محاضرات عقائديه

اشارة

‏سرشناسه : عقالي، دمرداش
Iqali. al -Dimirdash
‏عنوان و نام پديدآور : محاضرات عقائديه: الرحله الي الثقلين في كتاب الله الحكيم... الامام الحسين(ع) في سفر الشهداآ... انتخاب الطرايق من الظلمات الي النور... من هم الشيعه/ تاليف الدمرداش‌بن زكي العقالي؛ اعداد و تنظيم مركز الابحاث العقائديه
‏مشخصات نشر : قم: مركز الابحاث العقائديه، ۱۴۲۴ق. = ۱۳۸۲.
‏مشخصات ظاهري : ص ۱۶۰
‏فروست : (سلسله الرحله الي الثقلين‌۷)
‏وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
‏يادداشت : عربي
‏موضوع : شيعه -- عقايد
‏موضوع : شيعه اماميه
‏شناسه افزوده : مركز الابحاث العقائديه
‏رده بندي كنگره : BP۲۱۱/۵/ع‌۶۸م‌۳
‏رده بندي ديويي : ۲۹۷/۴۱۷۲
‏شماره كتابشناسي ملي : م‌۸۲-۲۹۹۴۶

مقدمة المركز

من أبرز نشاطات "مركز الأبحاث العقائدية" الاهتمام بالمستبصرين، والتأكيد علي النخبة منهم، الذين قضوا وقتاً طويلا في البحث والتحقيق وتمحيص الأدلّة، ومن ثمّ الرحلة إلي مذهب أهل البيت(عليهم السلام). وبحق، فان فترة الانتقال من أصعب ما يواجهه المرء، حيث يحصل له نوع من الشكّ في كل شيء، ليضعه علي طاولة البحث، لأنّ الإنسان قد عوّد نفسه أن ينظر إلي الموروث الفكري نظرة تقديس، ولا يعطي لنفسه الحقّ حتي في البحث والتساؤل عن دليل هذا الموروث. ومن هذا المنطلق يكمن سرّ عظمة هؤلاء الذين تحرّروا من قيود التمسّك الأعمي بالموروث، وأعطوا الحق الكامل لأنفسهم في البحث عن الصحيح من السقيم منه، وانتقلوا إلي مرحلة اليقين الكامل بعدما اعتراهم الشكّ في الكثير من المسائل العقائدية. ومن أبرز هؤلاء النخبة الأستاذ المستشار الدمرداش العقالي حفظه الله، الذي له باع واسع في كثير من الأبحاث العقائدية والمسائل الخلافيّة، مع ما له من ملكة وموهبة فذّة في فن الخطابة وإيصال كلمة الحقّ إلي المخاطب [ صفحه 10] بطريقته الخاصّة: من كثرة الاستشهاد بالآيات القرآنية، وربط بعضها ببعض، واستنتاجاته الدقيقة من آي الذكر الحكيم، مع ما له من هيمنة خاصة تجعل المخاطب ينشدّ إليه بكل وجوده، كل ذلك لإخلاصه للباري عزّوجل، وموالاته لأولياء الله، ومعاداته لأعدائه. وفي زيارتي إلي القاهرة وجّهتُ دعوة خاصّة إلي المستشار العقالي لزيارة مركز الأبحاث العقائدية، فلبّي الدعوة، وكان حضوره في المركز مفيداً جدّاً، وذلك بالقاء عدّة محاضرات في محافل عامّة وخاصّة، بالإضافة إلي لقائه بمراجع الدين في الحوزة العلمية، وزيارته لأهمّ المؤسسات العلمية التابعة للحوزة. وبعد زيارته المباركة، ارتأي المركز تدوين محاضراته، وتنظيمها، مع بعض التعديلات، مراعين في ذلك الحفاظ علي أسلوب المحاضرة، ومن ثمّ طبعها في كتاب تحت عنوان: "محاضرات عقائدية"، وذلك لما تحويه من نكات دقيقة واستنتاجات علمية عديمة النظير. سائلين المولي عزّوجلّ للمستشار العقالي طول العمر والموفّقية والسداد. وفي الختام، نقدّم جزيل شكرنا إلي المحققين في قسم المستبصرين، لما بذلوه من جهد في كتابة هذه المحاضرات وتنظيمها وضبط واستخراج الآيات القرآنية والروايات الشريفة وأقوال العلماء، ونخصّ بالذكر منهم سماحة الشيخ محمد اللبان الذي كانت مهمّة إعداد هذا الكتاب علي عاتقه. مركز الأبحاث العقائدية فارس الحسّون [ صفحه 13]

الرحلة إلي الثقلين

تمهيد

الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم علي من أرسله الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وعلي آله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. أما بعد: فإنّ من نعم الله عزّ وجلّ التي تتوالي علي الناس في كل عصر وحين نعمة ما استحدثه العلم المعاصر من وسائل للتخاطب والتعارف، لم يكن للأولين عهد بها، هذه النعمة التي تتمثّل في أجهزة الإتصال والتلفاز والانترنيت، بحيث إذا سُخرت لشكر أنعم الله بالدعوة الي منهجه والاستمساك بحبله كانت نعمةً سابغةً وكانت عاقبتها يوم القيامة الفوز المبين إن شاء الله. وأنا إذ أتحدث الي كل من يتفق له أن يشاهد أو يسمع حديثي، فإني أرجو أن يقع منه موقع القبول وأن نكون وإيّاه ممن (يَسْتَمِعونَ القَوْلَ فَيَتّبِعونَ أحسَنَهُ أولئِكَ الَّذينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأولئِكَ هُمْ أُولُوا الألبَابِ) [1] . [ صفحه 14]

الهوية الشخصية

وأستأذن المشاهد الكريم والمستمع اللبيب في أن اعرّفه بشخص المتحدث الفقير إلي الله، الدمرداش بن زكي بن مرسي بن علي بن عبد العال بن علي بن علاّم. عربي الأصل والأرومة، مصري الجنسية والإقامة. فقد ولدتُ ونشأتُ في أواسط صعيد مصر في إقليم أسيوط وهو: إقليم ذو تأريخ شأنه شأن كل بقاع مصر، ولكن إقليم أسيوط يتميز بأنّه ظل دائماً مكاناً ومستقراً للدعاة إلي الله علي بصيرة وبالحكمة والموعظة الحسنة. ونذكر من روّاد علماء أسيوط العلاّمة جلال الدين السيوطي، وتأليفاته ومصنّفاته أكثر من أن تحصي. كانت نشأتي في إقليم أسيوط، لأُسرة أنعم الله عليها بمجموعها بالكثير من المال، وكانت تملك معظم الأراضي الزراعية لقرية العقال وما حولها، وإن كان العبد الفقير ليس له حظّ من هذه الملكيات، فقد كان من فقراء العائلة. وقد قيّض الله لي أبوين وجّهاني منذ صغري الي حفظ كتاب الله عزّ وجلّ، بغية إلتحاقي بالأزهر الشريف، ثمّ شاء الله عزّ وجلّ أن يوجّهني إلي التعليم المدني، وانتهت دراستي بالتخرّج من كلّية [ صفحه 15] الحقوق بجامعة القاهرة عام 1954 م، وكنت بحمد الله علي رأس خرّيجي هذه الدفعة. اشتغلت فترة بالمحاماة في صدر شبابي، ثم عُيّنت قاضياً في وزارة العدل المصرية، وتدرجت في سلك القضاء المصري إلي درجة مستشار بمحكمة استئناف القاهرة ـ ودرجة مستشار أعلي درجات القضاء فنياً وإن لم تكن أعلاها وظيفياً ـ ثم استقلت من القضاء للاشتغال بالعمل السياسي، فانتخبت من قواعد حزب العمل المصري في مؤتمره الثالث ـ المنعقد عام 1984 م ـ بإجماع قواعد الحزب نائباً لرئيس الحزب، ثمّ صدر قرار رئيس جمهورية مصر العربية بتعييني عضواً في مجلس الشوري المصري عام 1986م، ثمّ انتخبتُ عضواً بمجلس الشعب المصري في العام التالي ـ وحصلتُ في هذه الانتخابات التي جرت في أبريل عام 1987م حصلت علي 127 ألف صوت، وهي أعلي نسبة حصل عليها عضو بمجلس الشعب المصري آنذاك ـ ومارستُ دوري في مجلس الشعب المصري علي هديً من كتاب الله عزّ وجلّ من الالتزام بتحقيق السلام الاجتماعي للأُمة، وكل ذلك مسطور ومضبوط في مضابط مجلس الشعب المصري.

الطريق إلي الاستبصار

وإنّما الذي يعنيني في مقامي هذا بعد أن عرّفتكم بشخصي [ صفحه 16] الضعيف، أن أعرّفكم بما هو أهم، وهو طريقي الذي أسلكني الله فيه وقادني به إلي الاستبصار واتّباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام). لقد مرّ عليّ زمن استغرق عقدين من السنين أحاول خلالهما أن أتعرف علي وجه الحق في أساس الاعتقاد في مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وكان منطلقي في بداية البحث هو نشأتي الريفية التي جُبلت علي حب أهل البيت وإعطائهم الولاء القلبي الكامل. ولمّا شغلت منصب القضاء في مصر في عام 1965م و1966م و 1967م ـ أي علي مدي أعوام ثلاث ـ إتفق لي أن أتولي الفصل في قضايا الأحوال الشخصية للمسلمين، وكذلك في قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين، في إحدي مدن الصعيد وهي مدينة " كوم امبو "، من أعمال محافظة أسوان، وفي هذه المدينة يتعايش المسلمون والمسيحيون في سلام اجتماعي واحترام متبادل، وقد اتفق لي أن عرضت عليّ قضية طلاق بين مسيحي ومسيحية، وكان مبني الدعوي التي أقامها الزوج علي الزوجة هي الزنا!! وهو السبب الوحيد لفصم العروة الزوجية عند الأقباط الأرثودكس. وأود أن أشرح للمستمع وللمشاهد أنه: قبل ثورة يوليو 1952م التي فجرها جمال عبد الناصر، كان القضاء في الأحوال الشخصية للمسيحيين يعود الي محاكم محلّية خاصّة بهم في [ صفحه 17] كنائسهم، فلمّا وحّد جمال عبد الناصر القضاء جعل الفصل في هذه القضايا للقضاء العادي ـ بما فيه من قضاة مسلمين أو مسيحيين ـ وكان القانون ينصّ علي أن القاضي عند نظره للدعاوي التي بين المسيحيين يجب أن يحضر معه رجل الدين المسيحي ـ وهو القسيس ـ كخبير وليس كقاضي. وكان القسيس الذي حضر معي الجلسة يبدو عليه التوتر والإنزعاج والقلق ممّا يرمي به المدّعي ـ الزوج ـ زوجته المدّعي عليها! فأشفقت عليه ممّا يعانيه وأردت أن أداعبه مخفّفاً عنه، فقلت له: هلاّ فكرتم بالبحث عن طريق لتخفيف الإنغلاق في مسألة الطلاق، بحيث يستطيع الزوج عندكم أن يطلق من غير حاجة الي إتهام زوجته بالزنا؟! فجاء ردّ الرجل سريعاً ومنفعلا وقال: أتريد أن تجعل الطلاق عندنا مثل ما عند المسلمين " طَقَّتْ حَنَكْ "؟! ومعناها كلمة طائرة يتفوّه بها الرجل فتطلّق المرأة من غير ضوابط، لقد شدتني هذه العبارة! وفي اليوم التالي كنت أجلس للقضاء في الأحوال الشخصية بين المسلمين، فتقدّمت مني إمرأة مسلمة ترفع دعوي بطلب نفقة زوجية من زوجها لامتناعه من الإنفاق عليها، فلمّا طلبت من الزوج الجواب علي الدعوي، كان جوابه: إني طلقتها منذ عام [ صفحه 18] وليس لها نفقة في ذمّتي. وإذا بالمرأة تصرخ وتستجير وتواجه دعوي زوجها عليها وتصفها بالكذب، وأنّه كان معها في معاشرة زوجية منذ أيام فقط!! كان لهذا التخاصم وقع كوقع الصاعقة عليّ، فقد أعاد الي ذهني كلمة القسيس عن الطلاق الخالي من الضوابط، حيث أن الطلاق في الراجح علي مذهب أبي حنيفة يمكن أن يتم غيابياً وبلفظ صريح أو بكناية أو معلّق. فوجدت أن الأمر يحتاج الي مراجعة من هو أعلم مني بشؤون الشريعة والأحوال الشخصية، فذهبت لزيارة فضيلة المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة ـ وكان أستاذاً لي في كلّية الحقوق ـ وشكوت إليه قواعد الطلاق في مذهب أبي حنيفة التي تجيز وقوع مثل هذه المأساة بحيث تطلق الزوجة في غيبتها ومن دون علمها ومن دون شهود علي ذلك، ثمّ يبقي زوجها معاشراً لها بغياً وعدواً!! فكان جواب الشيخ أبي زهرة لي: يا ولدي لو كان الأمر بيدي ما جاوزت في القضاء والفتيا مذهب الإمام الصادق(عليه السلام). ووجهني إلي أن أعود الي سورة الطلاق وإلي شروح مذهب أهل البيت حول أحكام الطلاق. ولما عدت إلي السورة وإلي شروح الأحكام، تبيّن لي أنّ [ صفحه 19] الطلاق لا يقع صحيحاً في كتاب الله إلاّ في طهر لم يمسسها الزوج المطلق فيه، وبلفظ صريح، وبشاهدي عدل، فقلت: سبحان الله! كيف غاب هذا عن فقهاء تركوا مذاهب يدين بها الناس وتتأثر بها العلاقات ويصبح بها الحلال حراماً والحرام حلالا؟ كانت هذه أوّل محطة جادّة وضعتني في مواجهة مع نفسي، إذ أنّ الأمر جدٌّ لا هزل فيه، فقلت في نفسي: إبحث وتقصي واستعصم بما تعلم أنه الحق.

مع كتاب المختصر النافع و فتوي الشيخ شلتوت

ثمّ اتفق لي أن قرأت كتاباً مطبوعاً علي نفقة وزارة الأوقاف المصرية، في عهد وزيرها العالم الجليل المرحوم الشيخ أحمد حسن الباقوري، كتاب طبعته وزارة الأوقاف المصرية عام 1955م عن الفقه الإمامي الشيعي عنوانه " المختصر النافع في فقه الإمامية " للمحقّق الحلي، فزاد يقيني من أن الفقه الشيعي كما وصفه الشيخ الباقوري في مقدمة الكتاب: باعدتنا عنه الأهواء وحجبتنا عنه السنون، رغم أنّ فيه العلاج الأمثل لكثير من عللنا الاجتماعية. كانت قراءتي لهذا الكتاب متزامنة مع قراءتي للفتوي التي أصدرها فضيلة الشيخ محمود شلتوت ـ شيخ الجامع الأزهر [ صفحه 20] الأسبق ـ حيث أفتي جواباً علي سؤال ورد إليه: "إنّ مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، مذهب يجوز التعبّد به شرعاً". ومن يومها بدأت رحلتي في التعبّد بمذهب الإمامية، مؤملا أن يزيدني الله إطلاعاً واستبصاراً علي كتب أخري.

القرآن الكريم و أهل البيت

وهيأ الله لي أن أعكف علي القرآن الكريم الذي حفظت الكثير منه صغيراً، أتنسم في آياته البيّنات معالم أهل البيت، وبدأت أرجع إلي التفاسير المعتمدة عند العامة، فهالني ماوجدت من مواقف قرآنية قطعية تبيّن أنّ هذا القرآن الذي أنزله الله بين محكم ومتشابه لابدّ لفهمه من أن يكون هناك دليل هاد يقود العقل بين آياته قيادة مبرّأة من الجهل والهوي، وأن هذه القيادة التي يقتضيها المنطق القرآني ومنهجه قد تمت الدلالة عليها في وقائع الحياة اليومية لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فها هو المنهج الإسلامي يتنزّل به الوحي علي أمة أمية مضي عليها حين من الدهر تعبد اللات والعزي ومناة، ووصفها الله عزّ وجلّ بأنّها أمة كانت في ضلال مبين، وحينما فتحت المدرسة المحمدية كان أول من وفد علي ساحتها بفطرة نقية صبي مجتبي تربي في [ صفحه 21] حجر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)وشرب كل مشاربه، علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أقبل علي هذه المدرسة وهو غير محمّل بأية آثار أو أوزار أو شبهات من العهد الوثني، فكرّم الله وجهه عن السجود لصنم، وقد اتفقت الأمة السنية علي اختصاصه بهذا الوصف من بين كل أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). فقد تعلّمنا في المدارس منذ الصغر أن يوصف علي وحده بأنّه كرّم الله وجهه، وهذا التكريم كان بداية الإعداد لولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام)ولمنصبه الإلهي في البيان بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، بحيث يكون بيانه مطابقاً لمراد الله تعالي تماماً كبيان رسول الله، واستبان لي البرهان في هذه القضية ـ قضية بيان أمير المؤمنين وأنّه عين بيان رسول ربّ العالمين، بيان علي(عليه السلام) كبيان محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) ـ بدلالة ما وقع عند نزول سورة براءة، وفي شرح سورة براءة وما حدث قبل وبعد نزولها!

تبليغ سورة براءة

لقد استفاضت كتب التفسير عند السنة [2] أنّه في العام التاسع [ صفحه 22] للهجرة الشريفة وبعد فتح مكّة بعام واحد ندب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)الناس للحج، فبدأوا يتهيّأون له، ولا يرون رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يتهيّأ مثل تهيّوئهم إذ أنّ البيت يحج به المشرك ويطوف به العريان والكاسي، وهو (صلي الله عليه وآله وسلم) لا يحج حتي يتطهّر البيت من طواف المشرك والعريان، وأمّر علي الحجيج أبا بكر بن أبي قحافة. ونزلت الآيات العشر من سورة براءة مستهلة بقوله عز شأنه: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلي اللَّذِينَ عَاهَدتُمْ مِنَ المُشرِكينَ - فَسِيحُوا في الأرْضِ أربَعَةَ أشهُر وَاعلَمُوا أنّكُمْ غَيرُ مُعْجِزي اللهِ وَأنَّ اللهَ مُخزي الكافِرينَ - وَأذانٌ منَ اللهِ وَرَسولِهِ إلي النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأكْبَرِ أنَّ اللهَ بريءٌ مِنَ المُشرِكينَ وَرَسُولُهُ...) [3] . فسورة براءة تعني أن هذا العام الذي يحجّ فيه أبو بكر بن أبي قحافة أميراً علي الحجيج هو آخر عام يحجّ فيه الناس بين مشرك ومسلم، وأنّه لا يجوز للمشركين، (إنَّمَا المُشرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْربُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) [4] . فلمّا نزلت الآيات أرسل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام)ليبلّغ هذه السورة، ورجع أبو بكر إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)فقال: يا رسول الله أنزل فيّ شيء؟ فقال: لا ولكن جبريل جاءني فقال: لن يؤدّي عنك إلاّ أنت [ صفحه 23] أو رجل منك. فهذا الأمر الإلهي كشف عن أن عليّاً (عليه السلام) من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وهو الذي عبّر عنه الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) في حديث صحيح بقوله: " إنّ عليّاً منّي وأنا منه " [5] . وذهب علي يتلو علي الناس سورة براءة نائباً عن رسول الله نيابة النفس عن النفس ونيابة الجزء عن الكلّ. هذا الحادث دليل قطعي علي منصب إلهي، اجتبي الله فيه عليّاً (عليه السلام)، ومن قبله أحداث ومن بعده أحداث، فمن قبله فتح خيبر وما أدراك ما فتح خيبر؟!

حديث الراية

والمروي في كتب السنة وفيما يعدّ عندهم من الصحاح في المسميات ـ البخاري ومسلم ـ أنّه في يوم فتح خيبر واللفظ لمسلم: " عن أبي هريرة، أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال يوم خيبر: لأعطينّ هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله علي يديه". قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلاّ يومئذ. [ صفحه 24] قال: فتساورت لها رجاء أن أدعي لها. قال: فدعا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب فأعطاه إيّاها، وقال: إمش ولا تلتفت حتي يفتح الله عليك.. " [6] . ومضي أمير المؤمنين بالراية مشهوداً له بأنّه يحبّ الله ورسوله، مثنياً عليه بأنّ الله ورسوله يحبّانه ; قائماً بعمل نكص عنه غيره، وكم من أعمال جسام نكص عنها غيره فأدّاها؟! أي دليل أبلغ من هذا علي اختصاصه بالمنزلة الرفيعة؟

حديث المنزلة

وختمت مشاهد الغزوات النبويّة بغزوة تبوك في عام العُسرة، والتي ندب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فيها الناس للغزو، فلمّا همّ علي بالخروج مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أمره رسول الله بالبقاء في المدينة، فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟! ـ خاتمة العُسرة والحاجة ماسّة لبطولة علي (عليه السلام)، إذ يأمره الرسول بالبقاء في المدينة ـ فجاء التفسير النبوي: " إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك " [7] . فاستبقاه في المدينة، لأنّ بقاءه فيها كبقاء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). [ صفحه 25]

سرية أسامة

وختمت المشاهد قبيل وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بسرية أُسامة، لمّا ثقل المرض علي رسول الله وأمر بإنفاذ سرية أُسامة بن زيد، أمر بخروج جيش أمّر عليه أُسامة ـ وهو أصغر من في سريته سناً ـ وألحق بسريته شيوخ الصحابة وعلي رأسهم أبي بكر وعمر ولم يستبق معه في المدينة إلاّ عليّاً. فإذا بمن أمرهم الله تعالي بالنفير يتقاعسون ويقعدون! وفي أسماعهم وعيد الله (إلاّ تَنْفِرُوا يُعذِّبكُمْ عَذَاباً ألِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيرَكُمْ) [8] وأبوا أن يستجيبوا للخروج ببعث أسامة حتي لحق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بربّه فاهتبلوها فرصة، ليكون منهم يوم السقيفة للنكث والإنقلاب وتبديل ما أمر الله به وتغيير ما عاهدوا عليه رسول الله يوم الغدير بولاية أمير المؤمنين علي.

واطمأن القلب

لمّا وقعت علي هذه الحقائق واطمأن قلبي إليها من مصادر السنّة قبل مصادر الشيعة، لاح الحقّ معها جليّاً، فاستعنت بالله عزّ وجلّ مستبصراً وطالباً المزيد من البيان والأدلّة والمزيد من الإطلاع [ صفحه 26] علي فقه أهل البيت (عليهم السلام).

الحصول علي كتب الشيعة في السعودية

فمنّ الله عليّ وأكرمني بأن أعارتني وزارة العدل المصرية عام 1969م كمستشار قانوني لوزارة الداخلية السعودية، ويسّر الله لي بأسباب هي أقرب إلي الكرامة ـ بحمد الله ـ أن أطّلع علي عدد من كتب المذهب الشيعي ـ كانت محمولة مع الحجاج الإيرانيين القادمين عن طريق البر إلي السعودية ـ وكانت قد تمّت مصادرة هذه الكتب وأصبحت في حوزة وزارة الداخلية. وحتي لا أطيل عليكم، فقد تمّ اطلاعي عليها، فوجدتها تشرق بكلّ ما في كتاب الله من دلالات، أيّ أنّ منطلقي إلي الاستبصار والتشيّع كان من كتاب الله أوّلا، ومن مصنّفات الشيعة التي وجدتها لا تعدوا كتاب الله ولا تصادمه ثانياً.

مسألة تحريف القرآن

وفي هذه الخصوصية، خصوصية الموقف من كتاب الله بين السنة والشيعة، أذهلني ما يفتريه جهلاء أهل السنة ـ لا أعمم ففيهم العقلاء ـ علي الشيعة من الزعم بأنّ الشيعة لا يدينون بالقرآن الذي بين أيدي المسلمين، وأنّ لهم قرآناً آخر، فإذا باطلاعي علي كتاب [ صفحه 27] البيان للعلاّمة الخوئي (رحمه الله)، أجد أن الحديث واضحاً وقطعيّاً ومسنداً وجليّاً علي أن الشيعة هم أوّل من يسلّم بأنّ القرآن الذي بين دفتي المصحف المتداول في عالمنا اليوم هو كتاب الله عزّ وجلّ بغير زيادة ولا نقصان، وأنّه ليس عندهم شيء من تحاريف أو تخاريف بعض جهلاء أهل السنة: مثل قول عائشة فيما ترويه كتب السنة: كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مائتي آية، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلاّ ما هو الآن [9] . ومثل قول عمر: فكان ممّا أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها [10] ، وبقي حكمها، وهي علي زعمه آية: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة " [11] . فكل هذه الدعاوي عند أهل السنة التي تخدش العصمة للكتاب الكريم وتوهم بوقوع التحريف فيه، يرفضها الشيعة جملةً وتفصيلا، ويصونون الكتاب الكريم بأحداق عيونهم وأفئدتهم وبحسن تطبيقهم لأحكامه. [ صفحه 28] وحسبك في احترامهم للنصوص القرآنية ما قدّمت به حديثي: من أنّهم يعتمدون سورة الطلاق في مذهبهم بنصّها، ولا يجيزون الخروج عليها، بينما أهل السنة أجازوا الخروج عليها، بل هدمها بقول لعمر! فعمر عندما يجتريء علي أحكام الطلاق فيحرّفها عن مراد الله، ويمضي الطلقات الثلاث في المجلس الواحد باللفظ الواحد، غافلا ومتغافلا ومجترءاً علي قول الله في كتابه: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ) [12] بما يعني اختلاف الزمان بين طلقة وطلقة، لكنه اجترأ فطلّق الطلقات الثلاث بلفظ واحد! وليس محدّثكم هو الذي يقول عن عمر اجترأ، بل يقول ذلك واحد من أشد أتباع عمر ـ حتي في نصبه من أشد النواصب ـ ابن تيمية! فقد إستهول فعلة عمر في عبثه بأحكام الطلاق حيث قال: لا يصحّ لديّ ما قال به عمر من وقوع الطلاق ثلاثاً في المجلس الواحد، بل لابدّ من التفريق بين الطلقات [13] .

مصر تعدل عن مذهب أهل السنة في الطلاق

وعند هذه النقطة أحيط المشاهد والمستمع الكريم بالعلم: [ صفحه 29] أن مصر كانت حريصة قدر جهدها علي أن ترد الأحكام الشرعية إلي صحيح القرآن، فعدلت عن قول عمر في مسألة الطلاق، وهو الذي عليه قول المذاهب الأربعة ـ عدا ابن تيمية ـ فالمذاهب الأربعة تقول بقول عمر بوقوع الطلاق بائناً باللفظ ثلاثاً في المجلس الواحد، ولكن مصر عدلت عن ذلك، فأخذت في أحكام الطلاق أوّلا بمذهب ابن تيمية في وجوب اعتبار الطلقات الثلاث في المجلس الواحد بمثابة طلقة واحدة. ثمّ أبشّر المشاهد والمستمع الكريم أنّ مصر خطت خطوة أكبر في العدول عن مذهب أهل السنّة في الطلاق مطلقاً، حيث صدر القانون المصري المعروف بقانون الخلع في يناير عام 2000م والذي من ضمن أحكامه أن لا يقع الطلاق إلاّ في حضرة القاضي وبشاهدين عدلين.

خطاب و نصيحة موجهة إلي أهل السنة

الخلاصة من حديثي معكم: إنّ من التمس الحقّ وجده، ومن أراد أن يستبصر بصّره الله، ومن أراد أن يستنير نوّر الله قلبه. ولذا أناشد كل مسلم، بل كل إنسان: بأن يراجع موقفه من ربّه ونبيّه وإمامه، فيسرع إلي عقد الولاء لآل محمّد صلوات الله عليهم، وتصحيح عبادته باتباع مراجعهم الذين يأخذون من أنوار آل محمّد [ صفحه 30] صلي الله عليهم فقههم واجتهادهم وفتاواهم. وأُناشد كل مسلم: بأن يعمل علي تحرير رقبته من النار، وأن لا يستمسك بالمقولة التي تجعله عبداً في التقليد، فيندرج فيمن قال الله تعالي فيهم (إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلي أُمَّة وَإنَّا عَلَي آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [14] ، فإنّي أقول لهم بقول الله عزّ وجل: (أوَلَوْ جِئتُكُمْ بِأهدَي مِمَّا وَجَدْتُمْ عَليهِ آبَاءَكُمْ) [15] . أقول من هذا المنبر راجياً أن يصل قولي إلي كلّ من هيّأه الله لاتّباع الحق: لقد جئتكم بأهدي ممّا وجدتم عليه آباءكم، يا أهل السنّة في مشارق الأرض ومغاربها، هلاّ استجبتم لأمر الله وخلعتم اتّباع الطاغوت وهرعتم وأسرعتم الي اتّباع منهج آل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم). أقول قولي هذا منيباً ومستغفراً ومستجيراً ومستمسكاً ومتوسّلا ومستشفعاً بمحمد وآل محمّد (صلي الله عليه وآله وسلم)، أن يغفر الله لي هناتي وسقطاتي، وأن يرفع عني وزري وإصري. وصلّي الله علي عبده ورسوله محمد وآله الطاهرين. [ صفحه 33]

الامامة في كتاب الله الحكيم

اهمية الإمامة

الحمد لله، وسلام علي عباده الّذين اصطفي، وعلي النبي الخاتم وآله الطاهرين أفضل الصلاة وأتمّ التسليم. أمّا بعد: فيا أيّها الإخوة الأحباب سلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته. لعلّي لا أبالغ إذا قلت لكم: إنّ أهمّ وأشرف موضوع خليق بأن تجنّد له العقول والأبصار والألباب وتتوفّر العقول علي بحثه والتثبّت منه هو موضوع الإمامة، ذلك أنّها تمثّل في شجرة الإيمان الثمرة. إنّ الشجرة المباركة التي جعل الله أصلها ثابت في الأرض بلا إله إلاّ الله وفرعها منبثق في السماء برسول الله إنّما ثمرتها الحقيقية الإمامة، وإذا تجرّدت الشجرة من الثمرة فقدت وظيفتها وأصبحت عالة علي الأرض التي تستقل بها. أيها الأحباب، أهمّية الإمامة تأتي كذلك، باعتبار مظلوميتها [ صفحه 34] لدي المسلمين، فهي الركن المظلوم عبر التاريخ من بين أركان الإيمان، والتي بظلمها تهدمت باقي أركان الإيمان. فتعالوا نردّ علي تحدّي من طبع الله علي قلوبهم وجعل في آذانهم وقراً، نردّ علي تحدّيهم بأن نعيش مع كتاب الله في بيان الإمامة، (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَايَشَاءُ) [16] . فتعالوا بالقول الثابت نتعرّف علي النظرية العامّة في القرآن حول الركنين الأساسيين الربوبيّة والعبوديّة.

الربوبية والعبودية

إنّ قصّة الخلق تدور حول الربوبية والعبودية: ربٌّ خلق وعبدٌ مخلوق مطلوب منه أن يعبد الذي خلقه، وهو لكي يعبده لابدّ أن يكون علي بيان من مراد المعبود بياناً قطعيّاً لا مظنّة فيه. إذن، فالقضيّة أصلها حقوق الربوبية وواجبات العبودية: ففي حقوق الربوبية ـ إعلم يا أخي ـ أنّ الله ليس ربّ البشر فقط، ولا ربّ الإنس والجن فقط، ولا ربّ الشجر والحجر والحيوان، بل هو ربّ كل شيء، ولذلك فإنّ الإمامة التي يجحدها الناس في عالم البشر هي في الحقيقة تسري في كل المخلوقات. [ صفحه 35] ولكي نعرف حتمية الإمامة تعالوا نستعرضها في القرآن، لنري وفق أيّ مفهوم تسري في كل المخلوقات؟

كل مخلوق خلق علي قاعدة الاختيار الإلهي

مفهوم أنّ كلّ مخلوق خُلق علي قاعدة الإختيار الإلهي له، يعني ليس مخلوق عبثاً، لأنّ العبثية في المخلوقات ممتنعة، (أَفَحَسِبْتُمْ أنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً) [17] ، فكلّ المخلوقات خلقت بتقدير واختيار بما يستطيع الباحث المدقّق معه أن يسجّل هذه السُنة: سُنة الخلق مقرونة بسُنة الإختيار. فما من خلق إلاّ مصحوب باختيار، لقول الحقّ تبارك وتعالي: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَايَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَاكَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَي عَمَّا يُشرِكُونَ) [18] . إذن حيثما يوجد خلق يوجد اختيار.

الاختيار في العوالم الثلاثة

فتعالوا نري كيف أشار القرآن إلي أنّ الاختيار يشمل العوالم الثلاثة: عالم الجماد وعالم النبات وعالم الحيوان، كلّ هذا اختيار. (وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وحُمْرٌ مُختَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرابِيبُ [ صفحه 36] سُودٌ - وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ والأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ) [19] ، إشارة إلي مَن الذي جعل جبلا أبيضاً وجبلا أسوداً وجبلا أحمراً. إذن هناك اختيار، والناس كذلك، وهذا الإختيار يتعاظم ويدخل في مرحلة تفصيلية كلّما ارتقت المجموعة أو الجنس. فالاختيار في الجماد دقيق، وأدقّ منه الاختيار في النبات، فما أعجب ما تري في النبات؟!

الاختيار في النبات

كلّ نبات له زهرة معينة، فهل تستطيع زهرة نبات ما ـ كالرمان مثلا ـ أن تنتج برتقالا أو تنتج ليموناً؟! لقد اختيرت وصمّمت علي أن تنتج الرمان، وكم في النبات من عجائب؟

الاختيار في الحيوان

وإذا دخلنا عالم الإنسان أو عالم الحيوان ككلّ، والإنسان نوع من هذا الجنس الذي يجمعه قول ربنا تعالي: (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّة مِنْ مَاء فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَي بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَي رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَي أَرْبَع يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ) [20] ، وهذا [ صفحه 37] اختيار، إذ لا تستطيع ذوات الأربع أن تقوم بوظيفة من يمشي علي رجلين، ولا تستطيع التي تمشي علي بطنها أن تنافس من تمشي علي أربع. فإذا جئنا للمخلوق الذي يمشي علي رجلين فما قصته في الاختيار؟ هذا هو الاختيار الأدقّ، هذا هو الاختيار الذي تجلّت فيه الربوبية بكامل إبداعها وتقديرها، تجلّت تحدياً وإثباتاً للقدرة، وعند نقطة التحدي بدأت المشكلة في رفض الاختيار، فما هي نقطة التحدي؟

نقطة التحدي في رفض الاختيار

إنّ الله تبارك وتعالي العليم بخلقه، لمّا خلق الجنّ وأسكنهم الأرض التي نحن فيها الآن، وكانت لهم فيها سيادة، وكانت لهم فيها قدرات تزيد علي قدرات الإنس، قدرات خالية من الأذواق، قدرات مردة الجن، عفاريت الجن، هؤلاء الجن المعمرين واحد منهم أحسن العبودية لله فدخل عليه تحسين إلهي واختيار إلهي آخر، وهو إبليس الذي يصفه الله عز وجل في سورة الكهف تعليلا لاستكباره عن السجود لآدم حيث يقول: (إلاّ إبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبِّهِ) [21] . [ صفحه 38] لمّا اختار الله عزّ وجلّ أن يخلق بشراً من صلصال، وأنبأ الملائكة بمشيئته، وتحقّقت هذه المشيئة، وخلق الإنسان، وجاء وقت الإذعان لمشيئة الرحمن بالسجود له. نحن قلنا: إنّ الربوبية ـ الألوهية ـ تتكوّن من عنصرين: القدرة علي الخلق، والقدرة علي الإختيار، فالإله هو الذي يخلق، ولهذا يقول الحق: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيء أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ - أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ) [22] ، ويقول: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزِيزُ العَلِيمُ) [23] . فالخالق يقترن بقدرته علي الخلق، لا أقول قدرته في الإختيار، بل وحقه في الاختيار أنّه خلق، أليس مِن حق مَن خلق ملك، ومَن ملك تصرّف، والتصرّف اختيار، يختار ما شاء؟ اختار آدم لاستخلافه وليهيّئه للإستخلاف بحيث علّمه ما لا تعلم الملائكة ـ من دون تفصيل، والوقت لا يتسع لأن نتساءل ما الذي علّمه لآدم ـ علّمه الأسماء كلها، وهذا التعليم أجّج غيرة إبليس، فبدل أن يقول: سبحان الذي يَخلق ولا يُخلق ويَقدر ولا يُقدر عليه ويَختار ولا يُختار عليه، فهو بدل أن يقول كذلك قال: أنا أؤمن بأنك الخالق، لكن أنازع في اختيارك آدم. [ صفحه 39] انتبهوا، لأنّ مدخل إبليس إلي الكفر هو مدخل كثيرين دون أن يشعروا. إنّ إبليس لم يكفر بالله خالقاً ولا كفر بالله رازقاً ولا كفر بالله فاطراً، فقد قال لربّه: (خَلَقْتَني مِنْ نَار وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِين) [24] ، (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) [25] . إذن منازعة إبليس في نقطة الاختيار، فطُرد إبليس. إعلم يا أخي، إنّ الله عزّ وجلّ موازينه لا تختل، فالأُستاذ العادل في الفصل الدراسي عندما يريد أن يزن تلاميذه ويعطيهم الدرجة التي يستحقّونها ـ إذا كانوا قد درسوا منهجاً واحداً أو ساعات دراسية واحدة ولقوا عناية واحدة ـ يوجّه لهم سؤالا واحداً كي يقيس قدراتهم، يوجّه سؤالا واحداً ولا يعطي أسئلة متناقضة، فلا يعطي تلميذاً سؤالا سهلا والثاني سؤالا صعباً! فالله الخالق الذي وجّه الي الملائكة ومن بينهم إبليس الخطاب: (إنّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِين - فَإذَا سَوَّيتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) [26] . لمّا فشل إبليس في الامتحان وحاق به جزاء الرفض بالطرد من الجنّة وكان الطرد مقروناً بتعليم واحد، قال ربّنا لإبليس أخرج [ صفحه 40] من الجنة، لماذا؟ فهو لم يقل له لأنك لم تعبدن، ولا لأنّك لم تذكر أنّي خالقك، ولا لأنّك تصوّرت نفسك إلهاً، وإنّما قال له: (فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) [27] ، يعني الاستكبار علي أمر الله في الاختيار مصيره الطرد. لقد ألمح الطبري في تفسيره إلي أنّ إبليس عندما طُرد من الجنّة جأر إلي الله محتجّاً وشاكياً ومتحدياً [28] . هذا التحدي الذي سيكون سبباً لدخول الاختيار علي بني آدم، تحدي بأي شيء؟ قال: يا ربّ أنا عبدتك في الأرض وعبدتك في السماء حتي ابتليتني بهذا المخلوق الذي خلقته من طين وأمرتني بالسجود له، فعظُم عليّ أن أسجد للطين، هلاّ ابتليت ذريته بما ابتليتني به ففضّلت بعضهم علي بعض لتري كيف يفعلون ببعضهم؟ وعن هذا تتحدث الآية في السُنة الكونية، يقول الحق: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْض لِيَقُولُوا أَهَؤُلاَءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [29] . الله تعالي وجد أنّ احتجاج إبليس احتجاج وجيه، وبعدله وبتقديره في الأزل أجري الاختيار علي ابني آدم منذ فجر الخليقة. [ صفحه 41]

الاختيار في زمان آدم

إعلم يا أخي، أنّ الإمامة جُعلت لآدم عندما أصبح له ابنان، لأنّ سياق الآية في سورة المائدة يدلّ علي أنّه وقت وقوع حادث ابني آدم لم يكن له غير هذين الابنين: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالحَقِّ) [30] . أبوهم مستخلف، ثمّ عندما يصبحوا أكثر من واحد تتحرك سُنة الاختيار لكي يتبيّن من يرضي باختيار الله. كما أنّ ابني آدم قبل الاختيار كانا مسلمين، إذ ما زالا قريبا عهد بأبيهم المُهبط من الجنة. ما الدليل علي إسلامهم؟ الدليل هو أنّهما قرّبا لله قرباناً، فلو كان أحدهما كافراً محضاً ومنكراً فإنّه لا يقدّم قرباناً، (وَاتلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالحَقِّ إذ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ) [31] . رفض ابن آدم الشقي الاختيار، رغم أنّه قبل ذلك كان يقدّم قرباناً، أي: أنّه عارف بالله مؤمن به، لكنّه رفض الاختيار، فطُرد وأصبح شقياً مطروداً وارتكب جريمة القتل لأخيه. [ صفحه 42] إنّ إبليس فرح مع أول دفقة دم لابن آدم علي يد أخيه، وقال: ها لقد نجحت في التحدي!! لأنّ هو تحدي كما يقصّ القرآن: (قَالَ أَرَأَيتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أخَّرتَنِ إلَي يَوْمِ القِيَامَةِ لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَتَهُ إلاّ قَلِيلا) [32] ، فإبليس يقول: إنّك إن أخرتني يا ربّ، فهو أيضاً معترف بالله وبالبعث، هذا إبليس يؤمن بالله ربّاً خالقاً وبالبعث، لكن سقط في امتحان الاختيار وبدأ يتحدّي ويقول: إن أخرتني ليوم القيامة سوف آخذ أبناء آدم منك، أي من عبوديتهم لك، ليكونوا عبادي أنا! ولهذا يقول الحق عن إبليس: (أفَتَتخِذُونَهُ وَذُرِّيَتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَالِمينَ بَدَلا) [33] . بدأت سُنة الاختيار تصبح من سنن الله التي لا تجد لها تبديلا ولا تحويلا لمّا تكاثر البشر وبدأت النبوّات.

الاختيار في زمان نوح

ربّنا يعبّر عن إرسال نبيه نوح (عليه السلام) أبو البشر الثاني بتعبير يمثّل روح الإمامة، أنظروا إلي نور الإمامة بدأ يشرق متمثّلا بالإصطفاء: (إنَّ اللهَ اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحَاً) [34] ، والإصطفاء يعني الصفوة، وهو [ صفحه 43] ليس مجرد اختيار، بل اختيار عن علم وبصيرة واقتدار وتصفية.

الاختيار في زمان إبراهيم

ثمّ دخل علي الاصطفاء تطوّر جديد، ما هو؟ سببه إبراهيم (عليه السلام): (إنَّ اللهَ اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحاً وآلَ إبْرَاهِيمَ وآلَ عِمْرَانَ) [35] ، فهو تعالي لم يقل: إنّ الله اصطفي آدم ونوحاً وإبراهيم، بل قال: (وَآلَ إبْرَاهيمَ). الله تبارك وتعالي لمّا أكرم إبراهيم وابتلاه بكلمات وأتمّهنّ وخوطب بالبشري: (إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً)، وتقبّل البشري طامعاً في سعة رحمة الله وفي استدامة هذا النور في ذريته، (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتي)، أُجيب جواب المثبت للإمامة من حيث المبدأ المستبعد للظالمين منها، (قَالَ لاَيَنَالُ عَهدِي الظَّالِمينَ) [36] أي: بلي يا إبراهيم يكون من ذريتك أئمة مع استبعاد الظالمين، لماذا؟ لكي تظلّ سُنّة الاختيار مقرونةً بأسباب موضوعية، وهي الفصل بين الظالم والصالح، البارّ والفاجر. لقد جعل الله قاعدةً في كتابه مفادها: أنّ النعم لا تغيّرها إلاّ المعاصي، ذلك لأن الله إذا أنعم علي عبد بنعمة (لَمْ يَكُ مُغَيِّراً [ صفحه 44] نِعمَةً أنْعَمَها عَلَي قَوْم حَتَّي يُغَيِّروا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [37] ، فقد أنعم الله النعمة علي آل إبراهيم، وجاء في تأسيس هذه النعمة نكتة غريبة ملفتة للنظر، وهي أنّ النعمة جاءت مقرونةً بخطاب الملائكة ليس لإبراهيم. فالخطاب أوّلا لإبراهيم بالإمامة كمبدأ واستدامتها في الذرية، فأُجيب مع استبعاد الظالمين. لكن عند التحقيق العملي نجد أن الملائكة جاءوا إلي إبراهيم(عليه السلام)بشأن قوم لوط، فأخذ يجادلهم في قوم لوط، وكانت امرأة إبراهيم البارّة الصالحة سارة عميدة أهل بيت الأنبياء قبل الزهراء (عليها السلام) ـ قبلها وليست مثلها، وهذه قبلية في المرور التاريخي ـ يقول الوحي: (وَامْرأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسْحَاقَ يَعْقُوبَ - قَالَتْ يَاوَيْلَتَي أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذا بَعْلِي شَيْخاً إنَّ هَذَا لَشَيءٌ عَجِيبٌ - قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ) [38] . وهنا بخلَّة إبراهيم مع الله أصبح لله بيتاً في الأرض، وبوّأ الله بيته لإبراهيم ليرفع قواعده، فأصبح هناك بيتاً ولابدّ للبيت من أهل: (وَإذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَنْ لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) [39] . [ صفحه 45] (وَإذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإسْمَاعِيلُ) [40] . بدأت مرحلة أهل البيت، فالله أصبح له في الأرض بيت، وللبيت أهل، ولا يمكن أن يكون الأهل أناساً مجهولين، كما لا يمكن أن يوجد بيت أهله من غير اختيار ربّ البيت. الله تعالي منذ أن رفع إبراهيم القواعد من البيت صار أهل البيت إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، حتي استتم بنوا إسرائيل مواكب أنبيائهم وكانت القاعدة فيهم، فهم يتوافدون نبياً بعد نبي، حتي إذا غيّر بنوا إسرائيل ما بأنفسهم غيّر الله ما أنعم عليهم. وجاء التغيير في سورة الأعراف لمّا أرادوا أن يستديموا اختيارهم وقالوا (إنَّا هُدْنَا إلَيْكَ) أي انقدْنا إليك، وهدنا هذه هي علي الراجح السبب في تسميتهم يهود، فأجيبوا: (قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ) [41] ، فالله العظيم الرحيم يردّ عليهم: أنتم مستوجبين العذاب بما فعلتم وبدّلتم، ولهذا قدّم العذاب علي الرحمة هنا، لأنّه في مقام الردّ علي مستحقي العذاب، لكن رحمتي واسعة ولها سبب ولها باب ولها مدخل: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَتِنَا يُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيِّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبَاً عِنْدَهُمْ [ صفحه 46] فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ) [42] أبي القاسم محمد (صلي الله عليه وآله وسلم).

سنة الحياة دائما نحو الأفضل

إعلم يا أخي الحبيب: أنّ سُنة الله في الأرض وفي المخلوقات ـ وحتي الفلاسفة وعلماء الطبيعيات يقولون ـ أنّ الحياة دائماً إلي الأفضل، أرجو أن نلتفت إلي هذه النقطة: الحياة في مجموعها دائماً إلي الأفضل، لماذا؟ لأنّ الله تبارك وتعالي ربّ الحياة، وهو ينمّيها ويجلّيها باعتبارها مظهراً لقدرته. يعني الملك القادر ـ الملك البشري ـ لمّا يبدي من فنون قدرته حداً معيناً لتتوقّف عند هذا الحدّ وأصبحت قدرته عاجزة عن الإبداع فيما بعد، يثبت محدوديته وعجزه عن أن يأتي بجديد. أمّا الله فمن أسمائه وصفاته بديع السماوات والأرض، وما دام هو بديع فلا يزال مبدعاً، وما دام لا يزال مبدعاً لا يزال الكون متقدّماً إلي الأفضل، الأفضل في نوع البشر والأفضل في أنماط الحياة، كيف وما الدليل من القرآن؟ إنّ الله تعالي علّمنا في القرآن أنّ مواكب الأُمم لمّا توافدت علي الأرض كانت كلّ أمة يأتيها نبي تكفر به، فيهلك الكافرين ويستبقي الصالحين، والدليل علي هذا ما جري في سفينة نوح: [ صفحه 47] (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَينِ وَأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيهِ القَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِيلٌ) [43] ، وبدليل قول الله تعالي عن نوح(عليه السلام) في سورة الصافات: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ البَاقِينَ) [44] . ألا يعني هذا تطوير الحياة إلي الأفضل في النوع أو لا؟ يعني أنّ البشر الذين بعد نوح هم أبناء أفضل مَن كان في السفينة وهكذا دواليك عند عاد وعند قوم صالح يهلك الطالحون ويبقي الصالحون. كذلك الإنسانية في مجموعها ما زالت تكتشف قيماً أخلاقية، وأرجو أن نكون أوفياء للإحساس بإبداع الله في الإنسان، الإنسان مخلوق غريب جداً! قدراته وأخلاقياته عجيبة بإبداع الله فيه! يعني من إبداع الله في الانسان أنّ قوماً كافرين كأهل الغرب بمقياس الإيمان والكفر، لكنهم بمقياس العطاء الإنساني قدّموا للإنسانية ممّا ابتكروه واستحدثوه ما تستفيد به كل الإنسانية ـ بما فيها المسلمون وبما فيها نشر كتاب الله ـ وآخرها الإنترنيت الذي نبثّ فيه ما نستطيع أن نبثّه، كما وجد في الغرب التسامي الإنساني، حيث ارتقاء النوع ضروري إذ وجد مَن ينتصف للمظلوم حتي ولو كان بأهواء! فأيُّ صورة هذه التي تجعل عشرات الألوف من العراقيين ومن غير العراقيين من أجناس الأرض تضيق بهم أراضيهم ويضيق [ صفحه 48] بهم أهلوهم فيجدون في كنف هؤلاء ملاذاً وحريةً؟! لقد استطعت أن أتكلم في لندن وفي أميركا بما لا أستطيع الكلام به في القاهرة!! الخلاصة: فأيُّ دلالة في هذا؟ إنّ الإنسانية تتقدّم، وما دامت تتقدّم في مجموعها يبقي اختيار الإمامة لازم ومتساوق مع هذا التقدّم، بمعني أن يظل حِجر الإمامة قادر علي أن يقود الإنسانية في ذروة تقدّمها ولا يتخلّف عن ركبها.

الاختيار في سورة الشوري

فالاختيار الذي انتهي إلي بني إسرائيل ثمّ نسخ باختيار محمد وآل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، سأوجز حديثي فيه بين يدي سورة الشوري، لأنّ سورة الشوري هي التي صنعت المنعطف الذي بيّن تسلسل الاختيار وبدء الإمامة في ذرية الزهراء (عليها السلام). الحق تبارك وتعالي يقول في سورة الشوري: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّي بِهِ نُوحَاً وَالَّذِي أوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَي وَعِيسَي أنْ أقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [45] . أول شيء يقول الحقّ مخاطباً عبده ورسوله محمداً (صلي الله عليه وآله وسلم): يا [ صفحه 49] عبدي ورسولي محمد، هاقد آل إليك ميراث النبيين جميعاً، هاقد آلت إليك أنوار الأنبياء جميعاً، ووصاياي لهم جميعاً أصبحت وصاياي لك ولأمتك. ماهو جوهر الوصايا؟

سبب التفرق هو البغي

(أَنْ أَقِيمُؤا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [46] ، لأنّ التفرّق لو وقع سيكون ناشئاً بسبب البغي، فربنا يقول: (وَمَا تَفَرَّقُوا إلاّ مِنْ بَعْدِ مَاجَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيَاً بَيْنَهُمْ) [47] ، فالتفرّق إذا وقع لا يكون إلاّ بسبب البغي الذي يمثّل رفض الاختيار الإلهي. ومعني البغي بينهم: أنّ واحداً منهم لا يروقه اختيار الله للثاني، وهذا هو معني قول جاهلية قريش: (وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا القُرآنُ عَلَي رَجُل مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٌ) [48] ، فالحق يقول: (وَمَا تَفَرّقُوا إلاّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ)، بمعني أنّه غير مقبول في دين الله أن يتفرّق المسلمون في أركان الإيمان ـ والإمامة علي رأسها ـ ولا أن يعتذّروا في تفرّقهم بمقولة: إنّ مَن اجتهد فأخطأ فله أجر ومَن تأوّل فأصاب فله أجران، لأنّ هذه المقولة يدحضها الوحي [ صفحه 50] وينفي أن يكون التفرّق إلاّ عن بغي ولا يكون عن حسن ظن: (وَمَا تَفَرَّقُوا إلاّ مِنْ بَعْدِ مَاجَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) [49] . ثمّ يقول الحقّ بخصوص بغيهم هذا: لولا كلمة سبقت لعاقبناهم فوراً علي بغيهم، (وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إلَي أجَل مُسَمَّيً لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) [50] ، علِمَ الله لولا هذه الكلمة التي سبقت من ربّنا لشُلَّ الصنم عمر وهو يجتري علي رسول الله فيقول: إنّه يهجر [51] ، لولا الكلمة التي سبقت! فهذه الكلمة رهيبة! بدأ التفرق بغياً بينهم وقد جاءهم العلم في خطبة الغدير وما قبلها.. جاءهم العلم في كل المناسبات. إنّ ختام هذه الآية خطير جداً! بحيث أصبح القرآن وأحكام القرآن وعبادات الرسول محل شكّ! لدرجة أنّ المسلمين لا يعرفون كيف توضأ الرسول. أستاذنا الجليل الشيخ الكوراني بالأمس ألفت نظري وقال لي: الرسول يتوضأ علي مسمع ومرآي من المسلمين طوال حياته، ويُختلف في الوضوء!، يقع الريب في الوضوء، كيف يتوضأ رسول الله؟! [ صفحه 51]

نتيجة التفرق تؤدي إلي الريب في الكتاب

إنّ ختام الآية يقول: إنّ نتيجة التفرق القائم علي البغي تؤدّي إلي الريب في الكتاب فيقع الاضطراب: (وَإنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيب) [52] ، صار الناس في شكّ، ماذا فعل رسول الله وماذا لم يفعل؟ وما معني هذه الآية وما معني تلك؟ كل هذا لنقضهم عروة الإمامة بغياً فتفرقوا.

سورة الشوري و دلالتها علي الامامة

سورة الشوري، الآية 15 منها ـ التي سأتشرف بتلاوتها ـ غاية في العجب!! فالحقّ بعد ما يبيّن لرسوله أنّ كل هديً آل إليك، لا يزايد عليك أحد، يا محمد، لا يجوز لليهودي ولا للنصراني ولا لتابع لعيسي وموسي أو من صحف إبراهيم أن يقول: عندي هديً غير هداك!! فقد آل كل هديً إليك وأصبحت أنت عنوان الهدي، وأيّ تفرّق عنك بغي، وليس عنك وحدك بل وعن الأئمة. وهذا ما أوحت به الآية التالية: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)، أي: فلوحدة الدين وعدم التفرق فيه (فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَاب [ صفحه 52] وَأُمِرْتُ لاَِعْدِلَ بَيْنَكُمْ) [53] . قف يا أخي عند هذا التكلّم الشريف من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بأمر الله، الرسول يتكلّم ويقول: (قُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَاب)، يتكلّم بصيغة المتكلّم المفرد، (وَأُمِرْتُ لاَِعْدِلَ بَيْنَكُمْ)، أيضاً بصيغة المتكلّم المفرد، ثم ينتقل إلي المتكلم بجمع بعدما ثبّت قاعدة الإيمان بالكتاب وعدم التفرق، والإيمان بالكتاب وأن وظيفته العدل: (وَأُمِرْتُ لاَِعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) [54] ، ومقتضي التكلّم مفرداً كأن يقول: وأمرت لأعدل بينكم الله ربي وربكم لي عملي ولكم أعمالكم. نحن نعلم أن للرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) صفتين: التبليغ والإمامة في حياته، لأن إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) إنّما كانت إمامة مرجأة لبعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فالرسول بعدما بيّن الأركان الأساسية في الإيمان ـ الكتاب والعدل ـ قال: إنّ هذا سيستمر طالما نحن جمع. وأدعو السادة العلماء أن يراجعوا ـ وهنا في اعتذار كان يجب أن أبدأ به، فأنا مستبصر مبتديء متعلم، وعندما أتحدث في حضرتكم لكي أتثبت لا لكي أُعلّم، لكي أتثبت ممّا لدي بتفضلكم ومراجعتكم، فأرجوكم أن تسمعوني بروح الناقد البصير ـ أنّ الله [ صفحه 53] تبارك وتعالي يقول: (اللهُ يَجمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ المَصِيرُ) [55] ، يكاد يلوح للمتدبر في الآية أنّ الجمع هذا قبل يوم القيامة، وأنّ (وَإلَيْهِ المَصِيرُ) هو يوم القيامة، يعني مرحلتين للجمع، فالجمع الأوّل هنا يوم ظهور الإمام صلوات الله عليه، يوم تحقق الرجعة التي ينكرونها، وهذا قول في طريق الرجعة (اللهُ يَجمَعُ بَينَنَا وَإِلَيهِ المَصِيرُ)، وطالما جاء كلمة (وَإلَيهِ المَصِيرُ) بعد وجود جمع، لأنّ الجمع يوم القيامة، المصير جامع للجمع ولا يحتاج لنصّ خاصّ، (اللهُ يَجمَعُ بَيْنَنَا وَإلَيهِ المَصِيرُ) وهو مرحلة أخري. وإذا سرت مع سورة الشوري، وفيها آية المودّة كما تعلمون، وفي خواتيمها العجب العجاب عن الإمامة! نحن قلنا: إنّ الإمامة بدأت في بني إسرائيل بخطاب سارة، وفي آل عمران، وآل عمران هؤلاء يتلخصون في مريم بنت عمران، يعني الله تعالي جعل من مريم سبباً للآل وجعل سارة سبباً للآل، وسترون في سورة الشوري أنه يجعل من الزهراء صلوات الله عليها سبباً للآل، أنْ خلقها الله وصوّرها بضعة من أبيها يريبها ما يريبه [56] ، لكي يجعل من رحمها مستودعاً لأطهر النطف، ولكي ينبثق منها نور الإمامة. [ صفحه 54] الحقّ تبارك وتعالي في سورة الشوري يقول: (اللهُ الَّذِي أنْزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانِ)، والميزان هو الإمامة، ماهو الدليل؟ كل حقيقة تحتاج إلي وسم لمعرفة أحقيتها وأصالتها ومداها، والميزان هنا الإمام الذي يكون مع الكتاب وضامناً لعدم تحريفه وعدم أن يضرب بعضه ببعض. (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ)، هذا استطراد، فالآية تواسي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)وتقول له: مهلا فالساعة قريبة وسيلقون جزاءهم علي عبثهم بالميزان، (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحَقُّ ألاَ إنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلاَل بَعِيد) إلي قول الحقّ تبارك وتعالي: (تَرَي الظَّالِمينَ) [57] . لاحظوا تعبير الظلم، الظلم ينطوي علي كفر، ولكن الظلم هنا كفر بعد إيمان، الظلم والفسق كفر بعد إيمان، بدليل قوله تعالي: (وَمَنْ أظْلَمُ مِمَّن افْتَرَي عَلَي اللهِ كَذِباً أوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إنَّهُ لاَيُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [58] ، يعني يوجد إيمان تمّ فيه بغي أضفي وصف الظلم علي الظالمين، (تَرَي الظَّالِمينَ مُشْفِقينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُو وَاقِعٌ [ صفحه 55] بِهِمْ) [59] ، يعني قبل ذلك لم يحسبوا حسابه رغم أنه كان واضح لهم وهو واقع بهم حال كون (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ لَهُمْ مَايَشَاؤونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ - ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القَرْبَي) [60] . يعني: بعد أن بيّن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أنّ هدي الله استقر فيه وفي الأئمة من بعده، وأنّ الأئمة هم الميزان مع الكتاب، فهذا أمر الله، والخروج عن هذا الميزان ظلم، ونتيجة الظلم الخلود في النار، ويومها لا ينجو إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات. فلمّا تمت البشري لهم جاء طلب الأجر بالمودّة: (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبي وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنَاً إنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ - أمْ يَقُولُونَ افْتَرَي عَلَي اللهِ كَذِباً فَإنْ يَشَأ اللهُ يَخْتِمْ عَلَي قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ البَاطِلَ وَيُحِقُّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [61] . في بعض الروايات عند السنة ـ لاحظوا قولهم ـ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَي عَلَي اللهِ كَذِباً) في أيّ شيء هنا؟ لمّا بلّغهم بالإمامة وبيّن لهم [ صفحه 56] وجوب المودة بما تنطوي عليه من تسليم لاختيار الله، لمّا بيّن لهم ذلك قال بعضهم: لعلّ هذا من عند رسول الله. وفي بعض الروايات: أنّ عمر عوتب في منعه رسول الله ـ لا أقول منعه رسول الله ولا يستطيع أن يمنع.. أستغفر الله ـ في اعتراضه علي ما همّ به رسول الله أن يكتب كتاباً، والحديث وارد في البخاري عند أهل السنة ومتنه: " يوم الخميس وما يوم الخميس؟! اشتد برسول الله (صلي الله عليه وسلم)وجعه، فقال: إئتوني أكتب لكم كتاباً لن تظلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر؟ " [62] ، البخاري لم يصرّح هنا! ولكن غيره يصرّح باسم الشقي، وقال عمر: " حسبنا كتاب الله " [63] . ولما عوتب بُعيد ذلك قال: ما تظنون كان سيكتب رسول الله؟ كان سيكتب الأمر لعلي بن أبي طالب [64] . قوله هذا إن لم يكن قد صحّ إسناداً فهو ممّا يفترض في سلوكه ـ يعني هو ليس محتاج لقول ـ الذي حاك في صدره هو أنّ الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) سيوصي كتابة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فإمّا أنّه ظنّ أنّ رسول الله يفتري علي الله فيكون قد كفر، أو ظن أنّ هذا من أمر الله ولكنّه لا يريد أمر الله والحال واحد. [ صفحه 57]

هبة الإمامة مرتبطة بأنوار الزهراء

حسناً، ما الذي يدلّ علي أنّ الهبة ـ هبة الإمامة ـ مرتبطة بأنوار الزهراء صلوات الله عليها؟ ها هي سورة الشوري تتحدّث عن اختيار الأنبياء بدءاً من نوح (عليه السلام) إلي اختيار الأئمة وفرض المودّة، ثمّ تختم بأنّ الله عزّ وجلّ لا يُنازع في ملكه ولا يُعترض عليه في قضائه وقدره لا يُقدّم عليه ولا يؤخر عليه، لقوله تعالي: (للهِِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إنَاثَاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورُ - أوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرانَاً وَإنَاثَاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إنَّهُ عَليمٌ قَديرٌ) [65] . الهبة هنا بدأت بالإناث، ثمّ قال: (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورُ)، أي: يهب لمن يشاء الذكور المناسبين للإناث، لأنّ الإناث هنّ التربة، هنّ المستودع الذي تستودع فيه النطف، ولذلك قلنا: إنّ سارة ارتبط بها آل البيت، مريم بنت عمران التي يصفها الحقّ بقوله: (وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرانَ الَّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ القَانِتِينَ) [66] . اعلموا يا أحباب: إنّ من أقوي الأدلّة العقلية والنقلية علي [ صفحه 58] جفاف ينابيع الخير في بني إسرائيل أنّه لا يوجد أحد من ذكور بني إسرائيل أهلا لمريم الطاهرة البتول، والتي شهد الله لها بذلك، ويبدو لي أنّ الله تعالي أراد أن يبيّن همزة الوصل بين انتهاء إمامة بني إسرائيل وبدء إمامة محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، إذ جاء عيسي (عليه السلام) وهو كما يصفه القرآن همزة وصل فعلا: (وَإذْ قَالَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إسْرَائِيلَ إنِّي رَسُولُ اللهِ إلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُول يَأتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [67] ، ما معني هذا؟ بنو إسرائيل كانوا لا يتصورون أن يكون نبي من غيرهم! مريم مشهود لها صلوات الله عليها، فقد قرأت خبراً عن الإمام الصادق (عليه السلام) في مجمع البيان، وقرأت تصديقه في الإنجيل صحيح (مُصَدِّقٌ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [68] . إنّ مريم البتول الطاهرة العذراء لمّا جاءها ملك الربّ وتمثل لها وهي في خلوة، وفي الإنجيل أنها اعتزلت تغتسل فبرز لها ملك الربّ بشراً سويّاً فاشتد فزعها! آيات إنجيل متي تقول: فزعت البتول ممّا تري ولم تجد شيئاً تستتر به، إلي أن تقول: أعوذ بك إن كنت تعرف الربّ، (قَالَتْ إنِّي أعُوذُ بِالرَّحمنِ مِنكَ إنْ كُنتَ تَقِيّاً - قَالَ إنَّما أنَا رَسُولُ رَبِّكِ لاَِهَبَ لَكِ غُلامَاً زَكِيّاً) [69] . [ صفحه 59] أهل السنة يظنّون أن مريم حملت بعيسي حملا عادياً إستمر تسعة أشهر ووضعت وضعاً عادياً وجاءت قومها به، لكن سياق الآيات في سورة مريم ترد هكذا: (فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانَاً قَصِيّاً - فَأَجَاءَهَا المَخَاضُ إلي جِذْعِ النَّخلَةِ) [70] فـ.. فـ.. فـ..، يعني: هي لم تغادر المكان الذي كانت فيه بين الحمل والوضع. وفي الإنجيل أنها غداة وعشي وولد يسوع، والذي قرأته مسنداً إلي الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ حملها استمر تسع ساعات [71] . إذن عيسي (عليه السلام)ينادي: نضب الخير فيكم يا بني إسرائيل، من يستحق أن يكون فيكم زوجاً لمريم؟ وفي نفس الوقت لا زال في تقدير الله رسول، حتي لا يقول اليهود عندما يبعث ـ لاحظ التمييز لرسول الله ـ (وَمُبَشِّراً بِرَسول يَأتِي مِنْ بَعدِي اسمُهُ أحَمَدٌ) [72] ، لأنّ اليهود عندهم اعتقاد ونصوص أنهم أبناء الأنبياء والنبي منهم، فحتّي لا يحتجّوا علي الرسول محمّد (صلي الله عليه وآله وسلم) ويقولون لا يمكن أن يكون رسول إلاّ من بني إسرائيل، فيجاب عليهم كيف وقد انتهيتم؟! فإنّ عيسي بغير أب منكم، حتي أنّ عيسي في خطابه لا يقول لبني إسرائيل يا قومي أبداً، عيسي بن مريم رسولا إلي بني إسرائيل، فيجاب عليهم كيف [ صفحه 60] تقولون ليس نبياً منكم وأنتم جفّت ينابيعكم أن تكون فيها نطفة طاهرة. الأُنثي الطاهرة في سورة النور، يقدم الله ذكر الطيّبات علي الطيبين يقول: (الطَيِّبَاتُ لِلطَّيِّبينَ) كما يقول (الخَبِيثَاتُ لِلخَبيثينَ) [73] ، يقدّم ذكر الأُنثي ثمّ يأتي بذكر الذكر، إشارة إلي أنّه إذا نظف الرحم وطهر المستودع كان قميناً بأن ينجب الرجال، ولذلك صحّ القول المأثور: " ما كان لفاطمة كفو غير علي " [74] . هذا خلق من أجلها، وهذا هو الاختيار!

عود علي بدء

وكما بدأت حديثي معكم بأنّ الاختيار موجود في كل الكائنات جماداً ونباتاً وحيواناً، أقول لكم: أنتهي أيضاً إلي التأكيد علي أنّ الذي يمارس الاختيار في الإنسان عليه أن يتأمّل في مملكة النحل ومملكة النمل والهدهد! أيها الأحباب، آيات في كتاب الله غريبة المأخذ والمنتهي ولا تقف عند حدّ لو تأملنا فيها، الله يقول: (وَمَامِنْ دَابَّة فِي الأرضِ وَلاَ طَائِر يَطيرُ بِجَنَاحَيهِ إلاّ أُمَمٌ أمثَالُكُمْ مَا فَرَّطنَا فِي الكِتَابِ [ صفحه 61] مِنْ شَيء ثُمَّ إلي رَبِّهِمْ يُحشَرونَ) [75] ، ثمّ يقول في آية أخري: (وَإنْ مِنْ أُمَّة إلاّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ) [76] ، علي سبيل الحصر، إذن حتي أمم الطيور والحيوان قد يكون فيها اختيار.

الاختيار في مملكة النحل

تعالوا نتأمل الإختيار في مملكة النحل، وهو الاختيار المذهل الذي دعي إلي أن يختصّ النحل بسورة من طوال السور في القرآن، ويختصّ بوحي، ومعجزة النحل وحدها دليل علي الإمامة، الله يقول: (وَأَوحَي رَبُّكَ إلي النَّحلِ)، ياهل تري جمع مذكر أم جمع مؤنث؟ سيظهر في الخطاب الآتي: (وَأوحَي رَبُّكَ إلَي النَّحْلِ أنِ اتَّخِذِي)، فقد عدل بعدما كان يخاطب جمعاً، عدل في الأمر الصادر وكأنّه يخاطب مفرداً مؤنثاً، لأنّ لا جمع مؤنث أن اتخذن، ولا جمع مذكر: اتخذوا، قال: (أنِ اتَّخِذي مِنَ الجِبَالِ بُيوتَاً وَمِنَ الشَّجرِ وَمِمَّا يَعرِشونَ) [77] . لقد أصبح معلوماً ـ وأيّ دارس في الإعدادية يعرف ـ أنّ في مملكة النحل ملكة. [ صفحه 62] فما هذه الملكة؟ هل جاءت من السقيفة؟! أم اختاروها بالسقيفة؟! إذن كيف جاءت هذه الملكة؟ بيض النحل عندما يفقس، يفقس عن ثلاثة أنواع: ذكور، وعاملات، وواحدة فقط ملكة. فالذكور وظيفتهم التلقيح فقط، والعاملات مهمتهن الخدمة فقط، والملكة مهمتها توجيه الخلية. علماء النحل يقولون: إنّ الخلية عندما تريد أن تهاجر من مكان إلي مكان فإنّ أيتام النحل يدورون حول الملكة ولا يغادرون المقر، وتطير الملكة فيتبعها النحل ولا يتخلّف عنها. ولو فقس بيض الملكة عن أكثر من ملكة يستحيل أن تبقي الملكتان في الخلية، لابدّ أن تنفصل واحدة ببعض العاملات وتغادر لتكوّن خلية جديدة، لا إمامان في خلية. فملكة النحل هذه كيف اكتسبت صفاتها؟ هذه صفات تكوينية من الله عزّ وجلّ، ولأجل أن يضرب المثل بها، فإذا كانت حشرة قد انتظمت في طاعة إمامها وانتظمت في طاعة قائدها فأنتجت عسلا وشهداً وشفاءً للناس، فكيف لو انتظم الناس في طاعة إمامهم دون أن يدخلوا في المجادلة والمشاحّة، فماذا كانوا ينتجون؟ والله لو أنّهم انخرطوا فيها ـ إذا كان الحق يقول لأهل [ صفحه 63] الكتاب: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجيلَ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لاَكَلُوا مِنْ فَوقِهِمْ وَمِنْ تَحتِ أرجُلِهِمْ) [78] ، كذلك: (وَألَّوِ استَقَامُوا عَلَي الطَّرِيقَةِ لاَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً) [79] ـ لأصبحت هذه الأرض جنّة لو أنّ الإنسانية لو أنّ النواصب لو أنّ الأصنام أذعنوا لإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ولأنتجوا للبشرية.

الاختيار في الهدهد

ثم اسمع يا أخي قصة الهدهد مع سليمان(عليه السلام): أتظنّ أنّ الهدهد الذي يقصّ القرآن خبره مع سليمان شأنه كشأن كل الهداهد؟! لو ظننت هكذا يا أيها الإنسان لأخّرت الإنسان عن مرتبة الهدهد، لو كان هدهد يعرف ما يعرفه هدهد سليمان(عليه السلام)! لا، فهذا هدهد مختار يا حبيبي، هدهد له اختيار، فلأجل أن يلقّن البشرية طائر علي امتداد التاريخ درساً في أنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، درس هذا الهدهد لم يستوعبه بعض أصحاب محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) عندما أطاعوا معاوية!! (وَحُشِرَ لِسُلَيمانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ والإنسِ وَالطَّيرِ فَهُمْ [ صفحه 64] يُوزَعُونَ) [80] يطيعون، فأخذ سليمان(عليه السلام) يتفقّد الجيش ـ لاحظوا أدب الأنبياء ـ قال مالي لا أري الهدهد، وأوّل دليل علي أنّه هدهد متميز أنه معرّف هنا بالألف واللام، فهو لم يقل مالي لا أري هدهداً من الهداهد غائباً؟ لا فهذا هدهد معين (مَالِي لاَ أَرَي الهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الغَائِبينَ) [81] . من أدبه (عليه السلام) أن يتهم نفسه أوّلا بأنّه لم يره وإلاّ فهو غائب، فلمّا تحقق أنّه غائب، غضب فهدّد، فلمّا جاء الهدهد هدّده بالتعذيب أو الذبح: (لاَُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَديداً أوْ لاََذْبَحَنَّهُ أو لَيَأتِيَنّي بِسُلْطَان مُبين - فَمَكثَ غَيرَ بَعيد) [82] . سياق الآية هنا يدلّ علي ماذا؟ أنّ الهدهد جاء يقول لسليمان(عليه السلام) قولا يدل علي أنّه أحاط بقول سليمان قبل أن يأتي، لأنّه لمّا جاء: (قَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ)، يعني جاء يقدم دفاعه بدلالة أنه أحاط بالتهمة قبل أن يُحاط بها في المجلس، أيّ شيء هذا؟! (قَالَ أحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَاً بِنَباً يَقين - إنِّي وَجَدتُ امرَأةً تَملِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيء وَلَها عَرْشٌ عَظيمٌ) [83] . [ صفحه 65] فالهدهد يعلمه الله بما دار في مجلس سليمان(عليه السلام)، ويعلّمه الله بعبادة قوم بلقيس وسجودهم للشمس من دون الله، ثمّ يتحمّل أمانة الرسالة: (إذهَبْ بِكِتابي هَذَا فَأَلقِهْ إلَيهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرجِعونَ) [84] . أليس هذا هدهد مختار؟ يعني هل يصحّ أنّ الهداهد الثانية التي نراها في زماننا تعاند فيه وتقول نحن نريد أن نكون كهدهد سليمان؟ يعني مثل ما أحبّ البعض أن يكون معاوية أميراً للمؤمنين!!! لا حول ولا قوة إلاّ بالله.. هذه الصفات التي أرادها الله اختياراً وتكويناً.

الاختيار في النملة ونملة سليمان

لمّا مرّ سليمان(عليه السلام) علي وادي النمل (قَالَتْ نَملَةٌ يَا أيُّها النَمْلُ ادخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ)، واضح من النصّ أنّه لو كان النمل كلّه عنده القدرة التي عندها في رؤية الخطر لما احتاج للتنبيه أو كان علي الأقل ينبّه من قبل أكثر من نملة، يعني لو كان الخطر مرئي وأحسّ به الجميع كانت الصورة مختلفة. (قَالَتْ نَملَةٌ يَا أيُّها النَّملُ ادخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ)، فهي لم تتفرّد [ صفحه 66] بالعلم بالخطر فقط، بل صدر عنها أمر! لأنّ العبارة (ادخُلُوا)أمر، وأدقّ من هذا فقد كان عندها وفاء وعدم أنانية. يعني لو واحد من بني أمية شاهد الخطر فإنّه يجري ليخلّص نفسه ولا يخبر الناس. (قَالَتْ نَملَةٌ يا أيُّها النَّملُ ادخُلوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيمانُ وَجُنودُهُ وَهُمْ لاَيَشعُرُونَ) [85] .

الامامة تسري في الماديات

أيها الأحباب: إن الإمامة تسري في الكون حتي في الماديّات! إن ما نقرأه عن البروتونات والنيوترونات والإلكترونات رغم أنّه بسيط فإنّه غريب إنّ الذرة التي تتكون من نواة وإلكترونات تدور حول نواة الذرة التي فيها، والنواة لها مركز ثابت وتتحرك بثبات. مَن الذي صنع لهذه النواة هذا المركز وللإلكترونات هذه المدارات؟

مسك الختام

أيها الأحباب: إنّ الله الذي أكرمكم بأن جعلكم من أصحاب الولاء لمحمد وآل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) يندبكم لأمر عظيم، لأن تتهيّأوا، ولأن تكونوا في كتيبة الإمام القائم صلوات الله عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. [ صفحه 68]

الاجابة علي الأسئلة

(س): رغم وجود الآيات الكثيرة ـ كما تفضّلتم ـ حول موضوع الإمامة والولاية في القرآن الكريم وعلي رأسها آية الولاية المعروفة وهي قوله تعالي: (إنَّما وَليُّكُم اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [86] ، ورغم أنّ المفسرين جميعاً اتفقوا علي أنّها نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولكنهم يؤوّلون معني الولاية والإمامة في الآية إلي ما ليس لها، فما رأيكم في هذا الموضوع، وكيف يمكن أن نقنع المخالفين لنص القرآن وروايات أهل البيت (عليهم السلام)؟ (ج): بسم الله الرحمن الرحيم.. ابتداءً: منهج القرآن في البيان ينصّ علي أنّه لا يبيّن القرآن إلاّ ربّ القرآن ومَن ائتمنهم علي البيان، فالله تعالي يقول في سورة القيامة: (لاَ تُحرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعجَلَ بِهِ - إنَّ عَلَينَا جَمْعَهُ وَقُرآنَهُ - فَإذَا قَرَأناهُ فَاتَّبِعْ قُرآنَهُ - ثُمَّ إنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ) [87] ، وانتبه إلي " ثم " هنا، لأن معناها علي سبيل التراخي إلي يوم القيامة (علينا بيانه)، فما دام الحق يسند بيان القرآن إليه فكلّ مَن نطح برأسه الآيات يحاول أن يؤوّل فتأويله من حيث المبدأ مرفوض، إذ ليس من شأنه أن يتناول القول الإلهي [ صفحه 69] حسب فهمه، بل القول قول الأئمة لا قول غيرهم، فلا يجوز لأحد أن يقول في القرآن قولا ما إلاّ ربّ القرآن أو مَن أُنزل عليه القرآن أو مَن جُعل عدلا للقرآن وثقلا مع القرآن، وهم الأئمة (عليهم السلام). فمن حيث المبدأ هذا قول غير مقبول شكلا بلغة القانون. (س): بسم الله الرحمن الرحيم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. الأستاذ الجليل: أسأل كما هو الوارد عند الكثير من أهل السنة: هو أنه إذا كانت مسألة الإمامة ـ كما تفضلتم بها، وكذلك كما هو وارد في الروايات الشيعية وروايات أهل السنة ـ لها هذه الأهمية بحيث أنها تصبح مسألة هامة يرتبط بها تنظيم الكون، فلماذا لم تكن واضحة بنفس الصورة التي اتضحت فيها صورة النبوة في القرآن الكريم؟ (ج): بسم الله الرحمن الرحيم.. إنّ الله تعالي يتعبد الناس بالإذعان له، والإذعان ماذا يعني؟ يعني القبول بالحكم حينما يبدو ويظهر، ولذلك يقول تعالي: (لاَتَسأَلُوا عَن أَشيَاءَ إنْ تُبدَ لَكُمْ تَسُؤكُمْ وَإنْ تَسأَلُوا عَنْها حِينَ يَنَزَّلُ القُرآنُ تُبْدَ لَكُمْ) [88] . فالإمامة من البداهة في القرآن بحيث أن الذين كانوا معاصرين لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)بايعوا أمير المؤمنين (عليه السلام) في الغدير [ صفحه 70] مسلّمين عليه بأنه مولي المؤمنين، حتي قال عمر: " بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولي كل مسلم " [89] . فالذين عاصروا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يشكّوا في أن الإمامة انعقدت لأمير المؤمنين علي (عليه السلام)، لكنّما كبر عليهم ذلك! وصدّهم الشيطان عن الإستجابة لأمر الله ورسوله، فأدخلوا التشويش فيما هو واضح. يا ولدي، الأمر في غاية الوضوح، فأي وضوح أكثر من سورة هود في الآية 16 وهي تقرن أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنبياء بني إسرائيل وتعتبره مساو لهم جميعاً: (أَفَمَنْ كَانَ عَلي بَيِّنَة مِن رَبِّهِ)الذي هو رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) (وَيَتلُوهُ شَاهِدٌ مِنهُ)، وقد أجمع علماء التفسير علي أن المقصود بـ (شَاهِدٌ مِنْهُ) مَن قال له: " أنت مني وأنا منك " [90] ، وهو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)(وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنهُ وَمِنْ قَبلِهِ كِتَابُ مُوسي إمَاماً وَرَحمَةً) [91] . فالآية تقول: أنّ محمداً (صلي الله عليه وآله وسلم) مجمع النور الذي قبله كتاب موسي ومنبع النور الذي بعده في الشاهد منه وهو علي بن أبي [ صفحه 71] طالب، وهذا واضح جداً، يعني الآيات واضحة لمن كان له قلب، ولذلك يسّر الله القرآن (وَلَقَد يَسَّرنَا القُرآنَ لِلذِّكرِ فَهلْ مِن مُدَّكِر) [92] ، لأن المدّكر هو المعتبر الذي يريد أن يقرأ ويتدبر، بينما الذي يريد أن يتمحل الأعذار لن يجد أي دلالة! يا ولدي، أكثر من أن ينزل قوله تعالي: (يَا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزلَ إلَيكَ مِن رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفعَلْ فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ واللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [93] ، إرجع إلي كتب التفسير عند السنة، وتحديداً إلي فتح القدير للشوكاني في تفسير الآية 67 من سورة المائدة واقرأ ما يورده من الروايات التي لا توجد حتي في مصادر الشيعة، حيث يورد بسنده عن ابن مسعود قال: " كنّا نقرأ علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (يَا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزِلَ إلَيكَ مِنْ رَبِّكَ) أنّ علياً مولي المؤمنين (وَإنْ لَم تَفعَلْ فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ) [94] . يعني هم كانوا يعلمون أن المعني بالبلاغ ولاية أمير المؤمنين ولكنهم (جَحَدُوا بِهَا وَاستَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوَّاً) [95] . [ صفحه 72] أتذكر في إحدي المرات، أن أحد علماء الأزهر تحدثت معه بمثل هذا الحديث فقال مثل ما قال الابن الحبيب، وزاد عليه: لكن أبا بكر وعمر لم يكونوا عارفين بهذه الأحكام فكيف راغموا أمير المؤمنين رغم هذا الوضوح؟! فقلت له: يا أخي عُدْ إلي القرآن وقف بين يدي سورة يوسف وعندها ستسعفك الإجابة علي احتجاجات المحتجين بأبي بكر وعمر، فالإجابة موجودة في هذه السورة، وهي سورة مكّية، وكونها مكّية لها دلالة علي ما ادّعي به بعض المفسّرين، فقوله تعالي: (الر تِلكَ آياتُ الكِتابِ المُبينِ - إنَّا أنزَلنَاهُ قُرآناً عَرَبياً لَعَلَّكُم تَعقِلُون - نَحنُ نَقصُّ عَليكَ أحسَنَ القَصَصِ بِمَا أوحَينَا إلَيكَ هَذا القُرآنَ وَإنْ كُنتَ مِن قَبلِهِ لَمِنَ الغَافِلينَ) إلي قوله تعالي: (لَقَد كَانَ في يُوسُفَ وَإخوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلينَ) [96] ، وأخوة يوسف أسباط، وهؤلاء الأسباط كادوا له كيداً، كما ورد في السورة!! فهل أبو بكر وعمر أعرف بالحق من إخوة يوسف الأسباط؟ وهل هم أقرب لعلي(عليه السلام) من قرابة إخوة يوسف ليوسف؟ لقد سمّاهم أمير المؤمنين في بعض خطبه، وهو يكشف خبيئة القوم! [97] . [ صفحه 73] أتدري من هم السائلون في قوله تعالي: (لَقَد كَانَ في يُوسُفُ وَإخوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلينَ)؟ [98] . لقد ذهب قسم من أهل السنة إلي أن السائلين هم اليهود!! [99] في حين أنّ السورة مكّية، وتتبعت ترتيبها في النزول حسب مصاحف أهل السنة فوجدت أنّ ترتيبها مبكر جداً، رقم 50، وبما أنّ السور المكّية معظمها قصار، إلاّ أنّها تختلف عنها، فهي من السور المبكرة جداً التي نزلت في مكة جملة واحدة! فمن السائلون إذن؟ من المستبعد أن يكونوا يهوداً، فمكة لم تكن مكاناً لهم، كما أنهم ـ اليهود ـ لم يكونوا قد دخلوا في جدال مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلاّ بعد الهجرة إلي المدينة. وأرجو من الاخ الحبيب أن يحقق ويدقق ويتعب نفسه في سبب نزول هذه الآية. قرأت الخبر الآتي: أنّ في مراحل الدعوة الأولي في مكّة كان عمر الإمام علي (عليه السلام) دون الثالثة عشرة، أي في المرحلة التي يسمي فيها غلام، وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إذا دخل مجلساً فيه [ صفحه 74] علي(عليه السلام) جلس بجانبه، وإذا دخل عليّ مجلساً فيه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)أفسح له النبي فيجلسه بجانه. فدخل علي (عليه السلام) يوماً علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)وهو جالس فأفسح له، وكان يجلس إلي جواره أبو عبيدة وعمر بن الخطاب، فبدي في وجهيهما عدم الرضا، حتي أنّهما بدءا بسد المجال الذي فسحه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وكلّما فسح النبي المجال كانا يسدّان المجال، حتي أجلس رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) علي فخذه!! فتساءلا، وقال أحدهما للآخر: ما بال رسول الله يحمل هذا الغلام علي مشيخة قريش. يا ولدي: أراد الله عز وجل أن يختبرهم فرسبوا في الإمتحان، وقد كان بوسعهم ـ لو نجحوا ـ أن يكونوا في أعلي الدرجات. لقد امتحنهم الله تعالي بصبي آمن دون أن يدعي، لأن فطرته دعته إلي الإيمان، واعترفوا جميعاً أنّه كرّم الله وجهه، فأهل السنة يقولون علي كرّم الله وجهه، ولا يستحوا من تقديمهم الذي لم يكرّم الله وجهه علي مَنْ كرّم الله وجهه، يقدموا مَنْ سجد للصنم عشرات السنين!! لقد كبر عليهم وهم أهل قبلية، إذ يكبّرون الكبير لمجرد أنّه كبير. [ صفحه 75] وأنا عشت في السعودية، وكنت في عمل هام وحساس جداً، وكنت مستشاراً لقضايا خطيرة، وكنت أحقق مع شيوخ القبائل في البادية، فكانوا يكبّرون.. كبّر كبّر كبّر.. من دون أن يكون هناك بحث عن المحتوي، وكنت أقول عندما أراهم يفعلون ذلك: أنّه ما جني عليكم سوي كبّر كبّر كبّر. فهم شقّ عليهم: ما بال رسول الله يحمل هذا الفتي علي مشيخة قريش؟! وفي سورة محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) بيان علي أن نوعاً من المرتدين ارتد عن بعض الأمر ـ الذي هو الإسلام ـ ظنّاً منه أن هذا لا يخرجه من الإسلام! فقد ارتدّ عن بعض الأمر رغم أنّه كان يعرف الحقّ ومن السابقين، يقول: (إنَّ الَّذينَ ارتَدّوا عَلَي أدبَارِهِمْ مِن بَعدِ مَا تَبيَّنَ لَهُمُ الهُدَي). قِفْ عند هذا النص، هؤلاء أناس مرتدون وليس حديثيعهد، (تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَي)، إذن لماذا ارتدّوا؟، (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأمْلي لَهُمْ)، إستغلّ فيهم أي شيء؟ وما هي مصيدة الشيطان التي صادهم بها؟ (ذَلِكَ بأنَّهُمْ قَالُوا لِلّذينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكم فِي بَعضِ الأمرِ) [100] ، ثم قالوا لكفّار مكّة، أبو عبيدة وعمر وغيرهم، لأنّ كفار مكّة كانوا يقولون: أتتبعون الهاشمي [ صفحه 76] وتصبح الـ 24 بطناً من بطون قريش تبع لبني هاشم إلي الأبد؟!، فقالوا لهم: لا عليكم نطيعكم في أن لا يستقر الأمر لآل محمد، (سَنُطيعُكُمْ فِي بَعضِ الأمْرِ وَاللهُ يَعلَمُ إسرَارهُمْ فَكَيفَ إذَا تَوَفَّتهُمُ المَلائِكَةُ يَضرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأدبَارَهُمْ - ذَلِكَ بأنهُمْ اتَّبَعوا مَا أسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضوَانَهُ فَأحْبَطَ أعمَالَهُمْ) [101] كلمة: (أحبَطَ أعمَالَهُمْ)قطعية في أن هؤلاء تقرّ لهم أعمال قبل ذلك وكان من الممكن لو أنّهم خلّصوا من هذه الآفة أن يكونوا في رضوان الله عزّ وجلّ. اللّهم صلّ علي محمّد وآل محمد. (س): ذكرتم أنّ اختيار الإمامة يكون مساوياً ومتناسباً مع تقدّم الإنسانية، فيعني ذلك أفضلية أئمتنا من إمامة رسول الله، وأفضلية الإمام الحسن من إمامة الإمام علي هذا أولا. وثانياً: ورد في تعليقكم للتقدم منه التطور المادي والحضاري، مع العلم أنّ حقيقة الإنسان هي الروح، وكمال الروح هو التقرّب إلي الله سبحانه وتعالي. وورد في الحديث أنه كلّما يقترب في زماننا الفرج يعني أنّ الحجة يأتي يملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً. [ صفحه 77] فإذا كان التقدم الإنساني التقرب إلي الله سبحانه وتعالي فالحداثة المعاصرة كالانترنت وما شابه ذلك أبعدت الإنسان عن الله، فكيف نعترض علي ذلك؟ (ج): هذه إشكالية بديعة تفتح أبواب المحاضرة من جديد، جزاك الله خيراً يا ولدي. كما قدّمت في تلاوة سورة الشوري قلت أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)جُمِعَ فيه هدي كل النبيين ثم جُمع له علم ما بعده إلي يوم القيامة، وهو لا يبث من العلم إلاّ ما يناسب مرحلة وجوده علي الأرض، يعني الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وكل إمام علي علم بحقائق الأشياء ما كان وما يكون إلي يوم القيامة، ولكن غير مأذون بأن يبث من هذا العلم إلاّ ما يناسب حال الناس وتصديقاً لقوله تعالي: (عِبَادٌ مُكْرَمونَ - لاَ يَسبِقُونَهُ بِالقَولِ وَهُمْ بِأمرِهِ يَعمَلُونَ) [102] ، يعني رغم العلم الكامل لكنّهم يتصرّفون في ما لديهم من علوم بما يناسب حال العصر الذي يعيشون فيه. تتقدّم الإنسانية والإمام القائم (صلوات الله عليه) معجزته الكبري ـ اجيب علي الشبهة الوسطي ـ إنّ التقدّم المادي والحضاري رغم أنّه قد يكون فيه سواقط أخلاقية، لكنّه ليس شرّاً كلّه، بل هو نعمة إذا شُكرت، فهو يفتح علي الناس عبادة لم تكن مفتوحة قبل ذلك، كيف؟ [ صفحه 78] أجيبك يا أخي: ها أنا ذا العبد الفقير أتحدث الآن وأنت تأتي إلي هذه القاعة، خرجت من بيتك وسلكت الطريق ووصلت وعانيت من الزحام، هب أن هذه المحاضرة أو غيرها من المحاضرات الأخري تبث علي الانترنت، فرآها عبد من عبيد الله وهو جالس علي سريره فاستبصر بها وقال: الحمد لله، أليس في هذه النعمة ما يدلّ علي أنّ الحضارة المادية قدمت للإنسانية سلّماً إلي الله عزّ وجلّ؟ المسيح (عليه السلام) له كلمة في إنجيل مرقص: كلّ ما يعمل يعمل للخير إذا صلحت نيّة ابن آدم، إذا صلحت نية ابن آدم أصبح الخير في كل ما تري، يعني التلفاز كما يبث برامج وزراء الثقافة العرب وغيرهم الذين يريدون أن يحلّلوا الأمة، ممكن أن يبث الخير. هل تعلم يا سيدي أنَّ برنامجاً زراعياً ناجحاً في الإرشاد الزراعي لو تمّ بثه علي مستوي العالم واستطاعت الإنسانية أن تضاعف إنتاجها من المحاصيل الزراعية لوجود الإرشاد في وقته ـ لأنّ من بين عناصر الإنتاج الزراعي الإرشادي الصحيح في الوقت المناسب ـ أليست هذه نعمة لو أهتبلها الإنسان لانبثق من النمو الحضاري نمو روحاني؟ الإسلام لا يمكن أن يفصل التسامي الروحي عن التقدّم المادّي أبداً، بدليل أنّه اعتبر الكفر والفقر قرينان، والإمام علي (عليه السلام) [ صفحه 79] هو الذي قال: " لو تمثّل لي الفقر رجلا لقتلته " لأنّه قرين الكفر، والله تبارك وتعالي وهو يمنّ علي المخلوقات ليس علي البشر فقط، بالخلق جعل منّته مقرونة بتقدير الأقوات وهي السبب الموجب لعبادة الله. يعني نحن نقول: الحمد لله ربّ العالمين، ومعني الربّ الذي يربّي ويقوت، فإذا وجدت نعم مادية تسهّل علي الإنسانية معاشها وتحسّن الإنسانية توظيفها ولا يمتطيها إبليس، فالحضارة الماديّة تكون مركباً للخير تتقدّم بها الروح. فعلم الأئمّة شامل لما كان ولما يكون، وهم لا يبدون من العلوم إلاّ ما يناسب عصرهم. وأسأل الله أن يجعلنا من عبيد إمامنا صلوات الله عليه، لنستمتع بالتقدم العلمي الذي سيعطيه دفعةً قويةً جداً إن شاء الله ربّ العالمين. (س): نعلم بأنّ الملائكة تنزل علي الإمام في ليلة القدر، فهل تختلف ليلة القدر من مكان إلي مكان لأجل اختلاف الآفاق؟ اللّهمّ صلّ علي محمد وآل محمد، ليلة القدر ليلة كونية، وتكون مع الامام حيث يكون، ونسأل الله أن يسعدنا فنظفر بكينونة إمامنا بيننا في ليلة قدر إن شاء الله. [ صفحه 82]

الامام الحسين في سفر الشهداء

ايران و مصر شركاء في نسب آل البيت

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأفضل الصلاة وأزكي السلام علي مَن اجتباه ربّه فزكّاه وتولاّه أبي القاسم محمّد بن عبد الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، صلاة زاكيةً ناميةً ما بقي الليل والنهار. أيها الأحبة، إذ أمثل بين أيديكم فرداً من أفراد مصر لأُشرَّف بالوقوف علي هذه الأرض الطاهرة في ذكري سيدي الإمام الحسين صلوات الله عليه، فأحب بادئ ذي بدء أن أذكّر أهل إيران أنّهم وأهل مصر شركاء في نسب آل البيت، شركةً قديمةً أرادها الله، فعبّر عنها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في حديثه الذي وردت به صحاح الأخبار: " إذا افتتحتم مصر، فالله الله في أهل الذمة أهل المدرة السوداء والسحم الجعاد، فإن لهم نسباً وصهراً " [103] . مصر التي تعطرت بأوّل جدّة من جدّات رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، بهاجر أم إسماعيل، التي غرس الله بها في أمّ القري وفي الواد [ صفحه 83] المقدّس النبتة الأولي للشجرة المباركة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء. أريدكم أيها الأحباب أن تتذاكروا نسب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)المتّصل بإبراهيم (عليه السلام)، لتعلّموا أنّ إبراهيم الذي خرج مهاجراً إلي الله ومعه زوجته المؤمنة سارة الطاهرة، خرج مهاجراً وعلي لسانه دعوة لا يفتأ يردّدها: ربّ هب لي من الصالحين.. ربّ هب لي من الصالحين.. ربّ هب لي من الصالحين.. وامتد العمر بإبراهيم، وجاوز الثمانين، دون أن يري الإستجابة بإنجابه ولداً، حتي إذا دخل مصر هيّأ الله له بتقدير إلهي عجيب! أن تُضم إلي ركبه الطاهر فتاة مصرية، يقول اليهود في مدوّناتهم أنّها جارية، ويقول التاريخ الصحيح: أنّ هاجر أميرة فرعونية من آباء بدأوا يفكّرون بعقولهم في توحيد المعبود، فكان منهم الموحّد إخناتون الذي له في جدران معابد مصر أدعية موحدة لله عزّ وجلّ. إخناتون هذا تنتسب إليه هاجر، وإخناتون هذا ملك مصر، وهاجر أميرة وقعت في أسر الهكسوس الذين غزوا مصر، فكانت تبكي ليلها ونهارها وهي تري الهكسوس يعبدون الأصنام والنجوم، وتدعو الواحد أن يخلّصها من أسرهم. في هذه الظروف دخل إبراهيم (عليه السلام) مصر ودخلت معه سارة، [ صفحه 84] واستضاف ملك الهكسوس سارة لرغبة شيطانية في نفسه! فلمّا عصمها الله منه وشُلّت يده ـ علي ما يقول الخبر ـ كلّما مدّ إليها يداً بالسوء، فقال لها: أنت إمرأة مباركة، وخيّرها أن تطلب شيئاً منه، فطلبت أن يهبها الجارية المأسورة هاجر! لأنّها سمعتها بالليل تبكي وتدعو الله الواحد. من هاجر هذه تحدّر إسماعيل (عليه السلام)، وهاجر هذه هي التي يشير إليها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بأنّ لها في مصر نسباً وصهراً، لمّا تزوج بمارية القبطية أمّ ولده إبراهيم الذي اشتد حزنه علي موته. ومن إيران.. ومن أرض فارس تلقّت الشجرة الإلهية المباركة، الرحم الطاهر أمّ الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام)، ولذلك فإن ذرية الأئمة بعد زين العابدين (عليه السلام) تحمل روح مصر وروح إيران. ويستطيع الباحث المدقّق أن يقول: إنّ الله تعالي لأنه أراد للأئمة أن يكونوا حججاً علي الناس كافّة فقد جمع في أعراقهم أنساب الأمم الأساسية علي الأرض. إعلم يا أخي، إنّ محمداً (صلي الله عليه وآله وسلم) ليس عربياً بالمفهوم القبلي، بمعني أنه من العرب العاربة، بل هو ابن إسماعيل ـ من العرب المستعربة ـ فجدّه إبراهيم البابلي، وجدته هاجر المصرية، وزوج إسماعيل من جرهم العربية. [ صفحه 85] ولمّا تمّ نسب الإمام السجاد(عليه السلام) بأمّه بنت كسري اجتمع في أصلاب الأئمة كل دماء أهل الأرض، ليكونوا حججاً علي أهل الأرض.

الحسين ولد ليستشهد

أيّها الأحباب، ونحن نعطّر أنفاسنا ونملأ أفئدتنا وندعم إيماننا بالشخوص وبالسمع والبصر والفؤاد في ذكري الإمام الحسين (عليه السلام)، أحب أن أحدثكم عن السنن القرآنية التي كان من الحتم أن تؤدي إلي استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام). إنّ الحسين (عليه السلام) ولد ليستشهد! إنّما ولد ليكون شهيداً، ولم يولد ليعيش حياةً ماديةً بدنيةً يتآكل فيها الجسد بتآكل الشهوة، إنّما ولد وأُعد ليكون شهيداً. ومن أول يوم بُعث فيه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) والرسول مخبراً ومنبأ بأنّ ذريته ليس لها في جاه الأرض ـ جاه الدنيا ـ الذي وصفه الحق تبارك وتعالي بقوله: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النّساءِ وَالبَنينَ وَالقَناطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيلِ المُسوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالحرثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَياةِ الدُّنيا وَاللهُ عِندَهُ حُسنُ المَآبِ) [104] . [ صفحه 86] رسول الله الذي يعلم علم اليقين بإعلام ربّه له، أنّ الله اختار له ولأهل بيته الآخرة، ولهذا فإن استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) هو السير الطبيعي للأحداث وهو سُنة من سنن الله.

ان قريش قد جابهت رسول الله من أول يوم

إنّ أنبياء الله عز وجل شهوده علي خلقه وتحكمهم القاعدة الآتية في سورة الزخرف، نقرأ أنّ سيدنا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد جابهته قريش من أول يوم.. يا محمد أما وجد الله أحداً غيرك؟! أيّها اليتيم الفقير.. أمّا وجد الحقّ أحداً غيرك ينزّل عليه هذا القرآن، (وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذا القُرآنُ عَلَي رَجُل مِنَ القَريَتينِ عَظيمٌ) [105] . هذا القول منهم لمّا عجزوا أن يجادلوا في وجود الله ربّاً وخالقاً، لأنّ قريش ـ كما استفاضت الأخبار ـ كانت تعلم أنّها بعبادة أصنامها لا تعبد معبوداً حقيقياً، وإنّما تتاجر في عقائد العرب وتنصب لهم أصناماً وأزلاماً حول الكعبة، لكي تتاجر فيها لا لكي تعبدها! واسمع هذا الحوار بين أبي جهل ـ بين من دُعي في الجاهلية بأبي الحكم وكشف رسول الله عن حقيقته وأنّه أبا جهل ـ وبين أبي سفيان والأخنس بن شريق، الذين كانوا يتحاورون بشأن النبي [ صفحه 87] وسحر القرآن وفي أنّه كتاب لا يمكن أن يقوله بشر، فما هو بسحر ولا بشعر ولا بكهانة! ويبدي كل منهم رأيه، ثم يقول أبو جهل ـ وأبو جهل من بني مخزوم ـ: " تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتي إذا تجاثينا علي الركب وكنّا كفرسي رهان، قالوا: منّا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتي ندرك هذه؟!" [106] . إذن الحسد الذي أخرج إبليس من الجنّة.. الحسد الرهيب.. هذه الشجرة الملعونة، عندما يشير الحقّ إلي الشجرة الملعونة لأنّها شجرة إبليس.. نطق أبو جهل بما نطق به إبليس: (أنَا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَني مِنْ نَار وَخَلَقتَهُ مِنْ طِين) [107] . بدأت قريش ترسم مسارها مع الدعوة الإسلامية علي محورين: المحور الأول: إمّا أن تستطيع قتل رسول الله وإطفاء الشعلة في أولها. المحور الثاني: أو تحتال فتخترق الصف الإسلامي وتهدم الدعوة من داخلها، وهذا هو موقف قريش من أول يوم، وقد أخبر [ صفحه 88] الوحي الصادق عن مكرها الأول: (وَإذْ يَمكُرُ بِكَ الَّذينَ كَفَروا لِيُثبِتُوكَ أوْ يَقتُلوكَ أوْ يُخرِجُوكَ وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيرُ المَاكِرينَ) [108] . إذن، المكر الأوّل هو الحبس أو القتل أو النفي؟ فلمّا نجّي الله عبده ورسوله محمداً (صلي الله عليه وآله وسلم)، وكانت قصّة نجاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم الهجرة الشهادة المعلنة علي ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، شهادةً دامغةً ساطعةً قويةً علي أنّه لا عدل لمحمد (صلي الله عليه وآله وسلم) إلاّ علي (عليه السلام) ولا كفؤ له إلاّ أبا الحسن. كانت هذه الشهادة يوم الهجرة، لأنّه يوم الفداء الأكبر، يوم النصرة الحقيقية، إذ طلب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من الإمام علي (عليه السلام) أن يبيت في فراشه وأن يؤدّي عنه ودائع القوم [109] . ما هي وظيفة الإمامة في الحقيقة؟ وظيفة الإمامة هي الأداء الأمين عن صاحب الرسالة محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، وما هو أعظم اختبار في الأداء؟ ردّ الأمانات الذي يدلّ علي النبل والشرف والصدق والإستقامة وعدم الخيانة.. وكل هذه الصفات المعصومية تدل علي [ صفحه 89] أحقية الإمام: (ردّ عني الودائع!). أيّها الأحباب، إنّ الله لمّا فضّل علياً وآله (عليهم السلام) علي جميع أنبيائه بعد محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) كشف عن أفضلية آل البيت (عليهم السلام) وقد كشف القرآن الكريم عن ذلك. ففي مسألة هجرة رسول الله وردّ الودائع اتضحت أفضلية آل البيت (عليهم السلام) علي واحد من أفضل أنبياء الله قبل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو موسي (عليه السلام): موسي كليم الله المخاطب بقول ربّه: (إنّي اصطَفَيتُكَ عَلَي النَّاسِ بِرِسَالاَتي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرينَ) [110] . موسي (عليه السلام) واجه موقفاً في خروجه من مصر مع بني إسرائيل كموقف خروج رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من مكّة. موسي (عليه السلام) طلب من قومه أن يعدّوا أنفسهم للخروج معه ليلا، فقالوا له: نردّ ودائع القوم، وكان أهل مصر يستودعون نفائسهم وحليّهم وجواهرهم عند بني إسرائيل، وليس معني هذا أنّ أهل مصر كانوا أهل خير في هذه الفترة وأنّهم يثقون ببني إسرائيل ثقةً إيمانيةً، لا بل كان أهل مصر يستضعفون بني إسرائيل، وبما أنّهم مستكبرون فلو وضعوا الوديعة عند أحد الضعفاء لا يستطيع أن ينكرها، إذ ليس له قوّة علي ذلك، فكانت ودائعهم عند بني [ صفحه 90] إسرائيل. فحمل اليهود ودائع المصريين معهم وعبروا بها البحر، وهذا هو الذي يشير إليه القرآن الكريم لمّا أراد السامري أن يفتن بني إسرائيل عن موسي (عليه السلام) حسداً منه، وأراد أن يضلّهم بقوله: وما موسي؟! موسي هذا أمركم بخيانة الودائع فلا تصدّقوه. فقد انتهز السامري فرصة غياب موسي (عليه السلام)، عندما قال لقومه كما أمره الله إنّي ذاهب لميقات ربّي وسأغيب عنكم ثلاثين يوماً (وَوَاعَدْنَا مُوسَي ثَلاَثِينَ لَيْلَةً) [111] ، فلّما ذهب للميقات ـ وهذا هو البداء في كتاب الله بشكل صريح ـ فلّما ذهب إلي ميقاته مع ربّه واقتربت نهاية الموعد أتمّها الله بعشر فأصبحت أربعين (وَأَتمَمْنَاهَا بِعَشر فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّه أربَعينَ لَيلَةً) [112] ، فبنوا إسرائيل لا يعرفون بهذا التمديد للموعد وظنّوا أنّ موسي (عليه السلام) أخلف موعده معهم، فقالوا: يخلف الموعد وهو يقول إنّه نبي! فانبري السامري يقول: وأكثر من هذا ألم يأمركم بسرقة الودائع؟، وهذا ما يشير إليه قوله تعالي: (حُمِّلنَا أَوْزَارَاً مِنْ زِينَةِ القَوْمِ فَقَذَفنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَي السَّامِريُّ) [113] ، لأنّ السامري قال لهم: أخرجوا هذه الزينة التي حملتموها. [ صفحه 91] الشاهد في هذا الأمر أيّ شيء؟ الشاهد هو أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان في وسعه أن يقول: قريش التي عذبتنا واضطهدتنا وألجأتنا إلي الهجرة.. فنأخذ أموال أهل مكّة ونستعين بها علي ما نحن في سبيله. لكن هذه الإمامة.. هذه النبوة الخاتمة، تأبي ذلك، فتندب الإمام لردّ الودائع وهو القصد الأساسي، لأنّ نجاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)من قبضة الكفار كان من اليسير أن تتمّ بغير نوم أمير المؤمنين (عليه السلام)في فراشه (صلي الله عليه وآله وسلم)، لكن الأهم ردّ الودائع، وهذه عملية مادية، فنهض أمير المؤمنين بردّ الودائع، ليكون في ذلك برهان ساطع علي أنّ منهج محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وقرآن محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) مصدّق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه.

محاولة كفار مكة هدم الإسلام من داخله

كفّار مكّة بعد أن نجا منهم رسول الله(صلي الله عليه وآله) وبعد أن حاربوه في بدر وأُحد والأحزاب ـ وكلّها مشاهد ما جلاّها ولا كشف غمّتها عن وجه رسول الله إلاّ سيف أمير المؤمنين علي ـ بعد أن يئست قريش من أن تهدم الإسلام من خارجه، رأت أن تهدمه من داخله، واستغلّت الخُلُق العظيم للنبي الكريم الرؤوف الرحيم ـ لأنّه ليس نبي انتقام ـ فجاؤوا يوم فتح مكة وشهدوا علي أنفسهم وشهد عليهم [ صفحه 92] رسول الله(صلي الله عليه وآله) بأنّهم ما دخلوا الإسلام وإنّما أخذوا عفواً نبويّاً، عفو القائد المنتصر الرحيم عن المنهزمين، وصُوِّب هذا العفو في قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): " إذهبوا فأنتم الطلقاء " [114] . هؤلاء الطلقاء الذين يقطع القرآن بعدم إيمان بعضهم ـ لا أقول كلّهم ـ لأنّ الآية في سورة يس تقول ذلك وتقطع بأنّ قريشاً قوم محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) حقّ عليهم القول: (لَقَدْ حَقَّ القَوْلُ عَلَي أكثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنونَ) [115] إلي قوله تعالي: (وَسَوَاءٌ عَلَيهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنونَ) [116] . فالطلقاء تسرّبوا، وما فتئوا يتآمرون علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، والقرآن يقول لرسول الله موقفك من هؤلاء الاستمرار في الدعوة والصبر: (فَاصبِرْ إنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَإمَّا نُرِيَنَّكَ بَعضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أوْ نَتَوَفَيَنَّكَ فَإلَينَا يُرجَعُونَ) [117] ، يعني العبرة ليس بالدنيا، العبرة بالمرجع إلي الله عزّ وجلّ، قدّر الله عزّ وجلّ أن يستتمّ الإسلام حجّته بنزول القرآن. [ صفحه 93]

السقيفة و شهادة الحسين

فما إن مضي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي ربّه حتي سارع القوم في الانقلاب الذي بيّتوا له ـ يعني هو ليس إنقلاباً فورياً بل مبيّتاً له ـ انقلبوا الانقلاب الذي كتب أوّل سطر باستشهاد الإمام، لأنّه لولا تآمر أصحاب السقيفة وحجب الحقّ عن أصحاب الحقّ وقيام دولة خلافية علي غير مراد الله، لولا ذلك لما تداعت الأحداث إلي استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام). فاستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) هو النبت لهذا الغرس الذي غرسوه يوم السقيفة، والحسين (عليه السلام) في خروجه من المدينة كان يستشعر أنّه علي طريق موسي (عليه السلام) في طلب النجاة من القوم الظالمين، فقال وهو يخرج (رَبِّ نَجِّني مِنَ القَومِ الظَّالِمينَ) [118] .

المقارنة بين خروج موسي وخروج الإمام الحسين

أيّها الأحباب: ذكرت حديثاً لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وهو قوله الشريف: " ما أوذي نبي مثل ما أوذيت " [119] . هذا الإيذاء ـ الذي لم يؤذ به نبي قبل رسول الله ـ تستطيع أن تفهمه لمّا تقارن بين خروج موسي من مصر وخروج الإمام الحسين: [ صفحه 94] الإمام الحسين (عليه السلام) يخرج من مدينة جدّه وهي تعلن أنّها مؤمنة.. في طريقه إلي مكّة وهي تعلن أنّها آمنت.. في طريقه إلي الكوفة وقد أرسلت تبايع وتطلب الحشد والدخول في الطاعة، ورغم ذلك لا أهل مدينة جدّه ولا أهل مكّة ولا الذين استدعوه في الكوفة صدّقوا الله علي ما عاهدوا عليه، ولم ينبر منهم أحد يدافع عن الإمام الحسين (عليه السلام)! بينما أهل مصر ـ الفراعنة ـ لمّا قال فرعون علي الملأ: (وَقَالَ فِرعَونَ ذَرُوني أقتُلْ مُوسَي وَلْيَدعُ رَبَّهُ إنِّي أَخَافُ أنْ يُبَدِّلَ دَينَكُمْ أوْ أنْ يُظهِرَ فِي الأَرضِ الفَسَادِ - وَقَالَ مُوسَي إنِّي عُذتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّر لاَيُؤمِنُ بِيَومِ الحِسَابِ) [120] ، وتحدد الموقف.. فموسي (عليه السلام) مستضعف ليس معه أحد، وإذا بأهل مصر يقولون الحق: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤمِنٌ مِنْ آلِ فِرعَونَ يَكتُمُ إيمَانَهُ أَتَقتُلونَ رَجُلا أنْ يَقولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيهِ كَذِبُهُ وَإنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبكُمْ بَعضُ الَّذي يَعِدُكُمْ إنَّ اللهَ لاَ يَهدِي مَنْ هُوَ مُسرِفٌ كَذَّابٌ) [121] . فقوم فرعون وجد واحد فيهم يدافع عن موسي دفاعاً مؤسساً. ولكن المسلمين الذين أنعم الله عليهم بأن يكونوا بشراً ببعثة [ صفحه 95] محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، لأنّ العرب قبل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يكونوا في عداد البشر، أمة هملي.. أوزاعاً متفرقة، لا يجتمع فيها حيٌّ علي حي ولا رحم علي رحم، تسلب وتنهب، حتي كرّمها وضيافتها تكون بما نهبت وسلبت، حتي صحّ فيها قول القائل: أمة نهّابة وهّابة!! هذه الأمة التي أخرجها الله بمحمد (صلي الله عليه وآله وسلم) من الظلمات إلي النور، فصارت تفتخر علي العجم بمحمد، وتفتخر قريش علي العرب بمحمد، وإذا بابن محمد يُهدَّد ويخرج خائفاً مطروداً.. فلا يجد ولا يلقي ما لقيه موسي من آل فرعون! ولمّا التقي الجمعان، أقول: ولمّا التقي حزب الله الذي تمثّل بالحسين وصحبه (عليهم السلام) علي قلّتهم، وحزب الشيطان المتمثّل في عبيد يزيد وأبيه. لمّا التقي الجمعان، وخطبهم الإمام بما يليّن الصخر ويجري الإيمان في أقسي القلوب، ويذكّرهم حقّه: كيف تقتلون رجلا أنتم أُمرتم بأن تصلّوا عليه؟! كيف تقتلون مَنْ لا تصحّ صلاتكم بغير الصلاة عليه؟! فما استجاش منهم عرق، وما اضطرب منهم فؤاد! [ صفحه 96]

الجاهلية كانت أرحم من مسلمين استحلوا دم الحسين

أيّها الأحباب، إنّ انقلاب العصبة المجرمة.. إنّ انقلاب هذه الأمة، ردّ العرب إلي ما هو أسوأ من الجاهلية! أيّها الأحباب: سنتذاكر قصّة من الجاهلية، ونتذاكر قصّة استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، لنري أنّ الجاهلية كانت أرحم من مسلمين استحلوا دم ابن بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): يقول الخبر في هجرة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): إنّ قريشاً لمّا اكتشفت في الصباح أنّ محمداً (صلي الله عليه وآله وسلم) أفلت منها، إنطلق أبو سفيان بن حرب ومعه أبو جهل إلي بيت أبي بكر بن أبي قحافة، ظنّاً منهم أنّ الرسول قد يكون ذهب إلي بيت أبي بكر.. طرق الباب، خرجت بنت أبي بكر، فسألها أبو سفيان عن أبيها: أين أبوك؟ قالت: لا أدري، فلطمها لطمة أطارت قرطها! لقد كان الجاهليون يبحثون عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في موقف عصيب متوتر، فكيدهم افتضح، ويريدون أن يلحقوا برسول الله، ضرب أبو سفيان بنت أبي بكر، وغادرا بيت أبي بكر.. فإذا بأبي سفيان يقول لأبي جهل ـ لاحظوا الشجرة الملعونة كلما امتدت في العطاء وفي الانتصار زادت في الإجرام ـ أبو سفيان يقول لأبي جهل: أكتم عليّ فعلتي بالبنية، لا تتحدث العرب أنّي ضربت جارية تتستر علي أبيها، فضيحة أنّي أضرب جارية ـ بنت صغيرة ـ [ صفحه 97] لأنّها تقول: أنّ أبي غير موجود [122] . يعني أحسّ بأنّه ارتكب خطأً. فما بال الذين حاصروا ركب الإمام الحسين (عليه السلام) وهم يرون بنات رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعد أن أسلموا، وما أسلموا بل ازدادوا نفاقاً، أنظروا يا أحباب: أصبحوا كفاراً بعد إعلان الإسلام. الكفر المبتديء كفر، لكن كفر بعد إعلان إسلام! هذا تلاعب بالله وسنته، ولهذا القرآن يعاقب المنافقين بأشد ما يعاقب به الكافرين، الحق يقول: (إنَّ المُنَافِقينَ فِي الدَّرْكِ الأسفَلِ مِنَ النَّارِ) [123] حتي قيل: إنّ المنافقين في النار هم موطيء نعلي إبليس. ويقول الحق عمّن كفر بعد إيمان: (إنَّ الَّذينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَروا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَروا ثُمَّ ازدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهديَهُمْ سَبِيلا) [124] . ويقول في سورة آل عمران: (إنَّ الَّذينَ كَفَروا بَعدَ إيمَانِهِمْ [ صفحه 98] ثُمَّ ازدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقبَلَ تَوبَتُهُمْ وَأولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) [125] . أتدرون ماذا تعني زيادة الكفر؟ زيادة الكفر تتلخص في سبّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وإيذائه، ولهذا فإن الحكم النبوي علي أحد القرشيين ـ واسمه عبد الله بن سعد بن أبي سرح ـ الذي أعلن إسلامه في مكّة وهاجر مع المهاجرين ثمّ ارتد وعاد إلي مكّة، فكان يؤذي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ويتقوّل عليه قولا مكذوباً، فلمّا فتح الله مكّة علي رسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) أمر بقتله ضمن من أمر بقتلهم ولو تعلّق بأستار الكعبة ـ يعني لا توبة له ـ هذا الذي أمر رسول الله بقتله ولو تعلق بأستار الكعبة جاء به عثمان بن عفان ـ وهو أخو عثمان من الرضاعة ـ يطلب له الأمان! فسكت رسول الله ولم يؤمّنه ـ ثلاثاً ـ حتي إذا ألحّ عثمان أومأ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يغيّب وجهه عنه وأن لا يراه، فلمّا أمر رسول الله بأن يغيّب وجه ابن أبي سرح عنه، قال بعضهم: يا رسول الله كأنك استكرهت علي العفو عنه؟ ـ كم ضايقوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ـ فقال: سكتّ ثلاثاً لعلّ أحدكم يقوم فيضرب عنقه [126] . هؤلاء الذين يؤمِّنون مَن أمر رسول الله بقتله لم يوجد منهم [ صفحه 99] واحد يدافع عن الإمام الحسين (عليه السلام)! الإمام الحسين.. بضعة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). إعلم يا أخي، إنّ الأئمة ليس لهم كيان منفصل عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فرسول الله وهم حقيقة واحدة، فالذي يجري علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يجري عليهم.

مرحلة الانتقام: فاما نذهبن بك فانا منهم منتقمون

لقد أنزل الله تعالي علي رسوله في سورة الزخرف، بعد أن بيّن له أنّ القوم في آذانهم وقر وعلي قلوبهم عمي، فيقول له: (أفأنتَ تُسمِعُ الصُّمَّ أو تَهدِي العُميَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلاَل مُبين - فَإمَّا نَذهَبَنَّ بِكَ فإنّا مِنهُمْ مُنتَقِمونَ - أوْ نُرِيَنَّكَ الَّذي وَعَدْنَاهُمْ فَإنَّا عَلَيهِمْ مُقتَدِرونَ - فَاسْتَمسِكْ بِالَّذي أُوحِيَ إلَيكَ إنَّكَ عَلَي صِراط مُستَقِيم) [127] . فالله يقول لعبده ورسوله محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) ليس أمامك إلاّ ما قدّره الله وعليك أن تمضي بالدعوة. وأمّا المكذّبون.. المعاندون.. النواصب.. الطلقاء.. الناكثون.. المارقون.. فكل هذه الأوصاف تجمّعت في وقت الإمام الحسين(عليه السلام)وأصبح المعسكر المعادي له فيه المارقون والناكثون [ صفحه 100] والقاسطون، والله يقول لرسوله قولا لم يتحقق في عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم)، لكن لابد أن يتحقق، فتحقق علي عهد الإمام الحسين صلوات الله عليه، فهم يقولون: إمّا أن نذهبن بك، يعني: إنّ قدرنا أن ننهي وجودك الدنيوي سننتقم منهم (فَإمَّا نَذهَبَنَّ بِكَ فَإنَّا مِنهُمْ مُنتَقِمونَ - أوْ نُرِيَنَّكَ الَّذي وَعَدْنَاهُمْ فَإنَّا عَلَيهِمْ مُقتَدِرونَ) [128] . إعلم يا أخي، إنّ الآيتين، آية الإذهاب الذي يتبعه انتقام، وآية الاستبقاء الذي يتبعه انتصار، تحقّقت أولاهما في الإمام الحسين(عليه السلام): (فَإمَّا نَذهَبَنَّ بِكَ فَإنَّا مِنهُمْ مُنتَقِمونَ). عندما استشهد الإمام الحسين (عليه السلام) علي يدي زبانية يزيد بن معاوية. معاوية بن أبي سفيان الذي ارتكب كل الجرائم التي يندي لها جبين أحقر إنسان، إرتكبها لكي تستديم الخلافة في صلبه، ولكي يجعل الخلافة سفيانية، ظنّاً منه أنّ هذا سيظل أبد الدهر. وما أن استشهد الإمام الحسين (عليه السلام)، وبعد ثلاث سنين هلك يزيد الملعون. ولمّا آل الأمر إلي معاوية الثاني. وتأمّل يا عبد الله، تأمّل في بيّنات آل محمد(صلي الله عليه وآله وسلم)وحججهم ـ أيّ واحد يدّعي أنّ معاوية كان شبهة حقّ من هؤلاء [ صفحه 101] الكذبة الذين بلغ بهم الفجور إلي حد أن يقولوا عنه سيدهم! أيّ واحد عليه أن يتدبّر في موقف معاوية الثاني بن يزيد بن معاوية، ومعاوية هذا الذي صنع جدّه كل ماصنع من أجل أن يهي له الملك، أليس كذلك؟ هذا الحفيد ـ وولد الولد أعز من الولد ـ المسمّي علي اسم جدّه، لكي يستديم الخلافة، ما إن رقي منبر خلافة بني أمية بمسجدهم في دمشق، حتي وقف ليعلن علي الدنيا إعلاناً يبيّن فيه كيف أصبح الناس بعد صمّاً وعمياناً، ويقول: " ألا أنّ جدي معاوية نازع هذا الأمر مَن كان بهذا الأمر أولي منه ومن غيره " [129] . وعندما يقولها ابن معاوية، وبعد ثلاث سنين من استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، فينزع الملك من نسل معاوية، أليس هذا تحقيق لقول الله (فَإمَّا نَذهَبَنَّ بِكَ فَإنَّا مِنهُمْ مُنتَقِمُونَ)؟ [130] . باد معاوية.. وانتهي معاوية وأصبح قبره مزبلة في دمشق!! أين حاله سواءً في البرزخ أم حال قبره بين الناس من مشهد الإمام الحسين (عليه السلام)؟ من مجلسكم الآن.. من الدموع التي تعيش الأرض علي [ صفحه 102] حرارتها إلي الآن.. يا أخي الحبيب، إنّ دموع البكّائين علي الإمام الحسين (عليه السلام) إنما تعطّر الأرض وتستبطيء نزول عذاب الله علي أهل الأرض طالما كان هناك دموع وبكاء علي الإمام الحسين، وطالما هناك إحياء لمعني الوفاء لسيد الشهداء (عليه السلام). ولذلك من يستنكر البكاء أو يقول: إنّ الشيعة يقيمون بكائيات وملاطم ويزعمون أنّ هذا ممّا لا يرضي الله حسبهم ـ إن كانت لهم عقول فليتدبّروا ـ أنّ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم: نبيّ ابن نبيّ ابن نبيّ، لمّا غاب له ولد ولم يكن يعرف أنّه مات أو لا، مجرّد غياب يوسف(عليه السلام).. ظلّ يبكيه ويبكيه ويضج ويضج حتي فقد بصره من البكاء، هذا عمل الأنبياء وأبناء الأنبياء، ووالله إنّ الفجيعة في يوسف وفي مائة يوسف ليست كالفجيعة في الإمام الحسين(عليه السلام). الشطر الأوّل وهو الإنتقام من السفيانية تمّ.

مرحلة أخذ الثأر: أو نرِينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون

وأمّا الشطر الثاني: (أوْ نُرِيَنَّكَ الَّذي وَعَدْنَاهُمْ فَإنَّا عَلَيهِمْ مُقتَدِرُونَ) [131] ، لقد وعد الله وعد الصدق علي لسان النبي الصادق الأمين، أنّه لا تقوم الساعة حتي يتمّ الأمر لصاحب الأمر صلوات [ صفحه 103] الله عليه، هذا الوعد هو صاحب الأمر.. ولي العصر.. أنفسنا وأرواحنا وأموالنا وأولادنا وخلجاتنا وسكناتنا فداء أنفاسه الشريفة، فهو ترجمان الشطر الثاني من الآية: (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذي وَعَدْنَاهُمْ فَإنَّا عَلَيهِمْ مُقتَدِرُونَ).. الإقتدار والمقتدر هو صيغة بلاغية عن القدرة. إنّ الله تبارك وتعالي في القرآن يصف نفسه في أكثر من موضع أنّه (عَلَي كُلِّ شَيء قَدِير)، وكلمة مقتدر لم ترد إلاّ في وصف نعيم أهل الجنّة أنّهم عند مليك مقتدر: (إنَّ المُتَّقينَ فِي جَنَّات وَنَهَر - فِي مَقعَدِ صِدق عِندَ مَليك مُقتَدِر) [132] ، ووردت في الإنتقام من أهل الباطل: (أوْ نُرِيَنَّكَ الَّذي وَعَدْنَاهُمْ فَإنَّا عَلَيهِمْ مُقتَدِرُونَ)، معني هذا واضح أنّه عند مجيء ولي العصر.. عند ظهور ولي العصر ـ فهو بيننا قائم عند ظهوره ـ تكون له القدرة التي يؤيّده بها الله فوق حدود أيّ قدرة، قدرة.. إقتدار.. مقتدرون.

واجب المسلم: التمهيد لظهور الإمام و استنقاذ الناس من حمأة النواصب

واجب المسلم الآن أن يعمل علي الآتي: أن يمهّد للإمام القائم صلوات الله عليه تمهيداً في نفسه أوّلا، [ صفحه 104] نريد أن نمهّد أنفسنا لأن نكون أهلا لجنديتنا في الجيش المظفّر بقيادة الإمام، الجندية التي ننسجم فيها مع العبودية لله طهراً ونقاءً ووفاءً وإخلاصاً وجدّاً وتواصلا، كلّ منّا يبني نفسه ويوطؤها بأن تكون أهلا للشهود في اليوم الموعود. والمسؤولية الأُخري أن يعمل كلّ منّا علي استنقاذ أيّ نفس بشرية يستطيع استنقاذها من حمأة النواصب أو حمأة أعداء أهل بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، كيف نستطيع أن نستنقذ هؤلاء؟ يا أخي الحبيب، يا إبني الحبيب، أنتم أطباء هذه الأُمة، أنتم حزب محمد وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام)، فلا تطغوا قلوبكم علي غضب يجعلكم تقابلوا الحمق بالحمق ولا السيئة بالسيئة، أنتم أطباء، وكلّ من لا يؤمن بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) مريض، وهؤلاء مرض بعضهم عضال وبعضهم مرضه بسيط، فما دور الطبيب مع المريض، هل يبادله غضباً بغضب وقسوة بقسوة، أم يبادله رفقاً؟ لعلّ الله أن يستنقذ بك نفساً، فإذا كان الإمام صلوات الله عليه يخاطبه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): " يا علي لئن يهدي الله علي يديك رجلا خير لك ممّا طلعت عليه الشمس " [133] . الإمام الذي أوتي فعلا من فضل الله خيراً مما طلعت عليه [ صفحه 105] الشمس، فما بالنا نحن؟ نريد أن تكون رسالتنا في دعوة الآخرين مصحوبة بالرحمة، نحن أحباب النبي الرؤوف الرحيم، نحن أحباب علي الذي أبت عليه عاطفته وإنسانيته ونبله ونبض الوحي في عروقه واتّباعه لمنهج نبيّه وحبيبه وأخيه، أبت عليه أن يبادل بني أمية يوم صفين عدواناً بعدوان، منعوه من مورد الماء، فلمّا أزاحهم عنه وأصبح المورد في يده أتاح لهم أن يشربوا! لأنّه رؤوف رحيم. ولذلك يا أحباب، إذا اعتصمنا بإصلاح أنفسنا والرفق في دعوة غيرنا والصبر علي ما نلقي في دعوتنا وبذل ما نستطيع، فإن شاء الله سيكتب الله لنا أن نكون من الممهدين لولي العصر صلوات الله عليه، وقد بدأت يا أحباب تباشير الظهور.

تباشير الظهور في المخترعات الحديثة

وأختم بهذه القضية التي شغلتني، وهي تباشير الظهور في المخترعات الحديثة التي ترونها الآن: الدنيا أرقام، وكلّ رقم يحرك طاقة عجيبة، فالأنترنت والتلفاز.. أزرار وأرقام وحروف إلاّ أنّ ذلك أعادني إلي مزيد من التأمّل في فواتح السور التي استهلت بحروف: الم، المر، المص، حمعسق... هذه الحروف التي ذهب المتأوّلون في شأنها مذهباً [ صفحه 106] صحيحاً في حدود ما فُهم منها، وهو أنّها إشارة إلي إعجاز القرآن المكوّن من هذه الحروف التي يتخاطب بها العرب، وهذا معنيً يصح في وقت نزول القرآن بين الأعراب، لكن نحن اطّلعنا أنّه في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) جرت الواقعة الآتية. فأسأل الله أن يكون السادة العلماء الحاضرون معي بأذهانهم ليحقّقوها، لأنّ معلوماتي ضعيفة، ولذلك لمّا أكون بينهم أتكلم بجرأة ليصوّبوني. الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) لمّا هاجر إلي المدينة ودعي اليهود إلي اتّباعه والشهادة له بأنّه رسول الله، قال أحدهم لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): ألست الذي أُنزل عليك: الم؟ قال: بلي. قالوا: أفنترك موسي من أجل نبيٍّ مدة بعثته هي عدد حروف الجمل: لـ (الم)؟. هم فهموا أنّ هذا الخطاب يرمز إلي عدد الحروف، حساب الجمل القائم علي عدّ أرقام لكلّ حرف الذي تقوم عليه الأبجدية الرقمية: أبجد هوّز حطّي كلمن. فقالوا: ألست الذي أُنزل عليه: الم، فهذه حسبتها في سنين! نترك موسي لكي نتّبع نبياً هذه مدته؟! فقال لهم (صلي الله عليه وآله وسلم): ولكنّي أُنزل عليّ...، وعدّد لهم كل حروف [ صفحه 107] فواتح السور التي أُنزلت عليه [134] ، ممّا يشير إلي أنّ الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)من حيث المبدأ قبل أن يكون هناك معنيً للحروف غير المعني البسيط الظاهر. إعلم يا أخي الحبيب، إنّ هذه الحروف مفاتيح كنوز العلوم التي لا يعرفها إلاّ الإمام المعصوم (عليه السلام)، هذه الكنوز العلمية التي عند ظهور الإمام يحرّكها فيحرك بها كل الطاقات الموجودة في الأرض، الطاقة الكهربائية والطاقة الذرية، ويفاجيء الدنيا بمدخل للقدرة، لا هو بمعمل تجارب ولا بصاروخ جرت عليه تجارب ولا سفينة فضاء، يفاجيء الدنيا بأن كل علوم الدنيا التي وصلوا إليها هو يستعلي عليها ويجندها للحق بهذه المفاتيح، لأني أستيقن وأحسب هذا اليقين له حظّ من كتاب الله. إنّ المتشابه في القرآن المشار إليه في سورة آل عمران في الآية السابعة: (مِنهُ آيَاتٌ مُحكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأمَّا الَّذينَ فِي قُلوبِهِمْ زَيغٌ فَيتَّبعونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأويلِهِ وَمَا يَعلَمُ تَأويلَهُ إلاّ اللهُ وَالرَّاسِخونَ فِي العِلمِ) [135] . إنتبه يا أخي، إنّ في المصحف بقراءة أهل السنة توجد وقفة [ صفحه 108] لزوم علي: (وَمَا يعلَمُهُ إلاّ اللهُ) يعني يريدون أنّ هذا المتشابه لا يعلمه إلاّ الله، وأمّا الراسخون في العلم شأنهم شأن غيرهم: (يَقُولونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبِّنا) [136] ، وهذا الفهم لا يستقيم مع القرآن الذي أنزل لكي يُتَّبع ويُفهم من قبل أهله، ولو أراد أحد من غير أهله أن يفهم المتشابه لأثار الفتنة واتّبع الفساد. فالمتشابه لا يفهمه إلاّ الثقة القرين للقرآن ـ وهو الإمام ـ فإنّ الم وغيرها من متشابه القرآن الذي لا يعرف سره إلاّ الإمام. وحيث أنّ لي أن أقول: إنّ الإمام المعصوم عنده علمه، قد يقول لي قائل: كذلك الأئمة، فلماذا لم يقولوا علمهم في الحروف، هل كانوا لا يعلمون؟ لا بل يعلمون، لكن نحن نعلم في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بثّ العلم كله إلي علي (عليه السلام) وأمره أن يبثّه إلي الإمام الذي بعده، فالإمام الذي بعده.. إماماً بعد إمام.. ولا يبدي أيّ إمام من العلوم إلاّ ما يناسب عصره، يعني لو حدّث الأئمة إلي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، لو حدّثوا بمعالم عن حروف القرآن ومفتتح السور، لما طاقتها عقول من حولهم. لكن العلم الحديث الآن بما وصل إليه، وحيث أنّهم كانوا يعلمون ولم يتحدّثوا، وحيث أنّه لم يبق إلاّ الإمام القائم (عليه السلام) ولا [ صفحه 109] تقوم الساعة إلاّ بعد أن تعرف كل علوم القرآن، ففي اليقين أنّ الإمام القائم (عليه السلام)سيحل هذا اللّغز، وحلّه هو الذي ستعلوا له أعناق البشرية كلّها، أعناق البشرية ستعلوا أمام معجزة في عصر علم تفوّق بالمعجزات، فيأتي الإمام ويبطل معجزاتهم ويبدأ سجل معجزات أُخري مفاتيحها فواتح سور القرآن. أسأل الله العظيم أن يثبّتنا بما هو حقّ، وأن يرينا الحقّ حقّاً ويرزقنا اتّباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويوفقنا إلي اجتنابه، وأن يجعلنا من خدّام آل بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأن يحيي أنفسنا باتّباعهم، ويلحقنا بهم في الصالحين. وصلي الله وسلّم وبارك علي عبده ورسوله محمد وآله الطاهرين. [ صفحه 112]

انتخاب الطريق من الظلمات إلي النور

تمهيد

الحمد لله حمداً كثيراً دائماً لا ينقطع أبداً، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم علي عبده ورسوله محمد وآله سلاماً دائماً سرمداً. أمّا بعد، فيا أيّها الأحباب، إنّه لمن جزيل فضل الله تعالي عليّ أن كتب لي هذه الخطي علي هذه الأرض المباركة التي استردّت للإسلام كرامته وأعلت للقرآن غايته وأعادت إلي مسمع الدنيا من جديد دولة محمد وعلي صلّي الله عليهما وآلهما، فرحم الله كلّ جهد وكلّ نفس زكية عملت علي بناء هذه الدولة الإسلامية الرائدة.ونظّر الله وجه الإمام الخميني ومَنَّ عليه بشآبيب الرحمة والرضوان جزاء ما اقتحم ظلمات القرون وحطم أصنام الزمان وأقام هذا الكيان. أما أنتم فيا أيّها الإخوة أبناء العراق، دعوني أستقي من كتاب ربّي مخاطبتكم بما خاطبكم الله تعالي به، أحسبكم المخاطبون بقول ربكم: (الّذينَ استجابُوا للهِِ والرَّسولِ مِنْ بَعدِ مَا أصابَهُمُ القَرحُ لِلَّذينَ أحسَنُوا مِنهُمْ وَاتَّقوا أجرٌ عَظيمٌ - الَّذينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَد جَمَعوا لَكُمْ فَاخشَوهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَاناً وَقَالوا حَسبُنَا اللهُ [ صفحه 113] وَنِعمَ الوَكيلُ) [137] . أسأل الله أن يكتب لكم في موازين الصابرين ستراً هو في الحقيقة فريد في نوعه، فقد تكاتفت عليكم العواتي وأجلب إبليس بخيله وركبه يشارك صدام في كيده ومكره (وَيَمكُرونَ وَيَمكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيرُ المَاكِرينَ) [138] (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) [139] ، فقد تعرّضتم لمكر تزول منه الجبال، ولذلك فإنّي تواضعاً لربّي وحياءاً أن أكون بينكم وأنا من القاعدين وأنتم من المجاهدين الذين جمع الله لكم كل موازين الجهاد، فالهجرة والنصرة والصبر والمواظبة.. وأسأل الله أن يكون ختام ذلك كله نصراً للإسلام ورضاً لله وعودةً إلي العراق الحبيب قريباً إن شاء الله ربّ العالمين. لقد تفضّل الإخوة المنظّمون لهذه الندوة فحددوا لها موضوعاً نزلت علي رغبتهم فيه مع استئذانهم أن أحذف من مضمون الموضوع ما يتحدّث عن نفس العبد القريب من حيث الطريق الذي اقتحمه من الظلمات إلي النور. انتخب المقدّمات فيما عانيناه من الظلمات حتي أكرمنا ربّنا بأن أشرق في قلوبنا نداء التثبيت والتبيين في قوله تعالي: (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنيا وَفي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ [ صفحه 114] الظَّالمينَ وَيَفعَلُ اللهُ مَا يَشاءُ) [140] .

ضمن اللجنة للبحث عن الكتب الشيعية التي صادرتها السعودية

لمّا كانت نفسي وروحي تحسّ بغربة ـ من مدرسة القيل والقال وكثرة السؤال وانعدام المنهاج ـ وكانت تحنّ إلي حقّ أصبوا إليه ولا أعرف طريقه، فقد قدّر لي منذ خمس وعشرين عاماً بأن أكون مستشاراً لوزارة الداخلية في السعودية، معاون من قبل القضاء المصري. وقدّر لي أن أعيّن عضواً ضمن لجنة شاركني فيها اثنان من علماء السعودية، وصدر بتشكيلها ما يسمّونه هناك بأمر سام، هذه اللجنة كُلِّفت بالإطلاع علي بعض الكتب التي ضبطتها الشرطة السعودية مع وفد الحجيج الإيراني القادم عبر البر في عهد الشاه، فقد كان هناك خط برّي للحجاج من المنطقة الشرقية، فضبطت سيارة جيب فيها كتب. وحتي تقول السعودية أنّها صادرت هذه الكتب بعد بحث، قدّر الله لي كما قدّر تسجيل الشريط الذي أطّلع عليه بعضكم وهو ترتيب يعلم الله سرّه. قدّر الله لي أن أكون عضواً في اللجنة فلمّا استلمت كتاب [ صفحه 115] تشكيل اللجنة من العضو السعودي وهو رئيس اللجنة سلّمني معه في نفس الوقت تقرير مكتوب من نصف صفحة ينسب إلي اللجنة التي لم تبدأ عملها بعد! وتقول أنّها إطّلعت علي الكتب وتبيّن أنّها كتب رافضة واجبة المصادرة، وطلب مني مع تسليمي قرار التشكيل، التوقيع علي التقرير!! قلت له: يا أخي هذا أمر لا يجب إقراره، تكلّفني بالإطلاع وتستوقعني علي مالم أطلّع عليه، علي أي شيء اطلعت علي كتب رافضة؟! قلت له: أنت مدوّن رأيك لأنّك قرأت، وأنا لم أقرأ، ولذا لا أوقّع حتي أقرأ. فوقّع هو وزميله السعودي، ورفع إلي وكيل الوزارة طلباً بأن يكتفي بتوقيعهما ويستغني عن توقيع المستشار القانوني المصري. ولكن الذي رُفع إليه التقرير كان منصفاً وكان قوياً، فقد استدعاني وطيّب خاطري وقال لي: أنت حرّ في أن تقرأ الكتب كما تشاء. فأعاد أعضاء اللّجنة القول بأنّهم لن يقرأوا شيئاً من هذه الكتب! لأنّهم يعلمون ما فيها، وهذا شأن كل العامة، يعني كل شيء من غير قراءة ومن غير اطلاع. وزاد الله من فضله عليّ، فأجازني وكيل الوزارة عن العمل لمدّة شهرين ـ لأنّ الكتب كانت كثيرة وكان من بينها تحرير الوسيلة للإمام الخميني (رحمه الله) ـ وقد كان رجل مثقف، فقصد أن البحث في الكتب يستغرق كل هذه الفترة. [ صفحه 116]

مع حديث الثقلين

فأخذت الكتب وعكفت علي قراءتها، ووجدت نفسي عند كل سطر أقرأه يولد في أعماقي إنسان جديد! وكانت آخر ولادة أن عدت أقرأ حديث الثقلين وأقلّب النظر فيه، سواءاً فيما هو وارد بشأنه في مذهب أهل البيت أم مرويات العامة. فأودعني ربّي أن لا أعجل إلي اتخاذ قرار، وهو قرار مصيري، إنّه قرار الجنة أو النار! فقلت: سأعرضه علي القرآن، فإن وجدت حديث الثقلين ثابت الأركان في كتاب الله فقد (قطعت جهيزة قول كل خطيب) [141] . عدت إلي كتاب الله، وكان أول ما استوقفني آية من سورة المائدة: (قَد جَاءَكُم مِن اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبينٌ - يَهدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتّبَعَ رِضوَانَهُ سُبَلَ السَّلامِ وَيُخرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلي النُّورِ بِإذنِهِ وَيَهديهِمْ إلي صِراط مُستَقيم) [142] . قلت: قد جاءكم من الله نور وكتاب، أيكون هذا النور هو محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) والكتاب هو القرآن، فيصدّق هذا متن حديث الثقلين تصديقاً مطابقاً. ثمّ سألت الله المزيد من البيان، فإذا بصدر سورة إبراهيم [ صفحه 117] يقطع بأنّ المقصود بالنور هو محمّد (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول الحق تبارك اسمه: (الر كِتابٌ أنزَلناهُ إلَيكَ لِتُخرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلي النُّورِ بإذنِ رَبِّهِم إلي صِراطِ العَزيزِ الحَميدِ - اللهِ الَّذِي لَهُ مَا في السّماواتِ ومَا في الأَرضِ) [143] . إذن تحدد علي سبيل القطع أنّ الكتاب هو القرآن والنور هو محمد (صلي الله عليه وآله وسلم). قلت: الآن وضعت قدمي علي أوّل الطريق، طريق محمد(صلي الله عليه وآله وسلم)، فكيف أستكشف الطريق لاستكمال طاقة النور لآل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ وسرت مع القرآن فإذا منه أمام هذا التكريم الإلهي الذي لم يحدث لنبي قبل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) فهذا التكريم الإلهي أن يخاطب به الله عباده المؤمنين بأمر فيقدم للخطاب بأن ينزل نفسه ويسمي بملائكة كرسه بما يوصي به عباده المؤمنين: (إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصلّونَ عَلي النَّبيِّ يَا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا صَلّوا عَليهِ وَسَلِّموا تَسليماً) [144] ، وهنا تذكرت ما كان لدي من معلومات عامة حول الصلاة علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم). قلت: إنّ العامة يقرّون والحجّة عليهم قائمة فيما يقرّون به: من أنّ صلاتهم علي محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) تظل بتراء ناقصة فيما تقوله [ صفحه 118] مروياتهم: لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون اللّهم صلّ علي محمّد وتمسكون، بل قولوا: اللّهم صلّ علي محمّد وآل محمّد [145] . والأمر ـ أمر الصلاة علي محمّد وآل محمّد ـ تجاوز حدود الأمر القولي إلي العبادة العملية في الصلاة، فأصبحت الصلاة عند العامة لا تصحّ! بينما أهل البيت يصحّ عندهم أن يكتفوا بالصلاة بقولهم: اللّهم صلِّ علي محمّد وآل محمّد. عند العامّة ـ وتلك معجزة عجيبة وإشارة دقيقة ونقطة عميقة ـ لا يصح أن تختتم الصلاة إلاّ بالصيغة التي أجمعت عليها مذاهب العامة الأربعة: " اللهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد كما صلّيت علي إبراهيم وآل إبراهيم وبارك علي محمّد وآل محمّد كما باركت علي إبراهيم وآل إبراهيم ". تذكرت الصيغة وقلت: هلاّ سألنا القرآن بماذا اختص الله به آل ابراهيم حتي يكون من شأن آل محمّد قطعاً؟ بدليل المناسبة التي دعت للصلاة بين آل محمّد وآل إبراهيم، الذي جعله الله لآل إبراهيم في كتابه، ونطق الوحي بآيات سورة النساء تقدّم بهذا التقديم المذهل: (أَمْ يَحسُدونَ النَّاسَ عَلي مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إبرَاهيمَ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَآتَيناهُمْ مُلكَاً عَظيماً - فَمِنهُمْ [ صفحه 119] مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنهُمْ مَنْ صَدَّ عَنهُ وَكَفَي بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) [146] . الله تعالي ينصب لآل إبراهيم هذا المقام العظيم، فهم أهل الكتاب والحكمة، ماذا يقول العامة؟ إنّ آل محمّد أهل الكتاب والحكمة، ونحن نقول: لولا علي لهلك فلان، ونقول: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن [147] . فهم يقرّون وأيّ إقرار؟! وقد آمنتم ببعض الكتاب وفعلتم الأُخري بالمرّة، أفتؤمنون بأنّه مؤمن بالكتاب والحكمة وتسكتون عن باقي الآية: (وَآتَينَاهُمْ مُلكَاً عَظِيماً) [148] . هذا الوعيد بجهّنم مسجّل في الآية لمن أنكر حقّ آل محمّد في الملك العظيم، لأنّ قوله تعالي: (وَآتَيناهُمْ مُلكَاً عَظِيماً فَمِنهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) فعبارة " به " عائدة علي أقرب ضمير وهو الملك (فَمِنهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنهُمْ مَنْ صَدَّ عَنهُ وَكَفي بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) [149] . [ صفحه 120] قلت: هذا لآل إبراهيم نصّاً. إن قلت: أنّه لآل محمّد من باب أولي بحكم فضل محمّد علي كل نبي قبله، إن قلت: من باب أولي فما عدوت، لكنّي كرهت أن أقف عند حدود هذا الاستدلال وحده فأكون قد أدخلت القياس في استخلاص حقّ آل محمّد. قلت: والله إن رائحة القياس تجعلني أبحث عن بديل من بيان ربّي، وها هو البيان عجيب واضح بيّن، يقول الحقّ في سورة فاطر مخاطباً عبده ورسوله محمداً (صلي الله عليه وآله وسلم): (وَالَّذي أوْحَيْنا إلَيكَ مِنَ الكِتابِ هُوَ الحَقُّ) إلي قوله تعالي الخطاب لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (ثُمَّ أورَثْنَا الكِتَابَ الَّذينَ اصطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنا) [150] . الكتاب الذي أُنزل علي محمد (صلي الله عليه وآله وسلم): يقول ربّنا نحن أورثناه لمن اصطفينا من عبادنا، فمن يا ربّ الذين اصطفيتهم من عبادك؟ أولا: أورثنا، وما قال ثم آتينا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، فأورثنا هذه مقطع وفيصل في القضية، لأنّه لو قال: آتينا الكتاب فقد يمكن أن يؤتي واحد الكتاب بتحصيله العلمي وبقراءته وباجتهاده، فإتيانه هذا يقوم علي الميراث وليس في الميراث إجتهاد للوارث، إذ أنّ الوارث لا يكتب ميراثه، وإنّما يحدّده الله عزّوجلّ: (ثُمَّ أورَثْنَا الكِتَابَ الَّذينَ اصْطَفَينَا مِن عِبَادِنَا). [ صفحه 121] العباد الوارثون، معيّنون من قبل الله، فما هي علامتهم؟ علامتهم أنّ الصلاة والسلام عليهم وآلهم بفضل ربّنا تعالي: (قُل الحَمدُ للهِِ وَسَلامٌ عَلي عِبَادِهِ الَّذينَ اصْطَفي) [151] . إذن ربّنا اختار الصلاة عليهم، فهم المصطفون، والمصطفون هم الوارثون، فقد حدّد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أنّ مَن تجب الصلاة عليهم علي سبيل الحصر، حدّده لا في مناسبة ولا مناسبتين ولا ثلاثة... في أكثر من مناسبة، يحضرني منها ثلاث مناسبات قرآنية هي: ملازمة الصلاة والمباهلة والمودة: لمّا نزلت آية المباهلة في سورة آل عمران وأُمر رسول الله(صلي الله عليه وآله) أن يباهل: (فَقُلْ تَعَالَوا نَدْعُ أبنَاءَنا وَأبناءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأنفُسَنا وَأنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبتَهِلْ فَنجعَلْ لَعنَةَ اللهِ عَلي الكَاذِبينَ) [152] دعي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) باقي الخمسة: علي والزهراء وابناهما الحسنان (عليهم السلام)، وشرع يباهل، وشهود المباهلة جمع من الصحابة وأهل الحجاز، أي جمع متواتر. ثم جاءت آية المودّة: (قُلْ لاَ أسأَلُكُمْ عَلَيهِ أجرَاً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُربَي) [153] فسألوا ـ ويعلم الله أنّ إلحاحهم بالسؤال كل مرة كي تكون الحجة عليهم، وكان ممكن أن يهديهم الله فيعرفوا دون أن يسألوا، [ صفحه 122] لكنه اللجاج، يعني عندما تأتي آية المودّة بعد آية المباهلة من الطبيعي أن يفهم السامع أن هؤلاء هم أهل المباهلة ـ " يا رسول الله مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما " [154] . ولمّا جاء الأمر بالصلاة علي النبي، كرّر (صلي الله عليه وآله وسلم) البيان عندما سألوا: مَن آلك الذين نصلّي عليهم ولا تصح عبادتنا إلاّ بالصلاة عليهم، فقال: علي وفاطمة وابناهما [155] . وأمّا القول القاطع والجامع المانع فهو قول ربّنا علي سبيل التأكيد والحصر: (إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً) [156] ، فيجمع الله لآل محمّد مواقف التبيين لنصلّي عليهم ونبايعهم وأن بعض ـ لا أقول من آمن بمحمّد، لأنّه لو آمن لم يتردّد في إعطاء الحقّ لآل محمّد ـ من تبعوا محمّداً:

الفرق بين من تبع النبي و بين من آمن به

انتبهوا، فهناك فرق بين مَن تبع محمّداً وبين مَن آمن بمحمّد، إذ التبعية قد يتبع الرجل الرجل علي دخيلة في نفسه لا ينفي [ صفحه 123] المتابعة الظاهرية، وهذا شخص مصاحبة، يعني قد يصحب الرجل الرجل مع اختلاف نيّة كل من الصاحبين، ليس معني أن زيداً صاحب عمرو هو أن زيداً وعمرواً كلاهما علي نيّة واحدة. نحن نقرأ في القرآن في سورة الكهف أن اثنين: واحد مؤمن وواحد كافر، القرآن يجعلهم صاحبين: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أكَفَرتَ بالَّذي خَلَقَكَ مِنْ تُراب) [157] ، يسميهم صاحبين واحد منهم مؤمن والثاني كافر! بل أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حرص علي أن يبيّن أن مصطلح الصحابة لا يتطابق مع مصطلح الإيمان ـ فهذا شيء وذاك شيء ـ حرص علي أن يبيّن أن كلمة أصحاب تخاطب صحبة الأبدان لا افتراق القلوب والوجدان، فما أعجب هذا القول النبوي! عندما نزل القرآن يفضح نفاق عبد الله بن أُبيّ ويبيّن أنه رأس النفاق، وتداعي من يقول اضرب عنقه، فيردّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الردّ الذي غابت حكمته عن العقول التي لا تريد أن تعقل، فقال: " دعه لا يتحدث الناس أنّ محمّداً يقتل أصحابه " [158] . فعبد الله بن أُبيّ وصفه رسول الله بأنّه صاحبه! هذا المصطلح مصطلح مضلل، فالتبعية غير الإيمان. [ صفحه 124] أخطر آية يحتج بها مَن يأكلون ولا يعقلون ويهتفون بما لا يعرفون ويقلدون وفي كل تقليد يسجدون، أذكر آية في سورة الفتح: (مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أشِدَاءُ عَلي الكُفَّارِ رُحَماءُ بَينَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعَاً سُجَّداً) [159] إلي قوله تعالي من خلال الآية: (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ مِنهُمْ مَغفِرَةً وَأجراً عَظِيماً) [160] . فالعاقل يندهش، والمتألم يندهش! يا ربّ: بعدما ذكرت الكلّ (وَالَّذينَ مَعَهُ) إذا بالنص الشريف الذي في آخر الآية يقول: لا، انتبه: (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ مِنهُمْ)لم يقل وعدهم مغفرةً وأجراً عظيماً، فلابد أن يكون الوعد متطابقاً مع المعيّة، لا! فالوعد للذين آمنوا. ورغم أنّ القرآن وصفهم بأنّهم أشدّاء علي الكفار، وكم من شديد علي الكفار ولكن شدّته لا تخرجه من زمرتهم، لأنّها شدّةٌ يريد أن يتفاخر بها! وعند مصادر العامة هذا الحديث الذي ترويه مسانيدهم: جاء أصحاب رسول الله إلي رسول الله وذكروا له أن فلاناً ـ وهم ما شاء الله ـ أن فلاناً رؤي في هذا اليوم يجاهد جهاداً ويبلي بلاءاً لم نر مثله! يقول الخبر [ صفحه 125] كما هو عندهم: إنّه من أهل النار، فذهبوا يتكشفون حال هذا الرجل، فوجوده علي ما يقول الخبر عندهم ـ أنا لم أقرأه في مصادرنا، وأسأل الله أن يكرمني ربّي لبقية الوقوف علي قراءة مصادرنا ـ فذهبوا فوجدوه قتل نفسه!! اتكأ علي ذؤابة سيفه فقتل نفسه، هذا الخبر عندهم [161] . وهو يبيّن أنّ الإيمان شيء آخر غير كل ما تصنعه الأبدان في الظاهر.

الايمان يكتمل بموالاة محمد وآل محمد

أبشروا يا أحباب آل محمّد، الإيمان يكتمل بموالاة محمّد وآل محمّد، فقد تكفّل الله عزّ وجلّ بأن يعطي شهادة تخرّج لمدرسة الإيمان، لمن اطمأن قلبه إلي حبّ محمّد وآل محمّد، ولا يلزمه أن يملأ الدنيا ادعاءاً أنّه يحب محمّداً، لكن آله، كما قال بعض المتخرّصين: آله غير معصومين! لا يختلف حبّ محمّد عن آل محمّد، ولا يتجزأ الإيمان ببعضهم عن كلّهم، لماذا؟ لماذا حبّ محمّد وآل محمّد وبالتخصيص حبّ آل محمّد، لماذا هو علامة الإيمان؟ أولا: نقول هو مجال الحبّ، الحبّ الذي يعطي آل محمّد حقوقهم كلّها: علم الكتاب فلا يناطحه فيه علم، الحكمة وهي بيان الكتاب فلا [ صفحه 126] يناطحه بيان، الملك وهو ولاية أمر الأمة فلا يزاحمهم في ذلك.. إذا أعطي آل محمّد ما أعطاهم الله دلّ ذلك علي تجرّده عن الأشرة وابتعاده عن الأنانية وابتغائه بإيمانه وجه الله عزّ وجلّ، وهذا هو المطلوب، فالمطلوب أن يكون الإيمان ممحّض من غير قصد إلي السباق في الدنيا، لأنّ الله عزّ وجلّ أكرم هذه الأمة بكرامة لم تنتفع بها وضيّعتها! مشكلة كبري في علاقتها بحكامها عبر التاريخ، لمّا بعث الله محمّداً (صلي الله عليه وآله وسلم) ليردّ للإنسان إنسانيته وليكرّمه ويذهب بالطبقية والاستكبار والاستضعاف ويحجر الناس علي قاعدة العبودية لله وحده، أراد أن يريحكم من التنافس علي الملك، وقال: أنا أرحمكم يا عبادي، بأن أجعل شأنكم إلي من عصمتهم، عصمت عقولهم من الهوي وبطونهم من أكل الحرام، عصمتهم عن أن يستلزموا بشيء، فسأريحكم من مشكلة الحكم والقيادة والتوجيه، بأن أعيّن لكم مدرسة معصومة لتنطلقوا في الحياة بغير جدال في مسائل الحكم، ولتتّفقوا علي هداية البشرية، لأنّه لم يضيّع المسلمين إلاّ انقلابهم علي ما خصّص الله به آل محمّد، فأخذ يأكل بعضهم بعضاً، وياليتهم عقلوا بعض مقالة الزهراء (عليها السلام) وهي تقول: " إمامتنا لمّاً للفرقة " [162] . [ صفحه 127] نعم هي الرحمة، لكن الأمة اتبعت إبليس وقد صدّق عليها ظنّه: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيهِمْ إبليسُ ظَنَّهُ فاتَّبَعوهُ إلاّ فَريقاً مِنَ المُؤمِنينَ) [163] .

سأل سائل بعذاب واقع

وأنتم إن شاء الله هذا الفريق الذي أبي أن يتّبع إبليس وهو يوسوس للقوم ويقول لهم قولة الأعرابي الذي نزلت فيه مقدّمة سورة المعارج، الأعرابي الذي جاء إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم الغدير بعد خطبة رسول الله وعقد الولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) ومبايعة القوم له بالولاية وقولهم: " بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولي كل مسلم " [164] هذا مبايع يمزج البيعة بالتهنئة ويمزج التهنئة بالحسد ويمزج الحسد بالتلصص! جاء هذا الأعرابي ـ أحمق لا يعرف تلوين الكلام، لا يعرف أن يأخذ البيعة بنيّة النقض والإنقلاب ـ بعد أن تمّت البيعة من قبل رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) وأعطي الولاية لعلي(عليه السلام). وهو مشهد غريب! المشهد في تفصيلاته لو أراد مخرج من مخرجي الأحداث في العصر الحديث أن يخرج هذا المشهد لأخرج عرضاً [ صفحه 128] بادي الوضوح والدلالة علي أنّ الإنسان هنا يكمّل شعائره، والذي يرفض الشعيرة التي ستتم الآن يكون قد انقلب علي عقبيه وخسر الدنيا والآخرة. الأعرابي يسأل ـ ماذا يقول ـ: يا رسول الله أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله فشهدنا ـ مستكثر ويمنّ ـ وأمرتنا أن نصلّي الخمس فصلّينا، وأمرتنا أن نخرج من أموالنا الزكاة فأخرجنا، وأمرتنا أن نصوم فصمنا، وأمرتنا أن نحج فحججنا، وقد علمتُ أنّك عمدت إلي صهرك وابن عمك فوضعته علي أعناقنا، اللّهم إن كان كذلك فأمطر علينا حجارةً من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، ثمّ لم يتمهل حتي يسمع جواب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)فولّي لبعيره، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم): أدركوه فقد حاق به ما توعّد نفسه به، فأدركوه فإذا بصاعقة قد شطرته ببعيره، وإذا بقول ربنا تعالي: (سَألَ سَائِلٌ بِعَذاب وَاقِع - لِلكَافِرينَ لَيسَ لَهُ دَافِعٌ) [165] . هذا العذاب الذي عجّل الله به لمن تمرّد علي ولاية آل محمد تمرداً صريحاً ظاهراً. وأمّا الذين تمرّدوا تمرّداً خفيّاً، فقد ادّخر لهم رأي الأمة المسكينة التي انخدعت بهم، عذاب القرون التي تجرّعناه همّاً ووصماً ونحن نستهتف لوعيد ربّنا الذي حذّر منه القرآن وبيّن مدلوله رسول الله صلوات الله عليه وآله في بيان قوله تعالي: (قُلْ [ صفحه 129] هُوَ القَادِرُ عَلي أن يَبعَثَ عَلَيكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوقِكُمْ أوْ مِنْ تَحتِ أرجُلِكُمْ) [166] الآية لما نزلت، ومصادر السنة هي التي أوّلت التفسير الذي أضعه بين أيديكم، يفسّرون ولا يفقهون، تقول المصادر: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم): أعوذ بوجهك، فلمّا نزلت: (أوْ مِنْ تَحتِ أرْجُلِكُمْ) قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أعوذ بوجهك، فلمّا نزلت: (أوْ يُلبِسَكُمْ شِيَعَاً وَيُذيقَ بَعضَكُمْ بَأسَ بَعض) [167] قال: هذه أهون وأيسر [168] . فرّقونا.. وقسّمونا.. وجعلونا هدفاً لانتقام ربّنا في قوله تعالي: (إنَّ الَّذينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانوا شِيَعَاً لَستَ مِنهُمْ فِي شَيء) [169] . كل ذلك يا أحباب، منذ أن عرفت وتيقّنت وتبيّنت أن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) هو خلاصة مدرسة الأنبياء والمرسلين. [ صفحه 130]

الائمة ورثة الأنبياء و بقية الرسالات

وبالأمس، وأنا أمثل بين يدي سيدتي المعصومة صلوات الله عليها وعلي آبائها، وأستمع إلي الدعاء يتلوه أحد الأحباب، شدّني هذا الحرص من الأئمّة في هذه الأدعية علي الوفاء لشجرة الأنبياء بدءاً من آدم: السلام عليك يا آدم صفوة الله.. السلام عليك يا نوح.. السلام عليك يا إبراهيم.. السلام عليك يا موسي.. السلام عليك يا عيسي.. صلوات الله عليهم ; هذا هو البرهان علي أنّكم ورثة الأنبياء وبقيّة الرسالات، لأنّكم توفّون للأنبياء بما قدّموه في حقّ نبيّكم. الأنبياء والرسل أُخذ عليهم العهد من الله تعالي أن يؤمنوا بمحمّد (صلي الله عليه وآله وسلم) وأن يصطفّوا خلفه صفاً واحداً: (وَإذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبيينَ لَمَا آتَيتُكُمْ مِن كِتَاب وَحِكمَة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرتُمْ وَأَخَذتُمْ عَلي ذَلِكُمْ إصْري قَالُوا أَقرَرْنا قَالَ فَاشهَدُوا وَأنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدينَ) [170] . الميثاق الذي أُخذ علي الأنبياء متأخّر بهذه النقطة جعلهم في حالة انتظار للنبي المنتظر، بدءاً من آدم.. ونوح.. وإبراهيم.. وعاشوا كل العبادات التي كلّفهم الله بها، بحيث كانت لا تلزمهم إلاّ أن يعيشوا في حالة انتظار للنبي الخاتم محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأن يتعهدوا بأنّهم إن شهدوه آمنوا به ونصروه، ومعني نصروه يعني ينقلبوا إلي جنود! فحالة الانتظار التي كتبت علي الأنبياء ـ انتظار النبي محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) ـ أصبحت عبادة من أفضل [ صفحه 131] العبادات لأنّها انتظار لأيّ شيء؟ انتظار لأمر الله عزّ وجلّ وأعظم العبادات.. انتظار أمر الله، لأنّها تنطوي علي الآتي: الإقرار بالله ربّاً، وبأنّ له أمراً نافذاً، وأنّ أمره لا يحيط به إلاّ هو، وأنّه غيب وأنا في انتظار أمره لأطيع. يا مَن شرّفكم ربّكم بعبادة الأنبياء.. بحالة الانتظار للإمام القائم صلوات الله عليه وعجّل الله فرجه الشريف، زيدوا بيقينكم بفرجه الشريف في الميقات الذي يعلمه الله، وتعجلوا الشوق إليه دون أن تتبرموا من إمضائه، لأن كل ما تعيشون الانتظار فإنكم تعبدون الله العلي الرحمن. لأنّ كل العبادات الأُخري للإنسان يكتب أجره علي قدر استغراقه فيها، يعني ليس كل صلاة مثل بعضها، وكتاب الآداب المعنوية للصلاة للسيد آية الله الإمام الخميني قدس الله سره الشريف يبيّن أنّ الصلاة يأخذ كل واحد نصيبه منها علي قدر ما استغرقه من وجدان ومن صبر عليها، ولذلك فالأجر عليها دائماً محدود بمحدودية أدائها وكذلك الصيام والحج والزكاة... أمّا الانتظار، فكلّ ما ملأت وجدانك بالحبّ وأنت تنتظر الإمام، أصبحت كل اعمالك " 24 ساعة " تمثّل حالة عبادة. أسأل الله أن يقسم لي ولكم صحّة الانتظار، وأن يرينا وإيّاكم وجه القائم(عليه السلام)، وأن يجعلنا جنوداً له مخلصين إن شاء الله. اللّهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. [ صفحه 135]

من هم الشيعة

تمهيد

الحمد لله ربّ العالمين والحمد حمده كما يستحقه حمداً كثيراً، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم علي عبده ورسوله محمّد وآله الطيبين الطاهرين صلاةً وسلاماً دائماً سرمداً. أمّا بعد: فيا أيّها الأحباب دعوني أتأمّل معكم مَن نحن؟ مَن هم أتباع مذهب آل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ فإذا عرفنا أنفسنا عرفنا رسالتنا، وإذا عرفنا رسالتنا حدّدنا أهدافنا، وإذا استقرت أهدافنا تبينت وسائلنا مَن نحن.

نحن الأوفياء لميثاق ربنا

نحن بحمد الله وفضله الأوفياء لميثاق ربّنا الذي أخذه علينا في أصلاب آبائنا في محكم كتابه من سورة الأعراف في قوله عزّ ثناؤه: (وَإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِن بَني آدَمَ مِن ظُهورِهِمْ ذُرِّيتَهُمْ وَأشهَدَهُمْ عَلَي أنفُسِهِمْ أَلَستُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي شَهِدنَا) [171] . [ صفحه 136] أيّها الأحباب، أيّها الشاهدون، منذ أن ضرب الله أنفسكم بالأصلاب، إنّ الله ربّكم أكرمكم فدلّكم علي الطريق إلي تحقيق عبوديتكم لله، لأنّ الإقرار بالربوبيّة إذا خلي من تحقيق العبودية كان إقراراً ناقصاً مبتوراً. أكرمكم ربّكم فعرفتم تحقيق طريق العبودية، وأنتم تتلون أم الكتاب التي قال الحقّ في شأنها: (وَلَقَد آتَينَاكَ سَبعاً مِن المَثَاني وَالقُرآنَ العَظيمَ) [172] ، وأم الكتاب الفاتحة. منذ أول سورة في كتاب الله ـ بترتيب القرآن بترتيب الجمع ـ أم الكتاب الفاتحة فيها الإمامة واضحة، وفيها أنّ الله عزّ وجلّ تفضل علي مَن أقرّ بالربوبيّة بأن جمعه في سورة الفاتحة. إقرأ يا عبد الله هذه السورة الكريمة التي قسّمها الله بينه وبين عباده قسمين، فجعلها تتردّد بين دعاء وإجابة، استهلالا بقول الربّ، لقد شهدت بأنّ الله ربّك بالميثاق، فأكرمك الله بأن تشهد بأنّ الله ربّ العالمين كلّهم وليس ربّك وحدك، الحمد لله ربّ العالمين، ثمّ أكرمك بأن تعرف من صفاته العليا أنّه الرحمن الرحيم، ثم أكرمك فعرّفك أنّ للرحمن والرحيم يوماً لا يملك أحد فيه شيئاً إلاّ الله مالك يوم الدين، ثمّ وجّهك إلي أن تعرف حقّ العبادة مقروناً بحقّ الإستعانة، حقّ العبادة مقرون بواجب الاستعانة: (إيَّاكَ نَعبُدُ [ صفحه 137] وَإيَّاكَ نَستَعينُ) [173] ، ثم ألهمك الدعاء المقرون: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقيمَ) [174] ، فجاءت الإجابة: (صِراطَ الَّذينَ أنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالّينَ) [175] . فأنت مع الذين أنعم الله عليهم، مع الأئمّة الطاهرين ورثة النبيين وبقية المرسلين والّذين بدونهم يتغيّر نظام الكون ويخرج عن نظرة العبودية ويحيق به غضب الله الرحمن الرحيم.

القرآن دليلكم لمعرفة حق آل محمد

أيّها الأحباب، القرآن دليلكم لمعرفة حقّ آل محمّد، إنّه الثقل يدلّكم علي الثقل الممثّل بآل البيت تصديقاً للحديث الشريف: " تركت فيكم الثقلين " [176] ، ووصفه الشريف إنّ أحدهما يصدّق الآخر. القرآن رسم الطريق للإمامة وللإيمان بالإمامة علي نحو ليس بعده وضوح ولا جلاء، فمنذ أوّل سورة نبّهكم إلي أنّكم لن [ صفحه 138] تعرفوا الله حتي تكونوا مع الذين أنعم الله عليهم، وحدّد لكم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أُولئك رفيقاً. إنّ قصّة الإمامة في القرآن هي قصة الخليقة كلّها.. هي قصّة الكون كلّه. إنّ الله تعالي لمّا تعلّقت مشيئته وإرادته بأن يستخلف في الأرض خليفة واصطفي آدم.. وأنا بين يدي سيدتي المعصومة وأستمع إلي الزيارة، هزني توقير الشيعة لأنبياء الله جميعاً وهم يسلّمون علي آدم ونوح وإبراهيم وموسي وعيسي، إنّ أتباع الأنبياء لا يعرفون حقّهم كما تعرفون أنتم شيعة آل محمّد الذين أعدّكم الله للشهادة للأنبياء يوم القيامة. إنّ المرء يندهش أن يكون شيعة آل محمّد هم الشهود علي مواكب الأنبياء يوم القيامة، ولكن القرآن يقطع بهذا! يقول الحق في سورة المائدة: (يَومَ يَجمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لاَعِلمَ لَنَا إنَّكَ أنتَ عَلاّمُ الغُيُوبِ) [177] ، فالرسل شهود علي أممهم، كل رسول علي أمته شهيد (فَكَيفَ إذَا جِئنَا مِن كُلِّ أُمَّة بِشَهيد) [178] ، جاء الشهداء علي أممهم قد ألجمهم الفزع الأكبر.. ألجمهم الروع، [ صفحه 139] (قَالُوا لاَعِلمَ لَنَا إنَّكَ أنتَ عَلاّمُ الغُيوبِ) [179] ، الحقّ تبارك وتعالي لا يبرئ ساحتهم حتي يبيّنوا أنّهم بلّغوا. الكفّار أتباع الأنبياء السابقين لمّا يسمعوا رسلهم يقولون أمام المحكمة الكبري: (لاَ عِلْمَ لَنَا)، أتباع نوح وهود وصالح وشعيب لمّا يسمعوا الأنبياء يقولون: (لاَ عِلْمَ لَنَا)، يقول أحدنا جاءك الفرج يا مسلم! أنا يسألني عن عملي أقول لم يأتني أحد.. لم يوجهني أحد.. لم يرسل إليّ أحد!! إنّ من مشاهد القيامة أن يموج الخلق في إنكار رسالة الرسل تخلّصاً من عبء الحساب، فيعود الله إلي الرسل: أنتم تقولون لا علم لكم ـ عدل مطلق ـ وأتباعكم يقولون أنّكم لم تبلّغوا؟! عندئذ يتلاوم الأنبياء والرسل أنفسهم ويعود إليهم إحساسهم، لأنّ الأمر في غاية الخطورة، فيقولون: لا يا ربّنا وعزّتك وجلالك بلّغنا كما أردتنا. فيقول: مَن يشهد لكم أنّكم بلّغتم قلتم لا علم لنا وأقوامكم ينكرون أنّكم بلّغتم؟ فيقولون: يشهد لنا محمّد (صلي الله عليه وآله وسلم)، تصديقاً لقول ربّنا تعالي: (فَكَيفَ إذَا جِئنَا مِن كُلِّ أُمَّة بِشهيد وَجِئنَا بِكَ عَلَي هَؤلاءِ [ صفحه 140] شَهِيداً) [180] الموقف يلجم الأنبياء والمرسلين قبل رسولنا الكريم (صلي الله عليه وآله وسلم)المعصوم في حركاته وسكناته.. في قوله وفعله.. في منامه ويقظته.. المعصوم في كل شيء. فكما أخذ الله العهد علي الأنبياء أن يؤمنوا به، أخذ بدوره العهد علينا وعلي البشرية كلها أن نؤمن بالأئمة من بعده. إقرأ يا أخي وتأمل هذه العبادة التي أكرمنا الله بها نحن معشر شيعة آل محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم) ـ وأسأل الله أن يحشرنا بها ـ إنّ الله تعالي خلق الأنبياء أرواحاً وأنواراً وكتب لهم شرف النبوة والرسالة، ولكنّه أخذ عليهم ميثاقاً غليظاً يجعلهم في حالة انتظار التي تعتبر أشرف العبادات.. حالة الإنتظار الماثلة في قول الله عزّ وجلّ: (وَإذ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيينَ) النبيون والمرسلون جميعاً لأنّ كل رسول نبي وليس كل نبي رسول، (وَإذ أخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيينَ لَمَا آتَيتُكُمْ مِن كِتَاب وَحِكمَة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأخَذْتُمْ عَلَي ذَلِكُمْ إصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشهَدُوا وَأنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [181] . كل نبي منذ آدم (عليه السلام) لا يبرئ ذمّته أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله حتي يؤمن بمحمّد (صلي الله عليه وآله وسلم)، حتي يؤمن بالنبي الخاتم، [ صفحه 141] وأن يكون في حالة انتظار، ربّما أنّه يجتمع بالنبي الخاتم فيسارع إلي الإيمان به وتصديقه والاصطفاف خلفه كل الأنبياء. وما أروع هذا الخطاب المحمدي لمعشر اليهود الذي ينمّ عن غيرته (صلي الله عليه وآله وسلم): لمّا دخل المدينة فوجد اليهود صياماً، فسأل عن ذلك؟ فقالوا: هذا يوم نجّي الله فيه موسي من فرعون وقومه، فقال: أنا أولي بموسي منكم. وليس هذا قول نبوي فحسب، بل هو القرآن: (إنَّ أوْلَي النَّاسِ بِإبراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذا النَّبيُّ وَالَّذينَ آمَنُوا وَاللهُ وَليُّ المُؤمِنينَ) [182] . فالأنبياء في حالة انتظار ليتشرفوا، يتشرفون بأي شيء؟ إعلم أن نبينا (صلي الله عليه وآله وسلم) أوّل خلق الله ابتداءاً وآخر رسل الله ابتعاثاً،... الله كان موجوداً وآدم ونوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومن قصّ الله ومن لم يقصص من النبيّين، لكن وجود يختص به مكنون في علم الله، وجود التقدير الذي يختصّ به علم الله. فالأنبياء مطلوب منهم إذا ظهر محمّد علي كوكب الأرض أن يصطفوا خلفه ويؤمنوا به ويتّبعوه. وأخصّ كتابين ـ التوراة والإنجيل ـ من الكتب التي كتب الله لها البقاء إلي ما بعد محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)يجد فيها تحديداً ـ بنصّ القرآن وبنصّ التوراة وبشهادة الإنجيل ـ [ صفحه 142] أنّ المقبولين عند الله لا يكفيهم أن يكونوا قد آمنوا بأحد من الأنبياء قبل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) حتي يؤمنوا به: (النَّبيَّ الأُمِّيَّ الَّذي يَجِدُونَهُ مَكتُوبَاً عِندَهُمْ في التَّوْرَاةِ وَالإنجيلِ يَأمُرُهُمْ بِالمَعرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنهُمْ إصرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتي كَانَتْ عَلَيهِمْ) [183] . كانت الإنسانية موعودةً بأن تدخل في طريق العبودية رويداً رويداً، نبياً بعد نبي، حتي إذا أتمّت مناهجها في معرفة الله شرّفها الله بالرحمة التامة ببعث محمد (صلي الله عليه وآله وسلم). أتظنّ يا أخي أنّ الله قد كتب علي الأنبياء أن يكونوا في حالة انتظار ـ وحالة الانتظار حالة متّصلة ـ اعتباطاً؟ كتبها عليهم لأنّها أشرف العبادات. كلّ عبادة بدنية تستغرق وقتاً محدوداً.. تصلي في عشر دقائق أو ربع ساعة أو ساعة أو ساعتين، تزكّي مالا خمسه أو يزيد، تصوم أياماً معدودات.. أمّا الإنتظار فحالة استقرار بين النفس والروح تستغرق الوقت كلّه، لأنّك لا تعلم متي يأتي الموعود! فالأنبياء وهم مأمورون بانتظار أنوار محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) كانوا في حالة مستمرة من العبادة. [ صفحه 143] لقد بدأ بمجيئه حالة انتظار جديدة.. حالة ترقب جديدة.. حالة استغراق جديدة.. فرسول الله محمد بن عبد الله (صلي الله عليه وآله وسلم) هو واسطة العقد بين من سبقه من الأنبياء حتي اكتملوا به وبين من لحقه من الأئمة تصديقاً لرسالته وإتماماً لما كان عبد الله ورسوله محمد هو خاتم النبيين ولا وحي بعد محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، ولكن الزمن ممتد ولرسول الله أجل معلوم وقد خوطب بحتمية الموت في أكثر من سبعة عشر موضعاً في كتاب الله، منها ما كان خطاباً خاصاً به: (إنَّكَ مَيِّتٌ وَإنَّهُم مَيِّتُونَ) [184] ، (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَر مِن قَبلِكَ الخُلْدَ أَفَإنْ مِتَّ فَهُمُ الخَالِدُونَ) [185] ، أو خطاب عام علي موت الخلق جميعاً: (كُلُّ نَفْس ذَائِقَةُ المَوْتِ) [186] وقد تكرر في القرآن في أكثر من موضع ولمّا كانت حياة رسول الله علي الأرض محدودة لسنّة الله كان لابدّ للبشرية ممن يقودها علي طريق محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، يقودها لكي يكون من قبل محمّد أنوار أدّت إليه، أنوار النبوّة اكتملت بنور محمّد ومن بعد محمّد أنوار تنبثق منه لكي يكمّل النور، أيُتصور أن النور بعد أن اكتمل ينقطع؟ أو بعد أن اكتمل يزداد ضياءاً؟ [ صفحه 144] لن تكون علي بيّنة من ربّك حتّي تعلم أن قبل محمّد نور ومن بعده نور، وأنّ النور الذي من بعده أتمّ وأعمّ من النور الذي قبله وهذا منطق القرآن: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَي بَيِّنَة مِن رَبِّهِ وَيَتْلوهُ شَاهِدٌ مِنهُ وَمِن قَبلِهِ كِتَابُ مُوسَي إمَامَاً وَرَحمَةً) [187] ، فالذي علي بيّنة من ربّه محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) (يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) أيّ شاهد من تلك النورانيّة لكي يكتب للنور الإستمرار؟ شاهد نفسه كنفس محمّد (صلي الله عليه وآله وسلم)، فإنّه لا يوحي إليه، لأنّ الوحي لما انقطع لم ينقطع علي سبيل الحرمان منه، الوحي الذي أُنزل كاف إلي يوم القيامة، كيف يكون كافياً؟ هو كاف بالنصّ في كتاب الله علي أنّه تبياناً لكلّ شيء، وبالنصّ في كتاب الله بقوله: (مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيء) [188] . لكن كيف يكون كافياً وفيه المحكم وفيه المتشابه؟ فيه المحكم الذي لا يختلف علي تفسيره وتأويله، وفيه المتشابه الذي يحتمل عدة معاني في فهم الخلق له، لكنّه في مراد الله له معني واحد. إعلم أنّ مراد الله من القرآن مراد واحد، فقد أنزل باللغة العربية علي أمة أمية والأمة الأمية ذات اللغة العربية، ومن مشاكل هذه الأمة العربية في شأنها العربي أنها لم تكن تعرف صناعة ولا [ صفحه 145] زراعة ولا حرفة ولا شيئاً يشغلها عن القيل والقال والإشتقاق في مفردات اللغة. كان تقديراً من الله لأن تكون هناك لغة غنية لا تعجز عن محاكاة القرآن فتصبح إعجازاً وفي نفس الوقت تفتح باب مشكلة لا تحلها غير الإمامة! يقصّ الحقّ تبارك وتعالي علينا في سورة الزمر في سبع آيات عجيبة تبيّن أنّ القرآن نزل باللغة العربية: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ في هَذَا القُرآنِ مِن كُلِّ مَثَل لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرونَ - قُرآنَاً عَرَبيّاً غَيرَ ذِي عِوَج لَعَلَّهُمْ يَتَّقونَ) [189] . قف يا أخي، الله تعالي يقول ضربنا للناس كل الناس منذ أن أُنزل القرآن إلي يوم القيامة، ضربنا لهم أن أمثال القرآن توضّح الحقائق. قرآناً عربياً غير ذي عوج، وهذا تأكيد علي وصفه بأنّه عربي، ولو كان مظنون أنّه عربي ـ أنّه غير ذي عوج ـ لكان الوصف عند النحاة جائزاً، لكنّه يشير إلي أنّه رغم أنّه عربي لكنّه مبرّأ من العوج، وغير ذي عوج إشارة إلي أنّ اللغة العربيّة لغة مليئة بالمجاز والكناية والتشبيه والتعبير عن الشيء بضدّه وعن القريب كأنّه بعيد، فهي اللغة المليئة بالرموز، وهذه الرموز عند تحديد مدلول اللفظ تؤدي إلي العوج كلّ واحد يفهم أمراً ما، لكن المطلوب رفع العوج عن القرآن، كيف نرفعه؟ [ صفحه 146] يأتي القرآن فيقول: (ضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مَتَشَاكِسونَ وَرَجُلا سَلَماً لِرَجُل هَلْ يَستَوِيَانِ مَثَلا الحَمدُ للهِِ بَلْ أَكثَرُهُمْ لاَ يَعلَمُونَ - إنَّكَ مَيِّتٌ وإنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثمّ إنّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون) [190] . إنّ الله تعالي يقول لكي نرفع العوج عن القرآن نضرب لكم مثلا ثانياً: أيّهما أعون علي فهم الكلام أن يكون الذي يسمع رجل غير عادي.. رجلا سلماً لرجل يدفع رجل قادر علي استيعاب ما يسمع.. رجل واحد يسمع من رجل واحد، وأمّا أن يكون رجلا فيه شركاء متشاكسون. يعني لو أن حضراتكم تسمعون العبد الفقير، وبعد أن ينتهي المجلس يسألكم واحد خارج المجلس وعلي فرض أنّه سأل عشرة أو اثني عشر هل يمكن الاتفاق علي الكلام الذي قلته؟ فكل واحد سيقول حسب فهمه. فالله تعالي يحذّر من أن يكون كتاب الله ملكاً لأناس عاديين يسمعون الرسول، ألم يقل الحقّ: (وَمِنهُمْ مَنْ يَستَمِعُ إلَيْكَ حَتَّي إذَا خَرَجُوا مِن عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفَاً) [191] ، وهكذا صنف من الناس هل يكون أحدهم حجّة علي مراد الله؟ [ صفحه 147] هذا مستحيل، أرادوا طبعاً من إمامة الإمام هي التبليغ عن رسول الله ما ذكره عن ربّه (رَجُلا سَلَمَاً لِرَجُل) وهذا يستوفيها للمسألة. فالحمد لله علي نعمة الله أن جعل هناك رجلا سلماً لرجل، أي الحمد لله علي كمال الدين وتمام النعمة لولاية علي ابن أبي طالب(عليه السلام). ثم يقول الحقّ: الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون أنّك ميّت وأنّهم ميّتون، سبحان الله أيوجد عاقل يجهل أو يتجاهل أو يتغافل عن أن محمّداً ميّت؟ كيف لا يعلمون أنّ محمّداً ميّت وهو بشر؟ ففي أكثر من مقام وقف المعصوم يَبلّغ ويبيّن: إنّما أنا بشر يوشك أن أدعي فأجيب [192] ، لكن الحقّ يشير إلي أنّ الأمة ممكن أن ينبعث فيها واحد أو اثنين تكمن فيه الجرأة علي الله لأن يقول إنّ محمّداً لا يموت [193] . [ صفحه 148] رجل واحد أو اثنين من أجلهم ربّنا ينزل القرآن؟! نعم لأنّ ربّما واحد يقود الضلالة إلي أيام حتي يرث الله الأرض ومن عليها الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون أنّك ميّت وأنّهم ميتون. فمقتضي بشرية الرسول وحتمية لحوقه بربّه، ومقتضي أبدية الرسالة إلي يوم القيامة أن يكون هناك من يبيّن ما بلّغه رسول الله(صلي الله عليه وآله) بياناً يوافق كلّ عصر.

النبي وعلي

أيّها الأحباب، إنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان له مع علي (عليه السلام) مناجاة في الغداة والعشي لم تكن لأحد غيره! تروي أمّ المؤمنين أم سلمة: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ناجا علياً حتّي كاد أن يذهب يومها مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، إذ أن فم رسول الله عند أذن علي وفم علي عند أذن رسول الله فيتناجيان طويلا [194] . ما معني هذا؟ إنّ هناك حالة خصوصيّة، لماذا يناجيه الرسول؟! إنْ كان كلاماً ممكناً يفهمه العامة.. يفهمه الناس فلماذا هذه المناجاة؟ لا يوم ولا إثنين ولا ثلاثة، في الغداة والعشي، بحيث أُمّ [ صفحه 149] المؤمنين وهي في هذا الخصوص لا يمكن أن تقول أكثر من الحقّ ولا يمكن أن تجامل، فهي تقول: يناجيه في الغداة والعشي. فالمتأمّل في المناجاة التي كانت بين رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) في العهد المكّي يدرك ذلك، حيث كان التصاق الإمام بالرسول التصاقاً دائماً.. رُبِّي في حجره ونزل الوحي وعلي يسمعه، وكان أوّل من آمن به وصلّي معه وكان يتلّقي الحقائق منذ أوّل يوم يتلقّاها من غير تشويش، ولذلك نقول أنّ محمّداً عبد الله ورسوله وأنّ علياً وليّ الله وحجته. ما معني الحجّة هنا؟ إنّ الله لما اجتبي عليّاً علي صغر سنه أقام به الحجّة علي أنّ الإسلام هو دين الفطرة الذي يتقبّله الصغير قبل الكبير، لأنّ الله تعالي وصف دينه في أكثر من موضع بأنّه: (فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لاَ تَبدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أكثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمونَ) [195] ، فلو كان الإيمان بالدين علي مَن بلغ أشدّه كيف يكون دين الفطرة؟ إنَّ عليّاً أسلم وكان صغيراً، تفكّر قليلا ـ الحجة.. صاحب الفطرة السليمة ـ وقال أشهد أنّ لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله. [ صفحه 150] علي (عليه السلام) في هذه الفترة تربّي في حجر رسول الله وحجر أم المؤمنين خديجة، فقال له رسول الله، لأنّه أخذه من أبيه أبي طالب لكي يعوله، لمّا أدرك القوم شدّة حاله، وكان لأبي طالب (عليه السلام)عدد من البنين، فجاء المعيل بإعالة بعض ابنائه عند بني هاشم، وكان من تشريف الله أنّ عليّاً كان في حجر رسول الله. إنّ إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) ثابتة بالدليل القطعي، وتبينها أحاديث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عند المدرستين علي حدّ تعبير العلاّمة السيد العسكري. إنّ لعليّ مقاماً لرسول الله مقام هارون من موسي، وفي أكثر من مقام وصفه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) باللفظ وبالفعل فأصبحت سنّة قولية وفعلية: وصفه بقوله: " أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبي بعدي " [196] . [ صفحه 151] ووصفه بقوله: " علي كنفسي " [197] . وبيّن بالعمل أنّه يعتبره نفسه فعلا في مطالب آية المباهلة من سورة آل عمران، تحدد أنّ عليّاً نفسه نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، لمّا نزل قول الله في شأن عيسي: (إنَّ مَثَلَ عِيسَي عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [198] ... إلي قوله: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعدِ مَاجَاءَكَ مِن العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدعُ أبنَاءَنَا وَأبنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأنفُسَنَا وَأنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبتَهِلْ فَنَجعَلْ لَعنَةَ اللهِ عَلَي الكَاذِبينَ) [199] ، وهذه القصّة شهدها أصحاب رسول الله وأهل الكتاب لتكون حجّة علي العالمين، يقول فيها ادع ابناءك ونفسك ومن في منزلة نفسك ونساءك، فدعي فاطمة وبعلها والحسنين وجعلهم خلفه وشرع يباهل. تأكد أنّ عليّاً(عليه السلام) نفسه نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). أمر الله في القرآن المؤمنين أن يصلّوا علي رسول الله، وجاء الأمر عزيزاً وقديراً وعميقاً، فبدأ الله الصلاة بنفسه وثني بملائكة قدسه قبل أن يأمر المؤمنين: (إنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبيِّ [ صفحه 152] يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْليماً) [200] ، فجاءوا يسألوه كيف نصلّي عليك يا رسول الله؟ قال: قولوا اللّهم صلّ علي محمّد وآل محمّد، فعادوا يسألونه ومن آلك الذين فرض الله علينا الصلاة عليهم؟ فأجاب باللفظ والفعل بدعوة علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين حيث احتواهم مع نفسه بالكساء، وأومأ بإصبعه الشريف إلي السماء ونادي: اللّهم هؤلاء آلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً [201] . فاكتمل الفضل في جواب الله، آية الصلاة وآية أهل البيت في سورة الأحزاب، فاكتمل الفضل بالتأكيد: (إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمْ الرِّجْسَ أهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً) [202] . إنّ علياً(عليه السلام) نفس رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) وأنّه قطب الرحي في آل محمّد خلف رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين. وعادوا يسألوه ـ واستجلب أسماعكم لهذه النقطة لأنّها قاطعة لو كانوا يعقلون ـ عادوا يسألوه ما معني أن نصلّي علي آل محمّد؟ فقال لهم ـ وهي من أثبت ماثبت لدي ـ في خواتيم صلاتهم [ صفحه 153] ولا تصحّ الصلاة إلاّ أن تقولوا: اللّهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد كما صلّيت علي إبراهيم وآل إبراهيم وبارك علي محمّد وآل محمّد كما باركت علي إبراهيم وآل إبراهيم. وأنا ألفتُ نظركم إلي هذا التوجيب، تعالوا إلي الآيات القرآنية في سورة النساء في قول ربّنا تعالي: (أَمْ يَحسُدونَ النَّاسَ عَلَي مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَد آتَيْنَا آلَ إبرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلكاً عَظيماً - فَمِنهُمْ مَن آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَي بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) [203] . القرآن يقول: آتينا آل إبراهيم، ما هي حقوقهم من غير أن تحسدهم؟ آل إبراهيم آتيناهم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً. واسأل نفسك بعد أن تستوعب هذه العطايا الربّانية لآل إبراهيم، وهل آل محمّد أقلّ بالقربة من آل ابراهيم؟ وتجيب البديهية والمنطق والإيمان والنقل والعقل: أنّ آل محمد أفضل من آل إبراهيم، وذلك لأنّهم أرفع شأناً من آل إبراهيم. القرآن يقطع بأن أهل البيت أئمة الأمة الله جعلهم عدل الكتاب، والكتاب بأيدي الناس كلّهم، وآلاف المصاحف تطبع، وكلّ بلد يعمل علي طبعه، فلا معني للكتاب بغير الحكمة، والحكمة هي فهم عين مراد الله من الكتاب: (آتَيْنَا آلَ إبراهيمَ [ صفحه 154] الكِتَابَ وَالحِكمَةَ) [204] . إذن ما معني وما فائدة وما نتيجة أن يكون أهل البيت أئمة الأمة وعندهم الكتاب وعندهم الحكمة أي معرفة معني الكتاب ثم يبقوا معزولين عن القيادة والسلطان؟ إذن، لا يكمل حكم الله!

حكم المفقود عند أبي حنيفة والرجوع إلي فقه أهل البيت

كنت عضواً في مجلس الشعب المصري، ووقعت واقعة استدعت الإحتجاج بفكر آل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم): فقد غرقت عبّارة في البحر تنقل العمّال المصريين من جدّة إلي السويس، اسمها " سالم اكسپريس "، ولعلّ بعضكم قرأ الخبر من أربع سنين، وهلك في الحادثة قرابة 1200 نفس، إذ أُنتشلوا من البحر 500 جثة ولم تنتشل 700 جثة وأصبحت في حكم المفقود.إنّ الشركة المالكة للباخرة عليها التزام قانوني بدفع التأمين لورثة الركاب، وقد أعلنت في الصحف المصرية أنها تستدعي الورثة للمجيء وأخذ الحقوق، وحدّدت يوماً لصرفها، فتوافد الناس من كل أنحاء مصر لأخذ التعويضات، وقبل أن تصرف [ صفحه 155] الشركة التعويض تنبّه أحد محامي الشركة وقال: حسب مذهب أبو حنيفة أن المفقود لا يعتبر ميّت حتي يمضي عليه مدّة ستون عاماً!! ولذا يجب أن يصدر بموته حكم ينصّ علي أنّه فقد في سنة كذا وبعد مضي ستون عاماً يقبض الورثة التعويض. إن القانون المصري لا يعطّل الشريعة مباشرة، ولكنّه يستنبط قوانين لا تتلائم معها!! لم يرق لرجال القانون في مصر حكم أبو حنيفة ـ بالرغم من أنّ الفقه في مصر علي مذهب أبي حنيفة ـ فأخذوا يبحثون عن فقيه آخر يخرجهم من هذا المطب! ففي فقه أحمد بن حنبل حكم المفقود 15 سنة، ولا أعرف من أين جاءوا بمدّة 15 سنة و 60 سنة، فوجدوا أنّ ابن تيمية ـ وهو فقيه حنبلي ـ وعليه العمدة عندهم قد أنقص المدّة إلي خمس سنوات، ومعروف عن ابن تيمية أنّه يخرج أحياناً علي المذهب الحنبلي ولا يلتزم بقواعده ـ وهذا ممّا يصنعه الله لكي يتنبّه الناس إلي الحقّ كإبطاله الطلاق باللفظ الواحد ثلاثاً بل يبني علي أنّه واحد رغم أنّه قول المذاهب الأربعة ـ فمحامي الشركة طلب الإنتظار خمس سنين، فنشأت جراء ذلك مظاهرة ضخمة جدّاً أمام مجلس الشعب المصري، فقد خرج آلاف الناس للمطالبة بالتعويضات. ورفض ممثل المتظاهرين قرار الشركة وطالب بقرار شرعي آخر يضمن للناس [ صفحه 156] حقوقهم. وكلّف مفتي مصر الشيخ محمّد سيد طنطاوي بإيجاد منفذ للخروج من هذا المأزق، فجاءني بعد الفجر وقبل طلوع الشمس في بيتي وقال لي: ألا يوجد عندك حلّ؟! لعلّ ما قرأته من تآليف أصحابك يرشد إلي مدّة أقلّ من الخمس سنوات. فدعوته للتذاكر وقلت: تعال نقرأ سويّة ـ وفي الحقيقة كنت علي بينة ـ فتعال نقرأ سوياً كتاب لمحمد جواد مغنية " فقه المذاهب الخمسة ". وطالعنا مسألة المفقود، فقرأ بنفسه عن الإمام الصادق صلوات الله عليه ـ صاحب البيان والعلم لسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ـ: أنّ المفقود إذا فقد في حال لا تتصوّر معها بقاء الحياة عُد ميتاً ولو بعد ساعة، كأن يكون قد دخل في النهر ولم يخرج أو ابتلعه حوت فلم يخرج. قال المفتي: يعد ميتاً ولو بعد ساعة، فأخذ نفساً عميقاً وقال: والله هذا الكلام المعقول! فقلت له: لأنّ الشيخ محمد جواد مغنية جاهل بالحكم، فقد رجع كعادته إلي منبع العلم، فانّه يأتي للأحكام من غير تقصير ولا جدل. وأضفت: ماذا سيكون رأيك لو علمت أنّ هذه المسألة كانت [ صفحه 157] محل حوار بين الإمام الصادق صلوات الله عليه وبين أبي حنيفة. قال المفتي: سأكتب فتوي بهذا المعني ستقرأ علي أعضاء مجلس الشعب. وكانت هذه فرصة لأن يطلّعوا فيها علي مصدر الشيعة الإمامية علي سبيل القطع في مسألة حقوق الناس، ففوجئت بأنّه كتب الفتوي وقال فيها: يقول بعض أهل العلم!!! يا مولانا: أليس من الأصول العلمية والأمانة في النقل أن تذكر المصدر؟ فلمّا تليت الفتوي في مجلس الشعب وفيها كلمة " يقول بعض أهل العلم " اعترض أربعة من كبار الأعضاء ومنهم وزير الأوقاف السابق، فوقف يقول: من أين جاء المفتي بهذا الكلام؟ هذا كلام ليس له أساس، أين أهل العلم هؤلاء؟! كانت وجوه الأعضاء ورئيس مجلس الشعب متجهة نحوي، فأرسل إليّ ورقة صغيرة مكتوب فيها: أنا أعرف ما تقول! فكتبت علي نفس الورقة: ولكن غيرك من الأعضاء لا يعرف ما أقول، فإمّا أن تقول أو أقول. فإذا به ينطقه الله ويقول للأعضاء: فضيلة المفتي واسع الإطلاع، لابدّ وأنّه اطّلع علي رأي الشيعة الإمامية وهو يقول: إنّ المفقود يُعد ميّتاً ولو بعد ساعة إن كان خبر موته يكفي العلم. [ صفحه 158] نصف من أعضاء المجلس قالوا: هذا هو الكلام الصحيح، فهذا كلام الإمام جعفر الصادق. إنّ التصميم علي إبعاد أنوار مذهب أهل البيت (عليهم السلام) تسبب تعطيل الشريعة كلّها طالما كان القانون مسنداً إلي الطاغوت، دون أن يسند الي مذهب آل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم).

لا تستفيد الأمة من الكتاب والحكمة إلا إذا كان القرار بيد الأئمة

إذن، فالإمامة أوتيت الكتاب والحكمة، ولا تستفيد الأمة من الكتاب والحكمة إلاّ إذا كان القرار بيد الأئمّة. وقوله تعالي: (وآتَيْنَاهُمْ مُلكَاً عَظِيماً) [205] وذكره للملك بفعل مستقل (وَآتَيْنَاهُمْ) ألم يكن اختيار؟ فقد أفردهم للتأكيد: (وَآتَينَاهُمْ مُلكاً عَظِيماً)، ثمّ أنزل من لا يسلّم بهذه الحقيقة منزلة الكافر بحيث يستحق جهنّم: (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) به هنا ضمير عائد علي أقرب مدخول مفرد وهو الملك، (فَمِنهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنهُمْ مَنْ صَدَّ عَنهُ وَكَفَي بِجَهَنَّمَ سَعيراً) [206] ، فالصدّ عن حقّ الإمامة الثابت في كتاب الله أدخل الأمة في هذه المتاهة! [ صفحه 159] وأستأذنكم بأن أطالب نفسي وأيّاكم وكل شيعي بصيانتنا للمذهب من بعض الانتقادات المخطئة أو من بعض المتّجرين، فالكتب مليئة بالكلام. لنجعل الميزان والبرهان لما نُسب للأئمّة المعصومين (عليهم السلام)كتاب الله، احتجاجاً بحديث الثقلين وأنّ أحدهما يصدّق الآخر، نعرض مالدينا ـ وهو كثير ـ علي كتاب الله، فالنصّ الذي نجده متفق مع كتاب الله نواجه به الدنيا ونحن علي يقين أنّه من أنوار الأئمّة(عليهم السلام)، وأمّا النصّ الذي يصادم كتاب الله نؤخره وننحيه حتي يحكم فيه صاحب الحق وهو الإمام عجّل الله فرجه الشريف. فالنصوص التي محلّ ظنّ بأنّها تتصادم مع القرآن تنتظر القطع من صاحب الحق(عليه السلام)، في حين أن النصوص المتّفقة مع القرآن نضعها علي العين والرأس.

الحكمة من غيبة الإمام المهدي

بالمناسبة يا أحباب، إنّ حالة الإنتظار التي نحن فيها للفرج الشريف ولّدت سؤالا مطروحاً عند المثقفين الماديين الذين يحب أحدهم أن يبحث التشيع فيقول: اقتنعت بأنّ الله ربّنا وأنّ ربّنا تعالي أرسل رسلا وأنّه ختمهم بمحمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وأنّ محمداً (صلي الله عليه وآله وسلم) نصّ علي [ صفحه 160] الأئمّة الأوصياء من بعده، فكلّ هذا يدخل في دائرة العقل، لكن ما الحكمة من غياب آخرهم؟ يا أخي الحبيب، قلت لكم: إنّ عبادة الانتظار فرضت علي الأنبياء انتظاراً لمحمّد (صلي الله عليه وآله وسلم)، وهي مفروضة علي مَن بعد الرسول انتظاراً للإمام الغائب، والدنيا تموج بالمذاهب الفاسدة، وبجنب كل يوم انتظار أراد الله تعالي أن يعطي البشرية فرصة تجرب فيها كل باطل. فتميل مرةً إلي الرأسمالية ومرةً إلي الاشتراكية وتظنّ تارةً أنّها بعلومها المادّيّة قد استغنت عن الوقت الإلهي! هذا الاستغناء الذي ورد في سورة والليل إذا يغشي ووارد في سورة العلق لمّا قال تعالي: (عَلَّمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعلَمْ) [207] أردف قائلا: (كَلاّ إنَّ الإنسَانَ لَيَطْغَي - أنْ رَآهُ اسْتَغْنَي) [208] ، أي أنّ الإنسان إذا استكمل العلم بما علّمه الله أخذ يعصي الله بعلومه ظنّاً منه أنّه استغني عن الله!! فلابدّ للبشرية أن تأخذ فرصة تتصوّر فيها أنّها استغنت بعلومها، حتّي إذا بلغت ذلك المبلغ وهي توشك أن تبلغه، يأتي فرج الله عزّ وجلّ لظهوره الشريف علي إثر استعلاء أهل الأرض باسم العلم، فيقهر كل إمكانيات الأرض. إنّ هذا النصر للإمام القائم (عليه السلام)سيكون آخر براهين الله علي البشر، علي أنّ الله يفعل ما يشاء. [ صفحه 161]

مسك الختام

أسأل الله تبارك وتعالي أن يقيمنا في حضرة المعصوم، وأن يرزقنا أخوةً صادقةً فيما بيننا يا أحباب. إنّ قلباً يعتمر بحبّ محمّد وآل محمّد ثم يطفيء سراج المودّة لإخوانه أو يصعّر الخد لإخوانه يعدم حبّ محمّد وآل محمّد بلا ريب. إننا مستهدفون الآن من الاستكبار العالمي، ومن الصهيونية العالميّة، ومن بقايا الأنظمة العفنة عبّاد المنافع. أيّها الأحباب، علينا في هذه الفترة أن نزيد من أُخوتنا، وأن نجتهد في هزيمة إبليس في كلّ الدنيا: بأن يستبصر علي أيدينا أكبر عدد، سواءاً من غير المسلمين أم من عامّة المسلمين، لأنّ لا شيء أغلي عند الله عزّ وجلّ من أن يأتي مؤمن وفي يمينه سفر سُجّل فيه أنّه كان سبباً في عتق نفس من النار، لئن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك ممّا علي الأرض. يا أحباب، نوثّق أُخوتنا.. نعمّق دورنا في التبليغ.. ونبارك [ صفحه 162] جهود إخواننا الذين يضربون في الأرض ابتغاء تقديم الحقيقة للأُمم الأُخري. يا أحباب، إنّ الله أراد منكم أن لا تجعلوا للناس حجّة علي الله، وذلك جميل فضله تعالي: (لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَي اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [209] ، كيف يكون للناس حجّة؟ كونوا أنتم الحجة علي العالمين.. نقّوا سرائركم.. طهّروا جوانحكم.. وثّقوا أخوّتكم.. إدعموا دوركم في التبليغ للمذهب في مشارق الأرض ومغاربها حتي يكون لكم يوم القيامة شرف الوقوف خلف الأئمّة الأطهار.. خلف أصحاب الأعراف الذين يعرفون كُلا بسيماهم.. أئمّتنا الأطهار الذين لا يجتاز عبد الجنّة إلاّ إذا عرفوه فقبّلوه، وما يدخل عبد النار إلاّ إذا عرفوه فرفضوه، وهناك سيكون الرفض القاطع. إعلم يا أخي، إنّ أيّ جهد تقدّمه لنشر الحقيقة والتوعية للمذهب هو جهد يلحقك بركب الشهداء علي الناس يوم القيامة، فلا تبخل بجهدك. أيّها الاحباب، في ختام كلمتي أسأل الله وأسألكم أن تدعوا لي أن يجعلني أهلا لشرف هذه الوقفة بين أيديكم، لأنّي أخشي أن لا أكون أهلا له. والله المستعان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين.

پاورقي

[1] الزمر: 18.
[2] أنظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 2 / 346، التفسير الكبير للفخر الرازي: 15 / 523 ـ 524، تفسير روح المعاني للآلوسي: 5 / 240، الدر المنثور للسيوطي: 3 / 209.
[3] التوبة: 1 ـ 3.
[4] التوبة: 28.
[5] الخصائص للنسائي: 87 و 98، مستدرك الحاكم: 3 / 111، كما أخرجه البخاري بلفظ آخر: 3 / 168.
[6] صحيح مسلم: 7 / 121، كما ذكر هذه الحادثة بألفاظ وأسانيد أُخري.
[7] أنظر: المناقب لابن المغازلي الشافعي: 33.
[8] التوبة: 39.
[9] الإتقان في علوم القرآن: 2 / 40، الدر المنثور: 5 / 180، وانظر: تفسير القرطبي: 14 / 113. [
[10] صحيح البخاري: 8 / 26، وانظر: الدرّ المنثور: 5 / 180.
[11] سنن ابن ماجة: 2 / 854، السنن الكبري: 8 / 211، مجمع الزوائد: 6 / 6، فتح الباري: 9 / 54، الدر المنثور: 5 / 180.
[12] البقرة: 229.
[13] انظر مجموع الفتاوي لابن تيمية: 33/44، 54 ـ 57.
[14] الزخرف: 23.
[15] الزخرف: 24.
[16] إبراهيم: 27.
[17] المؤمنون: 115.
[18] القصص: 68.
[19] فاطر: 27 ـ 28.
[20] النور: 45.
[21] الكهف: 50.
[22] الطور: 35 ـ 36.
[23] الزخرف: 9.
[24] الأعراف: 12.
[25] الإسراء: 61.
[26] ص: 71 ـ 72.
[27] الأعراف: 13.
[28] تفسير الطبري: 8 / 172 ـ 175.
[29] الأنعام: 53.
[30] المائدة: 27.
[31] المائدة: 27.
[32] الإسراء: 62.
[33] الكهف: 50.
[34] آل عمران: 33.
[35] آل عمران: 33.
[36] البقرة: 124.
[37] الأنفال: 53.
[38] هود: 71 ـ 73.
[39] الحج: 26.
[40] البقرة: 127.
[41] الأعراف: 156.
[42] الأعراف: 156 ـ 157.
[43] هود: 40.
[44] الصافات: 77.
[45] الشوري: 13.
[46] الشوري: 13.
[47] الشوري: 14.
[48] الزخرف: 31.
[49] آل عمران: 19.
[50] الشوري: 14.
[51] أنظر: صحيح مسلم: 3/1259 (1637)، مسند أحمد: 1/355 (3336).
[52] الشوري: 14.
[53] الشوري: 15.
[54] الشوري: 15.
[55] الشوري: 15.
[56] انظر: فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: 78، السنن الكبري للنسائي: 5/97 (8370).
[57] الشوري: 17 ـ 23.
[58] الأنعام: 21.
[59] الشوري: 22.
[60] الشوري: 22 ـ 23.
[61] الشوري: 23 ـ 24.
[62] البخاري: 5 / 137.
[63] صحيح مسلم: 5 / 76، سنن النسائي: 3 / 433، مسند أحمد: 1 / 325، فتح الباري: 1/186.
[64] أنظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/78 و79، المسترشد: 681.
[65] الشوري: 49 ـ 50.
[66] التحريم: 12.
[67] الصف: 6.
[68] المائدة: 48.
[69] مريم: 18 ـ 19.
[70] مريم: 22 ـ 23.
[71] أنظر: مجمع البيان: 6 / 417.
[72] الصف: 6.
[73] النور: 26.
[74] روضة الواعظين: 146، مناقب ابن شهر آشوب: 2 / 29، بحار الأنوار: 43 / 101، وانظر: نفس المصدر: 43 / 92 و 107 بألفاظ أخري.
[75] الأنعام: 38.
[76] فاطر: 24.
[77] النحل: 68.
[78] المائدة: 66.
[79] الجن: 16.
[80] النمل: 17.
[81] النمل: 20.
[82] النمل: 21 ـ 22.
[83] النمل: 22 ـ 23.
[84] النمل: 28.
[85] النمل: 18.
[86] المائدة: 55.
[87] القيامة: 16 ـ 19.
[88] المائدة: 102.
[89] تاريخ بغداد: 8 / 284، البداية والنهاية: 7 / 386، شواهد التنزيل: 1 / 204، التفسير الكبير للرازي: 12 / 401 وغيرها من المصادر التي ذكرت هذه العبارة.
[90] صحيح البخاري: 3/168 و4/207 و5/85، خصائص النسائي: 88 و122 و151 و152، المستدرك للحاكم: 3/120، السنن الكبري للبيهقي: 8/5 و6.
[91] هود: 16.
[92] القمر: 17.
[93] المائدة: 67.
[94] فتح القدير: 2 / 60، واعلم أنّ الاضافات في هذه الآية تحمل علي التأويل، لا علي التحريف، بالأخصّ إذا علمنا أن جبرئيل(عليه السلام) لمّا كان ينزل بالآيات القرآنية، كان في بعض الأحيان يقرئها بالتأويل، فكثير من الروايات أمثال هذه محمولة علي أنّها نزلت مع التأويل.
[95] النمل: 14.
[96] يوسف: 1 ـ 7.
[97] أنظر: شرح النهج لابن أبي الحديد: 1 / 151 و 2 / 51 و 17 / 152، شرح النهج للشيخ محمد عبده: 1 / 30.
[98] يوسف: 7.
[99] أنظر: تفسير زاد المسير لابن الجوزي: 4 / 140، جامع أحكام القرآن للقرطبي: 9/130، فتح القدير للشوكاني: 3 / 7، وغيرها. [
[100] محمد: 25 ـ 26.
[101] محمد: 26 ـ 28.
[102] الأنبياء: 26 ـ 28.
[103] معجم البلدان للحموي: 1 / 249، وانظر: سيرة النبي لابن هشام: 1 / 3.
[104] آل عمران: 14.
[105] الزخرف: 31.
[106] البداية والنهاية: 3 / 83، السيرة النبوية: 1 / 506، وانظر: سبل الهدي والرشاد: 2/352.
[107] الأعراف: 12.
[108] الأنفال: 30.
[109] أُنظر: البداية والنهاية: 7 / 270، التنبيه والأشراف: 200، المستدرك علي الصحيحين: 3 / 4، شواهد التنزيل: 1 / 123 ـ 131، مسند أحمد: 1 / 348، تفسير الطبري: 9 / 301 وغيرها.
[110] الأعراف: 144.
[111] الأعراف: 142.
[112] الأعراف: 142.
[113] طه: 87.
[114] السيرة النبوية لابن كثير: 3 / 570، تاريخ ابن خلدون: 3 / 3.
[115] يس: 7.
[116] يس: 10.
[117] غافر: 77.
[118] القصص: 21.
[119] كشف الغمة: 3 / 346، مناقب آل أبي طالب: 3 / 42، بحار الأنوار: 39 / 56.
[120] غافر: 26 ـ 27.
[121] غافر: 28.
[122] القصّة وردت مع اختلاف في الألفاظ، واختلاف في أسم الضارب، وزيادات ونقيصة، في كل من: تاريخ الطبري 2/104، البداية والنهاية 3/219، سيرة ابن هشام 2/337، وغيرها، فتأمّل.
[123] النساء: 145.
[124] النساء: 137.
[125] آل عمران: 90.
[126] أنظر: أُسد الغابة: 3/173 و4/5، المستدرك علي الصحيحين: 3/45، سنن أبي داود: 1/607، وغيرها من المصادر التي ذكرت هذه الحادثة بصيغ مختلفة وزيادات ونقيصة.
[127] الزخرف: 40 ـ 43.
[128] الزخرف: 41 ـ 42.
[129] كتاب الأربعين: 502، وأنظر: جواهر المطالب: 2 / 261، بحار الأنوار 46/118، الغدير: 10 / 174، درر الأخبار: 330، ينابيع المودّة: 3 / 36.
[130] الزخرف: 41.
[131] الزخرف: 42.
[132] القمر: 54 ـ 55.
[133] المستدرك علي الصحيحين: 3 / 598، مجمع الزوائد: 5 / 334، وانظر: المعجم الكبير: 1 / 332، كنز العمال: 13 / 107.
[134] أنظر: الدرّ المنثور: 1/23 و2/5، عون المعبود: 12/226.
[135] آل عمران: 7.
[136] آل عمران: 7.
[137] آل عمران: 172 ـ 173.
[138] الأنفال: 30.
[139] إبراهيم: 46.
[140] إبراهيم: 27.
[141] من الأمثال العربية المشهورة.
[142] المائدة: 15 ـ 16.
[143] إبراهيم: 1 ـ 2.
[144] الأحزاب: 56.
[145] خصائص الوحي المبين للحصني الدمشقي: 207، فضل آل البيت للمقريزي: 43، وانظر: ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: 1 / 37 و 2 / 434.
[146] النساء: 54 ـ 55.
[147] إشارة إلي مقولات عمر بن الخطاب الذي كان لا يجد جواباً عند مواجهته لمشاكل المسلمين الفقهية والعقائدية والاجتماعية... فكان يستنجد بالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لإنقاذه من هذه المطبات!! أنظر: فتح الباري: 13 / 286، تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: 152، كنز العمال للمتقي الهندي: 10 / 300، فيض القدير للمناوي: 4 / 470، جواهر المطالب لابن الدمشقي: 1/195، ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي: 2 / 172 وغيرها.
[148] النساء: 54.
[149] النساء: 55.
[150] فاطر: 31 ـ 32.
[151] النمل: 59.
[152] آل عمران: 61.
[153] الشوري: 23.
[154] مجمع الزوائد: 7 / 103 و 9 / 168، المعجم الكبير: 3 / 47 و 11 / 351، وانظر: شواهد التنزيل: 2 / 191 ـ 199، فضل آل البيت للمقريزي: 76، ينابيع المودة: 2/325، فتح القدير: 4 / 537.
[155] أنظر: فتح الباري: 11/136.
[156] الأحزاب: 33.
[157] الكهف: 37.
[158] صحيح البخاري: 6 / 66، صحيح مسلم: 8 / 19، السنن الكبري: 9 / 32، شرح صحيح مسلم للنووي: 16 / 138، صحيح ابن حبان: 13 / 331، وغيرها.
[159] الفتح: 29.
[160] الفتح: 29.
[161] أنظر: صحيح البخاري: 5 / 74 و 7 / 212، صحيح مسلم: 1 / 73 ـ 74، مجمع الزوائد: 6 / 116، مسند أبي يعلي 13 / 539.
[162] دلائل الإمامة: 113، كشف الغمة: 2 / 110، وانظر: من لا يحضره الفقيه: 3 / 568، الاحتجاج: 1 / 134، بحار الأنوار: 6 / 107، بلاغات النساء: 16.
[163] سبأ: 20.
[164] إشارة إلي مقولة عمر بن الخطاب، أنظر: تاريخ بغداد: 8 / 284، البداية والنهاية: 7 / 386، شواهد التنزيل: 1 / 204، تاريخ دمشق: 42 / 233.
[165] المعارج: 1 ـ 2، أنظر: شواهد التنزيل: 2 / 381 ـ 385، جامع أحكام القرآن: 18/278، نظم درر السمطين: 93، ينابيع المودة: 2 / 369 ـ 370.
[166] الأنعام: 65.
[167] الأنعام: 65.
[168] مسند أحمد: 3 / 309، وانظر: صحيح البخاري: 5 / 193، سنن الترمذي: 4/327، سنن النسائي: 4 / 412، المعجم الأوسط: 9 / 36، تفسير ابن كثير: 2/145، الدر المنثور: 3 / 17، تفسير الثعالبي: 2 / 477، فتح القدير: 2 / 127 وغيرها.
[169] الأنعام: 159.
[170] آل عمران: 81.
[171] الأعراف: 172.
[172] الحجر: 87.
[173] الفاتحة: 5.
[174] الفاتحة: 6.
[175] الفاتحة: 7.
[176] فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: 15، مسند أحمد: 3 / 26، المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 109، مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 163، سنن النسائي: 5 / 45 و 130، البداية والنهاية لابن كثير: 5 / 228، وغيرها من المصادر التي ذكرت حديث الثقلين بألفاظ وأسانيد متعدّدة.
[177] المائدة: 109.
[178] النساء: 41.
[179] المائدة: 109.
[180] النساء: 41.
[181] آل عمران: 81.
[182] آل عمران: 68.
[183] الأعراف: 157.
[184] الزمر: 30.
[185] الأنبياء: 34.
[186] العنكبوت: 57.
[187] هود: 17.
[188] الأنعام: 38.
[189] الزمر: 27 ـ 28.
[190] الزمر: 29 ـ 31.
[191] محمد: 16.
[192] أنظر: صحيح مسلم: 7 / 122، سنن الدارمي: 2 / 432، سنن البيهقي: 2 / 148 و7 / 30، مسند أحمد: 3 / 17، المستدرك للحاكم النيسابوري: 3 / 109، مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 163، سنن النسائي: 5 / 45 و 51 و 130، الخصائص للنسائي: 93، المعجم الكبير للطبراني: 3 / 66، وغيرها من المصادر.
[193] إشارة الي قول عمر بن الخطاب عندما اُخبر بوفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، أنظر: مسند أحمد: 3 / 196، صحيح البخاري: 4 / 194، سنن ابن ماجة: 1 / 520، السنن الكبري للبيهقي: 8 / 142، مجمع الزوائد: 9 / 38، فتح الباري: 8 / 111 وغيرها من المصادر.
[194] أنظر: كتاب الأربعين للشيرازي: 48، بحار الأنوار: 38 / 309، المناقب للخوارزمي: 146.
[195] الروم: 30.
[196] فضائل الصحابة لابن حنبل: 14، صحيح مسلم: 7 / 120، سنن الترمذي: 5/304، شرح مسلم للنووي: 15 / 174، مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 110، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 496، سنن النسائي: 5 / 45، الخصائص للنسائي: 78، المعجم الكبير للطبراني: 1 / 148، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/59، تفسير القرطبي: 1 / 266، البداية والنهاية لابن كثير: 7 / 376، ومصادر كثيرة أُخري ذكرت هذا الحديث بألفاظ وأسانيد مختلفة.
[197] فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: 14، شرح مسلم للنووي: 15 / 174، مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 111، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 496، السنن الكبري للنسائي: 5 / 121، المعجم الصغير للطبراني: 2 / 22، وغيرها كثير، وقد ورد بألفاظ وأسانيد عديدة.
[198] آل عمران: 59.
[199] آل عمران: 61.
[200] الأحزاب: 56.
[201] أنظر: مسند أحمد: 6 / 292، الدر المنثور: 5 / 198، ومصادر أُخري ذكرت هذه الحادثة بهيئات أُخري.
[202] الأحزاب: 33.
[203] النساء: 54 ـ 55.
[204] النساء: 54.
[205] النساء: 54.
[206] النساء: 55.
[207] العلق: 5.
[208] العلق: 6 ـ 7.
[209] النساء: 165.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.