لأكون مع الصادقين

اشارة

سرشناسه : سماوي، محمدتيجاني، 1936-

عنوان و نام پديدآور : لاكون مع الصادقين/ محمدالتيجاني السماوي.

مشخصات نشر : قم: موسسه انصاريان للطباعه و النشر ، 1374.

مشخصات ظاهري : 248ص.

شابك : 3000ريال ؛ 2500 ريال ( چاپ دوم) ؛ چاپ هشتم : 964438265X ؛ چاپ يازدهم : 978-964-438-265-9

يادداشت : عربي.

يادداشت : چاپ دوم: (زمستان 1375).

يادداشت : چاپ پنجم: 1379.

يادداشت : چاپ ششم: ( 1424ق. = 2003م. = 1382).

يادداشت : چاپ هفتم: ( 1424ق. = 2003م. = 1382).

يادداشت : چاپ هشتم: 1383.

يادداشت : چاپ نهم: 1385.

يادداشت : چاپ يازدهم : (1431ق. = 2010م. = 1389). (فيپا)

يادداشت : عنوان روي جلد: مع الصادقين.

يادداشت : كتابنامه: ص. 241 - 245؛ همچنين به صورت زيرنويس

يادداشت : افست از روي چاپ بيروت: موسسه الفجر، 1414ق. - 1990م.

عنوان روي جلد : مع الصادقين.

موضوع : شيعه -- احتجاجات

موضوع : شيعه -- دفاعيه ها و رديه ها

رده بندي كنگره : BP212/5 /س85ل2 1374

رده بندي ديويي : 297/417

شماره كتابشناسي ملي : م 76-11690

المقدمة الاولي

بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (التوبة: 119) الحمد لله رب العالمين، المتفضل علينا بالهداية والعناية والتمكين، والمنعم علي عبادة بكل خير وسعادة ليكونوا صالحين، من توكل عليه كفاه وحفظه من كيد الشياطين، ومن تنكب عن صراطه فهو من المخذولين. والصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين، ناصر المستضعفين والمظلومين، وحبيب المساكين الذين آمنوا بالله رغبة فيما أعده سبحانه لعباده الصادقين.. وعلي آله الطيبين الطاهرين، الذين أعلا الله مقامهم علي سائر المخلوقين، ليكونوا قدوة العافين، ومنار الهدي وسفينة النجاة التي من تخلف عنها كان من الهالكين.... ثم الرضا والرضوان علي أصحابه الميامين الذين بايعوه وناصروه ولم يكونوا من الناكثين، وثبتوا بعده علي العهد وما بدلوا وما انقلبوا

وكانوا من الشاكرين.. وعلي من تبعهم بإحسان وسار علي هديهم من الأولين والآخرين إلي قيام يوم الدين. [ صفحه 6] رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقه قولي. رب وافتح بصيرة كل من يقرأ كتابي علي الحقيقة التي تهدي بها عبادك المخلصين. أما بعد، فقد لقي كتابي " ثم اهتديت " قبولا حسنا لدي القراء الأعزاء الذين أبدوا بعض الملاحظات الهامة حول موضوعات متفرقة في الكتاب المذكور وطلبوا المزيد من التوضيح في المسائل التي اختلف في فهمها كثير من المسلمين سنة وشيعة، ومن أجل رفع اللبس والغموض عن ذلك لمن أراد التحقيق والوقوف علي جلية الأمر فقد ألفت هذا الكتاب بنفس الأسلوب الذي اتبعته هناك، ليسهل علي الباحث المنصف الوصول إلي الحقيقة من أقرب سلبها، كما وصلت إليها من خلال البحث والمقارنة، وقد أسميته - علي بركة الله - " مع الصادقين " اقتباسا من قوله تعالي: - (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) -. ومن من المسلمين يرفض أو يزهد في أن يكون مع أولئك الصادقين؟! هذا ما اقتنعت به شخصيا، وما أحاول توضيحه لغيري ما استطعت إلي ذلك سبيلا، دون فرض لرأيي بل ومع احترامي لرأي غيري، فالله وحده الهادي وهو الذي يتولي الصالحين.. وقد اعترض البعض علي عنوان الكتاب السابق " ثم اهتديت " لانطوائه علي غموض قد يبعث علي التأمل والتساؤل حول ما إذا كان الآخرون علي ضلالة، وما مدلول تلك الضلالة إن قصد هذا المعني؟ وعلي هذا الاعتراض أجيب موضحا: أولا: جاء في القرآن الكريم لفظ الضلالة بمعني النسيان، قال تعالي:- (قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسي)

- [1] وقال عز وجل: - (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخري) - [2] كما ورد القرآن الكريم [ صفحه 7] لفظ الضلالة تعبيرا عن حالة التحقيق والبحث والتفتيش، قال تعالي مخاطبا رسوله الكريم: - (ووجدك ضالا فهدي) - [3] أي وجدك تبحث عن الحقيقة فهداك إليها، المعروف من سيرته صلي الله عليه وآله وسلم أنه قبل نزول الوحي عليه كان يهجر قومه في مكة ليختلي في غار حراء الليالي العديدة باحثا عن الحقيقة. ومن هذا المعني أيضا قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " الحكمة ضالة المؤمن أين ما وجدها أخذها ". فعنوان كتابي الأول يتضمن هذا المعني.. ثانيا: وعلي فرض أن العنوان يتضمن معني الضلالة التي تقابل الهداية فيما نقصده علي المستوي الفكري من إصابة المنهج الإسلامي الصحيح الذي يضعنا علي الصراط المستقيم، كما عقب بعض القراء بذلك، فليكن كذلك، وهو الواقع الذي يتهيب مواجهته البعض بروح رياضية بناءة، ونفس موضوعي خلاق.. ينسجم في الفهم مع قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: " تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ". فالحديث واضح وصريح في الإشارة إلي ضلال من لم يتمسك بهما معا (الكتاب والعترة). وعلي كل حال فأنا مقتنع بأنني اهتديت بفضل الله سبحانه وتعالي إلي التمسك بكتاب الله وعترة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، فالحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق. فكتابي الأول والثاني يحملان عناوين من القرآن الكريم وهو أصدق الكلام وأحسنه، وكل ما جمعته في الكتابين - إن الحق لم يكن الحق فهو أقرب ما يكون إليه -

[ صفحه 8] لأنه مما اتفق عليه المسلمون سنة وشيعة وما ثبت عند الفريقين أنه صحيح. فكانت النتيجة ولادة هذين الكتابين بحمد الله " ثم اهتديت ولأكون مع الصادقين " والله أسأل أن يهدي أمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم أجمعهم حتي يكونوا خير أمة ويقودوا العالم بأسرة إلي النور والهداية تحت لواء الإمام المهدي المنتظر الذي وعدمت به جده صلي الله عليه وآله وسلم ليملأ الأرض عدلا وقسطا بعدما ملئت ظلما وجورا وليتم نور الله ولو كره الكافرون. [ صفحه 9]

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلي آله الطيبين الطاهرين. أما بعد فإن الدين يعتمد بنحو أساسي علي العقائد التي تكون منه مجموعة الأصول والمرتكزات التي يؤمن بها معتنقو هذا الدين أو ذاك. والتي لا بد أن يقوم إيمانهم بها علي الدليل القاطع والبرهان الجلي الذين ينطلق من المسلمات العقلية التي يؤمن بها جميع الناس، ليتسني له إقناعهم بما يدعوهم إليه، ورغم ذلك فإنه ثمة أفكار يصعب علي العالم تفسيرها.. مثلما يصعب علي العقل التصديق بها عند الوهلة الأولي، من ذلك مثلا أن تكون النار " بردا وسلاما " في حين أن العلم والعقل يتفقان علي أنها حرارة مهلكة، أو أن تقطع الطير إلي أجزاء متناثرة فوق الجبال ثم تدعي فتأتي تسعي، في حين أن العلم والعقل يستبعدان ذلك، أو أن يشفي الأعمي والأبرص والأكمه بمجرد مسح عيسي (ع)، بل وإحياء الموتي، في حين أن العلم والعقل لا يجدان تفسيرا لهذا.. وهي أمور تندرج في باب المعجزات التي أجرها الله تعالي علي أيدي أنبيائه (عليهم السلام)، وهي موجودة لدي المسلمين واليهود والنصاري.. [ صفحه 10]

وإنما أجري الله سبحانه وتعالي تلك المعجزات والخوارق علي أيدي أنبيائه ورسله عليهم أفضل الصلاة وأزكي السلام، ليفهم العباد بأن عقولهم قاصرة عن الإدراك والإحاطة بكل شئ، لأنه سبحانه لم يؤتهم من العلم إلا قليلا، ولعل في ذلك صلاحهم وكمالهم النسبي، فقد كفر الكثير بنعمة الله وأنكر الكثير وجوده سبحانه، واعنز الكثير منهم بالعلم والعقل حتي عبدوهما من دون الله، هذا مع قلة العلم وقصور العقل، فكيف لو أعطاهم علم كل شئ؟! ونظرا لأهمية العقيدة ومركزيتها في إيمان المسلم فإن كتابي هذا قد تناول جملة من العقائد الإسلامية التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والتي كانت مسرحا لاختلاف فرق المذاهب الإسلامية، فعقدت فصلا خاصا بمعتقدات أهل السنة والشيعة في القرآن الكريم والسنة النبوية، ثم تطرقت بعد ذلك لسائر المسائل التي اختلفوا فيها وشنع بعضهم علي البعض الآخر بدون مبرر، هادفا من ذلك بيان ما رأيته الحق، راغبا في مساعدة من يريد البحث عنه، آملا أن يساهم ذلك في قيام الوحدة الإسلامية علي أساس فكري متين، والله أسأل أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضي ويجمع كلمة المسلمين علي الصواب إنه عزيز قدير.. [ صفحه 11]

القرآن الكريم عند أهل السنة والجماعة وعند الشيعة الإمامية الاثني عشرية

هو كلام الله المنزل علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وهو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو المرجع الأعلي للمسلمين في أحكامهم وعباداتهم وعقائدهم، من شك فيه أو أهانه فقد برئ من ذمة الإسلام، فهم - المسلمون كافة - متفقون علي تقديسه واحترامه والتعبد بما ورد فيه.. ولكنهم اختلفوا في تفسيره وتأويله، ومرجع الشيعة في التفسير والتأويل يعود إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وشر وحات الأئمة من

أهل البيت (عليهم السلام)، ومرجع أهل السنة والجماعة يعود إلي أحاديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم أيضا ولكنهم يعتمدون علي الصحابة - دون تمييز - أو أحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المعروفة في نقل الأحاديث وشرحها وتفسيرها.. وبطبيعة الحال نشأ من ذلك اختلاف في العديد من المسائل الإسلامية وخصوصا الفقيهة منها، وإذا كان الاختلاف بين المذاهب الأربعة من مدرسة أهل السنة والجماعة ظاهرا، فلا غرابة في أن يكون بينهم وبين مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أظهر.. [ صفحه 12] وكما ذكرت في مستهل الكتاب فإنني سوف لن أتطرق إلا إلي بعض الأمثلة بغية الاختصار، وعلي من يريد البحث والاستزادة أن يغوص في أعماق البحر لاستخراج ما يمكنه من الحقائق الكامنة والجواهر المخفية! يتفق أهل السنة مع الشيعة في القول بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بين للمسلمين كل أحكام القرآن وفسر كل آياته، ولكنهم اختلفوا فيمن ينبغي الرجوع إليه بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بغية التعرف إلي ذلك البيان والتفسير، فذهب أهل السنة إلي الاعتماد علي الصحابة - دون تمييز - ومن بعدهم الأئمة الأربعة وعلماء الأمة الإسلامية، أما الشيعة فقالوا: أن الأئمة من أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم هم المؤهلون لذلك وصفوة من الصحابة المنتجبين، فأهل البيت (عليهم السلام) هم أهل الذكر الذين أمرنا الله تعالي بالرجوع إليهم في قوله عز وجل: - (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) - [4] وهم الذين اصطفاهم الله تعالي وأورثهم علم الكتاب في قوله عز وجل: - (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) - [5] ، ولكل ذلك جعلهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم

عدل القرآن والثقل الثاني الذي أمر المسلمين بالتمسك به فقال صلي الله عليه وآله وسلم: " تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لنتضلوا بعدي أبدا " [6] . وفي لفظ مسلم كتاب الله أهل بيتي - أذكركم الله في أهل بيتي قالها ثلاث مرات [7] . [ صفحه 13] ومن المعلوم أن أهل البيت (عليهم السلام) كانوا أعلم الناس وأورعهم وأتقاهم وأفضلهم، وقد قال فيهم الفرزدق: إن عد أهل التقي كانوا أئمتهم++ أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم وأسوق هنا مثالا واحدا للتذكير بطبيعة الرابطة بين أهل البيت (عليهم السلام) والقرآن الكريم، فقد قال تعالي: - (فلا أقسم بمواقع النجوم. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم. إنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون. لا يمسه إلا المطهرون) - [8] فهذه الآيات تشير بدون لبس إلي أن أهل البيت (عليهم السلام) - وعلي رأسهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم - هم الذين يدركون معاني القرآني الغامضة، لأنا لو أمعنا النظر في القسم الذي أقسم به رب العزة والجلالة لوجدنا ما يلي: إذا كان الله تعالي يقسم بالعصر وبالقلم وبالتين وبالزيتون فعظمة القسم بمواقع النجوم بينة لما تنطوي عليه من أسرار وتأثير علي الكون بأمره سبحانه، ونلاحظ تعزيز القسم في صيغة النفي والإثبات، فبعد القسم يؤكد سبحانه: أنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون، والمكنون ما كان باطنا ومستترا، ثم يقول عز وجل: - (لا يمسه إلا المطهرون) -، و (لا) هنا للنفي، ويمسه تعني يدركه ويفهمه وليس المقصود بها لمس اليد، فهناك فرق بين اللمس والمس. قال تعالي: - (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا

هم مبصرون) - [9] ، وقال أيضا عز من قائل: - (والذي يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) - [10] ، فالمس هنا يتعلق بالعقل والإدراك لا بلمس اليد، وكيف يقسم الله سبحانه وتعالي بأن لا يلمس القرآن (باليد) إلا من تطهر، والتاريخ يحدثنا بأن بعض الجبارين قد عبثوا به ومزقوه، وقد شاهدنا الإسرائيليين يدوسونه بأقدامهم - نستجير بالله - ويحرفونه عندما [ صفحه 14] احتلوا بيروت في اجتياحهم سئ الصيت، وقد نقلت أجهزة التلفزة عن ذلك صورا بشعة ومذهلة. فالمدلول لقوله تعالي هو أنه لا يدرك معاني القرآن المكنون إلا نخبة من عباده الذين اصطفاهم وطهرهم تطهيرا، والمطهرون في هذه الآية اسم مفعول أي وقع تطهيرهم، وقد قال عز وجل: - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) - [11] . فقوله تعالي: - (لا يمسه إلا المطهرون) - معناه: لا يدرك حقيقة القرآن إلا الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته (عليهم السلام)، ولذلك قال فيهم الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: " النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس " [12] . وما يذهب إليه الشيعة في ذلك يستند إلي القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلي الله عليه وآله وسلم المروية حتي في صحاح أهل السنة كما وجدنا. [ صفحه 15]

السنة النبوية الشريفة عند أهل السنة والجماعة وعند الشيعة الإمامية

هي كل ما قاله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أو فعله، أو أقره. وهي المرجع الثاني عندهم بعد القرآن الكريم في أحكامها وعباداتهم وعقائدهم. يضيف أهل السنة والجماعة إلي السنة النبوية سنة الخلفاء الراشدين الأربعة

أبي بكر وعمر وعلي وذلك لحديث يروونه: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " [13] . وليس أدل علي ذلك من اتباعهم سنة عمر بن الخطاب في صلاة التراوي حالتي نهي عنها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [14] والبعض منهم يضيفون إلي سنة الرسول سنة الصحابة بأجمعهم (أي صحابي كان) وذلك لحديث - يروونه: [ صفحه 16] " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " وحديث " أصحابي أمنة لأمتي " [15] أما حديث أصحابي كالنجوم فهو لا ينسجم مع العقل والمنطق والحقيقة العلمية إذ أن العرب لم يكونوا ليهتدوا في مسيرهم الصحراوي لمجرد اقتدائهم بأي نجم من النجوم وإنما كانوا يهتدون باتباع نجوم معينة محددة معروفة لها أسماؤها، كما أن هذا الحديث لا نؤيده الأحداث اللاحقة والممارسات التي بدت من بعض الصحابة بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فإن منهم من ارتد [16] ، كما أنهم اختلفوا في كثير من الأمور التي سببت الطعن (بعضهم في بعض) [17] ، ولعن بعضهم بعضا [18] ، وقتل بعضهم بعضا [19] ، وأقيم الحد علي بعض (الصحابة،) لشرب الخمر والزنا والسرقة وغير ذلك، فكيف يقبل عاقل بهذا الحديث الذي يأمر بالاقتداء بمثل هؤلاء؟ وكيف يكون من يقتدي بمعاوية الخارج علي إمام زمانه أمير المؤمنين في حربة للإمام علي (عليه السلام) مهتديا؟ وهو يعلم أن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم سماه إمام الفئة الباغية [20] وكيف يكون من المهتدين من يقتدي بعمر وبن العاص والمغيرة بن شعبة وبسر بن أرطأة وقد قتلوا الأبرياء لتدعيم ملك الأمويين. أنت أيها القارئ اللبيب إذا قرأت حديث أصحابي كالنجوم يتبين لك

أنه موضوع لأنه موجه إلي الصحابة فكيف يقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم يا أصحابي اقتدوا بأصحابي؟!.. أما حديث يا أصحابي عليكم بالأئمة من أهل بيتي فهم يهدونكم من بعدي فهو أقرب إلي الحق لأنه له شواهد عديدة تؤيده في السنة النبوية... [ صفحه 17] والشيعة الإمامية يقولون بأن المقصود بحديث " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " هم الأئمة الاثنا عشر من أئمة أهل البيت سلام الله عليهم وهم الذين أوجب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، علي أمته أن تتمسك بهم وتتبعهم كما تتمسك وتتبع كتاب الله [21] . ولما أليت علي نفسي فإني لا أستدل إلا بما يحتج به الشيعة من صحاح أهل السنة والجماعة فإني قد اقتصرت علي ذلك، وإلا فإن في كتب الشيعة أضعاف ذلك وبعبارات أكثر صراحة ووضوحا [22] . علي أن الشيعة لا يقولون بأن أئمة أهل البيت سلام الله عليهم لهم حق التشريح بمعني أن سنتهم هي اجتهاد منهم، بل يقولون بأن كل أحكامهم هي من كتاب الله وسنة رسوله التي علمها رسول الله عليا وعلمها علي أولاده فهو علم يتوارثونه ولهم في ذلك أدلة كثيرة نقلها علماء أهل السنة والجماعة في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم. ويبقي السؤال دائما يعود بإلحاح: لماذا لم يعمل أهل السنة والجماعة بمضمون هذه الأحاديث الصحيحة عندهم..؟؟؟ ثم بعد ذلك يختلف الشيعة والسنة في تفسير الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما سبق لنا توضيحه في فقرة اختلافهم في تفسير القرآن، بالنسبة لمعني الخلفاء الراشدين الذي ورد في حديثه صلي الله عليه وآله وسلم وصححه كل من الفريقين، ولكن يفسره السنة علي أنهم الخلفاء

الأربعة [ صفحه 18] الذين اعتلوا منصة الخلافة بعد رسول الله، ويفسره الشيعة علي أنهم الخلفاء الاثنا عشر وهم أئمة أهل البيت سلام الله عليهم. ذلك إنا نري هذا الاختلاف شائعا في كل ما يتعلق بالأشخاص الذين زكاهم القرآن والرسول أو أمر باتباعهم، مثال ذلك قوله صلي الله عليه وآله وسلم:" علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل " أو " العلماء ورثة الأنبياء " [23] . فأهل السنة والجماعة يعممون هذا الحديث علي كل علماء الأمة بينما يخصصه الشيعة بالأئمة الاثني عشر ومن أجل ذلك يفضلونهم علي الأنبياء ما عدا أولي العزم من الرسل. والحقيقة أن العقل يميل إلي هذا التخصيص. أولا: لأن القرآن أورث علم الكتاب للذين اصطفي من عباده وهو تخصيص، كما أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خص أهل بيته بأمور لم يشركهم فيها بأحد، حتي سماهم سفينة النجاة وسماهم أئمة الهدي ومصابيح الدجي والثقل الثاني الذي يعصم من الضلالة. فظهر من هذا، أن قول أهل السنة والجماعة يعارض هذا التخصيص الذي أثبته القرآن والسنة النبوية، وإن العقل لا يرتاح إليه لما فيه من الغموض وعدم المعرفة بالعلماء الحقيقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم، وعدم تمييزهم عن العلماء الذين فرضهم علي الأمة الحكام الأمويون والعباسيون، وما أبعد الفرق بين أولئك العلماء وبين الأئمة من أهل البيت الذين لا يذكر التاريخ لهم أستاذا تتلمذوا علي يديه سوي أن يتلقي الابن عن أبيه ومع ذلك فقد روي علماء أهل السنة في علومهم روايات عجيبة وخصوصا الإمام الباقر والإمام الصادق والإمام الرضا الذي أفحم بعلومه أربعين قاضيا جمعهم إليه المأمون وهو [ صفحه 19] لا يزال صبيا [24] . ومما يؤكد

تميز أهل البيت عن غيرهم ما يظهر لنا من اختلاف أصحاب المذاهب الأربعة عند أهل السنة والجماعة في كثير من المسائل الفقهية بينما لا يختلف الأئمة الاثنا عشر من أئمة أهل البيت في مسألة واحدة. ثانيا: لو أخذنا بقول أهل السنة والجماعة في تعميم هذه الآيات والأحاديث علي كل علماء الأمة لوجب أن تتعدد الآراء والمذاهب علي مر الأجيال ولأصبح هناك آلاف المذاهب ولعل علماء أهل السنة والجماعة تفطنوا لما لهذا الرأي من سخافة وتفريق لوحدة العقيدة فأسرعوا إلي غلق باب الاجتهاد منذ زمن بعيد. أما قول الشيعة فهو يدعو إلي الوحدة والالتفاف حول أئمة معروفين خصهم الله تعالي والرسول بكل المعارف التي يحتاجها المسلمون في كل العصور، فلا يمكن لأي مدع بعد ذلك أن يتقول علي الله وعلي الرسول ويبتدع مذهبا يلزم الناس باتباعه، فاختلافهم في هذه المسألة كاختلافهم في المهدي الذي يؤمن به الفريقان، ولكن المهدي عند الشيعة معلوم معروف أبوه وجده، وعند أهل السنة والجماعة لا يزال مجهولا وسيولد في آخر الزمان ولذلك تري كثيرا منهم ادعي المهدية، وقد قال لي شخصيا الشيخ إسماعيل صاحب الطريقة المدنية بأنه هو المهدي المنتظر، وقالها أمام صديق لي كان من أتباعه ثم استبصر فيما بعد. أما عند الشيعة فلا يمكن لأي مولود عندهم أن يدعي ذلك وحتي لو سمي أحدهم ابنه بالمهدي فهو تيمنا وتبركا بصاحب الزمان كما يسمي أحدنا ابنه محمدا أو عليا، ولأن ظهور المهدي عندهم هو في حد ذاته معجزة لأنه ولد منذ اثني عشر قرنا وتغيب. ثم بعد كل هذا قد يختلف أهل السنة والجماعة في معني الحديث الثابت [ صفحه 20] الصحيح عند الفريقين حتي لو كان الحديث لا يتعلق

بالأشخاص ومن ذلك مثلا حديث: " اختلاف أمتي رحمة ". الذي يفسره أهل السنة والجماعة: بأن اختلاف الأحكام الفقيهة في المسألة الواحدة هو رحمة للمسلم الذي بإمكانه أن يختار أي حكم يناسبه ويتماشي مع الحل الذي يرتضيه ففي ذلك رحمة به، لأنه إذا كان الإمام مالك مثلا متشددا في مسألة ما، فإن بإمكان المسلم أن يقلد أبا حنيفة المتساهل فيها. أما عند الشيعة فهم يفسرون الحديث علي غير هذا المعني ويروون أن الإمام الصادق (عليه السلام) لما سئل عن هذا الحديث " اختلاف أمتي رحمة " قال صدق رسول الله! فقال السائل إذا كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم نقمة! فقال الصادق: ليس حيث ذهبت ويذهبون (يعني في هذا التفسير) إنما قصد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: اختلاف بعضهم إلي بعض يعني يسافر بعضهم إلي بعض وينفر إليه ويقصده لأخذ العلم عنه واستدل علي ذلك يقول الله تعالي: - (فلولا نفر من كل فرقة منهم آية طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم يحذرون) - [25] ثم أضاف قائلا فإذا اختلفوا في الدين صاروا حزب إبليس. وهو كما نري تفسير مقنع ولأنه يدعو لوحدة العقيدة لا للاختلاف فيها [26] . ثم إن الحديث بمفهوم أهل السنة والجماعة غير معقول لأنه يدعو للاختلاف والفرقة تعدد الآراء والمذاهب وكل هذا يعارض القرآن الكريم الذي يدعونا للوحدة والالتفاف حول شئ واحد: يقول سبحانه: - (وإن هذه أمتكم أمة [ صفحه 21] واحدة وأنا ربكم فاتقون) - [27] ويقول: - (واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا) - [28] ويقول: - (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) - [29] . فأي نزاع وأية تفرقة هي أكبر من تقسيم الأمة الواحدة

إلي مذاهب وأحزاب وفرق يخالف بعضهم بعضا ويسخر بعضهم من بعض بل ويكفر بعضهم بعضا حتي يستحل بعضهم دم البعض الآخر، وهو ما وقع بالفعل علي مر العصور، والتاريخ أكبر شاهد علي ذلك، هذا وقد حذرنا سبحانه من النتائج الوخيمة التي تصير إليها أمتنا إذا تفرقت فقال سبحانه: - (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات) - [30] - (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ) - [31] ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا،كل حزب بما لديهم فرحون) - [32] . وتجدر الإشارة هنا بأن معني شيعا لا علاقة لها بالشيعة كما توهم بعض البسطاء عندما جاءني ينصحني علي زعمه قائلا: يا أخي بالله عليك دعنا من الشيعة فإن الله يمقتهم وحذر رسوله أن يكون منهم! قلت وكيف ذلك؟ قال: - (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ) - وحاولت إقناعه بأن شيعا معناها أحزابا ولا علاقة لها بالشيعة ولكنه ومع الأسف الشديد لم يقتنع لأن سيده إمام المجسد هكذا علمه وحذره من الشيعة فلم يعد يتقبل غير ذلك. أعود إلي الموضوع فأقول بأني كنت في حيرة قبل استبصاري عندما أقرأ حديث " اختلاف أمتي رحمة " وأقارنه مع حديث: [ صفحه 22] " ستفترق أمتي إلي اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة " [33] . وأتساءل كيف يكون اختلاف الأمة رحمة وفي نفس الوقت يوجب دخول النار؟؟ وبعد قراءتي لتفسير الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) لهذا الحديث زالت الحيرة وانحل اللغز وعرفت بعد ذلك بأن الأئمة من أهل البيت، هم أئمة الهدي ومصابيح الدجي وهم بحق ترجمان القرآن والسنة وحقيق

بالرسول صلي الله عليه وآله وسلم أن يقول في حقهم: " مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، لا تتقدموهم فتهلكوا، ولا تتخلفوا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم " [34] . وكان حقيق بالإمام علي (عليه السلام) أن يقول: " أنظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدي، ولن يعيدوكم في ردي، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا،ولا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا " [35] . وقال (عليه السلام) في خطبة أخري يعرف بها قدر أهل البيت (عليهم السلام): " هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وظاهرهم [ صفحه 23] عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه هم دعائم الإسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق إلي نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية. فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل " [36] . نعم، صدق الإمام علي فيما بينه فهو باب مدينة العلم، فهناك فرق كبير بين من عقل الدين عقل وعاية ورعاية وبين من عقله عقل سماع ورواية. والذين يسمعون ويروون كثيرون، فكم كان عدد الصحابة الذين يجالسون رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويسمعون منه الأحاديث وينقلونها بغير فهم أو علم فيتغير معني الحديث وقد يؤدي إلي العكس الذي قصده الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وقد يؤدي بعض الأحيان لصعوبة إدراك الصحابي للمعني الحقيقي [37] . أما الذين يعون العلم ويرعونه فقليلون جدا وقد يفني الإنسان عمره في طلب العلم ولا يحصل منه إلا علي اليسير، وقد يتخصص في باب

من أبواب العلم أو فن من فنونه ولا يمكنه أن يحيط بكل أبوابه، ولكن المعروف أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كانوا ملمين وعارفين بشتي العلوم، وهذا ما أثبته الإمام علي كما يشهد المؤرخون وكذلك محمد الباقر وجعفر الصادق الذي تتلمذ علي يديه آلاف الشيوخ في شتي العلوم والمعارف من فلسفة وطب وكيميا وعلوم طبيعية وغيرها. [ صفحه 24]

العقائد عند الشيعة وعند أهل السنة والجماعة

مما زاد قناعتي بأن الشيعة الإمامية هي الفرقة الناجية هو أن عقائدهم سمحة وسهلة القبول لكل ذي عقل حكيم وذوق سليم، ونجد عندهم لكل مسألة من المسائل ولكل عقيدة من العقائد تفسيرا شافيا كافيا لأحد أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، قد لا نجد لها حلا عند أهل السنة وعند الفرق الأخري. وسأتتبع في هذا الفصل بعض العقائد وأهمها عند الفريقين، وأحاول إبراز ما اقتنعت به، وأترك للقارئ حرية الفكر والاختيار والنقد والتجريح. وألفت النظر إلي أن العقيدة الأساسية هي بالنسبة للمسلمين كافة عقيدة واحدة، وهي الإيمان بالله تعالي وملائكته وكتبه ورسله، لا يفرقون بين أحد من رسله كما يتفقون في أن النار حق والجنة حق وأن الله يبعث من في القبور ويحشرهم جميعا ليوم الحساب. كما أنهم يتفقون علي القرآن ويؤمنون بأن نبيهم محمد رسول الله، وقبلتهم واحدة ولكن وقع الاختلاف في مفهوم هذه العقائد فأصبحت مسرحا للمدارس الكلامية يرون فيها شتي الآراء والمذاهب. [ صفحه 25]

العقيدة في الله تعالي عند الطرفين

وأهم ما يذكر في هذا الموضوع هي رؤية الله تعالي فقد أثبتها أهل السنة والجماعة لكل المؤمنين في الآخرة وعندما نقرأ صحاح السنة والجماعة كالبخاري ومسلم مثلا نجد روايات تؤكد الرؤية حقيقة لا مجازا [38] بل نجد فيها تشبيها لله سبحانه، وأنه يضحك [39] ويأتي ويمشي وينزل إلي سماء الدنيا [40] بل ويكشف عن ساقة التي بها علامة يعرف بها [41] ويضع رجله في جهنم فتمتلئ وتقول قط قط إلي غير ذلك من الأشياء والأوصاف التي يتنزه الله جل وعلا عن أمثالها [42] . وأذكر أنني مررت بمدينة لآمو في كينيا بشرق إفريقيا ووجدت إماما من الوهابية يحاضر المصلين داخل المسجد ويقول لهم بأن لله يدين ورجلين

وعينين ووجها، ولما استنكرت عليه قام يستدل بآيات من القرآن قائلا - (وقالت [ صفحه 26] اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان...) - [43] وقال أيضا - (أصنع الفلك بأعيننا...) [44] - وقال: - (كل من عليها فان ويبقي وجه ربك...) -. قلت: يا أخي، كل هذه الآيات التي أدليت بها وغيرها إنما هي مجاز وليست حقيقة! أجاب قائلا: كل القرآن حقيقة وليس فيه مجازا، قلت: إذن ما هو تفسيركم للآية التي تقول: - (ومن كان في هذه أعمي فهو في الآخرة أعمي...) - [45] ، فهل تحملون هذه الآية علي المعني الحقيقي؟ فكل أعمي في الدنيا يكون أعمي في الآخرة؟ أجاب الشيخ نحن نتكلم عن يد الله وعين الله ووجه الله، ولا دخل لنا في العميان! قلت: دعنا من العميان فما هو تفسيركم في الآية التي ذكرتها: - (كل من عليها فان ويبقي وجه ربك...) - التفت إلي الحاضرين وقال لهم: هل فيكم من لم يفهم هذه الآية؟ إنها واضحة جلية كقوله سبحانه - (كل شئ هالك إلاوجهه) - [46] قلت: أنت زدت الطين بلة! يا أخي نحن إنما اختلفنا في القرآن، ادعيت أنت بأن القرآن ليس فيه مجاز وكله حقيقة! وادعيت أنا بأن في القرآن مجازا وبالخصوص الآيات التي فيها تجسيم لله تعالي أو تشبيه، وإذا أصررت علي رأيك فيلزمك أن تقول، بأن كل شئ هالك لولا وجهه معناه يداه ورجلاه وكل جسمه يفني ويهلك ولا يبقي منه إلا الوجه، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا! ثم التفت إلي الحاضرين قائلا: فهل ترضون بهذا التفسير، سكت [ صفحه 27] الجميع ولم يتكلم شيخهم المحاضر بكلمة فودعتهم وخرجت

داعيا لهم بالهداية والتوفيق. نعم هذه عقيدتهم في الله في صحاحهم وفي محاضراتهم ولأقول إن بعض علمائنا ينكر ذلك ولكن الأغلبية يؤمنون برؤية الله سبحانه في الآخرة وأنهم سوف يرونه كما يرون القمر ليلة البدر ليس دونها سحاب ويستدلون بالآية (وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة) [47] . وبمجرد اطلاعك علي عقيدة الشيعة الإمامية في هذا الصدد يرتاح ضميرك ويسلم عقلك بقبول تأويل الآيات القرآنية التي فيها تجسيم أو تشبيه لله تعالي وحملها علي المجاز والاستعارة، لا علي الحقيقة ولا علي ظواهر الألفاظ، كما توهمه البعض. يقول الإمام علي (عليه السلام) في هذا الصدد: " لا يدركه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدودولا نعت موجود ولا وقت محدود ولا أجل ممدود... " [48] . ويقول الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في الرد علي المشبهة: " بل كل ما ميزناه بأوهامنا في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردودإلينا... " [49] . ويكفينا في هذا رد الله سبحانه في محكم كتابه قوله: (ليس كمثله شئ) وقوله (لا تدركه الأبصار) وقوله لرسوله وكليمه موسي (عليه السلام) لما طلب [ صفحه 28] رؤيته (قال رب أرني أنظر إليك: قال: لن تراني) ولن " الزمخشرية " تقيد التأبيد كما يقول النحاة. كل ذلك دليل قاطع علي صحة أقوال الشيعة الذين يعتمدون فيها علي أقوال الأئمة من أهل البيت، معدن العلم وموضع الرسالة، ومن أورثهم الله علم الكتاب. ومن أراد التوسع في هذا البحث فما عليه إلا الرجوع إلي الكتب المفصلة لهذا الموضوع ككتاب " كلمة حول الرؤية " للسيد شرف الدين صاحب المراجعات [50] . [ صفحه 29]

العقيدة في النبوة عند الطرفين

والخلاف الواقع بين الشيعة وأهل

السنة في هذا الباب هو موضوع العصمة، فالشيعة يقولون بعصمة الأنبياء (عليهم السلام) قبل البعثة وبعدها، ويقول أهل السنة والجماعة بأنهم معصومون في ما يبلغونه من كلام الله فقط، أما فيما عدا ذلك فهم كسائر البشر يخطئون ويصيبون. وقد رووا في ذلك عدة روايات في صحاحهم تثبت بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أخطأ في عدة مناسبات وكان بعض الصحابة يصوبه ويصلحه، كما في قضية أسري بدر التي أخطأ فيها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأصاب عمر، ولولاه لهلك رسول الله... [51] ومنها أنه لما قدم المدينة وجد أهلها يؤبرون النخل فقال لهم: " لا تؤبروه وسيكون تمرا " ولكنه جاء شيصا، فجاؤوه وشكوا له ذلك فقال لهم " أنتم أعلم بأمور دنياكم مني " وفي رواية أخري قال لهم: " إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوه، وإذا أمرتكم بشئ من رأيي فإنما أنا بشر " [52] . [ صفحه 30] ومرة يروون أنه سحر وبقي أياما مسحورا لا يدري ما يفعل، حتي أنه كان يخيل إليه أنه كان يأتي النساء ولا يأتيهن [53] أو يخيل إليه أنه صنع شيئا ولميصنعه [54] . ومرة يروون أنه سها في صلاته فلم يدر كم صلي من ركعة [55] وأنه نامواستغرق في نومه حتي سمعوا غطيطه ثم استيقظ فصلي بدون وضوء [56] ويروون أنه يغضب ويسب ويلعن من لا يستحق ذلك فيقول: " اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته، أو سبيته فاجعله له زكاةوحمة... " [57] . ويروون أنه كان مضطجعا في بيت عائشة كاشفا عن فخذيه ودخل عليه أبو بكر وتحدث معه وهو علي تلك الحال، ثم دخل عمر

وتحدث معه وهو علي تلك الخال، ولما استأذن عثمان جلس وسوي ثيابه، ولما سألته عائشة عن ذلك، قال لها:" ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة " [58] . ويروون أنه كان يصبح جنبا في رمضان [59] فتفوته صلاة الفجر، إلي غيرذلك من الأحاديث التي لا يقبلها عقل، ولا دين، ولا مروءة [60] . أما الشيعة - استنادا إلي أئمة أهل البيت - فهم ينزهون الأنبياء عن هذه [ صفحه 31] الترهات وخصوصا نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكي السلام، ويقولون بأنه منزه عن الذنوب والخطايا والمعاصي صغيرة كانت أم كبيرة، وهو معصوم عن الخطأ والنسيان والسهو والسحر وكل ما يخالط العقل، بل هو منزه حتي عما يتنافي مع المروءة والأخلاق الحميدة كالأكل في الطريق، أو الضحك بصوت عال أو المزاح بغير حق، أو أي فعل يستهجن عمله عند العرف العام، فضلا عن أن يضع خده علي خد زوجته أمام الناس ويتفرج معها علي رقص السودان [61] أو أن يخرج زوجته في غزوة فيتسابق معها فيغلبها مرة وتغلبه أخري فيقول لها " هذه بتيك " [62] . والشيعة يعتبرون الروايات التي رويت في هذا المعني والتي تتناقض مع عصمة الأنبياء كلها موضوعة من قبل الأمويين وأنصارهم أولا. للحط من قيمة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وثانيا. لكي يلتمسوا عذرا لأعمالهم القبيحة وأخطائهم الشنيعة التي سجلها لهم التاريخ، فإذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يخطئ ويميل مع الهوي، كما رووا ذلك في قصة " عشقه زينب بنت جحش لما رآها تمشط شعرها وهي زوجة لزيد بن حارثة فقال: سبحان الله مقلب القلوب " [63] أو قصة ميله إلي عائشة وعدم عدله

مع بقية زوجاته حتي بعثن له مرة مع فاطمة ومرة مع زينب بنت جحش ينشدنه العدل [64] فإذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي هذه الحالة فلا لوم بعد ذلك علي معاوية بن أبي سفيان ومروان بن الحكم وعمرو بن العاص ويزيد بن معاوية وكل الخلفاء الذين فعلوا الموبقات واستباحوا الحرمات وقتلوا الأبرياء. والأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم أئمة الشيعة يقولون [ صفحه 32] بعصمته صلي الله عليه وآله وسلم، ويؤولون الآيات القرآنية التي يفهم ظاهرها أن الله سبحانه عاتب نبيه مثل " عبس وتولي " أو التي في بعضها إقرار الذنوب عليه كقوله (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) أو قوله (لقد تاب الله علي النبي) و (عفا الله عنك لم أذنت لهم). وكل هذه الآيات لا تخدش في عصمته صلي الله عليه وآله وسلم فبعضها لم يكن هو المقصود بها، وبعضها الآخر يحمل علي المجاز لا علي ظواهر الألفاظ، وهو كثير الاستعمال في لغة العرب وقد استعمله سبحانه في القرآن الكريم. ومن أراد التفصيل والوقوف علي حقيقة الأشياء فما عليه إلا الرجوع إلي كتب التفسير عند الشيعة أمثال الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي وتفسير الكاشف لمحمد جواد مغنية والاحتجاج للطبرسي وغيرهم لأنني رمت الاختصار وإبراز عقيدة الفريقين بصفة عامة وليس هذا الكتاب إلا لغرض بيان قناعاتي الشخصية التي اقتنعت بها، واختياري الشخصي لمذهب يقول بعصمة الأنبياء والأوصياء من بعدهم ويريح فكري، ويقطع عني طريق الشك والحيرة. والقول بأنه معصوم فقط في تبليغ كلام الله قول هراء لا حجة فيه لأنه ليس هناك دليل علي أن هذا القسم من كلامه هو من عند الله،

وذاك القسم هو من عند نفسه، فيكون في الأول معصوما ويكون في الثاني غير معصوم ويحتمل فيه الخطأ. أعوذ بالله من هذا القول المتناقض الذي يبعث علي الشك والطعن في قداسة الأديان. وهذا يذكرني بمحاورة دارت بيني وبين جماعة من الأصدقاء بعد استبصاري، وكنت أحاول إقناعهم بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم معصوم، وكانوا يحاولون إقناعي بأنه معصوم فقط في تبليغ القرآن، وكان من بينهم أستاذ من توزد " منطقة الجريد " [65] وهم مشهورون بالذكاء والعلم والنكتة [ صفحه 33] الطريقة، ففكر قليلا ثم قال: " يا جماعة أنا عندي رأي في هذه المسألة " فقلنا جميعا: - تفضل هات ما عندك! قال: - إن ما يقوله أخونا التيجاني علي لسان الشيعة هو الحق الصحيح، ويجب علينا الاعتقاد بعصمة الرسول المطلقة، وإلا داخلنا الشك في القرآن نفسه! - قالوا: ولم ذلك؟ أجاب علي الفور: هل وجدتم أي سورة من سور القرآن تحتها إمضاء الله تعالي؟؟ ويقصد بالإمضاء: الختم الذي يختم به العقود والرسائل للدلالة علي هوية صاحبها وأنها صادرة عنه. وضحك الجميع لهذه النكتة الطريفة، ولكنها ذات معني عميق، فأي إنسان غير متعصب يتمعن بعقله ستصدمه هذه الحقيقة ألا وهي: الاعتقاد بأن القرآن كلام الله هو الاعتقاد بعصمة مبلغة المطلقة بدون تجزأة لأنه لا يمكن لأحد أن يدعي بأنه سمع الله يتكلم ولا يدعي أحد بأنه رأي جبرائيل عندما ينزل بالوحي. والخلاصة أن قول الشيعة في العصمة قول سديد يطمئن إليه القلب ويقطع وساوس النفس والشيطان، ويقطع الطريق علي كل المشاغبين وخصوصا أعداء الدين من اليهود والنصاري والملحدين الذين يبحثون عن ثغرات ينفذون منها لنسف معتقداتنا وديننا، والطعن في نبينا، فتراهم كثيرا

ما يحتجون علينا بما أورده صحيح البخاري ومسلم من أفعال وأقوال تنسب إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو منها برئ [66] . [ صفحه 34] وكيف لنا أن نقنعهم بأن كتاب البخاري وكتاب مسلم فيهما بعض الأكاذيب، وهذا الكلام خطير طبعا، لأن أهل السنة والجماعة لا يقبلونه فالبخاري عندهم أصح كتاب بعد كتاب الله! [ صفحه 35]

العقيدة في الإمامة عند الطرفين

اشاره

والقصد من الإمامة في هذا البحث هي الإمامة الكبري للمسلمين، أعني الخلافة والحكم، والقيادة والولاية. وبما أن كتابي اعتمد في أبحاثه علي المقارنة بين مذهب أهل السنة والجماعة، والشيعة الإمامية لا بد لي من إبراز مبدأ الإمامة عند الفريقين، حتي يتبين للقارئ والباحث ما هي الأسس والمعالم التي يرتكز عليها كل من الفريقين، ويعرف بالتالي القناعات التي ألزمتني بقبول التحول وترك ما كنت عليه. فالإمامة عند الشيعة، هي أصل من أصول الدين لما لها من الأهمية الكبري والخطورة العظمي وهي قيادة خير أمة أخرجت للناس وما تقوم عليه القيادة من فضائل عديدة وخصائص فريدة أذكر منها، العلم والشجاعة والحلم والنزاهة والعفة والزهد والتقوي والصلاح الخ. فالشيعة يعتقدون بأن الإمامة منصب إلهي يعهد به الله سبحانه إلي من يصطفيه من عباده الصالحين ليقوم بذلك الدور الخطير ألا وهو قيادة العالم بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم. وعلي هذا كان الإمام علي بن أبي طالب إماما للمسلمين باختيار الله له، [ صفحه 36] وقد أوحي لرسوله لكي ينصبه علما للناس، وقد نصبه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ودل الأمة عليه بعد حجة الوداع في غدير خم، فبايعوه " هذا ما بقوله الشيعة ". أما أهل السنة والجماعة فيقولون أيضا بوجوب الإمامة لقيادة الإمامة،

ولكنهم يجعلون للأمة حق اختيار إمامها وقائدها، فكان أبو بكر بن أبي قحافة إماما للمسلمين باختيار المسلمين أنفسهم له بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الذي سكت عن أمر الخلافة ولم يبين للأمة شيئا منها وترك الأمر شوري بين الناس. أين الحقيقة إذا تأمل الباحث في أقوال الطرفين وتمعن في حجج الفريقين بدون تعصب فسوف يقترب من الحقيقة بدون شك. وها أنا سوف أستعرض وإياكم الحقيقة التي وصلت إليها علي النحو التالي:

الامامة في القرآن الكريم

قال الله تعالي: { وإذا ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما، قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } [67] . في هذه الآية الكريمة يبين الله لنا بأن الإمامة منصب إلهي يعطيه الله لمن يشاء من عباده لقوله: جاعلك للناس إماما كما توضح الآية بأن الإمامة هي عهد من الله لا ينال إلا العباد الصالحين الذين اصطفاهم الله لهذا الغرض لانتفائه عن الظالمين الذين لا يستحقون عهده سبحانه وتعالي. وقال تعالي: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) [68] . [ صفحه 37] وقال سبحانه وتعالي: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوابآياتنا يوقنون) [69] . وقال أيضا: (ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) [70] . وقد يتوهم البعض بأن مدلول الآيات المذكورة يفهم منها بأن الإمامة المقصودة هنا هي النبوة والرسالة وهو خطأ في المفهوم العام للإمامة، لأن كل رسول هو نبي وإمام وليس كل إمام رسول أو نبي! ولهذا الغرض أوضح الله سبحانه وتعالي في كتابه العزيز بأن عباده الصالحين يمكن لهم أن يسألوه هذا المنصب

الشريف ليتشرفوا بهداية الناس وينالوا بذلك الأجر العظيم قال تعالي: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا، والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) [71] . كما أن القرآن الكريم استعمل لفظ الإمامة للتدليل علي القادة والحكام الظالمين الذين يضلون أتباعهم وشعوبهم ويقودونهم إلي الفساد والعذاب في الدنيا والآخرة، فقد جاء في ذكر الحكيم، حكاية عن فرعون وجنوده، قوله تعالي: (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين، وجعلناهم أئمة يدعون إلي النار ويوم القيامة لا ينصرون، وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين) [72] . وعلي هذا الأساس فقول الشيعة هو الأقرب لما أقره القرآن الكريم لأن الله [ صفحه 38] سبحانه وتعالي أوضح بما لا يدع مجالا للشك بأن الإمامة منصب إلهي يجعله الله حيث يشاء وهو عهد الله الذي نفاه عن الظالمين وبما أن غير علي من صحابة النبي قد أشركوا فترة ما قبل الإسلام فإنهم بذلك يصبحون من الظالمين، فلا يستحقون عهد الله لهم بالإمامة والخلافة، ويبقي قول الشيعة بأن الإمام علي بن أبي طالب استحق وحده دون سائر الصحابة عهد الله بالإمامة لأنه لم يعبد إلا الله وكرم الله وجهه دون الصحابة لأنه لم يسجد لصنم، وإذا قيل بأن الإسلام يجب ما قبله، قلنا نعم ولكن يبقي الفرق كبيرا بين من كان مشركا وتاب، ومن كان نقيا خالصا لم يعرف إلا الله.

الامامة في السنة النبوية

قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الإمامة أقوالا متعددة رواها كل من الشيعة والسنة في كتبهم ومسانيدهم فمرة تحدث عنها بلفظ

الإمامة ومرة بلفظ الخلافة وأخري بلفظ الولاية أو الإمارة. جاء في الإمامة قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ". قالوا يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف فقال " لا ما أقاموا فيكم الصلاة " [73] . وقال صلي الله عليه وآله وسلم: " يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس " [74] . [ صفحه 39] وجاء في الخلافة قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " لا يزال الدين قائما حتي تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش " [75] . وعن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: " لا يزال الإسلام عزيزا إلي اثني عشر خليفة ثم قال كلمة لم أفهمها فقلت لأبي، ما قال؟ فقال كلهم من قريش " [76] . وجاء في الإمارة قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع قوله: أفلا نقاتلهم قال: لا ما صلوا " [77] . وقال صلي الله عليه وآله وسلم في لفظ الإمارة أيضا:" يكون اثنا عشر أميرا كلهم من قريش " [78] . وجاء عنه صلي الله عليه وآله وسلم محذرا أصحابه: " ستحرصون علي الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة " [79] . وجاء الحديث أيضا بلفظ الولاية. قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم

إلا حرم الله عليه [ صفحه 40] الجنة " [80] . كما حدث صلي الله عليه وآله وسلم بلفظ الولاية:" لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا كلهم من قريش " [81] . وبعد هذا العرض الوجيز عن مفهوم الإمامة أو الخلافة التي استعرضتها من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الصحيحة بدون تفسير ولا تأويل، بل اعتمدت علي صحاح أهل السنة دون غيرهم من الشيعة لأن هذا الأمر (أعني الخلافة في اثني عشر كلهم من قريش) عندهم من المسلمات التي لا غبار عليها، ولا يختلف فيها اثنان منهم، مع العلم بأن بعض علماء أهل السنة والجماعة يصرحون بأن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قال:" يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من بني هاشم " [82] . وعن الشعبي عن مسروق قال بينما نحن عند ابن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتي: هل عهد إليكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة قال: إنك لحديث السن وإن هذا شئ ما سألني عنه أحد قبلك، نعم عهد إلينا نبينا صلي الله عليه وآله وسلم أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل... " [83] . وبعد هذا فلنستعرض أقوال الفريقين علي صحة ادعاء كل منهما من خلال النصوص الصريحة، كما نناقش تأويل كل منهما في هذه المسألة الخطيرة التي فرقت المسلمين من يوم وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي يومنا هذا، وقد نشأ من ذلك اختلاف المسلمين إلي مذاهب وفرق ومدارس كلامية وفكرية، بعد أن كانوا أمة واحدة. فكل خلاف وقع بين المسلمين سواء في الفقه أو في التفسير [ صفحه 41] للقرآن أو في فهم السنة

النبوية الشريفة منشؤه وسببه الخلافة وما أدراك ما لخلافة التي أصبحت بعد السقيفة أمرا واقعا يستنكر بسببها أحاديث صحيحة وآيات صريحة وتختلق من أجل تثبيتها وتصحيحها أحاديث أخري لا أساس لها في السنة النبوية الصحيحة، وهذا يذكرني بإسرائيل والأمر الواقع ذلك أن الرؤساء والملوك العرب اجتمعوا واتفقوا أن لا اعتراف بإسرائيل ولا تفاوض معها ولا سلم فما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وبعد سنوات قليلة اجتمعوا من جديد ليقطعوا هذه المرة علاقاتهم مع مصر التي اعترفت بالكيان الصهيوني وبعد سنوات قليلة أعادوا علاقاتهم مع مصر ولم يطعنوا بعلاقتها بإسرائيل مع أن إسرائيل لم تعترف بحق الشعب الفلسطيني ولم تغير شيئا من موقفها بل زادت في تعنتها وضاعفت قمعها للشعب الفلسطيني، فالتاريخ يعيد نفسه وقد اعتاد العرب التسليم بالأمر الواقع. [ صفحه 42]

رأي أهل السنة والجماعة في الخلافة ومناقشته

اشاره

رأيهم معروف وهو أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم توفي ولم يعين أحدا للخلافة، ولكن أهل الحل والعقد من الصحابة اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، وولوا أمرهم أبا بكر الصديق لمكانته من رسول الله، ولأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم استخلفه في الصلاة أيام مرضه، فقالوا رضيه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأمر ديننا فكيف لا نرضاه لأمر دنيانا؟ ويتلخص قولهم في: 1 - الرسول لم ينص علي أحد. 2 - لا تكون الخلافة إلا بالشوري. 3 - استخلاف أبي بكر وقع من طرف كبار الصحابة. نعم هذا رأيي عندما كنت مالكيا أدافع عنه بكل ما أوتيت من قوة وأستدل عليه بآيات الشوري. وأحاول جهدي التبجح بأن الإسلام هو دين الديمقراطية في الحكم وأنه السابق لهذا المبدأ الإنساني الذي تفخر به الدول المتحضرة الراقية. وأقول:

إذا كان الغرب ما عرف النظام الجمهوري إلا في القرن التاسع عشر فإن الإسلام عرفه وسبق إليه من القرن السادس. [ صفحه 43] ولكن وبعد لقائي بعلماء الشيعة وقراءة كتبهم والاطلاع علي أدلتهم المقنعة التي هي موجودة في كتبنا غيرت رأيي الأول لما أسفرت الحجة عن وجهها لأنه لا يليق بجلال الله سبحانه أن يترك أمة بدون إمام وهو القائل: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) كما لا يليق برحمة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يترك أمنه؟ بدون راع، وبالخصوص إذا عرفنا أنه كان يخشي علي أمته الفرقة [84] والانقلاب علي الأعقاب [85] والتنافس علي الدنيا [86] حتي يضرب بعضهم رقاب بعض [87] ، ويتبعوا سنن اليهود والنصاري [88] . وإذا كانت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر تبعث إلي عمر بن الخطاب حين طعن فتقول له: " استخلف علي أمة محمد ولا تدعهم بعدك هملا فإني أخشي عليهم الفتنة " [89] . وإذا كان عبد الله بن عمر يدخل علي أبيه حين طعن فيقول له: " إن الناس زعموا أنك غير مستخلف، و إنه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمجاءك وتركها رأيت أن قد ضيع فرعاية الناس أشد " [90] . وإذا كان أبو بكر نفسه وهو الذي استخلفه المسلمون بالشوري يحطم هذا المبدأ ويسارع إلي استخلاف عمر من بعده ليقطع بذلك دابر الخلاف والفرقة والفتنة، وهو الأمر الذي تنبأ به علي (عليه السلام) حينما شدد عليه عمر لمبايعة أبي بكر فقال له: [ صفحه 44] " أحلب حلبا لك شطره واشدد له اليوم يردده عليك غدا " [91] . أقول إذا كان أبو بكر لا يؤمن بالشوري،

فكيف نصدق بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ترك الأمر بدون استخلاف وهل أنه لم يكن يعلم ما عمله أبو بكر وعائشة و عبد الله بن عمر، وما يعلمه كل الناس بالبداهة، من اختلاف الآراء وتشتت الأهواء عندما يوكل إليهم أمر الاختيار وبالخصوص إذا كان الأمر يتعلق بالرئاسة واعتلاء منصة الخلافة، كما وقع ذلك بالفعل حتي في اختيار أبي بكر يوم السقيفة، إذ أننا رأينا خلاف سيد الأنصار سعد بن عبادة وابنه قيس بن سعد، وعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام [92] والعباس بن عبد المطلب وسائر بني هاشم وبعض الصحابة الذين كانوا يرون الخلافة حقا لعلي(عليه السلام) وتخلفوا في داره عن البيعة حتي هددوا بالحرق [93] . في مقابل ذلك نري الشيعة الإمامية يثبتون عكس مقالة أهل السنة ويؤكدون بأن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم عين عليا للخلافة ونص عليه في عدة مناسبات وأشهرها في غدير خم. وإذا كان الإنصاف يقتضي منك أن تستمع إلي خصمك لي دلي برأيه وحجته في قضية وقع الخلاف فيها معك، فكيف إذا احتج خصمك بما تشهد أنت نفسك بوقوعه " [94] . وليس دليل الشيعة دليلا واهيا أو ضعيفا حتي يمكن التغاضي عنه وتناسيه بسهولة وإنما الأمر يتعلق بآيات من الذكر الحكيم أنزلت في هذا الشأن وأولاها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من العناية والأهمية ما سارت به الركبان [ صفحه 45] وتناقله الخاص والعام حتي ملأت كتب التاريخ والأحاديث وسجله الرواة جيلا بعد جيل.

ولاية علي في القرآن الكريم

قال الله تعالي: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم

الغالبون " [95] . أخرج الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره الكبير [96] بالإسناد إلي أبي ذر الغفاري قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بهاتين وإلا صمتا، ورأيته بهاتين وإلا عميتا، يقول: " علي قائد البررة وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله ". أما إني صليت مع رسول الله ذات يوم، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئا، وكان علي راكعا فأومأ بخنصره إليه وكان يتختم بها، فأقبل السائل حتي أخذ الخاتم من خنصره، فتضرع النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي الله عز وجل يدعوه فقال: اللهم إن أخي موسي سألك " قال رب إشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصيرا " فأوحيت إليه " قد أوتيت سؤلك يا موسي " " اللهم وأني عبدك ونبيك، فاشرح لي صدري ويسر لي أمري، واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري " قال أبو ذر، فوالله ما استتم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الكلمة حتي هبط عليه الأمين جبرائيل بهذه الآية: (إنما وليكم الله [ صفحه 46] ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) [97] . ولا خلاف عند الشيعة في أنها نزلت في علي بن أبي طالب رواية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهي من الأخبار المتسالم عليها عندهم فقد رويت في العديد من كتب الشيعة المعتبرة عندهم مثل: 1 - بحار الأنوار

للمجلسي. 2 - إثبات الهداة للحر العاملي. 3 - تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي. 4 - تفسير الكاشف لمحمد جواد مغنية. 5 - الغدير للعلامة الأميني - وغير هؤلاء كثير -. كما روي نزولها في علي بن أبي طالب من علماء أهل السنة والجماعة جمع غفير أذكر منهم فقط علماء التفسير. 1 - تفسير الكشاف للزمخشري ج 1 ص 649. 2 - تفسير الطبري ج 6 ص 288. 3 - زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي ج 2 ص 383. 4 - تفسير القرطبي ج 6 س 219. 5 - تفسير الفخر الرازي ج 12 ص 26. 6 - تفسير ابن كثير ج 2 ص 71. 7 - تفسير النسفي ج 1 ص 289. 8 - شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 ص 161. 9 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ج 2 ص 293. 10 - أسباب النزول للإمام الواحدي ص 148. [ صفحه 47] 11 - أحكام القرآن للجصاص ج 4 ص 102. 12 - التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي ج 1 ص 181. وما لم أذكره من كتب السنة أكثر مما ذكرت.

آية البلاغ تتعلق أيضا بولاية علي

قال تعالي: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) [98] . يقول بعض المفسرين من أهل السنة والجماعة بأن هذه الآية نزلت في بداية الدعوة عندما كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقيم حرسا يحرسونه خوفا من القتل والاغتيال فلما نزلت (والله يعصمك من الناس) قال " إذهبوا فإن الله قد عصمني ". فقد أخرج ابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن شقيق قال:

" إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يتعقبه ناس من أصحابه فلما نزلت (والله يعصمك من الناس) فخرج فقال:" يا أيها الناس إلحقوا بملاحقكم فإن الله قد عصمني من الناس " [99] . وأخرج ابن حبان وابن مردويه عن أبي هريرة قال: كنا إذا صحبنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في سفر تركنا له أعظم دوحة وأظلها فينزل تحتها فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها، فجاء رجل فأخذه فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الله يمنعني منك. ضع عنك السيف فوضعه، فنزلت (والله يعصمك من الناس) [100] . [ صفحه 48] كما أخرج الترمذي والحاكم وأبو نعيم عن عائشة قالت: كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يحرس حتي نزلت (والله يعصمك من الناس) فأخرج رأسه من القبة فقال: أيها الناس، انصرفوا فقد عصمني الله. وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الدلائل وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال: كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يحرس وكان يرسل معه عمه أبو طالب كل يوم رجلا من بني هاشم يحرسونه، فقال: يا عم إن الله قد عصمني لا حاجة لي إلي من تبعث. ونحن إذا تأملنا في هذه الأحاديث وهذه التأويلات وجدناها لا تستقيم ومفهوم الآية الكريمة ولا حتي مع سياقها فكل هذه الروايات تفيد بأنها نزلت في بداية الدعوة حتي أن البعض يصرح بأنها في حياة أبي طالب يعني قبل الهجرة بسنوات كثيرة، وبالخصوص رواية أبي هريرة التي يقول فيها " كنا إذا صحبنا رسول الله في سفر تركنا له أعظم دوحة... الخ " فهذه الرواية ظاهرة الوضع لأن

أبا هريرة لم يعرف الإسلام ولا رسول الله إلا في السنة السابعة للهجرة النبوية كما يشهد هو نفسه بذلك [101] فكيف يستقيم هذا، وكل المفسرين سنة وشيعة أجمعوا علي أن سورة المائدة مدنية وهي آخر ما نزل من القرآن؟؟؟ فقد خرج أحمد وأبو عبيد في فضائله والنحاس في ناسخه والنسائي وابن المنذر والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن جبير بن نفير قال: حججت فدخلت علي عائشة، فقالت: لي يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت نعم، فقالت: أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم منحرام فحرموه [102] . [ صفحه 49] كما أخرج أحمد والترمذي وحسنه الحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو قال: آخر سورة نزلت سورة المائدة [103] . وأخرج أبو عبيد عن محمد بن كعب القرطني قال: نزلت سورة المائدة علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع، فيما بين مكة والمدينة وهوعلي ناقته، فانصدعت كتفها فنزل عنها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [104] . وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال: نزلت سورة المائدة علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في المسير في حجة الوداع وهو راكب راحلته،فبركت به راحلته من ثقلها [105] . وأخرج أبو عبيد عن ضمرة بن حبيب وعطية بن قيس قالا: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم المائدة من آخر القرآن تنزيلا، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها [106] . فكيف يقبل العاقل المنصف بعد كل هذا، ادعاء من قال بنزولها في أول البعثة النبوية؟ وذلك لصرفها عن معناها الحقيقي، أضف إلي ذلك أن الشيعة لا يختلفون في أن

سورة المائدة هي آخر القرآن نزولا وأن هذه الآية بالذات (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك...) والتي تسمي آية البلاغ نزلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة عقيب حجة الوداع في غدير خم قبل تنصيب الإمام علي علما للناس ليكون خليفته من بعده وذلك يوم الخميس، وقد نزل بها جبرائيل (عليه السلام) بعد مضي خمس [ صفحه 50] ساعات من النهار فقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول لك: يا أيها الرسول (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس). علي أن قوله سبحانه وتعالي (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) يدل دلالة واضحة بأن الرسالة انتهت أو هي علي وشك النهاية، وإن بقي فقط أمر مهم لا يكتمل الدين إلا به. كما تشعر الآية الكريمة بأن الرسول كان يخشي تكذيب الناس له إذا ما دعاهم لهذا الأمر الخطير، ولكن الله سبحانه لم يمهله للتأجيل فالأجل قد قرب، وهذه الفرصة هي أحسن الفرص وموقفها هو أعظم المواقف إذ اجتمع معه صلي الله عليه وآله وسلم أكثر من مائة ألف رافقوه في حجة الوداع وما زالت قلوبهم عامرة بشعائر الله مستحضرة نعي الرسول نفسه إليهم. وقوله لهم: لعلي لا ألقاكم بعد عامكم هذا ويوشك أن يأتي رسول ربي وادعي فأجيب، وهم سيفترقون بعد هذا الموقف الرهيب للعودة إلي ديارهم ولعلهم لا تتاح لهم فرصة اللقاء مرة أخري بهذا العدد الكبير، وغدير خم هو مفترق الطرقات فلا يمكن لمحمد صلي الله عليه وآله وسلم أن يفوت هذه الفرصة بأي حال من الأحوال. كيف

وقد جاءه الوحي بما يشبه التهديد علي أن كل الرسالة منوطة بهذا البلاغ والله سبحانه قد ضمن له العصمة من الناس فلا داعي للخوف من تكذيبهم فكم كذبت رسل من قبله ولكن لم يثنهم ذلك عن تبليغ ما أمروا به فما علي الرسول إلا البلاغ، ولو علم الله مسبقا بأن أكثرهم للحق كارهون [107] ولو علم بأن منهم مكذبين [108] ما كان سبحانه ليتركهم بدون إقامة الحجة عليهم لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا [ صفحه 51] حكيما [109] . علي أن لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة في من سبقه من إخوانه الرسل الذين كذبتهم أممهم قال تعالي: (ولن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين، وكذب موسي فأمليت للكافرين، ثم أخذتهم فكيف كان نكير) [110] . ونحن إذا تركنا التعصب المقيت، وحب الانتصار للمذهب لوجدنا أن هذا الشرح هو المناسب لعقولنا ويتماشي مع سياق الآية والأحداث التي سبقتها وأعقبتها. وقد أخرج كثير من علمائنا نزولها في غدير خم في شأن تنصيب الإمام علي وصححوا تلك الروايات ووافقوا بذلك إخوانهم من علماء الشيعة، وأذكر علي سبيل المثال من علماء السنة: 1 - الحافظ أبو نعيم في كتابه نزول القرآن. 2 - الإمام الواحدي في كتابه أسباب النزول ص 150. 3 - الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره الكبير. 4 - الحاكم الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ج 1 ص 187. 5 - جلال الدين السيوطي في كتابه الدر المنثور في التفسير بالمأثور ج 3 ص 117. 6 - الفخر الرازي في تفسيره الكبير ج 12 ص 50.

7 - محمد رشيد رضا في تفسير المنار ج 2 ص 86 ج 6 ص 463. 8 - تاريخ دمشق لأبي عساكر الشافعي ج 2 ص 86. 9 - فتح القدير للشوكاني ج 2 ص 60. [ صفحه 52] 10 - مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ج 1 ص 44. 11 - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 25. 12 - ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 120. 13 - الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 163. 14 - ابن جرير الطبري في كتاب الولاية. 15 - ابن سعيد السجستاني في كتاب الولاية. 16 - عمدة القارئ في شرح البخاري لبدر الدين الحنفي ج 8 ص 584. 17 - تفسير القرآن لعبد الوهاب البخاري. 18 - روح المعاني للآلوسي ج 2 ص 384. 19 - فرائد السمطين للحمويني ج 1 ص 185. 20 - فتح البيان في مقاصد القرآن للعلامة السيد صديق حسن خان ج 3 ص 63. فهذا نزر يسير ممن يحضرني وهناك أضعاف هؤلاء من علماء أهل السنة ذكرهم العلامة الأميني في كتاب الغدير. فماذا يا تري فعل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عندما أمره ربه بإبلاغ ما أنزل إليه؟؟ يقول الشيعة، بأنه جمع الناس علي صعيد واحد في ذلك المكان وهو غدير خم، وخطبهم خطبة بليغة طويلة وأشهدهم علي أنفسهم فشهدوا بأنه صلي الله عليه وآله وسلم أولي بهم من أنفسهم وعند ذلك رفع يد علي بن أبي طالب وقال: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه،وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار " [111] . [ صفحه 53] ثم

ألبسه عمامته وعقد له موكبا وأمر أصحابه بتهنئته بإمرة المؤمنين ففعلوا وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر يقولان بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولي كل مؤمن ومؤمنة [112] . وبعدما فرغوا أنزل الله عليه (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). هذا ما يقوله الشيعة وهو عندهم من المسلمات ولا يختلف فيه عندهم اثنان، فهل لهذه الحادثة ذكر عند أهل السنة والجماعة؟ وحتي لا ننحاز إليهم ويعجبنا قولهم: فقد حذرنا الله سبحانه بقوله: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام..) [113] . فالواجب أن نحتاط ونبحث هذا الموضوع بكل حذر وننظر في أدلة الفريقين بكل نزاهة مبتغين في ذلك رضاه سبحانه. والجواب نعم، إن كثيرا من علماء أهل السنة يذكرون هذه الحادثة بكل أدوارها وها هي بعض الشواهد من كتبهم. 1 - أخرج الإمام أحمد بن حنبل من حديث زيد بن أرقم قال: نزلنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بواد يقال له وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير، قال فخطبنا، وظلل لرسول الله بثوب علي شجرة سمرة من الشمس فقال: " ألستم تعلمون، أو ألستم تشهدون أني أولي بكل مؤمن من نفسه؟ [ صفحه 54] قالوا: بلي قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعادمن عاده... " [114] . 2 - أخرج الإمام النسائي في كتاب الخصائص عن زيد بن أرقم قال: لما رجع النبي صلي الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن، ثم قال: " كأني دعيت فأجبت وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من

الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن، ثم إنه أخذ بيد علي فقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال أبو الطفيل فقلت لزيد: سمعته من رسول الله فقال: وإنه ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه " [115] . 3 - أخرج الحاكم النيسابوري عن زيد بن أرقم من طريقين صحيحين علي شرط الشيخين قال: لما رجع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن فقال: " كأني دعيت فأجبت وإني تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالي وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، ثم قال: إن الله عز وجل مولاي وأنا مولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعادمن عاده... " [116] . 4 - كما أخرج هذا الحديث مسلم في صحيحه يسنده إلي زيد بن أرقم [ صفحه 55] ولكنه اختصره فقال: قام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعي خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثني عليه ووعظ وذكر ثم قال: " أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدي والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث علي كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي

أذكركم الله في أهل بيتي... " [117] . تعليق - بالرغم من أن الإمام مسلم اختصر الحادثة ولم يروها بكاملها إلا أنها بحمد الله كافية وشافية ولعل الاختصار كان من زيد بن أرقم نفسه لما اضطرته الظروف السياسية إلي كتمان حديث الغدير وهذا نفهمه من سياق الحديث إذ يقول الراوي: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلي زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: يا بن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعي خما... فيبدو من سياق الحديث أن حصينا سأل زيد بن أرقم عن حادثة الغدير وأخرجه أمام الحاضرين بهذا السؤال وكان بدون شك يعلم بأن الجواب الصريح علي ذلك يسبب له مشاكل مع الحكومة التي كانت تحمل الناس علي لعن علي بن أبي طالب، ولهذا نجده يعتذر للسائل بأنه كبرت سنه وقدم عهده ونسي بعض [ صفحه 56] الذي كان يعي ثم يضيف طالبا من الحاضرين بأن يقبلوا ما يحدثهم به ولا يكلفوه ما يريد السكوت عنه. ومع خوفه، ومع اختصاره للحادثة واقتضابها فقد أوضح زيد بن أرقم (جزاه الله خيرا) كثيرا من الحقائق وألمح لحديث الغدير بدون ذكره، وذلك قوله قام فينا رسول

الله صلي الله عليه وآله وسلم خطيبا بماء يدعي خما بين مكة والمدينة، ثم بعد ذلك ذكر فضل علي وأنه شريك القرآن في حديث الثقلين كتاب الله وأهل بيتي بدون أن يذكر اسم علي وترك للحاضرين أن يستنتجوا ذلك بذكائهم لأن كل المسلمين يعرفون أن عليا هو سيد أهل بيت النبوة. ولذلك نري حتي الإمام مسلم نفسه فهم من الحديث ما فهمناه وعرف ما عرفناه فتراه يخرج هذا الحديث في باب فضائل علي بن أبي طالب رغم أن الحديث ليس فيه ذكر لاسم علي بن أبي طالب [118] . 5 - أخرج الطبراني في المعجم الكبير بسند صحيح عن زيد بن أرقم وعن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: خطب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بغدير خم تحت شجرات فقال: " أيها الناس يوشك أن أدعي فأجيب وإني مسؤول وإنكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وجاهدت ونصحت، فجزاه الله خيرا. فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته حق وأنا ناره حق، وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلي نشهد بذلك. فقال اللهم إشهد، ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني عليا - اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ثم قال: يا أيها الناس إني فرطكم، وإنكم واردون علي الحوض، حوض أعرض ما بين بصري إلي [ صفحه 57] صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون علي عن

الثقلين، كيف تخلفوني فيهما الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل سبب طرفه بيد الله تعالي وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فإنه نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتي يردا علي الحوض " [119] . 6 - كما أخرج الإمام أحمد من طريق البراء بن عازب من طريقين، قال: كنا مع رسول الله، فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، تحت شجرتين فصلي الظهر وأخذ بيد علي، فقال: " ألستم تعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي قال: ألستم تعلمون أني أولي بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلي قال: فأخذ بيد علي، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال فلقيه عمر بعد ذلك، فقال له: هنيئا يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولي كل مؤمن ومؤمنة " [120] . وباختصار فقد روي حديث الغدير من أعلام أهل السنة زيادة عمن ذكرنا، الترمذي وابن ماجة، وابن عساكر وأبي نعيم، وابن الأثير، والخوارزمي، والسيوطي، وابن حجر والهيثمي، وابن الصباغ المالكي، والقندوزي الحنفي، وابن المغازلي وابن كثير، والحمويني، والحسكاني، والغزالي، والبخاري في تاريخه. علي أن العلامة الأميني صاحب كتاب الغدير ذكر من علماء أهل السنة [ صفحه 58] والجماعة الذين رووا حديث الغدير وأخرجوه في كتبهم علي اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم من القرن الأول للهجرة وحتي القرن الرابع عشر فكان عددهم يزيد عن ثلاثمائة وستين عالما، ولمن أراد التحقيق فعليه بمراجعة كتاب الغدير [121] . أفيمكن بعد كل هذا. أن يقول قائل بأن حديث الغدير هو من مختلقات الشيعة. والعجيب الغريب أن أغلب المسلمين عندما تذكر له حديث

الغدير، لا يعرفه أو قل لم يسمع به والأعجب من هذا كيف يدعي علماء أهل السنة بعد هذا الحديث المجمع علي صحته، بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم يستخلف وترك الأمر شوري بين المسلمين. فهل هناك للخلافة حديث أبلغ من هذا وأصرح يا عباد الله؟؟ وإني لأذكر مناقشتي مع أحد علماء الزيتونة في بلادنا عندما ذكرت له حديث الغدير محتجا به علي خلافة الإمام علي فاعترف بصحته، بل وزاد في الحبل وصلة فأطلعني علي تفسيره للقرآن الذي ألفه بنفسه، والذي يذكر فيه حديث الغدير ويصححه ويقول بعد ذلك: " وتزعم الشيعة بأن هذا الحديث هو نص علي خلافة سيدنا علي كرم الله وجهه، وهو باطل عند أهل السنة والجماعة لأنه يتنافي مع خلافة سيدنا أبي بكر الصديق وسيدنا عمر الفاروق وسيدنا عثمان ذي النورين، فلا بد من تأويل لفظ المولي الوارد في الحديث علي معني المحب والناصر، كما ورد ذلك في الذكر الحكيم، وهذا ما فهمه الخلفاء الراشدون والصحابة الكرام رضي الله تعالي عليهم أجمعين، وهذا ما أخذه عنهم التابعون وعلماء المسلمين، فلا عبرة لتأويل الرافضة لهذا الحديث لأنهم لا يعترفون بخلافة الخلفاء ويطعنون في صحابة الرسول وهذا وحده كاف لرد أكاذيبهم وإبطال مزاعمهم " انتهي كلامه في [ صفحه 59] الكتاب. سألته: هل الحادثة وقعت بالفعل في غدير خم؟ أجاب: لو لم تكن وقعت ما كان ليرويها العلماء والمحدثون! قلت: فهل يليق برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يجمع أصحابه في حر الشمس المحرقة ويخطب لهم خطبة طويلة ليقول لهم بأن علي محبكم وناصركم؟ فهل ترضون بهذا التأويل؟ أجاب: إن بعض الصحابة اشتكي عليا وكان فيهم من يحقد عليه

ويبغضه، فأراد الرسول أن يزيد حقدهم فقال لهم بأن عليا محبكم وناصركم، لكي يحبوه ولا يبغضوه. قلت: هذا لا يتطلب إيقافهم جميعا والصلاة بهم وبدأ الخطبة بقوله: ألست أولي بكم من أنفسكم لتوضيح معني المولي، وإذا كان الأمر كما تقول فكان بإمكانه أن يقول لمن اشتكي منهم عليا " إنه محبكم وناصركم " وينتهي الأمر بدون أن يحبس في الشمس تلك الحشود الهائلة وهي أكثر من مائة ألف فيهم الشيوخ والنساء، فالعاقل لا يقنع بذلك أبدا! فقال: وهل العاقل يصدق بأن مائة ألف صحابي لم يفهموا ما فهمت أنت والشيعة؟؟ قلت: أولا لم يكن يسكن المدينة المنورة إلا قليل منهم. وثانيا: إنهم فهموا بالضبط ما فهمته أنا والشيعة لذلك روي العلماء بأن أبا بكر وعمر كانا من المهنئين لعلي بقوله: " بخ بخ لك يا بن أبي طالب أمسيت وأصبحت مولي كل مؤمن ". قال: فلماذا لم يبايعوه إذا بعد وفاة النبي؟ أتراهم عصوا وخالفوا أمر النبي؟ أستغفر الله من هذا القول. قلت: إذا كان العلماء من أهل السنة يشهدون في كتبهم بأن بعضهم - [ صفحه 60] أعني من الصحابة - كانوا يخالفون أوامر النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حياته وبحضرته [122] ، فلا غرابة في ترك أوامره بعد وفاته، وإذا كان أغلبهم يطعن في تأميره أسامة بن زيد لصغر سنه رغم أنها سرية محدودة ولمدة قصيرة فكيف يقبلون تأمير علي علي صغر سنه ولمدة الحياة، وللخلافة المطلقة؟ ولقد شهدت أنت بنفسك بأن بعضهم كان يبغض عليا ويحقد عليه!!. أجابني متحرجا: لو كان الإمام علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه يعلم أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم استخلفه، ما

كان ليسكت عن حقه وهو الشجاج الذي لا يخشي أحدا ويهابه كل الصحابة. قلت: سيدي هذا موضوع آخر لا أريد الخوض فيه لأنك لم تقتنع بالأحاديث النبوية الصحيحة وتحاول تأويلها وصرفها عن معناها حفاظا علي كرامة السلف الصالح، فكيف أقنعك بسكوت الإمام علي أو باحتجاجه عليهم بحقه في الخلافة؟ ابتسم الرجل قائلا: أنا والله من الذين يفضلون سيدنا عليا كرم الله وجهه علي غيره، ولو كان الأمر بيدي لما قدمت عليه أحدا من الصحابة، لأنه باب مدينة العلم وهو أسد الله الغالب، ولكن مشيئة الله سبحانه هو الذي يقدم من يشاء ويؤخر من يشاء، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ابتسمت بدوري له وقلت: وهذا أيضا موضوع آخر يجرنا للحديث عن القضاء والقدر وقد سبق لنا أن تحدثنا فيه وبقي كل منا علي رأيه، وإني لأعجب يا سيدي لماذا كلما تحدثت مع عالم من علماء أهل السنة وأفحمته بالحجة سرعان ما يتهرب من الموضوع إلي موضع آخر لا علاقة له بالبحث الذي نحن بصدده قال: وأنا باق علي رأيي لا أغيره. ودعته وانصرفت. بقيت أفكر مليا لماذا لا أجد [ صفحه 61] واحدا من علمائنا يكمل معي هذا المشوار ويوقف الباب علي رجله كما يقول المثل الشائع عندنا. فالبعض يبدأ الحديث، وعندما يجد نفسه عاجزا عن إقامة الدليل علي أقواله يتملص بقوله: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، والبعض يقول ما لنا ولإثارة الفتن والأحقاد فالمهم أن السنة والشيعة يؤمنون بإله واحد ورسول واحد وهذا يكفي والبعض يقول بإيجاز: يا أخي اتق الله في الصحابة، فهل يبقي مع هؤلاء مجال للبحث العلمي وإنارة السبيل والرجوع للحق الذي ليس بعده إلا الضلال؟

وأين هؤلاء من أسلوب القرآن الذي يدعو الناس لإقامة الدليل (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) مع العلم بأنهم لو يتوقفون عن طعنهم وتهجمهم علي الشيعة لما ألجأونا للجدال معهم حتي بالتي هي أحسن. [ صفحه 63]

آية إكمال العين تتعلق أيضا بالخلافة

قوله سبحانه وتعالي: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [123] ، يجمع الشيعة علي نزولها بغدير خم بعد تنصيب الرسول صلي الله عليه وآله وسلم للإمام علي خليفة للمسلمين وذلك رواية عن أئمة العترة الطاهرة وبذلك تراهم يعدون الإمامة من أصول الدين. ورغم أن الكثير من علمائنا يروون نزولها في غدير خم بعد تنصيب الإمام علي أذكر منهم علي سبيل المثال: 1 - تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 75. 2 - مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 19. 3 - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 8 ص 290. 4 - الإتقان للسيوطي ج 1 ص 31. 5 - المناقب للخوارزمي الحنفي ص 80. 6 - تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 30. [ صفحه 64] 7 - تفسير ابن كثير ج 2 ص 14. 8 - روح المعاني للآلوسي ج 6 ص 55. 9 - البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي ج 5 ص 213. 10 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ج 3 ص 19. 11 - ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 115. 12 - شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 ص 157. أقول رغم ذلك لا بد لعلماء أهل السنة من صرف هذه الآية إلي مناسبة أخري، وذلك للحفاظ علي كرامة السلف الصالح من الصحابة، وإلا لو سلموا بنزولها في غدير خم لاعترفوا ضمنيا بأن

ولاية علي بن أبي طالب هي التي أكمل الله بها الدين وأتم بها علي المسلمين نعمته ولتبخرت خلافة الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه، ولتزعزعت عدالة الصحابة، ولذابت أحاديث كثيرة مشهورة كما يذوب الملح في الماء، وهذا أمر مستحيل وخطب فادح، لأنه يتعلق بعقيدة أمة كبيرة لها تاريخها وعلماؤها وأمجادها، فلا يمكن لنا تكذيب أمثال البخاري ومسلم الذين يروون بأن الآية إنما نزلت عشية عرفة في يوم الجمعة. وبمثل ذلك تصبح الروايات الأولي مجرد خرافات شيعية لا أساس لها من الصحة ويصبح الطعن علي الشيعة أولي من الطعن علي الصحابة فهؤلاء معصومون عن الخطأ [124] ولا يمكن لأي إنسان أن ينتقد أفعالهم وأقوالهم، أما أولئك الشيعة فهم مجوس، كفار، زنادقة وملحدون ومؤسس مذهبهم هو عبد الله بن سبأ [125] وهو يهودي أسلم في عهد عثمان ليكيد للمسلمين وللإسلام. [ صفحه 65] وهذا أسهل بكثير للتمويه علي الأمة التي تربت علي تقديس واحترام الصحابة (أي صحابي كان ولو شاهد النبي مرة واحدة) وأني لنا أن نقنعهم بأن تلك الروايات ليست خرافات شيعية وإنما هي من أحاديث الأئمة الاثني عشر الذين نص رسول الله علي إمامتهم، الذين نجحت الحكومات الإسلامية في القرن الأول في غرس حب واحترام الصحابة مقابل التنفير من علي وبنيه، حتي لعنتهم علي المنابر وتتبعت شيعتهم بالقتل والتشريد، فنشأ من ذلك بغض وكراهية لكل الشيعة، لما روجته وسائل الأعلام في عهد معاوية من إشاعات وخزعبلات وعقائد فاسدة ضد الشيعة، وهم (الحزب المعارض) كما يسمي عندنا اليوم لعزلهم والقضاء عليهم. ولذلك نجد حتي الكتاب والمؤرخين في تلك العصور يسمونهم الروافض ويكفرونهم ويستبيحون دماءهم تزلفا للحكام، ولما انقرضت الدولة الأموية وخلفتها الدولة العباسية نسج بعض المؤرخين علي منوالهم

وعرف البعض حقيقة أهل البيت [126] فحاول التوفيق والإنصاف فألحق عليا بالخلفاء الراشدين ولكن لم يجرأوا علي التصريح بأحقيته، ولذلك تراهم لا يخرجون في صحاحهم إلا النزر اليسير من فضائل علي والتي لا تتعارض مع خلافة الذين سبقوه، والبعض منهم وضع كثيرا من الأحاديث في فضل أبي بكر وعمر وعثمان علي لسان علي نفسه، حتي يقطع بذلك (علي زعمه) الطريق علي الشيعة الذين يقولون بأفضليته. واكتشفت خلال البحث بأن شهرة الرجال وعظمتهم إنما كانت تقدر ببغضهم لعلي بن أبي طالب، فالأمويون والعباسيون كانوا يقربون ويعظمون كل من حارب الإمام علي أو وقف ضده بالسيف أو باللسان، فتراهم يرفعون بعض الصحابة ويضعون آخرين، ويغدقون الأموال علي بعض الشعراء ويقتلون آخرين، ولعل عائشة أم المؤمنين لم تكن لتحضي بتلك المنزلة عندهم لولا [ صفحه 66] بغضها [127] وحربها لعلي. ومن ذلك أيضا تجد العباسيين يعلون من شأن البخاري ومسلم والامام مالك لأنهم لم يخرجوا من فضائله إلا القليل بل نجد صراحة في هذا الكتب بأن علي بن أبي طالب لا فضل له ولا مزية فقد روي البخاري في صحيحه في باب مناقب عثمان عن ابن عمر قال: كنا في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا نفاضل بينهم [128] فعلي عنده كسائل الناس (إقرأ واعجب)!! كما أن في الأمة فرقا أخري كالمعتزلة والخوارج وغيرهم ممن لا يقول بمقالة الشيعة، ولان إمامة علي وأولاده من بعده تقطع عليهم الطريق للوصول للخلافة والتحكم في رقاب الناس والتلاعب بمصيرهم وممتلكاتهم كما فعل ذلك بنو أمية وبنو العباس في عهد الصحابة وفي

عهد التابعين وإلي يوم الناس هذا. لان حكام العصر الذين وصلوا إلي الحكم سواء بالوراثة كالملوك والسلاطين، أو حتي الرؤساء الذين انتخبتهم شعوبهم لا يعجبهم هذا الاعتقاد، أعني أن يعتقد المؤمنون بخلافة أهل البيت، ويضحكون من هذه الفكرة التي وقراطية، التي لا يقول بها إلا الشيعة، وخصوصا إذا كان هؤلاء الشيعة قد بلغوا من سخافة العقل وسفاهة الرأي أنهم يعتقدون بإمامه المهدي المنتظر الذي سيملأ أرضهم قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. ونعود الان لمناقشة أقوال الطرفين في هدوء وبدون تعصب، لنعرف ما هي [ صفحه 67] المناسبة وما هو سبب نزول آية " إكمال الدين " حتي يتضح لنا الحق فنتبعه وما علينا بعد ذلك من رضا هؤلاء، أو غضب أولئك ما دمنا نتوخي قبل كل شئ رضا الله سبحانه والنجاة من عذابه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون، وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمةالله هم فيها خالدون " [129] . [ صفحه 69]

مناقشة القول بأن الآية نزلت يوم عرفة

اشاره

أخرج البخاري في صحيحه [130] قال: حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن أناسا من اليهود قالوا: لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، فقال عمر أية آية؟ فقالوا: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). فقال عمر: إني لأعلم أي مكان أنزلت، أنزلت ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم واقف بعرفة. وأخرج ابن جرير عن عيسي بن حارثة الأنصاري قال: كنا جلوسا في الديوان فقال لنا نصراني: يا أهل الإسلام،

لقد أنزلت عليكم آية لو أنزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم وتلك الساعة عيدا ما بقي منا اثنان وهي " اليوم أكملت لكم دينكم " فلم يجبه أحد منا، فلقيت محمد بن كعب القرطني فسألته عن ذلك، فقال: ألا رددتم عليه؟ فقال عمر بن الخطاب أنزلت علي النبي وهو واقف علي الجبل يوم عرفة، فلا يزال ذلك اليوم عيدا للمسلمين ما بقي منهم [ صفحه 70] أحد [131] . أولا - نلاحظ من خلال هذه الروايات أن المسلمين كانوا يجهلون تاريخ ذلك اليوم المشهود، ولا يحتفلون به مما دعا اليهود مرة والنصاري أخري أن يقولوا لهم: لو أن هذه الآية فينا أنزلت لاتخذنا يومها عيدا مما حدا بعمر بن الخطاب أن يسأل أية آية؟ ولما قالوا: " اليوم أكملت لكم دينكم " قال: إني لأعلم أي مكان أنزلت، أنزلت ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم واقف بعرفة. فإننا نشم رائحة الدس والتعتيم من خلال هذه الرواية وأن الذين وضعوا هذا الحديث علي لسان عمر بن الخطاب في زمن البخاري أرادوا أن يوفقوا بين آراء اليهود والنصاري في أن ذلك اليوم هو يوم عظيم يجب أن يكون عيدا، وبين ما هم عليه من عدم الاحتفال بذلك اليوم وعدم ذكره بالمرة حتي تناسوه، والمفروض أن يكون من أكبر الأعياد لدي المسلمين إذ أن الله سبحانه أكمل لهم فيه دينهم وأتم فيه نعمته عليهم ورضي لهم الإسلام دينا. ولذلك تري في الرواية الثانية قول الراوي عندما قال له النصراني: يا أهل الإسلام، لقد أنزلت عليكم آية لو أنزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا ما بقي منا اثنان. قال الراوي فلم يجبه أحد منا، وذلك لجهلهم بتاريخ وموقف ذلك

اليوم وعظمته، ويبدو أن الراوي نفسه استغرب كيف يغفل المسلمون عن الاحتفال بمثل ذلك اليوم ولهذا نراه يلقي محمد بن كعب القرطني فيسأله عن ذلك فيرد هذا الأخير بأن عمر بن الخطاب روي أنها أنزلت علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهو واقف علي الجبل يوم عرفة. فلو كان ذلك اليوم معروفا لدي المسلمين علي أنه يوم عيد لما جهله هؤلاء الرواة سواء أكانوا من الصحابة أم من التابعين، لأن الثابت المعروف لديهم أن [ صفحه 71] للمسلمين عيدين اثنين وهما عيد الفطر وعيد الأضحي، حتي أن العلماء والمحدثين كالبخاري ومسلم وغيرهما تراهم يخرجون في كتبهم كتاب العيدين - صلاة العيدين - خطبة العيدين إلي غير ذلك من المتسالم عليه لدي خاصتهم وعامتهم، ولا وجود لعيد ثالث. وأغلب الظن أن القائلين بمبدأ الشوري في الخلافة ومؤسسي هذه النظرية هم الذين صرفوا نزولها عن حقيقتها يوم غدير خم بعد تأمير الإمام علي، فكان تحويل نزولها في يوم عرفة أهون وأسهل علي القائلين به لأن يوم الغدير جمع مائة ألف حاج أو يزيدون، وليس هناك مناسبة في حجة الوداع أقرب إلي الغدير من يوم عرفة في المقارنة إذ أن الحجيج لم يجتمعوا علي صعيد واحد إلا فيهما، فالمعروف أن الناس يكونون متفرقين جماعات وأشتاتا في كل أيام الحج ولا يجتمعون في موقف واحد إلا في عرفة. ولذلك نري أن القائلين بنزولها يوم عرفة يقولون بنزولها مباشرة بعد خطبة النبي صلي الله عليه وآله وسلم الشهيرة والتي أخرجها المحدثون. وإذا كان النص بالخلافة علي علي بن أبي طالب قد صرفوه عن حقيقته وباغتوا الناس (بمن فيهم عليا نفسه والذين كانوا منشغلين معه بتجهيز الرسول صلي الله عليه

وآله وسلم ودفنه) بالبيعة لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة علي حين غفلة، وضربوا بنصوص الغدير عرض الجدار وجعلوه نسيا منسيا، فهل يمكن لأي أحد بعد الذي وقع أن يحتج بنزول الآية يوم الغدير؟ فليست الآية أوضح في مفهومها من حديث " الولاية " وإنما تحمل في معناها إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب ليس إلا، وإن كانت تنطوي علي إشعار بحصول حدات لهم في ذلك اليوم هو الذي سبب كمال الدين. ومما يزيدنا يقينا بصحة هذا الاعتقاد، ما رواه ابن جرير عن قبيصة بن أبي ذؤيب قال: قال كعب " لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه "! فقال عمر: وأي آية يا [ صفحه 72] كعب؟ فقال: (اليوم أكملت لكم دينكم) فقال عمر: لقد علمت اليوم الذي أنزلت والمكان الذي نزلت فيه، نزلت في يوم جمعة، ويوم عرفة، وكلاهمابحمد الله لنا عيد [132] . ثانيا - علي أن القول بنزول الآية (اليوم أكملت لكم دينكم) في يوم عرفة يتنافي مع آية البلاغ (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك) والتي تأمر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بإبلاغ أمر مهم لا تتم الرسالة إلا به، والتي سبق البحث وتبين نزولها بين مكة والمدينة بعد حجة الوداع وهو ما رواه أكثر من مائة وعشرين صحابيا وأكثر من ثلاثمائة وستين من علماء أهل السنة والجماعة، فكيف يكمل الله الدين ويتم النعمة في يوم عرفة ثم بعد أسبوع يأمر نبيه صلي الله عليه وآله وسلم وهو راجع إلي المدينة بإبلاغ شئ مهم لا تتم الرسالة إلا به؟؟ كيف يصح ذلك يا أولي الألباب؟؟؟ ثالثا

- إن الباحث المدقق إذا أمعن النظر في خطبة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم يوم عرفة لا يجد فيها أمرا جديدا يجهله المسلمون والذي يمكن اعتباره شيئا مهما أكمل الله به الدين وأتم به النعمة، إذ ليس فيها إلا جملة من الوصايا التي ذكرها القرآن أو ذكرها النبي صلي الله عليه وآله وسلم في عدة مناسبات وأكد عليها يوم عرفة. وإليك ما جاء في الخطبة علي ما سجله كل الرواة: - إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة شهركم هذا ويومكم هذا. - اتقوا الله ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها. - الناس في الإسلام سواء لا فضل لعربي علي أعجمي إلا بالتقوي. - كل دم كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي، وكل ربا كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي. [ صفحه 73] - أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر.. ألا وأن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض. - إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله منها أربعة حرم. - أوصيكم بالنساء خيرا، إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكتاب الله. - أوصيكم بمن ملكت أيمانكم فاطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون. - إن المسلم أخو المسلم، لا يغشه ولا يخونه ولا يغتابه ولا يحل له دمه ولا شئ من ماله. - إن الشيطان قد يئس أن يعبد بعد اليوم ولكن يطاع فيما سوي ذلك من أعمالكم التي تحتقرون. - أعدي الأعداء علي الله قاتل غير قاتله، وضارب غير ضاربه ومن كفر نعمة مواليه فقد كفر بما أنزل الله علي محمد، ومن انتمي إلي غير أبيه فعليه لعنة

الله والملائكة والناس أجمعين. - إنما أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا: لا إله إلا الله وإني رسول الله، وإذا قالوها عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحق وحسابهم علي الله. - لا ترجعوا بعدي كفارا، مضلين يضرب بعضكم رقاب بعض. هذا كل ما قيل في خطبة عرفة من حجة الوداع وقد جمعت فصولها من جميع المصادر الموثوقة حتي لا يبقي شئ من وصاياه صلي الله عليه وآله وسلم التي ذكرها المحدثون إلا أخرجتها فهل فيها شئ جديد بالنسبة للصحابة؟ كلا فكل ما جاء فيها مذكور في القرآن ومبين حكمه في السنة النبوية، فقد قضي صلي الله عليه وآله وسلم حياته كلها يبين للناس ما نزل إليهم ويعلمهم كل صغيرة وكبيرة، فلا وجه لنزول آية " إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الله " بعد هذه الوصايا التي يعرفها المسلمون، وإنما أعادها عليهم للتأكيد لأنهم لأول مرة يجتمعون عليه [ صفحه 74] بذلك العدد الهائل ولأنه أخبرهم قبل الخروج إلي الحج بأنها حجة الوداع فكان واجبا عليه أن يسمعهم تلك الوصايا. أما إذا أخذنا بالقول الثاني: وهو نزول الآية يوم غدير خم بعد تنصيب الإمام علي خليفة للنبي صلي الله عليه وآله وسلم وأميرا للمؤمنين، فإن المعني يستقيم ويكون مطابقا، لأن الخلافة بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم من أهم الأمور ولا يمكن أن يترك الله عباده سدي ولا ينبغي لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يذهب دون استخلاف ويترك أمته هملا بدون راع وهو الذي ما كان يغادر المدينة إلا ويستخلف عليها أحدا من أصحابه، فكيف نصدق بأنه التحق بالرفيق الأعلي وما فكر في الخلافة؟؟؟ وإذا كان الملحدون في عصرنا يؤمنون بهذه القاعدة

ويسرعون إلي تعيين خلف للرئيس حتي قبل موته ليسوس أمور الناس ولا يتركونهم يوما واحدا بدون رئيس! فلا يمكن أن يكون الدين الإسلامي وهو أكمل الأديان وأتمها والذي ختم الله به كل الشرائع أن يهمل أمرا مهما كهذا. وقد عرفنا في ما تقدم بأن عائشة وابن عمر وقبلهما أبو بكر وعمر أدركوا كلهم بأنه لا بد من تعيين الخليفة وإلا لكانت فتنة، كما أدرك ذلك من جاء بعدهم من الخلفاء فكلهم عينوا من بعدهم فكيف تغيب هذه الحكمة علي الله وعلي رسوله؟؟؟ فالقول بأن الله سبحانه أوحي إلي رسوله في الآية الأولي " آية البلاغ " وهو راجع من حجة الوداع بأن ينصب عليا خليفة له بقوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) أي: يا محمد إن لم تبلغ ما أمرتك به بأن عليا هو ولي المؤمنين بعدك فكأنك لم تكمل مهمتك التي بعثت بها، إذ إن إكمال الدين بالإمامة أمر ضروري لكل العقلاء. [ صفحه 75] ويبدو أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان يخشي معارضتهم له أو تكذيبهم، فقد جاء في بعض الروايات: قوله صلي الله عليه وآله وسلم: وقد أمرني جبرئيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد وأعلم كل أبيض وأسود: أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام بعدي، فسألت جبرئيل أن يستعفي لي ربي لعلمي بقلة المتقين وكثرة المؤذين لي واللائمين لكثرة ملازمتي لعلي وشدة إقبالي عليه حتي سموني أذنا، فقال تعالي: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم) ولو شئت أن أسميهم وأدل عليهم لفعلت ولكني بسترهم قد تكرمت،

فلم يرض الله إلا بتبليغي فيه فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما وفرض طاعته علي كل أحد.. الخطبة [133] . فلما أنزل الله عليه (والله يعصمك من الناس) أسرع في نفس الوقت وبدون تأخيرا بامتثال أمر ربه فنصب عليا خليفة من بعده وأمر أصحابه بتهنئته بإمارة المؤمنين ففعلوا وبعدها أنزل الله عليهم (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). أضف إلي كل ذلك أننا نجد بعض علماء أهل السنة والجماعة يعترفون صراحة بنزول آية البلاغ في إمامة علي فقد رووا عن ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - إن عليا مولي المؤمنين - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس [134] . وبعد هذا البحث إذا أضفنا روايات الشيعة عن الأئمة الطاهرين يتجلي لنا [ صفحه 76] بأن الله أكمل دينه بالإمامة ولذلك كانت الإمامة عند الشيعة أصلا من أصول الدين. وبإمامة علي بن أبي طالب أتم الله نعمته علي المسلمين لئلا يبقوا هملا تتجاذبهم الأهواء وتمزقهم الفتن فيتفرقوا كالغنم بدون راع - ورضي لهم الإسلام دينا، لأنه اختار لهم أئمة أذهب عنهم الرجس وطهرهم وأتاهم الحكمة وأورثهم علم الكتاب ليكونوا أوصياء محمد صلي الله عليه وآله وسلم فيجب علي المسلمين أن يرضوا بحكم الله واختياره، ويسلموا تسليما، لأن مفهوم الإسلام العام هو التسليم لله قال تعالي: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالي عما يشركون وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون وهو الله لا إله إلا هو

له الحمد في الأولي والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون) [135] . ومن خلال كل ذلك يفهم بأن يوم الغدير اتخذه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوم عيد إذ بعد تنصيب الإمام علي وبعد أن نزل عليه قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم..) الآية: قال: الحمد لله علي إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضي الرب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب من بعدي [136] ثم عقد له موكبا للتهنئة وجلس صلي الله عليه وآله وسلم في خيمة وأجلس عليا بجانبه وأمر المسلمين بما فيهم زوجاته أمهات المؤمنين أن يدخلوا عليه أفواجا ويهنئوه بالمقام ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين، ففعل الناس ما أمروا به وكان من جملة المهنئين لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب بهذه المناسبة أبو بكر وعمر. فقد جاءا إليه يقولان له: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت [ صفحه 77] مولانا ومولي كل مؤمن ومؤمنة [137] . ولما عرف حسان بن ثابت شاعر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فرح النبي واستبشاره في ذلك اليوم قال: أتأذن لي يا رسول الله أن أقول في هذا المقام أبياتا تسمعهن، فقال: قل علي بركة الله، لا تزال يا حسان، مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك. فأنشد يقول: يناديهم يوم الغدير نبيهم++ بخم فاسمع بالرسول مناديا إلي آخر الأبيات التي ذكرها المؤرخون [138] . ولكن ورغم كل ذلك فإن قريشا اختارت لنفسها وأبت أن تكون في بني هاشم النبوة والخلافة فيجحفون علي قومهم بجحا بجحا، كما صرح بذلك عمر بن الخطاب لعبد الله بن عباس في محاورة دارت بينهما [139] . فلم يكن في وسع أحد أن يحتفل بذلك العيد بعد ذكراه الأولي التي احتفل

بها النبي صلي الله عليه وآله وسلم. وإذا كانوا قد تناسوا نص الخلافة وتلاشي من أذهانهم ولم يمض عليه من [ صفحه 78] الوقت غير شهرين ومع ذلك لم يتكلم به أحد، فكيف بذكري الغدير التي مضي عليها عام كامل، علي أن هذا العيد مربوط بذلك النص علي الخلافة فإذا انعدم النص وزال السبب لم يبق لذلك العيد أثر يذكر. ومضت علي ذلك السنون حتي رجع الحق إلي أهله بعد ربع قرن، فأحياها الإمام علي من جديد بعدما كادت تقبر وذلك في الرحبة عندما ناشد أصحاب محمد ممن حضر عيد الغدير أن يقوموا فيشهدوا أمام الناس ببيعة الخلافة فقام ثلاثون صحابيا منهم ستة عشر بدريا وشهدوا [140] والذي كتم الشهادة وادعي النسيان، كأنس بن مالك الذي أصابته دعوة علي بن أبي طالب فلم يقم من مقامه ذلك إلا أبرص فكان يبكي ويقول أصابتني دعوة العبد الصالح لأني كتمت شهادته [141] وبذلك أقام أبو الحسن الحجة علي هذه الأمة ومنذ ذلك العهد وحتي يوم الناس هذا وإلي قيام الساعة يحتفل الشيعة بذكري يوم الغدير وهو عندهم العيد الأكبر، كيف لا وهو اليوم الذي أكمل الله لنا فيه الدين وأتم فيه علينا النعمة ورضي بالإسلام لنا دينا، وهو يوم عظيم الشأن عند الله ورسوله والمؤمنين، ذكر بعض علماء أهل السنة عن أبي هريرة أنه قال: لما أخذ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.. إلي آخر الخطبة، فأنزل الله عز وجل (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) قال أبو هريرة وهو يوم غدير خم من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له

صيام ستين شهرا [142] . [ صفحه 79] أما روايات الشيعة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في فضائل ذلك اليوم فحدث ولا حرج، والحمد لله علي هدايته أن جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين والمحتفلين بعيد الغدير. وخلاصة البحث أن حديث الغدير " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار " هو حديث أو بالأحري هي حادثة تاريخية عظيمة أجمعت الأمة الإسلامية علي نقلها، فقد مر علينا ذكر ثلاثمائة وستين من علماء أهل السنة والجماعة وأكثر من ذلك من علماء الشيعة. ومن أراد البحث والمزيد فعليه بكتاب الغدير للعلامة الأميني. وبعد الذي عرضناه لا يستغرب أن تنقسم الأمة الإسلامية إلي سنة وشيعة، تمسكت الأولي بمبدأ الشوري في سقيفة بني ساعدة، وتأولت النصوص الصريحة وخالفت بذلك ما أجمع عليه الرواة من حديث الغدير، وغيره من النصوص. وتمسك الثانية بتلك النصوص فلم ترض عنها بدلا وبايعت الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ولم تبغ عنهم حولا والحق أنني عندما أبحث في مذهب أهل السنة والجماعة خصوصا في أمر الخلافة، أجد المسائل مبنية علي الظن والاجتهاد، لأن قاعدة الانتخاب ليس فيها دليل قطعي علي أن الشخص الذي نختاره اليوم هو أفضل من غيره لأننا لا نعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولأننا في الحقيقة مركبون من عواطف وعصبيات وأنانية كامنة في نفوسنا وستلعب هذه المركبات دورها إذا ما أوكل إلينا اختيار شخص من بين أشخاص. وليست هذه الأطروحة خيالا أو أمرا مبالغا فيه، فالمتتبع لهذه الفكرة، فكرة اختيار الخليفة سيجد أن هذا المبدأ الذي يطبل له لم ينجح ولا يمكن له

أن ينجح أبدا. فهذا أبو بكر زعيم الشوري بالرغم من وصوله إلي الخلافة (بالاختيار [ صفحه 80] والشوري)، نراه عندما شارف علي الوفاة أسرع إلي تعيين عمر بن الخطاب خليفة له! دون استعمال طريقة الشوري. وهذا عمر بن الخطاب الذي ساهم في تأسيس خلافة أبي بكر نراه - بعد وفاة أبي بكر يعلن علي الملأ بأن بيعة أبي بكركانت فلتة وقي الله المسلمين شرها [143] . ثم بعد ذلك نري أن عمرا عندما طعن وأيقن بدنو أجله عين ستة أشخاص ليختاروا بدورهم واحدا منهم ليكون خليفة، وهو يعلم علم اليقين أن هؤلاء النفر علي قلتهم سيختلفون رغم الصحبة والسبق للإسلام والورع والتقوي فستثور فيهم العواطف البشرية التي لا ينجو منها إلا المعصوم، ولذلك نراه - لحسم الخلاف - رجح كفة عبد الرحمن بن عوف فقال: إذا اختلفتم فكونوا في الشق الذي فيه عبد الرحمن بن عوف ونري بعد ذلك بأنهم اختاروا الإمام عليا ليكون خليفة ولكنهم اشترطوا عليه أن يحكم فيهم بكتاب الله وسنة رسوله وسنة الشيخين أبي بكر وعمر وقبل علي كتاب الله وسنة رسوله ورفض سنة الشيخين [144] وقبل عثمان هذه الشروط فبايعوه بالخلافة. وقال علي في ذلك: " في الله وللشوري متي اعترض الريب في مع الأول منهم حتي صرت أقرن إلي هذه النظائر، لكني أسففت إذا أسفوا وطرت إذ طاروا، فصغي رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره مع هن وهن... " [145] . وإذا كان هؤلاء وهم نخبة المسلمين وهم خاصة الخاصة تلعب بهم العواطف فيكون فيهم الحقد وتكون فيهم العصبية بين هن وهن (يقول محمد عبده في شرحه لهذه الفقرة: يشير الإمام علي إلي أغراض أخري يكره ذكرها) فعلي الدنيا

بعد ذلك السلام. [ صفحه 81] علي أن عبد الرحمن بن عوف ندم فيما بعد علي اختياره، وغضب علي عثمان واتهمه بخيانة العهد لما حدث في عهده ما حدث وجاءه كبار الصحابة يقولون له: يا عبد الرحمن هذا عمل يديك. فقال لهم: ما كنت أظن هذا به ولكن لله علي أن لا أكلمه أبدا. ثم مات عبد الرحمن بن عوف وهو مهاجر لعثمان، حتي رووا أن عثمان دخل عليه في مرضه يعوده فتحول بوجهه إلي الحائط ولم يكلمه [146] . ثم كان بعد ذلك ما كان وقامت الثورة علي عثمان وانتهت بقتله، ورجعت الأمة بعد ذلك لاختيار من جديد وفي هذه المرة اختاروا عليا، ولكن يا حسرة علي العباد: فقد اضطربت الدولة الإسلامية وأصبحت مسرحا للمنافقين ولأعدائه المناوئين والمستكبرين والطامعين لارتقاء منصة الخلافة بأي ثمن وعلي أي طريق ولو بإزهاق النفوس البريئة، وقد تغيرت أحكام الله ورسوله علي مر تلك السنين الخمس والعشرين ووجد الإمام علي نفسه وسط بحر لجي وأمواج متلاطمة وظلمات حالكة وأهواء جامعة وقضي خلافته في حروب دامية فرضت عليه فرضا من الناكثين والقاسطين والمارقين ولم يخرج منها إلا باستشهاده سلام الله عليه وهو يتحسر علي أمة محمد وقد طمع فيها الطليق بن الطليق معاوية بن أبي سفيان وأضرابه كعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومروان بن الحكم وغيرهم كثيرون، وما جرا هؤلاء علي ما فعلوه إلا فكرة الشوري والاختيار. وغرقت أمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم في بحر من الدماء، وتحكم في مصيرها سفهاؤها وأراذلها وتحولت الشوري بعد ذلك إلي الملك العضوض، إلي القيصرية والكسروية. وانتهت تلك الفترة التي أطلقوا عليها اسم الخلافة الراشدة وبها سموا الخلفاء الأربعة بالراشدين والحق

أنه حتي هؤلاء الأربعة لم يكونوا خلفاء بالانتخاب والشوري سوي أبي بكر وعلي، وإذا استثنينا أبا بكر لأن بيعته كانت [ صفحه 82] فلتة علي حين غفلة ولم يحضرها " الحزب المعارض " كما يقال اليوم وهم علي وسائر بني هاشم ومن يري رأيهم، لم يبق معنا من عقدت له بيعة بالشوري والاختيار إلا علي بن أبي طالب الذي بايعه المسلمون رغم أنفه وتخلف عنه بعض الصحابة فلم يفرض عليهم ولا هددهم. وقد أراد الله سبحانه وتعالي أن يكون علي بن أبي طالب خليفة لرسول الله بالنص من الله وكذلك بالانتخاب من المسلمين وقد أجمعت الأمة الإسلامية قاطبة سنة وشيعة علي خلافة علي واختلفوا علي خلافة غيره كما لا يخفي. أقول يا حسرة علي العباد لو أنهم قبلوا ما اختاره الله لهم لأكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم ولأنزل الله عليهم بركات من السماء ولكان المسلمون اليوم أسياد العالم وقادته كما أراد الله لهم لو اتبعوه (وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين). ولكن إبليس اللعين عدونا المبين: قال مخاطبا رب العزة: (فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) [147] . فلينظر العاقل اليوم إلي حالة المسلمين في العالم، وهم أذلاء لا يقدرون علي شئ يركضون وراء الدول معترفين بإسرائيل وهي ترفض الاعتراف بهم ولا تسمح لهم حتي بالدخول إلي القدس التي أصبحت عاصمة لها، وإذا ما رأيت بلاد المسلمين اليوم تري أنهم تحت رحمة أمريكا وروسيا وقد أكل الفقر شعوبهم وقتلهم الجوع والمرض، في حين تأكل كلاب أوروبا شتي أنواع اللحوم والأسماك، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقد

تنبأت سيدة النساء فاطمة الزهراء سلام الله عليها عندما خاصمت أبا بكر وخطبت خطبتها في نساء المهاجرين والأنصار وقالت في آخرها مخبرة عن مآل الأمة: [ صفحه 83] " أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملأ القعب دما عبيطا وزعافا مبيدا، هناك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما أمسه الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم أنفسا واطمئنوا للفتنة جأشا، وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم وهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيدا، وجمعكم حصيدا، فيا حسرة لكم، وأني بكم، وقد عميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون " [148] . صدقت سيدة النساء فيما تنبأت به وهي سليلة النبوة ومعدن الرسالة، وقد تجسدت أقوالها في حياة الأمة ومن يدري لعل الذي ينتظرها أبشع مما انفضي، ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم.

العنصر المهم في البحث

- بقي عنصر واحد مهم في كل هذا البحث يستحق العناية والدرس، وربما هو الاعتراض الوحيد الذي كثيرا ما يثار عندما يفحم المعاندون بالحجج الدامغة فتراهم يلجأون إلي الاستغراب واستبعاد أن يكون قد حضر تنصيب الإمام علي مائة ألف صحابي ثم يتواطئون كلهم علي مخالفته والإعراض عنه وفيهم خيرة الصحابة وأفضل الأمة! وهذا ما وقع لي بالذات عند اقتحام البحث، فلم أصدق ولا يمكن لأحد أن يصدق إذا ما طرحت القضية بهذا الطرح، ولكن عندما ندرس القضية من جميع الجوانب يزول الاستغراب لأن المسألة ليست كما نتصورها أو كما يعرضها أهل السنة فحاشي أن يكون مائة ألف صحابي خالفوا أمر الرسول، فكيف وقعت الواقعة إذن؟ [ صفحه 84] أولا - لم يكن يسكن المدينة المنورة كل من حضر بيعة الغدير ونما كان كما هو المفروض وعلي أكبر تقدير ثلاثة

أو أربعة آلاف منهم يسكنون المدينة، وإذا عرفنا أن هؤلاء فيهم الكثير من الموالي والعبيد والمستضعفين الذين قدموا علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من مناطق عديدة وليس لهم في المدينة قبيلة ولا عشيرة أمثال أهل الصفة، فلا يبقي معنا إلا نصفهم يعني ألفين فقط وحتي هؤلاء فهم خاضعون لرؤساء القبيلة ونظام العشيرة التي ينتمون إليها، وقد أقرهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي ذلك فكان إذا قدم عليه وفد ولي عليهم زعيمهم وسيدهم، ولذلك وجدنا اصطلاحا علي تسميتهم في الإسلام بأهل الحل والعقد. وإذا ما نظرنا إلي مؤتمر السقيفة الذي انعقد عند وفاة الرسول مباشرة وجدنا أن الحاضرين الذين اتخذوا قرار اختيار أبي بكر خليفة لا يزيد علي مائة شخص علي أكثر تقدير لأنه لم يحضر من الأنصار وهم أهل المدينة إلا أسيادهم وزعماؤهم، كما لم يحضر من المهاجرين وهم أهل مكة الذين هاجروا مع الرسول صلي الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة أو أربعة أشخاص يمثلون قريش ويكفي دليلا أن نتصور ما هو حجم السقيفة فكلنا يعرف ما هي السقيفة التي ما كانت تخلو منها أي دار فليست هي قاعة الحفلات ولا قصر المؤتمرات، فإذا ما قلنا بحضور مائة شخص في سقيفة بني ساعدة فذلك مبالغة منا حتي يفهم الباحث بأن المائة ألف لم يكونوا حاضرين ولا سمعوا حتي ما دار في السقيفة إلا بعد زمن بعيد فلم تكن هناك مواصلات جوية ولا هواتف لا سلكية ولا أقمار صناعية. وبعد اتفاق هؤلاء الزعماء علي تعيين أبي بكر ورغم معارضة سيد الأنصار سعد بن عبادة زعيم الخزرج وابنه قيس، إلا أن الأغلبية الساحقة (كما يقال اليوم) أبرمت العقد وتصافقت عليه

في حين كان أغلب المسلمين غائبين عن السقيفة وكان بعضهم مشغولا بتجهيز الرسول صلي الله عليه وآله وسلم أومذهولا بخبر موته وقد أرعبهم عمر بن الخطاب وخوفهم إن قالوا بموته [149] . [ صفحه 85] أضف إلي ذلك أن أغلب الصحابة عبأهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في جيش أسامة وأكثرهم كانوا معسكرين بالجرف ولم يحضروا وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولا حضروا مؤتمر السقيفة. فهل يعقل بعد هذا الذي وقع أن يعارض أفراد القبيلة أو العشيرة زعيمهم فيما أبرمه خصوصا وأن في ما أبرمه الفضل العميم والشرف الكبير الذي تسعي إليه كل قبيلة منهم، ومن يدري لعله يلحقهم في يوم من الأيام شرف الرئاسة علي كل المسلمين، ما دام صاحبها الشرعي قد أبعد وأصبح الأمر شوري يتداولونه بينهم بالتناوب، فكيف لا يفرحون بذلك وكيف لا يؤيدونه؟ ثانيا - إذا كان أهل الحل والعقد من سكان المدينة قد أبرموا أمرا فليس للقاصين البعيدين من أطراف الجزيرة أن يعارضوا، وهم لا يدرون ما يدور في غيابهم فوسائل النقل في ذلك العهد كانت بدائية، ثم أنهم يتصورون بأن سكان المدينة يعيشون مع رسول الله فهم أعلم بما يستجد من أحكام قد ينزل بها الوحي في أي ساعة وفي أي يوم. ثم بعد ذلك ما يهم رئيس القبيلة البعيد عن العاصمة من أمر الخلافة شيئا فبالنسبة إليه سواء أكان أبو بكر خليفة أو علي أو أي شخص آخر، فأهل مكة أدري بشعابها والمهم عنده هو بقاؤها علي رئاسة عشيرته ولا ينازعه فيها أحد. ومن يدري لعل البعض منهم تساءل عن الأمر وأراد أن يستطلع الخبر غير أن أجهزة الحكم أسكتته سواء بالترغيب أو بالترهيب،

ولعل في قصة مالك بن نويرة الذي امتنع عن دفع الزكاة إلي أبي بكر ما يؤكد حصول ذلك. والمتتبع لتلك الأحداث التي وقعت في حرب مانعي الزكاة أيام أبي بكر يجد كثيرا من التناقضات ولا يقتنع بما أورده بعض المؤرخين للحفاظ علي كرامة الصحابة وخصوصا الحاكمين منهم. ثالثا - عنصر المفاجأة في القضية لعب دورا كبيرا في قبول ما يسمي اليوم " بالأمر الواقع " فلقد عقد مؤتمر السقيفة علي حين غفلة من الصحابة الذين [ صفحه 86] شغلوا بالرسول صلي الله عليه وآله وسلم ومن هؤلاء الإمام علي والعباس وسائر بني هاشم والمقداد وسلمان وأبي ذر وعمار والزبير وغير هؤلاء كثير ولما خرج أصحاب السقيفة يزفون أبا بكر إلي المسجد داعين إلي البيعة العامة والناس يقبلون. علي البيعة أفواجا وزرافات طوعا وكرها، لم يكن علي واتباعه قد غرفوا بعد من واجبهم المقدس الذي فرضته عليهم أخلاقهم السامية فلا يمكن لهم أن يتركوا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بدون تغسيل وتكفين وتجهيز ودفن ويتسارعوا إلي السقيفة ليتنازعوا حول الخلافة. وما إن فرغوا من واجبهم حتي استتب الأمر لأبي بكر وبات من يتخلف عن بيعته معدودا من أصحاب الفتنة الذي يشق عصا المسلمين فيجب علي المسلمين مقاومته أو حتي قتله إن لزم الأمر. ولذلك نري عمر قد هدد سعد بن عبادة بالقتل لما امتنع عن بيعة أبي بكر وقال اقتلوه إنه صاحب فتنة [150] وهدد بعد ذلك المتخلفين في بيت علي بحرق الدار ومن فيها، وإذا عرفنا رأي عمر بن الخطاب في خصوص البيعة فهمنا بعد ذلك كثيرا من الألغاز التي بقيت محيرة. فعمر يري بأنه يكفي لصحة البيعة أن يسبق إليها أحد المسلمين

فيجب علي الآخرين متابعته ومن عصي منهم فهو خارج من ربقة الإسلام ويجب قتله. فلنستمع إليه يتحدث عن نفسه في خصوص البيعة كما أخرجه البخاري في صحيحه [151] ، قال: يحكي عما وقع في السقيفة: " فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حيت فرقت من الاختلاف فقلت: إبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون [152] والأنصار ونزولا علي [ صفحه 87] سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة، قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوي من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا فإما بايعناهم علي ما لا نرضي وإما نخالفهم فيكون فساد، فمن بايع رجلا علي غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا ". فالمسألة عند عمر ليست انتخابا واختيارا وشوري وإنما يكفي أن يبادر أحد المسلمين بالبيعة لتكون حجة علي الباقين ولذلك قال لأبي بكر: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعه بدون مشورة ولا تريث خوفا من أن يسبق إليها أحد آخر، وقد عبر عمر عن هذا الرأي بقوله: خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا (خشي عمر أن يسبقه الأنصار فيبايعوا رجلا منهم) ويزيدنا وضوحا أكثر عندما يقول: فإما بايعناهم علي ما لا نرضي وإما نخالفهم فيكون فساد [153] . وحتي نكون منصفين في الحكم ومدققين في البحث يجب علينا أن نعترف بأن عمر بن الخطاب غير رأيه في البيعة في آخر أيام حياته وذلك عندما جاءه رجل بمحضر عبد الرحمن بن عوف في آخر حجة حجها

فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت. فغضب عمر، ولهذا قام في الناس خطيبا فور رجوعه إلي المدينة فقال من جملة ما قال في خطبته: " إنه بلغني أن قائلا منكم يقول والله لو مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن أمرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وإنها كانت كذلك ولكن الله وقي شرها.. [154] ثم يقول: من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا.. " [155] . [ صفحه 88] ليت عمر بن الخطاب كان علي هذا الرأي يوم السقيفة ولم يستبد علي المسلمين ببيعته لأبي بكر التي كانت فلتة وقي الله شرها كما شهد هو بذلك. ولكن أني لعمر أن يكون علي هذا الرأي الجديد لأنه حكم علي نفسه وعلي صاحبه بالقتل إذ يقول في رأيه الجديد: " من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا ". بقي علينا أن نعرف لماذا غير عمر رأيه في آخر حياته بالرغم من أنه يعرف أكثر من غيره بأنه برأيه الجديد نسف بيعة أبي بكر من أساسها إذ أنه هو الذي سبق لبيعته من غير مشورة من المسلمين فكانت فلتة، ونسف أيضا بيعته هو لأنه وصل للخلافة بنص أبي بكر عليه عند الموت من غير مشورة من المسلمين حتي أن بعض الصحابة دخلوا علي أبي بكر مستنكرين عليه أن يولي عليهم فضا غليظا [156] ، ولما خرج عمر ليقرأ علي الناس كتاب أبي بكر سأله رجل:

ما في الكتاب يا أبا حفص؟ قال: لا أدري، ولكني أول من سمع وأطاع، قال الرجل: لكني والله أدري ما فيه: أمرته عام أول، وأمرك العام [157] . وهذا نظير قول الإمام علي لعمر (عندما رآه يحمل الناس قهرا لبيعة أبي بكر) أحلب حلبا لك شطره، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا.. [158] . والمهم أن نعرف لماذا غير عمر رأيه في البيعة! أكاد أعتقد بأنه سمع بأن بعض الصحابة يريد بيعة علي بن أبي طالب بعد موت عمر وهذا ما لا يرضاه عمر أبدا وهو الذي عارض النصوص الصريحة وعارض أن يكتب لهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ذلك الكتاب [159] لأنه عرف فحواه حتي اتهمه بالهجر وخوف [ صفحه 89] الناس حتي لا يقولوا بموته [160] وذلك لئلا يتسابق الناس لبيعة علي، وشيد بيعة أبي بكر وحمل الناس عليها بالقهر وهدد كل من تخلف بالقتل [161] كل ذلك في سبيل إبعاد علي عن الخلافة، فكيف يرضي أن يقول قائل: بأنه سيبايع فلانا لو قد مات عمر، وخصوصا بأن هذا القائل (الذي بقي اسمه مجهولا ولا شك أنه من عظماء الصحابة) يحتج بما فعله عمر نفسه في بيعته لأبي بكر إذ يقول: فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت. أي أنها بالرغم من كونها وقعت علي حين غفلة من المسلمين وبدون مشورة منهم فقد تمت وأصبحت حقيقة ولذا جاز لعمر أن يفعلها مع أبي بكر فكيف لا يجوز له أن يفعلها هو بنفس الطريقة مع فلان - ونلاحظ هنا أن ابن عباس و عبد الرحمن بن عوف وعمر بن الخطاب يتحاشون ذكر اسم هذا القائل كما يتحاشون ذكر اسم

الذي يريد بيعته، ولما كان لهذين الشخصين أهمية كبيرة لدي المسلمين نري أن عمر غضب لهذه المقالة وبادر في أول جمعة بأن خطب الناس وأثار موضوع الخلافة بعده وطلع عليهم برأيه الجديد فيها، حتي يقطع الطريق علي هذا الذي يريد إعادة الفلتة لأنها ستكون لصالح خصمه، علي أننا فهمنا من خلال البحث بأن هذه المقالة ليست رأي فلان وحده وإنما هي رأي كثير من الصحابة ولذلك يقول البخاري: فغضب عمر ثم قال: إنني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذر هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم.. [162] . فتغيير عمر لرأيه في البيعة كان معارضة لهؤلاء الذين يريدون أن يغصبوا الناس أمورهم ويبايعوا عليا، وهذا ما لا يرضاه عمر لأنه يعتقد بأن الخلافة هي من أمور الناس وليست حقا لعلي بن أبي طالب وإذا كان هذا الاعتقاد صحيحا فلماذا أجاز هو لنفسه أن يغصب الناس أمورهم بعد موت النبي صلي الله عليه [ صفحه 90] وآله وسلم ويسارع لبيعة أبي بكر من غير مشورة المسلمين؟ وموقف أبي حفص من أبي الحسن معروف ومشهور وهو إبعاده عن الحكم ما استطاع لذلك سبيلا. وهذا الاستنتاج لم نستوحه من خطبته السابقة فحسب ولكن المتتبع للتاريخ يعرف أن عمر بن الخطاب كان هو الحاكم الفعلي حتي في خلافة أبي بكير ولذلك نري أبا بكر يستأذن من أسامة بن زيد أن يترك له عمر بن الخطاب ليستعين به علي أمر الخلافة [163] - ومع ذلك نري علي بن أبي طالب يبقي بعيدا عن المسؤولية فلم يولوه منصبا ولا ولاية ولا أمروه علي جيش ولا ائتمنوه علي خزينة وذلك طوال خلافة أبي بكر وعمرو عثمان، وكلنا يعلم من هو علي

بن أبي طالب. والأغرب من كل هذا أننا نقرأ في كتب التاريخ بأن عمر لما أدركته الوفاة تأسف أن لا يكون أبو عبيدة بن الجراح أو سالم مولي أبي حذيفة من الأحياء حتي يوليهم من بعده، ولكنه ولا شك تذكر بأنه سبق أن غير رأيه في مثل هذه البيعة واعتبرها فلتة وغصبا لأمور المسلمين، فلا بد له إذن أن يخترع طريقة جديدة في البيعة لتكون حلا وسطا بين بين فلا يستبد أحد فيسبق بالبيعة لمن يراه صالحا لها ويحمل الناس علي متابعته كما فعل هو مع أبي بكر وكما فعل أبو بكر معه هو أو كما يريد أن يفعل فلان الذي ينتظر موت عمر ليبايع صاحبه فهذا غير ممكن بعد أن حكم عمر عليها بالفلتة والاغتصاب. ولا يمكن له أيضا أن يترك الأمر شوري بين المسلمين، وقد حضر مؤتمر السقيفة عقب وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ورأي بعينيه ما وقع من الاختلاف الذي كادت تزهق فيه الأرواح وتهرق فيه الدماء. واخترع أخيرا فكرة أصحاب الشوري أو الستة الذين لهم وحدهم حق اختيار الخليفة وليس لأحد من المسلمين أن يشاركهم في ذلك، وكان عمر يعلم [ صفحه 91] أن الخلاف بين هؤلاء الستة لا مفر منه ولذلك أوصي عند الاختلاف أن يكونوا مع الفريق الذي فيه عبد الرحمن بن عوف ولو أدي الأمر إلي قتل الثلاثة الذين يخالفون عبد الرحمن هذا في حال انقسام الستة إلي قسمين وهو محال لأن عمر يعرف بأن سعد بن أبي وقاص ابن عم لعبد الرحمن وكلاهما من بني زهرة ويعلم أن سعد لا يحب عليا وكان في نفسه شئ منه لأن عليا قتل أخواله من عبد شمس كما

يعرف عمر أن عبد الرحمن بن عوف هو صهر عثمان لأن زوجته أم كلثوم هي أخت عثمان، ويعلم أيضا أن طلحة ميال لعثمان لصلات بينهما علي ما ذكره بعض رواة الأثر وقد يكفي في ميله إلي عثمان انحرافه عن علي لأنه تيمي وقد كان بين بني هاشم وبني تيم مواجد لمكان الخلافة في أبي بكر [164] . كان عمر يعلم كل ذلك ومن أجل هذا كان اختياره لهؤلاء بالذات. اختار عمر هؤلاء الستة وكلهم من قريش وكلهم من المهاجرين وليس فيهم واحد من الأنصار وكلهم يمثل ويتزعم قبيلة لها أهميتها وتأثيرها. 1 - علي بن أبي طالب زعيم بني هاشم. 2 - عثمان بن عفان زعيم بني أمية. 3 - عبد الرحمن بن عوف زعيم بني زهرة. 4 - سعد بن أبي وقاص هو من بني زهرة وأخواله بني أمية. 5 - طلحة بن عبيد الله هو سيد بني تيم. 6 - الزبير بن العوام هو ابن صفية عمة الرسول وهو زوج أسماء بنت أبي بكر. فهؤلاء هم أهل الحل والعقد وحكمهم نافذ علي كل المسلمين سواء منهم سكان المدينة (عاصمة الخلافة) أو غيرهم في كل العالم الإسلامي وما علي المسلمين إلا السمع والطاعة بدون نقاش ومن يخرج منهم عن ذلك فهو مهدور [ صفحه 92] الدم. وهذا بالذات الذي أردنا تقريبه من ذهن القارئ بخصوص السكوت عن نص الغدير، فيما تقدم. وإذا كان عمر، يعلم نفسيات هؤلاء الستة وعواطفهم وطموحاتهم فإنه بلا شك قد رشح عثمان بن عفان للخلافة أو أنه كان يعلم أن الأكثرية من هؤلاء الستة لا يرضون بعلي وإلا لماذا وبأي حق يرجح كفة عبد الرحمن بن عوف علي علي بن

أبي طالب والحال أن المسلمين منذ وجدوا وحتي اليوم إنما يتنازعون في أفضلية علي وأبي بكر ولم نسمع أحدا يقارن عليا بعبد الرحمن بن عوف. وهنا أقف وقفة لا بد منها، لأسأل أهل السنة والجماعة القائلين بمبدأ الشوري وأهل الفكر الحر كافة، أسأل كل هؤلاء كيف توفقون بين الشوري بمعناها الإسلامي وبين هذه الفكرة التي إن دلت علي شئ فإنما تدل علي الاستبداد بالرأي، لأنه هو الذي اختار هؤلاء النفر وليس المسلمون، وإذا كان وصوله للخلافة فلتة فبأي حق يفرض علي المسلمين أحد هؤلاء الستة؟! والذي يبدو لنا أن عمر يري الخلافة حقا من حقوق المهاجرين وحدهم وليس من حق أحد أن ينازعهم هذا الأمر، بل أكثر من هذا يعتقد عمر كما يعتقد أبو بكر بأن الخلافة ملك لقريش وحدها، إذ في المهاجرين من ليسوا من قريش، بل فيهم من ليسوا من العرب، فلا يحق لسلمان الفارسي ولا لعمار بن ياسر، ولا لبلال الحبشي ولا لصهيب الرومي ولا لأبي ذر الغفاري ولا لألوف الصحابة الذين ليسوا من قريش أن يتصدوا للخلافة. وليس هذا مجرد ادعاء! حاشا وكلا، بل هي عقيدتهم التي سجلها التاريخ والمحدثون من أفواههم فلنعد إلي نفس الخطبة التي أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما: يقول عمر بن الخطاب: أردت أن أتكلم وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: علي رسلك فكرهت أن أغضبه فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر [ صفحه 93] والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل حتي سكت فقال ما ذكرتم فيكم من خير

فأنتم له أهل (مخاطبا الأنصار) ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش [165] . إذن، يتبين لنا بوضوح بأن أبا بكر وعمر لا يؤمنان بمبدأ الشوري والاختيار ويقول بعض المؤرخين بأن أبا بكر احتج علي الأنصار بحديث الرسول صلي الله عليه وآله وسلم " الخلافة في قريش " وهو حديث صحيح لا شك فيه وحقيقته (كما نص علي ذلك البخاري ومسلم وكل الصحاح عند السنة وعند الشيعة) قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش ". وأصرح من هذا الحديث قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان " [166] وقوله " الناستبع لقريش في الخير والشر " [167] . فإذا كان المسلمون قاطبة يؤمنون بهذه الأحاديث فكيف يقول قائل بأنه ترك الأمر شوري بين المسلمين ليختاروا من يشاؤون؟ ولا يمكن لنا أن نتخلص من هذا التناقض إلا إذا أخذنا بأقوال أئمة أهل البيت وشيعتهم وبعض علماء السنة الذين يؤكدون بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد نص علي الخلفاء وعينهم بعددهم وأسمائهم، وبذلك يمكن لنا أيضا أن نفهم موقف عمر وحصره الخلافة في قريش وعمر من عرف باجتهاده مقابل النصوص حتي في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم فصلح الحديبية [168] . [ صفحه 94] والصلاة علي المنافقين [169] ، ورزية يوم الخميس [170] ، ومنعه التبشير بالجنة [171] أكبر شاهد علي ما نقول. فلا يستغرب منه أن يجتهد بعد موت النبي في نص حديث الخلافة فلا يري وجوبا بقبول النص علي علي بن أبي طالب الذي هو أصغر قريش،

وحصر حق الاستخلاف بقريش وحدها، وهو الذي حدا بعمر أن يختار قبل موته ستة من عظماء قريش ليوفق بين أحاديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم وما يرتأيه هو من حق قريش وحدها في الخلافة، ولعل إقحام علي في الجماعة مع العلم المسبق بأنهم لا يختارونه، هو تدبير من عمر ليجبر عليا علي الدخول معهم في اللعبة السياسية كما يسمونها اليوم وحتي لا تبقي له حجة عند شيعته ومحبيه الذين يقولون بأولويته، ولكن الإمام عليا تحدث عن كل ذلك في خطبه أمام عامة الناس فقال في ذلك: " فصبرت علي طول المدة وشدة المحنة، حتي إذا مضي لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، في الله وللشوري، متي اعترض الريب في مع الأول منهم حتي صرت أقرن إلي هذه النظائر، لكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا، فصغي رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره مع هنوهن... " الخطبة [172] . رابعا - إن الإمام علي سلام الله عليه احتج عليهم بكل شئ ولكن بدون جدوي، وهل يستجدي الإمام علي بيعة الناس الذي صرفوا وجوههم عنه ومالت قلوبهم لغيره إما حسدا له علي ما أتاه الله من فضله، وإما حقدا عليه لأنه قتل صناديدهم وهشم أبطالهم، وأرغم أنوفهم، وأخضعهم وحطم كبرياءهم بسيفه وشجاعته حتي أسلموا واستسلموا وهو مع ذلك شامخ يذود عن ابن عمه لا [ صفحه 95] تأخذه في الله لومة لائم، ولا يثني عزمه من حطام الدنيا شئ - وكان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يعلم ذلك علم اليقين وكان في كل مناسبة يشيد بفضائل أخيه وابن عمه لكي يحببه إليهم فيقول: حب علي إيمان وبغضه نفاق [173] - ويقول علي مني

وأنا من علي [174] ويقول علي ولي كل مؤمن بعدي [175] - ويقول علي باب مدينة علمي وأبو ولدي [176] ويقول: علي سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغرالمحجلين [177] . ولكن مع الأسف ما زادهم ذلك إلا حسدا وحقدا ولذلك استدعاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قبل موته فعانقه وبكي، وقال له: يا علي: إني أعلم أن لك ضغائن في صدور قوم سوف يظهرونها لك بعدي. فإن بايعوك فاقبل وإلا فاصبر حتي تلقاني مظلوما [178] فإذا كان أبو الحسن سلام الله عليه لزم الصبر بعد بيعة أبي بكر فذلك بوصية الرسول له وفي ذلك من الحكمة ما لا يخفي. خامسا - أضف إلي كل ما سبق أن المسلم إذا ما قرأ القرآن الكريم وتدبر آياته يعرف من خلال قصصه التي تناولت الأمم والشعوب السابقة أنه وقع فيهم أكثر مما وقع فينا، فها هو قابيل يقتل أخاه هابيل ظلما وعدوانا وها هو نوح جد الأنبياء بعد ألف سنة من الجهاد لم يتبعه من قومه إلا القليل وكانت امرأته وابنه من الكافرين، وها هو لوط لم يوجد في قريته غير بيت من المؤمنين، وها هم الفراعنة الذين استكبروا في الأرض واستعبدوا الناس لم يكن فيهم غير مؤمن يكتم إيمانه، [ صفحه 96] وهاهم إخوة يوسف أبناء يعقوب وهم عصبة يتآمرون علي قتل أخيهم الصغير بغير ذنب اقترفه ولكن حسدا له لأنه أحب إلي أبيهم، وها هم بنو إسرائيل الذين أنقذهم الله بموسي وفلق لهم البحر وأغرق أعداءهم فرعون وجنوده بدون أن يكلفهم عناء الحرب، ما إن خرجوا من البحر ولم تجف أقدامهم فأتوا علي قوم يعكفون علي أصنام لهم قالوا: يا موسي اجعل لنا إلها

كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون. ولما ذهب إلي ميقات ربه واستخلف عليهم أخاه هارون تآمروا عليه وكادوا يقتلونه - وكفروا بالله وعبدوا العجل - ثم بعد قتلوا أنبياء الله قال تعالي: (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوي أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقاتقتلون) [179] . وها هو سيدنا يحيا بن زكريا وهو نبي وحصور ومن الصالحين يقتل ويهدي رأسه إلي بغي من بغايا بني إسرائيل. وها هم اليهود والنصاري يتآمرون علي قتل وصلب سيدنا عيسي، وها هي أمة محمد تعد جيشا قوامه ثلاثين ألفا لقتل الحسين ريحانة رسول الله وسيد شباب أهل الجنة ولم يكن معه غير سبعين من أصحابه فقتلوهم جميعا بما في ذلك أطفاله الرضع. فأي غرابة بعد هذا؟ أي غرابة بعد قول الرسول لأصحابه: " ستتبعون سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتي لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: أتراهم اليهود والنصاري؟ قال: فمن إذن؟؟ " [180] . أي غرابة ونحن نقرأ في البخاري ومسلم قوله صلي الله عليه وآله وسلم: [ صفحه 97] يؤتي بأصحابي يوم القيامة إلي ذات الشمال فأقول إلي أين؟ فيقال إلي النار والله، فأقول: يا رب هؤلاء أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا من بعدك، فأقول: سحقا لمن بدل بعدي ولا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم " [181] . أي غرابة بعد قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " ستفترق أمتي إلي ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة " [182] وصدق العلي العظيم رب العزة والجلالة العليم بذات الصدور إذ يقول: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) سورة يوسف آية 103. (بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون) سورة

المؤمنون آية 70. (لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون) سورة الزخرف آية 78. (ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون) سورة يونس آية 55. (يرضونكم بأفواههم وتأبي قلوبهم وأكثرهم فاسقون) سورة التوبة آية 8. (إن الله لذو فضل علي الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون) سورة يونس آية 60. (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون) سورة النحل آية 83. (ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبي أكثر الناس إلا كفورا) الفرقان آية 50. [ صفحه 98] (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) سورة يوسف آية 106. (بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون) سورة الأنبياء آية 24. (أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون...) النجم آية 61. [ صفحه 99]

حسرة وأسي

كيف لا أتحسر؟ بل كيف لا يتحسر كل مسلم عند قراءة مثل هذه الحقائق - علي ما خسره المسلمون بإقصاء الإمام علي عن الخلافة التي نصبه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيها، وحرمان الأمة من قيادته الحكيمة. وعلومه الكثيرة. وإذا ما نظر المسلم بغير تعصب ولا عاطفة، لوجده أعلم الناس بعد الرسول، فالتاريخ يشهد أن علماء الصحابة استفتوه في كل ما أشكل عليهم وقول عمر بن الخطاب أكثر من سبعين مرة " لولا علي لهلك عمر " [183] في حين أنه (عليه السلام) لم يسأل أحدا منهم أبدا. كما أن التاريخ يعترف بأن علي بن أبي طالب أشجع الصحابة وأقواهم، وقد فر الشجعان من الصحابة في مواقف عديدة من الزحف في حين ثبت هو (عليه السلام) في المواقف كلها، ويكفيه دليلا الوسام الذي وسمه به رسول الله [ صفحه 100] صلي الله عليه وآله وسلم عندما قال: "

لأعطين غدا رايتي إلي رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار ليس فرارا امتحن الله قلبه للإيمان " [184] . فتطاول إليها الصحابة فدفعها إلي علي بن أبي طالب. وباختصار فإن موضوع العلم والقوة والشجاعة التي يختص بها الإمام علي - موضوع معروف لدي الخاص والعام ولا يختلف فيه اثنان - وبقطع النظر عن النصوص الدالة علي إمامته بالتصريح والتلميح فإن القرآن الكريم لا يعترف بالقيادة والإمامة إلا للعالم الشجاع القوي، قال الله سبحانه وتعالي في وجوب اتباع العلماء. (أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون) [185] . وقال تعالي في وجوب قيادة العالم الشجاع القوي (قالوا أني يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال، قال: إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم، والله يؤتي ملكه من يشاءوالله واسع عليم) [186] . ولقد زاد الله سبحانه للإمام علي بالنسبة إلي كل الصحابة زاده بسطة في العلم فكان بحق " باب مدينة العلم " وكان هو المرجع الوحيد للصحابة بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكان الصحابة كلما عجزوا عنحل يقولون " معضلة وليس لها إلا أبو الحسن " [187] . [ صفحه 101] وزاده بسطة في الجسم فكان بحق أسد الله الغالب وأصبحت قوته وشجاعته مضرب الأمثال عبر الأجيال حتي روي المؤرخون فيها قصصا تقارب المعجزات كاقتلاع باب خيبر وقد عجز عن تحريكه فيما بعد عشرون صحابيا [188] واقتلاع الصنم الأكبر هبل [189] من فوق سطح الكعبة، وتحويل الصخرة العظيمة التي عجز الجيش كله عن تحريكها [190] وغير ذلك من الروايات المشهورة. وقد

أشاد النبي صلي الله عليه وآله وسلم بابن عمه علي وأبان فضله وفضائله في كل مناسبة وعرف بخصائصه ومزاياه فمرة يقول:" إن هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا " [191] . ومرة يقول له:" أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي " [192] . وأخري يقول: " من أراد أن يحيا حياتي، ويموت موتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فليتول علي بن أبي طالب فإنه لن يخرجكم من هدي، ولن يدخلكم في ضلالة " [193] . والمتتبع لسيرة الرسول الكريم صلي الله عليه وآله وسلم يجده لم يكتف بالأقوال والأحاديث فيه فحسب بل إن أقواله تجسدت في أعماله فلم يؤمر في حياته علي علي أحدا من الصحابة بالرغم من تأميرهم علي بعضهم البعض فقد أمر علي [ صفحه 102] أبي بكر وعمر في غزوة ذات السلاسل عمرو بن العاص [194] . كما أمر عليهم جميعا شابا صغيرا وهو أسامة بن زيد وذلك في سرية أسامة قبل موته صلي الله عليه وآله وسلم. أما علي بن أبي طالب فلم يكن في بعث إلا وهو الأمير حتي أنه صلي الله عليه وآله وسلم بعث في مرة بعثين وأمر عليا علي بعث وخالد بن الوليد علي بعث وقال لهم: إذا افترقتم فكل واحد علي جيشه وإذا التقيتم فعلي علي الجيش كله. ونستنتج من كل ما تقدم بأن عليا هو ولي المؤمنين بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولا ينبغي لأحد أن يتقدم عليه. ولكن مع الأسف الشديد فقد خسر المسلمون خسارة فادحة، وهم يعانون حتي اليوم ويجنون ثمار ما غرسوه، وقد عرف الثالون غب ما أسسه الأولون. وهل يمكن

لأحد أن يتصور خلافة راشدة كخلافة علي بن أبي طالب لو اتبعت هذه الأمة ما اختاره الله ورسوله فعلي كان بإمكانه أن يقود الأمة طول ثلاثين عاما علي نسق واحد كما قادها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وبدون أي تغيير، ذلك لأن أبا بكر وعمرا غيرا واجتهدا بأدائهما مقابل النصوص وأصبح فعلهما سنة متبعة، ولما جاء عثمان للخلافة غير أكثر حتي قيل أنه خالف كتاب الله وسنة رسوله وسنة أبي بكر وعمر وأنكر عليه الصحابة ذلك وقامت عليه ثورة شعبية عارمة أودت بحياته وسببت فتنة كبري في الأمة لم يندمل جراحها حتي الآن. أما علي بن أبي طالب فكان يتقيد بكتاب الله وسنة رسوله لا يحيد عنهما قيد أنملة وأكبر شاهد علي ذلك أنه رفض الخلافة عندما اشترطوا عليه أن يحكم مع كتاب الله وسنة رسوله، سنة الخليفتين. [ صفحه 103] ولسائل أن يسأل: لماذا يتقيد علي بكتاب الله وسنة رسوله بينما اضطر أبو بكر وعمر وعثمان للاجتهاد والتغيير؟ والجواب هو أن عليا عنده من العلم ما ليس عندهم وأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خصه بألف باب من العلم يفتح لكل باب ألف باب [195] وقال له:" أنت يا علي تبين لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي " [196] . أما الخلفاء فكانوا لا يعلمون كثيرا من أحكام القرآن الظاهرية فضلا عن تأويله فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما في باب التيمم بأن رجلا سأل عمر بن الخطاب أيام خلافته فقال: يا أمير المؤمنين إني أجنبت ولم أجد الماء فماذا أصنع؟ قال له عمر: لا تصل!! وكذلك لم يعرف حكم الكلالة حتي مات وهو يقول وددت لو سألت رسول الله عن

الكلالة بينما حكمها مذكور في القرآن الكريم، ولذا كان عمر الذي يقول عنه أهل السنة الجماعة بأنه من الملهمين علي هذا المستوي العلمي، فلا تسأل عن الآخرين الذين أدخلوا البدع في دين الله بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير سوي اجتهادات شخصية. ولقائل أن يقول: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يبين الإمام علي للأمة ما اختلفوا فيه بعد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. والجواب هو: أن الإمام عليا لم يأل جهدا في تبيين ما أشكل علي الأمة وكان مرجح الصحابة في كل ما أشكل عليهم فكان يأتي ويوضح وينصح فكانوا يأخذون منه ما يعجبهم وما لا يتعارض مع سياستهم ويدعون ما سوي ذلك والتاريخ أكبر شاهد علي ما نقول. [ صفحه 104] والحقيقة هي: لولا علي بن أبي طالب والأئمة من ولده لما عرف الناس معالم دينهم، ولكن الناس كما أعلمنا القرآن لا يحبون الحق فاتبعوا أهواءهم واخترعوا مذاهب في مقابل الأئمة من أهل البيت الذين كانت الحكومات تحسب عليهم أنفاسهم ولا تترك لهم حرية التحرك والاتصال المباشر. فكان علي يصعد علي المنبر ويقول للناس: سلوني قبل أن تفقدوني، ويكفي عليا أن ترك نهج البلاغة، والأئمة من أهل البيت سلام الله عليهم تركوا من العلم ما ملأ الخافقين وشهد لهم بذلك أئمة المسلمين سنة وشيعة - وأعود للموضوع فأقول علي هذا الأساس: لو قدر لعلي أن يقود الأمة ثلاثين عاما علي سيرة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لعم الإسلام ولتغلغلت العقيدة في قلوب الناس أكثر وأعمق ولما كانت فتنة صغري ولا فتنة كبري ولا كربلاء ولا عاشوراء، ولو تصورنا قيادة الأئمة الأحد عشر بعد علي والذي نص عليهم رسول الله صلي

الله عليه وآله وسلم والذين امتدت حياتهم عبر ثلاث قرون لما بقي في الأرض ديار لغير المسلمين ولكانت الأرض اليوم علي غير ما نشاهده اليوم ولكانت حياتنا إنسانية. بمعناها الحقيقي. ولكن قال الله تعالي: (ألم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) [197] وقد فشلت الأمة الإسلامية في الامتحان كما فشلت الأمم السابقة كما نص علي ذلك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [198] في العديد من المناسبات، كما أكد عليه القرآن الكريم في العديد من الآيات [199] . [ صفحه 105]

تعليق علي هامش البحث شواهد أخري علي ولاية علي

وكأن الله سبحانه وتعالي أراد أن تكون ولاية علي هي الاختبار للمسلمين فكل اختلاف وقع فبسببها ولأنه سبحانه لطيف بعباده فلا يؤاخذ التالين بما فعل الأولون فجلت حكمته وحف تلك الحادثة بأحداث أخري جليلة تشبه المعجزات حتي تكون حافزا للأمة فينقلها الحاضرون ويعتبر بها اللاحقون عسي أن يهتدوا للحق من طريق البحث. الشاهد الأول: يتعلق بعقوبة من كذب بولاية علي وذلك أنه بعد شيوع خبر غدير خم وتنصيب الإمام علي خليفة علي المسلمين، وقول الرسول لهم: فليبلغ الشاهد الغائب. وصل الخبر إلي الحارث بن النعمان الفهري ولم يعجبه ذلك [200] فأقبل علي رسول الله، وأناخ راحلته أمام باب المسجد ودخل علي النبي صلي الله عليه وآله [ صفحه 106] وسلم فقال: يا محمد إنك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا منك ذلك، وأمرتنا أن نصلي خمس صلوات في اليوم والليلة ونصوم رمضان، ونحج البيت، ونزكي أموالنا فقبلنا منك ذلك، ثم لم ترض بهذا حتي رفعت بضبعي ابن عمك وفضلته علي الناس وقلت " من كنت مولاه فعلي مولاه " فهذا شئ منك

أو من الله؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقد احمرت عيناه: والله الذي لا إله إلا هو إنه من الله وليس مني قالها ثلاثا. فقام الحارث وهو يقول: " اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأرسل علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ". قال: فوالله ما بلغ ناقته حتي رماه الله من السماء بحجر فوقع علي هامته فخرج من دبره ومات، وأنزل الله تعالي: (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع). وهذه الحادثة نقلها جمع غفير من علماء أهل السنة غير الذين ذكرناهم [201] فمن أراد مزيدا من المصادر فعليه بكتاب الغدير للعلامة الأميني. [ صفحه 107] الشاهد الثاني: يتعلق بعقوبة من كتم الشهادة بحادثة الغدير وأصابته دعوة الإمام علي. وذلك عندما قام الإمام علي أيام خلافته، في يوم مشهود إذ جمع الناس في الرحبة ونادي من فوق المنبر قائلا: " أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم " من كنت مولاه فعلي مولاه " إلا قام فشهد بما سمع، ولا يقم إلا من رآه بعينيه وسمعه بأذنيه ". فقام ثلاثون صحابيا منهم ستة عشر بدريا، فشهدوا أنه صلي الله عليه وآله وسلم أخذ بيده، فقال للناس: " أتعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم، فقال صلي الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من ولاه، وعاد من عاداه... " الحديث. ولكن بعض الصحابة ممن حضروا واقعة الغدير أقعدهم الحسد أو البغض للإمام، فلم يقوموا للشهادة ومن هؤلاء أنس بن مالك، حيث نزل إليه الإمام علي من المنبر وقال له: ما لك يا

أنس لا تقوم مع أصحاب رسول الله فتشهد بما سمعته منه يومئذ كما شهدوا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، كبرت سني ونسيت، فقال الإمام علي: إن كنت كاذبا فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامة، فما قام حتي أبيض وجهه برصا، فكان بعد ذلك يبكي ويقول: أصابتني دعوة العبد الصالح لأني كتمت شهادته. وهذه القصة مشهورة ذكرها ابن قتيبة في كتاب المعارف [202] حيث عد أنسا من أصحاب العاهات في باب البرص وكذلك الإمام أحمد بن حنبل في مسنده [203] . [ صفحه 108] حيث قال: فقاموا إلا ثلاثة لم يقوموا فأصابتهم دعوته. وتجدر الإشارة هنا بأن نذكر هؤلاء الثلاثة الذين ذكرهم الإمام أحمد برواية البلاذري [204] قال بعدها أورد مناشدة الإمام علي للشهادة، وكان تحت المنبر أنس بن مالك والبراء بن عازب، وجوير بن عبد الله البجلي، فأعادها فلم يجبه منهم أحد فقال: اللهم من كتم هذه الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتي تجعل به آية يعرف بها. قال: فبرص أنس بن مالك، وعمي البراء بن عازب، ورجع جرير أعرابيا بعد هجرته فأتي الشراة فمات في بيت أمه. وهذه القصة مشهورة تناقلها جمع كبير من المؤرخين [205] . (فاعتبروا يا أولي الألباب) والمتتبع يعرف من خلال هذه الحادثة [206] التي أحياها الإمام علي بعد مرور ربع قرن عليها وبعدما كادت تنسي يعرف ما هي قيمة الإمام علي وعظمته ومدي علو همته وصفاء نفسه، وهو في حين أعطي للصبر أكثر من حقه، ونصح لأبي بكر وعمر وعثمان ما علم أن في نصحهم مصلحة الإسلام والمسلمين، كان مع ذلك يحمل في جنباته حادثة الغدير بكل معانيها وهي حاضرة في ضميره في كل لحظات حياته فما إن

وجد فرصة سانحة لبعثها وإحيائها من جديد حتي حمل غيره [ صفحه 109] للشهادة بها علي مسمع ومرأي من الناس. وانظر كيف كانت طريقة إحياء هذه الذكري المباركة وما فيها من الحكمة البالغة لإقامة الحجة علي المسلمين من حضر منهم الواقعة ومن لم يحضر، فلو قال الإمام: أيها الناس لقد أوصي بي رسول الله في غدير خم علي الخلافة، لما كان لذلك وقعا في نفوس الحاضرين ولاحتجوا عليه عن سكوته طوال تلك المدة. ولكنه لما قال: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله يقول ما قال يوم غدير خم، إلا قام فشهد، فكانت الحادثة منقولة بحديث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي لسان ثلاثين صحابيا منهم ستة عشر بدريا وبذلك قطع الإمام الطريق علي المكذبين والمشككين وعلي المحتجين عن سكوته طوال تلك المدة، لأن في سكوت هؤلاء الثلاثين معه وهم من عظماء الصحابة لدليل كبير علي خطورة الموقف وعلي أن السكوت فيه مصلحة الإسلام كما لا يخفي. [ صفحه 111]

تعليق علي الشوري

رأينا فيما سبق بأن الخلافة علي قول الشيعة هي باختيار الله سبحانه، وتعيين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعد وحي يوحي به إليه. وهذا القول يتماشي تماما مع فلسفة الإسلام في كل أحكامه وتشريعاته إذ أن الله سبحانه هو الذي (يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة) [207] . وبما أن الله سبحانه أراد أن تكون أمة محمد خير أمة أخرجت للناس، فلا بد لها من قيادة حكيمة، رشيدة، عالمة، قوية، شجاعة، تقية، زاهدة، في أعلي درجات الإيمان، وهذا لا يتأتي إلي لمن اصطفاه الله سبحانه وتعالي، وكيفه بميزات خاصة تؤهله للقيادة والزعامة: قال الله تعالي: (الله يصطفي

من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير) [208] . وكما أن الأنبياء اصطفاهم الله سبحانه فكذلك الأوصياء. وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: [ صفحه 112] " لكل نبي وصي، وأنا وصيي علي بن أبي طالب " [209] . وفي حديث آخر قال صلي الله عليه وآله وسلم:" أنا خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء " [210] . وعلي هذا الأساس فإن الشيعة سلموا أمرهم لله ورسوله، ولم يبق منهم من يدع الخلافة لنفسه أو يطمع فيها، لا بالنص ولا بالاختيار، أولا لأن النص ينفي الاختيار والشوري وثانيا لأن النص قد وقع من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي أشخاص معدودين ومعينين [211] بأسمائهم، فلا يتطاول إليها منهم متطاول وإن فعل فهو فاسق خارج عن الدين. أما الخلافة عند أهل السنة والجماعة فهي بالاختيار والشوري وبذلك فتحوا الباب الذي لا يمكن غلقه علي أي واحد من الأمة وأطمعوا فيها كل قاص ودان، وكل غث وسمين، وحتي تحولت من قريش إلي الموالي والعبيد وإلي الفرس والمماليك وإلي الأتراك والمغول. وتبخرت تلك القيم والشروط التي اشترطوها في الخليفة لأن غير المعصوم بشر ملئ بالعاطفة والغرائز، وبمجرد وصوله إلي الحكم لا يؤمن أن ينقلب ويكون أسوأ مما كان والتاريخ الإسلامي خير شاهد علي ما نقول. وأخشي أن يتصور بعض القراء بأنني أبالغ، فما عليهم إلا أن يتصفحوا تاريخ الأمويين والعباسيين وغيرهم حتي يعرفوا بأن من تسمي أمير المؤمنين كان يتجاهر بشرب الخمر ويلاعب القرود ويلبسهم الذهب وأن (أمير المؤمنين) يلبس جاريته لباسه لتصلي بالمسلمين، وأن (أمير المؤمنين) تموت جاريته حبابة فيسلب [ صفحه 113] عقله وأن (أمير المؤمنين) يطرب لشاعر فيقبل ذكره.

ولماذا نستغرق في هؤلاء الذين حكم المسلمون بأنهم لا يمثلون إلا الملك العضوض ولا يمثلون الخلافة وذلك للحديث الذي يروونه وهو قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: " الخلافة من بعدي ثلاثون عاما ثم تكون ملكا عضوضا ". وليس هذا موضوع بحثنا فمن أراد الاطلاع علي ذلك فعليه مراجعة تاريخ الطبري وتاريخ ابن الأثير وأبي الفداء وابن قتيبة وغيرهم. وإنما أردت بيان مساوي الاختيار وعقم النظرية من أساسها لأن من نختاره اليوم قد ننقم عليه غدا ويتبين لنا بأننا أخطأنا ولم نحسن الاختيار - كما وقع ذلك لعبد الرحمن بن عوف نفسه عندما اختار للخلافة عثمان بن عفان وندم بعد ذلك، ولكن ندمه لم يفد الأمة شيئا بعد توريطها، وإذا كان صحابي جليل من الرعيل الأول وهو عثمان لا يفي بالعهد الذي أعطاه لعبد الرحمن بن عوف، وإذا كان صحابي جليل من الرعيل الأول وهو عبد الرحمن بن عوف لا يحسن الاختيار، فلا يمكن لعاقل بعد ذلك أن يرتاح لهذه النظرية العقيمة، والتي ما تولد عنها إلا الاضطراب وعدم الاستقرار وإراقة الدماء، فإذا كانت بيعة أبي بكر فلتة كما وصفها عمر بن الخطاب وقد وقي الله المسلمين شرها، وقد خالف وتخلف عنها جمع غفير من الصحابة، وإذا كانت بيعة علي بن أبي طالب بعد ذلك علي رؤوس الملأ ولكن بعض الصحابة نكث البيعة، وانجر عن ذلك حرب الجمل، وحرب صفين، وحرب النهروان، وزهقت فيها أرواح بريئة، فكيف يرتاح العقلاء بعد ذلك لهذه القاعدة التي جربت وفشلت فشلا ذريعا من بدايتها وكانت وبالا علي المسلمين. وبالخصوص إذا عرفنا أن هؤلاء الذين يقولون بالشوري يختارون الخليفة ولا يقدرون بعد ذلك علي تبديله أو عزله، وقد حاول

المسلمين جهدهم عزل عثمان فأبي قائلا: لا أنزع قميصا قمصنيه الله. ومما يزيدنا نفورا من هذه النظرية، ما نراه اليوم في دول الغرب المتحضرة والتي تزعم الديمقراطية في اختيار رئيس الدولة، وتري الأحزاب المتعددة تتصارع وتتساوم وتتسابق للوصول إلي منصة الحكم بأي ثمن، وتصرف من أجل ذلك [ صفحه 114] البلايين من الأموال التي تخصص للدعاية بكل وسائلها وتهدر طاقات كبيرة علي حساب المستضعفين من الشعب المسكين الذي قد يكون في أشد الحاجة إليها، وما أن يصل أحدهم إلي الرئاسة حتي تأخذه العاطفة فيولي أنصاره وأعضاء حزبه وأصدقاءه وأقاربه في مناصب الوزراء والمسؤوليات العظمي والمراكز المهمة في الإدارة ويبقي الآخرون يعملون في المعارضة مدة رئاسته المتفق عليها أيضا فيخلقون له المشاكل والعراقيل ويحاولون جهدهم فضحه والإطاحة به، وفي كل ذلك خسارة فادحة للشعب المغلوب علي أمره، فكم من قيم إنسانية سقطت، وكم من رذائل شيطانية رفعت باسم الحرية والديمقراطية وتحت شعارات براقة، فأصبح اللواط قانونا مشروعا والزنا بدلا من الزواج تقدما ورقيا وحدث في ذلك ولا حرج. فما أعظم عقيدة الشيعة في القول بأن الخلافة أصل من أصول الدين، وما أعظم قولهم بأن هذا المنصب هو باختيار الله سبحانه، فهو قول سديد ورأي رشيد يقبله العقل ويرتاح إليه الضمير، وتؤيده النصوص من القرآن والسنة، ويرغم أنوف الجبابرة والمتسلطين، والملوك والسلاطين، ويفيض علي المجتمع السكينة والاستقرار. [ صفحه 115]

الاختلاف في الثقلين

اشاره

عرفنا في ما سبق ومن خلال الأبحاث المتقدمة رأي الشيعة وأهل السنة في الخلافة وما فعله الرسول صلي الله عليه آله وسلم تجاه الأمة علي قول الفريقين. فهل ترك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأمته شيئا؟ تعتمد عليه وترجع إليه فيما قد يقع فيه

الخلاف الذي لا بد منه والذي سجله كتاب الله بقوله تعالي: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شئ فردوه إلي الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير أحسن تأويلا } [212] . نعم لا بد للرسول صلي الله عليه وآله وسلم أن يترك للأمة قاعدة ترتكز عليها، فهو إنما بعث رحمة للعالمين، وهو حريص علي أن تكون أمته خير الأمم ولا تختلف بعده ولهذا روي عنه أصحابه والمحدثون بأنه قال: " تركت فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما، لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب [ صفحه 116] الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتي يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما " [213] . وهذا الحديث صحيح ثابت أخرجه المحدثون من الفريقين السنة والشيعة. ورووه في مسانيدهم وفي صحاحهم عن طريق ما يزيد علي ثلاثين صحابيا. وبما أنني وكالعادة لا أحتج بكتب الشيعة ولا بأقوال علمائهم فكان لزاما علي أن أذكر فقط علماء السنة الذين أخرجوا حديث الثقلين معترفين بصحته حتي يكون البحث دائما موضوعيا يتصف بالعدل والإنصاف (وإن كان العدل والإنصاف يقتضي ذكر قول الشيعة أيضا). وهذه قائمة وجيزة عن رواة هذا الحديث من علماء السنة: 1 - صحيح مسلم كتاب فضائل علي بن أبي طالب ج 7 ص 122. 2 - صحيح الترمذي ج 5 ص 328. 3 - الإمام النسائي في خصائصه ص 21. 4 - الإمام أحمد بن حنبل ج 3 ص 17. 5 - مستدرك الحاكم ج 3 ص 109. 6 - كنز العمال ج 1 ص 154. 7 - الطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ص 194. 8

- جامع الأصول لابن الأثير ج 1 ص 187. 9 - الجامع الصغير للسيوطي ج 1 ص 353. 10 - مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 163. 11 - الفتح الكبير للنبهاني ج 1 ص 451. 12 - أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ج 2 ص 12. 13 - تاريخ ابن عساكر ج 5 ص 436. [ صفحه 117] 14 - تفسير ابن كثير ج 4 ص 113. 15 - التاج الجامع للأصول ج 3 ص 308. أضف إلي هؤلاء ابن حجر الذي ذكره في كتابه الصواعق المحرقة معترفا بصحته - والذهبي في تلخيصه معترفا بصحته علي شرط الشيخين - والخوارزمي الحنفي - وابن المغازلي الشافعي والطبراني في معجمه، وكذلك صاحب السيرة النبوية في هامش السيرة الحلبية وصاحب ينابيع المودة وغيرهم... فهل يجوز بعد هذا أن يدعي أحد أن حديث الثقلين " كتاب الله وعترتي " لا يعرفه أهل السنة وإنما هو من موضوعات الشيعة؟؟ قاتل الله التعصب والجمود الفكري والحمية الجاهلية. إذن، فحديث الثقلين الذي أوصي فيه صلي الله عليه وآله وسلم بالتمسك بكتاب الله وعترته الطاهرة، هو حديث صحيح عند أهل السنة كما مر علينا وعند الشيعة هو أكثر تواترا وسندا عن الأئمة الطاهرين. فلماذا يشكك البعض في هذا الحديث ويحاولون جهدهم أن يبدلوه " بكتاب الله وسنتي " ورغم أن صاحب كتاب " مفتاح كنوز السنة " يخرج في صفحة 478 بعنوان " وصيته (ص) بكتاب الله وسنة رسوله " نقلا عن البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة غير أنك إذا بحثت في هؤلاء الكتب الأربعة المذكورة فسوف لن تجد إشارة من قريب أو من بعيد إلي هذا الحديث - نعم

قد تجد في البخاري " كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة " [214] ولكنك لا تجد لهذا الحديث وجودا. وغاية ما يوجد في صحيح البخاري وفي الكتب المذكورة حديث يقول: " حدثنا طلحة بن مصرف قال: سألت عبد الله بن أبي أوفي رضي الله عنهما، هل كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم أوصي؟ فقال: لا، فقلت: كيف كتب علي [ صفحه 118] الناس الوصية أو أمروا بالوصية؟ قال: أوصي بكتاب الله " [215] . ولا وجود لحديث لرسول الله يقول فيه " تركت فيكم الثقلين كتاب الله وسنتي " وحتي علي فرض وجود هذا الحديث في بعض الكتب فلا عبرة به، لأن الاجماع علي خلافه كما تقدم ثم لو بحثنا في حديث " كتاب الله وسنتي " لوجدناه لا يستقيم مع الواقع، لا نقلا ولا عقلا، ولنا في رده بعض الوجوه. الوجه الأول: اتفق المؤرخون والمحدثون بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم منع من كتابه أحاديثه، ولم يدع أحد أنه كان يكتب السنة النبوية في عهده صلي الله عليه وآله وسلم، فقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم تركت فيكم " كتاب الله وسنتي " لا يستقيم - أما بالنسبة بكتاب الله فهو مكتوب ومحفوظ في صدور الرجال وبإمكان أي صحابي الرجوع إلي المصحف ولو لم يكن من الحفاظ. أما بالنسبة للسنة النبوية فليس هناك شئ مكتوب أو مجموع في عهده صلي الله عليه وآله وسلم فالسنة النبوية كما هو معلوم ومتفق عليه، كل ما قاله الرسول أو فعله أو أقره، ومن المعلوم أيضا أن الرسول لم يكن يجمع أصحابه ليعلمهم السنة النبوية - بل كان يتحدث في كل مناسبة وقد يحضر بعضهم وقد

لا يكون معه إلا واحد من أصحابه فكيف يمكن للرسول والحال هذه، أن يقول لهم تركت فيكم سنتي؟؟ الوجه الثاني: لما اشتد برسول الله وجعه وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام طلب منهم أن يأتوه بالكتف والدواة ليكتب لهم كتابا لا يضلوا بعده أبدا، فقال عمر بن [ صفحه 119] الخطاب إن رسول الله ليهجر وحسبنا كتاب الله! [216] . فلو كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد قال لهم من قبل تركت فيكم " كتاب الله وسنتي " لما جاز لعمر بن الخطاب أن يقول: حسبنا كتاب الله!، لأنه بذلك يكون هو والصحابة الذين قالوا بمقالته رادين علي رسول الله ولا أظن أن أهل السنة والجماعة يرضون بهذا. ولذلك فهمنا أن الحديث وضعه بعض المتأخرين الذين يعادون أهل البيت وخصوصا بعد إقصائهم عن الخلافة، وكأن الذي وضع حديث " كتاب الله وسنتي " استغرب أن يكون الناس تمسكوا بكتاب الله وتركوا العترة واقتدوا بغيرهم، فظن أنه باختلاق الحديث سيصحح مسيرتهم ويبعد النقد والتجريح عن الصحابة الذين خالفوا وصية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. الوجه الثالث: من المعروف أن أول حادثة اعترضت أبا بكر في أوائل خلافته هي قراره محاربة مانعي الزكاة، رغم معارضة عمر بن الخطاب له واستشهاده بحديث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله عصم مني حاله ودمه إلا بحقها وحسابه علي الله ". فلو كانت سنة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم معلومة ما كان أبو بكر يجهلها وهو أولي الناس معرفتها. ولكن عمر بعد ذلك اقتنع بتأويل أبي بكر للحديث الذي رواه وقول أبي بكر بأن الزكاة

هي حق المال، ولكنهم غفلوا أو تغافلوا عن سنة الرسول الفعلية التي لا تقبل التأويل وهي قصة ثعلبة الذي امتنع عن دفع الزكاة لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ونزل فيه قرآن ولم يقاتله رسول الله ولا أجبره علي دفعها وأين [ صفحه 120] أبو بكر وعمر من قصة أسامة بن زيد الذي بعثه رسول الله في سرية، ولما غشي القوم وهزمهم لحق رجلا منهم فلما أدركه قال: لا إله إلا الله! فقتله أسامة، ولما بلغ النبي ذلك قال: يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ قال: كان متعوذا. فما زال يكررها حتي تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم [217] . ولكن هذا لا يمكن أن نصدق بحديث " كتاب الله وسنتي " لأن الصحابة أول من جهل السنة النبوية فكيف بمن جاء بعدهم وكيف بمن بعد مسكنه عن المدينة؟ الوجه الرابع: من المعروف أيضا أن كثيرا من أعمال الصحابة بعد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم كانت مخالفة لسنته. فإما أن يكون هؤلاء الصحابة يعرفون سنته صلي الله عليه وآله وسلم وخالفوها عمدا، اجتهادا منهم في مقابل نصوص النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهؤلاء ينطبق عليهم قول الله سبحانه وتعالي: (ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) [218] . وأما أنهم كانوا يجهلون سنته صلي الله عليه وآله وسلم فلا يحق لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والحال هذه أن يقول لهم تركت فيكم سنتي وهو يعلم أن أصحابه وأقرب الناس إليه لم يحيطوا بها علما فكيف بمن يأتي بعدهم

ولم يعرفوا ولم يشاهدوا النبي. الوجه الخامس: من المعلوم أيضا أنه لم تدون السنة إلا في عهد الدولة العباسية وأن أول كتاب كتب في الحديث هو موطأ الإمام مالك، وذلك بعد الفتنة الكبري، وبعد واقعة الحرة واستباحة المدينة المنورة، وقتل الصحابة فيها صبرا، [ صفحه 121] فكيف يطمئن الإنسان بعد ذلك إلي رواة تقربوا للسلطان لنيل الدنيا - ولذلك اضطربت الأحاديث وتناقضت وانقسمت الأمة إلي مذاهب، فما ثبت عند هذا المذهب لم يثبت عند غيره وما صححه هذا يكذبه ذاك. فكيف نصدق بأن رسول الله قال تركت " كتاب الله وسنتي " وهو الذي كان يعلم بأن المنافقين والمنحرفين سوف يكذبون عليه، وقد قال: " كثرت علي الكذابة فمن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار فإذا كانت الكذابة قد كثرت في حياته فكيف يكلف أمته باتباع سنته، وليس لهم معرفة بصحيحها من سقيمها وغثها من سمينها. الوجه السادس: يروي أهل السنة والجماعة في صحاحهم بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ترك ثقلين، أو خليفتين، أو شيئين، فمرة يروون كتاب الله وسنة رسوله، ومرة يروون عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، ومعلوم بالضرورة أن الحديث التالي يضيف إلي كتاب الله وسنة رسوله، سنة الخلفاء فتصبح مصادر التشريع ثلاثة بدلا من اثنين وكل هذا يتنافي مع حديث الثقلين الصحيح والمتفق عليه من السنة والشيعة، ألا وهو " كتاب الله وعترتي " والذي قدمنا في ذكره أكثر من عشرين مصدرا من مصادر أهل السنة الموثوقة فضلا عن مصادر الشيعة التي لم نذكرها. الوجه السابع: إذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يعلم علم اليقين بأن أصحابه الذين نزل القرآن بلغتهم ولهجاتهم (كما يقولون)

- لم يعرفوا كثيرا من تفسيره ولا تأويله، فكيف بمن يأتي بعدهم وكيف بمن يعتنق الإسلام من الروم والفرس والحبش وكل الأعاجم الذين لا يفهمون العربية ولا يتكلمونها. وقد ثبت في الأثر أن أبا بكر سئل عن قوله تعالي: (وفاكهة وأبا) [ صفحه 122] فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني أن أقول في كتاب الله لما لا أعلم [219] كما أن عمر بن الخطاب أيضا لم يعرف هذا المعني فعن أنس بن مالك قال: إن عمر بن الخطاب قرأ علي المنبر: " فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا ". قال: كل هذا عرفناه فما الأب؟ ثم قال هذا لعمر الله هو التكلف، فما عليك أن لا تدري ما الأب، اتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب فاعملوا به وما لم تعرفوه فكلوه إلي ربه " [220] . وما يقال هنا في تفسير كتاب الله يقال هناك في تفسير السنة النبوية الشريفة فكم من حديث نبوي بقي موضوع خلاف بين الصحابة وبين المذاهب وبين السنة والشيعة سواء كان الخلاف ناتجا عن تصحيح الحديث أو تضعيفه، أم عن تفسير الحديث وفهمه، وللتوضيح أقدم للقارئ الكريم بعض الأمثلة عن ذلك.

الخلاف بين الصحابة في صحة الحديث أو كذبه

اشاره

هذا ما وقع لأبي بكر في أول أيامه عندما جاءته فاطمة الزهراء تطالبه بتسليم فدك التي أخذها منها بعد وفاة أبيها فكذبها فيما ادعته من أن أباها رسول الله أنحلها إياها في حياته كما أنها لما طالبته بميراث أبيها، قال لها بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ". فكذبته هي الأخري في نسبة هذا الحديث لأبيها وعارضة بكتاب الله واشتد

[ صفحه 123] النزاع والخلاف حتي ماتت وهي غاضبة عليه مهاجرة له لا تكلمه - كما ورد ذلك في صحيحي البخاري ومسلم.

اختلاف عائشة مع أبي هريرة

كذلك اختلاف عائشة أم المؤمنين مع أبي هريرة في الذي يصبح جنبا في رمضان فكانت تري صحة ذلك بينما يري أبو هريرة أن من أصبح جنبا أفطر. وإليك القصة بالتفصيل. أخرج الإمام مالك في الموطأ والبخاري في صحيحه عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنهما قالتا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يصبح جنبا من جماع غير احتلام في رمضان ثم يصوم، وعن أبي بكر بن عبد الرحمن قال كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم فقال مروان: أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلي أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنهما عن ذلك فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتي دخلنا علي عائشة فسلم عليها ثم قال: يا أم المؤمنين إنا كنا عند مروان بن الحكم فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم قالت عائشة: ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن أترغب عما كان رسول الله يصنع، فقال عبد الرحمن لا والله. قالت عائشة فأشهد علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنه كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم، قال ثم خرجنا حتي دخلنا علي أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت مثل ما قالت عائشة: قال فخرجنا حتي جئنا مروان بن الحكم فذكر له عبد الرحمن ما قالتا، فقال مروان: أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي فإنها

بالباب فلتذهبن إلي أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق فلتخبرنه ذلك، فركب عبد الرحمن وركبت معه حتي أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبد الرحمن ساعة ثم ذكر له ذلك فقال له أبو هريرة: لا علم لي بذاك إنما أخبرنيه مخبر [221] . أنظر أخي القارئ إلي صحابي مثل أبي هريرة الذي هو عند أهل السنة [ صفحه 124] راوية الإسلام كيف يفتي بأحكام دينية علي الظن وينسبها إلي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وهو لا يعلم حتي من أخبره بها.

قصة أخري لأبي هريرة يتناقض فيها مع نفسه

روي عبد الله بن محمد حدثنا هشام بن يوسف أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي مسلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا عدوي ولا صفر ولا هامة، فقال أعرابي يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فمن أعدي الأول. وعن أبي سلمة سمع أبا هريرة بعد يقول قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا يوردن ممرض علي مصح، وأنكر أبو هريرة حديثه الأول قلنا: ألم تحدث أنه لا عدوي فرطن بالحبشية قال أبو سلمة فما رأيته نسي حديثا غيره.. [222] . - فهذه أيها القارئ اللبيب سنة الرسول، أو قل ما ينسب للرسول فمرة يقول أبو هريرة إنه لا علم له بحديثه الأول وإنما أخبره مخبر ومرة أخري عندما يجابهوه بتناقضه لا يجيبهم بشئ وإنما يرطن بالحبشية حتي لا يفهمه أحد.

خلاف عائشة و ابن عمر

روي ابن جريح قال سمعت عطاء يخبر قال أخبرني عروة بن الزبير قال كنت أنا وابن عمر مستندين إلي حجرة عائشة وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن قال فقلت يا أبا عبد الرحمن اعتمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم في رجب قال نعم، فقلت لعائشة أي أمتاه ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن قالت وما يقول؟ قلت يقول اعتمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم في رجب، فقالت: " يغفر الله لأبي عبد الرحمن لعمري ما اعتمر في رجب وما اعتمر من عمرة إلا وإنه [ صفحه 125] لمعه " قال وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم سكت [223] .

اختلاف المذاهب في السنة النبوية

فإذا كان عمر وأبو بكر يختلفان في سنة النبي [224] صلي الله عليه وآله وسلم وإذا كان أبو بكر يختلف مع فاطمة في السنة النبوية [225] وإذا كان أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم يختلفن في سنة النبي [226] صلي الله عليه وآله وسلم، وإذا كان أبو هريرة يتناقض ويختلف مع عائشة في السنة النبوية [227] وإذا كان ابن عمر يختلف مع عائشة في سنة النبي [228] وإذا كان عبد الله بن عباس وابن الزبير يختلفان في السنة النبوية [229] وإذا كان علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان يختلفان في السنة النبوية [230] وإذا كان الصحابة يختلفون في ما بينهم في السنة النبوية [231] حتي كان للتابعين من بعدهم أكثر من سبعين مذهبا فكان ابن مسعود صاحب مذهب وكذلك ابن عمر - وابن عباس - وابن الزبير - وابن عيينة - وابن جريج والحسن البصري وسفيان الثوري، ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم كثير، ولكن المتغيرات السياسية

قضت علي الجميع ولم تبق إلا المذاهب الأربعة المعروفة عند أهل السنة والجماعة. [ صفحه 126] ورغم قلة عدد المذاهب إلا أنهم يختلفون في أغلب المسائل الفقهية وذلك من أجل اختلافهم في السنة النبوية فقد يبني أحدهم حكمه في مسألة طبق ما صححه من حديث الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بينما يجتهد غيره برأيه أو يقيس علي مسألة أخري لفقدان النص والحديث.

اختلاف السنة والشيعة في السنة النبوية

أما اختلاف السنة والشيعة في هذه المسألة فقد يكون لسببين رئيسيين. أحدهما عدم صحة الحديث عند الشيعة إذا كان أحد الرواة من المطعون في عدالته ولو كان من الصحابة. إذ أن الشيعة لا يقولون بعدالة الصحابة أجمعين كما هو الحال عند أهل السنة والجماعة. أضف إلي ذلك أنهم يرفضون الحديث إذا تعارض مع رواية الأئمة من أهل البيت، فهم يقدمون رواية هؤلاء علي غيرهم مهما علت مرتبتهم - ولهم في ذلك أدلة من القرآن والسنة ثابتة حتي عند خصومهم، وقد سبق الإشارة إلي بعضها. أما السبب الثاني في الاختلاف بينهما فهو ناتج عن مفهوم الحديث نفسه إذ قد يفسره أهل السنة والجماعة علي غير تفسير الشيعة - كالحديث الذي سبق أن أشرنا إليه وهو قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " اختلاف أمتي رحمة ". إذ يفسره أهل السنة والجماعة بأن في اختلاف المذاهب الأربعة في الأمور الفقهية رحمة للمسلمين. بينما يفسره الشيعة بالسفر إلي بعضهم البعض والاعتناء بأخذ العلم ونحوه من الفوائد. أو قد يكون الاختلاف بين الشيعة وأهل السنة، ليس في مفهوم الحديث النبوي، وإنما في الشخص أو الأشخاص المعنيين بهذا الحديث وذلك كقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ".

[ صفحه 127] فأهل السنة يعنون به الخلفاء الأربعة، أما الشيعة فيعنون به الأئمة الاثني عشر ابتداء من علي بن أبي طالب وانتهاء بالمهدي محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام). أو كقوله صلي الله عليه وآله وسلم: " الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش ". فالشيعة يعنون به الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) بينما لا يجد أهل السنة والجماعة تفسيرا شافيا لهذا الحديث وقد اختلفوا حتي في الأحداث التاريخية التي تتعلق بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم كما هو الحال في يوم مولده الشريف إذ يحتفل أهل السنة بالمولد النبوي الشريف يوم الثاني عشر من ربيع الأول في حين يحتفل الشيعة في اليوم السابع عشر من نفس الشهر. ولعمري إن هذا الاختلاف في السنة النبوية أمر طبيعي لا مفر منه إذا لم يكن هناك مرجع يرجع إليه الجميع ويكون حكمه نافذا، ورأيه مقبولا لدي الجميع كما كان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، حيث كان يقطع دابر الخلاف ويحسم النزاع ويحكم بما أراه الله فيسلمون ولو كان في أنفسهم حرج، وإن وجود مثل هذا الشخص ضروري في حياة الأمة وعلي طول مداها! هكذا يحكم العقل ولا يمكن أن يغفل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن ذلك وهو يعلم بأن أمته ستتأول كلام الله من بعده، فكان لزاما عليه أن يحضر لها معلما قادرا ليقودها إلي الجادة إذا ما حاولت الانحراف عن الصراط المستقيم، وقد هيأ بالفعل لأمته قائدا عظيما بذل كل جهوده في تربيته وتعليمه منذ ولد إلي أن بلغ الكمال وصار منه بمنزلة هارون من موسي، فأوكل إليه هذه المهمة النبيلة بقوله: " أنا أقاتلهم علي تنزيل

القرآن وأنت تقاتلهم علي تأويله " [232] . [ صفحه 128] وقوله: " أنت يا علي تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي " [233] . فإذا كان القرآن وهو كتاب الله العزيز يتطلب من يقاتل في سبيل تفسيره وتوضيحه، لأنه كتاب صامت لا ينطق، وهو حمال أوجه متعددة وفيه الظاهر والباطن فكيف بالأحاديث النبوية؟! وإذا كان الأمر كذلك في الكتاب والسنة، فلا يمكن للرسول صلي الله عليه وآله وسلم أن يترك لأمته ثقلين صامتين أبكمين لا يتورع الذين في قلوبهم زيغ أن يتأولوهما لغرض ويتبعوا ما تشابه منهما ابتغاء الفتنة ابتغاء الدنيا ويكونوا سببا لضلالة من يأتي بعدهم، لأنهم أحسنوا الظن بهم واعتقدوا بعد التهم ويوم القيامة يندمون فيصدق فيهم قوله تعالي: (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا، وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا) [234] (كلما دخلت أمة لعنت أختها حتي إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم، ربنا هؤلاءأضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار، قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون) [235] . وهل كانت الضلالة إلا من ذلك؟ فليس هناك أمة لم يبعث الله فيهم رسولا أوضح لهم السبيل وأنار لهم الطريق ولكنهم بعد نبيهم راحوا يحرفون ويتأولون ويبدلون كلام الله! فهل يتصور عاقل أن رسول الله عيسي (عليه السلام) قال للنصاري بأنه إله؟ حاشا وكلا " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به " ولكن الأهواء والأطماع وحب الدنيا هو الذي جر النصاري لذلك ألم يبشرهم [ صفحه 129] عيسي بمحمد؟ ومن قبله موسي كذلك، ولكنهم تأولوا اسم محمد وأحمد " بالمنقذ " وهم حتي الآن

ينتظرونه. وهل كانت أمة محمد علي مذاهب وفرق متعددة إلي " ثلاث وسبعين كلها في النار إلي فرقة واحدة " إلا بسبب التأويل: وها نحن نعيش اليوم بين هذه الفرق هل هناك فرقة واحدة تنسب لنفسها الضلالة؟ أو بتعبير آخر: هل هناك فرقة واحدة تدعي أنها خالفت كتاب الله وسنة رسوله؟ بالعكس كل فرقة تقول بأنها هي المتمسكة بالكتاب والسنة، فما هو الحل إذا؟؟ أكان يغيب الحل عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أو بالأحري عن الله؟ أستغفر الله إنه لطيف بعباده ويحب لهم الخير فلا بد أن يضع لهم حلا، ليهلك من هلك علي بينة. وليس في شأنه سبحانه إهمال مخلوقاته وتركهم بدون هداية، اللهم إلا إذا اعتقدنا بأنه هو الذي أراد لهم الاختلاف والفرقة والضلالة ليزج بهم في ناره، وهو اعتقاد باطل فاسد. أستغفره وأتوب إليه من هذا القول الذي لا يليق بجلال الله وحكمته وعدالته. فقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بأنه ترك كتاب الله وسنة نبيه ليس هو الحل المعقول لقضيتنا، بل يزيدنا تعقيدا وتأويلا ولا يقطع دابر المشاغبين والمنحرفين، ألا تراهم عندما خرجوا علي إمامهم رفعوا شعار: ليس الحكم لك يا علي وإنما الحكم لله! إنه شعار براق يأخذ بلب السامع فيخال القائل به حريصا علي تطبيق أحكام الله، ورافضا لأحكام غيره من البشر، ولكن الحقيقة ليست كذلك. قال الله تعالي: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد اللهعلي ما في قبله، وهو ألد الخصام) [236] . نعم كثيرا ما نغتر بالشعارات البراقة ولا نعرف ماذا تخفي وراءها، ولكن [ صفحه 130] الإمام عليا يعرف ذلك لأنه باب مدينة العلم، فأجابهم " إنها كلمة حق

يراد بها باطل ". نعم كثيرة هي كلمات الحق التي يراد بها الباطل، كيف ذلك؟ عندما يقول الخوارج للإمام علي الحكم لله ليس لك يا علي، فهل سيظهر الله علي الأرض ويفصل بينهم في ما اختلفوا فيه؟ أم أنهم يعلمون أن حكم الله في القرآن، ولكن عليا تأوله حسب رأيه؟ فما هي حجتهم ومن يقول بأنهم هم الذين تأولوا حكم الله، والحال أنه أعلم منهم وأصدق وأسبق للإسلام وهل الإسلام غيره؟ إذن هو شعار براق ليموهوا به علي بسطاء العقول فيكسبوا تأييدهم ليستعينوا بهم علي حربه وكسب المعركة لصالحهم كما يقع اليوم فالزمان زمان والرجال رجال والدهاء والمكر لا ينقطع بل يزداد وينمو لأن دهاة هذا العصر يستفيدون من تجارب الأولين، فكم من كلمة حق يراد بها باطل في يومنا هذا؟ شعارات براقة كالذي يرفعها الوهابيون في وجه المسلمين وهو " التوحيد وعدم الشرك " فمن من المسلمين لا يوافق عليه؟ وكتسمية فرقة من المسلمين أنفسهم " بأهل السنة والجماعة " فمن من المسلمين لا يوافق أن يكون مع الجماعة التي تتبع سنة النبي؟ وكشعار البعثيين " أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة " فمن من المسلمين لا يغتر بهذا الشعار، قبل أن يعرف خفايا حزب البعث ومؤسسه النصراني ميشال عضلق؟ لك الله يا علي بن أبي طالب إن حكمتك بقيت وستبقي مدوية علي مسمع الدهر فكم من كلمة حق يراد بها الباطل، صعد أحد العلماء إلي منصة الخطابة وصاح بأعلي صوته: من قال بأنني شيعي نقول له: أنت كافر، ومن قال بأنني سني نقول له: أنت كافر، نحن لا نريد شيعة ولا سنة وإنما نريد إسلاما فقط - إنها كلمة حق يراد بها باطل

- فأي إسلام يريده هذا العالم؟ وفي عالمنا اليوم إسلام متعدد، بل وحتي في القرن الأول كان الإسلام متعددا، فهناك إسلام علي وإسلام معاوية وكلاهما له أتباع ومؤيدون حتي وصل الأمر إلي القتال وهناك إسلام [ صفحه 131] الحسين وإسلام يزيد الذي قتل أهل البيت باسم الإسلام وادعي أن الحسين خرج عن الإسلام بخروجه عليه وهناك إسلام أئمة أهل البيت وشيعتهم، وإسلام الحكام وشعوبهم، وعلي مر التاريخ نجد اختلافا بين المسلمين وهناك إسلام متسامح كما يسميه الغرب لأن أتباعه ألقوا بالمودة لليهود والنصاري وأصبحوا يركعون للقوتين العظيمتين وهناك إسلام متشدد يسميه الغرب إسلام التعصب والتحجر أو مجانين الله. وبعد كل هذا لم يبق معنا مجال للتصديق بحديث " كتاب الله وسنتي " للأسباب التي ذكرت. وتبقي الحقيقة ناصعة جلية في الحديث الثاني الذي أجمع عليه المسلمون وهو " كتاب الله وعترتي أهل بيتي " لأن هذا الحديث يحل كل المشكلات فلا يبقي اختلاف في تأويل أية آية من القرآن أو في تصحيح وتفسير أي حديث نبوي شريف إذا ما رجعنا إلي أهل البيت الذين أمرنا بالرجوع إليهم وخصوصا إذا علمنا بأن هؤلاء الذين عينهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هم أهل لذلك، ولا يشك أحد من المسلمين في غزارة علمهم وفي زهدهم وتقواهم، وقد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم وأورثهم علم الكتاب فلا يخالفونه ولا يختلفون فيه بل لا يفارقونه حتي قيام الساعة قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " إني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل مدود من السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض " [237] . " ولأكون مع الصادقين يجب علي

قول الحق لا تأخذني في ذلك لومة لائم وهدفي رضا الله سبحانه وإرضاء ضميري قبل رضا الناس عني ". [ صفحه 132] والحقيقة في هذا البحث هي في جانب الشيعة الذين اتبعوا وصية رسول الله في عترته وقدموهم علي أنفسهم وجعلوهم أئمتهم يتقربون إلي الله بحبهم والاقتداء بهم فهنيئا لهم بالفوز في الدنيا وفي الآخرة حيث يحشر المرء من أحب فكيف بمن أحبهم واقتدي بهديهم. قال الزمخشري في هذا الصدد: كثر الشك والاختلاف وكل++ يدعي أنه الصراط السوي فتمسكت بلا إله إلا الله++ وحبي لأحمد وعلي فاز كلب بحب أصحاب كهف++ فكيف أشقي بحب آل النبي اللهم اجعلنا من المتمسكين بحبل ولائهم والسائرين علي منهاجهم والراكبين سفينتهم والقائلين بإمامتهم والمحشورين في زمرتهم إنك تهدي من تشاء إلي صراط مستقيم. [ صفحه 133]

القضاء والقدر علي أهل السنة و الجماعة

كان موضوع القضاء والقدر لغزا عويصا في ما مضي من حياتي إذ لم أجد فيه تفسيرا شافيا ولا كافيا يريح فكري ويقنع قلبي، وبقيت محتارا، بين ما تعلمته في مدرسة أهل السنة من أن الإنسان مسير في كل أفعاله بما يوافق: " كل ميسر لما خلق له " وأن الله سبحانه يبعث إلي الجنين في بطن أمه ملكين من الملائكة فيكتبان أجله ورزقه وعمله، وإن كان شقيا أو سعيدا [238] ، وبين ما يمليه عقلي وضميري، من عدالة الله سبحانه وتعالي وعدم ظلمه لمخلوقاته، إذ كيف يجبرهم علي أفعال ثم يحاسبهم عليها ويعذبهم من أجل جرم كتبه هو عليهم وأجبرهم عليه. فكنت كغيري من شباب المسلمين أعيش تلك التناقضات الفكرية في تصوري بأن الله سبحانه هو القوي الجبار الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون [239] - وهو فعال لما يريد [240]

- وقد خلق وجعل قسما منهم في الجنة [ صفحه 134] وقسما آخر في الجحيم - ثم هو رحمن رحيم بعباده لا يظلم مثقال ذرة [241] (وما ربك بظلام للعبيد) [242] - (إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون) [243] ، ثم هو أحن عليهم من المرأة علي ولدها كما جاء ذلك في الحديث الشريف [244] . وكثيرا ما يتراءي هذا التناقض في فهمي لآيات القرآن الكريم فمرة أفهم بأن الإنسان علي نفسه بصيرة وهو المسؤول الوحيد عن أعماله (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) [245] . ومرة أفهم بأنه مسير وليس له حول ولا قوة، ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا رزقا، (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) [246] (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء) [247] . نعم لست وحدي بل أغلب المسلمين يعيش هذه التناقضات الفكرية ولذلك تجد أغلب الشيوخ والعلماء إذا ما سألتهم عن موضوع القضاء والقدر لا يجدون جوابا يقنعون به أنفسهم قبل إقناع غيرهم، فيقولون: هذا موضوع لا يجب الخوض فيه، وبعضهم يحرم الخوض فيه ويقول: يجب علي المسلم أن يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره وأنه من عند الله. وإذا ما سألهم معاند: كيف يجبر الله عبده علي ارتكاب جريمة ثم يزج به في نار جهنم؟ اتهموه بالكفر والزندقة والخروج عن الدين إلي غير ذلك من التهم [ صفحه 135] الباردة، فجمدت العقول وتحجرت وأصبح الإيمان بأن الزواج بالمكتوب، والطلاق بالمكتوب، وحتي الزنا فهو مكتوب إذ يقولون: مكتوب علي كل فرج اسم ناكحه، وكذلك شرب الخمر، وقتل النفس وحتي الأكل والشرب، فلا تأكل ولا تشرب إلا ما كتبه

الله لك! قلت لبعض علمائنا بعد استعراض كل هذه المسائل: إن القرآن يكذب هذه المزاعم، ولا يمكن للحديث أن يناقض القرآن! قال تعالي في شأن الزواج (وانكحوا ما طاب لكم من النساء) [248] فهذا يدل علي مربة الاختيار وفي شأن الطلاق (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) [249] وهو أيضا اختيار وفي الزنا قال (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) [250] وهو أيضا دليل الاختيار وفي الخمر قال (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) [251] وهي أيضا تنهي بمعني الاختيار. أما قتل النفس فقد قال فيها: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) [252] وقال: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه لعنه وأعد له عذابا أليما) [253] فهذه أيضا تفيد الاختيار في القتل. وحتي بخصوص الأكل والشرب فقد رسم لنا حدودا فقال: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) [254] فهذه أيضا بالاختيار. فكيف يا سيدي بعد هذه الأدلة القرآنية تقولون بأن كل شئ من الله [ صفحه 136] والعبد مسير في كل أفعاله؟؟. أجابني: بأن الله سبحانه هو وحده الذي يتصرف في الكون واستدل بقوله (قل اللهم مالك الملك توت الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز منتشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شئ قدير) [255] . قلت: لا خلاف بيننا في مشيئة الله سبحانه وإذا شاء الله أن يفعل شيئا، فليس بإمكان الإنس والجن ولا سائر المخلوقات أن يعارضوا مشيئته! وإنما إختلافنا في أفعال العباد هل هي منهم أم من الله؟؟ أجابني: لكم دينكم ولي

ديني، وأغلق باب النقاش بذلك. هذه هي في أغلب الأحيان حجة علمائنا، وأذكر أني رجعت إليه بعد يومين وقلت له: إذا كان اعتقادك أن الله هو الذي يفعل كل شئ وليس للعباد أن يختاروا أي شئ. فلماذا لا تقول في الخلافة نفس القول، وأن الله سبحانه هو الذي يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة؟ فقال: نعم أقول بذلك، لأن الله هو الذي اختار أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ولو شاء الله أن يكون علي هو الخليفة الأول ما كان الجن والإنس بقادرين علي منع ذلك. قلت: الآن وقعت. قال: كيف وقعت؟ قلت: إما أن تقول بأن الله اختار الخلفاء الراشدين الأربعة ثم بعد ذلك ترك الأمر للناس يختارون من شاؤوا. وأما أن تقول بأن الله لم يترك للناس الاختيار وإنما يختار هو كل الخلفاء من وفاة الرسول إلي قيام الساعة؟ أجاب: أقول بالثاني (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع [ صفحه 137] الملك ممن تشاء...) قلت: إذا فكل انحراف وكل ضلالة وكل جريمة وقعت في الإسلام بسبب الملوك والأمراء فهي من الله، لأنه هو الذي أمر هؤلاء علي رقاب المسلمين؟ أجاب: وهو كذلك، ومن الصالحين من قرأ (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها أي جعلناهم أمراء). قلت متعجبا: إذا فقتل علي علي يد ابن ملجم وقتل الحسين بن علي أراده الله؟؟ فقال منتصرا: نعم طبعا - ألم تسمع قول الرسول لعلي: " أشقي الآخرين الذي يضربك علي هذه حتي تبتل هذه. وأشار إلي رأسه ولحيته كرم الله وجهه ". وكذلك سيدنا الحسين قد علم رسول الله بمقتله في كربلاء وحدث أم سلمة بذلك كما علم بأن

سيدنا الحسن سيصلح الله به فرقتين عظيمتين من المسلمين، فكل شئ مسطر ومكتوب في الأزل وليس للإنسان مفر. وبهذا أنت الذي وقعت لا أنا. سكت قليلا أنظر إليه وهو مزهو بهذا الكلام، وظن أنه أفحمني بالدليل، كيف لي أن أقنعه بأن علم الله بالشئ لا يفيد حتما بأنه هو الذي قدره وأجبر الناس عليه، وأنا أعلم مسبقا بأن فكره لا يستوعب مثل هذه النظرية. سألته من جديد: إذا فكل الرؤساء والملوك قديما وحديثا والذين يحاربون الإسلام والمسلمين نصبهم الله - قال: نعم بدون شك. قلت: حتي الاستعمار الفرنسي علي تونس والجزائر والمغرب هو من الله قال: بلي، لما جاء الوقت المعلوم خرجت فرنسا من تلك الأقطار. قلت: سبحان الله! فكيف كنت تدافع سابقا عن نظرية أهل السنة بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مات وترك الأمر شوري بين المسلمين [ صفحه 138] ليختاروا من يشاؤون؟ قال: نعم ولا زلت علي ذلك وسأبقي علي ذلك إن شاء الله! قلت: فكيف توفق بين القولين: اختيار الله واختيار الناس بالشوري؟ قال: بما أن المسلمين اختاروا أبا بكر فقد اختاره الله! قلت: أنزل عليهم الوحي في السقيفة يدلهم علي اختيار الخليفة؟ قال: أستغفر الله ليس هناك وحي بعد محمد كما يعتقد الشيعة! (والشيعة كما هو معروف لا يعتقدون بهذا وإنما هي تهمة الصقها بهم أعداؤهم). قلت: دعنا من الشيعة وأباطيلهم، واقنعنا بما عندك! كيف علمت بأن الله اختار أبا بكر؟ قال: لو أراد الله خلاف ذلك لما تمكن المسلمون، ولا العالمون خلاف ما يريده الله تعالي؟ عرفت حينئذ أن هؤلاء لا يفكرون ولا يتدبرون القرآن، وعلي رأيهم سوف لن تستقيم أية نظرية فلسفية أو علمية. وهذا يذكرني

بقصة أخري كنت أمشي مع صديق في حديقة كان بها نخل كثير وكنت أحدثه في القضاء والقدر فسقطت فوق رأسي تمرة ناضجة أخذتها من فوق الحشائش لأكلها وضعتها في في. تعجب صديقي قائلا: لا تأكل إلا ما كتبه الله لك! هذه التمرة سقطت باسمك قلت: ما دمت تؤمن بأنها مكتوبة فسوف لن آكلها. ولفضتها. قال: سبحان الله! إذا كان الشئ غير مكتوب لك يخرجه الله حتي من بطنك قلت: إذا سآكلها والتقطتها من جديد لأثبت له بأني مخير في أكلها أو تركها بقي صديقي يرقبني حتي مضغتها وابتلعتها، عند ذلك قال: هي والله كاتبة لك (يقصد كتبها الله إليك)، وانتصر علي بتلك الطريقة لأنه لا يمكن لي بعد، أن أخرج التمرة من جوفي. [ صفحه 139] نعم هذه عقيدة أهل السنة في خصوص القضاء والقدر أو قل هذه عقيدتي عندما كنت سنيا. ومن الطبيعي أن أعيش بهذه العقيدة مشوش الفكر بين المتناقضات ومن الطبيعي أن نبقي في جمود دائم وننتظر أن يغير الله ما بنا، عوض أن نغير نحن ما بأنفسنا لكي يغير الله ما بنا، ونتهرب من المسؤولية التي تحملناها ونلقي بها عليه سبحانه، فإذا قلت للزاني أو للسارق أو حتي للمجرم الذي اغتصب فتاة قاصرة وقتلها بعد شهوته فسيجيبك: الله غالب، قدر ربي. سبحان هذا الرب الذي يأمر الإنسان بدفن ابنته ثم يسأله بأي ذنب قتلت؟ سبحانك إن هذا إلا بهتان عظيم!. ومن الطبيعي أن يزدري بنا علماء الغرب ويضحكون لسخافة عقولنا، بل وينبزوننا بالألقاب فيسمونه " مكتوب العرب " ويجعلونه سببا رئيسيا لجهلنا وتخلفنا. ومن الطبيعي أيضا أن يعرف الباحثون بأن هذا الاعتقاد نشأ من الدولة الأموية الذين كانوا يروجون بأن الله

سبحانه هو الذي أعطاهم الملك وأمرهم علي رقاب الناس فيجب علي الناس إطاعتهم وعدم التمرد عليهم لأن مطيعهم مطيع لله والخارج عليهم هو متمرد علي الله يجب قتله. ولنا في ذلك شواهد عديدة من التاريخ الإسلامي: فهذا عثمان بن عفان عندما يطلبون منه أن يعتزل يرفض ويقول لا أخلع قميصا قمصنيه الله [256] فعلي رأيه الخلافة هي لباس له وقد ألبسه الله إياه فلا ينبغي لأحد من الناس أن ينزعه عنه إلا الله سبحانه يعني بالوفاة. وهذا معاوية أيضا يقول: إني لم أقاتلكم لتصوموا ولتزكوا وإنما قاتلتكم لا تأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون فهذا يذهب شوطا أبعد من [ صفحه 140] عثمان لأنه يتهم رب العزة والجلالة بأنه أعانه علي قتل المسلمين ليأمر عليهم وخطبة معاوية هذه مشهورة [257] . وحتي في اختيار ليزيد ابنه وتوليته علي الناس رغم أنوفهم فقد ادعي معاوية أن الله هو الذي استخلف ابنه يزيدا علي الناس وذلك ما رواه المؤرخون، عندما كتب بيعته إلي الآفاق، وكان عامله علي المدينة مروان بن الحكم، فكتب إليه يذكر الذي قضي الله به علي لسانه من بيعة يزيد [258] . وكذلك فعل ابن زياد الفاسق عندما أدخلوا عليه عليا زين العابدين مكبلا بالأغلال فسأل قائلا من هذا فقالوا علي بن الحسين! قال: ألم يقتل الله علي بن الحسين فأجابته زينب عمته: بل قتله أعداء الله وأعداء رسوله. فقال لها ابن زياد: كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك. قالت: ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلي مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلح يومئذ، ثكلتك أمك يا ابن مرجانة [259] . وهكذا تفشي

هذا الاعتقاد من بني أمية وأعوانهم وسري في الأمة الإسلامية عدا شيعة أهل البيت. [ صفحه 141]

عقيدة الشيعة في القضاء والقدر

وما إن عرفت علماء الشيعة [260] وقرأت كتبهم حتي اكتشفت علما جديدا في القضاء والقدر. وقد أوضحه الإمام علي (عليه السلام) بأوضح بيان وأشمله إذ قال لمن سأله عن القضاء والقدر: " ويحك لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حاتما، ولو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد. إن الله سبحانه أمر عباده تخييرا، ونهاهم تحذيرا، وكلف يسيرا ولم يكلف عسيرا، وأعطي علي القليل كثيرا، ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها، ولم يرسل الأنبياء لعبا، ولم ينزل الكتب للعباد عبثا، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا. (ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار..) [261] . [ صفحه 142] فما أوضحه من بيان، وما قرأت في الموضوع كلاما أبلغ منه وبرهانا أدل علي الحقيقة منه، فالمسلم يقتنع بأن أعماله هي من محض إرادته واختياره، لأن الله سبحانه أمرنا ولكنه ترك لنا حرية الاختيار وهو قول للإمام " إن الله أمر عباده تخييرا ". كما أنه سبحانه نهانا وحذرنا عقاب مخالفته فدل كلامه علي أن للإنسان حرية التصرف وبإمكانه أن يخالف أوامر الله، وفي هذه الحالة يستوجب العقاب، وهو قول الإمام " ونهاهم تحذيرا ". وزاد الإمام علي (عليه السلام) توضيحا للمسألة فقال: بأن الله سبحانه لم يعص مغلوبا، ومعني ذلك بأن الله لو أراد جبر عباده وإرغامهم علي شئ، لم يكن بمقدورهم جميعا أن يغلبوه علي أمره فدل ذلك علي أنه ترك لهم حرية الاختيار في الطاعة والمعصية وهو مصداق لقوله تعالي (قل الحق من ربكم فمن شاءفليؤمن ومن شاء فليكفر) [262] . ثم بعد

ذلك يخاطب الإمام علي ضمير الإنسان ليصل إلي أعماق وجدانه فيأتي بالدليل القاطع علي أنه لو كان الإنسان مجبورا علي أفعاله، كما يعتقده البعض لكان إرسال الأنبياء وإنزال الكتب ضربا من اللعب والعبث الذي يتنزه الله جل جلاله عنه، لأن دور الأنبياء سلام الله عليهم أجمعين وإنزال الكتب هو لإصلاح الناس وإخراجهم من الظلمات إلي النور وإعطائهم العلاج النافع لأمراضهم النفسية، وتوضيح الطريقة المثلي للحياة السعيدة قال تعالي: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) [263] . ويختم الإمام علي بيانه بأن الاعتقاد بالجبر هو نفس الاعتقاد (يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا)، وهو كفر توعد الله القائلين به بالنار - [ صفحه 143] وإذا محصنا قول الشيعة في القضاء والقدر وجدناه قولا سديدا ورأيا رشيدا، فبينما فرطت طائفة فقالت بالجبر أفرطت أخري فقالت بالتفويض، جاء أئمة أهل البيت سلام الله عليهم ليصححوا المفاهيم والمعتقدات ويرجعوا بهؤلاءوأولئك، فقالوا: " لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين " [264] . وقد ضرب الإمام جعفر الصادق لذلك مثلا مبسطا يفهمه كل الناس وعلي قدر عقولهم فقال للسائل عندما سأله: ما معني قولك لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين؟ أجابه عليه السلام: " ليس مشيك علي الأرض كسقوطك عليها " ومعني ذلك أننا نمشي علي الأرض باختيارنا - ولكننا عندما نسقط علي الأرض فهو بغير اختيارنا، فمن منا يحب السقوط الذي قد يسبب كسر بعض الأعضاء من جسمنا فنصبح معاقين. فيكون القضاء والقدر أمرا بين أمرين، أي قسم هو من عندنا وباختيارنا ونحن نفعله بمحض إرادتنا. وقسم ثان هو خارج عن إرادتنا ونحن خاضعون له، ولا نقدر علي دفعه، فنحاسب علي الأول ولا نحاسب علي

الثاني. والإنسان في هذه الحالة وفي تلك مخير ومسير في نفس الوقت. أ - مخير في أفعاله التي تصدر منه بعد تفكير وروية إذ يمر بمرحلة التخيير والصراع بين الإقدام والإحجام، وينتهي به الأمر إما بالفعل أو الترك، وهذا ما أشار إليه سبحانه بقوله: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قدأفلح من زكاها وقد خاب من دساها) [265] . فالتزكية للنفس والدس لها هما نتيجة اختيار الضمير في كل إنسان - كما أن الفلاح والخيبة هما نتيجة حتمية وعادلة لذلك الاختيار. [ صفحه 144] ب - مسير في كل ما يحيط به من نواميس الكون وحركته الخاضعة كلها لمشيئة الله سبحانه بكل أجزائها ومركباتها وأجرامها وذراتها، فالإنسان ليس له أن يختار جنسه من ذكورة وأنوثة ولا أن يختار لونه فضلا عن اختيار أبويه ليكون في أحضان أبوين موسرين بدلا من أن يكونوا فقراء، ولا أن يختار حتي طول قامته وشكل جسده. فهو خاضع لعدة عوامل قاهرة (كالأمراض الوراثية مثلا) ولعدة نواميس طبيعية تعمل لفائدته بدون أن يتكلف فهو ينام عندما يتعب ويستيقظ عندما يرتاح، ويأكل عندما يجوع ويشرب عندما يعطش، ويضحك وينشرح عندما يفرح، ويبكي وينقبض عندما يحزن، وفي داخله معامل ومصانع تصنع الهرمونات والخلايا الحية، والنطف القابلة للتحول، وتبني في نفس الوقت جسمه في توازن منسق عجيب، وهو في كل ذلك غافل لا يدري بأن العناية الإلهية محيطة به في كل لحظة من لحظات حياته بل وحتي بعد مماته! يقول الله عز وجل في هذا المعني: (أيحسب الإنسان أن يترك سدي، ألم يك نطفة من مني يمني، ثم كان علقة فخلق فسوي فجعل منه الزوجين الذكر والأنثي أليس ذلك بقادر علي أن يحيي الموتي)

[266] . بلي، سبحانك وبحمدك ربنا الأعلي أنت الذي خلقت فسويت وأنت الذي قدرت فهديت وأنت الذي أمت ثم أحييت، تباركت وتعاليت، فتعسا وبعدا لمن خالفك ونأي عنك ولم يقدرك حق قدرك. ولنختم هذا البحث بما قاله الإمام علي بن موسي الرضا وهو الإمام الثامن من أئمة أهل البيت عليهم السلام وقد اشتهر بالعلم في عهد المأمون ولم يبلغ [ صفحه 145] الرابعة عشر من عمره حتي كان أعلم أهل زمانه [267] . سأله سائل عن معني قول جده الإمام الصادق " لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين " فأجابه الإمام الرضا: " من زعم أن الله يفعل أفعالنا، ثم يعذبنا عليها عليها فقد قال بالجبر، ومن زعم أن الله فوض أمر الخلق والرزق إلي حججه - أي الأئمة - فقد قال التفويض، والقائل بالجبر كافر، والقائل بالتفويض مشرك. أما معني الأمر بين الأمرين فهو وجود السبيل إلي إتيان ما أمر الله به، وترك ما نهي عنه، أي أن الله سبحانه أقدره علي فعل الشر وتركه، كما أقدره علي فعل الخير وتركه، وأمره بهذا ونهاه عن ذاك ". وهذا لعمري بيان كاف وشاف علي مستوي العقول ويفهمه كل الناس من المثقفين وغير المثقفين. وصدق رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذ قال في حقهم: " لا تتقدموهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم " [268] . [ صفحه 147]

تعليقة علي الخلافة ضمن القضاء والقدر

والطريف في هذا الموضوع أن أهل السنة والجماعة رغم اعتقادهم بالقضاء والقدر الحتمي وأن الله سبحانه هو الذي يسير عباده في أعمالهم وليس لهم الخيرة في شئ، ولكنهم في أمر الخلافة يقولون بأن رسول الله صلي الله عليه

وآله وسلم مات وترك الأمر شوري بين الناس ليختاروا لأنفسهم. والشيعة علي العكس تماما، فرغم اعتقادهم بأن الإنسان مخير في أعماله وأن عباد الله يفعلون ما شاؤوا (ضمن مقولة لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين)، إلا أنهم في أمر الخلافة يقولون بأنه لا حق لهم في الاختيار! ويبدو هذا وكأنه تناقض من الطرفين، السنة والشيعة لأول وهلة، ولكن الحقيقة ليست كذلك. فالسنة عندما يقولون بأن الله سبحانه هو الذي يسير عباده في أعمالهم، يتناقضون مع الواقع إذ أن الله سبحانه (عندهم) هو المخير الفعلي ولكنه يترك لهم الخيار الوهمي إذ أن الذي اختار أبا بكر يوم السقيفة، هو عمر ثم بعض الصحابة، ولكن في الحقيقة هم منفذون لأمر الله الذي جعلهم واسطة ليس إلا، علي حسب هذا الزعم. [ صفحه 148] وأما الشيعة عندما يقولون بأن الله سبحانه خير عباده في أفعالهم، فلا يتناقضون مع قولهم بأن الخلافة هي باختيار الله وحده (وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة) لأن الخلافة كالنبوة ليست هي من أعمال العباد ولا موكولة إليهم، فكما أن الله يصطفي رسوله من بين الناس ويبعثه فيهم فكذلك بالنسبة لخليفة الرسول، وللناس أن يطيعوا أمر الله ولهم أن يعصوه، كما وقع بالفعل في حياة الأنبياء علي مر العصور فيكون العباد أحرارا في قبول اختيار الله، فالمؤمن الصالح يقبل ما اختاره الله، والكافر بنعمة ربه يرفض ما اختاره الله له ويتمرد عليه، قال تعالي: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقي، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمي، قال رب لم حشرتني أعمي وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها، وكذلك اليوم تنسي)

[269] . ثم أنظر إلي نظرية أهل السنة والجماعة في هذه المسألة بالذات فسوف لن تلقي باللوم علي أحد، لأن كل ما وقع ويقع بسبب الخلافة وكل الدماء التي أريقت والمحارم التي هتكت كل ذلك من الله، حيث عقب بعض من يدعي العلم منهم بقوله تعالي: (ولو شاء ربك ما فعلوه) [270] . أما نظرية الشيعة فهي تحمل المسؤولية كل من تسبب في الانحراف وكل من عصي أمر الله وكل علي قدر وزره ووزر من تبع بدعته إلي يوم القيامة (كلكم راعوكلكم مسؤول عن رعيته) قال تعالي: (وقفوهم إنهم مسؤولون) [271] . [ صفحه 149]

الخمس

وهو أيضا من المواضيع الذي يختلف فيه الشيعة والسنة وقبل الحكم لهم أو عليهم. لا بد لنا من بحث موجز في موضوع الخمس: ولنبدأ بالقرآن الكريم. قال تعالي: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن الله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل...) [272] . وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " أمركم بأربع: الإيمان بالله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأنتؤدوا لله خمس ما غنمتم " [273] . فالشيعة - امتثالا لأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم - يخرجون خمس ما حصلوا عليه من أموال طيلة سنتهم، ويفسرون معني الغنيمة بكل ما يكسبه الإنسان من أرباح بصفة عامة. أما أهل السنة والجماعة فقد أجمعوا علي تخصيص الخمس بغنائم الحرب [ صفحه 150] فقط، وفسروا قوله سبحانه وتعالي: (واعلموا أن ما غنمتم من شئ (يعني ما حصلتم خلال الحرب. هذه خلاصة أقوال الفريقين في الخمس، وقد كتب علماء الفريقين عدة مقالات في المسألة. ولست أدري كيف أقنع نفسي أو غيري بآراء أهل السنة

التي اعتمدت علي ما أظن أقوال الحكام من بني أمية وعلي رأسهم معاوية بن أبي سفيان الذي استأثر بأموال المسلمين وخص نفسه وحاشيته بكل صفراء وبيضاء. فلا غرابة في تأويلهم لآية الخمس علي أنها خاصة بدار الحرب لأن سياق الآية الكريمة جاء ضمن آيات الحرب والقتال، وكم لهم من تأويل للآيات علي سياق ما قبلها أو ما بعدها. فهم يؤولون مثلا آية إذهاب الرجس والتطهير علي أنها خاصة بنساء النبي لأن ما قبلها وما بعدها يتكلم عن نساء النبي صلي الله عليه وآله وسلم. كما يؤولون قوله تعالي: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) علي أنها خاصة في أهل الكتاب. وقصة أبي ذر الغفاري رضي الله عنه مع معاوية وعثمان بن عفان ونفيه إلي الربذة من أجل ذلك مشهورة. إذ أنه عاب عليهم كنزهم الذهب والفضة وكان يحتج بهذه الآية عليهم - ولكن عثمان استشار كعب الأحبار عنها فقال له بأنها خاصة بأهل الكتاب، فشتمه أبو ذر الغفاري وقال له: ثكلتك أمك يا ابن اليهودية أو تعلمنا ديننا؟ فغضب لذلك عثمان، ثم نفاه إلي الربذة بعدما تعاظم انزعاجه منه فمات هناك وحيدا طريدا لم تجد ابنته حتي من يغسله ويكفنه. وأهل السنة والجماعة لهم في تأويل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فن معروف وفقه مشهور وذلك اقتداء بما تأوله الخلفاء الأولون والصحابة المشهورون [ صفحه 151] في خصوص النصوص الصريحة من الكتاب والسنة [274] . ولو أردنا استقصاء ذلك لاستوجب كتابا خاصا، ويكفي الباحث أن يرجع إلي كتاب " النص والاجتهاد " ليعرف كيف يتلاعب المتأولون بأحكام الله سبحانه. وأنا كباحث ليس لي أن أتأول الآيات القرآنية والأحاديث النبوية حسب

ما أهوي أو حسب ما يمليه علي المذهب الذي أميل إليه. ولكن ما حيلتي إذا كان أهل السنة والجماعة هم الذين أخرجوا في صحاحهم فرض الخمس في غير دار الحرب، ونقضوا بذلك تأويلهم ومذهبهم. فقد جاء في صحيح البخاري في باب " في الركاز الخمس " وقال مالك وابن إدريس الركاز دفن الجاهلية في قليله وكثيره الخمس، وليس المعدن بركاز وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم " في المعدن جبار وفي الركاز الخمس " [275] وجاء في باب ما يستخرج من البحر: وقال ابن عباس رضي الله عنهما ليس العنبر بركاز هو شئ دسره البحر وقال الحسن في العنبر واللؤلؤ الخمس فإنما جعل النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الركاز الخمس ليس في الذي يصابفي الماء [276] . والباحث يفهم من خلال هذه الأحاديث بأن مفهوم الغنيمة التي أوجب الله فيها الخمس لا تختص بدار الحرب لأن الركاز الذي هو كنز يستخرج من باطن الأرض وهو ملك لمن استخرجه ولكن يجب عليه دفع الخمس منه لأنه غنيمة. كما أن الذي يستخرج العنبر واللؤلؤ من البحر يجب عليه إخراج الخمس لأنه [ صفحه 152] غنيمة. وبما أخرجه البخاري في صحيحه يتبين لنا أن الخمس لا يختص بغنائم الحرب. فرأي الشيعة يبقي دائما مصداق الحقيقة التي لا تناقض فيها ولا اختلاف وذلك لأنهم يرجعون في كل أحكامهم وعقائدهم إلي أئمة الهدي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والذين هم عدل الكتاب لا يضل من تمسك بهم ويأمن من يلجأ إليهم. علي أنه لا يمكن لنا أن نعتمد علي الحروب لإقامة دولة الإسلام، وذلك يخالف سماحة الإسلام ودعوته للسلم فالإسلام ليس دولة استعمارية

تقوم علي استغلال الشعوب ونهب خيراتها وهو ما يحاول الغربيون إلصاقه بنا عندما يتكلمون عن نبي الإسلام بكل ازدراء ويقولون بأنه توسع بالقوة والقهر وبالسيف لاستغلال الشعوب. وبما أن المال هو عصب الحياة، وخصوصا إذا كانت نظرية الاقتصاد الإسلامي تقتضي إيجاد ما يسمي اليوم بالضمان الاجتماعي لتضمن للمعوزين والعاجزين معاشهم بكرامة وشهامة. فلا يمكن لدولة الإسلام أن تعتمد علي ما يخرجه أهل السنة والجماعة من الزكاة وهي تمثل في أحسن الأحوال اثنين ونصف بالمائة وهي نسبة ضعيفة لا تقوم بحاجة الدولة من إعداد القوة ومن بناء المدارس المستشفيات وتعبيد الطرقات فضلا عن أن تضمن لكل فرد دخلا يكفي معاشه ويضمن حياته، كما لا يمكن لدولة الإسلام أن تعتمد علي الحروب الدامية وقتال الناس لتضمن بقاءها وتطور مؤسساتها علي حساب المقتولين الذين لم يرغبوا في الإسلام. فأئمة أهل البيت سلام الله عليهم كانوا أعلم بمقاصد القرآن، كيف لا وهم ترجمانه، وكانوا يرسمون للدولة الإسلامية معالم الاقتصاد، ومعالم الاجتماع، لو كان لهم رأي يطاع. [ صفحه 153] ولكن للأسف الشديد كانت السلطة والقيادة في يد غيرهم الذين اغتصبوا الخلافة بالقوة والقهر وبقتل الصلحاء من الصحابة واغتيالهم كما فعل ذلك معاوية، وبدلوا أحكام الله بما اقتضته مصالحهم السياسية والدنيوية فضلوا وأضلوا وتركوا هذه الأمة تحت الحضيض لم تقم لها قائمة حتي يومنا هذا. فبقيت تعاليم أئمة أهل البيت مجرد أفكار ونظريات يؤمن بها الشيعة ولم يجدوا لتطبيقها من سبيل إذ أنهم كانوا مطاردين في مشارق الأرض ومغاربها، وقد تتبعهم الأمويون والعباسيون عبر العصور. وما أن انقرضت الدولتان وأوجد الشيعة مجتمعا عملوا بأداء الخمس الذي كانوا يؤدونه للأئمة سلام الله عليهم خفية، وهم الآن يؤدونه إلي المرجع الذي يقلدونه،

نيابة عن الإمام المهدي عليه السلام، وهؤلاء يقومون بصرفه في أبوابه المشروعة، من تأسيس حوزات علمية، ومبرات خيرية ومكتبات عمومية، ودور أيتام وغير ذلك من أعمال جليلة كدفع رواتب شهرية لطلبة العلوم الدينية والعلمية وغيرها. ويكفينا أن نستنتج من هذا أن علماء الشيعة مستقلون عن السلطة الحاكمة، لأن الخمس يفي بحاجاتهم ويقومون بإعطاء كل ذي حق حقه. أما علماء أهل السنة والجماعة فهم عالة علي الحكام وموظفون لدي السلطة الحاكمة في البلاد، وللحاكم أن يقرب من شاء منهم أو يبعد حسب تعاملهم معه وإفتائهم لمصالحه. فأصبح العالم بذلك أقرب إلي الحاكم منه إلي مجرد عالم!، وهو بعض الآثار الوخيمة التي ترتبت علي ترك العمل بفريضة الخمس بمعناها الذي فهمه أهل البيت عليهم السلام. [ صفحه 154]

التقليد

يقول الشيعة: أما فروع الدين وهي أحكام الشريعة المتعلقة بالأعمال العبادية: كالصلاة والصيام، والزكاة والحج فالواجب في أحكامها أحد الأمور الثلاثة: أ - أن يجتهد وينظر الإنسان في أدلة الأحكام إذا كان أهلا لذلك. ب - أو أن يحتاط في أعماله إذا كان يسعه الاحتياط. ت - أو أن يقلد المجتهد الجامع للشرائط، بأن يكون من يقلده حيا عاقلا، عادلا، عالما، صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه. والاجتهاد في الأحكام الفرعية واجب كفائي علي جميع المسلمين، فإذا نهض به من اجتمعت فيه الشروط سقط عن باقي المسلمين، فيجوز لهم تقليده والرجوع إليه في فروع دينهم، لأن رتبة الاجتهاد ليست من الأمور الميسورة ولا هي في متناول الجميع - بل تحتاج إلي كثير من الوقت والعلوم والمعارف والاطلاع، وهذا لا يتهيأ إلا لمن جد وكد وأمضي عمره في البحث والتعلم، ولا ينال الاجتهاد إلا ذو حظ

عظيم. قال صلي الله عليه وآله وسلم: [ صفحه 155] " من أراد الله به خيرا فقهه في الدين ". وقول الشيعة هذا لا يختلف عن قول أهل السنة والجماعة، إلا في شرط حياة المجتهد. غير أن الخلاف الواضح بينهم هو في العمل بالتقليد إذ أن الشيعة يعتقدون بأن المجتهد الجامع للشروط المذكورة، هو نائب للإمام عليه السلام في حال غيبته فهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للإمام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس، والراد عليه راد علي الإمام. فليس المجتهد الجامع للشروط عند الشيعة مرجعا يرجع إليه في الفتيا فحسب، بل أن له الولاية العامة علي مقلديه فيرجعون إليه في الأحكام والفصل بينهم في ما اختلفوا فيه من القضاء، ويعطونه الزكاة وخمس أموالهم يتصرف بها كما تفرضه عليه الشريعة نيابة عن إمام الزمان (عليه السلام). أما عند أهل السنة والجماعة فليس للمجتهد هذه المرتبة، ولكنهم يرجعون في المسائل الفقهية لأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب، وهم أبو حنيفة ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، والمعاصرون من أهل السنة قد لا يلتزمون بتقليد واحد من هؤلاء علي سبيل التعيين، فقد يأخذون بعض المسائل من أحدهم والبعض الآخر من غيره حسبما تقتضيه حاجتهم كما فعل ذلك السيد سابق الذي ألف فقها مأخوذا من الأربعة. لأن أهل السنة والجماعة يعتقدون بأن الرحمة في اختلافهم فللمالكي مثلا أن يأخذ برأي أبي حنيفة إذا وجد حلا لمشكلته قد لا يجده عند مالك. وأضرب لذلك مثلا حتي يتبين للقارئ فيفهم المقصود كان عندنا في تونس (في وقت المحاكم القضائية) فتاة بالغة أحبت رجلا وأرادت الزواج منه، ولكن أباها رفض أن يزوجها من هذا الشاب لسبب " الله أعلم به " فهربت

الفتاة من بيت أبيها وتزوجت ذلك الشاب بدون إذن أبيها، ورفع الأب شكوي ضد الزواج. [ صفحه 156] ولما حضرت الفتاة وزوجها لدي القاضي وسألها عن السبب في الهروب من البيت والزواج بدون إذن وليها قالت: سيدي، أنا عمري خمسة وعشرون عاما وأحببت الزواج من هذا الرجل علي سنة الله ورسوله، ولأن أبي يريد أن يزوجني بمن أكره، فتزوجت علي رأي أبي حنيفة الذي يعطيني حق الزواج بمن أحب لأني بالغة. يقول القاضي رحمة الله عليه (روي لي هو بنفسه هذه القصة) " فجئنا في المسألة فوجدناها علي حق، وأعتقد بأن أحد العلماء المطلعين هو الذي لقنها ماذا تقول " يقول هذا القاضي فرددت دعوة الأب وأمضيت الزواج فخرج الأب غاضبا يضرب يديه علي بعضها ويقول: " حنفت الكلبة " أي أن ابنته تركت مالك واتبعت أبا حنيفة، وكلمة الكلبة فيها إهانة لابنته التي قال فيما بعد بأنه يتبرأ منها. والمسألة هي اختلاف في اجتهاد المذاهب فبينما يري مالك أن الفتاة البكر لا يصح زواجها إلا بإذن ولي الأمر وحتي إذا كانت ثيبا فهو شريكها في الزواج فلا تنفرد به وحدها ولا بد من موافقته، يري أبو حنيفة: أن البالغة بكرا كانت أم ثيبا، لها أن تنفرد باختيار الزوج وأن تنشئ العقد بنفسها. فهذه المسألة الفقهية فرقت بين الأب وابنته حتي تبرا منها وكثيرا ما كان الآباء يتبرؤون من بناتهم لعدة أسباب منها الهروب من البيت مع رجل تحب الزواج منه ولهذا التبرئ عواقب وخيمة إذ أن الأب يلجأ في أغلب الأحيان إلي حرمان ابنته من الميراث وتبقي الفتاة عدوة للإخوة الذين يتبرؤون بدورهم من أختهم التي جلبت لهم العار. فليست القضية إذن كما يقول

أهل السنة بأن في اختلافهم رحمة - أو علي الأقل ليست الرحمة في كل القضايا الخلافية. ويبقي بعد هذا خلاف آخر بينهما ألا وهو تقليد الميت، فأهل السنة يقلدون أئمة ماتوا منذ قرون، وأغلق عندهم باب الاجتهاد من ذلك العهد، وكل من جاء بعدهم من العلماء اقتصروا علي الشروح والمدونات شعرا ونثرا لفقه المذاهب الأربعة، وقد تعالت أصوات المنادين من بعض المعاصرين بفتح الباب [ صفحه 157] والرجوع للاجتهاد لما تقتضيه مصلحة الزمان ولما استجد من أمور كانت مجهولة في زمن الأئمة الأربعة. أما الشيعة فلا يجوزون تقليد الميت ويرجعون في كل أحكامهم إلي المجتهد الحي الجامع للشروط التي ذكرناها سابقا وذلك بعد غيبة الإمام المعصوم والذي كلفهم بالرجوع إلي العلماء العدول في زمن غيبته وحتي ظهوره. فالسني المالكي مثلا يقول: هذا حلال وهذا حرام علي قول الإمام مالك: وهو ميت منذ أكثر من اثني عشر قرنا، وكذلك يقول السني الحنفي والشافعي والحنبلي لأن هؤلاء الأئمة عاشوا في عصر واحد وتتلمذ بعضهم علي بعض. كما لا يعتقد السني في عصمة هؤلاء الأئمة الذين لم يدعوها لأنفسهم بل جوزوا عليهم الخطأ والصواب ويقولون بأنهم مأجورون في كل اجتهاداتهم فلهم أجران إن أصابوا ولهم أجر واحد إذا أخطأوا. والشيعي الإمامي مثلا عنده مرحلتان في التقليد: المرحلة الأولي: وهي زمن الأئمة الاثني عشر وقد امتدت هذه المرحلة ثلاثة قرون ونصف تقريبا، وفيها كان الشيعي يقلد الإمام المعصوم الذي لا يقول برأيه واجتهاده، وإنما بعلم وروايات توارثها عن جده رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيقول في المسألة: روي أبي عن جدي عن جبريل عن الله عز وجل. المرحلة الثانية: وهي زمن الغيبة التي امتدت حتي اليوم فالشيعي

يقول هذا حلال وهذا حرام علي رأي السيد الخوئي أو السيد الخميني مثلا. وكلاهما حي ورأيهما لا يتعدي الاجتهاد في استنباط الأحكام من نصوص القرآن والسنة علي روايات أئمة أهل البيت أولا ثم الصحابة العدول ثانيا وهم عندما يبحثون في روايات أئمة أهل البيت بالدرجة الأولي ذلك لأن هؤلاء الأئمة يرفضون استعمال الرأي في الشريعة ويقولون: ما من شئ إلا ولله فيه حكم، فإذا ما فقدنا حكما في مسألة ما فليس ذلك يعني أن الله سبحانه أهمله، ولكن قصورنا وجهلنا لم يصلا بنا إلي معرفة الحكم - فالجهل بالشئ وعدم معرفته ليس دليلا علي عدمه - [ صفحه 158] والدليل علي ذلك قوله سبحانه وتعالي (وما فرطنا في الكتاب من شئ) [277] . [ صفحه 159]

العقائد التي يشنع بها أهل السنة علي الشيعة

ومن العقائد التي يشنع بها أهل السنة علي الشيعة ما هو من محض التعب المقيت الذي أولده الأمويون والعباسيون في صدر الإسلام، بما كانوا يحقدون علي الإمام علي ويبغضونه حتي لعنوه علي المنابر أربعين عاما. فلا غرابة أن يشتموا كل من تشيع له ويرموه بكل عار وشنار حتي وصل الأمر بهم أن يقال لأحدهم يهودي أحب إليه من أن يقال له شيعي. ودأب أتباعهم علي ذلك في كل عصر ومصر وأصبح الشيعي مسبة عند أهل السنة والجماعة لأنه يخالفهم في معتقداتهم وخارج عن جماعتهم، فهم يقذفونه بما شاؤوا ويرمونه بكل التهم وينبزونه بشتي الألقاب، ويخالفونه في كل أقواله وأفعاله. ألا تري بأن بعض علماء أهل السنة المشهورين يقولون: " بأن لبس الخاتم في اليد اليمني هو سنة نبوية، ولكن يجب تركها لأن الشيعة اتخذوا ذلك شعارا لهم " [278] . [ صفحه 160] وهذا حجة الإسلام أبو حامد

الغزالي يقول: إن تسطيح القبور هو المشروع في الدين لكن لما جعلته الرافضة شعارا لهم عدلنا عنه إلي التسنيم. وهذا ابن تيمية الموصوف بالمصلح المجدد عند بعضهم يقول: ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلي ترك بعض المستحبات إذا صارت شعارا لهم. أي للشيعة - فإنه وإن لم يكن الترك واجبا لذلك، لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم فلا يتميز السني من الرافضي، ومصلحة التمييز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحب [279] . وقال الحافظ العراقي عندما تساءل عن كيفية إسدال العمامة: لم أر ما يدل علي تعيين الأيمن إلا في حديث ضعيف عند الطبراني، وبتقدير نبوته فلعله كان يرخيها من الجانب الأيمن ثم يردها إلي الجانب الأيسر كما يفعله بعضهم، إلا أنه صار شعارا للإمامية فينبغي تجنبه لترك التشبه بهم [280] . سبحان الله! ولا حول ولا قوة إلا بالله! أنظر أخي القارئ إلي هذا التعصب الأعمي كيف يجيز لهؤلاء " العلماء " أن يخالفوا سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم لأن الشيعة تمسكت بتلك السنين حتي صارت شعارا لهم، ثم هم لا يتحرجون من الاعتراف بذلك صراحة، وأنا أقول الحمد لله الذي أظهر الحق لذي عينين ولكل مخلص يبحث عن الحقيقة، الحمد لله الذي أظهر لنا بأن الشيعة هم الذين يتبعون سنة رسول الله وذلك بشهادتكم أنتم! كما شهدتم علي أنفسكم بأنكم تركتم سنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عمدا لتخالفوا بذلك أئمة أهل البيت وشيعتهم المخلصين واتبعتم سنة معاوية بن أبي سفيان كما شهد بذلك الإمام الزمخشري عندما أثبت أن أول من تختم باليسار خلاف السنةالنبوية هو معاوية بن أبي سفيان [281] . [ صفحه

161] واتبعتم سنة عمر في بدعته للتراويح خلافا للسنة النبوية التي أمرت المسلمين بصلاة النافلة في بيوتهم فرادي لا جماعة كما أثبت ذلك البخاري في صحيحه [282] وكما اعترف عمر نفسه بأنها بدعة [283] ابتدعها مع أنه لم يصلها لأنه لا يؤمن بها، فقد جاء في البخاري عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلي المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني أري لو جمعت هؤلاء علي قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم علي أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخري والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر نعما لبدعة هذه.. [284] . ومن المستغرب عدها نعمة بعد نهي الرسول عنها؟ وذلك عندما رفعوا أصواتهم وحصبوا بابه ليصلي بهم نافلة رمضان، فخرج إليهم مغضبا فقال لهم صلي الله عليه وآله وسلم: " ما زال صنيعكم حتي ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة فيبيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة " [285] . كما اتبعتم سنة عثمان بن عفان وهي إتمام صلاة السفر خلافا لسنة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم التي صلاها قصرا [286] . ولو أردت أن أحصي ما خالفتم به سنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لاستوجب ذلك كتابا خاصا ولكن تكفي شهادتكم فيما أقررتم به علي أنفسكم - وتكفي شهادتكم أيضا بإقراركم بأن الشيعة الروافض هم الذين اتخذوا سنة النبي شعارا لهم. [ صفحه 162] أفبعد هذا يبقي دليل علي قول الجهلة الذين يدعون بأن الشيعة اتبعوا علي بن أبي طالب، أما أهل السنة فإنهم

اتبعوا رسول الله؟ أيريد هؤلاء أن يثبتوا بأن عليا خالف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وابتدع دينا جديدا؟ كبرت كلمة تخرج من أفواههم، فعلي هو محض السنة النبوية وهو مفسرها والقائم عليها وقد قال فيه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " علي مني بمنزلتي من ربي " [287] . أي كما أن محمد هو الوحيد الذي يبلغ عن ربه، فعلي هو الوحيد الذي يبلغ عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولكن ذنب علي هو أنه لم يعترف بخلافة من قبله وذنب شيعته أنهم اتبعوه في ذلك فرفضوا أن ينضووا تحت خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ولذلك سموهم " الروافض ". فإذا أنكر هؤلاء السنة علي معتقدات الشيعة وأقوالهم فهو لسببين، أولهما العداء الذي أجج ناره حكام بين أمية بالأكاذيب والدعايات واختلاف الروايات المزورة. وثانيهما: لأن معتقدات الشيعة تتنافي وما ذهبوا إليه من تأييد الخلفاء وتصحيح أخطائهم واجتهاداتهم مقابل النصوص خصوصا حكام بني أمية وعلي رأسهم معاوية بن أبي سفيان. ومن هنا يجد الباحث المتتبع أن الخلاف بين الشيعة وأهل السنة نشأ يوم السقيفة، وتفاقم، وكل خلاف جاء بعده فهو عيال عليه، وأكبر دليل علي ذلك أن العقائد التي يشنع أهل السنة علي إخوانهم من الشيعة، ترتبط ارتباطا وثيقا بموضوع الخلافة وتتفرع منه، كعدد الأئمة والنص علي الإمام، والعصمة، وعلم الأئمة، والبداء، والتقية والمهدي المنتظر وغير ذلك. [ صفحه 163] ونحن إذا بحثنا في أقوال الطرفين مجردين عن العاطفة فسوف لا نجد بعدا شاسعا بين معتقداتهم، ولا نجد مبررا لهذا التهويل وهذا التشنيع، لأنك عندما تقرأ كتاب السنة الذي يشتمون الشيعة، يخيل إليك بأن الشيعة ناقضوا الإسلام وخالفوه في مبادئه

وتشريعه، وابتدعوا دينا آخر. بينما يجد الباحث المنصف في كل عقائد الشيعة أصلا ثابتا في القرآن والسنة وحتي في كتب من يخالفهم في تلك العقائد ويشنع بما عليهم. ثم ليس هناك في تلك العقائد ما يخالف العقل أو النقل أو الأخلاق - وليتبين لك أيها القارئ اللبيب صحة ما أدعيه سأستعرض معك تلك العقائد. [ صفحه 165]

العصمة

يقول الشيعة: ونعتقد أن الإمام كالنبي يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلي الموت، عمدا وسهوا. كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان، لأن الأئمة حفظة الشرع والقوامين عليه حالهم في ذلك حال النبي والدليل الذي اقتضانا أن نعتقدبعصمة الأنبياء هو نفسه يقتضينا أن نعتقد بعصمة الأئمة بلا فرق [288] . نعم هذا كما نري هو رأي الشيعة في موضوع العصمة فهل فيه ما ينافي القرآن والسنة؟ أو ما يقول العقل باستحالته؟ أو ما يشين الإسلام ويسئ إليه، أو ما ينقص قدر النبي أو الإمام؟ حاشا وكلا، لم نجد في هذا القول إلا التأييد لكتاب الله وسنة نبيه، وما يتماشي مع العقل السليم ولا يناقضه، وما يرفع من قيمة النبي والإمام ويشرفه. ولنبدأ بحثنا في استقراء القرآن الكريم. [ صفحه 166] قال تعالي: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا..) [289] . فإذا كان إذهاب الرجس الذي يشمل كل الخبائث، والتطهير من كل الذنوب، لا يفيد العصمة، فما هو المعني إذا؟؟ يقول الله تعالي: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) [290] . فإذا كان المؤمن التقي يعصمه الله من مكايد الشيطان إذا حاول استفزازه وإضلاله، فيتذكر

يبصر الحق فيتبعه، فما بالك بمن اصطفاهم الله سبحانه وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.؟ ويقول تعالي: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) [291] والذي يصطفيه الله سبحانه يكون بلا شك معصوما من الخطأ وهذه الآية بالذات هي التي احتج بها الإمام الرضا من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) علي العلماء الذين جمعهم الخليفة العباسي المأمون ابن هارون الرشيد وأثبت لهم بأنهم (أي أئمة أهل البيت) هم المقصودون بهذه الآية وبأن الله اصطفاهم وأورثهم علم الكتاب،واعترفوا له بذلك [292] . هذه بعض الأمثلة مما جاء في القرآن الكريم وهناك آيات أخري تفيد العصمة للأئمة كقوله (أئمة يهدون بأمرنا) غيرها ولكن نكتفي بهذا القدر روما للاختصار دائما. [ صفحه 167] وبعد القرآن الكريم فإليك ما ورد في السنة النبوية قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " يا أيها الناس إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي " [293] . وهو كما تري صريح بأن الأئمة من أهل البيت معصومون أولا لأن كتاب الله معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو كلام الله، ومن شك فيه كفر. ثانيا: لأن المتمسك بهما " الكتاب والعترة " يأمن من الضلالة فدل هذا الحديث علي أن الكتاب والعترة لا يجوز فيهما الخطأ. وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق " [294] . وهو كما تري صريح في أن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام معصومون، عن الخطأ ولذلك يأمن وينجو كل من ركب سفينتهم وكل من تأخر عن ركوب سفينتهم

غرق في الضلالة. وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " من أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي، وهي [ صفحه 168] جنة الخلد، فليتول عليا وذريته من بعده فإنهم لن يخرجوكم باب هدي ولن يدخلوكم باب ضلالة " [295] . وهو كما تري صريح في أن الأئمة من أهل البيت وهم علي وذريته معصومون عن الخطأ لأنهم لن يدخلوا الناس الذين يتبعوهم في باب ضلالة، ومن البديهي أن الذي يجوز عليه الخطأ لا يمكن له هداية الناس. وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " أنا المنذر وعلي الهادي، وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي " [296] . وهذا الحديث هو الآخر صريح في عصمة الإمام كما لا يخفي علي أولي الألباب. والإمام علي نفسه أثبت العصمة لنفسه وللأئمة من ولده عندما قال: " فأين تذهبون وأني تؤفكون؟ والأعلام قائمة والآيات واضحة، والمنار منصوبة فأين يتاه بكم، بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطاش، أيها الناس خذوها من خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم إنه يموت [ صفحه 169] من مات منا وليس بميت، ويبلي من بلي منا وليس ببال، فلا تقولوا بما لا تعرفون فإن أكثر الحق فيما تنكرون، واعذروا من لا حجة لكم عليه وأنا هو، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر وأترك فيكم الثقل الأصغر، وركزت فيكم راية الإيمان... " [297] . وبعد هذا البيان من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأقوال الإمام علي الدالة كلها علي عصمتهم سلام الله عليهم. هل يرفض العقل عصمة من يصطفيه الله سبحانه

للهداية؟ والجواب: كلا لا يرفض ذلك، بالعكس، العقل يقول: بوجوب تلك العصمة، لأن من توكل إليه مهمة القيادة وهداية البشرية لا يمكن أن يكون إنسانا عاديا يعتريه الخطأ والنسيان وتثقل ظهره الذنوب والأوزار فيكون عرضة لانتقاص الناس ونقدهم. بل العقل يفرض أن يكون أعلم الناس في زمانه وأعدلهم وأشجعهم وأتقاهم، وهي صفات ترفع من شأن القائد تعظمه في أعين الناس وتجلب له احترام الجميع وتقديرهم وبالتالي طاعتهم له بدون تحفظ ولا تملق. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا كل هذا التشنيع والتهويل علي من يعتقد بذلك؟ ويخيل إليك وأنت تسمع وتقرأ انتقاد أهل السنة علي موضوع العصمة بأن الشيعة، هم الذين يقلدون وسام العصمة لمن أحبوا، أو أن القائل بالعصمة يقول منكرا وكفرا، فلا هذا ولا ذاك، إنما العصمة عند الشيعة هي أن يكون المعصوم محاطا بعناية إلهية ورعاية ربانية فلا يتمكن الشيطان من إغوائه، ولا تتمكن النفس الأمارة بالسوء من التغلب علي عقله فتجره للمعصية وهذا الأمر لم [ صفحه 170] يحرم الله منه عباده المتقين كما تقدم في آية (الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون). وهذه العصمة الموقوتة لعباد الله في حالة معينة، قد تزول لفقد سببها ألا وهي التقوي، فالعبد إذا كان بعيدا عن تقوي الله لا يعصمه الله، أما الإمام الذي اصطفاه الله سبحانه فلا يحيد ولا يتزحزح عن التقوي وخشية الله سبحانه وتعالي. وقد جاء في القرآن الحكيم حكاية عن سيدنا يوسف عليه السلام (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأي برهان ربه، كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاءإنه من عبادنا المخلصين) [298] . ولأن سيدنا يوسف لم يهم بالزنا كما فسره بعض المفسرين فحاشا أنبياء

الله من هذا الفعل القبيح، ولكنه هم بدفعها وضربها إذا اقتضت الحال ولكن الله سبحانه عصمه من ارتكاب مثل هذا الخطأ لأنه لو فعله لكان سببا في اتهامه بالفاحشة وتكون حجتها قوية ضده فيلحقه منهم عند ذلك السوء. [ صفحه 171]

عدد الأئمة الاثني عشر

يقول الشيعة بأن عدد الأئمة المعصومين بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو اثنا عشر إماما لا يزيدون ولا ينقصون، وقد ذكرهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بأسمائهم وعددهم [299] وهم: 1 - الإمام علي بن أبي طالب. 2 - الإمام الحسن بن علي. 3 - الإمام الحسين بن علي. 4 - الإمام علي بن الحسين (زين العابدين). 5 - الإمام محمد بن علي (الباقر). 6 - الإمام جعفر بن محمد (الصادق). 7 - الإمام موسي بن جعفر (الكاظم). 8 - الإمام علي بن موسي (الرضا). 9 - الإمام محمد بن علي (الجواد). 10 - الإمام علي بن محمد (الهادي). [ صفحه 172] 11 - الإمام الحسن بن علي (العسكري). 12 - الإمام محمد بن الحسن (المهدي المنتظر). فهؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر الذين تقول الشيعة بعصمتهم، حتي لا ينطلي المكر علي بعض المسلمين. فالشيعة لا يعترفون قديما وحديثا بالعصمة إلا لهؤلاء الأئمة الذين سماهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولم يولدوا بعد، وقد أخرج بعض علماء السنة أسماءهم كما مر علينا وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما حديث الأئمة بعددهم وهم اثنا عشر كلهم من قريش [300] . وهذه الأحاديث لا تصح ولا تستقيم إلا إذا فسرناها علي أئمة أهل البيت الذين تقول بهم الشيعة الإمامية وأهل السنة والجماعة هم المطالبون بحل هذا اللغز إذ أن عدد الأئمة

الاثني عشر الذي أخرجوه في صحاحهم بقي حتي الآن لغزا لا يجدون له جوابا. [ صفحه 173]

علم الأئمة

ومما يشنع به أهل السنة والجماعة علي الشيعة قولهم: بأن الأئمة من أهل البيت سلام الله عليهم قد خصهم الله سبحانه بعلم لم يشاركهم فيه أحد من الناس، ومن أن الإمام يكون أعلم أهل زمانه فلا يمكن أن يسأله أحد فيعجز عن الجواب! فهل لهذا الادعاء من دليل؟ ولنبدأ كما هي عادتنا في كل بحث بالقرآن الكريم. يقول الله سبحانه وتعالي في محكم تنزيله: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) [301] فالآية تدل دلالة واضحة بأن الله سبحانه اصطفي عبادا من بين الناس وأورثهم علم الكتاب، فهل لنا أن نعرف هؤلاء العباد المصطفين؟ ذكرنا في ما تقدم بأن الإمام الثامن من أئمة أهل البيت علي بن موسي الرضا استدل بنزول هذه الآية فيهم، وذلك لما جمع له المأمون أربعين قاضيا من [ صفحه 174] مشاهير القضاة، وأعد له كل واحد منهم أربعين مسألة، فأجاب عليها وأفحمهم وأقروا له بالأعلمية [302] . وإذا كان هذا الإمام الثامن ولما يبلغ من العمر أربعة عشر عاما عندما وقعت هذه المحاورة بينه وبين الفقهاء الذين أقروا له بالأعلمية فكيف يستغرب بعدها قول الشيعة بأعلميتهم ما دام أن علماء السنة وأئمتهم يعترفون لهم بذلك. أما إذا أردنا تفسير القرآن بالقرآن فسوف نجد العديد من الآيات ترمي إلي معني واحد وتبين بأنه سبحانه ولحكمة بالغة اختص الأئمة من أهل البيت النبوي بعلم من لدنه موهوب حتي يكونوا أئمة الهدي ومصابيح الدجي. قال تعالي: (يؤت الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراكثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب) [303] . وقال أيضا:

(فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم،إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) [304] . أقسم سبحانه في هذه الآية بقسم عظيم بأن القرآن الكريم له أسرار ومعان باطنية مكنونة، لا يدرك معانيها وحقائقها إلا المطهرون، وهم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. دلت الآية أيضا علي أن للقرآن باطنا اختص الله سبحانه به أئمة أهل البيت ولا يمكن لغيرهم معرفتها إلا عن طريقهم. ولذلك أشار رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي هذه الحقيقة فقال: " لا تتقدموهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم [ صفحه 175] أعلم منكم " [305] . وكما قال الإمام علي نفسه: " أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطي الهدي ويستجلي العمي.... إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح علي سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم " [306] . وقال تعالي: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [307] وهذه الآية أيضا نزلت في أهل البيت (عليهم السلام) [308] . وتفيد بأن الأمة لا بد لها بعد فقد نبيها أن ترجع إلي الأئمة من أهل البيت لمعرفة الحقائق، وقد رجع الصحابة رضي الله تعالي عنهم إلي الإمام علي بن أبي طالب ليبين لهم ما أشكل عليهم، كما رجع الناس علي مر السنين إلي الأئمة من أهل البيت لمعرفة الحلال والحرام ولينهلوا من معارفهم وعلومهم وأخلاقهم. وإذا كان أبو حنيفة يقول: لولا السنتان لهلك النعمان يقصد بذلك العامين الذين قضاهما في التعلم من الإمام جعفر الصادق. وإذا كان الإمام

مالك بن أنس يقول: ما رأت عين، ولا سمعت أذن،ولا خطر علي قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلا وعلما وعبادة وورعا [309] . [ صفحه 176] إذا كان الأمر كذلك باعتراف أئمة أهل السنة والجماعة فلماذا كل هذا التشنيع وهذا الاستنكار بعد هذه الأدلة وبعدما أثبت تاريخ المسلمين كافة بأن أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا أعلم أهل زمانهم، فأي غرابة في أن يخص الله سبحانه وتعالي أولياءه " الذين اصطفاهم " بالحكمة والعلم اللدني ويجعلهم قدوة المؤمنين وأئمة المسلمين. ولو تتبع المسلمون أدلة بعضهم بعضا، لاقتنعوا بقول الله ورسوله، ولكانوا أمة واحدة يشد بعضها بعضا، ولم يكن هناك اختلاف ولا مذاهب متعددة! ولكن لا بد من كل ذلك ليقضي الله أمرا كان مفعولا (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم) [310] . [ صفحه 177]

البداء

وهو أن يبدو له شئ في أمر ما يريد فعله ثم يتغير رأيه في ذلك الشئ فيفعل فيه غير ما عزم فعله سابقا. وأما قول الشيعة بالبداء ونسبته إلي الله تعالي والتشنيع عليهم بأنه يستوجب نسبة الجهل والنقص إلي الله سبحانه وتعالي - كما يريد أهل السنة والجماعة حمله علي هذا المعني، فهذا التفسير باطل ولا تقول به الشيعة أبدا ومن ينسب ذلك إليهم فقد افتري عليهم، وهذه أقوالهم قديما وحديثا تشهد لهم. قال الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه عقائد الإمامية: " والبداء بهذا المعني يستحيل علي الله تعالي لأنه من الجهل والنقص وذلك محال عليه تعالي ولا تقول به الإمامية. قال الإمام الصادق عليه السلام: " من زعم أن الله تعالي بدا له في شئ بداء ندامة فهو

عندنا كافر بالله العظيم "، وقال أيضا: " من زعم أن الله بدا له في شئ ولم يعلمه أمس فأبرأ منه ". إذا فالبداء الذي تقول به الشيعة، لا يتعدي حدود القرآن في قوله سبحانه [ صفحه 178] وتعالي: (يمحو الله ما يشاء يثبت وعنده أم لكتاب) [311] . وهذا القول يقول به أهل السنة والجماعة كما يقول به الشيعة، فلماذا يشنع علي الشيعة ولا يشنع علي أهل السنة والجماعة القائلين بأن الله سبحانه يبدل الأحكام ويغير الآجال والأرزاق. فقد أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن علي رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " لأقرن عينيك بتفسيرها، ولأقرن عين أمتي بعدي بتفسيرها، الصدقة علي وجهها وبر الوالدين، واصطناع المعروف، يحول الشقاء سعادة ويزيد في العمر ويقي مصارع السوء ". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن قيس بن عباد رضي الله عنه قال: لله أمر في كل ليلة العاشر من أشهر الحرم، أما العاشر من رجب ففيه يمحو الله ما يشاء ويثبت. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه - أنه قال وهو يطوف بالبيت: " اللهم إن كنت كتبت علي شقاوة أو ذنبا فامحه، فإنك تمحو ما تشاءوتثبت، وعندك أم الكتاب، فاجعله سعادة ومغفرة " [312] . وأخرج البخاري في صحيحه [313] قصة عجيبة وغريبة تحكي معراج النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولقاءه مع ربه، وفيما يقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: [ صفحه 179]

" ثم فرضت علي خمسون صلاة فأقبلت حتي جئت موسي، فقال: ما صنعت؟ قلت: فرضت علي خمسون صلاة. قال: أنا أعلم بالناس منك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لا تطيق، فارجع إلي ربك فسله، فرجعت فسألته فجعلها أربعين، ثم مثله، ثم ثلاثين ثم مثله فجعل عشرين، ثم مثله فجعل عشرا، فأتيت موسي فقال: مثله فجعلها خمسا، فأتيت موسي فقال: ما صنعت؟ قلت جعلها خمسا فقال مثله، قلت: فسلمت فنودي إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي الحسنة عشرا " [314] . وفي رواية أخري نقلها البخاري أيضا، وبعد مراجعة محمد صلي الله عليه وآله وسلم ربه عديد المرات وبعد فرض الخمس صلوات، طلب موسي (عليه السلام) من محمد صلي الله عليه وآله وسلم أن يراجع ربه للتخفيف لأن أمته لا تطيق حتي خمس صلوات، ولكن محمدا صلي الله عليه وآله وسلم أجابه: قد استحييت من ربي [315] . نعم اقرأ واعجب من هذه العقائد التي يقول بها رواة أهل السنة والجماعة، ومع ذلك فهم يشنعون علي الشيعة أتباع أئمة أهل البيت في القول بالبداء. وهم في هذه القصة يعتقدون بأن الله سبحانه فرض علي محمد صلي الله عليه وآله وسلم خمسين صلاة، ثم بدا له بعد مراجعة محمد إياه أن جعلها أربعين، ثم بدا له بعد مراجعة ثانية أن جعلها ثلاثين، ثم بدا له بعد مراجعة ثالثة أن جعلها عشرين ثم بدا له بعد مراجعة رابعة أن جعلها عشرا، ثم بدا له بعد مراجعة خامسة أن جعلها خمسا. وبغض النظر عن قبولنا لهذه الرواية وعدمه فإن القول بالبداء عقيدة سليمة [ صفحه 180] تتماشي ومفاهيم الدين الإسلامي وروح القرآن (إن الله لا

يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم) ولولا اعتقادنا - سنة وشيعة - بأن الله سبحانه يبدل ويغير، لما كان لصلاتنا ودعائنا من فائدة ولا تعليل ولا تفسير، كما أننا نؤمن جميعا بأن الله سبحانه يبدل الأحكام، وينسخ الشرائع من نبي لآخر بل وحتي في شريعة نبينا صلي الله عليه وآله وسلم هناك ناسخ ومنسوخ، فالقول بالبداء ليس كفرا ولا خروجا علي الدين، وليس لأهل السنة أن يشنعوا علي الشيعة من أجل هذا الاعتقاد، كما أنه ليس للشيعة أن يشنعوا علي أهل السنة أيضا. والحقيقة أني أري رواية المعراج هذه مستوجبة لنسبة الجهل إلي الله عز وجل، وموجبة لانتقاص شخصية أعظم إنسان عرفه تاريخ البشرية، وهو نبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم، إذ تقول الرواية بأن موسي قال لمحمد: إنا أعلم بالناس منك، وتجعل هذه الرواية الفضل والمزية لموسي الذي لولاه لما خفف الله عن أمة محمد. ولست أدري كيف يعلم موسي بأن أمة محمد لا تطيق حتي خمس صلوات في حين أن الله لا يعلم ذلك ويكلف عباده بما لا يطيقون فيفرض عليهم خمسين صلاة؟! وهل تتصور معي أخي القارئ كيف تكون خمسين صلاة في اليوم الواحد، فلا شغل ولا عمل، ولا دراسة ولا طلب رزق ولا سعي ولا مسؤولية، فيصبح الإنسان كالملائكة مكلف بالصلاة والعبادة، وما عليك إلا بعملية حسابية بسيطة لتعرف كذب الرواية، فإذا ضربت عشر دقائق - وهو الوقت المعقول لأداء فريضة واحدة للصلاة جماعة - في الخمسين فسيكون الوقت المفروض بمقدار عشر ساعات، وما عليك إلا بالصبر، أو أنك ترفض هذا الدين الذي يكلف أتباعه فوق ما يتحملون ويفرض عليهم ما لا يطيقون. فإذا كان أهل السنة والجماعة يشنعون

علي الشيعة قولهم بالبداء، وأن الله سبحانه وتعالي يبدو له فيغير ويبدل كيف شاء فلماذا لا يشنعون علي أنفسهم في [ صفحه 181] قولهم بأن الله سبحانه يبدو له فيغير ويبدل الحكم خمس مرات في فريضة واحدة وفي ليلة واحدة وهي ليلة المعراج - لعن الله التعصب الأعمي والعناد المقيت الذي يغطي الحقائق ويقلبها ظهرا علي عقب، فيتحامل المتعصب علي من يخالفه في الرأي وينكر عليه الأمور الواضحة ويقوم بالتشنيع عليه وبث الإشاعات ضده، والتهويل في أبسط القضايا، التي يقول هو بأكثر منها. وهذا يذكرني بما قاله سيدنا عيسي عليه السلام لليهود عندما قال لهم: " أنتم تنظرون إلي التبنة في أعين الناس. ولا تنظرون إلي الخشبة في أعينكم ". أو بالمثل القائل: " رمتني بدائها وانسلت " ولعل البعض يعترض بأنه لم يرد لفظ البداء عند أهل السنة وبأن هذه القصة وإن كان معناها التغيير والتبديل في الحكم ولكن لا تقطع بأنه بدا لله فيها. وأقول هذا لأنه كثيرا ما كنت أستعرض قصة المعراج للاستدلال بها علي القول بالبداء عند أهل السنة، فاعترض علي بعضهم بهذا الرأي ولكنهم سلموا بعدها عندما أوقفتهم علي رواية أخري من صحيح البخاري تذكر البداء بلفظة صراحة لا لبس فيها. فقد روي البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: " إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأعمي وأقرع بدا لله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكا فأتي الأبرص، فقال: أي شئ أحب إليك؟ فقال لون حسن وجلد حسن، قد قذرني الناس فمسحه فذهب عنه، فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا، ثم قال له: أي المال أحب إليك، فقال: الإبل، فأعطي ناقة عشراء، وأتي الأقرع فقال:

أي شئ، أحب إليك، قال: شعر حسن ويذهب عني هذا قد قذرني الناس، فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا، ثم قال له: أي المال أحب إليك فقال: البقر، فأعطاه بقرة حاملا، وأتي الأعمي فقال: أي شئ [ صفحه 182] أحب إليك قال: يرد الله بصري، فمسحه فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك، قال: الغنم، فأعطاه شاء ولودا.... ثم رجع الملك بعد أن تكاثرت عند هؤلاء الإبل والبقر والغنم حتي أصبح يملك كل منهم قطيعا فأتي الأبرص والأقرع والأعمي كل علي صورته، وطلب من كل واحد منهم أن يعطيه مما عنده فرده الأقرع والأبرص فأرجعهما الله إلي ما كاناعليه، وأعطاه الأعمي فزاده الله وأبقاه مبصرا " [316] . ولهذا أقول لإخواني قول الله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) [317] . كما أتمني من كل قلبي أن يثوب المسلمون إلي رشدهم وينبذوا التعصب ويتركوا العاطفة لتحل العقل محلها في كل بحث، حتي مع أعدائهم وليتعلموا من القرآن الكريم أسلوب البحث والنقاش والمجادلة بالتي هي أحسن، فقد أوحي إلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم بأن يقول للمعاندين (وإنا أو إياكم لعلي هدي أو في ضلال مبين) [318] فرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يرفع من قيمة هؤلاء المشركين ويتنازل هو ليعطيهم النصف حتي يدلوا ببرهانهم وأدلتهم إن كانوا صادقين - فأين نحن من هذا الخلق العظيم. [ صفحه 183]

التقية

وكما قدمنا بالنسبة إلي القول بالبداء فإن

التقية هي أيضا من الأمور المستنكرة عند أهل السنة والجماعة وهم ينبزون بها إخوانهم الشيعة ويعتبرونهم منافقين إذ يظهرون ما لا يبطنون!! وكثيرا ما حاورت البعض منهم وحاولت إقناعهم بأن التقية ليست نفاقا، ولكنهم لم يقتنعوا بل إنك تجد السامع لهذا يشمئز أحيانا، ويتعجب أحيانا أخري، وهو يظن أن هذه العقائد مبتدعة في الإسلام وكأنها من مختلقات الشيعة وبدعهم. ولكن إذا بحث الباحث وأنصف المنصف سيجد أن هذه العقائد كلها من صلب الإسلام وهي وليدة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، بل لا تستقيم المفاهيم الإسلامية السمحاء والشريعة القويمة إلا بها. والأمر العجيب في أهل السنة والجماعة، أنهم يستنكرون عقائد يقولون بها، وكتبهم وصحاحهم ومسانيدهم مليئة بذلك وتشهد عليهم. فاقرأ معي ما يقوله أهل السنة والجماعة في مسألة التقية: - أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله [ صفحه 184] تعالي: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) [319] قال: التقية باللسان، من حمل علي أمر يتكلم به وهو معصية لله فيتكلم به مخافة الناس، وقلبه مطمئن بالإيمان، فإنذلك لا يضره، إنما التقية باللسان [320] . - وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في سننه من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله تعالي: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) قال: التقاة هي التكلم باللسانوالقلب مطمئن بالإيمان [321] . - وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: التقية جائزة إلي يوم القيامة [322] . - وأخرج عبد بن أبي رجاء أنه كان يقرأ: (إلا أن تتقوا منه تقية) [323] . - وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير، وابن أبي حاتم وابن مردويه، وصححه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في الدلائل، قال: أخذ المشركون عمار

بن ياسر فلم يتركوه حتي سب النبي صلي الله عليه وآله وسلم وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه فلما أتي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: ما وراءك شئ؟ قال: شر، ما تركت حتي نلت منك وذكرت آلهتهم بخير قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان، قال: إن عادوا فعد، فنزلت (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) [324] . - وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين: أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لقي عمارا وهو يبكي، فجعل يمسح عن عينيه ويقول: " أخذك الكفارفغطوك في الماء فقلت كذ وكذا فإن عادوا فقل لهم ذلك " [325] . [ صفحه 185] - وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق علي عن ابن عباس في قوله تعالي: (من كفر بالله...) الآية قال: أخبر الله سبحانه: أن من كفر بالله من بعد إيمانه فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم، فأما من أكره، فتكلم بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه، فلاحرج عليه، لأن الله سبحانه إنما يؤاخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم [326] . - وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: نزلت هذه الآية في أناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم بعض الصحابة بالمدينة، أن هاجروا فإنا لا نري أنكم منا حتي تهاجروا إلينا، فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش في الطريق ففتنوهم، فكفروا مكرهين، ففيهم نزلت هذه الآية (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) [327] . - وأخرج البخاري في صحيحه في باب المداراة مع الناس ويذكر عن أبي الدرداء قال: " إنا لنكشر في وجوه أقوام وأن

قلوبنا لتلعنهم " [328] . - وأخرج الحلبي في سيرته قال: لما فتح رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مدينة خيبر، قال له حجاج بن علاط: يا رسول الله إن لي بمكة مالا، وإن لي بها أهلا، وأنا أريد أن آتيهم فأنا في حل إن أنا نلت منك، وقلت شيئا؟فأذن له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يقول ما يشاء " [329] . - وجاء في كتاب إحياء العلوم للإمام الغزالي قوله: " إن عصمة دم المسلم واجبة، فمهما كان القصد سفك دم مسلم قد اختفي من ظالم فالكذب فيه واجب [330] . [ صفحه 186] - وأخرج جلال الدين السيوطي في كتاب الأشباه والنظائر. قال: " ويجوز أكل الميتة في المخمصة، وإساغة اللقمة في الخمر والتلفظ بكلمة الكفر، ولو عم الحرام قطرا بحيث لا يوجد فيه حلال إلا نادرا فإنه يجوز استعمال ما يحتاج إليه ". - وأخرج أبو بكر الرازي في كتابه أحكام القرآن في تفسير قوله تعالي: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) قال يعني أن تخافوا تلف النفس أو بعض الأعضاء، فتتقوهم بإظهار الموالاة من غير اعتقاده لها، وهذا هو ظاهر ما يقتضيه اللفظ، وعليه الجمهور من أهل العلم، كما جاء عن قتادة في قوله تعالي: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون الله) قال: لا يحل لمؤمن أن يتخذ كافرا وليا في دينه، وقوله تعالي: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) يقتضي جواز إظهار الكفر عندالتقية " [331] . - وأخرج البخاري في صحيحه عن قتيبة بن سعيد عن سفيان عن ابن المكندر حدثه عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أنه استأذن علي النبي صلي الله عليه وآله

وسلم رجل، فقال: إئذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت: يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له في القول؟ فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه " [332] . وهذا يكفينا دلالة بعد استعراض ما سبق علي أن أهل السنة والجماعة يؤمنون بجواز التقية إلي أبعد حدودها من أنها جائزة إلي يوم القيامة كما مر عليك ومن وجوب الكذب كما قال الغزالي، ومن إظهار الكفر وهو مذهب الجمهور من أهل العلم كما اعترف بذلك الرازي ومن جواز الابتسام في الظاهر واللعن في [ صفحه 187] الباطن كما اعترف بذلك البخاري ومن جواز أن يقول الإنسان ما يشاء وينال من رسول الله خوفا علي ماله كما صرح بذلك صاحب السيرة الحلبية، وأن يتكلم بما فيه معصية الله مخافة الناس كما اعترف به السيوطي. فلا مبرر لأهل السنة والجماعة في التشنيع والإنكار علي الشيعة من أجل عقيدة يقولون بها هم أنفسهم ويروونها في صحاحهم ومسانيدهم بأنها جائزة بل واجبة، ولم يزد الشيعة علي ما قاله أهل السنة شيئا، سوي أنهم اشتهروا بالعمل بها أكثر من غيرهم لما لاقوه من الأمويين والعباسيين من ظلم واضطهاد، فكان يكفي في تلك العصور أن يقال: هذا رجل يتشيع لأهل البيت ليلاقي حتفه ويقتل شر قتلة علي يد أعداء أهل البيت النبوي. فكان لا بد لهم من العمل بالتقية اقتداء بما أشار عليهم أئمة أهل البيت عليهم السلام، فقد روي عن الإمام جعفر الصادق أنه قال " التقية ديني ودين آبائي " وقال: " من لا

تقية له لا دين له " وقد كانت التقية شعارا لأئمة أهل البيت أنفسهم دفعا للضرر عنهم وعن أتباعهم ومحبيهم، وحقنا لدمائهم واستصلاحا لحال المسلمين الذين فتنوا في دينهم كما فتن عمار بن ياسر رضي الله عنه وحتي أكثر. أما أهل السنة والجماعة فقد كانوا بعيدين عن ذلك البلاء لأنهم كانوا في معظم عهودهم علي وفاق تام مع الحكام فلم يتعرضوا لا لقتل ولا لنهب ولا لظلم، فكان من الطبيعي جدا أن ينكروا التقية ويشنعون علي العاملين بها وقد لعب الحكام من بني أمية وبني العباس دورا كبيرا في التشهير بالشيعة من أجل التقية. وبما أن الله سبحانه أنزل فيها قرآنا يتلي وأحكاما تقضي، وبما أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عمل هو نفسه بها كما مر عليك في صحيح البخاري، وأنه أجاز لعمار بن ياسر أن يسبه ويكفر إذا عاوده الكفار بالتعذيب، وبما أن علماء المسلمين أجازوا ذلك اقتداء بكتاب الله وسنة رسوله فأي تشنيع وأي استنكار بعد هذا يصح أن يوجه إلي الشيعة؟! [ صفحه 188] وقد عمل بالتقية الصحابة الكرام في عهد الحكام الظالمين أمثال معاوية الذي كان يقتل كل من امتنع عن لعن علي بن أبي طالب، وقصة حجر بن عدي الكندي وأصحابه مشهورة وأمثال يزيد وابن زياد والحجاج و عبد الملك بن مروان وأضرابهم ولو شئت جمع الشواهد علي عمل الصحابة بالتقية لاستوجب كتابا كاملا، ولكن ما أوردته من أدلة أهل السنة والجماعة كاف بحمد الله. ولا أترك هذه الفرصة تفوت لأروي قصة طريفة وقعت لي شخصيا مع عالم من علماء أهل السنة التقينا في الطائرة وكنا من المدعوين لحضور مؤتمر إسلامي في بريطانيا وتحادثنا خلال ساعتين عن

الشيعة والسنة وكان من دعاة الوحدة وأعجبت به غير أنه ساءني قوله بأن علي الشيعة الآن أن تترك بعض المعتقدات التي تسبب اختلاف المسلمين والطعن علي بعضهم البعض، وسألته مثل ماذا؟ وأجاب علي الفور: مثل المتعة والتقية، وحاولت جهدي إقناعه بأن المتعة هي زواج مشروع والتقية رخصة من الله، ولكنه أصر علي رأيه ولم يقنعه قولي ولا أدلتي مدعيا أن ما أوردته كله صحيح ولكن يجب تركه من أجل مصلحة أهم ألا وهي وحدة المسلمين. واستغربت منه هذا المنطق الذي يأمر بترك أحكام الله من أجل وحدة المسلمين وقلت له مجاملة: لو توقفت وحدة المسلمين علي هذا الأمر لكنت أول من أجاب. ونزلنا في مطار لندن وكنت أمشي خلفه ولما تقدمنا إلي شرطة المطار سئل عن سبب قدومه إلي بريطانيا فأجابهم بأنه جاء للمعالجة، وادعيت أنا بأني جئت لزيارة بعض أصدقائي، ومررنا بسلام وبدون تعطيل إلي قاعة استلام الحقائب، عند ذلك همست له: أرأيت كيف أن التقية صالحة في كل زمان؟ قال: كيف؟ قلت لأننا كذبنا علي الشرطة، أنا بقولي جئت لزيارة أصدقائي، وأنت بقولك جئت للعلاج، في حين أننا قدمنا للمؤتمر. ابتسم وعرف بأنه كذب علي مسمع مني فقال: أليس في المؤتمرات الإسلامية علاج لنفوسنا؟ ضحكت قائلا: أوليس فيها زيارة لإخواننا؟ [ صفحه 189] أعود إلي الموضوع فأقول بأن التقية ليست كما يدعي أهل السنة - بأنها ضرب من النفاق، فالعكس هو الصحيح، لأن النفاق هو إظهار الإيمان وكتمان الكفر بينما التقية هو إظهار الكفر وكتمان الإيمان وشتان ما بين الموقفين، هذا الموقف أعني النفاق الذي قال في شأنه سبحانه وتعالي: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلوا إلي شياطينهم قالوا إنا معكم

إنما نحن مستهزئون) فهذا يعني إيمان ظاهر+ كفر باطن = نفاق. أما الموقف الثاني أعني التقية التي قال في شأنها سبحانه وتعالي: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه) فهذا يعني كفر ظاهر إيمان باطن = تقية. فإن مؤمن آل فرعون كان يكتم في الباطن إيمانه ولا يعلم به إلا الله ويتظاهر لفرعون وللناس جميعا أنه علي دين فرعون - (وقد ذكره الله في محكم كتابه تعظيما لقدره). وتعالي معي الآن أيها القارئ الكريم لتعرف قول الشيعة في التقية حتي لا تغتر بما يقال فيهم كذبا وبهتانا - يقول الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه (عقائد الإمامية) ما هذا نصه: " وللتقية أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر، مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهية، وليست هي بواجبه علي كل حال، بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال، كما إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للإسلام وجهاد في سبيله، فإنه عند ذلك يستهان بالأموال ولا تعز النفوس. وقد تحرم التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة أو رواجا للباطل، أو فسادا في الدين أو ضررا بالغا علي المسلمين. بإظلالهم أو إفشاء الظلم والجور فيهم. وعلي كل حال ليس معني التقية عند الإمامية أنها تجعل منهم جمعية سرية [ صفحه 190] لغاية الهدم والتخريب - كما يريد أن يصورها بعض أعدائهم غير المتورعين في إدراك الأمور علي وجهها ولا يكلفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا. كما أنه ليس معناها أنها تجعل الدين وأحكامه سرا من الأسرار لا يجوز أن يذاع لمن لا يدين به، كيف وكتب الإمامية ومؤلفاتهم فيما يخص الفقه والأحكام ومباحث

الكلام والمعتقدات قد ملأت الخافقين وتجاوزت الحد الذي ينتظر من أية أمة تدين بدينها ". انتهي كلامه. وأنت تري أنه ليس هناك نفاق ولا غش ولا دس ولا كذب ولا خداع كما يدعيه أعداؤهم. [ صفحه 191]

المتعة أو الزواج المؤقت

والمقصود بها نكاح المتعة، أو الزواج المنقطع، أو الزواج المؤقت إلي أجل مسمي، وهي كالزواج الدائم لا تصح إلا بعقد يشتمل علي قبول وإيجاب، كأن تقول المرأة للرجل زوجتك نفسي بمهر قدره كذا ولمدة كذا فيقول الرجل قبلت. ولهذا الزواج شروطه المذكورة في كتب الفقه عند الإمامية كوجوب تعيين المهر والمدة، فيصح بكل ما يتراضي عليه الطرفان، وكحرمة التمتع بذات محرم كما في الزواج الدائم. وعلي المرأة المتمتع بها أن تعتد بعد انتهاء الأجل بحيضتين وبأربعة أشهر وعشرة أيام في حالة وفاة زوجها. وليس بين المتمتعين إرث ولا نفقة فلا ترثه ولا يرثها والولد من الزواج المؤقت كالولد من الزواج الدائم تماما في حقوق الميراث والنفقة وكل الحقوق الأدبية والمادية، ويلحق بأبيه. هذه هي المتعة بشروطها وحدودها وهي كما تري ليست من السفاح في شئ كما يدعيه الناس. وأهل السنة والجماعة كإخوانهم الشيعة متفقون علي تشريع هذا الزواج من الله سبحانه وتعالي في الآية 24 من سورة النساء بقوله: (فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، إن [ صفحه 192] الله كان عليما حكيما). كما أنها متفقون في أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أذن بها واستمتع الصحابة علي عهده. إلا أنهم يختلفون في نسخها أو عدم نسخها فأهل السنة والجماعة يقولون بنسخها وأنها حرمت بعد أن كانت حلالا، وأن النسخ وقع بالسنة. لا بالقرآن. والشيعة

يقولون بعدم النسخ وأنها حلال إلي يوم القيامة. إذن فالبحث يتعلق فقط في نسخها أو عدمه والنظر في أقوال الفريقين حتي يتبين للقارئ جلية الأمر وأين يوجد الحق فيتبعه بدون تعصب ولا عاطفة. أما من ناحية الشيعة القائلين بعدم النسخ وحليتها إلي يوم القيامة فحجتهم هي: لم يثبت عندنا أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نهي عنها، وأئمتنا من العترة الطاهرة يقولون بحليتها ولو كان هناك نسخ من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعلمه الأئمة من أهل البيت وعلي رأسهم الإمام علي فأهل البيت أدري بما فيه، ولكن الثابت عندنا أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب هو الذي نهي عنها وحرمها اجتهادا منه كما يشهد بذلك علماء السنة أنفسهم، ونحن لا نترك أحكام الله ورسوله لرأي واجتهاد عمر بن الخطاب! هذا ملخص ما يقوله الشيعة في حلية المتعة، وهو قول سديد ورأي رشيد، لأن كل المسلمين مطالبون باتباع أحكام الله ورسوله ورفض ما سواهما مهما علت مكانته إذا كان في اجتهاده مخالفة للنصوص القرآنية أو النبوية. أما أهل السنة والجماعة فيقولون بأن المتعة كانت حلالا، ونزل فيها القرآن ورخص فيها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وفعلها الصحابة، ثم بعد ذلك نسخت. يختلفون في الناسخ لها. فمنهم من يقول بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نهي عنها قبل موته، ومنهم من يقول بأن عمر بن الخطاب هو الذي حرمها، وقوله حجة عندنا لقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: [ صفحه 193] " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي عضوا عليها بالنواجذ ". أما القائلين بتحريمها لأن عمر بن الخطاب حرمها وأن فعله سنة ملزمة، فهؤلاء لا كلام

لنا معهم ولا بحث لأنه محض التعصب والتكلف، وإلا كيف يترك المسلم قول الله وقول الرسول ويخالفهما ويتبع قول بشر مجتهد يخطئ ويصيب - هذا إذا كان اجتهاده في مسألة ليس فيها نص من الكتاب والسنة - أما إذا كان هناك نص (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) [333] . ومن لا يتفق معي علي هذه القاعدة فعليه بمراجعة معلوماته في مفاهيم التشريع الإسلامي ودراسة القرآن الكريم والسنة النبوية - فالقرآن دل بذاته في الآية المذكورة أعلاه ومثلها في القرآن كثير يدل علي كفر وضلال من لا يتمسك بالقرآن والسنة النبوية. أما الدليل من السنة النبوية الشريفة فكثير أيضا، ولكن نكتفي بقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: " حلال محمد حلال إلي يوم القيامة وحرامه حرام إلي يوم القيامة ". فليس من حق أحد أن يحلل أو يحرم في مسألة ثبت فيها نص وحكم من الله أو من رسوله صلي الله عليه وآله وسلم. ولكل ذلك نقول لهؤلاء الذين يريدون اقناعنا بأن أفعال الخلفاء الراشدين واجتهاداتهم ملزمة لنا، نقول: (أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالناولكم أعمالكم ونحن له مخلصون) [334] . علي أن هؤلاء القائلين بهذا الدليل يوافقون الشيعة علي دعواهم ويكونون حجة علي إخوانهم من أهل السنة والجماعة. [ صفحه 194] فبحثنا يتعلق فقط مع الفريق القائل بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هو الذي حرمها ونسخ القرآن بالحديث. وهؤلاء مضطربون في أقوالهم وحجتهم واهية لا تقوم علي أساس متين ولو روي النهي عنه مسلم في صحيحه لأنه لو كان هناك

نهي من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لما غاب عن الصحابة الذين تمتعوا في عهد أبي بكر وشطر منعهد عمر نفسه كما روي ذلك مسلم في صحيحه [335] . قال عطاء قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة: فقال نعم استمتعنا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر - فلو كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نهي عن المتعة لما جاز للصحابة أن يتمتعوا علي عهد أبي بكر وعمر كما سمعت. فالواقع أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم ينه عنها ولا حرمها وإنما وقع النهي من عمر بن الخطاب كما جاء ذلك في صحيح البخاري. - عن مسدد حدثنا يحيي عن عمران أبي بكر حدثنا أبو رجاء عن عمران بن حصين رضي الله تعالي عنه قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها حتي مات قال رجل برأيه ما شاء قال محمد يقال إنه عمر [336] . فأنت تري أيها القارئ أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم ينه عنها حتي مات كما صرح به هذا الصحابي وتراه ينسب التحرم إلي عمر صراحة وبدون غموض ويضيف أنه قال برأيه ما شاء. [ صفحه 195] وهاهو جابر بن عبد الله الأنصاري يقول صراحة: كما نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأبي بكرحتي نهي عنه عمر في شأن عمرو بن حريث [337] . ومما يدلنا علي أن بعض الصحابة كانوا

علي رأي عمر وهذا ليس غريب إذ تقدم في بحثنا خلال رزية يوم الخميس أن بعض الصحابة كانوا علي رأي عمر في قوله بأن رسول الله يهجر وحسبنا كتاب الله! وإذا ساندوه في مثل ذلك الموقف الخطير بما فيه من طعن علي الرسول فكيف لا يوافقوه في بعض اجتهاداته، فلنستمع إلي قول أحدهم: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما [338] . ولذلك أعتقد شخصيا بأن بعض الصحابة نسب النهي عن المتعة وتحريمها إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم لتبرير موقف عمر بن الخطاب وتصويب رأيه. وإلا فما يكون لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يحرم ما أحل القرآن لأنا لا نجد حكما واحدا في كل الأحكام الإسلامية أحله الله سبحانه وحرمه رسوله، ولا قائل بذلك إلا معاندا ومتعصبا، ولو سلمنا جدلا بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نهي عنها فما كان للإمام علي وهو أقرب الناس للنبي وأعلمهم بالأحكام أن يقول:" إن المتعة رحمة رحم الله بها عباده. ولولا نهي عمر ما زنا إلا شقي " [339] . علي أن عمر بن الخطاب نفسه لم ينسب التحريم إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم بل قال قولته المشهورة بكل صراحة: [ صفحه 196] " متعتان كانتا علي عهد رسول الله وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما، متعةالحج ومتعة النساء " [340] . وهذا مسند الإمام أحمد بن حنبل خير شاهد علي أن أهل السنة والجماعة مختلفون في هذه المسألة اختلافا كبيرا فمنهم من

يتبع قول الرسول فيحللها، ومنهم من يتبع قول عمر بن الخطاب فيحرمها، أخرج الإمام أحمد: - عن ابن عباس قال: تمتع النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقال عروة ابن الزبير: نهي أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس: ما يقول عرية؟ (تصغير لعروة) قال: يقول نهي أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس:أراهم سيهلكون أقول: قال النبي ويقولون نهي أبو بكر وعمر [341] . وجاء في صحيح الترمذي أن عبد الله بن عمر سئل عن متعة الحج، قال: هي حلال. فقال له السائل إن أباك قد نهي عنها. فقال: أرأيت إن كان أبي نهي عنها وصنعها رسول الله أأمر أبي أتبع أم أمر رسول الله؟ فقال الرجل: بلأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [342] . وأهل السنة والجماعة أطاعوا عمر في متعة النساء وخالفوه في متعة الحج - علي أن النهي عنهما وقع منه في موقف واحد كما قدمنا. والمهم في كل هذا أن الأئمة من أهل البيت وشيعتهم خالفوه وأنكروا عليه وقالوا بحليتهما إلي يوم القيامة. وهناك من علماء أهل السنة والجماعة من تبعهم في ذلك أيضا وأذكر من بينهم عالم تونس الجليل وزعيم الجامع الزيتوني فضيلة الشيخ الطاهر بن عاشور رحمة الله عليه، فقد قال بحليتها في تفسيره المشهور عند ذكره آية (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) [343] . [ صفحه 197] وهكذا يجب أن يكون العلماء أحرارا في عقيدتهم لا يتأثرون بالعاطفة ولا بالعصبية ولا تأخذهم في الله لومة لائم وبعد هذا البحث الموجز، لا يبقي لتشنيع أهل السنة والجماعة وطعنهم علي الشيعة في إباحتهم نكاح المتعة مبرر ولا حجة، فضلا عن أن الدليل القاطع

والحجة الناصعة مع الشيعة وللمسلم أن يتصور قول الإمام علي عليه السلام: بأن المتعة رحمة رحم الله بها عباده، وفعلا آية رحمة هي أكبر منها وهي تطفي نار شهوة جامحة قد تطغي علي الإنسان ذكرا كان أم أنثي فيصبح كالحيوان المفترس. وللمسلمين عامة وللشبان خاصة أن يعرفوا بأن الله سبحانه أوجب علي الزاني عقوبة القتل رجما بالحجارة علي المحصنين ذكورا وإناثا، فلا يمكن أن يترك عباده بغير رحمة وهو خالقهم وخالق غرائزهم ويعرف ما يصلحهم، وإذا كان الله الرحمن الرحيم رحم عباده بأن رخص لهم في المتعة فلا يدخل في الزنا بعدها إلا الشقي تماما كالحكم بقطع يد السارق، فما دام هناك بيت ما لم للمعوزين والمحتاجين، فلا يسرق إلا الشقي. [ صفحه 199]

القول بتحريف القرآن

هذا القول في حد ذاته شنيع لا يتحمله مسلم آمن برسالة محمد صلي الله عليه وآله وسلم، سواء كان شيعيا أم سنيا. لأن القرآن الكريم تكفل رب العزة والجلالة بحفظه فقال عز من قائل (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فلا يمكن لأحد أن ينقص منه أو يزيد فيه حرفا واحدا وهو معجزة نبينا صلي الله عليه وآله وسلم الخالدة، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. والواقع العملي للمسلمين يرفض تحريف القرآن لأن كثيرا من الصحابة كانوا يحفظونه عن ظهر قلب، وكانوا يتسابقون في حفظه وتحفيظه إلي أولادهم علي مر الأزمنة حتي يومنا الحاضر، فلا يمكن لإنسان ولا لجماعة ولا لدولة أن يحرفوه أو يبدلوه - ولو جبنا بلاد المسلمين شرقا وغربا شمالا وجنوبا وفي كل بقاع الدنيا فسوف نجد نفس القرآن بدون زيادة ولا نقصان. وإن اختلف المسلمون إلي مذاهب

وفرق، وملل ونحل فالقرآن هو الحافز الوحيد الذي يجمعهم ولا يختلف فيه من الأمة اثنان، إلا ما كان من التفسير أو التأويل فكل حزب بما لديهم [ صفحه 200] فرحون. وما ينسب إلي الشيعة من القول بالتحريف هو مجرد تشنيع وتهويل وليس له في معتقدات الشيعة وجود. وإذا ما قرأنا عقيدة الشيعة في القرآن الكريم، فسوف نجد إجماعهم علي تنزيه كتاب الله من كل تحريف. يقول صاحب كتاب عقائد الإمامية الشيخ المظفر: " نعتقد أن القرآن هو الوحي الإلهي المنزل من الله تعالي علي لسان نبيه الأكرم فيه تبيان كل شئ، وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة وفيما إحتوي من حقائق ومعارف عالية، لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف، وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل علي النبي، ومن ادعي فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه، وكلهم علي غير هدي، فإنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - (انتهي كلامه). وبعد هذا فكل بلاد الشيعة معروفة وأحكامهم في الفقه معلومة لدي الجميع، فلو كان عندهم قرآن غير الذي عندنا لعلمه الناس، وأتذكر أني عندما زرت بلاد الشيعة للمرة الأولي كان في ذهني بعض هذه الإشاعات، فكنت كلما رأيت مجلدا ضخما تناولته علني أعثر علي هذا القرآن المزعوم، ولكن سرعان ما تبخر هذا الوهم، وعرفت فيما بعد أنها إحدي التشنيعات المكذوبة لينفروا الناس من الشيعة ولكن يبقي هناك دائما من يشنع ويحتج علي الشيعة بكتاب اسمه " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " ومؤلفه محمد تقي النوري الطبرسي المتوفي سنة 1320 هجري وهو شيعي ويريد هؤلاء المتحاملون أن

يحملوا الشيعة مسؤولية هذا الكتاب! وهذا مخالف للإنصاف. فكم من كتب كتبت وهي لا تعبر في الحقيقة إلا عن رأي كاتبها ومؤلفها، ويكون فيها الغث والسمين وفيها الحق والباطل وتحمل في طيها الخطأ والصواب ونجد ذلك عند كل الفرق الإسلامية ولا يختص بالشيعة دون سواها. أفيجوز لنا [ صفحه 201] أن نحمل أهل السنة والجماعة مسؤولية ما كتبه وزير الثقافة المصري وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بخصوص القرآن والشعر الجاهلي؟ أو ما رواه البخاري وهو صحيح عندهم، من نقص في القرآن وزيادة، وكذلك صحيح مسلم، وغيره [344] . ولكن لنضرب عن ذلك صفحا ونقابل السيئة بالحسنة ولنعم ما قاله في هذا الموضوع الأستاذ محمد المديني عميد كلية الشريعة بالجامعة الأزهرية إذ كتب يقول: " وأما أن الإمامية يعتقدون نقص القرآن فمعاذ الله وإنما هي روايات رويت في كتبهم، كما روي مثلها في كتبنا، وأهل التحقيق من الفريقين قد زيفوها، وبينوا بطلانها وليس في الشيعة الإمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك، كما أنه ليس في السنة من يعتقده. ويستطيع من شاء أن يرجع إلي مثل كتاب الإتقان للسيوطي ليري فيه أمثال هذه الروايات التي نضرب عنها صفحا. وقد ألف أحد المصريين في سنة 1498 م كتابا اسمه " الفرقان " حشاه بكثير من أمثال هذه الروايات السقيمة المدخولة المرفوضة، ناقلا لها عن الكتب والمصادر عند أهل السنة، وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بين بالدليل والبحث العلمي أوجه البطلان والفساد فيه. فاستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرت الكتاب، فرفع صاحبه دعوي يطلب فيها تعويضا، فحكم القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها. أفيقال أن أهل السنة ينكرون قداسة القرآن؟ أو يعتقدون نقص القرآن

لرواية رواها فلان؟ أو لكتاب ألفه فلان؟ [ صفحه 202] فكذلك الشيعة الإمامية، إنما هي روايات في بعض كتبهم كالروايات التي في بعض كتبنا، وفي ذلك يقول الإمام العلامة السعيد أبو الفضل بن الحسن الطبرسي من كبار علماء الإمامية في القرن السادس الهجري في كتاب " مجمع البيان لعلوم القرآن ". " فأما الزيادة فيه فمجمع علي بطلانها، وأما النقصان منه فقد روي جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية أهل السنة أن في القرآن تغييرا ونقصانا، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضي قدس الله روحه، واستوفي الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب " مسائل الطرابلسيات " وذكر في مواضع: أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب، فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت علي نقله وحراسته، وبلغت إلي حد لم تبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوة، ومأخذ العلوم الشرعية، والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتي عرفوا كل شئ اختلف فيه من إعرابه. وقراءاته، وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد " [345] . وحتي يتبين لك أيها القارئ أن هذه التهمة، (نقص القرآن والزيادة فيه) هي أقرب لأهل السنة منها إلي الشيعة، وذلك من الدواعي التي دعتني إلي أن أراجع كل معتقداتي لأني كلما حاولت انتقاد الشيعة في شئ والاستنكار عليهم إلا وأثبتوا براءتهم منه إلصاقه بي، وعرفت أنهم يقولون صدقا وعلي مر الأيام ومن خلال البحث اقتنعت والحمد لله، وها أنا مقدم لك ما يثبت ذلك في هذا الموضوع: [ صفحه 203] أخرج الطبراني والبيهقي إن من القرآن سورتين - إحداهما هي:

بسم الله الرحمن الرحيم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير كله ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك. والسورة الثانية هي: بسم الله الرحمن الرحيم - اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعي ونحفد، نرجو رحمتك ونخشي عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحق. وهاتان السورتان سماهما الراغب في المحاضرات سورتي القنوت وهما مما كان يقنت بهما سيدنا عمر بن الخطاب وهما موجودتان في مصحف ابن عباس ومصحف زيد بن ثابت [346] . أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده. عن أبي بن كعب قال: كم تقرأون سورة الأحزاب؟ قال: بضعا وسبعين آية، قال: لقد قرأتها مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مثل البقرة أو أكثرمنها وإن فيها آية الرجم [347] . وأنت تري أيها القارئ اللبيب، أن السورتين المذكورتين في كتابي الإتقان والدر المنثور للسيوطي واللتين أخرجهما الطبراني والبيهقي واللتين تسميان بسورتي القنوت لا وجود لهما في كتاب الله تعالي. وهذا يعني أن القرآن الذي بين أيدينا ينقص هاتين السورتين الثابتتين في مصحف ابن عباس ومصحف زيد بن ثابت كما يدل أيضا بأن هناك مصاحف أخري غير التي عندنا، وهو يذكرني أيضا بالتشنيع علي أن للشيعة مصحف فاطمة، فافهم! [ صفحه 204] وإن أهل السنة والجماعة يقرؤون هاتين السورتين في دعاء القنوت كل صباح، وكنت شخصيا أحفظهما وأقرأ بهما في قنوت الفجر. أما الرواية الثانية التي أخرجها الإمام أحمد في مسنده والتي تقول بأن سورة الأحزاب ناقصة ثلاثة أرباع، لأن سورة البقرة فيها 286 آية بينما لا تتعدي سورة الأحزاب 73 آية. وإذا اعتبرنا عد القرآن بالحزب فإن سورة البقرة فيها أكثر من خمسة أحزاب بينما لا تعد سورة الأحزاب إلا حزبا واحدا.

وقول أبي بن كعب: " كنت أقرأها مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مثل البقرة أو أكثر " وهو من أشهر القراء الذين كانوا يحفظون القرآن علي عهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهو الذي اختاره عمر [348] ليصلي بالناس صلاة التراويح. فقوله هذا يبعث الشك والحيرة كما لا يخفي. - وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده [349] عن أبي بن كعب قال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: " إن الله تبارك وتعالي أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقال فقرأ: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب، فقرأ فيها: " ولو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه لسأل ثانيا فلو سأل ثانيا فأعطيه لسأل ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله علي من تاب، وإن ذلك الدين القيم عند الله الحنفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل خيرا فلن يكفره ". - وأخرج الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي بن كعب أن أبا الدرداء ركب إلي المدينة في نفر من أهل دمشق فقرأ فيها علي عمر بن الخطاب هذه الآية: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام) فقال عمر بن الخطاب من أقرأكم هذه القراءة؟ فقالوا: [ صفحه 205] أبي بن كعب، فدعاه فقال لهم عمر اقرأوا، فقرأوا: (ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام) فقال أبي بن كعب لعمر بن الخطاب، نعم أنا أقرأتهم فقال عمر لزيد بن ثابت اقرأ يا زيد، فقرأ زيد قراءة العامة فقال عمر: اللهم لا أعرف إلا هذا! فقال أبي بن كعب: والله يا عمر

إنك لتعلم أني كنت أحضر ويغيبون وأدنو ويحجبون، ووالله لئن أحببت لألزمن بيتي فلا أحدث أحدا ولا أقرئ أحدا حتي أموت، فقال عمر اللهم غفرا، إنك لتعلم أن الله قد جعل عندك علما فعلم الناس ما علمت. قال ومر عمر بغلام وهو يقرأ في المصحف: (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم) فقال: يا غلام حكها، فقال هذا مصحف أبي بن كعب فذهب إليه فسأله فقالله: إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق [350] . وروي مثل هذا ابن الأثير في جامع الأصول وأبو داود في سننه، والحاكم في مستدركه. وأترك لك أخي القارئ أن تعلق في هذه المرة بنفسك علي أمثال هذه الروايات التي ملأت كتب أهل السنة والجماعة، وهم غافلون عنها ويشنعون علي الشيعة الذين لا يوجد عندهم عشر هذا. ولكن لعل بعض المعاندين من أهل السنة والجماعة ينفر من هذه الروايات فيرفضها كعادته وينكر علي الإمام أحمد تخريجه مثل هذه الخرافات فيضعف أسانيدها ويعتبر أن مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود ليسا عند أهل السنة بمستوي صحيحي البخاري ومسلم، ولكن مثل هذه الروايات موجودة في صحيح البخاري وصحيح مسلم أيضا. [ صفحه 206] فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه [351] في باب مناقب عمار وحذيفة رضي الله عنهما عن علقمة قال: قدمت الشام فصليت ركعتين ثم قلت: اللهم يسر لي جليسا صالحا، فأتيت قوما فجلست إليهم فإذا شيخ قد جاء حتي جلس إلي جنبي قلت من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء، قلت إني دعوت الله أن ييسر لي جليسا صالحا فيسرك لي، قال ممن أنت، فقلت من أهل الكوفة، قال: أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة، وفيكم

الذي أجاره الله من الشيطان علي لسان نبيه صلي الله عليه وآله وسلم، أوليس فيكم صاحب سر النبي صلي الله عليه وآله وسلم الذي لا يعلم أحد غيره، ثم قال كيف يقرأ عبد الله (والليل إذا يغشي) فقرأت عليه (الليل إذا يغشي والنهار إذا تجلي والذكر والأنثي) قال والله لقد أقرأنيها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من فيه إلي في. ثم زاد في رواية أخري قال ما زال بي هؤلاء حتي كادوا يستنزلوني عن شئسمعته من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [352] . وفي رواية قال: (والليل إذا يغشي والنهار إذا تجلي والذكر والأنثي) قال: أقرأنيها النبي صلي الله عليه وآله وسلم فاه إلي في فما زال هؤلاء حتي كادوايردوني [353] . فهذه الروايات كلها تفيد بأن القرآن الذي عندنا زيد فيه كلمة " وما خلق ". - وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال: إن الله بعث محمدا صلي الله عليه وآله وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول الله [ صفحه 207] صلي الله عليه وآله وسلم ورجمنا بعده، فأخشي إن طال بالناس زمان أين يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق علي من زني إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل والاعتراف، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم [354] . - وأخرج

الإمام مسلم في صحيحه [355] (في باب لو أن لابن آدم واديين لا متغي؟ ثالثا). قال: بعث أبو موسي الأشعري إلي قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراءهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغي واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب). وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدي المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألونعنها يوم القيامة) [356] . وهاتان السورتان المزعومتان اللتان نسيهما أبو موسي الأشعري إحداهما تشبه براءة يعني 129 آية والثانية تشبه إحدي المسبحات يعني عشرون آية. لا وجود لهما إلا في خيال أبي موسي، فاقرأ واعجب فإني أترك لك الخيار - أيها الباحث المنصف. فإذا كانت كتب أهل السنة والجماعة ومسانيدهم وصحاحهم مشحونة بمثل [ صفحه 208] هذه الروايات التي تدعي بأن القرآن ناقص مرة، وزائد أخري، فلماذا هذا التشنيع علي الشيعة الذين أجمعوا علي بطلان هذا الادعاء. وإذا كان الشيعي صاحب كتاب " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " وهو المتوفي سنة 1320 هجرية كتب كتابه منذ ما يقرب مائة عام، فقد سبقه السني في مصر صاحب كتاب " الفرقان " بما يقارب أربعة قرون كماأشار إلي ذلك الشيخ محمد المدني عميد كلية الشريعة بالأزهر [357] . والمهم في كل هذا أن علماء السنة وعلماء الشيعة من المحققين قد أبطلوا مثل هذه الروايات

واعتبروها شاذة وأثبتوا بالأدلة المقنعة بأن القرآن الذي بين أيدينا هو نفس القرآن الذي أنزل علي نبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم وليس فيه زيادة ولا نقصان ولا تبديل ولا تغيير. فكيف يشنع أهل السنة والجماعة علي الشيعة من أجل روايات ساقطة عندهم، ويبرؤون أنفسهم، بينما صحاحهم تثبت صحة تلك الروايات؟ وإني إذ أذكر مثل هذه الروايات بمرارة كبيرة وأسف شديد، فما أغنانا اليوم عن السكوت عنها وطيها في سلة المهملات، لولا الحملة الشعواء التي شنها بعض الكتاب والمؤلفين ممن يدعون التمسك بالسنة النبوية ومن ورائهم دوائر معروفة تمولهم وتشجعهم علي الطعن وتكفير الشيعة خصوصا بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فإلي هؤلاء أقول: اتقوا الله في إخوانكم، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا. [ صفحه 209]

الجمع بين الصلاتين

ومما يشنع به علي الشيعة أيضا جمعهم بين صلاة الظهر والعصر وبين صلاة المغرب والعشاء. وأهل السنة والجماعة إذ يشنعون علي الشيعة فإنهم يؤكدون في المقابل بأنهم يحافظون علي الصلاة لأن الله سبحانه وتعالي يقول: (إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا). وقبل أن نحكم لهم أو عليهم يجب علينا أن نبحث في الموضوع من جميع جوانبه ونري أقوال الطرفين: أما أهل السنة والجماعة فهم متفقون علي جواز الجمع يعرفه بين الظهر والعصر ويسمي جمع تقديم، وجواز الجمع بالمزدلفة وقت العشاء بينها وبين فريضة المغرب ويسمي جمع تأخير، وهذا ما يتفق عليه كل المسلمون شيعة وسنة بل كل الفرق الإسلامية بدون استثناء. والخلاف بين الشيعة وأهل السنة هو في جواز الجمع بين الفريضتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في كل أيام السنة بدون عذر

السفر. أما الحنفية فيقولون بعدم الجواز حتي في السفر وذلك مع وجود النصوص [ صفحه 210] الصريحة بجوازه لا سيما في السفر وخالفوا بذلك إجماع الأمة سنة وشيعة. وأما المالكية والشافعية والحنبلية فيقولون بجواز الجمع بين الفريضتين في السفر، ويختلفون بينهم في جوازه لعذر الخوف والمرض والمطر والطين. وأما الشيعة الإمامية فمتفقون علي جوازه مطلقا في غير سفر ولا مطر ولا مرض ولا خوف، وذلك اقتداء بما رووه عن أئمة أهل البيت من العترة الطاهرة (عليهم السلام). وهنا يجب علينا أن نقف منهم موقف الاتهام والتشكيك، لأنه كلما احتج أهل السنة والجماعة عليهم بحجة، إلا ويردونها بأن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام علموهم وبينوا لهم كل ما أشكل عليهم ويفتخرون بأنهم يقتدون بأئمة معصومين يعلمون القرآن والسنة! وأنا أتذكر بأن أول صلاة جمعت فيها بين الظهر والعصر كانت بإمامة الشهيد محمد باقر الصدر عليه رضوان الله إذ كنت وأنا في النجف أفرق بين الظهر والعصر حتي كان ذلك اليوم السعيد الذي خرجت فيه مع السيد محمد باقر الصدر من بيته إلي المسجد الذي يؤم فيه مقلديه الذين احترموني وتركوا لي مكانا خلفه بالضبط ولما انتهت صلاة الظهر وأقيمت صلاة العصر، حدثتني نفسي بالانسحاب ولكن بقيت لسببين أولهما هيبة السيد الصدر وخشوعه في الصلاة حتي تمنيت أن تطول - وثانيهما وجودي في ذلك المكان وأنا أقرب المصلين إليه وأحسست بقوة قاهرة تشدني إليه ولما فرغنا من أداء فريضة العصر وانهال عليه الناس يسألونه بقيت خلفه أسمع الأسئلة والإجابة عليها إلا ما كان خفيا، ثم أخذني معه إلي بيته للغداء وهناك وجدت نفسي ضيف الشرف، واغتنمت فرصة ذلك المجلس وسألته عن الجمع بين الصلاتين. - سيدي!

أيمكن للمسلم أن يجمع بين الفريضتين في حالة الضرورة؟ قال: يمكن له أن يجمع بين الفريضتين في جميع الحالات وبدون ضرورة. قلت: وما هي حجتكم؟ [ صفحه 211] قال: لأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جمع بين الفريضتين في المدينة في غير سفر ولا خوف ولا مطر ولا ضرورة، وإنها فقط؟ لدفع الحرج عنا، وهذا بحمد الله ثابت عندنا من طريق الأئمة الأطهار وثابت أيضا عندكم. - استغربت كيف يكون ثابتا عندنا ولم أسمع به قبل ذلك اليوم ولا رأيت أحدا من أهل السنة والجماعة يعمل به بل بالعكس يقولون ببطلان الصلاة إذا وقعت حتي دقيقة قبل الأذان فكيف بمن يصليها قبل ساعات مع الظهر، أو يصلي صلاة العشاء مع المغرب فهذا يبدوا عندنا منكرا وباطلا. وفهم السيد محمد باقر الصدر حيرتي واستغرابي وهمس إلي بعض الحاضرين فقام مسرعا وجاءه بكتابين عرفت بأنهما صحيح البخاري وصحيح مسلم، وكلف السيد الصدر ذلك الطالب بأن يطلعني علي الأحاديث التي تتعلق بالجمع بين الفريضتين. وقرأت بنفسي في صحيح البخاري كيف جمع النبي صلي الله عليه وآله وسلم فريضة الظهر والعصر وكذلك فريضة المغرب والعشاء كما قرأت في صحيح مسلم بابا كاملا في الجمع بين الصلاتين في الحضر في غير خوف ولا مطر ولا سفر. ولم أخف تعجبي ودهشتي وإن كان الشك داخلني بأن البخاري ومسلم اللذين عندهم قد يكونان محرفين وأخفيت في نفسي أن أراجع هذين الكتابين في تونس. وسألني السيد محمد باقر الصدر عن رأيي بعد هذا الدليل. - قلت: أنتم علي الحق، وأنتم صادقون في ما تقولون، وبودي أن أسألكم سؤالا آخر. قال: تفضل. قلت: هل يجوز الجمع بين الصلوات الأربع كما يفعل كثير

من الناس عندنا لما يرجعوا في الليل يصلون الظهر والعصر والمغرب والعشاء قضاء. قال: هذا لا يجوز. [ صفحه 212] قلت: إنك قلت لي فيما سبق بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فرق وجمع وبذلك فهمنا مواقيت الصلاة التي ارتضاها الله سبحانه. - قال: إن لفريضتي الظهر والعصر وقت مشترك ويبتدئ من زوال الشمس إلي الغروب، ولفريضتي المغرب والعشاء أيضا وقت مشترك ويبتدئ من غروب الشمس إلي منتصف الليل ولفريضة الصبح وقت واحد يبتدئ من طلوع الفجر إلي شروق الشمس فمن خالف هذه المواقيت يكون خالف الآية الكريمة (إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا) فلا يمكن لنا مثلا أن نصلي الصبح قبل الفجر ولا بعد شروق الشمس كما لا يمكن لنا أن نصلي فريضتي الظهر والعصر قبل الزوال أو بعد الغروب كما لا يجوز لنا أن نصلي فريضتي المغرب والعشاء قبل الغروب ولا بعد منتصف الليل. وشكرت السيد محمد باقر الصدر، وإن كنت اقتنعت بكل أقواله غير أني لم أجمع بين الفريضتين بعد مغادرته إلا عندما رجعت إلي تونس وانهمكت في البحث واستبصرت. هذه قصتي مع الشهيد الصدر رحمة الله عليه في خصوص الجمع بين الفريضتين أرويها ليتبين إخواني من أهل السنة والجماعة أولا، كيف تكون أخلاق العلماء الذين تواضعوا حتي كانوا بحق ورثة الأنبياء في العلم والأخلاق. وثانيا: كيف نجهل ما في صحاحنا ونشنع علي غيرنا بأمور نعتقد نحن بصحتها، وقد وردت في صحاحنا. فقد أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده [358] عن ابن عباس قال: صلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في المدينة مقيما غير مسافر سبعا وثمانيا.وأخرج الإمام مالك في الموطأ [359] عن ابن عباس قال:

صلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف [ صفحه 213] ولا سفر. وأخرج الإمام مسلم في صحيحه [360] في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر قال: عن ابن عباس قال: صلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر. كما أخرج عن ابن عباس أيضا قال: جمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر - قال قلت لابن عباس لم فعل ذلك قال: كي لا يحرج أمته [361] . ومما يدلك أخي القارئ أن هذه السنة النبوية كانت مشهورة لدي الصحابة ويعملون بها، ما رواه مسلم أيضا في صحيحه في نفس الباب قال: خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتي غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة، قال فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك ثم قال رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وفي رواية أخري قال ابن عباس للرجل: لا أم لك أتعلمنا بالصلاة وكنا نجمع بين الصلاتين علي عهدرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [362] . وأخرج الإمام البخاري في صحيحه [363] في باب وقت المغرب قال: حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن زيد عن ابن عباس قال: صلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم سبعا جميعا وثمانيا جميعا. كما أخرج البخاري في صحيحه [364] في باب وقت العصر قال سمعت

أبا [ صفحه 214] أمامة يقول: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتي دخلنا علي أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلت يا عم ما هذه الصلاة التي صليت قال العصر وهذه صلاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم التي كنا نصلي معه. ومع وضوح هذه الأحاديث فإنك لا تزال تجد من يشنع بذلك علي الشيعة، وقد حدث ذلك مرة في تونس، فقد قام الإمام عندنا في مدينة قفصة ليشنع علينا ويشهر بنا وسط المصلين قائلا: أرأيتم هذا الدين الذي جاؤوا به إنهم بعد صلاة الظهر يقومون ويصلون العصر، إنه دين جديد ليس هو دين محمد رسول الله، هؤلاء يخالفون القرآن الذي يقول (إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا) وما ترك شيئا إلا وشتم به المستبصرين. وجاءني أحد المستبصرين وهو شاب علي درجة كبيرة من الثقافة وحكي لي ما قاله الإمام بألم ومرارة، فأعطيته صحيح البخاري وصحيح مسلم وطلبت منه أن يطلعه علي صحة الجمع وهو من سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، لأنني لا أريد الجدال معه فقد سبق لي أن جادلته بالتي هي أحسن فقابلني بالشتم والسب والتهم الباطلة - والمهم أن صديقي لم ينقطع من الصلاة خلفه فبعد انتهاء الصلاة جلس الإمام كعادته للدرس فتقدم إليه صديقي بالسؤال عن الجمع بين الفريضتين فقال: إنها من بدع الشيعة، فقال له صديقي: ولكنها ثابتة في صحيح البخاري ومسلم، فقال له: غير صحيح فأخرج له صحيح البخاري وصحيح مسلم وأعطاه فقرأ باب الجمع بين الصلاتين - يقول صديقي فلما صدمته الحقيقة أمام المصلين الذين يستمعون لدروسه، أغلق الكتب وأرجعها إلي قائلا: هذه خاصة برسول الله وحتي تصبح أنت رسول

الله فبإمكانك أن تصليها، يقول هذا الصديق فعرفت أنه جاهل متعصب وأقسمت من يومها أن لا أصلي خلفه [365] . [ صفحه 215] بعد ذلك طلبت من صديقي بأن يرجع إليه ليطلعه علي أن ابن عباس كان يصلي تلك الصلاة وكذلك أنس بن مالك وكثير من الصحابة فلماذا يريد هو تخصيصها برسول الله، أو لم يكن لنا في رسول الله أسوة حسنة؟ ولكن صديقي إعتذر لي قائلا: لا داعي لذلك وإنه لا يقتنع ولو جاءه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وإنه والحمد لله بعد أن عرف كثير من الشباب هذه الحقيقة وهي الجمع بين الصلاتين رجع أغلبهم إلي الصلاة بعد تركها لأنهم كانوا يعانون من فوات الصلاة في وقتها ويجمعون الأوقات الأربعة في الليل فتمل قلوبهم، وأدركوا الحكمة في الجمع بين الفريضتين لأن كل الموظفين والطلبة وعامة الناس يقدرون علي أداء الصلوات في أوقاتها وهم مطمئنون، وفهموا قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم كي لا أحرج أمتي. [ صفحه 217]

السجود علي التربة

أجمع علماء الشيعة علي القول بأفضلية السجود علي الأرض لما يروونه عن أئمة أهل البيت عليهم السلام قول جدهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " أفضل السجود علي الأرض ". وفي رواية أخري: " لا يجوز السجود إلا علي الأرض أو ما أنبتت الأرض غير مأكول ولا ملبوس ". وقد روي صاحب وسائل الشيعة عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: السجود علي الأرض أفضل لأنه أبلغ في التواضع، والخضوع لله عز وجل - وفي رواية أخري عن محمد بن الحسن بإسناده عن إسحاق بن الفضل: أنه سأل

أبا عبد الله عليه السلام عن السجود علي الحصر والبواري المنسوجة من القصب فقال: لا بأس، وأن يسجد علي الأرض أحب إلي، فإن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يحب ذلك، أن يمكن جبهته من الأرض، فأنا أحب لك ما كان يحبه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 218] أما علماء أهل السنة والجماعة فلا يرون بأسا في السجود علي الزرابي والفرش وإن كان عندهم أفضلية في الحصر. وهناك بعض الروايات التي يخرجها البخاري ومسلم في صحيحي هما تؤكد أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كانت له خمرة مصنوعة من سعف يسجد عليها فقد أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الحيض عن يحيي بن يحيي وأبو بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ناوليني الخمرة من المسجد قالت فقلت إني حائض فقال: إن حيضتك ليست في يدك [366] (يقول مسلم: والخمرة هي السجادة الصغيرة مقدار ما يسجد عليها). ومما يدلنا علي أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يحب السجود علي الأرض، ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يعتكف في العشر الأواسط من رمضان فاعتكف عاما حتي إذا كان ليلة إحدي وعشرين وهي الليلة التي يخرج صبيحتها من اعتكافه قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أمجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر،

فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد علي عريش فوكف المسجد فبصرت عيناي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدي وعشرين [367] . ومما يدلنا أيضا علي أن الصحابة كانوا يفضلون السجود علي الأرض. وذلك بحضرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ما أخرجه الإمام النسائي في سننه في باب تبريد الحصي للسجود عليه - قال: أخبرنا قتيبة قال حدثنا عباد عن [ صفحه 219] محمد بن عمرو عن سعيد بن الحرث عن جابر بن عبد الله قال: كنا نصلي مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الظهر فأخذ قبضة من حصي في كفي أبرده ثم أحوله في كفي الآخر فإذا سجدت وضعته لجبهتي [368] . أضف إلي كل ذلك أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال:" جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) [369] . وقال أيضا:" جعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا " [370] . فكيف يتعصب المسلمون ضد الشيعة لأنهم يسجدون علي الأرض بدلا من السجود علي الزرابي. وكيف يصل بهم الأمر إلي تكفيرهم والتشنيع عليهم وقذفهم زورا وبهتانا بأنهم عباد الأصنام. وكيف يضربونهم في السعودية لمجرد وجود التربة في جيوبهم أو في حقائبهم. أهذا هو الإسلام الذي يأمرنا باحترام بعضنا وعدم إهانة المسلم الموحد الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت وهل يعقل عاقل بأن الشيعي يتكبد تلك الأتعاب ويخسر تلك الخسائر ويأتي لحج بيت الله الحرام وزيارة قبر النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهو يعبد الحجارة كما يحلو للبعض أن يصوروه؟ أفلا يقتنع أهل السنة والجماعة

بقول الشهيد محمد باقر الصدر الذي نقلته في كتابي الأول " ثم اهتديت " عندما سألته عن التربة فقال: نحن نسجد لله علي [ صفحه 220] الأرض، فهناك فرق بين السجود علي التراب. والسجود للتراب! وإذا كان الشيعي يحتاط ليكون سجوده طاهرا ومقبولا عند الله فيمتثل أوامر رسول الله والأئمة الأطهار من أهل البيت وخصوصا في زماننا هذا الذي أصبحت فيه كل المساجد مفروشة بالزرابي الوثيرة وفي البعض بما يسمي (Moquette) وهي مادة مجهولة الصنع لدي عامة المسلمين ولم تصنع في بلاد إسلامية ولعل البعض منها فيها ما لا يجوز السجود عليه، أفيحق لنا أن ننبذ هذا الشيعي الذي يهتم بصحة صلاته، ونتهمه بالكفر والشرك لمجرد شبهة زائفة؟ والشيعي الذي يهتم بأمور دينه وخصوصا بصلاته التي هي عمود الدين فتراه ينزع حزامه وينزع ساعته لأن فيها حزاما من الجلد الذي لا يعلم منشأه وفي بعض الأوقات ينزع سرواله الإفرنجي ليصلي في سروال فضفاض كل ذلك احتياطا واهتماما بتلك الوقفة العظيمة بين يدي الله لكي لا يقابل ربه بشئ يكرهه، أيستحق هذا منا الاستهزاء والنفور، أم يستحق الاحترام والإكبار؟ لأنه عظم شعائر الله (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب). يا عباد الله اتقوا الله وقولوا قولا سديدا. (ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم، إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) [371] . [ صفحه 221]

الرجعة العودة إلي الحياة

هذه المسألة مما إختصت الشيعة بالقول بها، وأنا بحثت في كتب السنة فلم أجدها لها أثرا يذكر. وهم يعتمدون في ذلك علي أخبار وروايات رووها عن الأئمة الأطهار سلام الله

عليهم في أن الله سبحانه وتعالي سيحيي بعض المؤمنين وبعض المجرمين المفسدين لينتقم المؤمنون من أعدائهم أعداء الله في الدنيا قبل الآخرة. ولو صحت هذه الروايات وهي صحيحة ومتواترة عند الشيعة فلا تلزم أهل السنة والجماعة إذا لم يثقوا بصحتها، ومن ثم فإنهم غير ملزمين بوجوب الاعتقاد بها، لأن أئمة أهل البيت حدثوا بها عن جدهم صلي الله عليه وآله وسلم! كلا لأنا ألزمنا أنفسنا بالإنصاف في البحث وعدم التعصب، فلا نكلفهم إلا ما ألزموا به أنفسهم وأخرجوه في صحاحهم، ولأن روايات الرجعة لم ترد عندهم، فهم أحرار في عدم الأخذ بها، ورفضها هذا في صورة ما إذا أراد أحد الشيعة أن يفرض عليهم تلك الروايات. أما وأن الشيعة لم يفرضوا علي أحد أن يقول بالرجعة ولا أنهم يقولون بكفر من يكذبها، فلا داعي لكل هذا التشنيع والتهويل علي الشيعة سيما وأنهم [ صفحه 222] يفسرون بعض الآيات بنحو يوافق ذلك، وذلك كما في قوله تعالي: (ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) [372] . فقد جاء في تفسير القمي عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام قال: ما يقول الناس في هذه الآية (ويوم نحشر من كل أمة فوجا)؟ قلت: يقولون إنه في يوم القيامة، قال: ليس كما يقولون إنها في الرجعة، أيحشر الله في القيامة من كل أمة فوجا ويدع الباقين؟ إنما آية القيامة(وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) [373] . كما جاء في كتاب عقائد الإمامية للشيخ محمد رضا المظفر قوله: إن الذي تذهب إليه الإمامية أخذا بما جاء عن آل البيت عليهم السلام أن الله تعالي يعيد قوما من الأموات إلي

الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعز فريقا ويذل فريقا آخر ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام. ولا يرجع إلا من علت درجته في الإيمان أو من بلغ الغاية من الفساد، ثم يصيرون من بعد ذلك إلي الموت، ومن بعده إلي النشور وما يستحقونه من الثواب أو العقاب، كما حكي الله تعالي في قرآنه الكريم تمني هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله، أن يخرجوا ثالثا لعلهم يصلحون: (قالوا؟ ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلي خروج من سبيل)(سورة المؤمن آية 11) [374] . أقول إذا كان أهل السنة والجماعة لا يؤمنون بالرجعة فلهم كامل الحق: ولكن ليس من حقهم أن يشنعوا علي من يقول بها، لثبوت النصوص عنده. فليس لمن لا يعلم حجة علي من يعلم ولا حجة للجاهل علي العالم وليس عدم [ صفحه 223] الإيمان بالشئ دليل علي بطلانه فكم من حجة دامغة عند المسلمين لا يؤمن بها أهل الكتاب من يهود ونصاري. وكم من اعتقادات وروايات عند أهل السنة والجماعة بخصوص الأولياء والصالحين وأصحاب الطرق الصوفية تبدوا مستحيلة ومنكرة ولكن لا تستدعي التشنيع والتهويل علي عقيدة أهل السنة والجماعة. وإذا كانت الرجعة لها سند في القرآن والسنة النبوية وهي ليست مستحيلة علي الله الذي ضرب لنا أمثلة منها في القرآن كقوله تعالي: (أو كالذي مر علي قرية وهي خاوية علي؟ عروشها، قال: أني يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه) [375] . أو كقوله سبحانه وتعالي: (ألم تر إلي الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله

موتوا ثم أحياهم) [376] . وقد أمات الله قوما من بني إسرائيل ثم أحياهم قال تعالي. (وإذ قلتم يا موسي لن نؤمن لك حتي نري الله جهرة فأخذتكم الصاعقةوأنتم تنظرون، ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) [377] . وقال في أصحاب الكهف الذين لبثوا في كهفهم موتي أكثر من ثلاثمائة عام(ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصي لما لبثوا أمدا) [378] . فهذا كتاب الله يحكي أن الرجعة وقعت في الأمم السابقة فلا يستحيل وقوعها في أمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم وخصوصا إذا روي ذلك أئمة أهل [ صفحه 224] البيت سلام الله عليهم. فهم الصادقون، العالمون. أما قول بعض المتطفلين بأن القول بالرجعة هو القول بالتناسخ الذي يقول به بعض الملحدين. فهو قول ظاهر الفساد والبطلان، ويقصدون من ورائه التشنيع والتهويل علي الشيعة. إذ أن القائلين بالتناسخ لا يقولون بأن الإنسان يرجع إلي الدنيا بجسمه وروحه وصورته وكنهه. إنما يقولون بأن الروح تنتقل من إنسان مات إلي جسد إنسان آخر يولد من جديد أو حتي إلي حيوان. وهذا كما نعلم بعيد كل البعد عن عقيدة المسلمين القائلين بأن الله يبعث من في القبور بأجسامهم وأرواحهم. فليست الرجعة من التناسخ في شئ وهو قول الجهلة الذين لا يفقهون أو المغرضين غير الورعين. [ صفحه 225]

الغلو في حب الأئمة

لا نقصد بالغلو هنا هو الخروج عن الحق واتباع الهوي حتي يصبح المحبوب هو الإله المعبود فهذا كفر وشرك لا يقول به أي مسلم يعتقد برسالة الإسلامي ونبوة محمد صلي الله عليه وآله وسلم. وقد وضع الرسول صلي الله عليه وآله وسلم حدودا لهذا الحب عندما قال للإمام علي عليه السلام: " هلك فيك اثنان محب غال

ومبغض قال ". وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: " يا علي إن فيك مثلا من عيسي بن مريم أبغضته اليهود حتي بهتوا أمة، وأحبه النصاري حتي أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها " [379] . [ صفحه 226] وهو المعني المرفوض للغلو أن يطغي الحب حتي يؤله المحبوب وينزله منزلة ليس فيها أو أن يطغي البغض حتي يصل إلي درجة البهت والاتهام الباطل. والشيعة في حب علي والأئمة من ولده لم يغالوا بل أنزلوهم المنزلة المعقولة التي بوأهم فيها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهي أنهم أوصياء النبي وخلفاؤه ولم يقل أحد بنبوتهم فضلا عن ألوهيتهم، ودع عنك قول المشاغبين الذين يدعون بأن الشيعة ألهوا عليا وقالوا بربوبيته، فهؤلاء إن صح الخبر لم يكونوا فرقة ولا مذهبا ولا شيعة ولا خوارج. وما هو ذنب الشيعة إذا كان رب العزة والجلالة يقول: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) والمودة كما هو معلوم أكبر من الحب وإذا كان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم يقول: " لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه فإن المودة تفرض عليك أن تحرم نفسك من شئ لتود به غيرك ". وما هو ذنب الشيعة إذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: " يا علي أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة من أحبك فقد أحبني ومن أبغضك فقد أبغضني وحبيبك حبيب الله وبغيضك بغيض الله والويل لمن أبغضك " [380] . ويقول أيضا: " حب علي إيمان وبغضه نفاق " [381] . ويقول: " من مات علي حب آل محمد مات شهيدا، ألا ومن مات علي حب [ صفحه 227] آل

محمد مات مغفورا له، ألا ومن مات علي حب آل محمد مات تائبا، ألا ومن مات علي حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان ألا ومن مات علي حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة... " [382] . وما هو ذنب الشيعة إذا كانوا يحبون رجلا قال فيه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " غدا لأعطين رايتي إلي رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " [383] . فحبيب علي هو حبيب الله ورسوله وهو مؤمن وبغيض علي هو بغيض الله ورسوله وهو منافق. وقد قال الإمام الشافعي في حبهم: يا أهل بيت رسول الله حبكم++ فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم الفضل أنكم++ من لم يصل عليكم لا صلاة له وقد قال فيهم وفي حبهم الفرزدق في ميميته؟ المشهورة. من معشر حبهم دين وبغضهم++ كفر وقربهم منجي ومعتصم إن عد أهل التقي كانوا أئمتهم++ أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم فالشيعة أحبوا الله ورسوله، وحبهم لله ورسوله هو الذي فرض حب أهل البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين والأحاديث في هذا المعني كثيرة لا تحصي وقد أخرجها علماء أهل السنة والجماعة في صحاحهم وقد ذكرنا البعض منها دوما للاختصار. وإذا كان حب علي وأهل البيت بصفة عامة هو حب لرسول الله صلي الله [ صفحه 228] عليه وآله وسلم، فعلينا أن نعرف مدي هذا الحب المطلوب من المسلمين حتي نعرف إن كان هناك غلو كما يزعمون. قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " [384] . وعلي هذا الأساس فلا بد أن يحب المسلم

عليا وأولاده الأئمة الطاهرين أكثر من الناس أجمعين بما في ذلك الأهل والأولاد ولا يتم الإيمان إلا بذلك لأن رسول الله قال: لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه... الحديث. فالشيعة إذن لا يغالون وإنما يعطون كل ذي حق حقه وقد أمرهم رسول الله أن ينزلوا عليا بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة العينين من الرأس فهل هناك من الناس من يتنازل عن عينيه أو عن رأسه؟ ولكن في المقابل هناك مغالاة عند أهل السنة والجماعة في حب الصحابة وتقديسهم في غير محله، وإنما يبدو أنها رد فعل علي الشيعة الذين لم يقولوا بعدالة الصحابة أجمعين فكان الأمويون يرفعون من شأن الصحابة ويحطون من قيمة وشأن أهل البيت النبوي حتي إذا صلوا علي محمد وآله أضافوا إليهم، وعلي أصحابه أجمعين لأن في الصلاة علي أهل البيت فضل لم يسبقه سابق ولا يلحقه لاحق فأرادوا أن يرفعوا الصحابة إلي تلك الدرجة العلية وغفلوا عن أن الله سبحانه أمر المسلمين وعلي رأسهم الصحابة أجمعين أن يصلوا علي محمد وعلي وفاطمة والحسنين ومن لم يصل عليهم فصلاته مردودة لا يقبلها الله إذا اقتصرت علي محمد وحده كما هو ثابت في صحيح البخاري ومسلم. وإذا قلنا بأنه غلو في الصحابة ذلك لأن أهل السنة يتعدون حدود المنطق [ صفحه 229] عندما يقولون بعد التهم أجمعين وقد شهد الله ورسوله بأن فيهم الفاسقين والمارقين والقاسطين والمنافقين. والغلو ظاهر عندما يقولون بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يخطئ ويصوبه صحابي. أو أن الشيطان يلعب ويمرح بحضرة النبي ولكنه يهرب من عمر، والغلو واضح في قولهم لو أصاب الله المسلمين بمصيبة بما فيهم رسول الله، لم يكن ينج منها إلا ابن

الخطاب، والغلو أوضح في إلغائهم لسنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم واتباع سنة الصحابة وبالخصوص الخلفاء الراشدين وقد أوقفناك علي البعض من ذلك وإذا أردت المزيد فعليك بالبحث والتأمل للوقوف علي مزيد من هذه المفارقات. [ صفحه 231]

المهدي المنتظر

وهو أيضا من المواضيع التي يشنع بها أهل السنة والجماعة علي الشيعة. وذهب البعض منهم إلي حد السخرية والاستهزاء، إذ أنهم يستبعدون أو قل يعتقدون استحالة أن يبقي بشر طيلة اثني عشر قرنا حيا ومخفيا عن أنظار الناس. حتي قال بعض الكتاب المعاصرين " بأن الشيعة اختلقوا فكرة الإمام الغائب الذي سينقذهم وذلك لكثرة ما لا قوة من ظلم الحكام وجورهم علي مر الأزمان، فسلوا أنفسهم بأمنية المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا وينتقم لهم من أعدائهم ". وقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عن المهدي المنتظر فأصبح المسلمون وبالخصوص الشباب المثقف في كل مكان يتساءلون عن حقيقة المهدي، وهل هي حقيقة وله وجود في العقائد الإسلامية أم هو من مختلقات الشيعة؟ ورغم ما كتبه علماء الشيعة قديما وحديثا [385] بخصوص المهدي من موسوعات وأبحاث، ورغم اتصال كثير من السنيين بإخوانهم من الشيعة في مؤتمرات عديدة ومحادثاتهم في شتي المواضيع العقائدية، يبقي هذا الموضوع من [ صفحه 232] الألغاز عند الكثير منهم، لأنهم ما تعودوا سماع أمثال هذه الروايات. فما هي حقيقة المهدي المنتظر في العقائد الإسلامية؟ والبحث في هذا الموضوع ينقسم إلي قسمين: - القسم الأول يتعلق بالبحث عن المهدي من خلال الكتاب والسنة. والقسم الثاني يتعلق بالبحث عن حياته وغيبته وظهوره. أما في البحث الأول: فالشيعة والسنة متفقون علي أن رسول الله صلي الله عليه وآله

وسلم بشر به وأعلم أصحابه بأنه سيظهره الله سبحانه وتعالي في آخر الزمان، وقد أخرج أحاديث المهدي عليه السلام كل من الشيعة والسنة في صحاحهم ومسانيدهم. وأنا بدوري وكالعادة حسبما تعهدت به في كل أبحاث الكتاب لا أستدل إلا بما هو ثابت وصحيح عند أهل السنة والجماعة.فقد جاء في سنن أبي داود [386] . قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتي يبعث رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ". وجاء في سنن ابن ماجة [387] قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة علي الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء شديدا، وتطريدا، حتي يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات [ صفحه 233] سود فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينتصرون، فيعطون ما سألوا: فلا يقبلونه، حتي يدفعونها إلي رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملئت جورا ". وقال ابن ماجة في سننه: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " المهدي منا أهل البيت، المهدي من ولد فاطمة ". وقال صلي الله عليه وآله وسلم: " يكون في أمتي المهدي، إن قصر فسبع، وإلا فتسع تنعم فيها أمتي نعمة لم تنعم مثلها قط تأتي أكلها، ولا تدخر منه شيئا، والمال يومئذ كدوس،فيقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني فيقول: خذ " [388] . وجاء في صحيح الترمذي [389] قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، ولو لم

يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك ليوم حتي يلي ". وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " لا تذهب الدنيا حتي يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ".وأخرج الإمام البخاري في صحيحه [390] . قال: حدثنا بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن نافع [ صفحه 234] مولي أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم. وقال صاحب غاية المأمول: اشتهر بين العلماء سلفا وخلفا أنه لا بد من ظهور رجل من أهل البيت في آخر الزمان يسمي المهدي، وقد روي أحاديث المهدي جماعة من خيار الصحابة وخرجها أكابر المحدثين: كأبي داود، والترمذي، وابن ماجة والطبراني وأبي يعلي، والبزاز، والإمام أحمد بن حنبل، والحاكم رضي الله عنهم أجمعين، ولقد أخطأ من ضعف أحاديث المهدي كلها. قال الحافظ في فتح الباري: تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسي بن مريم سينزل ويصلي خلفه " [391] . وقال ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة: والأحاديث التي جاء فيهاذكر ظهور المهدي كثيرة متواترة [392] . وقال الشوكاني في رسالة المسماة " التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح " وبعد سرده أحاديث المهدي قال: " وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفي علي من له فضل اطلاع ". وقال الشيخ عبد الحق في اللمعات: " قد تظافرت الأحاديث البالغة حد التواتر في كون المهدي من أهل البيت من أولاد فاطمة " [393] . وقال الصبان في كتابه إسعاف الراغبين: " وقد تواترت

الأخبار عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم بخروجه وأنه من [ صفحه 235] أهل البيت، وأنه يملأ الأرض عدلا " [394] . وقال السويدي في كتابه المسمي " سبائك الذهب ": " الذي اتفق عليه العلماء أن المهدي هو القائم في آخر الوقت وأنه يملأالأرض عدلا، والأحاديث في ظهوره كثيرة " [395] . وقال ابن خلدون في مقدمته: " إعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام علي ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويسمي بالمهدي " [396] . كما أخرج أحاديث المهدي من المعاصرين مفتي الإخوان المسلمين السيد سابق في كتابه " العقائد الإسلامية " واعتبر أن فكرة المهدي من العقائد الإسلامية التي يجب التصديق بها. وكتب الشيعة أيضا أخرجت أحاديث المهدي علي كثرتها حتي قيل أنه لم يرو عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أكثر مما روي عنه في أحاديث المهدي. وقد استخرج الباحث لطف الله الصافي في موسوعته " منتخب الأثر " أحاديث المهدي عليه السلام من أكثر من ستين مصدرا من كتب أهل السنة والجماعة من ضمنها الصحاح الستة وأكثر من تسعين مصدرا من كتب الشيعة من ضمنها الكتب الأربعة. أما بخصوص البحث الثاني والذي يتعلق بولادة المهدي وحياته وغيبته وعدم وفاته عليه السلام فهذا القسم أيضا لم ينكره بعض علماء أهل السنة الذين لا يستهان بهم، والذين يعتقدون بأن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري [ صفحه 236] الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، ولد، وأنه لا يزال حيا وسيظهر في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطا وعدلا وينصر الله به دينه، وهم بذلك يوافقون

أقوال الشيعة الإمامية، ومن هؤلاء: 1 - محي الدين بن العربي في فتوحاته المكية. 2 - سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص. 3 - عبد الوهاب الشعراني في كتابه عقائد الأكابر. 4 - ابن الخشاب في كتابه تواريخ مواليد الأئمة ووفياتهم. 5 - محمد البخاري الحنفي في كتابه فصل الخطاب. 6 - أحمد بن إبراهيم البلاذري في كتابه الحديث المتسلسل. 7 - ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة. 8 - العارف عبد الرحمن في كتابه مرآة الأسرار. 9 - كمال الدين بن طلحة في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول. 10 - القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة. ولو تتبع الباحث لوجد في علماء السنة والجماعة أضعاف من ذكرنا يقولون بولادة المهدي وبقائه حيا حتي يظهره الله تعالي. وبعد هذا لم يبق معنا من أهل السنة والجماعة إلا المنكرون لولادته وبقائه حيا، بعد اعترافهم بصحة الأحاديث. وهؤلاء ليسوا حجة علي غيرهم من القائلين بها. والقرآن الكريم لا ينفي مثل هذا الافتراض، وكم ضرب الله من مثل علي ذلك لأهل العقول الجامدة لكي يتحرروا ويطلقوا العنان لأفكارهم وعقولهم حتي تستيقن وتسلم بأن الله سبحانه قادر علي كل شئ. لذا فإن المسلم الذي ملأ الإيمان قلبه فلا يستغرب أن يميت الله عزيزا مائة عام، ثم يبعثه فينظر إلي طعامه وشرابه لم يتسنه، وإلي حماره كيف ينشز الله عظامه ويكسوها لحما فيرجع كما كان بعد أن كانت عظامه رميما فلما تبين له قال: [ صفحه 237] إعلم أن الله علي كل شئ قدير. سبحان الله ما أسرع تحوله، بينما قبل الحادثة استغرب واستبعد عند مروره علي قرية خاوية علي عروشها. قال أني يحيي الله هذه

بعد موتها؟؟ والمسلم الذي يصدق القرآن الكريم لا يستغرب أن يقطع سيدنا إبراهيم الطير ويبعثر أجزاءه وأشلاءه علي الجبال ثم يدعوهن فيأتينه سعيا. والمسلم لا يستغرب أن تصبح النار باردة فلا تحرق ولا تؤذي سيدنا إبراهيم عندما ألقي فيها فقال لها الله يا نار كوني بردا وسلاما والمسلم لا يستغرب بأن سيدنا عيسي ولد من غير نطفة الذكر أي من غير أب. وأنه حي لم يمت وسيعود إلي الأرض. والمسلم لا يستغرب بأن سيدنا عيسي كان يحيي الموتي ويبرئ الأكمه والأبرص والأعمي ولا يستغرب أن ينغلق البحر لسيدنا موسي ولبني إسرائيل فيمشوا فيه بدون بلل وتنقلب عصاه ثعبانا ويحول ماء النيل إلي دم. كذلك فإن المسلم لا يستغرب أن سيدنا سليمان كان يتكلم مع الطير ومع الجن ومع النمل ويحمل عرشه علي بساط الريح. ويستقيم عرش بلقيس في لحظات. ولا يستغرب بأن الله أمات أصحاب الكهف ثلاثة قرون وازدادوا تسعا ثم بعثهم فكان حفيد الحفيد أكبر سنا من جد الجد. ولا يستغرب بأن سيدنا الخضر عليه السلام حي لم يمت وقد التقي مع سيدنا موسي عليه السلام. ولا يستغرب بأن إبليس لعنه الله حي لم يمت وهو مخلوق قبل آدم عليه السلام، وما زال يواكب مسيرة البشر من أول خلقته إلي يوم فنائه، ومع ذلك فهو مخفي لم ولن يراه أحد رغم أعماله الشنيعة وأفعاله الذميمة، وهو يري كل الناس. [ صفحه 238] إن المسلم يؤمن بكل هذا ولا يستغرب وقوعه، أفيستغرب وجود المهدي مخفيا لفترة من الزمان لحكمة يريدها الله سبحانه فكل ما ذكره القرآن وهو أضعاف ما ذكرنا في هذه العجالة ليس هو مما جرت به العادة ولا هو معهود لدي الناس، ولا

يقدرون عليه ولو اجتمعوا له. وإنما هو من صنع الله الذي لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء، ويصدق به المسلمون لأنهم آمنوا بكل ما جاء في القرآن الكريم وبدون استثناء وبدون تحفظ. علي أن الشيعة هم أدري بأمور المهدي عليه السلام لأنه إمامهم وقد عاصروه وعاشوا معه ومع آبائه، وأهل مكة أدري بشعابها. والشيعة يحترمون أئمتهم ويعظمونهم وقد اتخذوا لأئمة أهل البيت قبورا شيدوها والتزموا بزيارتها والتبرك بها، فلو كان الإمام الثاني عشر وهو المهدي سلام الله عليه قد توفي لكان له قبر معروف، ولأمكنهم أن يقولوا بجواز بعثه بعد الموت ما دام هذا الأمر ممكنا كما ذكره القرآن الكريم وخاصة أنهم يقولون " بالرجعة ". بل تراهم يصرون علي أن المهدي سلام الله عليه حي يرزق وهو مخفي لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالي قد يعرفها الراسخون في العلم وأولياءهم. وهم يدعون في صلواتهم أن يجعل الله فرجه الشريف لأن في ظهوره عز المسلمين وسعادتهم وانتصارهم ولأن به يتم الله نوره ولو كره الكافرون. علي أن الخلاف بين السنة والشيعة في أمر المهدي عليه السلام ليس هو خلاف جوهري ما داموا يعتقدون بظهوره في آخر الزمان، وأن عيسي عليه السلام يصلي خلفه، وأنه سيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، ويملك المسلمون الأرض كلها في زمانه ويعم الرخاء حتي لا يبقي فقير. ويبقي الخلاف فقط في قول الشيعة بولادته وفي قول السنة بأنه سيولد، [ صفحه 239] ويجتمع قول الفريقين علي ظهوره آخر الزمان - فليتوحد السنة والشيعة علي كلمة الحق وعلي جمع شمل الأمة والممزقة ولم شتاتها وليدعوا الله جميعا مخلصين في دعائهم وفي كل صلواتهم بأن يعجل ظهوره لأن في

ظهوره الفرج والنصر لأمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلي آله الطيبين الطاهرين. محمد التيجاني السماوي والسلام عليكم والرحمة الله بركاته

پاورقي

[1] طه 52.

[2] البقرة 282.

[3] الضحي 7.

[4] النحل: آية 43، تفسير الطبري ج 14 ص 109 وتفسير ابن كثير ج 2 ص 570.

[5] فاطر آية 32.

[6] أخرجه الترمذي في صحيحه ج 2 ص 329 والنسائي والإمام أحمد.

[7] صحيح مسلم ج 2 ص 362 باب فضائل علي بن أبي طالب.

[8] الواقعة: آية 75 - 76.

[9] الأعراف: آية 201. [

[10] البقرة: آية 275.

[11] الأحزاب: آية 33.

[12] أخرجه الحاكم في مستدرك ج 3 ص 149 عن ابن عباس وقال هذا حديث صحيح الإسناد.

[13] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 4 ص 126.

[14] صحيح البخاري ج 7 ص 99 باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله.

[15] صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة ومسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 398.

[16] كالذين حاربهم أبو بكر وسموا بأهل الردة.

[17] كما طعن أكثر الصحابة في عثمان حتي قتلوه.

[18] كما فعل ذلك معاوية الذي كان يأمر بلعن علي.

[19] كحروب الجمل وصفين والنهروان وغيرها.

[20] حديث " ويح عمار تقتله الفئة الباغية ".

[21] صحيح الترمذي ج 5 ص 328 صحيح مسلم ج 2 ص 362 النسائي في الخصائص كنز العمال ج 1 ص 44 - مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 5 ص 189 الحاكم في المستدرك ج 3 ص 148 الصواعق المحرقة لابن حجر ص 148 الطبقات الكبري لابن سعد ج 2ص 194 الطبراني ج 1 ص 131.

[22] أضرب لذلك مثلا واحدا: أخرج الصدوق

في الإكمال بسنده إلي الإمام الصادق عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (ص) الأئمة من بعدي اثنا عشر. أو لهم علي وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي.

[23] صحيح البخاري ج 1 كتاب العلم. صحيح الترمذي كتاب أيضا.

[24] العقد الفريد لا بن عبد ربه - والفصول المهمة الصباغ المالكي ج 3 ص 42.

[25] سورة التوبة: آية 122.

[26] البسملة في الصلاة مكروهة عند المالكية وواجبة عند الشافعية ومستحبة عند الحنفية والحنابلة قالوا: بإخفاتها صلي في الصلاة الجهرية.

[27] سورة المؤمنون آية 52.

[28] سورة آل عمران آية 103.

[29] سورة الأنفال آية 46.

[30] سورة آل عمران آية 105.

[31] سورة الأنعام آية 159.

[32] سورة الروم آية 21 - 22.

[33] سنن ابن ماجة كتاب الفتن ج 2 رقم الحديث 3993 مسند أحمد ج 3 ص 120 والترمذي في كتاب الإيمان.

[34] الصواعق المحدقة لابن حجر ص 136 و ص 227 الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 132 مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 17 و ج 4 ص 366 حلية الأولياء ج 4 ص 306 مستدرك الحاكم ج 3 ص 151 التلخيص الذهبي - المعجم الصغير للطبراني ج 2ص 22.

[35] نهج البلاغة للإمام علي ج 2 ص 190.

[36] نهج البلاغة للإمام علي ج 3 ص 439.

[37] مثال ذلك ما رواه أبو هريرة من " أن الله خلق آدم علي صورته " ولكن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أوضح الأمر فقال إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سمع رجلين يتسابان فقال أحدهما للآخر قبح الله وجهك ووجه من يشبهك فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم " إن الله خلق آدم علي صورته " أي أنك بسبك من

يشبهه قدسببت آدم لأنه يشبهه.

[38] صحيح البخاري ج 2 ص 47 ج 5 ص 179 و ج 6 ص 33.

[39] صحيح البخاري ج 4 ص 226 و ج 5 ص 47 - 48 صحيح مسلم ج 1 ص 114 - 122.

[40] صحيح البخاري ج 8 ص 197.

[41] صحيح البخاري ج 8 ص 182.

[42] صحيح البخاري ج 8 ص 187 وفي صفحة 202 يثبت أن لله يد وأصابع.

[43] سورة المائدة آية 64.

[44] سورة هود آية 37.

[45] سورة الإسراء آية 72.

[46] سورة القصص آية 88.

[47] سورة القيامة آية 23 هذه الآية فسرها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بأن الوجوه تكون يومئذ ناضرة بمعني الحسن والبهجة وإلي رحمة ربها ناظرة.

[48] نهج البلاغة شرح محمد عبده ج 1 الخطبة عدد 1.

[49] عقائد الإمامية.

[50] كتاب المراجعات من الكتب التي يجب أن يقرأها كل من يريد التعرف علي عقائد الشيعةالإمامية وأفكارهم.

[51] البداية والنهاية لابن كثير نقل عن الإمام أحمد ومسلم وأبي داود والترمذي.

[52] صحيح مسلم في كتاب الفضائل ج 7 ص 95 ومسند الإمام أحمد ج 1 ص 162 و ج 3ص 152.

[53] صحيح البخاري ج 7 ص 29.

[54] صحيح البخاري ج 4 ص 68.

[55] صحيح البخاري ج 1 ص 123 و ج 2 ص 65.

[56] صحيح البخاري ج 1 ص 37 و ص 44 و ص 171.

[57] سنن الدارمي كتاب الرقاق.

[58] صحيح مسلم باب فضائل عثمان ج 7 ص 117.

[59] صحيح البخاري ج 2 ص 232 و ص 234.

[60] صحيح البخاري ج 3 ص 114 و ج 7 ص 96.

[61] صحيح البخاري ج 3 ص 228 و ج 2 ص 3 كتاب العيدين.

[62] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 6

ص 75.

[63] تفسير الجلالين في تفسير قوله تعالي (وتخفي في نفسك ما الله مبديه).

[64] صحيح مسلم ج 7 ص 136 باب فضائل عائشة.

[65] منطقة الجريد بالجنوب التونسي تبعد عن قفصة 92 كلم وهي مسقط رأس أبو القاسم الشابي الشاعر المعروف والخضر حسين الذي ترأس الأزهر الشريف والكثير من علماء تونس مولودون في هذه المنطقة.

[66] أخرج البخاري في صحيحه ج 3 ص 152 في باب شهادة الأعمي من كتاب الشهادات قال: حدثنا ابن عبيد بن ميمون أخبرنا عيسي.. عن عائشة قالت: سمع النبي صلي الله عليه وآله وسلم رجلا يقرأ في المسجد فقال: رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آيةأسقطتهن من سورة كذا وكذا....

[67] سورة البقرة آية 124.

[68] سورة الأنبياء آية 73.

[69] سورة السجدة آية 24.

[70] سورة القصص آية 5.

[71] سورة الفرقان آية 71 - 74.

[72] سورة القصص آية 41 - 42.

[73] صحيح مسلم ج 6 ص 24 باب خيار الأئمة وشرارهم.

[74] صحيح مسلم ج 6 ص 20 باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن.

[75] صحيح مسلم ج 6 ص 4 باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.

[76] صحيح مسلم ج 6 ص 3 وصحيح البخاري ج 8 ص 105 و ص 128.

[77] صحيح مسلم ج 6 ص 23 باب وجوب الانكار علي الأمراء.

[78] صحيح البخاري ج 8 ص 127 باب الاستخلاف.

[79] صحيح البخاري ج 8 ص 106 باب ما يكره من الحرص علي الإمارة.

[80] صحيح البخاري ج 8 ص 106 باب ما يكره من الحرص علي الإمارة.

[81] صحيح مسلم ج 6 ص 3 باب الخلافة في قريش.

[82] ينابيع المودة ج 3 ص 104.

[83] ينابيع المودة ج 3 ص 105.

[84] الترمذي وأبو داود وابن ماجة ومسند

أحمد بن حنبل ج 2 ص 332.

[85] صحيح البخاري ج 7 ص 209 باب الحوض. و ج 5 ص 192.

[86] صحيح البخاري ج 4 ص 63.

[87] صحيح البخاري ج 7 ص 112.

[88] صحيح البخاري ج 4 ص 144 و ج 8 ص 151.

[89] الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 28.

[90] صحيح مسلم ج 6 ص 5 باب الاستخلاف وتركه.

[91] الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 18.

[92] صحيح البخاري ج 8 ص 26 باب رجم الحبلي من الزنا.

[93] تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 1 ص 18 وما بعدها.

[94] وذلك أنه ليس هناك دليل عند الشيعة إلا وفي كتب السنة مصداقه.

[95] سورة المائدة آية 55 - 56.

[96] أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي المتوفي سنة 337 ه ذكره ابن خلكان وقال: كان أوحد زمانه في علم التفسير صحيح النقل موثوق به.

[97] الجمع بين الصحاح الستة. صحيح النسائي - مسند أحمد - ابن حجر في صواعقه وكذلك رواها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة.

[98] سورة المائدة آية 67.

[99] الدر المنثور في التفسير بالمأثور ج 3 ص 119. [

[100] نفس المصدر السابق.

[101] فتح الباري ج 6 ص 31 البداية والنهاية ج 8 ص 102 سير أعلام النبلاء للذهبي ج 2 ص 436 الإصابة لابن حجر ج 3 ص 287.

[102] جلال الدين السيوطي الدر المنثور ج 3 ص 3.

[103] نفس المصدر السابق.

[104] الدر المنثور في التفسير بالمأثور ج 3 ص 4.

[105] الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي ج 3 ص 4.

[106] نفس المصدر السابق.

[107] سورة الزخرف آية 78.

[108] سورة الحاقة آية 49.

[109] سورة النساء آية 165.

[110] سورة الحج آية 42 - 44.

[111]

وهو ما يسمي بحديث الغدير وقد أخرجه علماء الشيعة وعلماء السنة علي حد سواء.

[112] أحمد بن حنبل في مسنده ج 4 ص 281 والطبري في تفسيره والرازي في تفسيره الكبير ج 3 ص 636 وابن حجر في صواعقه والدار قطني والبيهقي والخطيب البغدادي والشهرستاني وغيرهم.

[113] سورة البقرة آية 204.

[114] مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 372.

[115] النسائي في كتاب الخصائص ص 21.

[116] مستدرك الحاكم ج 3 ص 109.

[117] صحيح مسلم ج 7 ص 122 باب فضائل علي بن أبي طالب وذكر الحديث أيضا الإمام أحمد والترمذي وابن عساكر وغيرهم.

[118] صحيح مسلم ج 7 ص 122 باب فضائل علي بن أبي طالب.

[119] ابن حجر في صواعقه ص 25 نقلا عن الطبراني والحكيم الترمذي.

[120] مسند الإمام أحمد بن حنبل الجزء الرابع صفحة 281. كذلك في كنزل العمال جزء 15ص 117. فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 1 ص 350.

[121] كتاب الغدير للعلامة الأميني في إحدي عشر مجلدا وهو كتاب قيم جمع فيه صاحبه كل مايتعلق بحديث الغدير من كتب أهل السنة والجماعة.

[122] صحيح البخاري ومسلم إذ أخرجا عدة مخالفات لهم كما في صلح الحديبية وكما في زرية يوم الخميس وغير ذلك كثير.

[123] سورة المائدة آية 3.

[124] لأنهم يعتقدون بأن الصحابة كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.

[125] إقرأ كتاب عبد الله بن سبأ للعلامة العسكري لتعرف بأنه لا وجود له، وهو من مختلقات سيف بن عمر التميمي المشهور بالوضع والكذب - واقرأ كتاب الفتنة الكبري لطه حسين وإن شئت فاقرأ كتاب الصلة بين التصوف والتشيع للدكتور مصطفي كامل الشيبي لتعرف بأن عبد الله بن سبأ هذا ليس غير سيدنا عمار بن ياسر رضي الله تعالي عنه.

[126] ذلك لأن الأئمة

من أهل البيت فوضوا أنفسهم بأخلاقهم وعلومهم التي ملأت الخافقين وبزهدهم وتقواهم والكرامات التي حباهم الله بها.

[127] كانت لا تطيق ذكر اسمه البخاري ج 1 ص 162 ج 7 ص 18 ج 5 ص 140 ويقول المؤرخون لما بلغها خبر مقتله سجدت شكر الله وقالت في ذلك شعرا.

[128] صحيح البخاري ج 4 ص 191 وص 201 كما روي البخاري في صحيحه ج 4 ص 195 رواية تنسب إلي محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: أبو بكر قلت ثم من قال: ثم عمر وخشيت أن يقول عثمان قلت ثم أنت قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين.

[129] سورة المائدة آية 106.

[130] صحيح البخاري ج 5 ص 127.

[131] جلال الدين السيوطي الدر المنثور في التفسير بالمأثور ج 3 ص 18.

[132] الدر المنثور للسيوطي في تفسيره لآية (اليوم أكملت لكم دينكم) سورة المائدة.

[133] أخرجها بكاملها الحافظ ابن جرير الطبري في كتاب الولاية كما أخرج جلال الدينالسيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 298 خطبة في نفس المعني بألفاظ متقاربة.

[134] تفسير فتح القدير للشوكاني ج 3 ص 57.جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 298 عن ابن عباس.

[135] سورة القصص آية 68 - 69 - 70.

[136] الحاكم الحسكاني عن أبي سعيد الخدري في تفسيره للآية. والحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه " ما نزل من القرآن في علي ".

[137] روي هذه القصة كل من الإمام أبي حامد الغزالي في كتابه سر العالمين ص 6 كما رواها الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج 4 ص 281. والطبري في تفسيره ج 3 ص 428 والبيهقي، والثعلبي،

والدار قطني والفخر الرازي وابن كثير وغيرهم.

[138] الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه ما نزل من القرآن في علي. - الخوارزمي المالكي في كتاب المناقب ص 80 - الكنجي الشافعي في كفاية الطالب.- جلال الدين السيوطي في كتابه - الازدهار فيما عقده الشعراء من الأشعار.

[139] الطبري في تاريخه ج 5 ص 31.تاريخ ابن الأثير ج 3 ص 31 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 ص 18.

[140] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 4 ص 370 وكذلك ج 1 ص 119. النسائي في الخصائص ص 19 - كنز العمال ج 6 ص 397 - ابن كثير في تاريخه ج 5 ص 211. - ابن الأثير في أسد الغابة ج 4 ص 28 وابن حجر العسقلاني في الإصابة ج 2 ص 408 - السيوطي في جمع الجوامع.

[141] مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 106 - ابن كثير في تاريخه ج 5 ص 211. ابن الأثير في أسد الغابة ج 3 ص 321 - حلية الأولياء ج 5 ص 26. أحمد بن حنبل ج 1 ص 119.

[142] ابن كثير في كتاب البداية والنهاية ج 5 ص 214.

[143] صحيح البخاري ج 8 ص 26 باب رجم الحبلي من الزنا.

[144] تاريخ الطبري وابن الأثير بعد موت عمر بن الخطاب واستخلاف عثمان.

[145] شرح نهج البلاغة لمحمد عبده ج 1 ص 88.

[146] تاريخ الطبري وابن الأثير في حوادث سنة 36 للهجرة محمد عبده في شرح النهج ج 1ص 88.

[147] سورة الأعراف آية 16 - 17.

[148] الطبري في دلائل الإمامة. - بلاغات النساء لابن طيفور. - أعلام النساء تأليف عمر رضا كحالة ج 4 ص 123.- ابن أبي الحديد في شرح

النهج.

[149] صحيح البخاري ج 4 ص 195.

[150] صحيح البخاري ج 8 ص 26. تاريخ الطبري - تاريخ الخلفاء لابن قتيبة.

[151] صحيح البخاري ج 8 ص 28 باب رجم الحبلي من الزنا إذا أحصنت.

[152] ذكر كل المؤرخون بأنه لم يحضر في السقيفة إلا أربعة من المهاجرين فقوله: فبايعته وبايعه المهاجرون يعارضه قوله وخالف عنا علي والزبير ومن معهما قاله في نفس الخطبة أنظر صحيح البخاري ج 8 ص 26.

[153] صحيح البخاري ج 8 ص 26.

[154] صحيح البخاري ج 8 ص 26.

[155] صحيح البخاري ج 8 ص 26.

[156] تاريخ الطبري ج ص استخلاف عمر بن الخطاب. شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص.

[157] الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 25.باب مرض أبي بكر واستخلافه عمر رضي الله عنهما.

[158] الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 18.

[159] صحيح مسلم ج 5 ص 75 (كتاب الوصية) صحيح البخاري ج 7 ص 9.

[160] صحيح البخاري ج 4 ص 195.

[161] صحيح البخاري ج 8 ص 28 - وتاريخ الخلفاء ح 1 ص 19.

[162] صحيح البخاري ج 8 ص 25.

[163] كما نص علي ذلك ابن سعد في طبقاته وأكثر المؤرخين الذين ذكروا سرية أسامة بن زيد.

[164] محمد عبده في شرح نهج البلاغة ج 1 ص 88.

[165] صحيح مسلم باب الوصية.

[166] صحيح مسلم ج 6 ص 2 و 3 صحيح البخاري ج 8 ص 27.

[167] صحيح مسلم ج 6 ص 2 و 3 صحيح البخاري ج 8 ص 27.

[168] صحيح البخاري ج 2 ص 81 صحيح مسلم باب صلح الحديبية.

[169] صحيح البخاري ج 2 ص 76.

[170] صحيح البخاري ج 1 ص 37.

[171] صحيح البخاري ج 1 باب من لقي الله بالإيمان

وهو غير شاك فيه دخل الجنة في صفحة 45.

[172] نهج البلاغة شرح محمد عبده ج 1 ص 87.

[173] صحيح مسلم ج 1 ص 61.

[174] صحيح البخاري ج 3 ص 168.

[175] مسند أحمد ج 5 ص 25 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 124.

[176] المستدرك للحاكم ج 3 ص 126.

[177] منتخب كنز العمال ج 5 ص 34.

[178] الرياض النضرة في مناقب العشرة للطبري باب فضائل علي بن أبي طالب.

[179] سورة البقرة آية 87.

[180] صحيح البخاري ج 4 ص 144 و ج 8 ص 151.

[181] صحيح البخاري ج 7 ص 209 وصحيح مسلم في باب الحوض.

[182] سنن ابن ماجة كتاب الفتن ج 2 رقم الحديث 3993. مسند أحمد ج 3 ص 120 سنن الترمذي في كتاب الإيمان.

[183] مناقب الخوارزمي ص 48 - الإستيعاب ج 3 ص 39 تذكرة السبط 87 مطالب السؤول ص 13 تفسير النيسابوري في سورة الأحقاف فيض القدير ج 4 ص 357.

[184] صحيح البخاري ج 4 ص 5 و ص 12 ج 5 ص 76 و 77.صحيح مسلم ج 7 ص 121 باب فضائل علي بن أبي طالب.

[185] سورة يونس آية 35.

[186] سورة البقرة آية 247.

[187] مناقب الخوارزمي ص 58 تذكرة السبط 87 ابن المغازلي ترجمة علي ص 79.

[188] شرح النهج لابن أبي الحديد في المقدمة.

[189] شرح النهج لابن أبي الحديد في المقدمة.

[190] شرح النهج لابن أبي الحديد في المقدمة.

[191] تاريخ الطبري ج 2 ص 319 تاريخ ابن الأثير ج 2 ص 62.

[192] صحيح مسلم ج 7 ص 120 صحيح البخاري في فضائل علي.

[193] مستدرك الحاكم ج 3 ص 128 والطبراني في الكبير.

[194] السيرة الحلبية غزوة ذات السلاسل وطبقات ابن سعد وكل من ذكر غزوة

ذات السلاسل.

[195] كنز العمال ج 6 ص 392 رقم الحديث 6009 وكذلك في حلية الأولياء ينابيع المودة ص 73 و 77 تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 483.

[196] مستدرك الحاكم ج 3 ص 122 تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 488.

[197] سورة العنكبوت آية 2.

[198] كحديث اتباع سنة اليهود والنصاري شبرا بشبر وذراعا بذراع حتي لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. أخرجه البخاري ومسلم وسبقت الإشارة إليه وكحديث الحوض الذي يقول فيه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم.

[199] كقوله تعالي: (أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم) آل عمران: آية 144. وكقوله له سبحانه وتعالي: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا..) الفرقان آية 30.

[200] يدلنا علي أن هناك من الأعراب الذين يسكنون خارج المدينة يبغضوا علي بن أبي طالب ولا يحبوه، كما أنهم لا يحبون محمد ولذا تري هذا الجلف يدخل علي النبي فلا يسلم ويناديه يا محمد: وصدق الله إن يقول: (الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله عليه رسوله).

[201] شواهد التنزيل للحسكاني ج 2 ص 286. تفسير الثعلبي في سورة سأل سائل بعذاب واقع. تفسير القرطبي ج 18 ص 278. تفسير المنار رشيد رضا ج 6 ص 464. ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 328. الحاكم في ما استدركه علي الصحيحين ج 2 ص 502. السيرة الحلبية ج 3 ص 275. تذكرة الخواص لابن الجوزي ص 37.

[202] كتاب المعارف لابن قتيبة الدينوري ص 251.

[203] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 1 ص 119.

[204] أنساب الأشراف للبلاذري في جزئه الأول و ج 2 ص 152.

[205] تاريخ

ابن عساكر المسمي بتاريخ دمشق ج 2 ص 7 و ج 3 ص 150. - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد تحقيق محمد أبو الفضل ج 19 ص 217. - عبقات الأنوار ج 2 ص 309. - مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 23.- السيرة الحلبية ج 3 ص 337.

[206] وهو مناشدة الإمام علي يوم الرحبة الصحابة ليشهدوا بحديث الغدير وقد روي هذه الحادثة جمع غفير من المحدثين والمؤرخين سبق الإشارة إليهم أمثال: أحمد بن حنبل وابن عساكر. وابن أبي الحديد وغيرهم.

[207] سورة القصص آية 68.

[208] سورة الحج آية 75.

[209] تاريخ ابن عساكر الشافعي ج 3 ص 5 مناقب الخوارزمي ص 42 ينابيع المودة ص 79.

[210] ينابيع المودة ج 2 ص 3 نقلا عن الديلمي - المناقب للخوارزمي - ذخائر العقبي.

[211] روي العدد البخاري ومسلم وروي العدد والأسماء صاحب ينابيع المودة ج 3 ص 99.

[212] سورة النساء آية 59.

[213] مستدرك الحاكم ج 3 ص 148.

[214] صحيح البخاري ج 8 ص 137.

[215] صحيح البخاري ج 3 ص 186. صحيح الترمذي كتاب الوصايا. صحيح مسلم كتاب الوصايا.صحيح ابن ماجة كتاب الوصايا.

[216] صحيح البخاري باب مرض النبي ووفاته ج 5 ص 138.صحيح مسلم كتاب الوصية ج 2 ص 16.

[217] صحيح البخاري ج 8 ص 36 وكتاب الديات.وصحيح مسلم أيضا ج 1 ص 67.

[218] سورة الأحزاب آية 36.

[219] القسطلاني في إرشاد الساري ج 10 ص 298 - وابن حجر في فتح الباري ج 13 ص 230.

[220] تفسير ابن جرير ج 3 ص 38 وكنز العمال ج 1 ص 287. الحاكم في المستدرك ج 2 ص 14 والذهبي في تلخيصه والخطيب في تاريخه ج 11 ص 468.

الزمخشري في تفسيره الكشاف ج 3 ص 253 والخازن في تفسيره ج 4 ص 374.ابن تيمية في مقدمة أصول التفسير ص 30 تفسير ابن كثير ج 4 ص 473.

[221] صحيح البخاري ج 2 ص 232 باب الصائم يصبح جنبا.موطأ مالك تنوير الحوالك ج 1 ص 272 (ما جاء في الذي يصبح جنبا في رمضان).

[222] صحيح البخاري ج 7 ص 31 (باب لا هامة).صحيح مسلم ج 7 ص 32 (باب لا عدوي ولا طيرة).

[223] صحيح مسلم ج 3 ص 61 صحيح البخاري ج 5 ص 86.

[224] إشارة إلي اختلافهما في محاربة مانعي الزكاة وقد أشرنا إلي المصادر فارجع إليها.

[225] إشارة إلي قصة فدك وحديث نحن معشر الأنبياء لا نورث، أشرنا إلي المصادر.

[226] إشارة إلي قصة رضاعة الكبير التي روتها عائشة وخالف عنها أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم.

[227] إشارة إلي رواية يصبح النبي جنبا ويصوم والذي كذبته عائشة.

[228] إشارة إلي رواية اعتمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم أربعا إحداهن في رجب وكذبته عائشة.

[229] إشارة إلي اختلافهما في حلية المتعة وتحريمها (أنظر البخاري ج 6 ص 129).

[230] إشارة إلي اختلافهما في متعة الحج (أنظر البخاري ج 2 ص 153).

[231] في البسملة وفي الوضوء وفي صلاة المسافر وفي الكثير من المسائل الفقهية التي لا يمكن حصرها.

[232] الخوارزمي في المناقب ص 44. ينابيع المودة ص 233. الإصابة لابن حجر العسقلاني ج 1 ص 25 كفاية الطالب ص 334.منتخب كنز العمال ج 5 ص 36 إحقاق الحق ج 6 ص 37.

[233] مستدرك الحاكم ج 3 ص 122 تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 488. المناقب للخوارزمي ص 236 كنوز الحقائق للمناوي ص 203.منتخب كنز العمال ج 5

ص 33 ينابيع المودة ص 182.

[234] سورة الأحزاب آية 66 - 68.

[235] سورة الأعراف آية 38.

[236] سورة البقرة آية 204.

[237] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 5 ص 122. الدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 60 كنز العمال ج 1 ص 154. مجمع الزوائد ج 9 ص 162 ينابيع المودة ص 38 و 183.عبقات الأنوار ج 1 ص 16 - الحاكم في المستدرك ج 3 ص 148.

[238] صحيح مسلم ج 8 ص 44.

[239] سورة الأنبياء آية 23.

[240] سورة البروج آية 16.

[241] سورة النساء آية 40.

[242] سورة فصلت آية 46.

[243] سورة يونس آية 44.

[244] صحيح البخاري ج 7 ص 75.

[245] سورة الزلزلة آية 7 - 8.

[246] سورة الإنسان آية 30.

[247] سورة فاطر آية 8.

[248] سورة النساء آية 3.

[249] سورة البقرة آية 229.

[250] سورة الإسراء آية 32.

[251] سورة المائدة آية 91.

[252] سورة الأنعام آية 151.

[253] سورة النساء آية 93.

[254] سورة الأعراف آية 31.

[255] سورة آل عمران آية 26.

[256] تاريخ الطبري حصار عثمان وتاريخ ابن الأثير.

[257] مقاتل الطالبين ص 70 وابن كثير ج 8 ص 131 وابن أبي الحديد ج 3 ص 16.

[258] الإمامة والسياسة ج 1 ص 151 بيعة معاوية ليزيد بالشام.

[259] مقاتل الطالبين - مقتل الحسين.

[260] كالشهيد محمد باقر الصدر طيب الله ثراه الذي أفادني كثيرا في الموضوع وكالسيد الخوئي والعلامة محمد علي الطباطبائي والسيد الحكيم وغيرهم.

[261] شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده ج 4 ص 673.

[262] سورة الكهف آية 29.

[263] سورة الإسراء آية 9.

[264] عقائد الشيعة في القضاء والقدر.

[265] سورة الشمس آية 6 - 10.

[266] سورة القيامة آية 36 - 40.

[267] العقد الفريد لابن عبد ربه. ج 3 ص 42.

[268] ابن حجر في الصواعق المحرقة

ص 148. مجمع الزوائد ج 9 ص 163. ينابيع المودة ص 41 - الدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 60 كنز العمال ج 1 ص 168 أسدالغابة ج 3 ص 137 عبقات الأنوار ج 1 ص 184.

[269] سورة طه آية 123 - 126.

[270] سورة الأنعام آية 112.

[271] سورة الصافات آية 24.

[272] سورة الأنفال آية 41.

[273] صحيح البخاري ج 4 ص 44.

[274] جمع الإمام شرف الدين في كتابه النص والاجتهاد أكثر من مائة مورد تأولوا فيها النصوص الصريحة فعلي الباحثين قراءة هذا الكتاب لأنه ما جمع إلا ما أخرجوه علماء السنة معترفين بصحته.

[275] صحيح البخاري ج 2 ص 137 (باب في الركاز الخمس).

[276] صحيح البخاري ج 2 ص 136 (باب ما يستخرج من البحر).

[277] سورة الأنعام آية 38.

[278] مصنف " الهداية ". كما أخرج الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار بأن أول من تختم باليسار خلاف السنة النبويةهو معاوية بن أبي سفيان.

[279] منهاج السنة لابن تيمية ج 2 ص 143 (التشبه بالروافض).

[280] شرح المواهب للزرقاني ج 5 ص 13.

[281] الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار.

[282] صحيح البخاري ج 7 ص 99 (باب ما يجوز من الغصب والشدة لأمر الله عز وجل).

[283] صحيح البخاري ج 2 ص 252 (كتاب صلاة التراويح).

[284] صحيح البخاري ج 2 ص 252 (كتاب صلاة التراويح).

[285] صحيح البخاري: ج 7 ص 99 (باب ما يجوز من الغصب والشدة لأمر الله عز وجل).

[286] صحيح البخاري ج 2 ص 35 وكذلك تأولت عائشة فصلت أربعا ص 36.

[287] الصواعق المحرقة لابن حجر ص 106 - ذخائر العقبي ص 64.الرياض النضرة ج 2 ص 215 - إحقاق الحق ج 7 ص 217.

[288] عقائد الإمامية ص 67 العقيدة رقم 24.

[289]

سورة الأحزاب آية 33.

[290] سورة الأعراف آية 201.

[291] سورة فاطر آية 32.

[292] العقد الفريد لابن عبد ربه ج 3 ص 42.

[293] صحيح الترمذي ج 5 ص 328. الحاكم في المستدرك ج 3 ص 148.الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج 5 ص 189.

[294] مستدرك الحاكم ج 2 ص 343. كنز العمال ج 5 ص 95.الصواعق المحرقة لابن حجر ص 184.

[295] كنز العمال ج 6 ص 155. ومجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 108. الإصابة لابن حجر العسقلاني - الطبراني في الجامع الكبير. تاريخ ابن عساكر ج 2 ص 99. مستدرك الحاكم ج 3 ص 128 حلية الأولياء ج 4 ص 349 - إحقاق الحق ج 5ص 108.

[296] تفسير الطبري ج 13 ص 108 تفسير الرازي ج 5 ص 271 تفسير ابن كثير ج 2 ص 502. تفسير الشوكاني ج 3 ص 70 تفسير السيوطي الدر المنثور ج 4 ص 45 نور الأبصار ص 71. مستدرك الحاكم ج 3 ص 129 تفسير ابن الجوزي ج 4 ص 307. شواهد التنزيل ج 1ص 293 الفصول المهمة - ينابيع المودة.

[297] نهج البلاغة للإمام علي ج 1 ص 155. وقد علق الشيخ محمد عبده في شرحه لهذه الخطبة بقوله: إنه يموت الميت من أئمة أهل البيت وهو في الحقيقة غير ميت. لبقاء روحه ساطعة النور في عالم الظهور.

[298] سورة يوسف آية 24.

[299] ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 99 الجزء الثالث.

[300] صحيح البخاري ج 8 ص 127.صحيح مسلم ج 6 ص 3.

[301] سورة فاطر آية 32.

[302] العقد الفريد لابن عبد ربه ج 3 ص 42.

[303] سورة البقرة آية 269.

[304] سورة الواقعة آية 75 - 79.

[305] الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي

ص 148 - الدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 60.كنز العمال ج 1 ص 168 أسد الغابة في معرفة الصحابة ج 3 ص 137.

[306] نهج البلاغة ج 2 ص 143 شرح محمد عبده الخطبة رقم 143.

[307] سورة النحل آية 43 وسورة الأنبياء آية 7.

[308] تفسير الطبري ج 14 ص 134 تفسير ابن كثير ج 2 ص 570 تفسير القرطبي ج 11 ص 272 شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 ص 334 ينابيع المودة إحقاق الحق للتستريج 3 ص 482.

[309] كتاب مناقب آل أبي طالب في أحوال الإمام الصادق.

[310] سورة الأنفال آية 42.

[311] سورة الرعد: آية 39.

[312] جلال الدين السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور ج 4 ص 661.

[313] صحيح البخاري ج 4 ص 78 (كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة ".

[314] صحيح البخاري ج 4 ص 250 (باب المعراج).صحيح مسلم ج 1 ص 101 (باب الإسراء برسول الله وفرض الصلوات).

[315] صحيح البخاري ج 4 ص 250 (باب المعراج).صحيح مسلم ج 1 ص 101 (باب الإسراء برسول الله وفرض الصلوات).

[316] صحيح البخاري ج 2 ص 259.

[317] سورة الحجرات آية 11.

[318] سورة سبأ آية 24.

[319] سورة آل عمران آية 28.

[320] الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي.

[321] سنن البيهقي - مستدرك الحاكم.

[322] جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 176.

[323] جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 176.

[324] سورة النحل آية 106.

[325] الطبقات الكبري لابن سعد.

[326] سنن البيهقي.

[327] الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي ج 2 ص 178.

[328] صحيح البخاري ج 7 ص 102.

[329] السيرة الحلبية ج 3 ص 61.

[330] إحياء علوم الدين لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي.

[331] أحكام القرآن

للرازي ج 2 ص 10.

[332] صحيح البخاري ج 7 ص 81 (باب لم يكن النبي صلي الله عليه وآله وسلم فاحشا ولامتفحشا).

[333] سورة الأحزاب آية 36.

[334] سورة البقرة آية 139.

[335] صحيح مسلم ج 4 ص 158.

[336] صحيح البخاري ج 5 ص 158.

[337] صحيح مسلم ج 4 ص 131.

[338] صحيح مسلم ج 4 ص 131.

[339] الثعلبي في التفسير الكبير والطبري عند تفسير آية المتعة في تفسيره الكبير أيضا.

[340] التفسير الكبير للفخر الرازي في تفسير قوله تعالي (فما استمتعتم به منهن).

[341] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 1 ص 337.

[342] صحيح الترمذي ج 1 ص 157.

[343] التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور ج 3 ص 5.

[344] إذ إن كتاب (فصل الخطاب) لا يعد شيئا عند؟ الشيعة، بينما روايات نقص القرآن والزيادة فيه أخرجها صحاح أهل السنة والجماعة أمثال البخاري ومسلم ومسند الإمام أحمد.

[345] مقال الأستاذ محمد المديني عميد كلية الشريعة في الجامع الأزهر مجلة رسالة الإسلام العددالرابع من السنة الحادية عشر ص 382 و 383.

[346] جلال الدين السيوطي في الإتقان وكذلك في الدر المنثور.

[347] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 5 ص 132.

[348] البخاري ج 2 ص 252.

[349] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 5 ص 131.

[350] تاريخ دمشق للحافظ بن عساكر ج 2 ص 228.

[351] صحيح البخاري ج 4 ص 215.

[352] صحيح البخاري ج 4 ص 216.

[353] صحيح البخاري ج 4 ص 218 (باب مناقب عبد الله بن مسعود).

[354] صحيح البخاري ج 8 ص 26 (باب رجم الحبلي من الزنا إذا أحصنت).

[355] صحيح مسلم ج 3 ص 100 (باب لو أن لابن آدم واديان لابتغي ثالثا).

[356] صحيح مسلم ج 3 ص 100 (باب لو أن لابن آدم

واديان لابتغي ثالثا).

[357] رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشر ص 382 و 383.

[358] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 1 ص 221.

[359] موطأ الإمام مالك (شرح الحوالك) ج 1 ص 161.

[360] صحيح مسلم ج 2 ص 151 (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر).

[361] صحيح مسلم ج 2 ص 152.

[362] صحيح مسلم ج 2 ص 153 (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر).

[363] صحيح البخاري ج 1 ص 140 (باب وقت المغرب).

[364] صحيح البخاري ج 1 ص 138 (باب وقت العصر).

[365] يحكي أن رجلين خرجا للصيد ولقيا سوادا، بعيدا فقال الأول إنه غراب وعانده الثاني بأنه عنزة وتعاندا وأصر كل منهما علي رأيه ولكنهما عندما اقتربا من السواد فإذا به غراب انزعج وطار هاربا. فقال الأول: ألم أقل لك بأنه غراب هل اقتنعت الآن ولكن صديقه أصرعلي رأيه وقال: سبحان الله عنزة تطير؟.

[366] صحيح مسلم ج 1 ص 168 (باب جواز غسل الحائض رأس زوجها). سنن أبي داود ج 1 ص 68 (باب الحائض تناول من المسجد).

[367] صحيح البخاري ج 2 ص 256 (باب الاعتكاف في العشر الأواخر).

[368] سنن الإمام النسائي ج 2 ص 204 (باب تبريد الحصي للسجود عليه).

[369] صحيح البخاري ج 1 ص 86. (كتاب التيمم).

[370] صحيح مسلم ج 2 ص 64 (كتاب المساجد ومواضع الصلاة).

[371] سورة النور آية 15.

[372] سورة النمل آية 83.

[373] سورة الكهف آية 47.

[374] كتاب عقائد الإمامية للمظفر ص 80 (العقيدة الثانية والثلاثون).

[375] سورة البقرة آية 259.

[376] سورة البقرة آية 243.

[377] سورة البقرة آية 56.

[378] سورة الكهف آية 12.

[379] مستدرك الحاكم ج 3 ص 123 تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 234. التاريخ الكبير للبخاري ج 2 ص

281 تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 173. خصائص النسائي ص 27 ذخائر العقبي ص 92 - الصواعق المحرقة لابن بحرص 74.

[380] مستدرك الحاكم ج 3 ص 128 قال حديث صحيح علي شرط الشيخين نور الأبصارللشبلنجي ص 73 ينابيع المودة ص 205 الرياض النضرة ج 2 ص 165.

[381] صحيح مسلم ج 1 ص 48 - الصواعق المحرقة ص 73 كنز العمال ج 15 ص 105.

[382] تفسير الثعلبي " الكبير " في آية المودة وكذلك تفسير الزمخشري " الكشاف " تفسير الفخرالرازي ج 7 ص 405 - إحقاق الحق للتستري ج 9 ص 486.

[383] صحيح البخاري ج 4 ص 20 و ج 5 ص 76.صحيح مسلم ج 7 ص 120 (باب فضائل علي بن أبي طالب).

[384] صحيح البخاري ج 1 ص 9 (باب حب الرسول من الإيمان). صحيح مسلم ج 1 ص 49 (باب وجوب محبة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أكثرمن الأهل والولد والوالد والناس أجمعين) وكذلك في صحيح الترمذي.

[385] كالشهيد محمد باقر الصدر في كتابه " بحث حول المهدي ".

[386] سنن أبي داود ج 2 ص 422.

[387] سنن ابن ماجة ج 2 رقم الحديث 4082 و 4087.

[388] سنن ابن ماجة ج 2 رقم الحديث 4086.

[389] الجامع الصحيح للترمذي ج 9 ص 74 - 75.

[390] صحيح البخاري ج 4 ص 143 (باب نزول عيسي بن مريم).

[391] فتح الباري ج 5 ص 362.

[392] الصواعق المحرقة لابن حجر ج 2 ص 211.

[393] حاشية صحيح الترمذي ج 2 ص 46.

[394] إسعاف الراغبين ج 2 ص 140.

[395] سبائك الذهب ص 78.

[396] مقدمة ابن خلدون ص 367.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.