فقهيات بين السنه و الشيعه

اشارة

سرشناسه : سلام، عاطف

عنوان و نام پديدآور : فقهيات بين السنه و الشيعه/عاطف سلام.

مشخصات نشر : تهران: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلاميه، المعاونيه الثقافيه، 1428ق. = 2007م.= 1386.

مشخصات ظاهري : 112 ص.؛.م س 21/5 × 14/5

شابك : 978-964-167-001-8

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : چاپ قبلي: موسسه دائره معارف الفقه الاسلامي طبقا لمذهب اهل البيت(ع)، مركز الغدير للدراسات الاسلاميه، 1378.

يادداشت : كتابنامه: ص. 112؛ همچنين به صورت زيرنويس.

موضوع : فقه تطبيقي.

موضوع : عبادات شيعه.

شناسه افزوده : مجمع جهاني تقريب مذاهب اسلامي. معاونت فرهنگي.

رده بندي كنگره : BP169/7/س8ف7 1386

رده بندي ديويي : 297/324

شماره كتابشناسي ملي : 1143543

كلمة المركز

في الوقت الذي توحد فيه الأصول الاعتقادية بين المسلمين جميعهم تتيح للعلماء المجتهدين منهم الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية استنادا إلي هذه الأصول الأمر الذي أدي إلي ظهور المذاهب الفقهية وتعدد وجهات النظر. وإن يكن الاجتهاد هذا يفضي إلي اختلاف في وجهات النظر إلي أمور ليست من الأصول الاعتقادية فينبغي ألا يؤثر هذا الاختلاف علي وحدة الأمة الإسلامية فهذه الوحدة يجب أن تبقي مصانة من تأثير أي عامل قد يؤدي إلي الخصومة والتفرق. فالشريعة الإسلامية إذ تبيح التعدد فإنما تريده أن يكون اجتهادا يحقق مصلحة المسلمين العليا في إطار الوحدة الأمر الذي يمكنهم إن تحقق من مواجهة مختلف التحديات في كل زمان ومكان. يدرك المؤلف هذه الحقيقة التي تنص عليها غير آية قرآنية وينطلق من هذا الإدراك في تأليف كتابه هذا فيبحث في مسائل فقهية خلافية كانت ولا تزال مثار جدل ونقاش بين الفقهاء السنة والشيعة وهي: الجمع بين الصلاتين، المسح علي الأرجل في الوضوء، المسح علي الخفين السجود علي الأرض الأذان، زواج المتعة. ويسعي إلي أن يكون في بحثه موضوعيا متجردا فيعرض المسألة والآراء المتعددة التي قيلت في شأنها

ويتقصي الأدلة التي قدمها كل طرف بغية الوصول مع القارئ إلي رأي يزيل سوء الفهم القائم. والمؤلف في هذا الكتاب يواصل صنيعا في سبيل الوحدة كان قد بدأه عندما أصدر كتابه: " الوحدة العقائدية عند الشيعة والسنة ". [ صفحه 6] وإننا إذ نسعي إلي تحقيق الهدف نفسه وهو الإسهام في توحيد المسلمين في زمن هم أحوج فيه إلي الوحدة نرجو أن يوفقنا الله تعالي إلي ما يحب ويرضي والله الموفق في كل حال. مركز الغدير للدراسات الإسلامية بيروت [ صفحه 7]

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد خاتم الأنبياء وأشرف المرسلين وعلي آله الأطهار الطيبين وصحابته المنتجبين والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين. وبعد إن هذه الشرعة الغراء مثالية في غزارة عطائها وتواصل نمائها ولها من السعة والمرونة ما يجعلها صالحة - علي نحو الضرورة - في جميع العصور وفي شتي البقاع. وقد نشأ عن تلك المرونة والثراء في العطاء أن تعددت وجهات النظر وتفاوتت الأفهام في استنباط الأحكام الشرعية منها. ومن هنا ظهرت المذاهب والاجتهادات الفقهية لكنها لا تختلف في ما بينها حول الأصول الاعتقادية التي تشملهم جميعا، أمة واحدة متميزة منضوية تحت لواء الإسلام العظيم. وينبغي أن نشير إلي أن الاجتهاد وتعدد النظر أمران لا غضاضة فيهما البتة من حيث المبدأ بيد أنه لا بد أن يكونا في إطارهما الصحيح حتي يؤديا دورهما البناء ولا يخرجا عن جادة الصواب وهذا الإطار تتلخص عناصره في ثلاث نقاط: اولا: أن يكون مستندا إلي الدليل المنطقي المستنبط من مصادر التشريع المعتمدة. ثانيا: أن لا يكون عن هوي أو تعصب أو تقليد أعمي بلا بينة واضحة. [ صفحه

8] ثالثا: أن يكون هادئا منصفا مقدرا لغيره من الاجتهادات وإن كانت مخالفة بحيث لا يوجب ذلك شقاقا أو تفرقا أو خصومة في الدين أو يورث شحناء أو بغضاء في النفوس الأمر الذي قد يشكل خطرا كبيرا علي الدين ذاته ويفضي إلي ضعفه وزعزعة كيانه. هذا هو الإطار العام الذي يجب أن يسير الاجتهاد علي ضوئه حتي يكون منطويا علي مصداقية تعبر عن حقيقته وواقعه. أما إذا انحرف عن ذلك الإطار فإنه يتحول - حينئذ - إلي تخبط وعشوائية لا دخل لهما بواقع الاجتهاد وأبعاده الحقيقية. ولذلك يجب أن نجعل هذا الإطار نصب أعيننا باعتباره أرضية مناسبة لقيام صرح الوحدة الإسلامية الكبري بين جميع المذاهب علي تعدد آرائها ووجهات نظرها. ولا نعني بالوحدة الإسلامية أن يتخلي كل ذي مذهب عن فكره واجتهاده الذي يطمئن إليه بل نقصد من وراء ذلك إلي الوحدة في الموقف والتلاحم بين الصفوف والتنسيق في العمل وبذل الجهود في مواجهة التحديات التاريخية والحضارية التي تواجه الأمة وتكتنف مسيرتها وتحيط بها من كل جانب. ويلزم التمهيد لذلك بعاملين: الأول: استساغة تعدد النظر وتباين الآراء باعتبارهما أمرين فطريين ناشئين عن تفاوت الأفهام بين البشر ومحاولة إيجاد صيغة للالتقاء بينها. الثاني: جعل المصلحة العليا للإسلام الهدف الأسمي من وراء كل تحرك ونشاط. ومن هذا المنطق أردنا أن نسلك هذا الدرب الرسالي في إرساء دعائم التلاحم والتقارب بين المذهبين العريقين والأخوة المتحابين من الشيعة والسنة حتي تسير الأمة في إطارها الوحدوي المرسوم لها من قبل الله عز وجل. (إن هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) [الأنبياء / 92]. (وإن هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) [المؤمنون / 52]. [ صفحه 9] وقد سار

في هذه السبيل الراشدة - وبخاصة في المجال الفقهي - بعض السادة الفضلاء والأساتذة الأجلاء الذين آثروا بكتاباتهم القيمة الفكر الإسلامي وأخذوا علي عاتقهم تبعة توحيد صفوف الأمة ونظم عقد اجتماعها وتقريب وجهات النظر في ما بينها فهذا الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت (رحمه الله) عندما كان شيخا للأزهر يقول في فتواه التاريخية التي أصدرها: قيل لفضيلته: إن بعض الناس يري أنه يجب علي المسلم لكي تقع عباداته ومعاملاته علي وجه صحيح أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية ولا الشيعة الزيدية فهل توافقون - فضيلتكم - علي هذا الرأي علي إطلاقه فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مثلا؟ فأجاب فضيلته: 1 - إن الإسلام لا يوجب علي أحد من اتباع مذهب معين بل نقول: إن لكم مسلم الحق في أن يقلد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحيحا والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة. ولمن قلد مذهبا من هذه المذاهب أن ينتقل إلي غيره - أي مذهب كان - ولا حرج عليه في شئ من ذلك. 2 - إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة. فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك وأن يتخلصوا من العصبية بغير حق لمذاهب معينة فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة علي مذهب فالجميع مجتهدون مقبولون عند الله تعالي يجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات. [ صفحه 10] ولا شك أن هذه الفتوي التاريخية كان لها صدي واسع ودور بالغ في إصلاح ذات البين

وفتح باب التقارب والتجاوب بين المسلمين. ويقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (الإمام الصادق ص 16): " وأن المسائل التي يتخلف فيها الفقه الإمامي نجد من بينها - حتما - ما يتفق مع رأي الجمهور ونجد ما لا يوافق الجمهور وليس فيه معارضة لكتاب أو سنة نجد له وجهة معقولة يقبلها الدارس الفاحص كقولهم بجواز إنهاء الوقف وتقسيمه بين المستحقين إذا طلبه بعضهم ولو كان الوقف مرتب الطبقات وقد ذكرنا في بعض بحوثنا أن القانون (رقم 180 لسنة 1952)) الذي أنهي الوقف الأهلي يتلاقي مع ذلك الرأي الذي نص عليه في فقه الإمامية وأن الأقوال التي نري أنها تخالف إجماع جماهير المسلمين ليست كثيرة ولهذا نقرر أن الفقه الاثني عشريا ليس بعيدا كل البعد عن فقه أئمة الأمصار ". ويقول - أيضا - عند حديثه عن البلاد التي ينتشر فيها التشيع (ص 567): " إن أكثر البلاد الإسلامية وخصوصا النائية عن البلاد العربية فيها تشيع بفئات كبيرة أو أعداد صغيرة ولكنه في مجموعه لا يكون كثرة إسلامية ولا عددا قريبا من الكثرة المطلقة وإن كان عددا كبيرا في جملته فالكثرة الكبيرة سنية بلا ريب وإننا نأمل أن يندمج الجميع في وحدة شاملة لا تكون فيها كثرة وقلة طائفية بل يكون فيها جمع موحد. وإن كانت فيه مذاهب مختلفة وتفسيرات للشريعة في دائرة المقررات الشرعية متعددة فتعدد التفسيرات في دائرة المقررات الإسلامية دليل علي الحيوية الفكرية والانقسام إلي طوائف دليل علي التفرق والانقسام، والفرق بين الأمرين عظيم ". ويقول الأستاذ المستشار عبد الحليم الجندي في كتابه (الإمام الصادق ص 3): " فقد تأكد في كتابنا (توحيد الأمة العربية) أن " الوحدة القانونية " هي الطريقة

المثلي لربط المسلمين في شتي أقطارهم بتشريع إسلامي شامل تضال دونه التشريعات المعاصرة في الغرب أو في الشرق. والفقه " الشيعي " واحد من النهرين اللذين تسقي منهما حضارة أهل الإسلام وإليه لجأ الشارع [ صفحه 11] المصري في هذا القرن لإجراء إصلاحات ذات بال في نظم الأسرة المصرية. والإمام جعفر الصادق يقف شامخا في قمة فقه أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهو في الفقه إمام وحياته للمسلمين إمام. والمسلمون - اليوم - يلتمسون في كنوزهم الذاتية مصادر أصلية للنهضة مسلمة غير مخلطة ولا مستوردة ". ويقول في (ص 6): " فالكتاب الحالي يبلغ غرضه إذا كان صوتا يدعو للوحدة والمسلمون تجمعهم أصول فكرية واحدة وإن اختلفت الفروع أو تعددت الآراء، وفي تعدد الآراء ثراء ". هذا الاتجاه البناء الهادف إلي تقريب وجهات النظر بين المذاهب الفقهية المتعددة إن دل علي شئ فإنما هو دليل علي سعة الأفق وارتقاء درجة الوعي والفهم الحقيقي لطبيعة هذا الدين. وخلال هذا البحث نود فحص بعض الأمور الفقهية البارزة التي كانت مثارا للجدال والنقاش لفترات عديدة حتي يومنا هذا وكانت تمثل موضع خلاف لا يرجي له نهاية. مع إننا إذا نظرنا إلي هذه المسائل بتجرد وموضوعية لوجدناها تستند إلي دلائل لا غبار عليها مستنبطة من مصادر التشريع المعتمدة لا سيما من كتب أهل السنة أنفسهم لكن الفجوة القائمة وانغلاق باب الحوار والعزلة الفكرية التي سادت بين الطرفين ردحا طويلا من الزمن أدت إلي طمس معالم هذه الدلائل وجعلتها خافية عن الأذهان. وهذه المسائل قد تناولتها كثير من الرسائل والمصنفات ومن أهمها أبحاث سماحة الإمام العلامة السيد شرف الدين العاملي (قدس سره) وقد استقينا هذا البحث من

عدة مصادر عند إخواننا الشيعة ذكرناها في آخره ولم نخصص موضعا لذكر المصادر السنية نظرا لإدراجها في ثنايا المواضيع مع تعيين كل منها. وقد توخينا في هذا البحث أن نعرض وجهة نظر إخواننا كاملة وأدلتهم التي ساقوها واستندوا إليها بحذافيرها الواردة في كتب أهل السنة [ صفحه 12] المعتبرة وحرصنا علي أن ننقلها كما هي من دون أن نمسها بشئ ولا يعدو دورنا في هذا المقام أن يكون بمثابة داعية خير قام بإزالة سوء الفهم القائم بين أخوين مسلمين أراد المغرضون أن يغرسوا بذور الشقاق والفرقة بينهما، بحيث يحول ذلك دون التقائهما. ونلفت نطر القارئ الكريم إلي أننا قمنا قبل ذلك بتصنيف كتاب آخر بعنوان: (الوحدة العقائدية عند الشيعة والسنة) من أجل خدمة هذا الغرض النبيل نفسه، وهو وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم. فلا يفوتن الباحثين وكلاب الحقيقة مطالعته بالإضافة إلي مطالعة هذا البحث الذي بين يدي القارئ فإن في الإطلاع عليهما بغية الطالب ومنية الراغب في هذا المجال الحيوي، وهو توحيد صفوف المسلمين وطمس معالم الفرقة والتشتت التي دأب المستكبرون وأذنابهم علي إشاعتها بينهم. ونرجو أن نكون قد وفقنا في عرض رأي إخواننا وبيان نظرتهم بلا تزيد أو انتقاص حرصا علي الأمانة العلمية التي أناطها الله بأعناق الدعاة إلي سبيله ورعاية لحقوق الأخوة التي أوجبها الله علي المسلمين كافة. والله تعالي من وراء القصد (وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وعليه أنيب). المؤلف [ صفحه 13]

الجمع بين الصلاتين

إن الصلاة هي الركن الأعظم من الدين وعموده المتين وتحتل منه موقعا متميزا لم تشاركها فيه فريضة أخري. وقد أوجب الله تعالي أداءها بانتظام والمحافظة عليها حتي في أوقات الشدة والخوف مثل الحرب والجهاد قال تعالي: (وإذا كنت

فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة اخري لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم..) [النساء / 102]. وجاء في الحديث الشريف عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة " [1] . وبالرغم من هذا التشدد في أمر الصلاة والتأكيد علي عدم التهاون في شأنها إلا أن الإسلام لم يزل دين اليسر والسهولة وما برح ينأي بأتباعه عن العنت والمشقة بل إنه يأبي التضييق في العبادة، لأن ذلك قد يفضي إلي تعسر أدائها ثم إلي تركها نهائيا. ولذلك أدخل الإسلام تيسيرات كثيرة في الصلاة من أجل تسهيل القيام بها والمواظبة عليها تستوعب طبيعة أدائها وعدد ركعاتها وأوقاتها. فأما ما يتعلق بطريقة الأداء فإن الإسلام قد أجاز لمن لا يستطيع أداءها قائما أن يؤديها قاعدا ومن لا يستطيع أن يؤديها قاعدا فلا حرج عليه أن يؤديها مضطجعا. [ صفحه 14] كذلك يمكن للجندي أثناء السير إلي الجهاد أن يؤديها وهو بداخل دبابته أو مصفحته علي الوجه الذي يلائمه... وهكذا. أما في ما يتعلق بعدد ركعاتها فإن الإسلام قد أجاز قصر الصلوات الرباعية بحيث يؤديها المسافر ثنائية وفق الشرائط المقررة لذلك وهذا - أيضا - من باب التيسير والتخفيف أثناء السفر. أما في ما يخص أوقاتها فإن الإسلام قد أجاز الجمع بين الصلوات سواء كان جمع تقديم أو جمع تأخير تيسيرا لأدائها علي المؤمنين ورفعا للضيق والحرج عنهم ولا خلاف بين أهل القبلة من المذاهب الإسلامية كلها في جواز الجمع أثناء الوقوف بعرفة بين صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم: أي أداء العصر في

وقت الظهر بعد أداء الأخيرة مباشرة كما لا خلاف بينهم في جواز الجمع في المزدلفة بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير: أي أداء صلاة المغرب في وقت العشاء بدءا بصلاة المغرب ثم العشاء علي الترتيب وهذا من المستحبات القطعية والسنن النبوية المؤكدة لكن الخلاف قد وقع في جواز الجمع في ما عدا هذين الموطنين. فأما الحنفية فقد منعوا الجمع بين الصلاتين مطلقا في ما عدا الجمع في عرفة والمزدلفة بالرغم من توفر الأحاديث الصحيحة وتضافرها في جواز الجمع ولا سيما في السفر لكنهم تأولوها علي صراحتها في ذلك وحملوها علي محامل أخري مثل الجمع الصوري، الذي هو عبارة عن تأخير الداء الصلاة إلي آخر وقتها ثم أدائها مع الصلاة التي تليها في أول وقتها. وأما الشافعية والمالكية والحنبلية فقد أجازوا الجمع في السفر لكنهم اختلفوا في جوازه في عدة أعذار أخري قد تبيحه مثل المطر والطين والمرض والمرأة المرضع أو المستحاضة وكذلك في شروط السفر المبيح له. أما بالنسبة لأئمة أهل البيت عليهم السلام فإنهم قالوا بجواز الجمع بين الصلاتين مطلقا وتبعهم في ذلك شيعتهم الآخذون بمذهبهم والعاملون [ صفحه 15] بفقههم فهم يجمعون غالبا بين صلاتي الظهر والعصر وبين صلاتي المغرب والعشاء ولا فرق في ذلك إذا كان الجمع في سفر أو في حضر بعذر أو بغير عذر وكذلك الجمع عندهم جائز سواء كان جمع تقديم أو جمع تأخير بلا فرق. وكان هذا موضع خلاف بينهم وبين الجمهور. وقد احتجوا لذلك بالصحاح المتواترة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام غير أنهم احتجوا - أيضا - ببعض الصحاح المعتمدة عند أهل السنة التي تعضد رأيهم وتؤيدهم في ما ذهبوا إليه ونذكر هنا بعضا منها: أخرج

البخاري (في باب: تأخير الظهر إلي العصر من كتاب مواقيت الصلاة) بسنده عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم صلي بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء. فقال أيوب: لعله في ليلة مطيرة. قال: عسي " [2] . وأخرج أيضا (في باب: وقت المغرب) عن جابر بن يزيد عن ابن عباس قال: " صلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم سبعا جميعا وثمانيا جميعا " [3] . وأخرج الترمذي (في باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر) بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " جمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر قال: فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته " [4] . وأخرج مسلم في صحيحه (باب: الجمع بين الصلاتين): - بسنده عن أبي زبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " صلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر قال أبو الزبير: فسألت سعيدا لم فعل ذلك؟ [ صفحه 16] فقال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته ". - بسنده عن حبيب بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " جمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر. في حديث وكيع قال: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته. وفي حديث أبي معاوية قيل لابن عباس: ما أراد إلي ذلك؟ قال:

أراد أن لا يحرج أمته ". - بسنده عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: " صليت مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم ثمانيا جميعا وسبعا جميعا قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء. قال: وأنا أظن ذلك ". - بسنده عن عبد الله بن شقيق قال: " خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتي غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون: الصلاة.. الصلاة قال: فجاء رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني: الصلاة... الصلاة فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك؟! ثم قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال عبد الله بم شقيق: فحاك في صدري من ذلك شئ فأتيت أبا هريرة فصدق مقالته ". - بسنده - أيضا - عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: " قال رجل لابن عباس: الصلاة فسكت ثم قال: الصلاة فسكت ثم قال: الصلاة فسكت ثم قال: لا أم لك أتعلمنا بالصلاة وكنا نجمع بين الصلاتين علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟! ". قال النووي في شرحه علي (صحيح مسلم): " هذه الروايات الثابتة في مسلم كما تراها وللعلماء فيها تأويلات ومذاهب... " ثم قال: " منهم من تأوله علي أنه جمع بعذر المطر وهذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين وهو ضعيف بالرواية الأخري: " من غير خوف ولا مطر ". ومنهم [ صفحه 17] من تأوله علي أنه كان في غيم فصلي الظهر ثم انكشف الغيم وبان أن وقت العصر دخل فصلاها وهذا أيضا باطل لأنه وإن كان فيه أدني احتمال في الظهر

والعصر لا احتمال فيه في المغرب والعشاء. ومنهم من تأوله علي تأخير الأولي إلي آخر وقتها فصلاهما فيه فلما فرغ دخلت الثانية فصلاهما فصارت صلاته صورة جمع وهذا أيضا ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب واستدلاله بالحديث لتصويب فعله وتصديق أبي هريرة له وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل. ومنهم من قال: هو محمول علي الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة ولأن المشقة فيه أشد من المطر " [5] . قلنا: إن هذا التأويل الأخير مردود من وجوه: أولا: إن الأحاديث الواردة في الجمع مطلقة وليست مقيدة بمرض أو غيره. ثانيا: إن الأحاديث جاءت بألفاظ متقاربة منها: " في غير خوف ولا مطر " والخوف يندرج تحته جميع الأسباب التي تدعو إليه من مرض وتعب وإرهاق وإرضاع وانشغال بأمر هام... إلي غير ذلك من الأعذار التي قد تسبب مشقة لصاحبها. ثالثا: إنه لو فرض أن الجمع كان بعذر المرض ونحوه لكان قد جمع مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم من يتوفر له العذر نفسه أما الباقون فلا يسوغ لهم الجمع. وهذا يعارض ظاهر الأحاديث الواردة علي إطلاقها. رابعا: إن ابن عباس لم يكن يخطب في مستشفي بحيث يجبر غيره علي الجمع بدليل أنه عنف الرجل الذي كان يلح في الصلاة قائلا له: " أتعلمني [ صفحه 18] بالسنة لا أم لك..؟ " ثم قال: " رأيت رسول الله صلي الله عليه

وآله جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ". وهذا يدل بوضوح علي أن ابن عباس قد أصاب السنة بعينها بدليل أن أبا هريرة - أيضا - أيده في فعله ولم يذكر عذرا واحدا لتقييد هذا الجمع وبالتالي تنتفي كافة الأعذار التي يمكن أن يتعذر بها المعارضون للجمع علي إطلاقه. ثم قال النووي في تكملة شرحه للأحاديث: " وذهب جماعة من الأئمة إلي جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة وهو قول ابن سيرين واشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: " أراد أن لا يحرج أمته " فلم يعلله بمرض ولا غيره. والله أعلم ". قلنا: بالرغم من أن هذا القول يشبه إلي حد كبير ما عليه مذهب أهل البيت عليهم السلام إلا أننا لا ندري ما المقصود بقولهم: " للحاجة لمن لا يتخذه عادة " وبأي دليل جاؤوا بتلك العبارة: " لمن لا يتخذه عادة " وهل كان ابن عباس متكاسلا عن قولها حتي يفسح المجال لغيره كيما يقولها من بعده نيابة عنه؟! وقال الحافظ في (الفتح) في شرح الحديث الوارد في (صحيح البخاري) عن ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم صلي بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال: " وقد ذهب جماعة من الأئمة إلي الأخذ بظاهر هذا الحديث فجوزوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقا لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة. وممن قال به: ابن سيرين وربيعة واشهب وابن المنذر والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث واستدل لهم بما وقع

عند مسلم في هذا الحديث من طريق سعيد بن جبير قال: فقلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج من أمته ". وللنسائي من طريق عمر وبن هرم عن أبي الشعثاء أن ابن عباس صلي بالبصرة الأولي والعصر ليس بينهما [ صفحه 19] شئ والمغرب والعشاء ليس بينهما شئ فعل ذلك من شغل وفيه رفعه إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وفي رواية لمسلم من طريق عبد الله بن شقيق أن شغل ابن عباس المذكور كان بالخطبة وأنه خطب بعد صلاة العصر إلي أن بدت النجوم ثم جمع بين المغرب والعشاء وفيه تصديق أبي هريرة لابن عباس في رفعه وما ذكره ابن عباس التعليل بنفي الحرج ظاهر في مطلق الجمع وقد جاء مثله عن ابن مسعود مرفوعا أخرجه الطبراني ولفظه: " جمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فقيل له في ذلك فقال: صنعت هذا لئلا تحرج أمتي وإرادة نفي الحرج يقدح في حمله علي الجمع الصوري لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج " [6] . مما تقدم يتبين لنا أن الجمع بين الصلاتين جائز علي إطلاقه وأن الهدف من وراء ذلك هو رفع الحرج عن أفراد الأمة وإدخال اليسر والتوسعة عليهم بحيث يصبح في مقدور كل إنسان أن يؤدي الصلوات بانتظام من دون أدني عسر أو مشقة. قال تعالي: (هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم..) [الحج / 78]. ولا ريب أن هذا التيسير يساعد علي المواظبة علي أداء الصلوات والمحافظة عليها كما أن التشدد في وجوب التفريق علي خمسة أوقات منفصلة قد أدي إلي تضييق نطاقها

والتكاسل عن أدائها جملة لا سيما عند أهل المشاغل والمصالح وما أكثرهم. ومما يدل - أيضا - علي جواز الجمع مطلقا كتاب الله المجيد إذ يبين أن أوقات الصلوات المفروضة هي ثلاثة أوقات فحسب وهي وقت لفريضتي الظهر والعصر مشتركا بينهما ووقت لفريضتي المغرب والعشاء مشتركا بينهما ووقت ثالث لفريضة الصبح خاصة. [ صفحه 20] قال تعالي: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلي غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) [الإسراء / 78]. قال الرازي حول تفسيرها: " فإن فسرنا الغسق بظهور أول الظلمة كان الغسق عبارة عن أول المغرب. وعلي هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات: وقت للزوال ووقت أول المغرب ووقت الفجر. وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتا للظهر والعصر فيكون هذا الوقت مشتركا بين هاتين الصلاتين وأن يكون أول المغرب وقتا للمغرب والعشاء فيكون هذا الوقت مشتركا - أيضا - بين هاتين الصلاتين فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء مطلقا إلا أنه دل الدليل علي أن الجمع في الحضر لا يجوز من غير عذر فوجب أن يكون الجمع جائزا بعذر السفر وعذر المطر وغيره " [7] . قلنا: لقد بحثنا في ما ذهب إليه بأن الجمع في الحضر لا يجوز من غير عذر فلم نجد له عينا ولا أثرا وقد كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يجمع في حال العذر وفي حال عدمه - أيضا - توسعة علي أمته ورفعا للحرج عنها وتلك هي السنة العصماء التي جاء بها خاتم الأنبياء محمد صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 21]

المسح علي الأرجل في الوضوء

إن الله - سبحانه - قد تعبد خلقه بعبادات كثيرة ومتنوعة وكل منها

يؤدي بشكل معين وبترتيب محدد والعلة من وراء هذا الترتيب في أداء العبادة فضلا عن الغاية الكامنة في العبادة ذاتها غير معلومة علي وجه التحديد ومن ثم تؤدي هذه العبادات بكل خضوع وإذعان وبشكل توقيفي دون البحث في الحكمة من كيفيتها أو الغاية من ورائها. ولا دخل للعقل في استكناه الحكمة من وراء الكيفية بل هو أمر يعتمد علي الاستجابة الخالصة لما يمليه الشارع فحسب. ومن هنا اقتبس لفظ العبادة الذي يعبر عن الأمر الصادر من السيد المطلق - سبحانه وتعالي - إلي مخلوقة وما علي هذا المخلوق إلا أن ينفذ هذا الأمر بحذافيره بوصفه عبدا خاضعا لسيده ومولاه. والوضوء يمثل أحد الأعمال التعبدية التي يؤديها المسلم قبل الصلاة في حالة وجود الماء وتوفر القدرة علي استعماله وله كيفية معينة قد ذكرها الله - سبحانه - في كتابه المجيد إذ يقول: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلي الكعبين...) [المائدة / 6]. قال الرازي عند بلوغه هذه الآية من (تفسيره الكبير) في المسألة الثامنة والثلاثين: " اختلف الناس في مسح الرجلين وفي غسلهما فنقل القفال في (تفسيره) عن ابن عباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي والإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر: أن الواجب فيهما المسح وهو مذهب الإمامية من الشيعة. وقال جمهور الفقهاء والمفسرين: فرضهما الغسل. وقال الحسن [ صفحه 22] الأصفهاني: يجب الجمع بينهما وهو قول الناصر بالحق من أئمة الزيدية. وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري: المكلف مخير بين المسح والغسل " [8] والذي عليه أئمة أهل البيت عليهم السلام هو مسح الأرجل فرضا علي سبيل التعيين وتبعهم في ذلك شيعتهم

المتفقون أثرهم ولكن هل لهم من حجة تؤيدهم فيما ذهبوا إليه؟ هذا ما أورده الرازي في (تفسيره) حيث استطرد قائلا: " حجة من قال بوجوب المسح مبنية علي القراءتين المشهورتين في (وأرجلكم) فقرا ابن كثير وحمزة وأبو عمر وعاصم في رواية أبي بكر عنه بالجر وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه بالنصب. فنقول: أما القراءة بالجر فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة علي الرؤوس فكما وجب المسح في الرأس كذلك وجب في الأرجل. فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: هذا الكسر علي الجوار كما في قوله: جحر ضب خرب أو: كبير أناس في بجاد مزمل؟ قلنا: هذا باطل من وجوه: أولها: إن الكسر علي الجوار معدود في اللحن الذي قد يحتمل لأجل الضرورة في الشعر وكلام الله يجب تنزيهه عنه. وثانيها: إن الكسر إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله: جحر ضب خرب فإن المعلوم بالضرورة أن الخرب لا يكون نعتا للضب بل للجحر وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل. وثالثها: إن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب. [ صفحه 23] وأما القراءة بالنصب فقالوا أيضا: إنها توجب المسح وذلك لأن قوله: (وامسحوا برؤوسكم) فرؤوسكم في محل النصب ولكنها مجرورة بالباء فإذا عطفت (الأرجل) علي (الرؤوس) جاء في الأرجل النصب عطفا علي محل الرؤوس والجر عطفا علي الظاهر وهذا مذهب مشهور للنحاة. إذا ثبت هذا فنقول: ظهر أنه يجوز أن يكون عامل النصب في قوله: (وأرجلكم) هو قوله: (وامسحوا) ويجوز أن يكون هو قوله: (فاغسلوا) لكن العاملين إذا اجتمعا علي معمول واحد كان إعمال الأقرب أولي فوجب

أن يكون عامل النصب في قوله (وأرجلكم) هو قوله: (وامسحوا) فثبت أن قراءة (وأرجلكم) بنصب اللام توجب المسح أيضا. فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية علي وجوب المسح ثم قالوا: ولا يجوز دفع ذلك بالأخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز ". نقول: هذه حجة من استدل بالآية المباركة - فحسب - علي وجوب المسح علي الأرجل في الوضوء. ثم قال الرازي: " إن الأخبار وردت بإيجاب الغسل والغسل مشتمل علي المسح ولا ينعكس فكان الغسل أقرب إلي الاحتياط فوجب المصير إليه وعلي هذا الوجه يجب القطع بأن غسل الأرجل يقوم مقام مسحها ". نقول: هذا القول الذي ذهب إليه الرازي بأن الغسل مشتمل علي المسح وأن غسل الأرجل يقوم مقام مسحها لورود الأخبار بذلك هو قول مردود من وجوه: أولا: القول بأن الغسل مشتمل علي المسح يقتضي إدراج الرأس - أيضا - مع الأرجل لاشتراكهما في الحكم وهذا يستلزم غسل الرأس وذلك غير حاصل قط لأن التفريق بينهما يقتضي مصادرة الآية بالأخبار. ثانيا: إن الله - عز وجل - قد أوجب شيئا اسمه (غسل) يختص بالوجوه [ صفحه 24] والأيدي وأوجب شيئا آخر اسمه (مسح) يختص بالرؤوس والأرجل وفرق بينهما. فما الذي خلط هذا بذلك وجعل هذا مشتملا علي ذلك؟! ثالثا: إن الغسل لغة له كيفية معينة وطريقة خاصة به كما هو معروف وكذلك المسح له كيفية مختلفة لغة وعرفا ولا يجوز أن يخلط بينهما أو أن يمتزج بعضهما ببعض. رابعا: إن الاحتياط لا يتحقق إلا بالجمع بين المسح والغسل لكونهما حقيقتين مختلفتين كما ذهب إلي ذلك داود الأصفهاني والناصر بالحق من أئمة الزيدية حيث التبس الأمر عليهما وأوقعهما في

حيرة بسبب التعارض بين الآية والأخبار فأوجبا الجمع بينهما عملا بهما معا. أما القول بأن الغسل مشتمل علي المسح فهذه مغالطة واضحة. خامسا: إذا تعارضت الأخبار مع النص القرآني الصريح فإنه يجب الأخذ بالقرآن قطعا والعمل به وأما الأخبار فإما أن تؤول بنحو من التأويلات ما أمكن لذلك سبيل أو تطرح نهائيا نظرا لتعارضها مع الكتاب القطعي. ألا تري أنه إذا جاء القرآن بقوله: (امسحوا) وجاءت الأخبار بقولها (اغسلوا) فبأيهما نأخذ؟ سادسا: ورد بعض الآثار الصحيحة الدالة علي أن الواجب في الوضوء هو مسح الأرجل وفقا لكتاب الله تعالي. قال الإمام الطبري في تفسيره لآية الوضوء: " وقرأ ذلك آخرون من قراء الحجاز والعراق (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) بخفض (الأرجل) وتأول قارئو ذلك كذلك إن الله إنما أمر عباده بمسح الأرجل في الوضوء دون غسلها وجعلوا (الأرجل) عطفا علي (الرؤوس) فخفضوها لذلك. ثم روي الطبري عدة روايات في ذلك منها: - عن ابن عباس قال: " الوضوء غسلتان ومسحتان ". [ صفحه 25] - عن حميد قال: " قال موسي بن أنس لأنس ونحن عنده: خطب الحجاج فقال: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ظهورهما وبطونهما وعراقيبهما فإن ذلك أدني إلي أخبثيكم. قال أنس: صدق الله وكذب الحجاج قال الله: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلي الكعبين) قال: وكان أنس إذا مسح قدميه بلهما " [9] . - عن عكرمة قال: " ليس علي الرجلين غسل إنما أنزل فيهما المسح ". - عن جابر عن أبي جعفر قال: " امسح رأسك وقدميك ". - عن الشعبي قال: " نزل جبريل بالمسح " ثم قال الشعبي: " ألا تري أن التيمم أن يمسح ما كان غسلا ويلغي ما كان مسحا؟! ".

- عن إسماعيل قال: " قلت لعامر (أي الشعبي): إن ناسا يقولون: إن جبريل نزل بغسل الرجلين؟ فقال: نزل جبريل بالمسح ". - عن قتادة في قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلي الكعبين) قال: " افترض الله غسلتين ومسحتين ". ثم روي بعدة أسانيد عن علقمة ومجاهد والشعبي وأبي جعفر والضحاك أنهم كانوا يقرؤون (وأرجلكم) بالخفض [10] . قلنا: هذه جملة من الآثار الصحيحة تفرق بين الغسل والمسح وتثبت - صراحة - أن الواجب في الأرجل هو المسح لا غير والغريب - بعد هذا كله - أن هناك من يقول بأن الغسل مشتمل علي المسح أو أن المقصود بالمسح هو الغسل الخفيف!! [ صفحه 26] وأخرج الحافظ ابن حجر في ترجمة تميم بن زيد من القسم الأول من (الإصابة): " قال ابن حبان: تميم بن زيد المازني له صحبة وحديثه عند ولده وروي البخاري في (تاريخه) وأحمد وابن أبي شيبة وابن أبي عمر والبغوي والطبراني والبارودي وغيرهم كلهم من طريق أبي الأسود عن عباد بن تميم المازني عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يتوضأ ويمسح علي رجليه. رجالة ثقات " [11] . وأخرج عبد الرزاق الصنعاني في (مصنفه): - عن قتادة عن عكرمة والحسن قالا في هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلي الكعبين) قالا: " نمسح الرجلين ". - عن قتادة عن جابر بن يزيد أو عكرمة عن ابن عباس قال: " افترض الله غسلتين ومسحتين ألا تري أنه ذكر التيمم فجعل مكان الغسلتين

مسحتين وترك المسحتين ". وقال رجل لمطر الوراق: من كان يقول المسح علي الرجلين؟ فقال: " فقهاء كثيرون ". - عن ابن جريج قال: " أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة يقول: قال ابن عباس: الوضوء مسحتان وغسلتان " [12] . نظرة في أخبار الغسل والآن نلقي نظرة عابرة علي بعض الأخبار التي استنبط منها الجمهور وجوب غسل الأرجل وهي تنقسم إلي قسمين: أولا: منها ما هو غير دال صراحة علي وجوب الغسل مثل الحديث الذي أخرجه الشيخان في (صحيحيهما) عن عبد الله بن عمرو وابن العاص [ صفحه 27] قالا تخلف عنا النبي صلي الله عليه وآله وسلم في سفر سافرناه فأدركنا وقد حضرت صلاة العصر فجعلنا نمسح علي أرجلنا فنادي: " ويل للإعقاب من النار ". وهذه الكلمة الأخيرة أي: " ويل للإعقاب من النار " قد وردت - أيضا - في حديث كل من أبي هريرة وعائشة. وهذا لو صح فإنه يقتضي المسح لأنهم كانوا يعرفون كيفية الوضوء سلفا ومن ثم جعلوا يمسحون علي أرجلهم كما أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم ينكره عليهم بل أقرهم عليه وإنما أنكر عليهم قذارة أعقابهم واختلاطها بالنجاسات ولا عجب من ذلك فإن فيهم أعرابا حفاة جهلة كثيرا ما يتبولون علي أعقابهم ولا يلقون لذلك بالا لا سيما في السفر فتوعدهم بالنار لئلا يدخلوا في الصلاة بتلك الأعقاب المتنجسة. ثانيا: ومنها ما هو دال علي الغسل - كما في (الصحيحين) - عن حمران ابن أبان قال: " رأيت عثمان ابن عفان توضأ فأفرغ علي يديه ثلاثا فغسلهما ثم تمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ثلاثا... " إلي أن قال: " ثم غسل قدمه اليميني

ثلاثا ثم اليسري ثلاثا مثل ذلك ثم قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ". ومثله حديث عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري - الوارد في (الصحيحين) - وقد قيل له: توضأ لنا وضوء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فدعا بإناء فأكفأ منها علي يديه فغسلهما ثلاثا... إلي أن قال: فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر ثم غسل رجليه إلي الكعبين ثم فال: " هكذا كان وضوء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم... " إلي غير ذلك من الأخبار التي وردت في هذا المعني، وفيها نظر من وجوه: أولا: إنها جاءت مخالفة للكتاب المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والإجماع أئمة أهل البيت عليهم السلام الموافق للكتاب في وجوب المسح. [ صفحه 28] ثانيا: إنها قد عورضت بما ذكرناه من أخبار صحيحة متعددة دلت علي وجوب المسح وحسبك أن ابن عباس حبر الأمة ووعاء الكتاب والسنة كان يحتج في المسح فيقول: " افترض الله غسلتين ومسحتين ألا تري أنه ذكر التيمم فجعل مكان الغسلتين مسحتين وترك المسحتين ". وكان يقول: " الوضوء غسلتان ومسحتان ". ولما بلغه أن الربيع بنت عفراء الأنصارية تزعم أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم توضأ عندها فغسل رجليه أتاها يسألها عن ذلك وحين حدثته به قال - متعجبا -: " أن الناس أبوا إلا الغسل ولا أجد في كتاب الله إلا المسح " [13] . ثالثا: إنها لو كانت حقا لفاقت حد التواتر ولم يكن ثمة معارض لها لأن الحاجة إلي معرفة طهارة الأرجل في الوضوء حاجة عامة لرجال الأمة ونسائها أحرارها ومماليكها وهي حاجة

ضرورية فلو كان الواجب غير المسح المنصوص عليه في الآية لعلمه المكلفون في عهد النبوة وبعده ولكان مسلما بينهم ولتواترت أخباره عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم في كل عصر ومصر فلا يبقي مجال لإنكاره ولا للشك فيه ولما لم يكن الأمر كذلك فقد كانت تلك الأخبار موضع نظر وحيث إنها تعارضت مع أخبار أخري توجب المسح فلا مناص من الرجوع إلي الكتاب الحكيم فهو الفيصل في الأمر وقد علمت أنه أوجب المسح. نظرة في احتجاج الجمهور بالاستحسان ربما احتج الجمهور علي غسل الأرجل بأنهم رأوه أشد مناسبة للقدمين من المسح كما أن المسح أشد مناسبة للرأس من الغسل حيث إن القدمين لا ينقي دنسهما - غالبا - إلا بالغسل علي عكس الرؤوس التي تنقي - غالبا - بالمسح. [ صفحه 29] وقد قالوا إن المصالح المعقولة من الممكن أن تكون أسبابا للعبادات المفروضة حتي يكون الشرع قد توخي فيها غايتين: إحداهما مصلحية والأخري عبادية وأرادوا بالغاية المصلحية: الجانب الذي يتعلق بالأمور المحسوسة الظاهرة وبالغاية العبادية: الجانب الذي يتعلق بزكاة النفس وتطهيرها من الداخل. والجواب عن ذلك: أن الشارع الحكيم قد لاحظ عباده وتوخي رشدهم في كل ما كلفهم به من أحكام الشريعة فلم يأمرهم إلا بما فيه مصلحتهم ولم ينههم إلا عما فيه مفسدة لهم لكنه - مع ذلك - لم يجعل تقرير المصلحة المتوخاة من وراء تلك الأحكام مرتبطا بآراء العباد وما تصل إليه أفكارهم بل تعبدهم بأدلة حكيمة قويمة قد انبثقت من منابع صافية عينها لهم فلم يترك لهم مجالا للعدول عنها إلي ما سواها. وأول تلك الأدلة الحكيمة كتاب الله جل وعلا إذ هو المصدر الأول للتشريع المقدم علي كل

شئ وقد حكم بوجوب مسح الرؤوس والأرجل في الوضوء فلا محيص عن الإذعان لحكمه والتسليم لأمره. أما نقاء الأرجل وخلوها من الدنس والقذر فلا بد من تحققه والتيقن منه قبل المسح عليها بأدلة خاصة قد أكدت علي اشتراط الطهارة في أعضاء الوضوء قبل الشروع فيه [14] ولعل غسل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رجليه الذي وردت به الأخبار إنما كان من هذه الناحية ولعله كان من باب التبرد أو كان تمهيدا لأعمال الوضوء أو بعد الانتهاء منها ولذلك عند ما رآه بعضهم ظن أن ذلك هو المفروض في الوضوء أو كان من باب المبالغة في النظافة بعد الفراغ من الوضوء والله - تعالي - أعلم. [ صفحه 30] ملاحظة هامة أخرج ابن ماجة (في باب: ما جاء في غسل القدمين من سننه: ج 1 ص 155 حديث 456) عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية قال: " رأيت عليا توضأ فغسل قدميه إلي الكعبين ثم قال: أردت أن أريكم طهور نبيكم صلي الله عليه وآله وسلم ". قال السندي - في تعليقه علي الحديث -: " هذا رد بليغ علي الشيعة القائلين بالمسح علي الرجلين حيث الغسل من رواية علي ولذلك ذكره المصنف من رواية علي وبدا به الباب. ولقد أحسن المصنف وأجاد في تخريج حديث علي في هذا الباب جزاه الله خيرا قال: وظاهر القرآن يقتضي المسح كما جاء عن ابن عباس فيجب حمله علي الغسل ". وهذا الحديث لا تقوم به حجة حيث إنه ساقط من وجوه: أولا: سند الحديث فقد رواه أبو حية الذي ترجمه الذهبي في باب الكني من (ميزانه) فقال: " أبو حية بن قيس الخارفي

الوادعي عن علي لا يعرف تفرد عنه أبو إسحاق بوضوء علي فمسح رأسه ثلاثا وغسل رجليه إلي الكعبين ثلاثا ". قال ابن المديني وأبو الوليد الفرضي: " مجهول " وقال أبو زرعة: " لا يسمي ". ثم إن هذا الحديث قد تفرد به أبو إسحاق وقد جاء في ترجمته من (الميزان) أنه ترك لأنه شاخ ونسي واختلط في آخر أيامه ولم يروه عنه سوي أبي الأحوص وزهير بن معاوية الجعفي فعابهما الناس بذلك ولا شك في أن المحدث إذ اختلط وجب طرح الأحاديث التي أم يتيقن صدورها عنه قبل اختلاطه سواء أعلم صدورها بعد الاختلاط كهذا الحديث أم جهل تاريخ صدوره لأن العلم الاجمالي في الشبهات المحصورة يوجب اجتناب الأطراف كلها كما هو مقرر في محله. ثانيا: إن هذا الحديث يناقض القرآن المجيد القطعي وما عليه أئمة أهل [ صفحه 31] البيت عليهم السلام وأولهم أمير المؤمنين علي عليه السلام من وجوب المسح ولذا فلا مندوحة عن طرحه جانبا. معني إلي الكعبين الكعبان في آية الوضوء هما مفصلا الساقين عن القدمين كما هو وارد عن الإمام الباقر عليه السلام. وجاء في (لسان العرب): [15] " أن ابن جابر سأل أحمد بن يحيي عن الكعب فأومأ ثعلب إلي رجله إلي المفصل منها بسبابته فوضع السبابة عليه ثم قال: هذا قول المفضل ابن الأعرابي قال: ثم أومأ إلي الناتئين وقال: هذا قول أبي عمرو بن العلاء والأصمعي قال: وكل قد أصاب ". وذهب الجمهور إلي أن الكعبين هنا إنما هما العظمان الناتئان في جانبي كل ساق وقد احتجوا لذلك بأنه لو كان الكعب مفصل الساق عن القدم لكان الحاصل في كل رجل كعبا واحدا فكان ينبغي أن

يقول: (وأرجلكم إلي الكعاب) كما أنه لما كان الحاصل في كل يد مرفقا واحدا قال: (وأيديكم إلي المرافق). والجواب: أنه لو قال هنا: (إلي المرفقين) لكان التعبير صحيحا بلا إشكال ويكون المعني حينئذ: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي مرفقي كل منكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلي الكعبين من كل منكم) فتثنية الكلمتين في الآية وجمعهما علي حد سواء في الصحة وكذلك جمع إحداهما وتثنية الأخري ولعل بلاغة التعبير قد اقتضت ذلك. [ صفحه 32] وقال الرازي - عند بلوغه آية الوضوء -: " وقالت الإمامية وكل من ذهب إلي وجوب المسح: إن الكعب عبارة عن عظم مستدير مثل كعب البقر والغنم موضوع تحت عظم الساق حيث يكون مفصل الساق والقدم وهو قول محمد بن الحسن وكان الأصمعي يختار هذا القول ويقول: الطرفان الناتئان يسميان المنجمين. هكذا رواه القفال في تفسيره " [16] . [ صفحه 33]

المسح علي الخفين

اختلف فقهاء الإسلام في المسح علي الخفين والجور بين اختلافا كبيرا لا يتسع المجال لبحثه والإحاطة به في هذا المقام وبوجه عام فإن البحث عنه يتعلق بالنظر في جوازه أو عدم جوازه وفي شروطه وفي القدر المفروض مسحه وفي كيفية المسح المسنونة وفي مدة المسح عليهما وفي مكروهاته وفي نواقضه. ويمكن الرجوع إلي بحث هذه الأمور تفصيلا في موضعها من كتب الفقه المقارن مثل: (موسوعة الفقه الإسلامي) و (الفقه علي المذاهب الأربعة) وغيرهما وإنما الذي يعنينا هنا هو أصل الجواز لأنه يشكل مدار البحث ونطاقه الذي نقصد إليه. أما الجواز ففيه ثلاثة أقوال: أولا: الجواز مطلقا سفرا وحضرا. ثانيا: الجواز في السفر دون الحضر. ثالثا: عدم الجواز مطلقا لعدم ثبوته وقد جاء ذلك في رواية عن مالك كما نقله عنه

الفقيه ابن رشد في كتابه (بداية المجتهد: ج 1 ص 14). وقد اتفق الجمهور علي أصل جوازه - بغض النظر عن الشروط التي أخلفوا فيها لذلك - وذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام إلي عدم جوازه وتمسك بذلك شيعتهم العاملون علي منهجهم والروايات عندهم كثيرة جدا في هذا الموضوع تنفي جواز المسح علي الخفين نفيا قطعيا سواء كان ذلك في الحضر أو في السفر. [ صفحه 34] وحجتهم في هذا كتاب الله تعالي إذ يقول: (... وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلي الكعبين...) وذلك يقتضي - صراحة - المسح علي الأرجل مباشرة فمن أين جاء المسح علي الخفين؟! أم أن هذه الآية منسوخة؟! أم هي من المتشابهات؟! كلا بل هي - الإجماع - من المحكمات البينات وقد أطبق المفسرون علي أن " سورة المائدة " المشتملة علي آية الوضوء لا يوجد فيها منسوخ إلا آية واحدة هي قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله) [المائدة / 2]، فقد ذهب بعضهم إلي نسخها دون ما سواها من آيات تلك السورة المباركة [17] . أما الأخبار الدالة علي الترخيص بالمسح علي الخفين فإنها موضوع نظر من وجوه: أولا: أنها جاءت مخالفة لكتاب الله تعالي والمأثور عن الرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: " إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه علي كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإلا فردوه " [18] . ثانيا: أنها جاءت متعارضة في نفسها ومتضاربة في دلالاتها ولذلك كثر الاختلاف بين مصححيها العاملين علي مقتضاها فإنهم إنما تعارضوا في أقوالهم وتعددت آراؤهم نظرا لتعارض هذه الأخبار التي استندوا إليها في أقوالهم [19] . ثالثا: إجماع أئمة أهل البيت عليهم السلام علي

القول بعدم جواز المسح علي حائل سواء في ذلك الخف والجورب والحذاء وغيرها من سائر الأجناس [ صفحه 35] والأنواع التي تحول دون وصول الماء إلي العضو وأخبارهم المروية من طريق شيعة الإمامية صريحة في معارضة تلك الأخبار الواردة في الجواز والقاعدة المطردة في الأخبار المتعارضة هي تقديم ما وافق كتاب الله عز وجل وبخاصة إذا تكافأت سندا ودلالة. رابعا: إنها لو كانت حقا لتواترت في كل عصر ومصر لأن الحاجة إلي معرفة طهارة الأرجل في الوضوء حاجة عامة - كما أومأنا إليه من قبل - لجميع رجال الأمة ونسائها وهي حاجة ضرورية لهم في كل يوم وليلة من أوقات سفرهم وإقامتهم فلو كانت غير المسح المنصوص عليه في الآية لعلمه المكلفون في عهد النبوة وبعده ولكان مسلما بينهم في كل جيل لا سيما إذا جاء علي هذا النحو من حيث كونه عبادة محضة غير معقولة المعني غريبة في باب العبادات تستوجب الشهرة بهذه الغرابة ولما لم يكن الأمر علي تلك الدرجة المطلوبة من التواتر فإنه يسحب الثقة من هذه الأخبار. خامسا: إنه لو فرض صحتها لوجب أن تكون منسوخة بآية " المائدة " لأنها آخر سورة نزلت وبها أكمل الله الدين وأتم النعمة ورضي الإسلام دينا فواجبها واجب إلي يوم القيامة وحرامها حرام إلي يوم القيامة. وقد نصت علي ذلك أم المؤمنين عائشة حيث قالت لجبير بن نفير - عندما حج فزارها: " يا جبير تقرأ " المائدة "؟ فقال: نعم. فقالت: أما إنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه " [20] لكن الجمهور قد تشبثوا في بقاء حكم المسح علي الخفين بعد نزولها بحديث

جرير الذي رواه مسلم بسنده عن إبراهيم عن همام قال: " بال جرير ثم توضأ ومسح علي خفيه فقيل له: تفعل هذا؟! فقال: نعم [ صفحه 36] رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بال ثم توضأ ثم مسح علي خفيه ". قال إبراهيم: " كان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة " [21] . والجواب عن ذلك: إن جرير بن عبد الله إنما أسلم قبل نزول " سورة المائدة " فقد جاء في ترجمته من (الإصابة): " ففي (الصحيحين) عنه (أي جرير) أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: استنصت الناس في حجة الوداع وجزم الواقدي بأنه قد وفد عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم في شهر رمضان سنة عشر وأن بعثه إلي ذي الخلصة كان بعد ذلك وأنه وافي النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع من عامه قال الحافظ: وفيه عندي نظر لأن شريكا حدث الشيباني عن الشعبي عن جرير قال: قال لنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إن أخاكم النجاشي قد مات - الحديث أخرجه الطبراني فهذا يدل علي أن إسلام جرير كان قبل سنة عشر لأن النجاشي مات قبل ذلك " [22] ومعلوم أن موت النجاشي إنما كان قبل نزول " سورة المائدة " حيث أنه قد توفي السنة العاشرة بلا كلام في هذا. وثمة تشبت؟؟؟ آخر اورده القسطلاني حيث يقول - عند شرح حديث المسح علي الخفين من (إرشاد الساري) -: " وليس المسح بمنسوخ لحديث المغيرة الصريح بمسح النبي صلي الله عليه وآله وسلم خفيه في غزوة تبوك وهي آخر غزواته و " المائدة " نزلت قبلها

في غزوة المريسيع... " إلي آخر كلامه. والجواب: أن غزوة المريسيع هي غزوة بني المصطلق كانت في شعبان سنة خمس وقيل: سنة أربع - كما نقله البخاري عن موسي بن عتبة عند ذكرها من كتاب (المغازي) - وقيل: سنة ست للهجرة وقد نزلت بعدها [ صفحه 37] " المائدة " وكثير من السور وإنما نزلت فيها آية التيمم الواردة في " سورة النساء " في قوله تعالي: (... وإن كنتم مرضي أو علي سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا) [النساء / 43]. والرواية في ذلك ثابتة عن عائشة أخرجها الواحدي في كتابه (أسباب النزول ص 113) فراجعه لتكون علي بينة من أن القسطلاني قد اشتبهت عليه آية الوضوء بآية التيمم. سادسا: إن عائشة أم المؤمنين كانت تنكر المسح علي الخفين أشد الإنكار وابن عباس - وهو حبر الأمة ووعاء الكتاب والسنة - كان من المنكرين أيضا وقد اشتد كل منهما في رده ودفعه فهذه عائشة تقول: " لئن تقطع قدماي أحب إلي من أن أمسح علي الخفين " وهذا ابن عباس يقول: " لئن أمسح علي جلد حمار أحب إلي من أن أمسح علي الخفين " وقد نقل هاتين الروايتين الرازي - عند تفسير آية الوضوء - من (تفسيره الكبير) [23] وإننا إذا تأملنا هذه اللهجة الشديدة من الإنكار وجدنا أنها لا تتناسب مع اعتبار هذه الأخبار بل لا تتناسب مع مجرد احترامها وإذا كانت هذه هي أقوال المعاصرين لتلك الأخبار العارفين بصحيحها وسقيمها فكيف يتسني لنا الركون إليها علي بعدنا المديد عنها قرونا طويلة؟! وأن

من أمعن النظر - متجردا - في إنكار أم المؤمنين عائشة وعبد الله بن عباس وسائر أئمة أهل البيت عليهم السلام فإنه يضطر إلي الشك في أمر تلك الأخبار. ومن هنا لا يمكن الايقان بتواترها بل إن القول بذلك يعد غلوا ومبالغة وإلا فكيف يجهلها هؤلاء الكرام البررة أو يتجاهلونها؟! والذي يدل علي مدي الشك والريب الذي كان يختلج في النفوس من جراء هذا العمل هو أن الناس كانوا يستغربونه ويرتابون في جوازه حتي أن [ صفحه 38] جريرا عندما توضأ ومسح علي خفيه قيل له - في استغراب ودهشة -: تفعل هذا؟!! وكأنهم كانوه يستغربونه إذ أن معرفته لا بد من أن تكون بديهية لهم لأنها تتعلق بأمر الطهارة التي يطلبها المرء كل يوم وليلة علي نحو الضرورة. وكذلك الحديث الذي أخرجه البخاري في (صحيحه) عن ابن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه مسح علي الخفين وأن عبد الله بن عمر سأل عمر عن ذلك فقال: " نعم إذا حدثك سعد شيئا عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم فلا تسأل عنه غيره " [24] . وهنا - أيضا - نجد أن ابن عمر استغرب هذا الأمر من سعد واندهش له ومن ثم ذهب إلي أبيه عمر كيما يسأله عنه وهذا يدل علي أنه لم يكن مشهورا بل معروفا فكيف به متواترا؟! وكذلك الإمام مالك في إحدي الروايتين عنه أنه أنكر جواز المسح علي الخفين [25] . [ صفحه 39]

السجود علي الأرض

إن السجود يعد من أجل العبادات وأعظم الأعمال قربة عند الله حتي قال عنه النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " أقرب ما يكون العبد

من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء " [26] . وذلك لما فيه من التذلل والخضوع لله جل وعلا وأنه مظهر من مظاهر التواضع لعظمته سبحانه وأنه تعبير لما يكنه العبد من ولاء وتقديس لمولاه الجليل ولذلك قد ندب إليه الشرع في مواطن أخري غير الصلاة مثل سجود التلاوة عند ذكر آيات معينة من القرآن المجيد وسجود الشكر. والواجب في كل ركعة من الصلاة سجدتان وذهب إخواننا الشيعة الإمامية إلي أن السجود لا يصح إلا علي الأرض مباشرة أو ما نبت منها شريطة أن لا يكون ماكولا أو ملبوسا لما دلت عليه الأخبار الصحيحة المتواترة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام. كما أنه يناسب الغاية من السجود فإن السجود علي الأرض مباشرة أدعي إلي الشعور بالذل والصغار إمام الله عز وجل إذ أنه يذكر الإنسان بعنصره الحقيقي ومنبته الأصلي ويبعد عنه مظاهر الدنيا الزائفة التي يتعلق بها طيلة حياته. حجة الإمامية ولننظر - الآن - في ما احتج به الإمامية من أدلة علي وجوب السجود علي الأرض: [ صفحه 40] أولا: الأخبار الدالة علي السجود علي الأرض: - أخرج البخاري ومسلم في (الصحيحين) من حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ". - وفي لفظ الترمذي: " جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا ". أخرجه عن علي وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وجابر وابن عباس وحذيفة وأنس وأبي أمامة وأبي ذر. - وفي لفظ البيهقي: " جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ". - أخرج النسائي عن أبي ذر أن

النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال له: الأرض لك مسجد فحيثما أدركت الصلاة فصل " [27] . - أخرج الحاكم في (مستدركه) عن ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم سجد علي الحجر [28] . قال الحاكم: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي في (التلخيص). - أخرج الشيخان في (صحيحيهما) في باب: التماس ليلة القدر من حديث أبي سعيد الخدري وفيه قال: " أقيمت الصلاة فرأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يسجد في الماء والطين حتي رأيت أثر الطين في جبهته ". وأخرج البيهقي في (السنن الكبري) عدة أحاديث منها: - عن جابر بن عبد الله قال: " كنت أصلي مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم صلاة الظهر فآخذ قبضة من الحصي في كفي حتي تبرد واضعها بجبهتي إذا سجدت من شدة الحر " [29] . [ صفحه 41] قال البيهقي: " قال الشيخ (رحمه الله): ولو جاز السجود علي ثوب متصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصي في الكف ووضعها للسجود عليها ". - عن خباب بن الإرث قال: " شكونا إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم شدة الرمضاء في جباهنا واكفنا فلم يشكنا " [30] (أي: لم يقم بإزالة شكوانا وقيل: إنه منسوخ بحديث جواز الابراد بالصلاة). - عن صالح بن حيوان السبائي أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رأي رجلا يسجد بجنبه وقد اعتم علي جبهته فحسر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن جبهته. - عن عبد الله القرشي - مرسلا - قال: " رأي رسول الله صلي الله صلي الله عليه وآله وسلم رجلا يسجد علي

كور عمامته فأومأ بيده: ارفع عمامتك فأومأ بيده: ارفع عمامتك وأومأ إلي جبهته ". (كور العمامة: محيطها الدائري). - عن ابن أبي ليلي عن علي عليه السلام قال: " إذا كان أحدكم يصلي فليحسر العمامة عن جبهته ". - عن نافع أن ابن عمر كان إذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتي يضع جبهته بالأرض. - عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت أنه كان إذا قام إلي الصلاة حسر عن جبهته. - عن أنس بن مالك قال: " كنا نصلي مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في شدة الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه ". قال البيهقي: " قال الشيخ: وأما ما روي عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم من السجود علي كور العمامة فلا يثبت شئ من ذلك وأصح ما روي في ذلك قول الحسن البصري حكاية عن أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولذلك قال في الحديث [ صفحه 42] المروي عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد الرجل منهم علي عمامته قال: وهذا يحتمل أن يكون أراد يسجد الرجل منهم علي عمامته وجبهته والاحتياط بغرض السجود أولي " [31] . وأخرج الشافعي في كتابه (الأم) بسنده عن رفاعة بن رافع بن مالك أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أمر رجلا إذا سجد أن يمكن وجهه من الأرض حتي تطمئن مفاصلة ثم يكبر فيرفع رأسه ويكبر فيستوي قاعدا يثني قدميه حتي يقيم صلبه ويخر ساجدا حتي يمكن وجهه بالأرض وتطمئن مفاصله فإذا لم يصنع هذا أحدكم لم تتم صلاته. قال الشافعي:

" ولو سجد علي بعض جبهته دون جميعها كرهت ذلك ولم يكن عليه إعادة لأنه ساجد علي جبهته ولو سجد علي أنفه دون جبهته لم يجزه ذلك لأن الجبهة موضع السجود وإنما سجد - والله أعلم - علي الأنف لاتصاله بها ومقاربته لمساريها ولو سجد علي خده أو علي صدغه لم يجزه السجود وإن سجد علي رأسه فماس شيئا من جبهته الأرض أجزاه السجود إن شاء الله تعالي ولو سجد علي جبهته ودونها ثوب أو غيره لم يجزه السجود إلا أن يكون جريحا فيكون ذلك عذرا ولو سجد عليها وعليها ثوب متخرق فماس شيئا من جبهته علي الأرض أجزأه ذلك لأنه ساجد وشئ من جبهته علي الأرض وأحب أن يباشر راحتيه الأرض في البرد والحر فإن لم يفعل وسترهما من حر أو برد وسجد عليهما فلا إعادة عليه ولا سجود سهو) [32] . نقول، هذا يدل بوضوح ظاهر علي وجوب السجود علي الأرض مباشرة. وأخرج عبد الرزاق الصنعاني في (مصنفه باب: الصلاة علي الصفا والتراب) عدة أحاديث منها: [ صفحه 43] - عن خالد الحذاء قال: " رأي النبي صلي الله عليه وآله وسلم صهيبا يسجد كأنه يتقي التراب فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: ترب وجهك يا صهيب " [33] . - عن عائشة قالت: " ما رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم متقيا وجهه بشئ ". (تعني في السجود). - عن عبد الكريم بن أمية قال: " بلغني أن أبا بكر كان يسجد أو يصلي علي الأرض مفضيا إليها ". - عن أبي عبيدة قال: " كان ابن مسعود لا يسجد إلا علي الأرض " [34] . - عن

الثوري قال: " أخبرني محل عن إبراهيم أنه كان يقوم علي البردي ويسجد علي الأرض قلنا: ما البردي؟ قال: الحصير " [35] . - عن ابن عيينة قال: " قلت لعطاء: أرأيت إنسانا يصلي وعليه طاق في برد فجعل يسجد علي طاقه ولا يخرج يديه؟ قال: لا يضره قلت: فلغير برد؟ قال: أحب إلي أن يسوي بينها وبين الأرض فإن لم يفعل فلا حرج قلت: أحب إليك أن لا يصلي علي شئ إلا علي الأرض ويدع ذلك كله؟ قال: نعم ". (الطاق: نوع من الثياب). - عن ابن جريج قال: " قلت لعطاء: كان ينهي عن مسح التراب للوجه؟ قال: نعم. ويقال: إذا رأيت شيئا تكرهه فأخره قلت: أي شئ؟ قال: قد سمعنا ذلك وأحب إلي أن لا تمسحها قلت: أرأيت لو مسحت؟ قال: فلا تعد ولا تسجد سجدتي السهو ". [ صفحه 44] - عن أبي ذر أنه قال: " سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: إذا قام أحدكم للصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسحن الحصي " [36] . - عن أبي ذر قال: " سألت النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن كل شئ حتي سألته عن مسح الحصي فقال: واحدة أو دع) [37] . - عن أبي ذر قال: " رخص في مسحة للسجود وتركها خير من مائة ناقة سود ". وفي رواية أخري عنه قال: (إذا دنت الصلاة فامش علي هيئتك فصل ما أدركت وأتمم ما سبقك ولا تمسح الأرض إلا مسحة وأن تصبر عنها خير لك من مائة ناقة كلها سود الحدقة ". وفي رواية عن محمد بن طلحة وعبد الله بن عياش أبي ربيعة قالا: "

مر أبو ذر وأنا أصلي فقال: إن الأرض لا تمسح إلا مسحة ". - عن أبي سلمة أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قيل له في مسح الحصي في الصلاة فقال: " إن كنت فاعلا فواحدة " [38] . - عن عبد الرحمن بن زيد قال: " كان عبد الله بن زيد يسوي الحصي بيده مرة واحدة إذا أراد أن يسجد ويقول في سجوده: لبيك اللهم لبيك وسعديك ". - عن يحيي بن كثير قال: (سمع النبي صلي الله عليه وآله وسلم رجلا يقلب الحصي في الصلاة في المسجد فلما انصرف قال: من الذي كان يقلب الحصي في الصلاة؟ قال الرجل: أنا يا رسول الله قال: فهو حظك من صلاتك) [39] . [ صفحه 45] - عن ابن جريح قال: " قلت لعطاء: كانوا يشددون في المسح للحصي لموضع الجبين ما لا يشددون في مسح الوجه من التراب؟ قال: أجل ها الله إذا ". (ها: للتنبيه وأداة القسم محذوفة معناه: والله إذا). وفي باب: متي يمسح التراب عن وجهه: - عن ابن جريج قال: (قلت لعطاء: نفضت يدي من التراب قبل أن أفرغ من الصلاة قال: ما أحب ذلك ". - عن قتادة أنه كان يمسح جبهته إذا فرغ من الصلاة قيل أن يسلم. - عن ابن جريج عن عطا قال: " يقال: إن استطعت أن لا تمسح بوجهك من التراب حتي تفرغ من صلاتك فافعل وإن مسحت فلا حرج وأحب إلي أن لا تمسح حتي تفرغ قال عطاء: " وكل ذلك أصنع ربما مسحت قبل أن أفرغ من صلاتي وربما لم أمسح حتي أفرغ من صلاتي " [40] . نقول: كل هذه

الأحاديث والآثار الصحيحة المتضافرة تدل دلالة قاطعة علي أن المعمول به في عهد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم والصحابة (رضوان الله عليهم) والتابعين لهم بإحسان هو السجود علي الأرض لا غير حتي أنهم كانوا يلاحظون تسوية الحصي قبل السجود علي الأرض ويتوخون في جواز ذلك المقدار المسموح به كذلك الحرص علي معرفة جواز مسح الوجه من التراب ومتي يكون. كل ذلك يؤكد علي أنه مدار العمل هو السجود علي الأرض مباشرة وعدم العدول إلي ما سواها فما بالك بمن استبدل بذلك الفرش الوثيرة والسجاجيد الناعمة؟! ثانيا: في ما ورد من السجود علي الخمرة والحصير: جاء في (لسان العرب): الخمرة: حصيرة أو سجادة صغيرة تنسج من [ صفحه 46] سعف النخل وترمل بالخيوط... قال الزجاج: سميت خمرة لأنها تستر الوجه من الأرض. (اللسان) مادة (خمر) ص 1261. - أخرج البخاري في باب الصلاة علي الخمرة عن عبد الله بن شداد عن ميمونة أم المؤمنين قالت: " كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يصلي علي الخمرة " [41] . - أخرج مسلم - في كتاب الحيض - عن عائشة قالت: " قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد قالت: فقلت: إني حائض فقال: إن حيضتك ليست في يدك " [42] . - أخرج الترمذي عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يصلي علي الخمرة " [43] . - عن أم سلمة أم المؤمنين قالت: (كان لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حصير وخمرة يصلي عليها) [44] . - عن أنس بن مالك قال: " كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يصلي

علي الخمرة ويسجد عليها " [45] . - أخرج البخاري - في باب: الصلاة علي الحصير - عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال: قوموا فلأصل لكم. قال أنس: فقمت إلي حصير لنا قد اسود من طول ما لبث [ صفحه 47] فنضحته بماء فقام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم واليتيم معي والعجوز من ورائنا فصلي بنا ركعتين [46] . نقول: هذه الأخبار الواردة وفي بعضها أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم دخل بيتا فيه فحل [47] فكسح ناحية منه ورش فصلي عليه [48] . فإنها تدل علي جواز السجود علي ما خرج من الأرض بحيث يكون غير ملبوس ولا مأكول ولا ريب أن الخمرة والفحل والحصير المصنوعة من سعف النخيل من موارد ذلك كما لا يخفي. ولذلك قال الحافظ في (الفتح) في شرحه لحديث ميمونة أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان يصلي علي الخمرة: " قال ابن بطال: لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة عليها إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يؤتي بتراب فيوضع علي الخمرة فيسجد عليه ولعله كان يفعله علي جهة المبالغة في التواضع والخشوع فلا يكون فيه مخالفة للجماعة وقد روي ابن أبي شيبة أن ابن الزبير كان يكره الصلاة علي شئ دون الأرض وكذا روي عن غير عروة بن الزبير ويحتمل أن يحمل علي كراهة التنزيه. والله أعلم " [49] . ثالثا: في ما ورد من السجود علي غير الأرض لعذر: - أخرج البخاري - في باب: السجود علي الثوب في شدة الحر -

عن أنس بن مالك قال: (كنا نصلي مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود " [50] . [ صفحه 48] - أخرج مسلم - في باب: استحباب تقديم الظهر - عن أنس قال: " كنا نصلي مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه " [51] . قال الشوكاني في (نيل الأوطار): " الحديث يدل علي جواز السجود علي الثياب لاتقاء الحر وفيه إشارة إلي أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل لتعليق بسط الثوب بعدم الاستطاعة وقد استدل بالحديث علي جواز السجود علي الثوب المتصل بالمصلي. قال النووي: وبه قال أبو حنيفة والجمهور " [52] . - أخرج ابن ماجة في (سننه) عن أنس بن مالك قال: " كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالظهائر سجدنا علي ثيابنا اتقاء الحر " [53] . قال السندي في شرحه: " الظهائر ": جمع ظهيرة وهي شدة الحر نصف النهار " سجدنا علي ثيابنا ": الظاهر أنها الثياب التي هم لابسوها ضرورة أن الثياب في ذلك الوقت قليلة فمن أين لهم ثياب فاضلة؟ فهذا يدل علي جواز أن يسجد المصلي علي ثوب هو لابسه كما عليه الجمهور. وعلي هذه الصورة يحمل ما جاء عن ابن عباس قال: " رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يسجد علي ثوبه " [54] وما جاء عن الحسن أنه قال: " كان القوم يسجدون علي العمامة والقلنسوة ويداه في كمه " [55] وراجع - أيضا - ما قاله البيهقي

حوله في (سننه الكبري) في ما مر عليك آنفا. تنبيه: هناك حديث مرفوع أخرجه أحمد في (مسنده): [ صفحه 49] عن محمد بن ربيعة عن يونس بن الحرث الطائفي عن أبي عون عن أبيه عن المغيرة بن شعبة قال: " كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يصلي أو يستحب أن يصلي علي فروة مدبوغة " [56] . والاستدلال بهذا الحديث ساقط من وجوه: أولا: إن الحديث لا يدل علي القدر الواجب من السجود المتعلق بالجبهة إذ لا يوجد ملازمة بين الصلاة علي الفروة والسجود عليها فلربما قام للصلاة عليها حين كان يضع جبهته علي ما يصح السجود عليه. ثانيا: إنه لو فرض أن المقصود علي الفروة هو السجود عليها فإن ذلك يعارض السنة القطعية القاضية بوجوب السجود علي الأرض. ثالثا: ضعف سند الحديث بحيث لا يقوم به حجة في مجال الأحكام ففيه يونس بن الحرث قال أحمد: " أحاديثه مضطربة ". وقال عبد الله بن أحمد: " سألته عنه مرة فضعفه ". وعن ابن معين: " لا شئ ". وقال أبو حاتم: " ليس بالقوي ". وقال النسائي: " ضعيف ". وقال مرة: " ليس بالقوي ". وقال ابن أبي شيبة: " سألت ابن معين عنه فقال: كنا نضعفه ضعفا شديدا ". وقال الساجي: " ضعيف إلا أنه لا يتهم بالكذب " [57] . وفيه - أيضا - أو عون عبيد الله بن سعيد الثقفي الكوفي. ترجمه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) فنقل عن أبيه قوله: " هو مجهول ". وقال ابن حجر: " حديثه عن المغيرة مرسل ". صفوة القول هذه خلاصة ما أوردناه من الصحاح والمسانيد مرفوعا وموقوفا في ما

يصح السجود عليه وهي تدل علي أن الأصل في ذلك - مع وجود القدرة [ صفحه 50] والاستطاعة - هو السجود علي الأرض مباشرة أو علي ما نبت منها غير مأكول ولا ملبوس أخذا بأحاديث الخمرة والفحل والحصير المصنوعة من سعف النخيل ولا يمكن العدول عنها إلي غيرها عن فقدان العذر أما في حالة وجود عذر مانع عنها فإنها يمكن السجود علي الثوب المتصل بالمصلي فحسب دون الثوب المنفصل لعدم وروده في السنة وأما السجود علي الفرش والسجاد والبسط المنسوجة من الصوف والوبر والحرير والثوب المنفصل وغيرها فإن ذلك مما أحدثه الناس واخترعوه ولا يوجد دليل يعتد به يسوغ السجود عليها ولم يرد أي مستند قوي يمكن الركون إليه والتعويل عليه فها هي الصحاح الستة الكفيلة ببيان الشرائع والأحكام ليس فيها حديث يمكن الأخذ به في هذه المسألة وكذلك سائر كتب الحديث والسنن المعتمدة في القرون الثلاثة الأولي وهي خير القرون لا يوجد بها أثر صحيح صريح يقم به الاستدلال وتنهض به الحجة علي جواز ذلك. وقد أخرج الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده في (مصنفه) الجزء الثاني عن سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين " أن الصلاة علي الطنفسة محدث ". (الطنفسة: النمرقة فوق الرحل وقيل: هي البساط الذي له خمل رقيق). السجود علي تربة كربلاء قد تبين - مما تقدم - أن السجود علي الأرض مباشرة هو الأصل المعمول به علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان وهو الذي يلتزم به إخواننا الشيعة الإمامية حتي يومنا هذا ولا يحيدون عنه قيد أنملة فهم يسجدون علي الأرض شريطة التأكد من عدم نجاستها وخلوها من الأقذار ويستحبون

من بين تراب الأرض تربة كربلاء حيث استشهد بها أبو الأحرار وسيد الشهداء أبو عبد الله الحسين بن علي عليه السلام الذي خرج في ثلة من أهل بيت النبوة الأطهار عليهم السلام وصحابته الأبرار من أجل مقارعة الظلم والطغيان والإثم والعدوان المتمثل في طاغية [ صفحه 51] عصره وطاغوت دهره يزيد بن معاوية الذي تسلط علي رقاب المسلمين بغير الحق وأذاقهم صنوفا وألوانا من المحن والمصائب من قتل وتشريد وانتهاك للحرمات والمقدسات وإهلاك للحرث والنسل وضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق وإحراقها وتدنيس حرمة المدينة المنورة واقتحامها وإباحتها وقتل الصحابة الأبرار فيها في وقعة الحرة وتخريب بيوتهم ونهب أموالهم وهتك أعراض بناتهم... إلي غير ذلك من الجرائم البشعة التي تقشعر الأبدان عند ذكرها وترعد الفرائص من مجرد سماعها وتشمئز النفوس من هؤلاء المجرمين الذين اقترفوها. وقد سجل التاريخ أروع ملحمة بطولية علي أرض كربلاء التي ارتوت بدماء الحسين عليه السلام وأهل بيته الأطهار وصحابته الأبرار تلك الدماء التي أريقت علي صعيدها من أجل عزة الإسلام وإعلاء كلمة الله في يوم عاشوراء وقد دلت بعض الأحاديث علي فضل هذه التربة الطاهرة ومكانتها السامية فتري الواحد منهم يحمل معه تربة نقية طاهرة منها كيما يسجد عليها لله رب العالمين. ولا شك أنه أمر مستحسن فطريا أن يتخذ المصلي لنفسه تربة طاهرة طيبة يتأكد من طهارتها بخلوها من النجاسات ولا فرق في ذلك بين أن تكون من هذه الأرض أو تلك من حيث الأصل الواجب فهي كلها في الشرع سواء لا امتياز لإحداهن علي الأخري في جواز السجود عليها وما ذلك الحرص والاهتمام إلا لحفاظ المصلي علي طهارة جسده وملبسه ومصلاه. وعليه فإن المسلم يقوم باتخاذ صعيد طيب لنفسه يسجد

عليه في حله وترحاله وفي سفره وإقامته لا سيما في حال السفر لعدم الثقة بطهارة كل أرض ينزل بها ويتخذها مسجدا من المدن والفنادق وردهات المنازل والساحات العامة والمطارات ومحطات وسائل المواصلات المختلفة التي تشهد فئات من البشر من مختلف الملل والأجناس... من المسلمين وغيرهم من أخلاط الناس الذين لا يبالون ولا يكترثون لأمر الدين وبخاصة موضوع الطهارات والنجاسات. [ صفحه 52] فأي مانع - عندئذ - من أن يحتاط المسلم لدينه ويتخذ معه تربة طاهرة يطمئن بنقائها وطهارتها يسجد عليها في صلاته متوخيا الحيطة ومحترزا من السجود علي الأرجاس والنجاسات التي لا تسوغ السنة الشريفة السجود عليها ولا تقبله الفطرة السليمة لا سيما وإن أوامر الشرع الحنيف تؤكد علي الاهتمام بطهارة أعضاء المصلي ولباسه وتنهي عن الصلاة في أماكن معينة لمظنة اختلاطها بالنجاسات منها: المزابل والمجازر والمقابر وقارعة الطريق والحمام ومعاطن الإبل وكذلك الأمر بضرورة تطهير المساجد وتطييبها. ووفق هذه النظرة الصائبة جري بعض فقهاء السلف الورعين والمحتاطين لدينهم من أهل القرون الأولي وحسبك أن التابعي الفقيه الكبير المتفق علي جلالته مسروق بن الأجدع كان يأخذ في أسفاره لبنة (أي حجرا) يسجد عليها كما أخرجه عنه إمام السنة الحافظ الثقة في زمانه أبو بكر بن أبي شبة في (مصنفه) في المجلد الثاني باب: من كان يحمل في السفينة شيئا يسجد عليه فأخرج بإسنادين: " أن مسروقا كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها ". هذا في ما يتعلق بالسجود علي الأرض مباشرة من حيث أصل الوجوب وأخذ الحيطة بحمل تربة طاهرة. أما في ما يتعلق باستحباب السجود علي تربة كربلاء فإن قاعدة التفضيل المطردة في هذه الحياة تدل عليه وتؤكده فضلا

عن ورود بعض الأحاديث التي تعضده. فلا شك أن الله - سبحانه - قد اصطفي مكة وانتجبها من بين الأماكن وجعلها مقرا لبيته الحرام الذي أوجب علي الناس الحج إليه والطواف حوله وخصها بميزات معينة بوصفها حرما آمنا لا يجوز انتهاكه وما يرتبط من ذلك بشجرها ونبتها ومن نزل بها وكذلك اختار المدينة المنورة وجعلها حرما إلهيا - أيضا - يجب تعظيمه وعدم تجاوزه. وما ورد في السنة الشريفة في [ صفحه 53] إجلالها وفي فضائل أهلها وتربتها ومن حل بها ومن دفن بأرضها وجميع ذلك ليس إلا باعتبار الإضافة والنسبة إلي الله تعالي وكونها عاصمة لنبيه الخاتم صلي الله عليه وآله وسلم. بل إن قاعدة التفاضل وتفاوت الدرجات ممتدة ومطردة علي الدوام حتي بين الأنبياء والمرسلين والأوصياء والأولياء والشهداء والصالحين وأفراد المؤمنين. وكذلك بين الأوقات لاختصاص بعضها بفضائل وخصال معينة فشهر رمضان خير الشهور وليلة القدر أفضل ليالي ويوم عرفة أفضل الأيام.. وما إلي ذلك من الاختصاصات والتفاضلات بين الأعيان نتيجة تعلقها بالله سبحانه ونسبتها إليه. وكانت تربة كربلاء هي التربة التي ضمت بين ثناياها أطهر الأجساد وأطيبها وهم أبناء الرسول صلي الله عليه وآله وسلم الذين سجلوا علي صعيدها أعظم صفحات البذل والتضحية في سبيل الله سبحانه واختلطت ذراتها بدمائهم الزكية التي أهرقت قربة إليه جل وعلا فحري بها أن تلازم الإنسان المسلم في حله وترحاله وإقامته وتجاوله وتذكره دائما بما كتب عليها من معاني البطولة والفداء والبذل والعطاء وأن تكون نصب عينيه شاهدة عليه وكأنما تأخذ عليه البيعة كل يوم بالوفاء لتلك الدماء الطاهرة والالتزام بالخط الرسالي التضحوي الذي سلكه أصحابها الأبرار الذين قدموا أرواحهم قربانا إلي الله تبارك وتعالي. إن تربة

كربلاء هي رمز الجهاد الثوري الذي خاضه أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم في كفاحهم المرير ضد الظلم والاستكبار والفساد والانحراف. وهي رمز الاعتزاز بالإسلام دينا ومنهجا للحياة في مواجهة القوي الشيطانية التي تسعي إلي استئصاله وإقصائه بعيدا عن ساحة الوجود. كما أنها رمز الشجاعة والصمود في وجه الطغاة والمستبدين من أجل إحقاق الحق وتثبيت أركانه وإزهاق الباطل وتقويض بنيانه. [ صفحه 54] وما إلي ذلك من الدروس القيمة والعظات البالغة التي يجب إلي تغيب عن ذهن الإنسان المسلم أبد الدهر ومن هنا كانت قيمة تربة كربلاء المعنوية والعبرة من الارتباط بها والسجود عليها. ولذلك جاءت الأحاديث الشريفة لتعظم تلكم التربة الطاهرة وتشيد بفضلها. ودونك ما أخرجه ابن حجر الهيتمي في (صواعقه المحرقة) في الفصل الثالث من الباب الحادي عشر ص 192 حيث قال: - أخرج ابن سعد والطبراني عن عائشة أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: " أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل يعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه ". - أخرج أبو داود والحاكم عن أم الفضل بنت الحرث أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: " أتاني جبريل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا (يعني الحسين) وأتاني بتربة من تربة حمراء ". - وأخرج أحمد: " لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها فقال لي: إن ابنك هذا حسينا مقتول وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ". قال: " فأخرج تربة حمراء ". - وأخرج البغوي في (معجمه) من حديث أنس أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: " استأذن ملك القطر ربه أن يزورني فأذن له

وكان في يوم أم سلمة فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل أحد فبينا هي علي الباب إذ دخل الحسين فاقتحم فوثب علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فجعل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يلثمه ويقبله فقال الملك: أتحبه؟ قال: نعم. قال: إن أمتك ستقتله وإن شئت أريك المكان الذي يقتل به فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها قال ثابت: كنا نقول: إنها كربلاء ". - وأخرجه - أيضا - أبو حاتم في (صحيحه) وروي أحمد نحوه وروي عبد الحميد وابن أحمد نحوه - أيضا - لكن فيه أن الملك جبريل فإن صح [ صفحه 55] فهما واقعتان وزاد الثاني - أيضا - أنه صلي الله عليه وآله وسلم شمها وقال: ريح كرب وبلاء. (والسهلة - بكسر أوله -: رمل خشن ليس بالدقاق الناعم). وفي رواية الملا وابن أحمد في زيادة المسند: " قالت: ثم ناولني كفا من تراب أحمر وقال: إن هذا من تربة الأرض التي يقتل بها فمتي صار دما فاعلمي أنه قد قتل قالت أم سلمة: فوضعته في قارورة عندي وكنت أقول: إن يوما يتحول فيه دما ليوم عظيم ". وفي رواية عنها: " فأصبته يوم قتل الحسين وقد صار دما ". وفي رواية أخري: " ثم قال: (يعني جبريل): ألا أريك تربة مقتله؟ فجاء بحصيات فجعلهن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في قارورة قالت أم سلمة: فلما كانت ليلة قتل الحسين قائلا يقول: أيها القاتلون جهلا حسينا++ أبشروا بالعذاب والتذليل قد لعنتم علي لسان أبي داود++ موسي وحامل الإنجيل قالت:

فبكيت وفتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دما ". - أخرج ابن سعد عن الشعبي قال: " مر علي عليه السلام بكربلاء عند مسيره إلي صفين وحازي نينوي (قرية علي الفرات) فوقف وسأل عن اسم هذه الأرض فقيل: كربلاء فبكي حتي بل الأرض من دموعه ثم قال: دخلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو يبكي فقلت: ما يبكيك؟ قال: كان عندي جبريل آنفا وأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له " كربلاء " ثم قبض جبريل قبضة من تراب شمني إياه فلم أملك عيني أن فاضتا ". ورواه أحمد مختصرا عن علي عليه السلام قال: " دخلت علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم... " الحديث. وروي الملا أن عليا عليه السلام مر بقبر الحسين (أي موضعه) فقال: " ههنا مناخ ركابهم وههنا موضع رحالهم وههنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض ". وأخرج - أيضا - أنه صلي الله عليه وآله وسلم كان له مشربة (أي غرفة) ورحبتها (أي مرقاتها) في حجرة عائشة يرقي إليها إذا أراد لقاء جبريل فرقي إليها وأمر [ صفحه 56] عائشة أن لا يطلع عليها أحد فرقي الحسين ولم تعلم به فقال جبريل: من هذا؟ قال: ابني فأخذه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فجعله علي فخذه فقال جبريل: ستقتله أمتك. فقال صلي الله عليه وآله وسلم: ابني؟! قال: نعم وإن شئت أخبرتك الأرض التي يقتل فيها فأشار جبريل إلي الطف بالعراق فأخذ منها تربة حمراء فأراه إياها وقال: هذه من تربة مصرعه. - أخرج الترمذي أن أم سلمة رأت النبي صلي الله عليه وآله

وسلم (أي في المنام) باكيا وبرأسه ولحيته التراب فسألته فقال: قتل الحسين آنفا. وكذلك رآه ابن عباس نصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم يلتقطه فسأله فقال: دم الحسين وأصحابه لم أزل أتتبعه منذ اليوم فنظروا فوجدوه قد قتل في ذلك اليوم فاستشهد الحسين كما قال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم بكربلاء من أرض العراق بناحية الكوفة ويعرف الموضوع - أيضا - بالطف [58] . نقول: يتضح لنا - مما تقدم - مكانة تلك التربة الطاهرة ومدي اهتمام النبي صلي الله عليه وآله وسلم والملائكة والملأ الأعلي بها وما ذلك إلا تنويها بعلو شأنها وجلالة قدرها ولذا كان إخواننا الشيعة يستحبون السجود عليها في صلواتهم لما اختصت به من ميزات وفضائل معنوية. وتجب الإشارة هنا إلي أن ذلك ليس من الفرض المحتم عندهم ولا من واجبات الشرع والدين ولا يلتزمون به في ما بينهم بل إنه من قبيل الاستحسان والاستحباب فحسب. أما الأصل الواجب فهو السجود علي أي شئ طاهر يصح السجود عليه وفقا للسنة المطهرة كما قدمنا آنفا وبالله التوفيق. [ صفحه 57]

الاذان

إن الأذان يعبر عن النداء المتكرر الذي يوجه إلي الأمة الإسلامية لجمع أفرادها من أجل أداء الصلوات المفروضة إذ هو وسيلة إعلام مستقلة للمؤمنين لإعلامهم بدخول وقت الصلاة تميزا عن غيره من أساليب الإعلام الأخري التي تستخدمها الملل المختلفة وهو يتضمن بين مقاطعه أهم الأركان العقائدية والأصول الدينية مثل: التوحيد والشهادة بالرسالة والإقرار بالنبوة والتكبير والتهليل وصرخات إعلاء كلمة الله وإفراده بالخلق والتدبير التي تشرح صدور المؤمنين وتشمئز منها قلوب المنافقين. قال تعالي: (وإذا ناديتم إلي الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) [المائدة /

58]. والأذان - من حيث المبدأ - قد اتفقت عليه الأمة الإسلامية قاطبة بيد أنه قد وقع تفاوت بسيط بين إخواننا الشيعة الإمامية وإخواننا أهل السنة حول نقطتين: الأولي: كيفية بدء مشروعيته. الثانية: بعض الألفاظ والمقاطع التي يتضمنها. وبالرغم من كونه مجرد وسيلة إعلام بدخول الصلاة ولا يشكل خلافا جوهريا إلا أنه لا بأس من القاء بعض الضوء علي هاتين النقطتين حتي تتضح الرؤية ويرتفع اللبس وسوء الفهم. أما في ما يتعلق بالنقطة الأولي فقد ذكر في أصل مشروعية الأذان قضية حاصلها أن عبد الله بن زيد رأي ليلة - في ما يراه النائم - شخصا علمه الأذان [ صفحه 58] والإقامة فلما انتبه قبل الفجر قص الرؤيا علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فأمره أن يلقن بلالا ما حفظه في تلك الرؤيا وأمر بلالا أن ينادي به أول الفجر ففعلا ذلك وشرع الأذان بهذه الرؤيا. أخرج مالك في (الموطأ) باب: بدء الأذان بسنده عن يحيي بن سعيد أنه قال: " كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد أراد أن يتخذ خشبتين يضرب بهما ليجتمع الناس للصلاة فأري عبد الله بن زيد الأنصاري خشبتين في النوم فقال: إن هاتين لنحو مما يريد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقيل له: ألا تؤذنون للصلاة؟ فأتي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حين استيقظ فذكر له ذلك فأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالأذان " [59] وهذه القضية لا يقرها إخواننا الشيعة فهم يعتقدون أن الأذان من أمور الشرع التوقيفية التي أوحي بها إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من قبل ربه وأمر بتبليغها للناس ليعملوا بها وليس

العكس. نعم هناك السنة التقريرية حيث إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقر عملا قام به واحد من الأمة كان يصوب عمل رجل يكدح من أجل عيشه أو يحسن عمل رجل قام بزرع نخلة وما إليه. ومع ذلك فإن هذه الأشياء لها أصل قد جاء به الشرع الحنيف. أما بالنسبة إلي الأذان فإنه ليس من مصاديق ذلك لأنه يتعلق بالوحي والتشريع لا سيما عند اعتباره من الأمور العبادية المحضة المنوطة بالشارع المقدس وحده. أما في ما يتعلق بالنقطة الثانية وهي مسألة ألفاظ الأذان ومقاطعه فعند إخواننا أهل السنة ألفاظ الأذان كالآتي: الله أكبر الله أكبر مرتين أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمد رسول الله مرتين [ صفحه 59] حي علي الصلاةمرتين حي علي الفلاحمرتين الله أكبر الله أكبرمرة لا إله إلا اللهمرة وفي أذان الصبح يضاف مقطع " الصلاة خير من النوم " مرتين بعد مقطع " حي علي الفلاح " وهو ما يعرف بالتثويب. فقد أخرج الدارقطني في (سننه) بسنده عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه قال لمؤذنه: " إذا بلغت " حي علي الفلاح " في الفجر فقل: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم " [60] وفي لفظ مالك: أنه بلغه أن المؤذن جاء إلي عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائما فقال: " الصلاة خير من النوم " فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح " [61] . قال الدهلوي في شرح (الموطأ): " وعليه أكثر أهل العلم ". أما عند إخواننا الشيعة فإن ألفاظ الأذان كما يأتي: الله أكبر الله أكبرمرتين أشهد أن لا إله إلا اللهمرتين أشهد أن محمد رسول

اللهمرتين حي علي الصلاةمرتين حي علي الفلاح مرتين حي علي خير العملمرتين الله أكبر الله أكبرمرة لا إله إلا اللهمرتين [ صفحه 60] هذه هي ألفاظ الأذان الشرعية الواجبة عندهم. ويستحب الإتيان بقول: " أشهد أن عليا ولي الله " علي سبيل التبرك والاستحسان الزائد لا بوصفه جزءا من ألفاظ الأذان ومقاطعه. وهنا يطرأ سؤالان: الأول: هل هناك دليل علي هذا المقطع " حي علي خير العمل "؟ الثاني: هل هناك مسوغ لاستحباب قول: " أشهد أن عليا ولي الله "؟ أما بالنسبة للسؤال الأول فقد أجابوا بأن الروايات الصحيحة المتضافرة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام تؤكد أن مقطع " حي علي خير العمل " هو جزء من ألفاظ الأذان الشرعية وقد تظاهرت الأحاديث المتواترة من طرقنا بذلك. كما أن هناك بعض الإشارات في كتب أهل السنة تدل علي أن هذا المقطع كان موجودا في الأذان ولكنه قد أسقط اجتهادا وتأولا حيث كان القائمون بالأمر يرغبون في إعلام العامة بأن خير العمل إنما هو الجهاد في سبيل الله ليشتاقوا إليه وتعكف هممهم عليه والنداء علي الصلاة بخير العمل في كل يوم خمس مرات ربما ينافي ذلك. بل ربما رأوا أن في بقاء هذه الكلمة في الأذان تثبيطا للعامة عن الجهاد إذ لو عرفوا أن الصلاة خير العمل مع ما فيها من السلامة وعدم المخاطرة لاقتصروا في ابتغاء الثواب عليها وأعرضوا عن خطر الجهاد المفضول بالنسبة إليها وكانت همة القائم بالأمر - يومئذ - عمر بن الخطاب (ره) متجهة إلي تبليغ رسالة الإسلام ودعوة بقية الدول والشعوب إليه. ولا شك أن ذلك لا يكون إلا بتشويق الجنود إلي خوض الغمار في سبيل الدعوة بحيث يقبلون

علي الجهاد معتقدين بأنه خير العمل يوم المعاد ولذا قد ترجحه في نظره إسقاط هذه الكلمة تحقيقا للمصلحة المطلوبة كما أن [ صفحه 61] ذلك لن يخل بالأذان في أداء دوره بوصفه وسيلة إعلام بالصلاة فحسب فقال وهو علي المنبر كما نص عليه الإمام القوشجي في أواخر مبحث الإمامة من (شرح التجريد) وهو من أئمة المتكلمين علي مذهب الأشاعرة: " ثلاث كن علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأنا أنهي عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن وهي: متعة النساء ومتعة الحج وحي علي خير العمل ". ثم عرض القوشجي مسوغات هذا الاجتهاد مع اعترافه به. وتبعه في إسقاطها عامة من تأخر من المسلمين في ما عدا أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم فإن " حي علي خير العمل " من مقاطعهم في الأذان كما هو بديهي في مذهبهم حتي أن شهيد فخ الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين عليهم السلام لما ظهر بالمدينة أيام الطاغية الهادي من ملوك العباسيين أمر المؤذن أن ينادي بها ففعل وقد نص علي ذلك أبو الفرج الأصفهاني في كتابه " مقاتل الطالبيين " [62] . وذكر الحلبي في باب: بدء الأذان ومشروعيته: أن عبد الله بن عمر والإمام علي بن الحسين كانا يقولان في الأذان بعد " حي علي الفلاح ": " حي علي خير العمل " [63] . وربما يقول قائل: هل يجوز الاجتهاد في إسقاط المقطع من الأذان؟ والجواب: أن ذلك الاجتهاد كان يهدف إلي تحقيق مصلحة معينة دون الإخلال بطبيعة دور الأذان بوصفه وسيلة إعلام بالصلاة كما أن الذي سوغ الزيادة فيه هو الذي سوغ الإسقاط منه فها قد رأيت أنه قد زاد

" الصلاة خير من النوم " في صلاة الصبح وهذه الكلمة لا عين لها ولا أثر في ما هو مأثور عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من كيفية الأذان فراجع كتاب الأذان من (صحيح البخاري) وباب: صفة الأذان في أول كتاب الصلاة من (صحيح مسلم). [ صفحه 62] وفي تعليقه علي الخبر الذي أخرجه مالك في (الموطأ) أنه بلغه أن المؤذن جاء إلي عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائما فقال: " الصلاة خير من النوم " فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح قال الإمام الدهلوي " وعليه أكثر أهل العلم ". وبالرغم من ورد بعض الأخبار المرفوعة عن أبي محذورة والتي تفيد أن تلك الزيادة من النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلا أن الروايات الثابتة عن أبي محذورة في ألفاظ الأذان لا تتضمن هذه الزيادة ولعله اشتباه من الرواة فنسبوا ذلك إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي حين أن النسبة الصحيحة كانت إلي عمر (ره). ولذلك قال الشافعي في (الأم): " والأذان والإقامة كما حكيت عن آل أبي محذورة فمن نقص منها شيئا أو قدم مؤخرا أعاد حتي يأتي بما نقص وكل شئ منه في موضعه والمؤذن الأول والآخر سواء في الأذان ولا أحب التثويب في الصبح ولا غيرها لأن أبا محذورة لم يحك عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه أمر بالتثويب فأكره الزيادة في الأذان وأكره التثويب بعده " [64] . وعلي أية حال فإن إيراد " حي علي خير العمل " كفصل من فصول الأذان لا غضاضة فيه البتة بل هو أمر مرغوب فيه أوليست الصلاة هي عمود الدين وهي أول ما يسأل

عنه العبد يوم القيامة فإذا صلحت صلح سائر عمله وإذا فسدت فسد سائر عمله؟ وهي الركن الإسلامي والعبادة الوحيدة التي لم يرخص الشرع في تركها؟ كل ذلك يجعلها تتبوأ موقعا فريدا ومكانة متميزة في الإسلام تجعلها جديرة بأن تكون خير العمل وأحبه إلي الله تعالي. أما في ما يتعلق بالسؤال الثاني حول وجود مسوغ لاستحباب قول: " أشهد أن عليا ولي الله " أجابوا: أن مكانة أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب [ صفحه 63] الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا مكانة عظيمة راقية وأن مودتهم وموالاتهم واجبة علي سائر الأمة إذ يقول تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) [الشوري / 23] والقربي هم أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم الذين نشأوا في كنفه ورعايته. وفي ما يخص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه يحظي بمنرلة فريدة مرموقة ويتبوأ مكانة عظيمة متميزة فهو سيد العترة المحمدية وأبو الأئمة الأطهار عليهم السلام وأن ولايته مفروضة علي جميع المؤمنين كما جاء بذلك الكتاب المجيد والسنة المطهرة ففيه نزل قول الحق تبارك وتعالي في " سورة المائدة ": (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون - ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) [المائدة / 55 و 56] [65] . فقد أخرج الإمام الثعلبي في (تفسيره الكبير) عند بلوغه هاتين الآيتين بالإسناد إلي أبي ذر الغفاري قال: " سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بهاتين وإلا صمتا ورأيته بهاتين وإلا عميتا يقول: علي قائد البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله أما إني صليت مع رسول

الله صلي الله عليه وآله وسلم ذات يوم فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا وكان علي راكعا فأومأ بخنصره إليه وكان يتختم بها فأقبل السائل حتي أخذ الخاتم من خنصره فتضرع النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي الله - عز وجل - يدعوه فقال: اللهم إن أخي موسي سالك (قال رب اشرح لي صدري - ويسر لي أمري - واحلل عقدة من [ صفحه 64] لساني - يفقهوا قولي - واجعل لي وزيرا من أهلي - هارون أخي - اشدد به أزري - وأشركه في أمري - كي نسبحك كثيرا - ونذكرك كثيرا - إنك كنت بنا بصيرا) [طه / 25 - 35] فأوحيت إليه: (قد أوتيت سؤلك يا موسي) [طه / 36]. اللهم وإني عبدك ونبيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي اشدد به ظهري. قال أبو ذر: فوالله ما استتم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الكلمة حتي هبط عليه الأمين جبريل بهاتين الآيتين: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون - ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) ". فتأمل قوله تعالي: (إنما وليكم) الذي تصدر بأقوي أدوات القصر " إنما " بحيث يفيد حصر الولاية وقصرها إذ أن المقصود بالولاية هنا هو الولاية عن النفس والأولوية في التصرف علي غرار قوله تعالي: (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم) [الأحزاب / 6] وليست الولاية هنا بمعني النصرة أو المحبة كما زعم بعضهم وإلا فلا يصبح ثمة وجه للحصر كما لا يخفي. وكان الله - عز وجل - يريد أن يبين للمؤمنين: إنما

وليكم الأولي بكم من أنفسكم هو الله ورسوله وعلي فكما أن ولاية الله عامة فكذلك ولاية رسوله صلي الله عليه وآله وسلم وولاية الإمام علي عليه السلام علي ذات الأسلوب وبلا فرق. وهذه الآية الكريمة تثبت أن ولاية الإمام علي عليه السلام مفروضة علي جميع المؤمنين مثل ولاية رسول رب العالمين صلي الله عليه وآله وسلم بنص الكتاب المحكم المبين. ثم جاءت السنة المطهرة لتعضد ما جاء في الكتاب المجيد وتضفي عليه مزيدا من التأكيد فقد أخرج أبو داود الطيالسي - كما في أحوال علي من القسم الثالث من (الإستيعاب) لابن عبد البر - بالإسناد إلي ابن عباس قال: " قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب: أنت ولي كل مؤمن بعدي " [66] . [ صفحه 65] ومثله ما صح عن عمران بن حصين إذ قال: " بعث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سرية واستعمل عليهم علي بن أبي طالب فاصطفي لنفسه من الخمس جارية فأنكروا ذلك عليه وتعاقد أربعة عنهم علي شكايته إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فلما قدموا قام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر أن عليا صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه فقام الثاني فقال مثل ذلك فأعرض عنه وقام الثالث فقال مثل ما قال صاحباه فأعرض عنه وقام الرابع فقال مثل ما قالوا فأقبل عليهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والغضب يبصر في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟! إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي " [67] . وكذلك ما جاء عن ابن عباس عن بريدة قال: " غزوت مع العلي اليمن فرأيت منه

جفوة فلما قدمت علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يتغير فقال: يا بريدة ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقلت: بلي يا رسول الله. قال: من كنت مولا هذا علي مولاه " [68] . ومثله ما أخرجه ابن السكن عن وهب بن حمزة - كما في ترجمة وهب من (الإصابة) - قال: " سافرت مع علي فرأيت منه جفاء فقلت: لئن رجعت لأشكونه فرجعت فذكرت عليا لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقلت عنه فقال: لا [ صفحه 66] تقولن هذا لعلي فإنه وليكم بعدي ". وأخرجه الطبراني في (الكبير) عن وهب غير أنه قال: " لا تقل هذا لعلي فإنه أولي الناس بكم بعدي " [69] . وأخرج الطبراني وغيره بسند مجمع علي صحته عن زيد بن أرقم قال: " خطب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بغدير خم تحت شجرات فقال: أيها الناس يوشك أن أدعي فأجيب وأني مسؤول وأنكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وجاهدت ونصحت فجزاك الله خيرا فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته حق وأن ناره حق وأن الموت حق وأن البعث بعد الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلي نشهد بذلك. قال: اللهم اشهد ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولي المؤمنين وأنا أولي بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه [يعني عليا] اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال: يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون

علي الحوض حوض أعرض مما بين بصري إلي صنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضة وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين كيف تخلفوني فيهما كتاب الله عز وجل سبب طرفه بيد الله تعالي وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا وعترتي أهل بيتي فإنه قد نباتي اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتي يردا علي الحوض " [70] . وعن البراء بن عازب قال: " كنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فنزلنا بغدير خم فنودي فينا: الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تحت شجرتين فصلي [ صفحه 67] الظهر وأخذ بيد علي فقال: ألستم تعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي. قال: ألستم تعلمون أني أولي بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلي. قال: فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال: فلفيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولي كل مؤمن ومؤمنة " [71] . هذا الحديث يعرف بحديث الغدير وقد قال ابن كثير - كما في مقدمة (تاريخ الطبري) ط 1 دار المعارف -: رأيت للإمام الطبري كتابا جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين. وقال فيه ابن حجر الهيثمي: إنه حديث صحيح لا مرية فيه وقد أخرجه جماعة كالترمذي وأحمد وطرقة كثيرة جدا ومن ثم رواه ستة عشر صحابيا وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي صلي الله عليه وآله وسلم ثلاثون صحابيا. فراجع ما ذكره في الشبهة الحادية عشرة من (صواعقه ص 42). وهذا الحديث قد قاله النبي صلي الله عليه وآله وسلم عند عودته من حجة

الوداع فنزل بغدير يقال له " خم " بين مكة ومدينة فجمع الناس ثم قام فيهم خطيبا فقال: " ألستم تشهدون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي. فأخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ". فاقبل علي هذا الحديث بقلبك وتدبره بلبك وتأمل مقاصده وانظر أي منزلة عظيمة وأي مكانة مرموقة قد حباها الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم لسيد العترة الطاهرة وأبي الأئمة الميامين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ألا وهي الولاية العامة علي جميع المؤمنين. [ صفحه 68] وفي يوم الغدير - هذا - نزل قوله تعالي في " سورة المائدة " الآية 67: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس...) [72] . وفي هذه الآية المباركة قد جاء الأمر الأكيد في ما يشبه الوعيد من رب العرش المجيد إلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم بتبليغ ولاية الإمام علي عليه السلام إلي الناس كافة. وإلا فإن " سورة المائدة " كانت آخر سورة نزلت من القرآن والشرائع والأحكام قد اكتملت والحلال بين والحرام بين فما هو هذا الأمر العظيم الذي شدد الله علي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم في تبليغه للناس بحيث إن التقاعس عن تبليغه أو التهاون في أدائه يعدل عدم تبليغ الرسالة كلها؟! إن هذا الأمر الخطير الذي أنزل من عند الله - سبحانه - هو ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام المفروضة علي كل مؤمن ومؤمنة والتي صدع بها الرسول الأعظم صلي

الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم علي رؤوس الأشهاد يشيد بها ويعلنها حقيقة واقعة بين تلك الجموع الحاشدة والأعداد البشرية الكبيرة عند عودته من حجة الوداع وأكد علي أهميتها وضرورة الالتزام بها. وقد قال حسان بن ثابت في هذا اليوم المهيب: يناديهم يوم الغدير نبيهم++ بخم واسمع بالرسول مناديا وقال: فمن مولاكم ووليكم؟++ فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا: إلهك مولانا وأنت ولينا++ ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا [ صفحه 69] فقال لهم: قم يا علي فإنني++ رضيتك من بعدي إماما وهاديا فمن كنت مولاه فهذا وليه++ فكونوا له أنصار صدق مواليا هناك دعا: اللهم وال وليه++ وكن للذي عادي عليا معاديا فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " لا تزال - يا حسان - مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ". هذه الولاية العامة التي افترضها الله في كتابه والتي صدع بها الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وأعلنها علي رؤوس الملأ في ذلك اليوم المشهود هي التي دفعتنا علي استحباب الإشادة بها وإعلانها كل يوم مع الأذان مثلما أعلنها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي مسامع الأمة وقد شدد الله عليه في تبليغها بحيث إن عدم القيام بذلك يعادل عدم تبليغ الرسالة بأجمعها ولهذا فإن إعلان تلك الولاية في الأذان ما هو إلا بمثابة تبليغ لها وإعلام بها وتأكيد علي عظيم شأنها حتي تكون الأمة علي دراية بها كما أنزلها الله في كتابه وأمر بها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وعلي أية حال فإن الشهادة بالولاية - كما أومأنا من قبل - ليست من فصول الأذان الجزئية ولكن يؤتي بها علي سبيل الاستحباب والاستحسان لما

تقدم وأما من لم يأت بها فلا شئ عليه البتة وأذانه صحيح مائة بالمائة. هذا وبالله التوفيق. [ صفحه 71]

زواج المتعة

الزواج أمر هام ندب إليه الشرع المقدس وحث علي المبادرة إليه عند القدرة عليه لأنه يحفظ أخلاق الفرد والجماعة ويصون الأعراض من الانتهاك والشبهة ويمنع الوقوع في الفتن والرذائل ويحول دون ارتكاب الشذوذ والفحشاء وما إليها من المنكرات وبذلك يحتفظ المجتمع بنقاء فطرته وسلامة طبائعه ويصبح مجتمعا فاضلا متحليا بمكارم الأخلاق وهذا بدوره سوف ينعكس علي نظامه وآدابه ومدي تماسكه. قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج " [73] (الباءة: القدرة علي الزواج). وأن الإنسان الذي يقبل علي الزواج يرمي إلي تحقيق غرضين: الأول: الحافظ علي عفته وسلامة عرضه وعصم نفسه عن مقارفة الإثم والفحشاء وإشباع غريزته الفطرية التي استودعه الله إياها من خلال القناة الشرعية التي حددها له خالقه وهذا الغرض يعرف (بالغرض الغريزي). الثاني: تحقيق الاستقرار العائلي وتكوين الأسرة وإنجاب الأولاد نظرا لتعلق الإنسان فطريا بالجو العائلي ورغبته الحثيثة في إيجاد الأولاد إذ أنهم يسدون فراغا نفسيا في حياته ويحملون اسمه ومبادئه من بعده ويصونون ثروته ويكثرون قلته وما إلي ذلك مما ينشده المرء من وراء إنجاب الأولاد وهذا الغرض يعرف (بالغرض العائلي). [ صفحه 72] وهذا الغرض الأخير (العائلي) يحتاج إلي قدرة صحية ومالية معينة فقد يكون الشخص عقيما أو لا قدرة له علي الإنجاب وقد لا يتوفر عنده القدر الكافي من المال اللازم لمواجهة نفقات الأسرة وسد احتياجاتها وهذا العجز في الإمكانات ربما يحول دون تحقيق هذا الغرض لأنه مرتبط بها ويمكن للفرد أن يتنازل

عنه بسهولة إلي حين أن يتيسر له تحقيقه. أما بالنسبة للغرض الأول فإنه يتعلق بإشباع الغريزة الفطرية التي تصاحب المرء وتلازمه كأحد مكوناته الأساسية ما دام علي قيد الحياة وهذا (الجانب الغريزي) لا يتوقف علي القدرة الصحية والمالية التي يتطلبها (الجانب العائلي) كما أنه لا يمكن إرجاؤه أو التغاضي عنه أو إهماله لأنه يلازم الإنسان ويشكل مطلبا ضروريا نابعا من طبيعة تكوينه مثل: الأكل والشرب والنوم وسائر الغرائز الفطرية التي تحكم سلوكه اللاإرادي. ولذلك إذ أمكن إرجاء (الجانب العائلي) إلي حين توفر القدرة والإمكانات لتحقيقه إلا أن ذلك لا يتيسر بسهولة بالنسبة (للجانب الغريزي) لأنه يجري من المرء مجري الدم إذا ما هو العلاج الذي يمكن وصفه في هذه الحالة؟ هناك عدة أساليب مقترحة: أولا: أن يتسامي الفرد بهذا (الجانب الغريزي) وينبذه وراء ظهره ويحصر اهتمامه في الروحانيات بحيث يفقد قابلية الاستجابة لعوامل إثارة الشهوة ودواعيها وبالتالي يضل هادئا وادعا لا يرد علي ذهنه أمر إشباع تلك الغريزة غير أن هذا الأسلوب لا يتوفر لكل إنسان فإذا استطاع شخص ما أن يتسامي بغرائزه ويرقي بمشاعره فهناك غيره ممن لا يستطيع ذلك بل إن هذا المستطيع قد لا تتسع قدرته علي الدوام وفي جميع الظروف والأحوال لأن الشهوة أمر غريزي فطري والمرء مجبول عليه وأن تكليفه بذلك يعد تكليفا فوق طاقته قال تعالي: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) [البقرة / 286]. [ صفحه 73] ثانيا: أن يكبت المرء غرائزه ويحبسها بداخله ويميت شهوته ويقهر مشاعره الغريزية ولا يسمح لها بالظهور مطلقا وهذا - أيضا - لا يمكن تحقيقه بصورة كاملة لأنه من قبيل تعطيل المشاعر الفطرية وهذا مستحيل. كما أنه قد يؤدي إلي الإصابة بالأمراض

النفسية والعصبية. كذلك فإن محاولة فرض حالة من الانضباط علي غرائز الإنسان غير ممكنة لجميع البشر ومن المحتمل أن يأتي وقت ما علي الإنسان يفلت منه الزمام ويقوده ذلك إلي الشذوذ وارتكاب الفحشاء وهذا لا يرضي به الشرع أبدا. ثالثا: تصيير صورة معينة للزواج تختص بإشباع (الجانب الغريزي) بصورة طبيعية فطرية بحيث لا تتوقف علي الإمكانات والقدرات الكبيرة نسبيا التي يتطلبها (الجانب العائلي) وهذه الصورة المنشودة من واقع الفطرة ترمي إلي إشباع شهوة الإنسان وسد حاجته الغريزية علي نحو طبيعي وفي إطار مشروع بحيث يحول ذلك دون كبت مشاعره ووقوعه في دائرة الشذوذ والانحراف. ولذلك قد شعر الله سبحانه - العالم بعباده - هذه الصورة رفقا بخلقه ورحمة بعباده وانسجاما مع غرائزهم التي استودعهم إياها وإشباعا لنوازعهم الفطرية وصيانة لأعراضهم من الدنس والرذيلة وحفظا لحالة التوازن الشعوري داخل أنفسهم. تلك الصورة من الزواج هي ما أطلق عليها الشرع المقدس " زواج المتعة " أو بتعبير آخر " الزواج المؤقت " وهذه الصورة تعد زواجا طبيعيا مشروطا بمدة معينة بحيث تؤدي إلي سد الحاجة الغريزية وإشباع الشهوة الفطرية عند عدم توفر الإمكانات التي يتوقف عليها الزواج الدائم ذو الطابع العائلي كما أن الزواج المؤقت قد عمل علي حل كثير من مشكلات العقم والترمل والعزوبة والغربة والسفر وما إلي ذلك من الظروف والأحوال التي قد تحول دون إتمام الزواج الدائم وتهيئة المناخ المناسب له وتحقيق الأغراض المتوخاة منه. [ صفحه 74] طبيعة الزواج المتعة حقيقة هذا الزواج أن يتزوج المرأة الحرة الكاملة المسلمة أو الكتابية بحيث لا يكون عنده مانع شرعي في دين الإسلام عن نكاحها من نسب أو مصاهرة أو إحصان أو عدة أو غير ذلك

من الموانع الشرعية ككونها معقودا عليها من قبل أحد آبائه وإن كان طلقها أو مات عنها قبل الدخول بها أو أختا لزوجته مثلا أو نحو ذلك. تقوم هذه المرأة بتزويج نفسها إلي هذا الشخص في مقابل مهر معين إلي أجل معين بعقد زواج جامع لشرائط الصحة الشرعية لا يوجد به أي مانع شرعي - كما أشرنا من قبل - فتقول له بعد تبادل الرضا والاتفاق بينهما: زوجتك أو: أنكحتك أو: متعتك نفسي بمهر قدره كذا لمدة كذا ثم تحدد المدة المتفق عليها بالضبط فيقول هو لها علي الفور: قبلت. وتجوز الوكالة في هذا العقد من كلا الزوجين كغيره من العقود وبعد ذلك تكون زوجة له وهو زوجا لها إلي منتهي المدة المذكورة في العقد وبمجرد انتهائها تنفصل عنه من غير طلاق كالإجارة ومن حق الزوج أن يفارقها قبل انتهائها بأن يهبها المدة المحددة ويتنازل عن استكمالها معها بغير طلاق أيضا - عملا بنصوص خاصة حاكمة بذلك - ويجب عليها مع الدخول بها وعدم بلوغها سن اليأس الشرعي أن تعتد بعد هبة المدة أو انقضائها بحيضتين حتي يستبرئ ما في رحمها إن كانت ممن تحيض وإلا فبخمسة وأربعين يوما كالأمة عملا بأدلة خاصة تحكم بذلك. فإذا وهبها المدة أو انقضت قبل أن يمسها فما له عليها من عدة كالمطلقة قبل المس والبالغة سن اليأس وإن كانت حاملا في زواج المتعة فأجلها أن تضع حملها مثل المطلقات في الزواج الدائم. أما عدة المتوفي عنها زوجها في زواج المتعة فهي تماما عدة المتوفي عنها زوجها في الزواج الدائم مطلقا سواء اكان مدخولا بها أم لا وسواء كانت حبلي أم لا وعدة الحبلي إذا مات [ صفحه 75] عنها

زوجها في كلا النوعين من الزواج هي أبعد الأجلين وهما: وضع الحمل أو مضي المدة وهي أربعة أشهر وعشر بعد علمها بموت الزوج. والوالد الناشئ عن زواج المتعة ذكرا كان أو أنثي يلحق بأبيه ولا يدعي إلا له كغيره من الأبناء والبنات وله الحق في الميراث كما أوصي الله سبحانه بقوله: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين...) [النساء / 11]. ولا فرق بين الأولاد الناشئين عن زواج المتعة والآخرين الناشئين عن الزواج الدائم من حيث الحقوق والواجبات وجميع العمومات الشرعية الواردة في الأبناء والآباء والأمهات شاملة لجميع أبناء المتعة وآبائهم وأمهاتهم وكذلك القول في العمومات الواردة من الإخوة والأخوات وأبنائهم والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأبنائهم (وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله) [الأنفال / 75] مطلقا. نعم زواج المتعة بمجرده لا يوجب توارثا بين الزوجين ولا ليلة ولا نفقة للمتمتع بها وليس لها سوي المهر المتفق عليه فحسب وللزوج أن يعزل عنها بدون إذنها عملا بأدلة خاصة تخصص العمومات الواردة في هذه الأمور من أحكام الزوجات. هذه هي طبيعة نكاح المتعة وحقيقته وهناك تفصيلات أخري أعرضنا عن ذكرها يمكن الرجوع إليها في مظانها من كتب الفقه الإمامي. إجماع الأمة علي مشروعيته أجمعت الأمة الإسلامية بمختلف مذاهبها علي أن هذا النكاح قد شرعه الله تعالي في دين الإسلام واعتبرته من الضرورات الثابتة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم. ومن استقرا الفقه الإسلامي وجد أن الفقهاء قد أجمعوا علي أصل مشروعيته لكنهم اختلفوا في ما بينهم حول استمرارية بقاء هذا الزواج مشروعا فهل بقي كذلك كما هو عليه أو طرا عليه ناسخ أبطل مشروعيته؟ هذا ما سوف نبحثه إن شاء الله. [ صفحه

76] مشروعية زواج المتعة في القرآن حسبنا حجة في مشروعية زواج المتعة قول الله تعالي في " سورة النساء " الآية 24: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم في ما تراضيتم به من بعد الفريضة...). فقد أجمع أئمة أهل البيت عليهم السلام علي نزولها في نكاح المتعة وكان أبي ابن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير والسدي يقرؤونها " فما استمعتم به منهن إلي أجل مسمي فآتوهن أجورهن فريضة... " [74] . وقال مجاهد في هذه الآية: (فما استمتعتم به منهن): يعني نكاح المتعة [75] . ويشهد لذلك أن الله - سبحانه - قد بين في أوائل هذه السورة حكم النكاح الدائم بقوله تعالي: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع...) إلي أن قال: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) [النساء / 3 و 4]. وأن من تدبر القرآن الكريم وجد أن " سورة النساء " قد اشتملت علي بيان أنواع الزواج المختلفة في الإسلام فالزواج الدائم وملك اليمين تبينا بقوله تعالي: (فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم). ونكاح الإماء مبين بقوله تعالي: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن وآتوهن أجورهن [ صفحه 77] بالمعروف...) [النساء / 25] وزواج المتعة مبين بالآية المختصة به (.. فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة...). مشروعية زواج المتعة في السنة أخرج البخاري ومسلم في (صحيحيهما) عن عبد الله بن مسعود قال: " كنا نغزو مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وليس لنا نساء

فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلي أجل ثم قرأ علينا: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) [المائدة / 87] [76] . ولا يقعن في روعك أن نكاح المتعة لم يكن مباحا وأن ظروفا خاصة هي التي أوجدته بدليل أنهم استأذنوا النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الاستخصاء فنهاهم عنه ورخص لهم في المتعة كما ذهب إليه بعضهم. والحاصل أنه كان مباحا شرعا لكنه يبدوا من ظاهر الحديث أنهم كانوا يتورعون عنه ويتنزهون عن فعله فأكد لهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه حلال شرعا لا شائبة فيه وأن تنزههم هذا في غير موضعه وليس من الدين في الشئ بدليل تلاوته الآية المباركة عليهم: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين). وما أشبه فعلهم بما قالته عائشة: " صنع النبي صلي الله عليه وآله وسلم شيئا ترخص فيه وتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه وآله وسلم فحمد الله ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشئ أصنعه؟! فوالله إني أعلمهم بالله وأشدهم له خشية " [77] . إن تلاوة النبي صلي الله عليه وآله وسلم لهذه الآية المباركة عن تأكيده علي إباحة نكاح المتعة تفيد عدة أمور: [ صفحه 78] أولا: إنها تثبت أن نكاح المتعة من الطيبات التي جعلها الله حلالا لعباده المؤمنين وأمرهم بها وحثهم عليها كما جاء في قوله تعالي في صفة النبي صلي الله عليه وآله وسلم: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم

في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث...) [الأعراف / 157]. ثانيا: إن التنزه عن فعله والابتعاد عنه يعد من قبيل الترفع عن شئ شرعه الله تعالي وجعله حلالا لعباده المؤمنين وكان صاحبه أعلم بقواعد المصلحة وأصول التشريع من الله عز وجل!! ثالثا: إن ادعاء تحريمه يعد اعتداء علي سلطان الله جل وعلا لأنه بمثابة تحريم ما أحله الله من المباحات لعباده المؤمنين كما أنه يقتضي إخراج نكاح المتعة من دائرة الطيبات وإدخاله في دائرة الخبائث مصداقا لقوله تعالي: (... ويحل لهم الطيبات ويحرم عنهم الخبائث) وهذا يناقض بصورة واضحة ما جاء في الحديث الشريف الذي أثبت أن نكاح المتعة من الطيبات التي شرعها الله فكيف يكون التحريم؟! - أخرج البخاري ومسلم - أيضا - في باب: نكاح المتعة من (صحيحيهما) عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: " خرج علينا منادي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد أذن لكم أن تستمتعوا يعني: متعة النساء ". - وفي رواية لمسلم عن سلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله " أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أتانا فأذن لنا في المتعة ". - وفي رواية للبخاري عن سلمة بن الأكوع عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: " أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا ". وهذه الأحاديث تثبت أن نكاح المتعة حلال قد شرعه الله - سبحانه - بدليل أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم يكتف بإرسال مناديه ليبشر بذلك

حتي قام هو [ صفحه 79] بنفسه ليؤكد علي مشروعيته وإباحته. وبذلك يكون قد ثبت لدينا بالدليل القطعي اليقيني من القرآن والسنة أن زواج المتعة حلال شرعا ومن يدعي أنه قد نسخ بعد ذلك فيلزمه أن يأتي بالدليل القطعي اليقيني فإن المباحات اليقينية لا يمكن أن تنسخ بالدلائل الظنية بل يجب أن يكون ذلك بالدلائل القطعية التي لا تقبل الشك. أدلة القائلين بالنسخ والآن ننظر إلي الأدلة التي أوردها القائلون بالنسخ: - قالوا: إن هذه الآية: (.. فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم في ما تراضيتم به من بعد الفريضة) لا يقصد بها نكاح المتعة ولكن المقصود بالاستمتاع هنا هو الدخول بالزوجة والمقصود بالأجور هو استقرار تمام المهر لها بعد الدخول. والجواب علي ذلك: أولا: إن الروايات الصحيحة عن ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والسدي ومجاهد أثبتت بالآية هو نكاح المتعة حتي قرؤوها: ".. فما استمتعتم به منهن إلي أجل مسمي فآتوهن أجورهن فريضة.. " وقد ادعي الرازي الإجماع علي هذه القراءة الصحيحة. ثانيا: لن لفظ الاستمتاع أعم من الدخول ويندرج تحته اللمس والنظر بشهوة وما إلي ذلك وهذا يقتضي أن إيتاء المهر مشروط بالاستمتاع بيد أن ذلك غير حاصل إذ أن المرأة إذا طلقت قبل أن يراها زوجها فقد وجب لها نصف المهر. والغريب في هذا الصدد أن بعضهم زعم أن العقد بمجرده يعد مصدر استمتاع للرجل!! ثالثا: إنه إذا كان للفظ حقيقة شرعية ومعني لغوي ثم ورد في القرآن فإنه يحمل علي الحقيقة الشرعية - كما هو مقرر في محله - مثل: الصلاة والصيام والزكاة وغيرها وكذلك الأمر هنا بالنسبة لنكاح المتعة. [ صفحه 80] رابعا:

إنه لو فرض جدلا أن المقصود (بالاستمتاع) هو الدخول وأن المقصود (بالأجور) هو تمام المهر وأن المقصود (بالتراضي من بعد الفريضة) هو التفاهم حول النقصان منه والتغاضي عن بعضه عن طيب خاطر فإن الحكم المستفاد من هذه الآية - حينئذ - يكون هو الحكم ذاته المذكور في أوائل السورة نفسها في قوله تعالي: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) [النساء / 4]. فما معني تكرار الحكم نفسه في آية أخري بعدها بقليل في السورة ذاتها مع قيام الأدلة القاطعة علي أن المقصود بالآية الأخيرة حكم آخر مختلف يتعلق بنكاح المتعة؟! - قالوا: إن الذي نسخ آية المتعة هو قوله تعالي في [سورة المؤمنون / 5 و 6]: (والذين هم لفروجهم حافظون - إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين). وأن المتمتع بها ليست بزوجة ولا ملك يمين إذا فلا يجوز إباحته بعد هذه الآية. فأما كونها ليست بملك يمين فهذا أمر متفق عليه وأما كونها ليست بزوجة فلأنها لا إرث لها ولا نفقة ولا ليلة ولا طلاق.. والجواب علي ذلك: أولا: إنها زوجة شرعية بعقد نكاح شرعي - كما ذكرنا - وعدم النفقة والإرث والليلة والطلاق فإنما هو لأدلة خاصة خصصت العمومات الواردة في أحكام الزوجات كما أشرنا سابقا. ثانيا: إن هذه الآية الواردة في سورة " المؤمنون " مكية نزلت قبل الهجرة بالاتفاق فلا يمكن أن تكون ناسخة لإباحة المتعة المشروعة في المدينة بعد الهجرة الإجماع. ومن عجيب أمر هؤلاء المتكلفين أن يقولوا بأن آية " المؤمنون " ناسخة لمتعة النساء إذ ليست بزوجة ولا ملك يمين فإذا قلنا لهم: ولماذا لا تكون

[ صفحه 81] ناسخة لنكاح الإماء المملوكات لغير الرجل الذي يريد أن ينكحهن وهن - في هذه الحال - لسن بزوجات لهذا الرجل ولا بملك له؟! قالوا حينئذ: إن سورة " المؤمنون " مكية ونكاح الإماء المذكورات إنما شرع بقوله تعالي في سورة " النساء " الآية 25 وهي مدينة: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات..) والمكي لا يكون ناسخا للمدني لوجوب تقدم المنسوخ علي الناسخ. قلنا: فإن الحال هنا كذلك بالنسبة لنكاح المتعة. ثالثا: إن الزوجة لم يجب لها الميراث ويقع بها الطلاق من حيث كونها زوجة فقط وإنما حصل لها بصفة تزيد علي الزوجية والدليل علي هذا أن الأمة إذا كانت لا ترث والزوجة القاتلة لا ترث والذمية لا ترث وهؤلاء زوجات وقع ذلك نظرا لأحوالهن الخاصة وكذلك الأمر بالنسبة للطلاق فإن الأمة المبيعة يتم فراقها بغير طلاق والملاعنة أيضا تبين بغير طلاق وكذلك المختلعة والمرتد عنها زوجها والمرضعة قبل الفطام بما يوجب التحريم من لبن الأم والزوجة حينئذ تبين بغير طلاق وجميع هؤلاء - أيضا - زوجات في الحقيقة أما بالنسبة للنفقة فإنها لا تجب مع النشوز وهذه حالة خاصة للزوجة وكذلك الوضع هنا بالنسبة للمتمتع بها التي تمثل حالة خاصة من الزوجات. هذا في ما يتعلق بادعاء نسخ آية المتعة بآيات مثلها من القرآن وقد علمت بطلانه وعدم قيام الحجة به. والآن ننظر في ادعاء نسخ الآية بالأخبار الواردة في ذلك: قبل أن نخوض في بحث هذه الأخبار ومناقشتها نورد الملاحظات الآتية: أولا: إنها لأخبار آحاد ظنية لا توجب علما ولا عملا ومعلوم يقينا أن القرآن لا ينسخ بخبر الواحد بالإجماع.

[ صفحه 82] ثانيا: إن هذه الروايات والأخبار قد تناقضت وتعارضت مع بعضها فمنها ما يدل علي أن النسخ كان في غزوة خيبر أي في المحرم من السنة السابعة للهجرة ومنها ما يدل علي أن النسخ كان في فتح مكة أو غزوة أوطاس وكلاهما في العام الثامن للهجرة الأول في شهر رمضان والثانية في شوال من العام نفسه ومنها ما يدل علي أن النسخ كان في غزوة تبوك أي في رجب من السنة التاسعة للهجرة ومنها ما يدل علي أن النسخ كان في حجة الوداع أي في العام العاشر للهجرة وهذا يستلزم أن تكون قد نسخت سبع مرات - كما نقله القرطبي في (تفسيره) عند بلوغه الآية - في مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات!! فهل يمكن بعد ذلك الاطمئنان إلي تلك الأخبار المتضاربة والركون إليها؟ وهل هذه طريقة يعتد بها في نسخ أحكام الله التي ثبتت يقينا مشروعيتها بالكتاب والسنة؟! ثالثا: إن هذه الأخبار الدالة علي النسخ قد عارضتها أخبار أخري تدل علي استمرارية نكاح المتعة ودوام حليته وهذا يؤدي إلي إسقاط تلك الأخبار وعدم اعتبارها. رابعا: إن ذلك يجعلنا نشك في صحة نسبتها إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم ويقودنا إلي البحث عن مصدر النسخ الذي ادعاه بعضهم وكيف ذاع أمره وشاع ذكره. الروايات الدالة علي النسخ وفي ما يأتي نستعرض بعض الروايات الواردة في هذا الشأن: فمنها الحديث المنسوب إلي الإمام علي عليه السلام " أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نهي عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الأنسية " [78] . [ صفحه 83] وهنا ارتبك القائلون بنسخ نكاح المتعة ارتباكا شديدا أمام هذا الحديث لأنهم

يعلمون يقينا أنهم ظل مباحا إلي ما بعد زمن خيبر وهذا يتعارض مع دلالة الحديث ولذلك حكي البيهقي عن الحميدي أن سفيانا كان يقول: " إن قوله في الحديث " يوم خيبر " يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة "!! وذكر السهيلي أن ابن عيينة روي عن الزهري بلفظ " نهي عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر وعن المتعة بعد ذلك أو في غير ذلك اليوم ". وروي ابن عبد البر أن الحميدي ذكر عن ابن عيينة " أن النهي زمن خيبر كان عن لحوم الحمر الأهلية وأما المتعة فكانت في غير يوم خيبر ". قال ابن عبد البر: " وعلي هذا أكثر الناس ". وقال في (صحيحه): " سمعت أهل العلم يقولون: معني حديث علي أنه نهي يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأما المتعة فسكت عنها!! وإنما نهي عنها يوم الفتح ". قال الحافظ في (الفتح): والحامل لهؤلاء علي هذا ما ثبت من الرخصة فيها بعد زمن خيبر كما أشار إليه البيهقي ولكنه يشكل علي كلام هؤلاء ما في (البخاري) في الذبائح من طريق مالك بلفظ " نهي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية " وهكذا أخرجه مسلم من رواية ابن عيينة [79] . وبعد أن ذكر الشوكاني - في (نيل الأوطار) - كلام هؤلاء مر عليه مرور الكرام ولم يأت بجواب عن تلك الورطة التي أوقعهم فيها هذا الحديث الذي يعلم الله وحده من الذي نسبه إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وإلي الإمام علي عليه السلام. ومن ذلك - أيضا - الحديث المروي عن أبي هريرة قال: " خرجنا مع رسول

الله صلي الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك فنزلنا بثنية الوداع فرأي نساء يبكين فقال: ما هذا؟ قيل: نساء تمتع بهن أزواجهن ثم فارقوهن فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: حرم أو هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث " [80] . [ صفحه 84] وهذا الحديث - أيضا - موضع إشكال وتناقض شديدين لأن الذين يدعون النسخ قد ثبت عندهم أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان قد نهي عن نكاح المتعة عام فتح مكة أي في العام الثامن للهجرة وحرمه نهائيا أما غزوة تبوك فقد كانت في رجب من العام التاسع للهجرة وها قد رأينا أن الصحابة الذين خرجوا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد تمتعوا بنساء في ثنية الوداع ثم فارقوهن فأخذن يبكين لذلك ولا ريب أن ممارسة الصحابة للمتعة حينئذ تدل علي استمرار إباحتها فقد خرج معظمهم في هذه الغزوة باستثناء من استخلفه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم علي المدينة وأصحاب الأعذار والثلاثة الذين تاب الله عليهم والمنافقين وهذا يناقض الخبر الوارد في النهي في فتح مكة أما إذا اعتبرنا أن النهي كان في حجة الوداع وأن إباحة المتعة كانت مستمرة إلي هذا الزمن فإن ذلك يشكل تناقضا - أيضا - لورود النهي في غزوة تبوك المتقدمة عن حجة الوداع التي كانت في العام العاشر!! كذلك فإن متن الحديث بفهم منه أن ليس للمتمتع بها عدة علي حين أن لها عدة حيضتين إن كانت ممن يحضن أو خمسة وأربعين يوما إن كانت لا تحيض - كما سبق أن ذكرنا - وعلي فرض أن المقصود بالعدة هنا هو العدة المتعلقة بالزواج الدائم الواردة في الكتاب

وكذلك الطلاق والميراث فإن هذه الأشياء لها وضع خاص في المتعة كما في غيرها من الحالات الخاصة للزواج فهل كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي غير علم بعمومات الكتاب ومخصصاته؟! حاشا وكلا لسيد الخلق صلي الله عليه وآله وسلم غير أن متن الحديث يعكس وجهة نظر القائلين بالنسخ فحسب. والآن نعرض للخبر الذي أربك العقول وحير الألباب واتخذه القائلون بالنسخ ذريعة لتعضيد؟؟؟ وهو خبر سبرة الجهني. - أخرج مسلم في (صحيحة) باب: نكاح المتعة عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني عن أبيه سبرة " أن نبي الله صلي الله عليه وآله وسلم عام فتح مكة أمر أصحابه بالتمتع من النساء قال: فخرجت أنا وصاحب لي من بني سليم حتي [ صفحه 85] وجدنا جارية من بني عامر كأنها بكرة عيطاء (أي شابة طويلة العنق) فخطبناها إلي نفسها وعرضنا عليها بردينا (أي: كمهر لها) فجعلت تنظر فتراني أجمل من صاحبي وتري برد صاحبي أحسن من بردي فآمرت نفسها ساعة (أي: شاورت نفسها) ثم اختارتني علي صاحبي فكن معنا ثلاثة (أي: النساء اللائي تمتع بهن الصحابة) ثم أمرنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بفراقهن ". وروي مسلم بطريق آخر عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال: " أمرنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتي نهانا عنها ". وهذا الخبر المروي عن سبرة الجهني له طرق كثيرة أخرجها مسلم وغيره من أصحاب السنن والمسانيد وهذه الرواية تثبت أن النهي عن نكاح المتعة كان في فتح مكة أي في شهر رمضان من العام الثامن للهجرة. وهناك رواية أخري أخرجها مسلم في

(صحيحه) عن اياس بن سلمه بن الأكوع عن أبيه قال: " رخص رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهي عنها ". وعام أوطاس هو العام الثامن أيضا وهنا يبرز إشكال غريب وتناقض عجيب حيث قد ثبت بالأحاديث التي يعتقد بها القائلون بالنسخ أن المتعة كانت مباحة إلي حجة الوداع أي إلي العام العاشر للهجرة. وإليك ما يؤكد ذلك: أخرج الدارمي في (سننه) قال: " أخبرنا جعفر ابن عون عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة عن أباه حدثه أنهم ساروا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فقال: استمتعوا من هذه النساء والاستمتاع عندنا التزويج [81] فعرضنا ذلك علي النساء فأبين أن لا يضرب بيننا وبينهن أجلا فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: افعلوا فأخرجت أنا وابن عم لي معه برد وبرده أجود من بردي وأنا أشب منه فأتينا علي امرأة فأعجبها شبابي وأعجبها برده [ صفحه 86] فقالت: برد كبرده وكان الأجل بيني وبينها عشرا فبت عندها تلك الليلة ثم غدوت فإذا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قائم بين الركن والباب فقال: أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ألا وإن الله قد حرمه إلي يوم القيامة فمن كان عنده منهن شئ فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا " [82] . وهذا الحديث من حيث السند صحيح علي أصلهم لا مرية في ذلك إذ قد رواه جعفر بن عون بن جفر بن عمرو بن حريث المخرومي العمري وهو ثقة الإجماع احتج به أصحاب الصحاح الستة جميعهم وعبد العزيز بن

عمر بن عبد العزيز ثقة الإجماع احتج به أصحاب الصحاح الستة جميعهم كما في (الكاشف) للذهبي.. ويؤيده - أيضا - ما أخرجه أبو داود في (سننه) قال: " حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا عبد الوارث عن إسماعيل بن أمية عن الزهري قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز فقال رجل يقال له ربيع بن سبرة: أشهد علي أبي أنه حدث أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نهي عنها في حجة الوداع " [83] . ورواة هذا الحديث - أيضا - جميعهم ثقات إذ قد رواه مسدد بن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري الحافظ أبو الحسن احتج به البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. وعبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي مولاهم البصري التنوري الحافظ ثقة الإجماع احتج به أصاب الصحاح الستة جميعهم. وإسماعيل بن أمية ثقة الإجماع احتج به أصحاب الصحاح الستة جميعهم - كما في (الكاشف) للذهبي -. ومما تقدم يبرز إشكال خطير حيث إن الروايات المسندة إلي سبرة أثبتت أن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قد أباح المتعة في فتح مكة في العام الثامن ثم نهي [ صفحه 87] عنها نهيا قطعيا ثم إن الأخبار المروية عن سبرة نفسه أكدت - أيضا - أنه صلي الله عليه وآله وسلم قد أباحا في حجة الوداع - بالرغم من أنهم حجوا بنسائهم حيث يزعم بعضهم أن نكاح المتعة لا يباح إلا في السفر والغزو والغربة وما إلي ذلك - ثم نهي عنها نهيا قطعيا!! فما هذا التناقض والتضارب؟ وما تلك العشوائية والتخبظ؟! وهل يليق هذا بمقام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بحيث تحول به الحال إلي تلك الصورة التي قد تجعله

مغمزا للمنافقين وضعاف النفوس؟! وهل هذه طريقة في التشريع خاصة عند ما تتعلق بأمر حساس مثل النكاح الذي يترتب عليه أنساب ومواريث ومحارم وسائر الحقوق الواجبات؟! وهل يليق هذا بكرامة الشريعة العصماء ومكانتها السامية التي تأبي التناقض وتنفر عن التعارض؟! (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) [النساء / 82] ثم كيف يصدع النبي صلي الله عليه وآله وسلم بهذا التحريم في حجة الوداع أو في فتح مكة بين تلك الجموع الغفيرة وهذه الآلاف المؤلفة ثم ينفرد سبرة الجهني وحده بسماع ذلك؟! فأين كان الصحابة الأبرار الذين كانوا يلتقطون عنه كل شاردة وواردة؟! وأين كان العلماء والفقهاء منهم؟! وأن من يستقرئ الخطبة التاريخية التي ألقاها الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع الواردة في أي كتاب من كتب السير والأخبار والتواريخ لا يجد فيها لتحريم النكاح المتعة عينا ولا أثرا بالرغم من أنه صلي الله عليه وآله وسلم قد تحدث فيها عن جانب الحقوق والواجبات الزوجية حيث يقول: ".. أما بعد أيها الناس فإن لكم علي نسائكم حقا ولهن عليكم حقا لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه وعليهن إن لا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مربح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف واستوصوا [ صفحه 88] بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان (أي أسيرات) لا يمكن لأنفسهن شيئا وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاعقلوا أيها الناس قولي.. " إلي آخر ما ذكره صلي الله عليه وآله وسلم في الخطبة العظيمة فأين تحرم نكاح المتعة إذا؟! وكان من الأولي أن يرد

ذلك التحريم في تلك الخطبة الرائعة لو كان حقا واقعا وهذا يدلنا بوضوح علي افتعال تلك الأخبار وعدم اعتبارها ويقودنا إلي البحث عن سبب ظهورها وعن المصدر الذي جاء منه النهي عن نكاح المتعة؟! إذ أن شيوعه وانتشاره لم يأت من فراغ ولا بد من وجود أرضية قد مهدت لهذا الانتشار الذائع وذلك ما سوف نبحثه - إن شاء الله - من خلال عرض بعض الأخبار: - أخرج مسلم في (صحيحه) باب: نكاح المتعة عن جابر بن عبد الله قال: " كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأبي بكر حتي نهي عنه عمر في شأن عمرو بن حريث ". - وفي رواية أخري عن أبي نضرة قال: " كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثم نهانا عمر عنهما فلم نعد لهما ". - وأخرج مسلم في (صحيحه) باب: في المتعة بالحج والعمرة بسنده عن أبي نضرة قال: " كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن زبير ينهي عنها قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال: علي يدي دار الحديث تمتعا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء وأن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله وابتوا نكاح هذه النساء فلن أؤتي برجل نكح امرأة إلي أجل إلا رجمته بالحجارة " [84] . [ صفحه 89] - وفي رواية لأحمد في (مسنده) عن أبي نضرة قال:

" قلت لجابر بن عبد الله: إن عبد الله بن زبير ينهي عن المتعة وإن ابن عباس يأمر بها قال: علي يدي جري الحديث: تمتعنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومع أبي بكر فلما ولي عمر خطب الناس فقال: إن القرآن هو القرآن وإن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هو الرسول وإنهما كانتا متعتان علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إحداهما متعة الحج والأخري متعة النساء " [85] . - وفي رواية للبيهقي في (السنن) عن أبي نضرة عن جابر قال: " قلت: إن ابن الزبير ينهي عن المتعة وإن بن العباس يأمر بها قال: علي يدي جري الحديث: تمتعنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومع أبي بكر فلما ولي عمر خطب الناس فقال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هذا الرسول وإن القرآن هذا القرآن وإنهما كانتا متعتان علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما عهداهما: متعة النساء ولا قدر علي الرجل تزوج امرأة إلي أجل إلا غيبته بالحجارة والأخري: متعة الحج افصلوا حجتكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم " [86] . - وأخرج مالك في (الموطأ) عن عروة بن الزبير " أن خولة بنت حكيم دخلت علي عمر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه فخرج عمر بن الخطاب فزعا يجر رداءه فقال: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت " [87] (أي: لو كنت تقدمت بالنهي فيها لرجمت من يفعلها). هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة تدل - بما لا يقبل الشك - علي أن نكاح المتعة كان

قائما ومعمولا به علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وفي خلافة أبي بكر (ره) وشطرا من خلافة عمر بن الخطاب (ره) وأن الذي نهي عنه هو [ صفحه 90] عمر نفسه عن اجتهاد محض منه من خلال نظرة مصلحية ارتآها إذ لا دليل علي ذلك من الكتاب أو السنة. ويمكن استنتاج ذلك من عدة أمور: أولا: حديث جابر بن عبد الله إذ يقول: " كنا نستمتع " و " " فعلناهما " و " تمتعنا " فما معني استخدامه " نا " الدالة علي الفاعلين وعدم استخدامه " تاء الفعل " الدلالة علي المفرد المتكلم؟ أنه يعني: أننا جيل الصحابة كنا نمارس المتعة علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وشطرا من خلافة عمر. ثانيا: قول جابر: " حتي نهي عنه عمر في شأن عمرو بن حديث " وقوله: " ثم نهانا عنهما عمر " فإنه قد نسب النهي إلي عمر نفسه مباشرة في شأن شخص بعينه ولو كان النهي من قبل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لقال: " ثم تبينا أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان قد حرمه " أو غير ذلك مما يثبت النسبة اليقينية إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم. ثالثا: اعتراف عمر نفسه بأن النهي لم يرد عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم بل كان من قبله هو بدليل قيامه بنسبة النهي إلي نفسه حيث يقول: " وأنهما كانتا متعتان علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما إحداهما: متعة النساء ولا أقدر علي رجل تزوج امرأة إلي أجل غيبته بالحجارة

" وقوله في حديث خولة بنت حكيم: " هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت " (أي: لو كنت تقدمت في النهي عنها لرجمت فاعلها) وهذا يثبت أن النهي كان من قبله ومع ذلك لم يرجم عمرو بن حريث ولا ربيعة بن أمية لأنه يعلم يقينا أنه لا يوجد نهي في ذلك عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وإنما هذا التوعد وتلك الشدة كانا من أجل تحقيق مصلحة اجتماعية ارتآها في النهي عن نكاح المتعة. رابعا: لو كان النسخ - حقا - من قبل النبي صلي الله عليه وآله وسلم فأين كان عمر نفسه أثناء خلافة أبي بكر كيما يصدع بهذا الناسخ الذي جهلته الأمة عن نبيها صلي الله عليه وآله وسلم ويعرفها وجهة الصواب إذ أن المتعة كانت تمارس بكل ارتياح [ صفحه 91] في عهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم وفي خلافة أبي بكر ولما لم يكن الأمر كذلك علمنا أن النهي إنما كان اجتهادا من عمر وأنه أوجبه انطلاقا من موقعه كولي للأمر وفق النظرة المصلحية التي ارتآها. ومما يؤكد صحة نسبة النهي إليه ما يأتي: - أخرج الطبري - عند بلوغه آية المتعة من (تفسيره) - عن شعبة عن الحكم قال: " سألته عن هذه الآية (والمحصنات من النساء إلي ما ملكت أيمانكم) إلي هذا الموضع: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) أمنسوخة هي؟ قال: لا. قال الحكم: قال علي عليه السلام: لولا أن عمر نهي عن المتعة ما زني إلا شقي " [88] . - وأخرج الرازي - عند بلوغه الآية من (تفسيره) - عن عمران بن حصين قال: " إن الله أنزل في المتعة آية

وما نسخها بآية أخري وأمرنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالمتعة وما نهانا عنها ثم قال رجل برأيه ما شاء يريد أن عمر نهي عنها " [89] . - وأخرج البخاري في (صحيحه) عن عمران بن حصين قال: " تمتعنا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فنزل القرآن حتي قال رجل برأيه ما شاء " [90] . وبالرغم من أن البخاري قد أورد هذا الحديث في باب التمتع من كتاب الحج إلا أنه لا فرق حيث إن عمر قد نهي عنهما جميعا أعني: متعة النساء ومتعة الحج. - وفي حديث ابن عباس: " ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم لولا نهيه عنها ما أحتاج إلي الزنا إلا شقي " [91] (بفتح الشين والفاء وتنوين الياء أي: إلا قليل من الناس). [ صفحه 92] - وذكر السيوطي في (تاريخ الخلفاء) - فصل في أوليات عمر -: " قال العسكري: هو أول من سمي أمير المؤمنين وأول من كتب التاريخ من الهجرة وأول من اتخذ بيت مال وأول من سن قيام شهر رمضان وأول من عسي بالليل... إلي أن قال: وأول من حرم المتعة " [92] . - وذكر الإمام القوشجي - في أواخر مبحث الإمامة من (شرح التجريد) - أن عمر قال وهو علي المنبر: " ثلاث كن علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله ويلم وأنا أنهي عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن وهي: متعة النساء ومتعة الحج وحي علي خير العمل ". ومما سبق يتأكد لنا أن النهي عن نكاح المتعة إنما كان من قبل الخليفة عمر بن الخطاب (ره) وعن

اجتهاد محض منه ولذلك كان يعتمد الاعتراف بإباحة المتعة علي عهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم حتي يخرج نفسه من دائرة التشريع والابتداع في الدين وينسب النهي صراحة لنفسه للتنبيه علي أن ذلك من جهة تحقيق المصلحة الاجتماعية التي بلغها نظره كولي للأمر. ولذلك لم يكن اجتهاده هذا ملزما لغيره بدليل أن هناك من الصحابة من خالفه وبقي متمسكا بإباحة المتعة واستمرار مشروعيتها. قال ابن حزم - في نكاح المتعة - من (المحلي): " وقد ثبت علي تحليلها بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جماعة من السلف من الصحابة: أسماء بنت أبي بكر وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو ابن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمة ومعد ابنا أمية بن خلف ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومدة أبي بكر وعمر إلي قرب آخر خلافة عمر واختلف في إباحتها عن ابن الزبير وعن علي فيها توقف. وعن عمر بن الخطاب أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط [ صفحه 93] وأباحها بشهادة عدلين وعن التابعين: طاووس وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكة أعزها الله " [93] . وأخرج أحمد في (مسنده) من حديث عبد الله بن عمر - وقد سأله رجل عن متعة النساء - فقال: " والله ما كنا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم زانين ولا مسافحين ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وكذابون ثلاثون أو أكثر " [94] . وأخرج مسلم في (صحيحه) - باب: نكاح المتعة -

بسنده عن عروة بن الزبير " أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال: إن ناسا أعمي الله قلوبهم كما أعمي أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل (يعني: يعرض بابن عباس) فناداه فقال: إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين (يريد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم) فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك " [95] . وها قد رأينا أن ابن عباس كان يفتي بالمتعة ويأمر بها والغريب في الأمر أن النووي وغيره قد حملوا هذا الحديث علي أن ابن عباس لم يبلغه الناسخ لنكاح المتعة!! مع أن ظاهر الحديث يؤكد إصراره علي إباحته وعدم تهاونه في ذلك وإننا لا ندري - والله - أي ناسخ يقصدونه علي وجه التحديد!! هذا مع أن ابن عباس قد ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات وتوفي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو ابن خمسة عشر سنة ثم مات ابن عباس بالطائف سنة ثمان وستين أيام ابن الزبير وكان ابن الزبير قد أخرجه من مكة إلي الطائف ومات وهو ابن سبعين سنة وقيل: ابن إحدي وسبعين سنة وقيل: ابن أربع وسبعين سنة. وصلي عليه محمد بن الحنيفة وكان ابن عباس قد عمي في آخر عمره. [ صفحه 94] أما عبد الله ابن الزبير فقد بايعه أهل الحرمين بالخلافة سنة أربع وستين للهجرة وكادت الأمة تجتمع عليه وفي سنة ثلاث وسبعين حاصره الحجاج ودام القتال أشهرا وقتل في جمادي الأولي من هذه السنة ولو أننا اعتبرنا ابتداء مدة بيعته أي سنة أربع وستين فإن ابن عباس يكون عمره - حينئذ - سبعة وستين عاما وبمقارنة ذلك بالعام الذي توفي

فيه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وهو العام الحادي عشر فإن ذلك يقتضي أن ابن عباس حبر الأمة ووعاء الكتاب والسنة قد مكث ثلاثا وخمسين سنة - علي الأقل - لا يدري شيئا عن هذا الناسخ العجيب! ومع ذلك ظل مصرا علي رأيه وثباتا علي موقفه لأنه يعلم يقينا أن هذا النهي إنما هو اجتهاد شخصي بحت غير ملزم له وقد نقل أبو نضرة هذا الخلاف الذي دار بين ابن عباس وابن الزبير حول النكاح المتعة إلي جابر ابن عبد الله فأجابه بالقول السديد في هذه المسألة. فراجع ما ذكرناه عنه آنفا. والغريب - أيضا - أن هناك من يزعم أن ابن عباس تراجع عن قوله بإباحة المتعة في آخر عمره وهذا باطل بدليل أن الحديث المروي في مسلم يثبت إصراره علي إباحتها أثناء المدة التي عمي فيها وقد كانت في المرحلة الأخيرة من عمره فمن أين ثبت تراجعه عنها؟! وممن استنكر تحريم المتعة وأباحها وعمل بها عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج أبو خالد المكي الذي ولد سنة ثمان للهجرة وتوفي سنة تسع وأربعين ومائة وكان من أعلام التابعين ترجمه ابن خلكان في (وفيات الأعيان ج 2 ص 338) وابن سعد في الطبقة الرابعة من (طبقات التابعين من أهل مكة ج 5 ص 491) وقد احتج به أهل الصحاح جميعهم وأورده الذهبي في (ميزان الاعتدال) - حيث ترجمه - فقال: أحد أعلام الثقات وهو في نفسه مجمع علي ثقته مع كونه قد تزوج نحوا من سبعين امرأة نكاح متعة كان يري الرخصة في ذلك وكان فقيه أهل مكة في زمانه. [ صفحه 95] رأي الشيعة الإمامية في زواج المتعة أجمع الإمامية -

تبعا لأئمة أهل البيت عليهم السلام - علي دوام إباحته واستمرار مشروعيته بصورة مطلقة وحسبهم حجة علي ذلك ما قد ثبت من إجماع أهل القبلة علي أن الله تعالي شرعه في دينه القويم وأذن في الأسماع به منادي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولم يثبت نسخه عن الله تعالي ولا عن رسوله صلي الله عليه وآله وسلم حتي انقطع الوحي باختيار الله سبحانه لنبيه صلي الله عليه وآله وسلم دار الكرامة بل قد تأكد عدم نسخه بالأحاديث المتواترة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام الموجودة في مظانها. علي أن في صحاح أهل السنة وسائر مسانيدهم نصوصا صريحة في بقاء حله واستمرار العمل به علي عهد أبي بكر وشطرا من عهد عمر حتي صدر منه النهي في شأن عمرو بن حريث. وفي ما ذكرناه كفاية لمن أراد الهداية. (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل). [ صفحه 97]

الخاتمة

وفي الختام لقد بحثنا - في هذا الكتاب - أهم المسائل البارزة التي تشكل محورا خلافيا بين المذهبين العريقين وقد تبينا أن الدلائل التي سيقت حولها جديرة بأن تكون موضع اعتبار وتقدير أو تكون - علي الأقل - قد جعلت تلك المسائل واضحة سائغة لا سيما في أذهان الشباب المسلم الذي يتطلع إلي آفاق واسعة من الوعي والنضوج الفكري. ونامل أن نكون قد وفقنا في رفع سوء الفهم والتباس الأمر الذي اكتنف هذه المسائل فترات طويلة حتي يتم إزالة كافة العقبات الوهمية التي تحول دون التقاء المسلمين وفتح باب الحوار والتقارب بينهم كما نرجوا أن نكون قد أسهمنا ولو بشئ يسير في تحقيق الوحدة الإسلامية الكبري التي هي رمز القوة والنصر والعزة والسؤدد. إن علي الاسلاميين

الواعين - وبخاصة أهل العلم الإكبار - أن يبذلوا كافة الجهود بما تصل إليه إمكاناتهم في العمل علي تهيئة المناخ المناسب من أجل قيام وحدة إسلامية شاملة ينضوي تحت لوائها جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها حتي تحقق الأمة أهدافها المصيرية وتستعيد أمجادها التليدة التي تحطمت علي صخور الفرقة والتبعثر. إن أعداء الإسلام حريصون - قدر طاقاتهم - علي بث بذور التفرق والتناقض في صفوف المسلمين وإقامة الحواجز النفسية وإشاعة سوء الظن بينهم حتي يظلوا علي حالهم التي وصلوا إليها نتيجة انقسامهم وتفرقهم. يجب ألا نترك لهم الفرصة لتحقيق أغراضهم أو نفسح لهم في المجال لتنفيذ مكائدهم ومخططاتهم بل ينبغي أن نظل ماثلين في الساحة نوضح [ صفحه 98] المفاهيم الصحيحة ونزيل الغموض ونزيد من درجة الوعي والثقافة عند جماهير الأمة. والله نسأل أن يوفق الجميع لما فيه خير أمتنا وعلو شأنها ورقي مقامها. أقل خدمة الدين عاطف سلام

پاورقي

[1] رواه مسلم وأحمد.

[2] صحيح البخاري: ج 1 ص 144.

[3] المصدر نفسه وأخرجه - أيضا - مالك في الموطأ من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ص 125.

[4] صحيح الترمذي: ج 1 ص 355.

[5] مسلم بشرح النووي: ج 5 ص 218.

[6] فتح الباري: ج 2 ص 20.

[7] التفسير الكبير للرازي: ج 21 ص 27.

[8] التفسير الكبير للرازي: ج 11 ص 161. وانظر: النشر في القراءات العشر لابن الجزري: ج 2 ص 254: " واختلفوا في (وأرجلكم) فقرا نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب وحفص بنصب اللام وقرأ الباقون بالخفض ".

[9] هذا الخبر رواه البيهقي في السنن الكبري: ج 1 ص 71. ونقول: الحمد لله أن قد علمنا أن الحجاج كان يري غسل الأرجل ويأمر به!!.

[

[10] تفسير الطبري: ج 10 ص 57.

[11] القسم الأول من الإصابة: ج 1 ص 307.

[12] المصنف: ج 1 ص 18.

[13] أخرجه ابن ماجة في باب: ما جاء في غسل القدمين: ج 1 ص 156.

[14] ولذلك هناك الفلاحون والعمال من الشيعة الذين يسيرون حفاة ولا يهتمون بطهارة أرجلهم في غير أوقات العبادة فإنهم إذا أرادوا الوضوء قاموا بغسل أرجلهم وتنظيفا أولا ثم يتوضأون ويمسحون عليها نقية جافة.

[15] لسان العرب لابن منظور الإفريقي مادة (كعب) ص 3888: " وسأل ابن جابر... وقبله وفي المادة نفسها: قرأ ابن كثير وأبو عمر وأبو بكر عن عاصم وحمزة: (وأرجلكم) خفضا والأعشي عن أبي بكر بالنصب مثل حفص وقرأ يعقوب والكسائي ونافع وابن عامر: (وأرجلكم) نصبا وهي قراءة ابن عباس رده إلي قوله تعالي: (فاغسلوا وجوهكم) وكان الشافعي يقرأ: (وأرجلكم) بالنصب.

[16] التفسير الكبير للرازي: ج 11 ص 262.

[17] التفسير الكبير للرازي: ج 11 ص 163.

[18] المصدر نفسه.

[19] نقل ابن رشد في بداية المجتهد: ج 1 ص 15 حيث ذكر اختلافهم في تحديد محل المسح علي الخفين فقال: سبب اختلافهم تعارض الأخبار في ذلك. ونقل ذلك أيضا في ص 16 حيث ذكر اختلافهم في توقيت المسح إذ قال: والسبب في اختلافهم اختلاف الآثار في ذلك.

[20] أخرجه الحاكم في أول تفسير " سورة المائدة " من المستدرك: ج 2 ص 311 ثم أخرج حديثا نحوه عن عبد الله بن عمرو وقال بعد إيراد كل من الحديثين: هذا الحديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه وقد أورده الذهبي في التلخيص معترفا بصحته علي شرط الشيخين وحديث جبير بن نثير رواه أحمد والنسائي أيضا.

[21] قال النووي في تعليقه علي هذا الكلام من شرحه لمسلم: ج

3 ص 164: " معناه أن الله تعالي قال في " سورة المائدة ": (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم...) فلو كان إسلام جرير متقدما علي نزول " المائدة " لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخا بآية " المائدة " فلما كان إسلامه متأخرا علمنا أن حديثه يعمل به.. " إلي آخر ما ذكره. قلنا: من أين لنا العلم بتأخر إسلامه وقد تبينا أنه كان قبل نزول " سورة المائدة "؟! كما في الجواب.

[22] الإصابة القسم الأول: ج 2 ص 76.

[23] التفسير الكبير للرازي: ج 11 ص 163.

[24] صحيح البخاري: ج 1 ص 62.

[25] تفسير الرازي: ج 11 ص 163 والقرطبي: ج 3 ص 2097.

[26] رواه مسلم من حديث أبي هريرة.

[27] سنن النسائي: ج 2 ص 32.

[28] المستدرك: ج 3 ص 473.

[29] رواه أحمد أيضا في مسنده: ج 1 ص 327.

[30] رواه مسلم أيضا في باب: استحباب الابراد بالظهر: ج 5 ص 121.

[31] السنن الكبري: ج 2 ص 105.

[32] الأم للشافعي: ج 1 ص 99.

[33] روي الترمذي من حديث أم سلمة قالت: رأي النبي صلي الله عليه وآله وسلم غلاما لنا يقال له أفلح إذا سجد نفخ فقال: " يا أفلح ترب وجهك ".

[34] أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد: ج 2 ص 57.

[35] المصدر نفسه.

[36] رواه الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.

[37] رواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله قال: سألت النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن مسح الحصي في الصلاة فقال: " واحدة ولئن تمسك عنها خير لك من مائة ناقة كلها سود الحدق ".

[38] عن معيقب أن

النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: " لا تمسح الحصي وأنت تصلي فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة تسوي الحصي رواه أصحاب الصحاح الستة.

[39] أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد: ج 2 ص 86.

[40] المصنف: ج 1 ص 391 و 392 وج 2 ص 38.

[41] البخاري: ج 1 ص 107.

[42] مسلم: ج 3 ص 209.

[43] الترمذي: ج 2 ص 126.

[44] أخرجه أبو يعلي والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أبي يعلي رجال الصحيح وعن أم حبيبة مثله صحيحا كما في مجمع الزوائد: ج 2 ص 57.

[45] أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير بأسانيد بعضها صحيح رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد: ج 2 ص 57.

[46] البخاري: ج 1 ص 107.

[47] الفحل: حصير معمول من سعف فحال النخل وقيل: حصيرة أصغر من المصلي وقيل: الخمرة: الحصير الصغير الذي يسجد عليه.

[48] السنن الكبري للبيهقي: ج 2 ص 436.

[49] فتح الباري: ج 1 ص 388.

[50] البخاري: ج 1 ص 107.

[51] مسلم: ج 5 ص 121.

[52] نيل الأوطار: ج 2 ص 289.

[53] ورواه النسائي في السنن: ج 2 ص 216.

[54] أخرجه أبو يعلي والطبراني في الكبير.

[55] البخاري: ج 1 ص 107.

[56] مسند أحمد: ج 4 ص 254.

[57] تهذيب التهذيب: ج 11 ص 437.

[58] يراجع - أيضا -: كنز العمال: ج 7 ص 105 و 106.

[59] ذكر قضية الأذان بالتفصيل كل من أبي داود والترمذي وأحمد في مسنده والحاكم في مستدركه وابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما. فراجع: نيل الأوطار للشوكاني: ج 2 ص 40 وأوردها الحلبي في باب: بدء مشروعية الأذان من سيرته وكل من ذكر عبد الله بن زيد من أصحاب التراجم أشار إلي هذه القضية وربما

سموه صاحب الأذان.

[60] سنن الدارقطني: ج 1 ص 243.

[61] الموطأ ص 78.

[62] راجع ما ذكره عن صاحب فخ ص 446.

[63] السيرة الحلبية: ج 2 ص 305 ونيل الأوطار: ج 2 ص 43 و 44.

[64] الأم للشافعي: ج 1 ص 73.

[65] أخرج السيوطي في الدر المنثور: ج 2 ص 293 ثلاث عشرة رواية نزلت في الإمام علي إذ تصدق بخاتمه وهو راكع. وكذلك في لباب النقول ص 90 ونقله عن الطبراني وابن مردويه وابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهم وأخرج الطبري ست روايات نزلت فيه وأقر بنزولها فيه أيضا الرازي والزمخشري والبيضاوي وغيرهم من المفسرين وأخرج ذلك أيضا النسائي في صحيحه وصاحب الجمع بين الصحاح الستة من حديث ابن سلام مرفوعا إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومثله حديث ابن عباس في تفسير هذه الآية من كتاب: أسباب النزول للواحدي ص 148.

[66] أخرجه أبو داود الطيالسي وغيره من أصحاب السنن عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري عن أبي بلج يحيي بن أبي سليم الفزاري عن عمرو بن ميمون الأودي عن ابن عباس مرفوعا ورجال هذا السند كلهم حجج وقد احتج بكل منهم الشيخان في صحيحيهما إلا يحيي بن أبي سليم لم يخرجا له لكن أئمة الجرح والتعديل صرحوا بوثاقته وقد نقل الذهبي - حيث ترجمه من الميزان - توثيقه عن يحيي بن معين والدار قطني ومحمد بن سعيد وأبي حاتم وغيرهم وكذلك نقل وثاقته ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل احتج به أصحاب السنن الأربعة.

[67] أخرجه غير واحد من أصحاب السنن كالإمام النسائي في خصائصه العلوية وأحمد بن حنبل في مسنده من حديث عمران: ج 4 ص 438 والحاكم في مستدركه:

ج 3 ص 111 مسلما بصحته علي شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص وأخرجه بن أبي شيبة وابن جرير وصححه في ما نقله عنهما المتقي الهندي في كنز العمال: ج 6 ص 400.

[68] أخرجه أحمد: ج 5 ص 347 من مسنده والحاكم: ج 3 ص 110 من المستدرك وغير واحد من المحدثين.

[69] نقله المتقي عن ابن أبي عاصم: ج 6 ص 397 من الكنز.

[70] هذا لفظ الحديث عن الطبراني وابن جرير والحكيم الترمذي عن زيد بن أرقم وقد نقله ابن حجر عن الطبراني وغيره بهذا اللفظ وأرسل صحته إرسال المسلمات عند ذكره الشبهة الحادية عشرة ص 43 من الصواعق.

[71] هذا الحديث يعرف بحديث الغدير وقد أخرجه بألفاظ متقاربة كثير من الحفاظ والمحدثين فقد أخرجه أحمد عن البراء بن عازب في المستدرك عن زيد بن أرقم من طريقين وصححهما علي شرط الشيخين: ج 3 ص 109 وأقره الذهبي في التلخيص وأخرجه النسائي في خصائصه العلوية من حديث سعد ص 25 ومن حديث عائشة بنت سعد ص 4 ومن حديث زيد بن أرقم ص 21.

[72] نص علي ذلك الإمام الواحدي في أسباب النزول من طريقين معتبرين عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب وأخرجه الحافظ أبو نعيم في تفسيرها من كتابه نزول القرآن بسندين أحدهما عن أبي رافع والآخر عن أبي سعيد ورواه الحمويني الشافعي في كتابه فرائد السمطين بطرق متعددة وأخرجه الإمام الثعلبي في معني الآية من تفسيره بسندين معتبرين وكذلك أخرجه السيوطي في الدر المنثور عند بلوغه الآية من تفسيره.

[73] رواه البخاري ومسلم من حديث

عبد الله بن مسعود.

[74] أخرج ذلك عنهم الإمام الطبري بعدة أسانيد في تفسيره: ج 7 ص 176 وابن كثير في تفسيره: ج 1 ص 474 والزمخشري في الكشاف والرازي في تفسير الآية أنه روي عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ " فما استمتعتم به منهن إلي أجل مسمي فآتوهن أجورهن فريضة.. " قال: وهذا أيضا هو قراءة ابن عباس والأمة ما أنكروا عليهما هذه القراءة فكان ذلك إجماعا من الأمة علي صحة هذه القراءة: ج 10 ص 51 من تفسيره الكبير.

[75] أخرجه الطبري في تفسيره ج 7 ص 176.

[76] أخرجه البخاري في باب: ما يكره من التبتل والخصاء: ج 7 ص 5 ومسلم في باب: نكاح المتعة: ج 9 ص 182.

[77] أخرجه البخاري: ج 9 ص 120.

[78] أخرجه البخاري ومسلم في باب: نكاح المتعة من صحيحيهما.

[79] نيل الأوطار: ج 6 ص 155.

[80] رواه البيهقي في السنن الكبري: ج 7 ص 207 وابن حبان في صحيحه.

[81] هذه الكلمة تدل علي أن المتمتع بها زوجة شرعية لا كما يزعمه بعضهم.

[82] سنن الدارمي باب: نكاح المتعة: ج 2 ص 140.

[83] سنن أبي داود باب: نكاح المتعة: ج 2 ص 226.

[84] صحيح مسلم: ج 8 ص 186.

[85] مسند أحمد: ج 1 ص 52.

[86] سنن البيهقي: ج 7 ص 206.

[87] الموطأ ص 448 وسنن البيهقي: ج 7 ص 206.

[88] تفسير الطبري: ج 7 ص 176.

[89] التفسير الكبير للرازي: ج 10 ص 53.

[90] صحيح البخاري: ج 2 ص 176.

[91] النهاية لابن الأثير مادة: شفا: ج 2 ص 488.

[92] تاريخ الخلفاء ص 136.

[93] المحلي لابن حزم: ج 9 ص 519.

[94] مسند أحمد: ج 2 ص 95.

[95] صحيح مسلم: ج 9 ص

188.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.