علي قطاعات كثيرة من الجزيرة العربية وجعلوا من الدرعية عاصمة لهم.. وتم فتح الرياض عام (1187 هـ) علي يد عبد العزيز بن محمد بن سعود وأتسع ملك آل سعود وفوض ابن عبد الوهاب أمر الغنائم والأموال لعبد العزيز بينما تفرغ هو لإلقاء الدروس وتصنيف الردود علي المخالفين.. وفي عام (1179 هـ) توفي محمد بن سعود وبويع عبد العزيز إماما ودخل في صراع [ صفحه 119] دموي مع خصومه، وقام سعود ولده في عام (1215 هـ) بغزو العراق والاستيلاء علي مدينة كربلاء التي فيها مرقد الإمام الحسين، فقام بهدم المرقد وقبته واستولي علي ما في المسجد من الحلي والنفائس ثم أشعل النار في المدينة وقتل المئات من النساء والأطفال وقدر عدد القتلي من أهل المدينة بألفي قتيل، وهناك في الطريق تم تقسيم الغنائم علي الفاتحين ثم عاد الجميع إلي الدرعية وهم يهتفون الله أكبر.. [210] . وفي عام (1218 هـ) تم اغتيال عبد العزيز علي يد أحد العراقيين وبويع بعده بالإمامة سعود ولده. وهكذا قامت للحنابلة أول دولة في تاريخ المسلمين وتحقق حلم ابن تيمية علي يد ابن عبد الوهاب.. إلا أن هذا الصرح الحنبلي لم يدم طويلا فقد جاء محمد علي بقواته فهدمه ودخل عاصمتهم الدرعية وتشتت الوهابيون في أنحاء الجزيرة وذلك بعد مرور سبعين عاما علي توقيع الاتفاق بين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود.. [211] . - مصر موطن الشرك.. ومنذ ذلك الحين اعتبر والوهابيون مصر الشيطان الأكبر ومحمد علي طاغوتا جاء بقواته ليهدم صرح التوحيد ويقتل الموحدين.. منذ ذلك الحين تولدت لدي الوهابيين عقدة تجاه مصر والمصريين، فأصبحوا يكرهون كل ما هو مصري، حتي أنهم كانوا يهاجمون المحمل المصري ويحرقونه، ذلك المحمل الذي كان يأتيهم كل عام بالخيرات وبكسوة الكعبة.. وحين قام عبد العزيز آل سعود ببناء الدولة الوهابية الثانية بعد الحرب العالمية الأولي بالتحالف مع الانجليز وانضمت إليه جماعات (الإخوان) المتعصبة للوهابية وأصبحت سنده في الحكم، قرر عبد العزيز أن يعلنها مملكة منفتحة علي الغرب والعصر وهنا أحس الوهابيون أن دورهم آخذ في التلاشي وأن السياسة سوف تقضي عليهم فدخلوا في صدام مع عبد العزيز وأخذوا يحرضون القبائل عليه ويثيرون الشبهات من حوله.. [ صفحه 120] وفي مقدمة هذه الشبهات: استخدامه التلفون واللاسلكي وهو من عمل الشيطان وركوبه سياره من صنع المشركين.. وتقريبه لعناصر المشركين من المستشارين الانجليز.. وإرساله ولده سعود ليدرس في بلاد الشرك (مصر).. وقد اعتبرت مصر بلاد الشرك في منظور الوهابيين لكثرة قبور الأولياء والصالحين فيها فهي بلدة مليئة بالأصنام التي تعبد من دون الله.. ودخل عبد العزيز في صدام دموي مع الأخوان وتمكن من سحقهم ببركة الانجليز وأعلن ميلاد الدولة السعودية الثانية عام 1932 م. والحق أنه يجب تسميتها بالدولة الأولي فقد كان أجداد عبد العزيز يعتبرون أنفسهم أئمة وليسوا ملوكا، كما لم يجرؤوا علي تسمية الجزيرة العربية باسمهم.. ومن قيام دولة عبد العزيز آل سعود وحتي اليوم بدأ دور آل الشيخ من أبناء محمد عبد الوهاب الذين كانوا يتولون المناصب الدينية في التلاشي بالتدريج حتي اختفوا من الساحة وكانت آخر مواقعهم هيئة كبار العلماء التي تسلمها من بعدهم عبد العزيز بن باز وتلاميذه.. - الرسول ومحمد بن عبد الوهاب.. فتن الوهابيون بشيخهم كما فتن أنصار وتلامذة ابن تيمية بإمامهم من قبل. و رفعوه عاليا فوق مقام الأئمة والمصلحين حتي ساووه بالرسول (ص).. وإليكم التفاصيل: يحدد أحد تلامذة الوهابية وجه المشابهة بين عصر الرسول (ص) وعصر محمد بن عبد الوهاب بقوله: - (عصر الرسول كان عصرا قد بلغ من فساد العقائد والعادات والأخلاق مبلغا عظيما وكان عصر ابن عبد الوهاب شببها بهذا العصر.. - بعث الرسول (ص) بعد فترة من الرسل والبشرية متعطشة إلي بعثته الكريمة. وجاء محمد بن عبد الوهاب في وقت كانت جزيرة العرب في أمس الحاجة إلي مصلح يرجع بها إلي تعاليم الرسول. [ صفحه 121] - كما وفق نبينا في الدعوة إلي الله وتوحيده ونبذ الشرك، وفق محمد بن عبد الوهاب في دعوته. - أخرج الرسول من مكة وأوذي من قريش وأجمعوا علي قتله فهاجر، وكذلك ابن عبد الوهاب أوذي وحاول البعض قتلة فهاجر إلي الدرعية.. - كما جري للرسول وهو في طريقه نحو المدينة أن تبعه سراقة وحاول قتله كذلك جري ذلك لابن عبد الوهاب حين أخرج من العيينة.. - وكان ابن عبد الوهاب يعرض نفسه علي القبائل كما كان يفعل رسول الله.. - ومثلما اعترض الرسول الخطر والكوارث والهلاك اعترضت حياة ابن عبد الوهاب الويلات والكوارث.. - وكما كان الرسول يغزو بنفسه كان ابن عبد الوهاب يغزو بنفسه مع ابن سعود.. وكما كان الرسول يرسل الرسل إلي الملوك والحكام يدعوهم إلي دين التوحيد كان ابن عبد الوهاب يفعل نفس الشئ.. - وكما ابتلي الرسول بأعداء أقوياء يتهمونه بالسحر والكذب، ابتلي ابن عبد الوهاب أيضا بأعداء أقوياء اتهموه بالكذب والسحر حتي أخوه سليمان كان عدوا لدودا له. - وكما انتصر الرسول علي أعدائه وخضعوا له، كذلك ابن عبد الوهاب انتصر علي أعدائه وخضعوا له.. [212] . ويعتبر الوهابيون أن الاتفاق الذي وقع بين ابن عبد الوهاب ومحمد بن سعود هو نفس الاتفاق الذي تم بين الرسول والأنصار في بيعة العقبة الثانية حتي أن ابن عبد الوهاب قال نفس ما قاله الرسول: الدم بالدم والهدم بالهدم.. [213] . وكما آخي الرسول بين المهاجرين والأنصار آخي محمد بن عبد الوهاب بين المهاجرين إليه من مريديه وأهل الدرعية التي اتخذها مقرا لدعوته.. [ صفحه 122] - مؤلفات محمد بن عبد الوهاب. تدور مؤلفات ابن عبد الوهاب في أغلبها حول قضايا الشرك والبدع التي قام لمناهضتها باعتبارها متناقضة مع التوحيد حسب منظوره.. ومن هذه المؤلفات: كتاب التوحيد الذي هو حق الله علي العبيد.. وكتاب مسائل الجاهلية.. وكتاب أصول الإيمان.. وكتاب الكبائر.. وكتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد.. وكتاب كشف الشبهات، وهو الكتاب الذي فرضه آل سعود علي أهل مكة حين سقطت في أيديهم وأجبروا الناس علي قراءته وتدريسه بالحرم المكي.. ولأبناء محمد بن عبد الوهاب الكثير من الكتب التي تدور في نفس الدائرة منها: كتاب الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة.. (عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب) وخمس رسائل في التوحيد وأنواع الشرك وطروءه علي المسلمين.. (عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب) وثلاثة رسائل في حكم السفر إلي بلاد الشرك، وأوثق عري الإيمان وحكم موالاة أهل الاشراك (سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب) وفي رسالة حكم موالاة أهل الاشراك فتوي تنص علي أن الذين يخطئون أهل التوحيد ويتبعون المشركين من (أهل القباب) ويشهدون أنهم علي حق وينصرونهم هم كفار من أشد الناس عدواة لله ورسوله (ص).. وعلي أساس هذه الفتوي يصبح جميع المسلمون الذين لا يدينون بالوهابية ولا يتبعون مذهب محمد بن عبد الوهاب هم كفار حلال الدم والمال.. وهو ما طبق بالفعل في جزيرة العرب بسيوف البدو الأجلاف جنود ابن عبد الوهاب، فقد تم ذبح الفقهاء والأشراف والعامة وكل الخصوم وإحراق كتبهم علي الملأ.. [214] . إن مؤلفات محمد بن عبد الوهاب وأولاده هي مداف مصوبة نحو المسلمين، وقد انتشرت اليوم بين أيدي الشباب بعد أن أغرقت بها أسواق الكتب وترجمت إلي جميع اللغات الحية علي أيدي تلامذة الوهابية بقيادة ابن باز شيخ الوهابية المعاصر.. [ صفحه 123]

مدافع ابن باز

فقيه الجماعات و ممثل السلف.. [ صفحه 125] تسلم ابن باز مدافع ابن تيمية من إمامه محمد بن عبد الوهاب ومكمن الخطورة في مدافع ابن باز أنها تضرب في جميع الاتجاهات متخذة الحرم المكي مقرا لها.. والأخطر من ذلك أنها لاقت قبولا لدي الجماعات الإسلامية فحملتها نيابة عنه.. وهكذا يمكن تحديد مسيرة هذه المدافع كما يلي: من ابن تيمية إلي محمد بن عبد الوهاب.. ومن محمد بن عبد الوهاب إلي ابن باز.. ومن ابن باز إلي الجماعات الإسلامية.. - من هو ابن باز؟ يقول ابن باز نفسه: أنا عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز، ولدت بمدينة الرياض في ذي الحجة عام (1330 هـ - 1909 م) وكنت بصيرا في أول الدراسة ثم أصابني المرض في عيني عام (1346 هـ) فضعف بصري بسبب ذلك، ثم ذهب بالكلية في مستهل محرم من عام 1350 هـ.. [215] . وقد بدأ ابن باز الدراسة صغيرا وما أن بلغ حتي تسلمه فقهاء الوهابية من أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب فتربي علي أيديهم ورضع منهم الفقه الحنبلي حتي صار علما من أعلام الوهابية المعاصرة.. وفي عام (1357 هـ 1936 م) رشح للقضاء من قبل أحد أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذين تتلمذ علي أيديهم، ثم تولي مهمة التدريس في علوم الفقه والحديث والتوحيد ثم عين نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وتولي رئاستها بعد ذلك في عام (1390 هـ). ثم بعد ذلك بخمس سنوات صدر الأمر الملكي بتعيينه في منصب الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد برتبة (وزير) ولا يزال يقبض بزمام هذا المنصب حتي اليوم بالإضافة إلي مناصب أخري كثيرة في المحيط الديني منها: عضوية هيئة كبار العلماء.. رئاسة المجلس الأعلي للمساجد.. [ صفحه 126] رئاسة المجمع الفقهي.. رئاسة المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.. عضوية الهيئة العليا للدعوة الإسلامية بالمملكة.. [216] . ويلاحظ من خلال هذا العرض الموجز لحياة ابن باز أنه رجل نشأ نشأة تقليدية، وتعلم بطريقة تقليدية، وأن تعليمه لم يخرج عن الدائرة الحنبلية الوهابية، وأنه لم يخرج عن محيط المملكة فمن ثم ليس في حياته أو نشأته ما يلفت النظر. والشئ الوحيد الملفت للنظر هو إمساكه بزمام هذه المناصب الدينية التي لا تتلاءم مع قدراته.. - مؤلفاته: وإذا ما أردنا أن نتعرف علي مدي ما يتحلي به الرجل من فقه وعلم فيجب علينا إلقاء الضوء علي مؤلفاته التي سوف ننتقي منها ما يلي: - التحذير من البدع: حكم الاحتفال بالمولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان.. - وجوب العمل بسنة رسول الله وكفر من أنكرها.. - حكم السفور والحجاب.. - نقد القومية العربية.. - الجواب المفيد في حكم التصوير.. - حكم الإسلام فيمن طعن في القرآن أو في رسول الله (ص).. - محمد عبد الوهاب: دعوته وسيرته.. - وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه.. - الأدلة الحسية علي جريان الشمس وسكون الأرض.. - ما هكذا تعظم الآثار.. - خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله.. [ صفحه 127] - وجوب لزوم السنة والحذر من البدعة.. - وجوب عدواة اليهود والمشركين وغيرهم من الكفار.. - إقامة البراهين علي حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين.. - نواقض الإسلام.. - العقيدة الصحيحة وما يضادها.. وجميع هذه المؤلفات هي عبارة عن فتاوي ومحاضرات جمعها التلاميذ والأتباع وقاموا بنشرها وتوزيعها مجانا علي المسلمين في كل مكان.. وجميعها تكلفت بنشره وتوزيعه الجامعة الإسلامية في المدينة وإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد التي يهيمن عليها ابن باز تحت شعار يهدي ولا يباع.. ويبدو من ظاهرها أنها تركز علي قضايا ومفاهيم قشرية وهامشية لا تسهم إلا في خلق الخلاف وتأخر المسلمين.. ويبدو منها أيضا أنها تحمل نزعة عدائية لكل من خرج عن دائرة الخط الوهابي الحنبلي.. - فتاوي ابن باز.. تكتظ الساحة الإسلامية اليوم بفتاوي ابن باز، بعضها مكتوب ومنشور، وبعضها يأتي عن طريق التلفون، وبعضها يأتي عن طريق المراسلة.. وإليكم نماذج من هذه الفتاوي: - فتوي بالحكم بالشرك علي من استغاث بالنبي (ص) أو الأولياء.. - فتوي بكفر من حلف بغير الله.. - فتوي بكفر الذين يأتون العرافين والمنجمين والسحرة وما شابههم.. - فتوي بكفر الذين يتعاملون مع أبراج الحظ والطالع.. - فتوي بوجوب إزالة الكنائس من دول الخليج العربي وغيرها من بلاد المسلمين.. - فتوي بتحريم دراسة القوانين الوضعية أو تدريسها.. فتوي بحرمة حلق اللحية.. [ صفحه 128] - فتوي بحرمة الإحتفالات الدينية كالموالد والمناسبات الأخري.. - فتوي بوجوب التحاكم لشرع الله ونبذ ما خالفه.. - حرمة الأسورة النحاسية التي يعالج بها مرض الروماتيزم.. - كفر من أنكر سنة الرسول (ص).. - حرمة الاختلاط بأهل الكتاب أو التشبه بهم.. - كفر من دعا أو طالب بتحكيم المبادئ الاشتراكية والشيوعية.. - حرمة عمل المرأة.. - حرمة قيادة المرأة السيارة.. - حرمة تعظيم الآثار.. (تدمير بيت الرسول والسيدة خديجة بمكة وسد غار حراء) - حرمة الأغاني والموسيقي.. - حرمة الإحداد علي الملوك والزعماء.. - حرمة التمثيل.. - حرمة الصور والمجلات المصورة.. - حرمة ارتداء المرأة للساعة في فترة العدة للمتوفي عنها زوجها.. - حرمة بناء المساجد علي القبور أو زيارتها والصلاة فيها.. - عدم جواز الصلاة وراء المدخن أو مرتدي الملابس العصرية.. - فتوي بجواز الصلح مع إسرائيل.. - فتوي بجواز الاستعانة بالمشركين (الأمريكان).. - فتوي بثبوت الأرض وعدم دورانها وبطلان الادعاء بصعود القمر والكواكب.. - فتوي بحرمة ذهاب المرأة إلي الكوافير.. [217] . ويبدو من هذه الفتاوي أن الكثير منها صورة طبق الأصل من فتاوي ابن تيمية ومحمد عبد الوهاب. ويبدو أيضا أنها فتاوي موجهة إلي المسلمين لردعهم عماهم فيه من غي وضلال وخروج [ صفحه 129] عن نهج التوحيد الذي يرفع رايته ابن باز.. - عقيدة ابن باز.. تعالوا بنا إذن نتعرف علي عقيدة ابن باز التي بررت له ولا تباعه تصويب هذه المدافع علي المسلمين وتهديد أمنهم ووحدتهم.. إن عقيدة ابن باز هي عقيدة ابن تيمية ومحمد عبد الوهاب ولا يوجد فارق بينهما سوي أن عقيدة ابن باز ضمت في دائرتها البدع والمنكرات وصور الشرك العصرية التي لم يعايشها ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وهي بدع ومنكرات وشرك من منظور الحنابلة الوهابيين بالطبع.. يؤكد ابن باز أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقص التي تحل دمه وماله ويكون بها خارجا عن الإسلام، ومن أخطر هذه النواقص وأكثرها وقوعا نواقص عشرة ذكرها شيخه محمد بن عبد الوهاب وقام هو بشرحها وتبسيطها ليحذر منها المسلمين رجاء السلامة والعافية.. وأول هذه النواقص الشرك في عبادة الله ومن ذلك دعاء الأموات والاستغاثة بهم والنذر والذبح لهم.. وثانيها من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم فقد كفر إجماعا.. وثالثها من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر.. ورابعها من اعتقد أن هدي غير النبي (ص) أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون حكم الطواغيت علي حكمة فهو كافر.. وخامسها من أبغض شيئا مما جاء به الرسول ولو عمل به فقد كفر.. وسادسها من استهزأ بشئ من دين الرسول أو ثوابه أو عقابه كفر.. وسابعها السحر فمن فعله أو رضي به كفر.. وثامنها مظاهرة المشركين ومعاونتهم علي المسلمين.. وتاسعها من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد (ص) فهو كافر.. [ صفحه 130] وعاشرها الأعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به.. [218] . ويعلق ابن باز علي هذه النواقص بقوله: ولا فرق في جميع هذه النواقص بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره.. [219] . ومن خلال هذا العرض الموجز لعقيدة ابن باز يتبين لنا أن مدافع ابن باز جميعها مدافع تكفير تصيب المسلمين في عقائدهم وتخرج بهم عن ملة الإسلام. ويؤكد ابن باز من خلال عقيدته كفر وضلال الذين يرفضون الروايات التي تؤدي إلي التجسيم والتشبيه فيما يتعلق بصفات الله تعالي والتي تشير أن الله سبحانه له يد ورجل وعين ويهبط ويصعد ومقره السماء فوق العرش ويغار ويضحك ويمكن رؤيته وغير ذلك تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا.. يقول ابن باز وأما المنحرفون عن هذه العقيدة والسائرون علي ضدها فهم أصناف كثيرة فمنهم عباد الأصنام والأوثان والملائكة والأولياء والجن والأشجار والأحجار.. ومن العقائد الكفرية ما يعتقده الملاحدة في هذا العصر من أتباع ماركس ولينين وغيرهما من دعاة الإلحاد والكفر سواء سموا ذلك اشتراكية أو شيوعية أو بعثية أو غير ذلك من الأسماء.. ومن العقائد المضادة للحق ما يعتقده المتصوفة في الأولياء وهذا من أقبح الشرك وهو شر من شرك الجاهلية.. [220] . ولا يزال ابن باز يطلق مدافعه علي الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ومن سلك سبيلهم وتصدي للروايات التي تتعلق بصفات الله سبحانه وحاول أن يعطي للعقل دورا في مواجهتها.. [221] . وهكذا يؤكد لنا ابن باز أنه يعيش بعقل الماضي عقل قدامي الحنابلة حيث لا زال يتصور أن الناس تعكف علي القبور والأضرحة كما كان مشركو العرب يعكفون حول الأصنام. ولا زال يتصور أن خصوم الحنابلة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة لا زالوا يهددونهم.. وهو يستخدم في مواجهة جميع هؤلاء وغيرهم من التيارات الحديثة مصطلح أهل البدع.. وينصح ابن باز المسلمين علي الدوام بضرورة معرفة التوحيد الصحيح من خلال كتب ابن تيمية وابن عبد الوهاب ومن سار في ركابهما فهؤلاء هم أهل الحق والفرقة الناجية من تخلف [ صفحه 131] عنهم ضل وهوي وكان من أهل النار.. - بركات النفط.. ولكن كيف أصبح لابن باز هذا الشيوع والانتشار بين المسلمين في بقاع الأرض..؟ والجواب ببساطة إنه النفط.. النفط هو الذي أتاح لابن باز أن يفتح الأبواب المغلقة ويستقطب الرموز الإسلامية ويمول حركة النشر ويغرق سوق الكتاب بآلاف المطبوعات المجانية التي تمجد ابن باز والوهابية وخادم الحرمين.. عن طريق دعم دور النشر السلفية وما أكثرها في مصر وغيرها.. وعن طريق استقطاب الرموز الإسلامية وتياراتها.. وعن طريق توزيع الهبات والعطايا علي المؤسسات والمراكز الإسلامية في العالم.. أصبحت الوهابية هي الإسلام.. وأصبح ابن باز هو شيخ الإسلام وكبير الفقهاء في هذا الزمان.. ابن باز أصبح كبير الفقهاء عندما تحول أهل الفقه وأرباب العلم إلي طلاب دنيا.. ولو كان هناك سبب آخر مكن لابن باز ورفع من مقامه غير هذا لجزعنا وأنبنا وتبنا إلي الله توبة نصوح.. وببركات النفط تمكن ابن باز من تجنيد الرموز والتيارات والجماعات الإسلامية للوقوف صفا واحدا بجوار إخوانهم المجاهدين الموحدين في أفغانستان.. وببركات النفط تمكن من تجنيدهم أيضا للوقوف صفا واحدا ضد إيران أثناء حربها مع العراق.. وببركات النفط أيضا تمكن من تجنيدهم للوقوف صفا واحدا ضد صدام بعد غزوة الكويت.. وهو الآن يسعي جاهدا ليختم حياته الحافلة بالفتاوي والمواقف الرجعية بجمع كلمة [ صفحه 132] المسلمين للوقوف صفا واحدا مع أمريكا وإسرائيل.. [222] . - جماعات ابن باز فقاعات النفط.. واليوم لا يقف في مواجهة أصحاب العقل والرأي والفكر ابن باز ونفطه وحده إنما يقف في مواجهتهم أيضا الحنابلة الجدد أو ما يمكن تسميته بفقاعات النفط من حداث الأسنان وسفهاء الأحلام الذين لا يجاوز القرآن حناجرهم يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية كما بشر بهم الرسول (ص)، فلم أجد فئة في تاريخ المسلمين تنطبق عليها مثل هذه الرواية سوي الخوارج وتيار الحنابلة الذي فرخ لنا ابن باز وجماعاته.. [223] . هذه الجماعات التي أدارت ظهرها للواقع ورفضت التعايش معه ورفعت في مواجهته لواء التكفير والاستحلال هي من نتاج مدرسة ابن باز والفقه النفطي الوهابي.. تأملوا هذا الكم الهائل من الكتب التي تسهم في تخلف العقل المسلم وزرع الشقاق والخلاف بين المسلمين.. وإشاعة الأمراض النفسية.. وتقوية شوكه التطرف.. وتهديد الاستقرار الوطني.. فسوف تجدونها جميعها من نتاج ابن باز وتلامذته مثل صالح بن عثيمين وصالح بن فوزان وأبو بكر الجزائري وغيرهم.. وسوف تجدون عشرات دور النشر التي تعمل في النور وليس لها من هم سوي نشر هذه الكتب وتسويقها.. [ صفحه 133]

مدافع ابن عثيمين

خليفة ابن باز.. [ صفحه 135] يعد صالح بن عثيمين من كبار تلامذة ابن باز السائرين علي نهجه المستبسلين في الدفاع عن الوهابية المتربصين بخصوصها وبأصحاب الرأي والاتجاهات المخالفة من المعاصرين الذين يتبنون رؤية نقدية للروايات ولنهج السلف الذين يتبنون أطروحات سياسية أو حزبية أو الذين يدينون بعقائد وتصورات مخالفة مثل الشيعة والصوفية أو الجماعات التي تدين بالاشتراكية أو القومية أو العلمانية وأصحاب المذاهب الإسلامية الأخري التي لا تلتزم بمذهب ابن حنبل وذلك بالإضافة إلي أهل الذمة بالطبع من المسيحيين الذين يجب أن يعيشوا كمواطنين من الدرجة الثانية ويعطوا الجزية وهم صاغرون.. [224] . وجميع هؤلاء في سلة واحدة في نظر ابن عثيمين وفقهاء الوهابية المعاصرين والواجب الشرعي يحتم عليهم تسليط مدافعهم عليهم وقصفهم بأشد أنواع القذائف حتي يتم إبادتهم أو استسلامهم وتخليهم عن بدعهم وضلالاتهم.. - مدفع متعددة: وابن عثيمين حالة كحال أستاذه ابن باز يحمل الكثير من المدافع الموجهة علي المسلمين في كل مكان. أما سبب كثرة هذه المدافع بين يديه ويدي أستاذه فيعود إلي بركة النفط ودعم آل سعود.. أما مدافع ابن عثيمين فهي أكثر من أن تحصي ويمكن تحديد أشهرها فيما يلي: مدفع موجه نحو المدخنين.. مدفع موجه نحو الصحف والمجلات.. مدفع موجه نحو المرأة.. مدفع موجه نحو البنوك.. مدفع موجه نحو شتي صور الفنون.. مدفع موجه نحو الصور والمصورين.. مدفع موجه نحو غير الملتحين.. [ صفحه 136] مدفع موجه نحو الملابس والأزياء.. مدفع موجه نحو الشيعة.. مدفع موجه نحو الصوفية.. مدفع موجه نحو العلمانية.. مدفع موجه نحو الأحزاب.. مدفع موجه نحو القومية.. فابن عثيمين يري حرمة التدخين وعدم جواز الصلاة وراء المدخن. كما حرمة حلق اللحية وعدم جواز الصلاة خلف الحليق ومرتدي الملابس الإفرنجية لأنها من أزياء المشركين الذين لا يجوز التشبه بهم. ولا يجيز ابن عثيمين قراءة الصحف والمجلات لأنها تحتوي علي صورة وموضوعات مخالفة للإسلام الحنبلي، ولا يجيز إدخالها البيوت واطلاع النساء عليها لأن هذه الصحف والمجلات فتنة.. ولا يجيز عمل المرأة أو خروجها من بيتها بدون محرم أو كشفها لوجهها أو يديها.. ولا يجيز التعامل مع البنوك أو تأجير المحلات لها.. ولا يجيز التمثيل والرسم والتصوير.. ولا يجيز التمثيل القبور والأضرحة وإقامة الإحتفالات والموالد والنذور يعد كل ذلك من الشرك والضلال الذي يجب مقاومته وقمع أصحابه.. وكما هو واضح أنه ليس من بين هذه المدافع ما هو مسلط علي اليهود أو الأمريكان أو حتي آل سعود لأن مدافع فقهاء الوهابية إنما صنعت لإبادة المسلمين فقط.. - لمعة الاعتقاد: ولم يكتفي ابن عثيمين بهذه المدافع الخاصة بأهل العصر بل اتجه - كما هو شأن الوهابية اليوم - إلي المدافع القديمة والعمل علي بعثها من جديد وتسليطها علي المسلمين.. وكان أن اختار لمعة الاعتقاد لابن قدامة الحنبلي (541: 62 هـ) وقام بشرحها وزيادة قذائفها. [ صفحه 137] ولمعة الاعتقاد تحتوي علي نصوص من العقائد الحنبلية فيما يتعلق بصفات الله تعالي الموقف من الحكام وحكم أهل الأهواء والبدع.. وهي نصوص تقوم في أساسها علي الروايات المنسوبة للرسول (ص) وأقوال الحنابلة فهي تؤكد لله سبحانه صفة الوجه واليدين النزول والضحك والغضب والحب والمجئ وغير هذه الصفات التي تؤكدها الروايات في صراحة ووضوح.. وهي تؤكد طاعة الحكام ووجوب الحج والجهاد معهم والصلاة من خلفهم سواء كانا أبرارا أو فجارا. وهي من جانب آخر تبيض وجه معاوية بن أبي سفيان وتعتبره من كتاب الوحي وخال المؤمنين لأنه أخو أم حبيبة السيدة رملة بنت أبي سفيان زوجة النبي (ص). وهي تنص في الختام علي وجوب هجران أهل البدع ومباينتهم وترك النظر في كتب المبتدعة والاصغاء إلي كلامهم وكل محدثة في الدين بدعة.. وقد تصدي ابن عثيمين لشرح هذه المسألة وأفاض فيه فقال: المراد بهجران أهل البدع الابتعاد عنهم وترك محبتهم ومولاتهم والسلام عليهم وزيارتهم ونحو ذلك.. ومن هجر أهل البدع ترك النظر في كتبهم خوفا من الفتنة بها أو ترويجها بين الناس فالابتعاد عن مواطن الضلال واجب.. ولأهل البدع علامات منها: - أنهم يتصفون بغير الإسلام والسنة بما يحدثونه من البدع القولية والفعلية والعقيدية.. - أنهم يتعصبون لآرائهم فلا يرجعون إلي الحق وإن تبين لهم. - أنهم يكرهون أئمة الإسلام والدين. والظاهر من هذا الكلام المتطرف أن جميع المسلمين الذين لا يدينون بنهج الحنابلة الوهابيون هم مبتدعة كفار خارجون عن الإسلام.. والواجب عليهم حتي يخرجوا من دائرة الكفر وينجوا من النار أن يتبنوا الروايات وأقوال السلف وعقيدتهم.. عليهم أن يجعلوا ابن حنبل وابن تيمية وأن قدامة وابن حجر وابن القيم وابن باز وابن عثيمين أئمتهم.. [ صفحه 138] وعليهم أن يدينون بالسمع والطاعة والولاء للحكام بداية من معاوية وولده يزيد وحتي آل سعود. وهؤلاء جميعا هم أئمة الإسلام والدين الواجب علينا حبهم في عقيدة ابن عثيمين وفقهاء الوهابية.. إن تبني الرفض لنهج الروايات والفقهاء والحكام والثبات علي ذلك يعد رفضا للدين في منظور ابن عثيمين.. ويعد من جانب آخر تعصبا للباطل وإصرارا عليه بعد أن أظهرت الروايات الحق علي يد فقهاء السلف الأبرار.. إن العيش بعقل الحاضر ونبذ عقل الماضي هو بدعة وضلال.. وإن تبني نهج القرآن والعقل هو زيغ وردة عن الإسلام.. ولا نجاة للمسلمين من مدافع الوهابيين وقذائفهم إلا باللجوء إلي حصن التوحيد في جزيرة العرب تحت حماية آل سعود.. [ صفحه 139]

مدافع المدخلي

فقاعة نفطية.. [ صفحه 141] برز هذا المدفع الحديث علي يد أحد أساتذة الجامعة الإسلامية الوهابية النهج بالمدينة وهو الدكتور ربيع بن هادي المدخلي. وقد حشا المدخلي هذا بجميع أنواع القذائف السلفية التي صنعها الفقهاء لإبادة أصحاب الرأي والاتجاهات الأخري المخالفة لأهل السنة. وهو ما يبدو واضحا من عنوان كتابه: منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف.. - قذائف المدفع / أما القذائف التي احتواها هذا المدفع الخطير فهي: - وجوب هجران أهل البدع.. - أهل البدع مرضي القلوب.. - لا يجوز ذكر محاسن أهل البدع.. - الرد علي أهل البدع والأهواء من أبواب الجهاد.. وهذه القذائف السلفية إنما تم بعثها لمواجهة أهل العصر من أصحاب الرأي والاتجاهات المخالفة وهم بالتحديد العلمانيين والاشتراكيين والمسيحيين والسياسيين والحزبيين بالإضافة إلي الشيعة والصوفية وأصحاب الاتجاه الإسلامي التجديدي الذي يتبني تصحيح التراث ونقد الروايات.. هؤلاء جميعا من أهل البدع الضالين خصوم الحق، والتوحيد حسب تعبير فقهاء الوهابية من خلال سطور هذا الكتاب الذي أتي به صاحبنا ليهدد المسلمين.. إن فقهاء الوهابية يعتبرون أنفسهم أهل السنة والتوحيد ومن دونهم فهم أهل الشرك والضلال المطلوب إبادتهم، ويعتبرون آل سعود أئمة للمسلمين وحماه للتوحيد، فمن ثم وضع [ صفحه 142] الفقهاء أنفسهم في خدمتهم، ووضع آل سعود سيوفهم في نصرتهم وذبح خصومهم.. وقد اعتمد صاحبنا في كتابه هذا علي مدافع ابن تيمية خاصة لكونه الشخصية الوحيدة من بين الفقهاء التي حملت راية الجهاد في مواجهة المخالفين وعلي أساس أفكارها المتطرفة قامت الحركة الوهابية التي لا زالت تقذف المسلمين بقذائفه.. يقول المدخلي: يا إخوتاه؟ إن كنتم حقا تحترمون المنهج السلفي وأهله فانشروا كتبهم ودرسوها، واشحنوا كتاباتكم ومحاضراتكم ومقالاتكم بأقوالهم في أهل البدع وتحذيرهم منهم ودرسوا الشباب مواقفهم من أهل البدع وحثوا الشباب علي دراستها والاحتفاء بها والإعتزاز بها، فبهذه الأساليب تحيا عقيدة ومنهج السلف.. والكتب المقصودة هنا بالطبع هي كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب فهؤلاء هم سلفة وقدوته، و هذه الكتب هي التي تم نشرها وتوزيعها مجانا علي المسلمين في كل مكان ببركات آل سعود. والتي أسهمت ولا زالت في دعم التطرف وتقوية شوكته.. - قذائف أخري: ومن القذائف التي جاء بها المدخلي ليدعم بها موقفه ويوسع من دائرة الإصابات بين المسلمين ما يلي: - أن الإسلام وأهله أتوا من طوائف: الأولي: طائفة ردت أحادث الصفات وكذبوا رواتها. فهؤلاء أشد ضررا علي الإسلام وأهله من الكفار.. الثانية: طائفة قالوا بصحتها وقبولها ثم تأولوها، فهؤلاء أعظم ضررا من الطائفة الأولي.. الثالثة: طائفة جانبت القوانين وادعت التنزيه وهي كاذبة فأداهم ذلك إلي القولين الأولين وكانوا أعظم ضررا من الطائفتين الأوليين.. وواضح من هذا الكلام أن صاحب هذه القذيفة لا يستثني أحدا من المسلمين إلا طائفته هو وهي طائفة الحنابلة بالطبع، فهي الطائفة الوحيدة التي آمنت بالروايات الخاصة بصفات الله تعالي وجعلت لله سبحانه يد ورجل وعين ومكان وغير ذلك من الصفات التي تؤدي إلي التشبيه والتجسيم والتي فرت فيها الاتجاهات الأخري وأنكرتها من باب تنزية الله سبحانه، واتجه بعضها إلي حمل هذه الروايات علي المجاز أي تأولت معناها. بينما اتجه آخرون إلي [ صفحه 143] سلوك السبيل الوسط تجاه هذه الروايات وهم من طائفة أهل من الأشاعرة وغيرهم.. وهؤلاء جميعا مارقون في نظر الحنابلة القدامي والمعاصرين من أتباع ابن عبد الوهاب وأشد خطرا علي الإسلام من الكفار.. فهل يعقل مثل هذا الكلام؟ بالطبع لا. لكن فقهاء التطرف هم الذين لا يعقلون.. - مبتدعة الإسلام أشد من الملحدين.. - أهل الأهواء والبدع لا تقبل لهم شهادة في الإسلام أبدا، ويهجرون ويؤدبون فإن تمادوا علي بدعتهم استتيبوا منها. وهذا الكلام حاله كحال السابق من أنه لا فرق بين المبتدعة وبين الكفار في نظر الفقهاء وما دام الأمر قد دخل في دائرة الاستتابة فهذا يعني أن البدعة تعد ردة عن الإسلام هل هناك تطرف أكثر من هذا؟ - فرقة النجاة - أهل السنة - مأمورون بعداوة أهل البدع والتشريد بهم، والتنكيل بمن انحاش إلي جهتهم بالقتل فما دونه.. نداءات.. وكانت آخر قذائف المدخلي هي نداء صارخ للشباب يطالبه بإلغاء العقل والإسراع نحو الماضي والتحصن بالروايات وعقيدة السلف.. يقول النداء: انتبه أيها السلفي الصادق؟ وأحذر أن تقاد إلي نصرة أهل البدع والضلال والالحاد التي تضمها التنظيمات الحزبية والسياسية. فإن كثيرا من أدعياء السلفية لا هم لهم اليوم إلا نصرة أهل البدع المشكلة من أصناف الشيعة والصوفية القبورية أهل الحلول والاتحاد الذين يقول ابن تيمية فيهم: أن من ينصرهم شر ممن ينصر النصاري والمشركين.. ولا تنس مناصرة أدعياء السلفية لأهل البدع في أزمة الخليج ضد أهل التوحيد في الجزيرة فإن كنت خدعت بهم وقتا ما، فأفق. ولا يلدغ مؤمن من حجر مرتين.. إن علي الشباب السلفي أن يكون يقظا لما يحاك ضده وضد عقيدته ومنهجه، فلا يليق به أن ينساق وراء الشعارات الطنانة، ولا وراء العواطف العمياء التي تؤدي إلي تضييع أعظم نعمة وأعظم أمانة في عنقه وهي الثبات علي منهج أهل الحديث والسنة وحمايته من غوائل [ صفحه 144] خصومه ومكايدهم وألاعيبهم التي ظهرت آثارها علي كثير من الأساتذة وطلاب العلم والمثقفين الذين كان ينتظر منهم تربية الأجيال علي منهج السلف وتثبيتهم عليه والإعتزاز برفع لوائه.. إن هذا النداء المتطرف من قبل صاحبنا الوهابي لشباب العصر لم ينحصر فقط في الدعوة لإلغاء العقل والارتباط بالماضي وإنما تجاوز هذا الحد ليدعوا إلي تسييس الشباب وفق النهج السعودي الأمريكي بدعوته لهم بمنابذة ومعاداة الذين وقفوا ضد آل سعود والتدخل الأمريكي في أزمة الخليج. وهذا يعني أنه يدعوهم صراحة إلي تأييد الفتوي النفطية الصادرة عن فقهاء آل سعود والتي تنص علي جواز الاستعانة بالمشركين وتبرير وجود القواعد الأمريكية في الخليج. وإذا كان هذا حاله، فلماذا يحرم علي الشباب الانتماءات السياسية والحزبية ويكفر أصحاب هذه النشاطات ويدعو إلي محاربتهم..؟ والجواب أن هذه الأنشطة لا تسير علي نهج الروايات ولا تلتزم بعقيدة السلف التي تنص علي موالاة الحكام وطاعتهم ولو كانوا فجارا يتآمرون علي الإسلام ويستعينون بأعداء الله علي المسلمين.. [ صفحه 148]

ملاحق الكتاب

مدافع أخري

يكتظ التراث الإسلامي بكثير من النماذج المتطرفة علي مستوي الفقهاء والتيارات والأفراد، وقد صدرت الكثير من الكتابات علي مستوي الماضي والحاضر التي تدعم حالة التطرف وتزكيها وتزيد من هوة الفرقة والخلاف بين المسلمين وتزرع الطائفية والعداوة بين أبناء الوطن الواحد.. ومن باب إتمام الفائدة سوف نعرض في دائرة هذا الملحق لنماذج من هذه الكتابات التي ترتبط أغلبها بتيار الحنابلة القديم والمعاصر المتمثل في المذهب الوهابي والجماعات الإسلامية المختلفة التي تربت ورضعت من هذا التيار.. ومن نماذج هذه الكتابات التي سوف نعرض لها هنا: أصول أهل السنة والجماعة للأشعري.. الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلي.. الحكم الجديرة بالإذاعة لابن رجب الحنبلي.. العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي.. تطهير الاعتقاد عن أدران الشرك والإلحاد للصنعاني. مختارات من أحكام العصاة لأئمة السلف، منشور أزهري. الحسام الماحق لكل مشرك منافق للهلالي.. تحذير المسلمين عن الابتداع والبدع في الدين. [ صفحه 149] - أصول أهل السنة والجماعة / وهو مدفع شملت قذائفه جميع التيارات والاتجاهات المخالفة للخط السائد الذي فرض علي الأمة من قبل الحكام والفقهاء الذين ساندوهم تحالفوا معهم. ذلك الخط الذي فرض صورة محددة للدين تقوم علي أساس الروايات وأقوال الرجال لا علي أساس كتاب الله والنصوص الصريحة.. وقد بدأت معالم هذا الخط في البروز علي يد معاوية وتم تقنينه علي يد العباسيين والسلجوقيين والأيوبيين والمماليك من بعدهم. وعرف هذا الخط بمسمي أهل السنة الذي حمل رايته الحنابلة بداية من عصر المتوكل العباسي، والأشعري من بعدهم بداية من العصر السلجوقي التركي.. ويمكن تحديد قذائف هذا المدفع فيما يلي: - اعتبار صفات الله الواردة في القرآن صفات حقيقية لا مجازية.. - السمع والطاعة لأولي الأمر برهم وفاجرهم سواء تولوا أمر المسلمين برضاهم أو بالغلبة عليهم وتحريم الخروج عليهم.. - تحريم ذكر الصحابة بسوء أو المساس بهم وأن يظن بهم أحسن الظن وأحسن المذاهب.. - أن ما كان بين الصحابة من خلاف في الأمور الدينية لا يسقط حقوقهم.. - لا يجوز لأحد أن يخرج عن أقاويل السلف فيما اجتمعوا عليه. وعما اختلفوا فيه أو في تأويله لأن الحق لا يجوز أن يخرج عن أقاويلهم.. - ذم سائر أهل البدع والتبري منهم وترك الاختلاط بهم.. - وجوب الدعاء لأئمة المسلمين.. ويظهر لنا من خلال هذه القذائف الثقيلة الحارقة أن البقاء لخط أهل السنة الذي يفرض علي الأمة العيش بعقل الماضي والالتزام بعقيدة السلف وأقوال الرجال وموالاة الحكام الفجار والالتزام بطاعتهم. وبقاء أهل السنة يعني فناء الاتجاهات والتيارات الأخري وهو ما كان واقعا في ظل الدولة الأموية والعباسية والسلجوقية الأيوبية والمملوكية والعثمانية، وهو ما يسعي التيار الوهابي الحنبلي إلي تحقيقه اليوم بدعم القوي النفطية.. [ صفحه 150] ومكن الخطورة في هذه القذائف التي يحملها هذا المدفع في كونها تحولت إلي عقائد يقاس الحق والباطل علي أساسها فمن التزم بها كان في دائرة الحق ومن خالفها كان في دائرة الباطل وأصبح هناك مبرر لاستحلال ماله ودمه، وهو ما وقع في كثير من فترات التاريخ.. - العواصم من القواصم / وهذا المدفع صنع خصيصا لتبرير الانحرافات والمصادمات التي وقعت بين الصحابة بعد وفاة الرسول (ص)، فهو يهدف إلي التأكيد علي أن هذه الأحداث لا تنقص من قدر أحد منهم وما هي إلا اجتهادات يثابون عليها، ومن اعتقد غير هذا فهو علي غير سبيل المسلمين والمقصود أن من طعن في عثمان أو معاوية أو ولده يزيد مثلا فهو ضال زائغ. كذلك من مال إلي الإمام علي وانحراف عن الآخرين من الصحابة. وقد اعتبر صاحب هذا المدفع أن هذا الطعن والميل يعتبر قاصمة.. واعتبار أن الجميع مجتهد ومثاب وإحسان الظن فيهم يعتبر عاصمة.. وبهذا يكون صاحب هذا المدفع قد عمل علي تقويم أحداث التاريخ وتسطيح حركته مما يؤدي إلي افتقاد القدرة علي تمييز الحق من الباطل واستلهام العبر والدلالات من خلال حركته وأحداثه، وهو أمر مناف للعقل والفطرة وسننية الكون. أن مثل هذا الكتاب إنما يهدف إلي الحجر علي العقول وفرض الوصاية السلفية علي الأمة كي لا تنحرف علي الخط المرسوم من قبل الحكام وفقهاء السلطة.. وصاحب الكتاب بعد أن أبلي بلاءا سيئا لم يكن موفقا فيه قد حشد العشرات من التبريرات الواهية والتأويلات الفاسدة التي يدافع بها عن الانحرافات التي وقعت بعد وفاة الرسول (ص) والتي تصطدم بروح الشرع والنصوص الصريحة، وفي الحقيقة هو في هذا كله لا يدافع عن الدين بل يدافع عن الرجال والحكام.. يقول في ختام كتابه مطلقا قذيفة قاتلة علي المخالفين: إنما ذكرت لكم هذا - أي للمسلمين - لتحترزوا من الخلق وخاصة من المفسرين والمؤرخين وأهل الآداب فإنهم أهل جهالة بحرمات الدين أو علي بدعة مصرين.. فإذا صنتم أسماعكم وأبصاركم عن مطالعة الباطل ولم تسمعوا في خليفة ممن ينسب إليه ما لا يليق ويذكر عنه ما لا يجوز نقله كنتم علي منهج السلف سائرين وعن سبيل الباطل ناكبين.. [ صفحه 151] - الأحكام السلطانية / ومن خلال هذا المدفع الحنبلي المسلط علي الحكام والجماهير يحدد القاضي أبي يعلي شروط ومواصفات الحاكم والولايات. معلنا رضاه الكامل عن الطغاة والجبارين من الحكام من بني أمية وبني العباسي وغيرهم، ومعلنا غضبه وسخطه ومنزلا لعناته علي المأمون والمعتصم والواثق ليس لشئ إلا سيرا علي نهج الحنابلة وإمامهم أحمد بن حنبل الذين غضبوا علي هؤلاء الحكام الثلاثة بسبب موقفهم من ابن حنبل ورواياته وعقائده ومواقف وممارسات الحنابلة بشكل عام.. ويروي في كتابه عن ابن حنبل قوله عن المأمون: كان لا مأمون، وأي بلاء كان أكبر من الذي كان أحدث عدو الله وعدو الإسلام - المأمون - من إماتة السنة. وكان المأمون ومن بعده المعتصم والواثق قد تصدوا للحنابلة ورواياتهم وعقائدهم الباطلة مما أدي إلي انحسار موجتهم وحماية المجتمع من فتنهم ومواقفهم المتطرفة. ولو كان الحكام قد ساروا علي نهجهم من بعد لكان الحنابلة الآن في ذمة التاريخ لكنها السياسة والمصالح والأهواء التي دفع المجتمع والناس ثمنها ولا زالوا يدفعون.. ولنعرض بعد هذه المقدمة لقذائف هذا المدفع: - لا يجوز أن تقوم المرأة بأمر الولايات، أي الوزارات والقضاء وشتي المسؤوليات الكبري في الدولة.. - جواز قتل المرتد رجلا كان أو امرأة. - جواز أن يلي أمر المسلمين الفاجر والفاسق وصاحب العاهة.. - جواز الجهاد والحج وإيتاء الزكاة للحكام الفجار والصلاة ورائهم.. - جواز قتل تارك الصلاة ويصير بتركها كافرا.. - جواز قتل تارك الصوم في رمضان.. - جواز قتل مانع الزكاة وقتاله وإن قتل كان كافرا - عدم قبول شهادة تارك الحج بلا عذر.. - جواز تحطيم الخمارات وأدوات الملاهي وإحراقها.. [ صفحه 152] - لا يجوز لأصحاب الديانات الأخري تعليه أبنيتهم علي أبينة المسلمين، ويجب عليهم تغيير هيئتهم عن هيئة المسلمين.. - الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي (ص) بعثت بالسيف بين يدي الساعة / وهذا المدفع كما هو واضح شديد الخطورة وشديد العشق للدماء ولا مجال عنده للحوار والاعتدال، أما قذائفه فتتمثل فيما يلي: - أن الإسلام جاء بالسيف.. - أن السيف هو شعار الإسلام حتي قيام الساعة.. - أن الإسلام جاء بستة سيوف: سيف علي المشركين حتي يسلموا أو يأسروا.. وسيف علي المنافقين وهو سيف الزنادقة.. وسيف علي أهل الكتاب حتي يعطوا الجزية.. وسيف علي أهل البغي من المسلمين.. وسيف علي أهل الردة.. وسيف علي أهل البدع.. - أهل التوحيد والطاعة لله - الجماعات - أحق بالمال من أهل الكفر.. - أهل الأهواء والبدع كلهم مفترون علي الله.. - عقوبة المبتدع أغلط من عقوبة العاصي.. - من تشبه بقوم فهو منهم.. وهذا الكتاب من أوله إلي آخره إنما يقوم علي أساس رواية منسوبة للرسول (ص) قامت علي أساسها أحكام وتصورات ومفاهيم شديدة التطرف في مواجهة المخالفين من المسلمين وأصحاب الديانات الأخري.. لقد أظهرت هذه الرواية أن الإسلام دين السيف والدماء لا دين العقل والحوار وهو بهذه الصورة بدا وكأن الله سبحانه بعثه وبالا علي البشر ونقمة عليهم لا رحمة مهداة لهم. [ صفحه 153] والحق أن هذه الصورة المتطرفة عن الإسلام تتنافي مع نصوص القرآن وأقل ما يقال فيها أنها من اختراع الرواة والفقهاء الذين باركوا هذه الروايات وعلي رأسهم فقهاء الحنابلة... ومثل هذه الصورة المنفرة عن الإسلام إنما تزيد من ثبات أصحاب الديانات الأخري علي موقفهم، كما تزيد من إرهاب المسلمين وتخويفهم من أحكام الدين وعزلهم عنه وهذه النتيجة الخطيرة لا تعني هؤلاء الفقهاء في شئ فأصحاب الديانات الأخري في منظورهم هم مشركون يجب أن يعمل السيف فيهم. والمسلمون المخالفون هم زنادقة لأنهم لا يتبعون هذه الروايات ولا يسيرون علي نهج السلف ويلتزموا بعقل الماضي، ويجب أن يعمل السيف فيهم أيضا.. إن الخروج عن دائرة روايات والسلف يعني في منظور الفقهاء التشبه بالمشركين لأنهم هم المسلمين ومن لم يتشبه بهم فقد خرج من الإسلام. [ صفحه 154] - فتاوي أزهرية / تمكن التيار الحنبلي من اختراق المؤسسة الأزهرية واستثمار رموزها، ويظهر لنا هذا بوضوح من كم الفتاوي التي صدرت عن دار الافتاء المصرية وتلقفتها الجماعات الوهابية المتطرفة وتحصنت بها.. وقد قامت جماعة أنصار السنة المحمدية ذات النهج الوهابي السعودي بنشر هذه الفتاوي الأزهرية المتطرفة مؤخرا كهدية مجانية علي مجلة التوحيد الناطقة بلسان الجماعة.. وليست هذه الفتاوي سوي مدافع شديدة الطلقات مصوبة نحو المسلمين وقد ألحقت أضرارا فادحة بعقولهم و واقعهم.. وعلي رأس هذه الفتاوي فتوي تتعلق بالأضرحة والدفن في المساجد و الموالد والنذور وهي فتوي موجهة ضد التيار الصوفي الذي يتبني هذه القضايا، تقول بتحريم مثل هذه الأمور واعتبارها صورة من صور الشرك والضلال.. لقد تبني التيار الحنبلي هذه القضايا وحمل رايتها دون بقية المذاهب والاتجاهات الإسلامية الأخري وتمكن بدعم الحركة الوهابية وأموال النفط من فرض هذه القضايا علي واقع المسلمين والمؤسسات والجماعات الإسلامية وجعلها مدار جهادهم وتصوراتهم.. وثاني هذه الفتاوي فتوي تتعلق بتحريم التعامل مع البنوك ووجوب إجبار الزوجة علي ارتداء الحجاب وتحريم الصور والتصوير وتحريم الموسيقي وتحريم التأمين علي الحياة والتأمين ضد الحريق، وتحريم ذهاب المرأة إلي مصفف الشعر، وعدم جواز خوضها ميدان العمل السياسي ودخول الانتخابات.. وفتوي توجب إطلاق اللحية وتحريم حلقها.. ومثل هذه الفتاوي التي تقوم علي أساس الروايات وعقل الماضي إنما تسهم في تخلف الأمة وتجميد مسيرتها. وقد رفعت رايتها الجماعات الإسلامية اليوم وبنت علي أساسها مواقفها وتصوراتها المتطرفة تجاه الواقع والمخالفين.. كيف للأزهر وهو مؤسسة حكومية أن يتبني مثل هذه القضايا المتطرفة التي تهدد أمن المجتمع. وفي الوقت نفسه يعلن الحرب علي التطرف والمتطرفين؟ [ صفحه 155] - أحكام العصاة: وهذه المدفع من إصدار الأزهر وهو مشتق عن مدفع قديم لابن القيم الجوزية وجعل هدية مجانية علي مجلة الأزهر. أما قذائف هذا المدافع فهي: - القول قد يكون كفرا.. - أن مباني الإسلام الخمسة المأمور بها - الشهادتين والصلاة والصوم والزكاة والحج - وإن كان ضرر تركها لا يتعدي صاحبها، فإنه يقتل بتركها في الجملة عند جماهير الفقهاء ويكفر أيضا عند كثير منهم أو أكثر السلف، وأما فعل المنهي عنه الذي لا يتعدي ضرره صاحبه فإنه لا يقتل به عند أحد الأئمة ولا يكفر به إلا إذا ناقض الإيمان، لفوات الإيمان وكونه مرتدا أو زنديقا، وذلك أن من الأئمة من يقتله ويكفره بترك كل واحدة من الخمس لأنه الإسلام بني عليها. وهو قول طائفة من السلف ورواية عن أحمد بن حنبل اختارها بعض أصحابه ومنهم من لا يقتله ولا يكفره إلا بترك الصلاة الزكاة وهي رواية أخري عن أن حنبل، ومنهم من يقتله بهما ويكفره بالصلاة والزكاة إذا قاتل الإمام عليها كرواية عن ابن حنبل، ومنهم من يقتله بهما ولا يكفره إلا بالصلاة، ومنهم من يقتله بهما ولا يكفره، ومنهم من لا يقتله إلا بالصلاة ولا يكفره، وتكفير تارك الصلاة هو المشهور المأثور عن جمهور السلف.. - من خالف السنة فيما أتت به أو شرعته فهو مبتدع خارج عن السنة.. - أصل البدعة تكذيب الأحاديث الواردة في كتب السنن.. - عامة البدع من التأويل والقياس والرأي.. ونتيجة هذه القذائف التي تبناها الأزهر وأسهم في إطلاقها علي الجماهير هي تقنين التطرف وتبريره وإضفاء المشروعية عليه.. وكأن الأزهر بتبنيه مثل هذا الطرح قد خلع ثوب العقل والاعتدال واحترام الرأي الآخر وارتدي ثوب الجمود والتطرف والاستبداد أو ثوب النفط.. [ صفحه 156] - الحسام الملحق لكل مشرك منافق.. وهذا المنشور كما يظهر من عنوانه يعد من المدافع الثقيلة التي صوبها صاحب المنشور إلي المخالفين لنهجه الوهابي بهدف إبادتهم والقضاء عليهم باعتبارهم من المشركين المنافقين المستباحين.. وهؤلاء المنافقين المشركين الذين صوب نحوهم مدفعه هم طائفة من المسلمين ليس لها من ذنب سوي أنها رفعت شعار العقل في مواجهة الروايات. واعتبر صاحب هذا المدفع أن مثل هذا العمل هو تجرأ علي الله تعالي، إذ أن إنكار الروايات الواردة في البخاري ومسلم يعد في نظره صورة من صور التعدي علي الله سبحانه تدفع بصاحبها إلي دائرة الشرك والنفاق.. وجميع الاجتهادات والآراء التي تخالف خط السلف الحنابلة اعتبرت في نظر صاحب هذا المدفع كما هو حالها في نظر الحنابلة جميعا - بدعه، وكل بدعه ضلالة، وكل ضلالة في النار. ومثل هذا الطرح إنما يبر لفقهاء الخلف وأنصارهم من الجماعات مقاومة البدعة والتنكيل بأصحابها، وهذا يعني التنكيل بجميع المسلمين الذين يخالفونهم، إذ أن جميع ما هو خارج دائرة الطرح الحنبلي يعد بدعة يجب مقاومتها والقضاء عليها وعلي أصحابها.. فالملابس بدعة.. وعمل المرأة بدعة.. والموسيقي بدعة.. وسائر الفنون بدعة.. والعمل السياسي بدعة.. وحرية الرأي بدعة.. والتصوير بدعة.. ومعني هذا أن النتيجة هي مقاومة العصر والعيش بعقل الماضي وهو ما يريده صاحب الحسام الماحق وأمثاله من الحنابلة الذين شهروا مدافعهم في وجه المسلمين وأفسحوا الطريق أمام أعداء الإسلام.. [ صفحه 157] وهذا المدفع الحنبلي الثقيل موجه لطائفة محددة من طوائف المسلمين وهي طائفة الصوفية ومحاولة إلباسها ثوب الشوك والإلحاد علي أساس المعتقدات الحنبلية تجاه قضية القبور والنذور والاحتفالات الدينية تلك المعتقدات التي تقوم علي أساس روايات منسوبة للرسول (ص) وفتاوي ارتبطت بفقهاء الحنابلة أكثر من ارتباطها بأية مذاهب أخري.. وصاحب هذا المدفع يعيش بعقل الماضي ويسعي إلي تأكيد ذلك المفهوم الحنبلي القديم الذي يربط بين الطقوس والممارسات التي ارتبطت بالأصنام في الجاهلية وبين الطقوس والممارسات التي تقوم حول أضرحة الأولياء اليوم، بل يتجاوز هذا ليؤكد أن هذه القبور والأضرحة هي نفس أصنام الأمس، وأن الذين يرتبطون بهذه الأضرحة يعتقدون فيها الضر والنفع كما كان حال المشركون مع الأصنام من قبل. يقول في كتابه: أن من اعتقد في شجرة أو حجر أو قبر أو ملك أو حتي حي أو ميت أنه ينفع أو يضر أو أنه يقرب إلي الله أو يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا بمجرد التشفع به والتوسل إلي الرب تعالي - إلا ما ورد حديث فيه مقال حق عن نبينا محمد (ص) أو نحو ذلك - فإنه قد أشرك مع الله غيره واعتقد ما لا يحل اعتقاده كما اعتقد المشركون في الأوثان فضلا عمن ينذر بماله وولده لميت أو حي، أو يطلب من ذلك ما لا يطلب إلا من الله تعالي من الحاجات من عافية مريضة أو قدوم غائبة أو نيله لأي مطلب من المطالب، فإن هذا هو الشرك بعينه الذي كان عليه عباد الأصنام، والنذور بالمال علي الميت ونحوه والنحر علي القبر والتوسل به وطلب الحاجات منه هو بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية، وإنما يفعلونه لما يسمونه وثنا وصنما، فعله القبوريون لما يسمونه وليا وقبرا ومشهدا.. ومثل هذه الأفكار المتطرفة التي تصف بعض طوائف المسلمين بالشرك والإلحاد وتعمل علي إخراجها من دائرة الإسلام باجتهادات فردية تقوم علي أساس رواية منسوبة للرسول (ص) - أو فتوي سلفية - إنما تسعي لتأكيد الفرقة بين المسلمين وتوطين الأفكار التكفيرية التي تهدد أمن المجتمع واستقراره.. [ صفحه 158] تحذير المسلمين عن الابتداع والبدع في الدين / وهذا الكتاب يعد من مدافع فقهاء الوهابية وقد سلط علي المسلمين في عنف معلنا في صراحة ووضوح رفضه القاطع لكل الاتجاهات المخالفة، رافضا بشدة فكرة تقسيم البدعة إلي بدعة حسنة وبدعة سيئة، فالبدعة في نظره كل لا يتجزأ ومثل هذا الموقف من شأنه أن يعمق قضية التطرف ويزيد من حدتها. إذا أن هذا يعني الوقوف في وجه العصر وكل ما هو جديد. كما يعني في نفس الوقت قتل الاجتهاد وتشييعه إلي مثواه الأخير ومناهضة العقل والرأي والعمل علي إجهاضهما. مثل هذا الموقف يعني توسيع دائرة المصادمة مع الواقع وبدلا من كونها كانت تنحصر في دائرة قضايا ومفاهيم تصطدم بالروايات ونهج السلف اتسعت لتشمل كل ما هو جديد من آراء واجتهادات في قضايا ومفاهيم لا تتعلق بشئ من نصوص الدين أو جوهرة بل تركت لإعمال العقل فيها أو هي عرف من الأعراف السائدة التي لا تضر في شئ أو هي صورة من صور الترويح عن النفس التي تمارس علي ساحة المجتمع وتدخل البهجة والسرور في قلوب الناس، كل ذلك ومثله يجب محوه وإزالته وتدميره في منظور فقهاء الوهابية حنابلة العصر.. ولقد تجاوز صاحب هذا المدفع حدود البدع التي سلط مدفعه عليها وأطلق قذائفه علي منكري الروايات الذين ينادون بإعمال العقل في كل ما هو منسوب للرسول (ص) مصدرا حكمه القاطع فيهم بالكفر والضلال.. يقول: وهذه الفرقة أخطر علي المسلمين من اليهود ومن النصاري لأنهم باسم الإسلام وباسم القرآن ينشرون كفرهم، ومن الثابت شرعا وعقلا أن من أنكر سنة رسول الله (ص) فقد كفر بالله العظيم، فيجب علي الحكام والعلماء المسلمين أن يجاهدون هذه الفرقة في تنشيط العلماء في مواجهة هؤلاء الكفرة وطبع السنن والردود، فوالله إن جهادهم لا يقل عن جهاد الكفار لأن أولئك قد أعلنوا كفرهم لا يغتر بهم إلا القليل. أما هؤلاء فيغتر بهم كثيرون ممن يدرس الكتاب والسنة ولم يتعمق. ومن الواضح أن هذا الكلام الشديد التطرف لا سند له سوي الروايات وإجماع فقهاء الحنابلة، وما هو بأمر ثابت شرعا وعقلا كما يدعي صاحبنا، فليس من الشرع ومن العقل تبني مثل هذه الخرافات والأحكام والمفاهيم التي تصطدم بالقرآن والتي جاءت بها كثير من الروايات المنسوبة للرسول (ص).. [ صفحه 161]

فتوي ابن تيمية في أهل الذمة

قال ابن القيم ورد علي شيخنا ابن تيمية استفتاء في أمر الكنائس صورته: ما يقول السادة العلماء وفقهم الله في إقليم توافق أهل الفتوي في هذا الزمان علي أن المسلمين فتحوه عنوة من غير صلح ولا أمان فهل ملك المسلمون ذلك الإقليم المذكور بذلك؟ هل يكون الملك شاملا لما فيه من أموال الكفار من الأثاث والمزارع والحيوان والرقيق والأرض والدور و البيع والكنائس والقلايات والديورة ونحو ذلك أو يختص الملك بما عدا متعبدات أهل الشرك فإن ملك جميع ما فيه فهل يجوز للإمام أن يعقد لأهل الشرك من النصاري واليهود بذلك الإقليم أو غيره الذمة علي أن يبقي ما بالإقليم المذكور من البيع والكنائس والديورة ونحوها متعبدا لهم وتكون الجزية المأخوذة منهم في كل سنة في مقابل ذلك بمفرده أو مع غيره أم لا - فإن لم يجز لأجل ما فيه من تأخير ملك المسلمين عنه فهل يكون حكم الكنائس ونحوها حكم الغنيمة يتصرف فيه الإمام تصرفه في الغنائم أم لا. وإن جاز للإمام أن يعقد الذمة بشرط بقاء الكنائس ونحوها فهل يملك من عقدت له الذمة بهذا العقد رقاب البيع والكنائس والديورة ونحوها ويزول ملك المسلمين عن ذلك بهذا العقد أم لا. لأجل أن الجزية لا تكون عن ثمن مبيع، وإذا لم يملكوا ذلك وبقوا علي الانتفاع بذلك وانتفض عهدهم بسبب يقتضي انتقاضه إما بموت من وقع عقد الذمة معه ولم يعقبوا. أو أعقبوا. فإن قلنا إن أولادهم يستأنف معهم عقد الذمة كما نص عليه الشافعي فيما حكاه ابن الصباغ وصححه العراقيون واختاره ابن أبي عصرون في المرشد فهل لإمام الوقت أن يقول: لا أعقد لكم الذمة إلا بشرط أن تدخلوا الكنائس والبيع والديورة في العقد فتكون كالأموال التي جهل مستحقوها وأيس من معرفتها، أم لا يجوز له الامتناع من إدخالها في عقد الذمة بل يجب عليه إدخالها في عقد الذمة، فهل ذلك يختص بالبيع والكنائس والديورة التي تحقق أنها كانت موجودة عند فتح المسلمين ولا يجب عليه ذلك عند التردد في أن ذلك كان موجودا عند الفتح أو حدث بعد الفتح أو يجب عليه مطلقا فيما تحقق أنه كان موجودا قبل الفتح أو شك فيه، وإذا لم يجب في حالة الشك فهل يكون ما وقع الشك في أنه كان قبل الفتح وجهل الحال فيمن أحدثه لمن هو لبيت المال أم لا؟ وإذا قلنا إن من بلغ من أولاد من عقدت معهم الذمة وإن سلفوا ومن غيرهم لا يحتاجون أن تعقد لهم الذمة بل يجري عليهم حكم من سلف إذا تحقق أنه من أولادهم يكون حكم كنائسهم وبيعهم حكم أنفسهم أم يحتاجون إلي تجديد عقد وذمة، وإذا قلنا: إنهم يحتاجون إلي تجديد عقد عند البلوغ فهل تحتاج كنائسهم وبيعهم له أم لا؟ [ صفحه 162] فأجاب: الحمد لله. ما فتحه المسلمون كأرض خيبر التي فتحت علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم وكعامة أرض الشام وبعض مدنها وكسواد العراق إلا مواضع قليلة فتحت صلحا وكأرض مصر فإن هذه - الأقاليم فتحت عنوة علي خلافة عمر بن الخطاب وقد روي في أرض مصر أنها فتحت صلحا وروي أنها فتحت عنوة وكلا الأمرين صحيح علي ما ذكره العلماء المتأهلون للروايات الصحيحة في هذا الباب فإنها فتحت أولا صلحا ثم نقض أهلها العهد فبعث عمرو ابن العاص إلي عمر بن الخطاب يستمده فأمده بجيش كثير فيهم الزبير بن العوام ففتحها المسلمون الفتح الثاني عنوة ولهذا روي من وجوه كثيرة أن الزبير سأل عمر بن الخطاب أن يقسمها بين الجيش كما سأله بلال قسم الشام فشاور الصحابة في ذلك فأشار عليه كبراؤهم كعلي ابن أبي طالب ومعاذين جبل أن يحبسها فيئا للمسلمين ينتفع بفائدتها أول المسلمين وآخرهم ثم وافق عمر علي ذلك بعض من كان خالفه ومات بعضهم فاستقر الأمر علي ذلك فما فتحه المسلمون عنوة فقد ملكهم الله إياه كما ملكهم ما استولوا عليه من النفوس والأموال والمنقول والعقار ويدخل في العقار معابد الكفار ومساكنهم وأسواقهم ومزارعهم وسائر منافع الأرض كما يدخل في المنقول سائر أنواعه من الحيوان والمتاع والنقد، وليس لمعابد الكفار خاصة تقتضي خروجها عن ملك المسلمين فإن ما يقال فيها من الأقوال ويفعل فيها من العبادات إما أن يكون مبدلا أو محدثا لم يشرعه الله قط أو يكون الله قد نهي عنه بعد ما شرعه وقد أوجب الله علي أهل دينه جهاد أهل الكفر حتي يكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا ويرجعوا عن دينهم الباطل إلي الهدي ودين الحق الذي بعث الله به خاتم المرسلين صلوات الله وسلامه عليه ويعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. ولهذا لما استولي رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أرض من حاربه من أهل الكتاب وغيرهم كبني قينقاع والنضير وقريظة، كانت معابدهم مما استولي عليه المسلمون ودخلت في قوله تعالي (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) وفي قوله تعالي (ما أفاء الله علي رسوله منهم) (وما أفاء الله علي رسوله من أهل القري) لكن وإن ملك المسلمون ذلك فحكم الملك متبوع كما يختلف حكم الملك في المكاتب والمدبر وأم الولد والعبد وكما يختلف حكمه في المقاتلين الذين يؤسرون وفي النساء والصبيان الذين يسبون كذلك يختلف حكمه في المملوك نفسه والعقار والأرض والمنقول. وقد أجمع المسلمون علي أن الغنائم لها أحكام مختصة بها لا تقاس بسائر الأموال المشتركة. ولهذا لما فتح النبي صلي الله عليه وسلم خيبر أقر أهلا ذمة للمسلمين في [ صفحه 163] مساكنهم وكانت المزارع ملكا للمسلمين عاملهم عليها رسول الله صلي الله عليه وسلم بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ثم أجلاهم في خلافته واسترجع المسلمون ما كانوا أقروهم فيه من المساكن والمعابد. فصل: وأما أنه هل يجوز للإمام عقد الذمة مع إبقاء المعابد بأيديهم فهذا فيه خلاف معروف في مذاهب الأئمة الأربعة منهم من يقول لا يجوز تركها لهم لأنه إخراج ملك المسلمين عنها وإقرار الكفر بلا عهد قديم.. ومنهم من يقول بجواز إقرارهم فيها إذا اقتضت المصلحة ذلك كما أقر النبي أهل خيبر فيها وكما أقر الخلفاء الأربعة الكفار والمعابد التي كانت بأيديهم. فمن قال بالأول قال: حكم الكنائس حكم غيرها من العقار منهم من يوجب إبقاءه كمالك في المشهور عنه وأحمد في رواية. ومنهم من يخير الإمام فيه بين الأمرين بحسب المصلحة وهذا قول الأكثرين وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه وعليه دلت سنة رسول الله (ص) حيث قسم نصف خيبر وترك نصفها لمصالح المسلمين. ومن قال يجوز إقرارها بأيديهم فقوله أوجه وأظهر فإنهم لا يملكون بهذا الإقرار رقاب المعابد كما يملك الرجل ماله كما أنهم لا يملكون ما ترك لمنافعهم المشتركة كالأسواق والمراعي كما لم يملك أهل خيبر ما أقرهم فيه رسول الله (ص) من المساكن والمعابد. ومجرد إقرارهم ينتفعون بها ليس تمليكا كما لو أقطع المسلم بعض عقار بيت المال ينتفع بغلته أو سلم إليه مسجد أو رباط ينتفع به لم يكن ذلك تمليكا له بل ما أقروا فيه من كنائس العنوة يجوز للمسلمين انتزاعها منهم إذا اقتضت المصلحة ذلك كما انتزعها أصحاب النبي (ص) من أهل خيبر بأمره بعد إقرارهم فيها.. وقد طلب المسلمون في خلافة الوليد بن عبد الملك أن يأخذوا من النصاري بعض كنائس العنوة التي خارج دمشق فصالحوهم علي إعطائهم الكنيسة التي داخل البلد وأقر ذلك عمر بن عبد العزيز ومن معه في عصره من أهل العلم فإن المسلمين لما أرادوا أن يزيدوا جامع دمشق بالكنيسة التي إلي جانبه وكانت من كنائس الصلح لم يكن لهم أخذها قهرا فاصطلحوا علي المعاوضة بإقرار كنائس العنوة التي أرادوا انتزعها و كان ذلك الإقرار عوضا عن كنيسة الصلح التي لم يكن لهم أخذها عنوة. فصل ومتي انتقض عهدهم جاز أخذ كنائس الصلح منهم فضلا عن كنائس العنوة كما [ صفحه 164] أخذ النبي صلي الله عليه وسلم ما كان لقريظة والنضير لما نقضوا العهد فإن ناقض العهد أسوأ حالا من المحارب الأصلي كما أن ناقض العهد أسوأ حالا من الكافر الأصلي ولذلك لو انقرض أهل مصر من الأمصار ولم يبقي من دخل في عهدهم فإنه يصير للمسلمين جميع عقارهم ومنقولهم من المعابد وغيرها فيئا فإذا عقدت الذمة لغيرهم كان كالعهد المبتدأ وكان لمن يعقد لهم الذمة أن يقرهم في المعابد وله أن لا يقرهم بمنزلة ما فتح ابتداء فإنه لو أراد الإمام عند فتحه هدم ذلك جاز بإجماع المسلمين ولم يختلفوا في جواز هدمه، وإنما اختلفوا في جوازا بقائه وإذا لم تدخل في العهد كانت فيئا للمسلمين. أما علي قول الجمهور الذين لا يوجبون قسم العقار فظاهر.. وأما علي قول من يوجب قسمة فلأن عين المستحق غير معروف كسائر الأموال التي لا يعرف لها مالك معين وأما تقدير وجوب إبقائها فهذا تقدير لا حقيقة له. فإن إيجاب إعطائهم معابد العنوة لا وجه له ولا أعلم به قائلا فلا يفرع عليه وإنما الخلاف في الجواز نعم قد يقال في الأبناء إذا لم نقل بدخولهم في عهد آبائهم لأن لهم شبهة الأمان والعهد بخلاف الناقضين فلو وجب لم يجب إلا ما تحقق أنه كان له فإن صاحب الحق لا يجب أن يعطي إلا ما عرف أنه حقه وما وقع الشك فيه علي هذا التقدير فهو لبيت المال، وأما الموجودون الآن إذا لم يصدر منهم نقض عهد فهم علي الذمة فإن الصبي يتبع أباه في الذمة وأهل داره من أهل الذمة كما يتبع في الإسلام أباه وأهل داره من المسلمين لأن الصبي لما يكن مستقلا بنفسه جعل تابعا لغيره في الإيمان والأمان وعلي هذا جرت سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وخلفائه والمسلمين في إقرارهم صبيان أهل الكتاب بالعهد القديم من غير تجديد عقد آخر. وهذا الجواب حكمه فيما كان من معابدهم قديما قبل فتح المسلمين. أما ما أحدث بعد ذلك فإنه يجب إزالته ولا يمكنون من إحداث البيع والكنائس كما شرط عليهم عمر بن الخطاب في الشروط المشهورة عنه أن لا يجدوا في مدائن الإسلام ولا فيما حولها كنيسة ولا صومعة ولا ديرا ولا قلاية امتثالا لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم " لا تكون قبلتان ببلد واحد " رواه أحمد وأبوه داود بسند جيد.. ولما روي عن عمر بن الخطاب قال " لا كنيسة في الإسلام " وهذا مذهب الأئمة الأربعة في الأمصار ومذهب جمهورهم في القري وما زال من يوفقه الله من ولاة أمور المسلمين ينفذ ذلك ويعمل به مثل عمر بن عبد العزيز الذي اتفق المسلمون علي أنه إمام هدي فروي أحمد عنه أنه [ صفحه 165] كتب إلي نائبة علي اليمن أن يهدم الكنائس التي في أمصار المسلمين فهدمها بصنعاء وغيرها. وروي أحمد عن الحسن البصري أنه قال " من السنة أن تهدم الكنائس التي في الأمصار القديمة والحديثة، وكذلك هارون الرشيد في خلافته أمر بهدم ما كان في سواد بغداد، وكذلك المتوكل لما ألزم أهل الكتاب بشروط عمر استفتي علماء وقته في هدم الكانس والبيع فأجابوه فبعث بأجوبتهم إلي أحمد فأجابه بهدم كنائس سواد العراق وذكر الآثار عن الصحابة والتابعين فمما ذكره ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال " أيما مصر مصرته العريب - يعني المسلمين - فليس للعجم يعني أهل الذمة أن يبنوا فيه كنيسة ولا يضربوا ناقوسا ولا يشربون فيه خمرا. وأيما مصر مصرته العجم ففتحه الله علي العرب فإن للعجم ما في عهدهم وعلي العرب أن يوفوا بعهدم ولا يكلفوهم فوق طاقتهم ". وملخص الجواب أن كل كنيسة في مصر والقاهرة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد ونحوها من الأمصار التي مصرها المسلمون بأرض العنوة فإنه يجب إزالتها إما بالهدم أو غيرها بحيث لا يبقي لهم معبد في مصر مصره المسلمون بأرض العنوة وسواء كانت تلك المعابد قديمة قبل الفتح أو محدثة لأن القديم منها يجوز أخذه ويجب عند المفسدة وقد نهي النبي صلي الله عليه وسلم أن تجتمع قبلتان بأرض فلا يجوز للمسلمين أن يمكنوا أن يكون بمدائن الإسلام قبلتان إلا لضرورة كالعهد القديم، لا سيما وهذه الكنائس التي بهذه الأمصار محدثة يظهر حدوثها بدلائل متعددة والمحدث يهدم باتفاق الأئمة. وأما الكنائس التي بالصعيد وبر الشام ونحوها من أرض العنوة فما كان منها محدثا وجب هدمه، وإذا اشتبه المحدث بالقديم وجب هدمها جميعا لأن هدم المحدث واجب وهدم القديم جائز وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما كان منها قديما فإنه يجوز هدمه ويجوز إقراره بأيديهم فينظر الإمام في المصلحة فإن كانوا قد قلوا والكنائس كثيرة أخذ منهم أكثرهم. وكذلك ما كان علي المسلمين فيه مضرة فإنه يؤخذ أيضا وما أحتاج المسلمون إلي أخذه أخذ أيضا. وأما إذا كانوا كثيرون في قرية ولهم كنيسة قديمة لا حاجة إلي أخذها ولا مصلحة فيه فالذي ينبغي تركها كما ترك النبي صلي الله عليه وسلم وخلفائه لهم من الكنائس ما كانوا [ صفحه 166] محتاجين إليه ثم أخذ منهم، وأما ما كان لهم بصلح قبل الفتح مثل ما في داخل مدينة دمشق ونحوها فلا يجوز أخذه ما داموا موفين بالعهد إلا بمعاوضة أو طيب أنفسهم كما فعل المسلمون بجامع دمشق لما بنوه، فإذا عرب أن الكنائس ثلاثة أقسام منها ما لا يجوز هدمه.. ومنها ما يجب هدمه كالتي في القاهرة مصر والمحدثات كلها. ومنها ما يفعل المسلمون فيه الأصلح كالتي في الصعيد وأرض الشام مما كان قديما علي ما بيناه.. فالواجب علي ولي الأمر فعل ما أمر الله به وما هو أصلح للمسلمين من إعزاز دين الله وقمع أعدائه وإتمام ما فعله الصحابة من الزامهم بالشروط عليهم ومنعهم من الولايات في جميع أرض الإسلام ولا يلتفت في ذلك إلي مرجف أو مخذل يقول إن لنا عندهم مساجد وأسري نخاف عليهم فإن الله تعالي يقول (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) وإذا كان فوروز في مملكة التتار قد هدم عامة الكنائس علي رغم أنف أعداء الله فحزب الله المنصور وجنده الموعود بالنصر إلي قيام الساعة أولي بذلك وأحق فإن النبي صلي الله عليه وسلم أخبر أنهم لا يزالون ظاهرين إلي يوم القيامة ونحن نرجو أن يحقق الله وعد رسوله صلي الله عليه وسلم حيث قال " يبعث الله لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " ويكون من أجري الله ذلك علي يديه وأعان عليه من أهل القرآن والحديث داخلين في هذا الحديث النبوي فإن الله بهم يقيم دينه كما قال " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز " [225] . [ صفحه 169]

فتوي أخري

ما يقول السادة العلماء أعانهم الله علي إظهار الحق المبين وإخماد الكفار والمنافقين في الكنائس التي بالقاهرة وغيرها التي أغلقت بأمر ولاة الأمور إذا ادعي الذمة أنها أغلقت ظلما وأنهم يستحقون فتحها وطلبوا ذلك من ولي الأمر، فهل تقبل دعواهم وهل تجب إجابتهم أم لا، وإذ قالوا إن هذه الكنائس كانت قديمة من زمن عمر بن الخطاب وغيره من خلفاء المسلمين وإن إغلاقها مخالف لحكم الخلفاء الراشدين فهل هذا القول مقبول منهم أم مردود؟ وإذا ذهب أهل الذمة إلي من يقدم من بلاد العرب من رسول أو غيره فسألوا أن يسأل ولي الأمر في فتحها أو كاتبوا ملوك الحرب ليطلبوا ذلك من ولي أمر المسلمين فهل لأهل الذمة ذلك وهل ينتقض عهدهم بهذا أم لا؟ وإذا قال قائل: إنهم إن لم يجابوا إلي ذلك حصل للمسلمين ضرر إما بالعدوان علي من عندهم من الأسري والمساجد، وإما بقطع متاجرهم عن ديار الإسلام وإما بترك معاونتهم لو لي أمر المسلمين علي ما يعتمده من مصالح المسلمين ونحو ذلك، فهل هذا القول صواب أو خطأ بينوا ذلك مبسوطا مشروحا وإذا كان في فتحها تغيير قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وتغيير قلوب أهل الصلاح والدين وعموم الجند والمسلمين علي ولاة الأمور لأجل إظهار شعائر الكفر وظهور عزهم وفرحهم وسرورهم بما يظهرونه وقت فتح الكنائس من الشموع والجموع والأفراح وغير ذلك، وهذا فيه تغير قلوب المسلمين من الصالحين وغيرهم حتي إنهم يدعون الله تعالي علي من تسبب في ذلك وأعان عليه فهل لأحد أن يشير علي ولي الأمر بذلك، ومن أشار عليه بذلك هل 3 يكون ناصحا لو لي المسلمين أم غاشا، وأي الطرق هو الأفضل لو لي الأمر؟ هذا نص السؤال فأجاب عنه ابن تيمية بما نصه: " الحمد لله رب العالمين أما دعواهم أن المسلمين ظلموهم في إغلاقها فهذا كذب مخالف لأهل العلم فإن علماء المسلمين من أهل المذاهب الأربعة مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد و غيرهم والأوزاعي والليث بن سعد وغيرهم ومن قبلهم من الصحابة والتابعين متفقون علي أن الإمام لو هدم كل كنيسة بأرض العنوة كأرض مصر والسودان بالعراق وبر الشام ونحو ذلك مجتهدا في ذلك ومتبعا في ذلك لمن يري ذلك لم يكن ذلك ظلما منه بل تجب طاعته في ذلك وإن امتنعوا عن حكم المسلمين لهم كنوا ناقصين العهد وحلت بذلك دماؤهم وأموالهم ". وأما قولهم: إن هذه الكنائس من عهد عمر بن الخطاب، وأن الخلفاء الراشدين أقروهم عليها فهذا أيضا من الكذب فإن من المعلوم المتواتر أن القاهرة بنيت بعد عمر بن الخطاب [ صفحه 170] بثلاثمائة سنة بنيت بعد بغداد وبعد البصرة والكوفة وواسط وقد اتفق المسلمون علي أن ما بناه المسلمون من المدائن لم يكن لأهل الذمة أن يحدثوا فيه كنيسة مثل ما فتحه المسلمون صلحا وأبقوا لهم كنائسهم القديمة بعد أن شرط عليهم فيها عمر بن الخطاب أن لا يحدثوا كنيسة في أرض الصلح فكيف في بلاد المسلمين بل إذا كان لهم كنيسة بأرض العنوة كالعراق ومصر ونحو ذلك فبني المسلمون مدينة عليها فإن لهم أخذ تلك الكنيسة لئلا تترك في مدائن المسلمين كنيسة بعد عهد فإن في سنن أبي داود بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال " لا تصلح قبلتان بأرض ولا جزية علي مسلم " والمدينة التي يسكنها المسلمون والقرية التي يسكنها المسلمون وفيها مساجد المسلمين لا يجوز أن يظهر فيها شئ من شعائر الكفر لا كنائس ولا غيرها إلا أن يكون لهم عهد فيوفي لهم بعهدهم، فلو كان بأرض القاهرة ونحوها كنيسة قبل بنائها لكان للمسلمين أخذها لأن الأرض عنوة فكيف وهذه الكنائس محدثة أحدثها النصاري. وقد كان في بر مصر كنائس قديمة لكن تلك الكنائس أقرهم المسلمون عليها حين فتحوا البلاد لأن الفلاحين كلهم كانوا نصاري ولم يكونوا مسلمين وإنما كان المسلمون الجند خاصة وأقروهم كما أقر النبي صلي الله عليه وسلم اليهود علي خيبر لما فتحها لأن اليهود كانوا فلاحين وكان المسلمون مشتغلين بالجهاد. ثم إنه بعد هذا في خلافة عمر بن الخطاب لما كثر المسلمون واستغنوا عن اليهود أجلاهم عن خيبر كما أمر بذلك النبي صلي الله عليه وسلم حيث قال " أخرجوا اليهود والنصاري من جزيرة العرب " حتي لم يبق في خيبر يهودي وهكذا القرية التي يكون أهلها نصاري وليس عندهم مسلمون ولا مسجد للمسلمين فإذا أقرهم المسلمون علي كنائسهم التي فيها جاز ذلك كما فعله المسلمون، وأما إذا سكنها المسلمون وبنوا بها مساجدهم فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم " لا تصلح قبلتان بأرض " وفي أثر آخر " لا يجتمع بيت رحمة وبيت عذاب " والمسلمون قد كثروا بالديار المصرية وعمرت في هذه الأوقات حتي صار أهلها بقدر ما كانوا في زمان صلاح الدين مرات متعددة. وإنما قويت شوكة النصاري والتتار بعد موت العادل أخي صلاح الدين حتي إن بعض الملوك أعطاهم بعض مدائن المسلمين وحدث حوادث بسبب التفريط فيما أمر الله به ورسوله صلي الله عليه وسلم فإن الله تعالي يقول " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الدين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " [ صفحه 171] فكان ولاة الأمور الذين يهدمون كنائسهم ويقيمون أمر الله فيهم كعمر ابن عبد العزيز وهارون الرشيد ونحو هما مؤيدين منصورين وكان الذين هم بخلاف ذلك مغلوبين مقهورين. وكل من عرف سير الناس وملوكهم رأي كل من كان أنصر لدين الإسلام وأعظم جهاد لأعدائه وأقوم بطاعة الله ورسوله أعظم نصرة وطاعة وحرمة من عهد عمر بن الخطاب إلي هذا الزمان وقد أخذ المسلمون منهم كنائس كثيرة من أرض العنوة بعد أن أقروا عليها في خلافة عمر بن عبد العزيز وغيره من الخلفاء وليس في المسلمين من أنكر ذلك فعلم أن هدم كنائس العنوة جائز إذا لم يكن فيه ضرر علي المسلمين فأعرض من أعرض عنهم كان لقلة المسلمين ونحو ذلك من الأسباب كما أعرض النبي صلي الله عليه وسلم عن إجلاء اليهود حتي أجلاهم عمر بن الخطاب. وليس لأحد من أهل الذمة أن يكاتبوا أهل دينهم من أهال الحرب ولا يخبروهم بشئ من أخبار المسلمين ولا يطلب من رسولهم أن يكلف ولي أمر المسلمين ما فيه ضرر علي المسلمين ومن فعل ذلك منهم وجبت عقوبته باتفاق المسلمين وفي أحد القولين يكون قد نقض عهده وحل دمه وماله. ومن قال إن المسلمين يحصل لهم ضرر إن لم يجابوا إلي ذلك لم يكن عارفا بحقيقة الحال فإن المسلمين قد فتحوا ساحل الشام وكان ذلك أعظم المصائب عليهم أخذ أموالهم وهدم كنائسهم ومع هذا لم يدخل علي المسلمين بذلك إلا كل خير فإن المسلمين مستغنون عنهم وهم إلي ما في بلاد المسلمين أحوج من المسلمين إلي ما في بلادهم بل مصلحة دينهم ودنياهم. فأما الأندلس فهم لا يتركون المسلمين في بلادهم إلا لحاجتهم إليهم وخوفهم من التتار فإن المسلمين عند التتار أعز من النصاري و أكرم ولو قدر أنهم قادرون علي من عندهم من المسلمين فالمسلمون أقدر علي من عندهم من النصاري والنصاري الذين في ذمة المسلمين فيهم من البتاركة وغيرهم من علماء النصاري ورهبانهم وليس عند النصاري مسلم يحتاج إليه المسلمون ولله الحمد مع أن فكاك الأساري من أعظم الواجبات، وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات وكلم مسلم يعلم أنهم يتجرون إلي بلاد المسلمين إلا لأغراضهم لا لنفع المسلمين، ولو منعهم ملوكهم من ذلك لكان حرصهم علي المال يمنعهم من الطاعة فإنهم أرغب الناس في المال ولهذا يتقامرون في الكنائس وهم طوائف مختلفون وكل طائفة تضاد الأخري ولا يشير علي ولي أمر المسلمين بما فيه إظهار شعائرهم في بلاد الإسلام أو تقوية أمرهم بوجه [ صفحه 172] من الوجوه إلا رجل منافق يظهر الإسلام وهو منهم في الباطن أو رجل له غرض فاسد أو رجل جاهل في غاية الجهل لا يعرف السياسة الشرعية الإلهية تنصر سلطان المسلمين علي أعدائه وأعداء الدين وإلا فمن كان عارفا ناصحا له أشار عليه بما يوجب نصره وثباته وتأييده واجتماع قلوب المسلمين عليه وفتحهم له ودعاء الناس له في مشارق الأرض ومغاربها وهذا كله إنما يكون بإعزاز دين الله وإظهار كلمة الله وإذلال أعداء الله تعالي. وليعتبر المعتبر بسيرة نور الدين وصلاح الدين ثم العادل كيف مكنهم الله وأيدهم وفتح لهم البلاد وأذل لهم الأعداء لما قاموا من ذلك بما قاموا به، وليعتبر بسيرة من والي النصاري كيف أذله الله تعالي وكبته وليس المسلمون محتاجين إليهم ولله الحمد فقد كتب خالد ابن الوليد إلي عمر يقول إن بالشام كاتبا نصرانيا لا يقوم خراج الشام إلا به. فكتب إليه لا تستعمله. فكتب إنه لا غني بنا عنه. فكتب إليه عمر: لا تستعمله " فكتب إليه: إذ لم نوله ضاع المال. فكتب إليه عمر " مات النصراني والسلام ". وثبت في الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم أن مشركا لحقه ليقاتل معه فقال له " إني لا أستعين بمشرك " وكما أن الجند المجاهدين إنما يصلحون إذا كانوا مسلمين مؤمنين وفي المسلمين كفاية في جميع مصالحهم ولله الحمد. ودخل أبو موسي الأشعري علي عمر بن الخطاب فعرض عليه حساب العراق فأعجبه ذلك فقال " ادع كاتبك يقرؤه فقال: إنه لا يدخل المسجد قال " ولم " قال " لأنه نصراني " فضربه عمر بالدرة فلو أصابته لأوجعته ثم قال: لا تعزوهم بعد أن أذلهم الله ولا تأمنوهم بعد أن خونهم الله، ولا تصدقوهم بعد أن أكذبهم الله " والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها قلوبهم واحدة موالية لله ورسوله ولعبادة المؤمنين معادية لأعداء الله ورسوله، وأعداء الدين وقلوبهم الصادقة وأدعيتهم الصالحة هن العسكر الذي لا يغلب والجند الذي لا يخذل فإنهم الطائفة المنصورة إلي يوم القيامة كما أخبر رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال الله تعالي (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون، ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور). فقد عرف أهل الخبرة أن أهل الذمة من اليهود والنصاري والمنافقين يكاتبون أهل دينهم بأخبار المسلمين وبما يطلعون علي ذلك من أسرارهم حتي أخذ جماعة من المسلمين في بلاد [ صفحه 173] التتر وسبي وغير ذلك بمطالعة أهل الذمة لأهل دينهم ومن الأبيات المشهورة قول بعضهم: كل العداوات قد ترجي مودتها++ إلا عداوة من عاداك في الدين ولهذا وغيره منعوا أن يكونوا علي ولاية المسلمين أو علي مصلحة من يقويهم أو يفضل عليهم في الخبرة والأمانة من المسلمين من هو دونهم في الكفاية أنفع للمسلمين في دينهم ودنياهم والقليل من الحلال يبارك فيه والحرام الكثير يذهب ويمحقه الله تعالي والله أعلم.. ثم ذكر الشروط العمرية لأهل الذمة التي من ضمنها أن لا يتخذوا من مدائن الإسلام ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة لراهب ولا يجددوا ما خرب منها " وقال " فمن خرج عن شرط من هذه الشروط فقد حل للمسلمين منهم ما حل من أهل المعاندة والشقاق وليتقدم حاكم المسلمين بطلب من يكون من أكابر النصاري ويلزمهم بهذه الشروط العمرية أعز الله أنصارها آمين. " ا. هـ [226] . [ صفحه 177]

رسالة أسد بن موسي إلي أسد بن الفرات

يا أخي أن ما حملني علي الكتابة إليك إلا ذكر أهل بلدك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس، وحسن حالك مما ظهرت من السنة، وعيبك لأهل البدع وكثرة ذكرك لهم وطعنك عليهم فقمعهم الله بك وشد بك ظهر أهل السنة وقواك عليهم، بإظهار عيبهم والطعن عليهم فأذلهم الله بيدك وصاروا ببدعتهم مستترين، فأبشر يا أخي بثواب ذلك واعتد به من أفضل حسناتك من الصلاة والصيام والحج والجهاد، وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله تعالي وإحياء سنة رسول الله (ص).. وقد قال رسول الله (ص) من أحيي شيئا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وضم بين إصبعيه.. وقال: أيما داع دعي إلي هدي فاتبع عليه كان له مثل آخر من اتبعه إلي يوم القيامة.. وذكر أيضا أن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا يذب عنها وينطق بعلامتها. فاغتنم يا أخي هذا الفضل وكن من أهله فإن النبي (ص) قال: لمعاذ حين بعثه إلي اليمن وأوصاه لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خيرا لك من كذا وكذا وأعظم القول فيه. فاغتنم ذلك وادع إلي السنة حتي يكون لك في ذلك ألفة وجماعة يقومون مقامك أن حتي بك حدث فيكونون أئمة بعدك فيكون لك ثواب ذلك إلي يوم القيامة، كما جاء في الأثر فاعمل علي بصيرة ونية وحسبة، فيرد الله بك المبتدع المفتون الزائغ الحائر فتكون خلفا من نبيك (ص) فإنك لن تلق الله بعمل يشبه.. وإياك إن يكون لك من أهل البدع أخ أو جليس أو صاحب فإنه جاء في الأثر (من جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلي نفسه، ومن مشي إلي صاحب بدعة مشي في هدم الإسلام) وجاء ما من إله يعبد من دون الله أبغض إلي الله من صاحب هوي. وقد وقعت اللعنة من رسول الله (ص) علي أهل البدع وأن الله لا يقبل منهم صرفا ولا عدلا ولا فريضة ولا تطوعا وكلما زادوا اجتهادا أو صوما وصلاة، ازدادوا من الله بعدا فارفض مجالسهم وأذلهم وأبعدهم كما أبعدهم الله وأذلهم رسول الله (ص) وأئمة الهدي بعده. واعلم رحمك الله: أن كلامه وما يأتي من كلام أمثاله من السلف في معادات أهل البدع والضلالة ضلالة لا تخرج عن الملة. [ صفحه 178] لكنهم شددوا في ذلك وحذروا منه لأمرين: الأول غلظ البدعة في الدين في نفسها فهي عندهم أجل من الكبائر، ويعاملون أهلها بأغلظ مما يعاملون أهل الكبائر كما تجد في قلوب الناس اليوم أن الرافضي عندهم ولو كان عالما عابدا أبغض وأشد ذنبا من السني المجاهر بالكبائر. الأمر الثاني، أن البدع تجر إلي الردة الصريحة كما وجد من كثير من أهل البدع. فمثال البدعة التي شددوا فيها مثل تشديد النبي (ص) فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح خوفا مما وقع من الشرك الصريح الذي يصير به المسلم مرتدا. فمن فهم هذا فهم الفرق بين البدع وبين ما نحن فيه من الكلام في الردة ومجاهدة أهلها، أو النفاق الأكبر ومجاهدة أهله وهذا هو الذي نزلت فيه الآيات المحكمات. ومثل قوله تعالي (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه) الآية. وقوله تعالي (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير، يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) الآية. وقال ابن وضاح في كتاب البدع والحوادث بعد حديث ذكره أنه سيقع في هذه الأمة فتنة الكفر وفتنة الضلالة. قال: إن فتنة الكفر هي الردة يحل فيها السبي والأموال. وفتنة الضلالة لا يحل فيها السبي والأموال، ولعله وهذا الذي نحن فيه فتنة ضلالة لا يحل فيها السبي ولا الأموال. وقال: أيضا أخبرنا أسد أخبرنا رجل عن ابن المبارك قال ابن مسعود أن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا من أوليائه يذب عنه وينطق بعلامتها: فاغتنموا حضور تلك المواطن وتوكلوا علي الله وكفي بالله وكيلا. ثم ذكر بإسناده عن بعض السلف قال لأن أرد رجلا عن رأي سيئ أحب إلي من اعتكاف شهر. أخبرنا أسد عن أبي إسحاق عن الأوزاعي قال كان بعض أهل العلم يقولون لا يقبل الله من ذي بدعة صلاة ولا صدقة، ولا صياما، ولا جهادا، ولا حجا، ولا صرفا، ولا عدلا، وكانت أسلافكم تشتد عليهم ألسنتهم وتشمئز منهم قلوبهم ويحذرون الناس بدعتهم. [ صفحه 179] قال: ولو كانوا مستترين ببدعتهم دون الناس ما كان لأحد أن يهتك سترا عليهم، ولا يظهر منهم عورة، الله أولي بالأخذ بها وبالتوبة عليها، فأما إذا جاهروا فنشر العلم حياة والبلاغ عن رسول الله (ص) رحمة يعتصم بها علي مصر ملحد. ثم روي بإسناده قال جاء رجل إلي حذيفة، وأبو موسي الأشعري قاعد فقال أرأيت رجالا ضرب بسيفه غضبا لله حتي قتل، أفي الجنة أم في النار؟ فقال أبو موسي في الجنة! فقال: حذيفة استفهم الرجل وأفهمه، ما تقول حتي فعل ذلك ثلاث مرات، فلما كان في الثالثة قال: والله لأستفهمه فدعا به حذيفة فقال: رويدك وما يدريك أن صاحبك لو ضرب بسيفه حتي ينقطع فأصاب الحق حتي يقتل عليه فهو في الجنة، وإن لم يصب الحق ولم يوفقه الله للحق فهو في النار، ثم قال والذي نفسي بيده ليدخلن النار في مثل الذي سألت عنه أكثر من كذا وكذا. ثم ذكر بإسناده عن الحسن قال لا تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك. ثم ذكر بإسناده عن سيفان الثوري قال: من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدي ثلاث، إما أن يكون فتنة لغيره، وإما أن يقع في قلبه شئ فينزل به فيدخله الله النار. وإما أن يقول والله ما أبالي ما تكلموه، وأني واثق بنفسي، فمن أمن الله علي دينه طرفة عين سلبه إياه. ثم ذكر بإسناده عن بعض السلف قال: من أتي صاحب بدعة ليوقره فقد أعان علي هدم الإسلام. أخبرنا أسد قال: حدثنا كثير أبو سعيد قال: من جلس إلي صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلي نفسه. أخبرنا أسد بن موسي قال: أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب قال أبو قلابة: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما تعرفون. قال أيوب: وكان والله من الفقهاء ذوي الألباب. أخبرنا أسد ابن موسي قال: أخبرنا زيد عن محمد بن طلحة قال قال: إبراهيم لا تجالسوا أصحاب البدع، ولا تكلموهم فإني أخاف أن ترد قلوبكم. أخبرنا أسد بالإسناد عن أبي هريرة قال: رسول الله (ص) الرجل علي دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. [ صفحه 180] أخبرنا أسد أخبرنا مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن أيوب قال: دخل علي محمد بن سيرين يوما رجل فقال: يا أبا بكر أقرأ عليك آية من كتاب الله لا أزيد علي أن اقرأها ثم أخرج، فوضع إصبعيه في أذنيه ثم قال: أخرج عليه إن كنت مسلما لما خرجت من بيتي، قال فقال يا أبا بكر لا أزيد علي أن أقر ثم أخرج، فقام: بإزاره يشد عليه وتهيأ للقيام قال: فأقبلنا علي الرجل فقلنا قد حرج عليك إلا خرجت. أفيحل لك أن تخرج رجلا من بيته قال: فخرج، فقلنا يا أبا بكر ما عليك لو قرأ آية ثم خرج، قال إني والله لو ظننت أن قلبي يثبت علي ما هو عليه ما باليت أن يقرأ ولكن خفت أن يلقي في قلبي شيئا أجهد أن أخرجه من قلبي فلا أستطيع. أخبرنا أسد قال: أخبرنا ضمرة عن سودة قال: سمعت عبد الله بن القاسم وهو يقول ما كان عبد علي هوي فتركه إلا آل إلي ما هو شر منه. قال: فذكرت ذلك لبعض أصحابنا فقال: تصديقه في حديث عن النبي (ص) يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية ثم لا يرجعون حتي يرجع السهم إلي فوقه. أخبرنا أسد قال: أخبرنا موسي بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن أيوب قال: كان رجل يري رأيا فرجع عنه فأتيت محمدا فرحا بذلك فأخبرته، فقلت أشعرت أن فلانا ترك رأيه الذي كان يري فقال: انظروا إلي ما يتحول، إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله يمرقون من الإسلام لا يعودن إليه. ثم روي بإسناده عن حذيفة أنه أخذ حصاه بيضاء فوضعها في كفه، ثم قال: إن هذا الدين قد استضاء هذه الحصاة ثم أخذ كفا من تراب فجعل يذره علي الحصاة حتي واراها ثم قال: والذي نفسي بيده ليجيئن أقوام يدفنون الدين كما دفنت هذه الحصاة. أخبرنا محمد بن سعيد بإسناده عن أبي الدرداء قال: لو خرج رسول الله (ص) اليوم إليكم ما عرف شيئا مما كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة.. قال: الأوزاعي فكيف لو كان اليوم قال عيسي يعني الراوي عن الأوزاعي فكيف لو أدرك الأوزاعي هذا الزمان، أخبرنا سليمان بن محمد بإسناده عن علي أنه قال: تعلموا العلم تعرفون به، واعملوا به تكونوا من أهله فإنه سيأتي بعدكم زمان ينكر الحق فيه تسعة أعشارهم. [ صفحه 181] أخبرنا يحيي بإسناده عن أبي سهل بن مالك عن أبيه أنه قال: ما عرف منكم شيئا مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة. حدثني إبراهيم بن محمد بإسناده عن أنس قال: ما أعرف منكم شيئا كنت أعهده علي عهد رسول الله (ص) ليس قولكم لا إله إلا الله. أخبرنا أسد بإسناده عن الحسن قال: لو أن رجلا أدرك السلف الأول، ثم بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا قال: ووضع يده علي خده ثم قال: إلا هذه الصلاة، ثم قال: أما والله لمن عاش في هذه النكرا؟؟؟ ولم يدرك هذا السلف الصالح فرأي مبتدعا يدعو إلي بدعته ورأي صاحب دنيا يدعوا إلي دنياه فعصمة الله عن ذلك وجعل قلبه يحن إلي قلبه يحن إلي ذكر هذا السلف الصالح ويقتص آثارهم ويتبع سبيلهم ليعوض أجرا عظيما فكذلك كونوا إن شاء الله تعالي. حدثني محمد بن عبد الله بن محمد بإسناده عن ميمون بن مهران قال: لو أن رجلا نشر فيكم من السلف ما عرف فيكم غير هذه القبلة. أخبرنا محمد بن قدامة بإسناده عن أم الدرداء قالت دخل علي أبو الدرداء مغضبا فقلت له ما أغضبك فقال: والله ما أعرف فيهم من أمر محمد (ص) إلا أنهم يصلون جميعا. وفي لفظ: لو أن رجلا تعلم الإسلام وأهمله ثم تفقده ما عرف منه شيئا. حدثني إبراهيم بإسناده عن عبد الله بن عمرو قال: لو أن رجلين من أوائل هذه الأمة خليا بمصحفيهما في بعض هذه الأودية لأتيا الناس اليوم ولا يعرفان شيئا مما كانا عليه. قال مالك: وبلغني أن أبا هريرة تلي (إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا) فقال: والذي نفسي بيده أن الناس ليخرجون اليوم من دينهم أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا. قف تأمل رحمك الله إذا كان هذا في زمن التابعين بحضرة أواخر الصحابة، فكيف يغتر المسلم بالكثرة أو تشكل عليه ولا يستدل بها علي الباطل. ثم روي ابن وضاح بإسناده عن أبي أمية قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت يا أبا ثعلبة كيف تصنع في هذه الآية؟ قال أية آية؟ قلت قول الله تعالي (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قال أما والله لقد سألت عنها خبيرا سئلت عنها رسول الله (ص) فقال بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتي إذا رأيت شحا مطاعا، و هوي متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي [ صفحه 182] رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك أمر العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر فيهن مثل القبض علي الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله قيل يا رسول الله أجر خمسين منهم قال أجر خمسين منكم. ثم روي بإسناده عن عبد الله بن عمرو أن النبي (ص) قال: طوبي للغرباء ثلاثا قالوا يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال: ناس صالحون قليل في أناس سوء كثير من يبغضهم أكثر ممن يحبهم. أخبرنا أسد بإسناده عن عبد الله أنه سمع رسول الله يقول أن السلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدا فطوبي للغرباء قيل ومن الغرباء يا رسول الله قال الذين يصلحون إذا فسد الناس، هذا آخر ما نقلته من كتاب البدع والحوادث للإمام الحافظ محمد بن وضاح. فتأمل رحمك الله أحاديث الغربة وبعضها في الصحيح مع كثرتها وشهرتها. وتأمل إجماع العلماء كلهم أن هذا قد وضع في زمن طويل حتي قال ابن القيم: الإسلام في زماننا أغرب منه في أول ظهوره. فتأمل هذا تأملا جيدا لعلك أن تسلم من هذه الهوة الكبيرة التي هلك فيها أكثر الناس وهي الاقتداء بالكثرة والسواد الأكبر والنفرة من الأقل فما أقل من سلم منها ما أقله.. ولنختم ذلك بالحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويعتقدون بأمره (وفي رواية يهتدون بهدية) ويستنون بسنته، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. [227] . [ صفحه 185]

المنكرات من الأعيان والصور وأدوات اللهو

المنكرات من الأعيان والصور، يجوز إتلاف محلها تبعا لها، مثل الأصنام المعبودة من دون الله، لما كانت صورها منكرة: جاز إتلاف مادتها، فإذا كانت حجرا أو خشبا ونحو ذلك: جاز تكسيرها وتحريقها وكذلك آلات الملاهي - كالطنبور - يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء وهو مذهب مالك، وأشهر الروايتين عن أحمد. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل كسر عودا كان مع أمه لإنسان، فهل يغرمه، أو يصلحه؟ قال: لا أري عليه بأسا أن يكسره، ولا يغرمه ولا يصلحه قيل له: فطاعتها؟ قال ليس لها طاعة في هذا. وقال أبو داود: سمعت أحمد يسأل عن قوم يلعبون بالشطرنج فنهاهم فلم ينتهوا، فأخذ الشطرنج فرمي به؟ قال: قد أحسن. قيل: فليس عليه شئ؟ قال: لا. قيل له: كذلك إن كسر عودا أو طنبورا؟ قال: نعم. قال عبد الله: سمعت أبي - في رجل يري مثل الطنبور أو الطبل، أو ما أشبه هذا - ما يصنع به؟ قال: إذا كان مكشوفا فاكسره. وقال يوسف بن موسي، وأحمد بن الحسن: أن عبد الله سئل عن الرجل يري الطنبور والمنكر: أيكسره؟ قال: لا بأس. وقال أبو الصقر: سألت أبا عبد الله عن رجل رأي عودا أو طنبورا فكسره، ما عليه؟ قال: قد أحسن، وليس عليه في كسره شئ. وقال جعفر بن محمد سألت أبا عبد الله عمن كسر الطنبور والعود فلم ير عليه شيئا. وقال إسحاق بن إبراهيم: سئل أحمد عن الرجل يري الطنبور أو طبلا مغطي: أيكسره؟ قال: إذا تبين أنه طنبور أو طبل كسره. وقال أيضا: سألت أبا عبد الله عن الرجل يكسر الطنبور، أو الطبل: عليه في ذلك شئ؟ قال يكسر هذا كله، وليس يلزمه شئ. وقال المروذي: سألت أبا عبد الله عن كسر الطنبور الصغير يكون مع الصبي؟ قال: يكسر أيضا، قلت: أمر في السوق فأري الطنبور يباع: أأكسره؟ قال: ما أراك تقوي، إن قويت - أي فافعل - قلت: أدعي لغسل الميت، فأسمع صوت الطبل؟ قال: إن قدرت علي كسره وإلا فاخرج. [ صفحه 186] وقال في رواية إسحاق بن منصور - في الرجل يري الطنبور والطبل والقنينة - قال: إذا كان طنبور أو طبل، وفي القنينة مسكر: اكسره. وفي مسائل صالح، قال أبي: يقتل الخنزير، ويفسد الخمر، ويكسر الصليب. وهذا قول أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وإسحاق بن راهويه، وأهل الظاهر، وطائفة من أهل الحديث، وجماعة من السلف، وهو قول قضاة العدل. قال أبو حصين: كسر رجل طنبورا، فخاصمه إلي شريح، فلم يضمنه شيئا. وقال أصحاب الشافعي: يضمن ما بينه وبين الحد المبطل للصورة وما دون ذلك: فغير مضمون، لأنه مستحق الإزالة، وما فوقه فقابل للتمول: لتأتي الانتفاع به، والمنكر إنما هو الهيئة المخصوصة، فيزول بزوالها، ولهذا أوجبنا الضمان في الصائل بما زاد علي قدر الحاجة في الدفع، وكذا الحكم في البغاة في اتباع مدبرهم، والاجهاز علي جريحهم، والميتة: في حال المخمصة، لا يزاد علي قدر الحاجة في ذلك كله. حرق العجل المعبود: قال أصحاب القول الأول: قد أخبر الله سبحانه عن كليمه موسي عليه السلام: أنه أحرق العجل الذي عبد من دون الله، ونسفه في اليم، وكان من ذهب وفضة، وذلك محق له بالكلية، وقال عن خليله إبراهيم عليه السلام: (فجعلهم جذاذا) وهو الفتات، وذلك نص في الاستئصال، وروي أحمد في مسنده والطبراني في المعجم من حديث الفرج بن فضالة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " إن الله بعثني رحمة للعالمين، وهدي للعالمين، وأمرني ربي بمحق المعازف والمزامير والأوثان، والصليب، وأمر الجاهلية ". وأيضا: فالقياس يقتضي ذلك، لأن محل الضمان: هو ما قبل المعاوضة، وما نحن فيه لا يقبلها البتة، فلا يكون مضمونا، وإنما قلنا: لا يقبل المعارضة، لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام " وهذا نص، وقال " إن الله إذا حرم شيئا ثمنه " والملاهي محرمات بالنص، فحرم بيعها. وأما قبول ما فوق الحد المبطل للصورة لجعله آنية: فلا يثبت به وجوب الضمان، لسقوط [ صفحه 187] حرمته، حيث صار جزء المحرم، أو ظرفا له، كما أمر به النبي صلي الله عليه وسلم من كسر دنان الخمر، وشق ظروفها، فلا ريب أن للمجاورة تأثيرا في الامتهان والإكرام، وقد قال تعالي: (وقد نزل عليكم في الكتاب: أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتي يخوضوا في حديث غيره. إنكم إذا مثلهم) وسئل النبي صلي الله عليه وسلم عن القوم: يكونون بين المشركين يؤاكلونهم ويشاربونهم؟ فقال: هم منهم هذا لفظه أو معناه. فإذا كان هذا في المجاورة المنفصلة فكيف بالمجاورة التي صارت جزءا من أجزاء المحرم، أو لصيقة به؟ وتأثير الجوار ثابت عقلا وشرعا وعرفا. والمقصود: أن إتلاف المال - علي وجه التعزير والعقوبة - ليس بمنسوخ، وقد قال أبو الهياج الأسدي: قال لي علي بن أبي طالب " ألا أبعثك علي ما بعثني عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ ألا أدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته وهذا يدل علي طمس الصور في أي شئ كانت، وهدم القبور المشرفة، وإن كانت من حجارة أو آجر أو لبن. محو التصاوير: قال المروذي: قلت لأحمد: الرجل يكتري البيت، فيري فيه تصاوير تري أن يحكها؟ قال: نعم، وحجته: هذا الحديث الصحيح. وروي البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه " أن النبي صلي الله عليه وسلم لما أري الصور في البيت لم يدخل حتي أمر بها فمحيت. وفي الصحيحين: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ". وفي صحيح البخاري عن عائشة: " أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان لا يترك في بيته شيئا فيه تصليب إلا قصة ". وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية. فهؤلاء رسل الله، صلوات الله وسلامه عليهم - إبراهيم وموسي وعيسي وخاتم المرسلين [ صفحه 188] محمد صلي الله عليه وسلم - كلهم علي محق المحرم وإتلافه بالكلية، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم، فلا التفات لي من خالف ذلك. كسر آنية الفضة: وقد قال المروذي: قلت لأبي عبد الله: دفع إلي إبريق فضة لأبيعه، أتري أن أكسره، أو أبيعه كما هو؟ قال: اكسره. وقال: قيل لأبي عبد الله: أن رجلا دعا قوما، فجيئ بطست فضة وإبريق فضة، فكسره، فأعجب أبا عبد الله كسره. وقال: بعثني أبو عبد الله إلي رجل بشئ، فدخلت عليه، فأتي بمكحلة رأسها مفضض، فقطعتها، فأعجبه ذلك، وتبسم. ووجه ذلك: أن الصناعة محرمة، فلا قيمة لها ولا حرمة. وأيضا: فتعطيل هذه الهيئة مطلوب، فهو بذلك محسن، وما علي المحسنين من سبيل. حرق الكتب المظلة وإتلافها: وكذلك لا ضمان في تحريق الكتب المضلة وإتلافها. قال المروذي: قلت لأحمد: استعرت كتابا فيه أشياء رديئة، تري أن أخرقه أو أحرقه؟ قال: نعم، وقد " رأي النبي صلي الله عليه وسلم بيد عمر كتابا اكتتبه من التوراة، وأعجبه موافقته للقرآن، فتمعر وجه النبي صلي الله عليه وسلم، حتي ذهب به عمر إلي التنور فألقا فيه ". فكيف لو رأي النبي (ص) ما صنف بعده من الكتب يعارض بها ما في القرآن والسنة؟ والله المستعان، وقد " أمر النبي (ص) من كتب عنه شيئا غير القرآن أن يمحوه " ثم " أذن في كتابة سنته " ولم يأذن في غير ذلك. وكل هذه الكتب المتضمنة لمخالفة السنة: غير مأذون فيها، بل مأذون في محقها وإتلافها، وما علي الأمة أضر منها، وقد حرق الصحابة جميع المصاحف المخالفة لمصحف عثمان، لما خافوا علي الأمة من الاختلاف، فكيف لو رأوا هذه الكتب التي أوقعت الخلاف والتفرق بين الأمة؟ [ صفحه 189] وقال الخلال: أخبرني محمد بن أبي هارون: أن أبا الحادث حدثهم قال: قال أبو عبد الله: أهلكهم وضع الكتب، تركوا آثار رسول الله صلي الله عليه وسلم، وأقبلوا علي الكلام. القرآن والحديث لا الرأي: وقال: أخبرني محمد بن أحمد بن واصل المقري قال: سمعت أبا عبد الله - وسئل عن الرأي؟ فرفع صوته، وقال: لا يثبت شئ من الرأي عليكم بالقرآن والحديث والآثار. وقال في رواية ابن مشيش: إن أبا عبد الله سأله رجل، فقال: اكتب الرأي؟ فقال: ما تصنع بالرأي؟ عليك بالسنن فتعلمها، وعليك بالأحاديث المعروفة. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: هذه الكتب بدعة وضعها وقال إسحاق بن منصور: سمعت أبا عبد الله يقول: لا يعجبني شئ من وضع الكتب، من وضع شيئا من الكتب فهو مبتدع. وقال المروذي: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا حماد بن زيد قال: قال لي ابن عون: يا حماد، هذه الكتب تضل. وقال الميموني: ذاكرت أبا عبد الله خطأ الناس في العلم، فقال: وأي الناس لا يخطئ؟ لا سيما من وضع الكتب، فهو أكثر خطأ. وقال إسحاق: سمعت أبا عبد الله - وسأله قوم من أردبيل عن رجل يقال له: عبد الرحيم، وضع كتابا - فقال أبو عبد الله: هل أحد من أصحاب رسول (ص) فعل ذا؟ أو أحد من التابعين؟ و أغلظ وشدد في أمره، وقال: انهوا الناس عنه، وعليكم بالحديث. وقال في رواية أبي الحارث: ما كتبت من هذه الكتب الموضوعة شيئا قط. وقال محمد بن زيد المستملي: سأل أحمد رجل، فقال: اكتب كتب الرأي؟ قال لا تفعل، عليك بالحديث والآثار، فقال له السائل: إن ابن المبارك قد كتبها، فقال له أحمد: ابن المبارك لم ينزل من السماء، وإنما أمرنا أن نأخذ العلم من فوق. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي - وذكر وضع الكتب - فقال: أكرهها، هذا أبو فلان وضع كتاب، فجاء أبو فلان فوضع كتاب، وجاء فلان فوضع كتابا، فهذا لا انقضاء له، كلما جاء رجل وضع كتابا، وهذه الكتب وضعها بدعة، كلما جاء رجل وضع كتابا، ترك حديث رسول (ص) وأصحابه، وعاب وضع الكتب، وكرهه كراهة شديدة [ صفحه 190]

البدع في الكتب

وقال المروذي في موضع آخر: قال أبو عبد الله: يضعون البدع في كتبهم، إنما أحذر عنها أشد التحذير، قلت: إنهم يحتجون بمالك: أنه وضع كتابا؟ فقال أبو عبد الله: هذا ابن عون والتيمي ويونس وأيوب: هل وضعوا كتابا؟ هل كان في الدنيا مثل هؤلاء؟ وكان ابن سيرين وأصحابه لا يكتبون الحديث، فكيف الرأي؟ وكلام أحمد في هذا كثير جدا، قد ذكره الخلال في كتاب العلم. المحظور من الكتب: ومسألة وضع الكتب: فيها تفصيل، ليس هذا موضعه، وإنما كره أحمد ذلك، ومنع منه لما فيه من الاشتغال به، والإعراض عن القرآن والسنة، والذب عنهما، وأما كتب إبطال الآراء، والمذاهب المخالفة لهما فلا بأس، وقد تكون واجبة ومستحبة ومباحة، بحسب اقتضاء الحال والله أعلم. والمقصود: أن هذه الكتب المشتملة علي الكذب والبدعة يجب إتلافها وإعدامها، وهي أولي بذلك من إتلاف آلات اللهو والمعازف، وإتلاف آنية الخمر، فإن ضررها أعظم من ضرر هذه، ولا ضمان فيها، كما لا ضمان في كسر أواني الخمر وشق زقاقها [228] . [ صفحه 193]

مذاهب السلف في قبول شهادة المخالف

قالوا: شروط قبول شهادتهم في ذلك كونهم يعقلون الشهادة في ذلك، وأن يكونوا ذكورا أحرارا، محكوما لهم بحكم الإسلام، اثنين فصاعدا، متفقين غير مختلفين، ويكون ذلك قبل تفرقهم وتخبيهم، ويكون ذلك لبعضهم علي بعض، ويكون في القتل والجرح خاصة، ولا يقبل شهادتهم علي كبير: أنه قتل صغيرا، ولا علي صغير: أنه قتل كبيرا. قالوا: ولوا شهدوا، ثم رجعوا عن شهادتهم: أخذ بالشهادة الأولي ولم يلتفت إلي ما رجعوا إليه. قالوا: ولا خلاف عندنا أنه لا يعتبر فيهم تعديل ولا تجريح. قالوا: واختلف أصحابنا في العداوة والقرابة: هل تقدح في شهادتهم؟ علي قولين، واختلفوا في جريان هذا الحكم في إناثهم، أم هو مختص بالذكور، فلا تقبل فيه شهادة الإناث؟ علي قولين. الحكم بشهادة الفساق: وذلك في صور: إحداهما: الفاسق باعتقاده إذا كان متحفظا في دينه فإن شهادته مقبولة، وإن حكمنا بفسقه، كأهل البدع والأهواء الذين لا نكفرهم، كالرافضة والخوارج والمعتزلة، ونحوهم، هذا منصوص الأئمة. قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء بعضهم علي بعض، إلا الخطابية فإنهم يتدينون بالشهادة لموافقيهم علي مخالفيهم. ولا ريب أن شهادة من يكفر بالذنب ولا يتعمد الكذب أولي بالقبول ممن ليس كذلك، ولم يزل السلف والخلف علي قبول شهادة هؤلاء وروايتهم. شهادة معلن البدعة: وإنما منع الأئمة - كالإمام أحمد ابن حنبل وأمثاله - قبول رواية الداعي المعلن ببدعته وشهادته، والصلاة خلفه: هجرا له، وزجرا لينكف ضرر بدعته عن المسلمين، ففي قبول شهادته وروايته، والصلاة خلفه، واستقضائه وتنفيذ أحكامه: رضي ببدعته، وإقرار له عليها، وتعريض لقبولها منه. [ صفحه 194] شهادة القدرية والرافضة: قال حرب: قال أحمد: لا تجوز شهادة القدرية والرافضة وكل من دعاء إلي بدعة ويخاصم عليها. وقال الميموني: قال أبو عبد الله في الرافضة - لعنهم الله - لا تقبل شهادتهم ولا كرامة لهم. وقال إسحاق بن منصور، قلت لأحمد، كان ابن أبي ليلي يجيز شهادة كل صاحب بدعة إذا كان فيهم عدلا، لا يستحل شهادة الزور.. قال أحمد: ما تعجبني شهادة الجهمية والرافضة والقدرية والمعلنة. وقال الميموني: سمعت أبا عبد الله يقول: من أخاف عليه الكفر - مثل الروافض والجهمية - لا تقبل شهادتهم ولا كرامة لهم. وقال في رواية يعقوب بن بختان: إذا كان القاضي جهميا لا نشهد عنده.. وقال أحمد بن الحسن الترمذي: قدمت علي أبي عبد الله، فقال: ما حال قاضيكم؟ لقد مد له في عمره. فقلت له: إن للناس عندي شهادات، فإذا صرت إلي البلاد لا آمن إذا أشهد عنده أن يفضحني.. قال: لا تشهد عنده.. قلت: يسألني من له عندي شهادة؟ قال: لك ألا تشهد عنده. قلت: من كفر بمذهبه - كمن ينكر حدوث العالم، وحشر الأجساد، وعلم الرب تعالي بجميع الكائنات، وأنه فاعل بمشيئته وإرادته - فلا تقبل شهادته، لأنه علي غير الإسلام وأما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام، ولكهنهم مخالفون في بعض الأصول - كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم - فهؤلاء أقسام: أحدها: الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته، إذا لم يكن قادرا علي تعلم الهدي، وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فأولئك عسي الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفوا غفورا. القسم الثاني: المتمكن من السؤال وطلب الهداية، ومعرفة الحق ولكن يترك ذلك اشتغالا [ صفحه 195] بدنياه ورياسته، ولذته ومعاشه وغير ذلك فهذا مفرط مستحق للوعيد، آثم بترك ما وجب عليه من تقوي الله بحسب استطاعته، فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات، فإن غلب ما فيه من البدعة والهوي علي ما فيه من السنة والهدي: ردت شهادته وإن غلب ما فيه من السنة والهدي: قبلت شهادته. القسم الثالث: أن يسأل ويطلب، ويتبين له الهدي، ويتركه تقليدا وتعصبا، أو بغضا أو معاداة لأصحابه، فهذا أقل درجاته: أن يكون فاسقا، وتكفيره محل اجتهاد وتفصيل، فإن كان معلنا داعية ردت شهادته وفتاويه وأحكامه، مع القدرة علي ذلك، ولم تقبل له شهادة، ولا فتوي ولا حكم، إلا عند الضرورة، كحال غلبة هؤلاء واستيلائهم، وكون القضاة والمفتين والشهود منهم، ففي رد شهادتهم وأحكامهم إذ ذاك فساد كثير، ولا يمكن ذلك، فتقبل للضرورة. مذهب مالك: وقد نص مالك علي أن شهادة أهل البدع - كالقدرية والرافضة ونحوهم - لا تقبل، وإن صلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا. قال اللخمي: وذلك لفسقهم، قال: ولو كان ذلك عن تأويل غلطوا فيه. فإذا كان هذا ردهم لشهادة القدرية - وغلطهم إنما هو من تأويل القرآن كالخوارج - فما الظن بالجهمية الذين أخرجهم كثير من السلف من الثنتين والسبعين فرقة؟ وعلي هذا: فإذا كان الناس فساقا كلهم إلا القليل النادر: قبلت شهادة بعضهم علي بعض، ويحكم بشهادة الأمثل فالأمثل، هذا هو الصواب الذي عليه العمل، وإن أنكره كثير من الفقهاء بألسنتهم، كما أن العمل علي صحة ولاية الفاسق، ونفوذ أحكامه، وإن أنكروه بألسنتهم، وكذلك العمل علي صحة كون الفاسق وليا في النكاح ووصيا في المال. والعجب ممن يسلبه ذلك ويرد الولاية إلي فاسق مثله، أو أفسق منه، فإن العدل الذي تنتقل إليه الولاية قد تعذر وجوده، وامتاز الفاسق القريب بشفقة القرابة، والوصي باختيار الموصي له وإيثاره علي غيره، ففاسق عينه الموصي، أو امتاز بالقرابة: أولي من فاسق ليس كذلك، علي أنه إذا غلب علي الظن صدق الفاسق قبلت شهادته وحكم بها، والله سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق، فلا يجوز رده مطلقا، بل يتثبت فيه حتي يتبين: هل هو صادق أو كاذب؟ فإن كان صادقا: قبل قوله وعمل به، وفسقه عليه، وكان كاذبا: رد خبره ولم يلتفت إليه. [ صفحه 196] رد شهادة الفاسق: ولرد خبر الفاسق وشهادته مأخذان: أحدهما: عدم الوثوق به، إذ تحمله قلة مبالاته بدينه، ونقصان وقار الله في قلبه - علي تعمد الكذب. الثاني: هجرة علي إعلانه بفسقة ومجاهرته به. فقبول شهادته إبطال لهذا الغر ض المطلوب شرعا. من كان فسقه بغير الكذب: فإذا علم صدق لهجة الفاسق، وأنه أصدق الناس - وإن كان فسقه بغير الكذب - فلا وجه لرد شهادته، وقد استأجر النبي (ص) هاديا يدله علي طريق المدينة، وهو مشرك علي دين قومه، ولكن لما وثق بقوله أمنه، ودفع إليه راحلته، وقبل دلالته. وقد قال أصبح بن الفرج: إذا شهد الفاسق عند الحاكم وجب عليه التوقف في القضية، وقد يحتج له بقوله تعالي: (إن جاء كم فاسق بنبأ فتبينوا) وحرف المسألة: أن مدار قبول الشهادة وردها، علي غلبه ظن الصدق وعدمه. [229] . [ صفحه 197]

خاتمة

عرضنا فيما سبق بشئ من التفصيل عدد من الفقهاء كنموذج لحالة التطرف السلفي الذي انعكس علي واقع الخلف ونتج عن هذا الانعكاس صور متعددة من التطرف الحركي برزت علي ساحة الواقع وأصبحت ظاهرة من ظواهر العصر.. إن معالجة هذه الظاهرة لا يتم إلا بمعرفة منابعها، ومعرفة المنابع لن تتحقق إلا بالخوض في عمق التراث، فذلك هو السبيل الوحيد للوصول إلي هذه المنابع وتجفيفها.. إن مواجهة التطرف المعاصر لن يتم ويكتب له النجاح إلا بمواجهة تطرف الماضي فإن أسلحة الحاضر هي نفس أسلحة الماضي. ولقد اعتمد فقهاء الماضي علي الرواية والفتوي.. واعتمد فقهاء الحاضر علي الرواية والفتوي.. من هنا فإن المعالجة تتطلب إعادة النظر في الرواية والفتوي.. تتطلب غربلة التراث الإسلامي.. تتطلب العودة إلي القرآن وجعله الحكم والفيصل في التراث بشكل عام. وفي الرواية والفتوي بشكل خاص. وهذه النماذج المتطرفة التي ألقينا الضوء عليها هنا إنما هي محاولة تشخيص للحالة الدينية في الماضي والحاضر.. وهي مفتاح هذه المسألة التي عكف عليها الكثير من الكتاب والمفكرين وطافوا من حولها دون أن يجدوا الحل الحاسم لها.. وسبب ذلك في نظري يعود إلي ما يلي: أولا: قلة الخبرة والوعي لدي البعض بطبيعة التراث الإسلامي والالمام بجوانبه.. ثانيا: ارتباط البعض بمؤسسات وتوجهات تحول دون الخوض في عمق هذا التراث والتصدي لسلبياته وكشف تناقضاته.. ثالثا: اعتناق فكرة قداسة الماضي ومثاليته مما يحول دون كشف عيوبه والتجرؤ علي رموزه وأسانيده..

پاورقي

[1] كتاب المغازي.
[2] البخاري كتاب الفتن.
[3] مسلم. كتاب الإمارة.
[4] من الروايات المنسوبة للرسول بخصوص الحكام رواية تقول: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع. ورواية تقول: من رأي من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية ورواية تقول: اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم.. انظر مسلم كتاب المارة. والبخاري كتاب الأحكام.
[5] أنظر تاريخ الطبري وترجمة ابن عمر وأنس في كتب التراجم وانظر الفصل القادم.
[6] أنظر كتاب الزهد.
[7] أنظر كتاب العواصم من القواصم. وهو كتاب ملئ با التبريرات والتأويلات التي تنفي الشبهات والاتهامات التي وجهت لعثمان ومعاوية ويزيد.
[8] أنظر المقدمة وانظر العواصم من القواصم، والعقد الفريد ج 2 / 378. والبداية والنهاية لابن كثير ج 8 / 143.
[9] أنظر منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ج 2 / 241: 242. وانظر المنتقي منه. للذهبي والعواصم من القواصم. [
[10] أنظر الفتاوي الكبري ج / 4 / 481 وما بعدها وانظر منها ج السنة.
[11] الوصية الكبري في عقيدة أهل السنة والفرقة الناجية.
[12] تاريخ الأمم الإسلامية ج 2.
[13] مروان بن الحكم طرده الرسول من المدينة ولعنه هو وأبيه الحكم بن العاص وقد أمنه عثمان وأدخله المدينة في حكمه عده بعض الفقهاء من الصحابة. انظر دفاع ابن حجر العسقلاني عنه في هدي الساري. مقدمة فتح الباري شرح البخاري. وانظر الإصابة في تمييز الصحابة له أيضا.. وانظر لنا كتاب السيف والسياسة. وتفاصيل وقعة الجمل في كتب التاريخ.
[14] أنظر طبقات ابن سعد ج 4 / 174. وتاريخ وقعة الحرة عام 63 هـ وصار عسكر يزيد بالمدينة ثلاثا يقتلون وينهبون ويهتكون أعراض نساء الأنصار وأبناء الرسول حتي حملت ألف امرأة سفاحا، وقد وقف الفقهاء من يزيد بعد هذه الحادثة موقف المتفرج رغم أن النصوص صريحة بحرمة المدينة وحصانتها. أنظر نماذج من تلك النصوص في كتب السنن، وانظر تاريخ الخلفاء للسيوطي.
[15] كان أهل المدينة قد أخذوا علي بن أمية حين أخرجوهم العهود والمواثيق أن لا يدلوا علي عورة لهم ولا يظاهروا عليهم عدوا - انظر ابن سعد ج 4 / 174.
[16] ابن سعد ج 4 / 177.
[17] البخاري كتاب الأحكام. وانظر البيهقي ج 8 / 147.
[18] ابن سعد ج 4 / 181.
[19] المرجع السابق ص 182.
[20] المرجع السابق.
[21] أنظر طبقات ابن سعد وانظر تاريخ الخلفاء للسيوطي ترجمة عبد الملك بن مروان.
[22] أنظر العواصم من القواصم والبداية والنهاية ج 9 / 62، وتاريخ الخلفاء.. وقد أصبح ابن ذؤيب المستشار الخاص لعبد الملك بعد توليه الخلافة.
[23] أنظر المراجع السابقة.
[24] أنظر تاريخ الزهري في تذكرة الحفاظ للذهبي وكتب التراجم وطبقات ابن سعد وتاريخ ابن عساكر.
[25] أنظر موطأ مالك كتاب المكاتب وكتاب العقول النكاح ولمروان وولده عبد الملك روايات أخري في كتب السنن المتداولة بين المسلمين.
[26] أنظر البخاري كتاب الأدب المفرد. وانظر العواصم من القواصم والبداية والنهاية.
[27] تاريخ الخلفاء.
[28] المرجع السابق.
[29] المرجع السابق.
[30] المرجع السابق.
[31] المرجع السابق.
[32] المرجع السابق. ترجمة أبو جعفر المنصور.
[33] المرجع السابق.
[34] المرجع السابق.
[35] المرجع السابق.
[36] المرجع السابق.
[37] المرجع السابق.
[38] المرجع السابق.
[39] المرجع السابق.
[40] المرجع السابق. ترجمة المهدي وانظر كتب التاريخ.
[41] المرجع السابق.
[42] المرجع السابق.
[43] المرجع السابق. وهذا يعني أن الذهبي متوقف فيه. فيمكن قبول روايته ويمكن رفضها انظر تاريخ الإسلام للذهبي.
[44] تاريخ الخلفاء وانظر كتب التاريخ، وانظر لنا قصة صالح بن عبد القدوس مع المهدي في كتابنا الكلمة والسيف، وقد قتل المهدي من قتله بتحريض من الفقهاء الذين ألبسوا مخالفيهم تهمة الزندقة.
[45] تاريخ الخلفاء.
[46] المرجع السابق.
[47] المرجع السابق ترجمة هارون الرشيد.
[48] المرجع السابق.
[49] المرجع السابق وانظر سيرة هارون الرشيد في كتب التاريخ - وسفيان بن عيينة أحد الفقهاء ورجال الحديث أما إسحاق فهو مغني الرشيد.
[50] تاريخ الإسلام، وانظر المرجع السابق.
[51] أنظر مقدمة كتاب الخراج.
[52] تاريخ الخلفاء.
[53] المرجع السابق.
[54] المرجع السابق.
[55] المرجع السابق.
[56] المرجع السابق.
[57] المرجع السابق.
[58] المرجع السابق.
[59] المرجع السابق.
[60] المأمون هو عبد الله بن هارون الرشيد ولد سنة (170 هـ) ودانت له الدولة بعد قتل أخيه الأمين سنة (198 هـ) (ت 218 هـ) كان صاحب علم ورأي وفصاحة. وكما مال إلي المعتزلة مال إلي الشيعة أيضا وجعل علي بن موسي الرضا ثامن الأئمة عند الشيعة الإمامية وليا للعهد وأظهر تفضيل علي علي أبي بكر.
[61] تقوم فكرة خلق القرآن علي أساس أن كلام الله سبحانه حديث وأنه أوجد بلغة العرب فمن ثم هو ليس قديما وإنما اخترع لرسالة محمد (ص. وهذه الفكرة قامت في الأساس للتفريق بن ذات الله سبحانه وبين كلامه وهو ما يرفضه الطرف الآخر بزعامة ابن حنبل ويصر علي أن كلام الله قديم قدم ذاته.
[62] أنظر سيرة المتوكل في تاريخ الخلفاء للسيوطي وكتب التاريخ، وانظر فتن الحنابلة وصداماتهم مع الفقهاء والعامة والتيارات الأخري في الكامل في التاريخ لابن الأثير حوادث عام 321 هـ. وحوادث عام 398 ه في تاريخ الإسلام للذهبي. وحوادث عام 475 هـ.
[63] العواصم من القواصم. ونقد المنطق.
[64] المرجع السابق وانظر الاعتصام للشاطبي والعقيدة الواسطة لابن تيمية وشرح أصول الاعتقاد للالكائي وشرف أصحاب الحديث للخطيب. وانظر لنا أهل السنة شعب الله المختار.
[65] العواصم. وانظر سيرة ابن حنبل في تاريخ الإسلام للذهبي وطبقات الحنابلة. والفقهاء الذين يقفون هذا لموقف من المأمون هم الحنابلة.
[66] أنظر كتب التاريخ فترة عصر المتوكل. وانظر تاريخ الخلفاء للسيوطي.. ويروي السيوطي في تاريخ الخلفاء قول أحد الفقهاء: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر في قتل أهل الردة، وعمر بن عبد العزيز في رد المظالم، والمتوكل في إحياء السنة وإماتة التجهم. ويقصد بالتجهم تيار الجهمية المنسوب إلي الجهة بن صفوان الذي قتله ابن الأحوز عام (121 هـ) وهو تيار يتبني المجاز والتأويل فيما يتعلق بصفات الله سبحانه وهي نفس رؤية الشيعة والمعتزلة وفقهاء الحنابلة يطلقون علي كل من يتبني المجاز جهمي. انظر الرد علي الجهمية والزنادقة لابن حنبل.
[67] تاريخ الخلفاء للسيوطي. وقد مات ابن حنبل في أيام المتوكل سنة (241 هـ).
[68] المرجع السابق. والهاشمي نسبة إلي هاشم ويقصد به المتوكل أما الفتح بن خاقان فهو وزيره الذي قتل معه. وكان قتل المتوكل في مجلس لهوه ومعه وزيره سنة 247 هـ.
[69] تاريخ الخلفاء. والحديث رواه الطبراني في معجمه. وتأمل المتوكل يروي عن الرسول (ص) حديث الرفق بينما هو كان جبارا باطشا بالرعية متعصبا ضج الناس من ظلمه وكتب أهل بغداد شتمه علي الحيطان والمساجد وهجاه الشعراء، انظر كتب التاريخ.
[70] تاريخ الخلفاء. وانظر تاريخ دمشق لابن عساكر.
[71] تاريخ الخلفاء والجمة يقصد بها شعر الرأس المجتمع. وهي إشارة إلي أن شعره كان طويلا ويصل إلي شحمة أذنيه.
[72] المرجع السابق.
[73] أنظر تراجم هؤلاء في كتب الرجال وكتب الأحاديث وهي تراجم تضفي عليهم القدسية والمثالية الفائقة. انظر لنا النص والسياسة.
[74] أطلق علي البخاري ومسلم لفظ الصحيحين. بينما أطلق علي الكتب الأخري اسم كتب السنن.
[75] مسلم هو تلميذ البخاري، وقد حملت لواء الدعوة لهذين الكتابين الدول التي قامت في المشرق مثل الدولة الغزنوية والسلجوقية بحكم انتماء البخاري ومسلم إلي نيسابور وهما مدينتان واقعتان في دائرة نفوذهما، والملفت للنظر أن البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وسائر أصحاب السنن الذين تصدوا لجمع الروايات ينتمون لمنطقة واحدة وهي بلاد فارس وما وراء النهر بينما لا يوجد سوي عربي واحد تصدي لعملية الجمع قبل هؤلاء وهو أحمد بن حنبل وكتب مسنده الكبير إلا أنه لم يحظي بشهرة هذه الكتب ولم يعتمده الفقهاء كما اعتمدوا الكتب السابقة.
[76] تاريخ الخلفاء.
[77] المرجع السابق.
[78] المرجع السابق وانظر شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي ج / 2 / 292 أحداث عام 322 هـ.
[79] أنظر المرجعين السابقين وكتب التاريخ.
[80] تاريخ الخلفاء.
[81] المرجع السابق. وانظر لنا الكلمة والسيف، وقد قتل الحلاج عام 309 هـ.
[82] أنظر تاريخ بغداد لابن الخطيب، وتاريخ السيوطي وكتب التاريخ.
[83] أنظر تاريخ الخلفاء والمراجع التاريخية التي ترصد فترة ظهور السلاجقة. وانظر ترجمة ألب أرسلان، والوزير نظام الملك في وفيات الأعيان لابن خلكان ج 5 / 691 وج 1 / 179.
[84] تاريخ الخلفاء وتاريخ الإسلام للذهبي.
[85] تاريخ الخلفاء.
[86] المرجع السابق.
[87] المرجع السابق.
[88] المرجع السابق.
[89] السابق. وانظر بدائع الزهور في وقائع الدهور لابن إياس الحموي، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي والسلوك في معرفة دول الملوك للمقريزي والبداية والنهاية لابن كثير أحداث عام 567 هـ، وهذه المراجع وغيرها تشهد بمدي الفرحة والشماتة التي أظهرها الفقهاء لسقوط الدولة الفاطمية الشيعية في مصر والتي كانت مناسبة ليقدم هؤلاء الفقهاء قرابين الطاعة والولاء لخلفاء بني العباس. انظر لنا كتاب الشيعة في مصر.
[90] أنظر تاريخ الإسلام. وتاريخ الخلفاء، وتأمل قول الذهبي الذي ربط الأمن والسلام بذهاب التشيع معتبرا اتساع ملك المستضئ علامات الرضي والسعادة.
[91] تاريخ الخلفاء.
[92] المرجع السابق.
[93] المرجع السابق.
[94] أنظر خطط المقريزي ج 2. والنجوم الزاهرة ترجمة العاضد ج 5 / 334.
[95] أنظر المرجعين السابقين. والكامل لابن الأثير ج 9 / 111.
[96] خطط المقريزي.
[97] النجوم الزاهرة.
[98] وفيات الأعيان ج 5 / 341.
[99] خطط المقريزي ج 3. [
[100] النجوم الزاهرة ج 6 / 116.
[101] أنظر مفرج االكروب في أخبار بني أيوب ج 1. وتاريخ. ابن خلدون ج 5، وخطط المقريزي ح 3 والخوانق جمع خانقاه وهي كلمة فارسية معناها بيت وهي هنا يقصد بها خلوة الصوفية وطلبة العلم.
[102] أنظر المراجع السابقة. وحسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة ج 2.
[103] أنظر المراجع السابقة.
[104] قتل عماد الدين في ظروف مشبوهة وأتهم بقتله أحد أمراء الأيوبيين. أنظر المراجع السابقة وانظر شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي ج 5 والنجوم الزاهرة في محاسن ملوك. مصر والقاهرة لأبي المحاسن ج 6، وخطط المقريزي ج 2.
[105] أنظر الفخري في الآداب السلطانية وخطط المقريزي ج 2، والسلوك في معركة دول الملوك ج 2.
[106] أنظر مفرج الكروب ج 5 والسلوك ج 1.
[107] أصدر صلاح الدين من قبل قراره بوجوب اعتناق مذهب الشافعي في الفقه والأشعري في العقيدة وأن من لا يلتزم بذلك حل دمه. انظر خطط المقريزي. وانظر لنا الشيعة في مصر.
[108] أنظر خطط المقريزي.
[109] طال هذا الظلم والتعسف الفقهاء أنفسهم. ويذكر أن هناك حالة واحدة لصدام وقع بين الفقهاء وحكام المماليك وهي حالة سلطان العلماء الشيخ العز بن عبد السلام وتصديه للرسوم المالية التي كان يفرضها المماليك علي الناس كما طالب ببيع المماليك في الأسواق ثم تحريرهم.
[110] أنظر تاريخ ابن خلدون ج 3، والمقريزي السلوك ج 1 وبدائع الزهور والنجوم الزاهرة.
[111] أنظر المراجع السابقة وتاريخ الخلفاء.
[112] أنظر المراجع السابقة وكتب التاريخ التي ترصد العصر المملوكي.
[113] تنص عقيدة الفقهاء وقواعد الفقه علي أن الخليفة يجب أن يكون قرشيا وهو ما أشارت به الروايات.
[114] أنظر ترجمة ابن تيمية في الدور الكامنة.. وانظر تفصيل هذا الأمر في فصل مدافع ابن تيمية.
[115] أنظر النجوم الزاهرة ج 13 والمقريزي وكتب التاريخ.
[116] أنظر المراجع السابقة، وحسن المحاضرة للسيوطي ج 2، ويذكر أن المستعين قام بعزل جلال الدين البلقيني قاضي الشافعية لتحالفه مع الناصر فرج. وكان للبلقيني دور بعد ذلك في التآمر علي المستعين.
[117] أنظر المرجعين السابقين وتاريخ الخلفاء.
[118] أنظر بدائع الزهور ج 1 وخطط المقريزي ج 2 والنجوم ج 13. وانظر تاريخ الخلفاء.
[119] أنظر المراجع السابقة.
[120] تاريخ الخلفاء. وابن حجر من أعيان القرن التاسع ومن كبار فقهاء أهل السنة وهو الذي تصدي لشرح البخاري بكتاب أسماه فتح الباري شرح صحيح البخاري وضع له مقدمة طويلة تحت عنوان هدي الساري دافع فيها عن الطعون التي وجهت للبخاري والقصيدة تزيد علي الأربعين بيتا وقد اخترنا منها هذه الأبيات العشرة.
[121] حسن المحاضرة.
[122] تحقق للمذهب الحنفي أول انتشار عالمي في تاريخه علي أيدي العثمانيين إذ أصبح المذهب الرسمي لكثير من الدول حتي اليوم، ولا زال المذهب الرسمي للأزهر.
[123] شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي ج 8 / 143 أحداث عام 926 هـ.
[124] شذرات الذهب ج 8 / 144. أحداث عام 926 هـ.
[125] المراجع السابق ص 145.. ويذكر أن سليم الأول كان قد استصدر فتوي من الفقهاء تبيح له غزو مصر ومحاربة المسلمين. كما أن سليم الثاني استصدر فتوي عام 1570 م تبيح له نقض العهود والمواثيق مع أهل البندقية والعدوان عليهم.
[126] المرجع السابق ص 146.
[127] المرجع السابق ص 148.
[128] المرجع السابق ص 173 أحداث عام 930 هـ.
[129] المرجع السابق ص 310.
[130] أنظر تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان.
[131] المرجع السابق.
[132] أنظر فصل مدافع محمد بن عبد الوهاب ومدافع ابن باز.
[133] أنظر نصوص الفقهاء في الحكام فيما بعد. وانظر فصل مدافع ابن حنبل.
[134] هناك رواية شهيرة حول هذه القضية تقول: إذ بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما.. انظر مسلم كتاب الإمارة. وانظر كتب السنن. وانظر نصوص الفقهاء حول الحكام. ويلاحظ هنا أن آل سعود لا ينتمون إلي قريش بل إلي نجد.
[135] أنظر مدافع ابن عبد الوهاب وابن باز، وقد دمر الوهابيون آثار الرسول (ص) في مكة وقاموا بسد غار حراء وهدموا قبور آل البيت في البقيع وعزلوا المقبرة عن الناس. كذلك باعدوا بين الناس وبين قبر الرسول (ص).
[136] أنظر لنا كتاب فقهاء النفط، وكتاب ابن باز فقيه آل سعود.
[137] أنظر المرجعين السابقين.
[138] أنظر بيان شيخ الأزهر محمد مأمون الشناوي في عيد ميلاد الملك فاروق وهو بيان يحمل المدح والثناء والتبجيل لفاروق ووالده والعائلة الحاكمة. ومن بين نصوص البيان قوله: وقد استجاب الله دعاء هذا الشعب المخلص لجلالته الوفي لعرشه. فتحققت للبلاد أمانيها واستكملت استقلالها وهبت نشطة بفضل توجيه الفاروق العظيم. انظر مجلة الأزهر أعداد رمضان وجمادي الأولي عام 1368 هـ. واحتفل الأزهر أيضا بعيد جلوس فاروق علي العرش الموافق 6 / 5 / 1949 وكذلك ذكري رحيل الملك فؤاد. انظر إعداد الأزهر في تلك الفترة.
[139] أنظر موقف الأزهر من الحركة الإسلامية ونماذج من منشورات الأزهر المعادية للإخوان في تلك الفترة في كتابنا الحركة الإسلامية في مصر.
[140] أنظر المرجع السابق، وقد أعلن الأزهر موافقته علي الصلح مع إسرائيل.
[141] أنظر المرجع السابق، ومنشورات الأزهر ضد الجماعات وبياناته ضد الشيعة وإيران والتي لا زالت تصدر حتي الآن، وانظر لنا كتاب الشيعة في مصر.
[142] برزت للمفتي في الفترة الأخيرة فتاوي تتعلق بالبنوك ونقل الأعضاء وغير ذلك إلا أن هذه الفتاوي لم تكن ملزمة. خاصة وأنه قد برز منافسون له في هذه الميدان يحظون بشعبية ووزن لا يتمتع به المفتي مثل الشيخ الشعرواي.
[143] ضعف المذهب الحنبلي بعد سقوط الدولة العباسية التي كانت تدعمه بداية من عصر المتوكل، وأصبح أقل المذاهب الإسلامية شأنا. ولم يظفر الحنابلة بدولة تدعمهم بعد ذلك، كما هو حال المالكية في دول بلاد المغرب. وحال الأحناف مع العثمانيين حتي ظهرت الحركة الوهابية وآل سعود عندئذ برز الحنابلة وادعوا تمثيل أهل السنة في غيبة المذاهب الأخري.
[144] أصول الدين. ط بيروت.
[145] المرجع السابق. وانظر كتب الفقه، وهناك شروط أخري وضعها بعض الفقهاء مثل الحرية والبلوغ والإسلام وهي تنضم إلي الشروط الأخري التي لم تتحقق في الحكام.
[146] أنظر تاريخ الخلفاء للسيوطي وكيف ترجم ليزيد بن معاوية الذي كفر من قبل بعض الفقهاء واعتبره خليفة وترجم للوليد بن يزيد الفاسق منتهك الحرمات الذي أراد الحج ليشرب الخمر فوق ظهر الكعبة واعتبره خليفة ثم ترجم للمماليك العبيد وخلفاء بني العباسي في مصر الذين كانوا لافتة وصورة لسلاطين المماليك هذا في الوقت الذي لم يترجم لأحد من خلفاء الفاطميين لأن أمامتهم غير صحيحة في نظره، انظر المقدمة وآخر الكتاب.
[147] أصول الدين للبغدادي. وانظر مقالات الاسلاميين.
[148] المرجع السابق.
[149] لمعة الاعتقاد الهادي إلي سبيل الرشاد.
[150] أصول السنة ط السعودية.
[151] شرح أصول اعتقاد أهل السنة للألكائي ح 1 / 161.
[152] رسالة السنة ذيل الرد علي الجهمية والزنادقة. ط السعودية.
[153] أصول أهل السنة والجماعة المسماة برسالة أهل الثغر. ط القاهرة.
[154] العقيدة الواسطية وهي العقيدة الأساسية المعتمدة عند التيار الوهابي والجماعات ويلاحظ أن ابن تيمية كان معاصر الحكام المماليك.
[155] أصول السنة ط السعودية.
[156] شرح البيجوري علي الجوهرة المسمي تحفة المريد علي جوهرة التوحيد. وهو مقرر علي طلبة المعاهد الأزهرية.
[157] الأحكام السلطانية.
[158] أنظر المراجع السابقة.
[159] الفصل في الملك والنحل ح 4 / باب الكلام في عقد الإمامة بماذا تصح.
[160] أنظر المراجع السابقة. والفقهاء إنما يتبنون هذا الموقف من الحكام علي أساس الروايات. أنظر التمهيد للباقلاني والاعتقاد علي مذهب السلف أهل السنة والجماعة للبيهقي.
[161] تلبيس إبليس. وابن الجوزي من أعيان القرن السادس الهجري توفي عام 597 هـ ببغداد. وهو من فقهاء الحنابلة غير أنه اصطدام بالحنابلة في مسألة الصفات وقولهم بالتجسيم وكتب كتابا في ذلك يرد فيه عليهم وهو كتاب: دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه. ط القاهرة وقد هاجمه ابن تيمية في كتابه نقد المنطق.
[162] أنظر سيرة الطبري في كتب التراجم وأحداث عام (310 هـ) في كتب التاريخ.
[163] أنظر تاريخ الخلفاء للسيوطي. وترجمة ابن حنبل في تاريخ الإسلام للذهبي وشذرات الذهب.
[164] أنظر تاريخ الخلفاء ترجمة المتوكل وكتب التاريخ الأخري.
[165] أنظر البداية والنهاية لابن كثير ح 12. ومناقب ابن حنبل لابن الجوزي ح / 1 وطبقات الحنابلة الأبن رجب ح / 1. وإذا كان هذا هو حال قبر ابن حنبل وقبر ولده فمن أين أتي الحنابلة بفكرة مقاومة القبور واعتبار زيارتها والاهتمام بها وتعليتها شرك.
[166] أنظر الكامل في التاريخ لابن الأثير. وتاريخ الإسلام للذهبي. وتاريخ الخلفاء للسيوطي. وانظر لنا أهل السنة شعب الله المختار. والكلمة والسيف.
[167] أنظر فصل مدافع محمد بن عبد الوهاب.
[168] أنظر الرد علي ابن الغريلة اليهودي ط بيروت تحقيق الدكتور إحسان عباس.
[169] رسالة التلخيص لوجوه التخليص وهي ملحقة بالكتاب السابق ذكره.
[170] أنظر الأصول والفروع لابن حزم ج 2 / 215 وما بعدها. ط القاهرة.
[171] أنظر الذخيرة لابن بسام ج 1.
[172] المرجع السابق.
[173] أنظر دائرة المعارف الإسلامية ج 1.
[174] أنظر دائرة المعارف. وانظر رسالة الأخلاق لابن حزم.
[175] أنظر مسلم كتاب الفضائل باب فضل آل البيت. وانظر كتب السنن الأخري وهناك الكثير من الكتب التي أصدرها فقهاء السنة عن آل البيت. انظر لنا موسوعة آل البيت (9) أنظر تراجم رجال الحديث وأشهر الفقهاء في كتب التاريخ. وانظر لنا كتاب مصر وإيران.
[176] أنظر كتب العقائد مثل كتاب العقيدة والطحاوية والعقيدة الواسطية وانظر لنا كتاب أهل السنة شعب الله المختار، وكتاب دفاع عن الرسول.
[177] أنظر البخاري كتاب التوحيد. ومسلم كتاب الإمارة، وأبواب فضائل الصحابة في كتب السنن.
[178] أنظر قوله تعالي (وقليل ماهم) وقوله (وقليل من عبادي الشكور) وقوله (وما آمن معه إلا قليل.
[179] يقسم فقهاء الرواية الأحاديث إلي متواتر وآحاد. والمتواتر قلة قليلة تعد علي الأصابع ويعتبرون درجتها درجة القرآن بمعني أن منكرها كافر أما الآحاد فهي الروايات التي رويت عن طريق شخص واحد.
[180] أنظر ترجمته في طبقات الحنابلة ووفيات الأعيان لابن خلكان.. والدر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر. وانظر تاريخ مدينة حوران في معجم البلدان لياقوت الحموي.
[181] الدر الكامنة ج 1.
[182] المرجع السابق.
[183] المرجع السابق.
[184] تاريخ الإسلام، وانظر الدرر.
[185] الدرر الكامنة.
[186] المرجع السابق.. والكتاب هو مصنف ضخم يحمل هذا الاسم في النحو واللغة.
[187] المرجع السابق.
[188] المرجع السابق.
[189] طبقات الحنابلة ج 2.
[190] أنظر الفتوي الحموية والعقيدة الواسطية والرسالة المدينة في تحقيق المجاز والحقيقة في صفات الله سبحانه لابن تيمية. وانظر الدرر.
[191] الدرر الكامنة.
[192] المرجع السابق.
[193] المرجع السابق. وانظر سيرته في تاريخ الإسلام وشذرات الذهب.
[194] المرجع السابق.
[195] أنظر الفتوي الحموية والعقيدة الواسطية.
[196] أنظر ملاحق الكتاب.
[197] تم طبع فتاوي ابن تيمية علي نفقة خادم الحرمين.
[198] حبس ابن القيم بسبب فتوي له بتحريم زيارة مسجد يقال له مسجد إبراهيم انظر ترجمته في الدرر الكامنة ح 3 ترجمة رقم 1067.
[199] الطرق الحكمية ص 203.
[200] المقصود بسنة معاوية ما سنه من ملكية الحكم ووراثته وفصل الدين عن الدولة والاستبداد والتعبد بالرواية وتقديس الصحابة الذين والوه وناصروه.
[201] يلاحظ هنا أن ابن حجر وضع يزيد في منزلة بين المنزلتين كما تقول المعتزلة في صاحب الكبيرة وكأنه بهذا قد أيد رؤية المعتزلة التي يناهضها أهل السنة في صاحب الكبيرة دون أن يدري.
[202] البخاري ومسلم كتاب الفتن.
[203] محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه. ط الجامعة الإسلامية بالمدينة يهدي ولا يباع.
[204] أنظر المرجع السابق. وانظر تاريخ الجزيرة العربية في عصر محمد بن عبد الوهاب.
[205] المرجعين السابقين. وانظر تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان.
[206] المرجعين السابقين وانظر تاريخ الجبرتي.
[207] البخاري ومسلم كتاب الفتن.
[208] محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه. ط الجامعة الإسلامية بالمدينة يهدي ولا يباع.
[209] أنظر المرجع السابق. وانظر تاريخ الجزيرة العربية في عصر محمد بن عبد الوهاب.
[210] المرجعين السابقين. وانظر تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان.
[211] المرجعين السابقين وانظر تاريخ الجبرتي.
[212] محمد بن عبد الوهاب عقيدته ودعوته.
[213] المرجع السابق. وانظر سيرة ابن هشام.
[214] انظر تفاصيل هذه المذابح في كتاب خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام للزيني دحلان.
[215] أنظر مجموع فتاوي ومقالات ابن باز ج 1.
[216] المرجع السابق.
[217] المرجع السابق.
[218] المرجع السابق.
[219] المرجع السابق.
[220] المرجع السابق.
[221] المرجع السابق.
[222] حسب عقيدة ابن باز التي تنص علي أن مظاهرة المشركين ومعاونتهم علي المسلمين كفر فإن ابن بازا يكون قد كفر نفسه بمظاهرته الأمريكان المشركين علي المسلمين في حرب الخليج واعترافه بالكيان الصهيوني في فلسطين.. ولكن ربما يكون الرجل قد قصد بالمشركين المخالفين من الشيعة والصوفية وأصحاب الرأي.
[223] أنظر مسلم باب ذكر الخوارج. كتاب الزكاة.
[224] المقصود بأهل الذمة هنا هم النصاري لا اليهود بالطبع فهؤلاء لا ذكر لهم في كتابات الوهابيين خاصة بعد أن اعتراف ابن باز بإسرائيل وأجاز الصلح مع اليهود. والنصاري يقصد بهم غير الأمريكان.
[225] أحكام أهل الذمة ج 2 / 677: 686.
[226] مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية.
[227] مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد.
[228] الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية.
[229] المرجع السابق.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.