محاكمات الخلفاء وأتباعهم

اشارة

عنوان : محاكمات الخلفاء وأتباعهم
پديدآورندگان : جواد جعفر خليلي(پديدآور)
موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت (ع)

ترجمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم نبذة من حياة المؤلف (رحمه الله) هو الدكتور جواد جعفر الخليلي، حفيد آية الله الحاج الميرزا حسين الخليلي، نجل الميرزا خليل، أحد المراجع في القرن ال 14 الهجري. ولادته: ولد في مدينة النجف الأشرف في 24 / 6 / 1914 م. أسرته: أسرة عريقة في النجف الأشرف مشهورة بالفقه والأصول والطب ولها آثار باقية، ومنها: مدرسة الخليلي العلمية في النجف الأشرف. نشأته: نشأ في مدينة النجف الأشرف. دراسته: دراسة علمية وأدبية في الطب والحقوق وعلم النفس. مسكنه وإقامته: العراق، ثم انتقل إلي إيران وأقام بها سنين عديدة، ومنها هاجر مع أهله وأولاده إلي كندا، وأقام في مدينة أوتاوا. أعماله الإدارية: تقلد مناصب في الشؤون الطبية خلال اثني عشرة سنة. كما شغل منصب القضاء في طهران لثلاث وعشرين سنة، وبعدها مارس المحاماة. هوايته: الشعر، والمطالعة، والكتابة، والبحث والتأليف. له: ديوان شعر باللغة العربية، وله دائرة معارف الأم والطفل، وتقع في خمسة أجزاء. كما كتب في علم النفس والتنويم المغناطيسي وتحضير الأرواح. [ صفحه 8] وله: الحكومة العالمية المثلي ثلاثة أجزاء طبعت في بيروت. وله: موسوعة المحاكمات في عشرة أجزاء: جزءان في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). وجزءان في حياة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام). والجزء الخامس والسادس والسابع عن أبي بكر، وعمر، وعثمان. والجزء الثامن من الموسوعة يحتوي علي ذكر الناكثين، والمارقين، والقاسطين. والجزء التاسع والعاشر من الموسوعة حوار حول العلل والأسباب التي أدت إلي انقسام الأمة الإسلامية وتدهورها، مع محاكمة المسببين. أولاده: الدكتور باسم: طبيب وجراح، الدكتور عاصم: أستاذ جامعة في الهندسة الكهربائية، سالم: مهندس في الهندسة المعمارية، حسين: مهندس كمبيوتر، علي: طبيب، حسن: بكالوريوس في الإدارة والحسابات. وله ثلاث بنات حاملات شهادات عالية ومتزوجات. زوجته: علوية هاشمية حسينية من خيرة السلالات، ولها اليد الطولي في تربية أولادها وبناتها. وفاته ومدفنه: انتقل إلي الرفيق الأعلي في مدينة أوتاوا بكندا، وكانت وفاته في يوم الخميس 17 محرم الحرام عام 1419 ه 14 / 5 / 1998 م، ونقل جثمانه إلي مدينة مونتريال، ودفن فيها. تغمده الله برحمته الواسعة، وحشره مع الرسول وأهل بيته الطاهرين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. [ صفحه 9]

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم وقف أهل الكساء الذين شملتهم آية الطهارة: - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) - [1] وهم: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، ومن ورائهم الأئمة من ذويهم، يحف بهم الصحابة والتابعون، ويحيط بهم شيعتهم من المسلمين، وفي أيديهم كتاب الله وسنن رسوله (صلي الله عليه وآله)، شاكين من أولئك الذين خالفوا كتاب الله وسنن رسوله (صلي الله عليه وآله) من بعد وفاته، الذين قادوا الأمة قهرا وقسرا، وحادوا، وجاروا، وسلكوا سبلا، ووضعوا مناهج، وخلفوا خلفاء تحكموا كما شاءت أهواؤهم، فمنعوا ما شاءوا من النصوص، ووضعوا ودسوا ما أرادوا من الفتاوي والآراء. تلك التي أدت إلي أن يستلم زمام الحكم غير أهله، وتطبق الشريعة وهي مملؤة بالأراجيف والشبهات، وينقسم الدين الحنيف إلي طوائف ومذاهب، وتمزق الوحدة شر ممزق، وتعود الطائفية والعصبية والسخرية التي نهي عنها القرآن. وتتسلط الفئات الطاغية المتجبرة المنافقة والفاسقة علي الأخيار والبررة [ صفحه 10] والأتقياء، والجهلة علي العلماء، والرعونة علي الحكمة، وتبقي فرق الأمة المتخاصمة تضرب بعضها بعضا، لا بالأصول ولا بالفروع، بل بما خلقته الأغراض الشخصية، وزيفته الأيادي المغرضة، تريد أن تعيدها القهقري، فتم لها ما أرادت، ووقفت عجلة الإصلاحات، وانحرف روح الشريعة عن الصراط المستقيم إلي هوات سحيقة طحنتهم طحنا، وأوقفت الأهداف وأبطلت النتائج إلي أهداف ونتائج منعها الإسلام. وإذا بأعدائه المندحرين يعودون للغلبة عليه، وإذا هم أذلة للشرق والغرب من التتر والمغول وغارات الصليبيين وفتن الغاصبين، ألعوبة تتحكم بهم الأهواء والسياسات، وتبتز أموالهم، وتنتهك نفوسهم كيفما شاءت وأني شاءت. وصدق الله العزيز حيث يقول: - (إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا مابأنفسهم) - [2] . وعندئذ: - (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليهاالقول) - [3] . وقوله: - (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) - [4] . ولقد آن أوان الحساب البدائي، ووقف محامي أهل الكساء أمام محكمة العدل الإلهية طارحا شكواه، مدليا وثائق حق وكلائه، وفاضحا ظلم أعدائهم، ومفندا تفاهة ادعاءاتهم، ومظهرا حقائق ومميزات كل منهم، وما لحق الأمة الإسلامية، وبالنتيجة البشرية من الحيف والظلم. [ صفحه 11]

الشكاة

وهم أصحاب الكساء في آية التطهير: - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) - [5] وهم: محمد، علي، فاطمة، الحسن، الحسين، وهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) الذين كرمهم الله في كتابه المجيد، وأنزل فيهم ما يساوي ربع القرآن من الآيات البينات، كما مر بعضها وأشير إليه في الأجزاء الستة المارة، وما ذكر من كراماتهم بأسانيده في الأحاديث النبوية المسندة، أخص في الجزأين الأولين الخاصين بالإمام علي (عليه السلام)، وقد بين فيما مر أن آل البيت بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) إنما هم المار ذكرهم، وهم الذين أشارت إليهم الآية:- (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) - [6] . وهم الذين ورد ذكرهم في سورة هل أتي، وهم الذين قال عنهم رسول الله (صلي الله عليه وآله): " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي ". وقال (صلي الله عليه وآله): " مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ". وقال في علي (عليه السلام) ما سوف نذكره ونجمله أدناه. كما قال في بضعته فاطمة الزهراء (عليها السلام): " فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني،ومن آذاني فقد آذي الله، ومن آذي الله أكبه الله علي منخريه في النار " [7] . [ صفحه 12] والآية: - (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) - [8] . وقال في الحسنين (عليهما السلام): " الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا ". وقال (صلي الله عليه وآله): " إنهما ريحانتاي ". وقال (صلي الله عليه وآله): " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما ". وأما ما ورد في كتاب الله والسنة النبوية في علي (عليه السلام) فلا يحصر، منها: 1 - ففي الكتاب يشترك فيما مر وقيل عن أهل البيت (عليهم السلام). وفيه نزلت آية الولاية يوم تصدق بخاتمه وهو راكع فأنزل الله تعالي الآية: - (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) - [9] . وهذه الآية أجمع المفسرون أنها نزلت في علي (عليه السلام) وحده، حين تصدق بخاتمه علي السائل، فجاء بعد الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، بإعلان الولاية علي المسلمين. راجع الأجزاء المارة من موسوعتنا بأسانيدها لتري المميزات والكرامات والفضائل المسندة، التي امتاز بها علي (عليه السلام) وحده بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) تلك التي امتاز بها وحده علي أبرز الأفراد من القريبين والبعيدين، من سبقه وعاصره وتلاه [10] . 2 - في ولادته في الكعبة. 3 - وتربيته في أحضان سيد الرسل. 4 - وأنه أول من آمن برسول الله (صلي الله عليه وآله) من الرجال، إيمانا أقره عليه الرسول [ صفحه 13] الأكرم (صلي الله عليه وآله)، وهو في سن الثالثة عشرة. 5 - ونص علي وصايته وولايته وخلافته من بعده، معلنا ذلك علي الحاضرين من أقرب أقربائه، ومقرا طاعته عليهم. 6 - وهذا علي (عليه السلام) وحده الذي ماشي رسول الله (صلي الله عليه وآله) في حله وترحاله ووقاه وفداه بنفسه منذ صباه وشرخ شبابه، بادئا بمبيته في فراشه في أحرج الساعات وأشدها هولا، تحت رحمة السيوف المزمعة علي قتل رسول الله (صلي الله عليه وآله) من زعماء الشرك وقادة الكفر، ولا يساويه في هذا أي فرد في تضحيته. 7 - وهذا علي يوم فتح مكة يرقي بأمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي منكبيه ليحطم أرباب الشرك وأصنامهم ويرميها من فوق الكعبة. 8 - وهو وحده الذي أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) بأمر الله تعالي أن تسد جميع الأبواب المفتوحة علي مسجد رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي باب عمه حمزة سيد الشهداء، وعمه العباس، وأولاد عمه، وذويه، وأقرب الصحابة والأقربين، إلا باب علي (عليه السلام). 9 - وهذا علي (عليه السلام) الذي آخاه رسول الله (صلي الله عليه وآله) في مكة قبل الهجرة، وآخاه بعدها في المدينة يوم آخي بين الصحابة من المهاجرين والأنصار، معلنا: " إن عليا أخي في الدنيا وفي الآخرة ". 10 - وهذا علي الذي أعلن رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد يوم الدار مرارا وكرارا: " إنه أخي ووصيي وخليفتي من بعدي ". 11 - وأعظم حدث في حياة الإسلام بعد إعلان النبوة إنما هو بعد حجة الوداع، آخر حجة حجها رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو حادث يوم غدير خم، ذلك اليوم المشهود، ذلك اليوم العظيم المسند بالآيات القرآنية من الله وبأمر الله أن تعلن ولاية علي (عليه السلام)، وإمارته وخلافته علي المسلمين بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ذلك اليوم العظيم الذي نزلت فيه آية الابلاغ: - (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل [ صفحه 14] فما بلغت رسالته) - [11] . وما كان هذا النبأ العظيم والابلاغ المهيب الذي يلزم رسول الله (صلي الله عليه وآله)، والذي إن لم يبلغه لم يبلغ رسالته، نعم هذا هو إعلان ذلك الأمر الذي يقرر مصير أمة محمد (صلي الله عليه وآله) من بعده، ويعين خليفته للمسلمين بعد وفاته. فقد أعلن أنه دعي ويجيب، ثم أعلن أنه بشر وأنذر، ثم قال بعد تصديقهم: إن عليا ولي كل مؤمن ومؤمنة، وإن من كان وليه فهذا علي وليه من بعده، ودعا بعدها قائلا: " اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه ". ثم أعلن إمارته من بعد، وأمر المسلمين جميعا من النساء والرجال ببيعته فبايعه الجميع، وأخص من الصحابة الرجال أبا بكر وعمر، وهما يقولان له: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب لقد أصبحت مولانا ومولي كل مؤمن ومؤمنة. ونري جبرئيل يكلم عمر في هيئة شاب ظريف ذي رائحة طيبة، خاطبه قائلا: إنها بيعة نفذت، ولا ينقضها إلا منافق، وعندها يخاطب النبي (صلي الله عليه وآله) عمر قائلا: أعرفت المخاطب الذي خاطبك؟ فعاد ليراه فلم يجده، فقال له رسول الله (صلي الله عليه وآله): إنه ليس من ولد آدم، إنه جبرئيل أراد أن يلقي عليك الحجة بإثبات هذه البيعة. ولقد مرت في الأجزاء السابقة بأسانيدها، ثم نري أن الروايات - رغم ما بذله الخليفة الأول والثاني والثالث وتابعهم عليه معاوية وآل أمية ومن تلاهم، لمحو آثارها - قد جاءت متواترة مترادفة من أوثق الصحابة والتابعين، وفيهم العشرة المبشرة، والخلفاء الثلاثة، وأيدها جميع أهل الصحاح من أهل السنة والجماعة. كما مر ذلك بأسانيده في الجزء الأول من الموسوعة. وبعد أن كملت البيعة من الجميع نزلت آية الإكمال والاتمام بقوله تعالي: [ صفحه 15] - (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) - [12] . إذ حاشا لله ولرسوله (صلي الله عليه وآله) أن يترك أمته بعد نبيه يخوضون ويتخبطون وهم في أشد الحاجة إلي من يدير شؤونهم وأمور دينهم ودنياهم، بعد تلك الجهود العظيمة، رعية دون راع، ألا إن ينص لهم علي أقدم أمته إيمانا وأخلصهم في دين الله وأعلمهم بكتابه وسنته، وأعدلهم وأقضاهم، وأشجعهم وأتقاهم، وأحكمهم وأزهدهم، وأقربهم إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وأطهرهم وأكملهم، من لم يأل جهدا في بذل نفسه وماله منذ صباه في خدمة هذا الدين الحنيف. من لم تنجسه الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسه من مدلهمات ثيابها. وإذا دققنا في عظمة هذا اليوم لما وجدناه إلا في آية الابلاغ من قوله تعالي:- (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) - [13] . نعم إن الرسالة بدون نصب وصي وخليفة تذهب هباء وتبقي ناقصة حتي تضمحل وتزول. ونراه (صلي الله عليه وآله) يصدع بالأمر ويطيع ويجيب، وبالوقت يبعث الوفود لعودة الحجاج المتفرقين إلي اليمن والعراق ومصر وغيرها، وهم في ذلك اليوم بين (100 - 200) ألف. وبعد خطبته يأمرهم أن يبلغوا من لم يحضر، وأن يكونوا شهودا علي بقية المسلمين. وعند إنهاء العمل المأمور به تنزل الآية الأخري بإكمال الدين وإتمام النعمة بولاية علي وإمارته علي المسلمين. ومن هذا نعرف أن هذا اليوم لا يقابله يوم أبدا بأهميته في الإسلام، باعتراف [ صفحه 16] الكتاب، وما بذله (صلي الله عليه وآله) في ذلك، وما بذله أعداؤه بعده لطمس آثاره ومحوه محوا كاملا من الوجود. إذ بدأوا بمنع تدوين الحديث والسنة، وتحديد تفسير آيات القرآن، لما في ذلك من الأمر والتحريض علي تعيين خير رجل بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) خليفة وأميرا، ووصم مخالفيه بالكفر والفسق والظلم. حيث ورد في الكتاب المجيد قوله تعالي: - (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) - [14] . وقوله: - (وما ينطق عن الهوي - إن هو إلا وحي يوحي) - [15] . وقوله تعالي: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) - [16] . وفي آية أخري: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) - [17] . وفي الثالثة: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) - [18] . إلي ما هناك من الآيات الكثيرة الجمة، التي تأمر باتباع أوامر الله ورسوله (صلي الله عليه وآله). وما ورد في الحديث والسنة كثير كذلك، رغم كل ذلك فقد ظهر الحق، وظهرت الحقيقة، ولكن نجد آثار الفرقة والمخالفة التي تلت وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، من غصب الخلافة، وما تبعه من أعمال الغصب المنكر، والقسر والوضع والتدليس والمكر والحيلة والكذب والتزوير، وتبديل الحقائق وتشويهها، التي سببت وقف سير الشريعة كما يجب، وقيام الغاصبين بما تشتهيه أنفسهم، دون حرص علي نصوص الكتاب وحقائق السنة، والضربات الماحقة علي كاهل آل البيت (عليهم السلام) [ صفحه 17] والصحابة المخلصين. والعجب كل العجب من رجال التاريخ ورجال الثقافة والعلم والدين، وهم يمحصون الحقائق والكتب، كيف تعميهم العادة!؟ ويريدون جمع الحق مع الباطل، وتمويه الحقائق، وإعادة المنكر، ومقارنة علي، نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله) في آية المباهلة مع غيره، قوله تعالي: - (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) - [19] ذكرت الآية الخمسة المعصومين من الزلل، المطهرين من الرجس، وجعلت عليا (عليه السلام) نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله) وميزته عن كل قريب وصحيب. 12 - وأما حديث الطائر المشوي الذي دعا فيه رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن يرسل له الله أحب خلقه ليشاركه في أكله، كما مر ذكره [20] . 13 - كما يؤيد ذلك ويزيد فيه وينفي أي فضيلة للخليفة الأول والخليفة الثاني اللذين سبق عليا، لفتح خيبر، وعادا مندحرين، حتي قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) في اليوم الثاني بعد فرار عمر: " والله لأعطين الراية غدا إلي رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، يفتح الله علي يديه " فكان ذلك الفتي هو علي (عليه السلام) [21] . 14 - تزويج علي من فاطمة الزهراء (عليها السلام) بضعة الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله) التي قال فيها (صلي الله عليه وآله): " فاطمة سيدة نساء العالمين "، وقال: " فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله، ومن آذي الله أكبه الله علي منخريه في النار "، طبق [ صفحه 18] الآية القرآنية: - (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) - [22] [23] . 15 - وامتاز علي (عليه السلام) وحده بأعظم ميزة في الإسلام، وهي أن عترته من فاطمة (عليها السلام) هم عترة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) الطاهرين من الرجس والدنس، كما مر في آية الطهارة وآية المباهلة [24] . 16 - قضاء علي (عليه السلام) في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) الذي ما حكم فيه علي (عليه السلام) دون سواه إلا وأقره وأيده رسول الله (صلي الله عليه وآله)، حتي قال (صلي الله عليه وآله) " علي أقضاكم ". 17 - علي (عليه السلام) أعلم الأمة، فقد زقه رسول الله (صلي الله عليه وآله) العلم زقا، وقال فيه: " أنا مدينة العلم وعلي بابها " وفي أخري: " أنا مدينة الحكمة وعلي بابها ". ولم نجد في ذلك مخالفا، حتي كان عمر في عهد خلافته يقول كرارا: " لولاعلي لهلك عمر " و: " عجزت النساء أن يلدن مثل أبي الحسن " [25] . 18 - شجاعته الفذة التي كانت المعجزة الكبري في تقدم الإسلام وبقائه، في بدر يقضي وحدة علي أقطاب الشرك. وفي أحد لولاه لكانت الفاجعة العظمي، وفي حرب الأحزاب (الخندق) قتله عمرو بن عبد ود، حتي قال فيه رسول الله (صلي الله عليه وآله): " ضربة علي يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين ". وفتحه قلاع خيبر وقتله أبطالها. ثباته في حنين ودفاعه المجيد عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) يوم فر الجميع، حتي تم النصر للمسلمين. وفتوحه الأخري، وعلي الأخص في اليمن. [ صفحه 19] 19 - ميزته دون سواه من القريبين والصحابة أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لم يؤمر عليه أحدا. وكانت آراءه دائما لا ترد، سيان منها في زمن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أو بعده، حتي فتوح بلاد العجم وبيت المقدس كانت بمشورته [26] . 20 - حل علي (عليه السلام) معضلات أبي بكر وعمر وعثمان في كل شئ قضائي وفني وإداري وخطط حربية وغيرها.21 - فصاحة علي (عليه السلام) وآدابه حتي مع خصومه [27] . 22 - سيرته وأقواله واستقامته المطابقة لأقواله مع الجميع علي حد سواء، حتي كان يلبس ما يلبس غلامه قنبر، ويأكل دون الجميع حتي دون غلامه. وأشد عملا من الجميع في القضاء والإدارة والحديث والعمل المثمر في إصلاح الأرض الزراعية، ورعاية أفراد الرعية، وإطعام الفقراء والمساكين والأيتام في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وبعده، حتي نزلت فيه وفي أفراد عائلته الآيات، منها في سورة هل أتي، الآيتان (8) و (9): - (ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا - إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) -. 23 - أعدل الأمة ويقتل لفرط عدله. 24 - " من سب عليا سب الله ورسوله " و " مبغضه في النار، ومبغض عترته في النار " [28] . 25 - علي من محمد ومحمد منه [29] . [ صفحه 20] 26 - علي مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) في منزلته. 27 - قال (صلي الله عليه وآله): " علي مع الحق والحق مع علي "، وقال (صلي الله عليه وآله): " علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتي يردا علي الحوض ". 28 - " محب علي في الجنة ومبغضه في النار ". 29 - " لا يحب عليا إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر ". 30 - " علي خير البشر لا يشك فيه إلا كافر ". 31 - قال (صلي الله عليه وآله): " والله لا يبغض عليا أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم إلا وهو في النار ". 32 - لقد قال (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " ستكون بعدي فتنة فلا تقاتل لأنهم يغدرون بك "، ثم خاطب المسلمين: " فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنه أول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين ". 33 - قال (صلي الله عليه وآله): " إن الله قد عهد إلي من خرج علي علي فهو كافر في النار ".34 - رسول الله (صلي الله عليه وآله) يستخلف خاصف النعل [30] . 35 - قال (صلي الله عليه وآله): " علي أعلمكم وأفضلكم وأقضاكم. والراد عليه كالراد علي، والراد علي كالراد علي الله، وهو علي حد الشرك بالله " [31] . 36 - فضائل علي عن عمر بشهادته وروايته. وهو الناقل عنه (صلي الله عليه وآله): " علي أعلمكم وأقضاكم " وقال كرارا: " لولا علي لهلك عمر " وغيرها عن فضل علي (عليه السلام). [ صفحه 21] 37 - قال (صلي الله عليه وآله): " يا معشر الأنصار! ألا أدلكم علي ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا. قالوا بلي: قال: هذا علي فأحبوه وأكرموه واتبعوه، إنه مع القرآن والقرآن معه. إنه يهديكم إلي الهدي ولا يدلكم علي الردي، فإن جبرائيل أخبرني بالذي قلته ". 38 - أمر سول الله (صلي الله عليه وآله) في حياته بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين مععلي [32] . 39 - قال (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " أشبهت خلقي وخلقي، وأنت من شجرتي التي أنا منها ". 40 - قال (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام): " أفضل أمتي، أعظمهم حلما وأحسنهم خلقا " وقال (صلي الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام): " إني زوجتك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما ". 41 - قال (صلي الله عليه وآله) لعائشة: " إن عليا أحب الرجال إلي وأكرمهم علي فاعرفي له حقه وأكرمي مثواه ". وقال فيه " خير من أترك بعدي ". 42 - قال (صلي الله عليه وآله): " علي خير البشر من أبي فقد كفر ". وقال (صلي الله عليه وآله): " علي مني بمنزلة الرأس من بدني، أو جسدي ". وقال (صلي الله عليه وآله): " علي أحبهم إلي وأحبهم إلي الله ". 43 - قال (صلي الله عليه وآله): " ما من نبي إلا وله نظير في أمته وعلي نظيري ". 44 - قالت عائشة: " والله ما رأيت أحدا أحب إلي رسول الله من علي ولا في الأرض امرأة أحب إليه من امرأته (تقصد فاطمة الزهراء (عليها السلام) ". 45 - أخبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام): " إن الله اطلع علي أهل الأرض فاختار أباك فبعثه نبيا، ثم أطلع الثانية فاختار بعلك فأوصي إلي فأنكحته واتخذته وصيا " [33] . [ صفحه 22] 46 - لم يدرك عليا (عليه السلام) بعد النبي في زهده أحد [34] . 47 - يواسي أفقر رعاياه ويزهد أشد الزهد ويقول في طعامه: " أبيت بطنانا وحول الحجاز بطون غرثي وأكبادا حراء. وكيف أرضي بأن أسمي أمير المؤمنين ولا أشارككم في خشونة العسر وشدائد الضر والبلوي ". وطعامه كان خبر شعير يابسمع سبوسه مع الملح أو الخل أو الخضرة أو الحليب، ولم يتجاوز طعامه نوعين [35] . 48 - " في حلالها حساب وفي حرامها عقاب " هكذا خاطب ابنته أم كلثوم يوم كان ضيفا عندها ليلة (19) شهر رمضان التي ضربه صباحها ابن ملجم. وقد قدمت له إفطارا خبزا وملحا وحليبا، فخاطب ابنته متأثرا: ما رأيت ابنة تجافي أباها مثل ما عملت! فقالت: أبه وأي جفاء؟ فقال: متي وجدت أباك أكل أكثر من لونين من الطعام؟ فرفعت عنه الحليب بأمره. 49 - لباسه إزار غليظ مرقع، وحذاؤه من ألياف النخل [36] وكان علي (عليه السلام) يلبس نفس لباس غلامه قنبر، ويطعم الأيتام أكلا طيبا ويلبسهم لباسا جيدا [37] . 50 - إن الله يبشر عليا (عليه السلام) بزهده علي لسان رسوله (صلي الله عليه وآله) [38] ، قال (صلي الله عليه وآله) له: " إن الله قد زينك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحب إلي الله منها: الزهد في الدنيا، وجعلك لا تنال شيئا من الدنيا، ولا تنال الدنيا منك شيئا، ووهب لك حب المساكين فرضوا بك إماما ورضيت بهم أتباعا، فطوبي لمن أحبك. وصدق فيك، وويل لمن [ صفحه 23] أبغضك وكذب عليك " [39] . 51 - قال (صلي الله عليه وآله): " السعيد كل السعيد من أحب عليا في حياتي وبعد مماتي، ألا وإنالشقي كل الشقي من أبغض عليا في حياتي وبعد مماتي " [40] . 52 - يشهد عمر بن الخطاب بنفاق رجل رآه يسب عليا، قائلا له: إني أظنك منافقا [41] . 53 - علي ميزان المؤمن والكافر. وأن مودة أهل البيت (عليهم السلام) من أصول الدين،وكل من يحمل عقيدة خلاف ذلك فهو كافر [42] . 54 - قال (صلي الله عليه وآله): " أنا فرطكم علي الحوض ليرفعن إلي رجال منكم حتي إذا هويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب أصحابي فيقول: ما تدري ما أحدثوابعدك " [43] . 55 - قال (صلي الله عليه وآله): " حب علي حسنة لا تضر معها سيئة وبغضه سيئة لا تنفع معهاحسنة " [44] . 56 - علي نفس رسول الله. قال (صلي الله عليه وآله): " علي مني وأنا من علي " [45] . 57 - قال (صلي الله عليه وآله): " من آذي عليا فقد آذاني ". وقال (صلي الله عليه وآله): " من آذاني في عترتي فعليه لعنة الله ". [ صفحه 24] وقد ثبت أن عترة رسول الله (صلي الله عليه وآله) هم عترته من علي (عليه السلام) وابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام). 58 - قال (صلي الله عليه وآله): " فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها ". وقال (صلي الله عليه وآله): " يا فاطمة! إن الله يغضب لغضبك ويرضي لرضاك ". وقال (صلي الله عليه وآله): " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني ". 59 - قالت فاطمة (عليها السلام) لأبي بكر وعمر: " إني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتم اني وما أرضيتم اني ولئن لقيت النبي لأشكونكما "، كما جاء أيضا، إن فاطمة (عليها السلام) غضبت من أبي بكر وهجرته إلي أن ماتت [46] . 60 - قال (صلي الله عليه وآله): " حب فاطمة ينفع في مئة موطن، ومن غضبت عليه غضبت عليه وغضب الله عليه. ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها ويظلم ذريتها وشيعتها " [47] . 61 - إسعاف علي للخلفاء في حل مشاكلهم الفقهية والأسئلة الموجهة إليهم وغيرها [48] . 62 - وجوب الصلاة علي محمد وآله قوله (صلي الله عليه وآله): " اللهم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك علي وعليهم "، أخرجه أحمد في مسنده ج 6 ص 323. 63 - قال (صلي الله عليه وآله) " إن حافظي علي بن أبي طالب ليفخران علي سائر الحفظة لكينونتهما مع علي بن أبي طالب، وذلك أنهما لم يصعدا إلي الله تعالي بعمل يسخطه قط " [49] . [ صفحه 25] 64 - قال تعالي في كتابه المجيد: - (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) - الآية (23) من سورة الشوري. وقد أجمع المفسرون أنه: سألوا رسول الله (صلي الله عليه وآله) من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم فقال: " علي وفاطمة وابناهما ". 65 - الآية: - (وقفوهم إنهم مسؤولون) - [50] أي مسؤولون عن ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) [51] . 66 - الصراط المستقيم هو صراط محمد وآله [52] في قوله تعالي: - (اهدنا الصراط المستقيم) - [53] وقوله تعالي: - (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط [ صفحه 26] لناكبون) - [54] . والصراط هنا هو ولاية أهل البيت (عليهم السلام) في الدنيا ليستطيع اجتياز الصراط علي جهنم في الآخرة. 67 - قالت عائشة: ما رأيت أحدا بعد رسول الله أصدق لهجة من فاطمة ابنته. 68 - " علي الصديق الأكبر، ويعسوب الدين ". وقال رسول الله (صلي الله عليه وآله) فيه: " سألت ربي عز وجل فيك خمس خصال فأعطاني وهي [55] الأولي سألت ربي أن تنشق عني الأرض وأنفض التراب عن رأسي وأنت معي فأعطاني. الثانية: وسألته أن يوفقني عند كفة الميزان وأنت معي فأعطاني. والثالثة: فسألته أن يجعلك حامل لوائي، وهو لواء الله الأكبر عليه المفلحون والفائزون بالجنة فأعطاني، وأما الرابعة فسألت ربي أن تسقي أمتي من حوضي فأعطاني، وأما الخامسة فسألت ربي أن يجعلك قائد أمتي إلي الجنة فأعطاني. فالحمد لله الذي من به علي. 69 - التقي أبو بكر وعلي بن أبي طالب فتبسم أبو بكر في وجه علي فقال له علي: تبسمت: قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: " لا يجوز أحدكم الصراط إلا منكتب له علي الجواز " [56] . 70 - قال (صلي الله عليه وآله): " إذا كان يوم القيامة أقام الله عز وجل جبرئيل ومحمدا علي الصراط فلا يجوز أحد إلا من كان معه براءة من علي بن أبي طالب " [57] . 71 - لماذا عندما يذكر علي (عليه السلام) وحده يقال كرم الله؟ لأنه وحده بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) إسلامه بالفطرة، ولم يسجد لصنم قط، وهو المنزه الطاهر في الآيات، [ صفحه 27] أخص المباهلة والطهارة وغيرهما. 72 - قال (صلي الله عليه وآله): " من لم يعرف حق عترتي من الأنصار والعرب فهو لإحدي ثلاث:إما منافق وإما ولد زانية، وإما امرؤ حملت به أمه في غير طهر " [58] . 73 - عرف رسول الله (صلي الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) يوم غدير خم للناس بهذه العبارة: " أنا مولي كل مؤمن ومؤمنة. وقال له: أنت مني وأنا منك، وأنت تقاتل علي التأويل كما قاتلت علي التنزيل، وأنت مني بمنزلة هارون من موسي، وأنا سلم لمن سالمك وحرب لمن حاربك، وأنت العروة الوثقي، وأنت تبين ما اشتبه عليهم من بعدي، وأنت إمام وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، وأنت الذي أنزل الله فيه: وأذان من الله ورسوله إلي الناس يوم الحج الأكبر، وأنت الآخذ بسنتي وذاب البدع عن ملتي، وأنا أول من تنشق الأرض عنه، وأنت معي في الجنة، وأول من يدخلها أنا وأنت والحسن والحسين وفاطمة، وأن الله أوحي إلي أن أخبر فضلك، فقمت به بين الناس وبلغتهم ما أمرني الله بتبليغه، وذلك قوله تعالي: - (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) - [59] . وعندها قال: يا علي! اتق الضغائن التي هي في صدور من لا يظهرها إلا بعد موتي أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. ثم بكي. وقال: أخبرني جبرئيل أنهم يظلمونه بعدي، وأن ذلك الظلم يبقي حتي إذا قام قائمهم، وعلت كلمتهم واجتمعت الأمة علي محبتهم وكان الشانئ لهم قليلا، والكاره لهم ذليلا، وكثر المادح لهم، وذلك حين تغيرت البلاد وضعف العباد، واليأس من الفرج، فعند ذلك يظهر القائم المهدي من ولدي يقوم يظهر الحق بهم، ويخمد الباطل [ صفحه 28] بأسيافهم، ويتبعهم الناس راغبا إليهم أو خائفا، ثم قال: معاشر الناس أبشروا بالفرج فإن وعد الله حق لا يخلف، وقضاؤه لا يرد، وهو الحكيم الخبير وإن فتح الله قريب " [60] . 74 - سورة البراءة تستعاد من أبي بكر بأمر الله، وتعطي لتلاوتها علي المشركين لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، إذ لا يجوز تلاوتها عليهم إلا من قبل رسول الله (صلي الله عليه وآله)، أو ممن يقوم مقامه، ولذا أمره أن يدرك أبا بكر الذي أرسله إلي مكة لتلاوتها ويأخذها منه ويتلوها هو فأدرك أبا بكر وأخذ الكتاب منه في الطريق ودخل مكة وتلاها هو: فيها يثبت مقام علي (عليه السلام) [61] . 75 - حديث الثقلين. قال (صلي الله عليه وآله): " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لا يفترقان حتي يردا علي الحوض، من تمسك (توسل) بهما فقد نجا، ومن تخلف عنهما فقد هلك، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا ". 76 - حديث السفينة. قال (صلي الله عليه وآله): " إنما مثلي ومثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك " رواه أكثر من مئة من أكابر المحدثين [62] . [ صفحه 29] وللأمام الشافعي محمد بن إدريس، الأبيات التالية: ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم++ مذاهبهم في أبحر الغي والجهل ركبت علي اسم الله في سفن النجا++ وهم أهل بيت المصطفي خاتم الرسل وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم++ كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل إذا افترقت في الدين سبعون فرقة++ ونيفا علي ما جاء في أوضح النقل ولم يك ناج منهم غير فرقة++ فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل أفي الفرقة الهلاك آل محمد++ أم الفرقة اللاتي نجت منهم قل لي فإن قلت في الناجين فالقول واحد++ وإن قلت في الهلاك حفت عن العدل إذا كان مولي القوم معهم فإنني++ رضيت بهم لا زال في ظلهم ظلي رضيت عليا لي إماما ونسله++ وأنت من الباقين في أوسع الحل 77 - قال (صلي الله عليه وآله): " النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس " [63] . 78 - من وصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) والعترة: قال (صلي الله عليه وآله) في أزمنة وأمكنة شتي بألفاظ مختلفة ونفس المعني ومنها: قال (صلي الله عليه وآله): " من سره أن يحيي حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال عليا من بعدي وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي ". وقال (صلي الله عليه وآله): " معرفة آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد جواز علي الصراط، [ صفحه 30] والولاية لآل محمد أمان من العذاب ". لماذا؟ لأن المعرفة تورث الحب، والحب يورث الطاعة والسير إلي الصراط المستقيم بما يأمره الله. وليس المعرفة كما يعرف مشرك و قريش رسول الله (صلي الله عليه وآله)، كلا، بل معرفة حقائقهم وأنهم أولوا الأمر، كما قال الله: وهم الصادقون في إطاعته وأمره ونهيه [64] . علي (عليه السلام) أمير المؤمنين يشير إلي الأحاديث أعلاه في خطبته في نهج البلاغة ج 1 ص 152 الخطبة (83). قال (عليه السلام): " أين تذهبون؟ وأني تؤفكون؟! والأعلام قائمة، والآيات واضحة، والمنار منصوبة، فأين يتاه بكم، بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم؟! وهم أزمة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، وردوهم ورود الهيم العطاش. أيها الناس! خذوها من خاتم النبيين (صلي الله عليه وآله) أنه يموت من مات منا وليس بميت، ويبلي من بلي منا وليس ببال، فلا تقولوا بما لا تعرفون، فإن أكثر الحق فيما تنكرون، وأعذروا من لا حجة لكم عليه، وأنا هو، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر [65] وأترك فيكم الثقل الأصغر [66] وركزت فيكم راية الإيمان؟ ". [ صفحه 31] 79 - قال (صلي الله عليه وآله): " من مات علي حب آل محمد مات شهيدا، ألا من مات علي حب آل محمد مات مغفورا له، ألا من مات علي حب آل محمد مات تائبا، ألا ومن مات علي حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان، ألا ومن مات علي حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة، ثم منكر ونكير، ألا ومن مات علي حب آل محمد يزف إلي الجنة كما تزف العروس إلي بيت زوجها، ألا ومن مات علي حب آل محمد فتح له في قبره بابان بالجنة، ألا ومن مات علي حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات علي حب آل محمد مات علي السنة والجماعة، ألا ومن مات علي بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه: آيس من رحمة الله " [67] . 80 - حديث المنزلة: وهو حديث متواتر، قال (صلي الله عليه وآله) كرارا وفي كثير من المناسبات: " علي مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي ". ومنها قوله (صلي الله عليه وآله) لأم سلمة: " يا أم سلمة! إن عليا لحمه لحمي ودمه دمي وهو مني بمنزلة هارون من موسي ". والحديث 2554 ص 154 في كنز العمال ج 6، ومسند أحمد ج 5 هامش ص 31 [68] . 81 - قال (صلي الله عليه وآله): " أول من يدخل من هذا الباب، إمام المتقين، وسيد المسلمين، ويعسوب الدين، وخاتم الوصيين، وقائد الغر المحجلين ". فدخل علي (عليه السلام)، فقام إليه مستبشرا فاعتنقه وجعل يمسح عرق جبينه، وهو [ صفحه 32] يقول: " أنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا بعدي " [69] . 82 - قال (صلي الله عليه وآله): " علي بن أبي طالب باب حطة من دخل منه كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا ". 83 - قال (صلي الله عليه وآله): " من أطاعني أطاع الله، ومن عصاني عصي الله، ومن أطاع عليا فقد أطاعني، ومن عصي عليا فقد عصاني ". 84 - قال (صلي الله عليه وآله): " إن الأمة ستغدر بك بعدي، وإن تعيش علي ملتي، وتقتل علي سنتي، من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه ستخضب من هذا، يعني لحيته من رأسه " [70] . وقوله (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " أما إنك ستلقي بعدي جهدا ". قال: في سلامة من ديني؟ قال: " في سلامة من دينك ". 85 - قال (صلي الله عليه وآله): " إن منكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله، فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر، قال أبو بكر: أنا هو؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو؟ قال: لا، ولكن خاصف النعل " يعني عليا. قال أبو سعيد الخدري: فأتينا عليا فبشرناه، فلم يرفع به رأسه كأنه قد سمعه من رسول الله (صلي الله عليه وآله). 86 - قال (صلي الله عليه وآله): " يا علي! أخصك بالنبوة فلا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع: أنت أولهم إيمانا بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم بالرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية ". 87 - قال (صلي الله عليه وآله): " لكل نبي وصي ووارث، وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب ". [ صفحه 33] جاء الحديث في مناسبات عدة بألفاظ مختلفة ونفس المعني [71] . 88 - قال (صلي الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام): " يا فاطمة زوجتك أول المسلمين إسلاما، وأعلمهم علما، وأنت سيدة نساء أمتي، كما سادت مريم نساء قومها. يا فاطمة إن الله اطلع علي أهل الأرض فاختار منهم رجلين فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك " [72] . 89 - شابه علي (عليه السلام) رسول الله (صلي الله عليه وآله) في: 1 - النسب. 2 - الطهارة كما نزلت فيهم آية الطهارة والمباهلة. 3 - الولاية في آية الولاية. 4 - الأداء والتبليغ حينما أوحي إليه بإعطائه سورة البراءة لتبليغها. 5 - إنه مولي الأمة بدليل قول رسول الله (صلي الله عليه وآله): " من كنت مولاه فعلي مولاه ". 90 - دعا رسول الله (صلي الله عليه وآله): " اللهم إن أخي موسي سألك فقال: رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري، فأنزلت عليه قرآنا ناطقا: - (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما) -. اللهم وإني محمد صفيك ونبيك، فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيرا من أهلي عليا، اشدد به أزري، وأشركه في أمري ". فنزلت بعد دعائه (صلي الله عليه وآله) آية الولاية [73] . [ صفحه 34] 91 - قوله تعالي في السورة (98) (البينة) الآيتان (7 و 8): - (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاءهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه) -. قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) عند نزولها مخاطبا عليا قائلا:" هو أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضين " [74] . 92 - قال (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " مثلك في أمتي مثل المسيح بن مريم، فرقة شيعتك وهم المؤمنون، وفرقة أعداؤك والثالثة مغالون، فأنت يا علي وشيعتك في الجنة، ومحبو شيعتك في الجنة، وعدوك والمغالي فيك في النار ". فالمسلمون الخلص لله ولرسوله (صلي الله عليه وآله) وعترته (عليهم السلام) الذين تشملهم الآية (7) من سورة البينة: - (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) -. أولئك الذين اقتدوا بمحمد (صلي الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وعترتهم (عليهم السلام) في طاعة الله وتنفيذ أوامره ونواهيه، وأخلصوا له في القول والعمل. 93 - وقال (صلي الله عليه وآله) حينما نزلت الآية أعلاه مخاطبا عليا (عليه السلام): " تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضين " 94 - قال (صلي الله عليه وآله) حينما دخل عليه علي: " والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهمالفائزون يوم القيامة " [75] . 95 - وقال (صلي الله عليه وآله): " يا علي أنت وشيعتك خير البرية، تأتي يوم القيامة أنت وشيعتك راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضبانا ". فقال: من عدوي؟ قال: " من [ صفحه 35] تبرأ منك ومن لعنك " [76] . 96 - قال (صلي الله عليه وآله): " إذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسمائهم وأسماء أمهاتهم إلا هذا- يعني عليا - وشيعته فإنهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحة ولادتهم " [77] . 97 - قال (صلي الله عليه وآله): " أنا الشجرة وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها، وأصل الشجرة في جنة عدن، وسائر ذلك في سائر الجنة " [78] . 98 - قال (صلي الله عليه وآله) لعلي: " يا علي إن أول أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وذرارينا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرارينا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا " [79] . 99 - في خطبة لرسول الله (صلي الله عليه وآله): " أيها الناس: من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهوديا ". قال الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري: يا رسول الله! وإن صام وصلي؟ قال (صلي الله عليه وآله) " وإن صام وصلي وزعم أنه مسلم احتجز بذلك من سفك دمه، وأن يؤدي [ صفحه 36] الجزية عن يد وهم صاغرون. مثل لي أمتي في الطين فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته ". فكأنه يريد أن يقول (صلي الله عليه وآله) ليس هناك من دخل الإيمان في قلبه إلا ودخل معه حب آل البيت، وليس هناك من دخل النفاق في قلبه إلا ومازجه بغض آل البيت. 100 - قال (صلي الله عليه وآله): " شفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي وهم شيعتي ". فنعرف من ذلك أن المحبين الواقعيين لأهل البيت (عليهم السلام) هم الذين والوا وتابعوا سير رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأقاموا أحكام الله، وهم شيعته الموالون. وأما غيرهم فيتظاهرون وأكثرهم منافقون. والآية (145) من سورة النساء قوله تعالي: - (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) - لأنهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.وقوله تعالي: - (والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) - [80] . والآية 159 من سورة البقرة: - (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدي من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) -. فما كتم البينات والهدي إلا من منع المعارف الإسلامية وهي السنة النبوية والأحاديث أن تدون. إذ إن رسول الله - (لا ينطق عن الهوي - إن هو إلا وحي يوحي) - [81] . والآية 174 من سورة البقرة، قوله تعالي: - (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) -. ومن شاء أن يعرف من حرف وزيف الحقائق من الكتاب المنافقين فليراجع [ صفحه 37] الجزء الثالث من موسوعة الغدير للعلامة الثقة المتبحر الشيخ عبد الحسين الأميني. 101 - قال (صلي الله عليه وآله): " في كل خلوف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون من هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ألا إن أئمتكم وفدكم إلي الله عز وجل فانظروا بمن توفدون ". 102 - عندما نزل جبرئيل بالآية المارة الذكر بعد دعاء رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن يجعل الله عليا (عليه السلام) وزيرا له، والآية: - (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) - [82] . تعجب الصحابة، فقال (صلي الله عليه وآله): مما تعجبون؟ إن القرآن أربعة: فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع حلال وربع حرام، وربع فرائض وأحكام، والله أنزل في علي كرائم القرآن " [83] . 103 - الآية التي ورد فيها سلام علي آل ياسين إنما هم آل محمد كما فسرها المفسرون [84] . وقد أيدت الصحاح ومنها البخاري ومسلم، وجوب الصلاة علي الآل [85] . 104 - جاء في كتب الشيعة الاثني عشرية عن الإمام علي قوله: " إني برئ [ صفحه 38] من الغلاة كبراءة عيسي بن مريم من النصاري. اللهم اخذلهم أبدا ولا تنصر منهم أحدا ". وجاء عن علي أيضا أنه قال: " يهلك في اثنان ولا ذنب لي: محب مفرط، ومبغض مفرط. إنا لنبرأ إلي الله ممن يغلو فينا فوق حدنا كبراءة عيسي بن مريم من النصاري ". وقال: " يهلك في اثنان: محب غال، ومبغض قال ". فمن نسب لعلي ورفعه لمستوي الله أو رسوله (صلي الله عليه وآله) فهو مغال، وليس بمسلم، بل هو كافر ونجس، وإن سمي نفسه شيعيا: فالشيعة الاثنا عشرية يعطون عليا (عليه السلام) بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) حق الولاية والخلافة والإمارة، كما قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): " من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ". وقال (صلي الله عليه وآله): " علي مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي ". وهم المسلمون حقا بما نزل علي محمد (صلي الله عليه وآله) من الكتاب، وما جاء به من السنة، وأن عليا (عليه السلام) إنما هو العبد الصالح المطيع لله ولرسوله (صلي الله عليه وآله) وخليفة رسول الله ووصيه المنصوص عليه من الله ورسوله، ومن اعتقد بعلي (عليه السلام) غير هذا فليس من الشيعة. والشيعة اتخذت منبع الحديث والسنة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وعترته (عليهم السلام) الذين أبعد الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا طبق الآية، وهم بريئون من الغلاة الذين ينسبون لعلي نسبا يرفعونه فوق مستواه ويقربونه للألوهية أو حتي يساووه بالنبي (صلي الله عليه وآله)، رغم أنه شابه النبي (صلي الله عليه وآله) في بعض الصفات، بيد أنه هو القائل: " ما أنا إلا عبد من عبيد محمد ". إلا أنه أول رجل في الإسلام بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وأنه طاهر من الرجس معصوم من الزلل، حسب آية التطهير المارة. [ صفحه 39] 105 - قال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) سبط رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهم مصدر للفقه الجعفري، قال كلمته البليغة: " ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا، والله ما لنا علي الله من حجة، ولا معنا من الله براءة، وإنا لميتون وموقوفون ومسؤولون، من أحب الغلاة فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبنا، الغلاة كفار، والمفوضة مشركون لعن الله الغلاة ". وقد قال الله عز وجل في الآية 16 من سورة الرعد: - (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار) -. وأما النواصب فهم مبغضو علي وعترته ومعادوهم وغاصب حقهم، والمحبون والمتعصبون لهم والمتبعون خطاهم وقد مر ذكر الأحاديث النبوية عنه أنهم بين كافر وفاسق ومنافق وظالم وكلهم في الدرك الأسفل من النار. 106 - روي الشيخان، واللفظ للبخاري عن جابر بن سمرة، وروي مسلم، حول أئمة المسلمين بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومهدي آل محمد (عج): " لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا، وكلهم من قريش ". وفي أخري: " إن هذا الأمر لا ينقضي حتي يمضي له فيهم اثنا عشر خليفة ". وأخري: " لا يزال الإسلام عزيزا منيعا إلي اثني عشر خليفة ". كذا ذكر أبو داود وأحمد والبزاز عن ابن مسعود، أنه سئل: كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ قال: سألنا عنها رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقال: " اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل ". وذكر المرحوم العلامة أبو رية ص 192 من كتابه أضواء علي السنة المحمدية أنه: قال الحكيم ابن خلدون في صفحة 311 طبع بيروت: إن المشهور بين كافة أهل الإسلام علي ممر الأعصار، إنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي علي الممالك [ صفحه 40] الإسلامية، ويسمي بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح من أثره، وأن عيسي ينزل بعده فيقتل الدجال، وينزل معه فيساعده علي قتله، ويأتم بالمهدي في صلاته. كما أخرج آخرون من مشاهير المحدثين، مثل الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في الباب 77 من ينابيع المودة صفحة 444 طبع إسطنبول نقل فيه الخلفاء الاثني عشر بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) في ثلاثة طرق عن البخاري، وتسعة عن مسلم، وثلاثة طرق من أبي داود، وطريق عن الترمذي، وثلاثة طرق عن الحميري، وجاء في تفسير الثعلبي وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وفرائد الحمويني، ومناقب الخوارزمي، وابن المغازلي، والمودة العاشرة من مودة القربي للسيد مير علي الهمداني الشافعي موردا اثني عشر خبرا عن عبد الله بن مسعود وجابر بن سمرة، وسلمان الفارسي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه قال: " إن عدد الخلفاء والأئمة بعدي اثنا عشر كلهم من قريش ". وفي بعض الأخبار: " من بني هاشم ". وفي بعضها ذكر أسماءهم، وفي أخري عددهم، ولم يأت عنه أن الخلفاء بعدي أربعة، ولا يمكن إدخال الأمويين أو العباسيين معهم. ونري أن الاثني عشرية أئمتهم اثنا عشر من سلالة الرسول (صلي الله عليه وآله) من علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) وقد ثبتت ولاية علي في آية الولاية، وتوارثوها نسلا بعد نسل، وهم يحملون علم ومزايا وأحاديث رسول الله (صلي الله عليه وآله) الصحيحة، صحيحة نقية لا تشوبها شائبة، وهم أولو القربي في الآية المحرم عليهم الصدقات والمختصون بالخمس، فأين منهم غيرهم من الأئمة الذين جاءت بهم السياسة بعد القرن الأول، وسدوا باب الاجتهاد وتناقضوا في الحديث والرواية، تلك التي وضعت للأغراض وللأهواء في زمن آل أمية والعباسيين بعدما منع الخليفة الأول والثاني والثالث [ صفحه 41] تدوين الأحاديث والسنة. بينما لا نري ذلك عند سلالة الرسول (صلي الله عليه وآله) الذين أخذوها نسلا عن نسل من الرسول (صلي الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وذريته الطاهرة (عليهم السلام). 107 - الإمامة عند الشيعة من أصول الدين، ولكن طبق الكتاب والسنة. وقد مرت فيما مر في الآيات، أخص آية الولاية، التي خص بها علي بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) - (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاةوهم راكعون) - [86] . وهو علي حسب ما أجمع عليه المفسرون، وثبت نقلا وعقلا، كما مر، أنه خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) نصا من الله ومن رسوله (صلي الله عليه وآله)، وهو الأليق سابقة وتقوي وإخلاصا وشجاعة وعلما وكل شئ، وذريته الطاهرة بعده. بهذا كانت الإمامة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) تؤيدها الآيات، ومنها آية التطهير والمباهلة التي جعلت عليا (عليه السلام) نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وما أدلي به الرسول (صلي الله عليه وآله). فأين منه غيره؟ ومن أنكر ذلك أنكر علي الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، فهو كافر بالنص، ومن علم بذلك فخالفه فهو فاسق ومنافق، والمنافقون في أسفل درك من جهنم حسب كتاب الله. وعقلا أكان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يترك أمته دون أن يعين وصيه وخليفته من بعده! ومن كان أجدر من علي (عليه السلام) نفسه، وأخوه، وربيبه، وباب علمه، وأبو ذريته، وزوج بضعته، من نزلت فيه أعظم الآيات، ومعجزة الإسلام في التضحية، وفي الشجاعة، وفي التقوي، وفي الزهد، وفي الحكمة، وفي الحلم، وفي العمل [ صفحه 42] المستمر، وفي الآراء السديدة، وفي الفصاحة، وفي الاستقامة. ولنعد إلي ما رواه الثقات من علماء السنة كما يلي: 108 - قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): " من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة الجاهلية ". ولو لم تكن الإمامة أصلا من أصول الدين لما كان جهلها يعيد الفرد إلي الجاهلية، يعني الشرك [87] . قال البيضاوي: إن مخالفة ذلك إنما هو يوجب الكفر والبدعة في الدين، فالإمامة أصل تلي النبوة وتكملها. والإمامة لها معني غير المعني اللغوي، وهي التي جاءت نصا بالكتاب، كما مر في آية الولاية، وما نزل من الآيات في غدير خم، آية الابلاغ، قوله تعالي: - (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) - [88] . وآية الإكمال بعد التبليغ قوله تعالي: - (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) - [89] . ويوم أخذ رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعضد ابن عمه وأخيه ووصية وخليفته، وصعد علي أقتاب الإبل وألقي خطبته العصماء، وهو يقول ويسألهم: " من أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ وإذ قالوا: الله ورسوله، قال: فمن كنت مولاه فعلي هذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ". وكما نوه فيما ذكر في شتي المناسبات من الأمكنة والأزمنة والظروف، وهو [ صفحه 43] يذكر قومه: إني دعيت وسأجيب وهذا خليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، هذا يعسوب الدين، هذا إمام المتقين، هذا الصديق الأعظم، وهذا الفاروق. فقد ثبتت ضرورة الإمام (عليه السلام) وضرورة معرفته، ومن لم يعرفه فهو يموت ميتة جاهلية، أي كافرا، ومن خالفه خالف الله ورسوله (صلي الله عليه وآله). قال كل ذلك علي مسمع (100 - 200) ألف شخص، وفيهم الصحابة، أخص أبا بكر وعمر، وأزواج رسول الله (صلي الله عليه وآله). وقد ثبت أن أبا بكر وعمر قالا له: بخ بخ لك يا علي لقد أصبحت مولانا ومولي كل مؤمن ومؤمنة. وبعدها ماذا؟ فما هو الحكم الفصل بعد هذا؟ من أقر ونقض وخالف واغتصب وظلم وآذي؟ ولم يكتف بكل ذلك بل قدمها لقمة سائغة إلي رؤساء الأحزاب وأعداء الإسلام الكفرة الفسقة المنافقين آل أمية وآل بني معيط. فمن فعل ذلك؟ وما جزاؤه؟ إن الذي فعل ذلك هو الغاصب العامد الذي تعمد إقصاء علي (عليه السلام) وآله إلي الأبد، وحرمان الأمة الإسلامية إلي الأبد منهم. وهذا هل يساوي جزاء فرد متعمد أضر فردا واحدا؟ بل أصاب قاطبة أفراد المسلمين علي مدي الأيام والسنين والقرون، وسوف نري في النتيجة الحكم الفصل. 109 - خلفاء رسول الله (صلي الله عليه وآله) من عترته: وخلف علي (عليه السلام) الأئمة الطاهرين من عترته جيلا بعد جيل، فكانوا علي تلك الشاكلة من العلم والتقوي والطهارة والزهد والاخلاص، واستمروا تحت كبت الطغاة الغاصبين يمدون، ما سمحت لهم الظروف، الأمة بفيضهم، ولم يشهدوا فرصة تسمح لهم بفيض يشمل الأمة من بحر علمهم الزاخر سوي الفترة الكائنة بين أواخر العهد الأموي، الذي انشغل فيه الأمويون بشؤونهم الداخلية والخارجية المغلقة. فخف كابوس ضغطهم علي أحرار الأمة وأخيارها وأخص منهم آل بيت الرسالة (عليهم السلام). وأوائل عهد بني العباس البادئين ببناء صرح دولتهم، هناك بين العهدين ظهر [ صفحه 44] نبوغ أحد الأئمة من أحفاد سيد الرسل (صلي الله عليه وآله) من أولاد علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين السبط (عليهم السلام) ولم يكن بروزه في الكفاءة في شتي العلوم والمجالات إلا كأحد آبائه وأبنائه الذين تلوه في المكانة العلمية والعملية والدينية، وليس له ميزة بنبوغه إلا للفرصة المواتية التي مكنته من مد روحه الكبيرة إلي الأطراف والأكناف، والتفاف العلماء والرواد للكسب من مناهله، فكان حقا كالشمس تمد أنوارها في الشرق والغرب، واعترف بفضله أعلام الأمة وعلماؤها، وبمكانته المرموقة، وإليك بعض النبذ التي قالها أكابر علماء أهل السنة فيه: قال أحد أساطين العلم محمد بن طلحة الشافعي في صفحة (81)، أول الباب السادس من كتابه مطالب السؤول: " هو: (يقصد الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)) من عظماء أهل البيت وساداتهم، ذو علم جم، وعبادة موقرة، وأوراد متواصلة وزهادة بينة، وتلاوة كثيرة، يتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسم أوقاته علي أنواع الطاعات، بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكر بالآخرة، واستماع كلامه يزهد في الدنيا، والاقتداء بهديه يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوة، وطهارة أفعاله تصدع بأنه من ذرية الرسالة، نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من الأئمة والأعلام مثل يحيي بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وشعبة، وأيوب السجستاني، وغيرهم، رضي الله عنهم، وعدوا أخذهم عنه منقبة شرفوا بها، وفضيلة اكتسبوها ". وإن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) تحدث بفضله وعلمه ونزاهته وتقواه الركبان والمجالس والعلماء في مؤلفاتهم، ومنهم الشهرستاني في الملل والنحل، ونور الدين المالكي الصباغ، حيث قال: " نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به [ صفحه 45] الركبان، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث ". وقال الشيخ عبد الرحمن السلمي في طبقات المشايخ: " الإمام جعفر الصادق فاق جميع أقرانه، وهو ذو علم غزير في الدين، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وأدب كامل في الحكمة ". إن هذه بعض مما امتاز به، ومنعت السياسة من درج اسمه حتي في عداد تلامذته، كابن مالك وأبي حنيفة، وكيف يرضي الخليفة العباسي ذلك وهو يطارد سلالات النبوة، ويفتك بهم في كل صقع، وإذا سمح فعليه التنازل لهم عما تسنمه غصبا، وهو لم يأل جهدا من اطفاء نورهم، واستئصال شأفتهم، وأبي الله ذلك حتي أظهر الحق علي لسان أنداده وأعدائه والفضل ما شهدت به الأعداء. ولشد ما يبعث علي العجب أن السياسة أبت درج اسمه علي أمثال البخاري ومسلم، أولئك الذين يوردون الحديث عن الوضاعين والمزيفين، فكان ذلك وصمة لهم وعارا وشنارا عليهم في الدنيا، وللآخرة أشد وأبقي. فنراهم يأبون النقل عن أي فرد مهما بلغ من العظمة أو صغر من آل بيت الرسالة (عليهم السلام)، ويملؤون بطون كتبهم من أفراد خلقتهم السياسة، ودستهم آل أمية وعلي رأسهم الكافر المنافق معاوية، الذي لم يأل جهدا من الفتك بآل الرسول (صلي الله عليه وآله) والصحابة البررة، ودس وتزييف مئات الأحاديث والأخبار الكاذبة علي أيدي جماعة من المنافقين أمثاله، الذين تابعوه في رذائله. وقد قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): " من تقول وكذب علي فليتبوأ مقعده من النار ". راجع الزمخشري في ربيع الأبرار، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد لتري ما فعله أبو هريرة [90] في زمن الأمويين من الدس والتحريف، وراجع مؤلفات العلامة أبي [ صفحه 46] رية، وأخص منها " شيخ المضيرة "، وراجع كتاب " أبو هريرة " للسيد عبد الحسين شرف الدين، وكتاب " أضواء علي السنة المحمدية " للعلامة محمود أبي رية. هذا هو جعفر بن محمد (عليه السلام) الإمام السادس من خلفاء سلالة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو لا يختلف علما وتقوي وإخلاصا لدين جده عن الأئمة من آبائه وأبنائه، سوي الزمن الذي سنح، والفرص المواتية لإبراز ذلك. 110 - قال تعالي في سورة التوبة الآية (119): - (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) - هم: محمد (صلي الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)،متواترا من المفسرين [91] . 111 - وقوله تعالي في سورة الزمر الآية (33): - (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون) - الذي جاء بالصدق محمد (صلي الله عليه وآله) والذي صدق به علي (عليه السلام)،أطبق عليه الحفاظ [92] . 112 - في سورة الحديد الآية (19)، قال تعالي: - (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم) - نزلت في شأن [ صفحه 47] علي (عليه السلام) [93] . 113 - في سورة النساء الآية (69): - (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) -والقصد من الصديقين هو علي (عليه السلام) [94] . 114 - قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): " الصديقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار صاحب يس، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم " [95] . 115 - وقال (صلي الله عليه وآله): " الحق لن يزال مع علي وعلي مع الحق لن يختلفا ولن يفترقا " [96] . 116 - دعا رسول الله (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) وقال: " وأدر الحق معه حينما دار وكيف ما دار ". ذكره ابن الجوزي في ص 20 في تذكرة خواص الأمة. وآنذاك أبدي رأيه وقال: فيه دليل علي أنه ما جري خلاف بين علي (عليه السلام) وبين أحد من الصحابة إلاوالحق مع علي (عليه السلام) [97] . 117 - وقال (صلي الله عليه وآله): " من أطاع عليا فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن أنكر عليا فقد أنكرني ومن أنكرني فقد أنكر الله " وجاء بعبارات شتي. 118 - وجاء في الملل والنحل للشهرستاني عنه قوله: " لقد كان علي علي الحق في جميع أحواله يدور الحق معه حيث دار " [98] . 119 - قال (صلي الله عليه وآله): " من أكرم عليا فقد أكرمني ومن أكرمني فقد أكرم الله ومن أهان [ صفحه 48] عليا فقد أهانني ومن أهانني فقد أهان الله " [99] . 120 - عن أبي ذر الغفاري قال [100] ما كنا نعرف المنافقين علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلا بثلاث: 1 - تكذيبهم الله ورسوله. 2 - التخلف عن الصلاة. 3 - بغضهم علي بن أبي طالب. وعن أبي سعيد الخدري، قال: كنا نعرف المنافقين ببغضهم عليا. وقد روت عائشة أم المؤمنين عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قوله: " إن الله عهد إلي: من خرج علي علي فهو كافر في النار " وحينما اعترضوا عليها بحربها إياه قالت: نسيت الحديث. 121 - قال الله تعالي في الآية (54) من سورة المائدة: - (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين) -. أخرج الإمام أبو إسحاق أحمد الثعلبي في تفسير كشف البيان أن الآية نزلت في علي الذي هو وحده جمع كل الصفات الحسنة المذكورة في الآية. ولم يذكر التاريخ أبدا أن عليا تأخر في أي حملة من الوقائع ال (36) التي جرت في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولا فتر عزمه مرة واحدة، بل كان في الطليعة دائما، ويقابل أقوي الفرسان الذين تخشي بقية الصحابة مقابلتهم في بدر، وبالأخص في [ صفحه 49] أحد التي خالف الجيش أوامر رسول الله (صلي الله عليه وآله) عند تغلبهم علي العدو وتابعوا العدو في فراره لكسب الغنائم فيكر كرته ويهزمهم، فينهزم جميع المسلمون إلا عليا حيث يظل يدافع عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويهاجم الذين أحاطوه، حتي تمكن منهم بعد أن أصيب بتسعين جرحا أكثر من (26) منها مميتة، وقد تلقاها جميعا بإيمانه، وفيه قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه سمع صوتا لجبرئيل يقول: لا فتي إلا علي - لا سيف إلا ذو الفقار [101] تلك بعض فضائل علي (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) التي جاءت متواترة أكيدة في الكتاب والسنة، والتي أطبق علي تأييدها أشهر الكتاب والمؤرخين. 122 - صبر علي (عليه السلام) واحتجاجاته، وقد مر قسم منها في حديثه مع أبي بكر وعمر عملا، حيث لم يبايع إلا قهرا بعد إحراق بابه وتهديده بالقتل، وظلمهم له ولزوجته، حتي وجهت له عتابها، واعتذر عن ذلك أنه مأمور بالصبر. قالت تخاطب عليا (عليه السلام): اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي، إلي أن قالت: لقد أجهر في خصامي، وألفيته ألد في كلامي... الخ وهو خطاب طويل. وسكت حتي أتمت، وقال لها منهنها عن صدمتها بما يلحقها من الأجر العظيم، وذكرها أنه ليس بالعاجز الضعيف الجبان، ولكن وصية سبقت من رسول الله (صلي الله عليه وآله) حرصا علي دينه وشريعته، وإذا بالمؤذن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وبعده أن محمدا رسول الله. فأشار لها: إنما أصبر حرصا علي بقاء هذا. ولقد برهن للقوم أن الحق معه وأنهم غاصبون، وبرهن في كل فرصة علي غصبهم وظلامته، وما أصاب المسلمين من الحيف. [ صفحه 50] وسوف أورد مختصرا من كلماته الاحتجاجية أدناه، منها خطبته حينما علم بنكث طلحة والزبير وذهابهما إلي البصرة، وإلي القارئ قسما منها: قوله (عليه السلام): " فإن الله تبارك وتعالي لما قبض نبيه (صلي الله عليه وآله) قلنا نحن أهل بيته وعصبته وورثته وعترته وأولياؤه وأحق خلائق الله به، لا ننازع في حقه وسلطانه، فبينما نحن إذ نفر المنافقون فانتزعوا سلطان نبينا منا وولوه غيرنا، فبكت لذلك والله العيون والقلوب منا جميعا، وخشنت والله الصدور، وأيم الله لولا مخافة الفرقة من المسلمين أن يعودوا إلي الكفر ويعود الدين، لكنا قد غيرنا ذلك ما استطعنا، وقد ولي ذلك ولاة ومضوا لسبيلهم، ورد الله الأمر إلي وقد بايعاني وقد نهضا إلي البصرة ليفرقا جماعتكم ويلقيا بأسكم بينكم " [102] . وخطب علي (عليه السلام) علي الناس حين ذهابه إلي البصرة ومما قال: " إن الله تعالي لما قبض نبيه استأثرت علينا قريش بالأمر ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس، فرأيت أن الصبر علي ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم، والناس حديث و عهد بالإسلام والدين ". أخرجه علماء مبرزون من أهل السنة والجماعة، منهم الكلبي وابن أبي الحديد المعتزلي. فنري في أقوال علي (عليه السلام) شدة التأثر والاحتجاج وكيف يصم الغاصبين بالنفاق، وكيف لعملهم بكت العيون والقلوب. ولعلي (عليه السلام) احتجاجات في كل مناسبة، ومنها يوم الرحبة وغيرها، تجدها في [ صفحه 51] كتابي الأول والثاني من موسوعتنا هذه، وتجدها في الجزء الثالث منه في موضوع صبر علي مع الغاصبين، وما ورد في خطبه ورسائله في نهج البلاغة، ومنها [103] رسالته لأهل مصر بيد مالك الأشتر يخاطبهم بها بقوله: " فإن الله سبحانه بعث محمدا (صلي الله عليه وآله) نذيرا للعالمين ومهيمنا علي المرسلين، فلما مضي (صلي الله عليه وآله) تنازع المسلمون الأمر من بعده، فوالله ما كان يلقي في روعي ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده (صلي الله عليه وآله) عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عني من بعده! فما راعني إلا انثيال الناس علي فلان يبايعونه، فأمسكت بيدي حتي رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلي محق دين محمد (صلي الله عليه وآله)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أري فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب، وكما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتي زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه ". وما أعظم خطبته الشقشقية، وإليك نبذة منها: " أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحي، ينحدر عني السيل ولا يرقي إلي الطير، فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا. وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر علي طخية عمياء، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتي يلقي ربه، فرأيت أن الصبر علي هاتا أحجي، فصبرت وفي العين قذي، وفي الحلق شجا، أري تراثي نهبا، حتي مضي الأول لسبيله فأدلي بها إلي ابن الخطاب بعده... الخ ". 123 - أولو الأمر: من هم أولوا الأمر؟ ولغرض معرفة ذلك شرعا نجد نصوصا قرآنية مجملة فصلتها الأحاديث النبوية المتواترة الأكيدة: [ صفحه 52] قال تعالي: - (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) - [104] . هذه الآية نزلت في علي (عليه السلام) يوم تصدق بخاتمه في الصلاة، وأيدها الحفاظ والمفسرون بصورة متواترة وأكيدة.وقوله تعالي في الآية: - (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) - [105] . فولي الأمر هو ما ذكر أعلاه، وليس ذوي السلطة والسلطان مهما كان ومن كان، حتي يزيد بن معاوية الكافر، ومروان بن الحكم لعين رسول الله (صلي الله عليه وآله) الفاجر، أو أولاده وأحفاده مثل الوليد بن الحكم ذلك الكافر الفاجر، لا، فالآيتان: آية الولاية وآية الإطاعة ليستا إلا إطاعة ظاهرية وإطاعة باطنية مفروضة من الله علي البشر، شرعا ودينا، في أوامره ونواهيه، لا تلك التي تفرضه المراجع الآمرة والسلطات القاهرة من أحكام الجور والظلم الصادرة طبق أهوائهم وأغراضهم، تلك التي لا ترتكز إلي شريعة عادلة، ولا إلي دين قويم. هذه أهم أسس الخلافة بين مذهب الإمامية والمذاهب الأخري، فالإمامية هي التي تتبع نص القرآن والسنة في أولي الأمر، وتعرفهم بالنص، وهم ثلاثة: الله، ورسوله، وأولو الأمر المنصوص عليهم في كتاب الله وسنة رسوله (صلي الله عليه وآله). وغير الإمامية يعتبرون أولي الأمر كل أمر صدر من البر والفاجر، لمجرد أن يكون صاحب السلطان والقدرة القاهرة، سواء كانت عادلة أو جائرة، أو مسلمةأو غير مسلمة، مهما جاهر بالكفر والفسق والفجور والمظالم [106] . ولا بد وأن الله الذي أرسل رسوله (صلي الله عليه وآله) بالهدي أن يعين وينص علي وصيه لتكميل هدايته للبشر بعده، كما أدلي بذلك رسول الله (صلي الله عليه وآله) حينما قال: " إني تارك [ صفحه 53] فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ". ثم أردف قائلا (صلي الله عليه وآله): " مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق ". وقال (صلي الله عليه وآله): " علي مني بمنزلة هارون من موسي ". ولم يترك مناسبة إلا وأوصي بعده بإطاعة علي (عليه السلام) وبعده عترته أهل بيته (عليهم السلام)، أولئك السابقين الصديقين الطاهرين المتقين المنزهين العالمين. وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ وإلا كيف يفرض الله إطاعة من فرض حكمه غصبا وظلما وجورا، بالقتل والسلب والجور، من قتل الأبرياء، وسار بغير ما أمر الله ورسوله (صلي الله عليه وآله). ونحن نذكر أدناه بعض الآيات والنصوص القرآنية تأييدا لقولنا: 1 - قوله تعالي: - (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوالأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله...) - [107] . 2 - وقوله تعالي: - (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) - [108] . 3 - وقوله تعالي: - (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) - [109] . 4 - وقوله تعالي: - (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) - [110] . 5 - وقوله تعالي: - (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) - [111] . 6 - وقوله تعالي: - (إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران علي [ صفحه 54] العالمين - ذرية بعضها من بعض) - [112] . 7 - وقوله تعالي: - (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) - [113] . وإذا راجعنا التفاسير أدناه وجدناها نزلت بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) وعترته من بعده. راجع التفاسير: الطبري، النيشابوري، الواحدي، جلال الدين السيوطي، الزمخشري، الإمام الثعلبي، فخر الرازي، والصحاح: كالبخاري، ومسلم، وسنن أبي داود، والجمع بين الصحيحين، وفرائد الحمويني، ومسند أحمد، والصواعقلابن حجر، وغيرها [114] . وجاء في الباب (62) من كفاية الطالب، والباب (42) من ينابيع المودة للخواجة كلان سليمان البلخي الحنفي، عن ابن عباس حبر الأمة، أنه قد نزلت في علي أكثر من ثلاث مئة آية في فضله. فالشرط في أولي الأمر أن يكون نصا من الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) بهم، وأن يكونوا مطهرين من الرجس. كما جاء في آية التطهير نصا، لذلك يجب أن يكونوا أعلم وأتقي وأفضل وأكمل من في الأرض. وقد ثبت عند أجلة المحدثين من الإمامية وأهل السنة والجماعة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله): " إن المقصود من أولي الأمر المقرونة طاعتهم بطاعتي، ومعصيتهم بمعصيتي ". راجع بذلك الأسانيد في الجزء الثالث من موسوعتنا (أولوا الأمر هم الأئمة الاثنا عشر). أدلي بها محامي آل البيت (عليهم السلام) أمام محكمة العدل الإلهي. [ صفحه 55]

المدعي عليهم والتهم

اشاره

وبعدها يقدم مجموعة من الجرائم التي جرت علي علي (عليه السلام) وآل بيت الرسالة (عليهم السلام)، وعلي شيعتهم من الصحابة والتابعين، وعلي الأمة الإسلامية بعد وفاة خاتم الرسل (صلي الله عليه وآله)، ومن أتي بتلك الجرائم غاصبا عامدا، ومن تابعهم علي ذلك، وظل يتابع حتي مثلت آثارها من الظلم والقسر والجور والتعدي تتري، ودبت في جسم الأمة الإسلامية فتركتها تئن من الآلام وتنهكها العصبيات والتفرقة، وحالت دون تقدم روح الإسلام في العالم، بل ظلت تنخر في أعضاء البدن الواحد وتعيقه عن إدامة الحياة السليمة. تقدم المحامي (محامي الشكاة)، بعد عرض فضائل وكرامات علي (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام)، ومن شايعهم، أولئك الذين أسلموا وصح إسلامهم فكانوا القدوة الصالحة ومثال التقوي للفرد المسلم الكامل، أولئك الذين آثروا الصبر تحت أشد الضربات القاصمة من الغاصبين المتنكرين تحت الشعائر الإسلامية، والعابثين بمقدساتها بإبعاد ذوي الحق الشرعيين والخيرة الصالحين، وضم الأحزاب التي حاربت الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، من آل أمية وآل بني معيط أمثال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن حذا حذوهم. أولئك الذين لم يبقوا من حولهم وقوتهم لقمع العقيدة الإسلامية منذ قيامها، بالأموال والنفوس والمكائد. أولئك الذين زجوا ما لديهم للقضاء علي محمد (صلي الله عليه وآله) وأتباعه وشيعته في بدر وأحد والأحزاب وغيرها، هؤلاء تسلموا في أدق الساعات التي فارق محمد (صلي الله عليه وآله) الأمين هذه الحياة الفانية إلي الحياة الباقية، في اللحظات العصيبة التي يقف [ صفحه 56] أمامهم الأعداء، ويحيط بهم الأنداد من مشركين ومنافقين وكفرة أهل الكتاب ليخرجوا أولي الأمر الذين نص علي استخلافهم كتاب الله وسنة رسوله (صلي الله عليه وآله). باسم الإسلام يوقفون أوامر الله ونواهيه في كتابه وسنته، فيقيمونها باسم الدفاع هجوما علي مقدسات الإسلام ومن يحميه، باسم الردة، وباسم المشركين، فيقصون أهل الحق ويغلون أيدي أتباعهم، ويمنعون تدوين أحاديث رسول الله (صلي الله عليه وآله) ودرج سننه البتة. تلك التي تكشف الحقائق عن أقوالهم وأفعالهم، ويطلقون أيدي الزمرة الخائنة المنافقة الكائدة الحانقة علي الإسلام من أولئك الذين سموا بالطلقاء من المشركين، أولئك الذين ظلوا إلي الأبد مشركين، أعداء للإسلام وعقائده، منافقين يظهرون غير ما يبطنون، ويكتمون ما لا يظهرون، أمثال أبي سفيان ومعاوية وآل معيط، ومن كان يتابعهم قبل الإسلام. أولئك الذين دخلوا كرها وظلوا منافقين كفرة، وفاسقين ظلمة سفاحين، أولئك الذين كانوا أشد المشركين خطرا علي الإسلام والمنافقون منهم في أسفل درك من الجحيم، وظلوا يتلاقفونها ملكا عضونا وكرة في أهوائهم وأغراضهم وأهدافهم. قال المحامي (محامي الشكاة) أمام المحكمة الإلهية: قد بينت فضائل أهل الحق، واليوم أقدم باسم العدالة والقسط، باسم الحق والحقيقة، صب من المصائب علي هؤلاء النخبة، وأبعدوا عن مناصبهم التي نصبهم الله فيها، وزيفت حسناتهم مساوئ عليهم، وأبدلت مساوئ أعدائهم، وأعداء الإسلام ورذائلهم حسنات، ومساوئهم بطولة وأمجادا. أعادوا ما أنكره الإسلام وأقصاه من العصبيات والمنكرات، وحاربوا ما فرضه الإسلام من المكرمات والبر والإحسان، حتي بلغت بهم الحال أن يصعد خليفتهم [ صفحه 57] علي المنبر بعد أن قبض علي قيادة الحكم وكبل أبطال المسلمين وشل قواهم وأبكمهم وأقصاهم، وحبس الأبدان، وألجم الأفواه، خوفا من أن ينبس منهم رجل، أو يظهر حراكا أو قولا دون إذن الخليفة. نعم يصعد منبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) ودونه عظماء الصحابة وزوجات الرسول (صلي الله عليه وآله)، وإذا به يصرخ دون أن يأبه أو يخشي أو يحذر قائلا بكل جرأة ودون دليل وبرهان: " متعتان كانتا علي عهد رسول الله حلالا وأنا محرمهما ومعاقب عليهما " فلم يجد أمامه من يستطيع أن يرده أو ينبس ببنت شفة، سوي إحدي زوجات رسول الله (صلي الله عليه وآله)، تلك الطيبة الطاهرة " أم سلمة " قائلة: يا عمر! لا تقل ومعاقب عليهما، بل قل: ومعاقب عليهما. وخير الكلام ما قل ودل، بيد أن الخليفة لم يعرها أهمية بل استمر علي منعه حتي منع نص الكتاب وسنة رسوله (صلي الله عليه وآله) في حياته وبعد حياته، رغم اعترافه هو أنها كانت حلالا علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله). ولم يكتف بهذا وحسب بل ظل يخالف النصوص الواحدة تلو الأخري، ومن قبل قد أوقف هو وصاحبه سنن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وقضي علي المعارف الإسلامية بمنع تدوينها لمحو حقيقتها وأثرها لأسباب عدة: أولها: إن فيها ما يمنع تسنمه وصاحبه كرسي الخلافة. وثانيها: أنهما لا يعرفان أكثر السنن، ولا توافق طبيعة اجتهادهما، وتكون أكبر عائق في إدارتهما هما ومن يريدان وضعه من الولاة ويسندا إليه من الأعمال. وثالثها: إنها تشرح نصوص الكتاب، ويريدان العمل دون قيودها. ولهذا منعا تدوينها، وأن هناك نصوصا صريحة قولا، وأخري عمل بها المسلمون مثل المتعتين، بيد أن عمر بلغ من القدرة مبلغا لم يأبه بعدها أبدا علي وقف نص أو سنة، وربما كانت هذه منه تجربة وجس نبض الأمة، حتي إذا لم يجد [ صفحه 58] من ينبس بكلمة سوي امرأة لا حول لها ولا قوة أمامه، بل هي إحدي الممنوعات في عهده من الخروج من المدينة، لذا نراه يتبع إلغاء النص بوقف نصوص أخر متي شاء، قولا وعملا. ومن أراد فليراجع النص والاجتهاد للعلامة شرف الدين حفيد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ومن آل البيت الطهارة. إلي هنا نقف لنترك إقامة الدعوي للمحامي: وهو يقدم الدعوي الأولي علي ثلاثة أشخاص، هم: 1 - أبو بكر بن أبي قحافة. 2 - عمر بن الخطاب. 3 - عثمان بن عفان. الاتهام: 1 - مخالفة أوامر الله ونواهيه المنصوصة في الكتاب، ومخالفة أوامر رسول الله (صلي الله عليه وآله) ونواهيه ووصاياه في أحاديثه وسننه، قبل وفاته. 2 - مخالفة كتاب الله وسنة نبيه (صلي الله عليه وآله) ووصاياه بعد وفاته. 3 - عدم الاكتفاء بأعمالهم في زمن حياتهم بل جر الأمة عمدا للانقياد إلي عصبة حطمت أركان الدين تحطيما متفقا عليه منهم جميعا، وبعلم واتفاق وإصرار سابق. 4 - كانت نتيجة أعمالهم انحراف عجلة الإسلام عن الصراط المستقيم بتسليم قيادة الأمة والدين إلي غير أهله، وإعادة كثير من المظالم والعصبيات والرذائل التي منعها الإسلام، وبالتالي الفت في عضد الأمة الإسلامية وتضعيفها وإسقامها، من التفتيت والانقسام والضعف والانهيار، من الأمراض الاجتماعية والأسقام [ صفحه 59] الروحية التي ظلت ولا أمل للنجاة منها إلي الأبد، إلا بمعجزة خارقة، كالتي ظهر بها سيد الرسل (صلي الله عليه وآله). هؤلاء الثلاثة ما كان لهم التزعم لولا تزعم العصبة بزعامة أبي بكر الذي بدأها بالخلافة. ولذا يتقدم المحامي بتوجيه الاتهامات في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) بجرائم، وإن كانت تعد بعضها كبيرة، ولكنها من الكبائر التي تتحدد بشخص الفاعل، وربما تتعدي منه إلي بضعة أعداد فقط، ولا تتجاوز غيرهم، ولا تخشي عاقبتها خشية أن تضر بمجموع الأمة، كما حدث بعد وفاة سيد الرسل (صلي الله عليه وآله). ويتوجه بالاتهام إلي أبي بكر أولا، فيقول: [ صفحه 61]

ابوبكر بن أبي قحافة

اشاره

آمن أبو بكر برسول الله (صلي الله عليه وآله) وأسلم - بعد خمسين شخص آمنوا قبله - في سن الثامنة والثلاثين، وقبلها كان أحد مشركي قريش، يسايرهم في أعمالهم، وتوثقت صلته أكثر فأكثر بعد وفاة زوجة رسول الله (صلي الله عليه وآله) المخلصة المؤمنة، خديجة الكبري، أول من آمنت به من النساء، كما كان علي (عليه السلام) أو من آمن به من الذكور، في سن الثالثة عشر، وهو صبي، ورغم صباه كان يعتمد عليه وعلي رأيه كأعظم الرجال، حتي نزلت الآية القرآنية (214) من سورة الشعراء: - (وأنذر عشيرتك الأقربين) - فدعا رسول الله (صلي الله عليه وآله) بني هاشم وفيهم أعمامه وبنوهم، وفيهم أبو طالب وبنوه، وفي مقدمتهم ربيب رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي (عليه السلام). وباليوم المعهود أعلن لهم وصايته وإمامته وخلافته، في الوقت الذي لا زال أبو بكر مشركا، وقد مر علي شركه (38) سنة أو يزيد، لأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان يكبر أبا بكر بسنتين، ونزل عليه الوحي في سن الأربعين، بيد أنه قد مضي زمن حتي أعلن لقريش أمره، وقبل أن يعلن لعشيرته الأقربين، ومعني ذلك أن أبا بكر دخل الإسلام بعد خمسين شخصا أسملوا، وكان أمضي عهده الطويل في أحضان الشرك حتي بلغ سن الكهولة وصدق عليه قول الشاعر: إن الغصون إذا قومتها اعتدلت++ ولا تلين إذا كانت من الخشب ورأي أبو بكر منطق محمد (صلي الله عليه وآله)، ورأي اتجاه أتباعه، واغتنم فرصة وفاة زوجته الحبيبة حتي تقدم بعد إيمانه ليشد ويوثق عري صلته بزواج ابنته عائشة. وما كان في ذلك العهد للنساء خطر يذكر، بل كانت المرأة في أخس وأحط وضع اجتماعي، يدفنها الأعراب حية في صغرها، وإذا كبرت كانت كالأثاث [ صفحه 62] والبهائم تتبع رب الدار من أب وزوج، لا حول لها ولا قوة، هذا إلي أنها كانت حقيرة وليس لها دور يذكر إلا في خدمة الرجل واستمتاعه، ضعيفة، مهانة، لا شأن لها. ولم تحصل علي مكانتها في العالم وحظها الوافر إلا في ظل الدين الإسلامي الذي حفظ شأنها وساواها حينا بالرجال، بل نجدها في الغالب لها الحظ الأوفر حينما يقول (صلي الله عليه وآله): " الجنة تحت أقدام الأمهات "، ولا يكلفها بحرب ولا نفقة، وليس للرجل أن يفرض عليها أي فرض، حتي ولا إجبارها علي إرضاع طفله، ولا القيام بخدمة قهرا. هناك في عهد الإسلام ظهر كيانها وصلح شأنها، وأصبحت زوجات رسول الله (صلي الله عليه وآله) أمهات المؤمنين، وهذه أعظم مكانة حصلت عليها عائشة، وأصبح لأبي بكر مكانة غير الصحابة، مكانة كأب لزوجة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ورغم كل ذلك فلم يعط لعائشة الحق في أن تدخل وتعد نفسها من أهل بيت الرسالة، ولم يسعدها الحظ أبدا أن تلد لزوجها وليدا يقربها هي ويكون لأبي بكر صلة الرحم من رسول الله (صلي الله عليه وآله)، حتي أعلن رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد نزول الآيات الكثيرة: أخص منها آية الطهارة، الآية (33) من سورة الأحزاب: - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) -. وآية المباهلة، الآية (61) من سورة آل عمران: - (فقل تعالوا ندعوا أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين) -. وأعلن رسول الله (صلي الله عليه وآله) في الآيتين وغيرهما أن أهل البيت المعنيين بالآيات (إنما هم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين)، ولكن لم يمنع هذا أبا بكر من أن يدخل بيت عائشة كأبي زوجة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وأن يتصل بابنته دون غيره من [ صفحه 63] الصحابة، ويعرف الكثير من أسرار البيت، ويظهر أمام الغير فخورا بهذه الميزة، وأن تحاول عائشة أن تقدم أباها ما أمكنها، وتعتز بمكانتها، وكان يطفح عليها غالبا الغيظ والحسد لعدم إكمال سعادتها بالحمل والولادة. لذا كانت تحاول سد هذه الخلة بجهات كانت السبب الأكبر لخلق قلاقل ومشاكل في بيت الرسالة، حتي نزلت الآيات الكثيرة المهددة لنساء النبي بالطلاق، لأنها دوما كانت تحاول أن تقوم بالقوة والكيد لرفع مستواها وطلب المزيد من رسول الله (صلي الله عليه وآله) للاحتفاء بها، وكان هذا من جهة يهم أبا بكر، ومن جهة أخري يقلقه حذرا أن ينجر إلي طلاق ابنته، وبعدها خيبة آماله التي ظهرت فيما بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله). وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله) لم يخف عليه الكثير من ذلك، لذا نراه دائما يكبح زمام قيادة عائشة الطائشة، ويبرهن لأبي بكر من حين لآخر علي عدم لباقته في طموحه ذلك. وماذا يعمل رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو بأشد الحاجة للأعوان، ولا يؤاخذ الناس علي بواطنهم رغم ما يظهر ويعلم من حقائقهم؟ وإليك الحقائق التالية المتعلقة بأبي بكر:

حزنه الشديد في الغار

راجع موسوعتنا الجزء الثالث، موضوع جهاد أبي بكر وسابقته. وطالع محاجة المأمون مع الأربعين فقيها الواردة في العقد الفريد لابن عبد ربه. فأين مبيت علي (عليه السلام) في مكانه ليلة الهجرة تحت رحمة سيوف مشركي قريش الهاوية في أي لحظة علي رأسه، وهجرة أبي بكر ودخوله الغار مع رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟ وهو حقا إن كان يحمل العقيدة الإسلامية والاخلاص والإيمان لكان عونا لرسول [ صفحه 64] الله (صلي الله عليه وآله) ومسرورا بصحبته، قرير العين به، بيد أن نراه بدلا من هذا يشتد حزنه وخوفه حتي يطغي عليه، وعندها تنزل الآية والسكينة علي رسوله (صلي الله عليه وآله) ويطمئنه، ويقول له: لا تحزن إن الله معنا، وينزل سكينته علي رسوله (صلي الله عليه وآله). إن هذه الآية التي عدها البكريون مفخرة لأبي بكر في الواقع كانت فضيحة له علي ذلك الحزن، وهو إن كان مؤمنا بالله حقا لم يحزن حتي لو مات بحد السيف بيد المشركين، ويعرف حق المعرفة أنه مات شهيدا، والذين يقتلون في سبيل الله أحياء عند ربهم يرزقون، وفي جنات النعيم يحبرون. فأي حزن هذا الذي تعلق به رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويستوجب نزول الآية؟ وهل بكلمة الصاحب هي المفخرة؟ وهذه الكلمة لطالما وردت في النصوص القرآنية تشير إلي كفرة ومشركين ولا تدل علي المؤمن. منها في سورة يوسف، الآية (41)، حينما خاطب رفيقيه في السجن وهما مشركان بقوله: - (يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلبه وتأكل الطير من رأسه) -. وفي آية أخري قوله تعالي: - (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا - لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا) -. الآيتان (37) و (38) من سورة الكهف.

معاقرته الخمرة

نري أبا بكر ظل هو وجماعة من القرشيين، منهم عمر وأبو عبيدة الجراح يعاقرون الخمرة، وأخص أبا بكر، كان يشربها ويخاطر، والمخاطرة قمار، وإن أهل الجاهلية كانوا يخاطرون علي المال والزوجة وكان عندهم ذلك مباحا [115] . [ صفحه 65] وقد بحثنا فيه في الجزء الثالث من موسوعتنا كتاب أبي بكر، الخليفة الأول. والإسلام وإن جب ما قبله من المنكرات والرذائل وما لحقت بصاحبه من الموبقات، بيد أن غرائز الشخص وطرز عاداته وهواياته وما جبل عليه غريزيا، واكتسبه بالتربية وحكم المحيط ونشأ عليه، والمعشر الذين كان يلازمهم تبقي ملازمة له في قرارة قلبه ولا تكاد تفارقه، علي الأخص إذا تدرج فيها حتي بلغ الأربعين وتمكنت منه: إن الغصون إذا قومتها اعتدلت++ ولا تلين إذا كانت من الخشب فهناك البون الشاسع بين أبي بكر الذي قضي ثلاثة أرباع حياته علي تلك الشاكلة في أحضان الشرك ومعاقرة الخمرة والمخاطرة، وبين علي (عليه السلام) ربيب رسول الله (صلي الله عليه وآله) الذي كرم الله وجهه وطهر الله قلبه من الرذيلة والدنس حتي انتخبه رسول الله (صلي الله عليه وآله) دون البرية جمعاء أخا ووصيا وخليفة، وفرض طاعته علي [ صفحه 66] عشيرته الأقربين وهو في سن الثالثة عشر من عمره في ذلك اليوم المشهور. راجع موسوعتنا هذه في الجزأين الأولين في علي (عليه السلام) [116] والجزء الثالث موضوع سابقة أبي بكر.

امتناع عن قتل ذي الخويصرة التميمي

امتناعه عما أمر به رسول الله (صلي الله عليه وآله) من قتل ذي الخويصرة التميمي الذي شاهده رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو يصلي وطلب قتله فقام إليه أبو بكر بأمر رسول الله ليقتله ورسول الله (صلي الله عليه وآله) رآه مصليا، ورغم ذلك أمر بقتله، بيد أن أبا بكر امتنع عن قتله رغم أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وتلاه عمر ليقتله وامتنع، وفي الثالثة قام إليه علي بيد أنه لم يجد الرجل، فكانت هذه كما أوردها الشهرستاني في كتابه: " الملل والنحل " بقوله: إن شبهة أبي بكر وامتناعه عن قتل الرجل (الذي أصبح فيما بعدرئيس الخوارج ورئيس المارقين) أول شبهة وقعت في الإسلام [117] . وكان الرجل سبق وإن اعترض علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعدالته في القسمة حتي قال له رسول الله (صلي الله عليه وآله): ويلك إن لم أعدل فمن ذا الذي يعدل؟! وقد علم رسول الله (صلي الله عليه وآله) من الله أن الرجل سوف يمرق ويصبح رئيس الخوارج، ويقوم ضد خليفته المنصوص عليه بعده، ويسبب خسران جيش علي (عليه السلام) في صفين ويشكل الفرقة التي حاربت إمام زمانها، وبالتالي قتلته في محرابه. فما حدا أبا بكر ليمتنع عن أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلا بشكه بقول رسول الله (صلي الله عليه وآله)، [ صفحه 67] ولو كان مؤمنا وهو يعلم أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي، وهو سيد الرسل وخاتم النبيين، والطاهر المعصوم من الزلل. فكانت هذه مخالفة لأمر الله وشكا برسالة رسوله (صلي الله عليه وآله) ظهرت واضحة في سيرته وأعماله. وهل كان هو أعلم من رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأكثر منه عطفا ورأفة وبرا وإحسانا؟ والله امتدح رسوله (صلي الله عليه وآله) حين قال: - (وإنك لعلي خلق عظيم) - الآية (4) من سورة القلم. وهل خفي علي أبي بكر النصوص القرآنية مثل قوله تعالي في الآية (7) من سورة الحشر: - (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) -. وقوله تعالي: - (وما ينطق عن الهوي - إن هو إلا وحي يوحي) -. الآيتان (3) و (4) من سورة النجم. وغيرها من الآيات الكثيرة التي تحذر المسلمين من الامتناع عن تنفيذ أوامر رسول الله (صلي الله عليه وآله) ونواهيه.

فراره في خيبر

فراره في خيبر يوم أعطاه رسول الله (صلي الله عليه وآله) القيادة في اليوم الأول لفتح قلاعها، وفرار صاحبه بعده في اليوم الثاني حتي قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): والله لأعطين الراية غدا فتي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار، فكان عليا وفتح الله علي يديه خيبر. أتدري المفهوم المخالف لكلام رسول الله (صلي الله عليه وآله) حين يقول: لأعطيها لفتي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار، إنما كان مفهومها معكوسا علي من سبقا عليا وهما أبو بكر وعمر الفاران وهما يوليان الدبر خلافا للنص القرآني: - (ومن يولهم يومئذ دبره) -. ومجمل القول: إنهما بفرارهما لم يحبا الله ولا رسوله ولم يحبهما الله ولا [ صفحه 68] رسوله لأنهما وليا الدبر وفرا رغم النصوص القرآنية وتوصيات رسول الله (صلي الله عليه وآله). ولم يكن فرارهما هذا في خيبر وحدها، بل حتي في أحد وحنين. ففي الأولي أي في خيبر كان فرارهما ومن تحت قيادتهما هما المسؤولان عنه. وفي أحد نراهما يلوذان بالفرار، ونري عليا (عليه السلام) يقف ثابتا أبدا كالطود الأشم يدافع عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، كما مر، حتي نجا رسول الله (صلي الله عليه وآله) من المشركين، وإذا بعلي (عليه السلام) وفيه تسعون ضربة وطعنة، أكثر من عشرين منها مميتة. وفي حنين لم يثبت سوي سبعة من بني هاشم: العباس آخذ بلجام فرس رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) يذب عنه بسيفه، والخمسة الآخرون يحيطون برسول الله (صلي الله عليه وآله) ويمنعون عنه الأذي، والباقون ومنهم أبو بكر وعمر من الفارين. قال الله في محكم كتابه المجيد، الآية (16) من سورة الأنفال: - (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلي فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) -. فماذا بعد هذه وقد ثبت بالتواتر الفرار؟ طالع موسوعتنا الجزء الثالث جهاد أبي بكر، وفيها نبذة من محاجة المأمون الواردة في العقد الفريد. وطالع قصيدة ابن أبي الحديد [118] . وطالع الأسانيد في الصحاح وغيرها. [ صفحه 69]

تخلفه عن جيش أسامة

تخلف أبو بكر عن جيش أسامة بعد أن أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) بإنفاذه، ولم يكن له عذر، وقد سبب هو وعمر وأبو عبيدة بتخلفهم هذا تضعضع الجيش، وظل رسول الله (صلي الله عليه وآله) يصر ويصر وهم يتخلفون حتي قال (صلي الله عليه وآله): " انفذوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عن جيش أسامة " ثلاثا. نعم كان أسامة بن زيد دون العشرين وتحت قيادته المهاجرين ومنهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة الجراح، ولم يبق معه في المدينة سوي علي (عليه السلام) وقلة من بني هاشم، وحاول أبو بكر وعصبته عمر وأبو عبيدة ومن دخل في حزبهم من الرجال مخالفين لأمر الرسالة، ومن النساء عائشة وحفصة، ومن لف لفهن من النساء ويحرضنهم علي البقاء وعدم تنفيذ أمر الحملة حتي شملهم اللعن. وقد أيد ذلك أبو بكر نفسه في مرض موته علي فراش الموت، وكرر أسفه علي تخلفه عن جيش أسامة. ولكن هيهات حتي لو نفذه لشملته آية الفرار كما شملته من قبل [119] وقد وجدناه مصرا علي غصبه حتي عهد بها لعمر وهي أعظم من التخلف الذي أظهر أسفه فيه. وهنا في قضية التخلف عن جيش أسامة أوجه نظر القارئ الكريم إلي موسوعتنا الجزء الثالث موضوع علم أبي بكر، وموضوع درجة ثقة رسول [ صفحه 70] الله (صلي الله عليه وآله) به. عن الفضل بن شاذان عن زياد البكالي، وهو من أئمة العامة، عن صالح بن كيسان عن أياس بن قبيصة الأسدي، الذي شهد فتح القادسية، قال: سمعت أبا بكر يقول: ندمت أن لا أكون سألت رسول الله عن أشياء حتي قال: وددت أني لم أتخلف عن جيش أسامة. إن تخلفه دون عذر عن جيش أسامة بالرغم من إصرار رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي الحملة، وحتي تخلفه رغم سماعه من رسول الله (صلي الله عليه وآله) لعن الله من تخلف عن جيش أسامة تلك اللعنة وذلك الأمر الذي ما كان يستطيع إخفاءه وإخفاء أثره للمخالفة الصريحة. والآية: - (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) -، الآية (63) من سورة النور. هذا وأبو بكر أكثر الصحابة سماعا من رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وأشدهم حرصا علي التقرب، وأكثرهم اطلاعا علي وصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) في خليفته المنصوص عليه منذ يوم الدار إلي يوم غدير خم، وهو رغم كل النصوص والسنن النبوية بدأ بانحرافه عن الصراط المستقيم، فقد كانت تظهر منه بتحفظ بيد أنها أبان الوفاة بدأت صريحة ثم اشتدت وظلت تشتد، ولم يسمح رسول الله (صلي الله عليه وآله) له بالقيادة بعد أن جرب حظه في خيبر.

القلم والقرطاس

طلب رسول الله (صلي الله عليه وآله) القلم والقرطاس [120] حينما اشتد به مرض موته ورأي القوم يخالفونه في سرية أسامة رغم لعنه وهم رغم ذلك اجتمعوا عنده فطلب دواة [ صفحه 71] وقرطاسا ليكتب كتابا لن يظلوا بعده، فمنع عمر ذلك وقال: حسبنا كتاب الله، وقال: إن الرجل ليهجر. وبعدها في زمن خلافته يعترف لابن عباس بأن النبي (صلي الله عليه وآله) أراد أن يبين خليفته من بعده ومنعته. وتري جميع أسانيد ذلك في الجزء الثالث والرابع من موسوعتنا. وإذا ما قارنت المواضيع من التخلف عن جيش أسامة إلي منعهم القلم والقرطاس ليكتب رسول الله (صلي الله عليه وآله) ثم بعدها السقيفة وغصبهم الخلافة من أهلها وسيرتهم لعلمت أنها خطة مدبرة يشد بعضها بعضا سارت علي خلاف ما أمر الله ورسوله (صلي الله عليه وآله). وتعرف في الوقت نفسه أن أبا بكر هو المسيطر، وأنه وعمر متفقان في الرأي والقول والعمل، ولو شاء لما تأخر عن جيش أسامة، ولو شاء لمنع عمر من أعماله وأقواله كما كان يفعل معه في كثير من الموارد التي ستجدها في الكتاب الرابع. بيد أنه كما قال معاوية بن أبي سفيان في جواب رسالة محمد بن أبي بكر: إنهما (أي أبا بكر وعمر) اتفقا واتسقا علي ما قاما به في جميع أعمالهما من غصب وعزل ونصب. وستجد ذلك من الوثائق والمستندات ومن طراز الفكر والقول والفعل الذي سارا عليه، وأن جميع أعمالهما كانت مقصودة وأنهما سارا بآرائهما في سياسة وخطة مدبرة، وهذه السياسة برقعاها ببرقع الدين، بيد أنها حين اصطدمت بمصالحهما حاولا أن يجلبباها بجلباب إسلامي وإلا لسارا إلي أهدافهما لا يقف أمامهما نص ولا سنة ولا نهي ولا أمر من الله أو رسوله (صلي الله عليه وآله). هذا ما سارا عليه حتي إذا جاء عثمان وتلاه آل أمية نزعوا جلباب الدين والتظاهر به نهائيا، ومشوا - كما قال عمر في معاوية إنه كسري العرب - في تحطيم وتهديم أسس الدين وأعوانه، وإقامة ملك عضوض كما سار من كان قبلهم من [ صفحه 72] أكاسرة وقياصرة، وعادوا بها عصبية قومية وقبائلية. وما كان علي أبي بكر وعمر خافيا أبدا أن الأمر سيعود لبني أمية، وهذا ما تكهن به عمر في أيام حياته وقبيل وفاته يوم خاطب عثمان قائلا: وكأني بك وقد أصبحت خليفة وقدمت في الأمر بني أمية وآل بني معيط، واستحوذت علي المسلمين وأموالهم تفعل ما تشاء. تهب أموال المسلمين لبني عمومتك وتسلطهم عليهم حتي تهب عليه وتقتلك. ولكنه في الوقت نفسه كان قد أشاد بمعاوية وعمرو بن العاص وهو يخاطب عليا (عليه السلام) وأعضاء الشوري بقوله: لا تنسوا أن معاوية وعمرو بن العاص لكم بالمرصاد. نعم لقد دبروها تدبيرا وأقصوها عن أهلها ذرية رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) إقصاء تاما بعلم عامدين منذ الساعة الأولي.

السقيفة

أما السقيفة، أم الفتن، البؤرة النفاقية، الطعنة القاصمة لظهر الأمة الإسلامية، والضربة المهلكة للشريعة الإسلامية، تلك التي أدت إلي انحراف عن الطريق المستقيم الذي نص عليه كتاب الله وسنة رسوله (صلي الله عليه وآله)، إلي المظالم، إلي الغصب، إلي إعادة النعرات والمنابزات والعصبيات الجاهلية التي جاء الإسلام لمعالجتها وإصلاحها. تلك التي حلت محل الحكومة الصالحة العادلة العالمة الحكيمة البصيرة التي أرادها الله ورسوله (صلي الله عليه وآله). تلك التي نص عليها وعلي زعامتها بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) بيد أصلح أفراد الأمة سابقة وعدلا، وحكمة وتقوي، وشجاعة واستقامة، وإخلاصا وبرا وإحسانا، وإحاطة بكتاب الله وسنن رسوله (صلي الله عليه وآله). نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وزوج بضعته وأبي سلالته، وينبوع حكمته، ومقر رسالته، [ صفحه 73] وفروع وثمرة شجرته الطاهرين المنزهين، الذين نزههم الله من الرجس وأعاذهم من الشرك، رحمة الله لعباده وأمناءه في بلاده. هذه السقيفة شراك إبليس، ومقر كيده، ومأوي أولاده وأعوانه، بها أعاد الشرك، والفسق، والفجور، والظلم، والقسر، والجور، والعدوان، والفرقة، والضعف، والخذلان. أعاد دولة الكفر والشرك، والأحزاب المناوئة لكتاب الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، وسننه، تجمعت فيها بذور المنكرات والموبقات وشتي عوامل الفساد، تحت ستار مزركش من الدين، لتحطيم الوحدة، وتضعيف الإيمان، وسلب الحريات، وقصم وفصم أحكام الشريعة، ونشر الشبهات وتزييف الحقائق وقلب الوقائع. أحذر عدوك مرة++ واحذر صديقك ألف مرة فلربما انقلب الصديق++ فكان أعرف بالمضرة لقد كان ما كان، وحل ما حل بالأمة الإسلامية. قال الله تبارك وتعالي: - (أفإنمات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا) - [121] . ولم يبق في الكتاب صغيرة أو كبيرة إلا جاء بها الله وبين فيها أثر المنافقين، أولئك الذين يتظاهرون بالإيمان ويخفون الكفر. ولقد ثبت أن الله أوحي إلي رسوله (صلي الله عليه وآله) بما سيحدث بعد موته علي عترته وآله والصالحين، فأوصاهم بالصبر، وقال لعلي (عليه السلام): " ستلقي بعدي جهدا " وأوصاه بالصبر وعدم القيام المسلح، ووعده بالعقبي والجزاء الأوفي، وقد ورد في كتاب الله الكريم: - (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره - ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) - [122] . وقد مرت القرون سراعا كحلم وأوهام. [ صفحه 74] وكم حدثت من مظالم ومهاضم، وكم هضم من حق، وقامت دول ثم زالت، وكأن قرونها الطويلة دقائق، وكم قامت جبابرة وأكاسرة فحطمت أعلامها، وكدست آثارها، وظنوا أنها دائمة لهم، وإذا هم طعمة الديدان، وإذا بقبورهم مدثورة ومخازيهم مشهورة، والله لهم بالمرصاد. ولم تكن السقيفة بنت ساعتها، فقد كان أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة وأعوانهم منذ اجتماعهم في نادي الخمرة في عهد إسلامهم في المدينة إذ كانوا يعاقرونها في ندواتهم حتي عام الفتح، وحتي نزلت الآية الثالثة بتأكيد تحريمها، عندها أعلنوا أنهم امتنعوا، بيد أن اجتماعاتهم قد تواصلت وظل عمر يعاقرها، كما نجد ذلك في الكتاب الرابع من موسوعتنا، يستعملها باسم النبيذ، وقد علمنا أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: إنهم سيستعملون الخمر باسم النبيذ، والربا باسم التجارة، والرشا باسم الهدية، وسيأتي تفصيل ذلك في عهد عمر، كما تجد تفصيله في الجزء الرابع من موسوعتنا هذه. نعم هكذا كان الحزب السري مستمرا ضد آل البيت (عليهم السلام) وحاشا لرسول الله (صلي الله عليه وآله) أن تخفي عليه خافية، ولهذا ألقي جميع الحجج عليهم. وأعلن كما رأينا في شتي المناسبات عن كرامات علي (عليه السلام) وفضل أهل البيت (عليهم السلام)، وأعلن فضله وأعلن وصايته وإمامته وخلافته وولايته علي الخاص والعام، وما يوم الغدير بمنكر وفيه اجتمع (100 - 200) ألف من الشهود، وطلب منهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن يكونوا شهودا. ولا تنكر من أبي بكر وعمر نفسه حين يهنئان عليا (عليه السلام) بالإمارة بقولهما: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، لقد أصبحت مولانا ومولي كل مؤمن ومؤمنة، ولا كلمة جبرئيل إذ يخاطب عمر، ويقول له: لقد عقدت ولا ينقضها إلا منافق، قال تعالي في الآية (145) من سورة النساء: - (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) - [ صفحه 75] صدق الله العلي العظيم. وهنا المنافق أشد من المشرك، وهل ينسي أو يغفل أي فرد منهم أخص أبا بكر وعمر، أية فضيلة لآل البيت (عليهم السلام)، ولا أية وصية لرسول الله (صلي الله عليه وآله) لهم، وهم الذين سألوا قبل الغدير رسول الله (صلي الله عليه وآله) عمن يخلف عليهم من بعده؟ فقال: خاصف النعل، وأعلمهم أنهم مخالفون. وقد علمنا في الأجزاء الماضية أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لم تخف عليه خافية، وكان يدلي عليهم الحجة إثر الحجة، ويقدم لهم الأدلة القاطعة علي عدم لياقتهم للخلافة والقيادة. فتلك حروبهم وفرارهم، وأصدق ما فيها خيبر والأحزاب وأحد وحنين، وبالتالي وضعهم جميعا تحت قيادة شاب دون العشرين، وكلهم جنود لا حول لهم ولا قوة، ولم يسمح لأبي بكر بتلاوة حتي سورة البراءة علي أهل مكة، ولا سمح له في مرض موته أن يصلي بالناس، وإذ علم أن ابنته أوعزت له بأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) مريض ليصلي بالناس وأراد ذلك، ومذ علم رسول الله (صلي الله عليه وآله) قام وهو مريض وصلي بهم وخطبهم ثم لعن من تخلف عن جيش أسامة، وكان من شمله اللعن كل من تخلف عن الجيش، ومنهم أبو بكر وعمر وبقايا أفراد حزبه. ولهذا نري أبا بكر يظهر ندمه لتخلفه عن جيش أسامة وذلك في مرض موته، وقد نافق أيضا إذ خلف بعده نصا من تابعه باللعن والمخالفة، ومهاجرته علنا بعد ذلك بمخالفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومنع أن يقدم لرسول الله (صلي الله عليه وآله) القلم والقرطاس، بل وقال: إن النبي ليهجر. تلك الجملة التي أسخطت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وطردهم من محضره بعد أن قامت الخصومة بين الموافقين والمخالفين. وربما قال قائل: ولماذا لم يحرر رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد خروجهم الكتاب؟ [ صفحه 76] فالجواب: وما فائدة ذلك بعد أن أعلنوا أن رسول الله يهذي، ورسول الله (صلي الله عليه وآله) قد أعلمه الله بما سيقومون به، وقد قال الله عز من قائل، في الهداية، في الآية (3) من سورة الدهر: - (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) -. وهناك الآيات الواضحات في القرآن، منها الآية (58) من سورة الأعراف: - (والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) -. وما كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) ليؤاخذ الأفراد بما يخفون، وما كان ينطق أو يعمل عن هوي بل هو وحي يوحي، وأن قضاء الله ماض، ولكن الله أعطي الخيار للبشر باتباع الخير أو طريق الشر، كما أعطاه وعلمه عقلا سبيل الخير والشر، ولهذا وضع لهم عقوبة وجزاء للخير من جاء به وللشر لمن جاء بالسيئة. وما كانت تخفي علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) مكائد زوجاته تلك التي جاءت في الكتاب، ولا مكائد المنافقين تلك التي وردت أيضا في كتابه المجيد، ولكم كان عمر يسأل بعض الصحابة: هل ذكره رسول الله (صلي الله عليه وآله) في المنافقين؟ ولكم ظهرت عليه علائم الشك بالرسالة وجاهر بها وصده أبو بكر وأعلن له خطر ذلك، فكان أبو بكر من هذه الناحية له حق الأسبقية والأرجحية علي عمر لتعديل شدته ورده للاعتدال. وستأتي حالات عمر بعد هذا. واستمرت تطفح علي أبي بكر وعمر خوالجهما ويفسدها رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقد أوضح لهما لماذا لم يسلمهما قيادة جيوشه في خيبر وغيرها، وأعلمهما أنهما أقل قدرة حتي من عمرو بن العاص وخالد بن الوليد، وحتي من أسامة بن زيد الذي قيل تأمر عليهم وعمره أقل من عشرين سنة، وهي قبيل وفاته. وقال أسامة حين اعترض علي أبي بكر عندما حضر السقيفة وأعلن خلافته: أنا أميركم فمن أجاز لكم الخروج عن إمارتي؟ [ صفحه 77] ولكن عمر في عهد خلافته ما كان يهمه أن يعلن ذلك ويقول: إن أسامة كان أميري، كما أعلن مرات أن عليا مولاه مشيرا إلي غدير خم، وأخري يعلن أن من خالف عليا منافق حينما اعترض عليه أعرابي إذ حكم فيها عليا. وسيأتي تفصيل ذلك كما مر في الجزء الرابع من موسوعتنا " كتاب عمر ". وهكذا تمر الأيام والساعات سراعا، ونري في آخر عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وفي مرض موته أن أبا بكر وعمر قد سمعا رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول إنهما آخر حجة، وأنه سريعا سيدعي ويجيب بعد غدير خم، ووجدا أن مرضه يشتد، ولم يجدا مناصا وقد تعاهدا علي غصب الخلافة أن لا ينفذا مسيرة أسامة. وعلم رسول الله (صلي الله عليه وآله) بذلك فلعن من تخلف ولم يجد لعنه، وطلب القلم والقرطاس فصده عمر، ويعلم من أبي بكر، ولكن في هذه المرة ليس كالمرات الأخري، لم يصده بل أعانه وشد أزره بإيعازه إلي ضربه بتأييده، وقد حانت الساعة بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله). وهذا المغيرة بن شعبة يحرضهما علي كسب الوقت وبنو هاشم مشغولون بتغسيل رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وكانا ليلتها أعلنا الفتنة بين الأوس والخزرج، فقال: إن سعدا يريد إعلان خلافته بتأييد الخزرج فيبقي الأوس تحت ربقتهم، فخالفوهم وألقوا الفتنة بين الخزرج نفسها، بتحريض ابن عم سعد ضده. وحانت الفرصة وإذا ببني هاشم في بحبوحة من الانشغال، وإذا بالأنصار يجتمع قسم منهم، وسعد مريض بينهم لا يقوي علي القول والعمل، وإذا بالثلاثة أبي بكر وعمر وأبي عبيدة الجراح يحضرون، وقد هيأوا الأمر من قبل، ويخاصمون من حضر بأن المهاجرين هم الأمراء لسبقهم في الإسلام وقرابتهم من رسول الله (صلي الله عليه وآله)، والأنصار الوزراء فيمد أبو بكر يده ويقول: ها أنذا أبايع أحد اثنين أبا عبيدة صاحب رسول الله (صلي الله عليه وآله) أو صاحبه عمر. [ صفحه 78] وهذا عمر صاحب أبي بكر وأمين سره في السراء والضراء، وأخوه في المؤاخاة، وعديله، لأن حفصة ابنته زوجة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فيسرع ويجر يد أبا بكر ويبايعه، ويتلوه أبو عبيدة، ويتلوه قلة من الأوس حقدا علي الخزرج، ويتلوهم ابن عم سعد الخزرجي حقدا علي ابن عمه. وتقوم الضجة في سقيفة بني ساعدة، ولم يكن هناك إلا قلة من الأوس والخزرج فحسب، ويكتفي الثلاثة بهذا ويخرجون ويعلنون في الأزقة والطرقات خلافة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويخمطون كل من شاهدوه في الطريق فيضعون يده في يد أبي بكر معلنين مبايعته. ولم يكن جيش أسامة وأكثر الأنصار والمهاجرون والمسلمون الذين فيه حاضرين، ووصل الخبر سريعا إلي بني هاشم وبعض النخبة من الصحابة المشغولين بتجهيز جثمان رسول الله (صلي الله عليه وآله) فأصبحوا في دهشة ما بعدها دهشة، لهذا التدبير، بيد أن الحزب الذي كان قد دبر أمره سار سريعا. وكان بإمكان علي (عليه السلام) القيام سريعا بالضربة المهلكة في صميم حركتهم، وهو بطل الإسلام المحنك، وأسده المشهور، وهم يخشون سطوته، بيد أنه لم يخف عليهم غيرته علي الإسلام. فالمنافقون له بالمرصاد، والمشركون لا يزالون يترقبون الفرصة، وأعداؤهم يحيطون بهم، من أتباع مسيلمة الكذاب وغيره، وهناك أشد من ذلك أهل الكتاب المناوئون، وخصومهم في قريش والطائف، ومن أرغم علي إسلامه وهو لا يزال يكن الشرك. هذه المخاطر مرت أمام عين الرجل المخلص، كما مرت علي فكره كلمة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، أنه سيجد بعده جهدا، وأنهم سينقضون البيعة وينقلبون عليه، وأن عليه الصبر وعدم القيام المسلح. [ صفحه 79] ويسأل رسول الله (صلي الله عليه وآله): هل يسلم علي دينه؟ فيعده بذلك، وبعدها يوصيه بمقاتلة من يجب مقاتلتهم، من الناكثين والمارقين والقاسطين، ويوصيه الاستمرار بإخلاصه لدينه، ومدهم بيد المعونة متي طلبوا منه ذلك، وأمور كثيرة أخري حول ابنته وما تقاسي، وولديه الحسنين (عليهما السلام) وما يقاسيان، وأمور أخري أخبره بها الأمين جبرئيل عن الله عز وجل. واجتمع الصحابة المقربون وبنو هاشم في دار علي (عليه السلام) يدبرون الأمر له وإعادة الشوري، وكان بينهم مدسوسون من البكريين، فأوصلوا الخبر لأبي بكر، وما كان أبو بكر وعمر ليخفي عليهما شجاعة علي (عليه السلام) كما لم يخف عليهما أنه موصي بالصبر، وما هناك من المخاطر المحيطة بالإسلام تلك التي تهم عليا (عليه السلام) وآل البيت أكثر من كل شئ، ومن المحال قيامه رغم قدرته بالسلاح والقوة، ويعرفان أنه الرجل المحنك في حروبه والسريع في عمله، فلو كان يجد الحرب وسيلة لما أمهلهم أبدا، ولضربهم الضربة القاصمة السريعة، وإنما يريد تدبير الأمر بصورة مرضية بدون عنف، وهذا ما يريدانه. فأظهروا عكس ذلك قليلا فلم يجدوا منه ما يدل علي مقابلتهم، فاشتدوا واستمروا حتي جاء عمر وأصحابه وحاصروا دار علي (عليه السلام)، وفيها البتولة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بضعة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وولداه الحسنان (عليهما السلام)، وجمعوا الحطب علي الباب وأضرموا النار يريدون إحراق الدار بمن فيها. فخرجت فاطمة إلي الباب فقابلوها بشدة، وإذا بأحدهم يمد يده ويلطمها وآخر يعصرها بين الباب والحائط عصرة تؤدي إلي إسقاط جنينها، وقد أعلنوا لعمر أن في الدار فاطمة فقال: وإن، ويأخذون بطل الإسلام وخليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) قهرا حافي القدمين إلي أبي بكر ليبايعه، وهو الذي قبل ثمانين يوما بايعه بالإمارة، فأعلن حقه. [ صفحه 80] بيد أنهم احتجوا بأن الأمة أجمعت علي خلافة أبي بكر. نعم أخذوا عليا (عليه السلام) قهرا، وهو لا يريد أن يجرد سيفا، وإذ وجدوا منه ذلك وهو يقول - وهم يجرونه -: أنا عبد الله وأخو رسوله، حتي إذا أوقفوه أمام أبي بكر خاطب أبا بكر قائلا بأحقيته، ووجد حقه المسلوب، ووجد الذين يحيطون به من أنداده، أغرتهم الدنيا وقاموا ضده كما قام بنو إسرائيل بعد موسي ليتخذوا العجل وهددوا هارون بالقتل إن هو خالفهم. واليوم يهددون عليا (عليه السلام) بالقتل إن لم يبايع أبا بكر، وجاءت الزهراء (عليها السلام) علي تلك الحال تذب عن حمي زوجها، فوجد أبو بكر الوضع المزري، وعرف حقيقة علي (عليه السلام)، وكان من قبل لا يخفي عليه حرصه علي بيضة الإسلام، فتظاهر أمام الصحابة بالحلم وخاطب عمر الذي يخاطب عليا (عليه السلام): بايع وإلا تضرب عنقك، وهو يقول: لا أبايع وأنا أحق بالأمر. هناك اقتنع أبو بكر بما وجده من علي (عليه السلام)، وعدم خطره المسلح، وقال: دعوه ما دامت فاطمة، وبهذا أظهر نفسه بمظهر صاحب الحق والعطف علي فاطمة (عليها السلام)، وجاء علي (عليه السلام) وألقي بنفسه علي قبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو يبكي ويقول: يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني (يعيد بها كلمة رسول الله (صلي الله عليه وآله) يوم قال: علي مني بمنزلة هارون من موسي) وعاد إلي داره كئيبا محزونا ولم يكتف أبو بكر وعمر بذلك الغصب لمقام الخلافة بل عادا إلي غصب نحلة ابنة رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد ضربها وإرعابها وإرعاب الحسنين [123] . إني أوجه نظر قارئي الكريم لمطالعة السقيفة في الجزء الثالث من الموسوعة هذه، ومطالعة النبذ القصيرة عن جهود رسول الله (صلي الله عليه وآله) في إعلان كلمة الإسلام [ صفحه 81] ونشر الدين، وما قاساه وما بذله في سبيل دعوته، وما أعلنه من الكتاب والسنة، وما تركه من التراث العلمي والديني، وما أوصي به بعده، وما مر من الحوادث والحروب، وما بذلت من المساعي. وكم كان خطر علي (عليه السلام) عظيما في بناء هذا الصرح، ومن هو أبو بكر وعمر وكيف أدركا ما أدركا وبأية مكيدة استحوذا علي مقاليد الأمور وليسا لها بأهل. ثم نعود لتفصيل نوع الحكومات الطالحة والصالحة بنظر الحكماء، وما كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) بأمر الله يريد إقامته، وما هي نظرية أفلاطون الحكيم في حكومته، وكيف أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) جاء بنظام حكومي فطري لو جري واستمر لقضي علي المظالم والمنازعات والعصبيات، ولشملت السعادة البشر، وزالت عنه جميع الأمراض الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولساد السلام والرفاه البشرية، كما تسود الصحة البدن الإنساني حينما يقضي علي العلل فطريا، وحينما يرمم العضو المفقود بعضو صحيح مناسب، بيد أقدر الجراحين وأدقهم مهارة في الوقت المناسب. وبالعكس كيف تسود العلل والآلام البدن إن عوض الجسم بغير العضو ذلك الذي تزيد علله وتدوم أسقامه، وربما قضي عليه القضاء المبرم، فالكلية تقوم مقامها للترميم، كلية صالحة سليمة، واليد والقلب وكل عضو هكذا، فإذا رممت العضو بعضو فاسد، أو بعضو من غير جنسه، كأن تبدل الكلية بكلية فاسدة أو بقطعة من الكبد، أو العضلة بأخري غير مشابهة، فمعناه زيادة المرض والآلام إلي نهاية الحياة، بل الموت الحتمي. وكم قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): " علي مني وأنا من علي " وهذه الآية القرآنية، آية المباهلة قوله تعالي: - (وأنفسنا) - يعني أن محمدا (صلي الله عليه وآله) وعليا (عليه السلام) نفس واحدة. وكم قال الرسول (صلي الله عليه وآله) عن علي (عليه السلام): " لحمه لحمي ودمه دمي ". وقال (صلي الله عليه وآله): " هو [ صفحه 82] أخي في الدنيا والآخرة " وقال (صلي الله عليه وآله): " إنه مني كهارون من موسي ". فهو من محمد (صلي الله عليه وآله) مادة ومعني، جسما وروحا، كلاهما لم يسجدا لصنم، كلاهما طاهران، ما عند محمد (صلي الله عليه وآله) عند علي (عليه السلام) من العلم، فمحمد (صلي الله عليه وآله) مدينة العلم وعلي (عليه السلام) بابها، شبيهان خلقا وخلقا، وهذا علي الشاب الطاهر القوي الشجاع التقي العادل الذكي الزكي العالم الحكيم العامل من لا نظير له لا في الإسلام ولا في غيره، وهو في ريعان الشباب، لو تقلد زمام الحكم بقوته الفائقة وإخلاصه ودرايته وحرصه علي الإسلام وعمره المديد، كيف كان يسير الأمور بدقة، ويسير بالأمة ويحكم الأمور ويقضي علي المفاسد. وما أبدع ما قاله علي في خطبه وكلماته: " سلوني قبل أن تفقدوني ". وفي خطبته الشقشقية التي سوف نذكرها، حينما يقول: " لقد تقلدها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحي ينحدر عني السيل ولا يرقي إلي الطير ". والله لقد صدق في قوله، وأجمل وأحسن، وأنه الصديق الأعظم والفاروق الأكبر الذي قال ونوه عنه رسول الله (صلي الله عليه وآله). كما أوعز إلي القارئ الكريم ليطالع موضوع التربية وأثرها، والمحيط وأثره، والوراثة وأثرها، وأثر رسول الله (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام)، وأثر علي (عليه السلام) في الإسلام، وعندها يعرف أن أية عصبة عبثت بمقدرات الإسلام باسم الدين، ونصبوا من بعدهم جماعة بعد أن أوقفوا تدوين الحديث مدة خلافتهم. ثم تلتهم آل أمية وآل بني معيط، أولئك الذين بدأوها بالمكر والقوة، وخلفوا رجالا من المنافقين الفاسقين الكذابين الوضاعين المزيفين لأحاديث نسبوها لمقام الرسالة، وقلبوا فضائل آل البيت (عليهم السلام) وأشياعهم وأتباعهم رذائل، ورذائل أعدائهم فضائل، واستمروا بذلك ألف شهر (مدة خلافة الأمويين). وتلاهم العباسيون، وقد قال الشاعر وأجاد: [ صفحه 83] تالله ما فعلت علوج أمية++ معشار ما فعلت بنو العباس فتلا الغصب غصب أشد، والظلم ظلم أعظم، وطاردوا آل بيت الرسالة، وقتلوهم وشردوهم في كل بقعة، ودونوا آثار بني أمية وما دسوه ووضعوه نكاية بأبناء عمومتهم، كي لا يفقه الناس حقهم ويطالبوا بمقامهم، بل زادوا في طمر المقدسات، وإعلان الموبقات، حتي عم الباطل وضاع الحق. ورغم ما قاموا به فقد أعياهم إخفاء نور الشمس وحقيقته الناصعة.

اوامر أبي بكر بالهجوم علي دار فاطمة واضرام النار فيها واسقاط جنينها

أوامر أبي بكر بالهجوم علي دار فاطمة (عليها السلام) وإضرام النار وإسقاط جنينها: لقد هاجموا دار علي (عليه السلام) وفيها فاطمة الزهراء (عليها السلام) بضعة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وحبيبته التي قال فيها: " إن رضاها رضاي وسخطها سخطي " فضربوها وعصروها بين الباب والحائط حتي أسقطت محسنا، وروعوا طفليها الحسنين (عليهما السلام) سيدي شباب أهل الجنة وريحانتي رسول الله (صلي الله عليه وآله). وهم الثقل الأصغر الذين قال عنهم رسول الله (صلي الله عليه وآله): " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي " وإن من آذي فاطمة أو بنيها آذي رسول الله وآذي الله. والآية (57) من سورة الأحزاب: - (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) - وغيرها من الآيات الكثيرة التي شملت المعتدين. ثم أخذوا عليا (عليه السلام) حافي القدمين حاسر الرأس، وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، وأرغموه هو وبني هاشم والصحابة علي البيعة قهرا أو يقتلون. وقد مرت الأحاديث المسندة في علي (عليه السلام) وهو إمام زمانهم وخليفتهم ووصي رسول الله (صلي الله عليه وآله) الذي بايعوه بالأمس. [ صفحه 84] وقد ثبت عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن من آذي عليا فهو كافر، لأنه نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ولأنه ولي الله في آية الولاية، وأذاه يخالف النصوص القرآنية، وهو الطاهر المطهر في آية الطهارة، وهو نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله)، في آية المباهلة، وهو الذي قال فيه رسول الله (صلي الله عليه وآله) ما قال، ومنها: " علي مني بمنزلة هارون من موسي ". وقد مرت الأحاديث الجمة في كراماته وفضله [124] . ماذا يقول القارئ أمام هذه الوقائع، وهذه الحقائق المسندة؟ هذه المخالفات الصريحة لنصوص الكتاب وأوامر الله ورسوله وخليفة رسول الله الذي أعلن رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولايته قبل ثمانين يوما. ذلك اليوم المشهود، وأولئك الذين بايعوه، أولئك الذين قالوا له بخ بخ لك يا علي. واليوم، هذا الغصب وهذا الظلم، وقلب كل الحقائق، ونقض كل العهود، والخيانة، فماذا بعد هذا من الكبائر؟! فلو كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) حيا ورأي بأم عينيه ما جري علي علي (عليه السلام) وبضعته (عليها السلام) وريحانتيه (عليها السلام) وما رأي من الغصب والظلم والفجائع علي صحابته ماذا كان يفعل؟ وماذا يقول عن الغاصبين؟. يا للعجب وكل العجب لهذه السقيفة، ولهذه المخازي ولهؤلاء الصحابة المتنكرين لله ولرسوله (صلي الله عليه وآله) ولوليه ولعترة رسوله والطيبين من عشيرته والصالحين من صحابته، من إبعادهم، وقهرهم، وزجرهم، وسلبهم، والفجائع الآتية من القتل والسلب والمنكرات المتتالية. إن واحدة من مئات الآلاف بل الملايين تحكم عليهم بالآيات الصارمة بعذاب الدنيا والآخرة والخزي في الدارين والخلود في الدرك الأسفل من جهنم. قال الله تعالي في كتابه الكريم، الآية (93) من سورة النساء: - (ومن يقتل [ صفحه 85] مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) -. فكيف القتلي ومحاددة الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) التي لا تعد ولا تحصي؟. أي اسم تتسم به؟ وأي منصب تتقلده؟ وأية أحكام تنفذها؟ من أنت ومن انتخبك ومن أجازك؟ أيعمل مسلم يحمل ذرة من الإيمان ذلك، ولنقل إن أبا بكر أجمعت عليه الأمة فمن انتخب عمر؟ ومن انتخب عثمان ومعاوية ويزيد ومروان و و و.. الخ؟ أيها المسلم المعتقد بكتاب الله وسنة نبيه! أي كتاب وأية سنة أنت تتبعها؟ وأي خليفة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟ أترضي بمن سلب حق عترة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ونقض البيعة، ونكث العهد، وخالف النصوص والسنن، ومن جعلها تعود إلي معاوية، ويزيد من بعده، ثم مروان وعبد الملك والوليد، وإلي كل فاجر ظالم يترنم بقتله الخيرة، ويطلب بثارات قتلي المشركين في بدر وأحد، تلك نتيجة الغصب، والمظالم تتري. وحق لسفير ألمانيا في تركيا أن يقول: يجب أن ننصب تمثالا من ذهب لمعاوية ذلك الملك الذي أوقف مسيرة الإسلام إلي أوربا. إن الرجل غفل كل الغفلة عن الواقع، وإن التمثال إنما هو للخليفة الأول، وبعده للخليفة الثاني فهما اللذان لهما ذلك الحق، لا علي أوربا بل علي الغرب والشرق إلي هذا اليوم. هما اللذان سببا إعلاء كلمة غير المسلمين علي المسلمين، وخلقوا التفرقة والعصبيات والضعف الحاصل من النفاق في الأمة الإسلامية. وهما اللذان أعادا الشعوبية والعصبية. حققوا عن علة اغتيال أبي لؤلؤة لعمر، تجدوها قائمة لتعصب عمر للعرب ضد العجم، وظلمه لأبي لؤلؤة عندما جاء متظلما من سيده المغيرة صديق عمر [ صفحه 86] ورده [125] . وعثمان الذي حاباه عمر، وهذا حابي عبيد الله بن عمر ولم يقم عليه الحد عندما قتل الهرمزان وابنته المسلمين لأنهما ليسا عربا، وخالف نص الكتاب.

كلماته في مرض موته وأسفه علي ما عمل

كلمات أبي بكر في مرض موته ومراوغته في الحديث لتضليل الرأي العام: اعتراف المرء عليه حجة: قال أبو بكر في مرض موته [126] وددت أني لم أكشف عن بيت فاطمة وتركته ولو أغلق علي حرب. ووددت أني إذ أتيت بالفجاءة لم أكن أحرقته، وقتلته بالحديد أو أطلقته، ووددت أني سألت رسول الله فيمن هذا الأمر فكنا لا نتنازعه أهله. أتري أبا بكر صدق في قوله وهو الذي دون مشورة أحد من الصحابة نص علي عمر من بعده؟. عمر الذي قال: كانت خلافة أبي بكر فلتة وقي الله شرها. عمر الذي قال فيه طلحة وهو يخاطبه: وليته بالأمس وولاك اليوم، وخاطب أبا بكر قائلا: ماذا تقول لربك وأنت تولي علي المسلمين فظا غليظا. أوتراه نسي حديث رسول الله (صلي الله عليه وآله) حين قال: " فاطمة بضعة مني " و " فاطمة سيدة نساء العالمين ". ونسي آية الطهارة وآية المباهلة فيها وفي زوجها وابنيها حينما أمر بذلك عمر لإحراق باب دارها وإرعابهم وضربها وإسقاط جنينها، [ صفحه 87] ونسي النص القرآني القائل، الآية (57) من سورة الأحزاب: - (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) -. أتري لو كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) حيا ماذا كان صنع معهم؟ وهو الذي أهدر دم من روع ابنته زينب. وهي أقل شأنا من فاطمة (عليها السلام). وقوله: ليتني لم أحرق الفجاءة، بأي نص أحرقه؟ وقد قال الله تعالي في الآية (93) من سورة النساء: - (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا مهينا) - فهل حاكمه واستدرجه وحكم عليه حكم الله في كتابه؟ فلماذا ندم، أليس لأن الفجاءة ما كان يقر بخلافته بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟. وقوله كنت سألت رسول الله فيمن هذا الأمر فلا ننازع أهله. بالله فمن صاحب رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسمع يوم الدار والأحاديث المارة في علي (عليه السلام) والنصوص القرآنية الجمة، آية الطهارة، وآية المباهلة، وأعظمها آية الولاية الناصة علي علي (عليه السلام) بالذات، والآيات التي نزلت في غدير خم: آية الابلاغ، وآية التكميل. وهل ترك غدير خم عذرا لأحد؟ وهل نسي تهنئته لعلي (عليه السلام) بالولاية؟ وهل حدثه عمر بحديث جبرئيل حين خاطبه قائلا: إنها عقدت ولا ينقضها إلا منافق؟ وقد قال الله تعالي في الآية (145) من سورة النساء: - (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) -. أنسي أبو بكر حديث المنزلة وقوله (صلي الله عليه وآله): " علي مني بمنزلة هارون من موسي ". أنسي أبو بكر حينما سأل هو وصاحبه رسول الله (صلي الله عليه وآله) قبل غدير خم: لمن تخلف بعدك فأجاب: إنه خاصف نعل لو تطيعوه؟ أنسي حديث الثقلين وقوله (صلي الله عليه وآله): " إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي "؟ [ صفحه 88] أنسي أبو بكر الآية الشريفة (23) من سورة الشوري: - (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) -؟ وهل كان يجهل أن أولي القربي هم علي وفاطمة والحسنان؟ أنسي أبو بكر مؤاخاة رسول الله (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) ونسي جميع كراماته وفضله وعلمه وتقواه وإخلاصه وشجاعته؟ أنسي كلام رسول الله (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام): " دمه دمي ولحمه لحمي ".ونسي لا يكرهه إلا منافق. وفي أخري: إلا كافر؟ وقد مرت أسانيدها [127] . كلا وألف كلا، إن أبا بكر يعلم كل ذلك وأنه غصب متعمدا، وخالف جميع النصوص القرآنية والسنن النبوية، تلك السنن التي منع تدوينها هو وصاحبه لطمس أعلامها وطمس المعارف الإسلامية، وإضعاف الأمة الإسلامية، وتعمد الغصب، وتعمد أن يقدمها لألد أعدائها لقمة سائغة. ونقل عن الفضل بن شاذان عن راويه زياد البكالي، وهو من أئمة العامة، عن صالح بن كيسان بن قبيصة الأسدي، الذي شهد فتح القادسية، قال: سمعت أبا بكر يقول: ندمت ألا أكون سألت رسول الله عن ثلاث، حتي قال: ووددت أني لم أتخلف عن جيش أسامة. فماذا كان يريد أن يسأل رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟ وماذا كان يقصد بسؤاله؟ أيقصد أن يطيعه؟ أم يخالف ما أوصي به؟ فإن كان يريد أن يقول له: سمعا وطاعة فما معني عبارته الثانية عن تخلفه عن جيش أسامة؟ وقد أمر به رسول الله (صلي الله عليه وآله) وكرر أمره وأصر، وبالتالي كرر ثلاثا: لعن الله من تخلف عن جيش أسامة، وقد شهد أبو بكر علي تخلفه وشموله اللعن، وأن من يخالف الله في نصوصه ورسول الله (صلي الله عليه وآله) في [ صفحه 89] سننه ويعترف قولا وعملا ويتعمد إدامتها حيا وميتا بأن يقرب من بعده رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويبعد من قربه، ويأمر بإطاعته، فماذا ترجو من تأسفه سوي تضليل الرأي العام والرياء المكشوف؟

غصب فدك

ما هي فدك؟ ومن أين جاءت ملكيتها؟ ودلائل الملكية؟ نوع التعدي، وعلته؟ مشروعية الغصب، وإجحاف الغاصب، دلائل الغصب، الآثار المترتبة علي هذا الغصب؟ تري مفصل موضوع فدك في الجزء الثالث من موسوعتنا هذه في كتاب أبي بكر الخليفة الأول، وتجد هناك مستنداتها خلاصة ذلك: إن فدكا عبارة عن سبع قري تحد بعضها بعضا، تقع في سفوح جبال المدينة حتي سيف البحر الأحمر، مشهورة بكثرة النخيل والغلة، تبدأ بجبل أحد حدا قرب المدينة، والحد الثاني بالعريش، والثالث بسيف البحر، والرابع بحومة دومة الجندل. جاء مالكوها بعد فتح خير إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأقروا معه عقد صلح علي أن يكون نصف فدك لرسول الله (صلي الله عليه وآله) ونصفه الآخر لهم. وبعد عودته إلي المدينة نزل الأمين جبرئيل عن الله بالآية (26) من سورة بني إسرائيل (الإسراء) وهي: - (وآت ذا القربي حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) -. وإذ كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يفكر بذوي القربي والمساكين وابن السبيل في الآية. وكانت ذرية رسول الله (صلي الله عليه وآله) تحرم عليهم الصدقات وما يجبي من الأموال من الزكاة، كما حرمت تلك علي بني هاشم. في الوقت الذي توزع في الشؤون العامة وعلي الفقراء والمساكين وابن السبيل والمحتاجين من المسلمين. [ صفحه 90] فعاد الأمين ثانية إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقال: إن الله يأمرك أن تدفع فدكا إلي فاطمة، فأرسل إليها وقال: " إن الله أمرني أن أدفع إليك فدكا " وقدمها لها بتلك الجلسة. وأجمع علي ذلك أئمة الحديث والمفسرون من السنة والجماعة، فكانت فدك في تصرفها في زمان حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله). وكانت توجرها هي نفسها في زمن حياته (صلي الله عليه وآله)، وكانوا يقدمون لها مال الإجارة في ثلاثة أقساط، فتأخذ منه ما يكفيها هي وولديها الحسنين (عليهما السلام) لليلة واحدة (نعم لليلة واحدة) وتقسم الباقي بين فقراء بني هاشم المحرومين من مال الصدقات (الزكاة)، وما زاد، تقسمه علي سائر الفقراء والمساكين برا وإحسانا منها. وكانت هذه من العقد المكبوتة لدي المنافقين وأعداء بيت الرسالة، أولئك الجشعين وأولئك الذين يحرفون الكلم، ويخلقون الدسائس لآل البيت (عليهم السلام). وكانت قضية فدك وما كان يخص من أسانيد وأحاديث تعود إلي أمور الخلافة والوصاية وكرامات أهل البيت (عليهم السلام)، وفضائلهم أيضا من أهم القضايا التي تثير الحسد في قلوب المنافقين والمبغضين لعلي (عليه السلام) وآل بيت الرسالة (عليهم السلام)، وبني هاشم والمخلصين من الصحابة. لذا نري أن قضية غصب الخلافة وما يتبع ذلك من الانتهاكات والمظالم وقلب الحقائق وتزييف الأحاديث وإبعاد أهل البيت (عليهم السلام) وتبديل ذلك بأعدائهم تجيش في صدور ذلك الحزب المناوئ الغاصب المنقلب علي أهل الولاية من آل بيت الرسالة وبيوت الطهارة. وما أن مات رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي اغتنموها فرصة في السقيفة، وبدأوا بالغصب تلو الغصب، وألحقوه بطمر الحقائق بمنع المعارف الإسلامية، وردم ينبوعها، ألا وهو منع تدوين الحديث والسنة الذي بدأه أبو بكر، وسار عليه عمر، وتابع أثره [ صفحه 91] عثمان، حتي قتل من قتل من أصحاب الحديث وتشتتوا في أطراف البلاد. وجاء دور بني أمية أولئك الفجرة المردة، أحزاب الشرك والكفر والفسق والظلم، فقتلوا من شاءوا من الصحابة والخيرة، وأوغلوا في عترة رسول الله (صلي الله عليه وآله) بين قتل وسم، وطمروا آثارهم وزيفوا الأخبار ووضعوا ما شاءوا. نعم بمحض أن استولي أبو بكر علي الأمر بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) - علي تلك الشاكلة المارة في السقيفة، والمشروحة في الجزء الثالث، والتي أجملناها في هذا الجزء - أرسل عماله، فاغتصبوا الملك من تصرف فاطمة الزهراء (عليها السلام) وتملكوه هم، مخالفين بذلك نص القرآن وسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله). ولسوف يدهشك إذا ما علمت من سيرة أبي بكر وعمر وعثمان، وبعدهم آل أمية (عدا الخليفة عمر بن عبد العزيز) وبني العباس (عدا المأمون) كيف تلاقفوها واغتصبوها من أهلها الشرعيين، وهم يعترفون بأحقيتهم. ولا ننسي كيف أن عثمان دفعها لمروان بن الحكم ذلك المجرم الشرير، هو وأبوه الحكم اللعين، لعين رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وبنوه أخبث ما خلق الله، عدا عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، الذي اعترف بحق آل البيت بها، وأعادها لأبناء فاطمة (عليها السلام). نعم أعاد الورقة وأبقي الشجرة، اعترف بحقهم بفدك وظل علي دست الحكم خليفة، وأهل بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) في المدينة تحت حكم عامله الأموي، فكان أهون الأشرار وأقربهم للمروءة. ومثله في الخلافة العباسية من اعتراف المأمون بفضل علي (عليه السلام) علي الخلفاء وحقه في الخلافة وإعادته فدكا، ومحاولته إعادة الخلافة إلي أهلها الشرعيين، وتعيينه علي بن موسي الرضا (عليه السلام) وليا للعهد من بعده. أكانت تلك سياسة منه لتشييد ملكه المتضعضع أمام أخيه الأمين، أم حقيقة [ صفحه 92] اعترف بها ثم غلب علي أمره؟ لا، إنه أقوي من أن يغلب علي أمره، بل هي السياسة، وإذ استقام أمره عاد إلي هدفه، فسم ابن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأعاد الماء لمجراه من الظلم والغصب، بعد اعترافاته وصراحاته. نعود لغصب فدك بيد أبي بكر واحتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) الطاهرة بالنصوص القرآنية الصادقة المصدقة، بضعة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسيدة نساء العالمين، المعصومة من الزلل والكذب والنفاق، وتلك التي نزلت في حقها وحق زوجها وبنيها الآيات المحكمات، ومنها الآية (8) من سورة هل أتي (سورة الدهر): - (ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) -. وهل كان يهمها المال الذي كان يردها من فدك، وهي لا تأخذ منه لها ولبنيها سوي ما يسد جوعها وجوعهم لليلة واحدة، وتوزع الباقي علي الفقراء والمساكين وابن السبيل؟ لا، إنما كانت تريد من دعواها أمورا أجل، غير المال، كانت تريد رد المغصوب والمسلوب الذي سوف يوزع علي غير مستحقيه، وهي المسؤولة عنه، إن لم تدافع عنه. هذا من جهة، ومن جهة أخري تريد أن تفضح الغاصب وتفحمه بالدليل والبرهان. إنها المحقة وهي صاحبة اليد، وعليه هو إقامة البرهان، وهل كان يخفي عليه الحق وهو أبو عائشة، تلك التي لم تخف عليها خافية، صغيرة ولا كبيرة في بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله)، تلك التي خلقت أعظم القلاقل في داره، المحركة لأبيها. تلك التي تخاطب رسول الله (صلي الله عليه وآله) أمام أبيها وتقول له: اعدل! تلك التي أعلنت بغضها وكراهيتها للعترة الطاهرة وحاربت عليا (عليه السلام) خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهي تعترف بحقه، وتعترف أن من خاصمه فهو كافر ومنافق وظالم، وتعترف بأن [ صفحه 93] فاطمة (عليها السلام) أصدق فرد بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأحب امرأة إلي أبيها، وزوجها أحب شخص له من الرجال، ورغم ذلك فعلت ما فعلت والبنت علي سر أبيها. ونري عمليا كيف يغوي أحدهما الآخر، نعم هذا أبو بكر اليوم بيده القدرة والصولجان، وقد جلس علي منبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) هو الحاكم الغاصب للخلافة وهي الأصل فما تهمه فدك بعدها، ولا يهمه أن يخلق حديثا عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويقول: قال رسول الله: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه فهو صدقة. يقول ذلك وقد نسي النصوص القرآنية في الوراثة، وأن النص لا ينقضه الخبر من الخصم، وأنه المدعي وعليه البينة، وأن البينة لا تجوز منه، وأنها صاحبة التصرف، وأن القرآن يشهد بحقها وصدقها ونزاهتها، وأنه بقوله: إنا معاشر الأنبياء لا نورث، لم ينقض النص في الوراثة. لا أبدا، بل هناك نصوص أخر تثبت أن الأنبياء يورثون. تجد تفصيل ذلك في موضوع فدك في الجزء الثالث من موسوعتنا. أكان أبو بكر يعرف النصوص؟ أم كان يجهلها؟ وفي كلا الحالين كيف يجلس علي دست الحكم جاهلا، أم عالما؟ غاصبا ومنحرفا، ويقلب الحقائق، وبعدها يكذب علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالحديث وليس له مؤيد آخر ولا دليل ولا شبه دليل ثابت عن رسول الله (صلي الله عليه وآله). ولقد اعترف عمليا بكذبه علي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، واعترف بذلك عمر في زمن خلافته، ذلك الذي عاضده واعترف بذلك عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي، واعترف به الخليفة العباسي قولا وكتابة وعملا، وبعد هذا اسمع الحديث المتواتر عن رسول الله (صلي الله عليه وآله): " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ". وهذه الرواية تسندها النصوص القرآنية، فالذي كذب علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) كذب علي الله وحاد الله ونقض نصوصه فهو كافر وفاسق وظالم، بموجب [ صفحه 94] مجموعة من الآيات ومنها: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) -. الآية (44) من سورة المائدة. وقوله تعالي: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) -. الآية (45) من سورة المائدة. وقوله عز من قائل: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) -. الآية (47) من سورة المائدة. وقوله تعالي في الآية (7) من سورة الحشر: - (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) -. وقوله تعالي في الآيتين (3) و (4) من سورة النجم: - (وما ينطق عن الهوي - إن هو إلا وحي يوحي) -. وغيرها من الآيات الأخر، فمن يخالف ذلك له الوعيد والزجر وسوء العاقبة والعذاب الخالد. والآن تعال معي لأتلوا بعض حجج فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وحقا إنها مليكة في حجتها، وما أبدع من قال: كلام الملوك ملوك الكلام، وأن الكلام صفة المتكلم. ومن العجيب أن أبا بكر إذ اختلق الحديث قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، وفاته أن يقول: أنا لا أورث، وهذه وإن كانت تصطدم بأصل نص الوراثة بيد أنها ربما كانت تخلصه من نصوص أخري أيدت اختلاقه للحديث. وقد فندت الزهراء بخطبتها اختلاقه، وزعزعت أركانه، وقد نقلت الخطبة بصورة متواترة، وممن نقلها المحدث المتبحر أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري (راجع ابن أبي الحديد في شرح النهج في ج 4 ص 78) أخرجه في [ صفحه 95] كتاب السقيفة. راجع أيضا ابن الأثير في النهاية، والمسعودي في أخبار الزمان، والأوسط، وأسانيد أخر تراها في الجزء الثالث من موسوعتنا، وتري فيها من النصوص القرآنية التي أوردتها: 1 - الآية (16) من سورة النمل: - (وورث سليمان داود) -. 2 - الآيتان (5 - 6) من سورة مريم: - (... فهب لي من لدنك وليا - يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) -. 3 - الآية (89) من سورة الأنبياء: - (وزكريا إذ نادي ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين) -. 4 - الآية (11) من سورة النساء: - (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) -. 5 - الآية (180) من سورة البقرة: - (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين) - وغيرها. نعم أتت بهذه الآيات وهي تخطب أمام المهاجرين والأنصار وتوجه كلامها لأبي بكر خاصة والحاضرين عامة وقالت: " أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟... أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي [128] ... فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون ولا ينفعكم إذ تندمون ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ". [ صفحه 96] فمن خاطبت وأرادت غير أبي بكر وعمر، وهما يعلمان أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: " فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله ". ويعلمان كيف قاما بأعظم من ذلك هو غصب الخلافة ونكث البيعة وإحراق الباب وإسقاط الجنين، وترويع الحسنين (عليهما السلام) الثقل الأصغر أولي القربي الذين شملتهم النصوص القرآنية، وبعدها الآية (57) من سورة الأحزاب: - (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) -. وقد مر وسيأتي: أن أبا بكر وعمر جاءا بعد هذه الفجائع يريدان استرضاء فاطمة (عليها السلام) فلم تأذن لهما أن يدخلا دارها فطلبا من علي (عليه السلام) ذلك فأذن لهما وإذ دخلا وسلما عليها لم ترد جوابهما، ثم عادت تناشدهما الله أن يصدقاها بحديث عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) سمعاه منه فقالا، نعم، فقالت: ناشدتكما الله! هل سمعتما من رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: " فاطمة بضعة مني من آذاها آذاني ومن آذاني آذي الله ومن آذي الله أكبه علي منخريه في النار "؟ قالا: نشهد أننا سمعنا ذلك من رسول الله. فقالت وهي ترفع يديها إلي الله: اللهم إنهما آذياني وأغضباني. ثم توجهت إليهما قائلة: لسوف أدعون عليكما بعد كل صلاة. ولم تكلمهما حتي ماتت، وطلبت من زوجها أن لا يصليا عليها، ودفنت ليلا وقد أخفي قبرها عنهما. راجع في الجزء الثالث " موضوع فدك " كيف أن عليا (عليه السلام) حاجج أبا بكر حول موضوع فدك وأفحمه، والآن اسمع ذلك: جاء علي إلي أبي بكر بعد خطبة الزهراء تلك الخطبة العصماء، وكلم أبا بكر مناظرا له: علي: لماذا سلبت حق فاطمة من ميراث أبيها بالرغم من أنها كانت مالكة لذلك في حياة أبيها؟ [ صفحه 97] أبو بكر: (يحور الكلام ليخرجه عن حقيقته ويثير الرأي العام): إن فدكا في أيد للمسلمين، إذا كان لها شاهد فلتقدمه، إن كان ملكها أعطيها إياه، وإلا أحرمها منه. علي: أتحكم فينا بغير ما تحكم في المسلمين؟ ألم يقل رسول الله (صلي الله عليه وآله) البينة علي من أدعي، واليمين علي من أنكر؟ ثم أردف علي (عليه السلام): لو أن شاهدين شهدا علي فاطمة بفاحشة ما كنت صانعا بها؟ أبو بكر: أقيم عليها الحد كسائر النساء. علي: كنت إذن عند الله من الكافرين، لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة حيث قال: - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) -. ألم تنزل فينا هذه الآية؟ فأجاب: بلي. فقال: إن الله يشهد بطهارتها، وبعد هذا تدعي بمال بيدها وأنت تردها وتقبل شهادة أعرابي بوال علي عقبيه؟ قال علي ذلك وعاد إلي بيته، فقامت ضجة في الناس يصدقون فيها عليا وفاطمة.

سبه عليا و فاطمة

أبو بكر يسب عليا (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام): ثارت ثائرة أبي بكر حينما وجد صخب الناس ضده أمام هذا التعدي الصريح. بيد أن آية السيف تمحو آية القلم، وهو ينسي أو يتناسي النصوص والسنن والمكرمات والفضائل المنسوبة لأبي العترة الطاهرة وزوجته الزكية. قام وصعد المنبر: أتعلمون أي منبر رقاه؟ نعم رقي منبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذلك المنبر الذي وقف الإمام الطفل الطاهر سيد شباب أهل الجنة الحسن الزكي (عليه السلام) الذي قال فيه وفي أخيه الحسين (عليه السلام) جدهم رسول الله (صلي الله عليه وآله): إنهما ريحانتاي، إنهما [ صفحه 98] إمامان إن قاما وإن قعدا. إنهما سيدا شباب أهل الجنة، الذي به وبجده وأبيه وأمه وأخيه نزلت آية الطهارة، وآية المباهلة، والآيات الجمة، وآية القربي، وغيرها وغيرها، ذلك المنبر الذي رقاه أبو بكر والناس وجوم، ووقف الحسن (عليه السلام) يخاطبه إنزل عن منبر أبي! يا لله! من هذه الجرائم النكراء والمظالم الشنعاء! نعم رقي أبو بكر هذا المنبر لا ليعتذر عن زلته وعثرته، لا أبدا، بل رقاه لاجا في تحديه، ومصرا علي تعديه! وهو يوجه إلي إمامه وزوجته البتول، بل لرسول الله (صلي الله عليه وآله) بل لله، السباب والشتائم بقوله: أيها الناس! " إنما هو ثعالة شهيدة ذنبه، مرب لكل فتنة، هو الذي يقول كروها جذعة بعدما هرمت، يستعينون بالضعفة ويستنصرون بالنساء كأم طحال، أحب أهلها إليها البغي ". يعني (أن فاطمة (عليها السلام) ثعلبة شاهدها علي (عليه السلام)، وبالتي يتهم عليا (عليه السلام) بأنه طالب فتنة، ويريك الفتنة الكبيرة صغيرة، ويرغب الناس ويحرضهم علي الفتن والفساد، يطلب المعونة من الضعفاء والنساء، مثله مثل أم طحال، وهي امرأة زانية في الجاهلية، وكانت ترغب أن يزني أقرباؤها). راجع المسانيد في شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي. حسبي ما علمته عن أبي الحسن (عليه السلام) والبتولة (عليها السلام) بضعة المصطفي من الكتاب والرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله) والتاريخ من أودائهم وأندادهم. ويا للحسرة وكل الحسرة، ليت رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان حاضرا، وكفي بالله شهيدا. بيد أني أكرر كلمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها البليغة: " فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر [ صفحه 99] المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ". فاعجب وليعجب كل من يسمع ذلك ويراه بعيدا كل البعد أن يخرج من فم أبي بكر مثل هذا السب، وهو يعلم أن من سب عليا (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) سب محمدا (صلي الله عليه وآله) وسب الله وكفر. جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد السني المعتزلي ج 4 ص 80، قوله: لقد تعجبت من كلام أبي بكر، فسألت أستاذي أبا يحيي النقيب جعفر بن يحيي أبا زيد البصري، قلت له: " هل عني وكني الخليفة في كلامه هذا! فقال: لم تكن كناية وتعريض بل هي الصراحة في الكلام. قلت: إذا كانت صراحة ما كنت أسأل. فضحك وقال: لعلي بن أبي طالب قلت هذا الكلام كله؟ قال: نعم إنه الملك يا بني ". فاعتبروا يا أولي الألباب! علي (عليه السلام) ثعالة، والزهراء (عليها السلام) ذنبه! علي (عليه السلام) أم طحال الزانية!. نعم، ولقد تعدي إلي ما هو أعظم من ذلك وأعظم وأخزي. ألم يوعز إلي خالد بن الوليد بقتل علي (عليه السلام) في الصلاة؟ وفي الصلاة عراه الندم خوف أن ينكشف ولا يطيق خالد تنفيذ الأمر أو أمور أخري فتبدلت فكرته، فقال قبل التشهد (التشهد كان اللحظة المتفق عليها لتنفيذ خالد القتل) قال في صلاته: لا يفعلن خالد ما أمرته به. ألم يبعد بني هاشم إبعادا مطلقا عن الحكم، وقرب بني أمية، أخص منهم أبناء أبي سفيان فخصهم بولاية الشام، وأقر ملكهم إلي الأبد ليحرم آل البيت (عليهم السلام) إلي الأبد، ووثق ملكهم بتقريب عثمان، وجعله أمين سره وكاتبه. [ صفحه 100] ويوم عهد إلي عمر بالخلافة من بعده، وهو وعمر خليفته يشهدان لعلي (عليه السلام)بالأفضلية والعلم والتقوي وكل كرامة [129] . وإن من سب عليا (عليه السلام) فقد كفر وأكبه الله علي منخريه في النار، وأول من بدأ بسب علي (عليه السلام) إنما هو أبو بكر وبعد بضعة أيام من وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، قال الله تبارك وتعالي في الآية (144) من سورة (آل عمران): - (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) -. ولم يجد بعدها أبو بكر أمام الرأي العام وقوة الحجة إلا أن يكذب نفسه ويرجع فدكا، فكتب كتابا لعمر بردها، بيد أننا نري عمر في هذه المرة يمزق الكتاب. راجع السيرة الحلبية ج 3 ص 391، وشرح نهج البلاغة. أنظر إلي هذه الملعبة واتفاق أبي بكر وعمر وكل منهما كذب نفسه، فقد أعادها عمر في زمن خلافته. فما الذي دعا أبا بكر لردها، ودعا عمر لتمزيق الكتاب، وما الذي دعا عمر لردها في عهد خلافته؟ أي مهزلة هذه؟! ويسترجعها عثمان ليقدمها لقمة سائغة لمروان، فأي فيء هذا للمسلمين يتلاعب به أبو بكر وعمر وعثمان؟ ولماذا سلبوه وأعادوه وسلبوه [130] . [ صفحه 101] سؤال مستظرف: روي ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 4 ص 105، قال: سألت علي بن الفارق أحد أساتذة ذلك العصر في بغداد عن فدك، قلت: أكانت فاطمة صادقة؟ قال: نعم. قلت: إذا كان ذلك فلماذا لم يعطها الخليفة فدكا. فتبسم (مع أنه لم يكن من أهل المزاح) وأجاب جوابا مستظرفا مستحسنا! خلاصة قوله: إنه إذا أعطاها فدكا لمجرد ادعائها، كانت تعود له بعد يوم مطالبة إياه بالخلافة التي اغتصبها من زوجها، وعندها كان عليه لزوما أن يسلم الحق إلي أهله لأنه قد صدقها. انتهي.

قبول خبر الصحابي العدل

وهناك اعتراض مهم علي أبي بكر علي قبول خبر الصحابي العدل ولو جر ذلك نفعا لنفسه. فقد ثبت، وممن أخرج حديثا يؤيد ذلك شيخ الإسلام الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني في فتح الباري في شرح صحيح البخاري باب من يكفل عن ميت دينا قال: إن جابر بن عبد الله الأنصاري ادعي أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعده أن يعطيه من مال البحرين، فأعطاه ألفا وخمسمئة دينار من بيت المال دون أن يطلب منه بينة علي ذلك، قال: " إن هذا الخبر فيه دلالة علي قبول خبر العدل من الصحابة ولو جر ذلك نفعا لنفسه، لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهدا علي صحة دعواه ". ونقله البخاري أيضا في صحيحه بصورة مبسوطة في باب من يكفل عن ميت دينا، في كتاب الخمس، في باب ما قطع النبي من البحرين. هنا يحق السؤال: أكان جابر أصدق عند أبي بكر من الصديقة الزكية الطاهرة، وزوجها الصديق نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله) ووصيه؟ أولئك والمال بيدهم وتحت تصرفهم ويسلبها منهم، وهذا فارق أعظم، وأحسب أنه أراد تطبيق نظر الشاعر في قوله: إذا كنت لا تنفع فضر فإنما++ يراد الفتي إذ ما يضر وينفع [ صفحه 102] ولا قيمة بعدها للعدالة والدين، أو نص مثل: - (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) - سورة الشوري، الآية (23). وقوله: - (إني تارك فيكم الثقلين) -. وإذ هو بدأ بغصب أعظم ما يمكن غصبه في العالم، وأعظم ظلامة، فما عليه أن يكمل عمله علي حد قول رسول الله (صلي الله عليه وآله): " رحم الله امرأ عمل عملا فأكمله ". فهذا يكمل الغصب. ونسي أن المفهوم: رحم الله من عمل عملا حسنا وأكمله، لا قبيحا. أعود لأقدم قبل ختم الموضوع بعض المستندات المؤيدة لعظمة مقام فاطمة وزوجها وبنيها (عليهم السلام). أخرج الشيخان: البخاري ومسلم، في ترجمة الزهراء (عليها السلام) عن الإصابة وغيرها عن المسور. قال: " سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول علي المنبر: فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها ". وجاء في كتاب الشرف المؤبد للشيخ يوسف النبهاني في الزهراء عن البخاري بسنده عن رسول الله أنه قال: " فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها " وفي أخري: " فمن أغضبها أغضبني " [131] . ونصوص وأسانيد أخري [132] أيضا أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين، أطبقت عليها الصحاح ومحدث و أهل السنة والجماعة. أكان كل ذلك خافيا علي أبي بكر؟ وهذا صحيح البخاري ومسلم مملوءان بذلك ويعتبران عند مذاهب أهل [ صفحه 103] التسنن أصح كتابين بعد القرآن. ومنهما في البخاري ج 4 في آخر ورقة من كتاب الاستئذان عن عائشة أن فاطمة سيدة نساء العالمين بشرها بذلك رسول الله (صلي الله عليه وآله).

منعه الخمس عن آل البيت

الآية (41) من سورة الأنفال، قال تعالي: - (واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا علي عبدنا يوم الفرقان) -. لقد منع الله الصدقات من الزكاة علي أهل البيت (عليهم السلام) منعا باتا، فلا تحل لهم صدقة، وأعاضهم بقسم من الخمس لكي لا تبقي العترة في ضيق اقتصادي. وجري ذلك في عهده (صلي الله عليه وآله) رغم ضيق الوضع الاقتصادي، فهذا الخمس يقسم إلي ستة أقسام: حق الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، وذوي القربي تقسم بيد الإمام العادل التقي الذكر البالغ علي مصالح المسلمين. والأسهم الثلاثة الباقية تخص الأيتام والمحتاجين، وأبناء السبيل من آل البيت، ليقوم مقام الصدقات المحرومين منها. وذلك ما كان متبعا في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فلما تولي الخلافة أبو بكر وبعده عمر رغم توسع الوضع الاقتصادي وقفا أمام هذا النص والسنة فمنعا أن يعطي آل محمد شيئا منه، وهم محرومون من الصدقات، وإذا بهم محرومون من كل شئ، وكأنهم غير مسلمين، إذ حرمانهم من الخمس لا يسمح لهم الصدقة والزكاة. وظل هذا الاجتهاد من أبي بكر وعمر جاريا زمن عثمان وعهد الأمويين، ودام في العهد العباسي وإلي اليوم. وبدأها أبو بكر وعمر بأنهم بحاجة للفتوح، ويلزم لذا موارد اقتصادية، فاتخذوها ذريعة لحرمان آل محمد (صلي الله عليه وآله) منها. [ صفحه 104] وهاك ما أدرجه الإمام الشافعي محمد بن إدريس في ص 69 في كتاب الأم قوله: " وأما آل محمد الذين جعل لهم الخمس عوضا عن الصدقة فلا يعطون من الصدقات المفروضات شيئا، قل أو كثر. لا يحل لهم أن يأخذوها ولا يجزي عمن يعطيهموها إذا عرفهم. حتي قال: وليس منعهم حقهم من الخمس يحل لهم ما حرم عليهم من الصدقة ". وقد نزلت آية الخمس وباتفاق جمهور المفسرين، كان نزولها لمساعدة ذراري وأقارب رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وتنفق لاحتياجاتهم. واليوم لا يعمل بها طبق النص سوي فقهاء الإمامية، وعندما تراجع أكابر علماء أهل السنة والجماعة تراهم يؤيدون ذلك ولكن لا يعملون به. راجع بذلك الأسانيد الواردة في موسوعتنا ج 3 موضوع منع الخمس عن آل البيت (عليهم السلام)، وهذه إحدي النصوص التي خالفوها.

منعه تدوين الحديث

قال الله تعالي في الآية (61) من سورة النساء: - (وإذا قيل لهم تعالوا إلي ما أنزل الله وإلي الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) -. وقال تعالي في محكم كتابه في الآية (7) من سورة الحشر: - (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) -. فالمعارف الإسلامية بعد كتاب الله إنما هي سنة رسول الله (صلي الله عليه وآله) القائمة علي أفعاله وأقواله المفصلة لموجز ما ورد في كتابه، من أصول الدين وفروعه وأحكامه وأمره ونهيه، وفي شتي أمور الدنيا والآخرة، وكم كان يطلب عندما يخطب الناس أن يبلغ الحاضرون الغائبين، ويكونوا شهودا ومبلغين صادقين عنه، وقد حذرهم بقوله: " من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار ". [ صفحه 105] لهذا كان حريا بمن اتكأ علي مسند رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن يسرع بجمع أحاديثه ورواياته وأفعاله وأقواله ما دام العهد قريبا، والصحابة الراوون أحياء مجتمعين كي يمكن انتقاء ما أجمعوا عليه وأيدوه وصدقوه، لا منع تدوين ذلك، ذلك المنع الذي أدي بعد انقضاء الأجل، والترك آفة النسيان، بعد ما قتل من قتل من الصحابة في الحروب، وتشتت الكثير منهم، ومرت عشرات السنين علي موت رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وتولي الحكم أعداء الإسلام الذين لا يهمهم سوي إرضاء نفوسهم الرذيلة، كمعاوية وآل أمية وآل بني معيط. هناك نري معاوية يدس ويزيف ويضع علي لسان النبي (صلي الله عليه وآله) ما يشاء من الأحاديث التي تحط من كرامة الإسلام، وكرامة أولئك الذين قامت علي سواعدهم وجهودهم أركان الشريعة الإسلامية، وبالعكس رفع مقام أعداء الإسلام الغاصبين الكفرة الفجرة، وتحريف ما شاءوا وتبديل ما زعموا، وأعادوها عصبية جاهلية. فمن هو المسؤول عن تلك الفجائع؟ القضاء علي المعارف الإسلامية، ووضع ملايين الأحاديث المزيفة المتناقضة التي شوهت الحقيقة وأضاعتها، وأدخلت في الإسلام ما هو برئ منه، وكذبت علي الله وعلي رسوله (صلي الله عليه وآله)، فكانت نتيجة ذلك الدس والتحريف تمزيق الأمة إلي مذاهب وفرق تحارب الواحدة الأخري، وتكفر هذه تلك، فأصبحوا ألعوبة وأضحوكة للأقوام والملل الأخري، وهدفا لمطامعهم. ويتسنم مقام خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) من يأمر من جهة بمنع تدوين المعارف الإسلامية فيقضي عليها، وفي الوقت نفسه يأمر بالقضاء المبرم علي ما عثر عليه في الفتوحات، من علوم ومعارف، وتدميرها وإتلافها إحراقا وإغراقا، ومن نبست شفتاه بحديث علم ومعرفة يوجع ضربا حتي الموت بدرة الخليفة، وبعده [ صفحه 106] إبعاده تحت قسر أشد ولاته عنفا وزجرا، ليكون عبرة لغيره. ومن سأل سؤالا، أو استوضح آية أو حديثا أراه أشد العقوبات، كي لا يعود هو وغيره لمثلها. راجع بذلك الكتاب الرابع من موسوعتنا، كتاب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، في منع تدوين الحديث وشكاية العلماء والحكماء. ولقد ثبت عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) كما ورد في القرآن الأمر بحفظ آثار رسول الله (صلي الله عليه وآله) ونشرها للأمة الإسلامية، تلك التي سنورد كثيرا منها. ومن شاء فليراجع المفصل في كتابنا الثالث من موسوعة المحاكمات، والكتاب الرابع منه أخص في منع تدوين الحديث وأمر الخليفة الثاني عمر بالقضاء التام علي المعارف العالمية أينما بلغت فتوحه. راجع بذلك حافظ المغرب ابن عبد البر، والبيهقي في المدخل، عمن ورد عن عروة، كيف أن الصحابة في عهد عمر أجمعوا علي تدوين السنة ورغم ذلك منعها. راجع أيضا من الكتب الحديثة للمحقق المدقق العلامة محمود أبو رية في كتابه " أضواء علي السنة المحمدية " ص 35 الطبعة الثانية. وقد كان عمر سواء في منع تدوين السنة أو إتلاف معارف العالم يتمسك بالقرآن، أما بالنسبة للسنة فإنه يقول لا أريد أن أشوب كتاب الله بغيره. فهلا كان جديرا به علي أقل تقدير أن يجمع المفصلات لمجمل القرآن. وأما قوله في إتلاف الكتب والمعارف العالمية: إنه لا رطب ولا يابس إلا في كتاب، فهو إذ يجهل معني الآية التي تعني أن كل شئ يدون وموجود في كتاب يفسر ذلك إنما عنت الآية أنه موجود في القرآن، ولذا فهو يأمر بتدمير كتب الطب والحساب والكيمياء والفيزياء والفلسفة وكل شئ وويل لمن تخلف عن أمره. ولكن هناك رمز لو دققناه في منع تدوين الحديث والسنة لما تحويه تلك [ صفحه 107] الروايات وتفاسير الآيات من الموارد والمعاني التي تعارض غصبهم لمقام الخلافة وسيرتهم التي ساروا عليها، ويريدون انتهاجها، فكان حريا بهم طمر ذلك طمرا لا يبقي له أثرا، وبعده تكون سننهم وسبلهم ومناهجهم هي المتبعة، والقدوة لخلفائهم من آل أمية ومن يتلوهم، وبعدها أكان للإسلام قائمة أولا فسياستهم ودولتهم ومصالحهم هي المقدمة، وما نحن فيه هو النتيجة الحتمية المؤدية لها. قال الكاتب المحقق أبو رية في كتابه " أضواء علي السنة المحمدية ": نقلا عن يحيي بن جعدة أن عمر بن الخطاب كتب إلي الأمصار: من كان عنده شئ فليمحه، لماذا؟ هل يستطيع أي محقق يعرف ما هو السبب سوي كشف مخازيهم في الغصب والتحريف والسلوك والسيرة التي يريدون انتهاجها، وهي تخالف وصايا الرسالة. ولو أن أبا بكر وعمر لم يمنعا تدوين الحديث بل عملا عكس ذلك ودونوه كما دونوا الكتاب وأجمع عليه الصحابة، أكنت تجد بعدها اختلافا في المذاهب والفرق؟ وقد روي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله): " ألا أني أوتيت الكتاب (القرآن) ومثله معه ". رواه الدارمي وأبو الدرداء وابن ماجة. وأغرب من ذلك والذي يؤيد حديثي المار، أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) في مرض موته لما طلب دواة وقرطاسا ليحرر فيها ما لا يضل المسلمون بعده، وقف عمر حائلا وقال: حسبنا كتاب الله. لماذا؟ لأنه يعلم حق العلم إنما يريد أن ينص علي علي (عليه السلام) وهو يخالف ما هووصاحبه قائم عليه؟ وقد صرح به لابن عباس زمن خلافته [133] . [ صفحه 108] وروي الذهبي في تذكرة الحفاظ أن عمر حجر علي ابن مسعود وأبي الدرداء قائلا: أكثرتم الحديث عن رسول الله وكان حبسهم في المدينة وأطلقهم عثمان زمن خلافته. والحقيقة الناصعة هي أن تدوين الحديث والسنة يجب أن يلي تدوين القرآن في الأهمية، وأن منعه إنما هو جناية لا تغتفر كالكذب علي الله ورسوله [134] ، كما قال (صلي الله عليه وآله): " من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ". وحتي لقد عد الكذب هنا من الكبائر، وحتي قالوا بكفر من كذب علي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ولا يقل عنه من منع أحاديث رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن تنشر ومهد السبيل لمن ينشر الكذب محلها. النصوص القرآنية والسنة توجبان تدوين السنة [135] قال تعالي في سورة البقرة، الآية (159): - (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدي من بعدما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) -. قال الجصاص: إن أحاديث رسول الله (صلي الله عليه وآله) من البينات والهدي التي تنص عليها الآية. كما جاء في نص آخر قوله تعالي في سورة الحشر، الآية (7): - (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) -. وقوله تعالي في سورة النجم، الآيتان (3) و (4): - (وما ينطق عن الهوي - إن [ صفحه 109] هو إلا وحي يوحي) -. وكم مرة اختلفوا في سنة فعلها أو أمر أمر به فقام فيهم خطيبا وقال: لقد أمرني به جبرئيل. مثل سد الأبواب إلا باب علي (عليه السلام)، ومثل تزويج فاطمة الزهراء (عليها السلام) من علي (عليه السلام) ومثل أخذ سورة البراءة من أبي بكر وإعطائها لعلي (عليه السلام)، ليتلوها علي أهل مكة، وبالتالي تجهيزه سرية أسامة ومخالفاتهم. وعلي هذا كلما أمر به أو نهي عنه أو أوصي به رسول الله (صلي الله عليه وآله) إنما هو بأمر من الله. طالع بذلك مسند أحمد، ومسند الطيالسي، والترغيب والترهيب للمنذري، وكنز العمال كتاب العلم، ومجمع الزوائد للحافظ الهيثمي، وإحياء علوم الإمام الغزالي، وكتاب العلم لأبي عمر، حيث تري فيه ما يلي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله): 1 - " اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي وسنتي ويعلمونها الناس ". ذكره الطيالسي والرامهرزي والخطيب ابن النجار. 2 - " رحم الله امرأ سمع مني حديثا فحفظه حتي يبلغه غيره ". أخرجه ابن حبان. 3 - " رحم الله امرأ سمع منا حديثا فوعاه ثم بلغه من هو أوعي منه ". أخرجه ابن عساكر. 4 - " رحمة الله علي خلفائي. قيل: من خلفاؤك يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس ". أخرجه أبو نصر في الإبانة، وابن عساكر، والمنذري في الترغيب. 5 - " نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه غيره ". أخرجه المنذري. 6 - " علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه ". أخرجه القضاعي وابن عساكر. 7 - " مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يتحدث به كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه ". [ صفحه 110] أخرجه المنذري، والطيالسي، والطبراني عن أبي هريرة. 8 - " أيما رجل آتاه الله علما فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ". رواه الطبراني وابن عدي عن ابن مسعود وأبي هريرة، كما أخرجه أيضا ابن ماجة. وأي كتمان أعظم من منع تدوينه؟ 9 - " ما آتي الله تعالي عالما علما إلا أخذ عليه الميثاق أن لا يكتمه ". أخرجه ابن النظيف وابن الجوزي عن أبي هريرة. 10 - " من كتم علما مما ينفع الله به الناس في أمر الدين، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ". أخرجه ابن ماجة والمنذري عن أبي سعيد. انظر إلي هذا الحديث وارجع إلي من منع تدوين الأحاديث والسنة عمدا. وأخرج كثيرون بنفس المعني وبألفاظ متفاوتة، منهم أبو خيثمة في العلم، وأبو نصر في الإبانة، وابن الجوزي في العلل، وابن حبان، والحاكم، والمنذري، والطبراني في الكبير، وابن عدي في الكامل، والسنجري، والخطيب، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والشوكاني في تفسيره ج 1 ص 375. وبعد هذا نترك القارئ الكريم ورأيه السليم ليحكم علي من منع تدوين السنة وتركها ألعوبة الأهواء.

قتل مالك بن نويرة والدخول بزوجته ليلة قتله

كان مالك بن نويرة سيدا من سادات العرب الذين أسلموا زمن رسول الله (صلي الله عليه وآله) ووثقه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقربه وأمنه علي الأموال، ولم يخف إلي ذلك اليوم مقام علي (عليه السلام) من رسول الله (صلي الله عليه وآله) بين جميع المهاجرين والأنصار خصوصا بعد غدير خم الذي أعلن رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولايته وخلافته بعده، وأخذ البيعة له من الجميع علي ما ذكر تفصيلا في الجزء الأول من الموسوعة هذه. [ صفحه 111] وقد كان مالك قد جمع أموال الزكاة كعادته في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي إذا سمع بوفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقيام من لم يكن اسمه في العير ولا في النفير، وسمع من الكثيرين عن الحق المهضوم والمقام المغتصب، ولا زال الكثيرون يأملون إعادة الحق لأهله. آنذاك يتوقف مالك ويفكر ماذا يعمل وهو أمين علي هذه الأموال، أيعيدها إلي أصحابها ريثما تنجلي الغبرة؟ أم يقدمها لمن يعلم أنه الخليفة والوصي حقا؟ أم يقدمها إلي هذا الغاصب. فلم يبرح حتي رأي الحل الوسط، وهو إعادة ما جمع من الأموال إلي أصحابها والتريث حتي يتحقق من الأمر. وقد ثبت إسلامه وعدم ردته. في هذه الآونة يرسل أبو بكر خالد بن الوليد، وخالد هذا سبق وإن أرسل في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) لا مقاتلا ولا غاصبا، بيد أنه عمل بما لم يرضه رسول الله (صلي الله عليه وآله) من قتل وسلب وظلم حتي استعاذ رسول الله (صلي الله عليه وآله) من عمله واستغفر الله من منكراته، وعزله وأرسل عليا، فأعاد لهم ما سلب وأدي ديات عن المقتولين واسترضاهم ورجع ولم يرسل بعدها خالدا أبدا. ولا يخفي علي أبي بكر ذلك وهو يرسل خالدا، ولم يوصه، ومع خالد ابن عمر وآخرون، رأوا استسلام مالك بن نويرة وصلاته واحتفاءه ببعثة أبي بكر وتسليمه لأمرهم، وبعدها مكيدة خالد بجمع أسلحتهم وشد وثاق مالك وأصحابه، وبعدها قصد قتلهم دون ذنب، ولم يرتدع من نهي ابن عمر وغيره، فلم يتركهم ولم تنفعه توسلات مالك وجماعته وجزع النساء والأطفال، وإذا به يقتل المسلمين، وفي مقدمتهم مالك بن نويرة ويدخل من ليلته بزوجة مالك المسلمة الثكلي، ويسبي نساءهم وأطفالهم، ويسلب أموالهم ويعود رافع الرأس لهذه الجناية العظمي. وإذا بعمر بن الخطاب يتلقاه بعد أن ثبت له شناعة عمله وهو يريد حده، هنا [ صفحه 112] يتصادم مع أبي بكر الذي ثبتت له جناية خالد، ولكنه منذ الساعة وكأنه كان يريد أن تكون هذه عبرة لكل من تسول له نفسه من موالي آل محمد (صلي الله عليه وآله) الاعتراض، ويصد عمر ويغفر لخالد، ويكتفي بقوله: إنه اجتهد فأخطأ. وإذ لم يجد عمر لطلب الحد علي خالد سبيلا يقول في أبي بكر: لقد لج فيه شيطانه. ولم يكتف أبو بكر بالعفو عن خالد بل يتركه بعد أن يمنحه وساما ويسميه سيف الله، ويوليه بعدها، هو ومن جاراه في أفعاله، يسطون علي مخالفيه ومعانديه، حتي يبلغ الأمر أن يوليه ولاية في الشام، ويصطدم عندها بأحد أعوان الخليفة أبي بكر ويرغمه علي أن يزوجه ابنته قهرا وتهديدا، ولا يري هذا مناصا إلا الطاعة، ويبلغ الخبر هنا أبا بكر وعندها تثور ثائرة الخليفة ويرسل له رسالة يقول له فيها: " لعمري يا بن أم خالد إنك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجف بعد ". كتب ذلك لخالد لما قال خالد لمجاعة: زوجني ابنتك. فقال له مجاعة: مهلا، إنك قاطع ظهري وظهرك معي عند صاحبك. قال: أيها الرجل زوجني، فزوجه، فبلغ ذلك أبا بكر فكتب إليه الكتاب. تلك شهادة لا تنكر من أبي بكر، وعلم منه بخالد، وقبلها كلمة عمر لأبي بكر: إن عدو الله (يعني خالدا) عدا علي امرئ مسلم فقتله، ثم نزا علي امرأته. ذلك قبل أن يرد خالد المدينة، بل كانت لشهادة ابنه، ومذ أقبل خالد بن الوليد حتي دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما، ومذ دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها، [ صفحه 113] ثم قال: أرئاء! قتلت امرأ مسلما ثم نزوت علي امرأته! والله لأرجمنك بأحجارك، ولم يكلمه خالد وهو يحسب رأي أبي بكر فيه كرأي عمر، حتي دخل علي أبي بكر، فوجده قد عذره وصفح عنه. فخرج منه وعمر جالس في المسجد. وقال عمر لأبي بكر: إن خالدا قد زني فاجلده (ونسي أن زناء المحصنة الرجم حتي القتل) قال أبو بكر: لا، لأنه تأول فأخطأ. قال: فإنه قتل مسلما فاقتله، قال: لا. إنه تأول فأخطأ. ثم قال: يا عمر! ما كنت لأغمد سيفا سله الله عليهم. وأبو بكر يعترف بأن من قتل ومن سبي ومن سلب منه كلهم مسلمون، حينما قدم دياتهم وأعاد المسلوبات وبالتالي اعترف بجنايات خالد في آخر كتابه الذيذكرناه أعلاه [136] . وهاك النصوص القرآنية لكل فرد منهم للآمر (أبو بكر) والقاتل الزاني (خالد) ومن سار علي سيرتهما وأن الظالمين بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف [137] . [ صفحه 114] وما هذه إلا جناية من ملايين الجنايات في عهدهم وبعد مماتهم التي أسسوا أساس ظلمها وأيدوها بعد غصبهم مقام الخلافة. وقبل محاكمة القوم أذكر بعض النصوص والآيات القرآنية للموضوع: 1 - سورة المائدة، الآية (32): - (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) -. 2 - سورة النساء، الآية (93): - (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) -. 3 - سورة الأنعام، الآية (151): - (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) -. 4 - سورة الإسراء، الآية (32): - (ولا تقربوا الزني إنه كان فاحشة وساء سبيلا) -. 5 - سورة الفرقان، الآيتان (68 و 69): - (ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما - يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) -. 6 - سورة الأعراف، الآية (33): - (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق) -. 7 - سورة النور، الآية (2): - (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) -. 8 - سورة الأحزاب، الآية (58): - (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) -. 9 - سورة النساء، الآية (94): - (ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمنا [ صفحه 115] تبتغون عرض الحياة الدنيا) -. 10 - سورة الشعراء، الآية (227): - (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) -. 11 - سورة النساء، الآية (112): - (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا) -. 12 - سورة النور، الآية (24): - (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) -. 13 - سورة الجاثية، الآية (19): - (وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين) -. 14 - سورة القصص، الآية (50): - (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله) -. 15 - سورة فاطر، الآية (10): - (والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور) -. 16 - سورة المائدة، الآية (44): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) -. 17 - سورة المائدة، الآية (45): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) -. 18 - سورة المائدة، الآية (47): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) -. وهكذا تري في رأس الحكم غاصب مسند خلافة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وهو أشد الظلم، ويسنده أولياؤه وأتباعه. [ صفحه 116] واذكر بعد النصوص القرآنية أحاديث نبوية: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): " لا يحل دم رجل يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدي ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة " وليس لمن تجاهل عن تقديم الزكاة ذلك. صحيح البخاري ج 1 ص 63 كتاب المحاربين، باب قول الله تعالي، النفس بالنفس، وصحيح مسلم ج 2 ص 27، والديات لابن أبي عاصم ص 10، وسنن أبي داود ج 2 ص 219، وسنن ابن ماجة ج 2 ص 11، ومصباح السنة ج 2 ص 50، ومشكاة المصابيح. وقوله (صلي الله عليه وآله): " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدي ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه، أو زني بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغير نفسر ". ولم يفعل ذلك مالك. وقال (صلي الله عليه وآله): " أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها منعوا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم علي الله " صحيح مسلم ج 1 ص 30. فكيف استباح أبو بكر ذلك؟ وقد امتدح الله نبيه بقوله: - (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) - سورة آل عمران، الآية (159). وقال تعالي: - (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة) -. سورة القصص، الآية (54). وإذا ذهبت إلي سورة الحجرات، الآية (10) وجدت قوله تعالي: - (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) -. وبعد هذا كله ألا تري أن الدائرة في الآيات إنما تدور علي خالد ومن أمره. أنهم القاتلون الغاصبون المعتدون. أولئك الذين انطبقت عليهم هذه الآيات، من الحد والعقوبات الدنيوية والأخروية، والله للظالمين بالمرصاد. [ صفحه 117] وماذا نرجو بعد ما مر من النصوص والوصايا في آل البيت (عليهم السلام) وعلي (عليه السلام) بينهم، فتغصب حقوقهم، وتحرق بيوتهم، ويساقون مكرهين لبيعة من بايعهم بالأمس، وانقلب عليهم اليوم، وهل ينطبق علي مالك قول الشاعر: إذا كان رب البيت بالدف ضاربا++ فشيمة أهل البيت كلهم الرقص وهناك أمثال خالد كثيرون ممن سلطوهم علي رقاب المسلمين أمثال ضرار بن الأرور، والمغيرة، وآل أمية، وأضرابهم. المسؤولية الجزائية بعد هذا كله علي عاتق من تقع لعمل هذه الجنايات، أعلي الآمر أم المأمور؟ أم كليهما؟ وأيهما أشد جناية العالم أم الجاهل؟ وهذا أبو بكر شهد بأن خالدا قتل ألفا ومئتي مسلم ودماؤهم لم تجف بعد، فبأمر من قتل من قتل؟ ومن الذي مده بالقوة وسلطه علي رقاب المسلمين؟ فأنت يا أبا بكر تعرف خالدا ثم توليه وتكرر ولايته وتسند له المناصب لإدامة الظلم. وبالتالي لمن شاء أن يطلع علي تفصيل أكثر، أن يراجع الجزء الثالث من موسوعتنا، موضوع مالك بن نويرة وشكواه.

المؤلفة قلوبهم

مخالفة نص القرآن في سورة التوبة الآية 60: - (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) -. فالصدقات تعطي إلي ثمانية في هذا النص القرآني الصريح، ولم ينسخ أو يطرأ عليه أو علي أحد أقسامه ما يسمح بتبديله، أو تعويضه، أو منعه، خاصة وأن [ صفحه 118] رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنجزه عمليا وأخص هنا الفقرة الرابعة المؤلفة قلوبهم. وهي اليوم تستعمل في جميع الدول، حيث تفرض مقادير لتصرف في بعض موارد تهم الصالح العام، في الداخل والخارج، لدفع شرا وجلب خير، وهذا ما كان يجريه رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي في أحرج الأزمنة التي كان المسلمون فيها في عسر مالي، ورغم ذلك فإن رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان ينفق تلك المبالغ في محلها ولا يحتج.. بأنني اليوم من القوة والقدرة ما يمكنني تعطيل النص. وبالعكس نري اليوم الدول الكبري الغنية تبذل مبالغ طائلة من ميزانيتها العامة لأمورها وشؤونها في الخارج، لمصالح أمتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية وغيرها. بينما نري الخليفتين اتفقا علي تعطيل هذا النص ومنعه، ومن الغريب أن التابعين لهم والقائمين علي سيرتهم كلما وجدوا مخالفة للخليفتين لنص قرآني أو سنة نبوية حسبوها لهما حسنة وقاسوا عليه، وقالوا: كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين مصرحين بأن للشيخين سيرة ليست في الكتاب ولا في السنة، وعدوا تلك منقبة لهما، وبهذا فقد خرجوا علي كتاب الله وسنة رسوله (صلي الله عليه وآله)، وقد قال الله تعالي في كتابه الكريم: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) - سورة المائدة، الآية (44). وقال سبحانه وتعالي: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) - سورة المائدة، الآية (45). وقال عز من قائل: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) - سورة المائدة، الآية (47) [138] . [ صفحه 119]

ابوبكر يأمر بقتل علي في الصلاة

عن الفضل بن شاذان عن سفيان بن عيينة والحسن بن صالح بن حي، وأبي بكر بن عياش، وشريك بن عبد الله، وجماعة من فقهاء العامة أن أبا بكر أمر خالد بن الوليد فقال: إذا فرغت من صلاة الفجر وسلمت فاضرب عنق علي. فلما صلي بالناس ندم في آخر صلاته علي ما كأنه منه، فجلس في صلاته متفكرا حتي كادت الشمس أن تطلع ثم قال: يا خالد لا تفعل ما أمرتك، ثلاثا ثم سلم. وكان علي يصلي إلي جنب خالد يومئذ، فالتفت علي إلي خالد فإذا هو مشتمل علي السيف تحت ثيابه فقال: يا خالد أوكنت فاعلا؟ فقال: إي والله إذن لوضعته في أكثرك شعرا، فقال علي: كذبت ولأنت أضيق حلقة من ذلك، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا ما سبق القضاء لعلمت أي الفريقين شر مكانا وأضعف جندا.

تقديمه المنافقين و ابعاده آل البيت

أبو بكر يقدم خصوم علي (عليه السلام) وآل محمد (صلي الله عليه وآله) ويبعدهم هم وشيعتهم عن المال والمقام، مثل أبي سفيان وبنيه، ويحابيهم بالمال والمقام. ومثلهم المغيرة بن شعبة، أول من جاهر بعداوته وخصومته لآل البيت (عليهم السلام). وخالد بن الوليد، ذلك الرجل الفاجر الذي استعاذ رسول الله (صلي الله عليه وآله) منه عندما قلده حملة إصلاحية فقتل فيها وفجر. وقرب آل أمية حينما جعل عثمان كاتبه وأمين سره، فكان عثمان منذ ذلك العهد الرجل الأول بعد عمر. وهو الذي ساند أبا بكر وتلاه بمساندته لعمر يوم أغشي علي أبي بكر وهو في مرض موته ويريد كتابة العهد، وإذا بعثمان يكتب اسم عمر محاببا إياه حتي إذا أفاق تلاه علي أبي بكر وأقره فكانت هذه أعظم ما أثبت ملكه بعد عمر وأبي بكر. ولا ننسي أننا لا نجد البتة نصرة من أبي بكر، ومثله عمر، ولا عثمان، لأي فرد [ صفحه 120] من بني هاشم، بل بالعكس حرمانهم من الخمس، بعدما كانوا محرومين من الصدقات (الزكاة). وسلب فدك من آل الرسول (صلي الله عليه وآله)، وهكذا لم نجد من هؤلاء، وفي مقدمتهم الخليفة الأول، تساوي ذرية الرسول وآله حتي مع أبعد أفراد المسلمين. فكانت أعماله هذه هو والخلفاء الذين تلوه حقا مخالفة للنصوص القرآنية، وفي مقدمتها: - (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) - سورة الشوري، الآية (23). ووصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) الجمة في آله، المارة الذكر. [ صفحه 121]

عمر بن الخطاب

اشاره

الخليفة الثاني عمر بن الخطاب: جاء للخلافة بعهد من أبي بكر، وقد آخي أبا بكر يوم قامت المؤاخاة بين المسلمين، وأما سابقته قبل الإسلام فليست من السوابق التي يحمد عليها خلقا وثراء وغير ذلك [139] من شجاعة أو فصاحة، ولم يحصل علي مكانة إلا بدخوله الإسلام، وصلته بأبي بكر ثم من رسول الله (صلي الله عليه وآله) من زواج ابنته حفصة إياه. وأبان إسلامه امتهن البرطشة، وهذه ألهته في الأسواق عن أخذ الكتاب والسنة، وكان في أخري يبيع الخيط والقرضة في البقيع [140] . لذا نري سابقة أبي بكر أجل وأرفع من سابقة عمر، وكلاهما كانا مشركين، بيد أن عمر عرف منذ ذلك الحين بغضاضته وقساوته، ولازمته هذه إلي آخر عهده في الإسلام. [ صفحه 122] وإليك الأمور المتعلقة بعمر بن الخطاب:

معاقرته الخمرة

عرف عمر، منذ عرف، بمعاقرته للخمرة قبل إسلامه وبعد إسلامه، حتي بعد نزول الآية الأولي والثانية، حتي نزلت الثالثة. وكان هو وأبو بكر في نادي الشرب حتي أخبروهم بالتحريم البات، فأبدل الخمرة بالنبيذ وهي مسكرة، ولكنه اكتفي بأن اسمها نبيذا، وكان يعلم حق العلم بتحريمها، حتي كان قد حد شاربها الذي شرب من نبيذه هو، وإذا أراد حده اعترض عليه بأني شربت مما أنت تشرب. فأجابه، إنها لم تسكره هو وأسكرتك. وسوف يأتي شرح ذلك أكثر تفصيلا في شكوي عبد الرحمن ابنه الذي قتله بحده إياه وهو مريض، وقد أقيم عليه الحد قبلها بطلب من عبد الرحمن نفسه، يوم علم أنه شرب ما يسكر ولا يعرفه. وسيأتي ذكر ذلك مفصلا، ولمن شاء تفصيلا أكثر مراجعة شكاية عبد الرحمن بن عمر في الجزء الرابع من موسوعتنا هذه كاملة بأسانيدها. وتري عبد الرحمن أدلي في شكايته تسعة موارد، وقد خالف أبوه في حده إياه الكتاب والسنة. وإذا ما راجعت ربيع الأبرار للزمخشري باب اللهو واللذات والقصف واللعب، والمستطرف في كل فن مستظرف لشهاب الدين الأبشيهي وجدت كيف أن عمر ظل يشرب الخمر في الإسلام حتي بعد نزول آية التحريم، يعني الآية الثالثة، وكيف شج رأس عبد الرحمن بن عوف، وبعدها قعد ينوح علي قتلي بدر بشعر الأسود بن يعفر، وبها يظهر مكنونات قلبه التي برزت دون رقيب من العقل الرادع، وبلوغ رسول الله (صلي الله عليه وآله) وغضبه عليه وضربه. قلنا مكنونات قلبه لأنا نراه يعيد رؤساء الأحزاب من آل أمية ويسند إليهم الملك، فبكاؤه عليهم وهو ثمل كان حقيقة أتمها في عهد خلافته. [ صفحه 123] ذكره الطبري في تفسيره ج 2 ص 203. مع العلم أن الحرمة كانت بينة منذ نزول الآية الأولي: أن فيها إثم أكبر من نفعها،بيد أن عمر وجماعته ما كان يروق لهم ترك النادي دون معاقرتها [141] . وأما بنظر العقلاء فيرون أن الخمرة محرمة منذ نزول الآية الأولي التي قال فيها تعالي: - (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبرمن نفعهما) - [142] . وأما الآية الثانية وهي: - (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري حتي تعلموا ما تقولون) - [143] . وبالتالي نزلت الآية: - (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصابوالأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) - [144] . هنا نجد أشدها منعا الآية الثالثة، بيد أن المنطق والعقلاء يستدلون علي المنع منذ البدء بالآية القرآنية، بقوله تعالي في سورة الأعراف، الآية (33): - (إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي) -. والإثم عند العرب هي الخمر والنبيذ، كما قال الشاعر: شربت الإثم حتي ضل عقلي - كذاك الإثم تذهب بالعقول [145] وقد عرفت الصحابة تحريم الخمرة منذ الآية الأولي التي نهي عنها رسول [ صفحه 124] الله (صلي الله عليه وآله)، كما حدثت عن ذلك أم المؤمنين عائشة [146] . وعلي هذا فمن شربها بعد الآية الأولي فقد خالف نص القرآن وسنة الرسول (صلي الله عليه وآله)، وقد قال الله تعالي في سورة المائدة، الآية (44): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) -. وقال تعالي في سورة المائدة، الآية (45): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) -. وقال عز من قائل في سورة المائدة، الآية (47): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) -. وكما نري أن الآيات جاءت مترادفة، وكلما شربوها جاءت آية أشد صراحة، والآية الثالثة فيها الوعيد والتهديد بقوله تعالي: - (فهل أنتم منتهون) -. سورة المائدة، الآية (91). ولا يشك أي فرد أعطي ذرة من العقل والحكمة ما في الخمرة من الآثام والرذائل، حتي ثبتت طبيا وبالتجربة ما تحمله من الخبائث المادية والمعنوية، وما تخلفه في شاربها وفي نسله بالوراثة من الموبقات والفجائع. لذا نري الكثيرين أمثال عثمان بن مظعون الحكيم في العهد الجاهلي يحرمها لتلك الآثام، وفي العهد النبوي أسلم وظل علي عقيدته محرما إياها قبل الآيات. أما الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فقد قال [147] كنت للإسلام مباعدا، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأشربها، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالجزورة أو الخرورة وهي سوق من أسواق مكة، وهي الآن جزء من المسجد عند دور عمر بن عبد بن عمران المخزومي، فخرجت ليلة أريد جلسائي [ صفحه 125] أولئك في مجلسهم ذلك فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا، فقلت: لو أني جئت فلانا الخمار، وكان بمكة يبيع الخمر لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها. وعن عبد الله بن عمر عن عمر أيام خلافته [148] ، قال: إني كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية، وأنها ليست كالزنا [149] . فهو لا يعدها من الكبائر [150] ، بينما يعدها عبد الله ابنه من أعظم الكبائر برواية رواها عن الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله). وأما شربه بعد الإسلام وبعد الآية الثالثة المحرمة للخمر بصورة واضحة وقاطعة، فإن عمر طفق يشرب النبيذ الشديد: ويعتذر بقوله: إنا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن تؤذينا، فمن رابه من شرابه شئ فليمزجه بالماء [151] . وكان يشرب النبيذ الشديد إلي آخر نفس لفظه. قال عمر بن ميمون: شهدت عمر حين طعن أتي بنبيذ شديد فشربه (العقد [ صفحه 126] الفريد ج 3 ص 416) وكان حدة شرابه وشدته بحيث لو شرب غيره منه لسكر، وكان يقيم الحد علي من شرب من شرابه. قال الشعبي: شرب أعرابي إداوة عمر فأغشي عليه، فحده عمر. ثم قال: وإنما حده للسكر لا للشرب. وهذا يعني أن عمر يبيح المحرمات لنفسه دون غيره، ولا نستطيع أن نقول غير ذلك، إذ كما مر حرم رسول الله (صلي الله عليه وآله) كلما أسكر كثيره، قال الله تعالي: - (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) - [152] . وقال الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله++ عار عليك إذا فعلت عظيم أخرج الجصاص في أحكام القرآن ج 4 ص 565: أن أعرابيا شرب من شراب عمر فجلده عمر الحد، فقال الأعرابي: إنما شربت من شرابك، فدعا عمر شرابه فكسره بالماء ثم شرب منه. وقال: من رابه من شرابه شئ فليكسره بالماء. ثم قال الجصاص: ورواه إبراهيم النخعي عن عمر نحوه وقال فيه: إنه شرب منه بعدما حد الأعرابي. تري كيف يتلاعب بالنصوص كيفما يشاء، وبعدها يسمونها بعد كتاب الله وسنة رسوله (صلي الله عليه وآله) وسيرة الشيخين، كما طلب عبد الرحمن بن عوف في الشوري من علي (عليه السلام) ذلك حتي يبايعه، فأجابه علي (عليه السلام): أقبل بكتاب الله وسنة رسوله (صلي الله عليه وآله) وعندها أحالها إلي عثمان. ومنها نعرف ذلك السلوك المشين والتلاعب بالكتاب والسنة. هم تلاعبوا بالكتاب والسنة ومن تابعهم، مثل عبد الرحمن، ومن هم [ صفحه 127] وعبد الرحمن؟! وهذا علي (عليه السلام) أبو العترة الطاهرة، الطاهر من الرجس، نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله) ووصيه وخليفته. راجع أيضا كتاب الآثار للقاضي أبي يوسف ص 226، رواه عن طريق أبي حنيفة عن إبراهيم بن عمران الكوفي التابعي، قال: إن عمر بن الخطاب أخذ رجلا سكرانا فأراد أن يجعل له مخرجا فأبي إلا ذهاب عقله، فقال: احبسوه، فإذا صحا فاضربوه، ثم أخذ فضل إداوته فذاقه، فقال: هذا عمل بالرجال العمل، ثم صب فيه ماء فكسره فشرب وسقي أصحابه، وقال: هكذا اصنعوا بشرابكم إذا غلبكم الشيطان. وإني أتساءل: كيف يعرفون متي يغلبهم الشيطان إلا بعد الشرب؟ ومعناه جربوه المرة الأولي فهو مباح لكم تجربته، فإذا سكرتم فاكسروه بالماء في الثانية. مع العلم أن الماء لا يمنع تأثير الكحول أو ينقصه. ولنا في ذلك أسئلة كثيرة: من أين جاء بهذه الفتوي؟ ثم لماذا جوزه لنفسه ولم يجوزه للآخرين؟ وهل كان أعلم من الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) حينما أطلق القول البات علي تحريمها؟. حرمة ما أسكر كثيره: لقد أطبق الكتاب، من مفسرين ومحدثين من كافة المذاهب، علي ذلك سواء شرب منه قليلا أو كثير، خالصا أو ممزوجا بالماء، أو بغير الماء، دون استثناء فهو حرام مطلقا. وللخمرة أسماء عدة، والمقصود منها مادة الكحول التي اكتشفت فيما بعد، [ صفحه 128] وأجمع الأطباء علي أضرارها، يؤيد ذلك مجمل الكتاب ومشروح السنة [153] . وجاء بألفاظ أخر عنه قوله (صلي الله عليه وآله): " كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام ". والفرق إناء يسع (16) رطلا، وفي أخري: " ما أسكر منه الفرق فالحسوة منه حرام " [154] . وجاء عن الطبري ج 2 ص 104 عن قتادة، أن المسكر حرام قليله وكثيره، ما أسكر منه، وما لم يسكر. وأيد هذا ما ورد في الدر المنثور ج 2 ص 316، وعن أبي حنيفة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله): " حرمت الخمرة لعينها، القليل والكثير منها، والمسكر من كل شراب ". والخطيب في ج 3 ص 190 من تاريخه، ونهج البلاغة ج 2 ص 65، قال (صلي الله عليه وآله): " إن القوم سيفتنون بعدي بأموالهم، ويمنون بدينهم علي ربهم، ويتمنون رحمته، ويأمنون سطوته، ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء الساحبة: فيستحلون الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع ". وجاء في الإصابة ج 3 ص 546 عن أم المؤمنين عائشة: ستشرب أمتي من بعدي الخمر يسمونها بغير اسمها يكون عونهم علي شربها أمراؤهم [155] . [ صفحه 129] وقد كتب عمر إلي عماله أن يزقوا الناس الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه [156] . وإنه أتي لعمر بطلاء ذهب ثلثاه وبقي ثلث، فأدخل عمر فيه إصبعه ثم رفع يده فتبعها يخطط، فقال: هذا الطلاء، هذا مثل طلاء الأيل فأمرهم عمر أن يشربوه، فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله! فقال عمر: كلا والله، اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم، ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم. نري التناقض بالأقوال والأفعال، وقد ثبت شربه لها وحده لمن شربها وأنه أمر بشربها بعد كسرها بالماء، وثبت عن رسول الله (صلي الله عليه وآله): " المسكر حرام كثيره وقليله، وإن لم يسكر ". وسئل ابن عباس عن الطلاء، فقال: ما طلاؤكم هذا إذ سألتموني؟ فبينوني الذي تسألوني عنه. قالوا: هو العنب يعصر ثم يطبخ ثم يجعل في الدنان، فقال: وما الدنان؟ قالوا: دنان مقيرة. قال: مزقته: قالوا: نعم. قال: يسكر؟ قالوا: إذا أكثر يسكر قال: فكل مسكر حرام. قال تعالي: - (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) - سورة النساء، الآية (14). وقال تعالي: - (فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه علي الذين يبدلونه) -. سورة البقرة، الآية (181).

عمر في صلح الحديبية يشك بالرسول و برسالته

جاء في شرح النهج لابن أبي الحديد، قوله: لما كتب النبي كتاب الصلح في الحديبية بينه وبين سهيل بن عمر كان في الكتاب: من خرج من المسلمين إلي [ صفحه 130] قريش لا يرد، ومن خرج من المشركين إلي النبي يرد إليهم. غضب عمر وقال لأبي بكر: ما هذا يا أبا بكر! أيرد المسلمين إلي المشركين؟ ثم جاء إلي رسول الله وجلس بين يديه وقال: يا رسول الله! ألست رسول الله حقا؟ قال: بلي. قال: ونحن المسلمون حقا؟ قال: نعم. قال: وهم الكافرون؟ قال: نعم. قال: فعلام تعطي الدنية في ديننا؟! فقال رسول الله: أنا رسول الله أفعل ما يأمرني به ولن يضيعني. فقام عمر مغضبا، وقال: والله لو أجد أعوانا ما أعطيت الدنية أبدا، وجاء إلي أبي بكر، فقال له: يا أبا بكر! أما وعدنا أنه سيدخل مكة؟ فأين ما وعدنا به؟ فقال أبو بكر: أقال لك إنه العام تدخلها؟ قال: لا. قال: فستدخلها. قال: فما هذه الصحيفة التي كتبت؟ وكيف نعطي الدنية من أنفسنا؟ فقال أبو بكر: يا هذا ألزم غزره، فوالله إنه لرسول الله أن الله لا يضيعه، فلما كان يوم الفتح وأخذ رسول الله مفتاح الكعبة. قال: ادعو إلي عمر، فجاء فقال: هذا الذي كنت وعدتكم به. هنا تري كيف أن عمر خرج عن إيمانه، وخرج من الشك إلي الصراحة وتكذيب رسول الله (صلي الله عليه وآله) والتمس العون ليخالف الله ورسوله لو استطاع. وتعال معي الآن للمناظرة الآتية لتري الحكم علي عمر الحكم الفصل بعد شكوك عمر بأقوال وأعمال رسول الله (صلي الله عليه وآله) وخروجه عن آداب المؤمن تجاه من أسلم إليه بالأمس. قال العلامة الشهرستاني: قال النظام إن عمر شك يوم الحديبية، وقال: هذا شك في الدين ووجدانه خرج من النفس مما قضي وحكم. ولما أراد أبو عمرو الشطوي المعتزلي إلزام محمد بن محمد بن النعمان المفيد بوقوع الإجماع علي إسلام أبي بكر وعمر وأجابه المفيد بما اعترف الشطوي به. قال له المفيد: قد علمت ما الذي أردت فلم أمكنك منه. ولكني أنا اضطرك إلي الوقوع فيما ظننت أنه توقع خصمك فيه: أليست الأمة مجمعة علي أنه من اعترف [ صفحه 131] بالشك في دين الله والريب في نبوة رسول الله فقد اعترف بالكفر وأقربه علي نفسه؟ قال: بلي. فقال له: إن الأمة مجمعة لا خلاف بينها علي أن عمر بن الخطاب قال: ما شككت منذ أسلمت إلا يوم قاضا فيه رسول الله أهل مكة فإني جئت إليه، فقلت له: يا رسول الله: ألست نبي؟ قال: بلي. فقلت: السنا بالمؤمنين. قال: بلي، قلت: فعلام تعطي هذه الدنية من نفسك؟ فقال: إنها ليست دنية، ولكنها خير لك، فقلت له: أليس قد وعدتنا أن ندخل مكة؟ قال: بلي، قلت: فما بالنا لا ندخلها؟ قال: أوعدتك أن ندخلها العام؟ قلت: لا، قال: فسندخلها إن شاء الله. فاعترف بشكه في دين الله ونبوة رسوله وذكر مواضع شكوكه. وبين عن جهاتها! وإذا كان الأمر علي ما وصفنا فقد حصل الإجماع علي كفره بعد إظهار الإيمان واعترافه بموجب ذلك علي نفسه. ثم ادعي خصومنا من الناصبة أنه تيقن بعد الشك ورجع إلي الإيمان بعد الكفر فطرحنا قولهم لعدم البرهان عليه واعتمدنا علي الإجماع فيما ذكرناه فلم يأت بشئ أكثر من أن قال: ما كنت أظن أن أحدا يدعي الإجماع علي انتخاب عمر بن الخطاب حتي الآن. قال: فالآن قد علمت ذلك وتحققته، فإن كان عندك شئ فأورده! فلم يأت بشئ. أقول: ثم نعود بعد ذلك لنذكر تخلفه عن جيش أسامة، رغم ما لعن رسول الله (صلي الله عليه وآله) المتخلفين، حتي وجدنا أبا بكر يعترف بذلك ويأسف علي تخلفه. ثم مجابهته واعترافه الصريح أنه خالف رسول الله (صلي الله عليه وآله) في كتابة العهد (الذي مر ذكره ويأتي ذكره فيما بعد مع ابن عباس حبر الأمة). ثم أغضابه رسول الله (صلي الله عليه وآله) مرارا، أخص حين مخالفته لكتابة العهد والأمر بإخراجهم عنه هو ومن معه. وقبلها ما ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 1 ص 95 ط مصر 1329: إن [ صفحه 132] عمر أغضب رسول الله (صلي الله عليه وآله) فأخذ النبي بمجامعه وقال: ما أنت بمنته يا عمر حتي ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة [157] . وقد رأيناه في نادي الخمرة وهو بعد شج رأس عبد الرحمن بن عوف يبكي قتلي قريش المشركين في بدر ويتلو الشعر. كلمة العلامة الكاتب عبد الفتاح عبد المقصود - في ج 1 ص 281 من موسوعته علي وبنوه - في عمر، وما اختص به من الغلظة. قوله في عمر: " حتي ليعد عليه أنه فارق من تزوج بهن في الجاهلية وطلق الكثيرات بعد الإسلام، وكانت النسوة المسلمات علي الإطلاق، إن لم يكرهنه يرهبنه والأثر بهذا بين حين دخل ذات يوم علي رسول الله وعنده نسوة يلفظن بالحديث ففرن لدي دخوله وتركن له المكان. وساءه منهن هذا الفرار فصاح، يا عديات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله. فلم تفت النسوة أن يثأرن منه علي ألسنتهن الطويلة الجواب خشنا بلا مواربه ولا إخفاء: نعم: أنت أغلظ وأفظ. واللائي عرفنه من النساء وطمع هو في أن يسكن إليهن بالزواج أبين عليه. لم يشفع له لديهن سلطانه ". ويستمر بقوله: " فاعجب إذن لهذا السلطان المستطيل كيف لا يستهوي المرأة ". ويستمر بقوله: " إن أرسل ذات يوم من لدنه رسولا إلي أم أبان بنت عقبة بن ربيعة يخطبها. فكرهت لنفسها المقام عنده زوجة، وردت رسوله وهي تقول: كلا! إنه ليغلق بابه، ويمنع خيره، ويدخل عابسا ويخرج عابسا ". [ صفحه 133] تلك معاملته مع الجنس اللطيف، أما مع الرجال فحدث ولا حرج، ونبدأه بقول طلحة ابن عم أبي بكر يوم علم بعهد أبي بكر ابن عمه لعمر، قال: ما تقول وأنت راحل، إنك تخلف علي أمة محمد فظا غليظا. هذا بعد أن قال: ولاك بالأمس ووليته اليوم. ولا ننسي الكثير من أفعاله وأقواله من منع تدوين الحديث، وحبس الصحابة وتشديده عليهم الرقابة، وسلب الحرية الفكرية والبدنية التي مر ذكرها، وتلي فيما بعد.

اغضابه رسول الله

عمر يستمر في إغضاب رسول الله (صلي الله عليه وآله) مرة بعد أخري، في سلوكه واعتراضاته المستمرة الدالة علي شكوكه في رسالة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وصدقه وعدالته، وأن ما يأتيه إنما هو من الله.

تخلفه عن أمر رسول الله لقتل ذي الخويصرة التميمي

ذلك الخصم اللدود رئيس الخوارج الذي ظهر فيما بعد رئيس المارقين، الذي بدأ مخاصمته لرسول الله (صلي الله عليه وآله) في حياة الرسول، واعترض علي عدالته في القسمة، حتي قال له رسول الله (صلي الله عليه وآله): " ويلك فمن ذا يعدل إن لم أعدل أنا ". وقد وجده يوما يصلي، وهو الذي أخبره روح القدس جبرئيل عما ستقوم من الفتن علي يد هذا الشقي، فتوجه إلي الصحابة قائلا: ألا من يقتله؟ وقد وجده يصلي، فأخذ السيف أبو بكر لينفذ أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسرعان ما عاد وقال: ما كنت لأقتل رجلا رأيته راكعا، مع علمه أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وجده يصلي. ثم تقلد عمر سيفه بعده عندما سمع رسول الله (صلي الله عليه وآله) للمرة الثانية يقول: ألا رجل يقتله؟ فذهب عمر ليصدع بالأمر، ثم عاد قافلا وهو يقول: ما كنت لأقتل رجلا [ صفحه 134] رأيته يسجد، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله) ثالثا: ألا من يقتله؟ وفي هذه المرة قام علي (عليه السلام) وذهب لقتله فلم يجده. فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): ألا إنها أول فتنة تقع في الإسلام. فماذا يدل هذا سوي الشك بأقوال وأفعال رسول الله (صلي الله عليه وآله) من أبي بكر وعمر. وكان من نتيجة عدم قتله وقوع فتنة الخوارج وما أحدثت من الفجائع في الإسلام، وما انتهت به من قتل أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) علي يد الخارجي الشقي عبد الرحمن بن ملجم، وتلتها من النكبات وظلت تتري. وقد أطبقت أخبار الكتاب والمحدثين علي ذلك من كافة المذاهب، ومنهم من قال عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قوله: " لو قتل هذا ما اختلف اثنان في دين الله " [158] . وقد عد الكاتب الشهير الشهرستاني في الملل والنحل أنها أول شبهة وقعت في ملة الإسلام، ثم ثني بمنع عمر القلم والقرطاس عن وصية رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ثم ثلث بتخلفه وتخلف أبي بكر عن جيش أسامة، ثم ربع بإنكار عمر موت رسول الله (صلي الله عليه وآله). والحقيقة أنهما في كل ما عصوه وتخلفا عنه إنما هما طعنا بأوامر رسول الله (صلي الله عليه وآله) بل بأوامر الله ونواهيه، والشك بالدين والشريعة دون الالتفات إلي النصوص القرآنية إذ قال عز وجل في الآية (3) و (4) من سورة النجم: - (وما ينطق عن الهوي - إن هو إلا وحي يوحي) -. وعصوا أمر الله، حيث قال سبحانه وتعالي في الآية رقم (7) من سورة الحشر: - (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) -. وإن من لا يطيع رسول الله (صلي الله عليه وآله) فهو كافر كما قال الله في الآية (32) من سورة آل عمران: - (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) -. [ صفحه 135] وأعظم منها الجزاء العظيم لمن خالف وعصي، قوله تعالي في الآية (14)، من سورة النساء: - (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) -. ولا عذر لأي مؤمن بعد ذلك علي حد قوله تعالي في سورة الأحزاب، الآية (36): - (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) -. ألم تطرق، ولا واحدة من هذه الآيات، سمع عمر فينتهي عن إغضاب رسول الله (صلي الله عليه وآله) بأقواله وأفعاله [159] . حتي أخذ رسول الله (صلي الله عليه وآله) مرة بمجامع ثوبه وحمائل سيفه وقال له: ما أنت منته يا عمر حتي ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة [160] . ويعود عمر دون أن ينتهي مكررا إغضاب رسول الله (صلي الله عليه وآله) حين يطعن بعدالته في القسمة حين رآه يقسم ويخاطب النبي (صلي الله عليه وآله): لغير هؤلاء كان أحق به منهم [161] . فكأنه يريد أن يطعن بعدالة وعلم رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وما في الجنان يظهر علي صفحات اللسان، وقد وجد في كل مرة أنه أخطأ، وقد برهن له رسول الله (صلي الله عليه وآله) صدق قوله في صلح الحديبية وفتح مكة وغيرها. ويعود عمر ليقرأ التوراة عند النبي فيغير ذلك وجه رسول الله (صلي الله عليه وآله) غضبا [162] . [ صفحه 136] وقال (صلي الله عليه وآله): " والذي نفس محمد بيده لو بدا لكم موسي ما تبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل، ولو كان موسي حيا وأدرك نبوتي لاتبعني ".قال سبحانه وتعالي: - (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) - [163] .

رزية يوم الخميس بدء الفتنة

ولما رأي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو في مرض موته أن جماعة من المهاجرين يتقدمهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة الجراح، رغم توصياته للاسراع بحملة أسامة ومبادرة القوم قبل وصول الأخبار وتباطؤهم، وأنهم رغم لعن من تخلف عن جيش أسامة كرارا ظلوا ملازمين المدينة. وهو لا يعزب عنه أغراضهم ومراميهم. عندها وهم حاضرون عنده طلب كتفا ودواة قائلا (صلي الله عليه وآله): " إئتوني بكتف ودواة لأكتب لكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا ". فقال عمر: إن النبي ليهجر، بمسمع من رسول الله (صلي الله عليه وآله)، مخالفا أوامره ملقيا الفتنة بين الحاضرين، فظهرت جماعة من حزبه برئاسة أبي بكر يؤيدوه، وأخري تريد تحقيق ما أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي غضب (صلي الله عليه وآله) حينما وجد الخلاف، وطردهم قائلا: لا يجوز عندي مثل هذا [164] . وقد اعترف عمر في عهد خلافته عند ابن عباس بما ألقاه من فتنة، وأنه أحرز بغيته، وأنه كان يعلم أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) إنما كان يريد أن يعهد لعلي (عليه السلام) بالأمر، وأنه الذي صده، وكان ما أراد هو، وقال إنما خشي الفتنة، وهل كانت فتنة أعظم مما [ صفحه 137] أتي به عمر آنذاك. وبعدها في السقيفة حينما شهد علي نفسه وعلي أبي بكر فقد قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقي الله شرها. إن هذه الرزية، رزية يوم الخميس التي سماها ابن عباس بذلك تلك التي خالف بها عمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) في كتابة العهد، رواها جميع أهل الصحاح والسنن والسير والأخبار، تجدها مفصلة في الجزء الرابع من موسوعتنا موضوع أول فتنة لعمر [165] . وكلمة النبي ليهجر، نقلها وأخرجها مسلم في كتاب الوصية من صحيحة عن سعيد بن جبير من طريق آخر عن ابن عباس، قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس! ثم جعلت تسيل دموعه حتي رؤيت علي خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): إئتوني بالكتف والدواة، أو اللوح والدواة، أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقالوا: إن رسول الله ليهجر. وأخرج هذا الحديث بهذه الألفاظ الإمام أحمد ص 355 في ج 1 من مسنده، ذكره آخرون من أهل السنن. فأول من قال: يهجر رسول الله (صلي الله عليه وآله) عمر، ثم تابعه من سار علي رأي عمر. أما الطبراني فأخرج في الأوسط عن عمر، قال: لما مرض النبي، قال ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقال النسوة من وراء الستر: ألا تسمعون ما يقول رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال عمر: إنكن صوي حبات يوسف، إذا مرض رسول الله عفرتن أعينكن، وإذا صح ركبتن عنقه. قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): [ صفحه 138] دعوهن فإنهن خير منكم [166] . ولرب سائل يسأل: ولماذا لم يطلب رسول الله (صلي الله عليه وآله) من الموافقين كتابة العهد؟ فالجواب: إن المخالفين كما أظهر عمر في عهد خلافته كانوا يعرفون ماذا يريد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وما نعوا، وأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان يعرف هدفهم وأنهم مصرون علي المخالفة والفتنة، وكانوا علي قولهم: إنما كتبه رسول الله وهو يهجر، وكانت تصير فتنة، والإسلام في عهد لا تصلح معه مثل تلك الفتنة. وقد برهن رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالنصوص من الكتاب والسنة أنهم نقضوا العهد وخرجوا علي الكتاب والسنة، فهم بين كافر وفاسق وظالم. وقد قال الله سبحانه في سورة الحاقة، الآيتان (40) و (41): - (إنه لقول رسول كريم - وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون) -. وقال تعالي: - (ما ضل صاحبكم وما غوي - وما ينطق عن الهوي - إن هو إلاوحي يوحي - علمه شديد القوي) - [167] . ولقد صرح عمر لابن عباس أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان يرفع مقام علي ويريد خلافته، وفي مرض موته أراد أن يكتب له العهد فمنعته [168] . [ صفحه 139] وفي محاجة أخري لعمر مع ابن عباس [169] قال عمر في حديث طويل: يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد (صلي الله عليه وآله) قال ابن عباس: فكرهت أن أجيبه، فقلت له: إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدري. فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتجحفوا علي قومكم بحجا بحجا (أي تترفعوا وتفرحوا) فاختارت قريش لأنفسها، فأصابت ووفقت. فقلت: يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتحط عن الغضب تكلمت. قال: تكلم، فقال ابن عباس: فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت فلو أن قريش اختارت لأنفسها من حين اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود. وأما قولك إنهما أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة، فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهة فقال: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم. فقال عمر: هيهات يا ابن عباس قد كانت تبلغني عنك أشياء أكره أن أقرك عليها فتزيل منزلتك مني. فقلت: ما هي يا أمير المؤمنين؟ فإن كان حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك. وإن كانت باطلا فمتي أباط الباطل عن نفسه. فقال عمر: بلغني أنك تقول: حرفوها عنا حسدا وبغيا وظلما. فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين ظلما فقد تبين للجاهل والحليم، وأما قولك حسدا فإن آدم حسد ونحن ولده المحسودون. فقال عمر: هيهات هيهات! أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا لا يزول. فقلت: مهلا يا أمير المؤمنين، لا تصف بهذا قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس [ صفحه 140] وطهرهم تطهيرا. وهناك محاورة أخري [170] جرت بن عمر وابن عباس أثبت بها ابن عباس غصبهم الخلافة من علي (عليه السلام).

ادباره في الحروب

تصفح الحروب والغزوات في عهد الرسول (صلي الله عليه وآله) جميعا فلا تري ولا في واحدة لعمر ما يدل علي شجاعة بدنية أو أدبية، كالأبطال المجاهدين أمثال علي (عليه السلام) والزبير ونظائرهما أو أمثال سلمان الفارسي الذي أشار علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بحفر الخندق. بل نراه يغيض رسول الله (صلي الله عليه وآله) باعتراضاته وشكوكه، ونري في فتح خيبر أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) يمنحه قيادة الحملة في اليوم الثاني، بعدما أدبر في اليوم الأول قائد الحملة صاحبه أبو بكر، وإذا بعمر هو الثاني يدبر فارا، فكان محلا لغضب الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، ظهرت علي كلام صاحب الرسالة حين قال متأثرا منهما ومن فرارهما المخزي، وربما كانت هذه أول تجربة وآخرها مع أبي بكر وعمر، إذا أبدا عدم كفاءتهما لأي قيادة. حتي نراه (صلي الله عليه وآله) دائما لا يعير لهما مقاما في الرأي ولا مسندا في الحملات، فنري عمر دائما جنديا تابعا لغيره، ومنها في حملات أعطيت إمارتها إلي عمرو بن العاص، وبالتالي تلك الحملة النهائية التي سيأتي ذكرها وهي سرية أسامة، ذلك [ صفحه 141] الشاب الذي لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره وإذا بأبي بكر وعمر جنودا عاديين في حملته. كل ذلك ورسول الله (صلي الله عليه وآله) يريد أن يري قومه مقامهما عند الله وعنده. ومن قبلها إرسال أبي بكر بسورة البراءة لتلاوتها فاستعارها بأمر الله منه وأعطاها لعلي (عليه السلام). أما اليوم ورسول الله (صلي الله عليه وآله) يخاطب أفراد الحملة من المسلمين الخائبين في الحملتين في اليومين المتتاليين أمام حصون خيبر وشجعان اليهود أمثال مرحب والحارث وأخيه، هنا وقف رسول الله (صلي الله عليه وآله) يصف بطولة أحد أفرادها ويشيد برفعته وحبه وقربه عند الله وعنده، وبالوقت الذي يرفع مقام هذا البطل يحط من مقام اللذين سبقاه، حطا متناهيا في الجبن والفرار وغضب الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وكراهتهم لهما. وكيف ذلك؟ هكذا يقول خاتم الأنبياء (صلي الله عليه وآله) ويقسم بالله: والله لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، كرار غير فرار، يفتح الله علي يديه!. وبالوقت الذي يشيد بهذا البطل يحط من قدر اللذين سبقاه. لا كالذين سبقاه اللذين باتا مكروهين من الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) إذ لم يحملا الإيمان والاخلاص في الدين بامتثالهما بالكر والفرار فرجعا مخذولين. وتطلع القوم إلي البطل الموعود حبيب الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، وإذا هو بطل المسلمين الأرمد الذي أقعده في اليومين السابقين ليظهر فضله ويخزي أنداده ومبغضيه وحساده. ذلك هو ابن أبي طالب علي (عليه السلام) مفخرة الإسلام ورمز الفتوح ومعجزة النصر أينما حل. [ صفحه 142] ونري عمر كصاحبه في بقية الغزوات والحروب أخص منها أحد وحنين، تشملهم آية الإدبار بمخازي الدارين الدنيوية والأخروية. ولمن شاء مراجعة التاريخ وكتبه والوقوف علي درك الحقيقة التي هي أوضح من الشمس في رابعة النهار، ولشهرتها تكفي الإشارة إليها كما مر. وبالإمكان مطالعة القصيدة التي أرسلها ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي في هجو من فر في خيبر، تجدها في فتح خيبر عند ذكر أبي بكر، في الفصل الرابع من هذا الكتاب.

تخلفه عن جيش أسامة

وقد لعن رسول الله (صلي الله عليه وآله) المتخلفين، ولم ننس فيما مر عند حديثنا عن أبي بكر أن أبا بكر في مرض موته أسف علي عدة أشياء، وأن تخلفه عن جيش أسامة إحداها، وأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد أوصي أسامة وأفراد الجيش الإسراع بالحملة قبل وصول الأخبار للعدو، وكانوا اعترضوا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي تأمير أسامة عليهم، ونحن نعلم أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لا يقدم علي أمر خطير مثل هذا إلا بأمر من الله. ولهذا صعد المنبر وخطبهم ورد اعتراضهم، وقال: إنه خليق بذلك، وإذ وجدهم متباطئين وهم الذين سببوا بطئ الحملة واتخذوا مرض رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذريعة، لهذا ظل يحثهم حتي بالتالي لعن كل من تخلف عن الجيش وأن ندم أبو بكر وصراحته علي الندم يشمل عمر وأبو عبيدة. وظهرت فيما بعد نواياهم وهم يجتمعون رغم أوامر رسول الله (صلي الله عليه وآله) في بيته، ونري عمر بكل صراحة يرد رسول الله (صلي الله عليه وآله) حينما طلب الكتف والدواة ليكتب فيه ما يمنع المسلمين أن يضلوا بعده، وهو عهده إلي خليفته علي (عليه السلام) من بعده، [ صفحه 143] ومعارضة عمر الصريحة له، وقد مرت. فإذن نري من مجموع هذا والاجتماع في السقيفة علي تلك الشاكلة، أن عمر جاهر بمخالفته الواحدة تلو الأخري، غير عابئ بغضب الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) ولعنه والنصوص والسنة. وسنري فيما بعد ضرباته الماحقة المتتالية بعد غصب منصب خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وحرق بيته وأخذه للبيعة كرها وإسقاط جنين بضعته وإغضابها، وإبعاد أي هاشمي عن الحكم وتقريب أعدائهم. والضربة الماحقة التي سوف نذكرها فيما بعد علي المعارف الإسلامية بمنع تدوين السنة متفقين هو وأبو بكر علي ذلك، ثم مخالفته النصوص والسنة التي مر ذكر بعضها في شرب الخمرة والنبيذ وغيرها، وما سيأتي بعده فهو ممن تشمله آية عصيان الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وعدم الحكم بما أنزل الله، قوله تعالي في سورة النساء الآية (14): - (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) -.

تدخله في شؤون زوجات رسول الله زمن حياته و بعد مماته

صحيح مسلم 1: 579 ط مصر 1327. وإليك ما فاهت به أم سلمة أم المؤمنين حينما رأت ابن الخطاب يتدخل في شؤون زوجات رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقامت ثائرة تنهره وتشتكي هي وغيرها أمره إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) قائلة: " عجبا لك يا بن الخطاب دخلت في كل شئ حتي تبتغي أن تدخل بين رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأزواجه ". [ صفحه 144] وبعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله) جعل زوجات رسول الله (صلي الله عليه وآله) في المدينة تحت رقابة شديدة، مثلما عمل ذلك مع الصحابة، وقد حجرهم في المدينة تحت رقابة وجاسوسية شديدة. كما أرسل من أرسل إلي الأصقاع الأخري في الحملات وجعلهم أيضا تحت رقابة شديدة، وهو يتلقي من جواسيسه وما يرده من الرسائل لشد الخناق علي أقوالهم وأفكارهم ومعتقداتهم، بمنع الحديث وأعلام السنة وعدم مطالعة كتاب أو إصغاء إلي حكيم، وسيأتي ذكر ذلك.

يهدد من قال بموت الرسول

عمر يهدد من قال: رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد مات [171] قال الله تعالي: - (إنك ميت وإنهم ميتون) - [172] . وقال تعالي: - (أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم) - [173] . علم الكل بوفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعمر بعد لم يلتقي ذلك الصباح بأبي بكر، وكأنه يبحث عن أمر مهم ويترقب شيئا جديدا باهتمام، وكلما مر علي قوم يسمع فيه لغط القوم، أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد مات إلا خبطه وتوعده، وقال: إن رسول الله لم يمت، ولكنه غاب عنا كما غاب موسي عن قومه، وليرجعن فيقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات. وبالوقت نفسه أنه يعلم بموت رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويستقي الأخبار الصحيحة من زوجات رسول الله (صلي الله عليه وآله) أخص عائشة وحفصة، ويعلم أن بني هاشم وصحابة رسول الله (صلي الله عليه وآله) الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) معهم، ولم يهدأ بال عمر حتي اجتمع بأبي [ صفحه 145] بكر وأبو عبيدة الجراح، وتركوا المغيرة، الذي حرضهم علي اغتصاب الخلافة في قريش عينا ورقيبا علي دار رسول الله (صلي الله عليه وآله). وعندها سكت عمر عن توعده، ودخل سقيفة بني ساعدة مجدا قبل فوات الفرصة وإفشاء السر الذي جمعهم هناك. ولم يكن عمر من الغباوة والجهل بموت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأنه حقا كان يرجع من ربه فيقطع أيدي وأرجل قوم، وأي قوم يريد عمر؟ وهل هناك أشد منه أظهر مخالفة مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) في هذه الآونة القصيرة والتظاهر العلن بالخصومة والفتنة والخروج عن أوامر الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) والتحريض علي إحباط حملة أسامة، والتخلف عن تجهيزها، وتقبل اللعن، ثم حضوره يوم الخميس لترصد الحوادث، ويمنع ما يمنع بكيده، حتي يمنع العهد الذي أراد رسول الله (صلي الله عليه وآله) كتابته إلي خليفته ووصيه علي بن أبي طالب (عليه السلام). وليلا وقد أدلي أفراد حزبه بالتفرقة بين الأنصار، الأوس والخزرج علي نصب خليفة كل ضد الآخر، ورسول الله (صلي الله عليه وآله) مسجي وحوله بنو هاشم لتجهيزه وتكفينه، وكل ذلك لا يغرب عن عمر، وبعدها يهدد من قال إن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد مات، لأن أبي بكر لم يحضر بعد، وقد حضر وحل السقيفة، وشدد الفتنة بين الأنصار، وإذا بأبي بكر يقوم بضربته الخاطفة، وخصم النزاع الذي أقامه لهذه الساعة وحضر له أعوانه. ويقول لأبي عبيدة مد يدك لأبايعك. ومن هو أبو عبيدة سوي حفار للقبور، دخل في زمرة الصحابة، وحضر نوادي الخمرة مع أبي بكر وعمر وانحاز لهما سرا، وما أسرع أن نجد عمر يجر يد أبي بكر الذي تعاهد معه لمثل هذه اللحظة، يجر يده ويبايعه ويبايعه أبو عبيدة، ثم تلاهما خصوم الخزرج من الأوس، ويتلوهم خصوم رئيس الخزرج وابن عمه من الخزرج. [ صفحه 146] وكل هؤلاء إن هم إلا قلة قليلة من المسلمين، والكثرة لا زالوا خارج المدينة في جيش أسامة، أو مع بني هاشم بتجهيز وتكفين النبي (صلي الله عليه وآله).

السقيفة

هناك في السقيفة عندما تكلم أبو بكر تاليا الآية (30) من سورة الزمر - (إنك ميت وإنهم ميتون) - تظاهر عمر بأنه لم يسمعها وقنع بموت رسول الله (صلي الله عليه وآله). فإذن كيف بايعت أبا بكر وأنت تعلم أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) سيعود ويقطع أيدي قوم وأرجلهم لمجرد أنهم قالوا إنه مات. فإذا عاد ووجدك نصبت أبا بكر ذلك الجندي الذي لا زال أميره أسامة ودون حضوره والمسلمين، فماذا يفعل بك؟ وهل أنت تهاب محمدا (صلي الله عليه وآله) أو تهاب الله؟ وهل بقيت تترصد محمدا (صلي الله عليه وآله) وأنت تهاجم بضعته الزهراء (عليها السلام) ووصيه عليا (عليه السلام) ومن بايعته بالأمس، وقلت له: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب لقد أصبحت مولاي ومولي كل مؤمن ومؤمنة. فما تقول ورسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: " فاطمة بضعتي، من آذاها آذاني، ومن آذاني آذي الله ". والله يقول في سورة الأحزاب، الآية (57): - (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) -. ويقول في سورة النساء، الآية (14): - (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) -. وقد نسيت كل وصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) وعترته، وأنت الذي تقول من ولي أحد أمر المسلمين ويعلم من هناك أعلم وأتقي منه خان الله [174] . [ صفحه 147]

يطلب عمر من أبي بكر عزل أسامة

جاء أسامة وهو الأمير الذي نصبه رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي الحملة، وهؤلاء جنوده: أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، يقومون بما قاموا به دون مشورة. وبالأمس كانوا يخذلونه عن الحملة، فغضب لما وجد من فعلهم، وكان تدبير هذا الأمر ضروريا للسياسي المحنك مثل أبي بكر، وقد وجد غضب أسامة وتوعده بهم، أشار عمر علي عزله، فقد آن الأوان بنصب من شاءوا. بيد هنا لمس أبو بكر خطرا عظيما، فهو إن لم يعالج الأمر بحكمة ربما فلت منه وانحاز الشاب إلي علي (عليه السلام) ورجحت كفته. وعلي (عليه السلام) الذي كان موصي بالصبر ربما إن وجد أسامة وأتباعه يميلون كل الميل بإمكانه القضاء علي حركتهم، فتظاهر أبو بكر مغضبا من ابن الخطاب، وهو في الحقيقة يعرف له حقه ويضمر له الولاء، ويعرف فضله كل الفضل بنصبه خليفة، ولا تخفي علي ابن الخطاب حنكة الرجل السياسي ومجاملته عند الغضب. قام أبو بكر مقدرا أسامة وجلله وأظهر له التقدير، ووثب علي ابن الخطاب وأخذ بلحيته وقال [175] ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله (صلي الله عليه وآله) فتأمرني أن أنزعه؟ جئتني بخذلانك جبارا في الجاهلية خوارا في الإسلام. وبهذه الوسيلة أسكت أسامة وحزبه الموالي له، واستمال الشاب بهذه الألعوبة إلي صفه، واسترضاه، وقضي علي فتنة ربما أطاحت بكل آماله وجهوده. وإذ أصبح عونا لأبي بكر أصبح خصما لعلي (عليه السلام) وآل البيت، وقد ظهر ذلك يوم بايعوا عليا (عليه السلام) بعد مقتل عثمان فكان من المعتزلين، ولم يبايع عليا. [ صفحه 148]

عمر يحرق بيت فاطمة و يسقط جنينها

راجع موسوعتنا الجزء الثاني والثالث والرابع تجد فيها جميع الأسانيد، وأيضا شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، والغدير للعلامة الأميني، تجد بها الأسانيد علي صحة ذلك، وما ذكره ابن قتيبة. فجاء عمر إلي دار علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) وجمعوا الحطب لحرق الدار وتهديد من في الدار، وقد قيل له: إن فيها الحسنين، وفاطمة بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فقال: وإن، وكان في الدار أيضا علي (عليه السلام) وجماعة من صحابة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وفيهم الزبير، وما أن أرادت فاطمة (عليها السلام) الخروج وإذا بهم يلطموها ويعصروها بين الحائط والباب حتي يسقط جنينها [176] . ويأخذون عليا (عليه السلام) قهرا ليبايع أبا بكر، وهددوه بالقتل إن لم يبايع. كل ذلك تفصيله في الموسوعة الأجزاء الأربعة الأولي، وفيها الأسانيد والمصادر. وإذ يهددون عليا (عليه السلام) بضرب عنقه فيقول علي (عليه السلام): إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله. ومذ جاءت الزهراء (عليها السلام) تدافع عنه تركوه وأمهلوه فجاء قبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) وألقي بنفسه عليه باكيا قائلا، متمثلا بكلام هارون لموسي: يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني. وأيد هذا شاعر النيل حافظ إبراهيم، وقد ساقته العصبية الجاهلية والجهل [ صفحه 149] الذي أعمي بصيرته حتي دعاه لا يميز الحق من الباطل، بقوله: وقولة لعلي قالها عمر++ أكرم بسامعها أعظم بملقيها حرقت دارك لا أبقي عليك بها++ إن لم تبايع وبنت المصطفي فيها ما كان غير أبي حفص بقائلها++ إمام فارس عدنان وحاميها ولقد مرت الأحاديث ووصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) وزوجته وبنيه، وما نزل فيهم في الكتاب كل هذا وعمر لا يعيره أهمية، وقد ثبت عليه ما يثبت علي من خالف الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وعصاه وأعرض عن حدود الله وسنن نبيه (صلي الله عليه وآله) وظلم وجار وقسي وجعلها سنة بعده مستمرة إلي هذا اليوم.

شدته مع الصحابة

وعمر أول من استعمل الشدة مع صحابة رسول الله (صلي الله عليه وآله) المقربين، فأهانهم وضربهم وحبسهم وجعلها سنة غير صالحة تبعها عثمان وخلفاء بني أمية الذين وطد عمر ملكهم فأثابوه بما أمكنهم من دس ووضع الروايات والأحاديث وخلق كرامات ما أنزل الله بها من سلطان له ولصاحبه أبي بكر [177] .

علم عمر

تحدثنا عن أبي بكر، ونري المأمون في مناظرته التي جاءت في العقد الفريد أثبت ما لأبي بكر وعمر من السبق والعلم وغيرهما بالنسبة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وبأن عليا أفضل منهما فرادا ومجموع. ويظهر من الروايات وما أدلاه الكتاب أن عمر لم يكن له حظ في العلم حتي [ صفحه 150] كان يراجع عليا في كثير من مشاكله، ويكرر: لولا علي لهلك عمر، وحتي وقف أمام بعض النسوة اللاتي أخذن عليه، فقال: حتي النساء أفقه منك يا عمر. ولهذا السبب ما كان أحد يجسر أن يسأله سؤالا حذار غضبه، لعدم قدرته علي الجواب. ونراه في كثير من المسائل تصدر منه فتاوي متناقضة، وعندما يعترض عليه يقول: ذلك أفتينا به كذا، وهذا هكذا، أو يهوي بدرته علي السائل، ولا يحرجه إذا ارتأي شيئا ويري فيه نصا أن يخالف النص. وحتي أحيانا يعترف بالنص قائلا: إن هذا كان في عهد رسول الله حلالا، وأنا أحرمه وأعاقب عليه. كما قال في المتعتين، وكما نجده عمل في المسكر، فيحد شارب نبيذه، ثم يضيف له الماء ويسقي القوم منه، ويعتذر في شربه بأنه رجل معجار، وأن ذلك لا يسكره، وأمثال ذلك. ولسوف نراه لا يهمه النص كما وجد [178] أن يلغيه أو يبدله أو يدخل فيه ويخرج منه. وأما السنة وهي مجموع المعارف الإسلامية حتي اعتقد بعض الفقهاء والمحدثين من أهل السنة أن القرآن أحوج ما يكون للسنة، بل أقل مما تكون السنة بحاجة للكتاب، لأن السنة تفصل مجمل الكتاب فهي ضرورية جدا لفهم الكتاب، وأن في السنة موارد ربما لا توجد في الكتاب. وأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) صرح أن مع الكتاب - أي القرآن - كتاب آخر هو السنة. ولكن نري أن أبا بكر في خلافته القصيرة، ويتلوه عمر يمنعان تدوين السنة منعا باتا بحجة أنها قد تضر بالقرآن، حتي إذا مضي العهد ومات أبو بكر وتلاه عمر [ صفحه 151] ومات عثمان وانشغل علي (عليه السلام) بالناكثين والقاسطين والمارقين، وجاء عهد الأمويين وأخص منهم معاوية، نراه يطلب صراحة من ولاته وعماله بتحريف ودس وتزييف الأحاديث والأخبار والسنن، وقلب الشريعة بالشكل الذي يرتأيه. ووضع كرامات للخلفاء الثلاثة ونشرها وتدريسها علي الصبيان والكتاب والنساء. وتشويه الحقائق والوصايا النبوية فيه وفي عترته، ونسبتها للخلفاء الثلاثة، ثم لبني أمية، وإكرام الواضعين المكذبين المزيفين، والقضاء المبرم علي من نقل خلاف ذلك، أو اعترض أو نسب أو روي حديثا لمحمد وآله. تلك سيرة عمر في الكتاب، وسيرته في السنة، وسيأتي تفصيل ذلك وسندلي كثير من اجتهاداته في موارد النص، ومنع النصوص أو تبديلها، وإقامة بدع ما خلق الله بها من سلطان، بل إعادة كثير من الآثار الجاهلية التي قضي عليها الإسلام، كمحاباة قوم علي قوم وأشخاص علي آخرين، والعرب علي العجم، وغيرها. ومن المؤسف جدا أنه لم يكتف بالقضاء علي المعارف الإسلامية بمنع تدوين الحديث والسنة، بل تجاوز ذلك بالقضاء علي المعارف العالمية وإتلافها أينما حل سلطانه، وكان ألد أعداء العلماء والحكماء، وكل من سمع عنه ذو حكمة ومنطق إلا حطم شخصيته وأهان كرامته، تلك التي أصبحت مورد انتقاد الكتاب والعلماء الأجانب واتخذوها ذريعة يوصمون بها الشريعة وصاحبها، وهما بريئان. بل بالعكس نري محمدا (صلي الله عليه وآله) خاتم النبيين يشيد بالمفكرين والعلماء والحكماء فقد قال الله تعالي في سورة البقرة، الآية (269): - (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) -. وقال كذلك في سورة الزمر، الآية (9): - (هل يستوي الذين يعلمون [ صفحه 152] والذين لا يعلمون) - وغيرها من الآيات. وأما الروايات والأحاديث النبوية فحدث ولا حرج، فقد قال (صلي الله عليه وآله): " تعلم العلم من المهد إلي اللحد ". وقوله (صلي الله عليه وآله): " تعلم العلم ولو بالصين ". وقوله (صلي الله عليه وآله): " مداد العلماء أفضل من دم الشهداء ". وقوله (صلي الله عليه وآله): " نوم العالم عبادة ". وأمثال ذلك، ولا تجد بعد ذلك - أي بعد أبي بكر وعمر وعثمان - من يتصدر المقام العلمي ويشيد به ويكون هو ينبوعا يستقي ويستفاد منه القوم سوي علي المرتضي (عليه السلام) خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) حقا، وأخص أيام خلافته. وما تجده من خطبه المملوءة حكمة وبيانا كثير، ويصرح قائلا: " سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن السماء فإني أعلم بها من أرضكم ". وهو أول من تنبأ بأن في الكواكب والنجوم مدنا عامرة مثل مدننا هذه، تنبأ بها قبل أن تظهر الاكتشافات الحديثة بألف وأربعمئة سنة. وقد تقدم للقارئ الكريم أقوالنا بقضاء عمر علي المعارف الإسلامية والمعارف العالمية فيما مر مسندة متواترة، لا يمكن ردها البتة. وكيف ترجو من عمر وهو يعترف بالجهل ويعمل ما يدل علي جهله المطلق من الأعمال المارة أن يوقر العلماء ويرفع مقام العلم وينشره، وهو فاقد تلك الجواهر، ويقول الأدباء: " فاقد الشئ لا يعطيه ". وهي حقيقة إذ كيف تطلب شيئا من شخص يفقد ذلك الشئ ويجهل قيمته؟ وبهذا كان علة لكثير من المصائب، وهي تدهور العلوم العالمية وتأخرها بسبب حرق المكتبات وإتلافها، وخلق المذاهب والفرق الإسلامية بمنع تدوين السنة والحديث. [ صفحه 153] وأما ما نسبت لأبي بكر وعمر من الكرامات والفضائل فجميعها مختلقة، حيث إنها تنافي المنطق والعقل، كما أشار إلي ذلك صراحة الكاتب الشهير صاحب الغدير العلامة الأميني في موسوعته الغدير، والعلامة الفيروزآبادي صاحب القاموس في كتابه سفر السعادة. نقل الجاحظ في كتاب فتياه عن شيخه النظام أنه طعن بالصحابة، عن المغيرة، عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب قضي بقضاء فقال له رجل: أصبت والله يا أمير المؤمنين، فقال: وما يدريك أني أصبت؟ والله ما يدري عمر أصاب أم أخطأ. وقال الشرقاوي في حاشيته علي التحرير لزكريا الأنصاري في امرأة توفيت عن زوج، وأم، وأخوين لأم، وأخ لأبوين، ويسمي بالحمارية، لأنها وقعت في زمن عمر فحرم الأشقاء، فقالوا: هب أن أبانا حمار ألسنا من أم واحدة، فشرك بينهم. روي أنه قضي به مرة أخري فلم يشرك، ثم شرك في العام الثاني، فقيل له: إنك أسقطته في العام الماضي؟! فقال: ذلك ما قضينا، وهذا ما نقضي. وذكر الحميري في الجمع بين الصحيحين في سند عمار بن ياسر في الحديث الثاني من المتفق عليه، كما في الطرائف، قال: إن رجلا أتي عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء، فقال: لا تصل. فقال عمار: ألا تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، أما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمكعت في التراب وصليت، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله) إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ ثم تمسح بوجهك وكفيك. فقال عمر: اتق الله يا عمار، فقال: إن شئت لم أحدث به، فقال عمر: نوليك ما توليت. وجاء في الجمع بين الصحيحين في سند أبي سعيد الخدري في الحديث الثامن [ صفحه 154] والعشرين من المتفق عليه ما معناه أن أبا موسي استأذن علي عمر بن الخطاب ثلاثا فلم يأذن له، فقال له عمر: ما حملك علي ما صنعت؟ قال كنا نؤمر بهذا، قال لتقيمن علي هذا بينه أو لأفعلن فشهد له أبو سعيد الخدري بذلك عن النبي، فقال عمر: خفي علي هذا الأمر من رسول الله (صلي الله عليه وآله) ألهاني عنه الصفق بالأسواق. روي ابن أبي الحديد أن غيلان الثقفي ابن سلمة أسلم عن عشرة نسوة، فقال له النبي اختر منهن أربعا وطلق ستا، فلما كان علي عهد عمر طلق نساءه الأربع، وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر، فقال له: إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك، ولعلك لا تمكث إلا قليلا، وأيم الله لتراجعن نساءك ولترجعن في مالك أو لأورثهن منك ولآمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال.

تناقضه في فتاواه وأعماله وأقواله

ولقد مر قسم منها في الفصل أعلاه، والفصول قبله وأخص منها في شارب المسكرات، إذ نجده نفسه، إذ يتظاهر عند نزول الآية الثالثة بعدم شربه الخمرة، يستعمل النبيذ الشديد، ويبني لنفسه حججا واهية أمام النصوص القرآنية والسنن النبوية المانعة لكل مسكر مهما كان، وإن لم يسكر قليله بقوله (صلي الله عليه وآله): " ما أسكر كثيره فقيله حرام ". رغم كل ذلك فهو يشرب النبيذ الشديد بدعوي أنها لم تسكره، وبدعوي أنه يأكل لحوم الإبل ولا يقطعها إلا هذا النبيذ الشديد، بيد نراه يحد من شرب من نبيذه، وثم يعود ويضيفها ماء ويسقي القوم معلنا إياهم أنها إذا أسكرتهم فليضيفون إليها الماء، ويجهل أو يتجاهل إنما هي بذاتها قليلها وكثيرها إن أسكرت أو لم تسكر فهي حرام حرمة باتة. [ صفحه 155] ونراه إذ يقيم الحد علي شاربها يسقي القوم ويتفنن في الكلام وهي خمر، ويبيح شربها إذا زال ثلثاها. ونراه في إسلامه وفي سنة الفتح حينما نزلت الآية الثالثة في تحريم الخمرة يشربها ويأخذ بلحي بعير ويشج برأس عبد الرحمن بن عوف، ثم يقعد ينوح علي قتلي المشركين في بدر تاليا شعر الأسود بن يعفر، المنكر للمعاد، ذلك الكافر المشرك، ومنها: [179] . وكائن بالقليب قليب بدر++ من الفتيان والعرب الكرام أيوعدني ابن كبشة [180] أن سخيا++ وكيف حياة أصداء وهام أيعجز أن يرد الموت عني++ وينشرني إذا بليت عظامي ألا من مبلغ الرحمن عني++ باني تارك شهر الصيام فقل لله يمنعني شرابي++ وقل لله يمنعني طعامي هناك بلغ ذلك رسول الله (صلي الله عليه وآله) فخرج مغضبا يجر رداءه ورفع شيئا كان بيده فضربه فقال: أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله. وقيل وهناك روايتين إن الآية (91) من سورة المائدة بعدها نزلت. ومنهم من قال قبلها كانت منزلة، وهذا لا يغير في الواقع عمل عمر، إذ بعد أن رأي غضب رسول الله (صلي الله عليه وآله) تحول عن شربها علي تلك الصفة العلانية وأبدلها بالنبيذ الشديد. [ صفحه 156] وقد وجدنا أن الخمرة إنما حرمت منذ نزول الآية الأولي، بيد أن القوم وقد أدمنوها كانوا يتأولون حتي نزلت بصورة صريحة، وفصلت بالسنة النبوية. وأقول إنها حرمت بالآية الأولي، لأن هناك آيات أخري تؤيدها، منها قوله تعالي في سورة الأعراف، الآية (33): - (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي) -. وكانت الخمرة تسمي عند العرب إثما حيث ورد قول الشاعر: شربت الإثم حتي ضل عقلي++ كذاك الإثم تذهب بالعقول وقال آخر: نشرب الإثم بالصواع جهارا++ ونري المسك بيننا مستعارا [181] . وظل عمر يشرب النبيذ الشديد إلي آخر لحظة من حياته، حتي يوم طعن، وزمن حياته كان يحد من يشرب من نبيذه [182] . وكان يوصي أن يكسروه بالماء، ويوصي: اكسروه إذا كان يسكر. ونحن نتسائل كيف يعرفوه أنه مسكر إلا بعد تجربته؟ وما أبدع من قال: إن كان لا يعلم أنه مسكر فليس عليه الحد، وإن كان يدري أنه مسكر فله أسوة بالخليفة. قال (صلي الله عليه وآله): " أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره " [183] . [ صفحه 157] وأخرج أبو حنيفة في جامع المسانيد ج 2 ص 183 بإسناده عن رسول الله (صلي الله عليه وآله): " حرمت الخمرة لعينها، القليل منها والكثير، والمسكر من كل شراب ". وما أبدع ما جاء في نهج البلاغة ج 2 ص 65، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله): " إن القوم سيفتنون بعدي بأموالهم ويمنون بدينهم علي ربهم ويتمنون رحمته، ويأمنون سطوته، ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء الساهية، فيستحلون الخمر بالنبيذ والسحت بالهدية والربا بالبيع ". أغاب كل ذلك عن عمر! لا، كلا إنه يدري، وأن من يقف صارخا علي المسلمين ورؤوس الأشهاد معارضا دون حجة وبينة لنقض نص القرآن وتحريم حلاله وفرض جزاء علي من يأتيه. قوله: " متعتان كانتا علي عهد رسول الله حلالا وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما "، أهو مؤمن أو مسلم يؤمن بالكتاب والسنة والمعاد؟ يؤمن بالله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وأصوله وحدوده وفروعه؟ أني أترك ذلك للناقد المميز والمنصف الحكيم. ومن متناقضاته اعترافه بشأن علي (عليه السلام) قوله كرارا: " لولا علي لهلك عمر ". و " عجزت النساء أن يلدن مثل أبي الحسن ". و " لا أبقاني الله بعد أبي الحسن ". وقوله للسائل الذي سأله وأتي به عليا لحل ما كان يجهله فاعترض السائل علي قول علي (عليه السلام) فقال له: أظنك منافق. وفي أخري يقول للسائل: إنه مولاي (أي علي (عليه السلام) مولي عمر، استنادا ليوم غدير خم). وقوله في علي (عليه السلام): " لو وليها لأقامكم علي الصراط المستقيم والمحجة البيضاء ". واعترافه بكثير من فضائل علي (عليه السلام) واعترافه بنص رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي خلافته لابن عباس، وقد مر بعضها، وتجد الأخري في الأجزاء الأولي والثانية والثالثة [ صفحه 158] والرابعة بإسنادها في موسوعتنا. نعم بعد كل هذا يقدم الخلافة لقمة سائغة لآل أمية ويشيد ملكهم بعثمان ومعاوية وأنصارهما، بين ولاة وخلفاء ويبعد عليا (عليه السلام) والعترة وأتباعهم عن أي حكم. استخفافه في أركان الصلاة: حيث نراه تارة يعيد ما نسي في الركعة الأولي مرتين، وفي أخري ينسي كلاهما، ومذ يخبر أنه نسي وسهي، يسأل: كيف كان الركوع والسجود؟ فيجاب:حسنا، فيقول: لا بأس [184] . وأنه في ثالثة يصلي المغرب، فلم يقرأ شيئا، وعندما يخبروه بعدم قراءته (لأنه الإمام) قال: جهزت عيرا إلي الشام وجعلت أنزلها منقلة منقلة حتي قدمت الشام فبعتها وأقتابها وأحلاسها وإجمالها فأعاد وأعادوا [185] . أقام الخليفة صلاته بعد شربه النبيذ الشديد، ونسي قوله تعالي في سورة النساء، الآية (43): - (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري) -؟ أم كان نائما وصلي بالقوم وحلم في صلاته؟، إذ لا يخلو الأمر من إحدي هذين الحالتين. وكيف نقيس ذلك مع قوله تعالي في وضع المؤمن، بل أمير المؤمنين، قوله تعالي في سورة النور، الآية (37): - (لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) -. ولا ننسي فتواه لمن لا يجد الماء بقوله له: لا تصل، وأنه قد عمل ذلك، رغم النص القرآني: - (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) - [186] . [ صفحه 159] تناقضه بالنقل والعمل:وتناقضه في نص الآية: - (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) - [187] . روي عمر عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه قال (صلي الله عليه وآله): " إن الله أنزل كتابا وافترض فرائض، فلا تنقصوها، وحد حدودا فلا تغيروها، وحرم محارم فلا تقربوها، وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا، كانت رحمة من الله فاقبلوها، إن أصحاب الرأي أعداء السنن تفلتت منهم أن يعوها وأعيتهم أن يحفظوها فسئلوا فاستحيوا أن يقولوا لا نعلم، فعارضوا السنن برأيهم، فإياكم وإياهم، فإن الحلال بين والحرام بين كالمرتع حول الحمي أو شك أن يواقعه الأوان، لكل ملك حمي وحمي الله في أرضه محارمه " [188] . تري أيها القارئ أن أعمال الخليفة الأول وعمر منذ السقيفة كلها خلاف النصوص والسنن، بين غصب وتبديل للنصوص والسنن، وأشدها منع تدوين السنة التي أحوج ما تكون لتفسير وشرح مجمل الكتاب، واستعمال الرأي موضع النص والسنة، والكثير منها في جميع ما مر وما يأتي.

استبداده بالرعية

استبداده المطلق بالرعية وصم الأفواه وحجر الأفكار وحبس النفوس ومنع تدوين السنة وإقامة الحد علي من حدث أو روي، وتهديده بإقامة البينة حتي من أي صحابي سمع رسول الله (صلي الله عليه وآله)، حتي من اطمئن به رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقربه وصدقه وآمنه، وفرض آراءه في موضع النص والسنة، وسلب حقوق [ صفحه 160] الصحابة من أي شئ وحجرهم في المدينة، وإعطاء الحكم والولاية بيد غير أهله ممن عرفوا بالسوء والسوابق والموبقات من أعداء رسول الله (صلي الله عليه وآله) السابقين، أمثال أبي سفيان وأولاده، كمعاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، وعدم رعايته في أحكامه النصوص والسنن. فمرة يفتي ويجري الحد بأخبار غير مسندة، كما ناصف عماله لأبيات شعرية أرسلت له دون إقامة دليل أو برهان. وأخري يقيم الحد علي مسلم لشهادة فرد واحد [189] . وأخري لا يقيم الحد حتي بأربعة شهود موثقين في مثل المغيرة بن شعبة الذي سوف يلي ذكره ويرفع مقام المغيرة، وبعدها يشهد للمغيرة في الكعبة بصحة الشهادة، وخوف عذاب الله. وتجسسه بنفسه علي خلاف ما أمر الله: - (ولا تجسسوا) -. بل إحاطة الصحابة في الداخل والخارج بمجموعة من الجواسيس علي نقل كلمة أو حديث، وفي الوقت الذي هو يشرب النبيذ يحد من شرب من نبيذه، وحد ابنه الذي شرب مسكرا غير متعمد، وطلب من واليه أن يحده فحده، وبعدها يرسل عليه ويرسل علي قتب بأمره حتي يمرض، وإذ يدخل عليه يأمر بحده وهومريض [190] . وقد سبق أن حدوه وأخبروا عمر بذلك ولم يكن متعمدا بشربه، فيؤدي هذا الحد إلي موته. [ صفحه 161] وفتاويه المتناقضة المارة الذكر بأسانيدها وهو يقول هكذا أفتينا، وهكذا نقضي، كأنما له حق فوق الكتاب والسنة، كيفما شاء، وكيفما أرتأي، وقد مل القوم وبدا لهم سلب الحرية الفكرية والجسمية، والكلام والمنطق السليم والحجة والدليل، تلك التي خير ما يتنعم به الإنسان العاقل السليم، وذلك الذي فرضه له الإسلام وساوي بين الأفراد بنصوصه إذا عدنا إلي آيات القرآن ومنها سورة الحجرات. واليوم يعلم المربون أن الأب إذا حكم أفراد عائلته بالشدة وزال بينهم المنطق ورأوا أبوهم يسير علي خلاف ما يأمرهم به، ومخالف لعرف البلد ودينه المتبع، فهم رغم كونهم يحسون بالحقيقة يكتمونها خوفا، ويتظاهرون بخلاف الواقع، ويتعودون علي النفاق والمكيدة والكذب والخديعة، ويتدربون علي الرذائل. أهكذا حكم الأمير والسائس للرعية؟ ونراهم يترقبون الفرص للتخلص منه. وسوف نري آراء الصحابة والكتاب في عمر، وأخص إذا علمنا أن قاتله أبو لؤلؤة الذي كان من أسراء الفرس وأصبح مملوكا للمغيرة بن شعبة، ولأنه كان فنانا أجبره المغيرة علي ما لا طاقة له به من العمل علي خلاف الأسري المملوكين أمثاله فتظلم إلي عمر فرد عمر ظليمته وانحاز للمغيرة (صاحبه في السقيفة، والفضل الأول له ولأبي بكر بغصب الخلافة من علي (عليه السلام) وآل بيت الرسالة) وإذ وجد أبو لؤلؤة أن الحاكم (الخليفة) خصمه وهو سبب هذه المظالم والآلام، وخالق الشعوبية والعصبية التي قضي عليها الإسلام، وأنه يحمل النعرة التي جاء الإسلام لمحوها، فهو يصرح بانحيازه وعصبيته للعرب علي كافة الأمم والملل الأخري، ويقول ما حن عجمي علي عربي، وكيف يحن وأنت تفرق بينهما؟ ولا تورث من ولد في بلاد غير عربية، فمن أين جئت بهذه الفتوي؟! هذا عمر الذي قدم أبناء الطلقاء علي الأحرار من المهاجرين والأنصار مطلقا [ صفحه 162] لهم عنان الحرية، ومملكا إياهم الولايات في الشام لمعاوية، ومصر لعمرو بن العاص والعراق للمغيرة. وإليك آراء مجموعة من الرجالات من ملوك وكتاب، أذكر بعضها وأحيل قارئي الكريم إلي كتابنا شرح القصيدة الرائية والآراء في الخليفة الثاني.

الاحتجاجات علي عمر

الصحابة: جاء في كتاب عمر بن الخطاب: إن جماعة من الصحابة خاطبوا أبا بكر حين عهد إلي عمر بالخلافة قائلين: ماذا أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد تري غلظته. الناس: يقول محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في الملل والنحل ص 114 ط مصر: لما أراد أبو بكر في مرض موته تولية عمر بن الخطاب زعق الناس وقالوا: لقد وليت علينا فظا غليظا. سعد بن عبادة: وهو رئيس الخزرج، أولئك الأنصار الذين احتضنوا رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأنقذوه من مشركي قريش. قال سعد سيد الأنصار: والله ما جاورني أحد هو أبغض إلي جوارا منك، وهو يخاطب عمر، تجده في نهج البلاغة ج 2 ص 4. طلحة: وهذا طلحة بن عبد الله التميمي ابن عم أبي بكر، وهو أحد العشرة المبشرة، وواحد من أعضاء الشوري العمرية، وهو يخاطب عمر عندما أراد أن يتكلم قائلا لعمر يوم الشوري: " قل فإنك لا تقول من الخير شيئا ". تجده في شرح نهج البلاغة ج 1 ص 62. ابن المغيرة: أحد الصحابة المعروفين يشهد بجور عمر وحق علي (عليه السلام) الذي نزعه عمر وحزبه بمؤامرتهم حقه، وهو أبو عمر حفص بن المغيرة، يقول: " والله [ صفحه 163] ما أعذرت يا عمر، ولقد نزعت فتي ولاه رسول الله، أأغمدت سيفا سله رسول الله، ووضعت أمرا رفعه رسول الله، وقطعت رحما، وحسدت بني العم ". راجع كتاب بين يدي عمر ص 75، وحياة الصحابة ج 2 ص 231. وأين هذا من شعر حافظ إبراهيم الجاهل المنافق؟! أبو عبيدة الجراح: وهو صاحب أبي بكر وعمر في نادي الخمرة وفي السقيفة، وعضدهم الأيمن والثالث المتآمر علي غصب الخلافة العلوية، وهو أقرب الأقربين إلي عمر بعد أبي بكر، وهو يخاطب عمر قائلا: " دنست أصحاب رسول الله ". تجده في كتاب عمر بن الخطاب ص 118. عمرو بن العاص: وهو عامل عمر في مصر يلعن الزمان الذي أصبح فيه واليا له بقوله: " لعن الله زمانا صرت عاملا فيه لعمر ". تجده في شرح نهج البلاغة ج 1 ص 58، وصوت العدالة الإنسانية ج 4 ط بيروت عام 1958 م. المغيرة بن شعبة: عامل عمر في البصرة أولا وبعده في الكوفة، وهو البادي بتحريض أبي بكر وعمر وأبو عبيدة الجراح علي غصب الخلافة، ومؤيدهم في الرأي، ذلك الفاجر الزاني الذي بمحاباة عمر له لم يقم عليه حد الزنا (وقد ثبت عند عمر نفسه عمله مع الزانية أم جميل عندما خاطبه عمر في الكعبة وقد شاهد أم جميل هناك عن كثب، المغيرة الذي كان معه): أخشي أن تنزل عليه صاعقة تحرقه. إذ حكم لأجله بغير ما حكم الله ورسوله، إذ قد برأ الفاسق وأدان الشهود من الصحابة، وأقام عليهم الحد بحد الافتراء والقذف ورفع المغيرة إلي ولاية الكوفة. هذا هو المغيرة نفسه يشهد علي صاحبه. قال المغيرة لعمر: " فيك غلظة ونحن نهابك وما نقدر أن نردك عن خلق من [ صفحه 164] أخلاقك ". تجده في العقد الفريد ط مصر 1316. عيينة بن حصن: وهو من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله) يخاطب عمر قائلا: " هيه يا بن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل ". تجده في المستظرف ج 1 ط مصر والفتوحات الإسلامية ج 2 ص 455، وحياة الصحابة ج 2 ص 598. سعد بن عامر: قال: " ألا فشر أيامي أيام عمر ". تجده في الفتوحات الإسلامية ج 2 ص 418. الشعبي: قال الشعبي بعد أن ضيق عمر علي قريش والمسلمين الخناق وحبس الصحابة ومنع الحرية الفكرية والكلامية والحديث وتدوينه، وتدوين السنة، وأي قول فيه تنبؤ أو شئ آخر، ومنع الصحابة المقربين من الخروج، وجعل عليهم العيون والجواسيس في المدينة وخارجها، وضيق عليهم، ولقد كان قتله بيد أبي لؤلؤة فرجا بينا لهم جميعا، فقد ضاق بهم رغم الفتوحات وتغيير الوضع الاقتصادي الذي كان له الأثر المهم لبقاء عمر علي السلطة، وإشغال المسلمين عنه، وإلا لأطاحت قريش وبقية المسلمين بحكمه، وهاك ما قاله الشعبي: " ما قتل عمر بن الخطاب حتي ملته قريش واستطالت خلافته ". تجده في شرح نهج البلاغة ج 1 ص 68. هذا قول الشعبي رغم ما درت علي المدينة وعلي المسلمين في عهده من الأموال الغزيرة، من غنائم الحروب، تلك الحروب التي لو كانت بيد راعيها من ذوي الحكمة والعلم والكفاءة، لدرت علي المسلمين عدي الأموال، كنوز العلم والمعرفة التي ما عرفوا استغلالها لعدم كفاية خليفتها. بل لكانت البلاد الإسلامية، وأينما حلوا بسبب المستوي العلمي والجامعات [ صفحه 165] والعلوم والآداب والإدارة، خير وسيلة لإشادة أعظم حضارة، وتعميم المعارف الإسلامية خير ضامن لإدامتها، وربط هذه بتلك وتكوين حكومة عالمية أساسها الإيمان والعلم والحكمة والعدالة والمساواة. بيد يا للأسف والخليفة لا يهمه المقام العلمي والعلماء ونشر المعرفة، ولا يعرف إلا كلمة واحدة: عندنا القرآن فأحرقوا الكتب وأهدموا بنيان الحضارات، حتي قضي عليها باسم (الإسلام)، وهو بالوقت يهدم أعظم ركن للمسلمين بمنع تدوين الحديث والسنة النبوية، فخزن الحكمة والعلم الإسلامي ومنبع الخيرات، وبذلك أطاح بالكل. وويل لمن اعترض أو نبس بكلمة من درته، وهل اكتفي بذلك في حياته؟ لا أبدا، لقد سلمها إلي أعداء الإسلام وألد أعداء الإنسانية أولئك الأمويون الذين حاربوا الإسلام قبل وبعد البعثة، وقبل وفاة الرسول (صلي الله عليه وآله) وبعد وفاته. فتبا لهم والله لهم بالمرصاد والظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين. عبد الملك بن مروان: هذا الأموي الصميم ابن مروان بن الحكم الملعونين علي لسان رسول الله (صلي الله عليه وآله) أعداء الإسلام، وأخص محمد (صلي الله عليه وآله) وآله، ذلك الذي أشاد حكمهم عمر بن الخطاب بإرجاع الخلافة إلي عثمان الأموي وهو متعمد وعالم أنها دالت لهم كما تنبأ بها [191] . هذا عبد الملك يقول: " يا معشر قريش وليكم عمر بن الخطاب فكان فظا غليظا مضيقا عليكم ". تجده في مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 92 ط مصر 1303. [ صفحه 166] الزهري: قال الزهري [192] " كان عمر شديدا علي قريش ". ابن قتيبة: قال ابن قتيبة: " كان عمر رجلا شديدا قد ضيق علي قريش أنفاسها " [193] . العقاد: أحد كتاب العصر الحديث النابغين المحققين، وقد ثبت في هذا العصر بالضبط الأثر السئ الذي يتركه الادمان علي الكحول أخص علي السلوك والأخلاق، وأخص إن كان فيه استعداد فطري، وقد ظل عمر معاقر الخمرة، وبعدها شرب النبيذ الشديد حتي آخر سويعات حياته بعد الطعنة التي مات بها، كما مر. قال العقاد: " عمر الحاد الشديد يحاذر من بوادر أبي بكر، كان في الجاهلية كما قال صاحب خمر يشربها، ويحبها وهي موبقة لا تؤمن حتي علي الأقوياء إذا أدمنوها ". عبقرية عمر ص 10 و 14. عمر نفسه: تري عمر، هذا الذي تتغلب عليه الشدة، وكأنها إحدي غرائزه، فهو يقسو علي الكبير والصغير، الرجل والمرأة والشريف والوضيع، لا يهمه نص ولا سنة، ولا منطق، يقف أحيانا مبهوتا متلكئا مختارا يخاطب نفسه وكثيرا ما راعه الحكم الفصل الذي يقضي به علي (عليه السلام) سيد الأمة وإمامها بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) فيقول: " لولا علي لهلك عمر " و " عجزت النساء أن يلدن مثلك يا علي "، " لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن ". وأمثال هذه، وإذا به أحيانا يقر بجهل، وإن كان الإقرار بالجهل فضيلة، علي شرط أن يرتدع المقر وينصاع إلي الحق ويوليه أهله. [ صفحه 167] بيد لا نراه أبدا ينصاع ولا يرعوي بل يشتد ويتعمد ويسير علي خطة العداء لآل محمد (صلي الله عليه وآله) والتقرب من أعدائهم، وإذا به يؤسس أساس نقل الحكم نهائيا إلي فئة هم ألد خصومة للإسلام، لا نري أشد منهم، وهو بالوقت يتنبأ لهم بالملك ويشيد لهم. ومن الغريب أن عمر بدأ في الدور الثاني من حياته إلي الاستبداد ومد يده إلي أعظم أصول الشريعة وأجل أحكامها ونصوصها كمن يريد أن يبدل الكتاب والسنة ويأتي بنصوص غيرها، وهو يجرب في كل مرة هل هناك أمام هذا الطغيان العمري والشدة التي يمارسها من أحد ينبس ببنت شفة. وهو وصاحبه بدءا عملا مبدئيا وكأنهما كانا يقصدان غاية، وهو منع تدوين الحديث والسنة باسم أن الأمة مشغولة بالحرب، وأن الكتاب فيه ما يكفينا. بينما الصحابة أجمعت علي وجوب تدوين السنة التي هي من أشد الضرورات لفهم الكتاب. بيد نري القدر لم يمهل أبا بكر سوي سنتين، والمعلوم أنهما أي أبا بكر وعمر انتهجا واتفقا علي مسيرة وهدف واحد. فتقريب أبو بكر لآل أمية وأعداء الإسلام لم يزحزحه عمر، وسار عمر مدة علي نفس مسيرة أبي بكر هذا في الدور الأول من خلافته، بيد نراه بعدها طغي واشتد استبدادا، ونراه كلما ارتأي ذلك لم يجد معارضا، أخص والحروب علي أشدها والقواد في قبضته، فلا نري من نابس، حتي ظهرت بوادر جديدة هي أشد بعد منع تدوين السنة، نعم هي منع النصوص وما كان جاريا في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) بدون دليل وبرهان بل إقراره واعترافه الصريح بأنه كان علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) حلالا، وأنه يحرمها وأنه يعاقب علي من قال بحليتها أو أتي بها. وهذا الذي بدأ به وجد فيه في الدور الثاني وظل يتلاعب بالنصوص الواحدة [ صفحه 168] تلو الأخري حتي تلاعب بأربعين نص في الكتاب، ويعلم الله لو بقي حيا ما دالت إليه دولة الإسلام. هذا وبالتالي يترك علي الحكم بعده من هو أشقي من كان يمكن أن يخلف عدوا لدودا لهذا الدين بعد أن أضعف أعوان الحق والحقيقة والشرع والشريعة من آل محمد (صلي الله عليه وآله) وأنصارهم. فقدمها لعثمان شيخ بني أمية معترفا أنه سيهضم حق الأمة بتقريب بني أمية، ويستبد بها. وإذا بعثمان يستبد ويقسو علي أي معترض من خيار الصحابة، أمثال أبو ذر وعمار بن ياسر وغيرهما. وتأتي دولة الأمويين فتري فيها الفتك الذريع قتلا وتشريدا وهدما وسلبا حتي إباحة مدينة رسول الله (صلي الله عليه وآله) واستعباد أهلها أرقاء، وهدم البيت الحرام، وضرب الكعبة قبلة المسلمين. تلك عواقب وأهداف عمر وقد تنبأ بها فتحققت. والآن أقدم للقارئ الكريم ذكر بعض النصوص التي مد يده إليها مانعا لها أو مغيرا إياها، وأحيل القارئ إن شاء أن يتوسع بالمطالعة والوقوف علي الأسانيد كالنص والاجتهاد للعلامة السيد شرف الدين، والجزء السادس من الغدير للعلامة المحقق الشيخ عبد الحسين الأميني. عمر يخالف رأيه نفسه: قال عمر: " من ولي من أمر المسلمين شيئا فولي رجلا وهو يجد من هو أصلح منه للمسلمين فقد خان الله ورسوله ". وقال عمر أيضا: " من ولي من أمر المسلمين شيئا فولي رجلا لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين " [194] . [ صفحه 169] وتري عمر يحابي النصاري العرب ويبدل الجزية بالصدقة مثل المسلمين. وارجع إلي ولاته مثل معاوية وخليفته عثمان لتري أقواله وأعماله وشعوبيته.

شهادة معاوية عليه و علي أبي بكر

ذكرها المسعودي في مروج الذهب وكثير من أصحاب السير. والآن أسوق للمتتبع النابه رسالة من ألد أعداء محمد (صلي الله عليه وآله) وآل بيته، وأقرب أتباع أبي بكر وعمر اللذان شادا ملكه وملك آل أمية من بعده بغضا وعنادا وحسدا لمحمد (صلي الله عليه وآله) وآل محمد الذين لم يجدوا لهم السعة واللياقة الجسمية والعقلية المادية والمعنوية لإشباع مطامعهم، لأن البون شاسع وقد جربهم محمد (صلي الله عليه وآله) في حروبه وكروبه، في سفره وحضره، وفي كل شئ، فلم يجد لهم اللياقة الدينية والأدبية حتي لإلقاء سورة البراءة ولا قيادة سرية، ولا السماح لأحدهم في حياته ليكون إماما في صلاة جماعة، هؤلاء الذين وقفوا علي نصوص الكتاب وأوامره بالولاية لعلي (عليه السلام) ووصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) وعترته. هؤلاء حاولوا بشتي الوسائل من طمر هذه الحقائق وتزييفها ووضع ودس أحاديث وروايات مختلقة ترفع من مقامهم الوضيع وسابقتهم الملوثة، وبالعكس تحط من شامخ مقام الرسالة والوصاية والعترة الطاهرة المطهرة أهل الكساء. وكيف يمكن إخفاء نور الشمس الساطعة، وتدنيس البحر المواج؟! وبالغوا بذلك كل المبالغة، وما دعاهم لمنع تدوين الحديث والسنة وترك الكتاب علي مجمله إلا نكاية بمحمد (صلي الله عليه وآله) وآله وتهيئة الوسائل لبلوغ مآرب دنيئة لتلويث الحق المغصوب، وإظهار الباطل الغاصب ليرفع مزركش مموه. ولكن الله يأبي إلا أن يتم نوره ويظهر الحق علي لسانهم تارة وأخري علي [ صفحه 170] لسان أتباعهم، أمثال معاوية بن أبي سفيان، ذلك الملحد الكافر السفاك هو وآله بآل بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وصحابته البررة. وهاك اعترافه الواضح وإقراره الصريح بالحقيقة الناصعة وتهديم كل صروح الظلم، وتمزيق براقع التمويه والتدليس التي أرادوا نفاقا إخفائها عن الأمة الإسلامية. وإذا سألتني: وما هي؟ فأقول: إن محمد بن أبي بكر ربيب علي (عليه السلام) أبو العترة الطاهرة وقد وقف علي مظالم أبيه وحق علي وذريته المغصوب ووقوف معاوية المعادي لعلي (عليه السلام)، بعث برسالة إلي معاوية موبخا عاتبا ناصحا له علي مخالفته لعلي (عليه السلام) فيجيبه معاوية علي رسالته وبها يميط النقاب، ولا يدع مجالا للشك، وشاء الله أن يظهر الفضل علي لسان أعدائه، والفضل ما شهدت به الأعداء. جواب معاوية لمحمد بن أبي بكر [195] . أما بعد فقد أتاني كتابك، حتي وصل إلي قوله: " ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب وقديم سوابقه، وقرابته من رسول الله، ونصرته له، ومواساته إياه في كل هول وخوف ". إلي أن قال: " فقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا نعرف حق ابن أبي طالب لازما لنا وفضله مبرزا علينا، فلما أختار الله نبيه ما عنده وأتم له ما وعده، وأظهر دعوته، وأفلج حجته، وقبضه الله إليه كان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه، وخالفه علي أمره، علي ذلك اتفقا واتسقا، ثم إنهما دعواه إلي بيعتهما فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم، ثم إنه بايعهما، وسلم لهما وأقاما [ صفحه 171] لا يشركانه في أمرهما، ولا يطلعانه علي سرهما، حتي قبضهما الله ". إلي أن قال: " فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله، وإن يكن جورا فأبوك رأسه، ونحن شركاؤه، بهديه أخذنا، وبفعله اقتدينا، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب وسلمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فاحتذينا مثاله، واقتدينا بفعاله فعب أباك بما بدا لك أو دع ". فاعتبروا يا أولي الألباب. الشوري بنظر معاوية: حديث لمعاوية مع ابن حصين الذي أوفده زياد لمقابلته: معاوية: بلغني أن عندك ذهنا وعقلا فأخبرني عن شئ أسألك عنه. ابن حصين: أنا عند سؤالك. معاوية: أخبرني عما شتت الأمة الإسلامية وألقي الخلاف بينهم؟ ابن حصين: قتل عثمان. معاوية: ما صنعت شيئا. ابن حصين: مسير علي إليك وقتاله إياك. معاوية: ما صنعت شيئا. ابن حصين: قتال علي لطلحة والزبير وعائشة. معاوية: ما صنعت شيئا. ابن حصين: ليس عندي سوي هذا. معاوية: الحقيقة لم يفرق كلمة المسلمين ويشتت شملهم سوي الشوري التي خصها عمر في الستة. لأن الله بعث محمدا بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون. [ صفحه 172] واستمر قائلا: واستخلف أبو بكر عمر فعمل بمثل سيرته ثم جعلها شوري بين ستة، فلم يكن رجل منهم إلا رجاها لنفسه ورجاها له قومه وتطلعت إلي ذلك نفسه، فلو أن عمراستخلف عليهم كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك اختلاف [196] . ولم تخف عن عمر أي فتنة أشعلت منذ السقيفة، وإذ لم يجد هو وأبو بكر في أهله وعشيرته من يستطيع أن يقوم بمثل ما قاما به من إدامة تلك الجريمة بغضا وحسدا لعلي (عليه السلام) وآله الذي طالما كان بفضله وكرامته ووصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) به حجر عثرة دونهما وبعدهما إن عاد له الأمر فسوف يقضي علي سيرتهما الباطلة ويعيدها سنة محمدية خالصة ويفضح بذلك أفعالهم وأهدافهم. لهذا نري أبو بكر وعمر رفعا شأن ألد خصوم علي (عليه السلام) وحركوا عليه أفراد من أعوانه أمثال الزبير الذي أدخله في الشوري فرأي نفسه وعدها هو وطلحة وسعدا وعبد الرحمن بن عوف وعثمان هؤلاء الذين رفع شأنهم عمر لدرجة حتي ساواهم بعلي (عليه السلام). وبالوقت يعرف أنها تدول إلي بني أمية لما وثق من الروابط بينه وبين عثمان ومعاوية الذي سماه كسري العرب وقلده ولاية الشام وأقامه فيها مدة خلافته لا يصغي لقول صارخ أو مستغيث من الصحابة والمسلمين بأعمال معاوية وهو بين الفينة والفينة يستدعيه ويسره ويبقيه ويحكم أوامره ويهدد به يوم الشوري عليا (عليه السلام) وبنو هاشم، وكل من تتوق نفسه ليخالف عثمان أو يناقشه. وقد أيده بعبد الرحمن بن عوف صهره وسعد بن أبي وقاص صهر صهره، أولئك الذين اتفقوا علي انتخابهم عثمان الأموي طمعا بولاية أو خلافة بعده. [ صفحه 173] ولقد كان عمر أبعد منهم نظرا، فعثمان يقدم الفاجر اللعين من آل أمية علي أعظم صحابي بل علي إمام المتقين علي (عليه السلام). وهذا عثمان يقيس مروان بن الحكم اللعين ابن اللعين علي لسان رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويساويه بعلي المرتضي (عليه السلام). وقد أثبت عمر بعد نظره حينما قال لعثمان وهو يقلده الأمر: وكأني بك وقد قلدتك قريش الخلافة وإذا بك تقرب أبناء عمومتك وعصبتك، وتوليهم رقاب الناس وتقسم بينهم أموال الفيئ، فيثور عليك ذؤبان العرب ويقتلوك. وهو يعلم أن معاوية بالمرصاد، فقد سماه كسري العرب، وأنه استمال من يجب أن يستميل بالمال الذي كدسه من أموال المسلمين في عهد عمر وعثمان. وأثبت عمر تنبؤه في معاوية أيضا وانتقلت له بما استباح من أموال المسلمين ونفوسهم واستهتر بالمقدسات، وأيد قوله برسالته التي أرسلها لمحمد بن أبي بكر أنه سار علي طريق أبي بكر وعمر وسيرتهما. كلمات لعبد الفتاح عبد المقصود [197] . انقل هنا كلمات قالها الكاتب الشهير المتضلع عبد الفتاح عبد المقصود في موسوعته الإمام علي (عليه السلام) في الجزء الأول ص 303، قالها في الشوري العمرية. قوله: " والحق لقد كانت الشوري العمرية ضربا جديدا من العهود لا إلي الشوري ولا إلي الوصية، ولم يكن لها مثيل قبلها في الإسلام ". وبعد فاصل قال: " لولا أنه سلب الشعب حق الانتخاب ونحله نفر ستة ". ويستمر بعد فاصل: " ولكن ابن الخطاب رأي رأيا وأبرمه وانتهج بهذا نهج [ صفحه 174] صاحبه أبي بكر، فكلا الرجلين قد آثرا أن يحول بين شعبه وبين مزاولته حق انتخاب واليه، أبي إلا أن يفرض متفردا علي الناس رأيه ". ويعود الكاتب بعد حديث قائلا: " ما كان عمر بالرجل الذي يعمل عفوا دون أن يهدف إلي غاية ". وبعد حين قال: " وإن عمر الذي تعودنا أن نري له العذر ظاهرا فيما صدر عنه من أمور تحسب عليه لا نستطيع ها هنا أن نلتمس له عذرا ". وقد تحدث الأستاذ عن النفر الستة، فقال عن طلحة: " كان جديرا بأن يري في أولاها طلحة متمردا علي الخمسة الباقين ". ويستمر بقوله: " فقد غضب الحالم الطامع وثار بابن عمه (يعني ثورة طلحة بابن عمه أبي بكر الخليفة الأول حينما عهد إلي عمر في مرض موته) قائلا: ما أنت قائل لربك غدا وقد وليت علينا فظا غليظا تفرق منه النفوس وتنفض عنه القلوب ". ونحن نعرف طلحة كان يطمع في عهد ابن عمه أبي بكر. واستمر الكاتب بقوله: " جاءت وصيته (يعني عمر) إن لم نقل سبقت نيته! ولغير الصالح العام، وعلي غير العدل المشهور عن عمر، الموسوم به طبعه قام أس الاستخلاف ". وقال الكاتب: " فإن عمر بن الخطاب إذ قرنهم في الشوري بعلي (عليه السلام) قد ولد في نفوسهم نوعا من الشعور جعلها به ترتفع في أعينهم إلي ما فوق القدر الذي عرفوه لها من قبل ". والحق ذلك فسعد مع أنه برهن علي جنديته بيد أنه برهن أيضا علي عدم قدرته الإدارية للأمة حينما عجز عن إدارة جزء من رقعة الإمبراطورية حتي عزله مرة عمر وعزله أخري خلفه. [ صفحه 175] وأما طلحة الطامع، والطامع ليس دليلا علي قدرته لإدارة الأمة وعلي الأخص وقد صرح بذلك ابن عمه أبو بكر قائلا له: " أما والله لو وليتك لجعلت أنفك في قفاك ولرفعت نفسك فوق قدرها حتي يكون الله هو الذي يضعها ". وأما الزبير ابن عمة رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقال فيه عمر قبيل موته وقبيل الشوري: " أما أنت يا زبير فوعق تعس مؤمن الرضا كافر الغضب ولعلها لو أفضت إليك (يعني الخلافة) ظللت يومك تلاطم بالبطحاء علي مد من شعير ". وأما عثمان فقد قال له عمر قبيل الشوري: " كأني بك قد قلدتك قريش [198] هذا الأمر لحبها إياك فحملت بني أمية وبني أبي معيط علي رقاب الناس وآثرتهم بالفئ فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك علي فراشك ذبحا ". وإليك وصف عمر لعبد الرحمن بن عوف، قال: " لو وزن نصف إيمان المسلمين بإيمانك لرجح إيمانك به ولكن فيك ضعفا ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك ". وأما كلمته في علي (عليه السلام) وقد كررها بقوله: إنه لو وليها لأقامهم علي الحق، ويقول علي المحجة البيضاء والصراط المستقيم، حتي قال له ابنه عبد الله فما يمنعك أن توليها إياه؟ فأجاب: لا أريد أن أتحملها حيا وميتا. وبعد هذا يا عمر قد عرفت الحق وعرفت القوم وحقائقهم وتفرست وأيقنت أنها تعود لعثمان وتنبأت بعاقبة أمره فأنت مع علمك وإصرارك قدمتها لبني أمية لقمة سائغة، وألقيت الفتن في الإسلام ومهدت الطريق لحكومة الظلم والتعسف [199] . [ صفحه 176] وبعدها التفرقة والشقاق، وبعدها الضعف والخذلان والبغضاء، وأنت الذي أحييت من جديد العصبيات الجاهلية والنعرات القومية، بعد أن قضي عليها الإسلام [200] ومحاها الإيمان. نعود لنذكر أيضا كلمات الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود، قال غفر الله له في الجزء الأول ص 292: " ولكنا نري عهد الخليفة الطعين باديا في صورة من الامعان في تأليب قوي العصبية كلها ضد ابن أبي طالب. فلقد ضمت الشوري أيضا سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وكلا الرجلين من زهرة ولكليهما نسب موصول ببني أمية، أتي الأول من ناحية أمة حمنة بنت سفيان، وأتي الثاني من ناحية زوجه أم كلثوم بنت عقبة أخت عثمان. فإذا علمنا هذا فماذا بقي بعده يدع لعلي (عليه السلام) فرصة واحدة للفوز؟ وأي بطن من قريش ينصف قضيته وقريش كلها خصومه وقضاته في آن واحد! وكذلك كانت وصية عمر بالشوري توحي إلي الرجل المغلوب كما يوحي عهد مكتوب. وخرج أصحاب الشوري من لدن الشيخ الجريح بوجوه غير التي دخلوا بها عليه، في قلوبهم ألوان تباينت من المشاعر، وفي نفوسهم أهواء شتي تصخب وتتلاطم، وكل له هم سوي هم أخيه. وكان الناس عند الباب في جموع تنتظم الكبير والصغير قد تدافعوا ينظرون الرجل الذي ظنوا أن انعقد له اللواء، ولكن الأمر بدا كأن لم ينضج، وتعلقت آلاف العيون المتعلقة إلي ذلك الربعة الضخم وهو يسير إليهم كما ينحدر السيل، وبدا لهم [ صفحه 177] وجهه الأسمر النبيل، وقد انحسر ما كان من شعر يتوجه في الماضي عن جبهة يتحدث في سعتها الذكاء، ونطقت عيناه ببسمة حنان يغشاها أسي وشاه الاستحياء، وهفت القلوب إليه، ولكن هيئته أوحت لهم باصطناع السكون وكبت ما يضمرونه من حب مكنون. ولكنهم انطلقوا نحوه مشكوفي العواطف تحت نقاب النظرات الرقيقة، فأولئك العامة كانت نفوسهم أصفي من أن تعرف المراعاة، وأنقي من صفحة مرآة، لم تفسدها الأغراض ولم تشبها، بل كانت إن كرهت فلله، وإن أحبت فلله. تكأكأت عليه الجموع، وكلها مستضعف وزاهد وفقير، ولئن تباينوا بين عبد وحر إلا أنهم في الحرمان كانوا سواء، هذا لا يملك ما يملأ معدته، وذاك لا يملك أن يفك رقبته، وإنما ألفت بين قلوبهم عاطفة الإكبار والاخلاص لابن عم الرجل الذي جعلهم ناموسه في صف واحد مع أعلي الناس. ولم تكن العاطفة وحدها هي التي ألفت قلوب الشعب علي هذا الرجل الضخم الأصلع القصير، لقد أحبوه حقا بحبهم رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وقربوه إلي نفوسهم لقربه منه. ولكن سجايا له ظهرت هذه العاطفة في قلوبهم ومكنت لها، وخصالا رفعته في أعينهم كما رفعت ابن عمه الكريم، ولما يهبط عليه وحي السماء. وإن الكثيرين منهم ليذكرون عليا (عليه السلام) من مهده، فلا يستطيعون إلا إكباره في كل مراحل حياته، ويحصون المحامد في الناس مجتمعين، ولا يسعهم إلا جمعها له منفردا، ثم تبقي له بعد هذا، صفة واحدة جديرة بأن توليهم عطفهم الخالص، هي أنه مظلوم بأنداده، محروم من تراثه الذي كان له أهلا منذ أكثر من عشرة أعوام، وكفي بهذا الحرمان صفة تؤلف حوله قلوب أولئك الذين ذاقوا في حياتهم مر الحرمان ". [ صفحه 178] أقول: كيف نطق الرجل حقا وصدقا، وكيف أن الأمة بقلوبها تهفو لعلي (عليه السلام) وتضمر له الولاء سوي عصبة كادت لعلي (عليه السلام) وآل بيت الرسول (صلي الله عليه وآله)، كادت للأمة الإسلامية أن يقودها غير قائدها، ويسوسها غير سائسها، وتزل عن طريق الصواب إلي الهوة السحيقة، وقدر لها أن تتمزق شر ممزق، وتعود القهقري وتنشب فيها الحروب والفتن، وتملأ نفوسها الأحقاد والضغائن والإحن، ويبقي الظلم سائدا والإجحاف صامدا، يسود الغادر ويهاب الفاجر ويقهر صاحب ألحق المبين وينزوي التقي الأمين، مكرها صابرا ومناضلا ناحرا، ما فتئ للصواب رائدا، وللمؤمنين قدوة وقائدا. قارئي الكريم! أن أمامنا طريقين: أما نفكر في دين وإسلام، ونرعي أوامر الله ونواهيه التي أوردها في كتابه الكريم وننتهج سبل الحق وسنن رسول الله (صلي الله عليه وآله) ونتبع المنطق السليم، ونجعل العقل مرشدا والوجدان حكما، فلا مناص إلا أن نتخذ عليا (عليه السلام) إماما وعلما وخليفة حق بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ونتقبل ما ورد فيه وفي عترته، نعترف بهم كقادة حق، وأنهم أحرص علي بيضة الإسلام وسنة جدهم (صلي الله عليه وآله)، الذي أشاد بذكرهم، وأمر بطاعتهم ونهي عن مخالفتهم، وإذا تحقق لنا ذلك وقد تحقق عقلا ونقلا مسندا بإجماع السنة والشيعة، عدا النواصب، بأفضليتهم علي من سواهم، كما تحقق لنا عقلا ونقلا أن حقهم قد اغتصب وأنهم ظلموا وأن الأمة تشتتت وانحرفت من صراطها السوي، ولدينا الزمن والتاريخ خير شاهد، وليس بإمكاننا بعد معرفة الحق أن نحيد عنه، ولا يجوز لنا أن نتقبل الظالم والمظلوم، والمتجاوز والمكلوم، والكاذب والصادق، والمؤمن والمنافق، ولا نفرق بين الجاهل والعالم، والجبان والباسل، والسابق في الإسلام والطليق، والأصيل واللصيق، ويل للظالمين كيف يحكمون! والويل لهم إذ يحاكمون. فإن فعلنا ذلك فلا نزال في غينا وتعصبنا الأعمي، وجهلنا المطبق، كيف نقبل [ صفحه 179] فردا خالف الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وتجاوز علي الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وأوليائه، وحادد الله في رسوله وعترته، وقتل وغصب وسلب ونهب وأسس أساس الظلم والجور والفسق والنفاق، وهيأ سبيل الغي والشقاق، وبعدها أعان الظالم ومهدت له سبل التعسف والتجاوز، وخذل ذا الحق المظلوم، وقضي علي أعوانه، واستحل حرمته في نفسه وماله وأعوانه. وبعد هذا تأخذنا فيه العصبية الجاهلية! فأين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وأين العدالة والمروءة؟ وكيف نرجو أن تسود الأخوة والمحبة التي جاء بها الإسلام؟ وكيف نطلب المساواة التي أمر بها بين كافة الأمة الإسلامية؟ نعم إن التاريخ شاهد، والحوادث فيها هي العبر، ولدينا الموازين لقياس الأفضل، ونعرف الشخص بقرينة وأعماله وأقواله ونتائج ما جاء به، وأعوانه وأصحابه أولئك الذين رباهم، وأولئك الذين أقصاهم، وعندها نضع الموازين القسط ونحكم بالعدل، قال الله تعالي في سورة الأنبياء، الآية (47): - (ونضع الموازين القسط) -. وقال عز وجل في سورة الزلزلة، الآيتان (7 و 8): - (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره - ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) -.

مخالفاته نصوص الكتاب والسنن النبوية

وإن عمله يخالف أوامر الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) في مجموعة من النصوص والسنن: قال تعالي في سورة البقرة، الآية (229): - (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) -. وقال عز وجل في سورة المائدة، الآية (44): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) -. [ صفحه 180] وقال في سورة المائدة، الآية (45): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) -. وقال أيضا في سورة المائدة، الآية (47): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) -. وحيث إن المخالفة عصيان لله ولرسوله (صلي الله عليه وآله) فتشملها الآية (14) من سورة النساء، قوله تعالي: - (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) -. وكل مخالفة لنص القرآن وسنن رسول الله (صلي الله عليه وآله) إنما هو أذي لله وللرسول (صلي الله عليه وآله) حيث قال الله عز من قائل في سورة الأحزاب، الآية (57): - (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) -. وكل مخالفة لوصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) إنما هي مخالفة لله وتعدي حدوده، لأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) إنما ينطق ويوصي ما أوحاه له الله، فقد قال تعالي عن رسوله (صلي الله عليه وآله) في سورة النجم، الآيتان (3 و 4): - (وما ينطق عن الهوي - إن هو إلا وحي يوحي) -. لذا أمر سبحانه وتعالي الناس بقوله جل وعلا في سورة الحشر، الآية (7): - (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) -. وقال تعالي في سورة الأحزاب، الآية (36): - (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) -. كل تلك وكثير غيرها تصد أي فرد من المسلمين مهما بلغ وأني بلغ أن يجتهد في مورد النص، أو يرتأي خلاف ذلك، سواء بدليل يرتأيه أو بدون دليل، ومن خالفها فهو مخالف، ومتعد حدود الله وأوامره، وكافر، وخالد في العذاب، ومهان في الدنيا والآخرة. [ صفحه 181] وتلك هي المقاييس الشرعية التي علي أسسها يحاكم الله الأفراد أمام محكمة عدالته يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم التي ينطقها الله، أخص أولئك الذين يعترفون ويقرون أمام المسلمين فيقولون عمدا وجهارا وإصرارا علي نقض البيعة، ونقض النصوص ونقض الوصايا، وهاك مثالا لإحداها: 1 - فنقض البيعة والعهود تلك التي قام بها أبو بكر وعمر في غدير خم وبايعا عليا (عليه السلام) بالولاية وقالا له: بخ بخ لك يا بن أبي طالب لقد أصبحت مولانا ومولي كل مؤمن ومؤمنة، وبايعاه والمسلمون جميعا، وشهد علي ذلك جبرئيل يوم قال لعمر: لقد نفذت ولا ينقضها إلا منافق وقد قال الله تعالي في سورة النساء، الآية (145): - (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) -. وتلك آية قرآنية، وقد نقضوا البيعة ونكثوها بل انقلبوا علي إمامهم وأجبروه أن يبايعهم عالمين عامدين مصرين ومستمرين بسلب الحقوق والأذايا، كما مر، راجع الجزء الأول والثالث والرابع من موسوعتنا هذه. 2 - نقض الوصايا التي أدلينا بها في مقدمة هذا الكتاب من رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالنسبة لخليفته ووصيه وعترته والمسلمين، فقد نقضوها كلها وأصروا بل خالفوا فيها فهم إذ غصبوا الولاية والخلافة وفدك وغيرها منعوا الزكاة وظلموا فاطمة والعترة والمسلمين وحرموهم ممن عينه لهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) رغما وعمدا واستصغارا، وأبدلوهم بولاة فاسقين منافقين كفرة وفجرة. 3 - وأما مخالفتهم للنصوص، فقد بدأها أبو بكر بالغصب الذي خالف آية الولاية وآية التطهير وآية البلاغ وآية الإكمال، وجميع وصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ومنع السنة التي أمر الله المسلمين باتباعها، ومنعوا التحدث بها وتدوينها ونشرها، ومنعوا وحرفوا الخمس، ومنعوا أن يستفيد منه مستحقوه من آل بيت الرسالة، [ صفحه 182] عمدا وجهارا، وخالف عمر النصوص القرآنية في أربعين موردا [201] . ومنها متعة الحج ومتعة النساء التي سنذكر مجملها هنا، ومفصلها بعد ذلك، أما المجمل فقد صعد عمر المنبر (منبر رسول الله (صلي الله عليه وآله)) وخاطب المسلمين هكذا: " متعتان كانتا علي عهد رسول الله حلالا وأنا محرمهما ومعاقب عليهما ". وهي آية قرآنية واضحة في سورة النساء، الآية (24)، قوله تعالي: - (فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة) -. ونري عمر هنا يقر ويعترف أنها كانت علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) حلالا، وهو يحرمها، ولم يأت بدليل أو برهان لهذا المنع البات، بل أزاد في الطين بلة بقوله: ومعاقب عليهما. فهل هناك من ينكر هذه المخالفة الصريحة الواضحة، والتعدي الفاحش لحدود النص؟ ومن يجادل عنه اليوم، فكيف يجادل عنه يوم القيامة؟! ومن يجادل عنه اليوم، فقد اشترك معه في هذه الجناية العظمي، التي سوف نفصلها، ومن شاء فليراجع كتابنا الرابع من موسوعة المحاكمات فيها موضوع متعة النساء، ومتعة الحج، وشكاية أولاد الزنا، ومخالفة النصوص الأخري. ومنها إكرام الزاني وحد الشهود العدول من الصحابة، وقد ثبت له الأمر [202] وقد خالف النص حيث إن " الناس مسلطون علي أموالهم وأنفسهم ". وهو لا يراعي ذلك في كثير من الموارد، أخص منها مناصفته ولاته أموالهم وإقراره إياهم بمحلهم دون بينة [203] . وراجع مخالفاته للنصوص والسنن في كتابنا الرابع من موسوعة المحاكمات [ صفحه 183] أيضا، المواضيع بأسانيدها. منها مفاضلته في قسمة بيت المال خلاف سنة رسول الله (صلي الله عليه وآله). ومفاضلته بين زوجات رسول الله (صلي الله عليه وآله). وقوله للمجنب الذي لم يجد ماء للوضوء أن لا يصلي، خلاف النص. وتجسسه بنفسه علي البيوت، ودخوله فيها خلاف نصوص القرآن، حيث ورد قوله تعالي في سورة الحجرات، الآية (12): - (ولا تجسسوا) -. وقال سبحانه وتعالي في سورة النور، الآية (27): - (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتي تستأنسوا وتسلموا علي أهلها) -.وقد دخلها تسلقا، وبدون إذن، فهو في أمر واحد خالف نصوصا ثلاثة [204] . ومخالفته في شارب الخمر، وقد مرت في المتناقضات، وسوف تأتي في شكاية ابنه. ومخالفته للسنة في الأذان ومنعه كلمة حي علي خير العمل. فتواه في رجم من ولدت لستة أشهر مفهما إياها دون إقامة البينة بالرجم. تحديده لصداق النساء. ومخالفته جهلا في سنة طواف النساء حين الحيض، ورجمه للمضطرة. أراد إقامة الحد علي رجل وامرأة لحد الزنا دون شهود أربع فيمنعه علي (عليه السلام). أمره بقطع رجل سارق فقطعت يده ورجله خلاف السنة. جلد عمر لرجل لمجرد قوله لآخر: والله ما أري أبي بزان ولا أمي بزانية، ويجلده ثمانين جلدة، في الحين الذي يرد شهود أربعة عدول من الصحابة شهدوا علي المغيرة ويقيم عليهم حد الافتراء وبالوقت يعلي مقامه [205] . [ صفحه 184] ومخالفته النص في الدية [206] . ومخالفته النص في الطلاق [207] . وجلده لصائم بحد الخمرة خلاف النص [208] . ويخالف النص في أكل اللحم، كما جاء في سيرة عمر لابن الجوزي ص 68، وكنز العمال ج 3 ص 111، والفتوحات الإسلامية 2: 424. وجهله للفرائض في كتاب الله وسنة رسوله (صلي الله عليه وآله)، ويقول: والله ما أدري أيكم قوم الله ولا أيكم آخر [209] . ويحد مجنونة زنت. راجع كتابنا الرابع في حد المجنونة. ويأمر برجم حامل. وهتك ونهر وضرب السائلين. ذكرنا عدة منها في كتابنا الرابع للموسوعة مما يخالف النص والسنة. يروي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) باتباع السنة وعدم تحدي الحدود وتجاوزها بقوله عن مجاهد، قال عمر بن الخطاب: إياك والمكاتلة يعني المقايسة، كما جاء في الحديث (1631) عن عمر أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: " إن الله أنزل كتابا وافترض فرائض فلا تنقصوها، وحد حدودا فلا تغيروها، وحرم محارم فلا تقربوها، [ صفحه 185] وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا، كانت رحمة فاقبلوها. إن أصحاب الرأي أعداء السنن تفلتت منهم أن يعوها، وأعيتهم أن يحفظوها فسئلوا فاستحيوا أن يقولوا لا نعلم فعارضوا السنن برأيهم، فإياكم وإياهم، فإن الحلال بين والحرام بين، كالمرتع حول الحمي أوشك أن يواقعه الأوان، لكل ملك حمي وحمي الله في أرضه محارمه " [210] . ونري عمر وهو الراوي قد خالفها كلها بصراحة، والآية (44) من سورة البقرة: - (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) - انطبقت عليه.

الشعوبية

ومن مخالفاته للنص والسنة هي خلقه من جديد الشعوبية والفرق بين العرب وغيرهم، والفرق بين القبائل والأفراد. فقد فرق في الإرث بين المسلمين العرب والعجم علي خلاف كتاب الله وسنة رسوله (صلي الله عليه وآله) [211] . كما فرق في المعاملة، وفرض الضرائب، فقد ورد قوله تعالي في سورة الحجرات الآية (10): - (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) -. وقوله تعالي في سورة الحجرات، الآية (11): - (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن [ صفحه 186] ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) -. وقوله تعالي في سورة الحجرات، الآية (13): - (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) -. واذكر أدناه قسما من خطبة رسول الله (صلي الله عليه وآله) في حجة الوداع قوله: " أيها الناس إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس، ألا هل بلغت، اللهم اشهد، فلا ترجعن بعدي كفارا. فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله، ألا هل بلغت، اللهم اشهد! أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم من آدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي علي عجمي فضل إلا بالتقوي، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد، قالوا: نعم، قال: فليبلغ الشاهد الغائب " [212] . وقال [213] في سلمان الفارسي: سلمان منا أهل البيت، وقال: لو كان العلم في الثريا لتناوله ناس من أبناء فارس [214] . وقال: ليس منا من دعي إلي عصبية. وليس منا من قاتل علي عصبية. وليس منامن مات علي عصبية [215] . [ صفحه 187] وقال (صلي الله عليه وآله) [216] من قاتل تحت راية عمية، يغضب للعصبية أو يدعو إلي عصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتله جاهلية. وبعد هذا فاسمع ما رواه مالك إمام المالكية [217] ، عمن وثقه أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: أبي عمر بن الخطاب أن يورث أحدا من الأعاجم إلا أحدا ولد في العرب، قال مالك: وإن جاءت امرأة حامل من أرض العدو فوضعته في أرض العرب فهو ولدها يرثها إن ماتت، وترثه إن مات ميراثها في كتاب الله! وقد خالف بذلك النصوص القرآنية والسنة النبوية المارة. وجاء عنه (صلي الله عليه وآله) عن الإمام أحمد قوله: " إلا لا فضل لعربي علي عجمي، ولا لعجمي علي عربي، ولا أسود علي أحمر، ولا أحمر علي أسود إلا بالتقوي " [218] . وعن الطبراني: " يا أيها الناس! إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، فليس لعربي علي عجمي فضل، ولا لعجمي علي عربي فضل، ولا لأسود علي أحمر فضل، ولا لأحمر علي أسود فضل إلا بالتقوي ". ونري عمر يبيع أساري العجم، وقد أسلموا، ومنهم أبو لؤلؤة الذي أصبح غلاما للمغيرة. وهذا الفاجر المغيرة بن شعبة يجور عليه ويكلفه علي شغل فوق طاقته حتي يضطر أن يشكوه إلي الخليفة وهو يجهل أن الخليفة العادل سوف يرد شكايته لما يكنه من الولاء إلي المغيرة وبكل صراحة يرد سؤاله. ولا يجد بعدها أبو لؤلؤة سوي الانتقام من الخليفة الذي سبب أسره وبيعه كعبد [ صفحه 188] رغم إسلامه، وبالتالي تكليفه فوق طاقته، رغم أن نفقة العبد علي مولاه، ولكن نجد أن المغيرة عدا أنه لم يتكلف بنفقته يجبره علي تقديم مبلغ يومي له. هذه الشعوبية وهذا الظلم أدي إلي قتله، إذ لم يجد أبو لؤلؤة بدا للتخلص سوي هذا، وإذا بابنه عبيد الله يريد قتل القاتل، وإذ لم يجده يصمم قتل كل فارسي يراه من ذكر وأنثي فيقتل الهرمزان وابنته وشخص ثالث وكلهم مسلمون، فيتركه الخليفة الطعين ويعفيه عثمان بعد موت عمر، ولا يقيمان لا عمر ولا عثمان الحد الشرعي علي القاتل المتعمد عبيد الله بن عمر حينما قتل ثلاثة أفراد مسلمين لمحض أنهم ليسوا عربا [219] . وإن عمر أخذ من نصاري العرب عوض الجزية صدقة محاباة لهم [220] .

شذوذ واستبداد

يضرب ابنه بالدرة حتي يبكيه لأنه لبس ثوبا نضيفا أو جديدا [221] بينما يترك معاوية يلبس الذهب والحرير. ويضرب الجارود العامري سيد ربيعة وأميرها بالدرة بدون ذنب ارتكبه أمام الناس لمحض أن أحدا قال مشيرا إلي الجارود سيد ربيعة [222] . وفي حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله) يضرب النساء الباكيات علي زينب بنت النبي (صلي الله عليه وآله)فيمنعه رسول الله (صلي الله عليه وآله) [223] . [ صفحه 189] ويضرب فروة بنت أبي قحافة حين مات أبو بكر [224] . كان صبيغا سيد قومه وقد وقع له التباس في متشابه في الكتاب فسأل عنه، فسمع عمر وأعد له عراجين النخل وأرسل عليه وظل يضربه حتي دمي رأسه. وقيل إنه سأل تأويل مشكل من الكتاب. وقيل سأل عمر معني والذاريات ذروا فالحاملات وقرا، وكانت علي الرجل ثيابا وعمامة فقام إليه عمر وحسر عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتي سقطت عمامته وأقسم لو وجده محلوقا ضرب رأسه وأمر أن يلبسوه ثيابا ويحملوه علي قتب، وأخرجوه إلي بلاده، وأمر أن يقوم عليه خطيب، أن صبيغا ابتغي العلم فأخطأه، ولم يزل صبيغ وضيعا في قومه حتي هلك، وكان سيد قومه [225] . أتي عمر رجل يسأله: ما الجوار الكنس! فطعن الرجل بمخصرة معه في عمامة الرجل فألقاها من رأسه قائلا له: أحروري؟ والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا لأنحيت القمل من رأسك [226] . وسأله سائل عن - (فاكهة وأبا) - [227] ، فأقبل عليه بالدرة [228] . ألم يرد النص في الكتاب في سورة النحل، الآية (43): - (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) -. [ صفحه 190] وقد قال الله تعالي في سورة الضحي، الآية (10): - (وأما السائل فلا تنهر) -. وهلا كان جديرا بالخليفة وهو بمقام أب للأمة أن يكون - كما أمر الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) - عطوفا بالمسلمين محسنا برا، وقوله (صلي الله عليه وآله): " أنكم لم تستطيعوا أن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم ". وهل سمع قول الله تعالي في سورة البقرة، الآية (263): - (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذي) -. وقوله تعالي في سورة إبراهيم، الآية (24): - (كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء) -. وعشرات الآيات والسنن الأخري التي جاء بها الإسلام رحمة للناس، وإذا كان السائل يقابل بهذه الطرق فمن يسأل الجاهل؟ ومن يعلمه؟ وإذا كان الخليفة يجهل معني ذلك ألا كان جديرا بتوجيهه أو طلب أحد الصحابة الواردين العارفين بإجابته؟ وبينهم خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وباب علمه وأبو ذريته، والحامل لتأويل القرآن، والذي طالما قال فيه عمر: " لولا علي لهلك عمر ". و " عقمت النساء أن يلدن مثل أبي الحسن ". وهذا علي (عليه السلام) هو الذي ظل زمن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وبعده في عهد الخلفاء الثلاثة وزمن خلافته الرمز والمخلص والعالم الحكيم محل مشكلات الإسلام، والقائل: " سلوني قبل أن تفقدوني ". وهناك دونه مثل ابن عباس وابن مسعود وغيرهما. أما كان جديرا بالخليفة أن يشكل منهم هيئة ورئيسا ومرؤوسا لإجابة هذه الأسئلة، وتربية الناس وتعليمهم أصول الدين وفروعه؟ بيد أن هذا مبلغ تقوي وزهد وعطف ورأفة وبر وإحسان وعلم وحكمة الخليفة الذي جلس علي منبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) دون أن يترك سلفه مشورة أو رأيا لفروض [ صفحه 191] أفراد المسلمين في اختياره. وهكذا نري أبا بكر يستبد باختيار عمر للخلافة إيثارا ومحاباة دون مشورة الصحابة، بل رغم مخالفتهم، وهو يعلم غلظته وقلة علمه وأشياء أخري كثيرة كان أخذها عليه يوم أراد عزل أسامة. وهو الواقف علي نصوص كتاب الله ووصايا رسوله (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام)، أكمل الأمة علما وحكمة وشجاعة وسابقة وتقوي. وعمر الذي شهد أن خلافة أبي بكر فلتة وهو الثاني لطالما انتقده في قضايا كثيرة منها قوله يوم أراد حد خالد بن الوليد فأبي، فقال: لج فيه شيطانه وأقسم أنه زل عن الشرع، ويعرف حق المعرفة ويعلم كما صرح بكتاب الله ووصية رسوله (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام)، ويشهد له بعلمه وتقواه وفضله، وكلاهما يتخذ الواحد الآخر سلفا لرسول الله (صلي الله عليه وآله)، ورغم ما شهد بفضل علي (عليه السلام) في خلافته، كما مر، يقدمها سائغة لبني أمية متعمدا وهو القائل: " من ولي من أمر المسلمين شيئا فولي رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله " [229] . وقال عمر أيضا: " من ولي من أمر المسلمين شيئا فولي رجلا لمودة أو قرابةبينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين " [230] . تري عمر بانتخابه ولاته مثل معاوية وأمثاله الذين طالما شكا منه الصحابة، وتوليته عثمان عامدا بتلك الشوري المارة. الحقيقة لمن يطالع الحقائق والوثائق المارة في موسوعتنا سيعرف هذه المهزلة وهذه المخالفات الصريحة من الخلفاء الثلاثة وأشدها تحديا من المسلمين [ صفحه 192] والكتاب والمحدثين الذين يجدون الحقيقة ويدعون الإسلام والإيمان ثم يجادلون عما قاموا به من الأعمال الهدامة التي أطاحت بصرح الإسلام وزعزعت أركانه باسم الدين. قال الله عز وجل في سورة النساء، الآية (109): - (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا) -. فمن يجادل عنهم في الآخرة أمام محكمة العدل الإلهية، وقد قال عز من قائل في سورة الزلزلة، الآيتان (7 و 8): - (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره - ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) -. إخراج مؤمن: يطلب عمر من واليه في الشام إرسال رجل إلي المدينة لأنه قال: أنا مؤمن، ومذ قابله قال له: ويحك أنت تزعم أنك مؤمن. قال: نعم، قال: ويحك ومم ذلك؟ فأجاب: ألم نكن مع رسول الله أصنافا: مشرك ومنافق ومؤمن؟ فمن أيهم كنت؟فمد عمر يده إليه وأخذ يده استسلاما لقوله [231] . وللقارئ الكريم أن يتساءل لمحض قوله: أنا مؤمن يجلبه من الشام إلي المدينة في ذلك العهد البعيد، مع تلك الوسائل، وذاك الرعب بهذه الشاكلة، أي حجر هذا علي النفوس والأفكار؟! وأي استبداد هذا وإجحاف!

هدمه المعارف الإسلامية والعالمية

لقد مر وذكرنا شيئا كثيرا في اتفاق الخليفتين علي كثير من الأمور، تلك الأمور [ صفحه 193] التي تشد بعضها بعضا توثيقا للهدف الذي قاما به، واستمرار ذلك الهدف في حياتهما وبعد وفاتهما، غير آبهين بالنصوص من القرآن والسنة، فالرجل السياسي غير الرجل الديني، نعم السياسي له هدف وغاية. والرجل الديني له غاية وهدف. فالرجل الديني غايته الكتاب والسنة وعدم الانحراف أبدا عما أمر به الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وإن خالف هواه، وهوي أي فرد آخر، أو مجموعة أخري، ويحسب أن الله رقيب علي نواياه وأقواله وأفعاله علي ظواهره وبواطنه، فلا يبطن ما يظهر ويظهر ما يخفي، ونظره الصالح العام والبر والإحسان والتقوي هي غايته للتوصل إلي رضاء الله. والتقوي لديه هي الرمز لأفضلية الأفراد، وبحكم التقوي والعلم والحكمة حيث قال تعالي في سورة الحجرات، الآية (13): - (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) -. وقال سبحانه وتعالي في سورة الزمر، الآية (9): - (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) -. وقال تعالي في سورة البقرة، الآية (269): - (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) -. ولا شك وأن للسابقة المقام الأول في الإيمان حيث قال عز من قائل في سورة الواقعة، الآيتان (10 و 11): - (والسابقون السابقون - أولئك المقربون) -. أما الرجل السياسي فهو علي نقيض الرجل الديني، وليس له مثل تلك الحدود والقيود، فالغاية عنده تبرر الواسطة، وما دام الدين يوصله لغايته يتبعه وطالما تظاهر به إرضاء للرأي العام، وسار لإرضاء غاياته الشخصية وأغراضه وشهواته النفسية وغرائزه، ولا يهمه الفرد والجماعة والدين والتقوي والعلم والحكمة، [ صفحه 194] فغايته إشباع غريزته لحب الظهور لنفسه وأعوانه وذويه ضاربا بكل شئ آخر مهما كان، عرض الحائط، ولا يمنعه الكذب والنفاق وإظهار ما يبطن، وليس لله والدين بنظره رقيب، ولا يحسب للعدل الإلهي ويوم القيامة حسابا أبدا. ونحن كرجل رياضي نريد الوصول لأصل المسألة المحلولة من نتائجها الحاصلة، أو النتائج التاريخية التي أعطت ثمرتها، ومنها نعرف أسباب الرقي والانحطاط والقوة والضعف والوحدة والتشتت، وكيف بلغ الأفراد أهدافهم، والطرق التي سلكوها، والنتائج التي وصلوا إليها، وتطبيقها، ومعرفة الفضيلة من الرذيلة والحسن من القبيح. وقد وجد بعد هذه الخلاصة المارة أن الخلافة الأولي التي قامت في السقيفة بشهادة عمر في عدة مناسبات، أنها كانت فلتة وقي الله شرها، وهذا الشر الذي عناه لا علي الإسلام، بل عليه وعلي صاحبه، وقد اعترف أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) في مرض موته أراد أن يكتب وصية يسند الخلافة كتبا لعلي (عليه السلام) فصده. واعترف في كثير من المناسبات بتقوي علي (عليه السلام) وسابقته وعلمه، وأن من يناهضه منافق. كل هذه مرت بأسانيدها في الموسوعة في الجزأين الأولين وفي الجزء الثالث والرابع. وأيد حتي في مرض موته أن خير من تليق به الخلافة إنما هو علي (عليه السلام) حتي رأينا ابنه عبد الله يخاطب أباه: فإذا كنت تعرف ذلك فما يمنعك أن تستخلفه؟ كما رأيناه أخذ علي كل فرد من أعضاء الشوري عدم لياقته للخلافة، وأعظمهم عثمان الذي قال له: إنك سوف تكون الخليفة وتسلط آل أمية وآل بني معيط علي رقاب الناس وتهبهم أموال المسلمين ورقابهم حتي ينقلبوا عليك ويقتلوك. ورغم ذلك سلمها لعثمان، إذ قال له: وكأني أري قريشا قلدتك الخلافة، ومن [ صفحه 195] هي قريش سوي هو نفسه! وقد وجدناه يعلن أن معاوية كسري العرب، أما عملا لم يزحزحه عن مقامه طول مدة خلافته، رغم الشكاوي من الصحابة عليه، لخروجه علي الكتاب والسنة. وعمر هو الذي هدد أعضاء الشوري بمعاوية وعمرو بن العاص، لأنه يعرف هؤلاء حق المعرفة، ويعرف كيف يسند ملكهم، ويعرف أن عليا (عليه السلام) محبوب المؤمنين والعامة، ولا يستطيع القيام ما دام هذان ضده. وقد أضاف أنه خلق لعلي (عليه السلام) أضدادا في شوراه، هم الخمسة الباقين الذين ما كان يخلد ببالهم أنهم يوما من الأيام يستطيع أحد أن يقرنهم بأبي الحسن (عليه السلام). حتي وجدنا هؤلاء هم أس الخلاف، وفي مقدمة الناكثين لبيعته ومحاربته. وقد كان بعد غصب الخلافة التي كانت من حق علي (عليه السلام) نصا من الكتاب ونصا من رسول الله (صلي الله عليه وآله) في شتي المناسبات، وأعظمها يوم غدير خم، وأن أكثر من ثلاثمئة آية نزلت في علي (عليه السلام) وحده، وربع القرآن في آل البيت، والوصايا الجمة التي لا تعد من رسول الله (صلي الله عليه وآله) بهم، وما أخذ عليهم من الشهود، وكل هذه ثابتة بالسنة والحديث. فالغاصبون لكي يطمروا الحقائق لا بد لهم من القضاء علي السنة مهما زعزعت من أركان الدين، كي تخفي الحقائق ولا يظهرون باسم الغاصبين المخالفين لأوامر الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، لصم أفواه علي (عليه السلام) وآل البيت والهاشميين، وقد اتخذوا عدة وسائل منها: إقصاؤهم ومحبيهم من الصحابة عن أي منصب من الولايات. وسلب حقوقهم الشرعية في فدك، إذ بدأ بغصبها الخليفة الأول، وتلاها بمنع الخمس عنهم، بينما كانت الصدقات وأي نوع من الزكاة محرمة عليهم، وبناء علي هذا تركهم في فقر مدقع لا يستطيعون حراكا، هذا بالإضافة إلي الرقابة الشديدة عليهم منذ بدء خلافة الأول وازدادت زمن عمر وأشدها في عهد عثمان. [ صفحه 196] وقد وجدنا أن السنة والحديث إنما هما تفسير لمختصر الكتاب أو أمور أخري تهم المسلمين، من وصايا وغيرها التي كان يدلي بها رسول الله (صلي الله عليه وآله) في شتي شؤون المسلمين الدينية والاجتماعية والشرعية والإدارية، وكل شئ، وفي أكثرها كان يقول ليكون الحاضر شاهدا ومبلغا للغائب، وكان يوصي أن تروي أحاديثه صحيحة دون كذب، حتي قال: " من كذب علي فليتبؤا مقعده من النار ". وقد وجدنا أول رواية كذب بها علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) لسلب فدك من بضعة رسول الله (صلي الله عليه وآله) والحسنين وعلي وأهل البيت والهاشميين (عليهم السلام) إنما هو أبو بكر، إذ قال عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) إنه وحده سمع رسول الله يقول: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ". وبالوقت الذي هو المدعي وهو الحاكم يطلب البينة من صاحب اليد والوارث الأصلي والعترة الطاهرة وعلي الذي حكم القرآن بطهارتهم، وقد وجدنا كيف أن أبو بكر أفلج أمام العترة الطاهرة، وأن الجميع لاموه حتي أعاد كتابة فدك، ومزق الكتاب ظلما واعتداء عمر، مما يدل أنهما متفقان علي الغصب منذ الساعة الأولي ونري فدك تصبح ألعوبة بيد مروان حتي يأتي حفيده الخليفة عمر بن عبد العزيز ويعترف بحق العترة ويعيد فدك ثم تسترد بعده وتعاد في عهد المأمون وثم تستعاد. وأعظم خطب إنما نذكره هنا هو أن السنة النبوية والحديث إنما هما مجموعة المعارف الإسلامية، وأن الكتاب أحوج للسنة من السنة للكتاب، بيد لا مناص للغصب الأول أن تتبعه كل هذه المظالم علي الأمة، ومنها سد هذا الباب حتي يمر زمان يقضي فيه علي الصحابة المقربين، أهل الدراية والعلم، بالحروب والتشتيت والنسيان، وبعدها ترك الأمر لألد خصوم أهل البيت (عليهم السلام) ليوردوا ما شاءوا من الأحاديث والأخبار، من كذب ووضع وتزييف، واختلاق كيفما شاءوا وأني [ صفحه 197] شاءوا، أخص في عهد معاوية الفاجر الكافر، واختلاق الأحاديث والروايات والسنن الكاذبة، وتعميمها علي المكاتيب لتدريس الأطفال والنساء، وتقديم الهدايا والثناء لكل من جاء بأكذوبة في فضل أبي بكر وعمر، حتي إذا كثرت وعمت تلاها بعثمان وتلا بها علي آل أمية. وأما من طري أحدا من أهل الكساء: محمدا (صلي الله عليه وآله) وعليا والحسنين وفاطمة (عليهم السلام) فمآله القتل والتعذيب والهتك والسجون والتحقير. وأني لأوعز لمن شاء أن يعرف أمثال هذه الكرامات فليراجع موسوعة الغدير للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني ج 8 ص 60 إلي 97 وفي ص 83 إلي 333، وموسوعتنا أخص الكرامات الموضوعة في الجزء الرابع والفضائل المجعولة. كما أوجه نظر القارئ الكريم إلي ما ذكره الكاتب الشهير الفيروزآبادي صاحب قاموس اللغة، في كتابه المشهور سفر السعادة، وقوله: كلما ورد من فضائل وكرامات نسبت لأبي بكر وعمر فهي محض اختلاق يأباها العقل والمنطق السليم. ومن الكتب لهذا العصر ما كتب الكاتب المحقق محمود أبو رية كتابه أضواء علي السنة المحمدية، وكتابه شيخ المغيرة (أبو هريرة)، وما وضعه هذا المنافق الكافر من آلاف الأحاديث كذبا وافتراء علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) في عهد معاوية باسم الصحابي. وقد بدأها عمر في خلافته غير ما ذكرنا من منع تدوين السنة، فله أمثال تلك، فقد أمر عمر بقطع شجرة الرضوان كي لا يصلي أحد تحتها [232] . [ صفحه 198] رأي عمر ناسا يصلون تبركا في مسجد صلي فيه النبي فمنعهم [233] . منعه تدوين الحديث والسنة أخص ما فيها فضائل محمد وآله، وما حدثه عنهم، ووصي باتباعهم وذم مخالفيهم وغاصبيهم، وما جاء في تأويل الكتاب،وشرح مجمله ومتشابهه، أخص منه ما يخص محمد وآله [234] . وكتب عمر لأهل الكوفة لا تسموا أحدا باسم نبي، وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم المسمين محمد، حتي ذكر له جماعة من الصحابة أن رسول الله (صلي الله عليه وآله)أذن لهم في ذلك فتركهم [235] . وقد أخرج مجموعة من أعاظم الكتاب [236] أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: " من ولد له ثلاث أولاد ولم يسم أحدهم محمدا فقد جهل ". وقال (صلي الله عليه وآله): " من ولد له مولود فسماه محمدا حبا لي وتبركا باسمي كان هو ومولوده في الجنة " [237] . كما سمي (صلي الله عليه وآله) غير واحد من ولدان عصره محمدا [238] . [ صفحه 199] وإذا ما راجعت المقدسي في كتابه الحجة [239] نجد عمر يروي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالكتاب وألسنة واتباعها والامتناع البات عن الرأي. ونري هنا عمر من الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم. روي عن أن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، قال: " إن الله أنزل كتابا وافترض فرائض فلا تنقصوها، وحدد حدودا فلا تغيروها، وحرم محارم فلا تقربوها، وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا، كانت رحمة من الله فاقبلوها، إن أصحاب الرأي أعداء السنن، تفلتت منهم أن يعوها، وأعيتهم أن يحفظوها، فسئلوا فاستحيوا أن يقولوا لا نعلم، فعارضوا السنن برأيهم، فإياكم وإياها فإن الحلال بين والحرام بين كالمرتع حول الحمي أو شك أن يواقعه الأوان لكل ملك حمي وحمي الله في أرضه محارمه ". ذلك كله خالفه عمر، ولأجل أن تتأكد بأسانيد ثابتة راجع كتاب النص والاجتهاد للعلامة شرف الدين السيد عبد الحسين، وموسوعة الغدير للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني، أخص الجزء السادس. ولم يكتف عمر في عهده من منع الحديث والسنة من التدوين والكلام بل كانت عيونه وجواسيسه مثبتة في البلاد لمراقبة أدني كلمة أو إبداء رأي علمي أو فلسفي أو مناظرة، وحتي وجدناه كيف أرسل علي الرجل في ذلك العهد لمحض أن الرجل قال: أنا مؤمن. ولشد ما كان يغيظه السؤال من أي سائل عن تفسير آية أو تأويلها، وشرح غامضها أو فضيلة لرسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي ليطلب من سائلها البينة علي ما يقول، ولم يكتف بذلك ما يقال أمامه، بل كلما سمع، حتي لو أرسلت له رسالة تذكر أن فلانا عمل كذا حتي وجدنا في الكتب الماضية من الموسوعة أن عمر ناصف ولاته [ صفحه 200] أموالهم لمحض رسالة أرسلها له شخص ما وذكر إشارة أنهم يجبون أموال غير مشروعة لذا نراه يناصفهم أموالهم دون إقامة بينة. حتي لقد ناصف بعض أفراد لمحض أنهم يمتون لأولئك بصلة، ومن الغريب في هذا الأمر أن عمر إذ يناصفهم لا يسمح لهم بالدفاع المشروع عن أنفسهم، وحتي ليلقي الأمرين من دافع، ورغم هذه المناصفة يعيدهم إلي مقر أعمالهم. وهذا ما يؤخذ عليه إذ لو صح عملهم ذلك فلا يجوز إعادتهم للولاية علي المسلمين، وإن لم يثبت فكيف ناصفهم أموالهم. ولكم هدد وحبس وأهان صحابيا عظيما لرواية رواها كان سمعها من رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي أصبح الناس في ضيق روحي وجمود فكري، إذ النظريات وتبادل الآراء والمناظرات والبحوث هي المادة الأولي لجميع العلوم والفنون، وتلك العلوم التي انتشرت، وجميع الصناعات والاختراعات والمكتشفات والقوانين، إنما هي نتيجة النظريات والبحوث وتبادل الآراء واحتكاك الأفكار. لذا نري العهد العمري عهدا من أشد العهود جمودا وضراوة للأفكار والعلوم والفنون والخمود الذهني، وكلما كان هناك تجييش الجيوش وفتح البلدان وجباية الأموال وكسب الغنائم، وليت أن هذه الغنائم أغنت المسلمين وعرفوا حقا بقيادة خليفتها من الاستفادة منها، وليت القسمة كانت عادلة، كما كانت في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) بل نجده بدأ بتفضيل نساء علي نساء، ورجال علي رجال، فعائشة أم المؤمنين لها الحظ الأوفر، وهناك جماعة من المهاجرين يفضلون علي آخرين بالمال، وآخرون من أولاد الطلقاء يفضلون علي المهاجرين والأنصار علي ولاية الأصقاع والبلاد المفتوحة كأولاد أبي سفيان وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وغيرهم. وهكذا كان العهد العمري يمتاز بالاستبداد المطلق في الحكم والجمود الفكري [ صفحه 201] ومنع نشر المعارف الإسلامية وتدوينها والحديث فيها، ومنع أية فكرة أو مطالعة أي كتاب آخر. بل تجاوز البلاء هذا القطر العربي بطمر المعارف إلي هدم واستئصال المعارف العالمية بالأمر الشديد من الخليفة بإتلاف كتب جميع العلوم والمكتبات أينما حلت الجيوش، استؤصلت بأمر خليفة المسلمين كتبها، بين حرق وغرق وإتلاف وألجمت أفواه العلماء والحكماء والعارفين من النطق والبيان، باسم الإسلام والدين الإسلامي ونبي الإسلام، وآل بيت محمد (صلي الله عليه وآله) بريئون براءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب، إذ هذا القرآن الكريم نراه يشيد بالعلم وبالحكمة والمنطق وبذم الجهل حيث قال تعالي في سورة الزمر، الآيتان (17 و 18): - (فبشر عباد - الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) -. وقوله تعالي في سورة البقرة، الآية (269): - (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) -. وقوله عز وجل في سورة الزمر، الآية (9): - (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) -. وكم وكم قال: أفلا تعقلون، وتتدبرون، وأمثالهما. وهذا رسول الله (صلي الله عليه وآله) في أحرج الأزمنة التي فيها المسلمون في ضيق مالي واقتصادي شديد ولديه أساري، عوض أن يفتديهم بالمال يفرض علي المتعلمين منهم بتعليم أفراد أميين من المسلمين القراءة والكتابة. وهو الذي جعل العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة، وهو الذي قال: نوم العالم خير من عبادة الجاهل، وهو الذي قال: مداد العلماء خير من دم الشهداء، وهو الذي قال: تعلم العلم من المهد إلي اللحد. وقال: تعلم العلم ولو بالصين. وما لا يعد ويحصي من أمثال ذلك في الكتاب والسنة. [ صفحه 202] فمن أين أتي عمر بهذه الآراء ليقضي بها علي المعارف الإسلامية والعالمية [240] . وعمر لم يتحاش من حبس وضرب وإهانة صحابي قريب أو بعيد مهما بلغت درجته من رسول الله (صلي الله عليه وآله) لتنفيذ مقاصده هذه ومنع الحديث والسنة. فقد حبس الصحابي العظيم أبا مسعود، ومثله أبا الدرداء، وأبا ذر حتي أصيب وفعل ذلك بأبي موسي [241] . وقال لكعب الأحبار لتتركن الحديث عن الأول أو لألحقنك بأرض القردة [242] . قال الأوزاعي ومكحول [243] إن الكتاب أحوج للسنة من السنة للكتاب. وما منع أبو بكر وعمر أن يجمعا من عرفه رسول الله (صلي الله عليه وآله) من الصحابة بصدق اللهجة والعلم لجمع الحديث والسنة وتدوينها ما دام العهد قريب من وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وهذا رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول في صحابته ويمجد بكثير منهم فقوله فيأبي ذر: " ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء علي رجل أصدق لهجة من أبي ذر " [244] . وابن مسعود صاحب رسول الله (صلي الله عليه وآله) أفضل من قرأ القرآن وأحل حلاله وحرم حرامه، المتفقه بالدين والعالم بالسنة [245] . وأبو الدرداء عويمر كبير الصحابة، صاحب رسول الله (صلي الله عليه وآله) [246] . [ صفحه 203] هؤلاء عمر يحبسهم ويهتكهم ويصغرهم إلي أن طعن [247] . وعمر هذا الذي حذر علماء الأمة عن البحث في علم القرآن والسنة، وكل بحث علمي آخر، وسد بهذا قريحة المفكرين لاتخاذ التدابير للمشاكل الوقتية والمشاكل الوقائية للمستقبل قبل وقوعها، مخالفا بذلك صاحب الشريعة ومفاهيم الدين الإسلامي، من البحث والدرس وطلب العلم وتوقير العلماء وتجليلهم وتشجيعهم. وحتي عمر الذي كان يقول: عندنا كتاب الله يكفينا، فإن الكثيرين يخشون تلاوته حذار أن يأخذهم عمر ويرهقهم، ولقد سمع رجلا يقرأ الآية (100) من سورة التوبة: - (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) - فأخذه عمر من يده، وقال: من أقرأك، فقال: أبي بن كعب، ولم يفلت منه حتي شهد له أبي، وكررها عليه حتي تأثر أبي، وهو صحابي محترم، فقال يخاطب عمر: تلقيتها من رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولقد أنزلها الله علي جبرئيل وجبرئيل علي قلب محمد (صلي الله عليه وآله) ولم يستأثر فيها الخطاب ولا ابنه. وفي لفظ: أقرأنيها وأنت تبيع الخيط، وجاءت بألفاظ أخري [248] . وعن ابن مجاز [249] إن أبي بن كعب قرأ سورة الفتح، الآية (26): - (من الذين استحق عليهما الأوليان) -، فقال عمر: كذبت، فقال: أنت أكذب، فقال رجل: تكذب أمير المؤمنين، قال: أنا أشد تعظيما لحق أمير المؤمنين منك، ولكن كذبته في تصديق كلام الله ولم أصدقه في تكذيب كتاب الله. [ صفحه 204] نقل عن عمر بن ميمون عن أبيه، أنه أتي عمر بن الخطاب رجل فقال: يا أمير المؤمنين إنا لما فتحنا المدائن أصبت كتابا فيه كلام عجيب، قال: أمن كتاب الله؟ قال: لا. فدعي بالدرة فجعل يضربه بها وجعل يقرأ - (ألر تلك آيات الكتاب المبين) - [250] حتي وصل - (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) - [251] ثم قال: إنما هلك من كان قبلكم أنهم اقبلوا علي كتب علمائهم وأساقفتهم، وتركوا التوراة والإنجيل حتي درسا وذهب ما فيهما من العلم. تري هل ينطق ويفعل ذلك إلا من جهل العلم والحكمة ومفهوم القرآن الكريم والسنن النبوية؟ وأخرج عبد الرزاق وابن الضريس في فضائل القرآن، والعسكري في المواعظ، والخطيب عن إبراهيم النجفي، قال: كان بالكوفة رجل يطلب لعلمه، فجاء فيه كتاب من عمر بن الخطاب أن يرفع إليه، فلما قدم علي عمر علاه بالدرة، ثم جعل يقرأ عليه الآية السابقة نفسها: - (الر تلك آيات الكتاب) - حتي بلغ (الغافلين) قال: فعرفت ما يريد، فقلت: يا أمير المؤمنين: دعني فوالله لا أدع عندي شيئا من تلك الكتب إلا أحرقته [252] . هؤلاء العلماء المساكين والأمة الإسلامية ومن يحكمها، انظر هل تري بين الطغاة من التتر والمغول وغيرهم أشد وبالا علي العالم ممن ينهض من وسط وينبوع العلم والحكمة تلك الشريعة المثلي الإسلامية، ويسير عكس أصولها ووصايا قائدها ونبيها الأعظم، فيبدل العلم والحكمة بالجهل، والبر والإحسان والرأفة والرحمة بالغلظة والفضاضة والتقهير والتخريب، واحترام العلماء وذوي [ صفحه 205] التقوي بذوي العصبيات والجهالة، وكل ما يخجل وجه الإنسانية وضمير الشريعة الإسلامية الداعية إلي الفضيلة والحكمة والعلم وتوقير أهله. وإليك ويلات أعظم وأسانيد تثبت أمر عمر بحرق وإتلاف مكتبات الإسكندرية [253] ونتيجة البحوث والمطالعات العلمية والحكمية والفنية، بما جمعت من الشرق والغرب وما فيه من علوم رياضية وطبيعية وأدبية وكل شئ، تلك التي بذل لجمعها فحول الحكماء وعلماء الطب وعلماء الرياضيات وعلوم الفلك وكل ما أنتجته أدمغة البشر في ذلك العهد، وعني بجمعها ودراستها أشهر الملوك، فأشادوا لها الجماعات، وقامت عليها الحضارات والثقافات اليونانية والرومانية والبابلية والآشورية والفارسية والهندية وغيرها. تلك التي تتجاوز عن آلاف السنين من الخبرة والتجربة البشرية المأسوف عليها، أنها تدمر في عهد إسلامي، وعلي خلاف الأهداف الإسلامية، بل الدين والكتاب الإسلامي ونبيه (صلي الله عليه وآله) والخلفاء، الذين نص عليهم، وأنهم يتبرأون من مثل هذه الجنايات الكبري، وإليك شرح نبذة منها: أخرج أبو الفرج الملطي في تاريخ مختصر الدول، وهو الذي توفي سنة (684 ه) ص 18 طبعة يوك في اوكسونيا سنة (1663 م) ما نصه: وعاش (يحيي الغراماطيقي) إلي أن فتح عمرو بن العاص مدينة الإسكندرية، ودخل علي عمرو وقد عرف موضعه من العلوم فأكرمه عمرو، وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم تكن للعرب بها سابقة ما هاله، ففتن به. وكان عمرو بن العاص عاقلا حسن الاستماع، صحيح الفكر، فلازمه، وكان لا يفارقه. ثم قال له يحيي يوما: " إنك قد أحطت بحواصل الإسكندرية، وفتحت علي كل الأصناف الموجودة بها، فما لك به انتفاع [ صفحه 206] فلا نعارضك فيه، وما لا انتفاع لك به فنحن أولي به. فقال عمرو: ما الذي تحتاج إليه؟ فقال: كتب الحكمة التي في الخزائن الملوكية، فقال عمرو: هذا ما لا يمكنني أن آمر فيه إلا بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فكتب إلي عمر وعرفه قول يحيي فورد عليه كتاب عمر يقول فيه: وأما الكتب التي ذكرتها فإن كان فيها ما وافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غني، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله، فلا حاجة إليه، فتقدم بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريغها علي حمامات الإسكندرية وإحراقها في مواقدها فاستنفدت في مدة ستة أشهر، فاسمع ما جري واعجب ". تلك جملة من كلام الملطي ذكرها جرجي زيدان في تاريخ التمدن الإسلامي ج 3 ص 40 برمتها، فقال في التعليق عليها: النسخة المطبوعة في مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت قد حذفت منها هذه الجملة كلها لسبب لا نعلمه. وقال عبد اللطيف البغدادي المتوفي سنة (629 ه) في الإفادة والاعتبار ص 28، رأيت أيضا حول عمود السواري من هذه الأعمدة بقايا صالحة بعضها صحيح وبعضها مكسور، ويظهر من حالها أنها كانت مسقوفة والأعمدة تحمل السقف، وعمود السواري عليه قبة هو حاملها وأري أنه الرواق الذي كان يدرس فيه أرسطو طاليس وشيعته من بعده، وأنه دار المعلم التي بناها الإسكندر حين بني مدينته، وفيها كانت خزانة الكتب التي أحرقها عمرو بن العاص بإذن عمر. ولتترحم علي هولاكو بعد أن تعلم أنه في (ستة أشهر تحرق حمامات الإسكندرية كتب العلم في مواقدها بأمر عمر بن الخطاب!). وترجم القاضي الأكرم جمال الدين أبو الحسن بن يوسف القفطي المتوفي سنة [ صفحه 207] (646 ه) في كتابه تراجم الحكماء المخطوطة [254] عن يحيي النحوي، وأن يحيي النحوي عاش حتي فتح عمرو بن العاص مصر والإسكندرية، ودخل علي عمرو وأعاد ما مر أعلاه من حرق الكتب، وسأله عمن جمعها والجهود التي بذلت لجمعها وعددها (50120) كتاب، وأين جمعت والجامعات التي درست بها [255] . ويظهر كم بذلت من الجهود والأموال الطائلة لجمعها، والأقطار الواسعة التي اشتركت بها إمبراطوريات اليونان والرومان وبابل وآشور وفارس والهند والسند وجرجان وأرمان وغيرها. وتؤيد ما مر مصادر أخري جاءت في فهرست ابن النديم المتوفي سنة (385) أشار إلي تلك المكتبة المحروقة، حيث قال في ص 334، حاكيا عن إسحاق الراهب في تاريخه، وأن مؤسس الجامعة هو: بطولوماوس فيلادلفوس وابنه من ملوك الإسكندرية، وجمع (54120) كتابا، وخاطب جامعها الملك بقوله: أيها الملك قد بقي في الدنيا شئ كثير في السند والهند وفارس وجرجان والأرمان وبابل والموصل وعند الروم وظل يجمع بعد ذلك هو وابنه بعده، وكلاهما كان من محبي العلوم. فقد ورد أيضا في الكافي في تاريخ مصر ج 1 ص 208 - 210. ولم تنحصر أوامر الخليفة في كتب الإسكندرية فحسب بل شملت كافة الأقطار المفتوحة في الشرق والغرب والشمال والجنوب، فقد جاء في كتاب كشف الظنون ج 1 ص 446: إن بلاد فارس قاست نفس المأساة بأمر عمر إلي سعد بن أبي [ صفحه 208] وقاص، وهنا أمر عمر سعدا أن تطرح في الماء، فذهبت غرقا وحرقا. وجاء في ج 1 ص 25 أنهم أحرقوها. وقال ابن خلدون في تاريخه ج 1 ص 32: فالعلوم كثيرة والحكماء في أمم النوع الإنساني متعددون، وما لم يصل إلينا من العلوم أكثر مما وصل، فأين علوم الفرس التي أمر عمر بمحوها عند الفتح؟ فأكرر قولي: الكلام صفة المتكلم، والعمل صفة العامل، والحكم والاجتهاد صفة الحاكم والمجتهد. ولم شاء المزيد مراجعة الشرح لكتابنا الرابع من هذه الموسوعة (عمر وشكاية العلماء والحكماء). وبعد يا للخسارة والظليمة من هذا الحكم والجنايات العظمي التي هذه قطرة من بحرها. وأدناه أذكر مختصر من كتاب مؤلف ألماني كتب عن علي (عليه السلام) كتابا سماه " رب العلم والقلم " لمؤلفه رودلف زايگر: وإنما أذكر هنا مجملا يخص هذا الفصل في العلم والمقام الشامخ العلمي ومنزلة علي (عليه السلام) الخليفة الحقيقي، ووصي وأخي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بل نفسه بنصوص القرآن والسنة، والذي غصبوا مقامه ومقام عترة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وحرموا الأمة الإسلامية منه ومن ذرية رسول الله (صلي الله عليه وآله) وانحرفوا عن الصراط المستقيم إلي الهوة السحيقة، وقاموا بأعمال أنتجت الضعف والتفرقة والعداء والتقهقر في الأمة الإسلامية وظل الكثيرون مأخوذين بالأوهام والخدع، رغم الحقائق الواضحة نتيجة الدس والوضع والاختلاق وتشويه الحقائق التي قامت بعد موت النبي بسبب منع تدوين السنة والحديث. وما فعله معاوية من شراء الضمائر من بعض الصحابة وغير الصحابة ليرووا عن [ صفحه 209] رسول الله (صلي الله عليه وآله) تلك التي ذكرنا قسما منها في الكتب الماضية أخص السادس والذي ذكرنا فيه الناكثين (الزبير وطلحة وعائشة) والقاسطين (معاوية ومن تابعه) والمارقين (الخوارج). أما الآن فنذكر حقيقة ذكرها الكاتب الألماني عن رب العلم والقلم ومقايسته بالخلفاء الثلاث الذين سبقوه، وفيه يذكر مقام علي العلمي الشامخ الذي بلغ من الشهرة قبل الفتح الإسلامي، حتي أرادت جامعة كندي شابور دعوته لإلقاء محاضرات علمية هناك، وقد أثبت المؤلف بأن الفتوح المهمة في بلاد فارس لولا الخطط الحربية التي كان يدبرها علي (عليه السلام) لباءت بالفشل. وإن عليا كان يخالف أبو بكر وعمر وعثمان، إنه كان رجل الشجاعة والعلم والتقوي ولا يفرق في المعاملة، كما جاء في القرآن في الآية الثالثة عشر من سورة الحجرات: - (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) -. وكان يخالف المنابزات بالألقاب والتعصبات، علي خلاف عمر الذي خلق الشعوبية، وكان يفضل العرب علي العجم، وبعض القبائل علي بعض، وبعض الأفراد يفضلهم علي غيرهم، في العطايا والرتب. ومنها أن فيروز (أبو لؤلؤة) الذي كان أسيرا من أسراء فارس وأسلم، ورغم ذلك بيع مملوكا للمغيرة بن شعبة، أحد ولاة عمر الفاسقين، وقد عرف بالفجور والظلم، وكانت السنة تأمر المالكين أن ينفقوا علي المملوك، بينما كان المغيرة يلزم فيروز أن يقدم له شهريا ثمانين درهما، هذا إلي عدم بذل نفقة عليه. فشكاه أبو لؤلؤة إلي عمر، ولكن الخليفة العادل تعصب إلي واليه، وقال: الحق مع المغيرة، وأنك تقدر أن تدفع له ضعف المبلغ. وكان فيروز فارسيا كاشانيا، شعر بالظلم، ولم يجد بدا إلا الانتقام، وبعد ثلاثة أيام هاجم عمر وطعنه بستة [ صفحه 210] ضربات بالخنجر، تلك التي أدت إلي موته. وأما مخالفة عمر للعلم والعلماء، فقد مر ذكر ذلك، أما الكاتب فيقول: إن عمر كان إضافة إلي تعصبه يجهل تفسير آيات القرآن، ولا يرض من سائل يسأله، وأحيانا يفسر برأيه رغم اعترافه بعلي (عليه السلام)، بيد هنا كان يقول: ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب، ويقول إن الكتاب هو القرآن، ويرده علي (عليه السلام) ردا منطقيا، إن الآية لا تعني القرآن بل تعني أن حفظها يكون في كتاب، ولو كان يريد القرآن لقال: في القرآن. وعلي هذا بنظر عمر طالما كل شئ في القرآن فلا حاجة إلي كتب أخري، لذا أمر بإتلافها حرقا وغرقا أينما وصلت يداه، ولم يصغ إلي علي (عليه السلام) في هذا الشأن الذي أراد أن يمنعه، وما استطاع. وهذه نتيجة الجهل المطبق ويمتد هذا التجاهل والنفاق حتي زمن معاوية ومكيدة عمرو بن العاص عندما رفعوا المصاحف، فقام علي (عليه السلام) مخاطبا أصحابه: ما هذه التي رفعوها سوي حبر وورق وأما المعاني فهي مكنونة في قلوب العارفين. إنما هذه خدعة ومكيدة فلا تعيروها أهمية، بيد أن الخوارج خالفوه، وقد قال له ابن عمه رسول الله (صلي الله عليه وآله) من قبل: ستقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله، ورغم أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أوصي بعلي وعترته، وجعلهم شركاء للكتاب، حينما قال: إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، وحينما قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، غلب علي أمرهم بسبب المنافقين. وقد رأينا أن عليا (عليه السلام) كما منعهم من حرق الكتب منعهم من هدم التماثيل والأهرام باعتبار الأخيرة قبور، والأولي بعد إسلام القوم ما هي إلا آثار وصخور كالصخور والآثار الأخري، بيد أن الإناء لا ينضح إلا ما فيه وفاقد الشئ لا يعطيه، فكيف ترجو العلم والمعرفة والرحمة والبر والإحسان والحكمة من [ صفحه 211] فاقدها. وما نتيجة المظالم التي نزلت في المسلمين، بل والعالم وظلت إلي اليوم تتري، إنما هي تابعة إلي ذلك الغصب الأول. ولو سارت مركبة الإسلام علي نصوص القرآن وسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وتسنم بعده من أمر الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) بالخلافة، وخلفاءه من بعده، لوجدت الدنيا علي غير ما هي عليه اليوم، من الخلق العالية والفضائل والعدالة، وبالتالي السعادة.

الظلمه والإجحافه

قال الشاعر: إلي الماء يسعي من يغص بلقمة++ إلي أين يسعي من يغص بماء تكلمنا عن الاستبداد والشذوذ والشدة العمرية والتناقض في الفتاوي وعدم رعاية النصوص والسنن، والشعوبية، وكل منها ظلم وإجحاف. وتكلمنا عند كلامنا عن أبي بكر وغصبه فدك من بضعة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وكيف ردها بكتاب مكتوب ومزق الكتاب عمر. وبعدها مواقفه مع أبي بكر في كل غصب وإجحاف، أما هنا فنري عمر كلما مر زمن علي خلافته أضاف إجحافا جديدا أو ارتأي رأيا يخالف نصوص القرآن والسنة والمنطق السليم والعدالة، ولا يهمه أن يكون له مسلك للعذر أم لا. كما وجدناه في قضية المتعتين يقول بكل جرأة، وغير مبال، وبدون عذر ما: أنهما كانتا علي عهد رسول الله حلالا وهو يحرمهما ويعاقب عليهما. وهو اليوم منذ أواسط خلافته بدأ يستبد ويشتد شيئا فشيئا ويأتي بشريعة جديدة تخالف الشريعة الإسلامية في مفاهيمها وعدالتها. فمد يده لقسمة الأموال بين المسلمين، وخرج عما سار عليه رسول الله (صلي الله عليه وآله)، [ صفحه 212] وسلكه سلفه أبو بكر، وسار عليه هو أوائل خلافته من القسمة المتساوية بين جميع الأفراد والجماعات علي حد سواء دون نظر إلي قريب وبعيد، وعربي وعجمي، وأسود وأبيض، وقرشي وغير قرشي، وبدري وغير بدري، وما إلي ذلك. أما اليوم فبدأ بنظام جديد من التفاضل بين الأفراد والطبقات والقوميات، كما وجدناه في الشعوبية، وبدأ يفضل هذا علي هذا، وهذه علي هذه، وهؤلاء علي هؤلاء [256] . فخلق بذلك، بل أعاد العصبيات والمنابزات فردا علي فرد، وجماعة علي جماعة، وقوما علي قوم، وعنصرا علي عنصر، تلك التي قضي عليها الإسلام. وبعدها جاء ببدعة جديدة ما سبقه بها من المتقدمين ولا المتأخرين، وهو مناصفة أموال عماله وتشطيرهم، بل وتشطير من ينتمي إليهم لمحض أبيات شعرية وصلته من أبي المختار [257] . [ صفحه 213] فنري عمر علي أثرها يشاطر عماله أموالهم دون إقامة بينة، بل شاطر آخرين ممن ينتمون لعماله وولاته أموالهم. هنا أخذت عليه مأخذة كبيرة، إذ كان يلزم التحقيق وإقامة البينة ومعرفة ما كانوا يملكون قبل توليتهم وبعدها، وكيف حصلوا علي ما في يدهم، أهي مشروعة، أم غير مشروعة؟ فإذا هي غير مشروعة فأخذها وإعادتها لبيت المال وتعزير الخائن المتهم وعزله، وإن هو برئ، وسار طبق الكتاب والسنة فتشريفه وتعزيزه. بيد لم نجد من هذا شئ سوي التشطير، ومن خالف فويل له من درة الخليفة. ونراه إذ يشاطر الجميع لا يشاطر أشدهم جريمة وأعظمهم مكيدة، أمثال معاوية بن أبي سفيان الكافر، ولا يعير أهمية لا لهذا الشعر، ولا لصرخات الصحابة المقربين، من خروج معاوية علي الحدود ولبسه الحرير والذهب، وقيامه بأعمال تنافي مقام مسلم [258] . [ صفحه 214] وقد رأينا عمر من النتائج الحاصلة ورابطة معاملته مع معاوية وعثمان في الشوري وبعدها، أنه كان يهيئ بعده ملك بني أمية عامدا، وهي أعظم ما يؤخذ عليه، فالبغض والحسد والكراهية التي بلغت في صميم قلبه لآل بيت الرسالة (عليهم السلام) وفي مقدمتهم علي (عليه السلام) هو الداعي له لإشادة صرح ملك لألد أعدائهم، يخلد عمر فيه اسمه ويشيد به كما شاده معاوية، ويخفي ذكر محمد وآله الذين لم يستطع من الجهات الوراثية والاجتماعية والخلقية والأخلاقية مطاولتهم. ولسوف تعجب كل العجب من هذه البدع التي خلقها عمر، وأعظم العجب من دفع الرجل الفاجر المكار معاوية وآل بني أمية وآل بني معيط إلي دست الحكم المطلق بسيوفهم الجائرة علي رقاب المسلمين. وأما الذين شاطرهم فلا يخلو من أمرين: إما سلبوها بدون حق من الأفراد والجماعات فكان عليه محاكمتهم بالخيانة وسلبهم وتغريمهم وإعلان أسمائهم وطردهم إلي الأبد من دست الحكم، وإن لم يخونوا ولم يظلموا فقد هتكهم وظلمهم وقام بغير ما أمر الله ورسوله (صلي الله عليه وآله). وبالتالي أذكر بالمناسبة مختصرا مما ذكره الأستاذ المحقق والكاتب المجيد عبد الفتاح عبد المقصود في موسوعته الإمام علي ج 1، قال الكاتب: " إن رجلا جاء عمر بن الخطاب ذات يوم يقول: يا أمير المؤمنين عابت أمتك منك أربعا: ذكروا أنك حرمت العمرة في أشهر الحج ولم يفعل ذلك رسول الله ولا أبو بكر وهي حلال. وذكروا أنك حرمت متعة النساء وكانت رخصة من الله، نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث. وذكروا أنك أعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها. وشكوا منك نهر الرعية وعنف السياق ". [ صفحه 215] وقال الكاتب في ج 1 ص 323: " لا نناقش الخطأ والصواب فيما رآه ابن الخطاب بل نلمس الدليل الحاسم علي أنه رأي حقا لعقله عليه فتركه يعمل ويأتي بالنظرة المخالفة، نظرة سلفه إلي الأمور ما دعا إلي هذا تغيير الظروف واختلاف الأحوال، وحتي تلك النواحي التي لها خطرها من السياسة العامة للدولة قد امتدت يده إليها بالتبديل والتعديل، وتناول منها النظام المالي المعروف فهدمه وأقام آخر مغايرا علي أنقاضه. لم يمنعه من ذلك علمه برأي رسول الله وعمله أو عمل خلفه أبي بكر بذلك المبدأ القويم ". إلي أن قال: " وجاءت السنة الخامسة عشر من الهجرة بنحو جديد لتقسيم العطايا علي الناس. لم يتجه محمد وأبو بكر بعده فألغي عمر المساواة، أساس التقسيم، وفرض الأعطيات بدرجات ".

الشوري

وما أدراك ما الشوري؟ بل قل انبثاق البؤرة الانتانية في جسم الأمة الإسلامية. بدأ عمر الغصب بالسقيفة فهي أم الفتن، وختمها بانبثاق تلك البؤرة الانتانية الحاملة لكل الأمراض الاجتماعية والتفسخ والتفرقة وتشتت الآراء وخلق المذاهب بعد تقوية جبهة الأحزاب التي حاربت الإسلام علي عهد أبي سفيان وآل أمية. أعادها علي أيديهم، عثمان ومروان وبني أمية ثم معاوية ويزيد ثم مروان وخلفائه. نعم، وهل هناك أعظم موبقة وأشد شرا للأمة الإسلامية من الأولي والثانية؟ لا [ صفحه 216] أبدا ولقد مر بنا، وما أدلي به معاوية إلي ابن حصين الذي أوفده زياد لمعاوية [259] وسؤال معاوية عن الأمر الذي فرق كلمة المسلمين، فلم يوفق ابن حصين علي الجواب، وقال معاوية له بعد عجزه: إن الشوري هي التي فرقت كلمة المسلمين وشتتت شملهم. لقد وجدنا عمر كيف يدير مع أبي بكر السقيفة ومرت بنا الأسانيد ومقام علي (عليه السلام) وصفاته التي لولا المكيدة الكبري لم يتغلب أبو بكر وعمر بها، وعلمنا العقد النفسية التي امتاز بها عمر وكل ما فعله لإقصاء علي (عليه السلام) وحرمان آل البيت وإقصائهم وتقريب ألد أعدائهم وأعداء الإسلام، وألد خصوم محمد وآله، وتقويتهم وتقوية الرابطة القوية التي تشده بهم وتشدهم بها، وآماله العظيمة في سيرته التي لم يصرح بها، بل ظهرت من نتيجة أعماله، وهي طمر وطم آثار محمد وآله وتصغيرهم وتحقيرهم. فبدأ القضاء هو وأبو بكر علي المعارف المحمدية بمنع تدوين الحديث والسنة. ومنع تسمية أحد باسم محمد (صلي الله عليه وآله) وكل أثر لمحمد يحاول استئصاله، كما مر، ومد يده في الآونة الأخيرة إلي كتاب الله والنصوص يحذفها ويغيرها الواحدة تلو الأخري، ويتساءل من حبر الأمة ابن عباس: هل هناك لا زالت عند علي أمنية ورجاء بالخلافة، ولم يأل جهدا لشد قدرة وخصوم بني هاشم والساعة التي لم يترقبها دنت ودنت كثيرا جدا، فماذا يعمل عمر؟ ومن يستطيع غير معاوية أن يجري خططه، وهو لما يزل من القدرة المعنوية وطول الباع ليقابل عليا (عليه السلام) وما عثمان إلا خير وسيلة ليقدمه كبش الفداء له. وقد تنبأ لعثمان بخلافته وعمله بتولية بني معيط وآل أمية علي رقاب الناس [ صفحه 217] وزقهم بأموال المسلمين حتي تهب عليه الأمة وتقتله، بيد أنه يعرف أن معاوية بالمرصاد وأن عهد عثمان كاف لملئه بالقوة والشهرة والمال، ولقد قال إنه كسري العرب. ولقد كانت لهم جلسات سرية دلت عليه ثقته به ومدحه إياه رغم ما شكاه الصحابة وأخذوا عليه، وكفي أنه هدد عليا (عليه السلام) وأصحاب الشوري بمعاوية إنه بالمرصاد لهم لكي لا يختلفوا. فكيف واليوم وقد مر هذا العهد الطويل علي عثمان، وحول خزائن بيت المال إلي جيوب آل أمية وأتباعهم، فأين علي (عليه السلام) وبنو هاشم من الأصفر والأبيض والقوي التي حصل عليها الأمويون في تلك العهود الذهبية، وتوثيق صلاتهم بالأشرار لقمع الأبرار. أهداف الشوري العمرية: ثبت فيها استمرار عمر علي استئصال أي أمنية وحق من الأمة الإسلامية لعلي (عليه السلام) وآل محمد (صلي الله عليه وآله) وكل رجاء لعلي وأهل البيت لرجوع الحق إلي نصابه، وعود الخلافة الإسلامية المحمدية إلي أصولها، ومد جذور الغصب مدا أوصله بالعصبيات والمنابزات الجاهلية، وظل في كل مرة يقول: لم تشأ قريش أن تكون النبوة والخلافة في محمد وآله، ومن يعني بقريش سواه هو وأبو بكر وأبو عبيدة، ثم رؤوس عصابات الأحزاب المشركة المنافقة التي أتي بهم لهدم المثل العليا الإسلامية وإعادة ما قضي عليه الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) بالكتاب والسنة. ولم يكتف عمر بمناوئة آل أمية لعلي (عليه السلام) حتي أقر لهم رأسا رباه وأثبته علي عهد خلافته وخلافة سلفه، وهو الذي من قبل خاب أمله بمصاهرة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وحسده لعلي (عليه السلام) بزواج فاطمة الزهراء (عليها السلام)، والكرامات التي عهدت إلي ذريتها. وإذ يجد عمر في علي (عليه السلام) حرصه علي عدم إقامة الحق وإعادته بالقوة، فهو [ صفحه 218] يخلق له في الشرق والغرب أعظم المبغضين. وإذ وجد هنا مجموعة من الصحابة يوالون عليا (عليه السلام) ومنهم الزبير، ومنهم من قال إن مات عمر استخلفنا عليا (عليه السلام) وخشية أن ترجح كفة علي (عليه السلام) رغم ما أحكم به ملك عثمان وبني أمية وجد أن يزيد في الطين بلة ويخلق من أفراد ليسوا بالحسبان قرناء لعلي (عليه السلام) في الخلافة والزعامة، ويبعث فيهم روح الشغب والحسد لمنافسة علي (عليه السلام). وإذا به يدبر أمرا للشوري ويأتي بأفراد لم يرض بهم ولاة عنه في الأمصار والأقطار، وكان يخشي من نفاقهم إن رفع عنهم الحجر وهم في المدينة، أمثال طلحة وسعدا والزبير وعبد الرحمن، فسلب حق الشعب كله وأقره في هؤلاء، بل تركه في ثلاثة فقط، إن اتفقوا، وهم عثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعدا، وإذا خالف بعدها أي فرد من الثلاثة الباقين علي أو طلحة أو الزبير أو اثنين أو ثلاثة منهم تضرب أعناقهم! انظر إلي هذا الاستبداد وهذا التمييز! وانظر إلي هذه المفسدة التي ظهرت بنتائجها المؤلمة التي أرادها عمر إن حاز قصب السبق عثمان بطمع عبد الرحمن وسعد ومحاباتهم به وله وانخذال علي (عليه السلام). وصدقت فراسة عمر في عثمان حينما قال لعثمان ولسوف تولي شرار أبناء عمومتك من بني أمية وآل بني معيط علي رقاب المسلمين، وتفرغ في جيوبهم خزائن المسلمين حتي يهبوا عليك ويقتلوك. كما صدقت نيته بعدها من طمع الزبير وطلحة بالخلافة ونكث البيعة وقيامهم ضد علي (عليه السلام) حتي قتلوا واضعف عليا (عليه السلام) قبال بني أمية مرة أخري. وصدق قول عمر حين قال: إن معاوية كسري العرب، ذلك الجبار الكافر المستبد الذي مزق كتاب رسول الله (صلي الله عليه وآله) حين دعاه للإسلام، وهذا معاوية وليد أبي بكر وعمر وعثمان يريد ردم وطمر وطم آثار محمد (صلي الله عليه وآله). [ صفحه 219] وقد مر حديثه مع المغيرة في الجزء السادس، عند الحديث عن معاوية مع المغيرة بن شعبة، إذ يقول: هذا ابن أبي كبشة يعني محمدا (صلي الله عليه وآله) يذكر اسمه كل يوم خمسة مرات وجوبا علي المسلمين والله طما طما فهو يستر ما بدأ به عمر يوم هدم مسجدا صلي به رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقطع شجرة الرضوان، ومنع من يسمي اسمه محمد، ومنع تدوين السنة، ومن يذكر حديثا، وبدأ بمخالفة النصوص. واليوم معاوية يريد طم البقية، فهل تري أيها القارئ الكريم بعد هذه النتائج، وهذه السلسلة من الوقائع إلا وأنها تتصل ببعضها، وأنها تعود للمؤسس الأصلي الذي غصب الخلافة المنصوص عليها من الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) من علي (عليه السلام) وسلب حق بضعة رسول الله (صلي الله عليه وآله) الذي أذاها أذي رسول الله وأذي الله، وحرق بيتها، وأسقط جنينها، وحرم ذريتها من الخمس، ومنعهم من كل شئ، وحرم الأمة من برهم وإحسانهم وعطوفتهم وإداراتهم وعدلهم ومساواتهم، فماذا بعد ذلك كله!؟ ولنعد إلي الخطبة الشقشقية لعلي (عليه السلام) ونراه كيف يأن من الشوري وقبلها السقيفة! ففي السقيفة يقول: " أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحي ينحدر عني السيل ولا يرقي إلي الطير. ويستمر حتي يقول: فرأيت الصبر علي هاتا أحجي فصبرت وفي العين قذي وفي الحلق شجي، أري تراثي نهبا حتي مضي الأول لسبيله، فأدلي بها إلي الثاني بعده. وتمثل بقول الأعشي: شتان ما يوحي علي كورها++ ويوم حيان أخي جابر فيا عجبا بينا هو يستقبلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسها ويكثر العثار فيها. إلي أن قال: [ صفحه 220] فصبرت علي طول المدة وشدة المحنة حتي إذا مضي لسبيله جعلها في جماعة رغم أني أحدهم. فيا لله وللشوري متي اعترض الريب في مع الأول منهم حتي صرت أقرن إلي هذه النظائر، لكني أسففت إذ أسفوا، وطرت إذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن إلي أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه (يريد عثمان) وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلي أن انتكث عليه فتله وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته ". تلك كانت أولي نتائج الشوري ومفاسدها. كلمة عبد الفتاح عبد المقصود: قال الكاتب المحقق عبد الفتاح عبد المقصود في الشوري: " والحق لقد كانت الشوري العمرية ضربا جديدا من العهود، لا إلي الشوري، ولا إلي الوصية، ولم يكن لها مثيل قبلها في الإسلام ". وبعد فاصل قال: " لولا أنه (يعني عمر) سلب الشعب حق الانتخاب ونحله نفر ستة ". وبعد فاصل قال: " ولكن ابن الخطاب رأي رأيا وأبرمه وانتهج بهذا نهج صاحبه أبي بكر فكلا الرجلين قد آثر أن يحول بين شعبه وبين مزاولته حق انتخاب واليه، أبي إلا أن يفرض متفردا علي الناس رأيه ". وبعد فاصل قال: " ما كان عمر بالرجل الذي يعمل عفوا دون أن يهدف إلي غاية ". وبعد فاصل قال: " وإن عمر الذي تعودنا أن نري له العذر ظاهرا فيما صدر عنه من أمور تحسب عليه لا نستطيع هاهنا أن نلتمس له عذرا ". [ صفحه 221] وقد تكلم الكاتب عن النفر الستة فقال عن طلحة: " كان جديرا بأن يري في أولاها طلحة متمردا علي الخمسة الباقين ". ويستمر بقوله: " فقد غضب الحالم الطامع وثار بابن عمه (يعني خطاب طلحة لأبي بكر حين عهد الخلافة لعمر قبيل وفاته) قائلا: ما أنت قائل لربك غدا وقد وليت علينا فظا غليظا تفرق منه النفوس وتنفض عنه القلوب ". ونحن نعرف أن طلحة كان يطمع بها في عهد ابن عمه أبي بكر. واستمر الكاتب: " جاءت وصيته (يعني عمر) إن لم نقل سبقت نيته! ولغير الصالح العام، وعلي غير العدل المشهور عن عمر الموسوم به طبعه قام أس الاختلاف ". ثم قال الكاتب: " فإن عمر بن الخطاب إذ قرنهم في الشوري بعلي قد ولد في نفوسهم نوعا من الشعور جعلها به ترتفع في أعينهم إلي ما فوق القدر الذي عرفوه لها من قبل ". والحق ذلك فسعد مع أنه برهن علي جنديته بيد برهن أيضا علي عدم قدرته الإدارية وعجز عن إدارة جزء من رقعة الإمبراطورية، حتي عزله مرة عمر وعزله أخري خلفه. وأما طلحة الطامع والطامح ليس دليلا علي قدرته لإدارة الأمة وعلي الأخص وقد صرح بذلك ابن عمه أبو بكر قائلا له: أما والله لو وليتك لجعلت أنفك في قفاك ولرفعت نفسك فوق قدرها حتي يكون الله هو الذي يضعها. وأما الزبير ابن عمة رسول الله فقال فيه عمر قبيل موته وقبيل الشوري: أما أنت يا زبير فوعق تعس مؤمن الرضا كافر الغضب، ولعلها لو أفضت إليك (يعني الخلافة) ظللت يومك تلاطم بالبطحاء علي مد من شعير. [ صفحه 222] وأما عثمان فقد قال له عمر قبيل الشوري: كأني بك قد قلدتك قريش [260] هذا الأمر لحبها إياك فحملت بني أمية وبني أبي معيط علي رقاب الناس وآثرتهم بالفئ فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك علي فراشك ذبحا. ووصف عبد الرحمن بن عوف قوله: لو وزن نصف إيمان المسلمين بإيمانك لرجح إيمانك به ولكن فيك ضعفا ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك. أما كلمته في علي (عليه السلام) فقد تكرر أنه لو وليها لأقامهم علي الحق، ويقول علي المحجة البيضاء والصراط المستقيم، حتي قال له ابنه عبد الله: فما يمنعك أن توليها إياه فقال: لا أريد أن أتحملها حيا وميتا. وهل تشك بعد هذا إلا أنه عهدها لعثمان رغم علمه بما ينحرف عن جادة الحق، ويقتل. وتعال معي إلي نظر الكاتب في عمر أخيرا قوله: ولكنا نري عهد الخليفة الطعين باديا في صورة من الامعان في تأليب العصبية كلها ضد ابن أبي طالب فلقد ضمت الشوري أيضا سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، وكلا الرجلين من زهرة، ولكليهما نسب موصول ببني أمية، أتي الأول من ناحية أمه جمنة بنت سفيان، وأتي الثاني من ناحية زوجه أم كلثوم بنت عقبة أخت عثمان، فإذا علمنا هذا فماذا بقي بعده يدع لعلي (عليه السلام) فرصة واحدة للفوز؟ وأي بطن من قريش ينصف قضيته، وقريش كلها خصومه وقضاته في آن واحد! وكذلك كانت وصية عمر بالشوري تومئ إلي الرجل المغلوب كما يومئ عهد مكتوب. وبالتالي يشير الكاتب إلي شعور جموع الناس بعلي فيقول: " وإن الكثير منهم [ صفحه 223] ليذكرون عليا من مهده فلا يستطيعون إلا إكباره في مراحل حياته، ويحصون المحامد في الناس مجتمعين ولا يسعهم إلا جمعها له منفردا، ثم تبقي له بعد هذا صفة واحدة جديرة بأن توليه عطفهم الخالص، هي أنه مظلوم بأنداده، محروم من تراثه الذي كان له أهلا منذ أكثر من عشرة أعوام، وكفي بهذا الحرمان صفة تؤلف حوله قلوب أولئك الذين ذاقوا في حياتهم مر الحرمان ". فمن أذاقه هذا الحرمان وأذاق الجماعات الذين يحنون إليه؟ وتري كيف أن الأمة بقلوبها تهفو لعلي (عليه السلام) وتضمر له الولاء سوي عصبة كادت لعلي وآل بيت الرسالة، وكادت للأمة الإسلامية أن يقودها غير قائدها ويسوسها غير سائسها، وتزل عن طريق الصواب إلي الهوة السحيقة وقدر لها أن تتمزق وتملأ نفوسها الأحقاد، ويظل الظلم سائدا، والإجحاف عاما، يسود الغادر، ويهاب الفاجر، ويضمر صاحب الحق المبين ويزول التقي الأمين مكرها صابرا، ويبقي رغم ذلك مناضلا ناحرا، لا يبرح للصواب رائدا وللمؤمنين قدوة وقائدا. وهكذا جاءت الشوري العمرية بشر دائم ونفاق قائم ووبال ملازم، وضياع للحق والحقيقة، وانحراف عن الأمة وشذها عن الطريقة بمكيدة الرجل الطعين للأمة الإسلامية بإقصاء أولي الأمر في كتاب الله وسنة رسوله (صلي الله عليه وآله)، وتعمده كما غصبها في حياته أن يليها بعد مماته عصبة الشر والشرك والنفاق، كما رأينا ولا زلنا نري ذلك جاريا. كلمة الجاحظ: قال الجاحظ في كتاب العثمانية حول الشوري التي ألفها عمر، وفيها المتناقضات، فهذا الذي قال إن رسول الله مات وهو راض عن هؤلاء الستة: علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف. ثم بدأ قوله [ صفحه 224] في كل واحد منهم يصفه، فقال في طلحة: " وهو له مبغض منذ أن أشار علي ابن عمه أبي بكر أن يعرض عن عمر في عهده له حيث قال: ماذا تقول إذا سألك الله كيف خلفت علي أمة محمد هذا الفظ الغليظ ". متوجها إليه: أقول أم أسكت؟ فأجاب طلحة: قل فإنك لا تقول من الخير شيئا، قال: أما إني أعرفك منذ أصيبت أصبعك يوم أحد والذي حدث لك ولقد مات رسول الله ساخطا عليك للكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب. قال الجاحظ: الكلمة المذكورة: إن طلحة لما نزلت آية الحجاب قال بمحضر ممن نقل عنه إلي رسول الله ما الذي يغنيه حجابهن اليوم وسيموت غدا فننكحهن. وقال الجاحظ أيضا: لو قال لعمر قائل أنت قلت إن رسول الله مات وهو راض عن الستة. فكيف تقول الآن لطلحة إنه مات ساخطا عليك [261] الكلمة التي قلتها، لكان قد رماه بمشاقصه! ولكن من الذي يجسر علي عمر أن يقول له ما دون هذا فكيف هذا؟ وتعال معي لنري أن عمر كيف كان معتقدا أن الخلافة ستكون لعثمان حتما [262] ، وأن الشوري إنما هي مكيدة بل أن عمر كان قبل هذا دبر الأمر لنقل الملك إلي بني أمية، حينما هدد أصحاب الشوري بمعاوية، وهو الذي قال في عثمان! وعثمان تقلده قريش [263] هذا الأمر فيحمل بني أمية وبني أبي معيط علي رقاب الناس ويؤثرهم بالفئ، فتسير إليه عصابة من ذؤبان العرب فيذبحوه علي فراشه [ صفحه 225] ذبحا. فعمر إذن يعرف عثمان حق المعرفة وأنه ليس صاحب دين ولا يقيم حدود الله، وأنه يسلط الطلقاء من بني أمية وفساقهم علي رقاب الناس وأموالهم، فكيف أدخله في الشوري مع عدم صلاحيته، وقد قطع أن الأمر ينتقل إليه إذ أكد قوله السابق بقوله اللاحق: " كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها إياك، ثم اعطف، والله لئن فعلوا لتفعلن ولئن فعلت ليفعلن، ثم أخذ بناصية عثمان وقال: فإذا كان ذلك فاذكر قوله فإنه كائن ". وهذا يدل علي فراسة عمر [264] ، بل تدبيره المحكم وعلمه بمزايا وصفات هذه الأسرة من آل أمية، وأخص منهم عثمان ومعاوية. فهو يعرف ضعف عثمان في دينه ورأيه، وتغلب بني أمية عليه، ويعرف معاوية وأنه يدبر الملك له، كما أقره وقال فيه إنه كسري العرب وهكذا كان. فهل أن عمر كان رجل ديني؟ وهو الذي تفرس في عثمان، وتفرس في علي (عليه السلام) أيضا، وقال فيه: " لله أنت لولا دعابة فيك. أما والله لأن وليتنهم لتحملنهم علي الحق الواضح والمحجة البيضاء ". وأنت يا عمر نقدت عليا (عليه السلام) بقولك " لولا دعابة فيك " وهل كان يجب علي المؤمن أن يكون فظا غليظا مثلك؟ أم يكون هشا بشا، رؤوفا بالمؤمنين، كما كان رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فأنت قد أكبرته وأعطيته كل صفات الكمال، فما بالك نقلتها إلي عثمان وآل أمية متعمدا، وتعرف أنهم يتخذون عباد الله خولا وماله دغلا ودينه دولا؟ [ صفحه 226]

الشكاة

ومن هم الشكاة؟ ومن هم المتظلمون؟ إنهم المحرومون، المغلوبون علي أمرهم، العالمون، أولياء الرحمن، وأنصار الإيمان. ومن هم الغاصبون وأذنابهم والجائرون باستبدادهم؟ المنحرفون عن جادة الصواب؟ المنافقون، المتظاهرون بالدين والحائدين عنه! أولياء الشيطان. سلالة القاسطين وشيعتهم، ومرقة أهل الكتاب، والنواصب المبطنين بغض الطاهرين من (أهل البيت وأولي الأمر الذين نزههم الله من الدنس والرجس، وزكاهم من الرذائل والموبقات، والمناوئين لشيعتهم وأتباعهم). الشكاة يوم القيامة: محمد وآل بيته وصحابته البررة تحف بهم شيعتهم وأنصارهم منذ العهد النبوي حتي قيام الساعة، وإذا هم من عارف مغلوب علي أمره، وغافل مساق إلي ضره وشره بعد يوم السقيفة أم الفتن بما جلبت للأمة من إحن، والشوري العمرية الممزقة عري الأمة، والمشتتة جماعتها بعد اللمة بتعمد وإصرار من الرجل الطعين، تظل مركبتها تائهة إلي يوم الدين. يتقدمهم محمد المصطفي [265] ، وعلي المرتضي [266] ، وفاطمة الزهراء [267] ، والحسن المجتبي، والحسين الشهيد بكربلاء أهل الكساء [268] رافعين أيديهم إلي [ صفحه 227] رب الأرض والسماء، يريدون عدله وقسطه ممن ظلمهم وظلم الأمة [269] ، من غصب وظلم، وغير وبدل ووضع وزيف وتحدي حدود الله ورسوله [270] من قتل النفوس متعمدا، وقد قال الله تعالي في سورة النساء، الآية (93): - (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) -. وسلب الحقوق وبث الحرمان ووضع أساس الظلم والجور، وبدل النصوص والسنن [271] ، وأوقفها، ونصر الظالم وأشاد ملكه إلي الأبد، وسلب أفراد الأمة حقها علي عمد. هناك تري الستة الظالمين الغادرين الكافرين الفاسقين وأرجلهم وأيديهم تنطق شاهدة عليهم، وتراهم يساقون بين ظالم وكافر، وفاسق، ومنافق إلي الدرك الأسفل، وإذا هم بعد لحظة العزة في حضيض الذلة والعذاب الدائم المستقر يساقون إلي الجحيم. ويتقدم الرسول وآل بيته وصحابته البررة وشيعتهم الخيرة إلي النعيم المستقر والسعادة الدائمة [272] . [ صفحه 229]

عثمان بن عفان

اشاره

" قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع " [273] . وإن عثمان قد تابع سيرة الشيخين في غصب مقام الخلافة وما أقروه من الغصب، والاجتهاد بالرأي في موارد النص والسنة دون أن يقيده دين [274] ، كما سنري، وإقصاء آل البيت وتقريب ألد أعدائهم وخصومهم، وامتاز عليهم: أنه كان ينتمي إلي أمية [275] أشد خصوم الهاشميين وألد أعداء الإسلام، بل أشد أقطاب المشركين من الأحزاب التي أثارت المعارك ضد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وأعظمها خطرا علي كيان الإسلام. وامتاز بقلة تعمقه وتدبيره بالنسبة إلي أبي بكر وعمر، فهو قد جاهر بكل ما [ صفحه 230] أبطنه الأوليان من أسلافه، وحفظا قسما من ظواهر الإسلام. فقد قرب من طرده رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولعنه وأسند إليه أجل المناصب، وحول خزانة مال المسلمين بالعطايا والهبات إليهم. واختص بولاته علي بني أمية وآل أبي معيط. وتصرفه بمال المسلمين وما يرده من خمس وزكاة وفئ وغيره، تصرف المالك المستبد بمال نفسه، وتحويله إلي الأقربين من آل أمية وآل أبي معيط، الذين أصبحوا أقرب نصحائه ومستشاريه. وامتاز ببذخه علي نفسه بذخ الملوك المستبدين. وعد الخلافة إنما هي حق شرعي جلببه الله به بدون منازع مهما فعل. وكل ناصح ومستغيث يعامل معاملة العدو والخصم الذي تدخل فيما لا يعنيه. ولسوف نقدم فيما يلي ذلك بالأسانيد:

مخالفته للنصوص والسنن

بدأ حياته في الخلافة بمخالفة نص القتل في عبيد الله بن عمر الذي تعمد من قتل ثلاثة من المسلمين هم الهرمزان وابنته وشخص ثالث عمدا فعفا عنه عثمان وأكرمه [276] . وهي أولي أعماله المنكرة، وظل كسلفه في مخالفة النصوص والسنة، مرة عمدا وأخري جهلا كما يلي: 1 - قصر الصلاة في مني كما عمل رسول الله (صلي الله عليه وآله) والشيخين، ولكن بعد ستة [ صفحه 231] سنوات أتمها مخالفا بها النص والسنة فعابوا عليه [277] . 2 - رجم امرأة ولدت لستة أشهر [278] . 3 - مخالفة النص في الجنابة [279] ، وتركه الغسل مخالفا الآية (43) من سورة النساء: - (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري حتي تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتي تغتسلوا) -. 4 - مخالفة النص الوارد في الآية (96) من سورة المائدة: - (حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) - وقد أكله عثمان محرما [280] . 5 - يخالف نص الآية (228) من سورة البقرة: - (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) - وهي مطلقة في جميع أنواع [ صفحه 232] الطلاق سواء أكان من قبل الرجل فهو رجعي، أو باتفاق الطرفين، فهو مباراة، أو من طرف المرأة فهو خلعي، وفي الأخيرة أصدر حكمه أن لا تنكح حتي حيضه [281] . 6 - جمعه بين الأختين مخالف لنص الآية (23) من سورة النساء:- (وأن تجمعوا بين الأختين) -. ولم يستثن بين الأمة والحرة [282] . راجع بذلك الجزء الخامس من موسوعتنا في عثمان، موضوع يخالف النص في الجمع بين الأختين. 7 - مخالفاته الكتاب والسنة في الأموال وبذل مال المسلمين المنصوص عليها لغيرهم، كما سيرد ذلك، وجاء في الكتاب الخامس من موسوعتنا. ونذكر هنا السور والآيات الخاصة بالأموال ولمن خصصها الله: 1 - الآية (41) من سورة الأنفال: - (واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل) -. وهي تخص الخمس وتؤخذ من الغنائم المعينة حسب السنة، لتنفق علي المذكورين أعلاه والمفصلة بسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله) [283] . 2 - الآية (60) من سورة التوبة، وتخص الزكاة، قوله تعالي: - (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) - [284] . [ صفحه 233] 3 - الآية (6) و (7) من سورة الحشر قوله تعالي: - (وما أفاء الله علي رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله علي من يشاء والله علي كل شئ قدير - ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فلله وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل) - ذلك نص، ومفصله في السنة. وغير ذلك من أموال الخراج وغيرها. بيد نري عثمان الذي جمع القرآن وأعرض كسلفيه عن تدوين السنة، ضرب كل ما جاء في النصوص والسنة، في صرف المال علي المعوزين من مستحقيه، وكأن ما يجبي ويجمع من الأموال إنما هو صاحبها الشرعي يتصرف بها تصرف المالك المستبد علي نفسه وأقربائه دون أن يردعه نص أو سنة أو حديث أو نصح صحابي من المهاجرين والأنصار، أو استغاثة الفقراء والمساكين من آل البيت، والقريب والبعيد من المسلمين. بلي دائما وأبدا يتمسك بكلمة: الأقربون أولي بالمعروف، وهم الطلقاء والملاعين، علي لسان الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، من آل أمية وآل أبي معيط المطرودين من المدينة في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) والشيخين، مخالفا بذلك حدود الله في نصه وسنته وسيرة الشيخين التي تعهد برعايتها. وسيأتي تفصيل ذلك في نظرة عثمان في الأموال [285] .

لم يكن عثمان صاحب سنة

روي عن الخطيب عن معاذ بن معاذ، قلت لعمرو بن عبيد: كيف حديث الحسن أن عثمان ورث امرأة عبد الرحمن بعد انقضاء العدة، فقال: إن عثمان لم [ صفحه 234] يكن صاحب سنة.فهو أول من ترك سنة التكبير [286] . وهو يقدم الخطبة علي الصلاة، وكانت السنة أن الخطبة بعد الصلاة [287] . قال ابن حزم في المحلي ج 5 ص 86: إن بني أمية قدموا الخطبة علي الصلاة لأنهم كانوا يلعنون بها عليا رضي الله عنه، وكان الناس يتركونها بعد الصلاة فقدموها علي الصلاة. وما أحسن ما قال الشاعر: إذا كان رب الدار بالدف ضاربا++ فشيمة أهل البيت كلهم الرقص فقد بدأها أبو بكر وعمر بغصب الخلافة والخروج علي النص والسنة وسب عليا وفاطمة كما مر، وهؤلاء أضافوا الغصب باللعن لعلي (عليه السلام)، وكما قال ابن عباس حينما رأي جماعة يسبون عليا (عليه السلام) وكان أخريات حياته أعمي يقوده غلامه، فوقف عليهم وقال: من سب الله؟ فقالوا: من سب الله فهو مشرك، فقال: من سب محمد؟ فقالوا: من سب محمدا فهو كافر، فقال: من سب عليا؟ فأجابوا: هذا صحيح، فقال: أشهد بالله إني سمعت رسول الله يقول: من سب عليا فقد سبني ومن سبني سب الله، ومن سب الله أكبه الله علي منخريه في النار. وجاء بالتواتر: مبغض علي كافر. وجاءت الآيات في سورة المائدة تذكر أن: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله [ صفحه 235] فأولئك هم الكافرون) -، الآية (44)، والآية (45): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) -. والآية (47): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) -. وهو الذي قتل مؤمنا بكافر، مخالفا بذلك النص وسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فلايجوز قتل الحر بالعبد والرجل بالمرأة [288] . وقد جاء عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) عن عبد الله بن عمر: لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده [289] . خالف سنة القراءة [290] وترك القراءة في الأولين وقرأها في الآخرين فصلاته باطلة، وكان يجب إعادتها، وكان قبلها عمل ما يشابه ذلك الخليفة الثاني، وقد ذكره، وكان عليه إعادة الصلاة. [ صفحه 236] أجمع علي ذلك الصحاح الستة وأئمة السنن وأئمة المذاهب الأربعة وبقية الكتاب والمحدثين. راجع كتابنا الخامس من الموسوعة آخر موضوع (عثمان يخالف سنة القراءة). خالف سنة تقسيم الغنائم والصدقات: في النص والسنة [291] ، ففي الغنائم لله الخمس وأربعة أخماس للجيش، وما أحد أولي من أحد، ولا السهم تستخرجه من جنبك، ليس أنت أحق من أخيك المسلم. وفي الفيئ عنه (صلي الله عليه وآله): إذا جاءه فيء قسمه من يومه، فأعطي ذي الأهل حظين والأعزب حظا. وفي الصدقات: إن أهل كل بينة أحق بصدقاتهم ما دام فيهم ذو حاجة، ولم يقصد من الولاية فيها الجباية، بل هي أخذها من الأغنياء وصرفها علي فقراء محلها. أما عثمان: فشذ عن كل ذلك مقدما علي الجميع نفسه وذوي قرباه المطرودين الملعونين من الله ومن رسوله (صلي الله عليه وآله).

جهله بالنصوص والسنة

لا شك أن عثمان كان أقل علما مما كان لأبي بكر ولعمر، وقد ثبت عنهما في جميع الموارد اعترافهما بالجهل قولا وفعلا، فهذا أبو بكر أعلم الثلاثة يقول: لأن أخذتموني بسنة نبيكم لا أطيقها، ورغم جهله فإنه أبي جمع السنة، وأتلف ما كان [ صفحه 237] جمعه عنده. وهو يقول أيضا: " إني أقول برأيي إن يك صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ". انظر إلي هذه العبارة، والكلام صفة المتكلم. وعد إلي عمر في عهد خلافته، وقد مر ذكر الكثير من اعترافاته بالجهل حتي قال: حتي النساء أفقه منك يا عمر. وكل ذلك مر بأسانيده، ولا ننسي أن الذي عمل بالكتاب والسنة هو علي (عليه السلام)، وأن عليا وحده الذي قال فيه رسول الله (صلي الله عليه وآله): " أنا مدينة العلم وعلي بابها ". وهو وبنيه الطاهرين من الرجس وأولو الأمر، وأهل الذكر الذين قال فيهم القرآن في سورة النحل، الآية (43): - (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) -. وهو الذي قال له رسول الله (صلي الله عليه وآله): " قاتلت علي التنزيل، وسوف تقاتل علي التأويل ". وعلي (عليه السلام) الذي خطب وقال: " هذ سفط العلم، هذا لعاب رسول الله (إذ كان يزقه العلم زقا) ". وقال (عليه السلام): " سلوني قبل أن تفقدوني ". وهو الذي لم يخطأ في أحكامه وقضائه، لا في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ولا بعده، ورغم ذلك، ورغم أنه كان باذلا نفسه للأفراد والجماعات ولم يذكر له ولا مرة أنه رد سائلا، رغم كل ذلك كانوا يأبون استشارته إلا إذا أحبط بهم، ولطالما ارتأوا واجتهدوا في مورد النص وظهر خطأهم، وما أتفه عندهم الكبيرة علي الفرد وعلي الجماعة. وفي اليوم والسنين وهي تستمر، بل القرون والأحقاب ظلت بدعهم وزلاتهم وبالا علي المسلمين باتباعهم إياهم دون أن يعون. [ صفحه 238] فهل نسوا أم تناسوا ما أمر الله به ورسوله (صلي الله عليه وآله)؟ وهل حقا كانوا مؤمنين ولم يخرجوا عن حدود الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) ونصوصه؟ وظلت تمر علي أسماعهم نصائح رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وتتلي عليهم آيات الكتاب، وقوله تعالي في سورة الأحزاب، الآية (36): - (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) -. وغيرها من الآيات التي وعد الله المخالفين له ولرسوله (صلي الله عليه وآله) الخلود في النار. وقوله تعالي في سورة المائدة، الآية (44): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) -، والآية (45) منها: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) -، والآية (47) من نفس السورة: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) -. وهم يحكمون برأيهم، وقد أكمل الله دينه، فليس هناك ما يرتأون برأيهم، وإلي جنبهم أفقه وأحكم وأقضي وأعدل أهل زمانهم، وأسبقهم وأتقاهم وأشجعهم وأكملهم هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، المار ذكره وفضائله. وأما عثمان وقد أطبق الجميع علي أنه أقل علما وأكثر جهلا من سلفيه، وإليك نبذا من جهله: جهل عثمان: 1 - عن أحمد والدورقي من طريق الحسن بن سعد عن أبيه، أن يحيي وصفية وهما من بني الخمس ولد لصفية حين زنت برجل من الخمس غلام فرفعت دعوي من يحيي والرجل الزاني إلي عثمان بالولد فرفعهما عثمان للإمام علي (عليه السلام) فقضي بها بقول رسول الله (صلي الله عليه وآله): " الولد للفراش وللعاهر الحجر " وجلدهما (الزاني والزانية) خمسين خمسين باعتبار الآية (25) من سورة النساء وهي: - (ومن لم يستطع [ صفحه 239] منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن اتين بفاحشة فعليهن نصف ما علي المحصنات من العذاب) -. والآية: - (الزانية والزاني فاجلدوا كل منهما مئة جلدة) - سورة النور الآية (2). وهذه رغم بساطتها فلم يستطع الخليفة الجامع لكتاب الله دركها والحكم بها. وكل من عثمان وعمر وأبو بكر يعلمون حق العلم بالغصب وأوامر الله ونواهيه في علي (عليه السلام) وآل بيت الرسالة، وما يقومون به من المخالفات لحدود الله، والمظالم عامدين غير تائبين، ولا أوابين إذ نسخوها غصبا، وأودعوها إلي غير أهلها عمدا، ويوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجهلم ويوم يؤاخذهم بالصغيرة والكبيرة وقال عز من قائل في سورة الزلزلة، الآيتان (7 و 8): - (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره - ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) -. وسوف يؤاخذ الله كل من جادل عنهم في الحياة الدنيا، علي حد الآية الشريفة (19) في سورة الجاثية: - (وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين) -. وقوله تعالي في سورة النساء، الآية (109): - (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا) -. وقوله تعالي: - (ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار) -. سورة هود، الآية (113). جهله أيضا: ونري عثمان علي طريقة سلفيه لا يأبه أن يأخذ برأي أعلم الأمة وأتقاها وأسبقها، أو علماء الأمة، وفي هذه المرة نراه يستمد رأيه من أقل الصحابة خبرة، [ صفحه 240] كما سأل أبيا عن رجل طلق زوجته ثم راجعها حينما دخلت في الحيضة الثالثة، وأخذ برأيه [292] . ويعرف من عثمان كما قال العيني، رغم أن عمر كما مر في أحكامه وآرائه، فهو أعلم من عثمان وأفقه منه، وأن عثمان أشد تذبذبا من عمر أمام النصوص القرآنية والسنن النبوية والاجتهاد بالرأي قبالها. يأخذ برأي فريعة: يسأل عثمان فريعة بنت مالك بن سنان عن عدة الميت ويأخذ برأيها، وهو أربعة أشهر وعشرة أيام، مع العلم أن وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وباب علمه علي (عليه السلام) أعلم الأمة قريبا منه، وحوله الصحابة الكرام وعلمائهم.

بدعة عثمان

وقلنا كما مر أن عثمان لم يكن مقيدا بنص كسلفيه، ولم يكن صاحب سنة، وهذا ما يتركه أن يرتأي ويأتي ببدع من نفسه جديدة، لم تكن في الكتاب ولا في السنة، ومنها: فرضه الزكاة علي الخيل: وبفرضه الزكاة علي الخيل استوجب إنكار الصحابة، لأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان [ صفحه 241] وضع الزكاة عن الخيل وعن الرقيق [293] . فقد جاء في لفظ البخاري: " ليس علي المسلم في فرسه وغلامه صدقة ". وفي لفظ ابن ماجة: " قد تجوزت لكم عن صدقة الخيل والرقيق ". وفي لفظ مسلم: " ليس علي المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة ". وله أيضا: " ليس علي المرء المسلم في فرسه ومملوكه صدقة ". وفي لفظ أبي داود: " ليس في الخيل والرقيق زكاة، سوي زكاة الفطرة في الرقيق ". وفي لفظ الترمذي: " ليس علي المسلم في فرسه ولا في عبده صدقة ". ولفظ النسائي كلفظ مسلم، وألفاظ أخري بيد بنفس المعني. ونفس المعني جاء لأحمد بن حنبل، وابن ماجة، والبيهقي، ومسند عبد الله بن وهب، وابن أبي شيبة. أما الطبراني والبيهقي في سننه ج 4 ص 118، فمنع الزكاة علي الجبهة (الخيل، والكسعة - أي البغال والحمير - والنخة - أي المربيات في البيوت -) [294] . وأجمعت المذاهب والجمهور علي أن لا زكاة علي الخيل، سوي أبو حنيفة الذي لم يدل بدليل علي ذلك، وقد خالفه أبو يوسف ومحمد وقالا: " لا زكاة علي [ صفحه 242] الخيل مطلقا ". راجع بذلك أحكام القرآن للجصاص ج 3: ص 188، والبدائع لملك العلماء ج 2: ص 34، وعمدة العيني ج 4: ص 383. وهناك بدعة في توزيع الأموال، وإقرار الولاة، وسلوكه الشاذ مع الصحابة وتصرفاته الشاذة.

اقطاعه فدكا لمروان

تحدثنا عن فدك، وهي التي منحها رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي ابنته فاطمة (عليه السلام) نحلة، وسلبها منها أبو بكر وأعادها بكتاب مزقه عمر، وأعادها زمن خلافته. وقد ثبت زمن خلافة أبي بكر أنها لفاطمة واغتصبها منها باختلاقه حديثا عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وإذ هو المدعي والحاكم يطلب البينة منها، فتدحض هي وعلي (عليه السلام) حجته، ويثبت غصبه، إذ أعادها، وغصب عمر إذ سلبها، وأعادها أيضا. وكلاهما اتخذا ذريعة أنها حق عام للمسلمين. بيد نري اليوم عثمان يسلبها من آل البيت ليعطيها لمروان بن الحكم، ذلك الذي لعنه ولعن أباه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وطردهما من المدينة نفيا إلي الطائف، ولم يجسر أبو بكر وعمر لردهما، بيد نري عثمان لا يعبأ بكل ذلك، فهو يعيد هؤلاء الفجرة الكفرة ويشيد بهم ويوليهم رقاب الناس، ويقدم لهم خزائن المسلمين، ولا يهمه بعد هذا كله أن يقطعه فدكا. وقد سببت هذه مضافة إلي موبقاته أن نقم عليه المسلمون، أخص منهم الصحابة من المهاجرين والأنصار [295] . [ صفحه 243] وظلت فدك هذه بيد مروان وأولاده حتي خلافة حفيده عمر بن عبد العزيز بن مروان، حيث أقر بأنها تعود لبني فاطمة وأعادها لهم. وقد رأينا أن أبا بكر اختلق روايته عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهي: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة ". وثبت جعلها، كما مر في الكتاب الثالث من الموسوعة هذه. أما عثمان فجاء بحديث مختلق أخزي وأمر، رفعه إلي مقام الرسالة عساه يخفف من غلواء ما هبت عليه واستنكرت فعلته، فكانت سيئة ونقمة الدنيا والآخرة عليه، حيث قال عن رسول الله (صلي الله عليه وآله): " إذا أطعم الله نبيا طعمة فهي للذي يقوم بعده ". وقد مرت الأدلة المتواترة القاطعة علي خلاف ذلك [296] . وحق أن نقول إن الظالمين بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف. ويوم يكون خصيمهم محمد والحكم لله الواحد القهار وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

سلوكه الشاذ لدعم الفجرة و قصم الخيرة

ينتخب عثمان خليفة رغما عن كافة المهاجرين والأنصار وعامة المسلمين، كما وجدنا، ولم يرض به سوي آل أمية رؤوس الأحزاب، ومن والاهم وانتسب إليهم. ولقد كان انتخابه مكيدة للأمة، وأشد من انتخاب أبي بكر في السقيفة مكيدة [ صفحه 244] وانتخاب عمر استبدادا. فقد جمعت بين الكيد للمسلمين والمكيدة بالصحابة واستبدادا ظهر من الرجل الطعين حينما وضعها في ستة بيد حرم ثلاثة حتي لو اتفقوا مهددين بالقتل، ووضعها في ثلاثة لا ينازع الخلافة فيها، عثمان أحدهم ومتي أجمع الثلاثة عليه وخالف الثلاثة، فقد حكم عليهم بالقتل، وحرم جميع المسلمين من إبداء الرأي، فأي شوري وأي انتخاب هذا؟ وأية ألعوبة؟ وبعدها يهدد المخالفين بمعاوية وعمرو بن العاص. ولقد رأينا وسوف نري كيف أن عثمان لم يأل جهدا من إشباع نهم اللذين ساعداه: سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، بإعطاء سعد لولاية الكوفة وملئ جيوبه وجيب عبد الرحمن من بيوت مال المسلمين. ومد طلحة والزبير مثلهما. بيد نراه وقد حفت به بنو أمية وبنو أبي معيط، فلم يتركوا له فرصة التفكير، حتي نقلوه إليهم نقلا بالظاهر والباطن فكانوا محل مشورته، وأطلق لهم العنان للقيادة يتقدمهم آل الحكم، ورأسهم مروان وأبوه وآل أبي سفيان ورأسهم معاوية، فمال إليهم، بل أحاطوه وسلبوه إرادته وتملكوا عقله، وتولوا المناصب، واستحوذوا علي بيوت الأموال، واستبدوا بالحكم، وقامت الصرخات والتظلمات من سيرتهم. وما أن تصل المدينة لتعرض علي عثمان تولاها مروان ولعب بهم علي لسان الخليفة، بين مطرود مهدد باشد العقاب من الخليفة، ومن ولاته أينما توجه. ولم يتحاش عثمان أن ينزل أشد النكال بأعظم الصحابة علما وزهدا وسابقة وعدلا وبيد بني أبيه وعمومته الفجرة الكفرة، حتي ضج من ظلمه الكبير والصغير، والشريف والوضيع، والقريب والبعيد، والرجال والنساء، بين منفي ومضروب، [ صفحه 245] ومحروم ومسلوب، ومقتول، فلم يزده ذلك إلا ظلما وابتعادا عن الصالحين، وركونا إلي الظالمين، حتي هبت عليه الأمة من أقصاها إلي أقصاها. فوعد ونكث، وأعاد وحنث، وطلبوا استقالته فأبي، حتي لم يجدوا من ذلك بدا سوي استئصال شأفته، فمالوا عليه ميله واحدة فقضوا عليه، وإذا الخليفة المطعون (عمر) صدق في قوله في عثمان ومعاوية، وإذا عثمان هو الذنب ومعاوية هو الرأس، وصدق قول الشاعر: لا تقطعن ذنب الأفعي وترسلها++ إن كنت شهما فاتبع رأسها الذنبا ولكن ابن الخطاب قد أعد قبل موته خطة حكيمة صرح بها، وها نحن نجده بإدخاله طلحة والزبير في الشوري وسعدا قد أعد خصوما لرجل الحق علي الذي تنتظره الأمة بفارغ الصبر، ولم يخف ذلك علي عمر يوم سمع القائل يقول: إن هلك ابن الخطاب فالخليفة علي، وصعد وتهدد القائل. بيد نراه في الشوري يهددهم بمعاوية، وقد قال قبلها أنه كسري العرب، وقد أدناه وقواه وظل يقويه، أخص بعثمان، وهذه الحية التي خلفها ورباها ابن الخطاب لليوم المعهود بعد القضاء علي عثمان يتأهب الأهبة للغلبة بإلقاء الفتن، ويحرض طلحة والزبير وعائشة، ألد أعداء آل بيت الرسالة (عليهم السلام)، للقيام بوجه علي (عليه السلام) وتركهم فيما بينهم، وهو يعد العدة، حتي أدرك مبتغاه، وجازي ابن الخطاب وسلفه وعثمان بإعلاء ذكرهم وخلق المكرمات والفضائل المزيفة، واختلاف الأحاديث، وتعميم ذلك علي الصغير والكبير، وبالعكس الحط من كرامة محمد وآله وصحابته البررة، بالقتل والتشريد والنشر والدعاية بالمال والقوة. وإليك سلوك عثمان في تقريب بنو عمومته وأخوته وأبنائهم منار الكفر والفسق والظلم. [ صفحه 246] يؤوي الحكم طريد النبي (صلي الله عليه وآله) ويقدم له صدقات المسلمين: كان الحكم أشد المشركين علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) قبل فتح مكة، وأشد المنافقين بعد فتحها، وقهره بالإسلام علي الأمة الإسلامية ونبيها (صلي الله عليه وآله) حتي لعنه وذريته رسول الله (صلي الله عليه وآله) ونفاه هو وأولاده إلي الطائف، ولم يقبل شفاعة أحد لا عثمان ولاغيره فيهم [297] . ولم يعدهم أبو بكر وعمر رغم شفاعة عثمان ومنزلته العظمي لديهم. بيد نري عثمان بدأ في عهده وقربهم وأكرمهم، وخالف بذلك نص الكتاب: - (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) - الآية (36) من سورة الأحزاب. وما أكثر الآيات الواردة بعدم مخالفة الرسول (صلي الله عليه وآله) [298] . ولقد حذر رسول الله (صلي الله عليه وآله) الأمة من الحكم وآله بقوله: " إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا وعباده خولا ودينه دغلا " [299] وسنعود للبحث عنه. الوليد بن عقبة: هو ابن أبي معيط بن عمرو بن أمية، أخو الخليفة من أمه، وعقبة أبوه، من [ صفحه 247] المشركين الأشداء علي الإسلام مثل الحكم وأبي جهل وأبي لهب [300] . ونزلت في ذمه الآية (29) من سورة الفرقان. اجع الوليد وعقبة من موسوعتنا المحاكمات تراها بأسانيدها. وهذا الوليد بن عقبة المشرك الذي كان فاسقا سكيرا، وفي ذمه نزلت آيات منها الآية (18) من سورة السجدة: - (فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) -. والآية (6) من سورة الحجرات: - (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأفتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين) - [301] . هذا الوليد الفاسق، يبدأ عثمان فيستعمله علي صدقات بني تغلب، وبعدها يسند له أعظم ولاية إسلامية زمن خلافته هي ولاية الكوفة، يكون بها أميرا علي الصحابة المقربين وقاضيا وفقيها ومرجعا أعلي في الشؤون المالية والإدارية والقضائية، وإماما يقتدي به المسلمون في صلاتهم ويرجعون إليه في فتاواهم. وهو طريد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ولقد منع عثمان عن ذلك خيرة الصحابة فأمر وهو طريد رسول الله (صلي الله عليه وآله) والملعون من الله ورسوله. فبدأها بسلب بيت المال، فغاض عبد الله بن مسعود الصحابي العظيم صاحب بيت المال، وقدم مفاتيح بيت المال معتذرا، يقول: كنت أحسب أني خازن بيت [ صفحه 248] مال المسلمين لا خازن لبني أمية وآل بني معيط [302] . ويتسلم الوليد مفاتيح بيت المال، ويتجاهر بشرب الخمرة، ويشربها صباحا، ويصلي بالناس أربعا، ويتلو عوض القرآن شعرا [303] ، وعندما يفرغ، يخاطب المؤتمين به: هل أزيدكم، ثم يتقيء الخمرة في محرابه. وإذ يشكوه إلي الخليفة يضرب الشكاة وينكب الشهود، فيهب عليه النساء والرجال من الصحابة وزوجات النبي، وتحت ضغط الأمة يعزل ويحد [304] . ثم يعود الخليفة يستعمله علي صدقات كلب وبلقين، كأن الأمة خلت من الثقات. ولقد برهن عثمان بولاته وسيرته خروجه صراحة عن نصوص الكتاب وسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، بل حتي وسيرة الشيخين التي تعهد بها لعبد الرحمن بن عوف، وبرهن علي قلة ذكائه، وأنه ألعوبة بيد مروان وآل أمية. ابن أبي سرح: هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح، أخو عثمان من الرضاعة، أموي النشأة والنزعة والسلوك، مشرك قبل إسلامه، ومنافق بعده، أسلم وارتد وافتري علي [ صفحه 249] رسول الله (صلي الله عليه وآله) وممن أباح النبي دمه [305] . وصرح كت محاكمات الخلفاء وأتباعهم - الدكتور جواد جعفر الخليلي - ص 247 را تاب الله بكفره في سورة الأنعام الآية (93) قوله تعالي: - (ومن أظلم ممن افتري علي الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شئ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) -. وأجمعت التفاسير علي نزول الآية فيه [306] . هذا الرجل الذي استأمنه عثمان وتوسل إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعفوه من القتل، يدنيه الخليفة ويوليه مصر العظيمة، ويغرقه بالهدايا والمنح، ويطلق يده في بيت مال المسلمين ورقابهم، ويمنحه وحده غنائم شمال إفريقية من أقصاها إلي أقصاها [307] . ويقول عثمان في جواب من اعترض عليه: " هذا مال الله أعطيه من شئت وأمنعه عمن شئت رغم أنف من أبي واعترض ". كأن لم يكن كتاب ولا سنة، ولا هناك من مستحقين الذين أشارت إليهم آيات الخمس والزكاة، ولا سمع قول رسول الله (صلي الله عليه وآله): " والله ما أوتيكم من شئوأ منعكموه، إن أنا إلا خازن أضع حيث أمرت " [308] . وقال (صلي الله عليه وآله): " إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ". [ صفحه 250] ومعني التخويض هو العمل دون رعاية النصوص القرآنية والسنة النبوية. ولم يكتف ابن أبي سرح بالمال، بل ظلم وجار، وسار برأيه، حتي ضاق بأهل مصر فجاءوا الخليفة شاكين، وأعلنوا للصحابة أعماله فأعطاهم كتاب توبيخ له وسرا أطلق يده لقمعهم، وكرروا وكرر، حتي لم يجدوا بدا سوي التوسل بعزل عثمان نفسه. وازداد الوالي في القتل والجور، مما أدي إلي مجيء جموع غفيرة من المصريين للاستغاثة بالصحابة وعثمان، ومن بوادر قتله وعزله. الحكم عم عثمان وأولاده ملعونون: مر ذكر الحكم، وأن الحكم وولده ملعونون علي لسان رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فقد جاء عن عبد الله بن عمر عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، قال: ليدخلن الساعة عليكم رجل لعين، فوالله ما زلت أتشوف داخلا وخارجا حتي دخل فلان يعني (الحكم) [309] . وعن عمرو بن مرة قال: استأذن الحكم علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) فعرف صوته فقال: ائذنوا له لعنة الله عليه وعلي من يخرج من صلبه، إلا المؤمنون، وقليل ما هم، ذووا مكر وخديعة يعطون الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق [310] . وفي لفظ ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق ص 147: إئذنوا له فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وما يخرج من صلبه يشرفون في الدنيا ويترذلون في الآخرة، ذووا مكر وخديعة، إلا الصالحين منهم، وقليل ما هم. [ صفحه 251] ومرفوعا لرسول الله (صلي الله عليه وآله) إنه قال مشيرا للحكم [311] إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه، وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء، فقال ناس من القوم: هو أقل وأذل من أن يكون هذا منه، قال: بلي وبعضكم يومئذ من شيعته. وعن عائشة أم المؤمنين، حينما بايع الناس ليزيد في المدينة ومروان واليه في المدينة، خاطبت مروان قائلة: إنها لم تنزل في عبد الرحمن (تعني أخاها ابن أبي بكر) ولكن نزلت في أبيك (تعني الحكم): - (ولا تطع كل حلاف مهين - هماز مشاء نميم) - [312] . وقالت عائشة لمروان: سمعت رسول الله يقول لأبيك وجدك أبي العاص بن أمية: إنكم الشجرة الملعونة في القرآن [313] . وعنها أنها قالت لمروان: لعن الله أباك وأنت في صلبه، وأنت بعض من لعنه الله، ثم أردفت قائلة: والشجرة الملعونة في القرآن [314] . راجع الأسانيد في كتابنا الخامس من الموسوعة في كتاب الله في الحكم وولده، والخلفاء وبنو أمية وآل بني معيط. [ صفحه 252] الشجرة الملعونة: سورة الإسراء، الآية (60): - (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا) -. أخرجه ابن أبي حاتم عن يعلي بن مرة، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): رأيت بني أمية علي منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء. واهتم رسول الله (صلي الله عليه وآله) بذلك، وفيه نزلت الآية المارة الذكر. وجاءت عن مصادر كثيرة، ومنها عن ابن مردويه، عن الحسين السبط (عليه السلام) عن جده (صلي الله عليه وآله) [315] . وأخرج المفسرون أن الآية دلت بما جاء بنو أمية: معاوية ويزيد وآل الحكم من المنكرات والمظالم واستباحوا المحرمات. مروان بن الحكم: مروان بن الحكم بن أبي العاص ابن عم عثمان، الملعون ابن الملعون، الطريد ابن الطريد، الوزغ ابن الوزغ علي لسان رسول الله (صلي الله عليه وآله). عن عبد الله بن عوف، قال: كان لا يولد لأحد في المدينة ولد إلا جيئ به إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وقد أتي بمروان بن الحكم فقال (صلي الله عليه وآله): هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون [316] . [ صفحه 253] وقال (صلي الله عليه وآله) عندما مر الحكم بن العاص: ويل لأمتي مما في صلب هذا [317] . ونظر علي (عليه السلام) يوما إلي مروان فقال له: ويل لك وويل لأمة محمد (صلي الله عليه وآله) منك ومن بنيك إذا شاب صدغاك [318] . وقول الإمام علي (عليه السلام) أيضا في مروان: ليحملن راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه، وله أمره كلحسة كلب أنفه [319] . وهذا مروان يعترض علي معاوية حينما قصر في صلاته، وهو مسافر، قوله: ما عاب ابن عمك بأقبح ما عبته به، فقال لهما: ويحكما! وكان مع عمر وابن عثمان قد صليتها مع رسول الله ومع أبي بكر وعمر، قالا: فإن ابن عمك قد أتمهاوإن خلافك إياه له عيب. فخرج معاوية وصلي العصر أربعا [320] . وكان مروان وهو والي المدينة يقدم الخطبة علي الصلاة خلاف سنة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويسب بها عليا والحسنين (عليهم السلام) [321] ، وهما جلوس تحت منبر رسول الله (صلي الله عليه وآله). هذا الطريد الملعون يدنيه عثمان مع أبيه وأخوته، ويزوجه ابنته، ويتخذه وزيرا ومستشارا معه، ويعطيه فدك ويقدم له خمس شمال إفريقيا، هذا غير ما أطلق يده في الداخل والخارج وجعله رقيبا عليه، وسيأتي ذكر ذلك في الأموال. [ صفحه 254] الحارث بن الحكم أخو مروان: أحد أغصان الشجرة الملعونة الطريد مع أبيه وأخيه مروان من ألد خصوم رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعترته، وهو الآخر الذي يدنيه عثمان ويقدم له ابنته عائشة ويصاهره ويغدق عليه العطايا من بيت مال المسلمين. تلك الأموال التي خصصت للفقراء والمساكين وابن السبيل مما جاء في آية الخمس والصدقات، غير هياب من الله ومن الناس، يحرم منها ذوي العوز والفاقة من عامة المسلمين والصحابة البررة وآل بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) ليقدمها لأشقي خلق الله وألد أعدائه. ومذ لم يجد مناصا من رد جواب وعذر يقول: إنما وصلت رحمي، وقد نسي الآيات التي تذكر أن القسط والعدل لا يجوزان صلة الفاجر والفاسق وحرمان المؤمنين، ولو كان أقرب أقربائهم، هذا إذا كان ملكه وله فيه حق التصرف، فكيف وقد وهب الأمير ملك المسلمين وصدقات المعوزين؟! أنت أيها الغاصب مجلس خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ماذا ستجيب الله يوم الحساب إذا سألك: لماذا قدمت للحارث من بيت مال المسلمين ثلاثمئة ألف درهم، يا تري أقولك: وصلت رحمي ينجيك؟ وقد حرمت المئات والألوف، إذ تقدمها لأبي سفيان والحكم ولمروان والحارث وعلي نفسك وعشيرتك، ليتنعموا بها ويخزنوها، وحولك الجياع والمساكين والفقراء ذوي الحق الذين سلبتهم وغصبتهم وحرمتهم من سهامهم التي فرضها الله لهم [322] . وكيف قدمت للحارث غير ذلك (إبل الصدقات)؟ أتجيب ربك عند الحساب: قدمت مال الضعفاء الفقراء المساكين المعوزين الجياع العراة لرحمي؟ [ صفحه 255] أهذه يد الخليفة الأمين العادل؟ وهذه حجته! وقد نصحه المؤمنون من الصحابة العظام فلم يجدوا سوي الويل والنكال والضرب حتي الموت، والنفي إلي الربذة والتعذيب بأمر مروان وبنو عمومته علي لسان الخليفة. ومن هو الحارث الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون علي لسان رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي تعطه غير تلك العطايا، تقطعه سوق مهروز أو تهروز الذي تصدق به رسول الله (صلي الله عليه وآله) للمحرومين المعوزين؟ لبئسما القصاص يوم القيامة، ولسوف يري الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. عثمان وسعيد بن العاص: وسعيد هذا من نفس السلالة الخبيثة، وهو ابن العاص بن أمية، شاب أرعن فاسد الخلق فاجر من الطراز الأول سار علي سر أبيه المشرك الذي قتل مع مشركي قريش بيد إمام المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام) [323] ، فأظهر الإسلام وأبطن الكفر والحقد علي كل بدري خاصة ومسلم عموما، وأشدها علي علي (عليه السلام) وذرية رسول الله (صلي الله عليه وآله). وكان عثمان أراد أن يبرهن في عهد ولايته وخلافته، أنه هو ذلك الأموي الأصيل، لا يهمه كقطب من أقطاب أحزاب المشركين الوقيعة بأقدس مقدسات الإسلام وشرعه وأمته، وإذا به إذ لم يجد بدا من عزل السكير الفاسق وليدا من ولاية الكوفة وحده إلا وأن يسلط عليهم من هو أحقر وأشد من سلفه فيرسل سعيدا، ذلك الجاهل الفاجر الأرعن المعتد بآل أمية من خلاصة أولئك الطلقاء! فاعجب كل العجب كيف يرجع الشئ إلي أصله، هذا عثمان الأموي الذي [ صفحه 256] أسلم وسار كأحد المهاجرين كيف انقلب بعد هذا الزمن الطويل علي عقبه يكيد للمسلمين كالحية الرقطاء، وإذا هو ذلك الأموي ومن تلك الأحزاب المناوئة. وستري بعد أن تري سيرته مع بني أمية كيف سار مع آل البيت والصحابة المقربين، بل مع الأمة الإسلامية، لا يردعه عقل ودين ووجدان، وكأنه ببغاء بيدمروان وآل أمية، ينطق كيفما يكلموه، ويفعل كيفما يعلموه [324] . ولم يردع الخليفة نصح الناصحين من بقية أعضاء الشوري العمرية وباقي الصحابة المقربين من المهاجرين والأنصار، وكأن لم يكن في الإسلام من هو أسبق للإيمان وأتقي وأعلم وأعدل من هذا الوغد الصعلوك، بل قل لم نجد في المنافقين الفجرة أشد رجسا منه ليوقره الخليفة هذا بعد أن قدم له مائة ألف من بيت المال. هذا الخليفة العجوز لا زال يتظاهر بالقدسية ويأخذ علي ناصحيه أنه إنما يصل رحمه، ولقد بلغ الندم بعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص علي ما فعلا، ولكن هيهات، وقد ذكرهما الإمام علي (عليه السلام) بكل ما وجداه، وحسب عثمان وهو يصل عبد الرحمن وسعدا بالأموال الطائلة من بيت مال المسلمين أنه سد أفواههم وأعمي أبصارهم، بيد أن البلية أعظم والرزية أجل أن يتقبلها المؤمن والفاسق أمثال عبد الرحمن بن عوف وسعد وطلحة والزبير والصحابة، وحتي أقل المسلمين. ولقد صدق رسول الله (صلي الله عليه وآله) في حديثة: إذا بلغ آل العاص الثلاثون اتخذوا دين الله دغلا وعباده خولا ومال المسلمين دولا. فهذا سعيد بعد الوليد الفاسق السكير، وكان الخليفة يريد أن ينتقم من أهل [ صفحه 257] الكوفة الذين أثبتوا جرم الوليد، ليسلط عليهم أرعنا يذيقه مر العذاب، حتي يترحموا علي سلفه، يعقبهم بمن هو شر منه. وفي الكوفة من الصحابة الكرام العظام ممن كان مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولما يتكون سعيد نطفة عند أبيه المشرك. وبدأها سعيد بما يتركوا من الصحابة حينما طلب شهودا لعيد الفطر، فيتقدم الصحابي العظيم والمجاهد الكبير هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الذي فقد إحدي عينيه في حرب اليرموك فداء وتضحية لإعلاء كلمة الإسلام، وهي تعد من أعظم المفاخر، نعم تقدم هذا الصحابي ليشهد أنه رأي الهلال، فسخر منه سعيد لأنه واحد العين، ونسي سابقته وبسالته وتضحيته وعلمه وسنه وكل مراحل الإيمان، وقال له مستهزئا: بعينك هذه العوراء رأيت الهلال من بين القوم؟ فقال هاشم: تعيرني بعيني، وإنما فقئت في سبيل الله! وقد أفطر هاشم في بيته وغدي الناس عنده، فبلغ سعيدا فأرسل إليه فضربه وأحرق داره. فيا للويل للخليفة ولواليه الصعلوك، ولمن ولاه خليفة ومن ولي سلفه وسلف سلفه. فكانت هذه من المساوئ العظمي التي أهابت بالمسلمين في الشرق والغرب، وزعزعت أركان خلافة عثمان، وقدمت الشكاوي لعثمان، واشتد عثمان يثيره مستشاره الفاجر، ذلك هو مروان بن الحكم الملازم للخليفة. واتخذ بلاد الشام وابن عمه معاوية مقرا ومنفي لكل من أعياه أمره. وجاء وفد الكوفة إلي عثمان يريدون عزل سعيد، وجاء سعيد فأبي عثمان، وبعد توبيخهم وطردهم طلب عودة سعيد إلي مقره كأشد من السابق، ورجع القوم قبله واحتلوا الكوفة، ومذ قفل سعيد راجعا للكوفة منعوا سعيدا من دخوله الكوفة، وردوه إلي عثمان، وكانت بداية العاصفة التي أطاحت بعثمان وأدت إلي قتله. [ صفحه 258] ولولا معاوية وما دس وزور واختلق من الأحاديث، فصنع للجناة قداسة دونها قداسة الأنبياء، وللقديسين تشويها دونه أعمال المردة الفجرة لما وجدت انحراف الأمة وانحطاط الشريعة وخلق المذاهب، فويل للسقيفة والشوري ومن خلقها. عبد الله بن خالد الأموي: عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية [325] ، يدنيه الخليفة ويزوجه ابنته ويأمر له بستمئة ألف درهم، يأخذها من بيت مال المسلمين، ولكل فرد من الوفد الذي جاء معه من مكة مئة ألف، فلم يوافق خازن بيت مال المدينة عبد الله بن الأرقم، ذلك الصحابي التقي، فوبخه عثمان علي امتناعه، وقال: ما أنت إلا خازن لنا. فأجابه: كنت أحسب نفسي خازنا للمسلمين لا خازنك، وما خازنك سوي غلامك، والله ما أنا لك خازن ولا لأهل بيتك، وأتي بالمفاتيح وعلقها علي المنبر، وفي قول ألقاها إلي عثمان، فدفعها عثمان إلي ناتل مولاه، وبعدها ولي زيد بن ثابت الأنصاري. ومن يحاسب عثمان علي ما أنفق لما استلم المفاتيح؟! وقيل إنه وضع علي بيت المال معيقيب بن فاطمة خازنا، وبعث إلي عبد الله بن الأرقم بثلاثمئة ألف درهم فأبي أخذها، وقال: إن كانت من بيت مال المسلمين فلا استحق مثلها لأثاب بها، وإن كانت من مال عثمان نفسه فإني كاره أخذها منه [326] . وتري الفرق والبون الشاسع بين الخليفة وبين الصحابي التقي الذي يأبي أن يركن للظلم ويتابع الخليفة علي إجحافه الفاحش. [ صفحه 259] أبو سفيان: رأس الشرك ورئيس الأحزاب، هو حرب بن أمية، العدو اللدود لنبي الإسلام قبل الإسلام وقطب المنافقين بعد إسلامه، وقد ثبت بقاؤه علي الكفر [327] . فقد رأي بأم عينيه الناس يطؤن عقب رسول الله (صلي الله عليه وآله) فحسده، فقال في نفسه: لو عاودت الجمع لهذا الرجل. فضرب رسول الله (صلي الله عليه وآله) في صدره ثم قال: إذا يخزيك الله. وفي رواية أخري قال في نفسه ما أدري لم يغلبنا محمد؟ فضرب (صلي الله عليه وآله) في ظهره وقال: بالله يغلبك. وإليك خطاب أبي ذر لمعاوية في الشام يوم نفاه إليها عثمان ليحقره ويؤنبه، حيث قال له: يا عدو الله وعدو رسوله. فأجابه أبو ذر: ما أنا بعدو الله ولا لرسوله، بل أنت وأبوك عدوان لله ولرسوله، أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر. وحقا فقد لعنهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) يوم وجد أبو سفيان راكبا وأحد ابنيه يقود والثاني يسوق، فقال (صلي الله عليه وآله): اللهم العن الراكب والقائد والسائق [328] ودخل علي عثمان وقد أعمي الله بصره وحسب أن مجلس عثمان خال من الأغيار، فقال: اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية [329] . وقد أعطي عثمان لأبي سفيان مرة مئتي ألف من بيت المال [330] . وخاطب أبو سفيان عثمان يوم ولي الخلافة: صارت إليك بعد تيم وعدي [ صفحه 260] فأدرها كالكرة واجعل أوتادها بني أمية، فإنما هو الملك ولا أدري ما جنة أونار [331] . فتظاهر عثمان أمام الحاضرين بالغيظ بيد عملا نفذها قيد الشعرة بالشعرة، كما فعلها سلفيه، فوصلت بني أمية وأعقبهم بنو العباس الذين كانوا أشد من سلفهم علي آل بيت الرسالة وإبقاء ما كان في عهد الأمويين من الدس والتحريف علي آل البيت والإشادة بخصومهم لإسناد ملكهم. يعلي بن أمية: هو أحد ولاة عثمان الذي مد الناكثين بعد مقتل عثمان بالمال ضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حرب الجمل، وهو أحد المناوئين الكائدين للإسلام وآل بيت الرسالة وأنصار الأحزاب من الأمويين، بلغ ثراءه علي حساب بيت مال المسلمين وابتزاز حقوقهم، حتي نراه يخلف من النقود الذهبية ما يساوي في ذلك العهد خمسمئة ألف دينار، ومن العقار والديون مئة ألف دينار [332] ، وغير ذلك من الثراء الذي بذله لإثارة حرب الجمل ضد أمير المؤمنين علي (عليه السلام). زيد بن ثابت: أحد خزنة بيت مال عثمان والذي أثري علي حساب موافقة عثمان وآل أمية بابتزاز بيت مال المسلمين بعد ابن أرقم الأبي التقي، هذا زيد بن ثابت بما استباح هو ونهب وبما قدمه له شريكه بالنهب الخليفة الثالث، جمع الذهب [ صفحه 261] والفضة، ومن منقول وغير منقول، مما لا يحصي له حساب، وهي مئات الألوف [333] . ويتبع هؤلاء العشرات، بل المئات من أعوانهم الذين قسموا بيوت مال المسلمين بينهم وحالوا دون وصولها لمستحقيها. سلوكه مع الصحابة: تلك كانت أعماله مع آل أمية وآل بني معيط، وكلما تظلم الناس من ولاته اشتد مع الصحابة، صحابة رسول الله (صلي الله عليه وآله) البررة من المهاجرين والأنصار، ولم يبق أحدا من أجلتهم إلا رده وأهانه وأبعده، وظل يزيد في شدته معهم، حتي نراه يقسوا مع النخبة أهل الشوري فيبعد عليا (عليه السلام) مرارا إلي ينبع، وزاد أنه أهان وشتم عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص اللذان انتخباه لمنصب الخلافة، وندما علي ذلك من حيث لا ينفع الندم، وهو في البدء لم يأل جهدا من ملأ خزائنهم، كما يأتي ذكره، من الذهب والفضة، بيد كلما مر الزمن ابتعد عنهم وبعدهم وأدني بني عمومته وأنصارهم، حتي بالتالي أصبح ألعوبة بيد مروان يقوده كيفما شاء، حتي انقلب عليه المسلمون في المدينة وكافة الأقطار المفتوحة، ولم يبق أحدا من المهاجرين والأنصار إلا حنقوا عليه، وأصدر الجميع فتواهم بخلعه، وإن لم يخلع نفسه طوعا، فقتله والتخلص من موبقاته وأشراره وولاته، وسوف نذكر النذر اليسير من الصحابة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والذين لم يرضوا متابعته علي ظلمه، بعد أن أعياهم النصح، بل قسي عليهم حتي الموت. [ صفحه 262] عبد الله بن مسعود: وعبد الله بن مسعود من أجله الصحابة، وقد نزلت فيه آيات عدة من القرآن تشيد بذكره، ومنها الآية (52) من سورة الأنعام، قوله تعالي: - (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين) - نزلت في ابن مسعود، وقيل في ستة آخرين معه [334] . كما نزلت الآية (172) من سورة آل عمران في ثمانية عشر منهم ابن مسعود، قوله تعالي: - (الذين استجابوا لله والرسول من بعدما أصابهم القرح للذين أحسنوامنهم واتقوا أجر عظيم) - [335] . والآية (9) من سورة الزمر، قوله تعالي: - (أمن هو قانت إناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة) - نزلت في ابن مسعود وعمار وسلمان الفارسي. ولابن مسعود فضائل ذكرها الكتاب والمحدثون ووردت في الصحاح الستة والمستدرك وحلية الأولياء والاستيعاب وغيرها، وذكرها الإمام أحمد وابن ماجة. وقيل عن ابن مسعود أنه أشبه النبي (صلي الله عليه وآله) في هديه ودله وسمته، وقال عنه (صلي الله عليه وآله): " تمسكوا بعهد ابن أم عبد ". وصحبه رسول الله (صلي الله عليه وآله) ووثق به وواصله [336] . [ صفحه 263] وهو سادس ستة دخلوا الإسلام، يعني أسبق من أبي بكر وعمر وعثمان (فقد كان أبو بكر تلاه نحوا من خمسين إلي الإسلام) وهاجر الهجرتين وشهد كل الوقائع، وأولها بدر، وأهم ما همه نشر المعارف الإسلامية، وفي مقدمتها القرآن وسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله). وبعثه عمر إلي الكوفة لتثقيفهم في الدين، كما بعث معه عمار بن ياسر، وقال: إنهما خير قدوة يقتدا بهما. وهذا عثمان يعزل سعدا ويولي الرجل الفاسق السكير ولاية الكوفة ويعبث ببيت مال المسلمين فيرمي ابن مسعود مفاتيح بيت المال لهم قائلا: من غير غير الله ما به، ومن بدل أسخط الله عليه، وما أري صاحبكم إلا غير وبدل أيعزل مثل سعد ويولي الوليد. ومن أقواله: إن أصدق القول كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشرالأمور محدثاتها، وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار [337] . فكتب عنه الوليد لعثمان واستدعاه، وما أن وصل عثمان علي منبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقال: قدمت عليكم دولية سوء، من يمشي علي طعامه يعش ويسلم فأجابه ابن مسعود: لا بل صاحب رسول الله يوم بدر ويوم بيعةالرضوان [338] . ونادت عائشة: أي عثمان أتقول هذا لصاحب رسول الله؟ فأمر عثمان بإخراجه من المسجد بعنف وضرب به عبد الله بن زمعة الأرض، وقيل يحموم [ صفحه 264] غلام عثمان، فكسر ضلعه، ودافع عنه الصحابة وأخص عليا (عليه السلام) وحبسه عثمان في المدينة وقطع عنه حقه، ومات ابن مسعود قبل عثمان بسنتين، وأوصي أن لا يصلي عليه عثمان [339] . وقيل إن عثمان أمر بجلد ابن مسعود لأنه دفن أبوذر الغفاري الذي يلي ذكره، وهما أقرب وأبر وأتقي وأسبق من عثمان، وأنصح منه للإسلام، وكانت هذه إحدي جنايات عثمان التي سببت قتله. أبو ذر الغفاري: سماه رسول الله (صلي الله عليه وآله) عبد الله وكنيته أبو ذر، وكان اسمه قبل الإسلام جندبا، وهو من قبيلة غفار. وكان قبل إسلامه حنيفا موحدا مصليا [340] ، ورابع من أسلم، وقيل ثالث من أسلم [341] ، وهو أول من حيي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بتحية الإسلام، قائلا:السلام عليك يا رسول الله، فأجابه: وعليك ورحمة الله [342] . وامتاز منذ أول يومه في الإسلام بإخلاصه وشدته في ذات الله ويقينه الثابت [343] . وهو أول إسلامه أراد إظهار دينه، فحذره رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأصر، فسكت عنه، [ صفحه 265] فجاء المسجد الحرام وقريش حلق يتحدثون في المسجد، فصاح صارخا: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فأحاطوه ضربا حتي صرع، وأنقذه العباس، وكررها في اليوم التالي وأنقذه العباس أيضا.وكان يشبه بهديه وتواضعه بعيسي بن مريم [344] . وهو الصدوق عند رسول الله (صلي الله عليه وآله) حيث قال: ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر. وقد روي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله): إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا عباد الله خولا ومال الله دولا ودين الله دغلا. فكانت روايته هذه شديدة الوطأة علي عثمان لأنه منهم، بل رأسهم. والرواية حقيقية متواترة، وما أبو ذر إلا الرجل الصادق الذي تواترت بصدق لهجته الأحاديث عن رسول الله (صلي الله عليه وآله). كما جاء في كتاب السفيانية للجاحظ عن جلال بن جندل الغفاري، وكان غلاما لمعاوية فشهد جدالا بينه وبين أبو ذر الغفاري الذي نفاه عثمان إلي الشام، فكان أشد الناس علي معاوية، وهتكه لتصرفات معاوية الشائنة، وإذ قال له معاوية: يا عدو الله وعدو رسوله، فأثبت له أبو ذر الغفاري إنما معاوية هو عدو الله وعدو رسوله، وكيف أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لعنه ولعن أباه، وكيف حذر رسول الله (صلي الله عليه وآله) المسلمين من معاوية ودعا عليه بأنه لا يشبع، وحذر الأمة منه [345] ، ولعنه فهدده معاوية بالقتل، وشكاه إلي عثمان فأمره بإرساله علي أغلظ مركب بعد أن كان معاوية قد حبسه، فوجه من سار به ليل نهار علي شارف ليس عليه غير القتب، وما أن دخل المدينة حتي تساقط لحم فخذيه، ومنها نفاه إلي أوعر بلاد [ صفحه 266] الله وهي الربذة، ولم يزل بها حتي مات. والذي حمل عثمان ومعاوية علي ذلك أن الرجل الصالح صاحب رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول في المدينة والشام، حينما يري بذخ عثمان علي نفسه وعلي بني عمومته وعلي طلحة والزبير و عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص ومعاوية، وكيف يعيش عيشة الأكاسرة، كل ذلك بأموال المسلمين، وهناك أقرب الصحابة وآل البيت في أشد العسر والفقر، أمثال عقيل بن أبي طالب الذي هد الفقر والدين مضجعه، فيقول أبو ذر: والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه، والله إني لأري حقا يطأ، وباطلا يحيي، وصادقا يكذب، وإثرة بغير تقي وصالحا مستأثرا عليه، ويتلو آيات القرآن، وأشدها وطأة علي عثمان وبني أبيه الآية (34) من سورة التوبة: - (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) -. والآية (35) من سورة التوبة: - (يوم يحمي عليها في نار جنهم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) -. ويرن صداها في قلوب المسلمين البررة والمعوزين، وهم يشاهدون بذخ عثمان وآل أمية بأموال الصدقات والخمس والفئ، ويري آثارها عثمان وآل أمية وأتباعهم فيوغرون صدر الخليفة حتي لم يجد بدا إلا ما رأينا. ولقد ثبت كلما جري علي أبي ذر من نكايات عثمان وآل أمية ظلما وقهرا لمحض أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ولخروج عثمان عن حدود الله، حتي نفاه إلي الربذة قهرا، وحيدا حتي مات بها. ولقد شبه أبو ذر في زهده بعيسي بن مريم [346] . [ صفحه 267] وإنه: ما أقلت الغبراء علي ذي لهجة أصدق من أبي ذر. من سره أن ينظر إلي تواضع عيسي بن مريم فلينظر إلي أبي ذر [347] . وفي لفظ الحاكم في المستدرك مرفوعا: ما تقل الغبراء ولا تظل الخضراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفي من أبي ذر، شبيه عيسي بن مريم. فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله فنعرف ذلك به قال (صلي الله عليه وآله): نعم فاعرفوه له. ونقلها أشهر المحدثين والكتاب، كابن ماجة وأبي نعيم، وغيرهما عن عدة طرق كعبد الله بن عمر، وعمرو بن العاص وأبي الدرداء. ورغم ذلك فلم يجد عثمان وآل أمية إلا الطعن به، لأنه فضحهم [348] ، وكيف يطعنون بمن صدقه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وبلغت شهرته بالصدق كل الأسماع، وإن مكذبه لهو الكذاب الأشر [349] . أما علم أبي ذر، فقال كان كثير السؤال من رسول الله (صلي الله عليه وآله) وامتلأ وعاؤه بالفقه والأصول وفضائل الأخلاق، وقد أكثر المحدثين والكتاب في فضله [350] . [ صفحه 268] وبلغ منزلة رفيعة عند رسول الله (صلي الله عليه وآله) في صدقه وأمانته، حتي كان يسره دون غيره [351] . وهذا أبو نعيم [352] في حليته: يجله لا يجل مثله من الصحابة، حيث يقول فيه: العابد، الزاهد، القانت، الوحيد، رابع الإسلام، ورافض الأزلام قبل فرع الشرع والأحكام، تعبد قبل الدعوة بالشهور والأعوام، وأول من حيي الرسول (صلي الله عليه وآله) بتحية الإسلام، لم تكن تأخذه في الحق لائمة اللوام، ولا تفزعه سطوة الولاة والحكام، أول من تكلم في علم البقاء والفناء، وثبت علي المشقة والعناد، وحفظ العهود والوصايا، وصبر علي المحن والرزايا، واعتزل مخالطة البرايا إلي أن حل بساحة المنايا، أبو ذر الغفاري رضي الله عنه خدم الرسول وتعلم الأصول ونبذ الفضول. من عظماء المجاهدين في زمن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وبعده وأجلهم وأشجعهم أمرا بالمعروف علي حد قوله تعالي في سورة آل عمران، الآية (104): - (ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) -. وإذ رأي خروج عثمان وآل أمية علي حدود الإسلام أقام جهاده للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كأشد فرد، صابر لما صبت عليه من الرزايا حتي قضي نحبه. ولقد أعيي معاوية وعثمان إقناعه بالمال وغيره فأبي إلا أن يكون أمينا ناصحا. وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله) أخبره بما يحل به فلم يأبه للوم اللائمين حتي أخبر بما سيقاسيه لعثمان نفسه، أنه ينفي، وكثيرا مما نزل به وما ينزل به بعد موته، ومن [ صفحه 269] يتولي دفنه، كل ذلك أخبره به رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقد منع عثمان أحدا أن يودعه، فلم يودعه سوي علي والحسنين (عليهم السلام) وعقيل، وعارضه مروان فزجره، وبكي أبو ذر عند وداعه وهو يقول لعلي وولديه: بأبي أنتم وأمي إذا رأيتكم ذكرت رسول الله بكم [353] . وقال له علي: يا أبا ذر إنك غضبت لله إن القوم خافوك علي دنياهم وخفتهم علي دينك فامتحنوك بالقلي ونفوك إلي القلا، والله لو كانت السماوات والأرض علي عبد رتقا ثم اتقي الله لجعل له منها مخرجا، يا أبا ذر: لا يؤنسنك إلا الحق، ولا يوحشنك إلا الباطل. ثم قال للحسنين: ودعوا عمكم. وقال لعقيل: ودع أخاك. ثم تكلم عقيل فأحسن الكلام، ثم تكلم الحسن (عليه السلام) فأجاد، وتكلم الحسين (عليه السلام) وسلاه. ولم يزل أبو ذر آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، لا يردعه عن ذلك أي خوف وتهديد وزجر وإهانة ونفي وتعذيب من عثمان وأفراد قبيلته وأتباعه الذين فضحهم، وما ارتدعوا عن منكراتهم، متمسكا بالآية الشريفة من سورة آل عمران، الآية (104): - (ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) -. لا تأخذه في الله لومة لائم، وحق له والله ذلك، وهو العالم المعلم يري بني العاص وآل أمية يخضمون مال الله وعباده خضمة الإبل نبتة الربيع، قد اتخذوا عباد الله خولا ومال الله دولا ودينه دغلا، يتنعمون بمال المسلمين ويكنزون الذهب والفضة من مال الصدقات والخمس والفئ. وخيار المسلمين وآل بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) لا حول لهم ولا قوة يقاسون [ صفحه 270] الأمرين، والناس حياري يتضورون جوعا، والصحابة تحت أشد الظروف، ليس لأحدهم أن ينبس بكلمة نصح أو تظلم إلا كانت عليه نقمة الخليفة. ولم يستثن عثمان من الجور والعداء حتي لأعظم رجل في الإسلام من هو نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأخوه ووصيه وخليفته، ذو الفضائل والمكارم، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، حتي نجده ينفيه مرارا إلي ينبع، وثم يستدعيه كلما ألمت به ملمة، ودارت عليه الدوائر، ولم يجد لحلها إلا أبا الحسن (عليه السلام) استرجعه كل معضلاته، وعاد للكيد والوقيعة به ونفاه أخري [354] . قال الله تعالي في سورة الزمر، الآيتان (17 و 18): - (فبشر عباد - الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب) -. ليطبقها القارئ الكريم علي عثمان مع ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله (صلي الله عليه وآله) وسيرة أبي الحسن علي بن أبي طالب (عليه السلام) والصحابة البررة الذين يقدمون له أحسن القول وهو لا يصغي إلا إلي مروان، حتي أرداه في الدنيا، وأما الآخرة ففيها الحساب النكر علي كل درهم ودينار حرم منها مستحقيها وقدمت لأشرار خلق الله خروجا علي كتاب الله وسنة رسوله (صلي الله عليه وآله) ومظالمه الأخري، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. [ صفحه 271] وسيأتي في فصل الأموال ما فرض الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) في كتابه وسنته من الفروض الواجبة في أخذها وخمس وغيرها، وما ندب إليه المسلم من غيرها، وكيف يجب أن تنفق، وحرمة خزنها، وحرمة وضعها في غير أهلها، والجزاء الصارم من الله للجابي والمقسم والخازن والمانع في الفروض والمعاصي العظيمة للأثرياء حتي بعد أداء الفروض تجاه الأقرباء والمعوزين. بل حتي في غير الأثرياء إذا أمكنهم تقديم المساعدات المعنوية وأعرضوا عنها، فكيف بمن منع الفروض وخنق أصوات الداعين للحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ذلك نبذة من ذكر أبي ذر، وهاك مختصرا من سيرة عثمان مع العبد الصالح عمار بن ياسر، ومن هو عمار بن ياسر؟ عمار بن ياسر: عمار بن ياسر وأمه سمية، الثلاثة من أخلص المسلمين المؤمنين، قتل المشركين أمه وأباه عداء للإسلام، وقال رسول الله (صلي الله عليه وآله) في عمار: إن عمار ملئ ايمانا من قرنه إلي قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه. وقد نزلت في عمار كثير من الآيات نعتا له منها الآية (106) من سورة النحل [355] ، والآية (9) من سورة الزمر [356] والآية (52) من سورة الأنعام [357] . [ صفحه 272] والآية (61) من سورة القصص [358] ، والآية (122) من سورة الأنعام [359] ، وتجدها في التفاسير جميعها، أخص ما مر ذكره. تلك نبذ من النصوص الواردة فيه في الكتاب، أما ما ورد فيه من الفضائل عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) فلا يحصيه هذا الكتاب، وللقارئ الكريم مراجعة كتاب مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 295 وكنز العمال [360] . ولقد جاهد هذا الصحابي العظيم بيده ولسانه وقلبه وسمعه وبصره كأبي ذر، حتي قتل شهيدا في صفين، قتلته الفئة الباغية، كما أوعده بذلك رسول الله (صلي الله عليه وآله). وعمار وأبو ذر من نخبة النخبة، الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولقد قاسي بسبب تقديم النصح والإرشاد لعثمان الأمرين. منها لما ضاقت بالمسلمين مناكير عثمان وتركه للحدود من الكتاب والسنة، وجاهر بإبعاد خيرة الصحابة، وتفضيل بني أمية وآل العاص وقدمهم واتخذهم وزراء ومشاورين وأفرغ بيوت وخزائن الأمة في خزائنهم، وبلغ ظلمهم الشرق والغرب، كما مر، أجتمع الصحابة ومنهم من العشرة المبشرة وأهل الشوري وغيرهم وحرروا الكتاب لعثمان عساه يرتدع، وحمل الكتاب عمار بن ياسر إليه، وما أن تلا الكتاب حتي أمر عثمان غلمانه فمدوا عمار وأخذ يضربه بقدميه علي مذاكيره حتي أغمي عليه وأصيب بالفتق. [ صفحه 273] وأخري استعمل عثمان حلي بيت المال للزينة فاعترضوا عليه فصعد المنبر وتكلم، وما أن نبس عمار حتي أمر بضربه، لدرجة أغشي عليه، حتي أنكرت عليه جميع الصحابة وأمهات المؤمنين. فالقارئ أمام كتاب الله وفضائل عمار هذا الصحابي الجليل وعمل عثمان معه. ومما امتدحه رسول الله (صلي الله عليه وآله): إن الله يبغض مبغض عمار ويؤذي مؤذيه، وإن الحق يدور مع عمار، وإنه الطيب المطيب. ولم يجهل عثمان قدر عمار ولا تغرب عنه كرامات الصحابة، وموبقات آل أمية وبني العاص، فعمار هذا يقف حائلا ويخزي عثمان كأبي ذر [361] . وقد قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) في عمار: اصبروا آل ياسر موعدكم الجنة. وقوله (صلي الله عليه وآله): اللهم اغفر لآل ياسر، وقد فعلت. وعن عثمان ومعاوية: تقتل عمار الفئة الباغية، وأن قاتل عمار في النار، وهذا الخبر ورد عن أم المؤمنين عائشة، وأنس، وحذيفة، وربح بن سمية، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر، وعن معاوية، وعثمان نفسه، وخزيمة، وأبو هريرة الدوسي، وأبي سعد، وأبي أمامة، وأبي قتادة، وزيد بن أبي أوفي، وكثير غيرهم [362] . [ صفحه 274] تلك سيرته مع أبي ذر، وهذه سيرة عثمان مع عمار، ولا يخفي عن عثمان ما رواه رسول الله (صلي الله عليه وآله) فيه، وما نزل فيه من الكتاب، وبالتالي تقتل عمار الفئة الباغية أولاد عم عثمان، أولئك الذين رباهم ومدهم بالغي والعدوان، وسلطهم علي رقاب الصحابة البررة، والظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. مع المقداد: وما أجل المقداد عند الله ورسوله! فهو من السابقين الأتقياء والأوابين علي لسان رسول الله (صلي الله عليه وآله)، والذي لا تأخذه في الله لومة لائم. قال (صلي الله عليه وآله): " أمرني الله بحب أربعة: علي والمقداد وأبو ذر وسلمان ". وقوله (صلي الله عليه وآله): " الجنة تشتاق إلي أربعة: علي وعمار وسلمان والمقداد ". وهو من المهاجرين السابقين، هاجر الهجرتين وشهد بدرا وكل المشاهد مع رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وهو من النجباء الأربعة عشر، وزراء رسول الله (صلي الله عليه وآله) ورفاقه [363] . من أولئك الأفذاذ الذين لم يغرهم الدرهم والدينار ومباهج الدنيا، فضلوا كما كانوا بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي العهد مخلصين لدين الله، ومؤازرين آل الله، كما أمر النبي الكريم (صلي الله عليه وآله). وهو القائل يوم الشوري يوم بويع عثمان وهو جاثيا علي ركبتيه في مسجد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، يتلهف تلهف من كانت الدنيا له فسلبوها منه: " واعجبا لقريش ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم! وفيهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وابن عم رسول الله (صلي الله عليه وآله)، أعلم الناس وأفقههم في دين الله، وأعظمهم عناء في الإسلام، وأبصرهم [ صفحه 275] بالطريق، وأهداهم للصراط المستقيم. والله لقد ردوها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي، وما أرادوا إصلاحا للأمة ولا صونا للمذهب، ولكنهم آثروا الدنيا علي الآخرة، فبعدا وسحقا للقوم الظالمين ". وبعد مقال قال المقداد: " أما والله لقد تركته من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون ". وبعد كلام قال المقداد: " ما رأيت مثل ما أوتي أهل هذا البيت بعد نبيهم، ولا أقضي منهم بالعدل، ولا أعرف بالحق، أما والله لو أجد أعوانا " [364] . ومن منكرات عثمان الأخري مع الصحابة: هو نفي الصحابة البررة عن مقر أعماله وزجرهم وإقصائهم كلما قدموا له النصح أو تظلموا إليه مما يقاسوه منه أو من عماله الأمويين، وفيهم العالم والزاهد والشجاع المجاهد، والأمين الناصح والأبي المكافح، كمالك النخعي وصعصعة وزيد أبناء صوحان، وكميل بن زياد ويزيد النخعيين، وعائد بن حملة الطهوري التميمي، من خيار الكوفة وأبرارها في عهد ولاة عثمان الأمويين الفجرة، وتسفيرهم إلي الشام لزجرهم علي يد معاوية. وذهبت كل سوابق رجالات الإسلام من خيار الصحابة المجاهدين هباء تحت إرهاق هذا الخليفة وآل أمية، وأصبحوا لا ألعوبة فحسب بل ساموهم مر العذاب وأهانوهم أمر الإهانات بين ضرب ونفي وقتل، ومزقوهم شر ممزق، بين عثمان في المدينة وسعيد ووليد قبله في الكوفة ومعاوية في الشام وابن أبي سرح في مصر متهمين إياهم بإثارة الفتن والعصيان علي أولي الأمر، ولم يجدوا لهم بعد [ صفحه 276] تلك العزة والجماعة سوي التشتت والسبي والخذلان بيد تلك العصبة التي أولدتها السقيفة وخلقتها الشوري التي قامت علي الغصب والغدر والظلم والعداء وإرجاع العصبيات ورد الأحزاب مبرقعة تحت برقع الإسلام ومدت يدها إلي أسس الإسلام وأصوله وفروعه ومؤسسيه لسحقها باسم الإسلام شر ساحق، ونشر ما شاءت من اختلاقها باسم سيد الرسل كائدة لله ولرسوله فبئسما جنت أيديهم والله لهم يوم القيامة وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

نظرة عثمان للأموال

ونقصد بالأموال تلك الأموال التي يجب قسمتها علي مستحقيها بصفة خاصة أو بصورة عامة، وهي أربعة: 1 - التركات: وتقسم علي الورثة حسب الآيات القرآنية والسنن النبوية، وهي خاصة لمستحقيها، ومصدرها التركات الحاصلة بعد وفاة صاحبها. 2 - الصدقات: وهي كما مر جاءت في الآية (60) من سورة التوبة: - (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله) -. وتؤخذ حسب السنة من موارد خاصة من مواد زراعية وحيوانية ومقادير معينة وفطرة عيد الفطر، تؤخذ من أموال الأغنياء لتوزع علي الفقراء، ويختص بها المعوزون وأهل الفاقة من المناطق المأخوذة منها، فإن فضلت أو لم يوجد فإلي [ صفحه 277] الأقرب فالأقرب. وقد مر ذكر ذلك في الجزء الخامس كتاب عثمان من موسوعتنا هذه. 3 - الخمس الوارد في سورة الأنفال الآية (41) قوله تعالي: - (واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل) -. وقد عين رسول الله (صلي الله عليه وآله) موارد الغنيمة وأقسام وطرق توزيعها بصورة مفصلة مر ذكرها في الجزء الثالث والخامس من الموسوعة هذه. 4 - الأنفال: قوله تعالي في سورة الأنفال: - (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) - [365] . ومنه الفيئ الوارد في سورة الحشر الآيتان (6) و (7) قوله تعالي: - (وما أفاء الله علي رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله علي من يشاء والله علي كل شئ قدير - ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فلله وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل) -. ولكل مستحقيها، فالخمس يؤخذ من الغنائم، وما أحد أولي من أحد، ولاالسهم تستخرجه من جنبك، ليس أنت أحق من أخيك المسلم [366] . [ صفحه 278] وعنه (صلي الله عليه وآله) في الفيئ إذا جاءه فيء قسمه من يومه فأعطي ذي الأهل حظينوالأعزب حظا [367] . وفي الصدقات فالسنة فيها أن أهل كل بيئة أحق بصدقاتهم ما دام فيهم ذو حاجة، ولم يقصد من الولاية فيها الجباية بل هي أخذها من الأغنياء وصرفها علي فقراء محالها. قوله لمعاذ حين أرسله إلي اليمن يدعوهم للإسلام: " فإذا أقروا لك بذلك فقل لهم: إن الله قد فرض عليكم صدقة أموالكم تؤخذ من أغنيائكم فترد في فقرائكم " [368] . بيد أن عثمان ضرب عرض الحائط النصوص وما أمر الله في توزيعها علي مستحقيها، وما ورد في سنة الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وعين فيها المستحقين ومن هو أولي من الآخر، كما مر أعلاه، وتمسك بكلمة: الأقربون أولي بالمعروف، ونسي، بل تناسي الأقربون المؤمنون، وليس فيما فرض الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) بل ما يخص المرء ملكه عدا الفروض. نعم هو يحسب نفسه أحق بالتصرف بجميع الأموال وبيوت مال الأمة لينفقها علي نفسه وعلي المستهترين الفجرة والسكيرين الملاعين من الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، من آل أمية وآل العاص وأتباعهم، وأن يكنزوا الذهب والفضة، ويظل الفقر المدقع والمجاعة بين أفراد الأمة، أمثال عقيل بن أبي طالب ابن عم رسول الله (صلي الله عليه وآله) تكبله الديون وتخيم علي أفراد عائلته المجاعة، والوليد الفاسق يوليه ولاية الكوفة ويقدم له بيوت أموال المسلمين ولبني عمومته. [ صفحه 279] ويجبي معاوية بن أبي سفيان الأموال ليدخرها ويكنزها ويبني بها القصور، ويدخرها لتقديمها للوقيعة بالمسلمين وإقامة الفتن وشراء الضمائر، وجمع الخونة حوله. ويقدم لمروان خمس غنائم إفريقيا، ولأبي سفيان وابن أبي سرح والحارث وسعيد لكل منهم مئات الألوف من بيت مال المسلمين دون أن يردعه دين أو ضمير أو ضجة وصخب الصحابة واعتراضاتهم، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، بل صم أفواه المتظلمين مهما بلغوا من المكانة والتقوي والعلم والسابقة والاخلاص والتضحية، بالقهر والقوة والإهانة والتنكيل حتي القتل. وهذا عثمان مثل سلفيه منع الخمس من بني هاشم، وهم محرومون من الصدقات، وعاد وسلب من آل البيت فدكا وأعطاها لمروان، فنري آل بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وبنو هاشم أقل أفراد المسلمين صلة. جاء عن جبير بن مطعم أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لما قسم سهم ذي القربي بين بني هاشم وبني المطلب، قال جبير: أتيته ومعي عثمان، فقلت: يا رسول الله، هؤلاء بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم، أرأيت بني المطلب أعطيتهم ومنعتنا؟ وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة. فقال: إنهم لم يفارقوني! ولم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، وإنما هم بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد. وشبك بين أصابعه ولم يقسم لبني عبد الشمس ولا لبني نوفل من ذلك الخمس شيئا [369] . أنظر إلي عثمان وهو يعلم كيف احتف بنو هاشم برسول الله (صلي الله عليه وآله) يوم قاطعته قريش بتحريض بني عبد الشمس وواصلوه وآمنوا به، وكيف أن بنو أمية حاربوه، [ صفحه 280] واليوم يريد مساواتهم. وأما عثمان في زمن خلافته فلم يكتف بحرمان آل بيت الرسالة، بل كل المسلمين، وقدم خمس شمال إفريقيا البالغ خمسمئة ألف دينار كواحدة من العطايا، وفدك وغيرها لمروان وحده، وأمثالها لمعاوية وابن أبي سرح وأبي سفيان وسعيد والوليد، وقبلهم لعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير، حتي بلغت ثروتهم المخزونة من الذهب والفضة الملايين في ذلك العهد. ولو أعار الخليفة لأبي ذر وعمار والمقداد وجميع الصحابة نصائحهم وتلاوتهم الآية (34) من سورة التوبة: - (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) - وغيرها من الآيات الأخري أي اهتمام لما قاسوا من عثمان وعصبته الأمرين. قال ابن قتيبة في معارفه ص 84، وأيد ذلك ابن أبي الفداء في تاريخه ج 1 ص 168: إن عثمان قطع فدك (وهي نحلة رسول الله لفاطمة) لمروان بن الحكم. وجاء في العقد الفريد [370] إن عثمان قطع مروان خمس إفريقيا بعد فتحها وهي حق كافة المسلمين. وقبلها حينما زوج مروان ابنته أم أبان قدم له مئة ألف من مال بيت المسلمين في المدينة، فاعترض عليه خازن بيت المال زيد بن أرقم، وقال: لو أعطيت مروان مئة درهم لكان فوق حقه فكيف تعطيه هذا المال الغزير؟ فلامه عثمان، وقال: أتبكي لأني وصلت رحمي؟ وأخذ منه مفاتيح بيت المال.وأتاه أبو موسي بأموال العراق فقسمها كلها بين بني أمية [371] . وفي إفريقيا أعطي عثمان خمس إفريقيا في الغزوة الأولي لابن أبي سرح [ صفحه 281] وأعطي مروان خمس الغزوة الثانية [372] . وقيل إن الغنائم بلغت ألفي ألف دينار وعشرين ألف دينار، فأطلقها عثمان في يوم واحد لآل الحكم، وقيل لمروان. وروي الطبري عن أسامة بن زيد أن عثمان وجه ابن أبي سرح إلي إفريقيا كان الذي صالحهم عليه بطريق إفريقيا (جرجير) ألفي ألف دينار وخمسمئة ألف دينار وعشرين ألف دينار فبعث ملك الروم رسولا وأمره أن يأخذ منهم ثلاثمئة قنطار، فما أخذ منهم عبد الله بن سعد، إلي أن قال: كان الذي صالحهم عليه عبد الله بن سعد ثلاثمئة قنطار ذهب فأمر بها عثمان لآل الحكم، قلت: أو لمروان؟ قال: لا أدري. تري لو راجعت ما قدم عثمان لغيرهم وحرم المسلمين، لعري الذهول الحكماء والسفهاء من أفعال هذا الخليفة، ورغم ذلك فإني أري عثمان أسعد حظا من سلفه، فقد أظهر كثيرا مما يبطن وأعلن صراحة ظاهرا وباطنا عن أعماله التي عملها وتحزبه لأعداء الإسلام وأعداء محمد وآله، ومن حارب الإسلام بسيفه ولسانه، حتي أكره علي الإسلام، وظل يبطن الشرك والكفر والنفاق، كأبي سفيان وأولاده وآل العاص وكافة بني أمية، ومن واصلهم وتابعهم وقال: إنما أصل رحمي. كما وأنه عثمان نفسه عاش عيشة الملوك، وصرف علي نفسه من بيوت مال المسلمين، كأحسن ما يستطيع أن يعيش مرفها. ولكن نري سلفه أبطنوا الحقد والعداء كأقصي ما يستطيعون لمحمد وآله والإسلام، وأقصوا خيار الأمة، وقربوا شرارها، وأسسوا أساس الظلم منذ السقيفة [ صفحه 282] إلي هذا اليوم، وإلي اليوم الذي يعيد الله دولة الحق، وتظاهروا بالزهد وظلموا أنفسهم، بينما أنعموا علي غيرهم ممن تابعهم. وما عثمان سوي جسر نصبوه للعبور إلي آل أمية بقصد القضاء المبرم علي آمال علي (عليه السلام) وآل رسول الله (صلي الله عليه وآله). ولا ننسي عمر وهو يسأل ابن عباس: هل بقي في نفس ابن عمك شئ للخلافة؟ وسؤاله من حذيفة عالم الصحابة بالمنافقين عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، سائلا منه: هل ذكرني رسول الله في المنافقين؟. وقد مرت بأسانيدها في الأجزاء الماضية: في الجزء الثالث والرابع من الموسوعة. الحمي: وكانت عادة أشراف الجاهلية استغلالهم المراتع العامة لهم ومنع الناس والفقراء علي الأخص من رعي مواشيهم وإبلهم وخيلهم، فجاء الإسلام ورفع كل هذا الحيف فعمم مساقط المطر والكلأ الطبيعي النابت في المناطق العامة حقا للجميع، ويتساوي فيه كل الناس علي حد سواء، قاضيا علي كثير من المظالم. وقال (صلي الله عليه وآله): لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ.وقال (صلي الله عليه وآله): من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه الله فضله يوم القيامة [373] . وقال (صلي الله عليه وآله): لا حمي إلا لله ولرسوله. كانت تحمي بعض المناطق لإبل الزكاة وماشيتها وأنعام الصدقة وخيل [ صفحه 283] المسلمين المجاهدين، وإنما هي فضل مراتع عامة لمنفعة المسلمين ومصالحهم [374] . وهكذا أعاد الإسلام للعامة حقوقها من ذوي النفوذ والقدرة، كما أعانهم بالخمس والصدقات والفئ. أما عثمان فأعادها لنفسه ولآل أمية وآل بني معيط دون عامة الناس، وحتي دون إبل الصدقة [375] ، عملا حادد به الله ورسوله [376] . ولعمري أقدم لقارئي الكريم رواية رواها البيهقي [377] في سننه ج 6 ص 348 - 349 حين ساوي علي (عليه السلام) في خلافته بين العربية والمولاة، وقال: ما وجدت في كتاب الله فضل لولد إسحاق علي ولد إسماعيل. وهكذا سار رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) علي أثره، وخالف ذلك عمر في قسمته كما مر. وأما عثمان فتصرف بها تصرف المالك وضرب النصوص والسنن عرض الحائط. [ صفحه 284] وبإمكان القارئ الكريم أن يراجع كتاب الأموال لأبي عبيد ص 224 - 227، وفتوح البلدان للبلاذري [378] ، وغيرها ليري عمر أيضا شذ عن النصوص والسنن في التقسيم والولاة وغاير فعله قوله حينما كان يقول: يجب تقديم البدريين علي غيرهم، وينظر للسابقة والعلم والتقوي والمجاهدين علي القاعدين، وإذا به عملا يقدم الطلقاء علي صحابة الرسول (صلي الله عليه وآله) ويؤخر آل رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعليا (عليه السلام) ويقدم عليه كما مر ورأيت، حتي ختمها بتقديم الخلافة إلي عثمان الأموي، ولم يكن بدريا، وليست له أي ميزة وكرامة، وأخر أبا الفضائل، نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله)، الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، وما خان الله ورسوله طرفة عين، ولا تنس قضيته معأخيه عقيل حينما أتاه وهو خليفة ليقض دينه [379] كيف كلمة وأجابه، وبيده بيوت أموال المسلمين. أين هذا من عثمان وتلاعبه؟ أين الثرا وأين الثريا؟ وقد مر ذكر هبات عثمان لآل أمية وآل بني معيط، وتعال معي إلي ما أغدقه علي عبد الرحمن بن عوف الذي ولاه الخلافة ذلك الرجل الذي امتدحه عمر وقال: إن إيمانه يساوي نصف المسلمين جمعاء لتري كيف استحل هذا الصحابي أموال بيت المال التي أغدق بها عليه عثمان وكم خلف من الذهب والفضة تلك التي كنزها خلاف ما أمر الله به في الآية الشريفة (34) من سورة التوبة: - (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) -. والآية (35) من سورة التوبة: - (يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم) -. ولم يحظ عبد الرحمن بن عوف من عثمان بهذا الثراء وحده، بل هناك أمثاله [ صفحه 285] مثل سعد بن أبي وقاص هو الثاني الذي أيد عثمان في خلافته وكلاهما ينتسبان لبني أمية من جهة الأم وقد ندما حينما وجدا عثمان رغم ما أغدق عليهما من المال قد خيب آمالهما بالولاية والخلافة، حيث مال إلي ذويه من آل أمية، وأخذ يقلل من صلتهم، حتي اشتد الخلاف بينهم، واتهم عبد الرحمن بالنفاق وعزل سعدا من ولاية الكوفة. وكذلك نري عثمان ملأ جيوب طلحة والزبير بالذهب والفضة بأضعاف ما مدهم به عمر، بيد أنهما كانا يأملان منه الولاية فخابا وحابا بنو عمومته عليهم فانقلبوا عليه. هبات عثمان لعبد الرحمن: عبد الرحمن بن عوف أحد أعضاء الشوري وأحد الثلاثة الذين قال عمر: إذا كان معهم فالخلافة له وحكم علي الباقين الثلاثة بالموت إن خالفوا. وهو الذي نص علي عثمان وأثري علي حسابه بيد أنه وقع خلاف بينهما فيما بعد لإبعاده وميوله لبني أمية حتي قال فيه عثمان: إن عبد الرحمن بن عوف منافق(من أعان ظالما سلطه الله عليه) [380] . وعبد الرحمن طلب من علي أن يرفع سيفه لمحاربة عثمان لأنه خرج علي عهده، وهو بالوقت صهر عثمان وأمه أموية. ولقد أمده عثمان جزاء له بالذهب والفضة والخيل والأغنام والأراضي مما يضيق علي الحاسب عدها. وإذا راجعت التواريخ كاليعقوبي تجد أن عبد الرحمن طلق إحدي نسائه الأربع، وبعد موته ادعته بالإرث فورثها عثمان فلحقها من ربع الثمن يعني 132 من النقود ما يساوي مئة ألف دينار. [ صفحه 286] وقال المسعودي: إن عبد الرحمن ابتني داره ووسعها، وكان علي مربطه مئة فرس، وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم، وكان يزرع بالجرف علي عشرين ناضحا، ذلك بعض ما ذكر [381] . وما لم يذكر كثير، فمن أين أتي عبد الرحمن بهذا الثراء الطائل؟ وكيف كنز هذا الذهب والفضة وهو يتلو كتاب الله في سورة التوبة الآية (34): - (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) -. وقوله تعالي في سورة التوبة الآية (35): - (يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم) -. فأين قول عمر فيه: إن إيمانه يساوي نصف إيمان المسلمين أجمع، وهؤلاء بنو هاشم وآل بيت الرسالة وما فيه من العسر؟ وهذا عقيل ابن عم رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأخ علي بن أبي طالب (عليه السلام) يئن تحت كأهل الدين الذي يساوي أربعين ألف درهم، ولا يمده عثمان، ويأتي عليا (عليه السلام) زمن خلافته يرجو سد دينه فيوعده أن سوف يقدم له سهمه من القسمة، وهي لا تسد النزر اليسير منه. هذه غنائم عبد الرحمن من عثمان من بيت مال المسلمين والمسلمون المعوزين والفقراء يتضورون جوعا. رحم الله أبا ذر ذلك الصحابي الشهم الذي رفع علم الجهاد وأعلن علي رؤوس الأشهاد هؤلاء الخونة من خازني المال ومبذريها علي غير أهلها والحارمين منها ذويها. [ صفحه 287] هبات عثمان لسعد بن أبي وقاص: وسعد أيضا أحد أعضاء الشوري، وأمه أموية، وهو الثاني الذي حابا عثمان وندم، وكيف لا وقد عينه واليا للكوفة، ثم عزله وأرسل مكانه الأموي السكير الفاجر الوليد. ولم يكن سعد أقل ثراء من عبد الرحمن مما أمده به عثمان، وذكر المؤرخون الكثير عنه، وبعض نقوده التي وقفوا عليها، وأمواله المنقولة وغير المنقولة [382] ، فقد ترك مئتين وخمسين ألفا، وما خلف من العقارات. وسعد هو الخائب الثاني بانتخاب عثمان بعدما سلب منه إمارة الكوفة ليعطيها إلي الوليد الفاجر الأموي، وخسر الدنيا بعد ما خسر الآخرة بخيانته في الشوري. وهذا ابنه عمرو بن سعد قاتل الحسين السبط (عليه السلام) في كربلاء، الذي خسر هو الثاني الدنيا والآخرة وقتل علي فراشه حقيرا بالكوفة بأمر المختار الثقفي. هبات عثمان للزبير: وهو أحد أعضاء الشوري، وزوج أسماء ابنة أبي بكر، تسنده عائشة ألد أعداء آل بيت الرسالة من النساء، وظل عثمان يغدق عليه أموال بيت مال المسلمين حتي بلغت ثروته عشرات الملايين، ودوره العشرات وضياعه في شرق الإمبراطورية الإسلامية وغربها. قال البخاري: كان عند الزبير من المال خمسون ألف ألف ومئتا ألف، أي خمسون مليون ومئتا ألف، وأنه خلف [383] إحدي عشر دارا بالمدينة ودارين في البصرة ودارا بالكوفة ودارا بمصر. [ صفحه 288] وقال ابن الهاشم: إن الصواب أن ما يملكه الزبير من المال كان تسعة وخمسون ألف ألف وثمانمئة ألف [384] . وأيد قوله ابن بطال والقاضي عياض وهم يخطئون البخاري في حسابه. وأضاف ابن سعد في طبقاته [385] إن الزبير كان يملك في مصر بالإسكندرية وفي الكوفة في كل منها خطط، وله دور في البصرة، وله ضياع تفيض عليه الغلاة في أعراض المدينة.وأن الزبير خلف ألف فرس وألف عبد وألف أمة وخططا [386] . فمن أين أتي بهذه الأموال الواسعة؟ وللمحقق البحاثة إذا ما درس علة نكوث الزبير وطلحة علي علي (عليه السلام) وعدم مبايعة سعد لعلم إنما هو انقطاع أملهم من المال والمآل في علي (عليه السلام) الذي يعرفهم حق المعرفة، وزاد في الطين بلة يوم نادي علي بأعلي صوته علي منبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد أن بايعه المسلمون أنه سيعيد كل مال خرج من بيت مال المسلمين إسرافا في عهد عثمان، فكان هذا إعلانا وإيذانا لجميع أولئك الذين كنزوا مثل هذه الأموال. لذا نري طلحة والزبير وعائشة وآل أمية وأنصارهم وهم أعداء فيما بينهم يتكتلون ضد قوي علي (عليه السلام) العادلة الداعية إلي القسط وقطع أيديهم ودابرهم [387] . هبات عثمان لطلحة بن عبد الله: هو ابن عم عائشة المستنكر فعل أبي بكر لاستخلافه عمر، والمتحامل علي [ صفحه 289] عمر حينما أراد أن يقول فيه شيئا فقال: قل فإنك لا تقول خيرا، وهو أحد أعضاء الشوري. وكانت تشد أزره عائشة لحد بعيد وترجو أن يكون الخليفة، وهي التي حركته وحركها ضد عثمان، وبعدها اتفقا علي حرب الجمل، بعد أن بايع عليا نكث بيعته. وهو الذي جاء مع الزبير لعلي (عليه السلام) يطلبان منه إحدي الولايات الكبري فيأبي عليهما فيفارقانه علي الغدرة باسم العمرة. وتلك كلمة عثمان في طلحة يوم كان يحرض علي قتله: ويلي علي ابن الحضرمية (يعني طلحة) أعطيته كذا وكذا بهارا ذهبا وهو يروم دمي، يحرض علي نفسي. ونقل عن عمرو بن العاص أن طلحة ترك مئة بهار في كل بهار ثلاث قناطر ذهب، وسمعت أن البهار جلد ثور. وذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد أنهم وجدوا في تركة طلحة ثلاث مئة بهار من ذهب وفضة. وأخرج ابن الجوزي أكثر من ذلك، قوله: إن طلحة خلف ثلاث مئة حمل ذهبا، وكان لطلحة ما لا يحصي من الدور والضياع في مختلف البلاد الإسلامية. وعن محمد بن إبراهيم قال: كان طلحة بغل بالعراق ما بين أربع مئة ألف إلي خمس مئة ألف دينار، وبغل بالسراة عشرة آلاف دينار، وقيل إنه كان بغل في السراة أكثر من العراق، والسراة بين تهامة ونجد، أدناها الطائف، وأقصاها قرب صنعاء. وعن سفيان بن عيينة وإبراهيم بن محمد بن طلحة وسعد بن أم يحيي بن طلحة، [ صفحه 290] عما تركه طلحة من النقود من الذهب والفضة ما يفوق الملايين [388] . فمن أين جاء طلحة بهذه الأموال؟ وما هو إلا صحابي كبقية الصحابة، واعتراف عثمان في أمره في مرة واحدة يظهر لك تحقيق الآية (67) من سورة الزخرف: - (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) -. وإذا ما راجعت الجزء الأول والثاني من موسوعتنا لوجدت كيف أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) بمقاتلة الناكثين والقاسطين والمارقين، وتوصيته صحابته والمسلمين علي مقاتلتهم باعتبارهم الفئة الضالة، وفيهم طلحة والزبير وآل أمية وعائشة أم المؤمنين، ومن تابعهم. وتري عثمان كيف أعان الظالمين بإسرافه ليعرض مال المسلمين عليهم، فانقلبوا عليه وكان خسرانا له في الدنيا والآخرة. ومن قبل وجدنا عثمان وبذخه علي آل أمية وآل بني معيط وعلي نفسه ومن سايره، مثل زيد بن ثابت خازن بيت المال في المدينة بعد ابن أرقم الذي لم يتابع عثمان وألقي بمفاتيح بيت المال إليه وامتنع أن يكون خازنا لها. زيد بن ثابت: هو خازن بيت مال المدينة ساير عثمان في حياته وأثري علي حسابه واغتصاب أموال المسلمين، وقد جمع من أموال السحت ما لا يقل عمن ذكرناهم [389] . [ صفحه 291] إسراف عثمان علي نفسه: أسرف علي نفسه كما أسرف علي خاصته، بل أعظم مما مر ذكره، كالملوك الرومان والأكاسرة المستبدين الجبابرة. وعد من نصحه جرحه، ومن أرشده فضحه وقدحه، ومن سايره امتدحه. فالنكال للصالحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والصلات والهبات للطالحين المجارين له فيما أسرف وبعثر، قال: هذا مال الله أعطيه من شئت، وأمنعه من شئت، فأرغم الله أنف من رغم. ويوم قتل اختلفت الروايات فيما خلفه من الأموال المنقولة وغير المنقولة، من الحلي والنقود والذهب والفضة والإبل والماشية والمماليك والإماء والضياع والدور. قيل إن الأموال التي نهبت منها عند خازنه فقط تساوي ثلاثون ألف ألف وخمسون ألف درهم ومئة وخمسون ألف دينار، وألف بعير، وما يساوي من الصدقات في براديس وخيبر ووادي القري ما قيمته مئتي ألف دينار، وكان له ألف مملوك [390] . وما كان يتحاشي من لبس أحسن اللباس من الخز والبرد. وما أوجز ما قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في خطبته الشقشقية: " قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ". وراح علي (عليه السلام) يهدد أولئك الذين ابتزوا أموال المسلمين بمنح عثمان لهم بقوله: [ صفحه 292] " ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكلما أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال ". هذا الأذان وهذا الإنذار دفعهم جميعا، القاتلين لعثمان أمثال طلحة والزبير وعائشة ومن تابعهم، وسعدا وأتباع عبد الرحمن وكل من أثري من عثمان، ثم جاهر وحرض علي قتله، حتي قتل، وآل أمية الموثورون من هؤلاء، أن يؤلفوا جبهة واحدة ضد علي (عليه السلام) والمهاجرين والأنصار والمسلمين تخلصا من اليوم الموعود الذي هدد به علي (عليه السلام). ولولا كيد الكائدين والأموال المخزونة المبذولة للقضاء علي الحق القائم، وبالتالي لولا القدر المحتوم من قتل أبي الحسن (عليه السلام)، لوجدت الإسلام علي غير ما تراه اليوم، بل لوجدت العدل والمساواة شملت وجه الأرض جميعا. ولقد بلغت هبات عثمان وصلاته، بل بعض ما ذكر منهم لخمسة عشر نفر منهم من تلك الأموال، التي اغتصبها من بيوت مال المسلمين تساوي (4310000) دينار و (126770000) درهم. وتلك بعض ما قدمه الخليفة من الصدقات والخمس العائدة للمعوزين والفقراء والمساكين من المسلمين، قدمها للحكم وأولاده وابن أبي سرح وأبي سفيان والوليد ويعلي بن أمية وزيد بن ثابت وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص. وأما ما أخذه لنفسه فأكثر، وهناك عشرات المضاعفات التي لم تذكر تلك غير الضياع والعقارات والغلمان والإماء والأحشام والخيل والإبل، كلها ذهبت ونهبت إلي صفوته وخواصه. وظل خيار الأمة من الصحابة البررة وبينهم آل بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وفقراء ومساكين المسلمين معدمين محرومين، أمثال عقيل بن أبي طالب الذي أنهكه [ صفحه 293] الفقر والديون [391] . ومن المنافقين الذين سوف يحاسب علي أمواله ولا مغنم له عند علي عمرو بن العاص، كتب لمعاوية: أيها معاوية ما كنت صانعا فاصنع إن قشرك ابن أبي طالب من كل مال تملكه كما تقشر العصا لحاها. وما أحلي هذه الكلمة من ابن العاص، فهو إذ يشهد علي عدل علي (عليه السلام) يشهد علي أن كلما عند معاوية فهو سحت من أموال المسلمين مما جمعه من الصدقات والخمس وأمثالهما، فتثور ثائرتهم ويتكتلون. ولقد مر وقلنا أن الأموال المفروض أخذها وإرجاعها لذوي الحق، وهي أربعة الصدقات والخمس والأنفال والتركات، ولها نصوص في الكتاب وسنة تفصيلية. ورأينا كيف أن عثمان لم يعرها أبدا رعاية، وأن هناك آيات أخري كان يجاهر بها الصحابة البررة، أخص أبو ذر منها قوله تعالي في سورة التوبة، الآية (34) - (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) -. وقوله تعالي في سورة التوبة، الآية (35): - (يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم) -. وقوله تعالي في سورة الفرقان، الآية (67): - (والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) -. وإنما يقصد ذلك الذين ينفقون من أموالهم الخاصة، وتري ليس للمرء أن يسرف حتي في أمواله، بيد أن عثمان عد الصدقات والخمس والأنفال أمواله الخاصة، ورغم ذلك يقدم مئات الألوف لغير مستحقيها من أعداء الشريعة. [ صفحه 294] وقوله تعالي: - (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة) - سورة البقرة، الآية (261). وقوله تعالي: - (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله) - البقرة، (265). فهل أنفق ماله الخاص في سبيل الله أم هو أنفقها علي أفراد تنطبق عليهم الآية (36) من سورة الأنفال: - (الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله) -. فكيف وهو ينفق صدقات المسلمين والخمس والفئ لأفراد يقصدون بها الصد عن سبيل الله، أمثال آل العاص وآل أمية! أم تري الخليفة طبق الآية (177) من سورة البقرة، حيث قال تعالي: - (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتي المال علي حبه ذوي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتي الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) -. فأي نص من نصوص الكتاب طبقه الخليفة؟ وأية سنة من وصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) وشريعته صغي لها وطبقها؟ وتلك الأموال الطائلة التي خزنها وخزنها الذين وهبهم إياها. وهاك بعض أحاديث رسول الله (صلي الله عليه وآله) لتنظر إليها أيها القارئ الكريم وتنصف وتري أن الخليفة وهو صحابي قد سمع أحاديث رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وكيف خلفها وراء ظهره. قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): " ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلا جعل الله بكل [ صفحه 295] قيراط صفحة من نار يكوي بها قدمه إلي ذقنه " [392] عن ابن أبي حاتم. وعن أبي يعلي مرفوعا: " لا يوضع الدينار علي الدينار، ولا الدرهم علي الدرهم، ولكن يوسع جلده فيكوي بها جباههم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ". إن رسول الله (صلي الله عليه وآله) عاش كما عرفت ومات ولم يدع دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شاة ولا بعيرا وترك درعه رهنا عند يهودي بثلاثين صاع من شعير [393] . وممن يدافع جهلا وعنادا ونفاقا لإخفاء الحقائق ونسبة الموبقات إلي الصحابة البررة، أمثال الخضري وأحمد أمين يوم هاجما الصحابي الأمين الصادق أبا ذر الغفاري دفاعا ومحاباة لبني أمية وتهمة هذا الفذ المجاهد بالشيوعية وأنه مأخوذ بدعوة ابن سبأ ابن السوداء اليهودي استنادا إلي رواية الطبري، تلك الرواية التي ثبت كذبها علي يد الدكتور طه حسين والكاتب المحقق محمود أبو رية في كتابه (أضواء علي السنة المحمدية) وكتاب عبد الله بن سبأ للكاتب البحاثة الضليع السيد مرتضي العسكري، وأنها رواية مدسوسة وضعتها يد الإجرام الأموية مما وضعت. وقال أيضا (صلي الله عليه وآله): " إن الله فرض علي أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجد الفقراء إذا جاعوا وغروا إلا بما يصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا ويعذبهم عذابا أليما " [394] . [ صفحه 296] وإني أتساءل: أولئك الذين جمعوا تلك الأموال والذهب والفضة ممن مر ذكرهم، وعلي رأسهم الخليفة، أخفي عنهم ما فيه عقيل بن أبي طالب وأمثاله من الفقر المدقع؟! وقال (صلي الله عليه وآله): " من كان معه فضل من ظهر فليعد به علي من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل من زاد فليعد به علي من لا زاد له ". وقال (صلي الله عليه وآله) أيضا: " علي كل نفس في كل يوم طلعت الشمس صدقة عنه علي نفسه، فسئل: يا رسول الله: من أين أتصدق وليس لنا أموال؟ قال: أن من أبواب الصدقة التكبير، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، واستغفر الله، وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، وتعزل الشوكة عن طريق الناس والعظم والحجر، وتهدي الأعمي، وتسمع الأصم والأبكم حتي يفقه، وتدل المستدل علي حاجة له وقد علمت مكانها، وتسعي بشدة ما فيك إلي الله فان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة منك علي نفسك " [395] . هذا يذكرني بأبي ذر وعمار وما قاسوه من الخليفة وعماله وهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر [396] . وتري غير الفروض الواجبة هناك فروض منتدبة ومستحبة لإعانة الملهوفين والمحتاجين والفقراء والمساكين، ومد يد المعونة المادية من أموال يملكونها، لا كما فعل الخليفة بالصدقات والخمس والأنفال وهبتها إلي أفسق ومن هو أشد خلق الله نفاقا، وحرمان المستحقين منها، وقوله: إنما أصل رحمي، وهم يكنزون الذهب والفضة وينفقونها لإذلال خلق الله وطمر شريعته وإنهاك خلقه، وإنزال النكال بمن أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو سعي جادا لإنقاذ البشرية من [ صفحه 297] الضلال ومن التعاسة إلي الهداية والسعادة من الجوع والعري ومن الجهل ومن المرض ونشر الحقيقة وبث العلم والدعوة إلي المساواة وهدم مراكز الضلال والغواية. كل هذا ويقف خليفة المسلمين لصد أمثال هؤلاء المجاهدين والمتصدقين بما له من حول وطول وإنزال أشد العقوبات الصارمة بهم ومد يد المعونة لأندادهم وأعدائهم من ذوي الكفر والفسوق والعصيان والظلم والاعتداء قائلا: إنما أصل رحمي بما أمدني الله به وأرغم أنف من رغم.

آراء المسلمين في عثمان

ولا نستطيع أن نعرض للقارئ الكريم نظر أفراد المسلمين فردا فردا، وسوف نعرض آراء النخبة المرموقة قولا وعملا، وكذلك آراء العامة أو من له علاقة بعثمان، بادئين بعلي (عليه السلام) إمام المتقين وأجل فرد بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) عند الله ورسوله والناس أجمعين. رأي علي (عليه السلام): وعلي (عليه السلام) غني عن البيان، وقد مر وذكرنا بعض فضائله وكراماته عند الله وعند رسوله (صلي الله عليه وآله)، وهو الفاروق بين الكفر والإيمان [397] . هذا علي (عليه السلام) يري بأم عينيه منذ السقيفة إلي اليوم المتلاعبين بمقدرات المسلمين ودين الله، وكم أظهر الحقائق ولمح إليها في خطاباته وكتاباته زمن خلافته، ومنها الخطبة الشقشقية، معلنا للأمة تلاعيبهم وتجاوزهم. [ صفحه 298] وكم سمع علي (عليه السلام) من عثمان، وهو الصابر الحليم الحكيم، القرع والكلمات القاسية والأفعال المشينة، من إبعاده مرارا إلي الينبع، ومر ذكر بعضها. وهذا عثمان الذي لا يجهل مكانة علي (عليه السلام) من الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) يخاطب عليا (عليه السلام) دفاعا عن مروان الملعون علي لسان الله ورسوله (صلي الله عليه وآله): " ما أنت بأفضل عندي من مروان ولم لا يشتمك " [398] . وقول علي (عليه السلام) لابن عباس يوم طلب عثمان تسفير علي (عليه السلام) إلي الينبع: والله لقد دفعت عن عثمان حتي خشيت أن أكون آثما. وهو يري تلاعب وتوليته ولاته من آل أمية وأشقي خلق الله، والعبث بأموال المسلمين وصرفها علي بني أمية وهو منهم. وما أحلي كلمة علي (عليه السلام) لعثمان: يا عثمان! إن الحق ثقيل مرئ، وإن الباطل خفيف وبئ، وأنت متي تصدق تسخط، ومتي تكذب ترضي [399] . جاء في الرياض النظرة ج 2 ص 129: " إن عثمان دعا عليا فقال: يا أبا الحسن أنك لو شئت لاستقامت علي هذه الأمة، فلم يخالفني واحد. فقال علي: لو كانت لي أموال الدنيا وزخرفها ما استطعت أن أدفع عنك أكف الناس، ولكني سأدلك علي أمر هو أفضل مما سألتني. تعمل بعمل أخويك أبي بكر وعمر، وأنا لك بالناس لا يخالفك أحد ". وذلك أهون الشرين بنظر الإمام. من هذا الكلام يظهر أن عثمان يعرف أن الأمة تثق بعلي وتميل إليه وتصدقه. [ صفحه 299] ونعرف كذلك أن عثمان قد خرج حتي عن سيرة أبي بكر وعمر. وليس معني هذا أن عليا (عليه السلام) يري أن الخليفتين اتبعا حدود الله، ولكنها أهون الشرين، فهما خلطا ولم يتجاوزا مثل عثمان، الذي مال إلي بني أمية وملكهم بيوت الأموال، وسلطهم علي رقاب الناس، وإن كان هذا نتيجة أعمالهما المقصودة. وهاك كلمة الإمام علي (عليه السلام) لعثمان يوم تألب الناس عليه وأرسلوه وسيط منهم إلي عثمان، قال يخاطب عثمان [400] " إن الناس ورائي وقد استفسروني بينك وبينهم، ووالله ما أدري ما أقول لك، ما أعرف شيئا تجهله، ولا أدلك علي أمر لا تعرفه، إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلي شئ فنخبرك عنه، ولا خلونا بشئ فنبلغكه، وقد رأيت كما رأينا، وسمعت كما سمعنا، وصحبت رسول الله كما صحبنا، وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب بأولي بعمل الحق منك، وأنت أقرب إلي رسول الله وشيجة رحم منهما، وقد نلت من صهره ما لم ينالا، فالله الله في نفسك، فإنك والله ما تبصر عن عمي، ولا تعلم من جهل، وأن الطرق لواضحة، وأن أعلام الدين لقائمة، فأعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدي وهدي، فأقام سنة معلومة وأمات بدعة مجهولة، وإن السنن لنيرة لها أعلام، وأن البدع لظاهرة لها أعلام، وأن شر الناس عند الله إمام جائر، ضل وضل به، فأمات سنة مأخوذة وأحيي بدعة متروكة، وأني سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: يؤتي يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقي في نار جهنم فيدور فيها كما تدور الرحي، ثم يرتبط في قعرها، وإني أنشدك الله أن تكون إمام هذه الأمة [ صفحه 300] المقتول فإنه كان يقال: يقتل في هذه الأمة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلي يوم القيامة، ويلبس أمورها عليها، ويثبت الفتن فيها، فلا يبصرون الحق من الباطل، يموجون فيها موجا، ويمرحون فيها مرحا، فلا تكونن لمروان سيقة يسوقك حيث شاء بعد جلال السن وتقضي العمر ". فأجابه عثمان: كلم الناس في أن يؤجلوني حتي أخرج إليهم من مظالمهم. فقال علي (عليه السلام): ما كان في المدينة فلا أجل فيه، وما غاب فأجله وصول أمرك إليه. تري كيف تكلم علي (عليه السلام) وكيف وجه لعثمان أفعاله وجوره! فأجابه عثمان معترفا، وقد ثبت أنه إمام جائر وأنه مطية لمروان يسوقه كيف شاء حتي قتله بنقضه واستمراره لنكث النصوص والسنن والعهود وسيرة من سبقه، وإظهار البدع، وكيف استماله علي (عليه السلام) وجعله يذعن ويقر بما صنع، وأنه سيرد المظالم، بيد سرعان ما نكث. وتري رأي علي (عليه السلام) أوضح حينما بويع في الخلافة وأرسل مالك الأشتر لمصر، كتب لهم قائلا: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلي القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه، وذهب بحقه، فضرب الجور سرادقه علي البر والفاجر، والمقيم والظاعن، فلا معروف يستراح إليه ولا منكر يتناهي عنه [401] . وأما خطبته الشقشقية فتري فيها التظلم من الثلاثة أخص عثمان، وقوله في عثمان فيها: إلي أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلي أن انتكث عليه فتله وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته. [ صفحه 301] وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا في عثمان كما جاء في نهج البلاغة ج 1 ص 76: " لو أمرت به لكنت قاتلا أو نهيت عنه لكنت ناصرا، غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني، وأنا جامع لكم أمره: استأثر فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع ولله حكم واقع في المستأثر والجازع ". وفسره ابن أبي الحديد [402] تجد أن من نصره معناه أن خاذليه كانوا خيرا من ناصريه، لأن الذين نصروه كانوا أكثرهم فساقا، كآل أمية وأضرابهم وقد خذله المهاجرون والأنصار. ولقد صرح علي (عليه السلام) كرارا أن عثمان حادد الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وانحرف عن الكتاب وألسنة، وأنهم كفروا بعد إيمانهم واتبعوا أهواءهم [403] . خطب علي (عليه السلام) علي المنبر في الكوفة قائلا: " يا أبناء المهاجرين! انفروا إلي أئمة الكفر وبقية الأحزاب وأولياء الشيطان. انفروا إلي من يقاتل علي دم حمال الخطايا، فوالله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه ليحمل خطاياهم إلي يوم القيامة لا تنقص في أوزارهم شيئا ". فمن هو حمال الخطايا غير عثمان بنظر الإمام علي (عليه السلام). وجاء في العقد الفريد ج 2 ص 223 من كتاب لأمير المؤمنين (عليه السلام) إلي معاوية الذي أتخذ قتل عثمان ذريعة هو الآخر لسلب حق علي (عليه السلام). قال علي (عليه السلام) يخاطب معاوية في كتابه: " أما بعد فوالله ما قتل ابن عمك غيرك، وإني لأرجو أن ألحقك به علي مثل ذنبه وأعظم من خطيئته ". لأن معاوية أغري عثمان بالمخالفات وخانه عند المساعدة يوم تأزم الوضع. [ صفحه 302] وعلي (عليه السلام) علي يقين أن ما أنفقه عثمان من بيت المال يجب أن يعود ويقسم علي من وضعه الله له، لذا نراه يقول حينما استلم مقاليد الأمور: " ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شئ، ولو وجدته قد تزوج بالنساء وفرق في البلدان لرددته إلي حاله، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عنه الحق فالجور عنه أضيق " [404] . رأي عبد الرحمن بن عوف:قال الله تعالي: - (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) - [405] . نعم هذا عبد الرحمن الذي قدم الخلافة لعثمان محاباة وطمعا عاد اليوم بعد إثرائه من بيت مال المسلمين يطلب من علي (عليه السلام) إقامة الحرب علي عثمان لأنه نكث العهد، وأي عهد نكث! نعم خيب أمل عبد الرحمن بإحالة الأمر إليه. وهذا عثمان يقول في عبد الرحمن: إنه المنافق [406] . ولقد قال علي (عليه السلام) لعبد الرحمن يوم قلده الخلافة ولم يصغ لوعظه: والله ما فعلتها إلا لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دق الله بينكما عطر فشم. واستجاب الله دعاء الإمام (عليه السلام) إذ ألقي بينهما العداء وقدم عثمان علي عبد الرحمن وسعد غلمان بني أمية الكفرة الفجرة واتهم عبد الرحمن بالنفاق [407] . [ صفحه 303] رأي طلحة في عثمان: مر ذكر طلحة، وهو أحد أعضاء الشوري العمرية الذي ألقي في روعه عمر أن يقرن نفسه بعلي (عليه السلام) ويأمل الخلافة يوما ما، لا سيما وصلته أبي بكر ورابطته القوية بعائشة أم المؤمنين. وبدأ بعد نصب عثمان للخلافة الصلة به لابتزاز ما يستطيع من بيت مال المسلمين حتي وجدنا ثروته بين الصحابة هو والزبير غير أننا نجد طلحة رغم ما وصلته من عثمان من الثروات الطائلة التي باح بها عثمان نفسه، كما مر، كان يريد المزيد ويحلم بالخلافة أو ولاية يشبع بها نهمه. ولشد ما زاده غيظا علي عثمان لما وجد عثمان بدأ يكيل لبني أمية من الأموال بأضعاف ما يكيل له ويقرب من لم يكن في العير ولا النفير، بل بالعكس من أولئك المنفورين الملاعين المطرودين من رسول الله (صلي الله عليه وآله). واشتد إذ وجده يتخذ منهم الوزراء والمستشارين ويصاهرهم، وأشد أنه يوليهم أهم ولايات الإمبراطورية الإسلامية، ويؤهلهم للخلافة من بعده، حتي ثارت ثائرة طلحة، وتشد أزره أم المؤمنين عائشة، والزبير صهر أبي بكر وزوج أخت عائشة يشدوا الخناق علي الرجل العجوز المسلوب الإرادة المنقاد بيد مروان وبنو أبيه وأعمامه. فأثارا علي عثمان الرأي العام، وكانت في تلك حقائق لو كان رائدهم الحق، لا المطامع الشخصية التي ظهرت من نتيجة أعمالهم وبيعتهم عليا (عليه السلام) بعده ونكثهم البيعة وإقامته المجازر والفتك بالمسلمين في البصرة، وقيامهم بغصب الخلافة وإرغام المسلمين كما أرغموهم من قبل في السقيفة والشوري، وفي هذه المرة بالسيف والمكيدة. وهم يعترفون بخطاياهم فيقولون عند الاعتراض عليهم: نريد أن نلقي الحوبة [ صفحه 304] بالتوبة، ويا بئس ما جنت أياديهم وافتضحت نواياهم وخسروا الدنيا والآخرة. وإذا بعائشة التي مدحت عثمان بالأمس تقول اليوم: اقتلوا نعثلا قتله الله، وتقصد بنعثل عثمان، حتي إذا قتلوه وهي ترجوها لطلحة أو الزبير، وإذا بها وقد خاب أملها واشتد حسدها، وزاد حزنها إذ تولاها من بغضته، كأشد فرد بغضته هو وآله، وهو علي (عليه السلام) وأهل بيته، وقد ولي الأمر، فقالت: ليت السماء انطبقت علي الأرض، ولم تجد بدا إلا الطلب بدم عثمان، والقيام بمكيدة أخري يشد أزرها طلحة والزبير. وقد قال الله تعالي في سورة النساء، الآية (112): - (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا) -. لقد أجمع المهاجرون والأنصار علي عزل عثمان والتخلص منه وإن أبي مقاتلته، وبينهم طلحة والزبير، ولم يطعن أحد من المحققين أبدا علي أعمال طلحة والزبير ضد عثمان لأن عثمان غير وبدل وحادد الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) في سيرته. بيد أنه يؤخذ علي طلحة والزبير أمرين: أولهما: ابتزاز أموال المسلمين في حياة عثمان ومن عثمان. وثانيهما: مبايعتهما عليا (عليه السلام) الذي أطبقت علي بيعته الأمة، وغدرهما به ونصرتهما لآل المقتول، يعني بني أمية، أولئك الذين أغروهم بقتل الخليفة، وانقلابهم علي المسلمين وخليفة المسلمين الذي بايعاه بالأمس. وأدناه نبذا من أعمال طلحة ضد عثمان: قال حكيم بن جابر: قال علي لطلحة: عثمان محصور! أنشدك الله إلا رددت الناس عنه فأجاب: لا والله حتي تعطي بنو أمية الحق من نفسها [408] . فكان علي (عليه السلام) يقول: لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان ما أعطاه وفعل به ما فعل. [ صفحه 305] فعلي (عليه السلام) واقف علي نوايا وأعمال كل من عثمان وطلحة. وما أحلي ما قاله علي (عليه السلام) في طلحة [409] حينما بدأ يطالب طلحة بدم عثمان بهتانا وزورا وهو قاتله، قائلا: " والله ما استعجل (يقصد طلحة) متجردا للطلب بدم عثمان إلا خوفا من أن يطالب بدمه لأنه مظنته ولم يكن في القوم أحرض عليه منه، فأراد أن يغالط بما أجلب فيه ليلبس الأمر ويقع الشك، ووالله ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث، لأن كان ابن عفان ظالما كما كان يرغم - لقد كان ينبغي له أن يوازر قاتليه أو ينابز ناصريه - ولأن كان مظلوما لقد كان ينبغي له أن يكون من المنهنهين عنه والمعذرين فيه، ولأن كان في شك من الخصلتين لقد كان ينبغي له أن يعتزله ويركد جانبا ويدع الناس معه، فما فعل واحدة من ثلاث، وجاء بأمر لم يعرف بابه ولم تسلم معاذيره ". ولم يخف علي عثمان من تحريض طلحة عليه وكان يدعو الله أن يكفيه شره. فقد قال بشر بن سعيد [410] حدثني عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة قال: دخلت علي عثمان فتحدث عنه ساعة فقال: يا ابن العباس، تعال، فأخذ بيدي فأسمعني كلام من علي باب عثمان فسمعنا كلاما. منهم من يقول: ما تنتظرون به، ومنهم من يقول: انظروا عسي أن يراجع، فبينما أنا وهو واقفان إذ مر طلحة بن عبد الله فوقف فقال: أين ابن عديس؟ فقيل ها هوذا! فجاء ابن عديس فناجاه بشئ ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه: لا تتركوا أحد يدخل علي هذا الرجل ولا يخرج من عنده. قال: فقال عثمان: هذا ما أمر به طلحة بن عبد الله. ثم قال عثمان: اللهم اكفني طلحة بن عبد الله فإنه حمل علي هؤلاء وألبهم، والله إني لأرجو أن يكون منها صفرا. [ صفحه 306] ولقد كان يواصل عثمان طلحة بينما أصبح طلحة أشد الناس عليه وكان يقول عثمان عن طلحة: ويلي علي ابن الحضرمية أعطيته كذا وكذا ذهبا وهو يروم دمي، يحرض علي نفسي.وكان يدعو علي طلحة بقوله: اللهم لا تمتعه به ولقه عواقب بغيه [411] . وذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة [412] إن طلحة يوم قتل عثمان كان مقنعا بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام، وأنه لما امتنع علي الذين حصروه الدخول من باب الدار حملهم طلحة إلي دار لبعض الأنصار فأصعدهم إلي سطحها وتسوروا منه علي عثمان داره فقتلوه. وأن طلحة منع من دفنه ثلاثة أيام، بينما بايع الناس عليا (عليه السلام) بعد خمسة أيام من قتل عثمان، وأن الذي ساعد علي دفنه كان علي (عليه السلام) ورغم ذلك أقعد طلحة أناسا يرمون من أراد دفنه بالحجارة، ورجم سريره في الوقت الذي أريد دفنه إلي حائط بحش كوكب، وكان دفنه في وقت بين المغرب والعتمة، ولم يشهد جنازته سوي مروان وابنة وثلاث من مواليه، وقد أكمن طلحة هناك ناسا رموهم بالحجارة وهم يصيحون نعثل نعثل [413] . وأن طلحة هو الذي أمر بدفن عثمان في مقابر اليهود بدر سلع [414] . وطلحة هو الذي منع من إيصال الماء إلي عثمان في أوائل حصاره [415] . والذي أسعفه بالماء والطعام كان علي (عليه السلام) [416] . [ صفحه 307] وكان طلحة استولي علي أمر الناس في الحصار فبعث عثمان عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب إلي علي (عليه السلام) بهذا البيت: وإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي++ وإلا فأدركني ولما أمزق ففرق علي (عليه السلام) الناس عن طلحة، فلما رأي ذلك طلحة دخل علي عثمان فاعتذر، فقال له عثمان: يا ابن الحضرمية البت علي الناس ودعوتهم إلي قتلي حتي إذا فاتك ما تريد جئت معتذرا، لا قبل الله ممن قبل عذرك. هذا والجميع من بني أمية والمهاجرين والأنصار يعلمون أن طلحة أشد الناس علي عثمان، وأنه في مقدمة القاتلين، حتي أن مروان هو الذي رمي طلحة في البصرة في ساحة الحرب فقتله، وقال لأبان بن عثمان: كفيتك أحد قاتلي أبيك [417] . واعترض الناس علي طلحة في البصرة يوم أتي للأخذ بثأر عثمان بقولهم: يا أبا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا [418] . وحتي أتوه بكتبه معترضين [419] . وقد ثبت أن طلحة والزبير وعائشة في مقدمة القائلين والمحرضين علي قتل عثمان باعتراف بنو أمية [420] . يوم خاطب سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه الذاهبين إلي البصرة: وأين تذهبون وهؤلاء ثاركم علي أعجاز الإبل - يعني طلحة والزبير وعائشة - [ صفحه 308] اقتلوهم ثم ارجعوا إلي منازلكم. وخلا سعيد بطلحة والزبير فقال إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ صدقاني، قالا: لأحدنا، أينا اختاره الناس. قال: بل اجعلوها لولد عثمان، فإنكم خرجتم تطلبون بدمه. قالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم. قال: فلا أراني أسعي لأخرجها من بني عبد مناف، فرجع ورجع معه جماعة وأعانه المغيرة بن شعبة وارجع من كان من ثقيف معه. وجاء في الإمامة والسياسة ج 1 ص 56 من محادثة أبو الأسود الدؤلي وعمران بن حصين صحابة رسول الله رسولا ابن حنيف والي علي (عليه السلام) علي البصرة إلي طلحة والزبير، وتصريحهما إنما جئنا نقاتل لأن عليا لم يشركهما بالأمر واعترفا ضمنيا بقتل عثمان. رأي الزبير: مر ذكره كما رأينا فهو شريك طلحة في آرائه في عثمان والتحريض عليه حتي قتله وسار مع طلحة حذو النعل بالنعل في ابتزاز أموال الناس من عثمان، ثم التحريض عليه حتي القتل، وثم بيعة علي ونكث البيعة طلبا للرئاسة باسم الثأر لعثمان. ونذكر نبذا من رأيه في عثمان [421] قال الزبير يحرض علي قتل عثمان: اقتلوه فقد بدل دينكم. فقالوا له: إن ابنك يحامي عنه بالباب فقال: ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدء بابني، إن عثمان لجيفة علي الصراط غدا. [ صفحه 309] وقد شهد حبر الأمة ابن عباس علي أن طلحة والزبير أجلبا عليه (علي عثمان) وضيقا خناقه، ثم خرجا ينقضان البيعة ويطلبان الملك [422] . رأي عمار بن ياسر: وقف عمار خطيبا علي أهل الكوفة قائلا - وهو من أبرز الصحابة البررة، وقد مر ذكره -: يا أهل الكوفة إن غاب عنكم أبناؤنا فقد أنهت إليكم أمورنا، إن قتلة عثمان لا يعتذرون من قتلة إلي الناس ولا ينكرون ذلك، وقد جعلوا كتاب الله بينهم وبين محاجيهم فيه، أحيي الله من أحيي وأمات من أمات، وإن طلحة والزبير كانا أول من طعن وآخر من أمر وكانا أول من بايع عليا فلما أخطأهما ما أملاه نكثا بيعتهما من غير حديث [423] . رأي سعد بن أبي وقاص في عثمان: مر ذكره، وهو الذي حابا عثمان مع عبد الرحمن بن عوف كأحد أعضاء الشوري، وأمه تنسب إلي أمية، وصهر عبد الرحمن الذي هو صهر عثمان. هذا سعد يكتب إلي عمرو بن العاص الذي يسأله عن قتل عثمان فيجيب [424] إنك سألتني من قتل عثمان، وأني أخبرك أنه قتل بسيف سلته عائشة وصقله طلحة وسمه ابن أبي طالب [425] ، وسكت الزبير وأشار بيده، وأمسكنا نحن، ولو [ صفحه 310] شئنا دفعناه عنه، ولكن عثمان غير وتغير وأحسن وأساء، فإن كنا أحسنا فقد أحسنا، وإن كنا أسأنا فنستغفر الله. وعمرو بن العاص من الأفراد المفتخرين بأنه هو الذي دبر قتل عثمان الذي عزله من ولاية مصر وأعطاها لابن أبي سرح، وكيف يسأل سعدا وهو أعرف من سعد، ولطالما حاجج عثمان وأثار الناس علي قتله، وسعد هذا أشد الناس علي عثمان الذي عزله. وهو اليوم يتهم عليا (عليه السلام)، والأمويين يبرؤون عليا (عليه السلام)، وفي مقدمتهم اللعين مروان [426] ، الذي يعترف بأن علي برئ من كل تهمة، وإنما يتهموه لأنه لا يستقيم لهم ملك بدون ذلك. ويظهر أن سعدا من أولئك المحرضين علي عثمان، فقد جاء عن أبي حبيبة [427] ، قال: نظرت إلي سعد بن أبي وقاص يوم قتل عثمان دخل عليه ثم خرج من عنده وهو يسترجع مما يري علي الباب، فقال له مروان: الآن تندم! أنت أشعرته، فاسمع سعدا يقول: استغفر الله لم أكن أظن الناس يجترؤن هذه الجرأة ولا يطلبون دمه، وقد دخلت عليه الآن فتكلم بكلام لا تحضره أنت ولا أصحابك فنزع عن كلمات كره منه وأعطي التوبة، وقال: لا أتمادي في الهلكة إن من تمادي في الجور كان أبعد من الطريق، فأنا أتوب وأنزع. فقال مروان: إن كنت تريد أن تذب عنه فعليك بابن أبي طالب فإنه متستر وهو لا يحبه. فخرج سعد حتي أتي عليا وهو بين القبر والمنبر، فقال: يا أبا الحسن! قم فداك أبي وأمي جئتك والله بخير [ صفحه 311] ما جاء به أحد قط إلي أحد، تصل رحمك وابن عمك وتأخذ بالفضل عليه وتحقن دمه، ويرجع الأمر علي ما تحب، قد أعطي خليفتك من نفسه الرضي فقال علي: تقبل الله منه يا أبا إسحاق! والله ما زلت أذب عنه حتي إني لأستحي، ولكن مروان ومعاوية وعبد الله بن عامر وسعيد بن العاص هم صنعوا به ما تري. قال: فبينا هم كذلك جاء محمد بن أبي بكر فسار عليا فأخذ علي بيدي ونهض علي وهو يقول: وأي خير تؤتيه هذه؟ فوالله ما بلغت داري حتي سمعت الهاتف: إن عثمان قد قتل، فلم نزل والله في شر إلي يومنا هذا. وقد كان عثمان مستمر علي إثمه وكلما عاهد القوم نكث وأزاد حتي كتب كتبا بعد العهد إلي ولاته بقتل من استغاث حتي لم يصدقوه بعد ولا يبغون سوي إبعاده. وهل يستطيع علي (عليه السلام) أن يفعل أكثر من هذا؟ ولو شاء الحرب والفتنة لأقرها يوم السقيفة. رأي عبد الله بن العباس: وابن عباس ابن عم رسول الله (صلي الله عليه وآله) من الأسرة الهاشمية المرموق بعلمه ودرايته وقربه لرسول الله (صلي الله عليه وآله)، ومن ذوي الرأي، ولم يحظ من الخلفاء رغم ثقتهم برأيه سوي المشورة، وهو بالوقت الجد الأكبر للخلفاء العباسيين. وكان عثمان كثيرا ما يتخذه وسيطا بينه وبين علي (عليه السلام) وآخر أيامه قبيل مقتل عثمان أرسله أميرا للحج، وحينما تأزم الأمر علي عثمان يرسل عثمان نافع بن طريف يتلو كتاب عثمان علي أهل مكة مستغيثا بهم. بيد لم نجد من ابن عباس أي بادرة لنصرة الخليفة وهو آنذاك ذو الكلمة المسموعة. كما طلبت عائشة وهي في مكة من ابن عباس عدم مد عثمان بأية مساعدة [ صفحه 312] لأن ابن عباس من الهاشميين المنكوبين منذ عهد السقيفة والشوري، ويعرف إجماع الأمة علي خلع عثمان، أخص أجمع المهاجرين والأنصار، ولم يكن ابن عباس لهذه الدرجة من الغباوة التي يسكت تجاه موبقات عثمان في عبثه بالمال، وتسليط فجرة الأمويين علي رقاب الناس قهرا. ويري ابن عباس كيف أن عثمان يتهم جميع الأمة بالكفر والخروج علي ولايته المزعومة، وكم مرة تاب عثمان ونكث وهو يترقب هذه المرة الضربة القاضية علي أيدي المتظلمين، الطالبين اعتزاله، والجميع يعلمون أنه مخادع، والعاقل لا يلدغ من حجر مرتين. وهاك وصف ابن عباس لعثمان لما سأله سائل عنه فقال: لقد ألهته نومته عن يقظته، وهو أشد الضعف الذي يمكن أن يوصف به الخليفة. أخرج أبو عمر في الاستيعاب أن ناسا جاءوا ابن عباس يسألونه قائلين: جئناك نسألك، فقال: سلوا عما شئتم. فقالوا: أي رجل كان أبو بكر: فقال كالخير كله، علي حدة كانت فيه. قالوا: فأي رجل كان عمر؟ قال: كان كالطائر الحذر الذي يظن أن له في كل طريق شركا. قالوا: فأي رجل كان عثمان؟ قال: رجل ألهته نومته عن يقظته. قالوا: فأي رجل كان علي؟ قال: كان ملئ جوفه حكما وعلما وبأسا ونجدة مع قرابته من رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وكان يظن أن لا يمد يده إلي شئ إلا ناله، فما مد يده إلي شئ فناله. وحقا لم ينتبه عثمان من نومته ولا وعي من غفلته أو كاد حتي حرفه مستشاروه الأمويون، وحتي ذلك لا يجوز لخليفة رسول الله هذه الصفة التي اتصف بها عثمان بنظر ابن عباس، ودل عليه عمله إذ العمل صفة العامل. وهل يستطيع النائم أن يحكم عقله، وقد حكم علماء النفس إن النوم يطلق الغرائز من مكمنها لتعمل ما تشاء بعيدة عن سيطرة العقل، وهذا ما يعنيه ابن عباس [ صفحه 313] في الخليفة. وهو المثل الذي ضربه أفلاطون لأتعس الحكام المسلطون علي رقاب الشعب، حيث يقول: يعمل في يقظته ما يعمله النائم في رقدته مجردا من سلطة العقل والإرادة، محفزا تحت تأثير الغرائز المكبوتة، تقوده حيث شاءت وأني أرادت، دون أن يردعه عن طيشه رادع العلم والحكمة والمنطق السليم. وقد تظلم عثمان برسالته للحجاج المسلمين بأنه متظلم تائب، بيد ليس من يسمع صوته، ولا يريد عثمان بهذا سوي وصول المدد، بيد لم نر من ابن عباس ما يسند الخليفة، ولم تلق كلمة عثمان واستغاثته أذنا صاغية. كما لم يستفد من كتابه لمعاوية، أن أهل المدينة كفروا وطلب منه المدد، ونري معاوية يجهز ويرسل بيد يمنع أمير الحملة من إدامتها وإنما كان يريد إقامة عثمان علي غيه، حتي يقتل ويتخذ قتله ذريعة ويتوسل بدمه للخلافة، وقد فعل. رأي عمرو بن العاص: وهو من الصحابة المداهنين المنافقين السياسيين، يبطن ما لا يظهر، ويظهر ما لا يبطن، متلون حسب الظروف، بعيد عن الدين إلا إذا وجد بغيته في ذلك. فهو رجل انتهازي يساير المصالح الدنيوية، ساير عمر في شدته، ومكث مع عثمان ردحا حتي جرده عثمان من الولاية وخص بها ابن أبي سرح. ولا يخفي ما لعمرو بن العاص من أيادي في مصر، وما كان ليسكت عن عثمان، وكانت له اليد الطولي في إثارة مصر عليه، وعلي الخصوص وأن عثمان قام بكلم يستوجب نقمة المسلمين، من ولاة السوء، والتصرف الأسوء بأموال الصدقات وبيت المال، والنكال بالمتظلمين والناصحين، وأخص الصحابة المقربين. [ صفحه 314] فتجد ابن النابغة عمرو بن العاص لا يترك حقيقة من ألاعيب عثمان إلا شهره بها وأثار المسلمين عليه [428] ، حتي قتل عثمان، وعندها تنفس عمرو بن العاص مترنحا فخورا نكالا بعثمان وتشفيا، قائلا: أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع [429] . ثم قال من يلي هذا الأمر من بعده! إن يله طلحة فهو فتي العرب سببا، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلا سيستنظف الحق وهو أكره من يليه إلي. ولقد أقر بذلك بأنه منافق لكرهه عليا (عليه السلام)، واعترف أنه قاتل عثمان بدسائسه، فكيف ائتلف مع معاوية وهو يطلب بدم عثمان؟ وهو الذي اعترف أنه قتله وهو بوادي السباع. قال أبو عمر في الاستيعاب: كيف كان عمرو يعيب من سلوك عثمان، ولما بلغه قتل عثمان وهو معتزل بفلسطين في قصره بوادي السباع قال: إني إذا نكأت قرحة أدميتها [430] . فلم يأل عمرو من التأليب علي عثمان وكشف أعماله المقيتة والجهاد ضده. وبعد قتله التحق بمعاوية يساعده للأخذ بدم عثمان من علي (عليه السلام) وقد حاججوه فأفحموه ببراءة وأحقية علي (عليه السلام) [431] . وكان يقول عمرو بعد محاجة وقعت له مع عثمان الذي طلبوا توبته في المدينة [ صفحه 315] ونكث وحاصروه أن خرج عمرو من المدينة إلي قصره بفلسطين وهو يقول: والله إن كنت لألقي الراعي فأحرضه علي عثمان. وفي لفظ يخاطب به عثمان: ركبت بهذه الأمة نهاية من الأمر، وزغت فزاغوا فاعتدل أو اعتزل [432] . معاوية بن أبي سفيان: معاوية بن أبي سفيان، وهو الطليق ابن الطليق الذي أبطن هو وأبوه الكفر وأظهرا الإيمان كرها وسياسة وكيدا، وقد دلت علي ذلك أقوالهما وأفعالهما من قتل المسلمين وخيرة الصحابة، وبما بدل وغير ودس وزيف. وقد مده عثمان ابن عمه بضم الولايات له، ومنحه اللعب بأموال المسلمين وإغراؤه عثمان بالمدد، وإغواؤه بالتمادي، وأنه يمده بالعدة والعدد، حتي إذا وثق واستمر نكث بوعده حتي قتلوا عثمان، وعندها رفع ثوبه الملطخ بالدماء صارخا واعثماناه. ومد يده بالكنائز المجمعة لديه يرتشي بها المنافقين ويشري بها دينهم وضمائرهم، ويرسل أعوانه في الغرب والشرق لبث الفساد وقتل الأبرياء وإثارة القلاقل. تجد بعض ما لخصناه عنه في كتابنا السادس من الموسوعة هذه بأسانيدها، والكتاب الخامس عند ذكر معاوية ورأيه في عثمان. ومعاوية يعلم حق العلم أن عثمان رجل ضعيف الإرادة، وأن ما شبهه ابن عباس صحيح، وأنه سوف تقوم عليه الأمة، ويطلبون عزلة لما غير وبدل [ صفحه 316] وتمادي، وإن قبل عثمان بالعزل وانتخب المسلمون بعده من شاءوا فلم يبق له عند الخليفة القادم وهو أموي سوي اعتزال مقامه، وهذا ما لا يريده معاوية، الطامع الكائد الكافر، وقد هيأ نفسه للملك. وإن استطاع أن يمد عثمان بالقوة علي المسلمين، وهذا عثمان في أرذل العمر وعلي حافة الموت، وعند موته سيجتمع المسلمون وينتخبون الأصلح، وعند انتخابه سوف لا يبق لبني أمية من يسندها، ولا بد له من اعتزال الأمر، وهو لم يجد في الأمر سوي الكيد، وما هو هذا الكيد؟ نعم هو إغراء الخليفة بما سيمده له من القوة والعدد والعدة وحثه علي المقاومة، وحث مروان وزيره المستشار علي ذلك، وبالوقت تأليب المسلمين وتخديرهم بقتل الخليفة الذي لم يرض اعتزال الحكم والتخلي لغيره، ولا تعديل نفسه والوفاء بالعهود. ولا تعزب عن معاوية خطته المدبرة وقد أحاط نفسه بشراء الضمائر وجمع المنافقين والفاسقين حوله، من كل منفور ومبغوض من المهاجرين والأنصار، بما يسديه لهم من الوعود، ويمدهم بالأموال وإرسال الوفود إلي رؤساء القبائل الموالية لغيره ومدهم بالرشوة والوعود، أو تهديدهم بالوعيد. وما أن قتل عثمان حتي ضم المحرضين علي قتله وقاتليه إلي صفه وأرسل بيعته إلي طلحة والزبير اللذان بايعا عليا لنكث العهد، ولبث التفرقة في الصفوف والكيد للأمة، وقد نجحت خطته أمام علي لما يعرفه فيهم، وأن قيامهم إنما لأجل المال والمآل، لا الدين، وهذا ما لم يجداه في علي. ومعاوية الذي تلقي رسالة عثمان، إن أهل المدينة بما فيهم من مهاجرين وأنصار الذين يمثلون نخبة المسلمين وقطب الإسلام ومطمح أبصارهم يوصمهم الخليفة بالكفر، علم أن خطته نجحت ودنت الفرصة، فأرسل جيشا إلي المدينة، بيد أوصي قائده بعدم التعرض لأهل المدينة، إن ذلك ما يفسد خطته، ولكنه ثبت [ صفحه 317] رأي عثمان علي استمرار المقاومة حتي الموت وهكذا كان. واتخذ القتل ذريعة، وأعلن قتل الخليفة مظلوما وهيأ الشهود المزيفين لمن وجد فيه النفوذ في العامة وزيف الشهود وأوهم العامة في ولاية الشام وأثارهم، وجمع جيشه ومدهم بالمال، وأرسل من أرسل إلي أطراف الولايات للثورة علي المتظلمين والإطاحة بخيرة المنتخبين البريئين. وإذا بأقطاب المهاجرين القاتلين لعثمان والمحرضين عليه، طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة ينضم إليهم آل أمية للأخذ بثأر عثمان وينكثون عهد البيعة للخليفة، واتهامه بضم قاتلي عثمان وتحريضه علي القتل [433] . وقال البلاذري في أنسابه أنه لما أرسل عثمان إلي معاوية يستمده بقوله: إن أهل المدينة كفروا وأنهم يريدون عزله وقتله وهو يستنجد به أن يمده علي جناح السرعة بجيش يقضي به علي وثبتهم. بعث معاوية يزيد بن أسد القسري، وقال له: إذا أتيت ذا خشب فأقم بها ولا تتجاوزها، ولا تقل: الشاهد يري ما لا يري الغائب. فإنني أنا الشاهد وأنت الغائب. قال: فأقام بذي خشب حتي قتل عثمان، فاستقدمه حينئذ معاوية فعاد إلي الشام بالجيش الذي كان أرسل معه. وإنما منع ذلك معاوية ليقتل عثمان فيدعو إلي نفسه. فأدرك معاوية أمرين: إصرار عثمان علي عدم الاعتزال، وإصرار الواثبين علي تسريع قتله [434] . [ صفحه 318] وقد رأينا أن شبث بن ربعي خاطب معاوية: إنه والله لا يخفي علينا ما تعزو وتطلب، إنك لم تجد شيئا تستغوي به الناس، وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم. إلا قولك: قتل إمامكم مظلوما، فنحن نطلب بدمه، فاستجاب له سفهاء طغام، وقد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصر وأحببت له القتل بهذه المنزلة التي أصبحت تطلب. وهذا ابن عباس يجيب معاوية عندما صالح الحسن معاوية، ومعاوية اتهم ابن عباس أنه من القتلة والمحرضين علي قتل عثمان، قائلا لمعاوية: فأقسم بالله لأنت المتربص بقتله والمحب لهلاكه والحابس الناس قبلك عنه علي بصيرة من أمره، ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ، فما حفلت به حتي بعثت إليه معذرا بأجرة أنت تعلم أنهم لن يتركوه حتي يقتل، فقتل كما كنت أردت، ثم علمت عند ذلك أن الناس لن يعدلوا بيننا وبينك فطفقت تنعي عثمان وتلزمنا دمه، وتقول قتل مظلوما، فإن يكن قتل مظلوما فأنت أظلم الظالمين، ثم لم تزل مصوبا ومصعدا وجاثما ورابضا تستغوي الجهال وتنازعنا حقنا بالسفهاء، حتي أدركت ما طلبت وإن أدري لعله فتنة ومتاع إلي حين.ولابن عباس رسالة أخري جوابا لرسالة معاوية [435] يؤيد فيها أن معاوية هو قاتل عثمان. ومن هذا نعرف كيف أن ابن عفان استأمن كل خائن مستشارا، مثل مروان الذي كان ينكث العهود، وواليا مثل معاوية الذي خانه طلبا للملك في أحرج الساعات، وهل يصلح مثل هذا الخليفة لتسيير دفة الحكم، وأن عمر بن الخطاب صدق ظنه به، وجاء متعمدا لكل هذه الفتن وإشعال التفرقة بين المسلمين، [ صفحه 319] وتسليط أرذل خلق الله علي رقاب المسلمين، وإبعاد خيرة الأمة وإقصاءهم، وإنهاك المسلمين والنكال بهم متعمدا مجاهرا. وأي خدمة عظمي، أسداها ابن الخطاب لآل أمية أخص معاوية، وأن معاوية إن أساء له الصنع في بنيه مثل ابن عمر والذي لم يحرز منه مقاما ما يناسبه كأخص فاسق من بني أمية ولكنه خلق من أبي بكر وعمر أبطالا خالدين بما وضع وزيف، ونشر فيهم من الكرامات والفضائل التي فاقت فضائل الأنبياء وأولي العزم من الرسل. عائشة وعثمان: عائشة أم المؤمنين زوجة رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد خديجة الكبري وابنة أبي بكر، تري ترجمتها في كتابنا الخامس، وأكثر تفصيلا في كتابنا السادس من موسوعة المحاكمات. ولقد اتخذت دورين مهمين تجاه عثمان، فقد أيدته في بدء خلافته حتي أوردت فيه أحاديث نبوية أبلغته مقام العصمة، ثم انقلبت عليه، وأقل ما قالت فيه: اقتلوا نعثلا قاتله الله. ونري بذلك أنها صدقت علي نفسها المثل: من مدح وذم فقد كذب مرتين. وصدقت عليها الآية (43) من سورة فاطر قوله تعالي: - (ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله) -. فهي التي حاكت مع أبيها السقيفة، وهي التي كان بيتها مقر الشوري العمرية، بيد لسرعان ما وجدت انقلاب بني أمية وظلت تتصاغر كلما زادت في الكبر، حتي قتلت مسمومة بسم معاوية موتا خفي أمره. ومن أعان ظالما سلطه الله عليه، وهذا عثمان يعين بني أمية، فيسلطهم الله [ صفحه 320] عليه بالخيانة، ويمد طلحة والزبير وعائشة بالمال من بيوت المسلمين فيتخذونه هدفا للرماية حتي القتل. قال الله تعالي في سورة الزخرف الآية (67): - (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) -. وقد تركت المدينة إلي مكة وهي واثقة أن عثمان يقضي آخر أيامه، وسوف يقتل، ولها الأمل الوطيد بعودة الخلافة إلي تيم بزعامة طلحة (ذو الأصيبع) أو علي أقل تقدير الزبير زوج أختها. وهي إذ تري ابن عباس في مكة تطلب منه أن يخذل الناس عن عثمان لأنه ابن عم رسول الله (صلي الله عليه وآله) وتقول لابن عباس إن عثمان قد غير وبدل، وثم تعود تقول: إيه ذو الأصيبع أيه يا ابن عم (تريد طلحة) وحتي إذ علمت بقتل عثمان قالت أبعده الله، وما أن علمت أن طلحة حرم وأن كيدها أصبح في نحرها، وأن المسلمين بايعوا ذي الحق الشرعي الذي ناصبته وبنيه العداء، ذلك أمير المؤمنين حقا علي بن أبي طالب (عليه السلام) قالت: ليت السماء انطبقت علي الأرض، ثم أردفت قائلة: لقد مات عثمان مظلوما (مدحت وذمت ثم عادت لتمدح) وتعود اليوم لإقامة فتنة جديدة وإشعال نار أكلتها وأكلت طلحة والزبير، وأضعفت وجهة الحق، وأيدت آل أمية، الفجرة وشيدت دولة الباطل [436] . وأنت إذا ما راجعت المصادر التاريخية لابن عبد ربه في العقد الفريد [437] وغيره [ صفحه 321] من المؤرخين المذكورين أدناه، وغيرهم، في عائشة لوجدت أنها لم تسر يوما ما بتحريض الدين، بل هي دوما إنما تسيرها أهواؤها، وهذه الأهواء طورا تلائم أرضا خصبة وتأيدها ماديا ومعنويا، كما وجدته في قيامها ضد عثمان بغية الوصول إلي غاية نقل الخلافة مرة أخري إلي تيم، حاثة الخاصة والعامة للإطاحة وأنه غير وبدل، ومرة تظهر شعر رسول الله (صلي الله عليه وآله) أو لباسه ونعليه، وتقول إنها لم تبل وأبلي سنته عثمان وآل أمية، وهي إن صدقت فلماذا تتخذ منع تدوين سنة رسول الله (صلي الله عليه وآله) في عهد أبيها؟ ومخالفة النصوص في عهده وعهد عمر، المارة الذكر في كتابنا الثالث والرابع؟ بل كيف أشادت بعثمان في أول عهده؟ وهل خفي عليها أن هناك من هو أحق بالخلافة منه؟ وما الذي قلبها وغير لهجتها حينما علمت أن عثمان قتل وكانت قالت علي أثر ذلك: أقصاه الله وأبعده، وإذ عادت تسمع أن عليا (عليه السلام) أصبح الخليفة قالت: ليت السماء انطبقت علي الأرض، وأردفت في اللحظة دون ما مبرر قائلة: إن عثمان قتل مظلوما. وما كاد يهمها العامة وانتقاد المنتقدين لتناقض أقوالها، وهي في كل مرة تظهر لهم عذرا لعذرها أن عثمان استتابوه وقتلوه ناسية فتواها وتحريضاتها، وآخر كلمتها بعد قتله: أبعده الله. قيس بن سعد بن عبادة: هو بدري ورئيس الخزرج، وهو الذي اعترف في رسالته الجوابية لمعاوية قوله: ذكرت عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان فأول الناس كان قياما عشيرتي ولهم أسوة. ولقيس هذا محاورة مع النعمان بن بشير في صفين جوابا يرويه نعمان، قوله: [ صفحه 322] أما ذكر عثمان فإن كان الإيجاز يكفيك فخذه: قتل عثمان من لست خيرا منه، وخذله من هو خير منك، وأما أصحاب الجمل فقاتلناهم علي النكث، وأما معاوية فلو اجتمعت العرب علي بيعته لقاتلتهم الأنصار، وأما قولك: أنا لست كالناس، فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) نلقي السيوف بوجوهنا، والرماح بنحورنا حتي جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، ولكن انظر يا نعمان هل تري مع معاوية إلا طليقا أعرابيا أو يمانيا مستدرجا، وانظر أين المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، ثم انظر هل تري مع معاوية غيرك وصويحبك ولستما والله بدريين ولا عقبيين ولا لكما سابقة في الإسلام ولا آية في القرآن [438] . وتري من مفهوم هذا إنما الذي قتل عثمان وأفتي بقتله إنما مجموع الأمة وفي مقدمتهم خيار الصحابة من البدريين. أبو أيوب الأنصاري: الصحابي العظيم الذي أول من اختار الله منزله لإيواء رسوله، شهد مع رسوله (صلي الله عليه وآله) كل الحروب أخص بدرا، ودعا له رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو من المعينين في عزل عثمان ثم قتله لأنه غير وبدل وجار وصرح بخطبة خطبها في عهد أمير المؤمنين علي يذكر به عهد عثمان المشؤوم بقوله: " أليس إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس: وقد شمل العباد وشاع في الإسلام فذو حق محروم مشتوم عرضه، ومضروب ظهره، وملطوم وجهه، وموطوء بطنه، وملقي بالعراء (يقصد عهد عثمان) فلما جاءكم أمير المؤمنين (يقصد عليا) صدع بالحق ونشر العدل [ صفحه 323] وعمل بالكتاب، فاشكروا نعمة الله عليكم ولا تتولوا مجرمين " [439] . جابر بن عبد الله الأنصاري: وقد عاش حتي عهد عبد الملك بن مروان، من البدريين والصحابة المبرزين من الأنصار، وهذا عامل المدينة لعبد الملك بن مروان الحجاج الثقفي ذلك السفاك ختم علي يد هذا الصحابي العظيم بالرصاص باعتباره كان من قتلة عثمان [440] . إجماع الأمة بزعامة المهاجرين والأنصار: راجع ذلك بأسانيده في كتابنا الخامس (عثمان) التي أجملها في تاريخ الطبري، وأنساب البلاذري، وكتاب صفين، والإمامة والسياسة، والعقد الفريد، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وطبقات ابن سعد، وتاريخ ابن كثير، وكامل ابن الأثير، وتاريخ أبي الفداء، وتاريخ ابن خلدون، وتاريخ الخميس وتاريخ الخلفاء للسيوطي، والصواعق المحرقة، والإصابة، والمعارف لابن قتيبة، والسيرة الحلبية، وحياة الحيوان للدميري، ومروج الذهب وتاريخ اليعقوبي، والفتنة الكبري للدكتور طه حسين، وتاريخ الخطيب، ومجمع الزوائد، وصفوة الصفوة، ومعجم البلدان، ووفاء الوفاء، والبداية والنهاية وإزالة الخفاء، ودول الإسلام، عندها تقف علي الفجائع التي قام بها أخص عثمان، من مخالفة النصوص والسنن، حتي عاد المهاجرون والأنصار في المدينة إلي إخوانهم في [ صفحه 324] كافة الأقطار الإسلامية، ومن أولئك الذين هم بعيدين في البلاد النائية، إلي من في المدينة يستنفرونهم بأن الذي يحرضهم للجهاد قد فسد علي يد الخليفة وولاتهوعليهم تقويمه وإصلاحه قبل كل شئ [441] . من المهاجرين والأنصار إلي إخوانهم في الثغور، عن عبد الرحمن بن يسار، قولهم: إنكم إنما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عز وجل، تطلبون دين محمد (صلي الله عليه وآله) فإن دين محمد قد أفسده من خلفتم، وترك فهلموا فأقيموا دين محمد (صلي الله عليه وآله). وعن محمد بن مسلمة قوله: لما كانت سنة (34) كتب أصحاب رسول الله بعضهم إلي بعض يتشاكون سيرة عثمان وتغييره وتبديله، ويسأل بعضهم بعضا أن أقدموا فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد، وكثر الناس علي عثمان ونالوا منه أقبح ما ينل من أحد، وأصحاب رسول الله يرون ويسمعون ليس فيهم أحد ينهي ولا يذب عنه سوي زيد بن ثابت [442] ، وأبو أسيد، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت [443] . وقد اجتمع المهاجرون وغيرهم إلي علي فسألوه أن يكلم عثمان ويعظه، فأتاه وقال: إن الناس ورائي وقد استفسروني بينك وبينهم ووالله ما أدري ما أقول لك.. الخ. وقد مر ذكر ذلك، وقد أجابه بعد الوعظ إذ وجد عثمان حقيقة تجمهر الناس ولما يصله المدد، وخاف من العاقبة قائلا: كلم الناس في أن يؤجلوني حتي [ صفحه 325] أخرج إليهم في مظالمهم [444] . كما كتب أهل المدينة إلي عثمان نفسه يدعونه إلي التوبة ويحتجون ويقسمون له بالله لا يمسكون عنه أبدا حتي يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من الله، فلما خالفا لقتل شاور نصحاءه وأهل بيته [445] . ولا يخفي علي أي فرد أن الخليفة الثالث لم ينتخبه المسلمون، وإنما أرغموا علي خلافته بأمر من الخليفة الثاني، كما لم يعط أبو بكر حقا للمسلمين لانتخاب خليفتهم، وأدلي بها إلي عمر لأن عمر هو الذي انتخب أبو بكر، وقال فيه: إن خلافته فلتة وقي الله شرها. نعم هذا عثمان الذي أرغم المهاجرون والأنصار علي خلافته ولم يدل عمر علي عمله هذا من مبرر، أصبح وبالا علي المسلمين ومستبدا مطلقا بنفسه وآله الكفرة الفسقة علي أنفسهم وأموالهم، هبوا هبة واحدة للتخلص منه، واذهبوا متظلمين محتجين، رماهم بالكفر وطلب من ولاته الفجرة معاوية وابن أبي سرح إرسال جيوشهم لإرغامهم علي الخضوع المطلق. ولم يأبه أن يتوب، ويوعدهم برفع الظلم كرارا وينكث ويعود باشد، ويصارح القوم أنه لا ينزع كساء كساه الله به، وليس عليه إثم فهو إمام إن اجتهد فلا إثم عليه، غير هياب بإجماع الأمة وإجماع الصحابة وإجماع المهاجرين والأنصار، ولم نجد في الأمة من عاضده سوي شرذمة آل أمية ومن ظل يكيل له من المنافقين الذين لا هم لهم سوي إرضاء غرائزهم الدنيئة، والمشاطرين له في المال والمنال. [ صفحه 326] ذكر ابن قتيبة حديثا لأبي هريرة ولأبي الدرداء اللذان جاءا يريدان إصلاح الأمر في حرب صفين، حيث يأتيان معاوية يعظانه بأحقية علي (عليه السلام) فيطلب منهما قتلة عثمان من علي، فيفاوضان عليا فيقول: اذهبوا إن تعرفان قتلة عثمان فخذوهم، وحينما يكلمان محمد بن أبي بكر ومالك الأشتر وعمار بن ياسر يقوم له عشرة آلاف من جيش علي وكلهم مدججين بالسلاح يقرون أنهم قتلوا عثمان فيرجعان. وفي حمص لقيهما عبد الرحمن بن عثمان (الصحابي) ويقصان عليه ذلك فيقول: " العجب منكما إنكما من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله) أما والله لأن كففتما ألسنتكما، أتأتيان عليا وتطلبان إليه قتلة عثمان، وقد علمتما أن المهاجرين والأنصار لو حرموا دم عثمان نصروه وبايعوا عليا علي قتلته، فهل فعلوا؟ وأعجب من ذلك رغبتكما عما صنعوا وقولكما لعلي اجعلها شوري واخلعها من عنقك وإنكما لتعلمان أن من رضي بعلي خير ممن كرهه، وأن من بايعه خير ممن لم يبايعه، ثم صرتما رسولي رجل من الطلقاء ولا تحل له الخلافة. فغشي قوله وقولهما فهم معاوية بقتله. ثم راقب فيه عشيرته ". وأيد ذلك ابن مزاحم [446] . ولم يقتل عثمان إلا بعد إتمام الحجة والإقرار بالخطيئة والتمادي بالظلم [ صفحه 327] ومخالفة الأحكام، وعدم الانصياع للحق، وبعد إجماع جميع الأمة علي خلعه وكفره، حتي لم يجوزوا الصلاة عليه ولا دفنه في مقابر المسلمين. وهذا علي (عليه السلام) المرتضي الرجل الأول بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: ما أنا إلا رجل من المهاجرين، وما كان الله ليجمع المهاجرين والأنصار علي ضلال ولا ليضربهم بالعمي. وبإجماع المهاجرين والأنصار إنما أجمعت الأمة قاطبة لأنهم نخبتها ونقبائها، وهم الذين أجمعوا علي كل حصار في الأول والآخر [447] بعد لقاء الحج من الجميع، من صحابة رسول الله في المدينة ومسلميها، وكتب المصريين والكوفيين والعهود التي قطعها الخليفة علي نفسه وعاد فنقضها ونكثها، ومنها عهده بضمانة علي بن أبي طالب وشهادة خيار الصحابة وفيهم العشرة المبشرة وأهل الشوري وغيرهم قوله: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من عبد الله عثمان أمير المؤمنين لمن نقم من المؤمنين والمسلمين، أن لكم أن أعمل فيكم بكتاب الله وسنة نبيه، يعطي المحروم، ويؤمن الخائف، ويرد المنفي، ويوفر الفيئ، وعلي بن أبي طالب ضمين المؤمنين والمسلمين علي عثمان بالوفاء في هذا الكتاب، شهد بذلك الزبير بن العوام وطلحة بن عبد الله وسعد بن مالك بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وسهل بن حنيف وأبو أيوب خالد بن زيد، كتب في ذي القعدة سنة خمس وثلاثين. وخرج عثمان بعد كتابة العهد بمشورة علي (عليه السلام) فخطب الناس فأقر بما فعل [ صفحه 328] واستغفر الله منه، وقال: سمعت رسول الله يقول: من زل فلينب، فأنا أول من اتعظ، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليردوني برأيهم، فوالله لو ردني إلي الحق عبد لاتبعته، وما عن الله مذهب إلا إليه. وسرعان ما نكث العهد، وجاء مستشاره مروان وقلب الأمر فلاذ الناس بعلي (عليه السلام) الضامن، فدخل علي عثمان مغضبا فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك عن دينك، وعن عقلك، مثل جمل الصعينة يقاد حيث يسار به، والله ما مروان بذي رأي، في دينه ولا نفسه، وأيم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك، وما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك أذهبت شرفك وغلبت علي أمرك. وقد خرج علي (عليه السلام) ودخلت عليه زوجته نائلة بنت القرافصة، وقالت: أتكلم أو أسكت؟ فقال: تكلمي، فقالت: قد سمعت قول علي لك وأنه ليس يعاودك وقد أطعت مروان، يقودك حيث شاء. قال: ما أصنع، قالت: تتقي الله وحده لا شريك له وتتبع سنة صاحبيك من قبلك، ثم أردفت: فإنك متي أطعت مروان قتلك، ومروان ليس له عند الناس قدر ولا هيبة، وإنما تركك الناس لمكان مروان فأرسل إلي علي فاستصلحه فإنه له قرابة منك وهو لا يعصي. قال: فأرسل عثمان إلي علي فأبي أن يأتيه، وقال: قد أعلمته أني لست بعائد. حتي ذهب عثمان إليه فلأمه علي علي متابعة مروان بعد العهد في الكتابة والقول. واشتد عليه الجميع حتي توسل إلي علي وبعد مشاورة نصحائه وأهل بيته. وعاد علي ولامه ووثقه عثمان بما شاء، وعاد علي للناس ووثقهم واستمهل عثمان الناس ثلاثة أيام يفي لهم بما شاءوا. فأعطوه، فأخذ يتأهب بالعدة والعدد، ومضت الأيام ولم يف بأي وعد، بل وجدوا غلامه يحمل كتابه إلي واليه في مصر بعكس ما أعطاهم، وهو الفتك بمن جاءه وقطع دابر المتظلمين، وأقر كتابه وعبده [ صفحه 329] وتبرأ من الكتابة، فطلبوا منه من كتب الكتاب وهو مروان أو غيره كي يحاكم ويقاصص، فلم يحضر ولم يجب طلبهم [448] . وامتلأ الجميع غضبا علي عثمان وما جاء في الكتاب فأزادوا حصارهم علي عثمان، وأبي عثمان أن يسلم مروان بعد أن أقر أن الغلام غلامه والخاتم خاتمه، وكلما مر الزمن أزاد عثمان في الطين بلة بخروجه علي حدود الله وسنة رسوله (صلي الله عليه وآله)، وظلما واستبدادا ونكاية بالمسلمين وأيقن الكل بخروجه عن حدود الله، حتي أجمعوا علي كفره، واجتمعوا حول داره، ونادي صحابي، وكان شيخا، ونادي عثمان وإذ أشرف عليه من أعلي داره فناشده الله إلا اعتزلهم، وإذ يراجع الكلام رماه من أصحاب عثمان بسهم فقتله. فطلبوا تسليم القاتل للقصاص فأبي، وكان بنو أمية تجمهروا مع غلمانهم، وعندها هجموا وحرقوا باب داره يحرضهم نكث عثمان وقتله الصحابي وإشاعة وصول المدد من معاوية. وقد احتجوا بأنهم إنما يقاتلوه لأنه يبث الفساد في الأرض، وكذلك خروجه علي حدود الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وأنه البادئ بالقتل والحرب. وقد اعترف قبلها وتاب ونكث، يضاف إلي ذلك بطانته الشريرة التي أصبح ألعوبة بأيديهم ومفارقته المسلمين أخص الصحابة، وأخص أهل الشوري [449] . [ صفحه 331]

الردود والاعتراضات

حديث الدار

الاعتراض الأول علي من استدل علي خلافة علي (عليه السلام) بحديث الدار. فإن حديث الدار بخلافة علي (عليه السلام) من قبل رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو لا يزال صبي في سن الثالثة عشر، أمر لا يقبله المنطق، وضعيف الخبر، فهو مردود لهاتين العلتين، أخص وهو بين عشيرته، وفيهم أبوه وأعمامه ومن دافع كل الدفاع عنه تجاه مشركي قريش. رد الرد: إن حديث الدار هو نتيجة ما جري علي أثر نزول الآية (214) من سورة الشعراء، حيث أمر الله عز وجل نبيه عندما أرسل بالنبوة أن يبدأها بإنذار عشيرته الأقربين، قوله تعالي: - (وأنذر عشيرتك الأقربين) -. فدعا رسول الله (صلي الله عليه وآله) عشيرته وأقام لهم وليمة، وكان عددهم حوالي أربعين نفرا، وفيهم كافة أعمامه، حتي أبي لهب المناوئ له، وقام خطيبا بعد تناول الغذاء [450] ، يدعوهم للإسلام للاعتراف بالتوحيد وبنبوته ومؤازرته، وأن أول من يؤازره ويؤمن به يكون وصيه ووزيره وخليفته من بعده، ومما قال: " يا بني عبد المطلب، إن الله بعثني للخلق كافة وإليكم خاصة، وأنا أدعوكم إلي كلمتين خفيفتين علي اللسان وثقيلتين علي الميزان، تملكون بها العرب والعجم [ صفحه 332] وتنقاد لكم بها الأمم، وتدخلون بها الجنة، وتنجون بها من النار: شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فمن يجيبني إلي هذا الأمر ويؤازرني إلي القيام به يكون أخي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي ". ومن فحوي ومنطق كلامه نري أنها دعوة عامة لكافة البشر، وأن هناك شروط لمن يكون خليفته، وهي مؤازرته علي ذلك الأمر، والقيام به، وعندها يكون أخيه ووزيره ووارثه وخليفته من بعده. فمنطق الكلام ظاهر واضح علي الخلافة لمن وازره وعاضده وأقر الشهادتين في المجلس فهو الرجل الموعود الذي عليه المعول بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله). ولم نجد فيما ورد من الأحاديث والأسانيد المتواترة غير علي (عليه السلام) الذي كرر وحده أنه هو الذي يؤازره علي الأمر، وهو أول القوم إيمانا وإسلاما، وقد نهض مرتين مجيبا رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأقعده، ولم يجبه غيره، وفي الثالثة، قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): " مشيرا إلي علي (عليه السلام): أن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا " [451] . وأجمع الكتاب والرواة من المسلمين عليه. بل أثبت ذلك أبرز الكتاب من الأديان الأخري، كالفيلسوف توماس كارليل [ صفحه 333] الإنجليزي في كتابه الأبطال، ترجم في مصر إلي العربية، وفيها يقرر أن الخلافة منذ ذلك العهد أصبحت حقا شرعيا للإمام علي (عليه السلام). وأيد ذلك المسيو لول لجور الفرنسي، أستاذ دار الفنون في باريس في رسالته عن حالات محمد (صلي الله عليه وآله) سنة 1884 م. والكاتب الشهير الإنجليزي جرجيس صال، والمستر جان ريون يورث، وهو محقق ومؤلف قدير، وقد ألف عشرين جلدا باسم محمد والقرآن، ذكر بها أن محمدا (صلي الله عليه وآله) منذ بدء رسالته انتخب عليا (عليه السلام) وزيرا ووصيا وخليفة له. هذا بالإضافة إلي المستندات المارة، أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أثبت ذلك قولا وعملا لعلي (عليه السلام) مما قال وعمل، وما نزل في القرآن، واعترف بذلك الخليفة الثاني عمر: إن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أراد القلم والقرطاس ليكتب العهد في مرض موته لعلي (عليه السلام) فمنعته. وقد ثبت في كتابنا الأول من الموسوعة هذه أن أبا بكر وعمر هنآ عليا (عليه السلام) بولاية العهد والإمارة في غدير خم، وقد مرت بأسانيدها [452] .

رد اللائحة حول حديث الثقلين

إن الرواية إنما جاءت: إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وسنتي. [ صفحه 334] رد الرد: إن الحقيقة أن كتاب الله وسنة الرسول (صلي الله عليه وآله) هي الثقل الأول، لأن السنة تفصل وتشرح الكتاب، ولا يتكرر ذلك بل إن اعتراضنا علي الخليفة الأول والثاني والثالث الذين منعوا تدوين الحديث منعا باتا فسببوا تلاعب معاوية والأمويين في الأحاديث النبوية والدس والتزييف. وحديث الثقلين المسلم المتواتر إما هو: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لا يفترقا حتي يردا علي الحوض من تمسك بهما فقد نجا، ومن تخلف عنهما فقد هلك، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ".رواه الثقات بصورة متواترة [453] . وجاء بعبارات أخري، قوله (صلي الله عليه وآله): " أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لا تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ". كما جاء بلفظ آخر قوله (صلي الله عليه وآله): " إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتي يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما " [454] . وقال: " إني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض ".

رد حديث المنزلة

1 - إن حديث المنزلة ونسبتها إلي علي (عليه السلام) ردها أبو الحسن الآمدي، وهو من [ صفحه 335] المتكلمين. 2 - نقل فرغة بن سويد بن أبي مليكة عن ابن عباس أن النبي قال: أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسي. رد الرد: لقد مر ذكر تفصيل حديث المنزلة في الجزء الأول من موسوعتنا بأسانيدها في فضائل الإمام علي (عليه السلام) أخص حديث المنزلة، ونحن نوجه نظر القارئ الكريم إلي تلك الأسانيد، وغيرها، التي تؤيد بعضها بعضا، والآن نرد ما ذكره: 1 - الآمدي: فالآمدي مطعون فيه وفي دينه وعقائده من قبل أجلة علماء العامة كابن حجر العسقلاني في لسان الميزان، فقد قال عنه: إن الآمدي لسوء عقائده نفي من دمشق وأنه فاسق تارك للصلاة. وأيد هذا المحقق العلامة الذهبي في ميزان الاعتدال، وأضاف: إن الآمدي مبتدع في الدين. ولمن شاء أن يتبحر أكثر فأحيله إلي ما ورد في عبقات الأنوار للمحقق التقي المتبحر المرحوم سيد حامد حسين الدهلوي، أخص مجلد الحديث ص 291، وفيه تري أن مصادر حديث المنزلة ورواته كثيرون، كلهم معتبرون، أخص عند الثقات من أهل السنة سنوردهم أدناه. 2 - ما أورده فرغة بن سويد بن أبي مليكة، ونسبة ذلك إلي أبي بكر وعمر، فالمنطق ينفي ذلك، إذا عدنا إلي الوقائع الكثيرة المارة الذكر، وكيف أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لم يحل أمرا إداريا، أو إمارة، أو حديثا علميا، أو فعلا إلي أبي بكر وعمر من إحدي المئات التي أحالها إلي علي بن أبي طالب (عليه السلام) المارة الذكر، ذلك من حيث المعقول، أما حقيقة الخبر من الناحية التاريخية وصحة نقله فقد كذبه أكابر [ صفحه 336] كتاب ومحدثي أهل السنة والجماعة المعتبرين، أمثال الذهبي في ميزان الاعتدال، وقد قالها رسول الله (صلي الله عليه وآله) كرارا وبألفاظ مختلفة وبنفس المعني: " إن منزلة علي من رسول الله كمنزلة هارون من موسي ". وليست فقط في غزوة تبوك التي أولها بعض المعاندين من النواصب المبغضين عليا (عليه السلام) بقصد وضع خبر جديد وتزييف الواقع ودس ما لم يكن. قال المحدث الشهير الشافعي محمد بن طلحة في ص 19 من كتابه مطالب السؤول مؤيد الخبر، منزلة هارون من موسي، أنه كان أخاه ووزيره وعضده وشريكه في النبوة وخليفته علي قومه عند سفره. وقد جعل رسول الله (صلي الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) بهذه المنزلة وإثباتها له إلا النبوة. وأيد الحديث أئمة الصحاح، كما ذكرناه في كتابنا الثاني من الموسوعة، ونوجزه هنا أدناه، قوله (صلي الله عليه وآله) كرارا للأمة: " علي مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي ". راجع المصادر التالية: 1 - ما ذكره أبو عبد الله البخاري في ج 3 ص 54 في كتاب المغازي باب غزوة تبوك، وص 185 كتاب بدء الخلق في صحيحه في مناقب علي (عليه السلام).2 - صحيح مسلم بن الحجاج [455] . 3 - مسند أحمد [456] . 4 - عبد الرحمن النسائي في كتابه الخصائص العلوية [457] . [ صفحه 337] 5 - والترمذي [458] . 6 - إصابة الحافظ ابن حجر العسقلاني [459] . 7 - والصواعق المحرقة لابن حجر المكي.8 - ومستدرك الحاكم [460] . 9 - تاريخ الخلفاء [461] . وغيرهم [462] . وقد نقلوها من أهم الصحابة، كعمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عباس حبر الأمة، وعبد الله بن مسعود، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو ذر الغفاري، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن سمرة، ومالك بن حويرث، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وأبو رافع، وعبد الله بن أو في، وأبي سريحة، وحذيفة بن أسيد، وأنس بن مالك، وأبو أيوب الأنصاري، وسعيد بن مسيب، وشرحبيل بن سعد، وأم سلمة (أم المؤمنين)، [ صفحه 338] وأسماء بنت عميس (زوجة أبي بكر)، وعقيل بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وغيرهم. أيده الكتاب أنه بلغ حد التواتر، مثل الحاكم النيشابوري المذكور أعلاه. جاء في ص 291 من عبقات الأنوار عن عمر بن الخطاب، وكتاب المجالس لأبي بكر محمد بن جعفر المطيري، وأبو ليث نصر بن محمد السمرقندي، والرياض النضرة لمحمد بن عبد الرحمن الذهبي، وكنز العمال للمولي علي المتقي، والفصول المهمة لابن الصباغ ص 125، وينابيع المودة للبلخي الحنفي، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد الشافعي ج 3 ص 258، من نقض العثمانية للشيخ أبي جعفر الإسكافي، عن حبر الأمة ابن عباس، عن عمر قال: دعوا ذكر علي لأني سمعت النبي (صلي الله عليه وآله) يقول: إن في علي ثلاث خصال لو كانت لي واحدة لكانت خير لي مما تشرق عليه الشمس وعندها قال: " كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة الجراح ونفر من أصحاب رسول الله وهو متكئ علي علي بن أبي طالب، حتي ضرب بيده منكبيه ثم قال: أنت يا علي أول المؤمنين إيمانا وأولهم إسلاما، ثم قال: أنت مني بمنزلة هارون من موسي، وكذب علي من زعم أنه يحبني ويبغضك ". تري كيف اعترف عمر بخلافة علي بعد الغصب؟ ونعيد ما ذكره المحدث المتبحر الشافعي محمد بن طلحة الشافعي في كتابه مطالب السؤول ص 19: " إن تلخيص منزلة هارون من موسي أنه كان أخاه ووزيره وعضده وشريكه في النبوة وخليفته علي قومه عند سفره وقد جعل رسول الله عليا منه بهذه المنزلة وإثباتها له إلا النبوة ". وأيد ذلك ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص 29، وغيرهم ممن مر ذكرهم. روي المير سيد علي الهمداني الفقيه الشافعي في الحديث الثاني من المودة [ صفحه 339] السادسة من كتابه مودة القربي عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: " إن الله اصطفاني علي الأنبياء فاختارني واختار لي وصيا وخيرت ابن عمي وصيا يشد عضدي كما شد عضد موسي بأخيه هارون وهو خليفتي ووزيري، ولو كان بعدي نبيا لكان علي نبيا، ولكن لا نبوة بعدي ". وأشار الإمام الثعلبي في تفسيره، وكذلك المحدث المتبحر السيد شهاب الدين في كتابه توضيح الدلائل ص 30 قال: لا يخفي أن مولانا أمير المؤمنين قد شابه النبي في كثير بل أكثر الخصال الرضية والفعال الزكية وعاداته وعباداته وأحواله العلية، وقد صح ذلك له بالأخبار الصحيحة والآثار الصريحة، ولا يحتاج إلي إقامة الدليل والبرهان، ولا يفتقر إلي إيضاح حجة وبيان، وقد عد بعض العلماء ببعض الخصال لأمير المؤمنين علي التي هو فيها نظير سيدنا النبي (صلي الله عليه وآله) منها: 1 - نظيره في النسب. 2 - نظيره في الطهارة: - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) - الآية (33) من سورة الأحزاب. 3 - نظيره في الولاية، الآية (55) من سورة المائدة: - (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) - (يعني عليا في كل التفاسير). 4 - ونظيره في الأداء والتبليغ بما أوحي إليه عندما أعطي سورة البراءة ليقرأها علي القوم أبو بكر فنزل جبرئيل: لا يؤديها إلا أنت أو من هو منك، فاستعادها عنه وأعطاها عليا (عليه السلام) في الموسم. 5 - نظيره من حيث كونه مولي الأمة بدليل قول رسول الله: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". قالها رسول الله (صلي الله عليه وآله) في غدير خم بعد نزول سورة الابلاغ. [ صفحه 340] فمن ما مر تري اعتراف أهل السنة والجماعة بأن الأحاديث متواترة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأمر الله أن الخليفة المنصوص عليه بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) إنما هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأن أبا بكر وعمر وعثمان اغتصبوا، رغم اعترافهم عامدين، وبذلك خرجوا عن أوامر الله وطاعته وطاعة رسوله (صلي الله عليه وآله) وغيروا وبدلوا، ثم أصروا علي الخطيئة وعدم رجوعها إلي أهلها، بل قدموها لأشر خلق الله، وبذلك حرموا الأمة من حقها وخلفوا أعظم المفاسد والتفرقة والمذاهب والعداء في الأمة الواحدة، والضعف الذي أدي إلي ما نري، ولولا ذلك لكان الإسلام اليوم سائدا في الدنيا، والعدالة ضاربة أطنابها علي الشرق والغرب.

نفي حديث متواتر علي خلافة علي

لم يأتي حديث متواتر علي خلافة علي، وعائشة تنفي وجود مثل هذا الحديث، وأن الأحاديث والغدير غير متواترة، حجة الإسلام الغزالي ليس له كتاب سر العالمين، الخلفاء الثلاثة لهم فضائل تؤهلهم وهم منزهون من الغصب. ولا تدل كلمة مولي علي الإمارة. إن الأمة أجمعت علي خلافة أبي بكر، لم يعترض علي علي ذلك. الجواب: كانت تلك اعتراضات مرت في بحثنا في الجزء الأول والثاني من الموسوعة في إثبات خلافة علي (عليه السلام) أمير المؤمنين، مسنده إلي نصوص قرآنية، وأحاديث نبوية، يضاف لها ما طبقه رسول الله (صلي الله عليه وآله) عملا في حق علي (عليه السلام) لما وجدنا ذلك في حديث يوم الدار وحديث المنزلة وحديث الثقلين وغيرها وأنه لم يؤاخي سوي علي (عليه السلام) قبل الهجرة وبعدها، وفي كل الحملات التي شارك فيها علي لم نجد [ صفحه 341] يترأس عليا (عليه السلام) سوي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وإلا كان هو الرئيس، أي لم يتأمر علي علي (عليه السلام) أحدا في حياته، بينما لم نجد ذلك في أبي بكر وعمر وعثمان. وتزويجه ابنته الطاهرة، وشمول علي (عليه السلام) بأعظم ميزة وهي أن عترة رسول الله (صلي الله عليه وآله) إنما هم عترة علي (عليه السلام) من الزهراء البتول (عليها السلام) يعني الحسنين (عليهما السلام) سيدا شباب أهل الجنة. وأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لم يخص أحدا بما خص عليا، كفتح بابه وباب علي فقط علي المسجد النبوي، والكرامات التي خص بها وأثبت بها أن عليا أحب خلق الله إلي الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، فيما جاء في حملة خيبر وحديث الطير. وغيرها. فأما ما ورد من عدم وجود التواتر فقد أطبق المحدثون والمفسرون علي صحة يوم الغدير، وقد جاء متواترا مثبتا من قبل أجله مؤرخي أهل ألسنة والجماعة. وأما أحاديث عائشة فإذا ما طالعت الأجزاء المارة أخص الجزء السادس المخصوص بالناكثين، والخامس في الخليفة الثالث عثمان بن عفان، تري جليا أنها رغم كونها من زوجات رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقد خرجت عن حدود الشريعة، وأنها ممن تعلن بغضها وكراهيتها لعلي (عليه السلام) وآل بيت الرسالة، وأنها أمرت عمدا وسببت عمدا قتل آلاف المسلمين منهم صبرا، ومنهم في الحروب، خارجة علي نصوص الكتاب وسنن رسول الله (صلي الله عليه وآله). وأنها كثيرا ما مدحت وذمت كما صنعت في عثمان، وأنها اعترفت بذنوبها وأظهرت التوبة وأبطنت الحقد، وعادت كرارا لأعمالها، فلا يعتد بقولها، أخص وأنها وأبوها وصاحبيه ممن يوجه لهم أعظم التهم، فكيف يقبل منها حديثا، وبالوقت وجدناها نقضت ذلك بأحاديث مخالفة مرت جميعا؟ وأما ما أدلي به حجة الإسلام الغزالي بإثبات خلافة علي وغصبها منه في كتابه سر العالمين، فقد أيد الرسالة من المؤرخين والمحدثين فيما لا يمكن أبدا رده، [ صفحه 342] كالسبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة ص 36، والحافظ ابن عقدة أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، وهو من الموثقين من أجلة علماء أهل السنة، وكان يحفظ نحوا من ثلاثمئة ألف حديثا بأسانيدها، وكان صادقا، ومنهم محمد بن جرير الطبري المؤرخ والمفسر الثقة، ولكم لاقي من علماء السنة والجماعة أشد النكاية عند إعلامهم عن حقيقة تجاه العامة الغفل لجلب نظرهم إلي الواقع. وأمثال العلماء المرموقين المنكوبين علي أيدي العامة بتحريك ذوي الأغراض والنواصب المعادين لأهل البيت فمثل ابن عقدة، من الأحرار الصادقين الذين علي الرغم من الاعتراف بصدقه لأنه كان يعلن بعض الحقائق، أوصموه بالخروج وطعنوا به. ومنهم الطبري المار ذكره. وأعجب من ذلك ما لاقاه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي من النكاية حتي مات وهو أحد أئمة الصحاح الستة، ومن مفاخر رجال القرن الثالث قتلوه لأنه أراد بيان الحقيقة، تجده قصته في الجزء الأول من موسوعتنا، كما تجد كلمة حجة الإسلام الغزالي في الغدير. لهذا تجد أنهم أن قبلوا من الغزالي كلمته [463] فقد أخرجوا الخلفاء الثلاثة عن [ صفحه 343] حدود الإسلام وشملتهم الآيات الثلاثة، قوله تعالي في سورة المائدة، الآية (44): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) -، وقوله تعالي في الآية (45) من نفس السورة: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) -. والآية (47) من سورة المائدة أيضا: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) -. وأما نزاهة الخلفاء الثلاثة ونحن نقف إمام نصوص الكتاب والسنة من وصايا الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) وأهل بيته، وأنه الخليفة المنصوب من الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وبيعتهم الثلاثة لعلي (عليه السلام) يوم غدير خم، كما مر في الجزأين الأولين، وما ورد من انحراف الخلفاء عن حدود الله في الجزء الثالث (في أبي بكر) والرابع (في عمر) والخامس (في عثمان). ومنعهم تدوين ألسنة وأحاديث الرسول (صلي الله عليه وآله) واجتهادهم في مورد النص، ونتائج أعمالهم من إبعاد ذوي الحق وتقريب أعداء الدين من آل أمية، هذه جميعها وقد مرت بأسانيدها، تخالف النزاهة وتثبت الخيانة والخروج عن حدود الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) عمدا ومع سابق إصرار. وأما كلمة (مولي) فقد ثبت أنها تدل علي كافة معانيها الخاصة والعامة في الجزء الأول من الموسوعة. أما الإجماع علي خلافة أبي بكر فمنقوض بتاتا وقد أثبتنا في موضوع السقيفة في الجزء الثالث أنه ليس هناك ولا شبه إجماع، وإنما هو الكيد والخديعة، وبعدها [ صفحه 344] الإغراء والارهاب، ويكفي قول عمر: إن بيعة أبي بكر فلتة وقي الله شرها، هذا إذا فرضنا أن خلافة أبو بكر كانت إجماعا، فما قولكم في خلافة عمر وخلافة عثمان؟ هل كان فيهما غير الاستبداد المطلق؟ وأما اعتراض علي (عليه السلام) فقد مر ورأيناه يحتج منذ الساعة الأولي، وإلا لماذا حرق عمر باب داره؟ ولماذا لطمت بضعة المصطفي (عليها السلام) وأسقط جنينها؟ وخطبتها العصماء علي المهاجرين والأنصار؟ وغضبها علي أبي بكر وعمر؟ حتي ماتت ودفنت سرا؟ احتجاجات علي (عليه السلام) أخص في الرحبة وغيرها، وخطبته الشقشقية وغيرها، والاحتجاجات الأخري، والذي يراجع الأجزاء السابقة يجد الأجوبة الكافية لهذه الاعتراضات واضحة مستدلة بالأسانيد والبراهين العقلية والتاريخية المعقولة والمنقولة.

تخلف أبي بكر و عمر عن جيش أسامة

1 - تخلف أبي بكر وعمر عن جيش أسامة، إنما كان بإشارة أسامة وهما تابعان واعتراضهما علي تأمير أسامة إنما كان إبداء رأي لا اعتراض. 2 - عدم قتلهما المارق الذي امتنع أبو بكر وعمر عن قتله إنما ذلك لأنهما وجداه يصلي ولم يحسبا أن ذلك واجبا. رد الرد: 1 - لقد مر في الجزء الثاني والثالث والرابع شرحا وافيا عن هذا الموضوع، [ صفحه 345] ويمكن مطالعة ذلك من المسترضين [464] . فأما تخلفهما عن الجيش لأنه من المسلمات، حتي ندم علي ذلك أبي بكر في عهد خلافته وصرح به كما مر وهذا يدل علي أن التخلف كان منهما وهما اللذان كانا يخالفان علي إمارة أسامة ويثيران القلاقل، حتي اضطر رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي أن يخطب وهو مريض ويؤكد علي تسريع الحملة ويلعن المتخلفين وما أسامة إلا أحدهم، رغم أنه أمير الحملة، بيد لما كان يجد شيوخ المهاجرين يتخلفون ويخلقون الأعذار بدا متخلفا، وإن لم يكن ذلك لما لعن رسول الله (صلي الله عليه وآله) المتخلفين ولاكتفي بإصدار أوامره الأولي لأسامة وإن وجده متخلفا عزله وأبدله، ومعني اللعن يدل علي وجود المتخلفين غير أسامة. يجد القارئ الكريم رد الموضوع هذا شرحه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 2 ص 20، كما ذكره الشهرستاني، وذكره أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة. 2 - أما أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) بقتل المارق فقد رآه رسول الله يصلي وأبو بكر وعمر يعلمون ذلك، ولا يخفي علي أحد أن أمر القتل لا يكون استحبابا بل إنما يصدر في مثل هذا وجوبا وأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لا ينطق عن هوي، لهذا أمر بذلك وأصر عليه. ولا يخفي أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أرحم أفراد البشر والقتل أقصي العقاب ومثل هذا لا يقوم به نبي مرسل إلا وأنه علم وثبت له أن ذلك الرجل قتل متعمدا فجزاءه القتل، أو إنما كان ذلك وحي من الله وعلم مكنون، كما قتل نبي الله الخضر الصبي واعترض عليه نبي الله موسي. [ صفحه 346] وبالتالي أخبره إنما كان ذلك بأمر من الله، والمؤمن بالله وبرسوله في مثل هذه الموارد وهو يتقبل هذا الأمر يجب عليه تنفيذه. وإذا لم ينفذه فقد تخلف عن حدود الله، ولقد سمعا رسول الله يقول عن نتيجة تخلفهما أنها أول فتنة تقع، وإذا بالرجل هو رئيس الخوارج المارق ذو الخويصرة التميمي. وكيف اعتبر ذلك الأمر أنه مستحب وقد وجد عمر إصرار رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي القتل بعد تخلف أبي بكر؟ وإذا به يتخلف مثل صاحبة، حتي ذهب في الثالثة علي (عليه السلام)، غير أن الرجل كانقد ترك المكان، وعندها قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنها أول فتنة في الإسلام [465] . وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد قال عنه وعن أصحابه أنهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأن الرجل يقوم بفتنة في الإسلام وتفرقة في الأمة، وأنه وأصحابه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون حتي يعود السهم في فوقه، فاقتلوهم هم شر البرية، وقد مر ذلك بأسانيده في الأجزاء الماضية، أخص في الأجزاء الأربعة الأولي من الموسوعة.

تنزيه عمر في رزية يوم الخميس

رد الاعتراض علي الخليفة الثاني عمر وتنزيهه حول مخالفته عند طلب النبي دواة وبياض في مرض موته. الجواب: مر بنا ما قاله حجة الإسلام الغزالي في كتابه سر العالمين من أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) [ صفحه 347] في مرض موته طلب دواة وبياض ليكتب لأمته ما لم يضلوا بعده، ويعين فيه خليفته، فقال عمر: دعوا الرجل فإنه يهجر. وقد مر الحديث بأسانيده في الأجزاء الماضية، واعتراف عمر نفسه أمام ابن عباس بالحديث، وأنه صد رسول الله (صلي الله عليه وآله) الذي كان يريد أن يدلي كتابه ويعلن خلافة علي (عليه السلام) فمنع رسول الله (صلي الله عليه وآله) من ذلك. ولا يشك عاقل أن الذي يجسر علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بقوله: يهجر يهون عليه أن يعلن للملأ إن كتب رسول الله ذلك أن الكتابة إنما صدرت عبثا من رجل يهذي يعني لا يعقل. وأعماله التالية منذ السقيفة وقبلها وبعدها إنما تدل أنه من اليوم الأول دخل الإسلام وهو يريد أن يخالف رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ولا زال يشك في أعمال وأقوال رسول الله لما وجدناه في صلح الحديبية واعتراضه علي فتح مكة، وتخلفه عن جيش أسامة وفراره في خيبر وغيرها، وقيامه في السقيفة كأول شخص يبايع أبا بكر غاصبا للأمة حقها في استخلاف خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) المنصوص عليه من الله ورسوله، باعتراف عمر نفسه وتقديمها لأبي بكر، واستبداد أبو بكر بالأمة وإحالتها إلي عمر دون أن يترك لفرد واحد من الأمة حق الرأي. وعمر في حياته وحياة أبي بكر منع تدوين السنة والحديث جهارا، واستبداده بالأمور، ثم نقلها لأشر خلق الله عنادا ولجاجا، وإقامة الشوري، تلك البؤرة التي خلقت الفتن والتفرقة والمظالم. فأي تنزيه ينزه به الخليفة وهو يصرح أنه منع النبي؟ وأنه خالفه، وهو الذي ثبت قوله في غدير خم بمبايعة علي (عليه السلام) وقال له: بخ بخ لك يا علي لقد أصبحت مولاي ومولي كل مؤمن ومؤمنة. وأن نصوص الكتاب المار ذكرها، ووصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) في علي وعترته [ صفحه 348] لتكفي القارئ المحقق أن يعرف أن التواتر حاصل من الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) في خلافة علي (عليه السلام) وأنهم غصبوها وظلوا معاندين علي أن لا ترجع له إلي الأبد، وقد مر إثباتها في الأجزاء السابقة.

تساوي علي و أبي بكر في الفضيلة

إن أبا بكر وعلي متساوين في الفضل، فإذا أمر علي بتلاوة سورة البراءة فقد أمر أبو بكر ليقوم بمناسك الحج، وذلك ما رواه أبو هريرة، فهما متساوين في الفضل والكرامة. الجواب: عندما أرسل رسول الله (صلي الله عليه وآله) أبا بكر بالآيات من سورة البراءة ليتلوها علي المكيين جاءه جبريل عن الله قائلا: إن هذه الآيات وإبلاغها إلي أهل مكة يجب أن تبلغ بواسطتك أو بواسطة من هو منك، مثل علي، ولا يجوز لمثل أبي بكر إبلاغها. فأرسل رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي الأثر عليا (عليه السلام) إلي أبي بكر ليأخذ الآيات منه، فأخذها وعاد أبو بكر إلي المدينة متأثرا جدا وسأل رسول الله هل نزل فيه شئ؟ هذا ما أطبق عليه جميع أهل الصحاح والمحدثين، من أهل السنة والجماعة بصورة متواترة. وليس هناك من قال ما ذكر أعلاه، وما تلك إلا من جملة الأحاديث المدسوسة المزيفة للبكريين التي وضعت زمن معاوية لقلب الحقائق، فكما تواترت الأحاديث علي إرسال علي (عليه السلام) لأخذ الآيات تواترت علي أن أبا بكر عاد إلي المدينة. [ صفحه 349] وهذا يدل أن مقام علي (عليه السلام) غير مقام أبي بكر، ولا يقاس به، لأنه من أهل البيت كما قال الإمام أحمد بن حنبل حينما سأله ابنة عنه. وإن أبا بكر ليس له شئ من الفضائل والكرامات، عدي أنه أبو عائشة أم المؤمنين، وكأحد الصحابيين، وكثيرا ما نجد غير علي (عليه السلام) من الصحابة أفضل من أبي بكر في السابقة والتقوي والشجاعة والعلم وأمثالها. فكيف بعلي الذي نزلت في فضله أكثر من ثلاثمئة آية، وما أدلاه عنه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وخصه به، وأنه نفس رسول الله وأبو ذريته؟ وخير ما يقال إن أبو بكر وعمر كانوا جنودا عاديين تحت إمرة أسامة، وفي كل المواقع، عدا خيبر، اللذان تقلدا إمارة الحملة وعادا فارين خاسرين. ففي آية التطهير علي (عليه السلام) ساوي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالطهارة، وفي آية المباهلة كان نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله) وفي الآية (7) من سورة الرعد قوله تعالي: - (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) - أطبق المفسرون أن المنذر رسول الله (صلي الله عليه وآله) والهادي علي بن أبي طالب (عليه السلام). راجع بذلك الإمام الثعلبي في تفسير كشف البيان، ومحمد بن جرير الطبري في التفسير، والكنجي الشافعي في الباب (62) من كفاية الطالب، وتاريخ ابن عساكر، والبلخي الحنفي في ينابيع المودة باب (26)، والحمويني، والحاكم الحسكاني، وابن الصباغ المالكي، والمير سيد علي الهمداني، ومناقب الخوارزمي عن ابن عباس، كلها تثبت ذلك. رد اللائحة حول علم أبي بكر وأنه أعلم الأمة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله).

رد كون أبي بكر أعلم الأمة بعد النبي

قال ابن حزم في الفصل الرابع ص 136: علم كل ذي حظ من العلم أن الذي [ صفحه 350] كان عند أبي بكر من العلم أضعاف ما كان عند علي منه. وقال ابن تيمية في منهاج السنة ج 3 ص 128: أن عليا أخذ العلم عن أبي بكر، كما جاء في تاريخ السيوطي ص 28، بدليل أن أبا بكر واظب علي صحبة رسول الله من أول البعثة إلي الوفاة، فهو أعلم الأمة. رد الرد: حدث المرء بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له. ولقد أجمعت الأمة، أخص علمائها وأهل الرأي من المحدثين والمفسرين والكتاب بما ورد في الكتاب والسنة وأحاديث رسول الله (صلي الله عليه وآله) [466] ، وما أقر به أبو بكر، وأخص عمر علي علم علي (عليه السلام)، وأن أبا بكر لم ترد عنه غير موارد قليلة بعيدة عن العلم وأنه وعمر في كل مشكلة فقهية أو غير فقهية يحرجان بها يعودان إلي علي لحلها. وأن أبا بكر لطالما أحجم جهلا عن إجابة سؤال سائل، وأراد النكاية بالسائل، وإذ كان يشار عليه بإرجاعها لعلي (عليه السلام) كان يندهش لحلها، ويطأطئ رأسه تعظيما لعلي (عليه السلام). غير أن عمر كانت مشاكله أعظم، لأن مدة خلافته طالت، وما أكثر أن أحرج، وكان علي (عليه السلام) هو الحال لمشاكله، فيعود في كل مرة يقول: لولا علي لهلك عمر، وعجزت النساء أن يلدن مثل ابن أبي طالب، وغير ذلك. وكل ما أستطيع أن أرد ابن حزم وابن تيمية بأنهما برهنا علي أحد أمرين، إما جهل مطبق، أو عداء محرق، وبعدها للمحقق ذو الرأي الثاقب أن يري من خلال [ صفحه 351] الروايات والأحاديث المتواترة الواردة في مبغض علي (عليه السلام) وآل البيت. إن هؤلاء وأمثالهم من النواصب الذين باعوا دينهم وضمائرهم ووقفوا وقفة المعادي المكابر الصريح يجادلون في صف أعداء رسول الله (صلي الله عليه وآله) وآل بيته، فاثبتوا نفاقهم وظلمهم وفسقهم وكفرهم، وحاددوا الله ورسوله، ومن حادد الله ورسوله فقد ضل سواء السبيل. قال تعالي: - (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا) - [467] . وقال تعالي في سورة النساء [468] ما تجده أدناه مطبقا علي من حادد الله ورسوله وخالف أوامره وجادل عمن حادده ونافق وظلم وكفر.

رد كون مكانة أبي بكر في العريش أعظم قدرا من جهاد علي

مقام أبي بكر في العريش أعظم قدرا من جهاد علي في ساحة الحروب [469] . [ صفحه 352] وسابقة أبي بكر إذا أخذ سن بلوغ علي تكون أكثر وإن أسلم بعد خمسين شخص آمنوا قبله. رد الرد (الجواب): للمعترض أن يراجع سابقة أبي بكر في الكتاب الثالث من موسوعتنا هذه كي لا نعود ونكرر الأسانيد المثبتة والبراهين المستدلة علي أن السابقون السابقون أولئك المقربون، وقد وجدنا إن الله ورسوله ارتضي عليا (عليه السلام) وصيا ووزيرا وخليفة لرسول الله (صلي الله عليه وآله) في سن الثالثة عشر كما اختار الله عيسي صبيا نبيا في محكم كتابه. وأما موضوع الجهاد والسابقة فأوجه المعترض إلي محاجة الخليفة العباسي المأمون مع الأربعين فقيها الواردة في العقد الفريد مما رواه ابن عبد ربه عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن عمار بن زيد، والتي ذكرنا فصلا منها في الجزء الثالث من موسوعتنا في سابقة أبي بكر وجهاده، وكيف أن إسلام علي (عليه السلام) علي الفطرة، وأن إسلام أبي بكر وعمر وعثمان بعد الأربعين وبعد الشرك، والموبقات، والتربية في الصغر كالنقش علي الحجر، وفي الكبر كالنقش علي المدر. وكما قال الشاعر: إن الغصون إذا قومتها اعتدلت++ ولا تلين إذا كانت من الخشب وإلي هنا أكتفي بالرد هنا وأحيل المحقق إلي ما شرحته في الأجزاء السابقة، وقد كفانا المأمون كثيرا مما يجب قوله، وما درجناه علي مبني المعقول والمنقول [ صفحه 353] موضحين الحق سائلين المولي أن يهدينا جميعا سواء السبيل، ولقد أثبتنا كل شئ بأسانيده من الصحاح. وما أتي به الجاحظ وكيف أحسن رده أبو جعفر في تبادل اللوائح المذكورة في كتابنا الثالث (كتاب أبي بكر) في موضوع جهاد أبي بكر. فأوفي الله لأبي جعفر أجزل الجزاء إذ عرف كيف يرد علي الباطل ويظهر الحق لأهله، وينير الواقع لذوي البصائر. واكتفي من الوقائع بذكر واقعة خيبر، تلك الواقعة الوحيدة التي أعطيت الراية إلي أبي بكر فأدبر فارا بجيشه، وتلاه عمر في اليوم الثاني فارا إذ أنيط له فتح قلاع خيبر ولم يفتحها إلا الفتي الذي قال فيه جبرئيل لا فتي إلا علي لا سيف إلا ذي الفقار، والذي قال فيه رسول الله (صلي الله عليه وآله) قبيل إعطاء راية الحرب: والله لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، كرار غير فرار يفتح الله علي يديه. ومن مفهوم مخالف قول رسول الله (صلي الله عليه وآله) إنما هو هجاء لمن سبق عليا (عليه السلام) بأنهما فرا، وأنهما ليسا من يحبه الله ورسوله ولا هما يحبان الله ورسوله، إذ الحبيب من يفدي في سبيل حبيبه كل شئ ويصغي إلي طلبه وأمره ونهيه، وأقلها الحذر من الإدبار والتمسك بالشجاعة [470] . ولم يذكر التاريخ عن علي (عليه السلام) أنه تأخر أو توقف في أي معركة أو حملة أو واقعة من الوقائع ال (36) التي جرت في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولا مرة واحدة، بل [ صفحه 354] كان دائما في الطليعة، ودائما يقابل أقوي الفرسان في الحملة ويقضي عليهم،أولئك الذين يخشي باقي الصحابة مقابلتهم [471] .

رد كون فضائل الشيخين كفضائل علي

لأبي بكر وعمر وعثمان فضائل كما لعلي فضائل، لذا انتخبت الأمة أبا بكر، وبرهنوا علي إخلاصهم في عهد رسول الله وعهد خلافتهم ولو عددنا فضائلهم لضاق بنا هذا الكتاب. رد الرد: نعود ليوم السقيفة لنري هل احتج أبو بكر أو عمر أو أبو عبيدة بفضيلة سوي أنهم من المهاجرين، ولو كانت لهم فضيلة ما ألم يحتجوا بها؟ وهلا نجد أن أبا بكر مد يده إلي أبي عبيدة ليبايعه؟ وهل استطاع أن يصمد أمام خطبة الزهراء يوم وقفت تخطب علي المهاجرين والأنصار وتبدي فضائل زوجها وفضائل أهل البيت، إذا كان لأبي بكر أو عمر فضيلة لكان أحسن زمان لإبراز ذلك، وهكذا أمام احتجاج علي هل استطاع أحدهم أن ينبس ببنت شفة سوي الشتم المار ذكره، وإبداء القوة القاهرة، وأن المسلمين انتخبوا أبا بكر. وقد أثبتنا خلاف ذلك في الكتاب الثالث فصل السقيفة من هذه الموسوعة. ثم أي فضيلة تقابل يوم الدار، وحديث المنزلة، وحديث الثقلين، وحديث السقيفة، وتآخي رسول الله (صلي الله عليه وآله) لعلي، وسد الأبواب عدا باب علي (عليه السلام) وما مر من الفضائل في علم علي وجهاده، وأعظم من ذلك سابقته وتضحيته وشجاعته [ صفحه 355] وإخلاصه وأنه أبو ذرية رسول الله (صلي الله عليه وآله). وأعظم الكل الآيات النازلة في علي (عليه السلام)؟ وآل بيته، والتي فيه وحده أكثر من ثلاثمئة آية، وفي آل البيت تساوي ثلث القرآن، وهو يشترك فيها، ومنها آية الطهارة، وآية المباهلة، وآية الولاية، التي شابه بها رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وآية الابلاغ والاكمال، وغيرها، كما مر ذكرها. وقد رأينا أنه لم تنزل في أبي بكر سوي ما يخص الغار، وقد وجدناها لم تكن مدحا، بل ذما لحزن أبي بكر وهو مع رسول الله (صلي الله عليه وآله). وأما عمر وعثمان فلم نجد لأيهما شئ بينما نزلت كثير من الآيات كرامة لكثير من الصحابة مثل عمار وابن مسعود وأبو ذر وغيرهم، وقد مر في الجزء السادس من الموسوعة ما قام به معاوية بغضا لآل بيت الرسالة، من دس الأحاديث الكاذبة، وتزييف الحقائق، ووضع الروايات، وعمم درسها علي المكاتيب بين القراء ومكاتيب الأطفال والنساء ونشر ما يرفع من مكانة أبي بكر وعمر وعثمان وآل أمية من تقديم الهدايا والمناصب، وبالعكس الحط من كرامة محمد وآله وقتل وتبعيد وحرمان من روي حديثا عنهم ونسب فضيلة لهم. راجع الصحاح هل تجد من تلك الكرامات المنسوبة لهم أو الكتب الأخري، إلا وأنها صدرت من كذاب وضاع خارج علي الدين مبغض لمحمد وآله، ناصبي، خارجي، أطبق علي عدم الأخذ بخيرة العلماء الأعلام، ومما يخالف المنطق السليم والعالم الحكيم. وقد وجدنا كثير من الكتاب والمحققين الأعلام حرصوا علي رؤوس الأشهاد بأنه كلما ورد في فضائل أبي بكر وصاحبيه فهي من المفتريات التي يشهد بديهة العقل بكذبها. منهم ما قال به الشيخ مجد الدين الفيروزآبادي صاحب قاموس اللغة في كتابه [ صفحه 356] سفر السعادة. والعجلوني ذكر في كتابه ص 419 - 424 بأن فضائل أبي بكر أشهر المشهورات من الموضوعات. كما كذب السيوطي فضائل لأبي بكر في كتابه اللآلي الموضوعة ج 1 ص 186 - 302. ولمن شاء الأدلة القاطعة علي صحة دس ووضع هذه الفضائل مراجعة الجزء 5 و 6 و 7 من موسوعة الغدير للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني. وخلو الصحاح الستة وكتب أهل السنة المعتبرة من تلك الفضائل أحد الأدلة الثابتة. وأما فضائل علي (عليه السلام) فهي أشهر وأكثر من أن تعد وتحصي نقلتها الصحاح وذكرها أشهر الكتاب وأعظمهم من أهل السنة والجماعة، وأجلب نظر القارئ الكريم إلي الجزء الأول والثاني من موسوعتنا هذه، وقد انتخبنا النزر اليسير بأسانيده في أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وكلها من طرق أهل السنة والجماعة، ومن خيرة كتابهم وكتبهم وأعمها. وبعد مطالعة تلك وهذه ليقايس المطالع المنصف ويحكم بالقسط وليراجع القارئ الجزء الثالث والرابع والخامس والسادس عما شرحناه عن أحوال الخلفاء الثلاثة ومن تابعهم واقتفي أثرهم، وما أحدثوه وخلفوه والنتائج التي ترتبت علي سيرتهم وسلوكهم، وعندها سوف يأسف الأسف الشديد إن كان محققا منصفا حكيما لا تأخذه في الله لومة لائم، أي خسارة ابتلي بها الإسلام بعد نبيهم، ومن أين جاءتهم المصائب باسم الكرامات والفضائل؟ وماذا ترجو برجال خالفوا الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وبدأوا بغصب خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذلك المركز الإلهي المنصوص عليه في الكتاب والسنة وبعدوا ذوي الحق ومن اتبع طريق الهداية، وقربوا الكافرين المنافقين والفاسقين الفاجرين [ صفحه 357] المتنكرين للإسلام، أمثال بني أمية وبني العاص والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص. وقد علموا أن من بغض عليا فهو منافق [472] ، ومن سبه سب رسول الله وسب الله فهو كافر [473] ، وأنه فاروق الأمة، بين الحق والباطل، ويعسوب المؤمنين [474] . وأراد الأمويون البكريون اختلاق أحاديث مشابهة لأبي بكر وعمر فأخرج لهم عبد الرحمن بن مالك المغولي حديثا أسنده لجابر عن رسول الله قائلا: " لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبهما منافق ". وأورد آخر أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: أبا بكر خليفتي، والراوي الأول مطعون فيه بشدة، من علماء السنة، مثل الذهبي في ميزان الاعتدال ج 10 ص 236، والخطيب البغدادي، فقالوا إنه وضاع أفاك وكذاب. ونقل ابن أبي الحديد في تاريخ أبي مخنف لوط بن يحيي أن أبا بكر وعمر جاءا رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسألاه: من يخلف بعده، فقال: خاصف النعل. وكان علي (عليه السلام) [ صفحه 358] والرواية عن أم سلمة كانت وعائشة معا، وقد سمعوا الحديث وقد قال لهما رسول الله: أما إني فأري مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران، فسكتا وخرجا، وقد سألت أم سلمة رسول الله عن خاصف النعل وعائشة تسمع وفي مشهدها فأشار إلي علي. وإذ علمت عائشة، يا تري ألم تخبر الحقيقة لأبيها؟ وهذه إحدي المواقف المثبتة التي ختمها رسول الله (صلي الله عليه وآله) بغدير خم. وهذا الحاكم ينقل في مستدركه عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قوله: " ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب، فإنه أول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة، فيفرق بين الحق والباطل، ويعسوب المؤمنين " [475] . وروي أحمد في مسنده والخوارزمي، أبو المؤيد موفق بن أحمد في مناقبه، والهمداني الشافعي في مودة القربي، والحافظ البيهقي في سننه، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، أنه قال: " علي أعلمكم وأفضلكم وأقضاكم، والراد عليه كالراد علي، والراد علي كالراد علي الله، وهو علي حد الشرك بالله ". وذلك أقل ما يمكن أن يقال في علي، فمن أين جاء المنافق الكافر الكاذب علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) قوله: إن أبا بكر خليفتي؟ ولو كان قالها لما سكت أبو بكر وعمر، والاحتجاجات تقوم عليهم بعد السقيفة حجة ومسندا بالغصب، ولم نجد عندهم في ذلك ولا كناية، بل العكس كل الأدلة مجمعة حتي من أحاديثهم علي خلافة علي (عليه السلام) نصا من الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، وكلما احتجوا به أنهم من المهاجرين وأن [ صفحه 359] الأمة انتخبت أبا بكر، بينما نري في الصحابة من هو أكثر سابقة وأشد تضحية وأجمع أهلية من التقوي والعلم والشجاعة منهم. وأين حصل الاجتماع، وقد بدأوها خدعة بين ثلاثة، وإلقاء فتنة بين ثلة من الأنصار، وبعده تلاه الخمط والتهريع وضم أعداء أهل البيت من المنافقين أمثال آل أمية، ومن دخل الإسلام طمعا وإكراها بعد الفتح أو قبله. ولم نجد ولا واحدا من بني هاشم ولا من الصحابة المقربين سيان من المهاجرين والأنصار بايعوا أبا بكر إلا كرها، وأما عمر فقد كفانا الدليل علي كل ذلك حينما قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقي الله شرها، هذا ما يخص أبا بكر. أما عمر فقد استبد أبا بكر بالعهد إليه رغم إعلان المهاجرين والأنصار علي مخالفتهم لهذا العهد كما استبد عمر في تعيين الشوري لخلق مفاسد لا تمحي حينما أودعها لعثمان، وأوجد له ولعلي أنداد ما كانوا بالحسبان.

رد غضب فاطمة للشيخين ما كان من أجل فدك

رد غضب فاطمة بالنسبة للشيخين فإنه ما كان من أجل فدك ولم يكن ذلك من حقها بدليل أن عليا لم يرجعها في خلافته. وأن تأثرها الواقعي من علي زوجها لأنه خطب ابنة أبي جهل. رد الرد (الجواب): أجلب نظر المعترض إلي ما أوردناه من الدلائل والأحاديث المتواترة في الجزء الثاني من موسوعتنا في مواضع: 1 - من آذي عليا وذريته. 2 - إن إيذاء علي وفاطمة إيذاء الله ورسوله. واللائحة الواردة بعدها وردها [ صفحه 360] بالبراهين القاطعة، والأحاديث الجامعة. وأن ما ورد من خطبة علي لابنة أبي جهل من روايات الكرابيس المنسوبة إلي حسين الكرابيسي الوضاع الكذاب من أولئك الذين صنعهم معاوية لتزييف ودس الأخبار وتشويه الحقائق، وهو من مبغضي علي (عليه السلام)، وخارج علي الدين ولا يعتد به الكتاب والمحدثين [476] . ثم تصفح ما ورد في فضائل فاطمة (عليها السلام) بضعة رسول الله (صلي الله عليه وآله) الطاهرة الزكية، وأن من آذاها أو أغضبها آذي وأغضب رسول الله، ومن آذي أو أغضب رسول الله آذي وأغضب الله، وثم اتلوا الآية الشريفة رقم (57) من سورة الأحزاب: - (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) -. ثم بعدها راجع ما أوردناه من الأسانيد والدلائل من الأحاديث المتواترة المسلمة أن أبا بكر وعمر آذيا وأغضبا فاطمة الطاهرة الزكية في غصبهما الخلافة، وتزوير حديث: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة "، وحرق بابها وضربها وإسقاط جنينها وشتمها وشتم زوجها وسلبها حق نحلتها وإرثها، ومنع الخمس عنها وعن ذريتها، مخالفين بذلك نصوص الكتاب وسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله) رغم طلبهما منها العفو والصفح، وأنها استشهدتهما علي صحة ما ورد عن أبيها أن من آذاها وأغضبها أغضبه ومن أغضبه أغضب الله، وأقرا وصدقا ذلك، ثم قولها لهما: إني موجدة ومتألمة وغاضبة عليكما لهضم الأمة وبعلي وهضم حقي، وسوف أدعو الله عليكما بعد كل صلاة ولأشكونكما إلي أبي رسول الله. تجد كل [ صفحه 361] ذلك بأسانيده في الجزأين الثاني والثالث. كما مر، وتري فيها من آذي عليا وخالفه وسبه ورده فقد فعل ذلك مع الله ورسوله وهو في حد الشرك والكفر. وقد ثبت أن الخلفاء الثلاثة بالغوا في الغصب والنكاية والظلم والإهانة لعلي وذريته في عهد خلافتهم وسنوا ذلك الظلم علي الأمة الإسلامية لنقل الأمر إلي ألد أعداء الإسلام وأعداء الله ورسوله وآل بيته عامدين ومصرين بما لديهم من حول وطول، منذ مرض رسول الله (صلي الله عليه وآله) مرض الموت، وفي تخلفهم عن جيش أسامة وطلبه (صلي الله عليه وآله) القلم والقرطاس، ومخالفة عمر له، وبعد الغصب في السقيفة أم الفتن، وما أحدثوا من أشد المظالم، والخروج علي حدود الله ورسوله، حتي إيجاد الشوري العمرية التي قضي بها عمر بضربته القاصمة واستبداده علي آمال الأمة الإسلامية، بعودة الحق إلي نصابه، وتلاعب عثمان بالنفوس والأموال وما خلفوا جميعا من النكب والرزايا في جسم الأمة، وخلقوا من البدع في الشريعة. والثورات والانقلابات التي منيت بها الأمة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في حرب الجمل وصفين والنهروان، وبسبب مد الخليفة الأول والثاني آل أمية وأعداء الإسلام أمثال عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وخالد بن الوليد، وأمثالهم بالمال والمآل تسنم أعظم الولايات الإسلامية، وتسليط معاوية اللعين علي قول رسول الله (صلي الله عليه وآله) وابن اللعين وآل الحكم، بالتالي علي رقاب المسلمين وإرهاق المهاجرين والأنصار من البدريين والأحديين، وغيرهم، ومن التابعين، وذرية آل رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسيدي شباب أهل الجنة تحت نكاية أعدائهم رؤساء الأحزاب، الذين مدهم الخلفاء الثلاثة منذ بدء غصب الخلافة. وقهر الأمة الإسلامية تحت نير استبدادهم، بدأها أبو بكر وتابعها عمر وسار [ صفحه 362] عليها عثمان، وأبناء أبيه وعمومته وآله، وأسسوا أساس الظلم والتحريف وقلب الحقائق إلي يومنا هذا. ولهذا حق أن ندعو قائلين: اللهم العن أول ظالم ظلم الإسلام وظلم آل محمد، وأول غاصب غصب حقهم ومن تابعه وشايعه علي ذلك إلي يوم القيامة، اللهم إننا ندعوك ونتظلم إليك في هذا العصر أن تأخذ بحقنا وحق كل مظلوم لحقه الحيف والجور بسبب تلك المظالم، ممن بدأوا ومن تابعهم ولاحقهم بالظلم والجور إلي يوم القيامة. وإن ربنا لبالمرصاد وهو لا يغادر صغيرة أو كبيرة إلا وأحصاها وقد قال عز من قائل: في سورة الزلزلة الآيتان (7 و 8): - (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره - ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) -. وأما اعتراض علي علي فدك فغير منكور وقد أفلح بحجته أبا بكر، ولماذا لم يرجعها فقد وجدناه وقد أقلقته الفتن والحروب التي خلفها الغاصبون والتي سنتها الشوري العمرية، وقد وجدنا الناس بلغ بهم الحال أنهم أرغموا علي ترك النصوص في عهد عمر وسكتوا مرغمين وعودوهم علي البدع التي اختلقوها حتي اعتادوها، ووجدناهم تحت تأثير المغرضين يثورون إذا بدلت سيرة من سير الخلفاء التي جاءت مناقضة لنص القرآن وسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله) في أمور خاصة وعامة، فكيف يعمل علي بفدك المغصوبة من إثارة ما يسمح لأنداده، وخلق صيحة مثيرة، وقولهم: وا سنة أبي بكراه، أو وا سنة عمراه، وقد وجدنا الخوارج المارقين والناكثين والقاسطين ومن تابعهم كانوا وأتباعهم بالمرصاد لعلي ومن تابعه. وقد وجدنا عليا وفاطمة لم يأخذوا سوي كفاية يوم من حاصل فدك، والباقي يقسموه علي مستحقيه. وإذا ظل علي غاضبا عن فدك فقد وجدنا أبو بكر وعمر سلباها وأعاداها [ صفحه 363] واعترفا بغصبهم إياها اعترافا لا مجال للشك فيه، وأيد ذلك عمرو بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الخليفة الأموي، حين أعادها واستعادته بنو أمية بعده، وغصبوها وأعادها الخليفة العباسي المأمون معترفا بالدلائل والإقرار بهذا الحق، وقد مرت بأسانيدها. والخلاصة أن أبي بكر يتقدم بعد غصب منصب الخلافة فيأمر لغصب فدك وهي منحة رسول الله لابنته، وإن لم تكن فهي تركته، وهي المتصرفة بفدك، فيدعي وهو الحاكم وبصفته مدعيا عليه إقامة البينة، يطلب البينة من الزهراء (عليها السلام) الصديقة، بشهادة القرآن في آية الطهارة والمباهلة وغيرها، فتأتي بزوجها وولديها وأم أيمن، مع العلم أن زوجها وهي وولديها من أهل الكساء الذين شهد بطهارتهم الله، وزكاهم في محكم كتابه، ويفلجه علي بعد أن تفلجه الصديقة فلا يجدون منه بعد أن أجمع الصحابة علي حق فاطمة سوي الشتم، وبعد كل ذلك فقد أجمعت الصحاح وأجمع وفقهاء أهل السنة والجماعة علي خبر الصحابي العدل، ولو جر نفعا لنفسه، ومن كذبه فهو فاسق [477] . وهل هناك أصدق من علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وقد أضيف إليهم أم أيمن. وقد مرت فضائل علي وفاطمة وكراماتهم بالكتاب والسنة، وما ورد في الحسنين أنهما إمامان إن قاما وإن قعدا، وأنهما سيدا شباب أهل الجنة، وريحانتا رسول الله. وهذا رسول الله يوصي بعترته وهم أولاد علي من الزهراء. وهذا هو القرآن يوصي بهم حينما يقول في سورة الشوري، الآية (23): - (قل [ صفحه 364] لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) -. وقوله (صلي الله عليه وآله): " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهم ". وقوله (صلي الله عليه وآله): " مثل عترتي أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ". وقوله (صلي الله عليه وآله) في ابنته: " فاطمة بضعة مني من آذاها آذاني ومن آذاني آذي الله ". وغير ذلك مما مر، وكثير آخر لا يسعه مثل هذا الكتاب، قد جاء مؤيدا متواترا في الصحاح والمسانيد. وهذا رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ". وقد ثبت كذب الحديث الذي رواه أبو بكر لمخالفته للنص والسنة وعدم إسناده. بل واعترافه عملا بكذب الحديث [478] .

رد طعن الشيعة بالصحابة و زوجات الرسول

إن الشيعة طعنوا بصحابة رسول الله (صلي الله عليه وآله) المقربين وزوجاته الطاهرة وهذا يعتبر كفرا وأخص منهم من طعن بخلفاء رسول الله، فقد خرج علي الإسلام، وكان من المفسدين الذين تشملهم الآية التي يجب فيه أن تقطع أيديهم من خلاف وأرجلهم أو يقتلوا ويصلبوا لأنهم يسعون في الأرض فسادا بخروجهم علي أولياء الأمر قال تعالي في سورة المائدة، الآية (33): - (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض...) -. [ صفحه 365] رد الرد: للجواب أحيل القارئ الكريم إلي ما سردناه في كتابنا الثاني من هذه الموسوعة تحت العنوان نفسه. " الشيعة يطعنون بالصحابة وزوجات النبي ". كما أجلب نظر القارئ إلي نفس الكتاب، إن الشيعة فرقتين: 1 - المحبين لمحمد وعلي وآله والمتبعين سيرتهم في كتاب الله وسنة رسوله، وخطواتهم في الأحكام والسنن في الأصول والفروع، لا مغالين في حبهم فيرفعونهم فوق قدرهم، ولا مغالين لهم في بغضهم إذ بهذا يخرجون عن حدود الله. 2 - المغالين في حب علي حتي يرفعوه عن مستواه ويعطونه صفاتا فوق صفاته حتي درجة الربوبية، فهم كفرة. فالشيعة هم المسلمون المخلصون الذين بقوا علي عهد رسول الله ولم يفارقوه في وصاياه وأوامره في سنته وكتاب الله المنزل، ولم تأخذهم في الله لومة لائم، فلا يعبدون غير الله، ولا يشركون به شيئا، ويقولون في محمد (صلي الله عليه وآله) إنه عبد الله ورسوله، وفي علي (عليه السلام) وولده يطبقون ما ورد في آية الولاية، فعلي وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وولي المؤمنين بعد الله ورسوله، وهو وولديه الحسنين وزوجته بضعة رسول الله، هم المطهرون المنزهون عن الرجس الذين في درجة رسول الله في الطهارة، بنفس الآية. وهم الذين باهل الله بهم نصاري نجران، وهم عدل القرآن، حيث قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ". وهم سفينة نجاة الأمة التي قال عنها (صلي الله عليه وآله): " مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ". [ صفحه 366] ويعتبر المسلمون الأصليين هم هؤلاء الذين امتثلوا أوامر الله ورسوله، وما حادوا كغيرهم، سيان عمدا أو غير عمد، فخرجوا عن حدود الله ورسوله (صلي الله عليه وآله). أما الطعن بالصحابة فلا يخفي علي المحقق الحكيم أن المسلمين في بيعة الرضوان والذين بايعوا رسول الله تحت الشجرة، والصحابة الذين صاحبوا رسول الله فيهم المؤمنون حقا وفيهم المنافقون، وقد أطلق علي الجميع اسم الصحابة. فالمؤمن من أبطن وأظهر الإيمان وعمل به، والمنافق من أظهر الإيمان وأبطن الكفر أو الفسق والفجور وخالف الله ورسوله، وكلاهما إنما يعرفان بسلوكهما في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وبعد مماته، وقد تبغي طائفة مؤمنة علي أخري، فيجب مقاتلة الباغي بأمر الله، حتي تفيئ إلي أمر الله وتعي، كما ورد في سورة الحجرات. وهكذا زوجات رسول الله (صلي الله عليه وآله) ففيهن المؤمنات الصالحات، ومنهن الخارجات علي حدود الله وسنن رسوله (صلي الله عليه وآله). وإذا راجعت كتاب الله لوجدت ما ورد في حقهن من الإنذار أن التي تحسن لها ضعفين، والتي تسئ لها ضعفين من العذاب. وقد وجدنا القرآن نصحهن أن يقرن في بيوتهن، ومنعهن عن الجهاد الذي فرضه علي الرجال، بيد إذا عدنا إلي عائشة ودخولها في معمعة الحرب ضد خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأخيه وأبو ذريته بغضا له وعنادا، مخالفة بذلك نصوص القرآن وسنن رسوله. كما نجد معها طلحة والزبير بعد أن بايعا عليا (عليه السلام) نكثا وأقاما تلك المجازر وقتلا المسلمين صبرا ونكاية. ومعاوية بن أبي سفيان ومنكراته ومن تابعه من القاسطين ومحاربته لخليفة [ صفحه 367] رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقتله الصحابة البررة باسم الإسلام [479] . ولا ننسي أن هناك من الصحابة ممن تآمر علي حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد العودة من غزوة تبوك عند مروره بالعقبة، وهم سبعة أرسل رسول الله (صلي الله عليه وآله) حذيفة فسمع حديثهم. ولا ننسي لعن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لمن تخلف من الصحابة عن جيش أسامة والمتآمرين لتأخير الحملة. والذين خالفوا رسول الله (صلي الله عليه وآله) من الصحابة عندما طلب بياضا ودواة ليكتب ما لا تضل بعده الأمة، حيث تنازعوا في محضر رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومنهم من قال إن رسول الله يهجر. وما جري بين الصحابة في سقيفة بني ساعدة علي منصب الخلافة. وما وقع بعدها يوم حمل عمر علي دار علي (عليه السلام) وحرق الباب وأخذ عليا قهرا ليبايع، وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله. ربما يكون جدال بين الصحابة ولكن هناك الغصب والقتل العمد والتعدي والظلم والتمادي في الظلم، والتمادي في الغصب، والتمادي في القتل من الصحابة علي الصحابة. وهل تنسي وقائع عثمان التي جرت إلي قتله، وفتاوي الصحابة ضده وتحريضهم علي قتله، وتحريض عائشة ضده حتي قتل. ثم تحريضها علي مقاتلة علي (عليه السلام) باسم الإصلاح. وأين نضع الآية (9) من سورة الحجرات: - (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيئ إلي أمر [ صفحه 368] الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) -؟ فنري البغي من الصحابة، وعدم الانصياع من الصحابة لأمر الله، وأمر الله مقاتلتهم حتي يفيئوا. وإذا نحن أقررنا بآية الولاية وأنها نزلت في علي (عليه السلام) وأنه ولي المؤمنين بعد الله ورسوله، فماذا نقول فيمن خالفه من الصحابة بعد أن أطبق المسلمون علي بيعته؟ وما نقول بمن بايعه ومن ثم نكث؟ وما نقول بمن نكث وقتل المسلمين والصحابة عمدا وصبرا، وهو صحابي، فأين إذن العدالة؟ وأين حدود الله وأوامره ونواهيه؟ هذه التي بحث فيها المسلمون البررة وانحازوا إلي جهة الحق وحاربوا البغاة. بيد نري البغاة تغلبوا في حرب القاسطين، وهم معاوية وأتباعه، وحكموا علي أهل الحق فسموهم بما شاءوا وتابعهم من تابعهم إلي هذا اليوم علي الظلم، ممن أعمي الله بصائره منقادين إلي جهة الضلالة، ومبتعدين عن الحق وأهله، ويوصمونهم بالخروج عن الدين ويستبيحون أموالهم ونفوسهم إلا القليل الذين صغي وأنصف وعاد يستغفر الله ويستعينه. ومن الصحابة إذن جماعة من المنافقين ومنهم الذين أشار إليهم القرآن الكريم في سورة آل عمران، الآية (144): - (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم) -. ومنهم الذين رغم ما ورد في القرآن الكريم في ذم المدبرين في الحرب، كانوا يفرون. ومنهم الذين ظلوا يعاقرون الخمر والنبيذ رغم تحريمها. ومنهم من يتخذون أعداء الإسلام أولياء من دون المسلمين، رغم ما ورد في الكتاب بمنع ذلك. [ صفحه 369] ومنهم من لم يألوا من مخالفة أوامر الله ونواهيه، وأوامر رسول الله (صلي الله عليه وآله) ونواهيه في علي (عليه السلام) وعترته من بعد موت رسول الله (صلي الله عليه وآله). وقد وجدناهم غصبوا حقهم وأسسوا أساس الظلم لهم باختيار ألد أعدائهم للإمارة والولاية والخلافة من بعدهم، غاصبين عامدين ومصرين علي إقصاء ذوي الحق ووضع أعدائهم محلهم، حتي قامت المجازر في الإسلام بقتل الصحابة وذرية آل الرسول (صلي الله عليه وآله)، وسلب المسلمين حقوقهم وإلقاء التفرقة بين الأمة الواحدة ورغم كون كل صحابي وتابعي قد سمع وصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولكننا وجدنا الكثيرين انحرفوا عامدين وضلوا منحرفين غير آبهين بالكتاب والسنة [480] . قال شيخ المعتزلة: وقفت علي الأخبار الصحيحة التي لا ريب فيها عند المحدثين، علي أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال لعلي: لا يبغضك إلا منافق ولا يحبك إلا مؤمن، وعن أبي ذر قوله: ما كنا نعرف المنافقين علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلا بثلاث: 1 - تكذيبهم الله ورسوله. 2 - التخلف عن الصلاة. 3 - بغضهم علي بن أبي طالب. فماذا تري فيمن قام ضد علي فغصبه وبغضه وسن أساس الظلم له ولذريته وعترة رسول الله وزوجته الطاهرة، متعمدا مصرا، في زمن حياته، وبعد مماته، وهو من الصحابة؟ [ صفحه 370] وقد قال (صلي الله عليه وآله): " إن الله عهد إلي من خرج علي علي فهو كافر في النار " [481] . وأم المؤمنين عائشة هي الراوية للحديث، وهي ألد الباغضين والمحاربين لعلي وآله وإذا اعترض عليها قالت نسيت الحديث حتي ذكرته في البصرة. ونراها بعد ذلك لم تزل في صف المبغضين المعاندين لآل البيت ومع أعدائهم، عندما أتي بنو هاشم بجنازة الحسن (عليه السلام) لدفنه إلي جوار جده جاءت راكبة بغلة تحتها بنو أمية وغلمانهم وسدت الطريق لمنعهم، فقال ابن عباس برواية المسعودي: " عجبا ما كفاك أن يقال يوم الجمل حتي يقال يوم البغل، يوم علي جمل ويوم علي بغل بارزة حجاب رسول الله تريدين إطفاء نور الله، والله متم نوره ولو كره المشركون إنا لله وإنا إليه راجعون " [482] . واقفة دائما ضد آل بيت الطهارة مع أعدائهم ومنعهم من الوصول إلي حقهم الشرعي ويقال: إن ابن عباس أنشد هذا البيت: تجملت تبغلت وإن عشت تفيلت++ لك التسع من الثمن وبالكل تصرفت فنسوة الرسول (صلي الله عليه وآله) تسعة ولهن الثمن بينما الباقي للعترة، وقد أرادت التصرف بالكل، فإذن لعائشة 9 × 18 = 172 ولفاطمة ابنة رسول الله 7172، وبإمكان القارئ أن يراجع آخر الجزء الثاني، عما جاء في موضع تعصب الشيعة وعدم رأيهم بالرأي العام والمذاهب الإسلامية لتعلم إنما الإسلام دين واحد ومذهب واحد ينحدر من رسول الله (صلي الله عليه وآله) وبعده أبو ذريته علي (عليه السلام) وثم ذريته الرواة الصديقين المطهرين [ صفحه 371] وكلما زيف أعدائهم وأحدثوا ووضعوا واختلقوا فيه بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأخص عهد الأمويين مما أوجد الفرق والمذاهب فهو والحقيقة خروج علي الكتاب والسنة. ومن المؤسف أنه ما خان الأمين ولكن اؤتمن الخائن، وهذا الخائن هو الذي سبب الفتن، ووضع الأفك والافتراء والتهم والكذب، وأعلن العصيان علي الله وعلي رسوله وآله، وقال نفاقا وبيده الحل والربط أنه صاحب الولاية الشرعية ظلما، ومن لم يطعه خرج علي الدين، أبعد المتقين والصالحين، وقرب الفجرة الطالحين. وانشقت الأمة إلي ما رأينا إلا من تمسك بحبل الله والكتاب والعترة الثقلين اللتان أوصي بهما رسول الله والشيعة هم محبي محمد وآله، وشيعتهم الإمامية المتواصلين الحافظين للأصول والفروع والشريعة المحمدية من الأول للآخر والذين عادوهم فإنما هم الفئات الضالة المضلة. ولمن شاء أن يقف علي الصواب أن يتتبع التاريخ وما فصلناه في الأجزاء الماضية، ولقد بدأ مذهب شيعة آل محمد في حياة محمد (صلي الله عليه وآله) وما الشيعة إلا محبي محمد وآله والمسلمين البررة، وقد مر ما ورد فيهم، وباقي المذاهب إنما خلقت في عهد بني العباس الغاصبين بعد العهد الأموي.

رد حديث أصحابي كالنجوم

إن الشيعة لا يعملون بالحديث الذي قال به رسول الله (صلي الله عليه وآله) " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ". رد الرد: كم وجدنا في الآيات القرآنية من آيات في المنافقين، وهم يطلق عليهم أيضا [ صفحه 372] اسم الصحابة، نرد بعضها أدناه: 1 - سورة النور، الآية (47): - (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولي فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين) -. 2 - سورة النور، الآية (50): - (أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون) -. 3 - سورة الحديد، الآية (13): - (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب) -. وفي الآية (14) من سورة الحديد: - (ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلي ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتي جاء أمر الله وغركم بالله الغرور) -. وفي الآية (15) من سورة الحديد أيضا: - (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير) -. 4 - سورة البقرة الآية (27): - (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) -. 5 - سورة الرعد الآية (25): - (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) -. 6 - سورة النساء، الآية (107): - (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما) -. والآية (108) من سورة النساء: - (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضي من القول وكان الله بما يعملون محيطا) -. [ صفحه 373] والآية (109) من سورة النساء أيضا: - (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا) -. والآية (112) منها: - (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا) -. والآية (113) منها: - (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) -. 7 - سورة آل عمران، الآية (77): - (إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) -. 8 - سورة النساء، الآية (115): - (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيرا) -. أكثر تلك الآيات بل كلها جاءت في الصحابة الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا خلافه وخرجوا علي حدود الله وسنن رسوله، فاعتدوا وظلموا فرادي وجماعات، وهضموا الحقوق وخالفوا العهود ونقضوا الوعود وخانوا أنفسهم وخانوا الناس وخانوا الله وخانوا الرسول، وتظاهروا بالصلاح ونشروا الفساد، غاصبين عامدين مصرين ماكرين حاسدين جائرين، مبعدين أحباء الله متولين أعداءه، يدعون الإسلام لا يتجاوز ألسنتهم، تسيرهم أهواؤهم وتستفزهم غرائزهم، استحوذ عليهم الشيطان فكانوا له عبيدا وإماء مطيعين. فكيف أصبح الكل نجوما هادين وقد انقلبوا منذ الساعة التي علموا بها بموت سيد الرسل وثبت فيهم قول الله: - (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن [ صفحه 374] مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم) -؟ فأثاروها في السقيفة فتنة تطاحن بها أفراد، والمسلمون غافلون عن كيدهم، وآل رسول الله في شغل بتجهيز خاتم الرسل، وبدأوا بالغصب باسم إجماع الأمة، فأية أمة أجمعت وهم ثلاثة؟! وأي توافق بعد الخمط في الأزقة والطرق؟ وأي إئتلاف بعد شراء الضمائر والخيانة الكبري والمكيدة والتهديد والتطميع والقتل والاعتداء والنهب والسلب والسبي لكل من أحسوا منه المخالفة؟! وأي إجماع في العهد إلي عمر؟! وأي رأي للمسلمين في الشوري العمرية؟! وأية عدالة في منع تدوين السنة والأمر بمنع التحدث وإلجام أفواه المصلحين وضرب العلماء وحرق كتب العلم وإتلافها في الشرق والغرب ونشر البربرية والغارات باسم الإسلام والفتوح؟! وأي بث للإصلاح والشريعة علي أيدي أمثال معاوية وابن العاص والمغيرة بن شعبة الفاقدين للدين والشريعة، وفاقد الشئ لا يعطيه، والاصرار علي خنق الأصوات وإزاحة آل البيت وآثارهم، وإقصاء المصلحين من محبي آل الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)؟! آل بيت الطهارة والعصمة تحت قعقعة الخيول وصكصكة السيوف وسيل الغنائم ونشر التفرقة والضغائن وخلق المذاهب.. أي نجوم وأية صحابة لأمثال معاوية الخارج علي دين الله، وعمرو بن العاص الكائد المحتال، والمغيرة بؤرة الخيانة والشر؟! هذه حصيلة نبتة الفساد الأولي في السقيفة وتلك أكل النبتة التي بذروها في الشوري وسقاها عثمان في عهده. وأقل ما يقال حصيلته بعد كم ولجم الأفواه من التحدث ونشر المعارف الإسلامية وجمع السنن النبوية التي قام بها الخليفتان الأول والثاني وتابعهما عليه الثالث أن تختلق في عهد بني أمية ملايين من الأحاديث التي يتبرأ منها الإسلام [ صفحه 375] ونبيه، وهي تسند إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وتنشر في القاصي والداني دون أن يطيق رادع أن يردعها أو مصلح أن يمنعها! أي صحابة كالنجوم وقد غرتهم الأماني فهبوا في وجه الحق لما أراد العودة علي يد خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ووصيه ذلك الإمام العادل البر الطاهر علي بن أبي طالب (عليه السلام)، غصبه في السقيفة وزجره في الشوري وشله بعد إجماع الأمة عليه بعد قتل عثمان، بما خزنه المنافقون من الذهب والفضة. فمعاوية في الشام وعمال عثمان في الأمصار وطلحة والزبير تشد أزرهما أم المؤمنين عائشة لبث الخراب ونشر الفساد يحدوهم الشيطان مثيرا فيهم الحسد والعصبية الجاهلية أهؤلاء نجوم؟ أقاموها حروبا شعواء في البصرة في حرب الجمل وحروب صفين وكل جهة وبقعة من بقاع ورقاع الأمة الإسلامية، يقتل الصحابة الصحابة ويهددون البررة بالخونة، فمن هو الصحابي معاوية وطلحة والزبير وعثمان أم علي وعمار والمقداد وأبو ذر وحجر بن عدي وأبو أيوب الأنصاري وابن مسعود؟! من هو الصحابي عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، أم ابن عباس وسلمان الفارسي وحذيفة؟! أعود لأحيل القارئ الكريم إلي ما درجته في الجزء الثالث من هذه الموسوعة في موضع السقيفة " أصحابي كالنجوم ". وأعود لأقول إذا طبقنا الآية الشريفة رقم (9) من سورة الحجرات: - (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيئ إلي أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) -. والآن نعود لنطبق الآية في حرب الجمل وحرب صفين، فهذا طلحة والزبير وأولادهما وهذه أم المؤمنين عائشة، وقد بايع طلحة والزبير - وهما صحابيان - [ صفحه 376] عليا بالخلافة وهو صحابي ومن آل البيت، ثم نكثا وأثارا تلك الحرب وقتلا عمدا وصبرا المئات من المسلمين، وقتلا غيرهم في الحرب، والآية الشريفة تقول ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه الخلود في النار، وتلك حرب صفين التي وقف بها معاوية وعمرو بن العاص وجماعة ادعوا أنهم من نجوم الصحابة يحاربون عليا (عليه السلام) وقتلوا عشرات الصحابة ومنهم عمار بن ياسر الذي قال فيه (صلي الله عليه وآله): " تقتله الفئة الباغية " فأي الفريقين من الصحابة نجوم وبهم يقتدي؟! أي مهزلة هذه الرواية من الناحية المنطقية؟! ثم نعود للتحقق من هذه الرواية، وإذا بها من الروايات الموضوعة المختلقة التي كذبها أجلة المحدثين، وضعت لتنزه أمثال معاوية والمغيرة وعمرو بن العاص ومن مدهم وأوجدهم وسلطهم علي رقاب المسلمين، والظالمون بعضهم أولياء بعض، والله ولي المتقين. إذ أن النقض الأول الذي أخذه الله علي المجاهدين في بيعة الرضوان وتحت الشجرة، وما أخذ علي المسلمين في غدير خم لموالاة علي، ونقض بيعته في السقيفة من الخيانات العظمي وهم أصل جميع الفتن والمفاسد وعليها قامت المظالم، فمن أقامها مخالفا بها حدود الله وهو صحابي أيصح أن يقتدي به وقد خالف الله ورسوله وقد أقامها وسنها علي خلاف الشريعة وخلاف كتاب الله وسنة رسوله؟! أهؤلاء نجوم؟! لمحض أنهم وأتباعهم اختلقوا أمثال هذه المفتريات والأحاديث؟ استغفرك الله وأعوذ بك مما يفترون [483] . [ صفحه 377]

رد كون ان الفتوحات قد تمت بعهد الشيخين

إن الخليفة الأول والثاني هما اللذان جدا في توسعة رقعة الإسلام وفتحت في عهدهما أهم الأقطار وانتشرت العقيدة الإسلامية، فليس من العدل مؤاخذتهما من الشيعة ووصمهما بالظلم والخروج علي كتاب الله وسنن رسوله! رد الرد: وأول الغيث قطر ثم ينسكب. أتعرف أيها المعترض من وضع أسس الإسلام وكيف بدأ وأي جهود بذلها باني الإسلام محمد (صلي الله عليه وآله) والتضحيات التي بذلها في مكة والهجرتين، ومن هم الذين شاطروه في السراء والضراء والسابقين في نصرته والمخلصين في دعوته والملازمين له في السراء والضراء والباذلين له النفس والنفيس؟ وهل هناك من أحد أدري من الله ومن نبيه رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالناصرين لدينه الطاهرين عنصرا وذاتا؟ من الذي بذل لرسول الله (صلي الله عليه وآله) نفسه في كل محنة وقدمها في كل عون، عد إلي بدء الدعوة؟ هل تري لأبي بكر وعمر وعثمان من أثر سابقة؟ وعد إلي يوم الدار الذي دعا فيه رسول الله (صلي الله عليه وآله) عشيرته الأقربين وهتف فيهم: من يؤازرني ويعاضدني منكم علي كلمتين تملكون بهما الشرق والغرب والعرب والعجم خفيفتين علي اللسان ثقيلتين في الميزان: كلمة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فهل تجد غير ذلك الصبي الذي لما يبلغ من العمر 12 سنة يقوم ويكرر أنا أنا يا رسول الله، أوازرك وأعاضدك، والكل واجمون؟ [ صفحه 378] ولا نشك أن الرجل الحكيم أبو طالب مؤمن قريش هو البطل الأول المعاضد لرسول الله والحافظ له والمبطن الوحدانية، لم يجاهر وذلك لحفظ كيانه بقريش وحفظ كيان هذه الدعوة. ولا ننسي ما قاسي من قريش حين قاطعت بني هاشم لمعاضدته، بيد أن عليا (عليه السلام) كان إلي جنبه ظاهرا وباطنا، وإذا برسول الله (صلي الله عليه وآله) يشير إلي علي ويقول هذا وصيي ووزيري وخليفتي عليكم فاسمعوا له وأطيعوا. أفكان ينطق رسول الله (صلي الله عليه وآله) عن الهوي؟! لا، بل هو وحي يوحي، فكان مقام علي كمقام عيسي آتاه الله الحكم صبيا، ثم تلت تضحياته الواحدة تلو الأخري، بدأت بمبيته علي فراش رسول الله (صلي الله عليه وآله) تحت رحمة السيوف لتمزيقه شر ممزق، ثم تلتها الهجرة، ثم الوقائع الواحدة تلو الأخري، فكانت له في (36) واقعة كل منها حصة الأسد من التضحية. وأيم الله لولا سيفه ولولا علي ما قامت للإسلام قائمة، فهو الذي كان يقضي علي أعظمها وأبلاها، ويكفيه فخرا في ضربته لعمرو بن عبدود، وقبلها ما جندل من أبطال قريش في بدر وأحد، وفي كل واحدة منها هو المناصر المقدام الذاب عن حياض الدين وقطب الإسلام رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فأين منها أبو بكر وعمر في كل مرة مدبرين أو قاعدين؟ وهل سمعت لأحدهما فتحا أو إمارة أو كلمة ذبوا بها عن حياض الإسلام أو أشادوا طرفا؟ ألم يحزن أبو بكر في الغار حتي أنزل الله سكينته علي رسوله؟! ألم يشك عمر برسول الله (صلي الله عليه وآله) في صلح الحديبية وفتح مكة؟! ألم تكن زوجتا رسول الله عائشة وحفصة هما المهيجتان والمسببتان القلاقل في بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله). وهذه الآيات تشهد بذلك؟ ألم يكن أبو بكر وعمر في المتخلفين عن جيش أسامة [ صفحه 379] ولم يكن لهما مكانة سوي الجندي البسيط تحت إمرة أسامة، ولما يبلغ الثامنة عشر، وقد مر إقراره واعتذاره وتأسفه علي التخلف، وقد جاء بأعظم منها، بل جاء ما قلب به الإسلام وحرفه عن مجراه، جاء بأعظم صاخبة وبادرة وانقلاب هد بها صروح الإسلام وأشاد صروح النفاق في يوم السقيفة وأخر وما أدراك ما دبر هو الآخر المكذب لرسول الله (صلي الله عليه وآله) بقوله ألم تعدنا بفتح مكة؟! ويشك برسالته في صلح الحديبية، ويقول لو كان لي أعوان، ويتخلف عن جيش أسامة ويمنع رسول الله (صلي الله عليه وآله) ليكتب العهد لعلي، وقد بايعه يوم غدير خم واعترف بالبيعة ونكثها وبايع أبا بكر وأشاد سلطانه بعد أن هدم أركان الدين بإبعاد خليفة ووصي وأخي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأخذه صابرا محتسبا ليبايع أبا بكر، وهو يشهد لعلي لو وليها لأقامها علي الحق. ولم يكن علي ذلك الجبان، ولكن ماذا يعمل أمام وصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) والإخلاص للبقية الباقية من كلمة الإسلام، وما عمله عمر وأبو بكر من منع تدوين السنة وكم الأفواه، والقضاء علي معالم حضارة العالم أينما وصل عمر بفتوحه لحرق وإتلاف الكتب ومقر المعارف وذوي الرأي سيان منها في الإسلام ومن قبلهم. وقد علمنا أن القطر أول الغيث، وقد بدأ القطر وانهمر الغيث بادئا في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ولكن الأسف كل الأسف أن العجلة التي كانت موجهة لتحطيم الشرك والكفر والنفاق وتشييد الإسلام والوجدانية والبر والإحسان وقعت في أيدي من حرفوها عن هدفها، فقضت علي العدالة والمساواة وحطمتها ومزقتها، ونصرت ذوي النفاق والظلم والجور، بقيادة من؟! حتي وصلت آل أمية، فمزقت الأمة إلي فرق ومذاهب. [ صفحه 380] وأما الفتوح فما فضلها إذا علمنا أن الأشوريين والمصريين واليونان والرومان والفرس والتتر، فتحوا الأمصار واستعبدوا البلدان ومدوا سلطانهم بالقهر والغلبة. وإذا راجعت كتاب رب السيف والقلم للكاتب الألماني روولف ژايگر [484] تجد عليا كان ولا زال الناقذ لاندحار الإسلام في حروبه في عهد عمر، وله آراؤه وخططه في فتح بلاد فارس وبلاد فلسطين وغيرها، وفي كل محنة ألمت بالمسلمين كان المشاور الأمين متي استشاروه. وقد مر ذكر ذلك في الجزء الثاني والجزء الرابع في فتوحات عمر من موسوعتنا هذه بأسانيدها، ولو كانت هذه الفتوح علي أيدي البرابرة لأشادوا بها المدن وعمروا البلاد واستفادوا من ثروات البلاد المفتوحة العلمية والعملية كما أرانا التاريخ، ولكنها وللأسف كانت بيد من أعادها للجاهلية خسارة علي العالم لدك البلاد المفتوحة وهدمها وتدمير الحضارات والثقافات والعلوم. وحق لمن وصم الإسلام وهو لا يعلم أن خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) المنصوص عليه مكبل ومصفد في المدينة هو والصحابة البررة لا يطيقون حراكا من عمر القائم علي رأسهم بدرته وأتباعه الذين أغنتهم الثروات وأيدتهم وسددتهم نشوة الانتصارات من همهمة الخيول وصكصكة السيوف والجموع الزاخرة والجيوش القاهرة. وقد مر وشرحنا دقائقها وعواقبها ونتائجها وما أدت إليه من التشتيت والتمزيق وتخرق جسم الشريعة ومزقته إلي مذاهب وفرق بعد السقيفة والشوري، والله لهم بالمرصاد. قال تعالي في سورة الجاثية، الآية (21): - (أم حسب الذين اجترحوا السيئات [ صفحه 381] أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) -. أتعلم من غصب الخلافة التي أمر الله بها ورسوله (صلي الله عليه وآله)؟ أتعلم من سلب حق علي (عليه السلام) وحرم الأمة من عدله وتقواه وعلمه وبره وإحسانه وسيرته المحمدية، وأقصاه وأقصي ذرية آل الرسول الطاهرين الأئمة الميامين عدل القرآن الثقل الأصغر؟ أتعرف من ظلمهم وظلم الأمة الإسلامية؟ أتعرف من أسسس أساس الظلم إلي يوم القيامة؟ أتعرف من سلط الطغاة الفجرة آل أبي سفيان وآل الحكم علي رقاب المسلمين؟ وتركها ألعوبة بيد الطغاة المستبدين، وتلاعب بالنصوص والأحكام والسنن النبوية؟ أتعرف من قضي علي المعارف الإسلامية والعالمية ووصم الإسلام بأعظم المخازي ووجه لشريعته الخزي والعار. إن شئت أن تعرف الواقع دون مواربة وحضرت لتصغي لتأنيب الضمير وعذاب الوجدان وتعرف علة العلل لتدهور المسلمين وتفرقتهم وضعفهم، فطالع هذه الأجزاء من المحاكمات في الموسوعة لتعرف أن الطف الذي ذهبت فيها أبناء الرسالة قتلي وعلي رأسهم الحسين سيد شباب أهل الجنة وهدرت دماء رجالهم وسلبت أموالهم وسبيت نساؤهم كسبايا الخارجين علي الدين بيد أشر خلق الله من سنها ومن استهدفها، وأنها إحدي النكبات والمخازي التي وصمت بها هذه الأمة، من أحلها وخلقها وأوجدها، ومن أوجد المذاهب والفرق، ومن أوجد العداء بين الإخوة المسلمين في الشرق والغرب، وما هي البؤرة النتنة التي نخرت جسم الأمة الإسلامية وفرقتها؟ كل تلك مدانة للسقيفة ومؤسسيها والشوري وصانعها، وما معاوية وأذنابه [ صفحه 382] وذووه ولا مروان وبنوه وأحفاده وصنائعه والعابثين والمستغلين الحكم في الشرق والغرب من الدويلات الإسلامية المتناحرون فيما بينهم والمتواطئون علي بعضهم ألعوبة الدهر ومستهدف التتر تارة والصليبيين أخري وألعوبة الأوروبيين والأمريكيين، ما هم إلا لنفس العلة وعين السبب، وخروجهم علي حدود الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وأعراضهم عن أوامره ونواهيه واستخفافهم بذوي الحق والحقيقة والتزامهم بالباطل الذي سنوه في طريقه. ومن ضل من اتباعهم علي غفلته وحاد عن الانصياع إلي الحق ونصرته.

رد كون الخليفة الثالث قد سار علي سيرة الشيخين

كان الخليفة الثالث علي سيرة الشيخين قبله وسار بالمسلمين سيرة حسنة أكثر عطفا من سابقه، بيد أن الذي أثار الأمة عليه إنما هو عبد الله بن سبأ اليهودي الذي تظاهر بالإسلام زمن عثمان واستطاع بأياديه ومكائده أن يثير أمورا تخالف الواقع ضد الخليفة وظل يحثهم حتي قتله، وبعده إثارة الفتن في الأمة الواحدة وانقسامها علي نفسها [485] . والرد: تلك من الروايات والأحاديث الموضوعة المختلقة التي وضعها ذوو الأغراض الدنيئة لتبرئة أقطابهم زعماء المحاددين لله ووصم الأبرياء البررة المنزهين. [ صفحه 383] تلك رواها الطبري عامدا أو ساهيا، وظلت تتلقفها أقلام الكتاب ذوي الآراء السقيمة الدنيئة، وشاء الله بعد ألف ونيف من السنين أن يظهر الحق ويمحق الباطل علي أيدي محققين مخلصين من الكتاب، وتبدو خرافتها المخالفة للمعقول والمنقول ويجلو زيفها وحيفها وبطلانها بعدما انطلت علي كثير وضل بها كثير [486] . وما هذه إلا واحدة من ملايين الروايات المدسوسة المزيفة، وضعها أعداء أهل البيت قصدا وعمدا لتشويه مكانتهم المقدسة والطعن بأتباعهم البررة، وتثبيت مكانة الغاصبين للحكم القائمين علي السلطة. وبعد فقد وجدنا أن الطاعنين والمخالفين لعثمان إنما هم خيار الصحابة البدريين وأهل بيعة الرضوان، وقد أطبقوا علي خلعه وثم علي قتله، بعد أن وجدوا الخليفة أصبح ألعوبة بيد آل أمية، وزمرة الأحزاب أعداء الدين قد اتخذوا المسلمين خولا وأموالهم دولا ودينهم دغلا. ولقد تاب عثمان مرارا وأعادوه علي أشد مما كان، وقد إهاب بولاته من آل أمية لتجييش الجيوش وقتل المتظلمين وسحق المرشدين الناصحين! وقد فعل واستباح لنفسه باسم الدين وصلة الأرحام كل منكر وخروج علي حدود الله! ولقد أسهبنا فيما مر. وبعد فماذا ترجو من سلطة طغت واستبدت علي الأموال والأرواح والأفكار [ صفحه 384] من أبناء تلك العصبة المشركة التي حاربت الإسلام في بدر وصفين وبيدها مقاليد الأمور والدعاية والنشر تسندها القوي، إلا أن تخلق دون معارض ما شاءت من الأفكار والروايات والأحاديث وتنشرها في الشرق والغرب، فيشب عليها الصغير ويموت الكبير ويستخلف هؤلاء طغمة طاغية علي ثرائها وتسلك سبيلها بالغصب، وكلما دخلت أمة لعنت أختها، وظل الظلم سائدا والحقائق منكرة والمنكرات مباحة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولسوف يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. [ صفحه 385]

المرافعات الحضورية بعد اللوائح في محكمة العدل الإلهية الأولي

ابوبكر بن أبي قحافة

عتيق الملقب قبل إسلامه عبد العزي ثم سماه النبي (صلي الله عليه وآله) بعبد الله، والمكني بأبي عبد الرحمن، وأبوه أبو قحافة، البالغ من العمر 63 سنة. أسلم بعد خمسين ممن أسلموا وفي سن يبلغ الأربعين أو يتجاوزه. أسلم عن شرك قضاه مع مشركي قريش، رافق رسول الله (صلي الله عليه وآله) في هجرته وصاحبه في الغار، وحزن هناك، فأنزل الله سكينته علي رسوله وأيده. وكان قد صاهره رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد موت زوجته الحبيبة خديجة الكبري، أعظم امرأة ساعدته في أداء رسالته، وأول من أقرت بنبوته، وبذلت له الغالي والنفيس في سبيل دعوته، وأيدته وأخلصت له. فدخلت عائشة بعد خديجة الكبري بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وفتحت الطريق لدخول أبيها في هذا البيت، وكانت أعظم مثيرة ومقلقة لرسول الله (صلي الله عليه وآله) في بيته.. يدل علي ذلك ما ورد في زوجات رسول الله (صلي الله عليه وآله) من الآيات الكثيرة من الله مهددا إياهن بالطلاق، منذرا بمضاعفة الجزاء لمن أحسنت أو أساءت [487] . ولطالما بلغت بها الحال للطلاق لولا تدخل أبيها، وهي وأبوها واقفان علي ما جاء في علي (عليه السلام) وصي وأخي رسول الله (صلي الله عليه وآله) ووزيره وخليفته من الله ورسوله في جميع المواقف وكل الموارد، منذ يوم الدار والهجرة والوقائع التي أبلي وضحي بها علي (عليه السلام) وما نزل فيه من القرآن وما نعته به الله في كتابه ونص عليه من الطهارة والولاية والبر والإحسان. [ صفحه 386] وما مجده به الله دون سواه ونعته به رسول الله (صلي الله عليه وآله) وخصه دون غيره بالخلافة والوصاية والوزارة والأخوة، وأنه أبو ذريته، وأنه منه كهارون من موسي، وأنه أحب خلق الله لله ولرسوله. وأن زوجته بضعة رسول الله وسيدة نساء العالمين، يؤذي رسول الله ما يؤذيها ويغضبه ما يغضبها، وأنه اختص بالولدين الزكيين الطاهرين الإمامين إن قاما وإن قعدا، وأنهما سيدا شباب أهل الجنة، وأنهما وأبويهما وجدهما رسول الله (صلي الله عليه وآله) أهل الكساء في آية الطهارة، وأهل البيت الذين باهل بهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) بأمر الله نصاري نجران. وقد مر في اللوائح الأولي فضائلهم وما نزل بهم من الله ووصايا رسول الله بهم. وهؤلاء الذين لاقوا بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) الأمرين علي يدي مغتصبي منصب الخلافة وحقوقهم وظلمتهم وأنكي بهم كأشد ما ينكي عدو بعدوه، غاصبين ظالمين عامدين مصرين علي استمرار الظلم في حياتهم وأقساه بعد مماتهم، كما مر ووجدنا وهم عارفين عالمين متنكرين. أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر والنفاق، حتي إذا مات رسول الله (صلي الله عليه وآله) ظهرت علي مجري أفعالهم وأعمالهم كل بوادر الفسق والنفاق، ومقصين الأحباء المطهرين والأبرار المنزهين والصحابة المتقين، ومقربين أقطاب الأحزاب والمنافقين الكائدين الذين دخلوا الإسلام كرها، فتظاهروا بالإيمان وأبطنوا العدوان، ووجدوا في هؤلاء خير الأهداف والمقاصد، فوافق شن طبقة. وانحرفوا عن الصراط السوي وحادوا الله ورسوله باسم الدين، وتلاعبوا بالشريعة. فسدوا أبواب المعارف الإسلامية بمنع الحديث ومنع تدوين السنة وحجر الأفكار وسد الحناجر وغل الأيدي المعاملة... والله لهم بالمرصاد، ولا يغادر [ صفحه 387] كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، وأتت الساعة للمحاكمة الأولي باسم العدالة والقسط. ووجه الخطاب في محكمة العدل الإلهي إلي الصحابي أبي بكر من قبل الرئاسة العليا للمحكمة، بعد أن قدمت له صورة من اللوائح التي درجت في هذا الكتاب في بعض فضائل علي وزوجته وذريته الشكاة، وما ورد فيهم من الله ورسوله (صلي الله عليه وآله). السؤال (1): هل هو يصدق بها أم يكذب؟ الجواب: يسكت. فأنطق الله بالحق لسانه وكافة أعضائه، وجوارحه بأنها صحيحة صادقة صدرت من الله ورسوله فيهم، وردت فيمن امتثل وأطاع واستقام علي الطريقة ونهي النفس عن الهوي، بشارة الجنة أعزاء مكرمين، وفيمن عاند وخالف وانحرف عن حدود الله ورسوله متحديا إنذار العذاب المستقر في النار والخلود في جهنم أذلاء صاغرين. السؤال (2): لقد خالفتها جميعا، ولقد بدت بوادرها في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله) في المجالس السرية منذ دخلها عمر وأبو عبيدة، وقد نهي الله المناجاة في معصية الرسول، ومنها مجالس الخمرة التي رثيت بها مشركي قريش في بدر حتي أغضبت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأخذ بتلابيبك، وأظهرت التوبة، وأعدت النجوي والاختلاء بعمر وأبي [ صفحه 388] عبيدة الجراح تتناجون بالمعصية في مخالفة الرسول والاعتراض علي تأمير أسامة علي الحملة، التي كنت وصاحباك جنودا بها، جهزها رسول الله (صلي الله عليه وآله) بأمر الله، وإذ رأي عنادكم وقد بدأت فيه بوادر المرض، فاضطر وخطب منددا بالمخالفين، وأن ذلك أمر من الله، ولكنكم لم ترعووا وبقيتم مستمرين علي التخلف، واتخذتم مرض رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذريعة، حتي عاد وأمركم ولعن من تخلف عن جيش أسامة، بيد أنه رغم اللعن بقيت وصاحباك متخلفين معاندين! وجئت بتحريض ابنتك لتصلي إماما بالمسلمين، لأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) مريض، فعلم بذلك رسول الله (صلي الله عليه وآله) فنهض وأتي المسجد وأزاحك وصلي بالمسلمين! ويوم الخميس حينما دعا رسول الله بالبياض والدواة. وهو يري منكم بوادر الفتنة ليحرر لعلي الذي نصبه يوم الغدير علي رؤوس الأشهاد أميرا وخليفة بعده. وكنتم ممن حضر البيعة وفي مقدمة المهنئين قائلين له: بخ بخ لك يا بن أبي طالب لقد أصبحت مولانا ومولي كل مسلم ومسلمة! واليوم يريد رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن يزيد فيحرر له العهد بالخلافة. فنطقت علي لسان عمر محرضا إياه بالمخالفة، قائلا: إن عندنا كتاب الله، وأردفت إن الرجل ليهجر! وقمتم جميعا بتلك الفتنة حتي صرخن النساء قائلات: نفذوا أوامر رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فحمل عليهن عمر قائلا: إنكن صويحبات يوسف! فأجابكم رسول الله (صلي الله عليه وآله): إنهن خير منكم! ثم طردكم! وقد علمت كما صرح عمر بالحقيقة بأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) إنما أراد كتابة العهد لعلي فمنعته، ولقد كنت مؤيدا لعمر، ولولا ذلك لمنعته. وكنت تترقب وصاحباك الانقلاب وتترقبون موت رسول الله (صلي الله عليه وآله) إذ هو الذي أعلن لكم ذلك، ومنعكم الله من الانقلاب في الآية الشريفة رقم (144) من سورة [ صفحه 389] آل عمران: - (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم...) -. بيد إنكم بدأتم بها ليلا بإيقاع الخلاف بين الأوس والخزرج والخلاف بين رئيس الخزرج وابن عمه، واتخذتم ساعة انشغال بني هاشم والصحابة البررة بتجهيز رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وتكفينه ودفنه، يشد أزركم المغيرة بن شعبة ويؤيد مسعاكم، وقد تركتم العيون علي آل بيت الرسالة والصحابة المهاجرين والأنصار، وجيش أسامة وأسامة خارج المدينة، ودخلتم السقيفة وفيها قلة من الأوس والخزرج مع الرجل المريض رئيس الخزرج، وأعلنتم موت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهم يعلمون، وبعد صراع وعراك مددت يدك لتبايع أبي عبيدة الجراح باعتباره من المهاجرين، فمد عمر يده وهو علي عهد ووعد سابق معك وبايعك، وأثناه أبو عبيدة، وتلاه بضع عدد من الأوس وابن عم الرجل المريض رئيس الخزرج نكاية بابن عمه! ولم تكن لكم حجة سوي خوف وقوع الفتنة، وأنك من المهاجرين ولم تكن لك ميزة أخري، وإن قيل فيك السن فقد كان في المهاجرين من هو أسن، والسابقة من هو أسبق منك وأكثر تقوي وتضحية، والكل أجمع لا يساوون جزءا من فضائل وكرامات الرجل الذي أشغل نفسه بتجهيز رسول الله (صلي الله عليه وآله) هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) المنصوص عليه بالإمامة والخلافة من الله ومن رسوله (صلي الله عليه وآله). ثم خرجت وصاحباك وأنتم تخمطون كل فرد وجدتموه في الطريق آخذين بيده ووضعها، في يد أبي بكر ليبايعه، وبقيتم كائدين تقسمونها لأعداء الإسلام، فتعطون أبا سفيان حصة بتولية أولاده، وعمرو بن العاص حصة، والمغيرة وخالد بن الوليد أقطاب الأحزاب الذين دخلوا الإسلام كرها وظلوا يبطنون الكفر، وقد كنت تعرفهم، وظلوا علي ما كانوا عليه، وتلك شهادتك علي نفسك في [ صفحه 390] أعمالك الماضية بعد غصب الخلافة من غصب نحلة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بضعة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وكذبت علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بخلق حديث ثبت كذبه، وأجمع علي تكذيبه حتي من ساندك علي الغصب، وأعدتها. بيد نري عمر يجاهر بعدم الرد عنادا في هذه المرة بتحريضك أنت وإلا لنفذت الكتابة وجئت بإفك آخر تخالف نص الكتاب، فقد خالفت قبله نص الإرث بحديث مختلق لم يؤيدك فيه أحد! واليوم تمنع وتحرم بني هاشم وآل بيت الرسالة من حق دائم آخر وهو الخمس، وأنت تعلم أنهم محرومون من الصدقات والزكاة وهي محرمة عليهم، وأنت إذ تحرمهم من الخمس فقد حرمتهم من كل شئ، بل حسبتهم من غير ملة الإسلام، وقد فعلت! ثم نراك تسلط قوادك الفاسقين أمثال خالد بن الوليد الفاجر الزاني الذي شهدت في حقه أبان موتك أنه قتل ألف ومائتين من المسلمين عمدا واستحل المحرمات كالزنا بالمحصنات! ومنها قتل ابن نويرة وصحبه وسبي المسلمات الثكالي والدخول بزوجته المحصنة! وأعلن لك عمر وقدم لك ابنه وأبو قتادة شهودا وقد كانا معه، وأعلن أنه قتل مسلمين عمدا وزني بمحصنة فيجب حده، وقد عاندته وتركت يد خالد تعبث بأمثالها، حتي أرسلت له كتابك تشهد بأفعاله وأنت مقر إياه بولاية الشام. وأتيت بمنكر عظيم لا يغتفر، أنك حرمت الأمة من تدوين معارفها الإسلامية يوم منعت تدوين السنة والحديث وعدمت ما جمعت وأمرت بإعدام ما جمع، وأطلقت يد صاحبك عمر بذلك، وأمرت خالدا بقتل علي في صلاة الجماعة متي تشهدت! ولكنك غيرت رأيك، وتكلمت في الصلاة قبل التشهد قائلا: لا يفعلن خالد ما أمرته به! قلتها ثلاثا جهرا.. ثم تشهدت، واتخذت كتاب الله وسنة [ صفحه 391] رسوله (صلي الله عليه وآله) ألعوبة قائلا: إن قلت حقا فمن الله وإن قلت خلافا فمن نفسي ومن الشيطان. حسبت الدين ألعوبة وأن تفتي حسب أهوائك، ودونك أعلم الأمة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) قطعت عنه الصلة وحجرت عليه، وما أصغيت إلي أقواله وأفعاله، وبدأت تغير وتبدل في أحكامك وسيرتك علي خلاف ما أمر الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) حتي اعتاد القوم قائلين عنك وعن عمر كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين، إذ كانت تخالف كتاب الله وسنة رسوله. إن أردنا أن نقول إنك غلب عليك الهوي وأخذتك العزة وغلب عليك حب الطموح وركبت ما ركبت، ولكنك ندمت، بيد أننا رأيناك متماديا بالغي والغصب ومخالفة الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) بضربة قاصمة أشد مما قمت به في زمن حياتك القصيرة بعمل وجناية متعمدا مع سبق الإصرار وروية وإرادة، لتولي بالخلافة استبدادا دون مشورة فردا من أفراد الأمة ومن المهاجرين والأنصار إلي من هو أشدها وأغلظها علي الشريعة وعلي أفراد الأمة، بل العالم أجمع، لا يمنعه أي عمل إلا ما وافق هواه، فهو ينفذه مخالفا لكل نص وسنة دون عذر أو إدلاء دليل وبرهان، وهو استخلافك وأنت مريض عمر، واتخذت لك أمين سر من أشد الناس علي الإسلام، وجمعت حولك ذويه أبو سفيان وأولاده الماكرين الفجرة. توليهم خير ولايات الإسلام وتبيح لهم ما لا تبيحه لغيرهم، وتوثق يدهم بالإمارة والخلافة عالما عامدا. تؤيدهم بولاة أشر الناس قساوة علي الإسلام، وأبعدهم عن الدين، وأقربهم إلي الكفر، أكرهوا علي الإسلام وأبطنوا الكفر، وقد دلت علي ذلك نتائج أعمالهم التي شهدت بها أمثال خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص، كأنما قد خلا الإسلام من البررة والأخيار من المهاجرين الأسبقين والأنصار [ صفحه 392] المجاهدين والبدريين والأحديين وذوي بيعة الرضوان! وتري بأم عينيك صحابة رسول الله (صلي الله عليه وآله) كيف يتذمرون أخذتك نشوة الفتوح وتجييش الجيوش وصهيل الخيول وقعقعة الأسلحة وتهافت المنافقين حولك من أهل الدنيا والشهوات، تقطع بهم ألسنة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وتذب بهم عن نفسك ومقاصدك، عمتك الدنيا وأغرتك الأنانية والعصبية، غير آبه بما مر عليك من أيام صحبت بها رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وقد أخذ عليك كل صغيرة وكبيرة كأنك تعيش بها أبد الآبدين، ليس ما يغيرك من آخرتك وعقباك، تسن أسس الظلم بعد أن زعزعت أسس الحق والعدالة، وقد أدلينا عليك باللائحة الماضية بعض ما ظهر من أعمالك. أتعلم ما تعمدت به من غصب منصب رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذلك المنصب الذي نص عليه الله ورسوله لإمام المتقين علي بن أبي طالب الطاهر الزكي وأبناء رسول الله الميامين. فأقصيتهم عن مناصبهم وحرمت الأمة الإسلامية من إمامتهم وعدالتهم وعلمهم ورأفتهم، تحل محلهم أعداء الملة ومنكري الدين. وتدلي بها إلي من يشد أزركم، حتي دالت دولة الحق وثبتت دولة الباطل علي يدك ويد من خلفته بعدك فسن الشوري، وأثبت أوتاد النفاق والتفرقة، مرغما بها الأمة بنصب عثمان علي كرسي الخلافة. وأنت إنما تقصد معاوية وآل أمية كما قصد هو ذلك، ومنعت دابر الحديث والسنة لتقطع أخبار رسول الله (صلي الله عليه وآله) عن أمته وحقائق ما يريد وتركتها لأيام معاوية، يزيف الأحاديث ويختلق الروايات ويدس السنن ويفتري ويمكر ويشتري الضمائر ويروج الأكاذيب، فيخلق منك ومن عمر ومن عثمان وبني أبيه وأعمامه أئمة هداة دون عصم وعدول تقاة ذوي كرامات وذمم. [ صفحه 393] وهم في الواقع ومن أيدهم بؤرة الشر وينبوع الشرك والغش والفجور والظلم والجور، مستبدين طواغيت قتلوا الأئمة الهداة بين مسموم لفظ فتات كبده وشهيد مضرج في مسجده وقتيل في الطف بعدما فداه صحبه وبنوه بدمائهم الزكية وسبيت نساؤه وأطفاله بأيدي من سلطتهم عليهم بعد السقيفة والشوري بدسائسك الماكرة. وظلت التعاسة ملازمة للأمة في عصورها متواترة والأدواء التي أوجدتها في جسم الأمة ظلت تجدد بالتفرقة والوهن والآلام وتزيدها يوما فيوم من البلايا والأسقام. فأية كبيرة هذه ولدت الكبائر علي مر العصور وأية جريمة هذه ولدت المنكرات والجرائم علي مر الدهور! فمدعيك رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعترته الطاهرين ومن ورائه أبر صحابته وخيرته من أمته، وخصمك الله الواحد الأحد والعادل الصمد، فقد أبيت إلا الانقلاب علي العقب والولوج مصرا إلي سوء المنقلب، فأجب ودافع ولا تنس يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم، وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين. الجواب: كانت تثيرني ابنتي عائشة وشد أزرها أصحاب شاركوني في السر والعلانية، وناجوني في ساعات خلوتي وأنسي ونشوتي وصحوتي، وشاركوني في لهوي ولعبي، وآزروني علي هوي نفسي، وحملوا لي الغرور والخديعة وألهموني المكر والوقيعة، وصغروا لي الكبيرة واستحوذوا علي نفسي الشريرة، فانقادت لهم مطيعة، وألقي علي عمر شكوكه يوم صلح الحديبية واعتراضه علي عدم فتح مكة، وغلبني الحسد كلما بدرت بادرة تغلب فيها ابن أبي طالب في وقائعه وحروبه وانتصاراته وفتوحه في بدر وأحد والأحزاب. [ صفحه 394] ولقد استشطت غيظا وكمدا منه في خيبر يوم فررت في اليوم الأول خائبا، وفر في اليوم الثاني عمر مدبرا هاربا، ونادي رسول الله محمد (صلي الله عليه وآله) ليعطين الراية لمن يحبه الله ورسوله كرار غير فرار فاتح، فكأن ذلك الفتي عليا، وكنا أنا وعمر وبعض من يضمه المجلس نتحرق غيظا، ونستشيط بغضا لمن تركنا في الأذلين وبلغ القمة السامقة بإسلامه والعصمة في إقدامه والطهارة منذ البدء، والتضحية والإكرام للأوفياء، والعون للضعفاء والفقراء، والنكال علي أهل الضلال الأشقياء. لطالما نعته الله بكتابه وخصه بثوابه، وميزه رسول الله (صلي الله عليه وآله) ببضعته وإخوته ومقامه، فجعله نفسه وأبا ذريته ومدحه في سره وعلانيته، ونسب له كل مكرمة، ونزهه من كل ذميمة محرمة. فلم نلق من حياتنا معه ما يسد جشعنا وندرك أمانينا في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، حتي إذا حل يوم غدير خم وأعلن رسول الله (صلي الله عليه وآله) إمارته علينا وتأييده وأمرنا ببيعته وتسديده، فهنأناه كارهين، وأظهرنا له الطاعة ناقمين، وأعلن لنا أنها آخر حجة حجها وأنه دعي ويجيب، فتنفسنا الصعداء، وترقبنا يوم يفارقنا من دار الفناء لدار البقاء، ووالينا اجتماعاتنا ونجوانا سرا مثابرين، وأرقبنا اليوم الموعود ساهرين، لا نريد فرقته كي لا تفوتنا الفرصة، ولا الابتعاد عن المدينة وتركه مع علي فيما خصه. وإذا به يراقبنا مراقبة في الصغيرة والكبيرة ويصغرنا بعد حملة خيبر كجندي يجد علي تعزيره، ويضعنا جنودا تحت إمرة أسامة، الشاب الذي لما يبلغ العشرين! فأثرناها عليه من اليسار واليمين، سائمين ناقدين، فخطبنا متذمرا، وقد بدت عليه علائم مرض الموت، وقال إنه أمر الله وليس له من فوت، وبقينا متماهلين غير طائعين فلقي كل فرد من المتخلفين، فدعانا وطلب بياضا ودواة ليحرر وثيقة العهد لعلي، وقد دبرنا الانقلاب فثرنا في وجهه ناقمين، وطعنا به [ صفحه 395] علي لسان عمر بأنه يهجر وإنه من الهاذين، وعندنا كتاب الله، متخذين ذلك ذريعة، فأدرك عند ذلك، وتحقق ما تروم وقد فاته الأوان وكان ما كان! فغضب علينا وشتمنا وطردنا، وفضل علينا النسوة المؤيدات لقوله، قائلا إنهن خير منكم! فخرجنا من عنده ونحن ندبر الساعة القادمة والفرصة الحاسمة. ومذ أعلنوا وفاته اغتنمناها أن ألقينا الفتنة بين الأنصار والأوس الأقلية ضد الخزرج الأكثرية برئاسة سعد بن عبادة المسجي. وآثرنا عليه ابن عمه لينافسه الأمر، وإذا بهم صباح اليوم يجتمعون قلة قليلة من الأوس والخزرج في سقيفة بني ساعدة. وتركنا العيون علي بيت رسول الله وبني هاشم والصحابة الأخصاء القائمين علي تجهيز وتكفين رسول الله، أعاننا علي ذلك المغيرة بن شعبة وقلة أخري، وكان عمر قطب الحركة ومنبع الوثبة ومثار العصبية ضد نوايا محمد ووصاياه في آله وصحبه، ووجد بي وبأبي عبيدة الجراح ضالته. وآزرنا جماعة من الانتهازيين أمثال المغيرة، وكنت وجدت الفرصة سانحة فوثبت معهم وحفوا بي، ودخلنا السقيفة، وإذا نحن بين أفراد قلائل من الأوس والخزرج متنافرين في هواهم، وقد زدناهم نفورا وتظاهروا بقصدهم لمبايعة سعد، فقمت متكلما ومجدت بالمهاجرين لسبقهم، وأنهم الأمراء، وبالأنصار اللاحقين بأنهم الوزراء، ولم أمهلهم إلا أن دعمت قولي وها أني أبايع كأحدكم هذا المهاجر صاحب رسول الله وهو أبو عبيدة بن الجراح. فسبقني عمر ومد يده وبايعني وتلاه أبو عبيدة الجراح، وكنا قبلها اتفقنا علي ذلك علي أن نتقاسمهم في الزعامة بيننا، وتابعنا قلة الأوس، وأسرع ابن عم سعد المنافس له وبايع، ونحن نقر إن لم يكن من المهاجرين غيرنا الثلاثة، ومن الأنصار سوي العدد القليل، وجيش المسلمين الجامع لكل المهاجرين والأنصار [ صفحه 396] وباقي الأنصار مرابط خارج المدينة، وبنو هاشم لم يحضر منهم أحد ولم يعلم من في المدينة ومن في خارجها عن أمرنا! وعندها تركنا سقيفة بني ساعدة متظاهرين بالظفر، وكلما وجد عمر وأبو عبيدة أحدا من المسلمين خمطه وأخذ بيده ومسحها بيدي قائلا بايع خليفة رسول الله. وبعدها والينا اجتماعنا، فوجدنا ضالتنا في المنافقين من أهل المدينة وقريش الذين دخلوا الإسلام كرها وظلوا يبطنون الكفر. وقد علموا أنهم متأخرون ولم يجدوا ضالتهم من الغنائم عند محمد وعلي صاحبه، فجمعناهم حولنا وأوعدناهم بما أقنعهم وأرضاهم. فكان أبو سفيان قطب الأحزاب الذي صغره الإسلام هو وأتباعه في طليعة التابعين لنا، ويليه خالد بن الوليد وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأضرابهم من ذوي الزعامة السابقة الذين ذلوا صاغرين بإكراههم في الإسلام، وأصبحوا دون عمار وسلمان وحذيفة وابن مسعود وأبي أيوب الأنصاري وغيرهم من المهاجرين والأنصار. هنا شعروا بعودة الكرة لهم، ونفخنا في نفوسهم تلك الروح المضاعة والعصبية التي قضي عليها الإسلام، فخفوا حولنا سراعا، وشعرنا أن المهاجرين والأنصار والصحابة البدريين والأحديين وأهل بيعة الرضوان ينقمون منا بأننا حدنا عن الطريق وخالفنا وصايا الله ورسوله. وقد قطعنا عليهم القول بالقوة، وحجتنا أن هذا ما شاء الله، ولو لم يشأ لم تنجح خطتنا ولا فاقت سطوتنا! ولم نجد بدا إلا إكراههم وحجرهم ومنع الحديث ونشره من كل ذي علم، لنقطع عن العامة حقيقة تضر بسياستنا. وكلما مر الزمن زادت شوكتنا وازدادت بذلك سطوتنا، فقطعنا بكل ما لدينا من [ صفحه 397] حول وطول دابر شيعة محمد وآل بيته وصحابته ومحونا خططه، وخططنا بمرور الزمان سيرة توافق هوانا. السؤال (3): لماذا كذبت علي رسول الله بالحديث وغصبت نحلة فاطمة من أبيها ومنعت عنها الإرث. فاختلقت رواية خالفت بها سنن الغابرين والأديان السماوية، وأنت تعلم أن هناك آيات محكمات في الإرث لا يمكن نقضها برواية ولا حديث دون آية، ولم يؤيدك بذلك أحد سمع من رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذلك؟ فكانت أول كذبة في الإسلام بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقد سمعت منه: أن من كذب علي فليتبوأ مقعده في النار. الجواب: إن القوة هي المتحكمة، ومن الحكمة لذوي السلطة تضعيف خصومهم. وإن فدك التي هي ينبوع من الثروة بيد خصومنا، بل أعظم خصومنا هم ذوو الحق المغصوب والخلافة المنصوصة التي كان غصبها ما فوق من غصب. وما فدك إلا حجر عثرة لنا، فكان لزاما بعد الغصب الأكبر لمسند الخلافة مسح آثارها ورفع العقبات بقطع أيادي وعوامل قد تشد أزرهم وتخلق لنا مشاكل. فكان لا بد من غصب فدك وباسم أموال عامة وصدقات تركها رسول الله (صلي الله عليه وآله) لكافة المسلمين. ومن يستطيع أن يرد حجتنا وبيدنا الأمر والنهي! ولقد قمت بأعظم منها وهو منع الخمس عن آل البيت وعن كل هاشمي وقد حرموا من الصدقات وأحوال الزكاة، لأتركهم في فاقة وشدة بعيدين ضعفاء. [ صفحه 398] السؤال (4): ولماذا أمرت خالدا بقتل علي في الصلاة؟ ولماذا عدت وتكلمت قبل التشهد: لا يفعلن خالد ما أمرته به؟ فأبطلت بذلك صلاتك والمؤتمين بك وجعلتها سنة وسيرة باطلة؟! الجواب: لم أطق وجود علي أبدا رغم غصب الخلافة منه وغصب فدك وموت فاطمة كمدا. كل ذلك لم يطفئ غيظي وحسدي منه ولي في بيتي من يثيرني وهي ابنتي. وأنا أري بأم عيني تعظيم الصحابة والمسلمين له. ولقد استعاظ عن الخمس بكده وزهده، وكانت كلماته حجة لنا وعلينا لا نطيق ردها، وهو مرجع الخلاف في كل قضية علمية وآية قرآنية وموارد فقهية، بل لا زال هو القطب الذي يتوجه له صلحاء الأمة ويهابه الصحابة. ورغم الحروب الطاحنة والفتوح المستمرة كان قوله الفصل في الكبيرة والصغيرة، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، ولم نجد أنا وعمر ومن تابعنا إلا بالقضاء المبرم عليه والتخلص منه، بعد أن قضينا علي زوجته الساعد الأيمن كمدا وغيظا. وهو ما دعاني لآمر بقتله، ولم أجد أجرأ علي الحق وأشد نكاية علي علي وعترته ومحبي آل رسول الله (صلي الله عليه وآله) أشد من خالد، وهو الجرئ الشديد لإطاعتنا فأمرته، وإنما انتخبت ذلك في الصلاة فهي أدق الساعات التي يتوجه بها علي إلي ربه ويغفل عن أمور الدنيا، وإلا فهو أقوي وأشد حذرا أن يؤخذ علي غرة ويطيق بطل من الدنو إليه. إلا أنه وأنا في الصلاة خفت أن يخطئ خالد ولا يطيق تنفيذ الخطة، وعندها [ صفحه 399] يشيع الأمر فأكون قد خسرت المعركة وهتكت خالدا وهتكت نفسي، فوجدت الأصلح منعه قبل الميقات المعين. السؤال (5): هل كان مالك بن نويرة خارجا علي الدين ومرتدا؟ وهل ارتد صحبه؟ وهل ارتدت النسوة من قبيلته؟! فإن كان مرتدا وكافرا، فلماذا دفعت عنه الدية وأعدت ما سلب منه وأعدت السبايا من النساء الثكالي والأطفال اليتامي؟ أم أنك قاتلته لأنه ترك تقديم الزكاة؟ وقد وجدناه اعتذر إلي خالد وصلي خلفه وألقي سلاحه، وأنه اعتذر إليه بأنه جمع والزكاة وأعادها إلي أصحابها لأنه لم يتحقق بعد ويطمئن من هو الخليفة الذي يجب تسليم الزكاة له. وقد وجدنا أن عبد الله بن عمر وأبو قتادة اللذين كانا مع خالد وجدا خالدا ووجدا مالكا، وجادلا خالدا بأن الرجل هو وصحبه مسلمون وأنه صحابي أقره رسول الله (صلي الله عليه وآله) وارتضاه لجمع زكاة قومه، وأنه صلي معنا ولم يشهر السيف في وجوهنا. بيد أنهما وجدا أن خالدا وقد رأي زوجة مالك الجميلة داخله هواه بها وقرر أن يقتل مالكا ليدرك غرضه منها! وعندها أخذ أسلحتهم وكتفهم وقطع رؤوسهم ودخل بزوجته من ليلته غير آبه، وسبي النساء والعيال والأطفال وعاد بهم إلي المدينة! وقد وجدنا صاحبك عمر المعروف بالشدة والغلظة والذي جد في خلافتك أفتي بأن خالدا قتل مسلمين عمدا وزني بمحصنة، يؤيد ذلك أبو قتادة وابن عمر، [ صفحه 400] وقال يجب حده، وقد اعترف بذلك خالد. وقد وجدناك تعفو عنه وتجيزه وتوسمه وسام سيف الإسلام، وتخالف عمر وتغضب عليه! الجواب: إن خالدا اجتهد وأخطأ، فله أجر واحد. سؤال: إن صح ما قلته، فما زناؤه بالمحصنة زوجة مالك بالليلة نفسها؟! أفي ذلك اجتهاد وخطأ؟ ثم ألست الكاتب إلي خالد وهو بالشام يوم تزوج ابنة أحد الصحابة قهرا، وأعلمك أبوها بذلك، عندها كتبت لخالد مقرا بأن دم ألف ومائتين قتلوا بيد خالد عمدا، وأنه ينكح النساء قهرا، وشهدت علي فجائع خالد! ورغم ذلك تقره علي رقاب المسلمين؟! وهذا عمر يوم طلب منك القصاص من خالد القتل بالقتل، وحده لزنائه بالمحصنة، فتنهره! وعندها يشهد عليك بأنه لج فيك شيطانك، وهو صاحبك والعليم بخصالك [488] . وأنك تعرف أنه لم يجتهد وأخطأ، بل أنه تعمد واستهتر وكفر وفجر، وأنك القاتل لأنك أطلقت يده في رقاب المسلمين وتركته يستمر في غيه. الجواب: لو لم أترك ذلك لخالد ولأبناء أبي سفيان ولعمرو بن العاص وأضرابهم وقد أغضبت عليا (عليه السلام) وآل رسول الله (صلي الله عليه وآله) وصحابته البررة، فمن أين لي بمن يشد [ صفحه 401] أزري؟ ولا بد لي أن أتقبل خالدا وأضرابه وسعيد ومعاوية أولاد أبي سفيان لاستمرار سلطاني وإدامة خلافتي. وهذا عمر الذي عرف في خالد ذلك وطلب حده، وقد عهدت إليه بالخلافة بعدي، هل أقام الحد علي خالد وقد قدر؟ لا، لأنه مثلي وعلي نفس الرؤية اتفقنا. السؤال (6): إنك علمت من سب عليا (عليه السلام) سب رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومن سب رسول الله سب الله، وهو في حد الشرك. وقد سببت عليا [489] ، وأنت تعلم من أغضب فاطمة (عليها السلام) وآذاها وهي بضعة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسيدة نساء العالمين الطاهرة الزكية، ذكرها الله وشهد لها في كتابه وأن من آذاها وأغضبها أغضب وآذي رسول الله وأن من آذي وأغضب رسول الله آذي الله، وقال الله عز من قائل في كتابه المجيد في سورة الأحزاب، الآية (57): - (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) -. ولم تأل جهدا في أذاهما وغصبهما وسن الظلم لهما ولآل رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي بعد موتك، فماذا تجيب؟! أقتل مالك وصحابته بسيف خالد أم بسيفك؟ ومن قتل بعدها عمدا بسيوف من وليتهم علي رقاب المسلمين، أقتلوا بسيفك أم سيوفهم؟! من الذي ولاهم وسلطهم وأمرهم؟ أكانوا عملوا ذلك لولاك؟! أتري منذ وليت عمر بعدك من هو المسؤول عن خيره وشره؟ وأنت تعلم حق [ صفحه 402] العلم مقاصده ومراميه؟ وتعلم هناك من ولاه الله ورسوله الجامع لخير الصفات، وتعرف عمر وإجحافه في منع السنة والحديث وحجره علي الصحابة وتقسيمه خلاف سنة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وجلوسه في مقعد غيره دون رضاء الله ورسوله ورغم إرادة مجموع المسلمين، وخروجه علي الكتاب والسنة كما مر [490] . وتشكيله الشوري وتحويلها لبني أمية: عثمان ومعاوية ويزيد ومروان وبنيه وبني العباس والمجازر التي قاموا بها. من المسؤول عن محنة آل البيت: محنة علي (عليه السلام) ومقتله وسم الحسن السبط (عليه السلام) بيد معاوية ومجزرة كربلاء لآل بيت الرسالة وخيرة الصحابة والتابعين. من المسؤول عن ولاة الظلم والجور والنكبات التي صبت علي صحابة الرسول (صلي الله عليه وآله) في عهد عثمان ومعاوية. وما نزل من البلاء بمدينة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومكة والمذاهب والفرق واختلاق الأحاديث والسنن والعداء بين الأمة الواحدة؟ لو كنت سرت علي ما أمر الله به ووصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) واتبعت سننه وواليت عليا (عليه السلام) تري كيف سار بها هو وآله وأي رحمة عمت المسلمين والعالم. أتعلم أن السقيفة التي غصبت بها منصب الخلافة غصبت بها من المسلمين سعادتهم وحرفت عجلة الإسلام القهقري، وأعدت كلما حطمه الإسلام وأزلت ما عممه الإسلام من الصدق والصفاء والبر والإحسان والعدل والمساواة والرأفة والرحمة والصدق والأمانة إلي المكر والخيانة والضوضاء والحرمان والخسران والظلم والجور؟ فبما بدأت وسرت واستهدفت وخلفت عامدا مريدا مصرا في عهدك حيا [ صفحه 403] وبعدك ميتا. فإن قلت غلبني هواي وغرتني نفسي الطموحة فهلا أحلتها لأهلها بعد موتك! الجواب: إن الذي ولاني الخلافة إنما هو عمر وهو المؤيد لي طول حياتي، وهو الذي سدد خطاي في الكبيرة والصغيرة، وما قال عني " لج فيه شيطانه " أو " بيعة أبي بكر فلتة وقي الله شرها " وغيرها كلها، وإن قالها لسانا، فهي حق، بل كانت سياسته الرامي من ورائها من الساعة الأولي إننا مهما تظاهرنا من الصلاح واعترفنا بالواقع فإننا لا نحيد عن خطتنا. وقد وجدتم أني أعدت فدك لأهلها رغم ما جاهرت به من الغصب، بيد أن عمر هو الذي مزق كتابي. ونحن إن أعدنا فدكا يلزمنا التنحي عن الخلافة، لأن كلاهما غصب، فأما أن اعترفنا وامتثلنا واجبنا الواقع وخالفنا هوانا واتبعنا الشريعة فليس لنا أن نلبي في واحدة ونخالف في أخري. وهذا رأي عمر منذ الساعة الأولي، فهو كان منذ الساعة الأولي شاكا بالنبوة منددا بأعمال الرسالة. بيد أنه لم يجد أعوانا! واليوم وقد بلغها فلزمها بيد من حديد، ووجدت نفسي بلغت به هواي فتابعته ووافقته وأيدني وأيدته، فكانت أهدافنا ومقاصدنا سواء، فجاءت نتائج أعمالنا سواء. وإنا غلب علينا الشك فكنا نخشي الجهار في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) بيد أننا بعده وقد وجدنا الفرصة سانحة، وعلي موصي من ابن عمه أن لا يقوم بالسيف، قمنا بها غير هيابين علي أي الطريقين سارت ما دمنا حكمنا وهي غايتنا. وإذ لم نجد بغيتنا مع علي وآل البيت وصحبهم الأوفياء، قمنا بها علي أعوان [ صفحه 404] أيدونا علي الغصب وسارت كما نشاء، غير مبالين إن حادت عن الشريعة أو سايرتها. وإنما لنا هدفنا ورغباتنا، وحولنا زمرة ممن جردهم الإسلام عن امتيازاتهم حيث وجدوها تعود بنا، فشدوا وثاقنا وشددنا وثاقهم. السؤال (7): إنما اعترفتم بموارد الاتهام عامدين وصانعتم رسول الله (صلي الله عليه وآله) منافقين وخالفتم أوامره ووصاياه مصرين ومقرين، وأنتم إذ أبعدتم عليا (عليه السلام)، وقد علمتم أنه المنصوب من الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) نصا، وله الحق في الولاية عقلا وعدلا، لسبقه وعلمه وتضحيته وإخلاصه وبلائه وحكمته، بما حواه من عناصر الطهارة والحكمة والعلم والمعرفة والعزم والشجاعة والحق والحقيقة، فما أنت قائل كآخر دفاع تبرأ به ساحتك وتزكي به مكانتك؟ الجواب: قلت بدءا إنما أثارتني ابنتي عائشة وأنا شببت في أحضان الشرك ولي قلب يهفو إلي من فارقتهم من قريش، ولم أحظ في إسلامي الحظوة التي أستطيع أن أبرز بها سوي إدخال ابنتي إلي دار رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ولكن للأسف ظل يلازمها ويلازمني، إذ لم تنجب ولدا، ونزلت معها ضرات كن أقرب إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ولم أحظ بالقربي عند خطبتي فاطمة، وكان ذلك أكبر آمالي إن أنا لم أحظ بمصاهرتي وزواج رسول الله (صلي الله عليه وآله) بإنجاب أولاد عساني أن أحظي بزواجي. وإذا بمن كان دائما ينال السبق ويهزني حسدا هو الذي يحظي بزواج فاطمة، وزاد بالطنبور نغمة رد عمر من خطبتها، وظلت ابنته عقيما لم تلد كعائشة، وكان أشد مني شكا وأعظم تعرضا لرسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي بان عليه، وإذ لم يجد ملمسا [ صفحه 405] ووجد مني روحا ملائمة أسر لي بحسده وغيظه. وكان السبب لتحريضي علي اغتنام الفرصة لقلب الحكم! وهل لنا من فرصة في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو الذي لا نجد فيه لنا ملمسا في علم ولا شجاعة ولا سابقة ولا ذرية. وما كان أشد تنفسنا الصعداء عندما بلغنا في حجة الوداع وغدير خم أنه دعي ويجيب.. وعندها كررنا النجوي بيننا وتحين الوقت المناسب، وكأنه وقف علي نوايانا فاسترد مني فيها سورة البراءة أو أعطانيها وهو يقصد من قبل استردادها ليفهمني أن عليا مكانه كمكان هارون، عملا منه بعد أن نص قولا بذلك. وزجنا كجنود تحت إمرة أسامة فلم يبق لنا مكانة في المجتمع وقد اختص بعلي لنفسه معه في المدينة. وعندها والينا اجتماعاتنا وضممنا إلينا من جانسنا روحا وأبينا الانقياد وساعدنا الحظ أن مرض رسول الله (صلي الله عليه وآله) فاتخذناها ذريعة، ونحن نستعطف بأسامة وهو لا زال قليل التجربة ونستميله أن يتباطأ كي يخف مرض رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقد علمنا مما بلغنا به بدنو أجله، وتحملنا لعنة علي المتخلفين، وخالفنا صراحة علي كتابة العهد، وكل هذه النوازع تزعمها عمر غير مبال ولا هياب بتحريض. فهو وحده لولاه لما تجاسرنا علي هذا الغصب وجمع الأنداد وحرق باب بضعة المصطفي وأخذ علي من داره قهرا، وقد شجعنا علي ذلك ركون علي ذلك الشجاع إلي الدعة وعدم المقاومة القهرية، فعرفنا فيه وهو الشاب الحكمة وخوف الفتنة، ونحن كلما زدنا جمعا زدنا عليه ضغطا، وفي كل خطوة كان عمر قائدها ومحفزها وأبو عبيدة عضده والمنافقون أعوانا. ولولا ابنتي عائشة المثيرة وعمر المتزعم المحرض والمهيء لي سبل الخلافة لما تقدمت، ولا غصبت ولا تجاوزت، ولا أنكر فضل علي وقد قلت لست [ صفحه 406] بخيركم، ولا حق فاطمة، وقد طلبت صفحها فأبت. ولكم ندمت، وعاد عمر يحرضني وبنتي تؤنبني، ولقد ندمت علي غصبي الخلافة وندمت علي ظلمي وإيذائي فاطمة، وأني أرجو الصفح، ولم تطل إمارتي سوي سنتين، ولو طالت لأعدتها لأهلها، إذ كنت أفكر بذلك! السؤال (8): لقد دلت أعمالك أنك لم تتب، وأنك تماديت في غيك بسلب حق الهاشميين من حقوقهم أجمع وإبعادهم أجمع وقهرهم باشد أعدائهم شكيمة وأشدهم مكرا وحيلة وجورا. وبالتالي تثبيتهم في مناصبهم وكتابة العهد لعمر دون مشورة أي فرد من المهاجرين والأنصار، مستبدا برأيك ناكثا لبيعتك لعلي يوم غدير خم، غير معتذر من غصبه وشتمه وقهره وأذاه، وقد أعلن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن عليا (عليه السلام) الفاروق بين الحق والباطل، ومبغضه منافق، ومن آذاه آذي رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومن سبه سب الله ورسوله، فهو كافر. وخالفت النصوص والسنن وخرجت علي حدود الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وقتلت المسلمين عمدا وبهتانا وزورا، وتركتها لمن بعدك سيرة، ولكل فعلة من أفعالك هذه خلود في النار وعذاب الجحيم. ولم تحكم بما أنزل الله، ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو بنص القرآن كافر وفاسق وظالم، فعليك مجموع أوزارها من البدء إلي النهاية، وعليك تبعة أعمالك ونتائجها بما قمت من ويلات ومحن ومظالم علي الأفراد والجماعات إلي يوم القيامة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. فبغصبك غصبت حقوق أفراد الأمة أجمعين منذ السقيفة إلي يوم الدين. [ صفحه 407] وبحجرك علي علي وآل بيته حجرت علي الشريعة التي بدأت تعم العالم أجمع. فأنت أثبت الشرك والكفر والمظالم إلي يوم القيامة وقويتها بتضعيف الإسلام وبمنعك من تدوين السنة ووقف الحديث ولجم الأفواه وصم الآذان. منعت نشر الشريعة وعممت الجهل وأطلقت لأعداء الإسلام من دس واختلاق ما شاؤوا من الدس والكذب والافتراء علي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وبدأتها بالكذبة علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) يوم غصبت نحلة فاطمة باختلاقك الحديث عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وقد علمت من كذب علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) فليتبوأ مقعده من النار. وأنت الذي تلقي التبعات علي عمر، فكيف خلفته واتخذته وزيرك ومستشارك واطلقت لسان ابنتك عائشة تفتي وتروي المتناقضات عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) إسنادا لحكمك وتبذخ بأموال المسلمين دون رادع أو مانع. وقد حرمت ذرية رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقتلتهم بين مكمود ومسموم ومذبوح وشهيد ومهان ومسلوب وسبايا من مصر إلي مصر كأنهم خرجوا عن ملة الإسلام بيد أعوانك الأشقياء وولاتك. لم نجد علي وجه البسيطة أعظم منك حسابا وأشقي منك عقابا، ولكل من أسندك وعاضدك وولاك وأيدك كتابه وحسابه وجزاؤه وعقابه، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. ولكم خاطبك علي بعد الغصب وأرشدك وخاطبتك فاطمة بعد الغصب وأنبتك وأغضبتهما وشتمتهما في غيابهما عوض الانصياع! وهذا معاوية بن أبي سفيان يشهد عليك وعلي عمر بغصبكما حق علي (عليه السلام) وخروجكما عن حدود الله في كتابه إلي ابنك محمد. وهذا علي يتحرق علي المسلمين في خطبه في عهد خلافته في الخطبة [ صفحه 408] الشقشقية وغيرها ويحتج عليك في الرحبة بنصوص يوم الغدير. وهذا أنت تقر علي خالد بن الوليد وأن ألف ومائتين قتيل تعمد قتلهم وفعل ما فعل، وهو تحت إمرتك وما فعله بمشورتك ورغبتك، وبالتالي ولاتك الغدرة، وأخيرا عهدك لعمر الذي ختمت به أعمالك، فلبئس المنقلب منقلبك! ولقد جئت بما لم يأت به الأولون والآخرون فخصمك الله. ولأنت أخسر الأخسرين يوم الحساب، فأي عذر لك بعد الحجج، وأي توبة لك بعد اللجج أم وأبو المنكرات منكرك وخطيئتك وجامعة السيئات سيئتك. إن أقررت بالدين فأم الجنايات جناياتك، وإن عدت للصداقة والوفاء والذمة فمنبع الخيانات خياناتك، تتهم ابنتك وأنت محرضها، وعمر وأنت قائده، ونفسك وأنت أسلست قيادها واتبعت شهواتها بعد فوات السن وأرذل العمر، لم تتعظ بالماضيات ولا تأبه بالتاليات، اشتريت اللحظة بالباقيات وخلد النعيم بخلد الجحيم، فاندم حيث لا ينفع الندم واستغث بمن شئت، فالله العدل الحكم وهو القائل في سورة القلم، الآيتان (35 و 36): - (أفنجعل المسلمين كالمجرمين - ما لكم كيف تحكمون) -.

عمر بن الخطاب

دخل الإسلام بعد أبي بكر، وقدم ابنته حفصة لرسول الله (صلي الله عليه وآله) فدخلت بيته كزوجة، وبهذه المناسبة وثق صلته برسول الله (صلي الله عليه وآله)، وكان يأمل توثيقا أكبر بحصول ذرية لرسول الله (صلي الله عليه وآله) من ابنته بيد ضلت عاقرا لم تلد، وكما كان عمر يشترك مع أبي بكر في ندواته وجلساته وخلواته تري حفصة تتفق مع عائشة في تكفل حزب نسوي في بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وتقلق باله. ويظهر كما أن أبو بكر وعمر اتفقا روحا وجسما وفكرا وهدفا في جبهة واحدة، [ صفحه 409] كانت حفصة طابقت عائشة روحا وهدفا ومسلكا. وكلا الحزبين من الرجال والنساء كانا ظاهرا يسيران في مسيرة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وباطنا يخالفانه في وصاياه ونواياه سيان في عترته أو صحابته المقربين. وها هو عمر يقف في محكمة العدل الإلهية الأولي ليجيب عما وجهت له مواجهة ما قدمت وتبودلت من اللوائح الماضية من التهم منذ دخوله الإسلام. ولأن الإسلام يجب ما قبله فهي لا تذكر أعماله وأفعاله قبل الإسلام إلا بما يدل علي حالاته وطبائعه، وقد مرت كلها في اللوائح الأولي وردودها ورد الرد، واليوم يقف مواجهة ليجيب القاضي شفاها مدافعا عن نفسه. القاضي يستجوب عمر: السؤال (1): لا نؤاخذك عن ماضيك في غلظتك وشركك، وإدمانك الخمرة، وشدتك في أهلك وأولادك، لأن الإسلام يجب ما قبله، ولكننا نسألك ما الذي دعاك لدخول الإسلام؟ أحقا وجدت الصواب وآمنت بما نزل علي رسول الله محمد (صلي الله عليه وآله) وبكتاب الله وسنة رسوله، وعلمت صدقه وطهارته وصدقته قلبا ولسانا بعد أن سمعت أقواله واطلعت علي صفاته ومكارم أخلاقه وقوة حجته وصدق دعوته. وبعد ما تليت عليك آيات كتاب الله في بيت أختك التي آمنت قبلك. هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ولا يغادر الله صغيرة ولا كبيرة إلا وأحصاها، اليوم تشهد عليك جوارحك، لسانك ويديك ورجليك. ولقد مر ووجهت لك بعض الاتهامات وعليك ردها وتفنيدها إن كانت مغايرة، [ صفحه 410] وتصديقها وعلتها إن كانت حقيقة صادرة: 1 - معاقرتك الخمرة والنبيذ بعد إسلامك حتي موتك وأنت تعلم حرمة كل مسكر، قليله وكثيره حرام، وقد أجريت الحد علي من شرب من نبيذك وأجريت الحد علي ابنك المريض بعد الحد وهو برئ حتي قتلته. 2 - شكك برسالة رسول الله ونبوته بعد إسلامك حتي أظهرت خوالجك وطعنت به في صلح الحديبية وقلت لو أجد أعوانا، وعدت بها إلي الكفر. 3 - وكذبته بعد شكك في فتح مكة. 4 - ورثاؤك بعد شربك الخمرة قتلي مشركي قريش في بدر، وغضب رسول الله (صلي الله عليه وآله) عليك، وأخذه بتلابيبك. 5 - وأغضابه أخري حتي أخذ بتلابيبك قائلا: لا تنتهي يا عمر حتي ينزل الله فيك ما يخزيك وهو لا ينطق عن هوي. 6 - مخالفة رسول الله يوم أمرك بقتل ذي الخويصرة، وقد وجده يصلي فأبيت كما أبي صاحبك أبو بكر، وكأنك مع غلظتك أرأف وأعلم من رسول الله (صلي الله عليه وآله) الذي رأي بأم عينيه صلاة الرجل ولا يأمر بقتل امرئ إلا بأمر الله وبعد التحقيق عما يستحق وهو أعلم بأصول الدين منك ومن صاحبك، فكانت مخالفتك أول فتنة كما صرح بها رسول الله (صلي الله عليه وآله). وقد ظهر أن من أمر بقتله هو رئيس الخوارج المارقين عن الدين والذين حاربوا الإمام عليا (عليه السلام) يوم النهروان. 7 - تخلفك وصاحبك عن جيش أسامة وقد علمت أن ذلك أمر الله وسمعت رسول الله يلعن من تخلف عن جيش أسامة. 8 - مخالفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) صراحة يوم طلب في مرض موته البياض والدواة ليكتب لأمته ما لا يضلون بعده، وهو كتابة العهد لعلي (عليه السلام) بعد أن أعلنت ولايته في [ صفحه 411] غدير خم. وقد هنأته أنت وصاحبك أبو بكر ونراكم بعد موت رسول الله (صلي الله عليه وآله) تنكثون بيعته. وقد اعترفت لابن عباس بمخالفتك ووصمته بالهجو والهذيان وهو دليل آخر علي شكك بنبوته ورسالته ومخالفته التي هي مخالفة الله. 9 - هروبك واستدبارك في أكثر الحروب بين المسلمين والمشركين، أخص منها خيبر، وقد علمت أن الله نهاك أن تدبر إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلي فئة ومن فعل فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير. وكنت في خيبر لولا علي علة العلل أنت وصاحبك لتحطيم عظمة الإسلام. 10 - تدبيرك أم الفتن في سقيفة بني ساعدة، وأنت تعلم ما نزل في علي وخلافته وإمارته من النصوص القرآنية، كآية الولاية قوله تعالي في سورة المائدة، الآية (55): - (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) -، وهذا الثالث هو علي بن أبي طالب [491] . وغيرها من الآيات، وما أدلي به رسول الله (صلي الله عليه وآله) قولا وعملا، كما مر في يوم الدار حيث نزلت الآية (214) من سورة الشعراء: - (وأنذر عشيرتك الأقربين) - وظل يعلن خلافة علي (عليه السلام) بقوله علي مني بمنزلة هارون من موسي، ويوم سألته وصاحبك قبل الغدير عمن ستخلف قال خاصف النعل وهو علي (عليه السلام)، وقال: " إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ". حتي ختمها في غدير خم علي جميع المسلمين، وجعلهم شهودا ليبلغ الحاضر الغائب قائلا، وهو آخذ بعضد علي وصاعدا علي أقتاب الإبل بعد خطبته: " من [ صفحه 412] كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله "، وقد اعترفت بذلك في عهد خلافتك [492] . كل هذا وأنت تمد يدك وتبايع أبا بكر بالخلافة ويليك أبو عبيدة الجراح وبضعة نفر من الأوس، والمسلمون في غفلة فجيش أسامة علي حدود المدينة، وفيه المهاجرون والأنصار وبنو هاشم يجهزون رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعلي رأسهم سيد الوصيين وخليفة رب العالمين علي، وثم تخرج وتهلل وتكبر ماكرا وتخمط من مررت عليه قائلا: تعال بايع خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وقبل لحظات كنت تستنكر من قال محمد قد مات تريد قتله تهيئة لحضور أبي بكر في السقيفة وردعا لمن يسبقك لبيعة غير أبي بكر. كل ذلك والمسلمون الأقربون لا علم لهم بمكائدك ثم تخلق المكائد وتقسم الولايات وتعد أنت وصاحبك رؤساء الأحزاب والمنافقين للالتفات حولك وخلق فتنة لعلي (عليه السلام) إن شاء مؤاخذتكم، وقد كان ذلك، وقد أخبره رسول الله (صلي الله عليه وآله) ووصاه. وقد علمتم بذلك فغصبتم وجرتم وظلمتم ونكثتم بيعة أتمها رسول الله (صلي الله عليه وآله) بأمر الله لعلي (عليه السلام)، وأحللتم حرامه وحرمتم حلاله وخالفتم أوامره وحاددتم الله ورسوله. 11 - حرقك باب دار فاطمة (عليها السلام) ولطمتها وأسقطت جنينها وأخذت بعلها قهرا ليبايع أبا بكر صابرا محتسبا، يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، وقد حاججكم وأفلجكم بيد لم تجدوا فيه أن يظهر القوة التي تخشوها منة، فجرتم وقلتم إنه موصي، وقد كان ذلك. [ صفحه 413] وأنتم تعلمون مهين علي (عليه السلام) مهين الله ورسوله، ومخالفته مخالفة الله ورسوله، ومبغضه منافق وسابه كافر، وقد فعلت أنت وصاحبك كل ذلك، وتعلمون وسمعتم من رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن فاطمة (عليها السلام) بضعة منه ومن آذاها آذي رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومن آذاه آذي الله، والآية الشريفة رقم (57) من سورة الأحزاب: - (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) -. 12 - وأنت تهدد عليا (عليه السلام) بالقتل إن لم يبايع أبا بكر، وأنت تعلم شجاعته وسابقته ووصايا الله ورسوله به، وبذريته وحرصه علي الإسلام، وتعلم أنه أحب خلق الله لله ولرسوله (صلي الله عليه وآله) [493] . وأنت تعلم أنه علمه وكم قلت: لولا علي لهلك عمر، وقلت: عجزت النساء إن يلدن مثل أبي الحسن، وقلت: لو وليها لأقامكم علي الحق، وقلت وقلت وقلت في أبي بكر أن بيعته فلتة، وقلت لما أردت حد خالد الذي قتل مالك بن نويرة وزني بزوجته وامتنع أبو بكر أنه لج فيه شيطانه، وأقسمت أنه حاد عن الحق وهوعالم وموقن كما ثبت ذلك منه في رسالته لخالد [494] . 13 - مخالفاتك للنصوص. 14 - منعك كصاحبك تدوين السنن والأحاديث، وحجر الصحابة فكرا وجسما. 15 - أمرك بإعدام الكتب والعلوم وتحقير العلماء وزجرهم ودرتك علي [ صفحه 414] الشريف والوضيع بدون حق [495] . 16 - تجسسك ودخولك البيوت من غير أبوابها وعدم طلب إجازة أهلها [496] . 17 - الخروج عن تقسيم الأموال عن سيرة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومشاطرة أموال ولاتك [497] . 18 - اتخاذ الشدة والغلظة مع الجميع، حتي الضعفاء والنساء، وأخص من سألك حتي نفر منك الكبير والصغير [498] . 19 - شعوبيتك، والفروق التي محاها الإسلام، وتعصبك للعرب، وإجحاف كحق غير العرب [499] . 20 - استبدادك بالأمة وبخلقك الشوري، وقد زرعت بها بذور النفاق والفتن وتشتت الكلمة وتسليط أشر خلق الله [500] علي رقاب المسلمين، يفتكون بنفوسهم، ويتطاولون علي أعراضهم، ويستحلون أموالهم، عالما عامدا عنادا وخصاما لرسول الله (صلي الله عليه وآله)، ومخالفا بها وصاياه في علي (عليه السلام) وآل بيت الرسالة خارجا بها بما ورد فيهم من نصوص قرآنية وسنن نبوية. الجواب: يسكت، وإذا بلسانه ينطق بحقائق ما كنته نفسه، وخطت به أعضاؤه وجوارحه بأمر الله الذي أنطقها الحق: إني كنت من أشد الناس علي محمد ظاهرا وباطنا قبل [ صفحه 415] إسلامي. بيد أذهلتني استقامته، وإخلاصه في دعوته، ورسوخ فكرته، ورزانة سيرته وحكمته، وانضمام الأفراد والجموع تحت لوائه، وبلوغه مدارج عجز من بلوغها طواغيت قريش. وهو اليتيم الفقير الضعيف، ووجدت نفسي في تعاسة من العيش لم أنل من قريش ما يسد طموحي وجشعي، وهم متكتلون متعصبون لا مطمع لمثلي ولا ملمس لإدراك مكانه، فلا قبيلة يعتد بها ولا أموال يطمع فيها ولا شجاعة مميزة أو فصاحة مبرزة. وقد وجدت أمثالي مع محمد، وقد تقدموني، بدأ لهم كيان وأخذوا يشيرون لهم بالبنان كأبي بكر، بل وأقل منه وأضعف كأبي ذر وأذل كعمار وأمثالهم. فحسبت بذلك ضالتي، ونويت أن أتبع خطي أبي بكر، وتقدمت وقدمت مثله ابنتي، واستقبلوني كأخ جديد، فوجدتهم متكاتفين، أكثرهم مخلصين يضمرون ما يظهرون، ويظهرون ما يضمرون، قد دخل الإسلام بإيمانه في عروقهم، وتسرب إلي أعماقهم، غير فئة مثلي أسلموا طامعين، وتربصوا لغاياتهم وأهدافهم ساعين. وجدوا بغيتهم باتباع الرجل وهو مثلي يحسون بحسن تدبيره لا دينه، وبذكائه وحسن بصيرته لا دخل ليد غيب في مسيرته السمائية، ولا معتقد بشريعته الإلهية، فهو بعقله وهديه ليس لله عليه نائلة، ولا لروح القدس طائلة، متساهل مع أودائه، شديد علي أعدائه، دقيق في خططه وآرائه، له أهداف إنسانية لا يحيد عنها قائمة، ومزايا حميدة لازمته منذ صباه دائمة. نافذ البصيرة دقيق في تعبيره، تهمه الصغيرة والكبيرة، يرفع من شأن الطائعين [ صفحه 416] المتواضعين، ويحط من كرامة المنافقين المتصانعين. يراقب أصحابه عن كثب ويرعاهم في السهل والصعب، ويجاريهم في القبيح والحسن، ويوقظ فيهم الهمم عند الإحن، لا تري فيه ملمس ضعف، وللجميع ملاذ وكهف، نخشاه خشية عارف يفلجنا بالدليل والبرهان، ونرعاه رعاية زعيم أحاط بمن يرعاهم رعاية إنسان. ولكم لمس شكي في مذهبه، واستمالني بالدليل إلي جانبه، ولان مرة وأغلظ أخري، شككت بضعف الشكيمة، وذلة الموقف في صلح الحديبية، حتي لو كان لدي القدد والعدد لخالفته وجانبته، وقد خرجت عن الطريقة وانحرفت عن الحقيقة. بيد تغلبت علي نفسه سمو أخلاقه الحميدة، فأوجز لي قوله فكانت عاقبته سديدة، وكذبته أخري علي وعده بفتح مكة، فغلبني وصدني بحجته وبرهانه حتي آن أوان الفتح، وعندها أوضح لي عن زمانه ومكانه. وأعترف أني أغضته كرارا في سلوكي وعجرفتي فوبخني، وإذ وجد انكساري صفح وأعرض إعراض الكريم، ومد جناحه الرؤوف الرحيم. وإذ وجد عتابي بتقديم ابن أبي طالب في مدحه وضمه أراني في خيبر عملا ضعفي ونكستي وفراري، وإدباري، وصمود علي وتضحيته وفتحه. فكانت لي وصمة عار إلي عاري وفي كلها خيبة الأمل، والفشل والخجل. وكلما مرت أمثالها لي ولأبي بكر وأضرابنا بعثت فينا روح الحقد والحسد والتكتل ضده في الخلوات، واتخاذ تدابير نلتمس منها المخرج وإدراك المطمح بسلاح الخديعة والمكر والوقيعة. ونحن في خوف وحذر أن تعلن أسماؤنا في المنافقين وتفضح نجوانا جهرة ونعود خائبين. [ صفحه 417] فسألت من عنده العلم بأسمائهم [501] فأعرض لا يجيب ضنين، وكيف يجيب عن سر فيه أمين. وكان رسول الله أعلن أن المنافق يعرف بتركه للصلاة، أو بغضه لعلي، والأخير دعاني للسؤال هل أعلنت أسماؤنا؟ وقد ظل يخالجني الشك في نفسي كلما حصلت بادرة أظهرت فيها شكي برسول الله (صلي الله عليه وآله) واستوجبت غضبه لمخالفته، وكدت أيقن بعلمه أني منهم حينما هنأت عليا أنا وأبا بكر في غدير خم ونحن نبطن ما لا نظهر. وقد بايعناه علي الولاية بأمر رسول الله وقلت له: بخ بخ لك يابن أبي طالب لقد أصبحت مولاي ومولي كل مؤمن ومؤمنة، وخاطبني الشاب الظريف المعطر [502] أنها عقدت وأنه لا ينقضها إلا منافق وغاب الشاب وأشار رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه كان جبرئيل شهد علي بيعتكم لعلي وليس من ولد آدم. وبقيت في نفسي لماذا كنت وحدي المخاطب حتي كانت بيعة أبي بكر فعلمت أنه كنا أنا وأبو بكر المقصودين، وهذه جعلتني أتردد وأحاسب نفسي أني طيلة هذه المدة بقيت في شكي بحقيقة الإسلام. فكيف أرد كلام جبرئيل، وهل كانت تلك حقيقة أم خيال لأنها في هذه المرة خرجت عن مفاهيم المنطق إلي معجزة خارقة عن نظر وإرادة البشر، هل أن ذلك روح القدس؟ أصحيح أن هناك رابطة غير بشرية في دين محمد؟ هل ذلك وحي من الله؟ وأن جبرئيل ملك مقدس بوحي عن الله؟ وإلا كيف حضر وخصني وغاب؟ أم هل هي صدفة وأن الشاب بشر، وأن محمدا بلغ من الذكاء أنه عندما يغيب الشاب يتوجه لي، وهو يلاحظ شكوكي، ويتتبع خطواتي، ويريد الآن [ صفحه 418] لينذرني ويوعظني بأنه يعلم ما في نفسي! أجل أن محمدا لا يستطيع أن يقنعني بعد بنبوته وصدقها وما هي إلا حكمته وعقله وذكاءه ونبوغه. وهكذا تركت هذه الصفحة لا أريد أن أخطئ نفسي، وحكم علي هواي رغم ما يدليه محمد الدليل أثر الدليل علي صدقه. وهذا محمد يعود ليثير هواجسي مرة أخري حينما يعلن أنها آخر حجة وأنه دعي ويجيب، أحقا أن ذلك صادر عن منبع غيب إلهي؟ أم إحساسه وشعوره بالضعف ودنو أجله، وكيفما كان فلا يمنعني أن أغتنمها فرصة وأراقبها وأنا أحرض جماعتي وعصبتي واعتبر أن بلوغ آمالي إنما تتحقق إن اتخذت أبا بكر إماما لسنه وتجربته وسبقه علي وحنكته. ولقد صدق ظني به فقد كان مثلي خصالا وعقيدة وآمالا، بيد أشد مني هدوءا وضبطا لكتمان السر، وتدبيرا لبلوغ الهدف، فلا مناص إلا باتباعه وتحريضه وتقديمه وإدراك ما أرجو إلا من طريقه واتباع خطاه، حتي آتت الساعة، ووجدنا محمدا في هذه المرة يريد أن ينزعنا آخر جلباب للعزة والشموخ، حينما وضعنا جنودا تحت إمرة الشاب الذي لم يبلغ الثمانية عشر، هو أسامة بن زيد، وأعلن إمارته علينا في حملته التي هيأها محمد بنفسه، ونحن لم نرض بأبيه زيد أميرا من قبل حتي وجدناه يؤمر علينا هذا الصبي. وعندها ثارت كوامن أبي بكر، وأثرنا الصرخات علي محمد معترضين، ولكن محمدا في هذه المرة أيضا قام خطيبا، وقد بدت علائم المرض تظهر عليه، وخاطبنا كعادته مصرا علي رأيه، ومؤيد قوله بأن ذلك إنما أمر الله، وكلمته ليس لأحد التخلف عنها، وإذ وجد تخلفنا أعلن علي رؤوس الأشهاد غاضبا: لعن الله من تخلف عن جيش أسامة، وكررها ثلاثا، بيد لم نأبه بقوله ولعنه طالما لا نعتقد [ صفحه 419] قلبا بدينه، وما هي إلا إرادته وحده وله بذلك تهيئة السبل لخلافة ابن عمه علي الذي أبقاه عنده. وعندها اتخذنا مرضه خير ذريعة لتباطئنا، بيد رغم مرضه كان حاد النظر، قوي العزيمة، ويوم اجتمعنا عنده دعي دواة وبياض ليحرر العهد كتابة لابن عمه، وهل يخفي علي عمر وهو يترقب الفرصة والموت يحدق بمحمد ولا ملمس في شفائه، وإن قدر أن شفي فلنا مرضه ذريعة، والعذر عنده شريعة. فقلت: عندنا كتاب الله يكفينا، فأصر، ووجدت ذلك لا يجدي فقلت: إن الرجل يهجر، ويهذي، وبهذه قطعت عليه أي كتابة وحديث يدلي به لابن عمه، وأن أدلي فلم يصدر إلا عن هذر وهجر، فلا عبرة بقوله، وأيد قولي جماعتي، وتخاصمنا، ولم نخرج إلا وقد قطعنا عليه هذا السبيل، وقلت لو شاء الله وصدق محمد لتحقق قوله، ولكن وجدت أن قولي تحقق؟ فكانت تلك أول انتصاراتي، وهنا زاد شكي بمحمد، إذ لو كانت أقواله وأفعاله من الله لتحققت رغم اعتراضاتي [503] . [ صفحه 420] وقد تحققت مقاصدي وكلما ثقل محمد في مرضه زدنا في نجوانا وتكتلنا حتي إذا مات جهزنا أنفسنا، وكنت بطل القوم أحرضهم وأدبر المكائد، وألقينا الفتنة بين الأوس والخزرج ليلا وصباحا، ووضعنا العيون وشددنا الرقابة علي بني هاشم، وهم يجهزون رسول الله غافلون عنا، والمدينة في حيص وبيص تغلي، وكل يتربص الوقيعة، والجيش علي الأبواب ونخبة المهاجرين والأنصار، وباقي الطوائف، فحللنا السقيفة، وأخذنا البيعة من بضعة نفر من الأوس وابن عم رئيس الخزرج، وخرجت أنا وبضع نفر نحف بأبي بكر بخمط من وجدناه آخذين بيده ليبايع خليفة رسول الله، حتي إذا أفاق الهاشميون والصحابة اندهشوا واثبين يراقبون عليا، وعلي صامت موصي حذرا من اليهود والنصاري والمنافقين والمسلمين المكرهين، لا يستطيع أن يقوم بحركة تكون عاقبتها وبالا علي المسلمين. وقد علم أننا لا نحيد ولو عادت جاهلية فخير أن تبقي علي هذه المظاهر وهي أهون الشرين. ونحن غير مؤمنين بالشريعة، بيد وجدنا تمسكنا بها أثبت لإمارتنا وأقوم لسيادتنا إلا ما قد يسبب لنا وهنا بعد الغصب الأول لمنصب الخلافة، علينا أن نقضي القضاء المبرم علي القوي المناوئة لنا، وهم الذين يتمتعون بالسمعة والمكانة وعطف الجمهور. [ صفحه 421] فبدأنا بتضعيف علي إمام الأنصار بقهره علي البيعة، وتذليل شوكته الآتية من صلته بمحمد وابنته بحرق بيتها، وزجرها، وسلب نحلتها، ومضايقتها ماليا بعد المضايقة الإدارية، وإبعادهم وشيعتهم عن أقصي ما يأملون. وكان لا بد لنا من إعمال القوة، وأين لنا بذلك إلا بتطميع الانتهازيين، وترهيب الممانعين، وإدخال جماعة من المنافقين الأولين، والذين أكرهوا علي الإسلام، فوجدنا فيهم خير أعوان، وبعد لا بد لنا من منع الحديث والسنة كي نستر أعمالنا علي الجمهور، ونمنع نشر وصايا محمد في آله وصحبه أخص عليا، وإشغال الأمة بعدها بالحروب، ولا بد أن نتخذ من غير آل محمد وصحابته الأسبقين قادة، ونتبع سبيلا آخر غير سبيله في انتخاب الأعوان، وإذ لم يؤازرنا غير المنافقين ورؤساء الأحزاب والمكرهون علي الإسلام اتخذناهم أصحابا وأعوانا، وذللنا بهم أنوف كل من يدعي بحق أو يأمر وينهي بما أمرت، ونهت عنه الشريعة في الكتاب والسنة. وقد أبقينا شعار الإسلام واسمه وعملنا بسيرتنا، ورأينا، ومتي تناقض الكتاب والسنة فرأينا هو الحاكم السائد، ومن يستطيع أن ينبس ببنت شفة، والسلطة بأيدينا، حتي إذا وصلت الغنائم، واتسعت رقعة البلاد زادتنا قوة، وضعفا لخصومنا من آل البيت وشيعتهم. وكلما مر من أسئلة فهي تنطوي تحت هذه الحقائق المترابطة المتماسكة كسلسلة يرتبط بعضها ببعض أن قطعنا إحداها انحلت، ولا بد لنا بعد الخطوات الأولي اتباع خطواتنا التالية مهما سموها خروجا علي حدود الكتاب والسنة، أو ظلما أو اعتداء، إذ الحقيقة أني والزمرة المتكاتفين أظهرنا الإسلام لبلوغ مآربنا، وإذ بلغناها وثبتنا أقدامنا، فكل عمل إنما نعمله يقوم علي تثبيت سمعتنا وملكنا، ورفع مقام من تابعنا، والحط من مكانة كل من أحسسنا بمخالفته. [ صفحه 422] وأما الشوري فكان لا بد لي منها بعد أن ثبت أقدام آل أمية، فهم الذين أثبتوا قدمي بعد السقيفة، وأعانوني وصاحبي، وعثمان هو الذي آزرني، وأثبت اسمي عندما أغمي علي أبي بكر عند كتابة العهد وأولاد أبي سفيان وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، وجدت فيهم الكفاءة والمعاضدة لصدهم أندادي من الهاشميين، أخص عليا ونخبة الصحابة، ولذا ظلوا لي مكاتفين وأنا بقيت أشد عضدهم، ووجدت فيهم الكفؤ الذي يقيم سيرتي، ويعلن اسمي ويحفظ غيبتي، وإن هي دالت إلي علي وشيعته، فالفضيحة والخسارة لي ولصاحبي الذي سبقني. وأنا أعرف في عثمان ضعفه، بيد أعرف في معاوية مكره، وقد مددته ما يكفيه لإدامة سلطانه، وبالتالي لقد كان أبو بكر قطب المعارضة وزعيم الحزب الذي شد أزرنا، ولولاه لما قامت لنا قائمة، ولا انقلبت علينا باللائمة، ولكنه البطل الذي عرف كيف يدبر المكيدة، ويحظ بالمصيدة، ويرفع كفتنا، ويبخس ذوي الحق حقه، ويوالي علي الحديدة المحماة بطرقة. حتي استقامت له ولنا الأمور، ولم يكن فيما عندنا دين فنخالفه، أو شرع كان يجب أن نخالفه، بل هو الملك والحق لمن غلب، عليه أسلمنا وبه أيقنا، وما تظاهرنا به فهي شريعة المتخاصمين، وقد اتخذنا خير السبل وأقربها لبلوغ أهدافنا. تلك هي الحقيقة التي تلوتها صادقا، وبذنوبي معترفا آنفا وسابقا، ساقني هواي ومدني أبو بكر ببغيتي ومناي، ولولاه لما تحديت ولا ركبت المخاطر، ولا أدركت لتحقيقها مناحرة، فقد وفينا الواحد للآخر علي الحق والباطل، وجد كل منا لإدراك أهدافنا جد مناضل. فلولاي لما حظي بالخلافة، ولولاه لكان ما أدركته خرافة. [ صفحه 423] السؤال (2): ولماذا خالفت رسول الله (صلي الله عليه وآله) في شدتك، وقد كنت تمتدح رأفته ورحمته. الجواب: لأنه كان أوسع مني علما، وأرحب مني صدرا، وأبلغ مني حجة، وأقدر مني منطقا وإقناعا. فإن صغيت للسائل مثله خانتني القدرة علي جوابه، وإن لنت للصحابة أخذوني بالنقد، وأفلجوني بالوعظ، وتدخلوا تدخل الند للند، وفيهم العالم والناقد، والشجاع المجاهد، والمتبحر في الدين، والمخلص الأمين من هو يفوقني سبقة ودراية، وفضلا وطهارة، وعناية، فتسلحت بالدرة، ودافعت عن نفسي بالغلظة سرا وجهرا متظاهرا للجمهور بالزهد والدين، شاهرا سيفي علي كل معترض كخائن مشين، وممدا أعواني بما أوتيت من قدرة مستعينا بهم ومعين، ساهرا علي أهدافي لمحو ما يضر بسمعتي ومكانتي من وصايا محمد، في حياتي وموكلا بها من أشد مني عليها بعد مماتي، والعصبية هي التي قادتني لإدراك منصبي التي سميت بالشعوبية، ولولاها لما حكمت وبأعوان أشداء لدنياي علي الخلافة أدمت. وأمري بإهانة العلماء، وإتلاف كتب العلم، فلأنها مصدر الوعي كالسنة، ومنبع الحكمة والفطنة، وتليها حرية الفكر، ورجاحة العقل، وهي تخالف ما أقمت به حكمي من الجهل والقوة والاستبداد ونبذ القسط والمروءة، وما قمت به من غصب وخديعة وما خالفت به أصول الدين وأسس الشريعة. كلما مر وقلته تراه حقيقة بارزة في أقوالي وأعمالي قبل وبعد إسلامي يوم كنت صحابيا في عهد محمد وأبي بكر وعدت بها خليفة وصاحب القدرة ومصدر الأمر، وأنا إذ أقر بذكاء محمد وأمجد به وبعلي قد خالفتهم إذ شتان بين غايتي وغاياتهم، [ صفحه 424] وأهدافي وأهدافهم، وصحابي وصحابهم، فنحن علي طرفي نقيض، ولقد مرت وكأنها لحظات خيال عارم، أو هذيان لسكرات حالم انقشعت أنوارها، وبقيت أوزارها، وقد صدق الله ورسوله. عمر يسأل: أولا: فهل من عود نقيم به أصوله أو توبة وعذر نأمل قبوله [504] . الجواب: قد كنت مشركا من مشركي قريش ودخلت الإسلام إما طوعا أو كرها أو طمعا، أو منافقا أظهرت الإسلام وأبطنت الشرك. فأنت أما أنك أسلمت مقرا بوحدانية الله، ونبوة محمد (صلي الله عليه وآله) قلبا ولسانا، فقد عدت في صلح الحديبية، وأظهرت شكك قلبا ولسانا، وقلت مخاطبا محمدا (صلي الله عليه وآله) أأنت رسول الله حقا ونحن المسلمون حقا، فلماذا تعطي الدنية حتي نهرك صاحبك أبو بكر، فخرجت بذلك عن إيمانك، وإسلامك، ولم تثبت عودتك ثانية للإسلام، بل أزدت وأنت تكذب رسول الله (صلي الله عليه وآله) وتخاطبه: وأنت أوعدتنا بفتح مكة، فلماذا لم تفتحها، حتي قال لك: هل عينت لك زمنا؟ فقلت: لا. فقال: سأفتحها وقد أراك فتحها وأنت عوض أن تبرهن علي عودك لتصديقه، [ صفحه 425] وإطاعة الله في نصوصه، نراك تقوم بالنجوي ضد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وتشرب الخمرة حتي قبيل الفتح وبعد نزول الآية الثالثة لمنعها. وتشج رأس ابن عوف وأنت ثمل، وترثي قتلي المشركين في بدر، وتعود تغضب النبي (صلي الله عليه وآله) وتعصيه حتي يأخذ بتلابيبك، ويقول: لا تنتهي حتي ينزل الله فيك ما يخزيك يا ابن الخطاب. وتأتيه أنت وصاحبك قبيل غدير خم تسألانه عمن يخلف؟ فيقول: خاصف النعل. وقد علمتما أنه علي (عليه السلام) وأن آية الولاية والطهارة نزلت فيه. وقد علمتما أنه وصي ووزير وخليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) منذ صباه في يوم الدار. وقد سمعتما أن مبغض علي (عليه السلام) منافق في النار ومن يعصيه كمن عصي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ومن عصي رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقد عصي الله. وكم مرة سمعتماه (صلي الله عليه وآله) يقول: علي مني بمنزلة هارون من موسي. وقد علمتما أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لا ينطق عن الهوي، إن هو إلا وحي يوحي. وقد حضرتما غدير خم، وبايعتما عليا (عليه السلام)، وقد علمتما أن ذلك أمر من الله ومن رسوله (صلي الله عليه وآله) ولا ينقضها إلا منافق، وقد علمتما من الكتاب أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار. وقد علمتما وأقر صاحبك أنه خالف أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) في تخلفه عن جيش أسامة، وأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لعن من تخلف. وقد علمتما أن الله أعد للمدبرين في الحروب التي أمر بها رسول الله (صلي الله عليه وآله) الخزي والعار والنار، وكنتما دوما مدبرين أخص في حنين وأعظمها في حملة خيبر، وقد وجدناك تقف في آخر لحظات حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وتخالفه وتهجوه [ صفحه 426] بقولك إنه يهذي ويهجر حتي غضب عليك [505] . وأنت تعلم أن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة، وأعد لهم عذابا أليما، وبعدها أقمت السقيفة، وغصبت منصبا أقره الله ورسوله لعلي (عليه السلام)، وقد بايعته ثم قهرته وهددته بالقتل ليبايع أبا بكر، وأنت تعلم فضله بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومكانه وإن من حادد عليا (عليه السلام) كفر، وقد مر بأسانيده في الجزأين الأول والرابع. وأنه قد عصي الله ورسوله، وأنك قد انطبقت عليك كل الآيات التي تطبق علي من حادد [506] الله ورسوله. وتعلم أن الله سبحانه وتعالي قال في سورة المائدة، الآية (44): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) -. وقال في الآية (45) منها: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) -. وقال سبحانه وتعالي في الآية (47) منها: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) -. وأنك حرقت باب دار فاطمة بضعة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولطمتها وسببت إسقاط جنينها، وآذاها وإغضابها وموتها [507] ، وهي تدعو عليك وعلي صاحبك بعد كل صلاة إلي أن فارقت هذه الدنيا. وبعدها تعترف بكل ذلك وتعترف في كل حياتك بفضل علي (عليه السلام) وأنت القائل بتفضيل السابقين البدريين ثم الأحديين ثم يوم الأحزاب وهكذا، وقد عملت [ صفحه 427] خلاف ذلك في علي (عليه السلام) والصحابة السابقين، وقدمت المنافقين وبني أمية أقطاب الأحزاب الذين حاربوا رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ودخلوا الإسلام كرها وأنت تعلم أنهم يبطنون الكفر حتي بقيت لهم عونا، حتي نقلت الحكم إليهم وقهرت المسلمين وفرقتهم ومزقتهم وسببت المجازر بعدك في عهد عثمان، وحروب الجمل، وصفين، والنهروان، لأنك تخلفت عن أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) حينما أمرك بقتل ذي الخويصرة التميمي رئيس الخوارج في حياته. لقد أثبت في كل أدوارك ومراحل حياتك أنك عمر نفسه قبل إسلامك لم تتبدل ذلك الفظ الغليظ الشديد، ولكنك في الإسلام أزدت في الطين بلة، إنك تظاهرت بإسلامك، وأبطنت عقيدتك السابقة بقيت تحقد علي محمد (صلي الله عليه وآله) حتي إذا مات انتقل بغضك لذريته، وأبي ذريته، وابنته الصديقة الطاهرة. وأشهد بالله أنك لم تأل جهدا لغصبهم وإغضابهم وإهانتهم وأذاهم وقتلهم وسمهم وإبعادهم عن مناصبهم في عهد خلافتك وبعد موتك. فما أعمال عثمان وسيرته، وما فتك معاوية بالصحابة والمسلمين، وبعده يزيد بذرية رسول الله (صلي الله عليه وآله) قتلا وسبيا، ولا أعمال مروان وذريته إلا بتخطيطك، في السقيفة والشوري، وتنفيذك عامدا عالما وقد مرت. وكلها تدل علي أنك ما فارقت عهدك ودينك وعقيدتك قبل إسلامك، فكيف أتيت إلي العفو والتوبة والإسلام إلي اليوم وإلي يوم القيامة يأن من أعمالك، وإرجاع أهداف الإسلام القهقري إلي الجاهلية. والمظالم، والنفاق، والتفرقة بين الأمة الواحدة بين الأمة المتحابة الأمة التي كانوا إخوانا يشد بعضهم بعضا كالبنيان المرصوص، ففككتها ومزقتها شر ممزق، ووليت علي المسلمين شر خلق الله، وأبحت فيها شر المنكرات، وشوهت سمعة الإسلام بالشعوبية، وبإعدام المعارف الإسلامية بمنع تدوين السنة أنت وصاحبك [ صفحه 428] وإهانة العلماء، وذي الرأي وإتلاف منابع العلوم والمعارف أينما امتدت فتوحاتك عملا قمت به لم يسبقه المشركون من المصريين واليونان والآشوريين والقياصرة والأكاسرة والتتر. فأنت ممن يصدق عليك قول الله تعالي في سورة الأنعام، الآية (28): - (ولو ردوا لعادوا) - كلمة هو قائلها: - (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) - سورة إبراهيم، الآية (42)، ولأسانيدها راجع الجزء الرابع من موسوعتنا. فأنت إن أسلمت عدلت عن إسلامك، وإن لم تسلم فلا زلت علي ما كنت عليه قبل الإسلام وأضفت الخديعة والمكيدة. وأما ما ذكر عنك من الفضائل في عهد معاوية، وما ذكر عن أبي بكر فقد وجدناها مختلقة موضوعة تخالف المنطق السليم، وثبت أن واضعوها من الكذابين والنواصب [508] الذين فقدوا الدين والوجدان والضمير. ثانيا: ألم أكرم عليا، وأعترف بفضله، وكم مرة أعلنت للملأ: لولا علي لهلك عمر، وكم مرة خاطبت عليا: لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن، وكم مرة أعلنت للملأ: عجزت النساء أن يلدن مثل علي، ألم أقصد بنفسي مرارا عديدة أسأله وأستفتيه مع أفراد سألوني عن أسئلة أظهرت عجزي عن جوابها، وطلبت منه أن يجيبهم عليها، ومذ وجدتهم طعنوا به قائلين: إنك خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ونسألك فتأتي هذا الأصلع وتسأله وتكتفي أن يشير لك بإصبعيه، فقلت لهم وقد غضبت لعلي معترفا بفضله وأنه مولاي أقصد بذلك اعترافي بولايته في غدير خم، وقد أخذت [ صفحه 429] بتلابيب الرجل! ألا يكفي هذا اعترافا مني بفضله وولايته؟ وأخري عندما سألني سائل وأحلته إلي علي، ورأيت السائل ينقص من قدر علي (عليه السلام)، قلت له: كأني أراك منافق لأني سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: مبغض علي منافق، وأنا الذي وسعت رقعة الإسلام وفتحت الفتوح. الجواب: إنك مأخوذ علي اعترافاتك هذه، فأنت إذ تقر بكل تلك الفضائل، وأنه أعلم منك وأدري وأقضي وأعدل، وأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أعلن ولايته وما هي الولاية غير الإمامة والخلافة بعده، وقد غصبت حقه في السقيفة أنت وصاحبك، وأخذته مكرها ليبايع أبا بكر، وهددته بالقتل إن لم يبايع، تلك في حياة أبي بكر. ولما أصبحت خليفة فنراك تقدم عليه أبناء الطلقاء، ولا تستمع إليه في توليتهم وعزلهم البتة، بل نراك رغم اعترافك بفضله تؤسس لهم أساس الملك والسلطة. وأما الفتوح فالحقيقة كانت بإشارة وتخطيط علي (عليه السلام) في الشرق والغرب، بيد نراك تخالفه في تدوين السنة، وقد ثبت عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) حفظها، وتخالفه في توقير العلماء، ورفع مستوي العلم، وأنت أهنت كل ذي علم ورأي، وأمرت أينما بلغت فتوحك بإتلاف الكتب وإعدامها حتي لم تبق في عهدك في مصر غربا وبلاد فارس وأرض الرافدين شرقا، وبلاد الشام علما إلا دمرته [509] ، وكتابا إلا مزقته أو غرقته. السؤال (3): ما رأيك في أبي بكر؟ وكيف أغريته؟ وأدخلته معك وهو صاحب رسول [ صفحه 430] الله (صلي الله عليه وآله) في الغار وفي الهجرة، وأسبق منك إيمانا وأكبر سنا، وأعلم منك بوصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) وعترته، ومنزل الكتاب، فكيف تابعك؟ وانقاد إليك تسره وتناجيه النجوي التي نهي الله عنها ورسوله، وهو يصغي إليك في قوله تعالي في سورة المجادلة، الآية (9): - (فلا تتناجوا بالإثم والعدوان) -! وكيف خالف أوامر رسول الله (صلي الله عليه وآله) في جيش أسامة؟ وهل صح أنه كان من المتخلفين؟ وكيف لم يمنعك عن مخالفتك رسول الله (صلي الله عليه وآله) حينما طلب دواة وبياض؟ الجواب: كنت وأبو بكر معي كفرس رهان في الوصول إلي أهدافنا وأغراضنا وسيرتنا ومجالسنا، ولم نختلف إلا أنه أشد تظاهرا بمبادئ الإسلام، وأقل تكابرا بالنفس، وأعمق غورا، وأدق طورا. يعرف مواقع الكلام فلا يرسله جزافا، وهيهات أن تنال منه دون جدوي خلافا، فلا ينبس بما يضمر إلا لمن وثق بمكاشفته، وأيقن بموافقته، وقد أكبرته ووجدت فيه العون والمعين، والدليل الأمين، أسر إليه ما في نفسي وأبادله مشاعري وحسي، وهو إن سبقني لإسلامه، فقد سبقني في مرامي ومرامه، وكلانا لا نختلف في الكمين واليقين، ولا نبتعد الواحد عن الآخر في المبدأ والدين، وقد وجدته المسدد لخلتي والمرمم لزلتي، وكأنه هو الذي وجد في ضالته، والمكمل لحالته. لذا اتخذني آلة للوصول إلي غايته، وخليلا وجد في الغني لفاقته، فاستهواني فهويته، واستطببني فداويته، وقد سبقني ببث ما يكن، مذ وجدني موافقا إليه ولنجواه أصغي وأحن فاتفقنا سرا وعلانية، وأباح كل واحد للآخر أهدافه وأمانيه، فجاءت موافقة مطابقة في أغراضه وحقائقه، وهو مثلي استهواه محمد بتدبيره، [ صفحه 431] وحسن سلوكه وتعبيره، وأما الدين فبعقيدتنا كلانا إنما هو مطية لبلوغ المآرب الدنيوية بأي وسيلة كانت شريفة أو دنيئة. وقد أدركناها وبلغنا الغاية، ووجدنا حفظ كياننا الجري علي منوالها للنهاية، وقد اقترفنا منذ الساعة الأولي لاستخلاف محمد في السقيفة بضربات قاصمة عنيفة، لتحكيم أسس ملك عقيم، وتثبيت قواعد مع الأولي لا تستقيم، فجاءت منذ الساعة الأولي مخالفة للكتاب والسنة، ومناوئة ومحاددة لكما سبق، فأطلق عليها الأولون فتنة، فاضطررنا لتشديد الخناق علي آل البيت والصحابة، وتضعيفهم بصم الأفواه، وتفريق جمعهم في الآفاق، ومنع تدوين السنة والحديث لما حوته من الوصايا الهدامة لدولتنا، وإطلاق مؤيدينا لاختلاق الفضائل والكرامات المؤيدة لصولتنا. وقد تصدرها أبو بكر لأنه القطب المنظم والزعيم المصمم، وفي مدرسته تعلمنا وبتدبيره تقدمنا وحكمنا. السؤال (4): اشرح لي مقاصدك في الشوري! لماذا سلبت الحق من الأمة وأنت الرجل المريض الطعين، وحرمتها أن تنتخب إمامها وأميرها؟ كما سلبتها بالأمس في السقيفة وجلببتها أبا بكر؟ وقد نلت منها مقاصدك وبلغت بها مآربك. وقد علمت علم اليقين أنك منتقل إلي الدار الآخرة، فكان عليك اتباع إحدي الطرق الآتية: أما كنت تعتقد بالشريعة والدين الإسلامي وكتاب الله وسنة رسوله؟ وقد غلبك هواك علي حب الدنيا، وقد نلت منها ما نلت وأنت تعترف بفضل محمد (صلي الله عليه وآله) وحقيقة وصاياه، وأوامر الله في كتابه، وقد أمر محمدا (صلي الله عليه وآله) بإبلاغ الأمة [ صفحه 432] وإعلامها عمن يستخلف بعده عقلا ونقلا. وقد علمت بأوامره في الكتاب في سورة المائدة، الآية (55): - (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) -، وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، وكما نزلت آية الابلاغ قوله تعالي في سورة المائدة، الآية (67): - (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك...) - وكان المقصود إبلاغ ولاية علي (عليه السلام) من بعده، كما في غدير خم. ومذ أطاع وبلغ وأكمل عمله نزلت آية الإكمال قوله تعالي في سورة المائدة، الآية (3): - (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) - وكما رأينا وصرح رسول الله (صلي الله عليه وآله) منذ يوم الدار، وفي جميع المناسبات أن عليا (عليه السلام) أخوه ووزيره وخليفته من بعده، وأن مكانه منه كمكان هارون من موسي، وأن من أطاع عليا (عليه السلام) أطاع رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأطاع الله، ومن خالفه خالف الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، وأنه وذريته الثقل الأصغر، وغير ذلك مما ثبت لك ذلك. وقد غصبتها من علي (عليه السلام) وآله، وحرمت الأمة منه، وأقمتها منذ الساعة الأولي باسم الدين حكومة مطلقة استبدادية، أنت وصاحبك، وأقصيتم ذوي الحق، وقربتم أعداء الإسلام، ومنعتم السنة والحديث أن تدون، وحجرتما أنت وصاحبك علي الأفكار، وحقرت أنت العلماء وحجرت عليهم، وقضيت علي مناهل العلم في العالم أينما بلغت فتوحك، فكأنك تنشر البربرية، وتعمم الجهل والظلم لا الإسلام والعلم والعدل والمساواة الإسلامية والشريعة السمحاء. وبقيت درتك تلعب علي الرؤوس، وتزداد يوما بعد يوم جبروتا وكبرياء، فتقول علي رؤوس الأشهاد بكل صراحة ودون عذر: (متعتان كانتا حلالا علي [ صفحه 433] عهد رسول الله وأنا محرمهما ومعاقب عليهما) ونصوص وسنن أخري [510] . فنسخت ما جاء به الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) لتثبت شريعتك ودينك الجديد وأنت تعترف بعلي (عليه السلام) وعلمه، ولا تستشيره مستهترا به وبكل صحابي وهم وجوم أمامك، وتلك جيوشك وعلي رأسها أمراء الأحزاب الذين يحاربون العلم والدين باسم الدين وهو برئ منهم، وقمت بما قمت مما مر تفصيله في اللوائح الماضية، وانقضت أيامك بعد أن طغي عليك الهوي، وأصبحت في حال بائس فإن كنت معتقدا بالشريعة كان عليك أن تدني ذوي الحق، وتعتذر قبل موتك مما جنت يداك، وتطلب المعذرة والغفران. وإن كنت تقول: إن الله ورسوله لم يوصيا وأنك وصاحبك أصبحتما خلفاء بإجماع الأمة، وقد علمت خلاف ذلك وأخص أنت الذي أسندها لك صاحبك، وهو مخالف الأمة والصحابة البعيدين والقريبين، وأدلي إليك بها فكنت الخليفة قهرا، وعملت ما عملت وقد وجدت الحق بجانب علي (عليه السلام) وأقررت له بذلك الحق نقلا عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعقلا لمواهبه، وقبيل موتك أعلنت لو تولاها ليقيمنها علي الحق، ومنها نعرف أنك لم تكن صاحب دين ولا وجدان وعاطفة تسوقك للصالح العام. وقد رأيناك لا زلت وكأنك لا تفكر بالدين بتاتا، ولا الصالح العام أبدا، ولا زلت ذلك المستبد وكان عليك إذا كنت لا تعترف بأمر الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وإدلاء رسول الله (صلي الله عليه وآله) بمن يتولاها، وأنت اليوم العاجز المدبر إن تجمع حولك خيار الصحابة المتقين البررة، والعلماء الخيرة، وذوي الآراء السديدة في الأمة، وتقول لهم لقد قضي الله وسوف انتقل عنكم إلي الآخرة فاجمعوا رأيكم، وانتخبوا لكم [ صفحه 434] إماما بعدي يصلح شأنكم، ويجمع أمركم، بيد نراك تسير ولا زلت باستبدادك، ولا يهمك أمر الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) ولا أمر الأمة جمعاء. وأنت أنت عمر تريد أن تعيدها عصبية جاهلية، وكأنك كنت تحسب لنفسك من العمر أمدا أطول تحكم بها البقية الباقية من القضاء البات علي آمال الأمة وآمال خيارها لعودة الحق إلي نصابه الذي أراده الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) للحكم الفصل العدل، بيد علي (عليه السلام) وآله الذي رغم تسلمك الأمر بقيت تستشمم أخباره ونواياها من ابن عمه حبر الأمة كرارا يوم خلوت بابن عباس وخاطبته وأقسمت عليه أن يخبرك، هل بقيت في نفسه ولا زالت أمنية الخلافة. وفي أخري استدرجته قائلا: يا ابن العباس إني لأري صاحبك مظلوما، ولقد كان أحق بهذا الأمر من غيرة، فأجابك: فارجع ظليمته، وقد صارحك فغضبت، وفي كل مرة تعرف وتعترف أنه صاحب ألحق. ولقد علم ابنك منك أن علي (عليه السلام) هو صاحب الحق والفرد الأليق لتسنم الخلافة، فقال لك: فما يمنعك أن تعيدها له، فتقول: لا أريد أن أتحملها حيا وميتا، ولم يجسر عبد الله ابنك أن يطيل الحديث معك. ولم يخف علي كل نابه أنك كنت تعلم أن المسلمين جميعا أخص المهاجرين والأنصار وخيرة الصحابة لو أصبحت شوري عادلة لما انتخبوا غير علي (عليه السلام)، ولم يبارحك هذا الرأي منذ اليوم الأول من السقيفة وقبلها، وحتي ألد أعداء علي أمثال معاوية، قد صرح بذلك لمحمد بن أبي بكر حين قال: إننا كنا نعرف فضل ابن أبي طالب في عهد رسول الله علينا، وكنا لا نعدوه إلا وأنه الخليفة، ولكن أول من ابتزه حقه أبوك وفاروقه، وكنا لهم تبعا. وكأنك لم تكتف بالغصب وحرمان الأمة من فضل هذا البيت، بل كنت تريد أن تقتص من الأمة وخيارها، وأخص الصحابة الذين يجاهرون بذلك، بيد لم تجسر [ صفحه 435] أكثر من أن تقصيهم، وتتخذ أعوانك من أقطاب الأحزاب عملا بينما تعلن أن الحق للأسبق للبدريين والأحديين، ثم ذوي بيعة الرضوان. وهكذا فأنت إذن تعلم ذلك فأين السابقون الذين أرسلتهم ولاة أكان ذلك معاوية، أو ابن العاص، أم المغيرة بن شعبة، أم سعيد بن أبي سفيان، هؤلاء أئمتك الذين أرسلتهم ولاة وقدوة إلي الأمصار. نعود للشوري: وكيف انتخبت من بين الصحابة عثمان شيخ بني أمية، وقد فصلت ضعفه وأنه سوف يحرم الأمة ويدني بني أمية وبني العاص، ويظل يدنيهم ويفيض عليهم حقوق الأمة من بيت المال، ويسلطهم علي رقاب المسلمين حتي تهب عليه وتقتله، ولكنك سلحته بمعاوية، وأسررت له بالأمر، وعلمت أن معاوية سيكون كسري العرب فكان!؟ ولماذا لا يكون وكل ولاتك وأعوانك من عنصر واحد ممن سار خلاف الكتاب والسنة في عهدك وبعد موتك، وأن الظالمين بعضهم أولياء بعض. أولست الذي هددت عليا (عليه السلام) يوم الشوري بمعاوية وابن العاص، وأنت تعلم أنك قد مهدت كل السبل لقهر الأمة، وإكراهها علي اتباع ما تريد في عهد خلافتك وبعدها، ومددت أعداء الإسلام بالمال والقدرة في الشام ومصر والعراق، ولم تبق غير البصرة والحجاز لعلي (عليه السلام). ولقد علمت ما لطلحة والزبير من الأيادي الضعيفة فأردت أحكامها، وخلق أنداد جدد لعلي (عليه السلام)، وإذا بك تدخلهم في الشوري لمحض أن يعتبر كل منهم أنه مساوي لابن أبي طالب، وتغوي العامة بمكانتهم، وتقلل من مقام علي (عليه السلام) الذي لا تدركه أنت وصاحبك ولا أي صحابي آخر، وبعد أدخلت سعدا صهر عبد الرحمن وعبد الرحمن بن عوف صهر عثمان، وقلت إن هؤلاء الستة لهم حق اختيار الخليفة، ومتي أجمع ثلاثة فالحق مع من كان معه عبد الرحمن بن عوف، [ صفحه 436] ومن خالف فاقتلوه. فمن أين أتيت بهذه العدالة، ومن أعطاك هذا الحق لتفرضه علي الأمة، وكيف تجبر الصحابة أن يقتل الواحد الآخر، وإذ أنت تحترمهم بأنهم من العشرة المبشرة تقرر قتلهم، وإذا أنت تقول إن رسول الله مات وهو راض عنهم تطعن بكل وأحد منهم، وتكذب نفسك بنفسك! والآن أسألك عما قام به عثمان من المنكرات، وما قام به من سلب حقوق الأمة من أموالهم، وانتخاب خليفتهم وولاتهم إن فرضنا وأن الله ورسوله لم ينصوا علي ذلك وإجماع الأمة علي عزله وقتله، وكيف أنك أنت الذي خلقت لعلي (عليه السلام) طلحة والزبير في الشوري ليحارباه بعد إجماع الأمة علي بيعته، وبعد أن بايعاه مثلك في غدير خم ونكثا بيعته حقا إنك بارع في المكر، إذ تنتخب من وسط جمهور الصحابة من المهاجرين والأنصار البررة أمثالك تهمهم الدنيا لهذه الدرجة، ويفتكون بالمسلمين وبالصحابة وخيار الأمة يقتلوهم صبرا وحربا حتي بلغ قتلي المسلمين عشرات الألوف في حرب الجمل. وهذا معاوية وإليك يحارب ماكرا خادعا خليفة المسلمين وإمامهم الذي أطبقت عليه الأمة حاربه بالسلاح الذي سلحته به وجهزته به، والصحابة القاسطين من أعوانك وولاتك مثل عمرو بن العاص والمغيرة وآل أمية في صفين وغيرها. وثالثهم إمام الخوارج، وزعيم المارقين التميمي الذي أمرك رسول الله (صلي الله عليه وآله) في حياته أن تقتله فأبيت ومثلك صاحبك حتي قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): أنها أول فتنة في الإسلام. أنت تنبأت بالشوري ومخلفاتها مختصرا لأنك قد طبقت وكنت عارفا نقاط ضعف هذه الأمة؟ وأني أسألك الله العظيم لو أوصي الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) بقهر آله وظلم أمته من بعده، [ صفحه 437] أكان هناك أعظم مما عملت بهم؟ أتعرف ما فعله عثمان خليفتك وما عملته عائشة التي جعلت بيتها قبلة الأمة تقام بها الشوري تلك التي ترأست الحزب لمناوئة آل بيت الرسالة؟ أتعلم كيف دمر آل أمية في عهد معاوية ويزيد وآل مروان المدينة ومكة؟ وكيف فتكوا بخيار الأمة؟ أتعلم يوم الطف كم زهقت فيه من الأرواح الطاهرة الزكية من آل بيت الطهارة والصحابة البررة؟ أتعلم وقعة الحرة في المدينة تلك التي استباح بها يزيد النفوس والأعراض والأموال؟ وتلاه عبد الملك بن مروان، وكيف ضرب البيت الحرام؟ وأقام المجازر في مكة. أتعلم ما فعله أتباعك في الأمصار والأقطار من السلب والنهب والقتل والفتك بالمسلمين؟ أتعرف كم حرف وزيف ودس معاوية أكاذيب علي الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) لك ولصاحبك خالقا لك الكرامات والفضائل، وغير وبدل من حقائق الحديث والسنة؟ أتعلم كم خلفت بشوراك تلك من المذاهب والطوائف والعصبيات في الأمة الواحدة؟ وخلفت بين الأخوة الذين جمعهم الإسلام أعداء يكفر بعضهم بعضا، ويستحل بعضهم دماء وأموال الآخر منذ الشوري إلي هذا اليوم وإلي يوم القيامة؟ أتعلم أنك باستخلافك لعثمان وآل أمية أوقفت روح الإسلام ونشرها في العالم؟ وبعثت فيها الضعف والوهن لما تلتها من الحزازات والعصبيات والنعرات الطائفية والقومية والشعوبية؟ [ صفحه 438] عملت كل ذلك أنت وأتباعك ووصمت بها الأبرياء ممن طالب الحق والعودة إلي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وكتابه وسنته واتباع وصاياه في علي (عليه السلام) وذريته؟ لماذا عاديت محمد وخالفت كتاب الله ووصايا رسوله في ذريته وعلي، وأبعدت خيرة الصحابة، وأحجرت علي أفكارهم، ومنعت تدوين السنة، وبدأت بنسخ نصوص الكتاب [511] . وهل علمت لماذا قام أبو لؤلؤة قاتلك بما قام سوي لما لاقوه هو وصحبه علي يدك من الشعوبية، وتفضيل العرب علي العجم، وظلمك له يوم أتاك يشتكي من ظلم المغيرة صاحبك قبيل السقيفة الذي ملكته إياه من الأسري، فكان يرهقه بالعمل فلم يجد مناصا إلا الشكوي لك، بيد وجد فيك أشد من المغيرة ظلما وتحيزا، فصدق عليك المثل كالمستجير من الرمضاء بالنار. وقد قال الشاعر: إلي الماء يسعي من يغص بلقمة++ إلي أين يسعي من يغص بماء وقال آخر: يقولون إن الملح يصلح فاسدا++ فما حيلة يا قوم إن فسد الملح فقد تظلم إليك هذا البائس الذي سلبت حريته وقد أسلم وملكته المغيرة وهو مسلم من المسلمين يستجيرك علي الفاجر الفاسق الزاني ذلك الذي جعلته واليا علي رقاب الناس في البصرة، وإذ تظلموا إليك رفعت درجته بالولاية علي الكوفة، وأجريت الحد علي المتظلمين، واليوم جاءك هذا الأسير المغلوب الذي أسلم طالبا مده بالعون تحت ظل العدالة الإسلامية، ولكن غلبتك العصبية للمغيرة [ صفحه 439] وأزدت السائل ظلما وجورا، فلم يجد بدا سوي التخلص من مؤسس الظلم فقتلك. وعوض أن تتعظ انتقمت من الأمة الإسلامية غير آبه بنص ولا سنة ولا دين ولا ضمير تؤلف الشوري علي تلك الشاكلة [512] لتقدمها لقمة سائغة إلي آل أمية دعاة الفسق والفجور، والظلم والجور، والظالمون بعضهم أولياء بعض، والله ولي المتقين. ولما تؤمن ولم توقن بالله والعدالة ويوم الجزاء، وأصول الإسلام، وأن الله سوف يحصي عليك نياتك وأقوالك وأعمالك، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم. قال الله تعالي في سورة الشعراء، الآيتان (90 و 91): - (وأزلفت الجنة للمتقين - وبرزت الجحيم للغاوين) -. فما هو دفاعك؟ أأسلمت حقا وخالفت النصوص، أم أنت كما شهدت عليك جوارحك. وإن كنت لم تسلم ولم تؤمن ألا كان حري بك أن تسلك مسلكا ينطبق مع العقل والوجدان في البر والإحسان، وأنت إذ تظلم عنادا عليا (عليه السلام) وذرية محمد (صلي الله عليه وآله) أما كان الأجدر بك أن تعطف علي أفراد المسلمين الذين يرجون عطفك وأنت أميرهم وسلطانهم لتترك عليهم بعدك من يسير بهم طريق الحق والعدالة، يوقر كبارهم وعلماءهم ويعطف علي صغارهم وجهالهم ويشملهم برعاية الراعي الحكيم، ويضمهم ضم الرؤوف الرحيم، أكان ذلك في علي (عليه السلام) أم عثمان؟ في الحسنين (عليهما السلام) سيدي شباب أهل الجنة أم معاوية ويزيد ومروان، أفي الصحابة البررة أم المغيرة ومعاوية وابن العاص أجب! [ صفحه 440] الجواب: يسكت، وينطق لسانه وتنطق جوارحه، وقد أنطقها الله. والذي خبث لا يخرج إلا نكدا. صدق الله. إن الحقد والحسد ظلا ملازمين لعمر علي محمد (صلي الله عليه وآله) وآله وعلي وذريته في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) لمزاياه وكراماته، وبعد مماته، وغصب الخلافة لما كان يجده عمر من حب المسلمين وحب الصحابة المتقين لعلي (عليه السلام) وآل بيت رسول الله، فقد توسع هذا الكره واتسعت البغضاء منه لعلي (عليه السلام) وآله إلي الأمة أجمع التي لا يفتأ عمر يود جلب انتباهها له بأعماله فيخيب فيعود عليهم بالنقمة وأية نقمة أشد من تسليطه عليهم عمدا من لا يرحمهم، أمثال بني أمية والعودة إلي الجاهلية من التنابز والبغضاء والشحناء، وتمزيقهم شر ممزق. فيعترض عمر علي أعضائه وجوارحه: لماذا شهدتم علي، فقالت: أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ. - (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيرا) - سورة النساء الآية 115. - (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا) - سورة النساء، الآية (41). - (ويوم يعض الظالم علي يديه ويقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) - سورة الفرقان، الآية (27). وأنت أيها المعترض وأنت أيها الغافل الذي ثمرتك دسائس ومختلقات معاوية وما وضعه من الكرامات للشيخين، لقد انطبقت عليك الآية (109) من سورة النساء: - (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا) -. [ صفحه 441] - (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) - سورة الجاثية الآية 21. السؤال (5): لقد تعرضت وصاحبك للسنن، ومنعت تدوينها، وقد علمنا سر ذلك فيما مر فلماذا بدأت تتعرض في أخريات حياتك صراحة للنصوص ونسخها أو مخالفتها، وكثيرا ما كنت حينما يعترض عليك تعلن أنك كنت تجهلها، وبيد نراك في بعضها تعلن صراحة أنها نص وأنها كانت معمول بها في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وأنك تحرمها وتعاقب عليها. ولم تذكر لذلك علة أو سببا أو سبب نقضها أبدا! وأنت في ذلك لم تراع كتاب الله في موارد كثيرة حينما يعلن في آياته ونصوصه منها قوله تعالي: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) - الآية 44 من سورة المائدة. وقوله تعالي في سورة النساء، الآية (14): - (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) -. وقوله تعالي: - (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) - الآية 36 من سورة الأحزاب. سورة النساء الآية 61 قوله تعالي: - (وإذا قيل لهم تعالوا إلي ما أنزل الله وإلي الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) -. سورة الرعد الآية 25 قوله تعالي: - (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) -. [ صفحه 442] الجواب: السكوت، وتنطق جوارحه وينطق لسانه: صدق الله الذي أنطقنا، فقد كنت أجهل بعضها، وكنت في أخري موقن أنها وردت بكتاب الله، بيد كنت أقصد بها غاية في نفسي. ومنها إعلاني تحريم المتعتين التي وردت إحداها في الآية (24) من سورة النساء: - (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) -. فقد قصدت بها قصدين: أولا - إني حرصت بأنها كانت في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) حلالا وكانت في عهد أبي بكر، وقسما من خلافتي حلالا، ولم أذكر لها علة أو آية ناسخة، إذ لم تكن البتة، وإن كانت لنسخت في عهد رسول الله ولم أقل إنها كانت في عهد رسول الله حلالا، فصراحتي هذه كنت أريد أري عنها نفوذ كلمتي ومداها علي الأمة، وسطوتي واستبدادي ومداه علي الصحابة، فلم أجد بينهم ناقدا غير أم سلمة أم المؤمنين، وهي تخاطبني وتقول: يا بن الخطاب لا تقل ومعاقبا عليهما، بل قل ومعاقبا عليها، وعندها أدركت أني بلغت مبلغا أستطيع أن أتقدم لوضع أغراض ونسخ ما شئت من الحدود والنصوص دون معارض، وإن بلغت بإرهابي وسلطاني درجة بالغة من الارهاب. وهذا منتهي طموحي لأري نفسي بلغت مبلغ محمد إن لم يكن بالمنطق وإلا بالقوة والارهاب. ثانيا - إني إنما تدخلت في موارد الطلاق، وأبدلت الثلاثة بالواحدة واعتبارها ثلاثا أردت التدخل في الصلات الجنسية، وخلق آثار في الأفراد من الرجال والنساء المضطرين اضطرارا لأسباب قهرية للتمتع والزواج المؤقت، وقد منعتهم عملا خارجا علي الشريعة، وتكثير الزنا، حيث سمعت عن رسول الله في علي: [ صفحه 443] لا يكرهك إلا ابن زنا أو منافق أو خبيث الأروكة، أو من حملت به أمه علي غير طهر، وقد كان ذلك، وقد استطعت أن أكثر من أصحابي المبغضين من المنافقين الأسبقين، وبعد مماتي أزدت ذلك بمنع المتعتين، وقبول الطلقة الواحدة علي الطلقات الثلاثة دون رعاية حكمتها. ولقد كان لمنعي أثرا بالغا لتكثير الزنا، واستخلاف عدد في الأمة يكنون البغض لمحمد وآله من النواصب والمعادين لعلي وآله، بل رجال ونساء ممن هم أميل للانحراف علي الأصول المحمدية، وأقرب تمايلا للخروج علي أنظمة الإسلام، والقيام بوجه ما أمرت به الشريعة الإسلامية، وأقرب إلي ما أطلبه أنا ومن تابعني في رؤيتي وسيرتي، لا يأبون المكيدة والخداع والظلم والقسوة، وأقرب إلي استباحة المنكرات وكثرة السفاح [513] . وقد جاهر به كثير من المصلحين مثل راسل الكاتب والفيلسوف الإنجليزي المعاصر مما وجده من كثرة الإجهاض والمواليد غير الشرعيين في أميركا (الولايات المتحدة) وما يخلفه هذا العمل من العقد النفسية بين المواليد الذين يصبحون رجالا للمستقبل والأبوين، وحث الدول لوضع قانون زواج مؤقت كالمتعة في الإسلام لإنقاذ ما تنتجه عمليات الصلة الجنسية في إنشاء مجموعة من رجال المستقبل يحملون عقدا علي المجتمع الإنساني، عاقبته الخروج علي الأنظمة، وأعمال تخالف العدالة والوجدان، وإحساس حقارة لا تليق به كإنسان اجتماعي متساوي في الحقوق لأخيه الإنسان. ونحن إذا درسنا علم النفس الحديث، وما شرح الفيلسوف النفساني فرويد [ صفحه 444] لعلمناكم للحالة الجنسية من الأثر العظيم في سيرة الفرد، ولما استهنا ما ورد من الحديث في علي (عليه السلام) وآل بيت الطهارة المحمدية أنه لا يكرههم إلا ابن زنا، أو جاءت به أمه علي غير طهر. وأن من منع المتعة والصلة الجنسية المشروعة فقد أبلي الناس بالزنا، وخلق لهم مشاكل نفسية وروحية عظيمة بالغة في الأهمية في السلوك الاجتماعي والأنظمة الاجتماعية، وخالف العدالة الطبيعية. (ولقد صرح بالمتعة بعض الصحابة [514] أنها كانت نعمة من الله للمسلمين حتي منعها عمر وحرمها عليهم دون عذر). (ولقد جادل عبد الله بن الزبير بن عباس جهلا علي المتعة بعد تحريم عمر جهلا، إذ أنكرها رغم تصريح عمر بأنها كانت حلالا علي عهد رسول الله فأوجز حبر الإسلام قوله مع عبد الله بن الزبير قائلا: اذهب إلي أمك واسألها، فأتي أمه واستجوبها عما نطق به ابن عباس، فلامته وعنفته وهي أسماء أخت عائشة وابنة أبي بكر. قالت إنك أنت ابن متعة، استمتعني الزبير فولدتك من متعة، ولقد سبق وأن نهيتك أن تجادل ابن عباس فإنه يفلجك بدليله، ومنه نعرف أن المتعة كانت في عهد رسول الله تقوم كثيرا مقام الزواج، ولا ينكرها حتي أقرب الصحابة القرشيين، ولم تصبح منكرا إلا بعد منع عمر لها، والذين استنكروها أغواهم الشيطان وأدخل في قلوبهم عصبية جاهلية يستنكرون بها نص الكتاب ويستبيحون الزنا ويفضلوه عليها). ولسوف نذكر فيما بعد الأفراد والحوادث وليدة السقيفة والشوري العمرية، تلك التي لها مساس مباشر علي مسيرة الأمة الإسلامية وشقائها، وما عانته من [ صفحه 445] التفرقة والتفسخ، وما حدث فيها من المذابح والمخاصمات والعداء بين الأخوة المسلمين وأوقفت المسيرة لنشر الدعوة في العالم. فمن النساء رفع شأن عائشة زوجة رسول الله بنت أبي بكر في عهد أبيها وصاحبه عمر، حيث أنها تتحدث ما شاءت، ورفع مكانها حتي كانت الشوري في دارها. ولقد عرفنا الكثير من عدائها لعلي (عليه السلام) وآل رسول الله (صلي الله عليه وآله) في الجزء السادس من موسوعتنا. ومن الرجال، خلق أنداد لعلي (عليه السلام)، أمثال آل أمية بزعامة عثمان، وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، ومن اتبع سبيلهم من الناكثين والمارقين والقاسطين والنواصب والمنافقين من صدر الإسلام إلي هذا اليوم. ومن مواليد السقيفة والشوري:

عثمان بن عفان

عثمان بن عفان من قبيلة بني أمية، وقد صاهر رسول الله كما مر [515] ، ولم يعقب له خلفا يربطه برسول الله (صلي الله عليه وآله)، ولم يحضر بيعة الرضوان، ولم يكن بدريا. ورغم إسلامه كان يحن علي بني أمية أشد أعداء الإسلام والبهم علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) أخص أقطابهم كأبي سفيان وبني العاص ومن ناصرهم. [ صفحه 446] وكان هو الآخر ممن جاهر بمناصرته للغاصبين للخلافة بعد موت رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي أصبح همزة الوصل بين أبي بكر وعمر وآل أمية، فأخلص بهم إخلاصا قربه إليهم حتي اتخذه أبو بكر كاتب سره ووزير بلاطه وأدخل زمرة آل أمية ألد أعداء الإسلام، أخص قطب الأحزاب وزعيم المشركين الذين دخلوا الإسلام كرها، وظلوا يبطنون الكفر وهم أبو سفيان وولديه سعيد ومعاوية، حتي تمكن أن يحرز لهم المقام الأول من زعامة الجيوش المحاربة لبلاد الشام. وبعد ضمن ولايتهم لدي الخليفة الأول والثاني، وأثبت خلافته لإظهار إخلاصه لهم بخصومته وقومه لبني هاشم. ومذ حضر أبو بكر الوفاة وأراد كتابة العهد وبدأه وأغمي عليه قبل أن يذكر من يستخلف ذكر عثمان وهو كاتب سره عمر، وأدرج اسمه حتي أفاق أبو بكر فأقر ما كتبه عثمان فكانت هذه أبرز ما تركت عمر يخلص له ويستخلفه بعده، ويشد عضده ببني أمية وأعوانهم كما مر. وقد مرت اللوائح الكتبية وما وجه إلي عثمان من الاتهامات وتشكلت الجلسة العلنية ليدافع عثمان عن نفسه: السؤال (1): ما الذي دعاك وأنت قد كنت صهر رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وقرابته أن تنقلب عليه وعلي آل بيته، وأنت القريب وتنتمي إلي خصومهم وغاصبي حقهم حتي وكأنك لا تمسهم بصلة قرابة، ولم يقربك إسلامك لآل بيت الرسالة، ولا يحرضك رحمك إليهم، وانقلبت بكلك إلي أبي بكر وعمر، واتخذتهم مطية لركوب الدنيا، وتسنمك وتسنم آل أمية أعداء الإسلام أرفع المناصب وتثبيت أقدامهم. وكيف تنافس عليا (عليه السلام) وأنت تعرف فضله نصا وسنة وعقلا ونقلا، ولا تستطيع [ صفحه 447] أن تباريه في خصلة من خصاله لا أنت ولا صاحبيك ولا الصحابة أجمع، في سبقه للإسلام، وفي تضحيته في الحروب، وفي طهارته منذ المبدء، وفي علمه، وفي شجاعته، وفي تقواه، وفي وصايا الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) به، وهو إمامك وخليفتك ووليك وولي كل مؤمن. وقد بايعته بأمر الله وبأمر رسوله (صلي الله عليه وآله) في غدير خم، وقد سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول إنه منه بمنزلة هارون من موسي، وبالرغم أنك لم تحرك قدما لنصرته كنت أشد أنداده، والغاصب الثالث لحقه، والمعاند الأول له ولذرية الرسالة. وأنت الذي قبلت من عبد الرحمن بن عوف أن تصبح خليفة علي كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين، فنقضت العهد، ومن هو عبد الرحمن وسعدا حتي ينتخبوك، رغم خيار الصحابة وعلماء وأحرار الأمة، حتي تقول: إن الله جلببني بالخلافة فلا أنزعها. وأنت الذي بعدها خرجت علي الحدود والنصوص والسنن، وخرجت حتي عن طريقة الشيخين قبلك فآويت الملاعين ممن طردهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأغدقت عليهم بالعطايا والمناصب في قولك: الأقربون أولي بالمعروف، فكأنهم لم ينتموا إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله)! وأنك أعلم منه أو أنك لا تمت إلي بني هاشم بقرابة حتي يحظوا منك بالقربي، وعشت عيشة الملوك، وتخلقت بالعنف والكبرياء، واتخذت وزراءك ومشاوريك وعمالك من أفسد آل أمية وآل الحكم وأوترهم وأبغضهم وأشدهم خطرا علي الإسلام. واتخذت بيت مال المسلمين وحقوقهم، وما يجبي من الصدقات والخمس والفئ لهباتك وهداياك، فسرت سيرة الملوك الغابرين، بل وأشدهم ظلما ونكاية واستبدادا بالأمة، لا تردعك نصوص الكتاب ووصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسننه، [ صفحه 448] وصرخات المظلومين وآهات المتظلمين، وإرشاد الصحابة. وأنت تسلط قومك وغلمانك والمنافقين من أتباعك علي رقاب الأمة، تفعل ما تشاء بنفوسهم، وأعراضهم، وأموالهم، فيتخذون أموال المسلمين دولا ونفوسهم خولا، ودينهم دغلا، تعمل ذلك بعد طول العمر، وتقضي السن وانتكاس الحال ناسيا صحبة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ووصاياه، وكتاب الله في أهله وصحبه، للابتعاد عن المنافقين والفاسقين الملاعين المطرودين بأمر الله والمبعدين بأمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) [516] . ألم تعلم أن فدكا نحلة رسول الله (صلي الله عليه وآله) لابنته فاطمة (عليها السلام)، وقد غصبها أبو بكر باختلاق ذلك الحديث، وذاع كذبه إذ ناقض نصوص الكتاب ولم يؤيده أحد وأعاده ومزق كتابه عمر، ثم أعاده عمر في عهده مصدقا كذبه، وكذب صاحبه واليوم أتيت في عهد خلافتك تغصبها من آل رسول الله (صلي الله عليه وآله) لتقدمها إلي الطريد اللعين مروان، وقد شهد عليك وعلي غصبك عمرو بن عبد العزيز حفيد مروان يوم أعادها لأهلها في عهده، ثم غصبت فأنت إذن: 1 - غصبت كالشيخين منصب خلافة رسول الله (صلي الله عليه وآله) من صاحبها الشرعي، وقد علمنا من خالف عليا (عليه السلام) خالف رسول الله (صلي الله عليه وآله) وخالف الله، ومن آذاه وأهانه فقد كفر، وقد فعلت أكثر من ذلك حتي نفيته إلي الينبع، ثم استدعيته لمصالحك، ثم نفيته كرارا. 2 - خرجت علي حدود الكتاب ونصوصه وسنن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، كما مر وذكرنا ذلك في اللوائح المتبادلة فيما مر. [ صفحه 449] 3 - إنك ابتدعت أمورا كثيرة، وسننت سنة تخالف الشريعة اتخذها بعدك بنو أمية. 4 - إيواؤك طرداء رسول الله (صلي الله عليه وآله) الذين نفاهم ولعنهم، وإسناد أعظم المناصب لهم، وتسليطهم كرها علي الأمة، وخيار الصحابة. 5 - هباتك وتصرفاتك من بيت المال، وسلب حقوق المسلمين المعوزين لتقدمها إلي غير مستحقيها لخزنها واستعمالها ضد سلامة الأمة الإسلامية. 6 - ضرباتك الماحقة بيدك وبيد عمالك الفسقة للأمة، وأخص الصحابة البررة، وكل من تظلم إليك أو نصحك وأرشدك. 7 - توبتك وعودك باشد مما كنت، ثم تكفيرك جميع الصحابة والمسلمين، وطلب العون من عمالك أخص معاوية للقضاء عليهم. 8 - طلب اعتزالك للخلافة بعد ثبوت منكراتك واعترافك بها، وقتلك للصحابة الذين يريدون إصلاح شأنك، وعنادك علي عدم تسليم القاتل. 9 - إجماع الأمة علي خروجك علي حدود الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، وأنك كفرت واستحلال دمك، وبعد عدم جواز دفنك في مقابر المسلمين، بل في مقابر اليهود بحش كوكب. 10 - لماذا أبيت عن اعتزال الخلافة بعد أن أجمع المسلمون، وأقررت بأخطائك وبقيت تصر: لا أنزع جلبابا جلببني به الله. أحقا كنت تعتقد بأن الله جلببك إياه وأنت تخرج علي كتابه وسننه وترهق أحباء الله، وتكرم وتقرب أعداءه، وفي جميع أعمالك محادد لله ولرسوله، غاصب لخليفته، منكر لولايته وإمامته، وقد علمت ما قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية. [ صفحه 450] وأنك وصاحبك الذي نصبك والذي نصبه كل منكما عملتم بأعظم من ذلك، فقد عرفتم إمامكم، وبايعتموه بالولاية في غدير خم، ونكثتما بيعته، وهددتموه بالقتل بعد الغصب والزجر والإهانة، ولم يقم الأولان إلا بمعاضدتك ومعاضدة قبيلتك المبطنة للكفر المنافقة وأن المنافقين والظالمين والكافرين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين، وقد خدعتم الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) والله خادعكم، وقد مدكم لتزدادوا إثما، فما هو جوابك. الجواب: وإذ لم يجد رد يسكت: فتنطق بالحق جوارحه، وينطق لسانه، حيث أنطقها الله: لقد أغوياني أبو بكر وعمر، وغلبني هواي، وحسن لي الشيطان كل ذلك، ولقد كانت بعد رسول الله كل أعمالي سلسلة مترابطة، ولقد احتف بي بنو أمية، وأحسست أن الدنيا تقبل علي، وخادعتني نفسي، واستوزرني أبو بكر وعمر فآزرتهما، وانقدت مغلوبا علي إرادتي، وضيعت ما احتفظت به من مكرمات الإسلام. وقد كنت فخورا بزواجي من ابنة محمد فأنا صهره القريب، حتي إذا ماتت زوجتي تزوجت أختها، ولم أحصل منهما علي ولد، وماتت الثانية وإذا بي أحس نفسي بعد المصاهرة بعيدا، وأحسست وكأن جميع المحاسن والمكرمات تجمعت في علي، وحرمت من كل واحدة منها، وإذا بعلي يصبح صهر رسول الله، وأبو ذريته، وخليفته، ووزيره. كل تلك كانت تحز في نفسي ولا أقدر أن أنطق بها، وإذا بي أنظر إلي آخرين مثلي يحملون نفس الروح والعقيدة والحقد والحسد لمحمد وعلي وذريتهم الذين هم علة العلل في ما نحس به من العقد النفسية، وهذه هي التي قربتني من أبي بكر [ صفحه 451] وعمر، نعم هي حس المحرومية قد أبعدتني عن محمد وعلي وآله. وكلما طال الزمن وزدت سنا وجدت نفسي وقد انطبق علي المثل: إذا شاب المرء شابت معه خصلتان الحرص وطول الأمل، فقد أعاناني أبو بكر وعمر، وأعانا قبيلتي وهم آل أمية الذين أكرهوا علي دخول الإسلام، فدخلوه كرها، وهم يحملون نفس الكفر والفسق والعداء للإسلام، وقد تملكهم رسول الله جميعا في فتح مكة، وأطلقهم منة منه حيث قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وإذ كنت أسبقهم وأبرزهم ولكن لا زلت أحن إليهم، احتفوا بي ففتحت جناحي، بيد رغم احتفائهم بي لم أجدهم إلا أهل دنيا، ولا زالت تتملكهم كل عصبيات الجاهلية. ولكم خاطبني أبو سفيان ووجدت في لحنه الكفر، ومثله العاص وولده، بيد كنا نحن الواحد للآخر خليلا، تركت لهم قيادي منذ دخولهم بعد الفتح كمسلمين، ولم يخف علي أبي بكر ولا عمر ما يضمرون، فهم أهل دنيا وحسب وقد وجدوها في وفي صاحبي فطأطأوا راضخين، واستغلوها بما لديهم جشعين فكانوا أنصارا مطيعين، ونحن أمراؤهم نسندهم ويسندونا، إذ لم نجد ملمسا في غيرهم من الصحابة المهاجرين والأنصار، ورغم أن القوة والشكيمة أصبحت بأيدينا، وأمراء الجيوش وولاة الأمصار تحت سيطرتنا كانت تغلي بواطن الصحابة ومجموع الأمة علينا بأننا غاصبين وخائنين. وكنا نحس كل ذلك منهم مما وجدنا ولا مناص إلي إبعاد من كان يوالي محمدا وعليا وآله، والضربات القاصمة علي عاتقهم، وحرمانهم ما أمكن من المال والمقام، وإحلال أندادهم محلهم كان ذلك، ولا مناص وإن نحن قصرنا عن ذلك ورفعنا الضغط قليلا لعادت محمدية وعاد علي وأبناؤه وذرية محمد وكشفوا عن كل أعمالنا وغصبنا، ولأصبحنا أقل مما كنا في عهد رسول الله جنودا مستحقرين. إذ قد جرب رسول الله وأعلن للجميع في عدة مناسبات منها في الحملات أننا [ صفحه 452] لسنا أهل شجاعة وتضحية، وفي المصاهرة لم نجد حظوة، فلم يشأ الله أن يقرن زواجي من بنتا رسول الله بعقب [517] ، كما لم نجد عائشة ابنة أبي بكر ولا حفصة ابنة عمر قد رزقتا بوليد تحفظا به صلتهما بآل رسول الله. ولم نحظ بسابقة مشرفة إذ كان كل واحد منا مشركا في مبدئه، ولا تضحية للذب عن دين الله وعن رسول الله في جهاد دون إدبار، أو أمر بمعروف ونهي عن منكر، ولم تكن لنا دراية عن كتاب الله ودينه، وعلم في الفقه، وتضلع في الرأي في عهد رسول الله ليتخذ منا هداة. فلم يبق لنا إلا اغتنام الفرصة، كما اغتنمها أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فكانت كل تلك لنا من الفرص العظيمة التي استبحنا بها ما استبحنا، وكأنها تدوم فمرت وكأنها لحظات خيال خاطرة، وسكرات حالم عابرة مرت سريعة وبقت آثامها. وأني الآن أقر بكل ما مر، ولكني لم أكن سوي أداة، وما جرمي سوي اتباع أثر أبي بكر وعمر، واتباع سيرتهم، ولست مؤسسا لكل ذلك لا في السقيفة، ولا في الشوري، بل كنت عاطفيا أصبحت ألعوبة الأهواء، ومطية لذوي العداء والاغواء، أسير من يد ليد، مغلوب ومقهور، فلا أكاد أتوب حتي أولاني الشيطان بعصبته وعصبتي، وأثار في ما أنسي مروتي فأعود إلي كبوتي، وأعرض عن توبتي، يزين لي القبيح حسنا، والجميل نتنا، ناسيا ما تعهدت في ذمتي، ومجانبا لمن توددت في توبتي، مكررا طيشي حتي زالت هيبتي، وظهرت للقريب والبعيد زلتي، وأحاطت بي بعد العزة ذلتي، خانني المشاورون، وتجنبني المحاذرون، كنت لرسول الله صحيبا، فوسوس لي الشيطان فملت له حبيبا، وعملت بأمره مجيبا. فوا أسفاه علي دنياي وواحسرتاه علي عقباي. [ صفحه 453] السؤال (2): ما الذي دعاك أن تغير ما تعهدت به لعبد الرحمن بن عوف حين عرض عليك الخلافة قائلا: أبايعك علي كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين، وقبلت منه ذلك. الجواب: الحق أن كلمة عبد الرحمن وطلبه مني ذلك كان فيه تناقضا واضحا، فهو حين عرض علي علي أن يبايعني علي كتاب الله وسنة رسوله كانت هي الأساس وهي الأصل، وحسب وإن كان مسلما حقا ما كان له أن يطلب مني اتباع سيرة الشيخين، وهو صحابي عرف أن الشيخين لا يجوز أن تكون لهم بعد كتاب الله وسنة رسوله سيرة تميزهم. بيد هو الآخر من خرج بعد وفاة رسول الله عما أمر به الله ورسوله في خليفة رسول الله المنصوص في الكتاب والسنة وهو علي بن أبي طالب، كما مرت أسانيده [518] . وكلما جاء بعد موت رسول الله كان خروجا علي الكتاب والسنة وهي سيرة الشيخين، بدأت بغصب الخلافة، ونكث البيعة التي بايعا عليا في غدير خم بأمر الله ورسوله، وبعدها كل عمل بني علي الباطل باطل وبنو سيرتهم كلها علي مناوأة رسول الله وآله وصحبه البررة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، واتخاذ أعدائهم اتباع ومنعوا سنته عملا حتي من التدوين، وهي دائرة المعارف الإسلامية وهي المفسرة لكتاب الله، وبذلك حرموا الأمة من الحقائق، وأزلوها عن الطريق. [ صفحه 454] وكل منهم قام باسم الدين محاددا لأصوله وقواعده، ومتبعا رأيه، تلك هي سيرتهم، وقد اتبعت سيرتهم حذو النعل بالنعل، وفعلت ما فعلوا، وسلكت ما سلكوا، واتبعت أهوائي ورأيي. السؤال (3): إنك جئت بما لم يجئ به أبو بكر وعمر. فأنت أويت طرداء رسول الله (صلي الله عليه وآله) الملاعين العاص وآله، وقربتهم حتي أغدقت عليهم بأموال المسلمين، واتخذتهم دون الصحابة المقربين وزراء وولاة وأمراء علي رقاب المسلمين، ومثلهم آل أمية. الجواب: إن الحقيقة، أن الذي قرب آل أمية هو أبو بكر وعمر، وهو الذي استوزرني، وهو الذي قلد أولاد أبي سفيان إمارة الجيوش، وجعلهم ولاة في أحسن البقاع المفتوحة وهي بلاد الشام، وتركهم أبو بكر مدة حياته، وجاء عمر واستمر علي سيرته، مسندا لمعاوية حتي سماه كسري العرب، وأبقاه رغم صرخات الصحابة بأن الرجل خارج علي الدين، وأيده بخالد بن الوليد وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، وكان دائما يستقدمهم ويختلي بهم ويعززهم. ألم يكن أبو سفيان وبنيه من الطلقاء ورؤساء الأحزاب الذين دخلوا الإسلام كرها. ألم يكن بين الصحابة المقربين من المهاجرين والأنصار من هو أقرب سابقة بالإسلام، وأعلم واتقي وأقضي وأشجع من هؤلاء الذين انتخبوهم ولاة للمسلمين. بل نجد عهد أبي بكر القصير يتخذ أمثال عمر وخالد بن الوليد وأبا سفيان وولده [ صفحه 455] علي رقاب المسلمين، وأما عمر فعدي أنه يعمل نفس العمل يحجر علي خيار الأمة من الخروج إلا بإذنه، ويلجم أفواههم ويحجر علي أفكارهم، فلا يحق لأحدهم أن ينبس ببنت شفة، ويطلق أتباعه بما شاءوا، يقول قولا إن الحق للأسبق والأقدم والأتقي، فالبدريون أحق من الأحديين، وهؤلاء أحق من تلاهم، بيد نراه يقدم الطلقاء وأتباعهم علي خيار الأمة، وبالتالي يستمر علي منع تدوين السنة، حتي بلغ به الأمر إلي توقيف نصوص الكتاب، بل صرح بمنعها دون عذر وعاقب من خالفه [519] . فكلنا سرنا نفس المسير، وكل اتبع رأيه، وهو المقدم، وأما الكتاب والسنة فهي سائرة ما دامت لا تمس بمصالح أحدنا، ومتي مست فرأينا هو المتبع، ولم يعترض علي أبي بكر في غصبه الخلافة، ومعاملاته المعادية لآل رسول الله، وغصب فدك، ومنع الخمس، وقتل المسلمين بيد خالد لتوقيف الخمس، وتسليمه إياه لأنهم كانوا يعرفون غيره الذي نص عليه رسول الله، ولم يأخذوا باستبداده بالأمة، ومخالفته للصحابة وعهده استبدادا إلي عمر، ولم يعترضوا علي عمر علي ما مر من مخالفاته للكتاب والسنة، وحجره علي الخيرة، وترك القيادة والولاية لأشرار الأمة، وهو الذي أيد آل أمية، وهو الذي جاء بهم وبآل العاص. وتلك أحاديثه معي: إني لأعلم أنك ستكون خليفة وستقرب آل أمية وآل العاص وآل بني معيط، وتسلطهم علي رقاب الناس وأموالهم، وهو الذي أيدني بمعاوية وبغيره، وهدد بهم عليا أن لا يطمع بالخلافة، وليس لي ذنب سوي اتباعه، فهو المؤسس، وهو الذي قلدني الخلافة، كما قلدها أبا بكر في السقيفة، وأبو بكر هو الذي عهد له فهما مؤسسان السقيفة، ومؤسسان الشوري، ولست سوي أداة. [ صفحه 456] أعترف بأني خرجت عن الصواب باتباعهم، وأني كنت ضعيف الإرادة، قصير النظر، مأخوذ بالمكر والخديعة، غلبني هواي، وأغواني الشيطان، وحرفاني أبو بكر وعمر وأصبحت ألعوبة لأهوائهم وأداة لأغراضهم، واتخذني بنو أمية مطية لإسناد مقامهم، وبلوغ مآربهم. السؤال (4): إنك كنت تقول لعلي (عليه السلام) أتأخذ علي أني وصلت رحمي، وأشبعت جائعهم، وسددت خلتهم، وآويت طريدهم، وقد علمت أن الله قال في سورة التوبة الآية (24): - (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتي يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) -. والآية (60) من سورة التوبة: - (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) -، تبين فيمن يجب أن تعطي الصدقات التي تقدمها لأقربائك ومثلها آية الخمس والغنائم. وكنت تعلم أن بني هاشم هم أيضا من القريبين، وهم أرحامك، وقرابتك، وأنهم أقرب إلي رسول الله منك، وقد وجدت مثل عقيل بن أبي طالب ابن عم رسول الله (صلي الله عليه وآله) مكفوف البصر مدانا مرهقا. ووجدت أن أبا بكر سلب منهم فدك، واستعادوها بعد التي واللتيا، وإذا بك تسلبها وتقدمها هدية صغيرة إلي مروان طريد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وملعونه، وتعرف أن أبا بكر وعمر منعوا الخمس عن آل رسول الله (صلي الله عليه وآله) المحرومون من الزكاة والصدقات، والجميع في فاقة، وأنت تقول: أصل رحمي وهؤلاء أيضا رحمك [ صفحه 457] وقرابتك، فلماذا لم تصلهم. وهم أسبق للإسلام والذين عاضدوا رسول الله (صلي الله عليه وآله) في الشدة بينما حاربته قبيلتك وآل أمية. الجواب: الحق، أني وجدت اتباع سيرتي أبي بكر وعمر في تضعيف بني هاشم وتقوية آل أمية، حتي لا تقوم قائمة لبني هاشم، وينازعونا الإمارة، وفي هذه اللحظات أعترف وأقر بأني لم أتبع كتابا ولا سنة أبدا، إذ لو كان ذلك لعدت وتغلب فيما بعد ديني، وما غيرت، والحقيقة أننا كلنا اتخذنا سيرة خالفنا بها كل ما جاء في الكتاب والسنة، وكأن قلوبنا ما كانت تريد أن تصغي وتنصاع للحق، وكم اجتمع بي علي بن أبي طالب وذكرنا بحقائق اعترفت بها، بل ما كانت تمس قلبي حتي تعود دون أن تدخله. كان هناك حائل بينهما، ولكم كانت حجته قوية علي حتي لأقف مبهوتا لا أحير جوابا، ولو أجبت بانت علي العصبية الجاهلية فأسكت مرة وأحيد أخري، ولكم تقبلت إرشاده، وانصعت إلي نصائحه، وأخذ مني العهود والمواثيق أن أعمل بكتاب الله وسنة رسوله، بيد ما أن عدت وخلوت بعصبتي من آل أمية وآل الحكم إلا ورأيت شباك الشياطين تحيطني، ومكائد إبليس تزيغ فؤادي، فأنكث العهد، وأميل مرة ثانية، حتي وكأني ما عاهدت، ولا تبت. وأشهد أني أنكيت بالمرشدين، واعتديت علي الناصحين من خيرة الصحابة، وإمام المتقين مكيلا لهم بالشتم، وأخري بالضرب، وثالثة بالقطع والنفي والتبعيد، وحتي القتل كأني لست عثمان ذلك الصحابي الذي صحبت رسول الله، وتلقيت منه أجل النصائح، ووعيت كلام الله وأحاديث النبوة، وكأني لم أكن يوما مقاطعا قومي المشركين من قريش، ولم أكن بين الإخوة من الصحابة. أنا اليوم غيره بالأمس، تمنيني الحياة، وتغريني ملذاتها، وقد استكبرت [ صفحه 458] مقامي، واستصغرت مكانة أقراني وإخوتي المؤمنين، وخرجت عليهم وعلي حججهم بالقوة والنكال، ونسيت أو تناسيت التقوي والزهد، والتضحية في سبيل الله، والغلبة علي أهواء النفس، فسرت حيث سار بنو أمية، وحططت حيث حطوا، وحيث شاء أبو بكر وعمر سائرا علي هداهما متخذا منهم لي قدوة، ولم أتعظ بالماضي ولم اعتبر بالمقبل. أزلوني الطريق وزينوا لي الخرق السحيق، كأنما ليس هناك كتاب منزل ولا رسول مرسل، ولا عدالة وحكمة أو ثواب، ونقمة، أحاسيس الدين والضمير جامدة، وأهواء النفس سائدة، لا سنة تذاع، ولا نص يطاع، حتي حق علينا قوله تعالي في سورة النحل، الآية (118): - (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) -. السؤال (5): وما دعاك أن تغدق علي صحابة دون آخرين، فتملئ خزائن عبد الرحمن بن عوف وسعدا بن أبي وقاص وطلحة والزبير، وتقاطع عليا (عليه السلام)، وكلهم نقباء الشوري، وتقاطع الصحابة الآخرين، أمثال ابن مسعود، وعمار وأبا ذر وأضرابهم، وتصل زيد بن ثابت وأضرابه. الجواب: أما أعضاء الشوري فقد ساواهم عمر معي في الأقران، ورفع منزلتهم والمكان، فكنت أغدق عليهم ليرفعوا مقامي، وكلما قدمت لهم طلبوا المزيد، وهم يكنزون مال الله كنزا ولا يسد جشعهم منه ثراء وعزا. ولكن عليا أجل أن يقبل رشوة، ويطمع بلقمة، فهو أزهد وأتقي، وأعلم لمن يجب أن توزع هذه الثروة، ومن أحق بها فأثرته إثرة المعوزين، ورضاه باتباع [ صفحه 459] سنن سيد المرسلين، لا يغويه المال ولا يخدعه المنال، وعلي وتيرته ذوي الفضل والكمال من الصحابة. فكم قدمت أنا وولاتي لابن مسعود وأبي ذر وعمار وأضرابهم من بيت المال فأبوا إلا العدالة والمساواة، وإرجاع الحق إلي نصابه، كما نزلت به الآيات، فلم نجد غير القوة حجة ودليل، والزجر والنكال سبيل، فأقمناها كالجبابرة السابقين، فما أغنتنا والعاقبة للمتقين.

عائشة

إحدي أمهات المؤمنين، ابنة أبي بكر. مر ما يلزم ذكره عنها في الكتاب الخامس والسادس من هذه الموسوعة. تزوجها رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد خديجة الكبري، فأشعلت نار الفتن في بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله)، مكونة لها حزبا نسويا، وقد ضمت إليها حفصة ابنة عمر كانت مثار القلق لرسول الله (صلي الله عليه وآله) في بيته، ومصدر النزاع والشجار، والذي يراجع ما أنزل الله في نساء النبي من الآيات، مهددا ومنذرا [520] بطلاقهن جميعا، وموصيهن بالحجاب [ صفحه 460] والقرار في بيوتهن وموعدهن بالجزاء المضاعف لمن أحسن أو أساء منهن. وقال مثله في امرأة نوح وامرأة لوط اللتان كانتا تحت عبدين صالحين، واستحقا الخلود في جهنم لخروجهن علي وصايا الله ورسوله. وقال في امرأة فرعون التي كانت تحت ذلك الجبار الكافر وكيف أعطاها الجنة. ثم نعود إلي ما مر وذكرناه بأسانيده في الأجزاء الماضية من الموسوعة ومناوأتها في بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) لرسول الله (صلي الله عليه وآله) وتكذيبه يوم حضر أبو بكر بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ووجد خصامها، وإذ أراد رسول الله (صلي الله عليه وآله) القول، قالت له: أصدق، فلطمها أبوها حتي أدماها، إذ كان ذلك إنكار منها لنبوته وطهارته ورسالته، وإن سكت أبو بكر فقد جرها للفرقة وكانت ضربته انتصارا لها ولنفسه. وتحذير رسول الله (صلي الله عليه وآله) لها من كره علي حين وجد منها ذلك، وقوله لها: إنه لا [ صفحه 461] يبغضه إلا منافق وفي أخري كافر، وقد مر بأسانيده عن عائشة نفسها إنها هي التي روت الحديث، واعترضوا عليها بيد ما أسرع أن اعتذرت أنها ناسية، وقد كذبت إذ كانت أم سلمة ذكرتها قبل سفرها إلي البصرة في حرب الجمل لإقامة الفتنة بين المسلمين، ذكرتها بوصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) بقرارها في بيتها. وذكرتها أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال لهن: إن عليا خليفته يوم جاء أبو بكر وعمر يسألانه عمن يخلف، فقال (صلي الله عليه وآله): خاصف النعل. وذكرتها بأن كلاب حوأب ينبحانها، وذكرتها بكل شئ ومنعتها، بيد أصرت وذهبت ودخلت مع الرجال المحرم عليها دخولها معهم، وقامت معهم بالمكائد والخدع والاستيلاء علي البصرة، والأمر منها بقتل الصحابة والمسلمين صبرا ثم دخولها الحرب، وفي وسط المعركة بهودجها محرضة الإخوان المسلمين بقتل إخوانهم، حتي انتهت الحرب، واندحر جيشها، وعندها بكت، وقالت: تبت، ولكنها عادت إلي عدائها لعلي (عليه السلام) وبنيه آل رسول الله (صلي الله عليه وآله)، آل الكساء الطاهرين الأزكياء، موالية آل أمية، فرحه يوم وقع سيد الأوصياء، وخليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي (عليه السلام) بالمحراب شهيدا بيد أشقي الأشقياء، متمثلة بأبيات شعرية: وألقت عصاها++ واستقر بها النوي حتي زجرتها الحاضرات وظلت تسند معاوية ومناوأة لآل البيت ومساندة لآل أمية حتي مات الحسن السبط (عليه السلام) سيد شباب أهل الجنة ريحانة رسول الله (صلي الله عليه وآله) فمنعت دفنه في بيته مدعية أنه بيتها، وهي لها الثمن من التسع، مما ترث من رسول الله (صلي الله عليه وآله) والباقي ثمانية أسباع لفاطمة الزهراء (عليها السلام) أم الحسن والحسين، وركبت بغلتها بقيادة مروان بن الحكم لتمنع من دفن الحسن عند جده. وظلت هكذا حتي أعلنت قبيل موتها أن لا تدفن عند مرقد رسول الله (صلي الله عليه وآله) لأنها أحدثت أحداثا بعد موته، وعندها اعترفت بكل تلك الأعمال الجسام والرزايا [ صفحه 462] والمحن التي جرتها علي المسلمين زمن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وبعد وفاته. وأشهد الله أنها من السعاة لغصب الخلافة العلوية ومن السعاة بعد موت أبيها لإدامة الغصب، وفي الشوري العمرية إنما جعل عمر الشوري في بيت عائشة ليحكم مقامها وتكون ناظرة علي أعمال الشوري، وكان لها اليد في أسناد بني أمية [521] . فهي قد أشادت بعثمان في أبان خلافته ورفعت له أحاديث، ثم وجدته خالفها في بعض الموارد وقلل مما كانت ترجوه أو بالأحري طمعت بالخلافة لتيم لابن عمها طلحة فحرضت علي قتل عثمان صارخة علي رؤوس الأشهاد أنه كفر قائلة: اقتلوا نعثلا، قتله الله، ومؤيدة طلحة ابن عمها والزبير زوج أختها، أولئك الذين خلفهما عمر في الشوري إندادا لعلي (عليه السلام) حتي قتل عثمان، وبويع علي (عليه السلام) بإجماع الأمة، وما كادت تعلم بقتل عثمان صرخت قائلة: أبعده الله، ثم قالت: إيه باين عم إيه يا ذو الأصيبع كنية لطلحة، بيد سرعان ما عادت حينما سمعت أن الذي أجمع عليه المسلمون إنما هو علي (عليه السلام)، قالت: ليت السماء انطبقت علي الأرض، وكأن السماء أطبقت علي رأسها وصرخت: أعيدوني إلي مكة لأنها كانت تريد المدينة، وأردفت لقد مات عثمان مظلوما، والله لأطالبن بدمه. أنظر إلي هذا المكر، انظر إلي هذا العداء منها لآل رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ولوصي رسول الله (صلي الله عليه وآله) الذي روت هي نفسها أن مبغضه كافر، أهناك أعظم من هذه الشهادة من إقرارها علي نفسها وذويها وصحابتهم، وعادت تحاربه وتلقي الفتن [ صفحه 463] وتأجج الحروب العوان، وتجمع آل أمية أندادها بالأمس الذين حاربتهم لتحارب المسلمين الذين أسندوها علي عثمان متهمة الأبرياء علي قتل عثمان الذي قتلته هي وطلحة والزبير، وقد سببت بذلك هي نفسها وبأمرها قتل الألوف صبرا، وعشرات الألوف في الحروب الطاحنة ذهبت ضحيتها مئات الصحابة البررة وعشرات الألوف من المسلمين. هذه عائشة اليوم تقف موقف المتهم لترد علي اتهاماتها أمام العدل الإلهي: السؤال (1): المتهم الأول من النساء والرابع من الحاكمين: لقد مرت اللوائح السابقة ووجهت إليك التهم أعلاه، وهي: 1 - إثارة الفتن في بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وإحداث القلاقل عليه، وتلك الآيات والأحاديث شاهدة. 2 - تكذيبك رسالته بتكذيبه يوم حضر أبوك الخصام قائلة لرسول الله (صلي الله عليه وآله): إذا قلت فأصدق، فصفعك أبوك حتي أدماك. 3 - عدم اتعاضك بالآيات الجمة التي نزلت بإطاعة الله وبإطاعة رسوله وإطاعة خليفة ووصي رسول الله (صلي الله عليه وآله). 4 - بغضك لمن أحب رسول الله (صلي الله عليه وآله) من آله وبنيه أخص عليا (عليه السلام) وأولاده وزوجته آل الكساء، أولئك الذين نزل في مكارمهم ربع القرآن. 5 - دسائسك في غصب الخلافة، وأنت في رأس النساء اللاتي حضرتن غدير خم، وبايعتن وهنأتن عليا (عليه السلام). 6 - الكذب علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) في روايات وأحاديث، وأنت تعلمين ما قاله رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن من كذب عليه فليتبوأ مقعده من النار، وقول الله تعالي: - (ومن [ صفحه 464] أظلم ممن افتري علي الله الكذب وهو يدعي إلي الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين) - سورة الصف، الآية (7). وقوله تعالي: - (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم...) - سورة النساء الآية (115). وقوله تعالي: - (وإذا قيل لهم تعالوا إلي ما أنزل الله وإلي الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) - سورة النساء، الآية (61). وكذلك قوله سبحانه وتعالي: - (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) - سورة النساء، الآية (145). 7 - إنحيازك لخصوم رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي آخر حياتك. 8 - إثارتك حرب الجمل علي علي (عليه السلام)، وقد علمت أن عليا (عليه السلام) هو خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) بنص الكتاب ونص رسول الله (صلي الله عليه وآله) كما مر، وأخص بعد مقتل عثمان بإجماع المهاجرين والأنصار وجميع نقباء المسلمين وخيارهم، ومن كان في المدينة والأمصار حتي طلحة والزبير. 9 - سببت قتل طلحة بيد مروان والزبير وابن طلحة وخاب أملك من تيم، ولم يبق لك أمل سوي بأخيك محمد بن أبي بكر، ذلك المؤمن ربيب علي (عليه السلام)، ولقد وجدت نفسك بعد الاندحار الفظيع كيف عاملك سيد الوصيين وخليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) أمير المؤمنين عليا (عليه السلام)، وكيف عامل المسلمين وغض عنك، وأعادك معززة مكرمة إلي بيتك لمحض أنك تمسين رسول الله (صلي الله عليه وآله) كزوجة في حياته، وأشهد لو كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) حيا لأخرجك من أمهات المؤمنين، ولقاصصك قصاص القاتلين المجرمين المحاددين لله ولرسوله القاتلين عمدا لأخيار الصحابة والمسلمين، والملقين الفتن بين الإخوة والأمة الواحدة، والمحاربة إمام زمانك المحاربة لله ولرسوله، وبشهادتك وحديثك عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن من [ صفحه 465] خرج علي علي (عليه السلام) وحاربه خرج علي الله وعلي رسوله، وأنك تنطبق عليك الآية التي تطبق علي المفسدين الكافرين المشركين الساعين في الأرض فسادا، والخارجين عن المقر الذي أمر به الله ورسوله، وأشهد أنك لم تتوبي كما زعمت، بل بقيت معادية لله ولرسوله ولذويه ولخليفته، ومناصرة لأعدائهم إلي أن قضي الله بأمره وانتقلت إلي الدار الباقية. 10 - أسندت آل أمية في كل الأدوار حتي عهد أباك وعمر وفي عهد عثمان حتي مات، وأنت المفتية بقتله، عدت تسندين آل أمية وتطلبين من الأبرياء بثأره، وتسندين مروان ومعاوية، فانتقلت مع الناكثين لعهدهم بعد بيعة علي (عليه السلام)، ثم انتقلت إلي القاسطين في المدينة والحجاز تشدين أزرهم حتي قتل علي المرتضي مؤيدة معاوية، وقد وجدت أنه قتل أخاك محمد بن أبي بكر وحرق جثته وسم أخاك الآخر عبد الرحمن بعد أن صغره وحقره وأرغمه علي بيعة ابنه يزيد، ذلك الفاسق الكافر الذي قتل خير خلق الله واستباح المدينة ومكة. تهللت بشرا بمقتل الإمام علي (عليه السلام) بأبياتك الشعرية فرحا، ووقفت وقفتك الوقحة مع والي معاوية علي المدينة ذلك مروان اللعين طريد زوجك رسول الله (صلي الله عليه وآله) لتمنعين جثة ريحانة رسول الله (صلي الله عليه وآله) سيد شباب أهل الجنة أن يدفن جنب جده في بيته، وهو صاحب الحق راكبة البغلة تجرين وراءك آل أمية في مدينة رسول الله (صلي الله عليه وآله) تمنعينهم من حقهم حتي بعد الموت وتغضبين المفجوعين، وأخص أخاه السبط الحسين سيد شباب أهل الجنة. أتعلمين أنه لك اليد الطولي لجميع المظالم التي صبت علي أهل بيت الرسالة أهل الكساء الطاهرين الأزكياء، وصدهم عن حقهم، وغصب الخلافة بيد أبيك وعهده إلي عمر وتقريب بنو أمية، وتشييد عثمان وإبعاد ذوي الحق، وجر المظالم علي المسلمين. [ صفحه 466] ولقد وجدت بعينيك فتك معاوية بآل البيت وشيعة وصحابة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، واستهانته بأشقائك وقتلهم سما وحربا. أية امرأة أنت وأي كراهية وحقد حملتموه أنت وأباك وابن عمك طلحة وصاحبه عمر لابن أبي طالب، ذلك التقي النقي الورع العالم الحكيم الذي قام الإسلام بساعده وشهامته وإخلاصه، تالله ما أظلمك وما أقساك، وما أجرأك علي الله وعلي رسوله بعد أن خصك دون نسائه معرفا إياك فضل علي (عليه السلام) وزوجته وعترته، وبعد أن سمعت منه نهيك عن بغضه وكراهيته وحربه، وبعد أن علمت أن حربه حرب الله ورسوله. أتقولوين نسيت كل الأحاديث والوصايا والمكرمات والفضائل، فإن نسيت فقد ذكرتك أم سلمة، وإن نسيت فقد ذكرتك كلاب حوأب، ثم في البصرة أو بعد اندحارك وانهزام أعوانك؟ أهل تبت حقا؟ وتلك أعمالك قبل وبعد البصرة، قبل مقتل الإمام علي (عليه السلام) وبعده، وتلك جروحك ونكباتك علي آل رسول الله (صلي الله عليه وآله) الثقل الثاني لما تركه رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وتلك أوامرك الصارمة في البصرة بقتل المسلمين والصحابة صبرا عمدا، ولا يخفاك من قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه الخلود في النار، وتلك أوامرك بمحاربة إمام زمانك خير من خلف رسول الله (صلي الله عليه وآله) لأمته بعده، تعرفيه وتنكريه كما أنكرت علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) رسالته يوم قلت له بحضور أبيك: إن قلت فاصدق. أكنت آنذاك مسلمة وكفرت، أم كنت تبطنين الكفر فظهر في تلك اللحظة، فمتي آمنت إذن قبل البصرة أم بعدها؟ أيوم أشعلت نار الفتن متخذة مع مروان سبيلا علي ذرية رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟ أتلك اتباعك آيات القرآن قوله تعالي: - (وقرن في بيوتكن) - أم نسيت أن من تأتي من نساء النبي بفاحشة فجزاؤها ضعف الجزاء وعقابها ضعف العقاب قوله تعالي: - (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة [ صفحه 467] يضاعف لها العذاب...) - وأي فاحشة أعظم من خروجك علي حدود الله وأمره وأوامر رسوله (صلي الله عليه وآله)، خروجك علي وصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومحاربة الله ورسوله وخليفته، تفترين الأكاذيب عليه وتبثين الفتن، وتخالفين إمامك، وتقيمين عليه الحروب، وتصدين عن سبيله، وتأمرين عمدا بقتل المؤمنين! أهكذا تعمل الأم، فما جزاء من يعمل كل ذلك؟ ومن قتل نفسا فقد قتل الناس جميعا! ومن بغي فسادا وحارب الله ورسوله ووليه! ما هو عذرك؟ دافعي كآخر دفاع عن نفسك وأجيبي عن التهم الموجهة إليك. الجواب: سكوت. ثم تنطق جوارحها، لقد كنت مأخوذة بغرائزي كامرأة، وزادني أبي في عهد رسول الله هو وصاحبه عمر، وطاعة الأب واجبة، فأنا ابنته وقد نشأت تحت تربيته، وظل يعاودني ويناجيني ويعلمني ويتشمم أخبار وأعمال رسول الله في بيته مني، ويأمرني ويوجهني، وكنت في الواقع متبعة هداه وسيرته. السؤال (2): إن عمله يناقض قولك! أليس الذي صفعك حينما تطاولت علي رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟ لأن ذلك كان يناقض مقام النبوة؟ الجواب: إنما زجرني وضربني لأني خرجت عن أصول المجاملة، وكان عليه أن يتظاهر بالتقوي وأن أكون مثله متظاهرة، ولكن شتان بيني وبينه، فكلانا علي وتيرة واحدة، بيد أين أنا من أبي المحنك، وهل كان يجهل من هو خليفة رسول الله المنصوص يوم سأله هو وصاحبه عمر: من أنت مخلف بعدك؟ فيجيب رسول الله: إنه خاصف النعل لو تطيعون. [ صفحه 468] السؤال (3): فإذن كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يعرف تظاهر أباك بالدين تظاهر محض، فلماذا قبله كصحابي؟ الجواب: نعم، وقد اختبره في الحروب فلم يجد له تضحية، وأعلن استدباره في وقعة خيبر، كما أعلن فيها عدم رضائه ورضا الله عنه وعن عمر لأنهما فرا. السؤال (4): وكيف ذلك؟ الجواب: ألم تجده بعد اندحار أبي وصاحبه في اليوم الأول من الحرب واليوم الثاني منه يقول: والله لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرار غير فرار يفتح الله علي يديه. فكان عليا! أليس مفهوم مخالف ذلك أنهما باندحارهما كانا عكس ذلك لا يحبهما الله ورسوله ولا هما يحبان الله ورسوله، ألم تجدهما بعد ذلك لم يؤمرهما رسول الله أبدا فهما كجنود عاديين، ألم تجدهما جنودا تحت إمرة أسامة بن زيد، وقد اختص لنفسه بعلي في كل كبيرة ومهمة! ولقد أعلن مقامه مرارا بأنه فاقد لذلك، فلم يتركه يلقي سورة البراءة علي أهل مكة واسترجعها منه تاركا ذلك الفخر لعلي. السؤال (5): وإذا كان ذلك، فلماذا أرسله بالسورة مبدئيا. [ صفحه 469] الجواب: إنما أرسله واسترجعه ليهيب بالأمة والمسلمين أن مقام أبي لا يساوي شئ، وأن مقام علي أجل وأرفع وأنه بعد رسول الله في المنزلة، ولقد حاولت أن يصلي أبي بالمسلمين في مرض رسول الله فأبي (صلي الله عليه وآله)، ومذ علم رسول الله قام وهو مريض وأزاح أبي وصلي هو بهم، ولم يجد أبي وصاحبه عمر أي مكرمة وحظوة لدي رسول الله ترفعهما عن غيرهما من الصحابة، وحتي لم نجده يرسل أحدهما لتفقيه الناس إلي جهة ما، وحتي نجد رسول الله دائما يعاملهما رغم كونهما آباء أزواجه معاملة الأفراد العاديين. السؤال (6): يفهم من فحوي حديثك أن أباك كان يبطن في نفسه علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) هو وصاحبه عمر غير ما يظهران، فلماذا قبلهما كصحابيين؟ الجواب: لا يعمل رسول الله بغير ما يأمره الله به، ولم يعلم الغيب وإذا وجدت ما حدث عنه من المغيبات فإن ذلك من الله الذي هو علام الغيوب، وقد كان الإسلام حديث العهد والصحابة منهم المؤمنون حقا، وفيهم المترددون وفيهم المنافقون، ولقد أعلن القرآن في كثير من الآيات أن المنافقين الذين يتظاهرون بالإيمان ويكتمون خلافه بقوله تعالي في سورة النساء، الآية (145): - (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) -. وقوله إنه قادر أن يفضحهم. ألم تجد عمر يسأل حذيفة الذي أسره رسول الله بالمنافقين هل ذكر اسمه، ألم يقل رسول الله حينما غضب علي عمر: لا تنتهي يا عمر حتي ينزل الله فيك ما يخزيك. [ صفحه 470] ألم يعلن رسول الله المتخلفين عن جيش أسامة وقد تخلفوا ولعن من حادد الله ورسوله وخالفهم، وقد حاددوا وجاروا وخالفوا وغصبوا. ألم يأمر رسول الله بما أخبره به الله أن الخلافة سوف تغصب ولأن الإسلام حديث عهد، وكثرة المنافقين ومردة أهل الكتاب والمشركين، فقد أوصي عليا بالصبر وقد كان رسول الله يعلم بالغاصبين، ويعلم بالمارقين والناكثين والقاسطين، ولم يقتلهم لأنه لا يجوز القصاص قبل الجناية. السؤال (7): ولماذا إذا أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) بقتل المارق ذو الخويصرة التميمي في حياته قبل أن يخرج علي علي (عليه السلام) في حرب النهروان؟ الجواب: لا شك وأن أمره من أمر الله، وأن ذو الخويصرة لم يكن بقتله ضرر سوي النفع للمسلمين، ومع ذلك لم يقتل، وكل ذلك بأمر من الله، وربما أراد الله ورسوله أن يعلن بذلك تخلف أبي وعمر، وقيام أول فتنة لعدم انصياعهم بقتله، ويعلم الناس بعدها أن ذي الخويصرة من المارقين. السؤال (8): فكنت تعلمين ذلك، وأنت تحاددين رسول الله (صلي الله عليه وآله) وآله؟ الجواب: الحق إن الإيمان لم يدخل قلبي. وأخص وأني كنت مأخوذة بما أجده من أبي وصاحبه عمر، وما يقومان به سرا بما يبعث في روح الخروج علي الإسلام، لأنهما أكبر سنا ومحنكين، فلماذا يبطنان غير ما يظهران، سيان قبل موت رسول [ صفحه 471] الله وبعده، والحق إني كنت علي دين أبي، وكنت مقتدية به غير أني كنت امرأة قليلة التجربة أسير علي هداه واتبع خطاه، طائشة، ولولا ما أبداه أبي من المكيدة حينما كذبت رسول الله وتجاسرت عليه قائلة أصدق فلطمني. فكانت لطمته انتصارا له وانتصارا لي، إذ لو سكت لأغضب رسول الله، وربما أدي إلي طلاقي، وعندها حرمان أبي من سمته كأب زوجة رسول الله، وهتكي وهتك أبي بأني خرجت علي الدين بعد إسلامي. السؤال (9): إنك تتهمين أباك بأنه قدوتك ومربيك، وقد أوتيت عقلا وذكاء، وقد قال الله تعالي في سورة الدهر، الآية (3): - (إنا هديناه السبيل) -، وقال سبحانه وتعالي في سورة البلد، الآية (10): - (وهديناه النجدين) - والآيات القرآنية التي تمنع الفرد أن يتبع أباه وأخاه وأي فرد آخر إذ كان ذلك يخالف أوامره في كتابه قوله تعالي في سورة التوبة الآية (24): - (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم...) -. الجواب: وإن دخلت بيت رسول الله صغيرة، بيد كان أبي لا يفارقني، وكنت أجد فيه أكثر من زوجي حظوة وكنت أشد اقتفاء لأثره، ولم يهتم بتثقيفي إلا لبلوغ مقاصده، وإذ كنت أجده كذلك واجد أقرانه علي وتيرته وحولي نساء أجد فيهن من تتميز علي بأكثر مما أنا أطلبه عند رسول الله كابنته فاطمة ومارية القبطية التي ولدت له ولدا، وغيرها التي وجد فيها إخلاصا وتضحية أكثر مثل أم سلمة، كل ذلك كان يشعل في نفسي الغيرة والحسد، ويبعدني عن الدين والتفكير فيه، وأبي هو الآخر [ صفحه 472] يستجوبني ويوسوس إلي بما يبعدني أكثر من أقواله وسلوكه. ولقد استخدمت عقلي وذكائي لمآربي الدنيوية، ومآرب أبي وصحابته، وقد كنت آمل بالزواج من ابن عمي طلحة، فحرمني منه بمنع نساء النبي من الزواج، ولم أجد ولدا منه حتي يقربني إليه، ومذ مات انقطع كل شئ عندي، وإذ لم يكن إيماني عميقا، فقد أزلني الشيطان وظل يزلني حتي أرداني إلي الحضيض. وأني قد اعترفت في آخريات حياتي بخروجي علي الدين، وأني قمت بأعمال كثيرة وحاددت الله ورسوله، لذا طلبت عدم دفني بجوار رسول الله. وبالتالي فإن رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان يعلم حق العلم بحقيقتي وحقيقة أبي، وكنا نحسب غير ذلك لكن ما هي إلا مشيئة الله التي ظهرت لي يوم لا ينفع الندم. السؤال (10): هل أنت تبت حقيقة؟ الجواب: الواقع لم أكن يوما من الأيام مؤمنة وموقنة، ولذا لم أقم بأوامر الكتاب وسنة رسول الله، وكلما تظاهرت به إنما هو لجلب احترام الناس، وتقديرهم لي كزوجة رسول الله وأم للمؤمنين، ولحفظ مقامي كما حفظ أبي مقامه باسم خليفة رسول الله، ومثله سار عمر وعثمان ومعاوية. فالدين في الواقع عندنا كما قال الحسين سبط رسول الله (صلي الله عليه وآله) لأهل الكوفة: الدين لعق علي ألسنتهم يلوكونه أينما درت معائشهم، ذلك كان ديني ودين أبي ومن سار علي هداه واتخذه قدوة. وليس ما أحس به الآن من الواقع أن من أطاع الله ورسوله هو من اتبع أوامره [ صفحه 473] ونواهيه، ولم يخرج علي إحداها أو يجتهد برأيه، أما النص من الكتاب والسنة، وقد خرجنا عليها كلها في حياة رسول الله متظاهرين ببعض الصلاح بيد ما كاد يمرض ونحس بمرض موته حتي انقلبنا غير هيابين بالكتاب والسنة، ولم يمنعنا لعن كما فعل رسول الله، ولعن من تخلف عن جيش أسامة، ولم يمنعنا عندما اشتد حال رسول الله أن نصده عامدين عن أمره، كما عمل عمر حينما طلب رسول الله دواة وبياض ولا أبو بكر ومن كان حاضر وأسند عمر، وهم يعلمون أنه إنما يريد أن يكتب ما يمنع فيه ضلالة الأمة بكتابة العهد لعلي، كما أعلن ذلك عمر فيما بعد، بل أضاف عمر قوله إن النبي ليهجر. السؤال (11): إنك نسبت لأبيك وعمر وعثمان كرامات، كما نسبت لهم ولغيرهم كرامات وفضائل، تجاوزت كرامات الأنبياء، فهل كنت أو كان غيرك سمعها حقا من رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟ الجواب: من أين جاءت هذه الكرامات لهم وتلك سيرتهم في العهد النبوي، أم من مجالس الخمرة وارتشافها والنبيذ، والخروج علي الدين باسم الدين، والانقلاب علي رسول الله! أم من تخلفهم عن جيش أسامة! أم مخالفتهم كتابة العهد في مرض موته وقولهم إنه يهجر! أم في مكائد السقيفة وغصب مقام الخلافة! أم الهجوم علي بيت علي وفاطمة وحرق الباب وجر إمامهم ووليهم الذي بايعوه بالأمس ليكرهوه علي البيعة! أم بالافتراء علي رسول الله بقول أبي: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه [ صفحه 474] صدقة! يريد مخالفة نصوص القرآن! أم منع الخمس! أم الفتك بالمسلمين وقتلهم بيد أعوانهم كخالد وآل أمية! أم سب علي وفاطمة علي المنبر! أم بمنع السنة وتحريف الكتاب وحجر الصحابة وإطلاق يد أعداء رسول الله أعوانا لهم! أم مد الظالمين بعدهم لتولية الحكم وإدامة الغصب؟ أم الفجائع التي أصيبت بها الأمة من الانقسام إلي طوائف وفرق ومذاهب والعداء بين الأخوة المسلمين بسبب نواياهم في السقيفة والشوري. ولقد ثبت في كل كرامة وفضيلة كذبها عقلا ونقلا وأن من وضعها إنما هو كذاب من أعداء الدين أو ناصبي بعدائه لآل بيت رسول الله ومناصرة لأعدائهم ولأعداء الأمة الإسلامية؟. ولقد مر ذلك بأسانيده [522] . وكان لا بد لي وأبي المتحكم أو أعوانه وخلفائه لإسناد منصبي لديهم وبإسناد مناصبهم أن أقول ذلك، ومن يستطيع أن يكذبني وأنا زوجة رسول الله أم المؤمنين وابنة أبي بكر وبيده مقاليد الأمور والعون الأول لعمر خليفة أبي وأشد أعوانه، وأما عثمان فقد نسبت له الكرامات ما دمت أحس منه المحبة التامة لي، بيد وما أشد أسفي أن أجده وقد سارت به بنو أمية، أولئك الذين هم من صنائع أبي ساروا به حتي خرجوا به كله كطعمة سائغة لهم فحسب لا يريدون أن يشركوني وابن عمي طلحة بالأمر وعندها حسرت عن ذراعي ولم أأبه بما قتله قبله، ولي أعوان يسندوني وقلت ما قلت فيه غير هيابة، حتي قتل وما قلته فيه في انقلابي كان أشد وطأة وأقرب للحقيقة والصواب، فإن عثمان أظهر ما يبطن وأبطن ما يظهر وحادد الله علانية ودخل كله في أحضان بني أبيه آل أمية الفجرة الفاسقين. [ صفحه 475] السؤال (12): إنك الآن تتكلمين عن آل أمية الفاسقين، ونجدك لم يكد عثمان يقتل ويبايع الناس عليا (عليه السلام) لا كبيعة أبيك بل بيعة جامعة حتي انقلبت عليه تطالبيه بدم عثمان، وأنت المثيرة المفتية الشريكة بدمه، وعلي (عليه السلام) هو البرئ المدافع عن عثمان، ثم تعودين تتآمرين علي مروان ومعاوية؟ الجواب: لقد اعترفت منذ البدء بأني تظاهرت بالإسلام واتخذت ديني مطية لبلوغ مأربي وحسب. ولم أكن أعتقد حقا بدين وإنما هي أهدافي والقوة والسيطرة والضعف والخذلان والحرمان. والتوبة لا تكون إلا لمن أحس بوخز الضمير، لمن كان له دين ويخشي عذاب الله القدير، إني دوما كنت أتبع غريزتي الجامحة، حب السيطرة والتفوق والظهور والغلبة أينما حلت، حينما وجدت عثمان حرمني منها وأحسستها في ابن عمي طلحة وهو تيمي فتابعني وتابعته، وإن كان بغيتي دين أو عدالة فما عدوت عليا، ولكني وإياه علي طرفي نقيض، فمتي اتبعت عدالته مت بالحرمان والخذلان. فمعاوية مهما بلغ بفجوره وخموره وشروره، فهو لي أنا خير من علي الذي يريد يساويني بأقراني، وربما سلبني كثيرا مما أصبته في عهد أبي وعمر وعثمان، كما صرح بذلك عند بدء خلافته. هذا يضاف بما أكنه له من الحقد والحسد المكنون ولزوجته وبنيه الذين شملهم رسول الله بما كنت أجد أن يخصني به بكل حبه وحرماني من أن ألد لرسول الله مولودا فأحظ إلي الأبد برحميته السببية من أولادي، ومال بكله لابنته فاطمة وجعل عترته نصا بها وبأولادها وشمولهم وحدهم بآل البيت وعترة رسول الله، ونزول الآيات في رفعتهم ونعتهم وطهارتهم وتزكيتهم، وحرماني وأبي من أية [ صفحه 476] ميزة تميزني علي أقراني، حتي ولقد كان يحن ويأن علي زوجته خديجة وهي تكبره خمسة عشر سنة، وقد ماتت ولم أجد منه أو أجد فيه ما يميزني علي سواي، وكان يفضح كل عمل أقوم به أنا أو أبي نقصد به رفع مكانتنا علي أقراننا وحظوتنا منه بما يميزنا علي سوانا. السؤال (13): كلمتك الأخيرة، رفع مقامكم وحظوتكم لديه، أكان ذلك عدلا ومساواة أو ظلما وإجحافا؟ الجواب: لا أستطيع أن أنسب له الإجحاف والظلم، إذ كان ينظر لكل فرد بنظر المنصف الحكيم، ويعطيه حقه من السابقة والتضحية والعلم، ولقد كان يدلي ذلك علينا بالحجة ويقرنه بالدليل، وهيهات كان أبي ليدرك عليا في صفة من صفاته، فأين لأبي من طهارة المبدء منذ الولادة لعلي، وأين له من التضحية والشهامة والإخلاص في مبيته يوم هجرته واستقباله الأبطال في الحروب ونصرته، وأين له بالمميزات التي خصه الله به ونص عليه في كتابه وأمر بها نبيه [523] . وأين لأبي من العلم والفصاحة ما لعلي، وأين لأبي من الحكم الفصل وعلم الكتاب والقضاء والعدالة والاجتهاد، وأين لأبي من النسب القريب والعترة من ابنة رسول الله وغيرها من المميزات. وأما أنا فأين مقامي من خديجة الكبري التي هي أسبق فرد لبي طلب رسول الله وواساه وبذل المال والنفس وأولد له مثل فاطمة الزهراء التي ما حملت الغبراء [ صفحه 477] ولا أقلت الخضراء أصدق لهجة وأفصح بيانا وأطهر نسلا وأجل أبا منها. والحقيقة كنا نطلب فوق ما نحن فيه، فلم نجده بغير ما قمنا به من المكر والخديعة، وقلب الحقائق وإبعاد الصالحين، وتقريب الطالحين الحاقدين الحاسدين، وكيل القسوة لمن شايع الرسول وآله، والحظوة لمن شايعنا واقتدي بنا، فوا حسرتاه انطوت كأحلام وامقة وأخيلة بارقة، وإذا بمائها سراب، وعمارها خراب، وحاصلها عذاب. ولم نعتبر بكتاب الله المبين ورسوله الأمين وهو يقول: - (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) - سورة الشعراء، الآية (227). من أعضاء الشوري العمرية:

عبدالرحمن بن عوف الزهري

من الصحابة الذين خلقهم عمر كعضو في شوراه، وخصه دون سواه بميزة جعلت له الصدارة العظمي لانتخاب الخليفة المنتظر بعد أن سلب الصحابة من المهاجرين والأنصار بل قاطبة المسلمين من حقهم في تعيين مصيرهم، سالكا فيه إصراره الأول في السقيفة بالاستبداد المطلق في انتخاب الخليفة وبادئا بها بانتخاب أبي بكر دون أن يمنعه حقوق غيرهم، وغياب جميع المهاجرين عداه وأبي عبيدة الجراح، وغياب الأنصار عدا قلة من الأوس والخزرج، وغياب جميع بني هاشم، ودون رعاية أميره الذي أمره عليهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) أسامة بن زيد، ودون رعاية مجموع المسلمين المرابطين علي حدود المدينة للحملة التي جهزها رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ودون رعاية أي حق آخر. [ صفحه 478] هذا واستبداده هو وأبو بكر بالأمة دون أية مشورة مهمة لمصير هذه الأمة، ولا رعاية نص كتاب في أولي الأمر الذي ورد في القرآن، ودون رعاية وصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) والعهود المأخوذة منهما، منها في غدير خم وغيرها. نعم واستبداد أبي بكر بكتابة العهد لعمر دون مشورة ولا واحد من المسلمين، بل رغم أنوف الجميع حتي طلحة ابن عمه الذي تجاسر أمام أبي بكر وهو يعلم بحكومته المطلقة، وشدته لمثل هذه الأمور معترضا غاضبا مخاطبا بها ابن عمه أبا بكر: ماذا تقول وتجيب ربك وأنت تترك بعدك علي الأمة الإسلامية فظا غليظا. هذا عمر اليوم يعود ليستبد ودون دليل ولا برهان ككل أمر مهم يريد أن يقطع به مستبدا دون مشورة، فيقول: إني أرجئ أمر الأمة الإسلامية إلي ستة أنفار هم علي وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير. وهو بالوقت الذي يقول إن رسول الله مات وهو راض عنهم، عاد يكذب قوله كما مر في طلحة، إذ أشار أن رسول الله كان غير راض عنه، ثم نسب ضعفا إلي كل واحد منهم، وأشدها لعثمان الأموي، بيد وكأنه جمع الخلافة فيه كنص مكتوب له حينما قال: وكأني بك وقد أجمعت عليك قريش وأصبحت خليفة وقربت حولك بني أمية وآل بني معيط وخصصتهم دون سواهم بإمارة الولايات، وأغدقت عليهم بالعطايا حتي تهب عليك عصابة من ذؤبان العرب فيقتلوك علي فراشك. وبعدها يقوم عبد الرحمن الزهري صهر عثمان المنتسب لآل أمية من أمه فيقول: فإذا جمع أعضاء الشوري كل ثلاثة علي واحد فالخليفة من كان معهم عبد الرحمن، ومن خالف فاقتلوه. أقول: لما ذا خصصت هذا التخصص بعبد الرحمن، وقد نسبت له قبلها ما نسبته [ صفحه 479] له ضعفا في رأيه؟ أية ميزة حق له بذلك ألأنه صهر عثمان؟ أم لأن أمه أموية؟ أم لأن سعد بن أبي وقاص صهره وينتسب مثله من أمه لآل أمية؟ أكان ذلك عطفا من عمر علي آل أمية الطلقاء الذين حرمهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) من السابقة؟ أحقا أن عمر لم يجد بين المسلمين والمهاجرين والأنصار خيرا من هؤلاء؟ أم أنه أراد أن ينص علي عثمان ويكرمه بالخلافة رعاية لحقه الذي أغدقه عليه يوم أغمي علي أبي بكر قبل أن يعهد لأحد وعثمان كتب عمر من نفسه؟ أم أن هناك وصية من أبي بكر علي ذلك إذ لم يجد خيرا من عثمان أمينا لأسراره؟ أم كلاهما اتفقا محاباة لبني أمية الذين أخلصوا لهم كاتباع؟ أم علما أن ليس هناك في الأمة من يحفظ كرامتهم ويسير علي هداهم ويخلق لهم الفضائل بعد موتهم وبعد اتفاقهما علي منع تدوين السنة والحديث؟ أم أنهما اتفقا مع عثمان ومعاوية وآل أمية أن يكرماهما بعد موتهما برفع اسمهما كأعلام وأن ينسبوا لهما الخوارق والمعاجز والكرامات والفضائل فوق ما للأنبياء والأولياء وأن يحطوا من كرامات رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وآله ومن والاهم؟ ولقد وجدنا كل ذلك عملا قام به معاوية، كما وجدنا عمر وإصراره علي مناصرة معاوية رغم إعلام الصحابة المتقين أنهم وجدوا معاوية يشرب الخمر، ويتعاطي الربا، ويلبس الحرير، ويعيش عيشة الأكاسرة، وعندها نجد عمر العادل الذي قاسم عماله وعزل ونصب لا يمس كرامة معاوية، ويقول فيه إنه كسري العرب، ويرجع القول علي من يطعن بمعاوية مادحا إياه ويقيمه ويشيده، وفي الشوري يهدد أعضاءها بأن لا تختلفوا فإن معاوية وعمرو بن العاص لكم بالمرصاد! هل هدد بذلك عثمان الأموي، أم عبد الرحمن وسعدا صهريه والمنتسبين من الأم لأمية؟ أم أراد تهديد علي (عليه السلام) المرموق من الأمة وجميع الصحابة، [ صفحه 480] ولماذا أدخل إذن طلحة والزبير أإكراما لأبي بكر أم عائشة باعتبار طلحة ابن عم عائشة والزبير صهره؟ أم أراد خلق أنداد جدد إلي علي (عليه السلام) ليوم مثل يوم الجمل؟ نعود لعبد الرحمن، صهر عثمان الزهري الأب الأموي الأم، هذا الصحابي المنافق الظالم للأمة الإسلامية العارف المتجاهر والمبطن للكفر المتجاهر بالصلاح، والذي مدحه عمر بدينه وذمه بضعفه بالرأي، هذا الصحابي الذي عرف فيه عمر تصلبه الجاهلي لآل أمية وطمعه بعثمان عساه أن يحابيه بالخلافة، إن هو حاباه بها، وعلمه بعلي (عليه السلام) وعدله وعلمه وتقواه وسبقه في الإسلام، وقربه من رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذلك عدا نص الله عليه في كتابه ونص رسول الله (صلي الله عليه وآله) عليه وإن كان قد نسي لطول الأمل فقد ذكره بذلك علي نفسه والصحابة الآخرين، ولكن هيهات وألف هيهات وقد بانت النتائج فقد جاء عليا (عليه السلام) وقال أبايعك علي كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين، ويقول علي (عليه السلام): أقبل بكتاب الله وسنة رسوله. فمن أين جاء عبد الرحمن بالثالثة، فإن كانت في الكتاب أو السنة، فقد نال بهما، وإن لم تكونا فهي غير مرضية وبدعة، هذا المنافق قبل عثمان لأنه وافقه علي البدع وما قصد بسيرة الشيخين إلا الاستبداد بالأمة، وإحالة الخلافة محاباة له كما حابي أبو بكر عمر. حتي إذا بايعه وأثري علي حساب ذلك مما أغدق عليه عثمان من بيت مال المسلمين، كما مر، وخزن الذهب والفضة. هذا عبد الرحمن بن عوف الذي ظل يمتص هو وسعد وطلحة والزبير مع آل أمية بيوت مال المسلمين ويكنزون الأموال، نراه ينقلب علي عثمان ويطلب حربه مع علي (عليه السلام) وقد ذكره علي بخيبة الأمل فخسر الدنيا والآخرة، وسرعان ما صدقت الآية (67) من سورة الزخرف: - (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا [ صفحه 481] المتقين) -. ونري عثمان قد استبد بالحكم ولا ينصاع له لطلب، بل زاد وشتمه قائلا: إن عبد الرحمن لمنافق، فويل لمن كفره نمرود، وهكذا نري عثمان وعبد الرحمن يكفران الواحد الآخر فأيهما علي صواب؟ إنها الخيانة العامة والعصبية والأغراض الشخصية! إنه الدين المضاع والأمة المقهورة علي أمرها. واليوم يقف عبد الرحمن أمام محكمة العدل الإلهية ليجيب علي ما سببه من ضياع الحقوق الفردية والعامة، وسلط علي الأمة يوم كان بيده العقد والحل أشر خلق الله وحادد الله ورسوله وخليفة الله ورسوله، ذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام) البر التقي الطاهر الزكي العالم العادل، ولقد لحق ذلك بإثرائه علي حساب الخيانة وكنزه الذهب والفضة التي سوف تكوي بها جباهه وكل جزء من بدنه، وقد صدق عليه أنه كافر وفاسق وظالم. قال تعالي: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) -، - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) -، - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) -، صدق الله العلي العظيم. وقال تعالي في سورة النساء، الآية (14): - (ومن يعصي الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) -. وقد وقف عبد الرحمن بن عوف أمام المحكمة الإلهية، وتليت عليه ما مر من أعماله: السؤال (1): 1 - مخالفاته لله ولرسوله في محاباته لعثمان، ونكث بيعته لعلي (عليه السلام) يوم الغدير، [ صفحه 482] ومحاددته لكتاب الله وسنته لما ورد في علي (عليه السلام) وآل بيته، ومتابعته لأعداء الله. 2 - استنزاف بيوت مال الأمة وكنزها. الجواب: وإذا به يحير جوابا فتفضحه جوارحه ولسانه، ويعترفون بمخازيه والدنايا والرذائل، فيساق إلي القصاص. وإذا بالهاتف يقول: ألم تسمع قول الله في سورة هود، الآية (113): - (ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار) -، ألم تسمع قول الله في سورة الجاثية، الآية (19): - (إن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين) -، ألم تسمع - (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) - سورة النساء، الآية (145). وقوله: - (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) - سورة النحل، الآية (118). أحقا تلوت القرآن واتبعت نصوصه؟ السؤال (2): أحقا صاحبت رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟ واتبعت سننه؟ أحقا كنت تعرف عليا (عليه السلام) وعثمان وفضلت عثمان عليه؟ أقصدت بذلك رضا الله ورسوله؟ أم رحمة للأمة؟ أم ساقتك الرحمية والعاطفة؟ أم العصبية الجاهلية لآل أمية؟ أم وجدت فيه منافعك الشخصية وحسب؟ أجب. الجواب: إنما هي الأخيرة. السؤال (3): وأنت يا عبد الرحمن، وقد بايعت عثمان علي كتاب الله وسنة نبيه وسيرة [ صفحه 483] الشيخين. فكيف جمعت هذه الثلاثة وأنت تعلم أن كتاب الله وسنة رسوله لا تجتمع مع سيرة الشيخين اللذين اغتصبا الخلافة من أهلها وعادا يظلمانهم كما مر، وبظلمهم وإقصائهم عن الحكم كان فيه حرمان الأمة ومحاددة لله ولرسوله، وبعدها استبدادهم المطلق في أهم الأمور دون مشورة الصحابة والمسلمين، وأخص منها في تعيين الخليفة، فماذا أردت بالسيرة وما قصدت بها ولمحت إليها. الجواب: الحقيقة إنما أردت اتباع سيرة الشيخين بالاستبداد والمحاباة دون اتباع كتاب وسنة، والمحاباة التي أردتها هو أني أعينه اليوم خليفة ليعيني بعده خليفة، كما فعل أبو بكر مع عمر، وهو ما أوصاني به عمر بمحاباة عثمان بالخلافة. وقد كنت أحسب ذلك في عثمان بيد ظهر لي فيما بعد أن عثمان إنما تعهد لي بسيرة الشيخين إنما هو اتباع رأيه واستبداده المطلق بالحكم دون رعاية كتاب وسنة مثلهما، واكتفي بمحاباتي بما حباني به من أموال المسلمين، وبعدها مال بكله لآل أمية وارتمي بأحضانهم وسدوا عليه جميع الطرق، وسلبوه إرادته وقلبوا لينه قسوة، ومودته جفوة، ويقظته غفوة، وكأن عمر كان يعلم بما تنتهي الأمور وغشني أو استغشني وإذ نسب إلي الضعف تأيد لي صدق قوله عملا وإلا لانتهجت سبيلا أكمل وبلغت به نهجا أمثل، وبيدي الحل والربط، ولكني خسرت دنياي وما أدركت عقباي ولا ينفع الندم. وإني الآن أعترف رغم أنفي أني أسلمت، ولما يدخل الإيمان قلبي حتي مات رسول الله وجدت الحق مع القوة فملت بكلي معرضا عن نصوص الكتاب وسنة رسول الله ولا أتبعها إلا علي قدر ما لا تتعارض بأمر دنياي، واتخذت من أبي بكر وعمر هداة وقدوة منحازا إلي صفهم مؤيدا رأيهم متبعا سيرتهم، ألبس الحق بالباطل لا يردعني مثلهم لبلوغ الغاية دين وحق وضمير، إذ كنت أحسب أن [ صفحه 484] العدالة بالقوة، والقسط والحكمة اتباع من ملك مقاليد الأمور برا كان أم فاجرا ما دمت به أدرك هواي وأحصل علي مبتغاي. فواحسرتاه علي ما فرطت! وا أسفاه علي ما فرطت في أمانتي الكبري، وخنت بها الله ورسوله ووليه والمسلمين حتي يوم القيامة، وسلطت علي الأمة من استبد بنفوسهم وأعراضهم وأموالهم، وسلط عليهم من لا يرحمهم، واتبعت الفتنة التي حاكاها أبو بكر وعمر بركوب الهوي والسير دون هدي مطلقا عنانها للشهوات والعود بها إلي الجاهلية غير مدرك ولا مبال ما تجلب للأمة من أزمات وويلات، وإذا بخيبتي فوق كل خيبة، وأنا في عداد من لا يغفر ذنبه ولا حول لي ولا طول ذليلا خاسئا أكرر القول واحسرتاه علي ما فرطت في جنب الله، وأعنت أعداء الله علي خلق الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

سعد بن أبي وقاص

الصحابي القرشي، أحد أعضاء الشوري العمرية، وصهر عبد الرحمن بن عوف المنتسب إلي آل أمية من أمه وإلي زهرة من أبيه، وأحد أقطاب صحابة عمر وواليه علي الكوفة، قرين معاوية علي الشام، وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص في مصر، والمغيرة علي البصرة، ذلك الذي أيد به عمر عثمان، والذي اتبع عبد الرحمن حذو النعل بالنعل، ووقف كما عهد به عمر إلي صف المؤيدين لعثمان والمناوئين لعلي (عليه السلام). وقد بانت حقيقته منذ اللحظات الأولي، بل قبلها، فهو ليس له ملمس في علي (عليه السلام) لأنه من تلك القرائن المخالفة والمنافقين الذين يبطنون بغض محمد (صلي الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وآله، والمنتمين مثل معاوية وابن العاص والمغيرة إلي صفوف أندادهم، وغاصبي حقهم، ووجدوا في عثمان بغيتهم الدنيوية، وقد عرفوه حق المعرفة أنه [ صفحه 485] الثالث الذي سيسلك علي مسيرة الاستبداد والمحاباة غير هياب بكتاب وسنة. وعلي أقل تقدير فموت عمر كان فيه أخطار علي ولايته، ومن سيليها بعده، ولا بد أن يحفظوا صفهم، وساروا علي رؤية مدبرة ومخططة عمرية لا يأبهون بحق خاص لعلي (عليه السلام) وآل رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولا لأصوات المسلمين وأعلام الصحابة من المهاجرين والأنصار. إنهم الآن يعودون لإسناد أعوانهم من أنصار أبي بكر وعمر ذلك أمين سر أبي بكر، ووتد من أوتاد عمر الذي لا ينكر عمر أبدا له فضله ولا ينكر لإخلاص آله، ولا بد لسعد هذا أن يحفظ مقامه في عثمان، ورغم معرفته بحق وفضل علي (عليه السلام) وسابقته وقربه من رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وما ورد فيه من الله ورسوله ومميزاته الخلقية والخلقية، كل تلك لا يأبه بها سعد ولا يهمه أثر انتخابه هذا في نفع وضرر الأمة ومستقبلها. إنها المنافع الشخصية والعصبية الجاهلية المتشربة في دمه، فانحاز إلي جانب عثمان وهو يري بأم عينيه صفوف المسلمين وخيرة الصحابة كيف تهفو إلي ابن أبي طالب وتلتمس به العود إلي عهد النبوة والعدالة الإلهية. بيد لم يترك عمر للأمة ولا لأصواتها من حق سالبا إياهم مستبدا مصرا علي إبعاد الحق عن أهله وتسليمه إلي أرذل خلق الله ممن حارب الله ورسوله، والظالمين بعضهم لبعض أولياء والله ولي المتقين. ولكن أني لسعد أن يستنير قلبه بنور الحقيقة ويدرك كنه الإيمان ويضحي في سبيل الصالح العام، ولا تملكه العصبية الجاهلية. لقد أعطي رأيه وانحاز لعبد الرحمن منذ الساعة فكان عثماني النزعة أناني النعرة، حتي إذا تقلدها عثمان ومرت الأيام واستبد علي منصب الخلافة، نراه يبدأ بضرب هذا المنافق بضربته القاضية، ويخزيه ليعزله من منصبه، ويعين محله [ صفحه 486] فاسقا صعلوكا من صعالكة آل أمية مفضلا إياه علي سعد هذا، فتعسا لسعد الخائن الثاني لله ولرسوله وللأمة الإسلامية وبعدا له كما بعد عبد الرحمن بن عوف، فبقت تأكله الحسرة وتحز نفسه مثل ابن عمه، وعندها عاد بخيبة الأمل مثل ابن عمه وربما كانت له نوايا كعبد الرحمن أن يليها بعد عبد الرحمن أن عادت له ولكن هيهات. وها هو اليوم الرجل المتهم السادس أمام المحكمة الإلهية ليحاكم علي ظلمه وأعماله المنكرة العظيمة التي جرت المظالم والتفرقة والتعسف علي المسلمين. سؤال: إنك انتخبت عثمان خليفة وحرمت الأمة من إمامها المنصوب من الله ورسوله، وقد كنت بايعته في غدير خم، وكنت تعرف فضله في الكبيرة والصغيرة، وأنه لا يساويه أحد بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وأنه لا يساوي فضله لا أبو بكر ولا عمر ولا الصحابة أجمع، ولو اجتمعت فضائلهم في فرد لامتاز عليها علي وحده، فكيف فضلت عليه رجلا أمويا، غير بدري ولم يحضر بيعة الرضوان، ولم تكن له سوابق مشرفة تفضله علي الأقران؟ أحقا كنت تجهل عليا (عليه السلام) وهو العلم الذي من قال: أجهله فقد أنكر الله ورسوله وكتابه المنزل وسنة رسوله (صلي الله عليه وآله)، لأن آيات الله في كتابه المجيد تشهد بمقامه وسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ووصاياه التي منع تدوينها أبو بكر وعمر تقر فضله وتضحيته وعلمه وتقواه وشجاعته واجتهاده، فهذا عمر يكرر: لولا علي لهلك عمر، فمن هو عثمان وما هي ميزته التي انتخبته بها؟ أوجدت حسن إدارته؟ أم علمه، أم عدله، أم وجدته أقرب لرسول الله (صلي الله عليه وآله) من علي (عليه السلام)؟ أم كانت له فضيلة مميزة أعجبتك؟ أم هناك وصية من عمر فيه؟ أم هو إحساسك برغبته لانتخابه؟ أم أغواك [ صفحه 487] عبد الرحمن صهر عمر؟ أم أغوتك بنو أمية؟ أم وجدت إن الأمة أحوج إلي عثمان؟ أم تركت كل ذلك جانبا ووجدت منافعك الشخصية فيه، وأنه الفرد الذي سوف يحقق آمالك وأمانيك؟ فسحقت الحق، واستهنت بتأنيب الضمير، وتجاهلت المكرمات، واتبعت خطاك منذ مات رسول الله (صلي الله عليه وآله) مهتديا بهدي أبي بكر وعمر، ورافعا ولائهم وخصامك لله ومحمد وعلي وآله بذلك، وأردت إثبات خصومتك مذ بلغت به قدرتك هذه فملت بكلك إلي صف أعداء الله وأعمي الله بصيرتك. وقد وجدت ابن عمك عبد الرحمن جاء عليا (عليه السلام) في عهد عثمان يعتذر إليه ويهيب به للقيام بوجه عثمان وأنت أنت سعد المطرود من عثمان وولايته والمكدس مثل ابن عمك أموال بيت المسلمين علي حسابه، تري خيانتك كيف أثمرت وكيف حف بنو أمية بابن عفان، وإذ وجدت ابن أبي طالب كالطود يدفع عبد الرحمن ويذكره بخيانته تبقي تحرقك الحسرة وأنت تعرف ابن أبي طالب ولا تغرب عنه نواياك وخياناتك العظمي ونفاقك ولا يجد لديه ملمسا فتبقي في حسرتك وتظل منافقا تحقد علي ابن أبي طالب دون أن تجد منه إساءة لمحض أن قلوب المسلمين تهفو إليه حتي قتل عثمان، وتقدم المسلمون كافة ينتخبون أميرهم الذي نص عليه الكتاب وأعلنه رسول الله (صلي الله عليه وآله) للأمة فاعتزلت بيعته. فما كنت ترجو بعدها؟ فيا ويلك ويا ويل ذريتك ذلك عمرو بن سعد قاتل الحسين السبط (عليه السلام)، لقد وجدت بخيانتك خيبة الأمل في الدنيا وخسرت الآخرة كابنك اللعين الذي سار علي سر أبيه، وأذلك الله بعد العزة وإذا بك مؤاخذا في معاوية ذلك الرجس. أحد أقرانك يتكئ علي منبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأنت لا تطيق حراكا لبئسما جنت يداك ولبئس الخيانة علي الله وعلي رسوله وأوليائه والأمة الإسلامية، فما هو [ صفحه 488] دفاعك وأنت صحابي تحادد الله ورسوله وتكفر بعد إيمانك؟ الجواب: يسكت، وتنطق جوارحه: لما يدخل الإيمان قلبي وقد وجدت القوة والصولة بيد أبي بكر وبعده عمر، قد تناهبوها فما أنا أقل من عمرو بن العاص ولا المغيرة ولا معاوية ولا خالد بن الوليد، فهممت حيث هموا، واندفعت بكلي حيث اندفعوا مقتديا بهم، مناصرا لهم ولأوليائهم، معاديا لمن عادوا وخدعتني نفسي وأغواني الشيطان، وقد وجدت عمر بقي يحابيني حتي في الشوري، وأنا أعلم بما يضمر وأنه إنما يريدها لعثمان، ومثلي عبد الرحمن، فاندفعت غير هياب وأنا ليس لي ملمس في علي إن تولاها فلست في شئ مما يريده ابن أبي طالب، فجافيته واتبعت في كل ما قمت به عصبيتي الجاهلية وكان الإسلام وتعاليمه لما تدخل قلبي. وأنا أعرف فضل ابن أبي طالب ومميزاته بيد لم أجد له في نفسي غير الحسد والكراهية لما أجده له في المكارم المميزة، وحب الأمة الإسلامية رغم اندحاره بعد رسول الله، وغصب حقه، والحق إني كنت في وادي غير واديه، أخذتني الدنيا ومناصبها ونسيت الآخرة ومكاسبها. ولم أبايع عليا وبقيت معتزلا لأني مؤمن شره ويائس بذله، كمن سبقه، فهو الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، ولقد زدت له بغضا يوم أعلن أن الحق القديم يعاد، فمن أخذ شيئا من بيت المال يجب أن يعيده إليه مما حرضني أن أقوم ضده وأنتمي ثانية إلي أنداده وأتكتل إلي أضداده كي أأمن حسابه واتقي عقابه، وقد كنت ممن أثري علي ذلك ولا بد لي من الحساب، وهكذا كنت بعزلتي له خاذل ولأعدائه مناصر ومناضل، وليس لي غير الاعتراف بتجنبي سبيل الهوي [ صفحه 489] وانجرافي مع من انجرفوا في الموبقات ومناصرتي لغاصبي حق محمد وعلي وآله معرضا عن حقوق الدين الحنيف ونص الكتاب والسنة في ذلك، ومجانبتي إلي الأبد للصراط المستقيم وحقيقة الدين القويم. وإني خسرت الدنيا والآخرة، وكنت من شر الدواب الصم البكم العمي الذين لا يعقلون، إذ تلك أعلام الهدي واضحة، والدعوة للنجاة من الهداة صادقة، وآيات الكتاب والسنة للمتقين شارحة، فأبدلت الحكمة والأمانة بالطيش والخيانة، وبعت الحقيقة بالسراب والجنة بالعذاب.

طلحة بن عبدالله التيمي

صحابي، ابن عم أبي بكر، ومن الصحابة الذين أعلنوا مخالفتهم لأبي بكر حين عهد بالخلافة إلي عمر، قائلا له: ماذا تقول لله وأنت منتقل إليه إذا سألك كيف تخلف علي أمة محمد هذا الفظ الغليظ. وهو أحد أعضاء الشوري العمرية، ممن أثري علي حساب أبي بكر، ومما قدم له أخص في عهد عثمان من بيوت مال المسلمين صاحبه في الشوري، ثم انقلب عليه طمعا بالخلافة حتي قتل عثمان وهو أشد أفراد قتلته، ثم هو عندما أجمع المسلمون علي بيعة علي (عليه السلام) كان أسبقهم للبيعة، وإذ لم يجد في علي (عليه السلام) ملمسة كان أسبقهم للنكوث تستثيره عائشة ويغويه معاوية برسائله فيتفق مع من يطالبوه بالثأر ليطلب ثأر المقتول من البرئ الذي بايعه بالأمس، وهو يحتمل بهتانا وإثما عظيما. ويثير حرب الجمل، ويغدر بوالي خليفة المسلمين ويصادر أموال بيت المال، ويقتل الصحابة والمسلمين صبرا وحربا، ويأبي الصلح مع علي (عليه السلام) ويثيرها حربا شعواء ثم يقتل بسهم مروان بن الحكم الذي ائتمنه في حرب الجمل. [ صفحه 490] يقف اليوم في صف المتهمين الناكثين ليجيب علي ما اقترفته يداه. - (أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) - سورة آل عمران الآية (162). - (إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم) - سورة آل عمران الآية (177). سؤال: ها أنت طلحة لم تكتف أن تنكث البيعة الأولي بعد غدير خم، تقف ثانية ناكثا بيعتك الثانية غادرا بالأمة وإمامها، غير هياب من الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) والأمة الإسلامية إلي صف أعدائك الذين قتلت شيخهم بالأمس، إلي صف مروان الذي غدرك وقتلك ومعاوية إلي صف عائشة الماكرة الكائدة لآل محمد (صلي الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) أبو عترته الخارجة علي الله ورسوله المعلنة عصيانها علي خليفة الله وخليفة رسوله أمام المتقين تثيرك ناسيا جهادك مع رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وكفاحك. واليوم تنقلب علي عقبيك تنحاز إلي أعداء الله ورسوله رؤساء الأحزاب تنخدع بخدعهم وتجعل نفسك مطية لأهواء ابنة عمك عائشة، متابعا أهواءك لا يسد جشعك ما كنزته من الثراء الطائل من بيوت مال المسلمين وخزنته من الذهب والفضة والمال والعقار، تسل سيفك في وجه أمير المؤمنين (عليه السلام) خير من ترك محمد (صلي الله عليه وآله) ووصي به، وقال مبغضه كافر وفاسق ومنافق وظالم، وتغدر بعامله وتنهب بيوت أموال المسلمين في البصرة، وتقتل المسلمين وفيهم الصحابة صبرا وحربا وتأبي أن تجيب إمامك الذي وقف قبل دفاعه وقيام الحرب وإدامة المجازر عساه يعيدك إلي رشدك ويهديك إلي صوابك بنصحه أنت وعائشة فأبيت حتي الانصياع لرشده مبغضا له عاصيا محاربا مطيحا بالنفوس البريئة، مطالبا بدم [ صفحه 491] من أثرت عليه الفتن ومنعت عنه الماء حتي قتلته، ومنعت دفنه في مقابر المسلمين، وجئت بيدك الشلاء لتبايع إمام المتقين كأول مبايع ثم أدبرت أول ناكث، فماذا أردت بغدرك؟ أكنت مرغما في البيعتين في يوم غدير خم منافقا تظهر الطاعة لرسول الله (صلي الله عليه وآله) الآمر لك بيعة علي (عليه السلام) وتبطن العصيان والبغض؟ إذن فلماذا انحزت بعد أربعة أشهر بعد موت رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي صف أبي بكر الغاصب الجائر؟ أو لم تجد بدا من الخضوع؟ وتلك الشوري ولم نجدك إلا ألعوبة حاقدا أغراك عمر حين ساواك بعلي (عليه السلام) وأنت تعلم أنك ومجموع المسلمين لا تساووه في فضيلة من فضائله، ذلك علي (عليه السلام) أبو العترة الطاهرة نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وأخيه ووصيه وخليفته. وبعدها واليت عثمان لتسنزف منه بيوت مال المسلمين وتكنزها ذهبا وفضة، وتحصل منه ولاية تسد بها جشعك المتزايد، حتي إذا وجدته يميل إلي آل أمية وثارت عليه الولايات فاتخذت تلك ذريعة لثراء أعظم وبقيت تزداد حتي أدي بك طمعك إلي قتله عساك تخلفه فقتلته، وإذ خاب أملك ووجدت نفسك محاطا بالمسلمين وإجماعهم علي بيعة من تهفو له النفوس وتطبق عليه الصحابة، فتقدم نفسك كأول مبايع وتعود لتطالبه بمحاباتك بولاية. وعلي (عليه السلام) تعرفه رجل الحق، وقد علم بنهمك وحرصك علي الدنيا، وهيهات يرضي أن يكون ألعوبة الأهواء كعثمان أو غيره، وما أسرع أن تنقلب عليه يحرضك معاوية الماكر بكتابه وعائشة الحاقدة فغدرت ونكثت وأججتها حربا عوانا، فذهبت بها عشرات الآلاف قتلي بسببك عمدا، قتلي غير من قتلتهم صبرا وغدرا، وقد علمت من قتل مؤمنا متعمدا فإن له نار جهنم خالدا فيها، فكيف بهذه المصائب والخيانات العظمي والمظالم التي صببتها علي المسلمين لا بحرب الجمل بل ما خلقته لإمام المسلمين من العقبات ولأعدائه آل أمية الذين قتلوك [ صفحه 492] ظالما كافرا بعد إيمانك فاسقا مناصرا لمعاوية والقاسطين، ومسلطا لهم بنصرتك تلك السلطة علي رقاب المسلمين. وها أنت تقف اليوم ذليلا أمام محكمة العدل الإلهية تشهد عليك جوارحك علي كل صغيرة وكبيرة جنيتها وأفرطت بها فأجب ودافع عن نفسك. الجواب: سكوت، وتنطق جوارحه: كنت منذ بدء إيماني تابعا لابن عمي أبي بكر وحزبه، وجدت العزة في إسلامي إذ لم أكن بين قريش مرموقا، ووجدت في محمد ظفرا وفي سيرته عبرا، ولكلامه علي أثرا، فانحزت إليه بيد كنت أحسد عليا في سبقه وقربه من رسول الله وحظوته منه في السلم والحرب، وما خصه به من المكانة بيننا وزادني علي ذلك مر الزمان كلما زادت فضائله وظهرت مكارمه وهفت له القلوب وأدناه رسول الله وأولاه وصيته وخلافته وخصه بأخوته وزوجه ابنته وجعله أبا عترته، وزادني أقراني له عداء كلما تناجينا فيما بيننا حتي كنت ممن وضعه تحت إمرة أسامة واختص نفسه بعلي. فكدنا نجاهر بالعصيان حتي خطبنا محمد ولعن من تخلف، وكنت كجماعة من المهاجرين فيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والزبير ناقمين، ورغم اللعن تخلفنا عن الجيش آثمين وتابعنا عمر يوم مانع من طلب رسول الله للدواة والبياض، كمخاصمين. وبعد وفاته، غصبوا الخلافة في السقيفة فتابعت أثر ابن عمي أبي بكر تحرضني ابنة عمي عائشة، وعندها تنفست الصعداء، فقد آن الأوان أن أشمخ علي علي ولا أعيره تلك الأهمية، وافترقنا آنذاك في السيرة والرؤية والبصيرة نوهي جلده ونفت في عضده ونزيد كمده، كأن عليا (عليه السلام) خصمنا اللدود، وعدوه الحبيب الودود، هكذا كنا تابعين خطي أبي بكر وعمر، حتي انقضي عهدهما وأدبر. [ صفحه 493] ولقد كنت أحلم بالخلافة ما دمت في تيم بيد خانني الأمل بعهد أبي بكر، وسايرت عمر حتي مضي إلي سبيله، وخصني بحظوة في شوراه بعثت في آمالي من جديد وأني لي بها وليس لي غير الزبير ظهير وإذا بها مكيدة وخدعة، جاء بها عمر كبدعة أرادها لعثمان دون رعاية دين ولا ضمير ولا برهان، فسايرناه مرغمين وسايرنا يغدق علينا من حقوق المسلمين حتي دنا أجله، ونكث عليه عمله، وجدناها أنا والزبير فرصة سانحة وحسبناها تجارة رابحة نثيرها عليه مع المثيرين، ونتألب عليه مع المغيرين تشد أزرنا عائشة بفتواها وتحسبها تعود لتيم بعد بلواها. حتي إذا قتل عثمان وولي أطبق المسلمون علي بيعة من هو أولي، فكانت خيبة الأمل ولم يبق لنا غير تجديد الكيد لهذا الفشل يسوقنا الهوي ويثيرنا الطيش والغوي، فأثرناها فتنا وأججناها حروبا وإحنا، مزق شمل المسلمين قيامها وأحرقتنا ضرامها، اتبعنا خطي الشيطان وكفرنا بعد الإيمان، فكانت عاقبتنا الفشل والخسران، خسرنا دنيانا وأضعنا عقبانا، عزة تليها ذلة فضيعة ورحمة تعقبها نقمة مريعة، طيش يعمي البصيرة وجشع بتنا أسراه، تقودنا امرأة ماكرة يحثها الحقد الدفين ويخادعنا عدو فاجر لشر كمين، تاركين وراء ظهورنا نصوص الكتاب المبين وسنن سيد المرسلين مقبلين علي جهنم قبلا فبئس للظالمين بدلا.

الزبير بن العوام

ابن عمة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وصهر أبي بكر وعديل رسول الله (صلي الله عليه وآله) صحابي بدأها [ صفحه 494] مؤمنا [524] ، مواليا لآل البيت محبا لعلي (عليه السلام) حتي تولاها الغاصبون وتبناها، وإذا به يبتعد رويدا رويدا متأثرا بالحوادث ومأخوذ بزوجته وأ ختها عائشة وأبيها أبي بكر وطلحة. كبر ابنه عبد الله ربيب عائشة التي استهوته وغذته ببغظها وحقدها لآل رسول الله (صلي الله عليه وآله)، حتي أصبح من ألد أعدائهم، فكان من أشد العوامل لقلب الزبير إلي صف أنداد علي (عليه السلام) وآله، وبعد أن كان من الحواريين الخلص له حتي وجدناه بعد يوم السقيفة من أصحاب علي (عليه السلام) الذي جاء عمر لحرق الدار، وأخذ الصحابة المتكتلين في بيت فاطمة (عليها السلام) وكسر سيف الزبير مذ خرج من الدار، وهكذا نري الزبير يتقرب إلي صف أبي بكر وعمر، وكلما تقرب لهم ابتعد عن علي (عليه السلام) وآله، حتي ظهرت آخر نواياه في نكث البيعة، وإعلانه الحرب علي علي (عليه السلام). نجد الزبير من الصحابة المذبذبين الانتهازيين مثل طلحة وأضرابه المار ذكرهم، يلتمسون مظاهر الحياة ويغرهم زخرفها، ويتقلبون حسب الظروف من شرك إلي إيمان، ثم مع علي (عليه السلام)، ومذ خاب ظنه وانتهي أمله من علي (عليه السلام) انقلب عليه وانتقل إلي مصاف أنداده وأضداده يتخذه أبو بكر وعمر مطية لأغراضهم وعائشة وعبد الله ابنه يحرضاه علي بغضه وعدائه لعلي (عليه السلام) فينحاز إلي صفوفهم ويخدعه مروان ومعاوية برسائله، فينجرف لإشعال فتنة، وأن يؤجج حربا عوانا علي أميره وصاحبه بالأمس وابن خاله دونما مصدر للعداء سوي بغضه الحق وإقامة العدالة من لدن أمير المؤمنين (عليه السلام). [ صفحه 495] هذا هو النفاق وهذا هو الانتهاز والخداع والمكر والتذبذب، هذا هو الظلم، هذا هو المكر السئ الذي يحيق بأهله، هذا هو الجشع والطمع والخسة والدناءة، وقد وجدنا صحابة لرسول الله (صلي الله عليه وآله) لم تزحزحهم عن دينهم الهدايا والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والمقامات المرموقة ولا التهديد ولا الوعيد، أحرار أتقياء أبدا مؤمنون لا تأخذهم في الله لومة لائم، أمثال أبي ذر وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وحجر بن عدي وأمثالهم مثال التقوي والإخلاص والإنسانية، ممن ملأت قلوبهم محبة الله ورسوله لن يحيدون عن أوامره ونصوصه طرفة عين، فنعم السيرة سيرتهم، ونعم الإخلاص إخلاصهم، ما لوثوها بالأباطيل، ومضوا طاهرين أزكياء نجباء، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، حتي انتقلوا إلي الدار الباقية أحياء عند ربهم مستبشرين بضمائرهم النقية ونفوسهم التقية. بينما نري أمثال طلحة والزبير كيف خسروا دنياهم، وخربوا عقباهم، وانتقلوا إلي الدار الآخرة تحيط بهم أوزارهم الدنيئة وتذلهم أعمالهم الشنيئة، أقاموا الفتن، وحاددوا الله ورسوله وأمير المؤمنين وإمام المتقين، متلبسين بأشنع الجرائم، تجاوزوا الحدود ونكثوا العهود، وخاصموا الأولياء، وقتلوا الأبرياء، وناصروا الأشقياء. ويقف الزبير اليوم في محكمة العدل الإلهية ليجيب عما جنت يداه وزلت قدماه. السؤال (1): ما حداك أن تترك الصراط المستقيم، ووصايا الرسول، وتحادد أحب خلق الله لله ولرسوله، ذلك الطاهر الزكي علي بن أبي طالب (عليه السلام) المنصوص علي خلافته وموالاته من الله ورسوله، والمنعوت بكتابه وسنته إمام المتقين، وسيد [ صفحه 496] الوصيين، وأبا الأئمة الميامين، زوج البتول، وابن عم بل ونفس الرسول محاددا لله مناصرا لأعداء الله، محاربا لأولياء الله، تكنز أموال المسلمين من الذهب والفضة وتتهم الأبرياء، وتخون إمامك الذي بايعته في غدير خم، ثم بايعته بعد مقتل عثمان، فتنكث البيعة، وتقيمها فتنا خائنا غادرا مشتركا بالبهتان والآثام، ورافعا علم الخصام تقتل الأبرياء عمدا وصبرا من المسلمين، وتثيرها مع المنافقين الكافرين حربا عوانا علي سيد الوصيين (عليه السلام)، ومطية الهوي ألعوبة النساء مهزلة الأوغاد بعد مصاحبة رسول الله ومحبة أهل البيت والجهاد والتضحية، دنياك فاشلة وعقباك بالعذاب متواصلة لبئس ما جنت يداك. الجواب: أعترف بكل ما مر، بيد أني كنت ناسيا حتي ذكرني أمير المؤمنين عليا بحديث رسول الله أني سأنقلب علي علي وأحاربه بعد المودة وأقاطعه في الشدة، فرأيتها معجزة من أنباء الغيب التي حفظها سيد المرسلين من وحي رب العالمين، وللمرة الأولي صرت مؤمنا حقا وعندها اعتزلت الحرب وطلبت الصفح من الرب. السؤال (2): أما كان عليك وأنت في قبيل المعركة أن تحول دون قيامها وتصد عن اشتباكها وخصامها، وتمنع المرأة الجانية وصاحبك من الولوج في الهاوية، وابنك الخبيث وأنت أحد أوتادها وزعيم أوغادها؟ الجواب: لعمري إنهم انقلبوا علي وساموني بالجبن والخيانة، وما انصاعوا للوعظ [ صفحه 497] والنصيحة، وأصروا علي الجنايات والفضيحة. السؤال (3): إن صح تبت وآمنت بالولاية، واعتزلت الجناية، أما كان واجب عليك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنت تسمع كلام الله يقول في سورة الحجرات، الآية (9): - (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيئ إلي أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) -. والآية الأخري التي تليها: - (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) -. أما كان عليك أن تنحاز إلي صف علي (عليه السلام) وقد أيقنت بحقه وتحارب من لا ينصاع للحق؟ الجواب: لم آل جهدا قبلها من إثارة الحرب وعدت لم آل جهدا من إخمادها، بيد ذهبت جهودي سدي واعتزلتها مستغفرا عساهم إن وجدوني علي تلك الشاكلة أن يعوا ويرعووا، ولقد كان لمروان وآل أمية والمنافقين المحرضين لطلحة وعائشة وعبد الله ابني اليد الطولي، ولقد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، وأنا فقد قتلت بعد التوبة وشملتني الحوبة. فيرد عليه صوت: خلطت عملا صالحا وآخر سيئا، فعسي الله أن يغفر لك وهو أعلم وأحكم بالسرائر، والخبير بالصغائر والكبائر والواقف علي الضمائر والقاهر فوق كل قاهر والشديد علي المنافق والماكر والكافر، وبالتوابين الأوابين لطيف غافر. [ صفحه 498]

معاوية بن أبي سفيان

صنيعة القاسطين ومكمنهم وبؤرة الموبقات لمخزنهم، الوارث الأعظم للشرك والنفاق والمكر والشقاق، سليل الفجرة الكاذبين، وربيب المردة الغاصبين، منبع الشرور والفسق والفجور، معيد الجاهلية الثانية تحت نقاب الإسلام، والمستهتر بمقدسات خير الأنام. محطم الإيمان، وعميل الشيطان، مجدد الأحزاب، وجامع الأذناب، مهدم الدين، وقاتل المتقين، ناشر الضلالات وأخبث السلالات، ماحق الصدق والعدل والأمانة، ومؤسس الكذب والتدليس والتزوير والخيانة، المشرك المنافق الكافر، والفاسق الظالم الفاجر، مبدع كل شر ومنكر، وقطب كل رذيلة ومصدر، مشوه الحقائق ومبدل الوثائق، الجامع للموبقات الكبائر، وناشرها بالقسر والحيلة وشراء الدين والضمائر. نعم هذا معاوية خليفة أبي سفيان رأس الأحزاب المشرك، أبو سفيان الذي أثارها حروب شعواء علي المسلمين لإبادتهم ومحقهم وسانده هذا اللعين ابنه وأذله الله تحت راية الإسلام، عاد ثانية تحت راية الغاصبين وإسنادهم له، يقلده أبو بكر ويعزه ويؤمره عمر، مناصرا له بالقول والعمل ومؤيدا له، ومشيدا به، لا يردعه استنكار الصحابة، ولا يأبه في سيرته المستعابة، ينعته في رذائله وموبقاته، ويسنده بقوله إنه كسري العرب، يغير ويبدل ويحاسب سواه، ويعطف عليه ويسنده بإقرانه وابن عمه عثمان فيما نواه. وأنك إذا راجعت التاريخ ونظرت إلي خلافة أبي بكر ومن نصبه لا تجد غير أبي عبيدة الجراح وعمر ومن قربا لا تجد سوي آل أمية، ممثلا بأمين سرهم عثمان وأبناء أبي سفيان وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأضرابهم، ومن بعدا وحجرا عليه نجدهم في الدرجة الأولي أقرب الأقربين من رسول الله (صلي الله عليه وآله) [ صفحه 499] وأتقاهم من آله وصحبه المهاجرين والأنصار. وكلما مر الزمن وجدتهم ثبتوا أقدام اتباعهم وفي مقدمتهم آل أمية وإبعاد خصومهم، حتي أمالوها تماما لآل أمية وخصوهم بها عامدين، كما مر وذكرناه في الأجزاء السابقة أخص كتاب عمر وأخص الشوري العمرية وعهدها لعثمان ككتاب منصوص كما أدلي بها أبو بكر لعمر بكتاب منصوص وكلاهما استبد استبدادا مطلقا، بل وأشد وتحت مخالفة الأمة بل ومخالفة أعوانهم وأقربائهم كاعتراض طلحة علي ابن عمه أبي بكر وقيام المسلمين في عهد عمر وشوراه. وحينما نطالع أعمال عثمان المارة وإعلانه محاباة بني أمية وإرهاق المتقين من الصحابة والأمة الإسلامية حتي قتل. وقيام معاوية ومخاصمته خليفة المسلمين الذي أجمعت عليه الأمة ونص عليه الله ورسوله وخلقه الفتن واختصاصه بالقاسطين الذين قتلوا عمار بن ياسر تلك الفئة الضالة التي وردت في أحاديث متواترة من الأحاديث المسلمة حينما قال (صلي الله عليه وآله): تقتل عمار الفئة الضالة تلك الفئة التي جمعت ولاة أبي بكر وعمر وعثمان وفي رأسهم معاوية ويسنده عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأذنابهم وأتباعهم. وقد ورد كنص متواتر عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لعن أفراد هذه الفئة، وقد مرت بأسمائهم، كما وردت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن عصمة علي وبنيه (عليهم السلام) وتزكيتهم وأن مبغض علي (عليه السلام) منافق وكافر وسابه كمن سب الله ورسوله (صلي الله عليه وآله)، وقد مرت بأسانيدها، فكيف بمن جد في حربه ومقاتلته وقتل خيرة الصحابة حربا وصبرا؟ بل سم الحسن (عليه السلام) سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعدما لم يأل جهدا من غصب مقامه الذي أجمع عليه خيار المسلمين وبث قواده الظلمة كابن أرطأة وغيره، وقد مر ذكرهم، يقتلون وينهبون ويسبون الأبرياء من سكان البلاد الإسلامية، ولم يخلص من قسوتهم وظلمهم النساء [ صفحه 500] والأطفال. كل ذلك تحت إمرة رئيس العصبة الباغية معاوية وأعوانه الذين اشتري دينهم وضمائرهم معترفين بالمنكرات والموبقات مثل ابن العاص وبيعه الآخرة بالدنيا. هذا المغيرة يكفر معاوية ويقول: إنه أخبث من وجد، وهذا ابن العاص يعترف بجنايات معاوية، وإنه باع دنياه له، وتلك قصيدته الجلجلية في مدح علي (عليه السلام) وذم معاوية، وويل لمن كفره نمرود، وهو قاتل العبد الصالح محمد بن أبي بكر بأمر معاوية. وهذا معاوية يقتل مالك الأشتر سما وحجرا صبرا، وينصب المشانق والمجازر ويأمر عماله بالفتك بخيرة صحابة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وحرمانهم وسجنهم، وسم الحسن واستلحاق زياد ابن أبيه بأبي سفيان، وأخذ البيعة كرها من الأمة لابنه الفاجر يزيد، ونشر الأكاذيب والدس والتحريف والتزوير، ووضع الكرامات لأبي بكر وعمر وعثمان حتي بلوغهم فوق درجات الأنبياء والمرسلين، ونسبة الرذائل والحط من مقام رسول الله (صلي الله عليه وآله) وآله، وفرض سب وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله) ووصيه خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله) المنصوص في الكتاب والسنة بعد كل صلاة. هذا معاوية الملعون من الله ورسوله، وهذه أحاديث رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولعنه له وأمره بقتله إن رقي منبره، وبالتالي من هو المسؤول بتسليط هذا الظالم علي رقاب المسلمين وتربيته وإمداده حيا وميتا، هذا الفاجر المحادد لله ولرسوله (صلي الله عليه وآله) ولأولياء الله، هذا السفاك القاتل عمدا والآمر بقتل خيار الأمة وأئمة المسلمين. وهذا الفاسق المحرف والكذاب الواضع المزيف، هذا المنافق الذي استعمل أموال الأمة للقضاء علي أصول الشريعة وشراء الضمائر وبث الفساد. وهذا الظالم الجائر السفاك ومن تابعه وأشاد به ومن أعانه ونصبه يقف ليحاكم علي موبقاته وإذا به يسكت فتنطق جوارحه، ما تقشعر منه الأبدان وتهول منه [ صفحه 501] القلوب وتأباه النفوس فيلقي التبعة علي أبي بكر وعمر فاسمعه في محاكمته واسمع الشهود عليه من أتباعه. راجع ما مر من أعماله في الكتاب السابع، وراجع اعترافه برسالته إلي محمد بن أبي بكر المارة، بأنه إنما بلغ ما بلغ وعمل ما عمل واتبع ما اتبع إنما باتباعه أبا بكر وعمر واقتدائه بأقوالهما وأعمالهما ووصاياهما وهما اللذان سلطاه وخولاه ونصباه ومداه عارفين عامدين، وهما اللذان منعا الحديث ليدون كي يعمل في عهده ما عمله من الدس والتحريف، وما نسبه لهما إنما هو اعترافه بفضلهما ومنتهما عليه، وتفويضهما إليه مداه وأوصياه وجهزاه وأولياه فهما القدوة، وهو المقتدي، وهما هداته وهو المهتدي. وهما اللذان ربيا له من الفجرة من شد أزره، وأيد نصره، وأقام حكمه وقضي علي خصمه، وقد شهد بما لعلي (عليه السلام) وآله من المكرمات، وأنهما غصباه وأغضباه وأحلا به الشدائد وقصدا به المعضلات والمكايد. وهما به الهموم وألبا عليه الخصوم، وحجرا علي الصحابة حتي لا تجد من روي حديثا عن رسول الله أو فسر شيئا من كلام إلا خاف عمر ودرته وخشي غضبه وصولته. فهما علماه القسوة وربياه علي إذلالهم بالسطوة، وقطع دابر آل محمد وشيعتهم ورفع مقام خصومهم ومنعتهم. وما عثمان وخلافته إلا جسرا أراد بها الوصول إلي خلافته وفرض سلطته، وقطع دابر الأبرار الصالحين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. فما مددت يدي إلي صحابي أو تجاسرت علي عترة أو قاتلت من قاتلت فقد سبقاني، وضرب مثلا بما فعلاه مع فاطمة وبعلها من غصب وقطع وإغضاب، وما فعله من تزوير وتحوير ودس وتحريف فقد بدأ به من منع الرواية والحديث وتدوينها وإطلاق لسان عائشة وأمثالها، لتقول ما تشاء وتتحدث ما تريد بتناقض بل وأشد من ذلك. [ صفحه 502] فأول من وضع ونسب لرسول الله هو أبو بكر بالحديث الذي وضعه لغصب فدك نحلة فاطمة الزهراء، مخالفا بذلك نصوص الكتاب والمنطق غير هياب ولا مرتاب يؤيده علي ذلك صاحبه عمر، حين أراد إعادة فدك بعد أن وجد الفضيحة والأدلة الصريحة فمزق كتابه عمر، وأصر علي الغصب وكأنهما اتفقا منذ البداية حتي وجدناه يحرم آل رسول الله من الخمس. ويخالفان النصوص ويجتهدان في مورد النص، وقد بدأها أبو بكر بقتل مالك وقومه، ولطالما أصر علي الفتك بيد أمثال خالد، وهو الذي أمر بقتل علي في صلاة ثم امتنع خشية العاقبة، ولا نجد عملا عمله ولا استبدادا بالأمة استبده، ولا نهجا انتهجه أو امتنع منه إلا وكانا له القدوة في السيرة وأنهما سبقاه في تقريره كل عمل قام به إنما هو يتصل بعملهما منذ السقيفة، كسلسلة تشد بعضها بعضا محكمة عنيفة، تشابهت أدرانها وتشابكت أسنانها. السؤال (1): ولكنك تجاوزت الحد، وأزدت الشر، وتظاهرت بالمنكرات، وأسرفت بالمحرمات حتي كفرك قرينك بالفجور وشريكك في الأمور ذلك المغيرة وعمرو بن العاص وبنو عمك. الجواب: كلا وألف كلا، فأين أنا ممن أسسا أساس الظلم، وقد صحبا رسول الله وسمعا كلام الله ووصايا رسوله، وما أن مات انقلبا غاصبين تراثه لا يهمهم نص منزل في الكتاب ولا سنة نشرها في الخطاب، يعملان بآرائهما يبعدان القريب ويقربان البعيد، يحاددان الله في فروضه المنزلة الحكيمة ورسوله في وصاياه الواضحة [ صفحه 503] القويمة، يزيحان من شاءا ويقران من أرادا. ينكثان العهود المعقودة بأمر الله ورسوله الأمين ليقرا ما نهيا عنه من أصول وفروع الدين، يمنعان الصراط القويم ليعيدا سيرة القديم، فاتبعنا أثرهما واقتدينا بهما فوجدنا بهما ضالتنا قائمة ووجدا بنا طاعة لنشر أوامرهما الصارمة، اتخذا الشريعة قناعا لبلوغ الأهداف. واتبعناهما حتي وصلت إلينا خالصة وتملكتها أيدينا قانصة أزحنا الستار وأعلناها جهار، وكنا أكثر صراحة وأقل وقاحة، وصحونا يتجاوز الحدود ونكث العهود، وهما أشد منا صدودا، والله وملائكته علي ما نقول شهود. فأولئك أئمتنا بهم اقتدينا وبهداهم اهتدينا فأضلونا السبيل والله حسبهم ونعم الوكيل. السؤال (2): أما علمت أن الأمة أجمعت علي علي (عليه السلام) إجماعا قاطعا حقيقيا لم يسبق له نظير؟ الجواب: ولقد علما من الكتاب أعظم من إجماع الأمة، ومن الرسول وصاياه الجمة، من نصوص منزلة في علي وأحاديث متواترة بعدها تلي. وهما اللذان بايعاه بعدها في غدير خم، والأمة مجمعة منذ البداية، وقاطعاه بالنص والرواية، فمن أحري منا بالعقاب وأقرب للعذاب. السؤال (3): وما سبب خروجك علي الكتاب والسنة، وأن تزيد إلي المحن أشدها محنة. [ صفحه 504] الجواب: مقتديا بهما متابعا هواي، ومفضل دنياي فهما أشد مني سابقة ومراودة، وأقرب لرسوله مواددة، وأجدر بابتعادهما عن المحاددة، فأينا أشد زلة، وأينا ناقض خلة. السؤال (4): ما دعاك لقتل محمد بن أبي بكر، وقد علمت فضل أباه عليك؟ الجواب: إنه غير سيرة أبيه عنا مواددا لمحمد وعلي وآله، ومبتعدا عنا في فعاله وخصاله. السؤال (5): ما دعاك لسم عبد الرحمن بن أبي بكر وعائشة إذن؟ الجواب: لأنهما أصبحا خطرا علي في سيرتي التي أقرني عليها أبو بكر وعمر، فأبي الأول بيعة يزيد أنفة لا دينا، وتابعة الثانية أخاها وشذت من خطاها، كأنها اعتادت الفتنة وتظاهرت بالمنة، ولا نأمل بها الجنة. السؤال (6): ما دعاك لتنكث عهدك للحسن، وقد علمت أن الأمة أجمعت عليه، ووجد لتنازله حقنا للدماء، فما دعاك لتشد عليه الخناق وتقتله سما دون إرفاق؟ الجواب: ما للعهد وقيمته وقد سبقاني أئمتي أبو بكر وعمر إلي نكثه، وكان أحري بهما [ صفحه 505] لحفظه، وقد كانا هداتي أتبع خطاهما وأسير علي هداهما، وأما الحسن فقد وجدت فيه عرقلة لبيعة يزيد خليفتي، وقد أوعدته أن لا أعهد إلي أحد بعدي واتركها شوري للأمة، ولم يكن الحسن خير من أبيه بعد أن حاربته وخاصمته، وقد سبقاني لغصبه، ومخاصمته أبو بكر وعمر، وقد هما به الهموم وأراد به العظيم، وقتله بيد خالد لولا خشيتهما من سوء العاقبة فتركاه وهما يبعدانه ويحجران عليه، حتي ماتا. ولقد دعاني لقتله عمر، وهو الذي لقبني بكسري العرب، وهل كان كسري إلا سلطانا جائرا ومتكبرا كافرا، ورثها وورثها نسلا لنسل بعهد الأب لابنه، والآن جاء يريد مني أتركها للأمة، وهل تركها أبو بكر وعمر وهما قدوتي. السؤال (7): ما دعاك لسب علي (عليه السلام) وجعلها بدعة علي المنابر بعد كل صلاة، وأنت تعلم مقامه بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وأنه من سبه سب رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ومن سب رسول الله (صلي الله عليه وآله) سب الله، وهو أقرب للشرك بالله؟ الجواب: أما كان أبو بكر أعلم مني بمقامه يوم غصب مكانه ونكث العهد وغصب حق زوجته (نحلتها)، وأرسل إليه عمر مع عدة ليحرقوا بيته ويجلبوه قهرا ليبايع، وحينما وقف علي يدافع عن حقه وحق زوجته وأفلج أبا بكر وخرج وسمع أبو بكر ضجيج الناس وهمهمتهم عليه وعطفهم علي علي وفاطمة فقام وصعد المنبر وسب عليا وفاطمة كما ذكره، مشبها إياهما بالثعلب وأم طحال المومس وهو أعلم من غيره بمقام علي وأهل بيته الطاهرين. هذا والعهد قريب برسول الله والصحابة مجمعين عالمين بالحقائق، هذا وأبو [ صفحه 506] بكر من الصحابة المهاجرين وممن حضر أكبر الوقائع وسمع كلام الله ورسوله، فماذا يرجي بأمثالنا الذين حاربناه في أكثر المواقع نحن الموتورين رؤساء الأحزاب، الذين وجدنا عزتنا بالاحتفاف بأبي بكر وعمر، ولم نجد ملمسا بالصحابة المحبين لعلي وآل البيت، ونحن وأبو بكر وعمر لم نغير منذ البداية سيرتنا ومسيرتنا، علم بعقائدنا وعرف بضمائرنا، وقد وجدنا فيه بغيتنا فسرنا علي منهجه، ولقد كان السب علي الشاكلة التي مرت من أمنيات الشيخين للنقص من مقام علي بعد أن قطع ومنع تدوين الحديث، وسد باب معرفة فضائلهم، ووصايا رسول الله فيهم. السؤال (8): كيف استهترت وأنت خليفة المسلمين، تشرب الخمر وتلبس الحرير، وتتخذ من الخضراء مقصورة، وتنوع طعامك كطعام الملوك وتبذخ بأموال المسلمين ذلك البذخ؟ الجواب: أما الخمرة فقد أباحها لي أبو بكر وعمر، فقد جمعتنا وإياهم المجامع. أما تري أبا بكر يشربها حتي يثمل وينعي قتلي قريش المشركين وهو مسلم حتي يعلم بذلك رسول الله ويأتيه آخذا بتلابيبه، ومثله عمر ظل يعاقرها باسم النبيذ حتي سويعات مرت قبيل موته، وهو يحد من شربها مرة ثم يبيحها مع الماء وثانية كان هو المشرع لهذا الدين وكأن الماء يمنع أثرها، ويعتذر أنها تقطع لحوم الإبل كأن غيره لم يأكل لحم الإبل وحسبك قتله ابنه المريض المقام عليه الحد، والذي شربها غير متعمد وهو يجهل بأنها خمرة. وأما لبسي وبذخي وشربي، فقد كان يعلم بها عمر نفسه ألا تراه ينعتني [ صفحه 507] بأن معاوية كسري العرب، وألا تراه يهدد بي عليا يوم الشوري، إذ هو أعلم بي وما سيؤول بعده الأمر، ويعلم أن الحكم الذي غصبه من أهله والسيرة التي سار عليها لا يحفظها له سواي وسوي آل بيتي، وتلك أفعاله وأقواله وشوراه شاهدة. السؤال (9): ما سبب إرهاقك الأمة بالعسف والاستبداد وإراقة الدماء والحجر علي الأبدان والنفوس ومطاردة البررة والأبرياء؟ الجواب: ماذا عمله أبو بكر لإشادة ملكه حين أرسل أعوانه أمثال خالد إلي مالك بن نويرة وحرقه الفجاءة وغيرها من الأعمال التي أخذها عليه عمر ذلك الفظ الغليظ وسلبه نحلة فاطمة، وأعماله مع آل البيت وفي مقدمته عليا ولو طال به الأمد لوجدت في سيرته العجائب، ولم يجد من يعهد إليه أشد من عمر، وقد وجدنا عمر كيف سار علي سيرته من الاستبداد بالمهاجرين والأنصار بدرته الهاوية علي الرؤوس وإرهاق السائلين، ومعاملته مع ولاته وبالتالي استبداده في الكبيرة والصغيرة حتي مد يده إلي نصوص الكتاب الصريحة يبدلها دون عذر. حتي بلغ به الأمر قبيل موته استبداده بأمر الشوري التي بلغت من الاستبداد والاستنكار أقصاه، وهي أم المفاسد والمذابح والتفرقة، وهي التي كانت كنص مكتوب لنا بأخذ زمام الحكم والاستحواذ علي مقدرات الأمة قهرا ورغما عن أنوف قاطبة الأفراد والجماعات عدا العصبة القليلة التي استحكمت بالحكم في فترة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان بما مدوهم بها من تجربة وبسطة في المال وتسليما لأزمة الأمور. [ صفحه 508] وبعدها كيف يجب أن تحكم أمة مقهورة مرغمة علي أمرها، ألا تجدها كيف قتلت عثمان حينما وجدت منه ضعفا، والعاقل لا يغلب من حجر مرتين، فكان علي وأنا خليفة أبي بكر وعمر وعثمان الأخذ بزمام الأمور بالمكر والخداع والعسف والصراع وشراء الضمائر والقضاء علي الأحرار وقطع دابر الأبرار. السؤال (10): من أين أتيت بالأموال التي بقيت ترشي بها الأفراد تشتري بها دينهم وضمائرهم، تلك التي سلبتها من بيوت مال المسلمين المفروضة صرفها علي المسلمين، واستعملتها لأغراضك ومآربك، وإيقاع الفتن والخصام والحروب في الأمة والغارات والحملات علي الأقاليم الإسلامية وخلق البدع والأكاذيب وتزوير الأحاديث والروايات؟ الجواب: يا تري أكان أبو بكر وعمر لا يعلمان ذلك؟ وعمر إذ شاطر عماله وحاشاني وحاباني، وإذ علم بأني أجمع وأرابي وأعيش عيشة الملوك وأبذخ وأعمل ما أشاء، ألم يكونا يعلمان ذلك أم يجهلان؟ أخص عمر، المعروف ببث الجواسيس، وهؤلاء الصحابة استمرت دعاياتهم ضدي ينقلون لعمر حقائق من أمري وهو قد تركني أفعل ما أشاء ثم تراه يحابيني باستخلاف ابن عمي عثمان، وهو يعرف بذخه ومحاباته لآله أخص لي، وقد أعلن ذلك عمر نفسه قبيل الشوري. فهو إذن كان شريكي في أعمالي ومؤيدي في أفعالي وممدي في أموالي ليرفع مقامي ويشد زمامي ويصدق كلامي، ويهيئ فيما يلي قيامي، يضم لي المال والمآل ويسلب من آل محمد ما استطاع منها المآل، وكل سار بسيرة الاستبداد [ صفحه 509] اختلفنا بمقتضيات الزمان، وكان البرقع الإسلامي يضم تحته ما كشفته اليوم فظهر بي ما أخفوه وبان مستتر بالقناع في ما أضمروه فشاع. ووالله الذي صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده ما بلغت ما بلغته إلا بهم، وما اعتديت إلا بما جهزوني وما صنعت إلا بما أدبوني وما تجرأت إلا بما خولوني عارفين عامدين والخلاف بيني وبينهم أنهم عملوا ما شاءوا تحت شعار القدسية الإسلامية يعلنون خلاف ما يبطنون ويعملون بما لا يظهرون، مظاهر إسلامية وأفعال إجرامية، أعلنوا الكتاب والسنة وساروا بها بحكم الأسنة، فالبدعة بغصبهم وسيرتهم والخصام ومحاربة الأمة بسطوتهم ومنع تدوين السنة والحديث إنما أرادوا بها الوقيعة والخداع بعد وقف الحقائق عن الأسماع. هذه نتيجة مقاصدهم وتلك أهداف لمعاضدهم اتفقنا في النية وسرنا علي نفس السجية. السؤال (11): ما دعاك تقتل الصحابة والمسلمين حربا ومتابعتك ذلك صبرا، أمثال حجر وأصحابه، ومالك وعمرو بن الحمق وأضرابهما؟ الجواب: لأنهم أفسدوا أمرنا بنشر الحقائق، لا يخشون لومة لائم، ولا ترهبهم المشانق، ولهم علينا أمثالها سوابق، فهم خصومنا في العقيدة، أعيتنا الحيلة معهم والمكيدة. السؤال (12): ما دعاك لرفع المصاحف وأنت لا تقرها ولا تتبعها، وقد دعاك إليها قبل الحرب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأبيت؟ [ صفحه 510] الجواب: لما كنا لعلي منذ السقيفة مخاصمين ومحاربين والحرب خدعة، ولم نركن لدين وبها خلقنا لعلي أعظم المشاكل، وخروج قسم من جيشه عليه اضطر لوضع الحرب ومحاربتهم، وقد قتل بيد أحدهم في محرابه، وقد ثبت أن رئيسهم هو ذو الخويصرة التميمي الذي أمر رسول الله أبا بكر وعمر بقتله في حياته فامتنعا فقال إنها أول فتنة في الإسلام، ومنها تتصل وتتوثق جهود أبي بكر وعمر مع جهودنا في حرب علي ممتدة من عهد محمد بدأها أئمتنا أبو بكر وعمر بمخالفة محمد وأنهيناها بصفين والنهروان بحرب علي فمن هو المعاقب ومن هو أحق بالعقاب البادئ أو التابع أم كلاهما؟ السؤال (13): وما قولك في الوضع والتدليس وتعميم أحاديث كاذبة وكرامات ترفع بها مقام أبي بكر وعمر وآل أمية، وتحط بها من فضائل محمد (صلي الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وعترتهم؟ الجواب: لتغرير العامة الجاهلة قد بدأها أبو بكر وعمر يوم منعا تدوين الحديث والسنة، وأطلقا العنان لعائشة وأضرابها من الرجال والنساء للوضع والتزوير، حتي لقد بدأها أبو بكر حينما أتي بحديثه الذي أسنده إلي محمد، قوله: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة. وقد ظهر وبان كذبه حينما عارضت الرواية نصوص الكتاب المنزل وناقضته واشتهر تزويره، ولم يؤيده أحد، بل أجمع الكل علي كذبه، وكان غصبا لنحلة فاطمة التي أعطاها رسول الله لها وأنزعها منها، ورغم أن أبا بكر أقر بكذبه عملا، بيد نري عمر يصر علي الغصب وبعدها قام أبو بكر بتمزيق ما جمعه من الأحاديث [ صفحه 511] النبوية ومنع تدوين أية سنة وحديث بعدها. وما تلك إلا كمقدمة اتفقنا عملا علي القيام بها، يعني قطع الحقيقة وإبطالها، ووضع ما يناسبنا من الأحاديث بعد ذلك، والحرب سجال ومكر وخداع وتزوير ورياء بالأبدان والأفكار في ميادين الحروب وساحات القتال بالسيف والسنان طورا أو تسميم العقائد، وتحوير الأذهان وتسخيرها أخري. بدأوها بالنفي والإثبات ماكرين، وأتممناها مثلهم بنفس النية قاهرين، هدفنا تحوير العقيدة للوصول إلي ما نبغيه ونريده، منابذة الدين وتحطيم اليقين وتسديد الخيانة علي الأمين وخبط الماء الزلال للصيد فيه بالدس والضلال. السؤال (14): ما أردت من استلحاقك زيادا؟ الجواب: لقد علمني أبو بكر وعمر درسا قبلها باستلحاقهم أمثال زياد مثل عمرو بن العاص وآل أمية والمغيرة بن شعبة وخالد بن الوليد من أولئك المطعون في نسبهم، وكان زياد أحدهم، وقد طراه عمر طراء، وبلغ به الذكاء حدا أنه أخلص لعلي وهو من الندرة في الذكاء، ومثلي يعرف كيف يستميل مثل زياد ويشتري دينه بعد أن علمت خبث مولده، ونقطة ضعفه، وأي خديعة أعظم أن أنسبه لأبي، وأستقر به لنفسي، فكنت بذلك أدركت فيه الثمرة وجلبت نظره، فمال بكله وهو العارف بموالي علي وذريته، وعترة محمد وشيعته، فانقلب عليهم، وقد كان يجدر بعلي وهو يعلم لا يبغضه إلا ابن زنا أن يتجنبه والصديق إذا انقلب عدوا كان أشد من العدو اللدود، كما قال الشاعر: احذر عدوك مرة++ واحذر صديقك ألف مرة فلربما انقلب الصديق++ فكان أعرف بالمضرة [ صفحه 512] ولقد وجدت في زياد عونا فاق الأعوان وخصما علي علي وذريته وشيعته فاقني خصومه أعرف بهم وبأوكارهم، ولقد جاء بمناوأة لهم فوق ما أرجوه وقسر تجاوز الحد، وشد أزري وامتثل أمري وكان الفضل في الصحابة الذين انتخبتهم لأبي بكر وعمر، لذا لم أعد سواهم وأستنصح ما عداهم، فقد تساوينا في النية والروية والأهداف والسجية منذ البداية حتي النهاية. السؤال (15): ما عنيت في خطابك للمغيرة بن شعبة (والله طما طما) حتي استشاط عليك غيظا وكفرك ورماك بقوله لم أجد أخبث منه [525] . الجواب: كلا والله وإن المغيرة لأشد مكرا ونفاقا وكفرا، فقد سبقني بذلك بغضا لمحمد وعداء لعترته ومحاددة للكتاب والسنة، وهو أعلم مني بمقام علي وما نزل فيه من القرآن، ووصايا محمد، وأنه وصيه وخليفته المنصوص، وهو أول محرض لأبي بكر وعمر صباح وفاة محمد قبيل السقيفة حين وجد أبا بكر وعمر يتربصان ويتجاذبان الحديث، وكأن الشيطان ألقي في روعه عما ينويان القيام به ويحذران فألقي في روعهما إمكان ذلك وحرضهما علي الغصب، بقوله ما ترجون من أهل هذا البيت وسعوها في قريش، فحفظا له هذه الدعوة وأكرماه علي مدي حياتهما بأسمي الولايات. وهذا المغيرة هو المحرض الأول لي علي استخلاف يزيد بعدي، وقد كنت [ صفحه 513] أخشي مغبة تلك فأدلي إلي بالرأي وكفاني مغبة أهل الكوفة بما فيها من شيعة وصحابة محمد وآله، وجرأني علي كلما عملت وبدأ بها نفسه، فما معني عمله في الأول والثاني إلا وهو يقصد محق دين محمد وردم آثاره وإعادة الجاهلية، وردم وطمر الإسلام، وقد علمت فيه ذلك ووثقت منه وإلا لم أجرأ أن أناجيه إلا بعد أن علمت بموالاته لأبي بكر وعمر واقتدائه بهم بالقضاء علي السنة والكتاب، والعمل بسيرتهم وما وجدوا لسلطتهم الصواب. وقد عرفوا علي من يتكلون في هذه المهمة، ويتقون عند الملمة، فأقصوا بعد الغصب بخيرة الصحابة عهدا، وأشدهم للدين بذلا وجهدا، في مقدمتهم علي وعترته وقومه وعشيرته ومواليه في إمرته، وموفيه في بيعته، وناصروا سلالة الأحزاب والمكرهين علي دين محمد بالأسنة والحراب، جمعتنا الدنيا وأهواؤها، ساخرين بمقدسات الشريعة، ومتخذينها لأهدافنا ذريعة، لطمر آثار محمد واسمه طما طما ودرس دينه وإعلاء كلمة أنداده وسيرتهم رسما ونظما، هكذا جاءت نية الغاصبين واتبعناهم لاحقين. السؤال (16): لماذا فرضت ابنك خليفة علي الأمة فرضا، وأنت تعرف طيشه وخبثه وكفره وعبثه، معلنا للفجور ومبيحا للشرور وغير مدبر في الأمور؟ الجواب: لم أنس كلمة عمر قط حين قال: معاوية كسري العرب فهي ملوكية وراثية، ولا كلمة عبد الرحمن بن عوف حين بايع عثمان علي سيرة الشيخين، وما في معناها سوي الاستبداد بالعهد دون مشورة، فاتبعت سيرة أشياخي أبي بكر وعمر، وقد أيدني بها صحابي وألقاه في روعي المغيرة بن شعبة، وقد ضمن لي إذ قال أن [ صفحه 514] أكفيك الكوفة وتوابعها، وما هي إلا الدنيا فلا دين فأرجو فيه العقبي من أمري، ولا ضمير يؤنبني في فكري، وقد بلغت أوج نصري ولا أخشي من ألقي له عذري. السؤال (17): ما رأيك فيما لحق بالمسلمين من الحيف والوهن وتفريق الكلمة وتمزيق الأمة، وإثارة الفتن والضعف والإحن، من المسؤول عنها؟ ألست أنت مؤسس السلالة الأموية ومحطم السنة النبوية؟ ناشر الأكاذيب وفاعل الأعاجيب، من محاددة الدين والفتك بالمتقين، قاتل الأخيار وناصر الأشرار، معيد الجاهلية ومحارب الله في وليه. الجواب: الحقيقة جلية للأنظار كالشمس في رابعة النهار، السقيفة أم الفتن والشوري بؤرة الفساد والإحن، انحراف عن الطريقة وانجراف إلي الهوة السحيقة، منها قام الخلاف ودب السم الزعاف وشمل الجسم فأوهنه، والروح فأسقمه وفتنه وظل عرضة للأدواء العنيفة والجراثيم المخيفة، قامت علي أيدي محاددة لأوامر الله ونواهيه، جارفة الأمة قهرا عن صراطها القويم وباعثة بها إلي مخاطر فتت في عضدها، ومزقت شملها. وما أنا إلا أداة وعون من الأعوان أقطابها اثنان أبو بكر وعمر وهما مؤسسوها، هما اللذان قلبوها من محمدية ناصعة جلية إلي بكرية عمرية، وأبدلا كتاب الله وسنته إلي سيرتهما ورأيهما حتي وجدنا يصارح بذلك عبد الرحمن بن عوف، وهو يخاطب عليا للبيعة فيقول له علي: أقبلها علي كتاب الله وسنة رسوله، فلا يرضي ويرضي بعثمان مذ قال: رضيت بسيرة الشيخين. أليس هذا عداء واعتداء صريح فاضح، وأبو بكر مؤسس السلالة الأموية [ صفحه 515] ومنبتها في الشام وعمر ساقيها ومقرها لي بعد عثمان، وما الشوري إلا كنص صريح وما الشوري إلا وهو يريد بها فتنة وخلق عناصر جديدة أنداد لعلي يعلنهم أكفاء له، حينما عجز أن يفرض نفسه وصاحبه كفؤا له أمام الخاصة والعامة إلا بدرته وقوته لا عقله وحكمته. ولكم أعلن علي جمهور الأمة تصغيره لنصوص الكتاب ومنعه من تحرير السنة وتدوينها، وهل هناك من ينكر مواقفه العديدة لمخالفة النصوص وفرض رأيه معلنا رأيه بمنع الأحكام والفروض وفرض ما ارتآه دون عذر ودليل ومنها يوم خطب جمهور المسلمين قائلا: متعتان كانتا علي عهد رسول الله حلالا وأنا محرمهما ومعاقب عليهما [526] . وأقسم بالله وأنا الآن أمام العدالة والقدرة وتشهد علي جوارحي لولا السقيفة لسارت الأمة إلي أوج السعادة ولسادت الشريعة الأصقاع عامة والبقاع، وشملتها العدالة والمساواة ولولا السقيفة والشوري والاستبداد بالأمة ومنع إعطائها حقها بالرأي لظلت أمة واحدة إخوانا متماسكون يشد بعضهم بعضا، ولما وجدت فيها صدعا وخلة، فأبو بكر وعمر مؤسسا السقيفة وعمر مؤسس الشوري. وحدهما منشأ شقاء الأمة وحرمان العالم من أسس العدل والمساواة والسعادة الدنيوية والأخروية، ونصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية وغاصبي مقام الولاية المنصوصة والإمامة المخصوصة، وأخذ زمام الحكم من أهلها ماكرين واستبدادهما بها جائرين، لا يرقبان بها إلا ولا ذمة، ولا يرعيان بها الله ورسوله ولا الأمة، بدآ بالفتك كسيرة وأقصيا الأخيار وسلطا الأشرار ذوي النفوس الحقيرة، فأولدت بذرتهما التفرقة والنفاق والوهن والشقاق. [ صفحه 516] سهم أصاب وراميه بذي سلم من في الطرق، لقد أبعدت مرماك، تلك نتائج أعمالهما وهذه نتائج وعوائد بذورهما، وكل إناء بالذي فيه ينضح. وما آن إلا نتاج بذورهما ومستودع إنائهما، وحاصل أعمالهما، ومكنون أسرارهما. السؤال (18): إنك متهم بهدم الكيان الإسلامي؟ الجواب: لقد قلت كلا وكررت قولي وها أني وقد انتقلت من حياة الآمال والخواطر والخيال والمظاهر، من متعة عابرة لمهازل كأشباح سافرة إلي حياة باقية وحقائق شافية، لا أهواء تستهويني ولا شيطان يغويني ولا منافق يغريني، إنها العقيدة المسيرة والغرائز المسيطرة، والخلق والطباع، منبع الصفاء وبؤرة النزاع، خيرها الحكمة واليقين بالله عند المتقين وشرها النفاق عند المنافقين، من حلي لسانه وخبث جنانه، مصدر الخيانة وآفة الأمانة، عدو الرحمن وقرين الشيطان. مقرها العقيدة، والعقيدة مقر الإرادة، والمسيطرة علي الفرد في خموله وجهاده في الخير والشر والحسن والقبيح، والغلط والصحيح. العقيدة تلك الروح الإلهية السامية أو الشيطانية الباغتة تلك التي تسيطر علي أجسام ذات أجزاء متشابهة، وأعضاء مثلها متساوية، تسوق هذه إلي الشرف والإنسانية، وأخري إلي الدناءة الحيوانية، أحدها عقد جمان والآخر جيفة تبان، تبعث في أحدها التسامي والرفعة للسماوات العليا، وبأخري إلي الحضيض والمهاوي السفلي، تسوق إحداها إلي أقدام ثابتة حكيمة متزنة إلي أهداف صحيحة لساحات الفوز والفلاح والنصر والصلاح لحياة سعيدة باقية، ولأخري دون الصفر الخمول والحرمان ونفس كسولة واهية ونزعة تعيدها إلي الهمجية [ صفحه 517] الماضية. وموت مادي أو معنوي في التالية، تظهر أفرادا مثلا عليا للبشرية الراقية وأخري مثالا للحقارة الدانية، تسوق هذه إلي الوجدانية والقدسية الإلهية، والبر والإحسان والتقوي والضمير الحي لنزعة الحرية، والرأي السديد لنشر العلم والعرفان والعدل والإحسان مملوءا بالخير والوجدان، وتعيد الأخري للشرك أو الإلحاد، والشقاق والنفاق، وإنكار الحقائق والشرور وردح العبودية والخضوع. هذه مصدرها العقل السليم الحاكم علي الغرائز وتلك مغلوبة بها، ومقهورة لديها، تبعث مثل محمد وعلي وذريتهم مبعث البر والإحسان ومنبع اليقين والوجدان، أو من حاد عن شريعتهم وحاددهم قرين الشيطان وعدو الرحمن ومآل الندم والخسران. وقد كنت نشأت في بيوت الشرك وأكرهت علي دين شط عن عقيدتي فتظاهرت مغلوبا حتي بلغت من أشد مني خطرا ومكرا وأمضي مني شررا وضرا، أظهر الصلاح في السير وأبطن الكفر والفسق والظلم فيما وصفه الكتاب في تعبيره [527] من صاحب محمدا وناسبه وتظاهر بالطاعة، حتي إذا مات انقلب علي خليفته وأتباعه، وأدني أنداده وأضداده وأقصي أحباءه وأوداءه، فأدناني إلي كنفه، وشملني بوده وعطفه، أسير في ركبه، وأقتفي دربه وأوادد وده، وأحارب حربه. اتفقنا في العقيدة، وكان أشد مني مكيدة، فقد أظهرت ما أكن فاشيا، وأبطن مراوغا ومتحاشيا، وشتان بين عدو ظاهر العداء وخصم يظهر الصداقة والولاء، وقوله تعالي في سورة النساء، الآية (145): - (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) -. [ صفحه 518] وقال الشاعر: احذر عدوك مرة++ واحذر صديقك ألف مرة فلربما انقلب الصديق++ فكان أعرف بالمضرة فأين هؤلاء مني وقد كانوا متغلغلين بالمصاهرة في قرارة بيت النبوة يسيطرون علي أسراره ويتقون أخطاره، ويتربصون به الدوائر ويحيكون لآله بعد موته المخاطر، ولولاهم ما بلغت مأربا ولا رويت مشربا، هم الأمناء الخائنون والصحابة المنافقون، هم علة العلل لهدم الكيان، ومصدر الشقاء في كل مكان وزمان. هم أشادوا الأحزاب بعد انهدامها، وأعادوا الجاهلية بعد انصرامها، أنصار الشيطان وأعداء الرحمن، وخصوم السنة والقرآن، أعادونا للوثبة، ومدونا بالمال والرتبة، جهزونا بالعدة واثبتوا أقدامنا في المدة. ماذا يجيبان الله في نصوص كتابه فيما نص عن ولايته ورسوله، فيما وصي به في خليفته وعترته، وطلب به صلة بضعته، وإن لم يكن نص ولا وصية فقد سلبا حق الأمة لانتخاب أميرها، واستبداد بالرأي علي مصيرها، فأبو بكر منتخب عمر وحسب وعمر منتخب أبي بكر، وعثمان وآل أمية منتخبهما عملا. كنص مكتوب وقرار مضروب ونهج محسوب وهدف مطلوب. معاوية يسأل: أولا: هل يحق لمثلي (معاوية) السؤال والاعتراض؟ الجواب: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، هذا يوم العدل يوم الحق والحقيقة، يوم تشهد [ صفحه 519] عليكم جوارحكم، ولا يغادر الله صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، عالم الغيب لا يغرب عنه شئ في الأرض ولا في السماء، الواقف علي السرائر والخفايا، لا خداع ولا رياء ولا مكر ولا مراء اليوم، ومن القسط أن تعترض وتجاب، لا ظلم اليوم ولا جفاء ولا تجاوز أو اعتداء. ثانيا: ألم يؤمن أبو بكر وعمر وعثمان ويقروا بالوحدانية، ويصدقوا رسول الله ويجاهدوا في سبيله، ويتحملوا المشقات في السلم والحرب، ويقيموا الصلاة ويؤدوا الفرائض وينتهوا عن النواهي في عهد رسول الله. وبعده ألم يقيموا الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد ويوسعوا بقعة الإسلام دائبين ليل نهار، ألم ينشروا دين الإسلام أينما بلغت فتوحاتهم؟ ويعلنوا كتاب الله ويسوسوا عباد الله، زاهدين في عيشهم، حالمين في طيشهم، ساهرين علي الرعية، مجدين في كل قضية، باذلين الجهود، مدافعين عن الحدود، ونحن سرنا بهم مقتدين وبسيرتهم مهتدين، شعارنا الإسلام وتحيتنا السلام، كتابنا القرآن، وهمنا السكينة والأمان، قمعنا الفتن، وعممنا السنن، واستقرت بعد الإحن، ألم يذكر الله ويقدس وتقام الصلاة، وتجري علي نبيه السلام والصلوات، ويجاهد في سبيله ويدافع عن تنزيله، أليست تلك أوامر الله ونواهيه أجريناها ومناهجه اتبعناها؟ الجواب: تري لماذا أرسل الله رسوله بشيرا ونذيرا وشاهدا وأرسل كتابه المنزل وما فيه من أحكام وفروض من أوامر ونواهي ونصوص، أمر باتباعها ومبشرا المتقين الصادعين بأمره بالعقبي السعيدة والجزاء الأوفي، ومنذرا المتخلفين عن حدوده والمحاددين لله ورسوله بالعذاب الأليم المهين. [ صفحه 520] ثم نعود لنبحث عما كان عليه وضع العالم قبل أن يرسل الله الأنبياء والمرسلين من الفوضي، والحكم الاستبدادي، واختلاف الطبقات، وتغلب الأقوياء واستثمار الضعفاء وسوء حالة البشر من الناحية الصحية، والفقر، والجهل، والعبودية الفردية، والعبودية الجماعية، والعقائد المتضاربة بين الأقطار وبين المدن وبين القبائل، وبين العوائل وحتي بين الأفراد، واندحار الفضيلة، والعقول المفكرة، واستعباد الأفراد بالقهر والغلبة، تارة واتخاذهم عبيدا أذلاء، أو التغلب علي أفكارهم وتحجير آرائهم، واستهتار الأقوياء وانجرافهم لأقصي ما توحي لهم غرائزهم وابتعادهم عن المنطق، وذلة المرأة وضعفها وخضوعها. ولنعد لعصر الجاهلية في قريش ودراسة حالهم، راجع الخطبة العصماء للزهراء البتول بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد موت رسول الله التي ألقتها علي المهاجرين والأنصار، وعرضها وضع قريش قبل الإسلام، وما أوجده أبوها وما أسرع أن انقلبوا بعد موته [528] . وتعال معي إلي بعض مميزات الإسلام الذي لم يسبقه سابق ولم يلحقه لاحق بها: 1 - الإيمان بالله الواحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، الخالق المصور القدير ذو الكمال المطلق العادل العالم الحكيم المبرئ من العيب والنقص الواقف علي السرائر والمسيطر علي خلقه، وفرض عبادته دون سواه. وعدم اتخاذ غيره شريكا يرجي ويخشي في صفة من صفاته، فأين هذا من عبادة الإنسان للانسان، والأوثان التي يصنعها بيده. 2 - العدالة، واتباع الحق، والأمر به علي القريب والبعيد والضعيف والقوي بحد سواء، ومن عدالته فرض الجزاء يوم القيامة. [ صفحه 521] 3 - التعقل وما يزيده، الحكمة، العلم، التجربة، قال تعالي في كثير من آياته أفلا تعقلون، أفلا تتفكرون، - (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) -، وقوله تعالي في سورة الزمر، الآيتان (17 و 18): - (بشر عباد - الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) -. 4 - المساواة بين الأفراد والجماعات دون تمييز إلا بالعلم والتقوي. قال تعالي في سورة الزمر، الآية (9): - (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) -. وقال تعالي في سورة القلم، الآية (35): - (أفنجعل المسلمين كالمجرمين) -، وقال (صلي الله عليه وآله): " كلكم من آدم وآدم تراب "، وقال تعالي في سورة الحجرات، الآية (13): - (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) -. وبه يمنع الاستبداد والاستعباد والظلم والاستغلال والاستثمار البدني والعقلي. ويتبع ذلك: الحرية البدنية والفكرية لكل فرد وجماعة كأفراد متساويين في الحقوق. 5 - الرحمة والبر والإحسان والتواضع (عدم التكبر)، حب الألفة والاتحاد، فالله هو الرحمن الرحيم ويحب من عباده من يتصف بها ويعطف علي عباده، قوله تعالي في سورة آل عمران، الآية (159): - (فبما رحمة من الله لنت لهم) -، - (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) -، وقوله تعالي في سورة القلم، الآية (4): - (وإنك لعلي خلق عظيم) -. ومنها إسداء المعروف للأحياء أخص البشر من المعونة المالية والبدنية والفكرية، قوله تعالي في سورة الضحي، الآية (10): - (وأما السائل فلا تنهر) -، وقوله تعالي في سورة البقرة، الآية (263): - (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذي) -، وقوله تعالي في سورة الدهر، الآية (8): - (ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) -. [ صفحه 522] ومنها المشاورة في الأمور الاجتماعية للرحمة والمساواة، قوله تعالي في سورة آل عمران، الآية (159): - (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله) -. 6 - التحلي بالإرادة وعزة النفس والشجاعة البدنية والأدبية، وعدم إدباره في الحروب، وعدم تذلله لغير الله، ودفع الخوف والهلع عن نفسه والاعتداد بالنفس، قال تعالي في سورة الأنفال، الآية (66): - (فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين) -. ومنعه الفرار والاستدبار في الحروب، قوله تعالي في سورة الأنفال، الآية (16): - (ومن يولهم يومئذ دبره..) -، والجهاد الأكبر ضد غرائز النفس المنكرة، والجهاد الأصغر في سبيل الله، والدفاع عن النفس والدين والمسلمين. 7 - السعي والعمل ومنع الكسل والخنوع والتكدي، قال تعالي في سورة النجم، الآيتان (39 و 40): - (وأن ليس للانسان إلا ما سعي - وأن سعيه سوف يري) -. 8 - التقوي والسابقة للإيمان، ويا لها من فضيلة مميزة، قوله تعالي في سورة الحجرات، الآية (13): - (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) -، وقال (صلي الله عليه وآله): " كلكم من آدم وآدم من تراب "، وقوله تعالي في سورة الواقعة، الآيتان (10 و 11): - (السابقون السابقون - أولئك المقربون) -، وخلاف التقوي، منع النفاق والخداع، والكذب والرياء والتزوير والتحريف، ومن كرائم التقوي النزاهة والإخلاص والصدق والوفاء ونكران الذات والجود بالنفس والمال في سبيل الله وإكرام خلقه. والتضحية في سبيل الخير، وتقديم الصالح العالم، والصراحة دون تدليس أو تزييف أو تحوير أو وضع وتحريف. 9 - إعلان حقوق الإنسان، قوله تعالي في سورة الحجرات، الآية (13): - (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) -. [ صفحه 523] 10 - وبالتالي عدم محاددة الله ورسوله فيما أمر ونهي في كتابه وأمر ونهي رسوله في سنته، وأن من خالفها فهو كافر وظالم وفاسق، كما ورد في سورة المائدة الآيات (44 و 45 و 47)، وغيرها من الآيات. وما ورد في وصايا رسول الله (صلي الله عليه وآله) الواردة في سورة الحجرات والإسراء ولقمان والبقرة والمائدة والنساء وغيرها بما فيها من نصوص وفروض وندب ونواهي، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وقد وجدنا أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) - (وما ينطق عن الهوي - إن هو إلا وحي يوحي) - فمخالفته إنما هي مخالفة الله ورسوله. ولا ننسي أن كلما ورد عن الله في كتابه وما أمر به رسول الله (صلي الله عليه وآله) لا يجوز البتة الاجتهاد فيه إذ الاجتهاد إنما يكون في غير موارد النص، فيما جاء من الفروع والتي لم نجد فيها نصا في الكتاب ولا في السنة وعندها نسير بها مطبقين حكم العدالة وإجماع علماء الأمة، العلماء المتقين، مقدمين الأعلم الأتقي الأعدل الأطهر من أولي الأمر الذين قال عنهم الكتاب أن ترجع الأمر إلي الله أو رسوله أو أولي الأمر، كما ورد في الآية القرآنية (55) من سورة المائدة: - (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) -. وقد أجمع المفسرون أنهم ثلاثة: 1 - الله. 2 - رسوله (صلي الله عليه وآله). 3 - علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي تصدق في صلاته. حيث إنه ثبتت طهارته في آية الطهارة قوله تعالي في سورة الأحزاب، الآية (33): - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) - وأهل البيت الذين أجمع عليهم المفسرون في الآية إنما هم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين. [ صفحه 524] كما ثبت في آية المباهلة، سورة آل عمران، الآية (61): - (فمن حاجك... فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) -. فأبناؤنا الحسن والحسين ونساؤنا فاطمة وأنفسنا محمد وعلي. وأيد ذلك رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنها نفس واحدة حين قال: " إن عليا لحمه لحمي ودمه دمي أنا منه وهو مني "، ويوم آخي بينه وبين علي، ويوم قال (صلي الله عليه وآله) " علي مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي "، ويوم قال: " أنا مدينة العلم وعلي بابها " [529] . ويوم الدار حينما خاطب (صلي الله عليه وآله) عشيرته الأقربين مشيرا إلي علي (عليه السلام) " أنه وصيي ووزيري وخليفتي فاسمعوا له وأطيعوا ". وأما يوم غدير خم فما أعظمه من يوم جمع من الشهود بين 100 إلي 200 ألف شاهد حينما جمعت له أقطاب الإبل وصعدها، وخطب (صلي الله عليه وآله) المسلمين آخذا بعضد علي (عليه السلام) قائلا: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه " ثم رفع طرفه إلي السماء قائلا: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله " وأمر الرجال والنساء بتهنئة علي (عليه السلام) والسلام عليه، والإقرار له بالولاية، فعلي (عليه السلام) نفس محمد (صلي الله عليه وآله) ووصيه وأخوه وخليفته، ومن حضر فقد بايعه، ومن لم يحضر فبأمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) الذي قال للحاضرين " الحاضر يبلغ الغائب أن عليا ولي كل مؤمن ومؤمنة "، يعني قائم مقام رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالولاية والوصاية والخلافة ومن نكث فإنما خالف الله ورسوله وحاددهما وطبق الآيات (44 و 45 و 47) من سورة المائدة فإنه كافر وظالم وفاسق، قد شاقق الله، وخالد في ناره. وإذا عدنا إلي التاريخ وسبرنا ما كان عليه الناس في الجاهلية في الأخلاق والعقائد من الجهل والفقر والشرك والتفرقة والاستهتار واستبداد الأقوياء [ صفحه 525] بالضعفاء والتعصبات والمنابزات والنعرات بين الأفراد والقبائل والمدن والعناصر والأجناس والألوان واللغات والمظالم، واستباحة المنكرات، والاعتداء علي النفوس وعلي الأموال وعلي الأعراض. والمشاحنات والخصومات، والمجاعات، وعبادة الأوثان، وتعدد الأرباب، وتشتت الآراء، ونكال المتنفذين بالمستضعفين [530] لشن الغارات والأحقاد والضغائن والثارات. ثم تعال معي إلي سيرة محمد (صلي الله عليه وآله) قبل البعثة وبعدها، وكيف قضي علي كل المعايب بالكتاب والسنة والسيرة النبوية هو وأهله وصحابته الأتقياء. ووحدته في عبادة الله وحده، ومساواته البشر في الحقوق والامتيازات قال (صلي الله عليه وآله): " كلكم من آدم وآدم من تراب " وقال تعالي في سورة الحجرات، الآية (13): - (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) - ومنعه المنابزات وجمعهم تحت لواء الأخوة، قوله تعالي في سورة الحجرات الآية (10): - (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) -. والآية (11) منها: - (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) -. تري كيف قضي علي المنابزات والعصبيات، وحث علي الإيمان والأخوة، وفي الآية (12) منها منع بها سوء الظن منبع الخلاف والإحن ومنع التجسس والغيبة، وكيف أصلح حال الأمة في النواحي الاقتصادية من أخذ الصدقات من الأغنياء وإعطائها للفقراء ومثلها في آية الغنائم والخمس والفئ وعدم كنز الأموال ومنع الربا وحلية البيع وتحريم الاعتداء والزنا والخمر والميسر وإسداء [ صفحه 526] الخيرات. ومنها عتق الإماء والعبيد، وحفظ الحقوق بين أفراد العائلة للأبوين والزوجين والأقرباء والأصدقاء، والمسلمين فيما بينهم، والحث علي العلم وكسبه، والنواهي بمنع الظلم ومنع الكذب، ومنع الافتراء، ومنع الخديعة والمكر والبهتان، قوله تعالي في سورة الأعراف، الآية (33): - (إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي) -. ثم نري سيرة رسول الله (صلي الله عليه وآله) مع أهله وصحابته ورعاياه وإثرته علي نفسه الفقراء والمساكين، ومعاملته علي حد سواء للأبيض والأسود والعربي والعجمي. فهذا أبو ذر الغفاري الصحابي العظيم يصغر بلال مولي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بكلمة فيؤنبه (صلي الله عليه وآله) فيضع أبو ذر خده علي التراب ولا يرفعها حتي يطأ بلال خده ليضع من كبريائه. وهذا سلمان الفارسي يقربه لتقواه، وعلمه، حتي يقول (صلي الله عليه وآله) " لا تقولوا سلمان الفارسي بل قولوا سلمان المحمدي "، " سلمان منا أهل البيت "، ولم يفرق بين أشراف قريش وأذنابهم سوي بالسابقة والتقوي والتضحية والعلم. ونراه كيف يهتم بالعلم يوم جاءت قريش لتفدي أسراها فرضي بالفدية مالا أو تعليم القرشيين الأسري للمؤمنين الأميين من أتباعه، ولم نره يوما يفضل عنصرا علي عنصر أو يرضي بالحسد والكبرياء والظلم والعدوان، وكل همه الألفة والمحبة والرحمة. وقد وجدنا في الكتاب الوصايا بالصدقة المادية والمعنوية، قوله: - (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذي) - وقوله تعالي في سورة البقرة، الآية (264): - (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذي) -. وقوله (صلي الله عليه وآله): " إنكم لم تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم ". [ صفحه 527] وقد وجدنا ما نزل في علي (عليه السلام) من الآيات فيه أكثر من ثلاثمائة آية مدحا، وفيه وفي آل رسول الله نحو من ربع القرآن، ومنها قوله تعالي في سورة التوبة، الآية (119): - (كونوا مع الصادقين) - يعني عليا (عليه السلام)، وقوله تعالي في سورة الدهر، الآيتان (8 و 9): - (ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا - إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) -. ولقد وجدنا رسول الله (صلي الله عليه وآله) حينما فتح مكة عنوة وتمكن من قريش ألد أعدائه كيف حررهم، وقال لهم " اذهبوا فأنتم الطلقاء " وقد تملكهم. ونراه كيف يشيد بمكارم الأخلاق يوم جيئ بأسري طي، وفيهم ابنة حاتم، وقد عرفها، قال (صلي الله عليه وآله): " أكرموا عزيز قوم ذل "، ثم قال: " إن أباها كان يحب مكارم الأخلاق " وأطلق سبيلها ورد لها إكراما لكرم حاتم ما سلب منها، وعندها آمنت ودعت له بأحسن الدعاء قائلة: أصاب الله ببرك مواضعه ولا جعل لك عند لئيم حاجة ولا سلب نعمة قوم إلا جعل ردها علي يديك. (كلام الملوك ملوك الكلام). وماثلة علي (عليه السلام) يوم فتح البصرة، ومنع جيشه من النهب والسلب والتعرض أكثر مما وصل بيدهم من غنائم الحرب في المعركة في حين أنهم المثيرين للحرب. بينما نري معاوية يأمر رجاله بالغارات علي المسلمين العزل، والسلب والقتل والفتك، وحتي النساء المسلمات والأطفال المسلمين لم يسلموا منه، ونراه يخص بالقضاء علي خيار الأمة ومحبي محمد وآله والصحابة القريبين من المهاجرين والأنصار أمثال حجر بن عدي وعمرو بن الحمق ومحمد بن أبي بكر، وما أمر به من القتل الفجيع علي أيدي ولاته وعماله وزيف وبدل وحرف ووضع من الأكاذيب علي الله وعلي رسوله، وتلاعب بأموال المسلمين تلك الأموال التي فرضها الله لمستحقيها في آيات الخمس والزكاة والفئ. [ صفحه 528] وقد وجدنا كيف كانت سيرة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وتعيين ولاته من نخبة وصفوة المؤمنين وأعظمهم دراية وإحاطة بالشريعة والعدالة، وكيف كان يراعي في قسمته بين الأمة، وكيف كان يرأف بالكبير والصغير ويصغي للسائلين. ووجدناه قبل البعثة وعهد الهجرة وقبلها، كيف كان ينفق ما عنده حتي إذا مات لم يبق عنده من مال الدنيا شئ، وقد وجدناه، تاجرا، راعيا، نبيا بشيرا ونذيرا، وناشر للكتاب والسنة وسايسا ومدبرا وعاملا في بيته وبين صحبه وقاضيا ومحاربا معهم، ومنظما في حلهم وترحالهم ومجاهدا بنفسه وماله ومخططا للدفاع والهجوم ومعمما علي البشرية دعوته في الغرب والشرق، وداعيا لأهل الكتاب بالتي هي أحسن، ومستدلا لكل من حضر لديه محاججا بالعقل والمنطق السليم، وناشرا المساواة والعدالة في شتي الشؤون، بل وزاد أنه كان متفضلا بتقسيم سهمه علي الغير. وهكذا سار علي سيرته أهل بيته وأخوه علي (عليه السلام) وصحابته المتقين الذين حفظوا له غيبته حتي اختارهم الله إلي جواره، لم يزلوا عن كتابه ولم يخالفوا أوامره، ولم تخدعهم الدنيا وزخرفها، مناصرين الله ورسوله مطيعين في أمره ونهيه متوادين آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، باذلين أنفسهم وأموالهم في سبيله لا تأخذهم في الله لومة لائم، لم تشملهم الآية: - (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم..) -. ولقد وقفنا علي الصحابة الذين عاشروا رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسمعوا كتاب الله ووصايا رسوله، وما أن مات حتي انقلبوا محاددين مخالفين أوامره ونواهيه ووصايا رسوله، ناكثين العهود وناقضين الوعود، مخالفين النصوص والسنن، بادئين بها باغتصاب الخلافة ومقام الوصاية والولاية والإمامة بالمكر والخديعة منقلبين علي من بايعوه بالأمس بأمر الله وأمر رسوله، غاصبين مقامه قاهرين [ صفحه 529] الأمة حتي إذا أخذوا بزمام الأمر أزادوا في الطنبور نغمات بإقصاء أولي الأمر بإقصاء السابقين الأولين ذوي العلم والتقوي، الطاهرين الأزكياء المجاهدين الأبرار أخي رسول الله وعترته وصحابته الأوفياء، مستبدلين الأشرار والمنافقين من الطلقاء الذين دخلوا الإسلام كرها الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الشرك والكفر، ماكرين مخادعين. ولم يكتفوا بهذه، بل جاوزها بغصب حقوقهم الخاصة مخالفين بها نصوص القرآن من سلب فدك والكذب علي رسول الله ومنع الخمس عن ذويه، والغارات والقتل والفتك بالمسلمين بيد أشرار الأمة، ومنع تدوين السنة والاستبداد المطلق بالأمة، وإبادة معارف العالم وحجر العلماء، وكم الأفواه، وسلب الحريات تحت كاهل الجيوش بقيادة أمثال من ماثلهم بالغصب والمنكرات كعمرو بن العاص ابن النابغة، وأبناء آكلة الأكباد، وسعد بن أبي وقاص الذي ظهرت حقيقته للأمة يوم بايع عثمان، وكنز الذهب والفضة هو وصهره عبد الرحمن بن عوف، وقادوا الأمة من السقيفة التي دبرها عمر لأبي بكر، واستبداد عمر بالأمة دون مشورتها، وعهده لعمر واستبداد عمر بالأمة دون مشورة، وقيامه بفتنة الشوري التي ما هي إلا كنص وعهد مكتوب من عمر إلي عثمان. أما معاوية فأضاف لها خلق مناوئين جدد للإسلام وأئمته المهضومين وبعد ماذا؟ وبعدها كنص مكتوب لكي تعود إلي أبناء الطلقاء من آل أمية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ولاة عمر وتلامذته وأعوانه الذين أشاد بهم ملكه وأعانوه علي سطوته واستبداده وأثابهم بالملك بعد أن اعترف بفضل علي (عليه السلام) وآل البيت، عالما بالظلم والظليمة، متعمدا بالقسر والجريمة، فأثابوه كما شاء ودبره، وعلم الحق وأنكره، بذر بذور الفساد فأتت أكلها في البلاد علي يد أعادوا بها [ صفحه 530] الجاهلية باسم الإسلام، والبربرية باسم السلام، أقاموا المساجد [531] والصلاة مكرا وخديعة لقمعها، ونشر مبادئهم، ونادا بالزكاة لجمع المال وإنفاقها خلاف شرعها لتبرير وبث مساوئهم، ونادوا بالإسلام وقمع الفتنة للقضاء علي مناوئهم. وهم الذين أولدوا أمر المحنة وحاددوا عن الكتاب والسنة، متنكرين في كل أعمالهم وأقوالهم، مستبدين جائرين معتدين همهم الفتك بالأحرار المتقين بيد الأشرار السفاكين. شيمتهم النفاق ونتائجهم الشقاق، وحدوها للظلم والخديعة، وشراء الضمائر الوضيعة والمجازر الشنيعة، رماد تحتها نيران متأججة، ووجوم يضم قلوبا متوهجة ومتحرجة، وكيف نطلب العلم من جاهل والتقوي من سافل، والمال من المعدم، والسلامة من المكلم، والرحمة من الظلوم، والرأفة من العدو الغشوم، والهدي ممن اتبع من اللحظات الأولي سبل الضلال واستبدل الحرام بالحلال، واجترأ علي نصوص القرآن، وحارب سنن الرسول في شريعته وآله. فمنع تدوينها وزاغ عن آله في تأويلها وتحويلها، ووضع وحرف وزور وزيف، وعاد عن سيرتهم لسيرة المستبدين الطغاة، وأرغم الأمة باستخلاف رسول الله بنفسه، ومن خلف عليهم ممن زاغ عن سيرة الهداة، تظاهروا بالشريعة واتبعوا المنكرات الشنيعة، والأخلاق الوضيعة والمظالم الفظيعة. كم من نص للكتاب خالفوه، وأمر من القرآن ونهي حاددوه، ووصية لرسوله جانبوها، وسنة له حاربوها، وحبيب له أغضبوه، وحق له سلبوه، وقريب له عذبوه، وعدو له صاحبوه وقربوه وواددوه، وعلي الأمة فرضوه. [ صفحه 531] أكانت العبرة بالفتوح، ورسول الله وهو مدبرها أم الانتصارات، وهو مقررها بالروح التي أودعها في القلوب والإيمان الذي أقره عند الكروب والحروب والشجاعة التي بعثها في النفوس، والطاعة التي أمكنها في الرؤوس، ذهبت كلها هدرا وتبددت شذرا ومذرا. فقد إئتمن الخائن، وعاد بعد انهزامه الشائن وقد مات الزعيم فأداروها لماضيها القديم، ناكثين بيعة الغدير وخليفته الأمين البصير، ناكث يوليها لناكث ويدبرها بعده لقاسط، وقاسط يودعها لقاسط ويستأثر بها مارق، بين منافقين كفروا بعد إيمانهم، ومتظاهرين بالدين قولهم عن السلام والوئام، وعملهم محشو بالعداء والخصام جمعوا حولهم مشركين، أسلموا مكرهين فاعلنوا الهدنة، وأبطنوا الحرب والفتنة يثيرهم منافقوا أهل الكتاب، ويتابعهم مردة الغباوة والجهل من كل مارق مشين، متكالبين علي تمزيق هذا الدين ماحقين أعلامه غاصبين أمناءه وخدامه، مدنسين مقدساته ومشوهين محسناته، فالكلام صفة المتكلم، والعمل صفة العامل، والقرين يعرف بقرينه، والمدبر يعرف بأمينه ومعينه، والحاصل نتاج العامل، والثمر نتاج الشاتل مما عمل وشتل، فلا يرجي من الحنظل عنبا، ولا من الشوك رطبا، فالثعلب يولد ثعلبا ماكرا والهزبر هزبرا كاسرا، والصل صلا نقيع سمه، والنحل شهدا شهيا أكله وطعمه، ومن خبث لا يخرج إلا نكدا، ومن حادد الله ورسوله فلا ترجو له رشدا. فأي سيرة يا معاوية وسبيل سلكتم، وأي كتاب وسنة اتبعتم، وأنت وأبوك وقومك رأس الشرك والأحزاب، وألد أعداء الإسلام في الجاهلية، وأنتم المنافقون بعد إكراهكم، فأنتم أشد بلية، اعترفت لمحمد بن أبي بكر بالحقيقة، وأعلنت له الصواب وطريقه، فاتبعت من اعترفت بشطه عن الصراط المستقيم، وسرت بها منذ البداية في لواء من أغواه الشيطان الرجيم، تشد أزره، وتزيد [ صفحه 532] وزره، وكل منكم متنكر عارف متعمد في سره وجهره، بدأوها بالغصب محاددين مشاققين لله ورسوله، وطمروا سنته وصغروا وحقروا وعذبوا خليفته وعترته، وحرموا الأمة من علمه وعدله وإمرته وحجروا علي صحابته كي لا يكونوا في نصرته، وأقاموها استبدادا دون مشورة، وخلافا لما أقره وما بشر به وأنذره، وكل منكم عالم بالحقائق واقف علي الدقائق، تتناجون علي الإثم والعدوان ومعصية الرسول، تغفلون جهالها وتقضون علي أعلامها وعمالها، وتستحلون دمائها وأموالها. فأي إسلام أسلمتم، وأي مساجد أقمتم، وأي فروض قضيتم، وأي دين اتبعتم، وأي هداة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) أمركم بإطاعتهم أطعتم، وأية دعوة له أجبتم، وأية شريعة ابتدعتم، وأي أكاذيب وخوارق في دين الله وشريعته وضعتم، وأي مساواة وعدالة أجريتم، وأي أولي أمر وأئمة أمركم باتباعهم وصلتهم وصلتم، وأي أموال فرضها للأمة وحقوق وصدقات من الخمس والزكاة جمعتم وكنزتم ووهبتم، وأية ضمائر بها اشتريتم، وأي نفوس وأعراض بها استهترتم، وأي ضعفاء ومتظلمين أبرياء استحللتم دماءهم وقتلتم، وأية أساطير ما أنزل الله بها من سلطان أذعتم، وأي خبيث وشرير لم تبيحوا له المنكرات من ولاتكم علي أمة محمد (صلي الله عليه وآله) وليتم، وأية كرامة لمحمد (صلي الله عليه وآله) وآله شوهتم، وأية مناقب ما أنزل الله بها من سلطان للغاصبين تراث رسول الله نسبتم وجعلتموها فروضا تحكي وتنشر في المكاتب حتي شب عليها الصغير، ومات وهرم عليها الكبير، وأية بدع ابتدعتم، وأي خلفاء غاصبين جائرين ظالمين سفاكين أعداء لله ولرسوله استخلفتم، وأية مذاهب وفرق وشقاق ونفاق وعداء بين الأمة الواحدة بأعمالهم وأقوالهم وأكاذيبكم ومخاريفكم بين الأمة المتراصة المتحدة المتآخية أوجدتم وأخذتم، وأية حروب شعواء علي الله ورسوله باسم الإسلام وعلي الإسلام والأحرار أضرمتم وأججتم. [ صفحه 533] سؤال: أنت معاوية وذويك وعشيرتك من جاء بكم، وأعانكم واستعان بكم ومدكم واستمد منكم وركزكم وشيدكم وأشاد بكم وحرضكم ونصركم واستنصر بكم، ومن أنتم أتيتم به علي نفس السيرة. ومن عاديتم وخلعتم وهتكتم وأقصيتم وقتلتم، أتري هل أسست أساسها من غير السقيفة والشوري؟ فمن هو مؤسسها ومدبرها، أليس أبو بكر وعمر وبمعونتكم أولوكم وأوليتموهم، والظالمين بعضهم أولياء بعض، والله ولي المتقين، - (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) - سورة الشعراء، الآية (227). سؤال: وأنت يا أبا بكر ما دعاك وأنت تعترف بالآية (7) من سورة الحشر: - (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) -، وقوله تعالي: - (وما ينطق عن الهوي - إن هو إلا وحي يوحي) - سورة النجم، الآيتان (3 و 4). والآيات الجمة الأخري، ولقد سألته أنت وعمر عمن سيخلف بعده فأجاب " خاصف النعل " وتعترف أنت وصاحبك بسبق علي (عليه السلام) وعلمه وتقواه وشجاعته وجهاده وتضحيته، وما نزل فيه في الكتاب، أخص آية الولاية وآية الطهارة وآية المباهلة وغيرها. وبعد فأنت الذي بايعته وهنأته في غدير خم، وتعلم حق العلم بأنه وصي رسول الله، بل نفسه وأخاه ووزيره وأبو عترته وباب علمه، ومن كرهه كافر ومنافق، ولا يخفي عليك أبدا أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لم يمت حتي أعلن كل شئ، وأنت قد قبلت ولايته وولاية علي (عليه السلام) بعده، فما حداك بيوم السقيفة وأخذ البيعة لنفسك. [ صفحه 534] الجواب: خشيت الفتنة بعد رسول الله، ووجدت الإسراع أحكم وأثبت لأمر المسلمين. سؤال: لو صح ما تقول، وقد انتهت الفتنة بحد قولك، فما دعاك من التنازل عن حق سلبته من أعوانه لأهله بعد أن استقر في يدك؟ وإذا غلب عليك الهوي وغريزة حب الجاه والدنيا، ما دعاك بعد سنتين وبعد أن سلبت فدك وحق آل محمد من الخمس وقرب أجلك، وقد علمت بدنوه حين طلبت كاتبك عثمان أن يكتب العهد، فلماذا لم تتب وتعيد الأمر لصاحبه، بل قدمتها رغم مخالفة أقرب الصحابة وأقربهم لك طلحة قدمتها لأغلظهم خلقا، وأقلهم علما، وأقلهم تضحية وسبقا. الجواب: الحق إنه صاحبي ومكمن سري وشريكي في أمري والمدبر الأول لأمر الخلافة لي، فليس من الإنصاف أن أغصب حقه، وأغض عن جهوده التي بذلها في سبيلي، فهو أول من بايعني، وهو الذي شد أمري ودبر إمارتي. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

پاورقي

[1] الأحزاب: 33.
[2] الرعد: 11.
[3] الإسراء: 16.
[4] الصف: 5.
[5] الأحزاب: 33.
[6] الشوري: 23.
[7] صحيح البخاري.
[8] الأحزاب: 57.
[9] المائدة: 55. [
[10] جمع المحدثون والمفسرون نحوا من ثلاثمئة آية نزلت في علي (ع) وحده، ج 1 و ج 2 ص106 في المواخاة وسد الأبواب إلا باب علي (ع).
[11] المائدة: 67.
[12] المائدة: 3.
[13] المائدة: 67.
[14] الحشر: 7.
[15] النجم: 3 - 4.
[16] المائدة: 44.
[17] المائدة: 45.
[18] المائدة: 47.
[19] آل عمران: 61.
[20] مر تفصيل ذلك في الجزء الأول تحت عنوان حديث الطير وأحب خلق الله لله ولرسوله (ص).
[21] ومن مفهوم المخالفة لكلام رسول الله (ص) عكس المعني لأبي بكر وعمر اللذين سبقا عليا وفرا ناكصين علي عقبيهما، وكم هناك من الآيات في ذم الفارين والناكصين علي أعقابهم.
[22] الأحزاب: 57.
[23] وقد مر في الجزء الأول والثاني والثالث والرابع: أن أبا بكر وعمر غصباها حقها وآذياها،وأنها ماتت غضبي داعية عليهما بعد كل صلاة. تجدها بأسانيدها.
[24] تجد أسانيدها في الجزء الأول من الموسوعة و ج 3 موضوع أولاد علي من فاطمة أولادالنبي وعترته.
[25] راجع الجزء الثاني والرابع كتاب عمر.
[26] راجع في الجزء الثاني من موسوعتنا ما ذكره صاحب كتاب رب القلم والسيف المترجم إلي الفارسية من الألمانية.
[27] راجع نهج البلاغة وشروحه، أخص شرح ابن أبي الحديد المعتزلي ج 3 آخر موضوع.
[28] راجع الجزء الثاني من موسوعتنا، وفيه تري إطباق أعدائه وأحبائه علي فضله وأسانيد فيكل المواضيع المارة.
[29] وفي موضع آخر قال (ص): " علي مني وأنا من علي ".
[30] الجزء الثاني من موسوعتنا في فضائل علي (ع).
[31] رواه أحمد في مسنده، وأبو المؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب، والمير سيد علي الهمداني الشافعي في مودة القربي، والحافظ أبو بكر البيهقي الشافعي في سننه،وغيرهم، عن رسول الله.
[32] الجزء الثاني في فضائل علي (ع).
[33] راجعه في ج 3 من موسوعتنا صبر علي مع الغاصبين وأسانيد وصايا رسول الله (ص) له بالصبر لأنهم سيغدرون به.
[34] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[35] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[36] لقد رقع علي لباسه حتي استاء ابن عمه عبد الله بن عباس فقال له علي: لقد رقعت مدرعتي حتي استحييت من راقعها ما لعلي من زينة الدنيا. كيف تفرح بلذة تفني ونعيم لايبقي. الجزء الثاني من موسوعتنا.
[37] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[38] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[39] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[40] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[41] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[42] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[43] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[44] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[45] عن الشيخ سليمان البلخي الحنفي في الباب السابع من ينابيع المودة أورد (24) حديثاأثبت بها أن عليا نفس محمد. راجع الجزء الثاني من موسوعتنا.
[46] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[47] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[48] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[49] الجزء الثاني من موسوعتنا وقد منع (ص) الصلاة البتراء، أي الصلاة عليه وحده، بل يجب أن يصلي عليه وعلي آله وسوف تري في إسناده أن آل البيت ساووا النبي في خمسة أشياء: في الصلاة عليهم في التشهد، وفي السلام، والطهارة، وفي تحريم الصدقة، وفي المحبة. قال الإمام الشافعي: يا أهل بيت رسول الله حبكم++ فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم القدر أنكم++ من لم يصل عليكم لا صلاة له الجزء الثاني من موسوعتنا.
[50] الصافات: 24.
[51] الجزء الثاني من موسوعتنا، الصواعق المحرقة: 101 للشيخ شمس الدين بن العربي: رأيت ولائي آل طه فريضة++ علي رغم أهل البعد يورثني القربي فما طلب المبعوث أجرا علي الهدي++ بتبليغه إلا المودة في القربي ولابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص 13: هم العروة الوثقي لمعتصم بها++ مناقبهم جاءت بوحي وإنزال مناقب في شوري وسورة هل أتي++ وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي وهم آل بيت المصطفي فودادهم++ علي الناس مفروض بحكم وإسجال الجزء الثاني من موسوعتنا.
[52] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[53] الفاتحة: 6.
[54] المؤمنون: 74.
[55] مناقب الخطيب الخوارزمي: 5203، وفرائد السمطين وكنز العمال: 402 وموسوعتنا ج 2.
[56] الصواعق المحرقة: 75، وإسعاف الراغبين: 161، والرياض النضرة 2: 177 و 244.
[57] الجزء الثاني من موسوعتنا في موضوع: لا يكون الجواز علي الصراط إلا بجواز علي.
[58] الجزء الثاني من موسوعتنا من حديث المنزلة.
[59] المائدة: 67.
[60] أخرجه الشيخ سلمان البلخي الحنفي في الباب 75 من ينابيع المودة، عن أبي مؤيد الموفق بن أحمد، أخطب خطباء خوارزم، بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن أبيه، نقل أن يوم خيبر أعطي رسول الله الراية لعلي بن أبي طالب وبيده فتح الله للمسلمين خيبرا. وعرف رسول الله عليا يوم غدير خم للناس بهذه العبارة أعلاه، وذكر الشيخ: " من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل علي محمد (ص) " كما أيد ذلك شيخ الإسلام الحمويني في فرائدالسمطين.
[61] أجمع علي ذلك محدث و الإسلام علي اختلاف رواتهم، وأجمع أهل الصحاح وأحمد وفحول المحدثين والرواة والمفسرين. جاء متواترا وأكثر تفصيلا، راجعه في الجزء الثاني من موسوعتنا.
[62] رواه أكثر من مئة من أساطين الحديث ورواته في السنة والجماعة وللأمام محمد بن إدريس قصيدة في الجزء الثاني من الموسوعة وتري مجموعة من أسانيد حديث الثقلين فيج 2 من موسوعتنا هذه، وفيهم أصحاب الصحاح وأجلة المحدثين.
[63] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[64] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[65] يعني كتاب الله أي القرآن.
[66] أي عترة رسول الله (ص). قال الإمام الشيخ محمد عبده: الثقل الأصغر هم الحسن والحسين. كما قال علي (ع) في خطبته (93) ج 1 من نهج البلاغة: انظروا إلي أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدي ولا يعيدوكم في ردي، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلوا ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا، وفي ج 2 الخطبة (234) قال (ع): هم صمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، هم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق إلي نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية، فإن رواة العلم كثيرون، ووعاته قليل. وقال في أخري: نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكمة. ناصرنا ومحبنا ينتظر الرحمة. راجع الجزء الثاني من موسوعتنا.
[67] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[68] الجزء الثاني من الموسوعة في فضائل علي (ع) وجاء في ص 19 في الخصائص العلوية للنسائي، وفي كنز العمال الحديث 6029 و 6032 ص 395 ج 6.
[69] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[70] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[71] الحديث 2528، كنز العمال.
[72] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[73] جاء في مناقب ابن المغازلي، وتفسير الدر المنثور للسيوطي، وتفسير كشف البيان للثعلبي أمام أصحاب الحديث، وتذكرة خواص الأمة لسبط ابن الجوزي ص 14 في نزول آية الولاية. وغيرهم تجده في الجزء الثاني من موسوعتنا أكثر تفصيلا، كما جاء في مسند الإمام أحمد. كما نزلت الآية في آخر سورة مريم بعد دعاء علي (عليه السلام) حينما دعا قائلا: اللهم اجعل لي عندك عهدا واجعل لي عندك ودا، فنزل جبريل بالآية: - (إن الذين آمنوا وعملواالصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) -. سورة مريم، الآية 96.
[74] تجد تفصيله في الجزء الثاني من موسوعتنا.
[75] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[76] الجزء الثاني من موسوعتنا.
[77] مروج الذهب 2: 51.
[78] الجزء الثاني من موسوعتنا هذه. وإليك نظم لأبي يعقوب في ما يلي: يا حبذا دوحة في الخلد نابتة++ ما في الجنان لها شبه من الشجر المصطفي أصلها والفرع فاطمة++ ثم اللقاح علي سيد البشر والهاشميان سبطاها لها ثمر++ والشيعة الورق الملتف بالثمر هذا مقال رسول الله جاء به++ أهل الروايات في العالي من الخبر إني بحبهم أرجو النجاة غدا++ والفوز في زمرة من أحسن الزمر.
[79] أخرجه ثقات المحدثين راجع الجزء الثاني من موسوعتنا والرواة أمثال ابن حجر والطبراني وابن عساكر وسبط ابن الجوزي، كما ورد في مجمع الزوائد والجامع الصغيروكنوز الحقائق.
[80] الأعراف: 58.
[81] النجم: 3 - 4.
[82] مريم: 96.
[83] الجزء الثاني موضوع الشيعة في موسوعتنا، ذكره محمد بن طلحة في كتاب مطالب السؤول، والحافظ أبو نعيم في كتابه منقبة المطهرين، والشيخ علي جفري، والإمام أحمد بن حنبل في مسنده، والسيد شهاب الدين في توضيح الدلائل، والسيوطي في الدر المنثور، وغيرهم، عن مصادر عديدة عن أسماء بنت عميس، وكثير من أجلة الصحابة، وعن ابن عباس.
[84] ص 24 من الباب الأول من كتاب رشفة الصادي في بحر فضائل بني النبي الهادي طبع مصر سنة 1303 ه، عن ابن عباس عن الكلبي، وص 24 من الباب الثاني منه، وتفسيرالرازي 7: 163 من تفسيره الكبير.
[85] ج 2 ص 157 - 158 في الشيعة آل محمد لمحمد في الفضائل.
[86] المائدة: 55.
[87] أورده الحميري في الصحيحين، والملا سعد في شرح العقائد.
[88] المائدة: 67.
[89] المائدة: 3.
[90] راجع الجزء الثاني من موسوعتنا هذه تري مجموعة من خرافات أبي هريرة نقلها صحيح البخاري ومسلم، والتي قالوا إنها أصح الكتب بعد القرآن. وأهيب بالقارئ أن يراجع اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي، وميزان الاعتدال، وتلخيص المستدرك للذهبي، وتذكرة الموضوعات لابن الجوزي، وتاريخ بغداد تأليف أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي. وأمثال أبي هريرة من الوضاعين الذين نقلوا عنهم هم عكرمة الخارجي، ومحمد بن عبد السمرقندي، ومحمد بن بيان، وإبراهيم بن مهدي الأيلي، ونبوسي بن أحمد الواسطي، ومحمد بن خالد الحبلي، وأحمد بن محمد اليماني، وعبد الله بن واقد الحراني، وأبو داود سليمان بن عمر، والكذاب، وعمران بن حطان الخارجي، وكثير أمثالهم. هؤلاء أعداء الإسلام وأعداء الله ورسوله (ص)، ثبت كذبهم عند العامة، ورغم ذلك نراها مثبتة في كتب البخاري ومسلم، هؤلاء الناقلون أبوا نقل الأحاديث المسندة من خيرة آل الرسول (ص) والمتواترة من الصحابة الخيرة.
[91] تجد الأسانيد في الجلد الثالث من موسوعتنا آخر موضوع فدك.
[92] المصدر نفسه.
[93] المصدر نفسه.
[94] المصدر نفسه.
[95] المصدر نفسه.
[96] المصدر نفسه.
[97] تذكر تشبيه أبي بكر لعلي وزوجته الطاهرة بالثعلب وسبهما وتشبيهه بأم طحال الزانية.
[98] راجع الجزء الثالث من موسوعتنا - موضوع فدك.
[99] المصدر السابق. [
[100] شرح ابن أبي الحديد 1: 364 كما جاء في أسانيد مثبتة راجع الجزء الثاني من موسوعتنا موضوع الشيعة وأم المؤمنين عائشة. وقد روت عائشة عن النبي (ص) أنه قال: " إن الله عهد إلي من خرج علي علي فهو كافر في النار " وحينما اعترضوا عليها في حربها الجمل فقالت نسيت الحديث.
[101] ذكره نور الدين المالكي في ص 43 من الفصول المهمة وابن أبي الحديد في شرح النهج وغيرهما ومثلها غزوة حنين فر الجميع سوي أربعة من المدافعين الذابين عن رسول الله (ص) راجع الجزء الثاني من موسوعتنا تجد الأسانيد.
[102] قال رسول الله (ص): " يا علي إنك ستبلي بعدي فلا تقاتلن " كنوز الدقائق للحناوي ص 188، كما بلغ رسول الله (ص) عليا (ع) أن الأمة ستغدر بك. راجع بذلك مستدرك الحاكم 3: 140 - 142، وتفصيله ما كتبنا في علي في موسوعتنا هذه (علي وصي رسول الله) وقد أخرجه أيضا إبراهيم بن محمد الثقفي وابن أبي الحديد في شرح النهج، وعلي بن محمدالهمداني من أبرز المحدثين لجماعة السنة.
[103] راجع الجزء الأول والثاني والثالث من موسوعتنا لتري الاحتجاجات التي كان النواصب أعداء آل البيت (ع) أنكروها، وراجع شرح نهج البلاغة لتري هنا وهناك الأدلة المؤكدة.
[104] المائدة: 55.
[105] النساء: 59.
[106] وهذا يخالف الأوامر المشددة في القرآن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
[107] الأحزاب: 6.
[108] التوبة: 119.
[109] الرعد: 7.
[110] الأنعام: 153.
[111] الأعراف: 181.
[112] آل عمران: 33 - 34.
[113] فاطر: 32.
[114] راجع أولي الأمر في الجزء الثالث من موسوعتنا لتري المصادر الأخر.
[115] عن الإمام أبي بكر الجصاص الرازي الحنفي المتوفي سنة (310) في أحكام القرآن ج 1 ص 388. الأخلاق بين أهل العلم في تحريم القمار، وأن المخاطرة من القمار. قال ابن عباس: إن المخاطرة قمار، وإن أهل الجاهلية كانوا يخاطرون علي المال والزوجة وكان مباحا، إلي أن ورد تحريمه، وقد خاطر أبو بكر الصديق المشركين حين نزلت: - (ألم - غلبت الروم) -. كما ذكر ذلك عن أبي بكر الإسكافي في الرد علي رسالة العثمانية للجاحظ ص 34، وشرح ابن أبي الحديد للنهج ج 3 ص 234 من الاجتماع عند أبي بكر للندوة والشرب. وأيد بذلك وأخرجه الفاكهي في كتاب مكة بإسناده عن أبي القموص قال: شرب أبو بكر الخمرة في الجاهلية وأنشد الأبيات. وفي زمن إسلامه ظل يعاقرها حتي بعد نزول الأولي والثانية الدالة علي كراهيتها والامتناع عنها، بل وحتي عند نزول آخر آية حرمت فيه، وفيها رثي قتلي مشركي قريش، فبلغ ذلك رسول الله (صلي الله عليه وآله) فجاء مغضبا وأخذ بتلابيبه وهم بضربه حتي قال: أعوذ بالله من غضب رسول الله، وكان مجلسهم يجمع عشرة بينهم عمر وأبو عبيدة، وغيرهم وساقيهم أنس بن مالك. ذكر ذلك الترمذي في نوادر الأصول ص 66، وأضاف مما تنكره القلوب، وذكره ابن حجر في الإصابة ج 4 ص 22، والطبري ج 2 ص 203، تجد تفصيله في موسوعتنا هذه ج 3 فيسابقة أبي بكر بإسناده.
[116] راجع ما رواه ابن عبد ربه في العقد الفريد والنصوص الأخري الواردة في الجزء الثالث من موسوعتنا فيما يخص سابقة أبي بكر، أخص منها: كشف الغمة 2: 154 للإمام الشعرائي. والإمام أبا بكر الجصاص الرازي الحنفي، وكتاب الرد علي رسالة العثمانية للإسكافي رد علي الجاحظ ص 34، وشرح ابن أبي الحديد، ونوادر الأصول للترمذي ص 66. تجد تفصيله في الجزء الثالث من موسوعتنا هذه موضوع سابقة أبي بكر. وفيها تستطيع أن تراجع الصحاح وأخص منها صحيح البخاري في تفسيره آية الخمر، ومثله صحيح مسلم في التفسير، والإمام أحمد في مسنده 3: 181 و 227 والهيثمي في مجمع الزوائد 5: 589.
[117] راجع موسوعتنا الجلد الثالث موضوع إيمان أبي بكر ودينه.
[118] ألم تخبر الأخبار عن فتح خيبر++ ففيها لذي اللب الملب أعاجيب وإن أنسي لا أنسي اللذين تقدما++ وفرهما والفرقد علي حوب وللراية العظمي وقد ذهبا بها++ ملابس ذل فوقها وجلابيب يشلهما من آل موسي شمردل++ طويل نجاد السيف أجيد يعبوب يمج منونا سيفه وسنانه++ ويلهب نارا غمده والأنابيب أحضرهما أم حضر أخرج خاضب++ وذان هما أم ناعم الخد مخضوب عذرتكما إن الحمام لمبغض++ وإن بقاء النفس للنفس محبوب ليكره طعم الموت والموت طالب++ فكيف يلذ الموت والموت مطلوب.
[119] طالع موسوعتنا الجزء الثالث موضوع سرية أسامة لتري تخلف القوم رغم تحريض رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي كرر مرات ومرات أمره بإنفاذ جيش أسامة ولعن المتخلفين عنه. أجمع علي ذلك أهل السير والأخبار كطبقات ابن سعد، وتاريخ الطبري، وابن الأثير، والسيرة الحلبية، والسيرة الدحلانية، والملل والنحل للشهرستاني وقال الحلبي في سيرته: إن سن أسامة آنذاك كان في السابعة عشرة وهو أمير المهاجرين والأنصار، وتحت قيادته أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وطلحة والزبير وأضرابهم فماذا أراد بذلك الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) إلا ليظهر مقام هؤلاء المتخاصمين بعد موته بالنسبة لعلي (عليه السلام) الذي استبقاه عنده. ولم يهتم رسول الله (صلي الله عليه وآله) بسرية كاهتمامه بمثل هذه السرية حتي بلغ به أن يصعد المنبر ويلعن المتخلفين.
[120] راجع موسوعتنا الجزء الثالث موضوع هل اتبع أبو بكر أحكام الله وسنن نبيه (صلي الله عليه وآله) في حياته ومماته. ومعارضه عمر أول عصيان في وجه النبي (صلي الله عليه وآله) وأيضا أول فتنة يبدأها عمر في الإسلام.
[121] آل عمران: 144.
[122] الزلزلة: 7 - 8.
[123] راجع الجزء الثالث من موسوعتنا فيما يخص أبا بكر، والجزء الرابع فيما يخص عمر لتقفعلي الأسانيد.
[124] راجع أسانيد ما قلنا في المجلد الثالث من موسوعتنا هذه، المحاكمات في الموضوع أعلاه بالذات لتري الرواة الثقات وآراء أئمة الحديث وغيرهم.
[125] راجع كتابنا الرابع من الموسوعة.
[126] راجع موسوعتنا ج 5 في علم أبي بكر: قوله: وددت أني لم أكشف عن بيت فاطمة وتركته ولو أغلق علي حرب، ووددت أني إذ أتيت بالفجاءة لم أكن أحرقته، وقتلته بالحديد أو أطلقته، ووددت أني سألت رسول الله فيمن هذا الأمر فكنا لا نتنازعه أهله. راجع المصادر: رواية المبرد عن ابن عوف ورواية الخصال، وراجع أبا عبيدة في الأموال ص 131. وتاريخ الطبري 4: 52، والإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 18، ومروج الذهب للمسعودي 1: 114، والعقد الفريد لابن عبد ربه 2: 254 وراجع أسانيدهم من رجال الصحاح.
[127] راجع الجزء الأول والثاني من موسوعتنا.
[128] وهي توحي للجميع عن هذا الحديث المختلق يسره رسول الله (ص) لأبي بكر وحده، ولم يذكره لأحد حتي لوصيه وأخيه وخليفته وبضعته وصحابته وزوجاته، ثم عطفت قائلة - والخزي والعار بعد ظهور اختلاق الحديث يحز قلب المختلق ويفضحه ولا يستطيع رده - فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة. وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون ولكل نبأ مستقر.
[129] راجع الجزء الثالث من موسوعتنا - فدك - أبو بكر يهجو عليا لتري من سب عليا فقد كفر.
[130] راجع تاريخ المدينة للسمهوري المتوفي 911 ه، وياقوت الحموي الرومي ابن عبد الله في معجم البلدان، وابن أبي الحديد في شرح النهج 4: 81، وذكروا سلبها وإعادتها المرات العديدة، ثم طالع في موسوعتنا الجزء الثالث - فدك -، ما كتبه المأمون بشهادته عن فدكل عامله بالمدينة وهو يأمره بإعادتها للفاطميين هذا مع أسانيدها.
[131] تري أسانيد آخر مؤيدة أيضا في الجزء الثالث من موسوعتنا في فدك - خبر الصحابي العدل - وفاطمة سيدة نساء العالمين.
[132] المصدر السابق.
[133] طالع كتاب عمر، الكتاب الرابع من موسوعتنا.
[134] راجع موسوعتنا الجزء الثالث حول منع تدوين الحديث، ورسول الله (ص) يمنع الكذب عليه.
[135] المصدر السابق.
[136] راجع تفصيل ذلك في الجزء الثالث من موسوعتنا موضوع مالك بن نويرة آخر الجزء.
[137] قال الفضل روي جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن خيثمة قال ذكر عنه عمر بن الخطاب قتل مالك بن نويرة فقال: قتله والله مسلما ولقد نصبت في ذلك ونازلت أبا بكر فيه كل المنازلة في قتال من منع الزكاة فأبي إلا قتالهم وسبيهم، فلما رأيته قد لج به شيطانه في خطأه وعزم عليه، أمسكت عجزا عنه وخوفا منه، ولقد ألححت عليه في ذلك يوما حتي قال لي: يا بن الخطاب إنك لحدب علي أهل الكفر بالله والردة علي الإسلام، فأمسكت عنه ولمبيح دمائهم كان أحدب علي أهل الكفر. ومن يسأل عمر: وأنت تعرف ذلك فكيف بايعته وسلطته علي المسلمين وأخرت من قلت فيه: لو وليكم لأقامكم علي المحجة البيضاء والصراط المستقيم، وأنت الذي تعمدت حرمان علي منها وتقديمها للكفرة الفجرة من آل أمية. ومن هذا الحديث تعلم أن أبا بكر كان متعمدا قتل مالك وسبي أهله، وهو رغم ذلك قداعترف بأن خالدا اجتهد وأخطأ. ثم تراه يقر ما فعله خالد من القتل بعلمه وأمره.
[138] ومن شاء أكثر تفصيلا فليراجع موضوع المؤلفة قلوبهم في الجزء الثالث من موسوعتناهذه.
[139] يستطيع الطالب لذلك مراجعة سابقته قبل الإسلام في الجزء الرابع من موسوعتنا، ومراجعة العقد الفريد 1: 91، وشرح ابن أبي الحديد، وفائق الزمخشري 2: 28، والاستيعاب 2: 428، والرياض النضرة 2: 50، وتاريخ أبي الفداء 1: 165، والخلفاء للنجار: 113، ولسان العرب 17: 112، وتاج العروس للزبيدي 9: 262، والفتوحات الإسلامية 2: 423، والإصابة 4: 29، والاستيعاب بهامش الإصابة 4: 291، كان يقف في سوق عكاض ويسمي عميرا وبيده عصا يفزع به الصبيان، ونجده في أخري يرعي الإبل في وادي ضجنان، يرعب ويتعب إذا عمل، ويضرب إذا قصر، كما في الاستيعاب. كما نجده مرة يقوم هو وأبوه الحطاب يحمل حزمة الحطب علي رأسه مع أبيه الخطاب، وما منهما إلا في غرة: وهي بردة صوف تلبسها الإماء لا يبلغ رسفيه. راجع فائق الزمخشري، والعقد الفريد.
[140] راجع الطبري 1: 7، ومستدرك الحاكم 3: 305، وتفسير القرطبي 8: 238، وتفسير الزمخشري 2: 46، وابن كثير 2: 323، والدر المنثور 3: 269، وكنز العمال 1: 285 و287، وتفسير الشوكاني 2: 379، وروح المعاني طبع المنيرية 1: 8.
[141] راجع ج 4 موضوع شكاية عبد الرحمن بن عمر لتري فيه الأسانيد من المحدثين.
[142] البقرة: 219.
[143] النساء: 43.
[144] المائدة: 90.
[145] راجع لسان العرب 14: 272، وتاج العروس 8: 175، أيدها الجصاص في أحكام القرآن 1: 380.
[146] راجع تاريخ الخطيب البغدادي 8: 358، والدر المنثور للسيوطي 1: 252.
[147] سيرة ابن هشام 1: 368.
[148] سنن البيهقي الكبري 10: 214.
[149] أخرج ذلك ابن الجوزي في سيرة عمر ص 98، وكنز العمال 3: 107، ومنتخب الكنزبهامش مسند أحمد 2: 428، والخلفاء الراشدون لعبد الوهاب النجار ص 238.
[150] صحيح الحاكم عن سالم بن عبد الله قال: إن أبا بكر وعمر وناسا جلسوا بعد وفاة النبي (ص) فذكروا أعظم الكبائر فلم يكن لهم فيها علم فأرسلوني لعبد الله بن عمر أسأله فأخبرني: أن أعظم الكبائر شرب الخمر، فرجعت وأخبرتهم فأنكروا ذلك ووثبوا جميعا حتي أتوه في داره فأخبرهم أن رسول الله (ص) ذكر قصة أثبت بها ذلك. راجع مستدرك الحاكم 4: 147، والترغيب والترهيب 3: 105، والدر المنثور 2: 323.
[151] ولسوف تري فيما بعد كيف أن رسول الله (ص) حرمها وقال سيأتي قوم يستحلون الربا بالتجارة، والخمرة بالنبيذ، والسحت بالهدية. وأن رسول الله (ص) قال في سنته: كلما أسكر كثيره فقليله حرام.راجع بذلك كنز العمال 3: 109، وجامع مسانيد أبي حنيفة 2: 190 و 215.
[152] البقرة: 44.
[153] راجع سنن الدارمي 2: 113، وسنن النسائي 8: 300 و 301، وسنن البيهقي 8: 296، عن جابر وابن عمر عن رسول الله (ص): " ما أسكر كثيره فقليله حرام ". وأيد ذلك أبو داود في سننه 22: 129، وأحمد في مسنده 25: 167، و 2: 343. وجاء في صحيح الترمذي 1: 342، وسنن ابن ماجة 2: 332، ومصابيح السنة للبغوي 2:67، وتاريخ الخطيب 3: 190 و 327.
[154] سنن أبي داود 2: 130، وصحيح الترمذي 1: 342، وسنن البيهقي، وجامع أصول ابن الأثير، كما في التفسير 2: 173، والسندي في شرح سنن النسائي.
[155] راجع أيضا البيهقي 8: 300 و 301، وسنن النسائي 8: 329، وكنز العمال 3: 119 - 110،وتيسير الوصول 2: 178، وجامع مسانيد أبي حنيفة 2: 191.
[156] الموطأ 2: 180 في جامع تحريم الخمر.
[157] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 95.
[158] راجع كامل المبرد عن النبي (ص). وابن طاووس في طرائفه من كتاب الحافظ محمد بن موسي الشيرازي، الذي استخرجه من تفاسير الثقات الاثني عشر.
[159] راجع حياة الصحابة 2: 153 و 3: 5 عن صحيح مسلم.
[160] راجع كتاب بين يدي عمر: 11 و 57 و 58، وشرح نهج البلاغة 1: 95 ط مصر 1329 لابن أبي الحديد. وذكرت مجلة الأزهر 4: 275 سنة 1358 و ج 9 عام 1357، وحياة الصحابة2: 602: أن عمر ينكر علي رسول الله (ص) بصلاته علي ابن أبي فيغيض رسول الله (ص).
[161] راجع صحيح مسلم.
[162] راجع حياة الصحابة 3: 189، والطبراني والدارمي في فتح الباري ج 9، قال (ص): والذي نفس محمد بيده.
[163] التوبة: 61.
[164] راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 61 و 2: 20، وفي الشرح إقرار من عمر صريح بمخالفة رسول الله (ص) معترفا أنه (ص) إنما كان يريد كتابة العهد لعلي (ع)، وأنه صده متعمدا معبرا بذلك أنه عرف مصلحة الإسلام لعدم وقوع الفتنة، وأي فتنة أعظم منعمله، ومن كان يقوم بالفتنة دونه ودون حزبه؟.
[165] راجع صحيح البخاري 1: 22، ومسلم في صحيحه 2: 14، وأحمد في مسنده 1: 325، وقد هذبوا بها كلمة عمر: إن النبي ليهجر، كل آخذا لفظا آخر. وأخرجه أبو بكر أحمد بن العزيز الجوهري في كتاب السقيفة 2: 20.
[166] أخرجه في كنز العمال 3: 138.
[167] النجم: 2 - 5.
[168] في تاريخ بغداد للإمام أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر، وأيضا في شرح نهج البلاغة 3: 97: إن عمر حاور مرة ابن عباس قائلا: كيف خلفت ابن عمك؟ قال: فظننته يعني عبد الله بن جعفر. قال: فقلت خلفته مع أترابه. فقال: لم أعن ذلك، إنما عنيت عظيمكم أهل البيت. قال: قلت: خلفته يمتح بالغرب وهو يقرأ القرآن. قال يا عبد الله عليك دماء البدن أن كتمتنيها: هل بقي في نفسه شئ من أمر الخلافة؟ قال: قلت نعم. قال: أيزعم أن رسول الله (ص) نص عليه. قال ابن عباس: وأزيدك سألت أبي عما يدعي من نص رسول الله عليه بالخلافة. قال: صدق. فقال عمر: كان رسول الله في أمره ذرو (يعني كان رسول الله يرفع مقام علي) من قول لا يثبت حجة ولا يقطع عذرا، ولقد كان يربع (أي يمتحن رسول الله القوم هل يقبلوه خليفة أم لا) في أمره وقتا ما ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعته من ذلك.
[169] في تاريخ ابن الأثير حوادث عمر، حوادث سنة 23 ص 24 ج 3، وشرح نهج البلاغة 3: 207.
[170] راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 105: قال عمر: يا ابن عباس. ما أري صاحبك إلا مظلوما. فقلت: يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته. قال: فانتزع يده من يدي ومضي يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته. فقال: يا ابن عباس، ما أظنهم منعهم عنه إلا أنه استصغره قومه، فقلت له: والله ما استصغره الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك. قال: فأعرض عني وأسرع، فرجعت عنه.
[171] راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
[172] الزمر: 30.
[173] آل عمران: 144.
[174] راجع أم الفتن المفصلة بأسنادها في الجلد الثالث من موسوعتنا هذه. وطالع العقد الفريد،مناظرة المأمون الخليفة العباسي مع الأربعين فقيه.
[175] راجع الأمم والملوك 3: 212، وتاريخ الخلفاء ص 111، والفتوحات الإسلامية 2: 377 ط مصر 1354، والصواعق المحرقة ص 18، وحياة الحيوان الكبري 1: 45.
[176] جاء في صحيح البخاري 2: 185 و 3: 163 عن رسول الله (ص): فاطمة بضعة مني، من آذاها آذاني، ومن آذاني آذي الله. وجاء أيضا في 2: 115 و 3: 25: إن فاطمة ماتت وهي غضبي علي أبي بكر وعمر، لأنهما آذياها. وقد مرت أحاديث مسندة بذلك، وقد قال الله تعالي في سورة الأحزاب، الآية (57):- (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) -.
[177] راجع الفتوحات الإسلامية 2: 480، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 110.
[178] ومن شاء التفصيل فليراجع النص والاجتهاد للعلامة الحجة السيد شرف الدين، ليري ما يقارب من أربعين نصا قرآنيا خالف فيها عمر.
[179] رواها الزمخشري في ربيع الأبرار، باب اللهو واللذات، والقصف واللعب. كما أخرجه شهاب الدين الأبشيهي في المستظرف 2: 291 والطبري في تفسيره.
[180] يقصد بابن كبشة رسول الله (ص) الذي ينتسب إلي بني إسماعيل الذي فدي بكبش.. وإذا أردت المزيد راجع السنن الكبري للبيهقي 8: 299، ومحاضرات الراغب 1: 319، وكنز العمال 2: 109. وقول عمر: أنا معجار البطن أشرب النبيذ الشديد ليسهل بطني. راجع كنز العمال 3: 109، وابن أبي شيبة، ومسانيد أبي حنيفة 2: 190 و 215.
[181] راجع لغات العرب منها: تاج العروس 8: 109، ولسان العرب 14: 272.
[182] روي ذلك عمرو بن ميمون. راجع أيضا العقد الفريد 3: 416، وأحكام القرآن للجصاص 2: 565، كما جاء في جامع مسانيد أبي حنيفة 2: 192، وحاشية سنن البيهقي 8: 306، وكنزالعمال 3: 110، وسنن النسائي 8: 326، وكتاب الآثار للقاضي أبي يوسف: 226.
[183] أخرجه الدارمي في سننه 2: 113، وسنن النسائي 8: 301، وسنن البيهقي 8: 296، وسنن أبي داود 2: 129، ومسند أحمد 2: 167 و 3: 343، وصحيح الترمذي 1: 342،والجزء الرابع من موسوعتنا آخر موضوع تناقض عمر في حد الخمرة.
[184] راجع البيهقي في سننه 2: 347 و 381، والسيوطي في جمع الجوامع 4: 213.
[185] السنن الكبري 2: 382، وكنز العمال 4: 213. وكان الخليفة غير مقيد بكتاب ولا سنة،وله ما يشاء من تغيير وتبديل وتثبيت ونسخ.
[186] النساء: 43.
[187] البقرة: 44.
[188] عن مجاهد. قال عمر بن الخطاب: إياك والمكاتلة: يعني المقايسة. وفيه أيضا الحديث (631) عن عمر عن رسول الله (ص) قال: الحديث أعلاه. وراجع أيضا نصر المقدسي في كتابه المسمي بالحجة، وأخرجه في كنز العمال 1: 65، نقلا عن كتاب الغريب لأبي عبيدة،وكتاب السنة لأحمد بن حنبل في باب اتباع السنة وذم الرأي.
[189] إن شئت أن تقف بصورة أكثر تفصيلا مسندا بالأسانيد والحجج، فراجع كتاب النص والاجتهاد للعلامة الحجة السيد شرف الدين، والعلامة المحقق المرحوم عبد الحسينالأميني في ج 6 من موسوعة الغدير.
[190] راجع الكتاب الرابع من موسوعتنا والأسانيد المثبتة.
[191] تجد تنبؤه واضحا يوم خاطب عثمان وهو مطعون ويقول بالشوري، راجع موسوعتنا الجزءالرابع، أخص الشوري.
[192] الصواعق المحرقة ص 66، وأخبار الدول ص 99 ط بغداد 1382 ه.
[193] الإمامة والسياسة 1: 26 ط مصر.
[194] كتاب السياسة الشرعية لابن تيمية ص 109.
[195] أخرجه ابن عبد ربه في العقد الفريد 3: 73 - 74. وراجع الكتاب السادس من موسوعتناحول معاوية بن أبي سفيان.
[196] راجع الشوري في الجزء الرابع من موسوعتنا.
[197] ولمن شاء التفصيل عن الشوري مراجعة كتابنا الرابع من موسوعة المحاكمات هذه فصلالشوري.
[198] ويعني بقريش نفسه، كما مر وقال في علي (ع) حين غصبت الخلافة منه أرادت قريش ذلك.
[199] حينما تشكلت الشوري أشار عمر مهددا أعضاء الشوري والحق يريد تهديد علي (ع): إياكم والمخالفة فإن معاوية وابن العاص لكم بالمرصاد.
[200] - (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) - سورة الحجرات، الآية (11).
[201] راجع كتاب النص والاجتهاد للعلامة المحقق السيد عبد الحسين شرف الدين.
[202] راجع كتابنا الرابع من الموسوعة شكاية شهود المغيرة.
[203] راجع الكتاب الرابع أيضا منه وطالع قصيدة حافظ إبراهيم فيها.
[204] راجع الجزء الرابع من موسوعتنا.
[205] راجع الكتاب الرابع موضوع اجتهاد ماكر يخالف النص والسنة. راجع أيضا السنن الكبريللبيهقي 8: 252، وراجع أحكام القرآن للجصاص 3: 331.
[206] راجع الكتاب الرابع، وراجع كتاب الأم للشافعي 6: 77، وسنن أبي داود 2: 22، ومسندأحمد 3: 452.
[207] سنن النسائي 6: 142، والدر المنثور 1: 283، وكتابنا الرابع، وتيسير الوصول 3: 162، وراجع ص 9 كتاب إيقاظ همم أولي الأبصار للشيخ صالح بن محمد العمري المتوفي سنة298.
[208] ذكره الإمام أحمد في الأشربة وكنز العمال 3: 101، ومنتخب الكنز هامش أحمد 2:427، وسنن أبي داود 2: 42، ومسلم في الحدود 2: 52.
[209] راجع أحكام القرآن للجصاص 2: 109، والكتاب الرابع من الموسوعة موضوع (يجهل نصوص الفرائض).
[210] راجع نصر المقدسي في كتابه المسمي بالحجة عن كنز العمال 1: 95، والسنة لأحمد باب اتباع السنة وذم الرأي.
[211] راجع الموطأ 2: 12، وخطبة حجة الوداع، ولمن شاء تفصيل ذلك فليراجع شكايةالأعاجم من كتابنا الرابع لهذه الموسوعة.
[212] راجع بذلك البيان والتبيين 2: 25، والعقد الفريد 2: 85، وتاريخ اليعقوبي 2: 91، ومجمع الزوائد 3: 266 و 272، وزاد المعاد 2: 226، والجامع الصغير للسيوطي.
[213] قال (ص): سلمان منا أهل البيت (يعني سلمان الفارسي) وجاء في مستدرك الحاكم 3: 598، وشرح مختصر صحيح البخاري لأبي محمد الأزدي 2: 46.
[214] قال (ص): لو كان العلم في الثريا لتناوله ناس من أبناء فارس. كما أخرجه أحمد في مسنده2: 420 والإصابة 3: 459.
[215] راجع سنن أبي داود 2: 332.
[216] راجع سنن البيهقي 8: 156.
[217] الموطأ 2: 12.
[218] مجمع الزوائد 3: 266، وفي 3: 272 في لفظ الطبراني الكبير، والجامع الصغيرللسيوطي، وزاد المعاد 2: 226، والبيهقي.
[219] راجع الكتاب الثالث من موسوعتنا، وراجع الجزء السادس من موسوعة الغدير للعلامةالأميني، وكتاب النص والاجتهاد للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين.
[220] جاء عن الشيخ بدر المتولي عبد الباسط في مجلة العربي العدد (171) شباط سنة 1972 م.
[221] تاريخ الخلفاء: 96.
[222] سيرة عمر لابن الجوزي: 178، وشرح نهج البلاغة 3: 434، وكنز العمال 2: 167.
[223] مسند أحمد 1: 375 و 237، ومستدرك الحاكم 3: 191.
[224] شرح النهج 1: 60.
[225] سنن الدارمي 1: 54، 55، وتاريخ ابن عساكر 6: 384، وسيرة عمر لابن الجوزي: 109، وتفسير ابن كثير 4: 242، واتقان السيوطي 2: 5، وكنز العمال 1: 228 و 229، والدر المنثور 6: 111، وفتح الباري 8: 17، والفتوحات الإسلامية 2: 445، والأخبار للغزالي الذي قال في عمر: إنه سد باب الكلام، وضرب صبيغا بالدرة.
[226] أخرجه في كنز العمال 1: 229، والدر المنثور 6: 321.
[227] عبس: 31.
[228] راجع فتح الباري 13: 230، والدر المنثور 6: 317.
[229] صحيح الحاكم.
[230] السياسة الشرعية لابن تيمية: 109.
[231] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، كما جاء في كنز العمال: 103.
[232] راجع الطبقات الكبري لابن سعد: 607، وسيرة عمر لابن الجوزي: 107، وشرح النهج 3: 122، والسيرة الحلبية 3: 29، وفتح الباري لابن حجر 7: 361، وإرشاد الساري 6: 337، وشرح المذاهب للزرقاني 2: 207، والدر المنثور 6: 73، وعمدة القارئ 8: 284،وشرح النهج 1: 60.
[233] سيرة عمر لابن الجوزي: 107، وشرح النهج 3: 122، وفتح الباري: 450، وصحيح البخاري كتاب الصلاة.
[234] راجع كتاب أضواء علي السنة المحمدية لمحمود أبو رية.
[235] عمدة القارئ 7: 143.
[236] الطبري، وابن عدي الهيثمي في مجمع الزوائد 8: 49، والسبط في الجامع الصغير في حرف الميم.
[237] أخرجه ابن عساكر والمناوي في فيض الغدير 6: 237، والحلبي في السيرة النبوية 1:89.
[238] راجع الاستيعاب 1: 233 و 234 والإصابة 3: 472 - 476، وأسد الغابة 4: 327 - 332.
[239] راجع كنز العمال 1: 95 عن كتاب القريب لأبي عبيدة، وفي كتاب السنة للإمام أحمد بن حنبل في باب اتباع السنة وذم الرأي.
[240] الأسانيد والمراجع التي تثبت لنا أعمال عمر هذه: سنن الدارمي 1: 50، وجامع بيان العلم 2: 141 فيه يمنع عمر السؤال عما لم يقع، وكتاب العلم لأبي عمر 2: 143 ومختصره:190، وفتح الباري 13: 225، وكنز العمال 2: 174.
[241] المعتمد 1: 459.
[242] تاريخ ابن كثير 8: 106، وعن أبي هريرة، أخرجه الذهبي في التذكرة 1: 7، وجامع بيان العلم 2: 121، وتاريخ ابن كثير 8: 107، وسنن الدارمي 1: 84، وسنن ابن ماجة 1: 15 و 16.
[243] راجع جامع بيان العلم 2: 191.
[244] راجع مستدرك الحاكم 3: 342 و 344.
[245] مستدرك الحاكم 3: 312 و 315.
[246] مستدرك الحاكم 3: 237.
[247] فجاء بعد الخليفة الأموي عثمان فاتبع أثره بأشد معهم.
[248] مستدرك الحاكم 3: 305، وتفسير الطبري 1: 7، وتفسير القرطبي 8: 238، وتفسير ابن كثير 2: 383، والزمخشري 2: 46، والدر المنثور 3: 69، وكنز العمال: 287، وتفسيرالشوكاني 2: 379، وروح المعاني طبع المنيرية 1: 8.
[249] الدر المنثور 2: 344، وكنز العمال: 285، وابن جرير الطبري، وغيرهم.
[250] يوسف: 1.
[251] يوسف: 3.
[252] أخرجه ابن الجوزي في سيرة عمر: 107، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 122.
[253] التمدن الإسلامي 3: 40 لجرجي زيدان، ذكرها برمتها، وقال النسخة المطبوعة في مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت قد حذفت منها هذه الجملة كلها بسبب لا تعلمه.
[254] توجد نسخة منه في دار الكتب الخديوية مكتوبة سنة (1197) كما في تاريخ التمدن الإسلامي 3: 49.
[255] تجد وصفها في كتابنا الرابع من هذه الموسوعة موضوع (شكاية العلماء والحكماء منعمر) ويظهر أنه بذلت جهود كبيرة جدا وأسعار عالية لجمعها هو وابنه المحبين للعلم.
[256] راجع كتاب الأموال لأبي عبيد: 224.
[257] راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 163، ذكرها العلامة الأميني في موسوعة الغدير 6: 275 - 276، وكيف بدأها بشعر أرسله له أبو المختار يريد ابن قيس، كما يلي: أبلغ أمير المؤمنين رسالة++ فأنت أمين الله في النهي والأمر وأنت أمين للآله ومن يكن++ أمينا لرب العرش يسلم له صدري فلا تدعي أهل الرساتيغ والقري++ يسيغون مال الله في الأدم والوفر فأرسل إلي الحجاج فاعرف حسابه++ وارسل إلي جزء وارسل إلي بشر ولا تنسين المنافعين كلاهما++ ولا ابن غلاب من سران بني نصر وما عاصم منها يصفر عيابه++ وذاك الذي في السوق مولي بني بدر وارسل إلي النعمان واعرف حسابه++ وصهر بني غزوان إني لذو خبر وشبلا فسله المال وابن محرش++ فقد كان من أهل الرساتيق ذا ذكر فقاسمهم إني فداؤك أنهم++ سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر ولا تدعوني للشهادة أنني++ أعتب ولكن أري عجب الدهر نؤوب إذا آبوا ونغزو إذا غزوا++ فإني لهم وفر ولسنا أولي وفر إذا التاجر الداري جاء بغارة++ من المسك راحت في مفارقهم تجري.
[258] راجع موسوعتنا الكتاب الرابع موضوع شكاية من شاطرهم من عماله، والسادس ما يخص معاوية. وتاريخ الطبري 11: 357، وواقعة صفين: 247، والاستيعاب المطبوع علي هامش الإصابة 3: 377، حينما ينهر عمر الصحابة الطاعنين بمعاوية ويشيد به قائلا: دعونا من ذم فتي من قريش، ومن يضحك في الغضب، ولا ينال ما عنده من الرضا، ولا يؤخذ من فوق رأسه إلا من تحت قدميه، وقال عنه في مناسبات أخري: إن معاوية كسري العرب وهكذا نراه يهيئ له الملك. راجع في المشاطرة فتوح البلدان: 286 للبلاذري، وص 226 - 392، وشرح النهج لابن أبي الحديد 3: 113، و 1: 58، و 3: 104، والطبري 4: 56 - 205، وسيرة الحلبي 3: 220، والعقد الفريد 1: 18 - 21، ومعجم البلدان 2: 75، وصبيح الأعشي 6: 386 - 477، وسيرة عمر لابن الجوزي: 44، وتاريخ ابن كثير 7: 18 - 115، و 8: 113، والإصابة 3:384 - 676، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 96، والفتوحات الإسلامية 2: 480.
[259] أخرجها ابن عبد ربه في العقد الفريد 3: 73 - 74.
[260] وما يقصد بقريش سوي نفسه، كما قالها من قبل حين غصب الخلافة من علي (ع): إنما أرادت قريش ذلك.
[261] في مدح وذم فقد كذب مرتين.
[262] نعم كان يعلم وتعمد وضعها فيه وإنما أدخل الستة لتضعيف مقام علي وإيقاع الفتنة بين ستة فرق إذ لكل واحد شيعة وأتباع.
[263] ويقصد بقريش نفسه.
[264] وليست فراسة بل تدبير محكم أتي به منذ أسند حكم ابن أبي سفيان في الشام واتخذ عثمان أمينا لسره ومن قبله أبو بكر.
[265] سورة النساء، الآية (41): - (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا) -.
[266] سورة المائدة، الآية (55): - (إنما وليكم الله ورسوله (محمد) والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (علي بن أبي طالب) -.
[267] فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني آذي الله.
[268] سورة الأحزاب، الآية (33): - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) -.
[269] سورة الأنبياء، الآية (47): - (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) -، وسورة الكهف، الآية (49): - (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) -. وسورة الزلزلة، الآيتان (7 و 8): - (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره - ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) -.
[270] سورة المائدة، الآية (44): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) -. والآية (45): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) -. والآية (47): - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) -. وسورة النساء، الآية (4): - (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) -.
[271] سورة البقرة، الآية (181): - (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه علي الذين يبدلونه) -.
[272] راجع الشكاة في الجزء الرابع من موسوعتنا، أخص أولاد الزنا وذويهم، وشهود المغيرة ابن شعبة، وعبد الرحمن بن عمر من أبيه.
[273] من خطبة الشقشقية للإمام علي (ع) في نهج البلاغة.
[274] نفس المصدر السابق.
[275] عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ويكني بأبي عبد الله وأبي عمرو وأمه بنت كريز بن ربيعة بن عبد شمس، تزوج بعد إسلامه برقية بنت رسول الله (ص)، وبعد وفاتها تزوج أم كلثوم بنت رسول الله (ص)، وماتت ولم تخلفا له مولودا وكانت وفاتهما في حياة رسول الله (ص)، ولم يشهد بدرا. وكان كاتب سر أبي بكر، وصلة الوصل بين أبي بكر وعمر وبني أمية. وهو الذي كتب عهد عمر عند إعمال أبي بكر وقبل أن يذكر اسم عمر حتي إذا أفاق أثبته فكانت دليلا علي إسناده لعمر وإخلاصه الذي أصبح من أهم المسببات لعودة الخلافة له بالصورة الماضية. بويع بالخلافة يوم السبت غرة محرم سنة 24 في المدينة وقتل بها يوم الجمعة لثمان أو ثمانية عشر أو سبعة عشر من ذي الحجة وقيل لليلتين بقيتا منه سنة 35 عن عمر اختلفوا فيه من (82) إلي (92). ودفن في حش كوكب، قيل إنها مقبرة اليهود قرب البقيع، تري ذكره أكثر توضيحا في مقدمة الكتاب الخامس من موسوعتنا هذه، ولم تذكر له فضيلة أو كرامة أو رأي، لا في عهد رسول الله (ص) ولا بعده.
[276] تاريخ اليعقوبي 2: 141، وطبقات ابن سعد 5: 8 - 10 طبع ليدن، والطبري في تاريخه 5: 41، وابن الأثير في الكامل 2: 31، وكتاب الشوري لعوانه، والجوهري في كتاب زيارات السقيفة عن الشعبي.
[277] رواه الطبري، عن الواقدي، عن عمر بن صالح بن نافع مولي التوامة عن ابن عباس 3: 322، ومسلم 1: 258، في صلاة المسافرين، وصحيح البخاري في باب التقصير ص 131، وكامل ابن الأثير 3: 49، ومسند أحمد 4: 94 و 1: 378 و 145 ومالك 1: 282، والموطأ، وسنن النسائي 3: 120، وأبو داود 1: 308، والأم للشافعي 1: 159، و 7: 175 وغيرهم كثيرون راجع موسوعتنا الجزء الخامس.
[278] أخرجه مالك والسيوطي والعيني وابن أبي هاشم وابن المنذر والبيهقي وابن كثير وأبو عمروغيرهم.
[279] تركه نص الغسل في الجنابة، راجع صحيح مسلم 1: 142، وكتاب عمر، وكتاب الأم للشافعي 1: 31، وهامش كتاب الأم 1: 34، والقرطبي في تفسيره 5: 204، وأحمد 2: 234 و 237، وصحيح البخاري 1: 108، ومسلم 1: 142 و 143، وسنن الدارمي 1: 194، وأحمد 6: 160 - 161، وموطأ مالك 1: 51، وكتاب الأم للشافعي 1: 32 و 33، والترمذي وابن ماجة، ومصادر كثيرة أخري.
[280] أخرجه الإمام أحمد من عدة طرق في مسنده 4: 37 و 1: 105، 290، 238، 341، وابن جرير، والإمام الشافعي، وتفسير الطبري 7: 48، وابن حزم 7: 249 - 250، والقرطبي في تفسيره 1: 321 - 322 و 6: 322، ومسلم في صحيحه 1: 449، ومالك في الموطأ 1:257. وجاء في سنن الدارمي وابن ماجة ج 2 والنسائي ج 5 والبيهقي ج 5، وغيرهم.
[281] سنن ابن ماجة 1: 634، والبيهقي 7: 450، وزاد المعاد لابن القيم 2: 403، وكنز العمال3: 53، وتفسير ابن كثير 1: 276 وغيرهم، والترمذي 1: 142.
[282] راجع ابن كثير 1: 273، والجصاص في أحكام القرآن 2: 158.
[283] سنن البيهقي 6: 324 و 336 و 346 ومسند أحمد 6: 29، وسنن أبي داود 2: 25.
[284] تؤخذ من الأغنياء لتصرف علي الفقراء، راجع صحيح البخاري 3: 215، والأموال لأبي عبيد: 580 و 595 و 612، والمحلي لابن حزم 6: 146.
[285] يستطيع القارئ مطالعة الجزء الخامس في عثمان، موضوع نظر عثمان في الأموال من موسوعتنا هذه.
[286] أخرجه الزرقاني في شرح الموطأ 2: 145، ومسند أحمد 4: 428 و 429 و 440 و 444.
[287] فتح الباري لابن حجر 2: 361، والشوكاني في نيل الأوطار 3: 362، والسيوطي في الأوائل، وتاريخ الخطباء، والسكتواري في محاضرة الأول: 145، وصحيح البخاري 2: 111، وصحيح مسلم 1: 325 و 326، وموطأ مالك 1: 146، ومسند أحمد 2: 38، وكتاب الأم للشافعي 1: 208، وسنن ابن ماجة 1: 387، والبيهقي 2: 296 و 298، و 3: 296، والترمذي 1: 70، والنسائي 3: 183 و 186، وابن ماجة 1: 389، وأبي داود 1: 178 و180، والنسائي 3: 185، والبيهقي 3: 301، والمحلي 5: 86، وغيرهم.
[288] راجع كتاب الأم للشافعي 7: 295 و 7: 293، والسنن الكبري 8: 33.
[289] صحيح البخاري 10: 78، والدارمي 2: 19، وابن ماجة في سننه 2: 145 و 155، وسنن النسائي 8: 23، وسنن البيهقي 8: 28، والسنن الكبري 8: 29 - 30 و 194، والترمذي 1: 169، والأم للشافعي 6: 33 و 92، والإمام أحمد في مسنده 1: 79 و 119 و 122 و 2: 211، والجصاص في أحكام القرآن ج 1، وابن حازم في الاعتبار، وتفسير ابن كثير 1: 210، وأبو العاصم في الديات: 27 و 51، وسنن أبي داود ج 2 دية المعاهد، وسنن النسائي8: 24 و 45، ونيل الأوطار للشوكاني.
[290] أخرجها ملك العلماء في بدائع الصنائع 1: 111 و 172. وكان عمر قبلها عمل ذلك في إحداها وقضاها في الأخيرة، وكلاهما خلاف السنة وتبطل الصلاة بالإجماع. راجع كتاب الأم للشافعي 1: 93، ومالك 1: 68، وابن حزم 3: 236، والجصاص، وهو حنفي، قال في أحكام القرآن 1: 18: أولها ابن حجر في فتح الباري: إن الحنفية يقولون بفرضها. وصحيح الترمذي 1: 42. وأيد وجوب القراءة أهل الصحاح والسنن وأئمة المذاهب. راجع آخر موضوع عثمان يخالف سنة القراءة في كتابنا الخامس في عثمان من هذه الموسوعة.
[291] سنن البيهقي 6: 324 و 336 و 346، ومسند أحمد 6: 29، وسنن أبي داود 2: 25، وصحيح البخاري 3: 215، والأموال لأبي عبيد: 580 و 595 و 612، والمحلي لابن حزم 6: 146.
[292] سنن البيهقي الكبري 7: 417 و 434، وموطأ مالك 2: 36، ورسالة الشافعي: 116، وكتاب الأم 5: 208، وسنن أبي داود 1: 362، وأحكام القرآن للجصاص 1: 496، وزادالمعاد 2: 404، والإصابة 4: 386، ونيل الأوطار 7: 100.
[293] أخرج البخاري في صحيحه مرفوعا قوله (ص): " ليس علي المسلم في فرسه وغلامه صدقة ".
[294] صحيح البخاري 3: 30 - 31، وصحيح مسلم 1: 361، وصحيح الترمذي 1: 80، وسنن أبي داود 1: 253، وسنن ابن ماجة 1: 555 - 556، وسنن النسائي 5: 35 - 37، والبيهقي 4: 117، ومسند أحمد 1: 62، 121، 132، 145، و 2: 243، 279، 407، 432، وكتاب الأم للشافعي 2: 22، وموطأ مالك 1: 206، وأحكام القرآن للجصاص 3: 189، وعمدة القارئ، والمحلي. وأجمعت المذاهب والجمهور أن لا زكاة علي الخيل، إلا أبو حنيفة قال بدون دليل وخالفه أبو يوسف علي ذلك.
[295] المعارف لابن قتيبة: 84، وتاريخ أبي الفداء 1: 168.
[296] السنن الكبري للبيهقي 6: 601، وابن عبد ربه في العقد الفريد 2: 261، وأضاف: " وافتتح عثمان إفريقية وأخذ خمسه ووهبه لمروان " راجع أيضا شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 67.
[297] راجع الأنساب للبلاذري 5: 27 و 67.
[298] راجع مخالفة النص والسنة في الموضوع أعلاه في كتابنا الخامس من الموسوعة بأسانيدها، وراجع الإصابة 1: 345 و 346، والسيرة الحلبية ج 1، ودقائق الزمخشري 2:305، وتاج العروس 6: 35، وسيرة ابن هشام 2: 25، والاستيعاب 1: 118 و 119.
[299] مستدرك الحاكم 4: 480 و 481، وتلخيص المستدرك للذهبي، والصحاح في ذم بني العاص، وأسد الغابة 2: 34.
[300] وعقبة هذا أغراه أبي بن خلفة خليله أن يبصق في وجه رسول الله (ص)، فنزلت فيه الآيات (27 - 29) من سورة الفرقان: - (ويوم يعض الظالم علي يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا - يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا - لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا) -. راجع طبقات ابن سعد 1: 185 - 186 طبع مصر وسيرة ابن هشام 2: 25 و 1: 385، وقيل إن عقبة صغي لرسول الله (ص) وقال كلمة الشهادتين فأغواه خليله وعاد فبصق في وجه رسول الله (ص) وتوعده رسول الله (ص) وكان من أسري المشركين في بدر فأمر (ص)عليا (ع) بضرب عنقه فضربه وقتله.
[301] الاستيعاب 2: 62، وابن الأثير في أسد الغابة 5: 90.
[302] العقد الفريد 2: 272، وأنساب البلاذري 5: 30.
[303] ملك القلب الربابا بعدما شابت وشابا.
[304] الأغاني لأبي الفرج 4: 178 و 179 و 180، والعقد الفريد 2: 273، وصحيح البخاري، وفتح الباري لابن حجر 7: 44، وصحيح مسلم، ومسند أحمد 1: 44، وسنن البيهقي 8: 318، وتاريخ اليعقوبي 2: 942، وأسد الغابة 5: 91 - 92، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، وتاريخ أبي الفداء، والإصابة، والسيرة الحلبية. بيد رغم كل ذلك نري الخليفة يستعمله علي صدقات كلب وبلقين. راجع الوليد في الجزء الخامس من موسوعتنا المحاكمات.
[305] أسد الغابة 3: 173، والإصابة 2: 317، وأنساب البلاذري 5: 49، ومستدرك الحاكم 3: 100، وسنن أبي داود 2: 220، وتفسير الشوكاني 2: 134، والاستيعاب 1: 381، وتفسيرالقرطبي 7: 40.
[306] أجمعت التفاسير أن الآية نزلت فيه، راجع تفسير الشوكاني 2: 133، وتفسير الخازن 2: 37، وأنساب البلاذري 5: 49، وتفسير القرطبي 7: 40، وتفسير البيضاوي 1: 391،وكشاف الزمخشري 1: 461، وتفسير الرازي 4: 96.
[307] راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 67 وأبو الفداء وابن الأثير في أسد الغابة 3:173 وتاريخ ابن كثير 7: 152، وأنساب العرب للبلاذري 5: 26.
[308] صحيح البخاري 5: 17، وسنن أبي داود 2: 25، وطرح التثريب 7: 160.
[309] أخرجه ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق: 144، ورواه أحمد، وعن عبد الله بن الزبير، أخرجه الحاكم في المستدرك 4: 481، وتفسير القرطبي 16: 197، ونهاية ابن الأثير 3: 23، وأسد الغابة.
[310] أخرجه البلاذري في أنسابه 5: 126، والحاكم في المستدرك 4: 481، وصححه الواقدي في السيرة الحلبية 1: 337.
[311] كنز العمال 6: 39 و 90، كما أخرجه البراني، وابن عساكر، والدارقطني، عن طريق عبد الله بن عمر، حيث قال: هجرت الرواح إلي رسول الله (ص)، فجاء أبو الحسن فقال له (ص): ادن فلم يزل يدنيه حتي التقم أذنيه، فبينما النبي يساره إذ رفع رأسه كالفزع، قال: فدع بسيفه الباب، فقال لعلي: اذهب فقده كما تقاد الشاة إلي حالبها، فإذا علي يدخل الحكم بن العاص آخذا بأذنه ولها زغمة حتي أوقفه بين يدي رسول الله (ص) فلعنه نبي الله ثلاثا، ثم قال ما مر أعلاه.
[312] الآيتان (10 و 11) من سورة القلم، الدر المنثور 6: 41 و 251، وسيرة زيني دحلان علي هامش الحلبية 1: 245، وتفسير الآلوسي 29: 28.
[313] الدر المنثور 4: 191، والسيرة الحلبية 1: 337، وتفسير الشوكاني 3: 231.
[314] تفسير القرطبي 10: 286.
[315] ذكره الطبري والقرطبي والبيهقي وابن مردويه، وابن أبي حاتم وابن عساكر والحاكم وابن الأثير في أسد الغابة 3: 14، والطبري في تفسيره 15: 77، وتاريخه 11: 356.
[316] أخرجه الحاكم في المستدرك 2: 479، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 56، وحياة الحيوان 2: 399 للدميري، وراجع الصواعق المحرقة: 108 لابن حجر، والسيرةالحلبية 1: 337، وأسد الغابة 2: 34، والإصابة 1: 346، وكنز العمال 6: 40.
[317] أسد الغابة 2: 34 والإصابة 1: 346.
[318] أسد الغابة 4: 348، وكنز العمال 6: 91، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي 2: 53 و 55.
[319] جاء في تذكرة ابن الجوزي ص 45، وطبقات ابن سعد 5: 30 طبع ليدن.
[320] مسند أحمد 4: 94، والهيثمي في مجمع الزوائد 2: 156، وأخرجه الطبراني.
[321] أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري، والهيثمي في مجمع الزوائد 10: 72، وأخرجه السيوطي نقلا عن مجمع الزوائد 6: 90.
[322] راجع أنساب البلاذري 5: 52 و 28.
[323] راجع طبقات ابن سعد 1: 185 ط مصر، وأسد الغابة لابن الأثير 2: 310.
[324] تاريخ ابن عساكر 6: 135، وطبقات ابن سعد 5: 21 ط ليدن و 5: 28.
[325] تاريخ اليعقوبي 2: 145.
[326] راجع أنساب البلاذري 5: 58، والاستيعاب وابن حجر في الإصابة كما رواه الواقدي.
[327] راجع إصابة ابن حجر 2: 179.
[328] راجع 3: 222 ط 1 من موسوعة الغدير للمحقق الشهير العلامة عبد الحسين الأميني،وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 411 و 4: 51 و 220.
[329] تاريخ ابن عساكر 6: 407.
[330] شرح نهج البلاغة للمعتزلي 1: 67.
[331] الاستيعاب 2: 690، والطبري في تاريخه 11: 357، ومروج الذهب للمسعودي 1: 440.
[332] راجع مروج الذهب للمسعودي.
[333] المصدر السابق.
[334] أخرجه مسلم وابن ماجة من طريق سعد بن أبي وقاص أحد أعضاء الشوري، والطبري 7: 128، والمستدرك 3: 319، وجاء في تاريخ ابن عساكر 6: 106، وتفسير القرطبي 16: 432 - 433، وتفسير ابن كثير 2: 135، والدر المكنون 3: 13، وتفسير الخازن 2: 18،وتفسير الشربيني 1: 404، وتفسير الشوكاني 2: 115.
[335] طبقات ابن سعد الكبري: 108، وتفسير ابن كثير والخازن.
[336] راجع بذلك صحيح البخاري كتاب المناقب، ومسند أحمد 5: 389، والمستدرك 3: 315 و 320، والحلية، والاستيعاب، وكنز العمال، وصفوة الصفوة، وغيرها. وله فضائل يضيق بهاهذا الكتاب.
[337] أنساب البلاذري 5: 36، وحلية الأولياء لأبي نعيم 1: 38.
[338] لم يشهدها عثمان نفسه.
[339] شرح نهج البلاغة للمعتزلي 1: 236 و 237. وقيل إن عثمان أمر بجلد ابن مسعود أربعين سوطا لأنه دفن أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله (ص) الصدوق.
[340] طبقات ابن سعد 4: 161.
[341] مناقب صحيح مسلم 7: 153 و 155، وحلية أبي نعيم 1: 157، وصفوة الصفوة لابن الجوزي 1: 138، وتاريخ ابن عساكر 7: 218، والاستيعاب ج 1 وج 2، وأسد الغابة ج 5، والإصابة ج 4، والمستدرك ج 3.
[342] في مناقب صحيح مسلم 7: 154 و 155، والاستيعاب ج 2، والحلية ج 1.
[343] صحيح البخاري كتاب المناقب 6: 24، ومجمع الزوائد، ومسند أحمد 5: 174، وطبقات ابن سعد 7: 156، ومستدرك الحاكم، والاستيعاب وغيرها.
[344] كتاب مسائل الجاهلية: 129، والبرماوي، والقسطلاني في إرشاد الساري 1: 113.
[345] جاء في تاج العروس 8: 206، ولسان العرب 14: 322، ونهاية ابن الأثير 1: 112.
[346] جاء في حلية الأولياء لأبي نعيم مرفوعا عن رسول الله (ص): إن أبو ذر أشبه الناس بعيسي نسكا وزهدا وبرا.
[347] طبقات ابن سعد عن أبي هريرة مرفوعا، والترمذي في صحيحه 2: 221، وأبو عمر في الاستيعاب 2: 664 و 1: 84، وابن الأثير في أسد الغابة 5: 186، وكنز العمال 6: 169، ومجمع الزوائد 9: 330، وابن ماجة ومسند أحمد وابن أبي شيبة وابن جرير والبغوي وابن الجوزي ومستدرك الحاكم ومصابيح السنة وصفوة الصفوة والإصابة وجامع السيوطي وغيرهم.
[348] راجع ما كتبه الواقدي.
[349] طبقات ابن سعد 4: 167 و 168 ط. ليدن، وصحيح الترمذي 2: 221، وسنن ابن ماجة 1: 68، ومسند أحمد 2: 163 و 175، والمستدرك ج 3، ومصابيح السنة ج 2، وصفوةالصفوة ج 1، ومجمع الزوائد ج 9، والإصابة ج 3 وغيرهم.
[350] ذكره وطراه ابن الأثير في أسد الغابة 5: 186، كما طري ذكره في الجامع الصغير للمناوي 5: 423، والإصابة لابن حجر 4: 64، والأمالي، ومجمع الزوائد 9: 321، والإصابة ج 3،وطبقات ابن سعد 5: 171 ط ليدن، والاستيعاب لأبي عمر وحلية أبي نعيم.
[351] مجمع الزوائد 9: 33 والترمذي وصحيحه 2: 213، والحلية لأبي نعيم 1: 172، وسنن ابن ماجة 1: 66، والمستدرك ج 3، والإصابة ج 3، ومسند أحمد 5: 197 و 181.
[352] الحلية لأبي نعيم 1: 156.
[353] جاء ذكره في أنساب البلاذري، وطبقات ابن سعد، والواقدي، واليعقوبي، ونهج البلاغة 1:247، و 2: 375 - 387.
[354] العقد الفريد 2: 274، ونهج البلاغة 1: 468. قال عثمان لابن عباس: اكفني ابن عمك. وقال ابن عباس: ابن عمي ليس بالرجل يري له ولكنه يري لنفسه فأرسلني إليه بما أصبت. قال: قل له: فليخرج إلي ماله بالينبع فلا أغتم به ولا يغتم بي. فأتي عليا وأخبره، فقال: ما اتخذني عثمان إلا ناضحا، ثم أنشد يقول: فكيف به أني أداوي جراجه++ فيدوي فلا مل الدواء ولا الداء وقال: يا ابن عباس ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملا ناضحا بالقرب أقبل وأدبر وبعث إلي أن اخرج، ثم بعث إلي أن أقدم، ثم هو الآن يبعث إلي أن اخرج. والله لقد دفعت عنه حتي خشيت أن أكون آثما.
[355] (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) - أجمع عليه المفسرون منهم أبو عمر في الاستيعاب، وابن حجر في الإصابة، والقرطبي في العقد الفريد، وابن منذر، وابن حاتم وغيرهم.
[356] (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة) - تجده في تفسير الزمخشري وطبقات ابن سعد، وابن مردويه، وتفاسير القرطبي، والخازن، والشربيني، وغيرهم.
[357] (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين) -.
[358] (أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين) -.
[359] (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثلة في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون) -.
[360] 6: 184 و 7: 75، وابن عساكر، والبزار، والرازي، والبيضاوي، والزمخشري، والآلوسي في تفاسيرهم، وابن ماجة، والنسائي، وابن ديزل، وابن جرير، والطبراني، وابن عساكر،وباقي التفاسير.
[361] جاء في مجمع الزوائد 9: 293، وكنز العمال 6: 185، وعن الطبراني والبغوي، والخطيب، وأحمد، وابن عساكر، والعقيلي، والحاكم في الكني، وابن الجوزي، عن طريق عثمان، وجابرقول رسول الله (ص): اصبروا آل ياسر موعدكم الجنة.
[362] أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، وأحمد والدار قطني، وأبو عوانة وخصائص السيوطي 3: 250 ط 2 وطرح التثريب 1: 88، وتيسير الوصول 3: 278، وشرح ابن أبي الحديد 2: 274، وطبقات ابن سعد 3: 180، وسيرة ابن هشام 2: 114، ومستدرك الحاكم 3: 386 - 391، والاستيعاب ج 2، وتاريخ ابن كثير ج 7، ومجمع الزوائد ج 9، ومتواترا في تهذيب التهذيب 7: 709، وإصابة ابن حجر 2: 512.
[363] أخرجه الترمذي في جامعه، وابن الأثير في أسد الغابة 4: 410، ومستدرك الحاكم ج 3،والاستيعاب ج 1، وإصابة ابن حجر 3: 455.
[364] راجع تاريخ اليعقوبي 2: 14، وراجع الطبري في تاريخه 5: 37، وكامل ابن الأثير 3:29 - 30، والعقد الفريد لابن عبد ربه 2: 261، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي 1: 65.
[365] الأنفال: وهو كل أرض خربه باد أهلها، وكل أرض لم يوجب عليها بخيل ولا ركاب، وكل أرض سلمها أهلها من غير قتال، ورؤوس الجبال وبطون الأودية، والموات التي لا أرباب لها، والأجام وصوافي الملوك، وقطايعهم غير المغصوبة، وميراث من لا وارث له، والغنائم المأخوذة بغير إذن الإمام، والفئ منها، وفصلت كل منها السنة لأخذها وتقسيمها.
[366] راجع سنن البيهقي 6: 324 - 336.
[367] البيهقي أيضا ومسند أحمد 6: 29، وسنن أبي داود 2: 25.
[368] صحيح البخاري 3: 215، والأموال لأبي عبيد: 580 و 595 و 612، والمحلي لابن حزم6: 146.
[369] جاء في صحيح البخاري 5: 28، والأموال لأبي عبيد: 331، وسنن البيهقي 2: 340 -342، وسنن أبي داود 2: 31، ومسند أحمد 4: 81.
[370] ج 2 ص 261، وشرح النهج للمعتزلي 1: 67، وأنساب البلاذري 5: 28.
[371] السيرة الحلبية 2: 87، وراجع ابن الأثير في الكامل 3: 38.
[372] راجع معارف ابن قتيبة: 94، وتاريخ أبي الفداء 1: 168، وأنساب البلاذري 1: 168،والعقد الفريد 2: 261، والأنساب أيضا 5: 27 و 28، وتاريخ ابن كثير 7: 152، والطبري 5: 50.
[373] صحيح البخاري 3: 110، وكتاب الأم للشافعي 3: 207.
[374] صحيح البخاري 3: 113، والأموال لأبي عبيد: 294، وكتاب الأم للشافعي 3: 207،ونهاية ابن الأثير 1: 297 - 298، ولسان العرب وتاج العروس.
[375] أنساب البلاذري 5: 37، والسيرة الحلبية 2: 87، وشرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة 1:67، وفائق الزمخشري 2: 17، ونهاية ابن الأثير 4: 121.
[376] راجع بهجة النفوس للحافظ الأزدي ابن أبي حمزة 4: 197.
[377] الحديث: أنه آتي عليا أمير المؤمنين مالا من أصفهان فقسمه بسيفه أسباع ففضل رغيف فكسره إلي سبع فوضع علي كل جزء كسرة ثم أقرع بين الناس أيهم يأخذ أول. وأتته امرأتان تسألانه عربية ومولاة لها، فأمر لكل واحدة منهما بكسر من طعام وأربعين درهما، فأخذت المولاة الذي أعطيت وذهبت، وقالت العربية: يا أمير المؤمنين تعطيني مثل الذي أعطيت هذه وأنا عربية وهي مولاة قال لها (ع): إني نظرت كتاب الله عز وجل فلم أر فيه فضل لولد إسحاق علي ولد إسماعيل. وقال الله عز وجل - (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) -.
[378] ص 416 - 453، وسنن البيهقي 6: 349 - 350، وتاريخ عمر لابن الجوزي: 79 - 83.
[379] راجع أسد الغابة 3: 423.
[380] راجع الأسانيد في الكتاب الرابع (عمر). والخامس (عثمان) من موسوعتنا.
[381] تاريخ اليعقوبي 2: 146، ومروج الذهب للمسعودي 1: 434، وصفوة الصفوة لابن الجوزي 1: 138، والرياض النضرة لمحب الدين الطبري 2: 291، وطبقات ابن سعد 3:96 ط ليدن.
[382] طبقات ابن سعد 3: 105، ومروج الذهب للمسعودي.
[383] راجع كتاب الجهاد 5: 21.
[384] جاء في شرح البخاري وفتح الباري وإرشاد الصاري وعمدة القارئ وشذرات الذهب 1: 43.
[385] طبقات ابن سعد 3: 77 ط ليدن.
[386] مروج الذهب للمسعودي 1: 434.
[387] راجع كتابنا الخامس من الموسوعة (صلات عثمان للزبير).
[388] الرياض النضرة 2: 258، ودور الإسلام للذهبي 1: 18، وطبقات ابن سعد 3: 158 طبعة ليدن، وأنساب البلاذري 5: 7، ومروج الذهب للمسعودي 1: 434، والعقد الفريد 2: 279،وخلاصة الخزرجي: 152، وعن البلاذري: إن عثمان أوصل طلحة مئتي ألف دينار.
[389] راجع مروج الذهب للمسعودي.
[390] أنساب البلاذري 3: 4، وطبقات ابن سعد 3: 53، ومروج الذهب 1: 433، والذهبي في دول الإسلام 1: 12، والاستيعاب في ترجمة عثمان 2: 476، والصواعق المحرقة: 68والسيرة الحلبية.
[391] راجع كلمتنا إسراف عثمان علي نفسه في الكتاب الخامس من موسوعتنا.
[392] أبو عبيدة في الأموال: 353.
[393] أخرجه أحمد في مسنده 1: 300، والخطيب البغدادي في تاريخه 4: 396، وابن سعد في طبقاته.
[394] الترغيب والترهيب 1: 213 - 256، والأوسط والصغير للطبراني.
[395] صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري، وسنن البيهقي 4: 182.
[396] صحيح مسلم 3: 82، ومسند أحمد 5: 154 - 167 و 178، وسنن البيهقي 4: 188.
[397] راجع صفاته وكراماته في الجزأين الأول والثاني من موسوعة المحاكمات هذه، وموضوع علي (ع) أمير المؤمنين في كتابنا الخامس ورأيه في عثمان.
[398] الأنساب 5: 52 - 54، وصحيح البخاري في كتاب الزكاة والتفسير، وطبقات ابن سعد 4: 168، ومروج الذهب 1: 438، وفتح الباري 3: 213، وعمدة القارئ 4: 291، وشرح ابن أبي الحديد للنهج 1: 240 - 242 و 2: 375 في قصة أبي ذر، والفتنة الكبري: 165.
[399] أنساب البلاذري 5: 44.
[400] أخرجه الطبري 5: 96، وابن كثير 7: 168، والبلاذري في الأنساب، وابن الأثير في الكامل 3: 63، وشرح نهج البلاغة من كلام علي (ع) لعثمان لما اجتمع الناس إليه وشكوا له ما نقموه علي عثمان فدخل علي عثمان.
[401] الطبري 6: 55، ونهج البلاغة 2: 63، وشرح النهج لابن أبي الحديد 2: 29.
[402] في شرح نهج البلاغة 1: 158.
[403] راجع شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة 1: 179.
[404] نهج البلاغة 1: 46، وشرح ابن أبي الحديد 1: 90.
[405] الزخرف: 67.
[406] راجع أنساب البلاذري 5: 57، والعقد الفريد 2: 258 - 272، وكتاب الأوائل لأبي هلال العسكري، والكامل لابن الأثير 3: 70، وتاريخ الطبري 5: 113، وشرح ابن أبي الحديد1: 65 و 66 و 165.
[407] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 63 - 65 و 66، والصواعق المحرقة لابن حجر: 68.
[408] أخرجه الطبري في تاريخه 5: 139، وابن أبي الحديد في شرح النهج 1: 168.
[409] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 323.
[410] الطبري.
[411] تاريخ الطبري 5: 139.
[412] 2: 404.
[413] مقتل عثمان للمدائني.
[414] تاريخ الطبري 5: 143، والواقدي.
[415] أنساب البلاذري 5: 71 و 90، والوحيد الذي أسعفه كان علي (ع).
[416] الإمامة والسياسة 1: 34.
[417] تاريخ ابن عساكر 7: 84، والاستيعاب، جاء فيه من عدة طرق، وابن حجر في الإصابة 2: 23، ومستدرك الحاكم 3: 37، ومحب الدين الطبري في الرياض 2: 259، وأنساب البلاذري: 135، ومروج الذهب 2: 11، والعقد الفريد 2: 27، والكامل لابن الأثير 3:104، وغيرهم.
[418] الطبري 5: 179.
[419] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8: 500 و 1: 101. والإمامة والسياسة 1: 60.
[420] تاريخ الطبري 5: 168.
[421] تاريخ الطبري 5: 204، ومروج الذهب للمسعودي 2: 10، وكامل ابن الأثير 3: 102، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 404.
[422] نصر بن مزاحم في كتابه: 472، والإمامة والسياسة 1: 74، وكتاب صفين لابن مزاحم: 72.
[423] الإمامة والسياسة 1: 59.
[424] ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1: 43.
[425] لقد برهن سعد علي نفاقه وبغضه لعلي فهو الذي حابا عثمان واعتزل بيعة علي. وابنه عمر بن سعد قاتل السبط الشهيد بكربلاء طمعا بحكم الري، فخاب وقتله المختار الثقفي، وقد خسرا كلاهما الدنيا والآخرة.
[426] راجع الصواعق المحرقة: 33، وفيها يعترف مروان ببراءة علي (ع).
[427] تاريخ الطبري 5: 121.
[428] الإمامة والسياسة 1: 42، والاستيعاب، ترجمة ابن أبي سرح، وتاريخ الطبري 5: 234، وتاريخ ابن خلدون 2: 396، وابن كثير 7: 175، والطبري 5: 110 و 114 و 108 و 203، وفائق الزمخشري 2: 296، وأنساب البلاذري 5: 74، وابن قتيبة، ولسان العرب 7: 98، وتاريخ العروس 3: 292، وشرح ابن أبي الحديد للنهج 2: 113 و 1: 63.
[429] نفس المصادر السابقة.
[430] أيد ذلك ابن حجر في الإصابة 3: 381.
[431] الإمامة والسياسة 1: 93.
[432] تاريخ الطبري 5: 108 و 203.
[433] راجع شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة 4: 757.
[434] راجع أنساب البلاذري، وكتاب صفين لابن مزاحم: 210، وشرح ابن أبي الحديد للنهج 1: 342 وكامل ابن الأثير 3: 123 وتاريخ الطبري 5: 243 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 58.
[435] الإمامة والسياسة 1: 96، وكتاب نصر: 472، وشرح ابن أبي الحديد للنهج 2: 289.
[436] راجع تاريخ الطبري، وكتاب أبو مخنف لوط بن يحيي الأزدي، وابن قتيبة.
[437] 1: 262 - 272، وتاريخ الطبري 5: 140 - 176، وطبقات ابن سعد 5: 25، وكامل ابن الأثير، وأنساب البلاذري 5: 70 - 91، وتاريخ ابن عساكر 7: 272 - 319، وتاريخ العروس 8: 141، والإمامة والسياسة: 43 - 57، والاستيعاب، وتاريخ أبي الفداء 1: 172، وشرح النهج لابن أبي الحديد 2: 77 - 506، وتذكرة سبط ابن الجوزي: 38، ونهاية ابن الأثير 4: 116، وحياة الحيوان 2: 359.
[438] كتاب صفين لابن مزاحم: 511، والإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 94، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي 2: 298.
[439] أخرجه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة.
[440] راجع أنساب البلاذري، وتاريخ الطبري، وابن الأثير، وابن عساكر، والخلفاء للسيوطي، والاستيعاب، وأسد الغابة، ومروج الذهب، وشرح الموطأ للزرقاني، وغيرهم، فتري خيارالصحابة اشتركوا في الفتوي علي عزل وقتل عثمان لخروجه علي الكتاب والسنة.
[441] تاريخ الطبري 5: 115 - 116.
[442] خازنه علي بيت المال والذي مر ذكره بما جمع من الأموال.
[443] وهم من المنتهزين المتجاوزين علي المسلمين وأموال المسلمين.
[444] كما جاء في شرح ابن أبي الحديد 1: 165، وكامل ابن الأثير 5: 70، والإمامة والسياسة1: 32.
[445] الطبري في تاريخه 5: 116.
[446] الواقدي، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1: 92. وما جاء في كتاب صفين لابن مزاحم: 213، ومروج الذهب للمسعودي 2: 62، والاستيعاب في الكني، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 133، وتاريخ ابن عساكر 7: 201، والإمامة والسياسة 1: 158، وكلها تثبت أن قتل عثمان بإجماع نقباء الإسلام من المهاجرين والأنصار وبينهم العشرة المبشرة وأهل الشوري والبدريون، والأصح إنما قتله خيانة آل أمية وأخص آل الحكم ومعاوية، والعقدالفريد 2: 284، والإمامة والسياسة 1: 87.
[447] ابن خلدون، والبلاذري في أنسابه 5: 26 و 59 و 62، وطبقات ابن سعد 3: 49، والطبري والمسعودي كما أوعز للقارئ الكريم مراجعة كتابنا الخامس، وما جاء في حصار عثمان حتي قتله.
[448] راجع المصادر السابقة وطبقات ابن سعد والبلاذري وأبي مخنف والطبري.
[449] راجع كتابنا الخامس في عثمان وعهوده ونكثه واعترافاته.
[450] مر ذكر ذلك في الجزء الأول من موسوعتنا هذه تحت عنوان حديث يوم الدار.
[451] روي ذلك أجلة علماء السنة والمفسرون وأئمة المذاهب، كالإمام أحمد في مسنده 1: 111 و 159 و 333، والإمام الثعلبي في تفسير آية الإنذار، وأحمد الخوارزمي في المناقب، ومحمد بن جرير الطبري في تفسير الآية، وتاريخ الأمم والملوك 2: 217، من طرق مختلفة، وشرح ابن أبي الحديد 3: 263 - 281، وكامل ابن الأثير 2: 22، وحلية أبي نعيم، والجمع بين الصحيحين للحميدي، والسنن والدلائل للبيهقي، وتاريخ أبي الفداء 1: 116، وتاريخ الحلبي 1: 381، والخصائص العلوية للنسائي: 6 الحديث 65، ومستدرك الحاكم أبو عبد الله 3: 132، وينابيع المودة للشيخ سليمان البلخي في الباب (31) وكفاية الكنجيفي الباب (51)، وغيرهم. وأما الإمامية فقد أجمعوا علي صحته.
[452] راجع الأسانيد في الجزأين الأول والثاني من موسوعتنا، وقد أثبتها مسلم بن الحجاج في صحيحه 7: 122، كما جاء في الصحاح والسنن كلها كصحيح أبي داود وسنن الترمذي 2: 307، وخصائص النسائي: 30، ومسند أحمد 3: 14 و 17، و 4: 26 و 59 و 5: 182 و 189، ومستدرك الحاكم، وحلية أبي نعيم، وتذكرة السبط: 182، وأسد الغابة والجمع بين الصحيحين، والجمع بين الصحاح، وكبير الطبراني، وتلخيص المستدرك للذهبي، والعقد الفريد، ومطالب السؤول، ومناقب الخوارزمي، وتفسير فخر الرازي 3: 18، والصواعق المحرقة: 75 و 87 و 90 و 99 و 136.
[453] راجع الجزء الأول والثاني من موسوعتنا.
[454] أخرجه الترمذي والنسائي عن جابر، ونقله المتقي الهندي في كنز العمال 1: 44 الحديث874.
[455] 2: 236 و 237 ط مصر سنة 1290.
[456] 1: 98 و 118 و 119.
[457] ص 19 نقل (18) حديثا.
[458] ص 57.
[459] ص 30 و 74.
[460] المستدرك للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيشابوري.
[461] تاريخ الخلفاء لمحب الدين السيوطي: 65.
[462] العقد الفريد: 194 لابن عبد ربه، واستيعاب ابن عبد البر 2: 473، والطبقات الكبري لمحمد بن سعد الواقدي، وتفسير مفاتيح الغيب للإمام فخر الدين الرازي، وتفسير وتاريخ ابن جرير الطبري، ونور الأبصار: 68، للسيد مؤمن الشبلنجي، ومطالب السؤول للكنجي، ومودة القربي السابعة للسيد مير علي الهمداني، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 23 - 125، والسيرة الحلبية لبرهان الدين الشافعي 2: 26 و 120، ومروج الذهب للمسعودي 2: 49، وينابيع المودة لسليمان البلخي الحلبي في الباب (9) و (17)، وكنز العمال للمتقي الهندي 6: 230، وتاريخ بغداد للخطيب، ومناقب ابن المغازلي، ومناقب الخوارزمي، وأسد الغابة لابن الأثير وتاريخ ابن كثير، وتهذيب التهذيب لابن حجر، ومحاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني، والسبط ابن الجوزي في التذكرة: 13 - 14.
[463] كلمة الغزالي في كتابه سر العالمين، والغزالي هو حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي وله المقام الأسمي عند أهل السنة والجماعة، وكلمته حجة عليهم، وهي: " أسفرت الحجة وجهها وأجمع الجماهير علي متن الحديث عن خطبة يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر: بخ بخ لك يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولي كل مؤمن ومؤمنة! هذا تسليم ورضاء وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوي لحب الرئاسة وحمل المولي الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوي، وقعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار سقاهم كأس الهوي فعادوا إلي الخلاق الأول فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون! ولما مات رسول الله قال قبل وفاته إئتوني بدواة وبياض لأزيل عنكم إشكال الأمر، وأذكر لكم من المستحق لها بعدي. قال عمر: دعو الرجل فإنه يهجر! وقيل يهذو فإذا بطل تعلقكم بتأويل النصوص فعدتم إلي الإجماع وهذا منقوض أيضا فإن العباس وأولاده وعليا وزوجته وأولاده لم يحضروا حلقة البيعة، وخالفكم أصحاب السقيفة في مبايعة الخزرجي ثم خالفهم الأنصار ".
[464] راجع الجزء الثالث، آخر موضوع علم أبي بكر من موسوعتنا، وأسف أبي بكر علي تخلفه عن جيش أسامة بأسانيده.
[465] راجع كامل المبرد والكتاب الثالث من موسوعتنا حول إيمان أبي بكر.
[466] راجع الكتاب الأول والثاني وأخص الثالث موضوع علم أبي بكر وما أوردنا فيه من المستندات.
[467] النساء: 109.
[468] الآيتان 41 و 42: - (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا - يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوي بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا) -. والآية (81): - (ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل علي الله وكفي بالله وكيلا) - والآية (115): - (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين فوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيرا) - وفي سورة المائدة الآية (33): - (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا والآخرة ولهم في الآخرة عذاب عظيم) - وكذلك الآية (44) و (45) و (47) من سورة المائدة.
[469] راجع ما جاء في رسائل الجاحظ: 54، مما نقله ابن أبي الحديد في شرحه 3: 275، والخطيب في تاريخه 8: 21، وابن الجوزي في المنتظم 6: 327، وفي خلاصة كتاب العثمانية: 10، والجواب الذي رده به أبو جعفر الإسكافي المعتزلي البغدادي المتوفي سنة 240 ه، وتستطيع أن تجدها في جهاد أبي بكر في كتابنا الثالث من هذه الموسوعة بأسانيدها.
[470] راجع واقعة خيبر الواردة في الصحاح والأسانيد والتواريخ، منها صحيح محمد بن إسماعيل البخاري 2: 100 ط مصر سنة 1320 ه، ومسلم بن الحجاج 2: 324 في صحيحة ط مصر سنة 1320 ه، والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء، ومحمد بن طلحة في مطالب السؤول: 40، والكنجي في كفاية الطالب، ولابن أبي الحديد قصيدة من قصائده العلوية السبعة.
[471] راجع الجزء الثاني موضوع شجاعة علي (ع) وتضحيته من موسوعتنا هذه.
[472] عن عمر أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 7: 453 (حكم عمر بنفاق رجل رآه يسب عليا) وقد نسي يوم حرق باب داره وأخذه قهرا ليبايع أبي بكر وأقسم بقتله إن لم يبايع. أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في المناقب ومحب الدين في الرياض النضرة، وابن كثير في تاريخه 7: 354، قوله (ص): لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق. وابن عدي في كامله عن البغوي، عن أم سلمة والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 133 عن ابن عباس وبه احتج علي يوم الشوري. ومناقب ابن المغازلي والكنز: 402.
[473] في شرح النهج 2: 78، وجاء في مودة القربي عن عائشة عن رسول الله (ص) قال: إن الله قد عهد إلي من خرج علي علي فهو كافر في النار، وهذه شهادة أم المؤمنين علي نفسها، ولهذا طلبت عدم دفنها إلي جوار رسول الله معلنة أنها أحدثت بعده كثيرا ما لا يرضاه.
[474] رواه أبو نعيم والمحاملي والحاكم والحموي والمتقي الهندي والطبراني والبيهقي وابن عساكر وابن أبي الحديد والكنجي والهيثمي والبزاز ومحب الدين والسيوطي في كتبهم وكثير غيرهم.
[475] كما جاء في حلية أبي نعيم، وأوسط الطبراني، وتاريخ ابن عساكر، وكفاية الطالب للكنجي، والرياض لمحب الدين الطبري، وفرائد الحمويني وشرح النهج والدر المنثور للسيوطي، عن ابن عباس وسلمان الفارسي وأبي ذر وحذيفة.
[476] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 358. من أمثال المزيفين المكذبين علي الله ورسوله أبو هريرة، وقد أثبت كذبه علي الله ورسوله المحقق الضليع الكاتب محمود أبو رية في كتابيه أضواء علي السنة المحمدية وشيخ المضيرة (أبو هريرة) والمحقق العلامة السيد مرتضي العسكري وأفراد آخرين أدخلتهم الأغراض في عداد الصحابة مثل معاوية قطب النفاق ووزيره عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة الفاجر ومن التابعين عروة بن الزبير.
[477] راجع الصحاح، أخص صحيح البخاري وصحيح مسلم وبقية الصحاح في ترجمة الزهراء كما تجد أئمة المذاهب وعظماء المحدثين في مسانيدهم يؤيدون ما قلناه في عظمة الزهراء وأنها ماتت غضبي علي الشيخين.
[478] راجع الأسانيد المثبتة المتواترة في الجزء الثالث في موضوع فدك من موسوعتنا.
[479] ونري معاوية هذا وقد مرت منكراته وكبائره يدخلونه في الصحابة وكتاب الوحي.
[480] جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 364: عن الشيخ أبي القاسم البلخي، شيخ المعتزلة، وجامع السيوطي الكبير 6: 39، والرياض النضرة 2: 215، وجامع الترمذي 2: 299، والاستيعاب 3: 46، وحلية الأولياء لأبي نعيم 6: 295، ومطالب السؤول لابن طلحة: 17، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ومسند أحمد 1: 95 و 128، وتاريخ الخطيب البغدادي 4: 426، وسنن النسائي 8: 27، وفرائد الحمويني باب 22.
[481] رواه أجلة المحدثين ومنهم المير علي الهمداني الشافعي في المودة الثالثة في مودة القربي، وعن عائشة أم المؤمنين، وإذ ذكروها بحديثها وأنها حاربته، قالت: نسيت الحديث، وهل تنسي كل ذلك والوصايا وقد ذكرتها بها أم سلمة قبل ذهابها للبصرة؟.
[482] راجع تذكرة ابن الجوزي: 122، ومروج الذهب للمسعودي: 136 في إثبات الوصية وشرح النهج لابن الحديد 4: 18، ومحمد خداوند شاه في روضة الصفا ج 2، وتاريخ الأعثم الكوفي، وروضة المناظر لابن شحنة، وتاريخ أبي الفداء.
[483] أعود لأوجه نظر القارئ الكريم لمطالعة موضوع السقيفة في كتابنا الثالث من الموسوعة أخص مطالعة نادي الخمر... وينقضون العهد ويولون الدبر، وبالتالي مطالعة كلمة حجةالإسلام الغزالي وما بعدها.
[484] راجعه في الجزء الرابع من موسوعتنا هذه في موضوع شكاية العلماء والحكماء من عمر.
[485] راجع الطبري 5: 98 عما كتبه السري عن شعيب عن عطية عن يزيد الفقعسي عن أعمال عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء.
[486] راجع كتاب عبد الله بن سبأ للكاتب المحقق الضليع السيد مرتضي العسكري وما كتبه الدكتور طه حسين في كتابه الفتنة الكبري، وسار عليه الكاتب المنصف المناضل محمود أبو رية في كتابيه: شيخ المضيرة، وأضواء علي السنة المحمدية. وتري فيها حقائق أقلها الأحاديث والروايات الكاذبة علي رسول الله (ص) في عهد الأمويين، تلك التي اختلقها المنافق الكذاب أبو هريرة، ومن كذب علي رسول الله (ص) كذبة أكبه الله علي منخريه في النار، فكيف بآلافها؟!.
[487] سيأتي دورها في المتهم الرابع.
[488] راجع الجزء الثالث من موسوعتنا لمطالعة الأسانيد.
[489] راجع الجزء الثالث من موسوعتنا لمطالعة الأسانيد.
[490] راجع الجزء الثالث من موسوعتنا لمطالعة الأسانيد.
[491] آية الولاية راجع التفاسير وإجماعها علي علي يوم تصدق بخاتمه في الصلاة.
[492] راجع الكتاب الرابع من موسوعتنا يوم سأل عمر سائل سؤالا فتقدم به لعلي ليجيبه فاعترض السائل عليه فأجابه قائلا وهو آخذ بتلابيبه أنه مولاي ومولي كل مؤمن ومؤمنة.
[493] كما صرح بذلك رسول الله في حملة خيبر وحديث الطائر المشوي، وكثير من المناسبات، راجع الموسوعة السابقة أخص الجزأين الأولين.
[494] مرت في الجزء الثالث من الموسوعة بأسانيدها.
[495] تجدها بأسانيدها في الجزء الرابع من هذه الموسوعة.
[496] نفس المصدر السابق.
[497] نفس المصدر السابق.
[498] نفس المصدر السابق.
[499] نفس المصدر السابق.
[500] نفس المصدر السابق.
[501] هو حذيفة اليمان.
[502] راجع غدير خم في الجزء الأول من موسوعتنا هذه بأسانيدها.
[503] الآية (111) من سورة الأنعام: - (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتي وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون) -. والآية (112) منها: - (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلي بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) -. والآية (113) منها: - (ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه ويقترفوا ما هم مقترفون) -. والآية (135) منها: - (قل يا قوم اعملوا علي مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون) -. والآية (148) منها: - (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتي ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وأنتم إلا تخرصون) -. سورة النساء (81): - (ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل علي الله وكفي بالله وكيلا) -. والآية (145) منها: - (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) -. والآية (115) منها: - (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيرا) -.
[504] قال الله تعالي في الآية (48) من سورة النساء: - (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك) -. وقال سبحانه وتعالي في الآية (34) من سورة المائدة: - (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا إن الله غفور رحيم) - بشرط أن يكون دون الشرك.
[505] راجع الجزء الرابع من موسوعتنا بأسانيدها.
[506] - (ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم) - سورة التوبة: 63.
[507] وقد قال رسول الله (ص): فاطمة بضعة مني من آذاها آذاني ومن آذاني آذي الله. وقال الله في سورة الأحزاب، الآية (57): - (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) - راجع أسانيدها في الجزأين الأول والثاني من موسوعتنا.
[508] راجع سفر السعادة للعلامة الفيروزآبادي صاحب قاموس اللغة، وموسوعة عبقات الأنوار للبحاثة المحقق العظيم السيد حامد حسين، وموسوعة الغدير للعلامة الأميني، راجع كذلك الجزء الرابع والخامس من موسوعتنا هذه.
[509] المصادر السابقة نفسها.
[510] راجع كتاب النص والاجتهاد للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين.
[511] راجع كتاب النص والاجتهاد للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين لتري أن عمر خالف أربعين نصا من القرآن مجتهدا، ومعلنا في كثير منها أنها كانت في عهد رسول الله وأنهم حرمها ومعاقب عليها. راجع كتابنا الرابع من هذه الموسوعة لتري الأسانيد.
[512] لقد شهد علي فساد شوراك معاوية بن أبي سفيان أعز أعوانك الذي لقبته بكسري العرب وأعلن أنها كانت منشأ الفساد والفتن وقد مر ذلك بأسانيده.
[513] راجع ما ذكرناه في الجزء الرابع في المتعتين وشكاية أولاد الزنا الناتجة من منع عمر للمتعتين. وأن ما مر يثبته علم النفس الحديث ذلك الذي نادي بإصلاحه فلاسفة العصر مثلا لفيلسوف الإنجليزي راسل وإشارته لاتباع العقد المؤقت في جامعات أميركا.
[514] مثل جابر بن عبد الله الأنصاري.
[515] ذكرنا في تعليقنا علي كتاب المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي للأستاذ توفيق الفكيكي، تقديم الأستاذ عبد الهادي مسعود، طبع القاهرة ص: 103 أن البنتين ليستا بنتي رسول الله (ص) وإنما هما بنتا هالة أخت خديجة، وربيتا في دار رسول الله (ص) وعاشتا تحت رعايته. وقد أيد ذلك عدد من الباحثين، وكتب السيد جعفر مرتضي كتابا بعنوان (بنات النبي أم ربائبه). " الرضوي ".
[516] سورة التوبة الآية 24 قوله تعالي: - (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتي يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) -.
[517] راجع هامش صفحة 445 من كتابنا هذا.
[518] راجع الأجزاء الماضية أخص الأول والثاني وما ثبت فيه بخلافة علي في الكتاب والسنةعقلا ونقلا.
[519] راجع كتابنا الرابع والثالث من الموسوعة.
[520] من سورة التحريم، الآيات (3 و 4 و 5): - (وإذ أسر النبي إلي بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير - إن تتوبا إلي الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا - عسي ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات...) -. والآية (10) منها: - (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين) -. والآية (11) منها: - (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) -. سورة الأحزاب، الآية (28): - (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) -. والآية (29) منها: - (وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) -. والآية 30 منها: - (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك علي الله يسيرا) -. والآية (33) منها: - (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله...) -. والآية (36) منها: - (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) -. والآية (57) منها: - (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) -. والآية (58) منها: - (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) -.
[521] ومن أعان ظالما سلطه الله عليه، فهي أسندت عثمان وانقلبت عليه، ومدحته وذمته، وخلقت له روايات متناقضة ورفعت مقام بني أمية وماتت مسمومة بسم معاوية وبغضها ومحنها التي دفع معاوية بها عليها يوم بعث ابن أرطأة يجمع أعمالها المنكرة والمتناقضة حينما هابه أمرها، وإذ وجدها تريد الكيد له وجد سمها أحري فسمها وتخلص منها كما سمأخاها عبد الرحمن، وكان ذلك بعض مجازاته لأبي بكر الذي أسنده.
[522] راجع سفر السعادة للعلامة الفيروزآبادي مؤلف قاموس اللغة وغيرهم، وراجع عبقات الأنوار للعلامة الدهلوي، وموسوعة الغدير للعلامة الأميني.
[523] الآيات النازلة في علي (ع) أكثر من ثلاثمائة آية، منها كان الله ساواه برسول الله في آية الطهارة والولاية.
[524] كان علي (ع) يحب الزبير ويوده، وقد وجد ذلك رسول الله (ص) فقال لعلي والزبير حاضر: أتوده؟ قال: بلي يا رسول الله (ص)، فقال له: إنه سينكث عهده إياك ويحاربك. وظلت هذه عالقة بذهن علي (ع) حتي قبيل حرب الجمل حيث طلب علي (ع) ملاقاة الزبير وذكره بالحديث وعندها اعتزل زبير الحرب.
[525] مر في الكتاب السادس حديث معاوية مع المغيرة أن أبا بكر وعمر وعثمان ماتوا ولم يذكر لهم اسم وهذا ابن أبي كبشة يذكر اسمه كل يوم علي رؤوس الأشهاد خمسا والله طما طما، ذكره أبو الفرج الأصفهاني في أغانيه.
[526] راجع كتاب النص والاجتهاد للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين لتري فيه أربعين نصا يخالفها عمر عدا منعه تدوين السنة وراجع كتابنا الرابع من هذه الموسوعة.
[527] قال تعالي: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) -، - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) -، - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) -.
[528] تجدها في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد الشافعي المعتزلي.
[529] وردت الأحاديث بأسانيدها في الجزأين الأولين من الموسوعة.
[530] راجع التاريخ أخص حياة قريش والعرب قبل الإسلام.
[531] راجع الآية 107 من سورة التوبة قوله تعالي: - (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسني والله يشهد إنهم لكاذبون) -.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.