فاسالوا اهل الذكر

اشارة

سرشناسه : سماوي، محمد تيجاني، 1936 - م.

عنوان و نام پديدآور : فاسالوا اهل الذكر/ تاليف محمد التيجاني السماوي؛ تحقيق و تعليق مركزالابحاث العقائدية.

مشخصات نشر : [ بي جا]: موسسة آل البيت عليه السلام، 1427ق.= 1385.

مشخصات ظاهري : 480ص.

فروست : سلسلةالرحلة الي الثقلين؛ 20.

شابك : 6000 ريال: 964-8629-14-5

وضعيت فهرست نويسي : برون سپاري.

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه: ص. 477 - 480 ؛ همچنين به صورت زيرنويس.

موضوع : شيعه -- دفاعيه ها و رديه ها

شناسه افزوده : مركز الابحاث العقائديه (قم)

رده بندي كنگره : BP212/5/س8ف2 1385

رده بندي ديويي : 297/417

شماره كتابشناسي ملي : 2914887

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم - الحمد لله رب العالمين - وأفضل الصلاة وأزكي التسليم علي سيدنا ومولانا محمد المبعوث رحمة للعالمين سيد الأولين والآخرين والمنزه عن كل ما هو مشين، وعلي آله الطيبين الطاهرين أعلام الهدي ومصابيح الدجي وأئمة المسلمين. أما بعد فهذه أسئلة أعددتها للمسلمين الباحثين خاصة منهم أهل السنة الذين يظنون أنهم هم وحدهم المتمسكون بالسنة النبوية الصحيحة علي صاحبها أفضل الصلاة وأزكي التسليم وعلي آله الطاهرين. بل ويشددون نكيرهم علي غيرهم من المسلمين وينبزونهم بالألقاب. وقد بعثت في شتي البلاد الإسلامية جمعيات جديدة باسم الدفاع عن السنة المحمدية - وباسم أنصار السنة وأنصار الصحابة، وكتبت كتب عديدة لشتم وتكفير الشيعة وأئمتهم والاستهزاء بعلمائهم، وروجت وسائل الإعلام العالمية هذه الأفكار في كل أقطار العالم الإسلامي وغير الإسلامي، وأصبح حديث الناس اليوم هو السنة والشيعة. وكثيرا ما ألتقي في المناسبات مع بعض الشباب المثقف من المسلمين الصادقين الذين يتساءلون ويسألون عن حقيقة الشيعة وباطلهم، وهم حائرون بين ما يشاهدونه ويعيشونه مع أصدقاء لهم من الشيعة وما [ صفحه 6] يسمعونه ويقرؤونه عنهم ولا يعلمون أين يوجد الحق. وقد تحدثت مع البعض

منهم وأهديت لهم كتابي ثم اهتديت والحمد لله أن الأغلبية من هؤلاء وبعد المناقشة والبحث يهتدون لمعرفة الحق فيتبعونه، ولكن هذا يبقي مقصورا علي نخبة من الشباب الذين ألتقي بهم صدفة، أما البقية فقد لا يتاح لهم مثل هذا اللقاء فتبقي مشوشة الفكر بين الآراء المتضاربة. وبالرغم من وجود الأدلة المقنعة والحجج الدامغة في كتاب ثم اهتديت وكتاب مع الصادقين إلا أنهما لا يكفيان لمواجهة تلك الحملات المسعورة والدعايات المكثفة التي تمولها بعض الجهات الشريرة بالبتر ودولار في مختلف وسائل الأعلام. وبالرغم من كل ذلك سيبقي صوت الحق مدويا وسط الضوضاء المزعجة ويبقي بصيص النور مضيئا الظلام الدامس لأن وعد الله حق ولا بد لوعده من نفاذ قال تعالي: يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون [الصف: 8]. وقال تعالي مبينا بأن أعمالهم هذه ستبوء بالفشل وتنقلب عليهم: إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلي جهنم يحشرون [الأنفال: 36]. لأجل ذلك، كان واجبا علي العلماء والكتاب والمفكرين أن يوضحوا للناس ما أشكل عليهم ويهدوهم سواء السبيل. قال تعالي: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدي من بعد ما بيناه للناس في الكتاب، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم [البقرة: 160]. فلما لا يتكلم العلماء ويبحثون في هذا الموضوع بجد وإخلاص لوجه الله تعالي، وإذا كان سبحانه قد أنزل البينات والهدي، وإذا كان قد أكمل الدين وأتم النعمة، وإذا كان رسوله صلي الله عليه وآله وسلم قد أدي [ صفحه 7] الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة، فلماذا هذه التفرقة

والعداوة والبغضاء والتنابز بالألقاب، وتكفير بعضنا البعض. وأنا بدوري أقف وقفة صريحة هنا لأقول لكل المسلمين بأن لا خلاص ولا نجاة ولا وحدة ولا سعادة ولا جنة إلا بالرجوع إلي الأصلين الأساسين كتاب الله وعترة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، وإلا بالركوب في سفينة النجاة وهي مركب أهل البيت عليهم السلام. وليس هذا القول كلاما من اختراعي، إنما هو كلام الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، إن المسلمين اليوم أمام اتجاهين اثنين في طريق الوحدة المنشودة. الأول: هو أن يقبل أهل السنة والجماعة بمذهب أهل بيت الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وهو ما يأخذ به الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، ويصبح بذلك المذهب الخامس لديهم ويتعاملون مع نصوص الفقهية بالنحو الذي يتعاملون به مع المذاهب الإسلامية الأربعة، فلا ينقصونه ولا ينبزون معتنقيه بشئ ويتركون للطلبة والمثقفين حرية اختياره المذهب الذي يقتنعون به، وضمن نفس السياق فإن علي المسلمين - سنة وشيعة - القبول بالمذاهب الإسلامية الأخري كالأباضية والزيدية.. ورغم أن هذا الاتجاه يمثل حلا يوفر علي أمتنا كثيرا من التنافر والتفرقة إلا أنه لا ينهض إلي مستوي المعالجة الحاسمة للمعضل التاريخي الذي تعيشه منذ قرون. - الاتجاه الثاني: هو أن يتوحد المسلمون كافة علي عقيدة واحدة رسمها كتاب الله ورسوله وذلك عن طريق واحد وصراط مستقيم وهو اتباع أئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولهذا السبب فالمسلمون كافة سنة وشيعة متفقون علي أعلميتهم وتقدمهم في كل شئ من تقوي وورع وزهد وأخلاق وعلم وعمل، ويختلف المسلمون في الصحابة، فليدع المسلمون ما اختلفوا فيه إلي ما اتفقوا عليه، من باب قول الرسول صلي الله

عليه وآله وسلم دع ما يريبك إلي ما لا يريبك. فتجتمع بذلك الأمة وتتوحد علي قاعدة أساسية هي مدار كل شئ أسسها صاحب الرسالة في قوله: تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا، [ صفحه 8] كتاب الله وعترتي أهل بيتي صحيح مسلم. وإذا كان هذا الحديث صحيحا عند الطرفين بل عند كل المسلمين علي اختلاف مذاهبهم، فما بال قسم من المسلمين لا يعمل به؟؟؟ ولو عمل المسلمون كافة بهذا الحديث لنشأت بينهم وحدة إسلامية قوية لا تزعزعها الرياح ولا تهدها العواصف، ولا يبطلها الإعلام ولا يفشلها أعداء الإسلام. وحسب اعتقادي أن هذا هو الحل الوحيد لخلاص المسلمين ونجاتهم وما سواه باطل وزخرف من القول، والمتتبع للقرآن والسنة النبوية والمطلع علي التاريخ والمتدبر فيه بعقله يوافقني بلا شك علي هذا. أما إذا فشل الاتجاه الأول وهو فاشل من أول يوم فارق فيه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الحياة حيث اختلف الصحابة وتسبب ذلك في انقسام الأمة وتمزيقها، وحيث فشلت الأمة عبر قرون في الرجوع إلي الاتجاه الثاني وهو الاعتصام بالكتاب والعترة، لما بثته وسائل الإعلام قديما في العهدين الأموي والعباسي، وحديثا في عصرنا الحاضر من تشويه وتضليل وتكفير لأتباع أهل البيت النبوي - فلم يبق أمامنا حينئذ إلا المواجهة بصراحة وإظهار الحق لكل من يرغب به، متوخين في ذلك أسلوب القرآن الكريم إذ يتحدي فيقول:.. قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين [البقرة: 111]. والبرهان والحجة لا يفرضان بالقوة ولا بالأموال ولا يطرحان بوسائل الترغيب والترهيب عند الأحرار الذين باعوا أنفسهم لله وحده ولم ولن يرضوا بديلا للحق ولو كلفهم ذلك إزهاق النفوس. فيا ليت علماء الأمة اليوم يعقدون مؤتمرا ليبحثوا

فيه هذه المسائل بقلوب منفتحة وعقول واعية ونفوس صافية، ويخدمون بذلك الأمة الإسلامية ويعملون علي لم شتاتها وتضميد جراحاتها وتوحيد صفوفها وجمع كلمتها. إن هذه الوحدة قادمة لا محالة أحبوا أم كرهوا لأن الله سبحانه رصد لها إماما من ذرية المصطفي سيملئها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. وهذا الإمام هو من العترة الطاهرة وكأن الله سبحانه جلت حكمته يمتحن [ صفحه 9] هذه الأمة طيلة حياتها، حتي إذا قرب أجلها كشف لها عن خطأ اختيارها وأعطاها فرصة للرجوع إلي الحق واتباع النهج الأصيل الذي دعا إليه محمد صلي الله عليه وآله وسلم الذي كان يقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. وإلي أن يحين ذلك الوقت أقدم كتابي هذا فاسئلوا أهل الذكر وهو جملة من الأسئلة مع الإجابة عليها من خلال مواقف وتعاليم أئمة أهل البيت سلام الله عليهم - عسي أن يستفيد منها المسلمون في كل البلاد الإسلامية ويعملوا علي تقريب وجهات النظر للإعداد للوحدة المنشودة. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، أسأله سبحانه وتعالي أن يتقبل عملي ويجعل فيه الخير والبركة، فما هو إلا لبنة واحدة لبناء رباط الوحدة. أقول هذا لأن المسلمين اليوم ما زالوا بعيدين عن أبسط حقوق الإنسان والتعامل بالحسني مع بعضهم البعض. لمست ذلك بنفسي خلال رحلاتي وزياراتي الكثيرة في البلدان الإسلامية أو البلدان التي فيها مسلمون. وآخرها عهدا في القارة الهندية التي يسكنها أكثر من مائتي مليون مسلم ربعهم شيعة وثلاثة أرباعهم من السنة، وقد سمعت عنهم الكثير ولكن ما شاهدته يبعث فعلا علي الدهشة والحيرة والخوف، ولقد تأسفت وبكيت علي مصير

هذه الأمة، وكاد اليأس يدب إلي قلبي لولا الرجاء والأمل والإيمان. وفور رجوعي من الهند أرسلت رسالة مفتوحة إلي العالم الهندي الذي يرجع إليه أهل السنة والجماعة في تلك القارة وهو أبو الحسن الندوي ووعدته بنشرها مع الرد عليها ولكن لم أتلق الرد عليها حتي الآن وإني أنشرها في مقدمة هذا الكتاب كما هي لتكون وثيقة تاريخية تشهد لنا عند الله وعنه الناس بأننا من دعاة الوحدة. الدكتور محمد التيجاني السماوي [ صفحه 11]

رسالة مفتوحة إلي السيد أبوالحسن الندوي العالم الهندي

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وآله الطاهرين رسالة مفتوحة إلي السيد أبو الحسن الندوي العالم الهندي السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته وبعد: أنا محمد التيجاني السماوي التونسي الذي من الله عليه بالهداية والتوفيق فاعتنق مذهب أهل البيت النبوي بعد بحث طويل وبعد ما كنت مالكيا ومن أتباع الطريقة الصوفية المشهورة في شمال إفريقيا وهي التيجانية، وعرفت الحق من خلال رحلة موفقة إلي علماء الشيعة، وكتبت في ذلك كتابا أسميته ثم اهتديت ثم طبعه عندكم في الهند من طرف المجمع العلمي الإسلامي بعدة لغات وبالمناسبة دعيت لزيارة الهند. سيدي العزيز قدمت إلي الهند في زيارة قصيرة، وكان أملي أن ألتقي بحضرتكم لما أسمعه عنكم ولما أعلمه بأنكم المشار إليه بين أهل السنة والجماعة عندكم. ولكن عاقني عن ذلك بعد المسافة وضيق الوقت، واكتفيت بزيارة مدينة بومباي وبونة وجبل بور وبعض المدن الأخري في كوجراتي وتألمت كثيرا لما شاهدته في الهند من عداوة وبغضاء بين أهل السنة والجماعة وإخوانهم المسلمين من الشيعة. وقد كنت أسمع بأنهم يتحاربون ويتقاتلون أحيانا وتسفك دماء بريئة من الطرفين باسم الإسلام. [ صفحه 12] ولم أكن أصدق، معتقدا بأنه مبالغة في التشويه،

ولكن ما شاهدته وما سمعته من خلال زيارتي يبعث حقا علي الحيرة والاستغراب وأيقنت بأن هناك نوايا خسيسة ومؤامرات خطيرة تحاك ضد الإسلام والمسلمين للقضاء عليهم جميعا سنة وشيعة ومما زاد يقيني وضوحا وعلمي رسوخا تلك المقابلة التي دارت بيني وبين مجموعة من علماء أهل السنة يتقدمهم الشيخ عزيز الرحمن مفتي الجماعة الإسلامية وكان اللقاء في مسجدهم بومباي وبدعوة منهم. وما أن حللت بينهم حتي بدأ الازدراء والتهكم والسب واللعن لشيعة آل البيت، وقد أرادوا بذلك استفزازي وإثارتي لعلمهم مسبقا بأني قد ألفت كتابا يدعو للتمسك بمذهب أهل البيت سلام الله عليهم. ولكني فهمت قصدهم وتمالكت أعصابي وابتسمت لهم قائلا: أنا ضيف عندكم وأنتم الذين دعوتموني فجئتكم مسرعا ملبيا، فهل دعوتموني لتسبوني وتشتموني، وهل هذه هي الأخلاق التي علمكم إياها الإسلام؟؟ فأجابوني بكل صلافة بأني لم أكن يوما في حياتي مسلما لأنني شيعي والشيعة ليسوا من الإسلام في شئ وأقسموا علي ذلك. قلت: اتقوا الله يا إخوتي فربنا واحد ونبينا واحد وكتابنا واحد وقبلتنا واحدة، والشيعة يوحدون الله ويعملون بالإسلام اقتداءا بالنبي وأهل بيته، وهم يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة ويحجون بيت الله الحرام، فكيف يجوز لكم تكفيرهم؟؟ أجابوني: أنتم لا تؤمنون بالقرآن، أنتم منافقون تعملون بالتقية وإمامكم قال: التقية ديني ودين آبائي. وأنتم فرقة يهودية أسسها عبد الله بن سبأ اليهودي. قلت لهم مبتسما: دعونا من الشيعة، وتكلموا معي أنا شخصيا فقد كنت مالكيا مثلكم واقتنعت بعد بحث طويل بأن أهل البيت هم أحق وأولي بالاتباع، فهل عندكم حجة تجادلوني بها، أو تسألوني ما هو دليلي وحجتي عسي أن نفهم بعضنا بعضا؟ [ صفحه 13] قالوا: أهل البيت هم نساء النبي وأنت لا تعرف من

القرآن شيئا قلت: فإن صحيح البخاري وصحيح مسلم يفيدان غير ما ذكرتم! قالوا: كل ما في البخاري ومسلم وكتب السنة الأخري من حجج تحتجون بها هي من وضع الشيعة دسوها في كتبنا. أجبتهم ضاحكا: إذا كان الشيعة وصلوا للدس في كتبكم وفي صحاحكم فلا عبرة ولا قيمة لها لمذهبكم القائم عليها!! فسكتوا وأفحموا ولكن أحدهم عمد إلي التهريج والإثارة من جديد فقال: من لا يؤمن بخلافة الخلفاء الراشدين سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا علي وسيدنا معاوية وسيدنا يزيد رضي الله عنه وأرضاه فليس بمسلم! ودهشت لهذا الكلام الذي ما سمعت مثله في حياتي وهو تكفير من لا يعتقد بخلافة معاوية وابنه يزيد، وقلت في نفسي: معقول أن يترضي المسلمون علي أبي بكر وعمر وعثمان فهذا أمر طبيعي أما علي يزيد فلم أسمع ذلك إلا في الهند. والتفت إليهم جميعا أسألهم: أتوافقون هذا علي رأيه! فأجابوا كلهم: نعم. وعند ذلك عرفت بأن لا فائدة في مواصلة الكلام، وفهمت بأنهم إنما يريدون إثارتي حتي ينتقموا مني، وربما يقتلوني بدعوي سب الصحابة فمن يدري؟ ورأيت في أعينهم شرا وطلبت من مرافقي الذي جاء بي إليهم أن يخرجني فورا، فأخرجني وهو يتحسر ويعتذر إلي علي ما وقع. وهذا الشخص البرئ الذي كان يرمي من وراء هذا اللقاء أن يتعرف علي الحقيقة هو الشاب المهذب شرف الدين صاحب المكتبة والمطبعة الإسلامية في بومباي فهو شاهد علي كل ما دار بيننا من هذه المحاورة المذكورة ولم يخف استياءه من هؤلاء الذين كان يعتقد بأنهم من أكبر العلماء. [ صفحه 14] وغادرتهم وأنا ساخط متأسف علي ما وصلت إليه حالة المسلمين وخصوصا الذين يتزعمون مراكز الصدارة ويتسمون بالعلماء وقلت

في نفسي إذا كان العلماء بهذه الدرجة من التعصب الأعمي فكيف يكون عامة الناس وجهالهم، وعرفت عندئذ كيف كانت تقوم المعارك والحروب التي تسفك فيها الدماء المحرمة وتهتك فيها الأعراض والحرمات باسم الدفاع عن الإسلام، وبكيت علي مصير هذه الأمة التعيسة المنكوبة التي حملها الله سبحانه مسؤولية الهداية وحملها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أيضا مسؤولية إيصال النور إلي القلوب المظلمة فإذا بها تصبح بحاجة إلي بصيص من النور، وفي وقت يكون فيه في الهند وحدها سبعمائة مليون نسمة يعبدون غير الله تعالي، ويقدسون البقر والأصنام والأوثان، وبدلا من أن تتوحد جهود المسلمين لهدايتهم وإرشادهم وإخراجهم من الظلمات إلي النور حتي يسلموا لرب العالمين، نري أن المسلمين اليوم وخصوصا في الهند هم بحاجة إلي الهداية والتصحيح. لهذا سيدي أرفع كتابي إليكم داعيا إياكم باسم الله الرحمن الرحيم وباسم رسوله الكريم وباسم الإسلام العظيم ولقوله تعالي: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا أدعوكم أن تقفوا وقفة المسلم الشجاع الذي لا يخشي في الله لومة لائم ولا تأخذه العصبية ولا الطائفية إلي حيث يحب الشيطان وأولياءه. أدعوكم لوقفة مخلصة وصريحة، فأنتم من الذين حملهم الله المسؤولية ما دمتم تتكلمون باسم الإسلام في تلك الربوع، فلا يرضي الله منكم أن تقفوا وقفة المتفرج الراضي بما يقع هنا وهناك من مآس يدفع ثمنها الأبرياء من المسلمين سنة وشيعة، والله سائلكم يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة ومحاسبكم عن كل شاردة وواردة لأنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون فعلي قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي علي قدر الكرام المكارم. [ صفحه 15] وما دمتم تتزعمون علماء الهند فمسؤوليتكم عظمي لا شك فيها وكلمة منكم قد يكون

فيها صلاح الأمة في الهند كما قد يكون فيها هلاك الحرث والنسل فاتقوا الله يا أولي الألباب!. وبما أن الله سبحانه أعطي للعلماء المرتبة الأولي بعد الملائكة فقال عز من قائل: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط. وإذا كان سبحانه يأمرنا جميعا بقوله: وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان وإذا كان المفسرون يذهبون إلي ضرورة إقامة العدل في الموازين المادية ذات القيمة المحدودة، فما بالكم بإقامة العدل في القضايا العقائدية التي تتأرجح بين الحق والباطل وتتوقف عليها هداية البشرية ونجاة الإنسانية بأسرها. قال الله تعالي: وإذا حكمتم فاحكموا بالعدل وقال أيضا: يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله. وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: قل الحق ولو علي نفسك، قل الحق ولو كان مرا. سيدي العزيز إلي كتاب الله أدعوكم، وإلي سنة رسوله أدعوكم، فقولوها صريحة مدوية ولو كانت مرة تكون لكم شهادة عند الله، بربك هل الشيعة عندكم غير مسلمين. هل تعتقدون حقا أنهم كفار؟ هل أتباع أهل البيت النبوي الذين يوحدون الله ويعظمونه أكثر من كل الفرق - لقولهم بتنزيهه عن المشابهة والمشاكلة والتجسيم. ويؤمنون برسوله محمد صلي الله عليه وآله وسلم ويعظمونه أكثر من كل الفرق - لقولهم بعصمته المطلقة حتي قبل البعثة، هل هؤلاء تحكمون بكفرهم؟؟ هل الذين يتولون الله ورسوله والذين آمنوا، ويهوون هوي عترة النبي [ صفحه 16] ويوالونهم، كما عرفهم ابن منظور في لسان العرب في مادة شيعة، فهل تقولون أنتم بأنهم غير مسلمين؟؟ هل هؤلاء الشيعة الذين يقيمون الصلاة كأفضل قيام، ويؤتون الزكاة ويزيدون عليها خمس أموالهم

طاعة لله ولرسوله ويصومون رمضان وغيره من الأيام ويحجون البيت ويعظمون شعائر الله ويحترمون أولياء الله ويتبرؤون من أعداء الله وأعداء الإسلام، هل هؤلاء عندكم مشركون؟؟ هل الذين يقولون بإمامة اثني عشر إماما من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وقد نص عليهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، كما أخرج ذلك البخاري ومسلم وغيرهما من صحاح أهل السنة، هل هؤلاء عندكم مارقين عن الإسلام؟؟ هل كان المسلمون يوما يجهلون الإمامة ولا يقرون بها سواء كان ذلك في حياة الرسول أو بعد وفاته حتي نلصق نظرية الإمامة ومبادئها بالفرس والمجوس؟ وهل تقولون فعلا بكفر من لا يعترف بإمامة يزيد بن معاوية الذي عرف فسقه الخاص والعام من المسلمين، ويكفي يزيد خسة وسقوطا ما أجمع عليه المسلمون من إباحته المدينة المنورة لجيشه وجنده يفعلون فيها ما يشاؤون لأخذ البيعة له بالقهر علي أنهم له عبيد، فقتلوا عشرة آلاف من خيرة الصحابة والتابعين وهتكوا فيها أعراض المحصنات من النساء والفتيات المسلمات حتي ولدن من سفاح ما لا يحصي عدده إلا الله. ويكفيه عارا وشنارا وخزيا مدي الدهر قتله سيد شباب أهل الجنة وسبيه بنات الرسول، وضربه ثنايا الحسين بقضيبه وتمثله بالأبيات المعروفة: ليت أشياخي ببدر شهدوا إلي قوله لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل. وهو صريح بأنه لا يؤمن بنبوة محمد ولا بالقرآن الكريم، فهل حقا [ صفحه 17] توافقون علي تكفير من تبرأ من يزيد وأبيه معاوية الذي كان يلعن عليا ويأمر بلعنه بل ويقتل كل من امتنع عن ذلك من خيرة الصحابة كما فعل مع حجر بن عدي الكندي وأصحابه، وسنها سنة متبعة دامت سبعون عاما، وهو يعلم

قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله. كما أخرج ذلك صحاح أهل السنة. إضافة إلي ما قام به من أعمال تتنافي مع الإسلام، وقتله الأبرياء والصلحاء من أجل أخذ البيعة لابنه يزيد بالقهر والقوة، وقتله الحسن بن علي عن طريق جعدة بنت الأشعث، إلي جرائم أخري كثيرة يذكرها له التاريخ عند أهل السنة كما يشهد له بها شيعة علي. فما أظنكم سيدي توافقون علي كل ذلك، وإلا فعلي الإسلام السلام، وعلي الدنيا العفا. وعندها لا يبقي بعد ذلك مقاييس ولا عقل ولا شرع ولا منطق ولا دليل. والله سبحانه وتعالي يقول: يا أيها الذين آمنوا اتقوا وكونوا مع الصادقين. ولقد صدق والله عالم الباكستان المغفور له أبو الأعلي المودودي رحمه الله عندما ذكر في كتابه المسمي بالخلافة والملك في صفحة 106 نقلا عن الحسن البصري قوله: أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن له إلا واحدة لكانت موبقة له: 1 - أخذه الأمر من غير مشورة المسلمين وفيهم بقايا الصحابة ونور الفضيلة. 2 - استخلافه بعده ابنه السكير الخمير الذي يلبس الحرير ويضرب الطنابير. 3 - إدعاؤه زيادا وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر. [ صفحه 18] 4 - قتله حجرا وأصحاب حجر فيا ويلا له من حجر وأصحاب حجر (أعادها ثلاثا). فرحم الله أبا الأعلي المودودي الذي صدع بالحق ولو شاء لزاد فوق هذه الخصال الأربع أربعين ولكنه رحمه الله رأي أن في ذلك كفاية لتكون موبقة لمعاوية، والمعروف أن كلمة موبقة معناه (توبق في النار). ولعل المودودي كان يراعي عواطف الناس الذين تعلموا من أسلافهم

تقديس معاوية واحترامه والترضي عليه بل وحتي علي ابنه يزيد أيضا كما سمعت ذلك بنفسي من علمائكم في الهند فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ولكل ذلك راعيت أنا أيضا عواطف أولئك الذين دعوني ليستفزوني، فلم أذكر لهم شيئا من ذلك خوفا علي نفسي. فأنا أهيب بكم سيدي أن تقفوا وقفة صريحة تبغون بها وجه الله تعالي فإن الله لا يستحي من الحق ولا أطلب منكم الاعتراف بمساوئ هؤلاء ولا بنشر فضائحهم فالتاريخ كفانا وإياكم مؤونة ذلك. ولكن المطلوب منكم أن تعترفوا وتعلموا أتباعكم بأن الذين لا يعترفون بإمامة هؤلاء ولا يوالونهم، هم مسلمون حقيقيون جديرون بالاحترام وليس في ذلك شك. أن تقولوا بأن الشيعة مظلومون علي مر التاريخ لأنهم لم يتبعوا ولم يعترفوا بإمامة الشجرة الملعونة التي ضربها الله مثلا في القرآن. فما هو ذنب الشيعة بربكم، إذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يأمر المسلمين باتباع أهل بيته من بعده حتي جعلهم كسفينة نوح ينجو من يركب فيها ويهلك من يتخلف عنها. وما ذنب الشيعة إذا امتثلوا لأمر الرسول بقوله تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كما تشهد بذلك صحاح السنة فضلا عن كتب الشيعة. [ صفحه 19] وبدلا من شكرهم وتقديمهم وتفضيلهم علي غيرهم لامتثالهم أوامر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، نشتمهم ونكفرهم ونتبرأ منهم، فما هذا بإنصاف ولا هو معقول. دعونا سيدي من أقوال التخريف والتزييف التي لم تعد تقوم علي دليل وبرهان ولم تعد تنطلي علي المثقفين من أبناء أمتنا، من أن الشيعة لهم قرآن خاص بهم، أو أنهم يقولون بأن صاحب الرسالة هو علي، أو أن

عبد الله بن سبأ اليهودي هو مؤسس التشيع، إلي غير ذلك من الأقوال السخيفة المغرضة التي يشهد الله أنها من خيال أعداء الإسلام وأعداء أهل البيت وشيعتهم، والتي ما أوجدها إلا التعصب الأعمي والجهل المقيت. وأنا أسأل سيدي العزيز أين علماء الهند من علماء الأزهر الشريف الذين أفتوا بجواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية منذ ثلاثين عاما، ومن علماء الأزهر الأعلام من يري بأن الفقه الجعفري الذي تعمل به الشيعة هو أشمل وأثري وأقرب إلي روح الإسلام من المذاهب الإسلامية الأخري التي هي عيال عليه. وعلي رأس هؤلاء فضيلة الشيخ محمود شلتوت رحمه الله الذي ترأس الأزهر في حياته فهل أمثال هؤلاء العلماء لا يعرفون الإسلام والمسلمين؟ أم أن علماء الهند أعلم منهم وأعرف؟ فما أظنكم تقولون بذلك!! سيدي الكريم أملي فيكم وطيد وقلبي إليكم مفتوح بالمحبة والشفقة والحنان، وقد كنت في ما مضي مثلكم محجوب عن الحقيقة وعن أهل البيت وشيعتهم، فهداني الله سبحانه إلي الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، وتحررت من قيود التعصب والتقليد الأعمي، وعرفت بأن أغلب المسلمين لا زالت تحجبهم الإشاعات والأباطيل وتصدهم الدعايات عن الوصول إلي الحقيقة ليركبوا جميعا في سفينة النجاة ويعتصموا بحبل الله المتين فليس هناك كما تعلمون بين السنة والشيعة فرق إلا فيما اختلفوا فيه بعد الرسول من أجل الخلافة، وأساس الفرقة هو اعتقادهم في الصحابة، [ صفحه 20] والصحابة رضي الله عنهم اختلفوا فيما بينهم حتي لعنوا بعضهم بل وتحاربوا وقتل بعضهم بعضا. فإن يكن الاختلاف فيهم خروجا عن الإسلام فالصحابة هم أولي بهذه التهمة والعياذ بالله. ولا أعتقد بأنكم ترضون بذلك والإنصاف يدعوكم أن لا ترضوا بإخراج الشيعة عن الإسلام وكما دأب الشيعة علي تقديس

أهل البيت واحترامهم كذلك دأب السنة علي احترام الصحابة وتقديسهم أجمعين وشتان بين الموقفين، فإذا كان الشيعة في ذلك مخطئين فأهل السنة أولي بالخطأ، لأن الصحابة بأجمعهم يقدمون علي أنفسهم أهل البيت ويصلون عليهم كصلاتهم علي النبي ولم نعرف أحد من الصحابة رضوان الله عليهم قدم نفسه أو فضلها علي أهل بيت المصطفي في علم أو في عمل. فالوقت قد حان لرفع المظلمة التاريخية عن شيعة أهل البيت والتقارب معهم والتآخي والتعاون علي البر والتقوي - ويكفي هذه الأمة إراقة الدماء وإثارة الفتن. فعسي الله سبحانه يجمع بكم الكلمة ويلم بكم الشتات ويرتق بكم الفتق ويداوي بكم هذه الجراح ويخمد بكم نار الفتنة ويخزي بكم الشيطان وحزبه فتكونون عند الله من الفائزين خصوصا وأنكم من سلالة العترة الطاهرة علي ما أسمع، فاعملوا علي أن تحشروا معهم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون. وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وفقكم الله وإيانا لما فيه خير البلاد والعباد وجعلكم الله وإيانا من العاملين المخلصين لوجهه الكريم. أبعث لسيادتكم وبصحبة هذه الرسالة نسخة من كتاب ثم اهتديت الذي ألفته بخصوص هذا الموضوع هدية مني إليكم عسي أن يجد لديكم القبول. والسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته المخلص محمد التيجاني السماوي التونسي [ صفحه 21]

فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون

سورة النحل آية 43. وسورة الأنبياء آية 7. إن هذه الآية الكريمة تأمر المسلمين بالرجوع إلي أهل الذكر في كل ما أشكل عليهم حتي يعرفوا وجه الصواب لأن الله رشحهم لذلك بعد ما علمهم، فهم الراسخون في العلم الذين يعلمون تأويل القرآن. وقد نزلت هذه الآية لتعرف بأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وذلك

في عهد النبوة، أما بعد النبي وحتي قيام الساعة فهم هؤلاء الخمسة المذكورين أصحاب الكساء يضاف إليهم الأئمة التسعة من ذرية الحسين الذين عينهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في عدة مناسبات وسماهم أئمة الهدي ومصابيح الدجي وأهل الذكر، والراسخون في العلم الذين أورثهم الله سبحانه علم الكتاب. وهذه الروايات ثابتة صحيحة ومتواترة عند الشيعة منذ عهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقد أخرجها بعض علماء أهل السنة ومفسروهم معترفين بنزولها في أهل البيت عليهم الصلاة والسلام. أذكر من هؤلاء علي سبيل المثال: 1 - الإمام الثعلبي في تفسيره الكبير في معني هذه الآية من سورة النحل. [ صفحه 22] 2 - تفسير القرآن لابن كثير في جزئه الثاني الصفحة 570. 3 - تفسير الطبري في جزئه الرابع عشر الصفحة 109. 4 - تفسير الآلوسي المسمي روح المعاني في جزئه الرابع عشر الصفحة 134. 5 - تفسير القرطبي في جزئه الحادي عشر الصفحة 272. 6 - تفسير الحاكم المسمي شواهد التنزيل في جزئه الأول الصفحة 334. 7 - تفسير التستري المسمي إحقاق الحق في جزئه الثالث الصفحة 482. 8 - ينابيع المودة للقندوزي الحنفي الصفحة 51 و 140. ولما كان أهل الذكر في ظاهر الآية هم أهل الكتاب من اليهود والنصاري كان لزاما علينا أن نوضح بأنهم ليسوا المقصودين من الآية الكريمة. أولا: لأن القرآن الكريم ذكر في العديد من الآيات بأنهم حرفوا كلام الله وكتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا وشهد بكذبهم وتقليبهم الحقائق فلا يمكن والحال هذه أن يأمر المسلمين بأن يرجعوا إليهم في المسائل التي لا يعلمونها. ثانيا: روي البخاري في صحيحه في

كتاب الشهادات باب لا يسأل أهل الشرك من الجزء الثالث صفحة 163. عن أبي هريرة: قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل الآية. وهو يفيد عدم الرجوع إليهم في المسألة وتركهم وإهمالهم، لأن عدم [ صفحه 23] التصديق وعدم التكذيب ينفيان الغرض وهو السؤال الذي ينتظر الجواب الصحيح. ثالثا: روي البخاري في صحيحه من كتاب التوحيد باب قول الله تعالي: كل يوم هو في شأن من جزئه الثامن صفحة 208. عن ابن عباس قال: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شئ وكتابكم الذي أنزل الله علي نبيكم صلي الله عليه وآله وسلم أحدث الأخبار بالله محضا لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله وغيروا فكتبوا بأيديهم قالوا هو من عند الله ليشتروا بذلك ثمنا قليلا أو لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم. فلا والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم. رابعا: لو سألنا أهل الكتاب من النصاري اليوم فإنهم يدعون بأن عيسي هو إله واليهود يكذبونهم ولا يعترفون به حتي نبيا. وكلاهما يكذب بالإسلام ونبي الإسلام ويقولون عنه كذاب ودجال - لكل هذا لا يمكن أن يفهم من الآية بأن الله أمرنا بمسألتهم ولما كان أهل الذكر في ظاهر الآية هم أهل الكتاب من اليهود والنصاري. فإن هذا لا ينفي أنها نازلة في أهل بيت النبوة كما ثبت عند الشيعة والسنة من طرق صحيحة وبذلك يفهم منها أن الله سبحانه وتعالي أورث علم الكتاب الذي ما فرط فيه من شئ إلي هؤلاء الأئمة الذين اصطفاهم من عباده ليرجع إليهم الناس في

التفسير والتأويل وبذلك تضمن هدايتهم - إذا ما أطاعوا الله ورسوله. ولأن الله سبحانه وجلت حكمته أراد أن يخضع الناس عامة إلي نخبة منهم اصطفاهم وعلمهم علي الكتاب لكي تسهل القيادة وتنتظم أحوال الناس بذلك، فلو غاب هؤلاء عن حياة الناس لأصبح المجال مفتوحا أمام المدعين والجاهلين ولركب كل واحد هواه واضطربت أمور الناس ما دام كل واحد يمكنه ادعاء الأعلمية. [ صفحه 24] ولأبرهن علي الرأي بعد اقتناعي بأن أهل البيت هم أهل الذكر - فسأورد بعض الأسئلة التي ليس لها جواب عند أهل السنة والجماعة، أو أن لها جوابا ولكن متكلف لا يستند إلي حجة يقبلها الباحث المحقق. أما جوابها الحقيقي فهو عند هؤلاء الأئمة الأطهار الذين ملأوا الدنيا علما ومعرفة، وعملا وصلاحا. [ صفحه 25]

فيما يتعلق بالخالق جل جلاله

اشاره

السؤال الأول: حول رؤية الله سبحانه وتجسيمه: يقول الله سبحانه في كتابه العزيز: لا تدركه الأبصار [الأنعام: 103]. وليس كمثله شئ [الشوري: 11] ويقول لموسي لما طلب رؤيته، لن تراني [الأعراف: 143]. فكيف تقبلون بالأحاديث المروية في صحيح البخاري وصحيح مسلم بأن الله سبحانه يتجلي لخلقه ويرونه كما يرون القمر ليلة البدر [1] ، وأنه ينزل إلي سماء الدنيا في كل ليلة [2] ويضع قدمه في النار فتمتلئ [3] وأنه يكشف عن ساقه لكي يعرفه المؤمنون [4] وأنه يضحك ويتعجب، وإلي غير ذلك من الروايات التي تجعل من الله جسما متحركا ومتحولا، له يدان ورجلان وله أصابع خمسة يضع علي الأول منها السماوات وعلي الإصبع الثاني الأرضين، والشجر علي الإصبع الثالث وعلي الرابع يضع الماء [ صفحه 26] والثري ويضع بقية الخلائق علي الإصبع الخامس [5] وله دار يسكن فيها ومحمد يستأذن للدخول عليه في داره

ثلاث مرات [6] تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا - سبحان ربك رب العزة عما يصفون. والجواب علي هذا عند أئمة الهدي ومصابيح الدجي هو التنزيه الكامل لله سبحانه وتعالي عن المجانسة والمشاكلة والتصوير والتجسيم والتشبيه والتحديد. يقول الإمام علي عليه السلام في ذلك: الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود ولا وقت معدود ولا أجل ممدود فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلي منه كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شئ لا بمقارنة وغير كل شئ لا بمزايلة، فاعل لا بمعني الحركات والآلة بصير إذ لا منظور إليه من خلقه [7] . وإني ألفت نظر الباحثين من الشباب المثقفين إلي الكنوز التي تركها الإمام علي عليه السلام والتي جمعت في نهج البلاغة ذلك السفر القيم الذي لا يتقدمه إلا القرآن والذي بقي مع الأسف مجهولا لدي أغلبية الناس نتيجة الإعلام والإرهاب والحصار المضروب من قبل الأمويين والعباسيين [ صفحه 27] علي كل ما يتصل بعلي بن أبي طالب. ولست مبالغا إذا قلت بأن في نهج البلاغة كثيرا من العلوم والنصائح التي يحتاجها الناس علي مر العصور، وفي نهج البلاغة علم الأخلاق وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد وإشارات قيمة في علم الفضاء والتكنولوجيا إضافة إلي الفلسفة والسلوك والسياسة والحكمة. وقد أثبت ذلك

شخصيا في الأطروحة التي قدمتها إلي جامعة السربون والتي نوقشت علي مواضيع أربعة اخترتها من نهج البلاغة وحصلت من خلالها علي شهادة الدكتوراه. فيا ليت المسلمين يولون نهج البلاغة عناية خاصة فيبحثون فيه كل الأطروحات وكل النظريات فهو بحر عميق كلما غاص فيه الباحث استخرج منه اللؤلؤ والمرجان. تعليق: هناك فرق واضح بين العقيدتين: عقيدة أهل السنة والجماعة التي تقول بالتجسيم وتجعل من الله سبحانه وتعالي جسما وشكلا يري وتصوره وكأنه إنسان فهو يمشي وينزل ويحوي جسمه دار إلي غير ذلك من الأشياء المنكرة، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا. وعقيدة الشيعة الذين ينزهون الله عن المشاكلة والمجانسة والتجسيم ويقولون باستحالة رؤيته في الدنيا وفي الآخرة وأعتقد شخصيا بأن الروايات التي يحتج بها أهل السنة والجماعة كلها من دس اليهود في زمن الصحابة لأن كعب الأحبار اليهودي الذي أسلم في عهد عمر بن الخطاب هو الذي أدخل هذه المعتقدات التي يقول بها اليهود، عن طريق بعض البسطاء من الصحابة أمثال أبي هريرة ووهب بن منبه فأغلب هذه الروايات مروية في البخاري ومسلم عن أبي هريرة وقد تقدم في بحث سابق كيف أن أبا هريرة [ صفحه 28] لا يفرق بين أحاديث النبي وأحاديث كعب الأحبار حتي ضربه عمر بن الخطاب ومنعه من الرواية في قضية خلق الله السماوات والأرض في سبعة أيام. وما دام أهل السنة والجماعة يثقون في البخاري ومسلم ويجعلون منهما أصح الكتب وما دام هؤلاء يعتمدون علي أبي هريرة حتي أصبح عمدة المحدثين وأصبح عند أهل السنة راوية الإسلام فلا يمكن والحال هذه أن يغير أهل السنة والجماعة عقيدتهم إلا إذا تحرروا من التقليد الأعمي، ورجعوا إلي أئمة الهدي وعترة المصطفي وباب

مدينة العلم الذي منه يؤتي. وهذه الدعوي لا تختص بالكبار والشيوخ ولكن الشباب المثقف من أهل السنة والجماعة كذلك ومن واجبه أن يتحرر من التقليد الأعمي ويتبع الحجة والدليل والبرهان. السؤال الثاني: حول العدل الإلهي والجبر يقول الله سبحانه في كتابه العزيز: وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [الكهف: 23]. لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي [البقرة: 256]. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [الزلزلة: 8]. إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر [الغاشية: 22]. فكيف تقبلون بالأحاديث المروية في صحيح البخاري وصحيح مسلم بأن الله سبحانه قدر علي عباده أفعالهم قبل أن يخلقهم فقد روي البخاري في صحيحه [8] قال: أحتج آدم وموسي فقال له موسي: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. قال له آدم: يا موسي اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني علي أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فحج آدم موسي ثلاثا [ صفحه 29] كما روي مسلم في صحيحه [9] قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتي ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وأن أحكم ليعمل بعمل أهل النار حتي ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها. كما روي مسلم في صحيحه [10] عن

عائشة أم المؤمنين قالت: دعي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي جنازة صبي من الأنصار فقلت يا رسول الله طوبي لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم. وروي البخاري في صحيحه [11] قال رجل: يا رسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم. قال: فلم يعمل العاملون؟ قال: كل يعمل لما خلق له أو لما يسير له. سبحانك ربنا وبحمدك تباركت وتعاليت عن هذا الظلم علوا كبيرا - فكيف نصدق بهذه الأحاديث المناقضة لكتابك العزيز الذي قلت فيه وقولك الحق: إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون [يونس: 44]. إن الله لا يظلم مثقال ذرة [النساء: 40] ولا يظلم ربك أحدا [الكهف: 49]. وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون [آل عمران: 117]. [ صفحه 30] فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون [التوبة: 70 - العنكبوت: 40 - الروم: 9] وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين [الزخرف: 76]. ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد [الأنفال: 51] من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد [فصلت: 46]. وكما قال في حديث قدسي يا عبادي إني حرمت الظلم علي نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا فكيف يصدق مسلم آمن بالله وبعدالته ورحمته أن الله سبحانه خلق الخلق وحكم علي بعضهم بالجنة وعلي الآخرين بالنار حسب اختياره هو، وقدر لهم أعمالهم فكل ميسر لما خلق له. علي حسب هذه الروايات المعارضة للقرآن الكريم، وللفطرة التي

فطر الله الناس عليها، وللعقل والوجدان ولأبسط حقوق الإنسان؟ كيف نؤمن بهذا الدين يحجر العقول علي أن هذا الإنسان هو دمية تحركها أيدي القدر كيف شاءت لتلقي بها بعد ذلك في التنور - هذا الاعتقاد الذي يمنع العقول من الخلق والابتكار والإبداع والتطور والمنافسة التي تأتي بالأعاجيب ويبقي الإنسان جامدا راض بما هو فيه وبما عنده بدعوي أنه ميسر لما خلق له. كيف نقبل هذه الروايات التي تصادم العقول السليمة وتصور لنا بأن الله سبحانه هو خالق جبار قوي قاهر وله أن يخلق عباده الضعفاء ليزج بهم في نار جهنم لا لشئ إلا لأنه يفعل ما يشاء، وهل يسمي العقلاء هذا الإله حكيما أو رحيما أو عادلا؟ كيف لو تحدثنا مع المثقفين والعلماء من غير المسلمين وعرفوا بأن ربنا علي هذه الصفات وأن ديننا قد حكم علي الناس قبل ولاداتهم بالشقاء، فهل سيقبلون الإسلام ويدخلون في دين الله أفواجا؟؟ سبحانك إن هذا زور من القول ركزه الأمويون وروجوا له لحاجة في نفس يعقوب، والباحث يعرف سر ذلك. وهو زور من القول لأنه يعارض [ صفحه 31] كلامك، وحاش رسولك أن يتقول عليك بما يناقض وحيك الذي أوحيت إليه. وقد ثبت أنه صلي الله عليه وآله وسلم قال: إذا جاءكم الحديث عني فاعرضوه علي كتاب الله فما وافق الكتاب فخذوه وما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار. وكل هذه الأحاديث وأمثالها كثيرة تعارض كتاب الله وتعارض العقل فليضرب بها عرض الجدار ولا يلتفت إليها وإن كان أخرجها البخاري ومسلم فما كان معصومين عن الخطأ. ويكفينا دليلا واحدا للرد علي هذا الادعاء الباطل، هو بعثة الأنبياء والمرسلين من قبل الله إلي خلقه، وعلي طول التاريخ البشري

ليصلحوا مفاسد العباد ويوضحوا لهم الصراط المستقيم ويعلموهم الكتاب والحكمة ويبشروهم بالجنة إن كانوا صالحين وينذروهم من عذاب الله في النار إن كانوا مفسدين. ومن عدالة الله سبحانه في خلقه ورحمته بهم أنه لا يعذب إلا من بعث إليه رسولا وأقام عليه الحجة قال تعالي: من اهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخري وما كنا معذبين حتي نبعث رسولا [الإسراء: 15]. فإذا كانت هذه الروايات التي أخرجها البخاري ومسلم والتي تقول بأن الله كتب علي عباده أعمالهم قبل أن يخلقهم وحكم علي البعض منهم الجنة وعلي البعض بالنار، كما قدمنا سابقا وكما يؤمن بذلك أهل السنة والجماعة. أقول إن كان هذا صحيح، فإن إرسال الرسل وإنزال الكتب يصبح ضربا من العبث! - تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا - وما قدروا الله حق قدره - فما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم. تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين [آل عمران: 108]. والجواب علي هذا عند أئمة الهدي ومصابيح الدجي ومنار الأمة، هو تنزيه الله سبحانه عن الظلم والعبث. [ صفحه 32] فلنستمع إلي باب مدينة العلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يشرح للناس هذا الاعتقاد الذي بقي لغزا عند بعض المسلمين الذين تركوا الباب يقول عليه السلام (لما سأله أحد أصحابه: أكان مسيرنا إلي الشام بقضاء من الله وقدره؟): ويحك لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حاتما، ولو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد. إن الله سبحانه أمر عباده تخييرا، ونهاهم تحذيرا، وكلف يسيرا ولم يكلف عسيرا، وأعطي علي القليل كثيرا، ولم يعص مغلوبا، ولم

يطع مكرها، ولم يرسل الأنبياء لعبا، ولم ينزل الكتب للعباد عبثا، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار [12] صدق الإمام عليه السلام فويل للذين ينسبون العبث والظلم لله من عذاب أليم. والجدير بالذكر والحق يقال بأن أهل السنة والجماعة ينزهون الله عن العبث والظلم فإذا ما سألت أحدهم فسوف لن ينسب الظلم لجلال الله سبحانه، ولكنه سوف يجد نفسه متحرجا لرفض أحاديث أخرجها البخاري ومسلم ويعتقد ضمنيا أنها صحيحة، ولذلك تراه عندما تجادله بالمنطق المعقول، يدعي بأن ذلك لا يسمي ظلما عند الله إذ أنه الخالق، وللخالق أن يفعل في مخلوقاته ما يشاء! فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وعندما تسأله: كيف يحكم الله علي عبد بالنار قبل خلقه لأنه كتب عليه الشقاء، ويحكم علي آخر بالجنة قبل خلقه لأنه كتب عليه السعادة؟ أليس في ذلك ظلم للاثنين؟ لأن الذي يدخل الجنة لا يدخلها بعمله وإنما باختيار الله له، وكذلك الذي يدخل النار لا يدخلها بما اقترفه من ذنوبه وإنما بما قدره الله عليه. أليس في ذلك ظلم، وهو يناقض القرآن؟ فسيجيبك بأن الله فعال لما يريد. فلا تفهم من موقفه المتناقض شيئا، وهذا بديهي إذا أنه ينزل [ صفحه 33] البخاري ومسلم بمنزلة القرآن ويقول أصح الكتب بعد كتاب الله البخاري ومسلم. وفي البخاري ومسلم عجائب وغرائب ومصائب ابتلي بها المسلمون وقد نجح الأمويون ومن بعدهم العباسيون نجاحا كبيرا في بث بدعهم وعقائدهم التي تتماشي وسياستهم العقيمة وبقيت آثارهم حتي اليوم إذ يعتبرها المسلمون أعز وأعظم تراث لأنه جمع الأحاديث النبوية الصحيحة علي حد زعمهم ولو يعلم المسلمون مقدار ما كذبوا علي رسول

الله صلي الله عليه وآله وسلم من أجل أغراضهم السياسية لما صدقوا بتلك الأحاديث وخصوصا منها المتناقض مع كتاب الله. ولأن القرآن الكريم تكفل الله بحفظه ولأنه كان محفوظا عند الصحابة وكانوا يعرضونه علي النبي لذلك لم يتمكنوا من تحريفه وتبديله فعمدوا إلي السنة المطهرة فوضعوا ما شاؤوا لمن شاؤوا، وبما أنهم كانوا أعداءا لأهل البيت حفظة القرآن والسنة، اختلفوا لكل حادثة حديث نسبوه للنبي صلي الله عليه وآله وسلم. وموهوا علي المسلمين بأن هذه الأحاديث هي أصح من غيرها فقبلها الناس علي حسن نية وهم يتداولونها بالوراثة جيلا بعد جيل. وللإنصاف أقول بأن الشيعة هم الآخرون ضحية الدس والتمويه في كثير من الأحاديث التي تنسب للرسول صلي الله عليه وآله وسلم أو لأحد الأئمة الأطهار سلام الله عليهم. فهذا الدس والتمويه لم يسلم منه المسلمون سنة وشيعة علي مر التاريخ ولكن الشيعة يمتازون علي أهل السنة والجماعة بثلاثة أشياء ميزتهم علي غيرهم من الفرق الإسلامية الأخري وأبرزت عقائدهم سليمة ومتفقة مع القرآن والسنة والعقل، وهذه الأشياء الثلاثة هي: أولا: انقطاعهم لأهل البيت النبوي فهم لا يقدمونه عليهم أحدا وكلنا يعلم من هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. ثانيا: عدد أئمة أهل البيت وهو اثني عشر إماما امتدت حياتهم [ صفحه 34] وآثارهم طوال ثلاثة قرون. وقد وافق بعضهم بعضا في كل الأحكام والأحاديث ولم يختلفوا في شئ مما جعل شيعتهم وأتباعهم متعلمين في كل مجالات العلم والمعرفة بوضوح وبدون تناقض في العقائد أو في غيرها. ثالثا: اعترافهم وإقرارهم بأن ما لديهم من الكتب يحتمل الخطأ والصواب وليس عندهم كتاب صحيح إلا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه

ولا من خلفه، ويكفيك أن تعرف مثلا أن أعظم كتاب عندهم وهو أصول الكافي يقولون بأن فيه آلاف الأحاديث المكذوبة، ولذلك تجد علماءهم ومجتهديهم دائبين علي البحث والتنقيب فلا يأخذون منه إلا الثابت بالمتن والسند وما لا يتعارض مع القرآن والعقل. أما أهل السنة والجماعة فقد ألزموا أنفسهم بكتب سموها الصحاح الستة باعتبار أن كل ما فيها صحيح وأغلبهم يتناقلون هذا الرأي بالوراثة بدون بحث ولا تمحيص، وإلا فإن كثيرا من الأحاديث التي رويت في هذه الكتب لا تقوم علي دليل علمي وفيها الكفر الصريح وبما يتناقض والقرآن وأخلاق الرسول أفعاله والحط من كرامته ويكفي الباحث أن يقرأ كتاب الشيخ المصري محمود أبو رية أضواء علي السنة المحمدية ليعرف ما هي قيمة الصحاح الستة والحمد لله أن كثيرا من الشباب الباحث اليوم تحرر من تلك القيود وأصبح يفرق بين الغث والسمين، بل حتي الشيوخ المتعصبين للصحاح أصبح الكثير منهم اليوم ينكرها لا لأنه ثبت لديه ضعف بعض الأحاديث فيها ولكن لأنه وجد فيها حجة الشيعة التي يقولون بها سواء في الأحكام الفقهية أو في العقائد الغيبية، فما من حكم أو عقيدة يقول بها الشيعة إلا ولها وجود فعلي في أحد الصحاح الست لدي أهل السنة والجماعة. وبالمقابل قال لي بعض المتعصبين ما دمتم تعتقدون بأن أحاديث [ صفحه 35] البخاري ليست صحيحة فلماذا تحتجون بها علينا؟ أجبت: ليس كل ما في البخاري صحيح وليس كل ما فيه مكذوب فالحق حق والباطل باطل وعلنيا أن نغربل ونصفي. قال: هل عندك مجهر خاص تعرف به الصحيح من المكذوب؟ قلت: ليس عندي أكثر مما عندك، ولكن ما اتفق عليه السنة والشيعة فهو صحيح لأنه ثبتت صحته عند الطرفين

ونلزمهم به كما ألزموا أنفسهم. وما اختلفوا فيه حتي لو كان صحيحا عند أحدهم فلا يلزم الطرف الثاني بقبوله، كما لا يلزم الباحث الحيادي قبوله والاحتجاج به لأنه دوري. وأضرب لذلك مثلا واحدا حتي لا يبقي هناك إشكال في هذا الموضوع وحتي لا يعاد نفس الانتقاد بأساليب متعددة. - يدعي الشيعة بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نصب عليا خليفة للمسلمين في غدير خم يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة بعد حجة الوداع وقال بالمناسبة: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فهذه الحادثة وهذا الحديث نقله كثير من علماء أهل السنة والجماعة في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم. فيمكن للشيعة عندئذ أن يحتجوا به علي أهل السنة والجماعة. - ويدعي أهل السنة والجماعة بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عين أبا بكر ليصلي بالناس في مرض موته وقال بالمناسبة: ويأبي الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر. فهذه الحادثة وهذا الحديث لا وجود له في كتب الشيعة وإنما يروون بأن رسول الله بعث إلي علي، فبعثت عائشة إلي أبيها ولما عرف رسول الله ذلك قال لعائشة: إنكن لصويحبات يوسف وخرج هو ليصلي بالناس وزحزح أبا بكر. [ صفحه 36] فلا يمكن وليس من الإنصاف أن يحتج أهل السنة والجماعة علي الشيعة بما انفردوا هم به وخصوصا إذا كانت الروايات متناقضة ويكذبها الواقع والتاريخ - لأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عين أبا بكر ليكون ضمن جيش أسامة وتحت إمرته وقيادته ومن المعلوم أن أمير الجيش في السرية هو إمام الصلاة، وقد ثبت تاريخيا بأن أبا بكر لم يكن موجودا في المدينة عند وفاة الرسول

وكان بالسنح يتجهز للخروج مع أميره وقائده أسامة بن زيد الذي لم يبلغ من العمر إلا سبعة عشر عاما - فكيف والحال هذه يمكن لن أن نصدق بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عينه لإمامة الصلاة؟ اللهم إلا إذا صدقنا بقول عمر بن الخطاب بأن رسول الله يهجر ولا يدر ما يفعل ولا ما يقول، وهذا أمر لا سبيل إليه فهو مستحيل ولا يقول به الشيعة. فعلي الباحث هنا أن يتقي الله في بحثه ولا تأخذه العاطفة فيميل عن الحق ويتبع الهوي فيضل عن سبيل الله، إنما واجبه أن يخضع للحق ولو كان الحق مع غيره، ويحرر نفسه من الرواسب والعواطف والأنانية فيكون من الذين امتدحهم الله عز وجل في قوله: فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب [الزمر: 18]. فليس من المعقول إذا أن يقول اليهود إن الحق عندنا ويقول النصاري إن الحق عندنا ويقول المسلمون إن الحق عندنا وهم مختلفون في العقائد والأحكام! فلا بد للباحث أن يمحص أقوال الديانات الثلاثة ويقارن بعضها ببعض حتي يتبين له الحق. وليس من المعقول أيضا أن يقول أهل السنة بأن الحق معهم ويقول الشيعة بل الحق عندهم وحدهم وهم يختلفون في بعض المفاهيم والأحكام! فالحق واحد لا يتجزأ. [ صفحه 37] فلا بد للباحث أن يتجرد ويمحص أيضا أقوال الطرفين ويقارن بعضها ببعض ويحكم عقله حتي يتبين له الحق، وذلك هو نداء الله سبحانه لكل فرقة تدعي الحق، إذ يقول: قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين [البقرة: 111]. فليست الأكثرية بدالة علي الحق: بل العكس هو الصحيح قال تعالي: وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك

عن سبيل الله [الأنعام: 116]. وقال أيضا: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين [يوسف: 103]. مثلما أن المتقدم الحضاري والتكنولوجي والثراء ليس دليلا علي أن الغرب علي حق والشرق علي باطل قال تعالي: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون [التوبة: 55].

قول أهل الذكر في الله تعالي

يقول الإمام علي: الحمد لله الذي بطن خفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع علي عين البصير. فلا عين من لم يره تنكره. ولا قلب من أثبته يبصره، سبق في العلو فلا شئ أعلي منه، وقرب في الدنو فلا شئ أقرب منه. فلا استعلاؤه باعده عن شئ من خلقه، ولا قربه ساواهم في المكان به. لم يطلع العقول علي تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته فهو الذي تشهد له أعلام الوجود علي إقرار قلب ذي الجحود. تعالي الله عما يقول المشبهون به والجاحدون له علوا كبيرا. والحمد لله الذي لم يسبق له حال حالا فيكون أولا قبل أن يكون آخرا. ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا. كل مسمي بالوحدة غيره قليل، وكل عزيز غيره ذليل. وكل قوي غيره ضعيف، وكل مالك غيره مملوك، وكل عالم غيره متعلم، وكل قادر غيره يقدر ويعجز، وكل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات ويصمه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها، وكل بصير [ صفحه 38] غيره يعمي عن خفي الألوان ولطيف الأجسام، وكل ظاهر غيره باطن، وكل باطن غيره ظاهر. لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان ولا تخوف من عواقب زمان، ولا استعانة علي ند مشاور، ولا شريك مكائر ولا ضد منافر، ولكن خلائق مربوبون وعباد داخرون. لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن.

ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن. لم يؤده خلق ما ابتدأ ولا تدبير ما ذرأ، ولا وقف به عجز عما خلق، ولا ولجت عليه شبهة فيما قضي وقدر. بل قضاء متقن وعلم محكم وأمر مبرم، المأمول مع النقم والمرهوب مع النعم. ليس لأوليته ابتداء ولا لأزليته انقضاء، هو الأول لم يزل والباقي بلا أجل. خرت له الجباه ووحدته الشفاه، لا تقدره الأوهام بالحدود والحركات، ولا بالجوارح والأدوات، لا يقال له متي، ولا يضرب له أمد بحتي الظاهر لا يقال مما، والباطن لا يقال فيما، لا شبح فيتقضي ولا محجوب فيحوي. تعالي الله عما ينحله المحددون من صفات الأقدار ونهايات الأقطار وتأثل المساكن وتمكن الأماكن، فالحد لخلقه مضروب وإلي غيره منسوب. لم يخلق الأشياء من أصول أزلية ولا أوائل أبدية، بل خلق ما خلق فأقام حده، وصور ما صور فأحسن صورته ليس لشئ منه امتناع. ولا له بطاعة شئ انتفاع علمه بالأموات الماضين كعلمه بالأحياء الباقين، وعلمه بما في السماوات العلي كعلمه بما في الأرضين السفلي. [ صفحه 39]

فيما يتعلق بالرسول

اشاره

السؤال الثاني: حول عصمة الرسول؟ يقول الله سبحانه وتعالي في حق نبيه محمد صلي الله عليه وآله وسلم: والله يعصمك من الناس [المائدة: 67]. وقال أيضا: وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي [النجم: 3]. وقال: وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [الحشر: 7]. وتدل هذه الآيات دلالة واضحة علي عصمته المطلقة في كل شئ. وتقولون بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم معصوم فقط في تبليغ القرآن وما عدا ذلك فهو كسائر البشر يخطئ ويصيب وتستدلون علي خطئه في عدة مناسبات بأحداث تروونها في صحاحكم! فإذا كان الأمر كذلك

فما هو حجتكم وما هو دليلكم في ادعائكم التمسك بكتاب الله وسنة نبيه ما دامت هذه السنة عندكم غير معصومة ويمكن فيها الخطأ؟ وعلي هذا الأساس فالمتمسك بالكتاب والسنة علي حسب معتقداتكم لا يأمن من الضلالة، وخصوصا إذا عرفنا بأن القرآن كله مفسر ومبين بالسنة النبوية. فما هي حجتكم في أن تفسيره وتبيانه لم يكن مخالفا لكتاب الله تعالي؟ [ صفحه 40] قال لي أحدهم معبرا عن هذا الرأي: لقد خالف الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في القرآن في كثير من الأحكام حسب ما تقتضيه المصلحة. - قلت متعجبا: أعطني مثلا واحدا علي مخالفته. - أجاب: يقول القرآن: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة [النور: 2]. بينما حكم الرسول علي الزاني والزانية بالرجم وهو غير موجود في القرآن. - قلت: إنما الرجم علي المحصن إذا زني، ذكرا كان أم أنثي والجلد علي الأعزب إذا زني ذكرا كان أم أنثي. - قال: في القرآن ليس هناك أعزب أو محصن لأن الله لم يخصص بل أطلق لفظ الزانية والزاني بدون تخصيص. - قلت: إذا علي هذا الأساس فكل حكم مطلق في القرآن خصصه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فهو مخالف للقرآن؟ فأنت تقول بأن الرسول خالف القرآن في أكثر أحكامه؟ - أجاب متحرجا: القرآن وحده معصوم لأن الله تكفل بحفظه أما الرسول فهو بشر يخطئ ويصيب كما قال القرآن في حقه: قل ما أنا إلا بشر مثلكم! - قلت: فلماذا تصلي الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء وقد أطلق القرآن لفظ الصلاة بدون تخصيص لأوقاتها؟ - أجاب: القرآن فيه إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا والرسول هو الذي بين أوقات الصلاة. - قلت:

فلماذا تصدقه في أوقات الصلاة وترد عليه في حكم رجم الزاني. وحاول جهده أن يقنعني بفلسفات عقيمة متناقضة لا تقوم علي دليل [ صفحه 41] عقلي ولا منطقي كقوله: بأن الصلاة لا يمكن الشك فيها لأن رسول الله فعلها طيلة حياته وفي كل يوم خمس مرات، أما الرجم فلا يمكن الاطمئنان إليه لأنه لم يفعله في حياته غير مرة أو مرتين - وكقوله بأن الرسول لا يخطئ عندما يأمره الله بأمره. أما عندكم يحكم بفكره فهو ليس معصوم، ولذلك كان الصحابة يسألونه في كل أم، هل هو من عنده أم من عند الله، فإذا قال هو من عند الله امتثلوا بدون نقاش، وإذا قال هو من عندي، عند ذلك يناقشونه ويجادلونه وينصحونه ويتقبل نصائحهم وآراءهم، وقد ينزل القرآن أحيانا موافقا لآراء بعض الصحابة ومخالفا لرأيه كما في قضية أسري بدر، وقضايا أخري مشهورة. وحاولت بدوري إقناعه ولكن بدون جدوي - لأن علماء أهل السنة والجماعة مقتنعون بذلك وصحاحهم مشحونة بمثل هذه الروايات التي تخدش في عصمة الرسول وتجعل منه شخصا أقل مستوي من الرجل الذكي، أو القائد العسكري، أو حتي شيخ الطريقة عند الصوفية، ولست مبالغا إذ قلت أقل مستوي حتي من الرجل العادي، فإذا ما قرأنا بعض الروايات في صحاح أهل السنة والجماعة يتبين لنا بوضوح إلي أي مدي وصل التأثير الأموي في عقول المسلمين، من عهدهم وبقيت آثاره حتي يوم الناس هذا. وإذا ما بحثنا الغرض أو الهدف من ذلك فسوف نخرج بنتيجة حتمية ومرة ألا وهي: أن أولئك الذين حكموا المسلمين في عهد الدولة الأموية وعلي رأسهم معاوية بن أبي سفيان، لم يعتقدوا يوما من الأيام بأن محمدا ابن عبد الله، هو

مبعوث برسالة من عند الله أو هو نبي الله حقا. وأغلب الظن أنهم كانوا يعتقدون بأنه كان ساحرا وقد تغلب علي الناس وشيد ملكه علي حساب المستضعفين من الناس وبالخصوص العبيد الذين أيدوا دعوته وناصروه. وليس هذا مجرد ظن فإن بعض الظن إثم ولكن عندما نقرأ في كتب التاريخ لنتعرف علي شخصية معاوية وأحواله. وما فعله طيلة حياته [ صفحه 42] خصوصا مدة حكمه فالظن يصبح حقيقة لا مفر منها. فكلنا يعرف من هو معاوية. ومن هو أبوه أبو سفيان ومن هي أمه هند فهو الطليق ابن الطليق الذي قضي شبابه في رحاب أبيه وفي تعبئة الجيوش لمحاربة رسول الله والقضاء علي دعوته بكل جهوده حتي إذا ما فشلت جميع محاولاته وتغلب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عليه وعلي أبيه استسلم للأمر الواقع في غير قناعة، ولكن الرسول لكرمه ولعظمة خلقه عفي عنه وسماه الطليق، وبعد موت صاحب الرسالة حاول أبوه إثارة الفتنة والقضاء علي الإسلام وذلك عندما جاء في الليل للإمام علي يحرضه علي الثورة ضد أب بكر وعمر ويمنيه بالمال والرجال ولكن الإمام علي سلام الله عليه عرف قصده فطرده وبقي يعيش حاقدا علي الإسلام والمسلمين طيلة حياته حتي آلت الخلافة إلي ابن عمه عثمان عند ذلك أظهر ما في نفسه من كفر ونفاق فقال: تلقفوها تلقف الكرة يا بني أمية فوالذي يحلف به أبو سفيان ليس هناك جنة ولا نار [13] وأخرج ابن عساكر في تاريخه من الجزء السادس في صفحة 407 عن أنس أن أبا سفيان دخل علي عثمان بعدما عمي فقال: هل هنا أحد؟ فقالوا: لا. فقال: اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية والملك ملك غاصبية واجعل أوتاد الأرض

لبني أمية. وأما ابنه معاوية وما أدراك ما معاوية فحدث ولا حرج وما فعله بأمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم طيلة ولايته في الشام ثم بعد تسلطه علي الخلافة بالقهر والقوة وما ذكره المؤرخون من هتكه للقرآن والسنة وتعديه كل الحدود التي رسمتها الشريعة والأعمال التي يتنزه القلم عن كتابتها واللسان عن ذكرها لقبحها وفحشها، وقد ضربنا عنها صفحا مراعاة لعواطف إخواننا من أهل السنة والجماعة والذين أشربوا في قلوبهم حب معاوية والدفاع عنه. ولكن لا يفوتنا أن نذكر هنا نفسيات الرجل وعقيدته في صاحب [ صفحه 43] الرسالة فهي لا تبعد عن عقيدة أبيه وقد رضعها من حليب أمه آكلة الأكباد والمشهورة بالعهر والفجور [14] كما ورثها عن أبيه شيخ المنافقين الذي ما عرف الإسلام يوما إلي قلبه سبيلا. وكما عرفنا نفسية الأب فها هو الابن يعبر بنفس التعبير ولكن علي طريقته في الدهاء والنفاق. فقد روي الزبير بن بكار عن مطوف بن المغيرة بن شعبة الثقفي قال: دخلت مع أبي علي معاوية، فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية وعقله ويعجب مما يري منه. إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء فرأيته مغتما فانتظرته ساعة وظننت أنه لشئ حدث فينا أو في عملنا فقلت له: ما لي أراك مغتما منذ الليلة؟ قال: يا بني إني جئت من عند أخبث الناس، قلت له: وما ذاك، قال: قلت لمعاوية وقد خلوت به: إنك قد بلغت مناك يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيرا، فإنك قد كبرت ولو نظرت إلي إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه. وإن ذلك مما يبقي لك ذكره وثوابه. فقال لي:

هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما غدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل: أبو بكر: ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمر عشر سنين، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل: عمر، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه فعمل ما عمل وعمل به فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره وذكر ما فعل به، وإن أخا هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمدا رسول الله: فأي عمل وأي ذكر يبقي مع [ صفحه 44] هذا لا أم لك؟ والله إلا دفنا دفنا [15] . خسئت وخبت وأخزاك الله يا من أردت دفن ذكر رسول الله بكل جهودك وأنفقت في سبيل ذلك كل ما تملكه ولكن جهودك كلها باءت بالفشل لأن الله سبحانه لك بالمرصاد وهو القائل لرسوله: ورفعنا لك ذكرك فلست أنت بقادر علي دفن ذكره الذي رفعه رب العزة والجلالة، فكد كيدك واجمع جمعك فأنت غير قادر علي إطفاء نور الله بفيك، والله متم نوره رغم نفاقك فها قد ملكت الأرض شرقا وغربا وما إن هلكت حتي هلك ذكرك إلا أن يذكرك ذاكر بأفعالك الشنيعة التي أردت بها هدم الإسلام، كما جاء ذلك علي لسان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [16] وبقي ذكر محمد بن عبد الله أخي هاشم عبر القرون والأجيال إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها كلما ذكره ذاكر إلا صلي الله عليه وآله وسلم رغم أنفك وأنوف بني أمية الذين حاولوا بقيادتك وزعامتك القضاء عليهم وعلي فضائلهم فما زادهم ذلك إلا رفعة وسموا وسوف تلقون

الله يوم القيامة غاضبا عليكم لما أحدثتموه في شريعته فيجزيكم بما تستحقون. وإذا ما أضفنا إلي هؤلاء فرخهم يزيد بن معاوية الماجن الفاسق شارب الخمور والمجاهر بالفسق والفجور فسوف نجده هو الآخر يحمل نفس العقيدة التي ورثها عن أبيه معاوية وجده أبي سفيان كما ورث عنهم الخسة والدناءة وشرب الخمر ومعاقرة العاهرات ولعب القمار ولو لم يرث كل هذه الصفات البشعة لما أورثه أبوه معاوية الخلافة وسلط علي رقاب المسلمين وكلهم يعرفوه حق معرفته وفيهم فضلاء الصحابة كالحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة ولا أشك في أن معاوية قضي حياته وأنفق ماله الذي [ صفحه 45] اكتسبه من حرام في سبيل القضاء علي الإسلام والمسلمين الحقيقيين، ولقد رأينا كيف كان يريد دفن ذكر محمد صلي الله عليه وآله وسلم وما قدر علي ذلك فأشعلها حربا علي ابن عمه علي وصي النبي حتي إذا ما قضي عليه ووصل للخلافة بالقهر والغش والنفاق سن سنة سنته المشؤومة وأمر عماله في كل الأقطار بلعن علي وأهل البيت النبوي علي كل المنابر وفي كل صلاة وهو بذلك يريد سب ولعن رسول الله [17] ولما أعيته الحيل وأدركه الأجل ولم يصل إلي مأربه انتدب ابنه وولاه علي الأمة ليواصل ذلك المخطط الذي رسمه هو وأبوه أبو سفيان ألا وهو القضاء علي الإسلام وإعادة الأمر إلي الجاهلية. فاستلم ذلك الماجن الفاسق الخلافة وشمر سواعده للقضاء علي الإسلام حسب رغبة أبيه فبدأ باستباحة مدينة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لجيشه الكافر ففعل فيها ما فعل طيلة ثلاثة أيام وقتل فيها عشرة آلاف من خيرة الصحابة وثني بعد ذلك بقتل سيد شباب أهل الجنة وريحانة النبي صلي الله عليه وآله وسلم

وكل أهل البيت النبوي وهم أقمار الأمة حتي أخذت حرائر أهل البيت سبايا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ولو أن الله لم يقصف عمره لتمكن ذلك الوغد اللئيم من القضاء علي الإسلام والمسلمين. والذي يهمنا في هذا البحث هو الكشف عن عقيدته هو الآخر كما كشفنا عن عقيدة أبيه وجده. فقد حدث المؤرخون [18] أنه بعد وقعة الحرة المشؤومة وقتل عشرة آلاف من خيرة المسلمين سوي النساء والصبيان، وأفتض فيها نحو ألف بكر، وحبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج، ثم بايع من بقي من [ صفحه 46] الناس علي أنهم عبيد ليزيد ومن امتنع قتل، ولما بلغ يزيد خبر تلك الجرائم والمآسي التي يندي لها الجبين ولم يشهد لها التاريخ مثيلا حتي عند المغول والتتار وحتي عند الإسرائيليين فرح بذلك وأظهر الشماتة بنبي الإسلام وتمثل بقول ابن الزبعري الذي أنشده بعد موقعة أحد قائلا: ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل لأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا: يا يزيد لا تشل قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلنا ميل بدر فاعتدل لست من خندف إن لم أنتقم ومن بني أحمد ما كان فعل لعبت هاشم الملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل فإذا كان الجد أبو سفيان العدو الأول لله ورسوله يقول صراحة: تلقفوها يا بني أمية تلقف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان فما من جنة ولا نار. وإذا كان الأب معاوية العدو الثاني لله رسوله يقول صراحة: (عندما يسمع المؤذن يشهد أن محمدا رسول الله) أي عمل وأي ذكر يبقي مع هذا لا أم لك؟ والله إلا دفنا دفنا. وإذا كان الابن يزيد العدو الثالث لله ورسوله يقول صراحة: لعبت

هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل وإذا ما نحن عرفنا عقيدة هؤلاء في الله ورسوله وفي الإسلام وإذا ما نحن عرفنا أعمالهم الشنيعة التي أرادوا بها هدم أركان الإسلام والإساءة إلي نبي الإسلام والتي لم نذكر منها إلا النزر اليسير روما للاختصار ولو أردنا التوسع لملأنا مجلدا ضخما في أعمال معاوية وحده التي بقيت عليه عارا وشنارا وفضيحة مدي الدهر ولو تجند لتغطيتها وسترها بعض علماء السوء الذين كان لبني أمية عليهم أيادي وعطايا أعمت عيونهم فباعوا آخرتهم بدنياهم وألبسوا الحق بالباطل وهم يعلمون، وبقي أغلب المسلمين ضحية [ صفحه 47] هذا الدس. والتزوير، ولو علم هؤلاء الضحايا الحقيقة، لما ذكروا أبا سفيان ومعاوية ويزيد إلا باللعن والبراءة. ولكن الذي يهمنا في هذا البحث الوجيز هو التوصل إلي مدي تأثير هؤلاء وأشياعهم وأتباعهم الذين حكموا المسلمين طيلة مائة عام ولما يزل في خطواته الأولي. ولا شك في أن تأثير هؤلاء المنافقين كان كبيرا علي المسلمين فغير عقيدتهم وغير سلوكهم وأخلاقهم ومعاملاتهم وحتي عباداتهم وإلا كيف يمكن لنا تفسير قعود الأمة عن نصرة الحق وخذلان أولياء الله والوقوف مع أعداء الله ورسوله. وكيف يمكن لنا أن نفسر وصول معاوية الطليق ابن الطليق واللعين ابن اللعين إلي الخلافة التي تمثل مرتبة وخلافة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وفي الوقت الذي يموه علينا المؤرخون بأن الناس كانوا يقولون لعمر بن الخطاب لو رأينا فيك إعوجاجا لقومناك بسيوفنا. نراهم يتحدثون عن معاوية وهو يعتلي منصة الخلافة بالقهر والقوة وأول خطبة يقولها في جميع الصحابة: إني ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولكن لأتأمر عليكم وها أنا ذا أمير عليكم فلا يحرك منهم أحد ساكنا ولا يعارضوه

بل يجروا في ركابه حتي يسموا ذلك العام الذي استولي فيه معاوية علي الخلافة بعام الجماعة في حين أنه كان بحق عام الفرقة. ثم نراهم بعد ذلك يقبلون منه أن يولي عليهم ابنه الفاسق يزيد المعروف لديهم جميعا فلا يثورون ولا يتحركون إلا ما كان من بعض الصلحاء الذين قتلهم يزيد في وقعة الحرة وأخذ ممن بقي منهم البيعة علي أنهم له عبيد. فكيف لنا تفسير كل ذلك. علي أننا نجد بعد ذلك أنه وصل للخلافة باسم إمارة المؤمنين الفساق من بني أمية كالوزغ مروان بن الحكم والوليد بن عقبة وغيرهم. [ صفحه 48] ووصل الأمر بأمراء المؤمنين أن يستبيحوا مدينة رسول الله ويفعلوا فيها الأفاعيل وتهتك فيها الحرمات، بل ويحرقوا بيت الله الحرام ويقتلوا في الحرم خيار الصحابة. ووصل الأمر بأمر المؤمنين أن يسفكوا دماء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وذلك بقتلهم ريحانة رسول الله وذريته ويستبيحوا سبي بناته، فلا يحرك أحد من الأمة ساكنا ولا يجد سيد شباب أهل الجنة ناصرا. ووصل الأمر بأمراء المؤمنين أن يمزقوا كتاب الله ويقولون له إذا لقيت ربك يوم حشر فقل يا رب مزقني الوليد. كما فعل الوليد الأموي. ووصل الأمر بأمراء المؤمنين أن يلعنوا علي المنار علي بن أبي طالب ويأمروا الناس بلعنه في كل الأقطار وهم لا يقصدون بذلك غير لعن رسول الله فلا يحرك منهم أحد ساكنا ومن امتنع قتل وصلب ومثل به. ووصل الأمر بأمراء المؤمنين أن يتجاهروا بشرب الخمر والزنا واللهو بالطرب والغناء والرقص و و وحدث ولا حرج! فإذا كان أمر الأمة الإسلامية قد وصل إلي هذا الحد من الانحطاط في الأخلاق والذل والاستكانة فلا بد أن هناك عوامل

أثرت في عقيدتها وهذا ما يهمنا في هذا البحث لأنه يتعلق بموضوع العصمة وشخصية الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم. وأول ما يلفت انتباهنا هنا هو أن الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان منعوا كتابة حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم بل وحتي التحدث به. فهذا أبو بكر يجمع الناس في خلافته ويقول لهم: إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها والناس بعدم أشد اختلافا فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه [19] . [ صفحه 49] كما أن عمر بن الخطاب هو الآخر منع أن يتحدث الناس بحديث الرسول. قال قرظة بن كعب: لما سيرنا عمر بن الخطاب إلي العراق مشي معنا وقال أتدرون لما شيعتكم؟ قالوا: تكرمة لنا، قال: ومع ذلك إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم جودوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله وأنا شريككم. يقول هذا الراوي: فلم أنقل حديثا قط بعد كلام عمر، ولما قدم العراق هرع الناس إليه يسألونه عن الحديث فقال لهم قرظة: نهانا عن ذلك عمر [20] . كما أن عبد الرحمن بن عوف قال بأن عمر بن الخطاب جمع الصحابة من الآفاق لمنعهم من التحدث بأحاديث رسول الله في الناس وقال لهم: أقيموا عندي ولا تفارقوني ما عشت، فما فارقوه حتي مات [21] . كما يذكر الخطيب البغدادي والذهبي في تذكرة الحفاظ بأن عمر بن الخطاب حبس في المدينة ثلاثة من الصحابة وهم أبو الدرداء وابن مسعود وأبو مسعود الأنصاري بذنب الإكثار من نقل الحديث - كما أن عمر أمر الصحابة أن يحضروا ما في أيديهم

من كتب الحديث فظنوا أنه يريد أن يقومها علي أمر لا يكون فيه اختلاف فأتوه بكتبهم فأحرقها كلها في النار [22] . ثم أتي بعده عثمان فواصل المشوار وأعلن للناس كافة أنه لا يحل لأحد أن يروي حديثا لم يسمع به علي عهد أبي بكر ولا عهد عمر [23] . ثم بعد هؤلاء جاء دور معاوية بن أبي سفيان لما اعتلي منصة الخلافة [ صفحه 50] صعد علي المنبر وقال: أيها الناس إياكم والحديث عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، إلا حديثا يذكر علي عهد عمر [24] . فلا بد أن هناك سرا لمنع الأحاديث التي قالها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والتي لا تتماشي وما جرت عليه المقادير في ذلك العصر وإلا لماذا يبقي حديث الرسول ممنوعا طوال هذه المدة الطويلة ولا يسمح بكتابته إلا في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. ولنا أن نستنتج طبقا لما سبق من الأبحاث بخصوص النصوص الصريحة في الخلافة والتي أعلنها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي رؤوس الأشهاد بأن أبا بكر وعمر منعا من الراوية والحديث عن النبي خوفا أن تسري تلك النصوص في الأقطار أو حتي في القري المجاورة فتكشف للناس بأن خلافته وخلافة صاحبه ليست شرعية وإنما هي اغتصاب من صاحبها الشرعي علي بن أبي طالب. وقد تكلمنا في هذا الموضوع وكشفنا عن هذه الحقيقة في كتابنا لأكون مع الصادقين فليراجع لمزيد الاطمئنان. والعجيب في أمر عمر بن الخطاب هو مواقفه المتناقضة بالخصوص في كل ما يتعلق بأمر الخلافة. ففي حين نجده هو الذي ثبت بيعة أبي بكر وحمل الناس عليها قهرا يحكم عليها بأنها فلتة وقي

الله شرها - وفي حين يختار هو ستة للخلافة نراه يقول: لو ولوها الأجلح (يقصد علي بن أبي طالب) لحملهم علي الجادة فما دام يعترف بأن علي هو الشخص الوحيد الذي يحمل الناس علي الجادة فلماذا لم يعينه وينتهي الأمر ويكون بذلك قد بذل النصح لأمة محمد. ولكنا نراه بعد ذلك يتناقض فيرجح كفة عبد الرحمن بن عوف ثم يتناقض [ صفحه 51] مرة أخري فيقول: لو كان سالم مولي أبي حذيفة حيا لوليته عليكم [25] . والأعجب من ذلك في أمر أبي حفص هو منعة الحديث عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وحبسه الصحابة في المدينة ومنعهم من الخروج منها، ونهيه المبعوثين من قبله إلي الأقطار بأن لا يحدثوا الناس عن السنة النبوية، وحرقه للكتب التي كانت بأيدي الصحابة وفيها أحاديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم. ألم يفهم عمر بن الخطاب بأن السنة النبوية هي تبيان للقرآن الكريم؟ أو لم يقرأ قوله سبحانه وتعالي: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [النحل: 4]. أم أنه فهم من القرآن ما لم يفهمه صاحب الرسالة الذي أنزل عليه القرآن؟ وهذا ما يحاوله بعض المهوسين الذين يقولون بأن القرآن كثيرا ما ينزل موافقا لآراء عمر، ومخالفا لآراء النبي صلي الله عليه وآله وسلم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إنهم لا يفقهون. وكنت دائما أتعجب عندما أقرأ في البخاري رفض عمر قبول رواية عمار بن ياسر بخصوص تعليم النبي له كيفية التيمم، كما أتعجب من قول عمار: إن شئت لا أحدث به. مخافة من عمر، فيتبين بوضوح بأن عمر بن الخطاب كان شديدا علي كل من يروي أحاديث الرسول فيلحقه الأذي. وإذا كان الصحابة من

قريش يخافون من الخليفة فلا يخرجون من المدينة وحتي الذين يخرجون منها يمتنعون عن نقل الأحاديث النبوية، ثم يحرق لهم كتبهم التي جمعوا فيها الأحاديث فلا يتكلم منها أحد، فما قيمة عمار بن ياسر الغريب البعيد والبغيض لقريش لوقوفه مع علي بن أبي طالب وحبه إياه؟ [ صفحه 52] وإذا ما رجعنا قليلا بالبحث، وبالضبط يوم الخميس الذي سبق وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، والذي سماه ابن عباس يوم الرزية، وذلك عندما أمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الحاضرين أن يأتوه بالكتف والدواة ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا، نري في ذلك اليوم أن عمر بن الخطاب هو الذي اعترض علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم واتهمه بالهجر - أي الهذيان - والعياذ بالله، وقال: حسبنا كتاب الله يكفينا وقد أخرج هذه الحادثة البخاري ومسلم وابن ماجة والنسائي وأبو داود والإمام أحمد وغيرهم من المؤرخين كثير. فإذا كان عمر يمنع رسول الله من كتابة أحاديثه وبمحضر كثير من الصحابة وأهل البيت ويتهمه بالهجر بتلك الجرأة التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا، فليس غريبا ولا عجيبا أن يشمر عن ساعديه بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ليمنع الناس من نقل أحاديث الرسول بكل جهوده وهو الخليفة القوي الذي يملك الحول والطول، ولا شك أن له في الصحابة أنصارا كثيرين من سراة قريش الذين لهم نفوذ في القبائل والعشائر والذين كانوا يصحبون النبي صلي الله عليه وآله وسلم إما طمعا أو خوفا أو نفاقا، وقد رأينا هؤلاء علي كثرتهم يؤيدون قولة عمر بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يهجر ويشاركونه في منع النبي صلي الله عليه

وآله وسلم من كتابة الكتاب، وأعتقد بأن ذلك كان هو السبب الرئيسي في سكوت النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن الكتابة لأنه علم بوحي ربه بأن المؤامرة قوية وقد تهدد مسيرة الإسلام بكامله إذا ما كتب ذلك الكتاب. ذلك الكتاب الذي أراد به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تحصين أمته من الدخول في الضلالة فإذا بالمتآمرين يقلبون الموقف ويصبح ذلك الكتاب (إذا ما كتب) سبب الضلالة والانقلاب عن الإسلام. فكيف لا يغير رسول الله - بأبي هو وأمي - وهو علي تلك الحال من المرض علي فراش الموت رأيه وبوحي من ربه الذي يرن في أذنيه، ويملأ قلبه حسرة وأسي علي أمته المنكوبة قوله: أفإن مات أو قتل انقلبتم علي [ صفحه 53] أعقابكم ولم تنزل هذه الآية عفوية بل هي نتيجة حتمية لما علمه الله سبحانه من دسائسهم ومؤامراتهم ومكرهم فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور - والذي يعزي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن ربه أعلمه عن كل ذلك وسلاه وأجزاه خير ما يجزي نبي عن أمته ولم يحمله مسؤولية ارتداد الأمة وانقلابها - بل قال له مسبقا: ويوم يعض الظالم علي يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا، وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفي بربك هاديا ونصيرا [الفرقان: 27]. والذي لا مفر منه في هذا البحث هو النتيجة المؤلمة التي وصلنا إليها، وهو أن أبا سفيان ومعاوية ما كانا ليتجرءا علي صاحب الرسالة لولا مواقف

عمر السابقة وجرأته علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وبحضرته صلي الله عليه وآله وسلم. وخصوصا إذا بحثنا مواقفه طيلة حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ومعارضته إياه في كثير من المواقف. والاستنتاج الذي لا بد منه هو أن هناك مؤامرة كبري حيكت للنيل من شخصية الرسول الأكرم وانتقاصه وتصويره للناس الذين لم يعرفوه بأنه شخص عادي أو أقل من ذلك فقد تأخذه العاطفة ويميل مع هواه ويزيغ عن الحق كل ذلك ليموهوا علي الناس بأنه ليس معصوما والدليل أن عمر عارضه عدة مرات والقرآن ينزل بتأييد ابن الخطاب حتي وصل الأمر بأن يهدد الله نبيه صلي الله عليه وآله وسلم فيبكي ويقول: لو أصابنا الله بمصيبة لم ينج منها إلا ابن الخطاب [26] في قضية أسري بدر. أو أن عمر كان يأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بأن يحجب نساءه ولم يكن [ صفحه 54] النبي صلي الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك حتي نزل القرآن بتأييد عمر، وأمر نبيه صلي الله عليه وآله وسلم أن يحجب نساءه [27] أو أن الشيطان لا يخاف من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولكنه يخاف ويهرب من عمر [28] إلي غير ذلك من الروايات المخزية التي تحط من قيمة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وترفع من قيمة الصحابة ولكن عمر ضرب الرقم القياسي في هذا الصدد حتي رووا (أخزاهم الله) بأن رسول الله كان يشك في نبوته وذلك لحديث يروونه بأنه قال صلي الله عليه وآله وسلم: ما أبطأ عني جبرئيل إلا ظننت أنه ينزل علي عمر بن الخطاب!!. وأنا أعتقد بأن هذه الأحاديث وأمثالها وضعت في زمن معاوية

بن أبي سفيان لما أعيته الحيلة في طمس حقائق علي بن أبي طالب فلجأ إلي إطراء أبي بكر وعمر وعثمان واختلاف الفضائل لهم كي يرفعهم في نظر الناس علي مقام علي ويرمي من ذلك إلي هدفين: الهدف الأول تصغير شأن ابن أبي طالب (أبو تراب) كما يسميه هو للتمويه علي الناس واعتبار الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه أفضل منه. والهدف الثاني لوضعه الأحاديث هو لكي يتقبل الناس تجاوز أوامر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ووصاياه في أمر الخلافة في أهل بيته خصوصا الحسنين عليهما السلام اللذين كانا يعاصران معاوية - فإذا كان من الممكن أن يتجاوز الثلاثة أوامر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في علي عليه السلام لم لا يمكن أن يتجاوز معاوية (الرابع) أوامره صلي الله عليه وآله وسلم في أولاد علي عليه السلام. وقد نجح ابن هند في مخططه نجاحا كبيرا والدليل أننا اليوم عندما نتحدث عن علم علي وشجاعته وقرابته وأفضاله علي الإسلام والمسلمين يقف في وجوهنا من يقول: قال رسول الله لو وزن إيمان أمتي بإيمان أبي [ صفحه 55] بكر لرجح إيمان أبي بكر ويقف في وجوهنا من يقول: عمر الفاروق هو الذي يفرق بين الحق والباطل ويقف في وجوهنا من يقول: عثمان ذو النورين الذي استحت منه ملائكة الرحمن. والمتتبع لهذه الأبحاث يجد أن عمر بن الخطاب أخذ نصيب الأسد في باب الفضائل وليس ذلك من باب الصدفة، كلا ولكن لمواقفه المعارضة والمتعددة تجاه صاحب الرسالة. أحبته قريش. وخصوصا للدور الذي لعبه عمر في إقصاء أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عن الخلافة وإرجاع الأمر إلي قريش تتحكم فيه كيف شاءت ويطمع فيه الطلقاء والملعونين

من بني أمية، وقريش كلها وعلي رأسهم أبو بكر يعرفون بأن الفضل كله يرجع لعمر في تسلطهم علي رقاب المسلمين. فعمر هو بطل المعارضة لرسول الله وعمر هو المانع لرسول الله بأن يكتب الخلافة لعلي، وعمر هو الذي هدد الناس وشككهم في موت نبيهم حتي لا يسبقوه بالبيعة لعلي، وعمر هو بطل السقيفة، وهو الذي ثبت بيعة أبي بكر، وعمر هو الذي هدد المتخلفين في بيت علي بأن يحرق عليهم الدار بمن فيها إن لم بايعوا أبا بكر، وعمر هو الذي حمل الناس علي بيعة أبي بكر بالقوة والقهر، وعمر هو الذي كان يعين الولاة ويعطي المناصب في خلافة أبي بكر، بل لسنا مبالغين إذا قلنا بأنه هو الحاكم الفعلي حتي في خلافة أبي بكر نفسه فقد حكي بعض المؤرخين بأن المؤلفة قلوبهم لما جاؤوا لأبي بكر لأخذ سهمهم الذي فرضه الله لهم جريا علي عادتهم مع سول الله صلي الله عليه وآله وسلم فكتب لهم أبو بكر بذلك فذهبوا إلي عمر ليتسلموا منه فمزق الكتاب وقال: لا حاجة لنا بكم فقد أعز الله الإسلام وأغني عنكم فإن أسلمتم وإلا فالسيف بيننا وبينكم. فرجعوا إلي أبي بكر، فقالوا له أنت الخليفة أم هو؟ فقال: بل هو إن شاء الله تعالي وأمضي ما فعله عمر [29] . [ صفحه 56] ومرة أخري كتب أبو بكر لصحابيين قطعة من الأرض وأرسلها لعمر ليمضي فيه فتفل فيه عمر ومحاه فشتماه ورجعا لأبي بكر يتذمران فقالا: ما ندري أأنت الخليفة أم عمر؟! فقال: بل هو، وجاء عمر مغضبا إلي أبي بكر وقال له: ليس من حقك إعطاء الأرض إلي هذين. فقال أبو بكر: لقد قلت لك بأنك أقوي مني

علي هذا الأمر ولكنك غلبتني [30] . ومن هنا يتبين لنا سر المكانة التي حظي بها عمر بن الخطاب لدي قريش عامة ولدي بني أمية خاصة حتي سموه بالعبقري وبالملهم وبالفاروق وبالعدل المطلق إلي أن فضلوه علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وقد رأينا عقيدة عمر في رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من يوم صلح الحديبية إلي يوم الرزية أضف إلي ذلك أنه منع الصحابة من التبرك بآثار رسول الله صلي الله عليه وسلم فقطع شجرة بيعة الرضوان، كما توسل بالعباس عم النبي ليشعر الناس بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مات وانتهي أمره فلا فائدة حتي في ذكراه، فلا لوم علي الوهابية الذين يقولون بهذه المقالات فهي ليست جديدة كما يتوهم البعض. ومن هنا فتح الباب إلي أعداء الإسلام والمستشرقين ليستخلصوا بأن محمدا رجل عبقري عرف أن قومه وثنيين تربوا علي عبادة الأصنام فأزال الأصنام ولكنه أبدلهم بذلك حجرا أسودا. ونري بعد كل هذا عم هو بطل المعارضة لكتابة الأحاديث النبوية حتي يحبس الصحابة في المدينة ويمنع آخرين من الحديث ويحرق كتب الحديث حرصا منه بأن لا تتفشي السنة النبوية بين الناس. ونفهم أيضا من خلال ذلك لماذا بقي علي حبيس الدار لا يخرج إلا عندما يدعي لحل معضلة عجز عنها الصحابة ولم يشركه عمر في منصب ولا [ صفحه 57] في ولاية ولا في مسؤولية ولا في بعث، وحرم حتي من ميراث فاطمة وليس عنده ما يطمع الناس فيه ولذلك يذكر المؤرخون بأنه اضطر للبيعة بعد موت الزهراء سلام الله عليها لما رأي تحول وجوه الناس عنه: لك الله يا أبا الحسن فكيف لا يبغضك الناس وقد

قتلت أبطالهم وفرقت جموعهم وسفهت أحلامهم، وما تركت لهم في سوق الفضائل فضيلة ولا في ميدان الحسنات حسنة ومع ذلك فأنت ابن عم المصطفي وأقربهم إليه وزوج فاطمة سيدة نساء العالمين وأبو السبطين سيدي شباب أهل الجنة وأولهم إسلاما وأكثرهم علما. وعمك حمزة سيد الشهداء، وجعفر الطيار ابن أمك وأبيك، وأبو طالب سيد البطحاء وكفيل النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو أبوك، والأئمة الميامين كلهم من صلبك، سبقت السابقين ونأيت عن اللاحقين فكنت أسد الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم وكنت سيف الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم وكنت أمين الله ورسوله صلي الله عليه وسلم عندما بعثك صلي الله عليه وآله وسلم ببراءة ولم يأتمن عليها غيرك - وكنت أنت الصديق الأكبر لا يقولها بعدك إلا كذاب وكنت الفاروق الأكبر الذي يسير الحق في ركابه فيعرف الحق به من بين ركام الباطل، وكنت العلم الظاهر والمنار الساطع يعرف بحبه إيمان المؤمن وببغضه نفاق المنافق. وكنت الباب لمدينة العلم، من أتاك أتاها، فقد كذب من زعم الدخول من غيرك والوصول بدونك. فمن منهم له سهم كسهمك يا أبا الحسن ومن منهم له فضل كفضلك فإن كان للشرف دليلا فأنت دليله وأنت مبتداه ومنتهاه لقد حسدوك علي ما أتاك الله من فضله ولقد أبعدوك لما خصك الله من قربه فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. لقد شط بنا القلم إلي مناجاة أمير المؤمنين المظلوم حيا وميتا وله في أخيه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة فهو أيضا مظلوم حيا وميتا لأنه قضي حياته صلي الله عليه وآله وسلم مجاهدا ناصحا حريصا علي المؤمنين بهم رؤوف [ صفحه 58] رحيم وقابلوه

في آخر لحظة بالكلام القبيح ورموه بالهجر وجابهوه بالعصيان والتمرد في تأميره أسامة وهرعوا للسقيفة من أجل الخلافة وتركوه جثة هامدة ولم يشتغلوا حتي بتجهيزه وغسله وتكفينه بأبي هو وأمي، وبعد وفاته عملوا علي انتقاصه في أعين الناس والحط من قيمته وتجريده من العصمة التي يشهد بها القرآن والوجدان كل ذلك من أجل حكم زائل ودنيا فانية. وإذا عرفنا من خلال البحث، موقف بعض الصحابة تجاه شخصية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من أجل الوصول للخلافة. فإن حكام بني أمية علي رأسهم معاوية بن أبي سفيان جاءتهم الخلافة بالوراثة واطمأنوا لها ولم يكن يدور في خلد أحد منهم بأنها في يوم من الأيام سوف تخرج منهم، فلماذا استمر بنوا أمية في انتقاص شخصية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وتزوير الروايات للحط من قيمته. وأعتقد بأن هناك سببين رئيسيين وهما: السبب الأول: إن في الحط من قيمة رسول الله، هو إرغام أنوف بني هاشم الذين نالوا عزا وشرفا بين كل القبائل العربية لوجود النبي منهم وخصوصا إذا عرفنا أن أمية كان ينافس أخاه هاشما ويحسده ويعمل كل ما في وسعه للقضاء عليه. زد علي ذلك بأن عليا هو سيد بني هاشم بعد الرسول من غير منازع وقد عرف الخاص والعام بغض معاوية لعلي والحروب التي شنها ضده لانتزاع الخلافة منه وبعد مقتله أولغ في سبه ولعنه علي المنابر. فالحط من شخصية الرسول بالنسبة لمعاوية هو تحطيم شخصية علي كما أن سب ولعن علي هو في الحقيقة موجه لرسول الله. السبب الثاني: إن في الحط من قيمة رسول الله - فيه تبرير لما يقوم به حكام بني أمية من أعمال مخزية وقبائح شنيعة

سجلها لهم التاريخ - فإذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم - كما يصوره بني أمية - بميل مع هواه [ صفحه 59] ويحب النساء إلي درجة أنه ينسي واجباته ويميل إلي إحداهن إلي درجة أنه لا يعدل بينهن حتي يبعثن له يطالبنه بالعدل. فلا لوم بعد ذلك علي البشر العاديين أمثال معاوية ويزيد وأضرابهم. وتكمن الخطورة في السبب الثاني في أن الأمويين اختلقوا روايات وأحاديث عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أصبحت أحكاما يعمل بها في الإسلام، والمسلمون يأخذونها مسلمة علي أنها من أقوال وأفعال الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فتصبح عندهم سنة نبوية. وأضرب لذلك بعض الأمثلة من الأحاديث المخزية التي وضعت للنيل من شخصية الرسول والحط من قيمته ولا أريد أن أتوسع في هذا الموضوع وسوف اقتصر فقط علي ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما (روايات مخزية للطعن في النبي). 1 - أخرج البخاري في كتاب الغسل في باب إذا جامع ثم عاد - قال أنس: كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يدور علي نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدي عشرة. قال: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين. أنظر معي أيها القارئ إلي هذه الرواية المخزية التي تصور لنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي هذا النهم من الجماع فيجامع إحدي عشرة زوجة في ساعة واحدة ويجامعهن في الليل أو النهار وبهذه السرعة ومن غير أن يغتسل من الأولي فيجامع الثانية بماء الأولي وما عليك أيها القارئ إلا أن تتصور وتتخيل كيف يرتمي إنسان علي زوجته كالحيوان بدون مقدمات ولا تهيئة وقد شاهدنا أنه حتي

عند الحيوانات تستغرق عملية الجماع مدة طويلة وتتطلب مقدمات وتهيأ فكيف بهذا الرسول العظيم يفعل مثل هذا؟ قاتلهم الله ولعنهم أني يؤفكون - ولأن العرب في ذلك العهد والرجال حتي في هذا العهد ما زالوا يفتخرون بقوة الجماع ويعتبرون ذلك علامة الرجولة فوضعوا [ صفحه 60] هذه القصة علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وحاشاه وهو الذي كان يقول: لا ترتموا علي نسائكم كالبهائم واجعلوا بينكم وبينهن رسولا. فبمثل هذه الروايات يتحامل أعداء الإسلام علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم ويصفونه بأنه رجل يتهالك علي الجنس والجماع وحب النساء إلي غير ذلك من التهم. وهل لنا أن نسأل أنس بن مالك راوي هذه القصة، من أخبره بها؟ من أعلمه أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يجامع نساءه في ساعة واحدة وهن إحدي عشرة؟ هل النبي هو الذي حدثه بذلك؟ فهل يليق بأحدنا أن يحدث الناس علي مجامعته لزوجته؟ أم أن زوجات النبي هن اللاتي حدثنه بذلك؟ فهل يليق بالمرأة المسلمة أن تحكي للرجال عن جماع زوجها لها؟ أم أن أنس هو الذي تجسس علي النبي وتتبع خلواته مع زوجاته وتفرج عليه من ثقوب الأبواب؟ أستغفر الله من همزات الشياطين ولعن الله الكذابين. ولا أشك في أن الحكام الأمويين والعباسيين الذين اشتهروا بكثرة النساء والجواري هم الذين وضعوا مثل هذه القصة لتبرير أعمالهم. 2 - أخرج البخاري في صحيحه من الجزء الثالث صفحة 132 وكذلك مسلم في صحيحه من الجزء السابع في صفحة 136 قالا: قالت عائشة أرسل أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي رسول الله فاستأذنت عليه وهو مضطجع

معي في مرطي فأذن لها، فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أي بنية ألست تحبين ما أحب فقالت: بلي، قال: فأحبي هذه ثم تمضي الرواية فتقول إلي أن يبعث أزواج النبي مرة ثانية بزينب بنت جحش زوج النبي ينشدنه العدل في بنت أبي قحافة فتدخل هي الأخري علي رسول الله وهو مضطجع مع عائشة ولابس مرطها علي الحالة التي [ صفحه 61] دخلت عليه فاطمة فتنشد الرسول العدل في بنت أبي قحافة علي لسان أزواج النبي ثم تقع في عائشة وتسبها فتنتصر عائشة لنفسها وتقع هي الأخري في زينب حتي تسكتها فيبتسم عند ذلك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويقول إنها ابنة أبي بكر. فما عساني أن أقول في هذه الرواية المنكرة التي تجعل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يميل مع هواه ولا يعدل بين زوجاته، وهو الذي جاء القرآن علي لسانه: وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم. ثم كيف يأذن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لابنته فاطمة سيدة النساء لتدخل عليه وهو علي تلك الحالة مضطجع مع زوجته ولا بس مرطها، فلا يجلس ولا يقوم ويبقي مضطجعا حتي يقول، أي بنية: ألست تحبين ما أحب. وكذلك عندما تدخل عليه زوجته زينب وتطالبه بالعدل يبتسم ويقول إنها ابنة أبي بكر. أنظر أيها القارئ الكريم إلي هذه المخازي التي يلصقونها برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رمز العدالة والمساواة في حين أنهم يقولون مات العدل مع عمر بن الخطاب ويصورون رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم

شخصا مستهترا بالقيم الأخلاقية فلا يعرف الحياة ولا المروءة - ولهذه الرواية نظائر كثيرة في صحاح السنة والتي يقصد الرواة من ورائها إبراز فضلية لصحابي أو لعائشة بالذات لأنها ابنة أبي بكر، فينتقصون رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من حيث يشعرون أو لا يشعرون - وكما قدمت في البحث، بأن هذه الروايات موضوعة للنيل من شخصية الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فإليك الرواية الثالثة وهي شبيهة بهذه. 3 - أخرج مسلم في صحيحه في باب فضائل عثمان بن عفان. عن عائشة زوج النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعثمان حدثا أن أبا بكر استأذن علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو مضطجع علي فراشه لابس مرط عائشة فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضي إليه حاجته ثم انصرف ثم استأذن [ صفحه 62] عمر فأذن له وهو علي تلك الحال فقضي إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة: أجمعي عليك ثيابك فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت. فقالت عائشة: يا رسول الله مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له علي تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته. وهذه الرواية أيضا هي الأخري شبيهة بما أخرجه البخاري ومسلم في فضل عثمان بن عفان ومفادها بأن رسول الله كان كاشفا علي فخذيه فاستأذن أبو بكر فلم يغطي رسول الله فخذيه وكذلك فعل مع عمر فلما استأذن عثمان غطي رسول الله فخذيه وسوي ثيابه ولما سألته عائشة عن ذلك قال لها: ألا أستحي من رجل تستحي

منه الملائكة. قاتل الله بني أمية الذين ينتقصون رسول الله لرفع مكانة سيدهم. 4 - أخرج مسلم في صحيحه في باب وجوب الغسل بالتقاء الختانين عن عائشة زوج النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل هل عليهما الغسل وعائشة جالسة فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إنني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل. وأترك لك أيها القارئ أن تعلق بنفسك علي هذه الرواية. فقد بلغ من تدليل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لزوجته عائشة أن يحدث بجماعها الخاص والعام من الناس وكم لعائشة بنت أبي بكر من أمثال هذه الروايات التي فيها مس من كرامة الرسول والحط من قيمته، فمرة تروي بأنه يضع خده علي خدها لتتفرج علي رقص السودان ومرة يحملها علي كتفه ومرة يتسابق معها فتغلبه وينتظر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم حتي تسمن فيسابقها ويقول هذه بتيك، ومرة يستلقي علي ظهره والنساء يضربن بالدفوف ومزمارة الشيطان في بيته فينتهرها أبو بكر. [ صفحه 63] وكم في كتب الصحاح أمثال هذه الروايات المخزية التي لا يقصد منها إلا انتقاص نبي الإسلام صلي الله عليه وآله وسلم، كالروايات التي تقول بأن الرسول سحر حتي لا يدري ما يفعل وما يقول وحتي يخيل له أنه يأتي نساءه ولا يأتيهن [31] وكالروايات التي تقول بأنه صلي الله عليه وآله وسلم كان يصبح في رمضان جنبا [32] وأنه ينام حتي يغط في نومه ثم يقوم فيصلي بغير وضوء [33] . ويسهو في صلاته فلا يدري كم ركعة صلي [34] ولا يدري رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ما هو مصيره يوم القيامة وما يفعل به [35] وأنه

يبول قائما والصحابي يبتعد عنه فيناديه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ليقترب منه حتي يفرغ من بوله [36] . نعم لقد بلغ من تدليل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم زوجته عائشة بنت أبي بكر أنه يحبس نفسه ويحبس المسلمين معه ليبحثوا عن عقد ضاع من عائشة وليس معهم ماء حتي أن الناس يشتكون من عائشة لأبي بكر فيأتي أبوها يوبخها ويلومها كل ذلك ورسول الله مشغول بالنوم في حجر زوجته. وإليك الرواية بالتفصيل! أخرج البخاري في صحيحه في باب التيمم ومسلم في صحيحه في باب التيمم أيضا عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في بعض أسفاره حتي إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي التماسه وأقام الناس معه وليسوا علي ماء وليس معهم ماء، فأتي الناس إلي أبي بكر فقالوا: ألا تري إلي ما [ صفحه 64] صنعت عائشة أقامت برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وبالناس معه وليسوا علي ماء وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر ورسول الله صلي الله عليه واضع رأسه علي فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والناس وليسوا علي ماء وليس معهم ماء. قالت: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي فخذي فنام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتي أصبح علي غير ماء فأنزل الله آية التيمم فتيمموا. فقال أسيد بن الحضير وهو أحد النقباء: ما هي بأول بركتكم

يا آل أبي بكر. فقالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته [37] . فهل يصدق مؤمن عرف الإسلام بأن رسول الله يتهاون في أمر الصلاة إلي هذه الدرجة ويحبس المسلمين وهم علي غير ماء وليس عندهم ماء كل ذلك من أجل البحث علي عقد زوجته الذي ضاع منها. ثم يترك المسلمين يتحسرون علي الصلاة ويشتكون إلي أبي بكر، وهو يذهب فينام علي فخذ زوجته ثم يستغرق في نوم لا يشعر معه بدخول أبي بكر وتوبيخه عائشة وطعنها في خاصرتها، وكيف يجوز لهذا الرسول أن يترك الناس يموجون من أجل الماء واقتراب وقت الصلاة وينام هو في حجر زوجته. ولا شك بأن هذه الرواية وضعت في زمن معاوية بن أبي سفيان ولا أساس لها، وإلا كيف نفسر حادثة مثل هذه حضرها كل الصحابة وتغيب عن عمر بن الخطاب فلا يعرفها عندما يسئل عن التيمم كما أخرج ذلك البخاري ومسلم في صحيحيهما في باب التيمم. والمهم في كل هذه الأبحاث هو أن نعرف بأن المؤامرة ضد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كانت مؤامرة خسيسة ودنيئة تعمل علي الانتقاص من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وتحط من قيمته إلي درجة أن [ صفحه 65] أحدنا اليوم (ورغم كل الفساد الذي عم البر والبحر) لا يرضي لنفسه مثل هذه المواقف والأفعال. فما بالنا بأعظم شخصية عرفا تاريخ البشرية والذي يشهد له رب العزة والجلالة بأنه علي خلق عظيم. وقد بدأت المؤامرة حسب اعتقادي بعد حجة الوداع وبعد تنصيب الرسول صلي الله عليه وآله وسلم للإمام علي كخليفة له يوم غدير خم وبذلك عرف الطامعون في الرئاسة أن ليس أمامهم إلا المعارضة والتمرد

علي هذا النص كلفهم ذلك ما كلفهم ولو أدي إلي الانقلاب علي الأعقاب. وبذلك يستقيم تفسير الأحداث التي بدأت بمعارضة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في كل أوامره من كتابة الكتاب إلي تأمير أسامة إلي عدم الذهاب في الجيش الذي عبأه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بنفسه، وكذلك الأحداث التي أعقبت وفاته صلي الله عليه وآله وسلم من حمل الناس علي البيعة بالقوة وتهديد المتخلفين بالحرق وفيهم علي وفاطمة والحسنين، إلي منع الناس من نقل أحاديث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وحرق الكتب التي فيها سنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وحبس الصحابة لئلا يتحدثوا بأحاديث النبي، إلي قتل الصحابة الذين امتنعوا عن أداء الزكاة لأبي بكر لأنه ليس هو الخليفة الذي بايعوه علي عهد نبيهم، إلي اغتصاب حق فاطمة الزهراء من فدك والإرث وسهم الخمس وتكذيبها في دعواها، إلي إبعاد الإمام علي عليه السلام عن كل مسؤولية وتولية الفساق والمنافقين من بني أمية علي رقاب المسلمين إلي منع الصحابة من التبرك بآثار الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ومحاولة محو اسمه من الأذان إلي إباحة مدينته المنورة للجيش الكافر يفعل فيها ما يشاء إلي ضرب البيت الحرام بالمنجنيق وحرقه وقتل الصحابة في داخله - إلي قتل عترة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وسبهم ولعنهم وحمل الناس علي ذلك - إلي قتل وتشريد من يحب أهل البيت ويتشيع لهم، إلي أن أصبح دين الله لعبا وهزؤا والقرآن يمزق ويعبث به. والمؤامرة ما زالت حتي اليوم وآثارها ومفعولها يسري في الأمة الإسلامية وما دام هناك في المسلمين من يترضي عن معاوية ويزيد ويبرر [ صفحه 66] أفعالهم بأنها

اجتهاد ولهم بها أجر عند الله وما دام هناك من يكتب الكتب والمقالات ضد شيعة أهل البيت ويرميهم بكل شتيمة وشنيعة، وما دام هناك من يستبيح قتل شيعة أهل البيت في بيت الله الحرام وفي موسم الحج - فالمؤامرة ما زالت متواصلة وستبقي متواصلة إلي أن يشاء الله. وأنا لست بقادر علي كشفها كلها أو الإحاطة بكل تفاصيلها وجوانبها ولكني أحاول بجهدي المتواضع أن أنزه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من الروايات المخزية التي ألصقت بحضرته وأدافع عنه وعن عصمته، وأحاول إقناع المسلمين المثقفين والمتحررين بأن هذا الرسول الذي أرسله الله لهداية البشرية جميعا وجعله قمرا وسراجا منيرا هو أجل وأعظم وأسمي وأظهر وأنقي وأكمل إنسان خلقه الله تعالي فلا يمكن لنا أن نسكت علي مثل هذه الروايات التي لم يقصد من ورائها إلا النيل من كرامته والحط من قيمته. فلا ولن نرضي بهذه الروايات ولو اتفق عليها أهل السنة والجماعة وأخرجوها في صحاحهم ومسانيدهم، لا بل ولو اتفق عليها أهل الأرض كافة. فقوله سبحانه وتعالي: وإنك لعلي خلق عظيم هو القول الفصل والحكم الأصل وليس بعده إلا الأباطيل والأوهام. وهذا هو قول الشيعة في سيد الأنام ومنقذ البشرية من العمي والضلال وقائدها إلي الأمن والسلام فاعتبروا يا أولي الألباب!.

قول أهل الذكر في الرسول

يقول الإمام علي: حتي أفضت كرامة الله سبحانه إلي محمد صلي الله عليه وآله وسلم فأخرجه من أفضل المعادن منبتا وأعز الأرومات مغرسا. من الشجرة التي صدع منها أنبياءه وانتخب منها أمناءه، عترته خير العتر وأسرته خير الأسر وشجرته خير الشجر نبتت في حرم وبسقت في كرم، لها فروع طوال وثمرة لا تنال فهو إمام من أتقي وبصيرة من اهتدي، سراج لمع

ضوءه [ صفحه 67] وشهاب سطع نوره وزند برق لمعه سيرته القصد وسنته الرشد وكلامه الفصل وحكمه العدل، أرسله علي حين فترة من الرسل وهفوة عن العمل وغباوة من الأمم فبالغ صلي الله عليه وآله وسلم في النصيحة ومضي علي الطريقة ودعا إلي الحكمة والموعظة الحسنة مستقره خير مستقر ومنبته أشرف منبت في معادن الكرامة ومماهد السلامة قد صرفت نحوه أفئدة الأبرار وثنيت إليه أزمة الأبصار دفن به الضغائن وأطفأ به الثوائر. ألف به إخوانا وفرق به أقرانا، أعز به الذلة وأذل به العزة كلامه بيان وصمته لسان أرسله بحجة كافية، وموعظة شافية ودعوي متلافية، أظهر به الشرائع المجهولة وقمع به البدع المدخولة، وبين به الأحكام المفصولة. أرسله بالضياء وقدمه في الاصطفاء فرتق به المفاتق وساور به المغالب وذلل به الصعوبة وسهل به الحزونة حتي سرح الضلال عن يمين وشمال. [ صفحه 69]

فيما يتعلق بأهل البيت

اشاره

السؤال الثالث: من هم أهل البيت؟ يقول الله سبحانه وتعالي: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [الأحزاب: 33]. يقول أهل السنة والجماعة بأن هذه الآية نزت في نساء النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ويستدلون علي ذلك بسياق ما قبلها وما بعدها من الآيات، وعلي حسب زعمهم فإن الله أذهب الرجس عن نساء النبي وطهرهن تظهيرا. ومنهم من يضيف إلي نساء النبي علي وفاطمة والحسن والحسين، ولكن الواقع النقلي والعقلي والتاريخي يأبي هذا التفسير، لأن أهل السنة يروون في صحاحهم بأن الآية نزلت في خمسة وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هو الذي خصهم ونفسه الشريفة بهذه الآية الكريمة عندما أدخل عليا وفاطمة والحسنين معه تحت الكساء. وقال: اللهم

هؤلاء أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وقد أخرج ذلك من علماء أهل السنة جمع غفير أذكر منهم: [ صفحه 70] 1 - مسلم في صحيحه في باب فضائل أهل بيت النبي: 2 / 368. 2 - الترمذي في صحيحه: 5 / 30. 3 - مسند الإمام أحمد بن حنبل: 1 / 330: 4 - مستدرك الحاكم: 2 / 123. 5 - خصائص الإمام النسائي: 49. 6 - تلخيص الذهبي: 2 / 150. 7 - معجم الطبراني: 1 / 65. 8 - شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: 2 / 11. 9 - البخاري في التاريخ الكبير: 1 / 69. 10 - الإصابة لابن حجر العسقلاني: 2 / 502. 11 - تذكرة الخواص لابن الجوزي: 233. 12 - تفسير الفخر الرازي: 2 / 700. 13 - ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: 107. 14 مناقب الخوارزمي: 23. 15 - السيرة الحلبية: 3 / 212. 16 - السيرة الدحلانية: 3 / 329. 17 - أسد الغابة لابن الأثير: 2 / 12. 18 - تفسير الطبري: 22 / 6. 19 - الدر المنثور للسيوطي: 5 / 198. 20 - تاريخ ابن عساكر: 1 / 185. 21 - تفسير الكشاف للزمخشري: 1 / 193. 22 - أحكام القرآن لابن عربي: 2 / 166. 23 - تفسير القرطبي: 14 / 182. 24 - الصواعق المحرقة لابن حجر: 85. 25 - الإستيعاب لابن عبد البر: 3 / 37. [ صفحه 71] 26 - العقد الفريد لابن عبد ربه: 4 / 311. 27 - منتخب كنز العمال: 5 / 96. 28 - مصابيح السنة للبغوي: 2 / 278. 29 - أسباب النزول للواحدي: 203. تفسير

ابن كثير: 3 / 483. وغير هؤلاء من علماء أهل السنة والجماعة كثيرون لم نذكرهم واكتفينا في هذه العجالة بهذا القدر. وإذا كان كل هؤلاء يعترفون بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هو الذي بين المقصود من هذه الآية فما قيمة أقوال غيره من الصحابة أو التابعين أو المفسرين الذين يريدون حمل معناها علي غير ما يريده الله ورسوله، ابتغاء مرضاة معاوية وطمعا في ما عنده. كما أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أشار إليهم مرة أخري وخصهم بأنهم هم أهل البيت لا غيرهم، وذلك عندما نزل قوله سبحانه وتعالي: فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين [آل عمران: 61]. فدعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وقال هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا فهلموا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم. وفي رواية مسلم اللهم هؤلاء أهلي [38] . وعلماء أهل السنة والجماعة الذين ذكرتهم في المصادر السابقة كلهم يعترفون أيضا بنزول هذه الآية في هؤلاء الخمسة المذكورين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. علي أن أزواج النبي رضي الله تعالي عنهن عرفن مقصود الآية [ صفحه 72] الكريمة ولذلك لم تدعي واحدة منهن أنها من أهل البيت وعلي رأسهن أم سلمة وعائشة وقد روت كل واحدة منهن أن الآية خاصة برسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين وقد أخرج اعترافهن كل من مسلم والترمذي والحاكم والطبري والسيوطي والذهبي وابن الأثير وغيرهم. أضف إلي كل ذلك أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قد رفع هذا للبس وهذا الإشكال لأنه علم بأن المسلمين قد يقرؤون القرآن ويحملون أهل البيت علي سياق الآيات السابقة واللاحقة والتي تحذر نساء النبي، فبادر إلي

تعليم الأمة بمقصود آية إذهاب الرجل والتطهير عندما داوم طيلة ستة أشهر (بعد نزول الآية) علي المرور بباب علي وفاطمة والحسنين قبل الشروع في إقامة الصلاة فيقول: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، قوموا إلي الصلاة يرحمكم الله. وقد أخرج هذه المبادرة التي فعلها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الترمذي في صحيحه: 5 / 31 والحاكم في المستدرك: 3 / 158 والذهبي في تلخيصه - وأحمد بن حنبل في مسنده: 3 / 259 وابن الأثير في أسد الغابة: 5 / 521 والحسكاني في شواهد التنزيل: 2 / 11 والسيوطي في الدر المنثور: 5 / 199 والطبري في تفسيره: 22 / 6 والبلاذري في أنساب الأشراف: 2 / 104 وابن كثير في تفسيره: 3 / 483 والهيثمي في مجمع الزوائد: 9 / 168 وغيرهم. وإذا أضفنا إلي كل هؤلاء أئمة أهل البيت وعلماء الشيعة الذين لا يشكون في اختصاص محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين بهذه الآية الكريمة فلا تبقي بعد ذلك أية قيمة لمن خالفهم من أعداء أهل البيت والمتشيعين لمعاوية وبني أمية الذين يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون. وقد كشف أولئك الذين يفسرون الآية علي غير تفسير النبي صلي الله عليه وآله وسلم [ صفحه 73] لها، بأنهم من المتزلفين إلي الحكام من الأمويين والعباسيين قديما، وحديثا بأنهم من النواصب الذين يبغضون عليا وإن تستروا بزي العلماء والفقهاء. علي أن العقل وحده يحكم بعدم شمول هذه الآية، أعني (إذهاب الرجس - والتطهير لزوجات النبي صلي الله عليه وآله وسلم. 1 - فإذا ما أخذنا علي سبيل المثال أم المؤمنين عائشة التي تدعي أنها

أحب أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم إليه وأقربهم لديه حتي أن باقي أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم غرن منها وبعثن للنبي صلي الله عليه وآله وسلم ينشدنه العدل في ابنة أي قحافة كما قدمنا، لم تتجرأ، ولم يتجرأ أحد من أنصارها ومحبيها ولا من السابقين أو من اللاحقين أن يقول بأن عائشة كانت تحت الكساء يوم نزول الآية، فما أعظم محمد صلي الله عليه وآله وسلم في أقواله وأفعاله وما أعظم حكمته عندما حصر أهل بيته معه تحت الكساء حتي أن أم المؤمنين أم سمة زوجة النبي صلي الله عليه وآله وسلم أرادت الدخول معهم تحت الكساء وطلبت ذلك من زوجها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولكنه منعها من ذلك وقال لها: أنت إلي خير. 2 - ثم إن الآية بمفهومها الخاص والعام دال علي العصمة. فإن إذهاب الرجس يشمل كل الذنوب والمعاصي والرذائل صغيرها وكبيرها وخصوصا إذا أضيف إليها تطهير من رب العزة والجلالة، وإذا كان المسلمون يتطهرون بالماء والتراب طهارة جسدية لا تتعدي ظاهر الجسم، فأهل البيت طهرهم الله طهارة روحية غسلت العقل والقلب والفؤاد فلم تترك لوساوس الشيطان ولا لارتكاب المعاصي مكانا. فأصبحت قلوبهم صافية نقية خالصة مخلصة لخالقها وبارئها في كل حركاتها وسكناتها. 3 - ولكل ذلك كان هؤلاء المطهرون مثالا للإنسانية جمعاء في الزهد والتقوي والإخلاص والعلم والحلم والشجاعة والمروءة والعفة والنزاهة والعزوف عن الدنيا والقرب منه جل وعلا ولم يسجل التاريخ لواحد منهم معصية أو ذنبا طيلة حياته. [ صفحه 74] وإذا كان الأمر كذلك، فلنعد إلي المثال الأول لزوجات النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهي عائشة التي بلغت من المرتبة السامية

والمكانة العالية والشهرة الكبيرة ما لم تبلغه أية زوجة أخري للنبي صلي الله عليه وآله وسلم، لا ولا حتي لو جمعنا فضائلهن بأجمعهن ما بلغن عشر معشار عائشة بنت أبي بكر، هذا ما يقوله أهل السنة فيها والذين يعتبرون أن نصف الدين يؤخذ عنها وحدها. وإذا ما تجردنا للحقيقة بدون تعصب ولا انحياز، فهل من المعقول أن يحكم العقل بأنها مطهرة من الذنوب والمعاصي؟ أم أن الله سبحانه رفع عنها حصانته المنيعة بعد موت زوجها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ فلننظر معا إلي الواقع.

عائشة في حياة النبي

وإذا ما بحثنا حياتها مع زوجها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وجدنا الكثير من الذنوب والمعاصي فكانت كثيرا ما تتآمر مع حفصة علي النبي حتي اضطرته إلي تحريم ما أحل الله له كما جاء ذلك في البخاري ومسلم وتظاهرتا عليه أيضا كما أثبت ذلك كل الصحاح وكتب التفسير وقد ذكر الله الحادثتين في كتابه العزيز. كما كانت الغيرة تسيطر علي قلبها وعقلها فتتصرف بحضرة النبي تصرفا بغير احترام ولا أدب، فمرة قالت للنبي صلي الله عليه وآله وسلم عندما ذكر عندها خديجة: مالي ولخديجة إنها عجوز حمراء الشدقين أبدلك الله خيرا منها، فغضب لذلك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتي اهتز شعره [39] ومرة أخري بعث إحدي أمهات المؤمنين للنبي (وكان في بيتها) بصحفة فيها طعام كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يشتهيه، فكسرت الصحفة أمامه بطعامها [40] وقالت للنبي مرة أخري: أنت [ صفحه 75] الذي تزعم أنك نبي الله [41] ومرة غضبت عنده فقالت له: اعدل وكان أبوها حاضرا فضربها حتي سال دمها [42] وبلغ بها الأمر من كثرة الغيرة أن

تكذب علي أسماء بنت النعمان لما زفت عروسا للنبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقالت لها: أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ليعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول له أعوذ بالله منك، وغرضها من وراء ذلك هو تطليق المرأة البريئة الساذجة والتي طلقها النبي بسبب هذه المقالة [43] وقد بلغ من سوء أدبها مع حضرة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، أنه كان يصلي وهي باسطة رجليها في قبلته فإذا سجد غمزها فقبضت رجليها وإذا قام أعادت بسطتها في قبلته [44] . وتآمرت هي وحفصة مرة أخري علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتي اعتزل نساءه بسببها لمدة شهر كامل ينام علي حصير [45] ولما نزل قول الله تعالي: ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء قالت للنبي في غير حياء: ما أري ربك إلا يسارع في هواك [46] وكانت عائشة إذا غضبت (وكثيرا ما كانت تغضب) تهجر اسم النبي صلي الله عليه وآله وسلم فلا تذكر اسم محمد وإنما تقول ورب إبراهيم [47] . وقد أساءت عائشة إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كثيرا وجرعته الغصص ولكن النبي صلي الله عليه وآله وسلم رؤوف رحيم، وأخلاقه عالية وصبره عميق، فكان كثيرا ما يقول لها: ألبسك شيطانك يا عائشة وكثيرا ما كان يأسي لتهديد الله لها ولحفصة بنت عمر، وكم من مرة ينزل القرآن بسببها [ صفحه 76] فقد قال تعالي لها ولحفصة: وإن تتوبا إلي الله فقد صغت قلوبكما، أي أنها زاغت وانحرفت عن الحق [48] وقوله: إن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا هو تهديد صريح من رب

العزة لها ولحفصة التي كانت كثيرا ما تنصاع لها وتعمل بأوامرها. وقال الله لهما: عسي ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات وهذه الآيات نزلت في عائشة وحفصة بشهادة عمر بن الخطاب كما جاء في البخاري [49] فدلت هذه الآية لوحدها علي وجود نساء مؤمنات في المسلمين خير من عائشة. ومرة بعثها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لما أراد أن يخطب لنفسه شراف أخت دحية الكلبي، وطلب من عائشة أن تذهب وتنظر إليها ولما رجعت كانت الغيرة قد أكلت قلبها فسألها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ما رأيت يا عائشة؟ فقالت: ما رأيت طائلا! فقال لها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لقد رأيت طائلا، لقد رأيت خالا تجدها اقشعرت منه ذوائبك. فقالت: يا رسول الله ما دونك سر، ومن يستطيع أن يكتمك [50] . وكل ما فعلته عائشة مع حضرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم من مؤامرات كانت في أغلب الأحيان تجر معها حفصة بنت عمر والغريب أننا نجد تفاهما وانسجاما تاما بين المرأتين عائشة وحفصة كالانسجام والتفاهم بين أبويهما أبو بكر وعمر غير أنه في النساء كانت عائشة دائما هي الجريئة والقوية وصاحبة المبادرة وهي التي كانت تجر حفصة بنت عمر وراءها في كل شئ. بينما كان أبوها أبو بكر ضعيفا أمام عمر الذي كان هو الجرئ والقوي وصاحب المبادرة في كل شئ ولقد رأينا في ما مر من الأبحاث أنه حتي في خلافته كان ابن الخطاب هو الحاكم الفعلي - وقد حدث بعض [ صفحه 77] المؤرخين أن عائشة لما همت بالخروج إلي البصرة لمحاربة الإمام علي فيما سمي بحرب الجمل أرسلت إلي

أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم أمهات المؤمنين تسألهن الخروج معها فلم يستجب لها منهن إلا حفصة بنت عمر التي تجهزت وهمت بالخروج معها لكن أخاها عبد الله بن عمر هو الذي منعها وعزم عليها فحطت رحلها [51] ومن أجل ذلك كان الله سبحانه يتهدد عائشة وحفصة معا في قوله: وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا وكذلك قوله: إن تتوبا إلي الله فقد صغت قلوبكما ولقد ضرب الله لهما مثلا خطيرا في سورة التحريم ليعلمهما وبقية المسلمين الذين يعتقدون بأن أم المؤمنين تدخل الجنة بلا حساب ولا عقاب لأنها زوجة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم كلا، فقد أعلم الله عباده ذكورا وإناثا بأن مجرد الزوجية لا تضر ولا تنفع حتي ولو كان الزوج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وإنما الذي ينفع ويضر عند الله هو فقط أعمال الإنسان. قال تعالي: ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل أدخلا النار مع الداخلين [التحريم: 10]. وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذا قالت: رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين. ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين [التحريم: 11 - 12]. وبهذا يتبين لكل الناس بأن الزوجية والصحبة وإن كانت فيهما فضائل كثيرة إلا أنهما لا يغنيان من عذاب الله إلا إذا اتسمتا بالأعمال الصالحة، وإلا فإن العذاب يكون مضاعفا. لأن عدل الله سبحانه يقتضي أن لا يعذب البعيد الذي

لم يسمع الوحي كالقريب الذي ينزل القرآن في بيته والإنسان الذي عرف الحق فعانده كالجاهل الذي لم يعرف الحق. [ صفحه 78] وإليك الآن أيها القارئ بعض رواياتها بشئ من التفصيل لكي تتعرف علي شخصية هذه المرأة التي لعبت أكبر الأدوار في إبعاد علي عن الخلافة وحاربته بكل ما أوتيت من قوة ودهاء. ولكي تعرف أيضا بأن آية إذهاب الرجل والتطهير بعيدة عنها بعد السماء عن الأرض، وأن أهل السنة أكثرهم ضحايا الدس والتزوير فهم أتباع بني أمية من حيث لا يشعرون.

ام المؤمنين عائشة تشهد علي نفسها

ولنستمع إلي عائشة تروي عن نفسها وكيف تفقدها الغيرة صوابها، فتتصرف بحضرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم تصرفا لا أخلاقيا، قالت: بعثت صفية زوج النبي إلي رسول الله بطعام قد صنعته له، وهو عندي، فلما رأيت الجارية أخذتني رعدة حتي استقلني أفكل، فضربت القصعة ورميت بها، قالت: فنظر إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فعرفت الغضب في وجهه، فقتل: أعوذ برسول الله أن يلعنني اليوم، قالت، قال: أولي، قلت وما كفارته يا رسول الله؟ قال: طعام كطعامها وإناء كإنائها [52] . ومرة أخري تروي عن نفسها، قالت: قلت للنبي حسبك من صفية كذا وكذا، فقال لي النبي صلي الله عليه وآله وسلم: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته [53] . سبحان الله! أين أم المؤمنين من الأخلاق وأبسط الحقوق التي فرضها الإسلام في تحريم الغيبة والنميمة؟ ولا شك بأن قولها: حسبك من صفية كذا وكذا، وقول الرسول بأنها كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته بأن ما قالته عائشة في ضرتها أم المؤمنين صفية أمر عظيم. وخطب جسيم. [ صفحه 79] وأعتقد بأن رواة الحديث استفضعوها واستعظموها فأبدلوها

بعبارة (كذا وكذا كما هي عادتهم في مثل هذه القضايا. وها هي عائشة أم المؤمنين تحكي مرة أخري عن غيرتها من أمهات المؤمنين قالت: ما غرت علي امرأة إلا دون ما غرت علي مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة وأعجب بها رسول الله، وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت حارثة بين النعمان، وفزعنا لها فجزعت، فحولها رسول الله إلي العالية فكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا ثم رزقه الله الولد منها وحرمناه [54] . كما أن عائشة تعدت غيرتها دائرة مارية ضرتها إلي إبراهيم المولود الرضيع البرئ! قالت لما ولد إبراهيم جاء به رسول الله إلي، فقال: أنظري إلي شبهه بي، فقلت: ما أري شبها. فقال رسول الله: ألا ترين إلي بياضه ولحمه؟ قالت فقلت: من سقي ألبان الضان ابيض وسمن [55] . وقد تعدت غيرتها كل الحدود وفاقت كل تعبير عندما وصلت بها الظنون والوساوس إلي الشك في رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فكانت كثيرا ما تتظاهر بالنوم عندما يبات عندها رسول الله ولكنها ترقب زوجها وتتحسس مكانه في الظلام وتتعقبه أين ما ذهب وإليك الرواية عن لسانها والتي: أخرجها مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده وغيرهم قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم فيها عندي انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره علي فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت فأخذ رداءه رويدا وانتعل رويدا وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدا فجعلت درعي في رأسي [ صفحه 80] واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت علي إثره حتي جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه

ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت فأسرع فأسرعت فهرول فهرولت فأحضر فأحضرت فسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال: مالك يا عائش حشيا رابيه؟ قالت فقلت: لا شئ قال: لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير قالت قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي قلت: نعم، فلهدني في صدري لهدة أوجعتني ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله [56] . ومرة أخري قالت فقدت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فظننت أنه أتي بعض جواريه، فطلبته فإذا هو ساجد يقول: رب اغفر لي [57] وأخري قالت: إن رسول الله خرج من عندي ليلا، قالت: فغرت عليه، قالت فجاء فرأي ما أصنع فقال: مالك يا عائشة، أغرت؟ فقلت: وما لي أن لا يغار مثلي علي مثلك! فقال رسول الله: أفأخذك شيطانك [58] . وهذه الرواية الأخيرة تدل دلالة واضحة علي إنها عندما تغار تخرج عن أطوارها وتفعل أشياء غريبة كأن تكسر الأواني أو تمزق الملابس مثلا. ولذلك تقول في هذه الرواية فلما جاء ورأي ما أصنع قال: أفأخذك شيطانك؟ ولا شك أن شيطان عائشة كان كثيرا ما يأخذها أو يلبسها وقد وجد لقلبها سبيلا من طريق الغيرة وقد روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: الغيرة للرجل إيمان وللمرأة كفر. باعتبار أن الرجل يغار علي زوجته لأنه لا يجوز شرعا أن يشاركه فيها أحد - أما المرأة فليس من [ صفحه 81] حقها أن تغار علي زوجها لأن الله سبحانه أباح له الزواج بأكثر من واحدة، فالمرأة الصالحة المؤمنة التي أذعنت لأحكام الله سبحانه تتقبل ضرتها بنفس رياضية كما يقال اليوم وخصوصا إذا كان زوجها

عادلا مستقيما يخاف الله، فما بالك بسيد الإنسانية ورمز الكمال والعدل والخلق العظيم؟ علي أننا نجد تناقضا واضحا في خصوص حب النبي صلي الله عليه وآله وسلم لعائشة وما يقوله أهل السنة والجماعة من أنها كانت أحب نسائه إليه وأعزهم لديه حتي أنهم يروون أن بع نسائه وهبن نوبتهن لعائشة لما علمن بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم يحبها ولا يصبر عليها، فهل يمكن والحال هذه أن نجد مبررا وتفسيرا لغيرة عائشة المفرطة؟ والمفروض أن العكس هو الصحيح. أي أن تغار بقية أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم من عائشة لشدة حبه إياها وميله معها كما يروون ويزعمون، وإذا كانت هي المدللة عند الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فما هو مبرر الغيرة؟ والتاريخ لم يحدث إلا بأحاديثها وكتب السيرة طافحة إلا بتمجيدها وأنها حبيبة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم المدللة التي كان لا يطيق فراقها. وأعتقد بأن كل ذلك من الأمويين الذين أحبوا عائشة وفضلوها لما خدمت مصالحهم وروت لهم ما أحبوا وحاربت عدوهم علي بن أبي طالب. وكما أعتقد بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم يكن يحبها لما فعلته معه كما قدمنا! وكيف يحب رسول الله من تكذب وتغتاب وتمشي بالنميمة وتشك في الله ورسوله وتظن منهما الحيف - كيف يحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من تتجسس عليه وتخرج من بيتها بدون إذنه لتعلم أين يذهب - كيف يحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من تشتم زوجاته بحضرته ولو كن أمواتا - كيف يحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من تبغض ابنه إبراهيم وترمي أمه مارية بالإفك [59] -

كيف يحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من تتدخل بينه وبين زوجاته بالكذب مرة وبإثارة الأحقاد أخري وتتسبب في [ صفحه 82] طلاقهن - كيف يحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من تبغض ابنته الزهراء وتبغض أخاه وابن عمه علي بن أبي طالب إلي درجة أنها لا تذكر اسمه ولا تطيب له نفسا بخير [60] كل هذا وأكثر في حياته صلي الله عليه وآله وسلم أما بعد وفاته فحدث ولا حرج. وكل هذه الأفعال يمقتها الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم ولا يحبان فاعلها، لأن الله هو الحق ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم يمثل الحق، فلا يمكن له أن يحب من كان علي غير الحق. وسوف نعرف خلال الأبحاث القادمة بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم يكن يحبها، بل إنه حذر الأمة من فتنتها [61] . سألت بعض شيوخنا مرة عن سبب حب النبي المفرط لعائشة بالذات دون سواها؟ فأجابوني بأجوبة عديدة كلها مزيفة. قال أحدهم: لأنها جميلة وصغيرة وهي البكر الوحيدة التي دخل بها ولم يشاركه فيها أحد سواه. وقال آخر: لأنها ابنة أبي بكر الصديق صاحبه في الغار. وقال ثالث: لأنها حفظت عن رسول الله نصف الدين فهي العالمة الفقيهة. وقال رابع: لأن جبرئيل جاءه بصورتها وكان لا يدخل علي النبي إلا في بيتها. وأنت كما تري أيها القارئ بأن كل هذه الدعايات لا تقوم علي دليل ولا يقبلها العقل والواقع، وسوف نأتي علي نقضها بالأدلة، فإذا كان الرسول يحبها لأنها جميلة وهي البكر والوحيدة التي دخل بها، فما الذي يمنعه من الزواج بالأبكار الجميلات اللآتي كن بارعات في الحسن والجمال وكن [ صفحه

83] مضرب الأمثال في القبائل العربية وكن رهن إشارته، علي أن المؤرخين يذكرون غيرة عائشة من زينب بنت جحش ومن صفية بنت حيي ومن مارية القبطية لأنهن كن أجمل منها. روي ابن سعد في طبقاته: 8 / 148 وابن كثير في تاريخه: 5 / 299 أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم تزوج مليكة بنت كعب، وكانت تعرف بجمال بارع، فدخلت عليها عائشة، فقالت لها: أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك، فاستعاذت من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فطلقها فجاء قومها إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول الله إنها صغيرة وإنها لا رأي لها، وإنها خدعت فارتجعها، فأبي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وكان أبوها قد قتل في يوم فتح مكة، قتله خالد بن الوليد بالخندمة. وهذه الرواية تدلنا بوضوح بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ما كان همه من الزواج الصغر والجمال وإلا لما طلق مليكة بنت كعب وهي صغيرة وبارعة في الجمال، كما تدلنا هذه الرواية وأمثالها علي الأساليب التي اتبعتها عائشة في خداع المؤمنات البريئات وحرمانهن من الزواج برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقد سبق لها أن طلقت أسماء بنت النعمان لما غارت من جمالها وقالت لها: إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ليعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول له: أعوذ بالله منك. وهذه مليكة، تثير فيها حساسية مقتل أبيها وأن قاتله هو رسول الله وتقول لها: أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك. فما كان جواب هذه المسكينة إلا أنها استعاذت من رسول الله! وما عساها أن تقول غير ذلك والناس لا يزالون حديثي عهد بالجاهلية الذين

يأخذون بالثأر ويعيرون من لا يثأر لأبيه؟ بقي أن نتساءل ويحق لنا أن نتساءل: لماذا يطلق الرسول صلي الله عليه وآله وسلم هاتين المرأتين البريئتين واللتين ذهبتا ضحية مكر وخداع عائشة لهن؟ [ صفحه 84] وقبل كل شئ لا بد لنا أن نضع في حسابنا أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم معصوم ولا يظلم أحدا ولا يفعل إلا الحق فلا بد أن يكون في تطليقهن حكمة يعلمها الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم كما أن عدم تطليق عائشة رغم أفعالها فيه أيضا حكمة، ولعلنا نقف علي شئ منها في الأبحاث المقبلة. أما بالنسبة للمرأة الأولي وهي أسماء بنت النعمان فقد ظهرت سذاجتها عندما انطلت عليها حيلة عائشة فأول كلمة قابلت بها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عندما مد يده إليها هي: أعوذ بالله منك. ورغم جمالها البارع فلم يبقها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لبلاهتها يقول ابن سعد في طبقاته في: 8 / 145 وغيره عن ابن عباس: قال: تزوج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أسماء بنت النعمان وكانت من أجمل أهل زمانها وأتمه. ولعله صلي الله عليه وآله وسلم؟ أراد أن يعلمنا أن رجاحة العقل أولي من الجمال. فكم من امرأة جميلة جرها غباؤها للفاحشة. أما بالنسبة للمرأة الثانية وهي مليكة بنت كعب والتي عيرتها عائشة بأن زوجها هو قاتل أبيها، فلم يرد النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن تعيش هذه المسكينة (والتي هي صغيرة السن ولا رأي لها كما شهد بذلك قومها) علي هواجس ومخاوف قد تسبب مصائب كبري خصوصا وأن عائشة سوف لن تتركها ترتاح مع رسول الله صلي الله عليه وآله

وسلم. ولا شك أن هناك أسبابا أخري يعلمها رسول الله وغابت عنا. والمهم أن نعرف بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم يكن يجري وراء الجمال والشهوات الجسدية والجنسية كما يتوهمه بعض الجاهلين وبعض المستشرقين الذين يقولون كان هم محمد هو النساء الحسناوات. وقد رأينا كيف طلق رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هاتين المرأتين رغم صغرهما وجمالهما فكانتا أجمل أهل زمانهما وأتمه كما جاء [ صفحه 85] في كتب التاريخ وكتب الحديث - فقول من يدعي أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يحب عائشة لصغرها وجمالها مردود ولا يقبل. أما القائلين بأن حبه إياها لأنها ابنة أبي بكر، فهذا غير صحيح، ولكن يمكننا أن نقول بأنه تزوجها من أجل أبي بكر، لأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تزوج من عدة قبائل زواجا سياسيا لتأليف القلوب ولتسود المودة والرحمة في تلك القبائل بدلا من التنافر والتباغض فقد تزوج النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأم حبيبة أخت معاوية وهي بنت أبي سفيان العدو الأول للنبي صلي الله عليه وآله وسلم وذلك لأنه لا يحقد وهو رحمة للعالمين، وقد تعدي عطفه وحنانه القبائل العربية إلي مصاهرة اليهود والنصاري والأقباط ليقرب أهل الأديان بعضهم من بعض. وبالخصوص إذا عرفنا من خلال ما نقرأه في كتب السيرة بأن أبا بكر هو الذي طلب من النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأن يتزوج من ابنته عائشة، كما طلب عمر من النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأن يتزوج ابنته حفصة، وقبل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأن قلبه يسع أهل الأرض كلهم. قال تعالي: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا

من حولك [آل عمران: 159]. وإذا رجعنا إلي الرواية التي روتها عائشة وقالت فيها بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت فأخذ رداءه رويدا وفتح الباب فخرج ثم أجافه، عرفنا كذب الزعم بأنه صلي الله عليه وآله وسلم لا يصبر عنها [62] . وهذا الاستنتاج ليس استنتاجا عفويا ألفه خيالي، كلا فإن له أدلة في صحاح السنة، فقد روي مسلم في صحيحه وغيره من صحاح أهل السنة، أن عمر بن الخطاب قال: لما اعتزل نبي الله صلي الله عليه وآله وسلم نساءه قال دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصي ويقولون طلق رسول الله صلي [ صفحه 86] الله عليه وسلم نساءه وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب، فقال عمر: فقلت لأعلمن ذلك اليوم قال: فدخلت علي عائشة فقلت: يا بنت أبي بكر أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقالت: مالي ومالك يا ابن الخطاب عليك بعيبتك! قال: فدخلت علي حفصة بنت عمر فقلت لها: يا حفصة أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والله لقد علمت أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لا يحبك، ولولا أنا لطلقك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فبكت أشد البكاء الحديث [63] . إن هذه الرواية تدلنا بوضوح لا يقبل الشك في أن زواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم من حفصة بنت عمر لم يكن عن محبة، ولكنه لمصلحة سياسية اقتضتها الظروف. ومما يزيدنا يقينا بصحة ما ذهبنا إليه في هذا الاستنتاج أن عمر بن الخطاب يقسم بالله بأن رسول الله صلي الله عليه

وآله وسلم لا يحب حفصة ويزيدنا عمر يقينا جديدا بأن ابنته حفصة تعلم هي الأخري هذه الحقيقة المؤلمة، إذ يقول لها: والله لقد علمت بأن رسول الله لا يحبك. ثم لا يبقي لنا أدني شك في أن الزواج منها كان لمصلحة سياسية عندما قال: ولولا أنا لطلقك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. فهذه الرواية تعطينا أيضا فكرة علي زواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعائشة بنت أبي بكر، وأنه صبر وتحمل كل أذاها من أجل أبي بكر أيضا، وإلا فإن حفصة أولي بحب الرسول وتقديره، لأنه لم يصدر منها ما يسئ للنبي صلي الله عليه وآله وسلم عشر معشار ما فعلته عائشة بنت أبي بكر. [ صفحه 87] وإذا بحثنا في الواقع العملي بقطع النظر عن الروايات الموضوعة التي نمقها بنو أمية في فضائل عائشة لوجدنا أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان كثيرا ما يتأذي منها وكثيرا ما يغضب عليها، وها نحن ننقل رواية واحدة أخرجها البخاري وكثير من المحدثين من أهل السنة، تعرب عن مدي النفور الذي كانت تشعر به أم المؤمنين عائشة من قبل زوجها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. أخرج البخاري في صحيحه في الجزء السابع في باب قول المريض إني وجع، أو وا رأساه. قال: سمعت القاسم بن محمد قال قالت عائشة: وا رأساه! فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك فقالت عائشة: واثكلياه، والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذاك لظلت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك [64] . فهل تدلك هذه الرواية علي حب النبي لعائشة؟؟ ونخلص بالأخير إلي أن بني

أمية وعلي رأسهم معاوية بن أبي سفيان، يبغضون رسول الله صلي الله عليه وآله، ومنذ أن آلت إليهم الخلافة عملوا علي تقليب الحقائق ظهرا علي عقب، ورفعوا أقواما إلي القمة من المجد والعظمة بينما كانوا في حياة النبي أناسا عاديين وليس لهم شأن كبير، ووضعوا آخرين كانوا في قمة الشرف والعز أيام النبي صلي الله عليه وآله وسلم. وأعتقد أن ميزانهم الوحيد في الرفع والوضع هو فقط عداؤهم الشديد وبغضهم اللامحدود لمحمد وأهل بيته علي وفاطمة والحسن والحسين، فكل شخص كان ضد الرسول صلي الله عليه وآله وضد أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا رفعوا من شأنه واختلقوا له روايات [ صفحه 88] وفضائل وقربوه وأعطوه المناصب والعطايا فأصبح يحظي بتقدير الناس واحترامهم. وكل شخص كان يحب الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ويدافع عنه، عملوا علي انتقاصه وخلق المعايب الكاذبة له واختلاق الروايات التي تنكر فضله وفضائله. وهكذا أصبح عمر بن الخطاب الذي كان يعارضه في كل أوامره حتي رماه بالهجر في أواخر أيام حياته صلي الله عليه وآله وسلم. أصبح هذا الرجل هو قمة الإسلام عند المسلمين زمن الدولة الأموية. أما علي بن أبي طالب الذي كان منه بمنزلة هارون من موسي والذي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله والذي هو ولي كل مؤمن أصبح يلعن علي منابر المسلمين ثمانين عاما. وهكذا أصبحت عائشة التي جرعت رسول الله الغصص وعصت أوامره كما عصت أمر ربها، وحاربت وصي رسول الله وتسببت في أكبر فتنة عرفها المسلمون والتي قتل فيها الآلف المسلمين، أصبحت هذه المرأة هي أشهر نساء الإسلام وعنها تؤخذ الأحكام - أما فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين التي يغضب رب

العزة لغضبها ويرضي لرضاها، أصبحت نسيا منسيا ودفنت في الليل سرا بعد ما هددوها بالحرق وعصروا علي بطنها بالباب حتي أسقطت جنينها ولا أحد من المسلمين من أهل السنة يعرف رواية واحدة تنقلها عن أبيها. وهكذا أصبح يزيد بن معاوية وزياد بن أبيه وابن مرجانة وابن مروان والحجاج وابن العاص وغيرهم من الفساق الملعونين بنص الكتاب علي لسان نبي الله. نعم أصبح هؤلاء أمراء المؤمنين وولاة أمورهم - أما الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وريحانتا النبي من هذه الأمة، والأئمة من [ صفحه 89] عترة الرسول الذين هم أمان الأمة، أصبحوا مشردين مسجونين مقتولين مسمومين. وهكذا أصبح أبو سفيان المنافق الذي ما وقعت حرب ضد الرسول إلا وكان هو قائدها، أصبح محمودا مشكورا حتي قيل من دخل داره كان آمنا أما أبو طالب حامي النبي وكفيله والمدافع عنه بكل ما يملك، والذي قضي حياته مناوئا لقومه وعشيرته من أجل دعوة ابن أخيه حتي قضي ثلاث سنوات في الحصار مع النبي في شعب مكة وكتم إيمانه لمصلحة الإسلام أي لإبقاء بعض الجسور مفتوحة مع قريش فلا يؤذون المسلمين كما يريدون - وذلك كمؤمن آل فرعون الذي كتم إيمانه. أما هذا فكان جزاؤه ضحضاح من نار يضع فيها رجله فيغلي منها دماغه، وهكذا أصبح معاوية بن أبي سفيان الطليق بن الطليق واللعين بن اللعين ومن كان يتلاعب بأحكام الله ورسوله ولا يقيم لها وزنا ويقتل الصلحاء والأبرياء في سبيل الوصول إلي أهدافه الخسيسة ويسب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي مرأي ومسمع من المسلمين [65] ، أصبح هذا الرجل يسمي كاتب الوحي ويقولون بأن الله إئتمن علي وحيه جبرئيل ومحمدا ومعاوية وأصبح يوصف بأنه

رجل الحكمة والسياسة والتدبير. أما أبو ذر الغفاري الذي ما أقلت الخضراء ولا أظلت الغبراء أصدق ذي لهجة منه، فأصبح صاحب فتنة يضرب ويشرد وينفي إلي الربذة وأما سلمان والمقداد وعمار وحذيفة وكل الصحابة المخلصين الذين والوا عليا وتشيعوا له فقد لاقوا التعذيب والتشريد والقتل. وهكذا أصبح أتباع مدرسة الخلفاء وأتباع معاوية وأصحاب المذاهب الذين أوجدتهم السلطة الجائرة، أصبحوا هم أهل السنة والجماعة وهم [ صفحه 90] الذين يمثلون الإسلام ومن خالفهم كان من الكافرين. ولو اقتدي بأئمة أهل البيت الطيبين الطاهرين. أما أتباع مدرسة أهل البيت الذين اتبعوا باب مدينة العلم وأول الناس إسلاما ومن كان الحق يدور معه حيث دار، وتشيعوا لأهل البيت واتبعوا الأئمة المعصومين، أصبحوا هم أهل البدعة والضلالة ومن خالفهم وحاربهم كان من المسلمين - فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصدق الله إذ يقول: وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون [البقرة: 13]. وإذا رجعنا إلي موضوع حب الرسول صلي الله عليه وآله لعائشة لأنها حفظت عنه نصف الدين وكان يقول خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء، فهذا حديث باطل لا أساس له من الصحة ولا يستقيم مع ما روي عن عائشة من أحكام مضحكة مبكية يتنزه عن ذكرها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. ويكفينا مثلا علي ذلك قضية رضاعة الكبير التي كانت ترويها عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والتي أخرجها مسلم في صحيحه ومالك في موطأه والتي وافينا البحث فيها في

كتابنا لأكون مع الصادقين فمن أراد التفصيل والوقوف علي جلية الأمر فليراجعه. ويكفي في هذه الرواية الشنيعة أن زوجات النبي كلهن رفضن العمل بها وأنكرنها. وحتي أن راويها بقي عاما كاملا يتهيب أن يذكرها لفظاعتها وقلة حيائها. وإذا ما رجعنا إلي صحيح البخاري في باب يقصر من الصلاة إذا خرج من موضعه، قال: عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها [ صفحه 91] قالت: الصلاة أول ما فرضت ركعتان فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر، قال الزهري: فقلت لعروة فما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت ما تأول عثمان - وأخرجها مسلم في صحيحه في باب صلاة المسافرين وقصرها وبعبارة أوضح مما في البخاري. قال عن الزهري عن عروة عن عائشة أن الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر، قال الزهري فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم في السفر؟ قال: إنها تأولت كما تأول عثمان. إنه التناقض الصريح، فهي التي تروي بأن صلاة المسافر فرضت ركعتين ولكنها تخالف ما افترضه الله وعمل به رسوله صلي الله عليه وآله وسلم وتتأول لتغير أحكام الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم إحياء لسنة عثمان ولهذه الأسباب نجد كثيرا من الأحكام في صحاح أهل السنة والجماعة ولكن لا يعملون بها لأنهم في أغلب الأحيان يأخذون بتأول أبي بكر وتأول عمر وتأول عثمان وتأول عائشة وتأول معاوية بن أبي سفيان وغيرهم من الصحابة. فإذا كانت الحميراء التي يؤخذ عنها نصف الدين تتأول في أحكام الله كيف تشاء، فلا أعتقد بأن زوجها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يرضي منها هذا ويأمر الناس بالاقتداء بها، علي أنه ورد في صحيح البخاري وصحاح أهل السنة

إشارة إلي أن في اتباعها معصية لله، وسنوافيك بذلك في أوانه إن شاء الله. وأما القائلون بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يحبها لأن جبرئيل أتاه بصورتها قبل الزواج وأنه لا يدخل عليه إلا في بيتها فهذه روايات تضحك المجانين ولست أدري أكانت الصورة التي جاء بها جبرئيل فوتوغرافية أم لوحة زيتية، علي أن صحاح أهل السنة يروون بأن أبا بكر بعث بعائشة إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم ومعها طبق من التمر لينظر إلهيا وهو الذي طلب من النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن يتزوج ابنته، فهل هناك داع لنزل جبرئيل بصورتها وهي تسكن علي بعد بضع أمتار من مسكن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأعتقد أن مارية [ صفحه 92] القبطية التي كانت تسكن مصر وهي بعيدة عن رسول الله صلي الله عليه وما كان أحد يتصور مجيئها، هي أولي بأن ينزل جبرئيل بصورتها ويبشر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بأن الله سيرزقه منها إبراهيم. ولكن هذه الروايات هي من وضع عائشة التي كانت لا تجد شيئا تفتخر به علي ضراتها إلا الأساطير التي يخلقها خيالها، أو أنها من وضع بني أمية علي لسانها ليرفعوا من شأنها عند بسطاء العقول. وأما أن جبرئيل كان لا يدخل علي محمد صلي الله عليه وآله وسلم وهو مضطجع إلا في بيت عائشة فهي أقبح من الأولي والمعلوم من القرآن الكريم أن الله هددها عندما تظاهرت علي رسوله، هددها بجبرئيل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا. فما أقوال شيوخنا وعلمائنا إلا ضرب من الظن والخيال وإن الظن لا يغني من الحق شيئا - قل هل عندكم من علم

فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون.

عائشة فيما بعد النبي

أما إذا درسنا حياة أم المؤمنين عائشة ابنة أبي بكر بعد لحوق زوجها بالرفيق الأعلي روحي له الفداء. وبعد ما خلا لها الجو وأصبح أبوها هو الخليفة والرئيس علي الأمة الإسلامية وأصبحت هي حينذاك المرأة الأولي في الدولة الإسلامية لأن زوجها رسول الله وأبوها هو خليفة رسول الله. ولأنها كما تعتقد هي أو توهم نفسها بأنها أفضل أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم، لا لشئ إلا لأنه تزوجها بكرا وما تزوج بكرا غيرها، وقد توفي عنها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهي في عز شبابها وزهرة عمرها فكان عمرها يوم وفاة زوجها ثمانية عشر عاما علي أكثر التقادير وأشهر الروايات، ولم تعاشر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سوي ست أو ثمان سنوات علي اختلاف الرواة قضت السنوات الأولي منها تعلب ألعاب [ صفحه 93] الأطفال وهي زوجة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهي كما وصفتها بريرة جارية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عندما قالت في عائشة إنها جارية حديثة السن تنام عن العجين فتأتي الداجن فتأكله [66] . نعم ثمانية عشر عاما لفتاة بلغت سن المراهقة كما يقال اليوم وقضت نصف عمرها مع صاحب الرسالة وبين ضرات يبلغ عددهن عشر أو تسع زوجات وهناك امرأة أخري أغفلنا ذكرها في حياة عائشة وكانت أشد عليها من كل ضرة لأن حب الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لها فاق التصور وهذه المرأة هي فاطمة الزهراء ربيبة عائشة ابنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من خديجة وما أدراك ما خديجة الصديقة الكبري التي سلم عليها جبرئيل وبشرها

ببيت لها في الجنة لا صخب فيه ولا نصب [67] . والتي كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لا يدع مناسبة تفوته إلا ويذكر خديجة فيتفطر كبد عائشة ويحترق قلبها غيرة فتثور ثائرتها وتخرج عن أطوارها فتشتم بما يحلو لها ولا تبال بعواطف زوجها ومشاعره. ولنستمع إليها تحدث عن نفسها بخصوص خديجة كما روي البخاري وأحمد والترمذي وابن ماجة قالت: ما غرت علي امرأة لرسول الله كما غرت علي خديجة [68] لكثرة ذكر رسول الله إياها وثنائه عليها، فقلت ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها، قالت: فتغير وجه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تغيرا ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي، وقال: لا ما أبدلني الله خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بما لها إذ حرمني الناس، ورزقني الله [ صفحه 94] عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء. وليس هناك شك أن رد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم يبطل دعوي من يقول بأن عائشة هي أحب وأفضل أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأكيد أيضا أن عائشة ازدادت غيرة وكرها لخديجة عندما قرعها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بهذا التوبيخ وأعلمها بأن ربه لم يبدله خيرا من خديجة، ومرة أخري يعلمنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بأنه لا يميل مع الهوي ولا يحب الجمال والبكارة، لأن خديجة سلام الله عليها تزوجت قبلة مرتين وكانت تكبره بخمسة عشرة عاما، ومع ذلك فهو يحبها ولا ينثني عن ذكرها، وهذا لعمري هو خلق النبي صلي الله عليه وآله

وسلم الذي يحب في الله ويبغض في الله. وهناك فرق كبير بين هذه الرواية الحقيقة وتلك المزيفة التي تدعي بأن الرسول يميل إلي عائشة حتي بعثن إليه نساؤه ينشدنه العدل في ابنة أبي قحافة. وهل لنا أن نسأل أم المؤمنين عائشة التي ما رأت يوما في حياتها السيدة خديجة ولا التقت بها كيف تقول عنها عجوز حمراء الشدقين؟ وهل هذه هي أخلاق المؤمنة العادية التي يحرم عليها أن تغتاب غيرها إذا كان حيا؟ فما بالك بالميت الذي أفضي إلي ربه، فما بالك إذا كان ضحية الغيبة زوج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والتي ينزل جبرئيل في بيتها ويبشرها ببيت في الجنة لا صخب فه ولا نصب [69] . وبالتأكيد أن ذلك البغض وتلك الغيرة التي تأججت في قلب عائشة من أجل خديجة لا بد لها من فورة ومتنفس وإلا انفجرت، فلم تجد عائشة أمامها إلا فاطمة ابنة خديجة ربيبتها والتي هي في سنها أو تكبرها قليلا علي اختلاف الرواة. وبالتأكيد أيضا أن ذلك الحب العميق من رسول الله صلي الله عليه وآله [ صفحه 95] وسلم لخديجة تجسد وقوي في ابنته ووحيدته فاطمة الزهراء، فهي الوحيدة التي عاشت مع أبيها تحمل في جنباتها أجمل الذكريات التي كان يحبها رسول الله في خديجة فكان يسميها أم أبيها. وزاد في غيرة عائشة أن تري رسول الله يمجد ابنته ويسميها سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة [70] ثم يرزقه الله منها سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين فتري رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يذهب ويبات عند فاطمة ساهرا علي تربية أحفاده ويقول: ولداي هذان ريحانتي من هذه الأمة ويحملهما علي كتفيه فتزداد بذلك

عائشة غيرة لأنها عقيم، ثم ازدادت الغيرة أكثر عندما شملت زوج فاطمة أبا الحسنين لا لشئ إلا لحب الرسول صلي الله عليه وآله وسلم إياه وتقديمه علي أبيها في كل المواقف، فلا شك أنها كانت تعيش الأحداث. وتري أن أبي طالب يفوز في كل مرة علي أبيها ويمضي بحب الرسول صلي الله عليه وآله وسلم له وتفضيله وتقديمه علي من سواه، فقد عرفت أن أبوها رجع مهزوما في غزوة خيبر بمن معه من الجيوش وأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تألم لذلك وقال: لأعطين غدا الراية إلي رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا ليس فرارا. وكان ذلك الرجل هو علي بن أبي طالب زوج فاطمة، ثم رجع علي بعد ما فتح خيبر بصفية بنت حيي التي تزوجها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ونزلت علي قلب عائشة كالصاعقة. وقد عرفت أيضا أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعث أبوها بسورة براءة ليبلغها إلي الحجيج ولكنه أرسل خلفه علي بن أبي طالب فأخذها منه ورجع أبوها يبكي ويسأل عن السبب فيجيبه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إن الله أمرني أن لا يبلغ عني إلا أنا أو أحد من أهل بيتي. وقد عرفت أيضا بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نصب ابن عمه علي خليفة [ صفحه 96] المسلمين من بعده وأمر أصحابه وزوجاته بتهنئته بإمرة المؤمنين فجاءه أبوها في مقدمة الناس يقول: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولي كل مؤمن ومؤمنة. وقد عرفت بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أمر علي أبيها شابا صغيرا لا نبات بعارضيه عمره سبعة

عشر عاما وأمره بالسير تحت قيادته والصلاة خلفه. ولا شك بأن أم المؤمنين عائشة كانت تتفاعل مع هذه الأحداث فكانت تحمل في جنباتها هم أبيها والمنافسة علي الخلافة والمؤامرة التي تدور عند رؤساء القبائل في قريش، فكانت تزداد بغضا وحنقا علي علي وفاطمة وتحاول بكل جهودها أن تتدخل لتغيير الموقف لصالح أبيها بشتي الوسائل كلفها ذلك ما كلفها - وقد رأيناها كيف أرسلت إلي أبيها علي لسان زوجها تأمره ليصلي بالناس عندما علمت بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أرسل خلف علي ليكلفه بتلك المهمة ولما علم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بتلك المؤامرة اضطر للخروج فأزاح أبا بكر عن موضعه وصلي بالناس جالسا، وغضب علي عائشة وقال لها إنكن أنتن صويحبات يوسف (يقصد أن كيدها عظيم) [71] . والباحث في هذه القضية التي روتها عائشة بروايات مختلفة ومتضاربة يجد التناقض واضحا وإلا فإن أباها عبأه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في جيش وأمره بالخروج تحت قيادة أسامة بن زيد قبل تلك الصلاة بثلاثة أيام، ومن المعلوم بالضرورة أن قائد الجيش هو إمام الصلاة فأسامة هو إمام أبي بكر في تلك السرية، فلما أحست عائشة بتلك الإهانة وفهمت مقصود النبي صلي الله عليه وآله وسلم منها خصوصا وأنها تفطنت بأن علي بن أبي طالب لم يعينه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في ذلك الجيش الذي عبأ فيه وجوه المهاجرين [ صفحه 97] والأنصار والذين لهم في قريش زعامة ومكانة، وقد علمت من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما علم أكثر أصحابه بأن أيامه أصبحت معدودة ولعلها كانت علي رأي عمر بن الخطاب في أن رسول

الله أصبح يهجر ولا يدري ما يفعل، فدفعتها غيرتها القاتلة أن تتصرف بما تراه يرفع من شأن أبيها وقدره مقابل منافسه علي، ولكل ذلك أنكرت أن يكون النبي صلي الله عليه وآله وسلم أوصي لعلي ولذلك حاولت إقناع البسطاء من الناس بأن رسول الله صلي الله عليه عليه وآله وسلم مات في حجرها بين سحرها ونحرها - ولذلك حدثت بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال لها وهو مريض ادع لي أباك وأخاك لأكتب لهم كتابا عسي أن يدع مدع وأبي الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر فهل من سائل يسألها: ما الذي منعها من دعوتهم؟

موقف عائشة ضد علي أميرالمؤمنين

والباحث في موقفها تجاه أبي الحسن يجد أمرا عجيبا وغريبا. ولا يجد له تفسيرا إلا الغيرة والعداء لأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقد سجل لها التاريخ كرها وبغضا للإمام علي لم يعرف له مثيل وصل بها إلي حد أنها لا تطيق ذكر اسمه [72] ولا تطيق رؤيته وعندما تسمع بأن الناس قد بايعوه بالخلافة بعد قتل عثمان، تقول: وددت لو أن السماء انطبقت علي الأرض قبل أن يليها ابن أبي طالب. وتعمل كل جهودها للإطاحة به وتقود ضده عسكرا جرارا لمحاربته، وعندما يأتيها خبر موته تسجد شكرا لله. ألا تعجبون معي لأهل السنة والجماعة الذين يروون في صحاحهم بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق [73] ، ثم يروون في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم بأن عائشة تبغض الإمام علي ولا تطيق ذكر اسمه، أليس ذلك شهادة منهم علي ماهية المرأة؟ كما يروي البخاري في صحيحه أن رسول الله صلي الله [ صفحه 98]

عليه وآله وسلم قال: فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني ومن أغضبني فقد أغضب الله [74] ثم يروي البخاري نفسه بأن فاطمة ماتت وهي غاضبة علي أبي بكر فلم تكلمه حتي ماتت [75] - أليس ذلك شهادة منهم بأن الله ورسوله غاضبان علي أبي بكر؟ فهذا ما يفهمه كل العقلاء، ولذلك أقول دائما بأن الحق لا بد أن يظهر مهما ستره المبطلون ومهما حاول أنصار الأمويين التمويه والتلفيق فإن حجة الله قائمة علي عباده من يوم نزول القرآن إلي قيام الساعة والحمد لله رب العالمين. حدث الإمام أحمد بن حنبل أن أبا بكر جاء مرة واستأذن علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقبل الدخول سمع صوت عائشة عاليا وهي تقول للنبي صلي الله عليه وآله وسلم: والله لقد عرفت أن عليا أحب إليك مني ومن أبي تعيدها مرتين أو ثلاثا الحديث [76] . وبلغ من أمر عائشة وبغضها للإمام علي، أنها كانت تحاول دائما إبعاده عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ما استطاعت لذلك سبيلا. قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج. أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم استدني عليا فجاء حتي قعد بينه وبينها وهما متلاصقان، فقالت له: أما وجدت مقعدا لكذا إلا فخذي. وروي أيضا أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ساير يوما الإمام علي وأطال مناجاته، فجاءت عائشة وهي سائرة خلفهما حتي دخلت بينهما، وقالت لهما: فيم أنتما فقد أطلتما، فغضب لذلك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [77] . [ صفحه 99] ويروي أيضا أنها دخلت مرة علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو يناجي عليا فصرخت وقالت: مالي ولك

يا بن أبي طالب؟ إن لي نوبة واحدة من رسول الله - فغضب النبي صلي الله عليه وآله وسلم. وكم من مرة أغضبت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بتصرفاتها الناتجة عن الغيرة الشديدة وعن حدة طبعها وكلامها اللاذع. وهل يرضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسم علي مؤمن أو مؤمنة ملأ قلبه كرها وبغضا لابن عمه وسيد عترته، الذي قال فيه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله [78] وقال فيه من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني [79] .

و قرن في بيوتكن و لا تبرجن

أمر الله سبحانه نساء النبي صلي الله عليه وآله وسلم بالاستقرار في بيوتهن وأن لا يخرجن متبرجات وأمرهن بقراءة القرآن وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم. وعمل نساء النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وكلهن امتثلن أمر الله وأمر رسوله الذي نهاهن هو الآخر صلي الله عليه وآله وسلم قبل وفاته وحذرهن بقوله: أيتكن تركب الجمل وتنبحها كلاب الحوأب، كلهن ما عدا عائشة فقد اخترقت كل الأوامر وسخرت من كل التحذيرات ويذكر المؤرخون أن حفصة بنت عمر أرادت الخروج معها ولكن أخاها عبد الله حذرها وقرأ عليها الآية فرجعت عن عزمها، أما عائشة فقد ركبت الجمل ونبحتها كلاب الحوأب يقول طه حسين في كتابه الفتنة الكبري: مرت عائشة في طريقها بماء فنبحتها كلابه وسألت عن هذا الماء فقيل لها إنه الحوأب، فجزعت جزعا شديدا وقالت: [ صفحه 100] ردوني ردوني، قد سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول وعنده نساؤه: أيتكن تنبحها كلاب الحوأب: وجاء عبد الله بن الزبير فتكلف تهدئتها وجاءها بخمسين رجلا من بني عامر يحلفون لها كذبا أن

هذا الماء ليس بماء الحوأب. وأنا أعتقد بأن هذه الرواية وضعت في زمن بني أمية ليخففوا بها عن أم المؤمنين ثقل معصيتها ظنا منهم بأن أم المؤمنين أصبحت معذورة بعد أن خدعها ابن أختها عبد الله بن الزبير وجاءها بخمسين رجلا يحلفون بالله ويشهدون شهادة زورا بأن الماء ليس هو ماء الحوأب. إنها سخافة هزيلة يريدون أن يموهوا بمثل هذه الروايات علي بسطاء العقول ويقنعونهم بأن عائشة خدعت لأنها عندما مرت بالماء وسمعت نباح الكلاب فسألت عن هذا الماء فقيل لها إنه الحوأب فجزعت وقالت ردوني ردوني. فهل لهؤلاء الحمقي الذين وضعوا الرواية أن يلتمسوا لعائشة عذرا في معصيتها لأمر الله وما نزل من القرآن بوجوب الاستقرار في بيتها، أو يلتمسوا لها عذرا في معصيتها لأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بوجوب لزوم الحصير وعدم ركوب الجمل، قبل الوصول إلي نباح الكلاب في ماء الحوأب، وهل يجدون لأم المؤمنين عذرا بعد ما رفضت نصيحة أم المؤمنين أم سلمة التي ذكرها المؤرخون إذ قالت لها: أتذكرين يوم أقبل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ونحن معه حتي إذا هبط من قديد ذات الشمال فخلا بعلي يناجيه فأطال، فأردت أن تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني وهجمت عليهما، فما لبثت أن رجعت باكية، فقلت: ما شأنك؟ فقلت: أتيتهما وهما يتناجيان، فقلت لعلي: ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي، فأقبل رسول الله علي وهم محمر الوجه غضبا فقال: ارجعي وراءك والله لا يبغضه أحد من الناس إلا وهو خارج من الإيمان، فرجعت نادمة ساخطة، فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك. قالت: وأذكرك أيضا كنت أنا وأنت مع

رسول الله، فقال لنا: أيتكن صاحبة الجمل الأدب تنبحها كلاب الحوأب [ صفحه 101] فتكون ناكبة عن الصراط؟ فقلنا نعوذ بالله وبرسوله من ذلك فضرب علي ظهرك وقال: إياك أن تكونيها يا حميراء قالت عائشة أذكر ذلك. فقالت أم سلمة: أتذكرين يوم جاء أبوك ومعه عمر، وقمنا إلي الحجاب، ودخلا يحدثانه فيما أراد إلي أن قالا: يا رسول الله، إنا لا ندري أمد ما تصحبنا، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعا فقال لهما: أما إني قد أري مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرق بنو إسرائيل عن هارون، فسكتا ثم خرجا، فلما خرجا خرجنا إلي رسول الله فقلت له أنت وكنت أجرأ عليه منا: يا رسول الله من كنت مستخلفا عليهم؟ فقال: خاصف النعل، فنزلنا فرأيناه عليا. فقلت يا رسول الله ما أري إلا عليا. فقال: هو ذاك. قالت عائشة: نعم أذكر ذلك، فقالت لها أم سلمة: فأي خروج تخرجين بعد هذا يا عائشة. فقالت: إنما أخرج للإصلاح بين الناس [80] فنهتها أم سلمة عن الخروج بكلام شديد وقالت لها: إن عمود الإسلام لا يثأب بالنساء إن مال، ولا يرأب بهن إن صدع، حماديات النساء غض الأطراف، وخفر الأعراض، ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عارضك في بعض هذه الفلوات، ناصة قلوصا من منهل إلي آخر؟ والله لو سرت سيرك هذا ثم قيل لي أدخلي الفردوس، لاستحييت أن ألقي محمدا هاتكة حجابا ضربه علي [81] . كما لم تقبل أم المؤمنين عائشة نصائح كثير من الصحابة المخلصين روي الطبري في تاريخ أن جارية بن قدامة السعدي قال لها: يا أم المؤمنين والله قتل عثمان ن عفان

أهون من خروجك من بيتك علي هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح، إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك [ صفحه 102] وأبحت حرمتك، إنه من يري قتالك فإنه يري قتلك إن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلي منزلك وإن أتيتنا مستكرهة فاستعيني بالناس [82] .

ام المؤمنين هي القائدة

ذكر المؤرخون بأنها كانت هي القائدة العامة وهي التي تولي وتعزل وتصدر الأوامر حتي أن طلحة والزبير اختلفا في إمامة الصلاة وأراد كل منهما أن يصلي بالناس، فتدخلت عائشة وعزلتهما معا وأمرت عبد الله بن الزبير ابن أختها أن يصلي هو بالناس. وهي التي كانت ترسل الرسل بكتبها التي بعثتها في كثير من البلدان تستنصرهم علي علي بن أبي طالب وتثير فيهم حمية الجاهلية. حتي عبأت عشرين ألفا أو أكثر من أوباش العرب وأهل الأطماع لقتال أمير المؤمنين والإطاحة به. وأثارتها فتنة عمياء قتل فيها خلق كثير باسم الدفاع عن أم المؤمنين ونصرتها ويقول المؤرخون أن أصحاب عائشة لما غدروا بعثمان بن حنيف والي البصرة وأسروه هو وسبعين من أصحابه الذين كانوا يحرسون بيت المال جاؤوا بهم إلي عائشة فأمرت بقتلهم فذبحوهم كما يذبح الغنم. وقيل كانوا أربعمائة رجل يقال أنهم أول قوم من المسلمين ضربت أعناقهم صبرا [83] . روي الشعبي عن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه قال: لما قدم طلحة والزبير البصرة، تقلدت سيفي وأنا أريد نصرهما، فدخلت علي عائشة فإذا هي تأمر وتنهي وإذا الأمر أمرها، فتذكرت حديثا عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كنت سمعته يقول: لن يفلح قوم تدبر أمرهم امرأة فانصرفت عنهم واعتزلتهم. كما أخرج البخاري عن أبي بكرة قوله: لقد نفعني الله بكلمة أيام [ صفحه 103]

الجمل، لما بلغ النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن فارسا ملكوا ابنة كسري قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة [84] . ومن المواقف المضحكة والمبكية في آن واحد أن عائشة أم المؤمنين تخرج من بيتها عاصية لله ولرسوله ثم تأمر الصحابة بالاستقرار في بيوتهم، إنه حقا أمر عجيب!! فكيف وقع ذلك يا تري؟ روي ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج وغيره من المؤرخين أن عائشة كتبت - وهي في البصرة - إلي زيد بن صوحان العبدي رسالة تقول له فيها: من عائشة أم المؤمنين بنت أبي بكر الصديق، زوجة رسول الله، إلي ابنها الخالص زيد بن صوحان، أما بعد فأقم في بيتك وخذل الناس عن ابن أبي طالب، وليبلغني عنك ما أحب إنك أوثق أهلي عندي والسلام. فأجابها هذا الرجل الصالح بما يلي: من زيد بن صوحان إلي عائشة بنت أبي بكر، أما بعد فإن الله أمرك بأمر، وأمرنا بأمر، أمرك أن تقري في بيتك، وأمرنا أن نجاهد، وقد أتاني كتابك تأمريني أن أصنع خلاف ما أمرني الله به، فأكون قد صنعت ما أمرك الله به، وصنعت أنت ما به أمرني، فأمرك عندي غير مطاع، وكتابك لا جواب له. وبهذا يتبين لنا بأن عائشة لم تكتف بقيادة جيش الجمل فقط وإنما طمحت في إمرة المؤمنين كافة في كل بقاع الأرض ولكل ذلك كانت هي التي تحكم طلحة والزبير اللذين كانا قد رشحهما عمر للخلافة، ولكل ذلك أباحت لنفسها أن تراسل رؤساء القبائل والولاة وتطمعهم وتستنصرهم. ولكل ذلك بلغت تلك المرتبة وتلك الشهرة عند بني أمية فأصبحت هي المنظور إليها والمهابة لديهم جميعا والتي يخشي سطوتها ومعارضتها [ صفحه 104] فإذا كان الأبطال

والمشاهير من الشجعان يتخاذلون ويهربون من الصف إزاء علي بن أبي طالب ولا يقفون أمامه فإنها وقفت وألبت واستصرخت واستفزت. ومن أجل هذا حيرت العقول وأدهشت المؤرخين الذين عرفوا مواقفها في حرب الجمل الصغري قبل قدوم الإمام علي وفي حرب الجمل الكبري بعد مجئ الإمام علي ودعوتها لكتاب الله فأبت وأصرت علي الحرب في عناد لا يمكن تفسيره إلا إذا عرفنا عمق وشدة الغيرة والبغضاء التي تحملها أم المؤمنين لأبنائها المخلصين لله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم.

تحذير النبي من عائشة و فتنتها

لقد كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يدرك عمق وخطورة المؤامرة التي تدار حوله من جميع جوانبها، ولا شك بأنه عرف ما للنساء من تأثير وفتنة علي الرجال، كما أدرك بأن كيدهن عظيم تكاد تزول منه الجبال، وعرف بالخصوص بأن زوجته عائشة هي المؤهلة لذلك الدور الخطير لما تحمله في نفسها من غيرة وبغض لخليفته علي خاصة، ولأهل بيته عامة، كيف وقد عاش بنفسه أدوارا من مواقفها وعداوتها لهم، فكان يغضب حينا ويتغير وجهه أحيانا، ويحاول إقناعهم في كل مرة بأن حبيب علي هو حبيب الله والذي يبغض عليا هو منافق يبغضه الله - ولكن هيهات لتلك الأحاديث أن تغوص في أعماق تلك النفوس التي ما عرفت الحق حقا إلا لفائدتها وما عرفت الصواب صوابا إلا إذا صدر عنها. ولذلك وقف الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لما عرف بأنها هي الفتنة التي جعلها الله في هذه الأمة ليبتليها بها كما ابتلي سائر الأمم السابقة. قال تعالي: ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون [العنكبوت: 2]. وقد حذر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أمته منها في مرات [

صفحه 105] متعددة حتي قام في يوم من الأيام واتجه إلي بيتها وقال: ههنا الفتنة، ههنا الفتنة حيث يطلع قرن الشيطان، وقد أخرج البخاري في صحيحه في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي: قال عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه قال: قام النبي صلي الله عليه وآله وسلم خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال: ههنا الفتنة ثلاثا، من حيث يطلع قرن الشيطان [85] . كما أخرج مسلم في صحيحه أيضا عن عكرمة بن عمار عن سالم عن ابن عمر قال: خرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من بيت عائشة، فقال: رأس الكفر من ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان [86] . ولا عبرة بالزيادة التي أضافوها بقولهم: يعني المشرق، فهي واضحة الوضع ليخففوا بها عن أم المؤمنين ويبعدوا هذه التهمة عنها. وقد جاء في صحيح البخاري أيضا: قال لما سار طلحة والزبير وعائشة إلي البصرة، بعث علي عمار بن ياسر وحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إلهي فسمعت عمارا يقول: إن عائشة قد سارت إلي البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم صلي الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالي ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي [87] . الله أكبر فهذا الخبر يدل أيضا أن طاعتها معصية لله وفي معصيتها هي والوقوف ضدها طاعة لله. كما نلاحظ أيضا في هذا الحديث أن الرواة من بني أمية أضافوا عبارة والآخرة، في (أنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة) ليموهوا علي العامة بأن الله غفر لها كل ذنب اقترفته أدخلها جنته وزوجها حبيبه رسول الله

صلي [ صفحه 106] الله عليه وآله وسلم - وإلا من أين علم عمار بأنها زوجته في الآخرة؟ وهذه هي أخر الحيل التي تفطن لها الوضاعون من الرواة في عهد بني أمية عندما يجدون حديثا جري علي ألسنة الناس فلا يمكنهم بعد نكرانه ولا تكذيبه فيعمدون إلي إضافة فقرة إليه أو كلمة أو تغيير بعض ألفاظه ليخففوا من حدته أو يفقدوه المعني المخصوص له، كما فعلوا ذلك بحديث، أنا مدينة العلم وعلي بابها الذي أضافوا وأبوا بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها. وقد لا يخفي ذلك علي الباحثين المنصفين فيبطلون تلك الزيادات التي تدل في أغلب الأحيان علي سخافة عقول الوضاعين وبعدهم عن حكمة ونور الأحاديث النبوية، فيلاحظون أن القول بأن أبا بكر أساسها، معناه أن علم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كله من علم أبي بكر، وهذا كفر. كما أن القول بأن عمر حيطانها فمعناه بأن عمر يمنع الناس من الدخول للمدينة أعني يمنعهم من الوصول للعلم والقول بأن عثمان صفقها، فباطل بالضرورة لأنه ليس هناك مدينة مسقوفة وهو مستحيل. كما يلاحظون هنا بأن عمارا يقسم بالله علي أن عائشة زوجة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة، وهو رجما بالغيب فمن أين لعمار أن يقسم علي شئ يجهله؟ هل عنده آية من كتاب الله، أم هو عهد عهده إليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ فيبقي الحديث الصحيح هو إن عائشة قد سارت إلي البصرة، وإنها لزوجة نبيكم، ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم إياه تطيعون أم هي. والحمد لله رب العالمين علي أن جعل لنا عقولا نميز بها الحق من الباطل وأوضح لنا السبيل ثم ابتلانا بأشياء عديدة

لتكون علينا حجة يوم الحساب. [ صفحه 107] خاتمة البحث والمهم في كل ما مر بنا من الأبحاث وإن كانت مختصرة أن عائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين وزوجة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم تكن معدودة من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والذين عصمهم الله من كل الذنوب وطهرهم من كل رجس فأصبحوا بعد ذلك معصومين. ويكفي عائشة أنها قضت آخر أيام حياتها في بكاء ونحيب وحسرة وندامة، تذكر أعمالها فتفيض عيناها ولعل الله سبحانه يغفر لها خطاياها فهو وحده المطلع علي أسرار عباده والذي يعلم صدق نواياها، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. فلا يخفي علي الله شئ في الأرض ولا في السماء، وليس لنا ولا لأي أحد من الناس أن يحكم بالجنة أو بالنار علي مخلوقاته فهذا تكلف وتطفل علي الله، قال تعالي: لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله علي كل شئ قدير [البقرة: 284]. وبهذا لا يمكن لنا أن نترضي عليها ولا أن نلعنها ولكن لنا أن لا نقتدي بها ولا نبارك أعمالها، ونتحدث بكل ذلك لتوضيح الحقيقة إلي الناس، عسي أن يهتدوا لطريق الحق. قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: لا تكونوا سبابين ولا لعانين، ولكن قولوا: كان من فعلهم كذا وكذا لتكون أبلغ في الحجة.

قول أهل الذكر بخصوص أهل البيت

يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وهو سيد العترة: تالله لقد علمت تبليغ الرسالات، وإتمام العدات وتمام الكلمات [ صفحه 108] وعندنا أهل البيت أبواب الحكم وضياء الأمر [88] . أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا، كذبا

وبغيا علينا أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطي الهدي ويستجلي العمي، إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح علي سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم [89] . نحن الشعار والأصحاب، والخزنة والأبواب، لا تؤتي البيوت إلا من أبوابها فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا. ثم يذكر أهل البيت فيقول: فيهم كرائم القرآن، وهم كنوز الرحمن، إن نطقوا صدقوا، وغن صمتوا لم يسبقوا [90] . هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، هم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه وانقطع لسانه عن منبته عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل [91] . عترته خير العتر وأسرته خير الأسر وشجرته خير الشجر نبتت في حرم وبسقت في كرم لها فروع طوال وثمرة لا تنال. نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم، ناظرنا ومحبنا ينتظر الرحمة، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة [92] . [ صفحه 109] نحن النجباء، وأفرطنا أفراط الأنبياء، وحزبنا حزب الله عز وجل، والفئة الباغية حزب الشيطان، ومن سوي بيننا وبين عدونا فليس منا. فأين تذهبون وأني تؤفكون؟ والأعلام قائمة والآيات واضحة، والمنار منصوبة فأين يتاه بكم، بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطاش. أيها الناس خذوها من خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم: إنه يموت من مات منا وليس بميت، ويبلي من بلي منا وليس ببال، فلا تقولوا بما

لا تعرفون فإن أكثر الحق فيما تنكرون، واعذروا من لا حجة لكم عليه وأنا هو، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر، وأترك فيكم الثقل الأصغر وركزت فيكم راية الإيمان [93] . انظروا أهل بيت نبيكم فألزموا سمتهم وأتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدي، ولن يعيدوكم في ردي، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا [94] . هذه أقوال الإمام علي عليه السلام بخصوص العترة الطاهرة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. ولو تتبعنا أقوال الأئمة من بنيه عليهم السلام والذين خطوا في الناس، أمثال الإمام الحسن، والإمام الحسين، وزين العابدين وجعفر الصادق والإمام الرضا عليهم السلام أجمعين لوجدناهم يقولون نفس الكلام ويرمون نفس المرمي، ويرشدون الناس في كل عصر ومصر إلي كتاب الله وعترة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لينقذوهم من الضلالة ويدخلوهم في الهداية. [ صفحه 110] أضف إلي ذلك بأن التاريخ خير شاهد علي عصمة أهل البيت فلم يسجل لهم إلا العلم والتقوي والورع والزهد، والجود والكرم والحلم والمغفرة، وكل عمل يحبه الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم. كما أن التاريخ خير شاهد علي أن الصالحين من هذه الأمة والزهاد من رجال الصوفية ومشايخ الطرق وأئمة المذاهب والمصلحين من العلماء القدامي والمعاصرين كل هؤلاء يقرون بأفضليتهم وتقدمهم علما وعملا وأخصهم برسول الله قربي وشرفا. ولكل هذا فلا ينبغي لمسلم أن يخلط أهل البيت (الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا والذين أدخلهم الرسول معه تحت الكساء) بنساء النبي صلي الله عليه وآله وسلم. ألا تري أن أئمة المحدثين أمثال مسلم والبخاري والترمذي والإمام أحمد والنسائي وغيرهم عندما يخرجون أحاديث الفضائل في كتبهم وصحاحهم يفصلون فضائل

أهل البيت عمن سواهم من نساء النبي [95] . كما جاء في صحيح مسلم في باب فضائل عي بن أبي طالب قوله عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: ألا وأني تارك فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله من اتبعه كان علي الهدي ومن تركه كان علي ضلالة ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي فقلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلي أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده [96] . كما جاءت شهادة البخاري ومسلم في أن عائشة من آل أبي بكر [ صفحه 111] وليست من آل النبي. في حادثة نزول آية التيمم [97] . فلماذا هذا الإصرار من بعض المعاندين الذين يحاولون بكل ثمن إحياء الفتنة وتقليب الحقائق التي لا شك فيها. فيسبون الشيعة لا لشئ إلا لأنهم لا يعترفون لأم المؤمنين بهذه الفضيلة، فلماذا لا يسبون صحاحهم وعلماءهم الذين أخرجوا نساء النبي بأجمعهن من أهل البيت. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما [الأحزاب: 71]. [ صفحه 113]

فيما يتعلق بالصحابة عامة

اشاره

إن كل الأحكام التشريعية والعقائد الإسلامية، جاءتنا عن طريق الصحابة، فليس هناك أحد يدعي أنه يعبد الله من خلال الكتاب والسنة إلا وكان الصحابة هم الواسطة لإيصال هذين المصدرين الأساسيين إلي كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. وبما أن الصحابة اختلفوا بعد الرسول صلي الله عليه وآله

وسلم وتفرقوا، وتسابوا وتلاعنوا، وتقاتلوا حتي قتل بعضهم بعضا فلا يمكن والحال هذه، أن نأخذ عنهم الأحكام بدون نقاش ولا نقد ولا تمحيص ولا اعتراض، كما لا يمكن أن نحكم لهم أو عليهم بدون معرفة أحوالهم وقراءة تاريخهم وما فعلوه في حياة النبي صلي الله عليه وآله وبعد وفاته، ونمحص المحق من المبطل، والمؤمن من الفاسق والمخلص من المنافق، ونعرف المنقلبين من الشاكرين. وأهل السنة عامة، وبكل أسف لا يسمحون بذلك ويمنعون بكل شدة نقد الصحابة وتجريحهم ويترضون عليهم جميعا، بل ويصلون عليهم كما يصلون علي محمد وآل محمد ولا يستثنون منهم أحدا. والسؤال الذي يطرح علي أهل السنة والجماعة هو: هل في نقد الصحابة وتجريحهم خروج عن الإسلام، أو مخالفة للكتاب والسنة؟ [ صفحه 114] وإجابة علي هذا السؤال لا بد لي من استعراض أعمال وأقوال بعض الصحابة في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وبعد وفاته، من خلال ما ذكره علماء أهل السنة في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم مقتصرا عليهم دون ذكر أي كتاب من كتب الشيعة لأن هؤلاء موقفهم من بعض الصحابة معروف ولا يتطلب مزيدا من التوضيح. وحتي أرفع الالتباس لكي لا أترك للخصم حجة يحتج بها علي، أقول إنه عندما نتكلم في هذا الفصل عن الصحابة فالمقصود هو البعض منهم وليس جميعهم، وقد يكون هذا البعض أكثرية أو أقلية، فهذا ما سنعرفه من خلال البحث إن شاء الله تعالي. لأن كثيرا من المشاغبين يتهموننا بأننا ضد الصحابة، وأننا نشتم الصحابة ونسبهم ليؤثروا بذلك علي السامعين ويقطعوا بذلك الطريق علي الباحثين، في حين أننا نتنزه عن سب الصحابة وشتمهم بل ونترضي علي الصحابة المخلصين الذين سماهم القرآن، ب (الشاكرين) ونتبرأ من

المنقلبين علي الأعقاب الذين ارتدوا علي أدبارهم بعد النبي وتسببوا في ضلالة أغلب المسلمين وحتي هؤلاء لا نسبهم ولا نشتمهم، وإنما كل ما في الأمر أننا نكشف أفعالهم التي ذكرها المؤرخون والمحدثون ليتجلي الحق للباحثين، وهذا ما لا يرتضيه إخواننا من أهل السنة ويعتبرون ذلك سبا وشتما. وإذا كان القرآن الكريم وهو كلام الله الذي لا يستحي من الحق هو الذي فتح لنا هذا الباب وأعلمنا بأن من الصحابة منافقين، ومنهم الفاسقين، ومنهم الظالمين، ومنهم المكذبين، ومنهم المشركين ومنهم المنقلبين، ومنهم الذين يؤذون الله ورسوله. وإذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوي، ولا أخذه في الله لومة لائم، هو الذي فتح لنا هذا الباب وأعلمنا بأن من الصحابة مرتدين، ومنم المارقين، والناكثين والقاسطين، ومنهم من يدخل النار ولا تنفعه الصحبة، بل تكون عليه حجة قد تضاعف عذابه يوم [ صفحه 115] لا ينفع مال ولا بنون. فكيف والحال هذه، يشهد بها كتاب الله الحكيم، وسنة رسوله العظيم، ومع ذلك يريد أهل السنة منع المسلمين من التكلم والنقاش في الصحابة لئلا ينكشف الحق ويعرف المسلمون، أولياء الله فيوالونهم كما يعرفون أعداء الله ورسوله فيعادونهم. كنت يوما في العاصمة التونسية داخل مسجد عظيم من مساجدها، وبعد أداء فريضة الصلاة جلس الإمام وسط حلقة من المصلين وبدأ درسه بالتنديد والتكفير لأولئك الذين يشتمون أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم واسترسل في حديثه قائلا: إياكم من الذين يتكلمون في أعراض الصحابة بدعوي البحث العلمي والوصول لمعرفة الحق، فأولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، إنهم يريدون تشكيك الناس في دينهم، وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إذا وصل

بكم الحديث إلي أصحابي فأمسكوا، فوالله لو أنفقتم مثل أحد ذهبا لما بلغتم معشار معشار أحدهم. وقاطعه أحد المستبصرين كان يصحبني قائلا: هذا الحديث غير صحيح وهو مكذوب علي رسول الله! وثارت ثائرة الإمام وبعض الحاضرين والتفتوا إلينا منكرين مشمئزين، فتداركت الموقف متلطفا مع الإمام وقتل له: يا سيدي الشيخ الجليل، ما هو ذنب المسلم الذي يقرأ في القرآن قوله: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم، ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين [آل عمران: 144]. وما هو ذنب المسلم الذي يقرأ في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم قول رسول الله صلي الله عليه وآله لأصحابه: سيؤخذ بكم يوم القيامة إلي ذات الشمال، فأقول: إلي أين؟ فيقال: إلي النار والله، فأقول: [ صفحه 116] يا رب هؤلاء أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا من بعدك إنهم لا يزالوا مرتدين منذ فارقتهم، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي، ولا أري يخلص منهم إلا مثل همل النعم [98] . وكان الجميع يستمعون إلي في صمت رهيب، وسألني بعضهم إن كنت واثقا من وجود هذا الحديث في صحيح البخاري؟ وأجبتهم: نعم كوثوقي بأن الله واحد لا شريك له، ومحمد عبده ورسوله. ولما عرف الإمام تأثيري في الحاضرين من خلال حفظي للأحاديث التي رويتها قال في هدوء: نحن قرأنا علي مشايخنا رحمهم الله تعالي بأن الفتنة نائمة فلعن الله من أيقظها. فقلت: يا سيدي الفتنة عمرها ما نامت، ولكنا نحن النائمون، والذي يستيقظ منا ويفتح عينيه ليعرف الحق تتهمونه بأنه أيقظ الفتنة، وعلي كل حال فإن المسلمين مطالبون باتباع كتاب الله وسنة رسوله صلي

الله عليه وآله وسلم، لا بما يقوله مشايخنا الذين يترضون علي معاوية ويزيد وابن العاص. وقاطعني الإمام قائلا: وهل أنت لا تترضي عن سيدنا معاوية رضي الله عنه وأرضاه كاتب الوحي؟ قلت: هذا موضوع يطول شرحه، وإذا أردت معرفة رأيي في ذلك، فأنا أهديك كتابي ثم اهتديت لعله يوقظك من نومك ويفتح عينيك علي بعض الحقائق وتقبل الإمام كلامي وهديتي بشئ من التردد، ولكنه وبعد شهر واحد كتب إلي رسالة لطيفة يحمد الله فيها أن هداه إلي صراطه المستقيم وأظهر ولاء وتعلقا بأهل البيت عليهم السلام وطلبت منه نشر رسالته في الطبعة الثالثة لما فيها من معاني الود وصفاء الروح التي متي ما عرفت الحق تعلقت به وهي تعبر عن حقيقة أكثر أهل السنة الذين يميلون [ صفحه 117] إلي الحق بمجرد رفع الستار. ولكنه طلب مني كتم رسالته وعدم نشرها، لأنه لا بد له من الوقت الكافي حتي يقنع المجموعة التي تصلي خلفه، وهو يحبذ أن تكون دعوته سلمية بدون هرج ومرج حسب تعبيره. ونعود إلي موضوع الكلام في الصحابة، لنكشف عن الحقيقة المرة التي سجلها القرآن الحكيم والسنة النبوية الشريفة. ولنبدأ بكلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو الحكم العدل وهو القول الفصل. قال تعالي في بعض الصحابة: - ومن أهل المدينة مردوا علي النفاق لا تعلمهم، نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلي عذاب عظيم [التوبة: 101]. - يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر، وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا [التوبة: 74]. - ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما أتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم

معرضون، فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلي يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون [التوبة: 77]. - الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله علي رسوله والله عليم حكيم [التوبة: 97]. - ومن الناس من يقول أمنا بالله وباليوم والآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون [البقرة: 10]. - إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك [ صفحه 118] لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون، اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون، ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع علي قلوبهم فهم لا يفقهون [المنافقون: 3]. - ألم تر إلي الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلي الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا، وإذا قيل لهم تعالوا إلي ما أنزل الله وإلي الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا، فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا [النساء: 62]. - إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلي الصلاة قاموا كسالي يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا [النساء: 142]. - وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم، هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أني يؤفكون [المنافقون: 4]. - قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا، أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم

كالذي يغشي عليه من الموت، فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة علي الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك علي الله يسيرا [الأحزاب: 19]. - ومنهم من يستمع إليك حتي إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال أنفا أولئك الذين طبع الله علي قلوبهم واتبعوا أهواءهم [محمد: 16]. - أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم، ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم [ صفحه 119] أعمالكم [محمد: 30]. - سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا، فاستغفر لنا يقول بألسنتهم ما ليس في قلوبهم [الفتح: 11]. فهذه الآيات البينات من كتاب الله المجيد وما بينته من نفاق البعض منهم الذين اندسوا في صفوف الصحابة المخلصين، حتي غابت حقيقتهم عن صاحب الرسالة نفسه لولا وحي الله. ولك لنا دائما من أهل السنة اعتراض علي هذا، فهم يقولون. ما لنا والمنافقين لعنهم الله، والصحابة ليسوا من هؤلاء، أو أن هؤلاء المنافقين ليسوا من الصحابة، وإذا ما سألتهم من هؤلاء المنافقين الذين نزلت فيهم أكثر من مائة وخمسين آية في سورتي التوبة والمنافقون؟ فسيجيبون: هو عبد الله بن أبي وعبد الله بن أبي سلول، وبعد هذين الرجلين لا يجدون اسما آخر! سبحانه الله! فإذا كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو نفسه لا يعرف الكثير منهم، فكيف يحصر النفاق بابن أبي وابن أبي سلول المعلومين لدي عامة المسلمين؟ وإذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله علم ببعضهم وعلم أسماءهم إلي حذيفة بن اليمان كما تقولون وأمره بكتمان أمرهم حتي أن عمر بن الخطاب أيام خلافته كان يسأل حذيفة عن نفسه،

هل هو من أهل النفاق؟ وهل أخبر النبي باسمه؟ كما تروون في كتبكم [99] . وإذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله قد أعطي للمنافقين علامة يعرفون بها وهي بغض علي بن أبي طالب كما تروون ذلك في صحاحكما [100] . [ صفحه 120] فما أكثر هؤلاء من الصحابة الذين تترضون عنهم وتضعونهم في القمة وقد وصل بهم البغض لعلي أن حاربوه وقتلوه ولعنوه حيا وميتا هو وأهل بيته ومحبيه، وكل هؤلاء من خيار الصحابة عندكم. واقتضت حكمة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم أن يعلم حذيفة أسماءهم تارة، ويعطي للمسلمين علامتهم تارة أخري، ليقيم علي الناس الحجة فلا يقولوا بعدها إنا كنا عن هذا غافلين. ولا عبرة بما يقوله أهل السنة اليوم: نحن نحب الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه فنقول لهم: إنه لا يجتمع في قلب مؤمن حب ولي الله وحب عدوه! وقد قال الإمام علي نفسه: ليس منا من سوي بيننا وبين أعدائنا [101] . ثم إن القرآن الكريم عندما تكلم عن الصحابة تكلم عنهم بعدة أوصاف وعلامات ثابتة، وإذا استثنينا منهم الصحابة المخلصين الشاكرين، فإن البقية الباقية منهم وصفهم الذكر الحكيم بأنهم: فاسقون، أو خائنون، أو متخاذلون، أو ناكثون أو منقلبون، أو شاكون في الله وفي رسوله، أو فارون من الزحف، أو معاندون للحق، أو عاصون أوامر الله ورسوله، أو مثبطون غيرهم عن الجهاد، أو منفضون إلي اللهو والتجارة وتاركون الصلاة، أو قائلون ما لا يفعلون، أو ممنون علي رسول الله إسلامهم، أو قاسية قلوبهم فلم تخشع لذكر الله وما نزل من الحق، أو رافعون أصواتهم فوق صوت النبي، أو مؤذون لرسول الله، أو سماعون للمنافقين. ولنكتف بهذا

القدر اليسير لأن هناك آيات كثيرة لم نذكرها روما للاختصار ولكن لتعميم الفائدة لا بد من ذكر بعض الآيات التي جاءت في ذم الصحابة الذين اتصفوا بتلك الصفات، ولكنهم بفضل السياسة أصبحوا [ صفحه 121] بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وبعد انقطاع الوحي كلهم عدول أبصعين أجمعين ولا يمكن لأحد من المسلمين أن يتكلم في حقهم بشئ من النقد والتجريح.

القرآن الكريم يكشف حقائق بعض الصحابة

وحتي لا يتوهم معاند في آيات المنافقين ويحاول فصلهم عن الصحابة كما يقول بذلك أهل السنة، فقد تعمدنا سرد الآيات التي تخص المؤمنين. فقد جاء في الذكر الحكيم قوله تعالي: - يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلي الأرض، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله علي كل شئ قدير [التوبة: 39]. - يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم [المائدة: 54]. - يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول، وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم [الأنفال: 28]. - يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون، واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب [الأنفال: 25]. [ صفحه 122] - يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة

الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا، إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا، هنالك ابتلي المؤمنين وزلزلوا زلزالا شديدا، وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا [الأحزاب: 12]. - يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون [الصف: 3]. - ألم يأن اللذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق [الحديد: 16]. - يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم، بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين [الحجرات: 17]. - قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله، فتربصوا حتي يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين [التوبة: 24]. - قالت الأعراب أمنا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم [الحجرات: 14]. - إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون [التوبة: 45]. - لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين [التوبة: 47]. - فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا [ صفحه 123] بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر، قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون [التوبة: 81]. - ذلك بأنهم أتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم، أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج

الله أضغانهم، ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في حن القول، والله يعلم أعمالكم [محمد: 30]. - وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلي الموت وهم ينظرون [الأنفال: 6]. - ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه، والله الغني وأنتم الفقراء، وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد: 38]. - ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون [التوبة: 58]. - ومنهم من يستمع إليك حتي إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا، أولئك الذين طبع الله علي قلوبهم واتبعوا أهواءهم [محمد: 16]. - ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولن هو أذن، قل هو أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم، والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم [التوبة: 61]. إن هذا القدر من الآيات البينات كاف لإقناع الباحثين بأن الصحابة ينقسمون إلي قسمين اثنين. 1 - قسم آمن بالله وبرسوله صلي الله عليه وآله وسلم وأسلم أمره وقيادته لهما، فأطاع الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم وتفاني في حبهما وضحي في سبيلها وكان من الفائزين، [ صفحه 124] وهؤلاء يمثلون الأقلية وقد سماهم القرآن الشاكرين. 2 - قسم آمن بالله وبرسوله صلي الله عليه وآله وسلم ظاهريا ولكن قلبه فيه مرض، فلم يسلم أمره إلا لمصلحته الشخصية ومنافعه الدنيوية فهو يعارض الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في أحكامه وأوامره ويقدم بين يدي الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم فكان من الخاسرين، وهؤلاء يمثلون الأكثرية وقد عبر

عنهم القرآن بأوجز تعبير إذ يقول عز وجل: لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون [الزخرف: 78]. فالباحث يكتشف أن هؤلاء الأكثرية كانوا في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم يعيشون معه ويصلون خلفه ويصحبونه في حله وترحاله، ويتقربون إليه بكل وسيلة لئلا ينكشف أمرهم للمؤمنين المخلصين، ويحاولون جهدهم أن يظهروا بمظهر يغبطهم عليه المؤمنون لكثرة تعبدهم وورعهم في أعين الناس [102] . فإذا كان هذا حالهم في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فكيف أصبحوا بعد وفاته؟ لا شك بأنهم نشطوا وتكاثروا وازداد تسترهم وتمثيلهم، فلم يعد هناك نبي يعرفهم ولا وحي يفضحهم، وخصوصا وقد ظهرت بموته صلي الله عليه وآله وسلم بوادر الشقاق والافتراق من أهل المدينة الذين مردوا علي النفاق وكذلك ارتداد العرب في شبه الجزيرة الذين هم أشد كفرا ونفاقا، ومنهم من ادعي النبوة كمسيلمة الكذاب وطليحة وسجاح بنت الحرث وأتباعهم وكل هؤلاء كانوا من الصحابة. [ صفحه 125] وإذا تركنا كل هؤلاء واعتمدنا فقط علي سكان المدينة من صحابة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فإنا نجزم بأن هؤلاء أيضا ظهرت فيهم حسيكة النفاق وحتي المؤمنين منهم أغلبهم انقلب علي عقبيه من أجل الخلافة. وقد عرفنا فيما سبق من أبحاث أنهم تآمروا علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعلي وصيه وعصوا رسوله الله صلي الله عليه وآله وسلم في أوامره التي أمرهم بها وهو علي فراش الموت. وهذه الحقيقة لا مفر منها للباحثين عن الحق إذ يصطدمون بها عند قراءة كتب التأريخ والسيرة النبوية، وقد سجلها كتاب الله سبحانه بأجل العبارة وأحكم الآيات بقوله تعالي: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن

مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين [آل عمران: 144]. فالشاكرون هم الأقلية من الصحابة الذين لم ينقلبوا، وثبتوا علي العهد الذي أبرموه مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولم يبدلوا تبديلا. وبهذه الآية الكريمة ومدلولها المحكم تسقط دعوي أهل السنة: بأن الصحابة لا علاقة لهم بالمنافقين ولو سلمنا لهم جدلا بذلك، فإن هذه الآية الكريمة خاطبت الصحابة المخلصين الذين لم يكونوا منافقين في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وإنما انقلبوا علي أعقابهم بعد وفاته مباشرة. وسوف يتضح أمر هؤلاء إذا ما بحثنا أحوالهم في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وبعد وفاته وما قاله فيهم سول الله صلي الله عليه وآله وسلم وطفحت به كتب الحديث والسيرة والتأريخ. [ صفحه 126]

السنة النبوية تكشف حقائق بعض الصحابة

وحتي لا يتوهم معاند في الأحاديث النبوية التي تناولت الصحابة يحاول الطعن فيها أو تضعيفها، فقد اعتمدنا فقط أحاديث البخاري والذي هو أصح الكتب عند أهل السنة ورغم أن البخاري كتم الكثير من هذه الأحاديث حفاظا علي كرامة الصحابة كما هو معروف عنه ولأن غيره من صحاح أهل السنة أخرج أضعافها وبعبارات أكثر وضوحا إلا أننا نكتفي بهذا الموجز الذي أخرجه البخاري لتكون حجتنا أبلغ. أخرج البخاري في صحيحه من جزئه الأول في باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر من كتاب الإيمان. قال إبراهيم التيمي: ما عرضت قولي علي عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا، وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم كلهم يخاف النفاق علي نفسه، ما منهم أحد يقول إنه علي إيمان جبريل وميكاييل

(صحيح البخاري: 1 / 17). - وإذا كان ابن أبي مليكة أدرك ثلاثين من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم كلهم يخاف النفاق علي نفسه ولا يدعي الإيمان الصحيح لنفسه فما بال أهل السنة يرفعونهم إلي منزلة الأنبياء ولا يقبلون النقد في أي واحد منهم. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الرابع في باب الجاسوس والتجسس من كتاب الجهاد والسير. أن حاطب بن أبي بلتعة وهو من صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعث إلي المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقد جئ بكتابه إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ما هذا يا حاطب؟ فاعتذر للنبي بأنه يريد حماية قرابته في مكة، وصدقه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق! قال: إنه شهد بدرا، وما يدريك لعل الله أن يكن قد اطلع علي [ صفحه 127] أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.. (صحيح البخاري: 4 / 19). - وإذا كان حاطب وهو من الرعيل الأول من الصحابة الذين شهدوا بدرا يبعث بأسرار النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي أعدائه من مشركي مكة ويخون الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم بعذر حماية قرابته، ويشهد عمر بن الخطاب نفسه علي نفاقه، فكيف بالصحابة الذين أسلموا بعد الفتح أو بعد خيبر أو بعد حنين وكيف بالطلقاء الذين استسلموا ولم يسلموا. أما ما جاء في الفقرة الأخيرة من القول المنسوب للنبي صلي الله عليه وآله وسلم بأن الله قال لأهل بدر

اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. فنترك التعليق عليه للقارئ اللبيب. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه السادس في باب قوله: سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين من كتاب فضائل القرآن سورة المنافقين. أن رجلا من المهاجرين كسح رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: ما بال دعوي أهل الجاهلية؟ قالوا: يا رسول الله كسح رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال: دعوها فإنها منتنة، فسمع بذلك عبد الله بن أبي فقال: فعلوها أما والله لئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقام عمر فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق! فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. (صحيح البخاري: 6 / 65). - وهذا الحديث صريح في أن المنافقين كانوا من الصحابة، فقد أقر رسول الله قول عمر بأنه منافق ولكن منعه من قتله حتي لا يقال بأن محمدا يقتل أصحابه، ولعل الرسول كان يعلم بأن أكثر أصحابه منافقون وإذا ما قتل [ صفحه 128] كل المنافقين لم يبق من أصحابه عدد كثير. فأين أهل السنة من هذه الحقيقة المؤلمة التي تدحض مزاعمهم. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الثالث في باب حديث الإفك من كتاب الشهادات. أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس

ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال: كبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر علي ذلك فقام أسيد بن الحضير فقال: كذبت لعمر الله، والله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتي هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي المنبر فلم يزل يخفضهم حتي سكتوا وسكت (صحيح البخاري: 3 / 156 وكذلك: 6 / 8). - وإذا كان سعد بن عبادة سيد الأنصار يتهم بالنفاق بعد ما كان رجلا صالحا كما تشهد بذلك الرواية، ويقال عنه منافق بحضرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم فلا يدافع عنه وإذا كان الأنصار الذين امتدحهم الله في كتابه يثورون جميعا بأوسهم وخزرجهم ويهموا بالاقتتال من أجل منافق آذي النبي صلي الله عليه وآله وسلم في أهله فيدافعون عنه ويرفعون أصواتهم بحضرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم. فكيف يستغرب النفاق من غيرهم الذين كرسوا حياتهم في محاربة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ودعوته أو من الذين هموا بحرق دار ابنته بعد وفاته من أجل الخلافة. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الثامن من كتاب التوحيد في باب قول الله تعالي: تعرج الملائكة والروح إليه. [ صفحه 129] أن عليا بن أبي طالب بعث وهو باليمن إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم بقطع من الذهب فقسمه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي بعض الناس فتغضبت قريش والأنصار فقالوا يعطيه صناديد أهل نجد ويدعنا؟ قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: فمن يطع الله إذا عصيته؟ فيأمني

علي أهل الأرض ولا تأمنوني؟ فسأل خالد بن الوليد قتله فمنعه النبي صلي الله عليه وآله وسلم من ذلك. فلما ولي قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: إن من ضئضئي هذا قوما يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد. (صحيح البخاري: 8 / 178). - وهذا منافق آخر من الصحابة يتهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالحيف في القسمة ويواجه النبي صلي الله عليه وآله وسلم في غير أدب بقوله: يا محمد إتق الله ورغم معرفة النبي صلي الله عليه وآله وسلم لنفاقه وأنه يخرج من ضئضه قوم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية فيقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ورغم ذلك كله منع النبي خالد من قتله. وفي هذا جواب لأهل السنة الذين كانوا كثيرا ما يحتجون علي بقولهم: لو كان رسول الله يعلم أن من أصحابه منافقين سيكونوا سببا في ضلالة المسلمين لوجب عليه قتلهم لحماية أمته وحماية دينه. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الثالث في باب إذا أشار الإمام بالصلح من كتاب الصلح. أن الزبير كان يحدث أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في شراج من الحرة كانا يسقيان به كلاهما فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم للزبير: إسق يا زبير ثم أرسل إلي جارك فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله إن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه [ صفحه 130] رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. ثم قال: أسق ثم أحبس حتي يبلغ الجدر (صحيح البخاري: 3 /

171). - وهذا نمط آخر من الصحابة المنافقين الذين يعتقدون بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تأخذه العاطفة فيميل مع ابن عمته ويقولها بكل وقاحة حتي يتغير وجه رسول الله ويتلون من شدة الغضب. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الرابع في باب ما كان النبي يعطي المؤلفة قلوبهم من كتاب الجهاد والسير. عن عبد الله رضي الله عنه. قال: لما كان يوم حنين آثر النبي صلي الله عليه وسلم أناسا في القسمة فأعطي الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطي عيينة مثل ذلك، وأعطي أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله، فقلت والله لأخبرن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فأتيته فأخبرته، فقال: فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رحم الله موسي قد أوذي بأكثر من هذا فصبر. (صحيح البخاري: 4 / 61). وهذا منافق آخر من صحابة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولعله من عظماء قريش ولذلك تحاشي الراوي ذكر اسمه خوفا من الجهاز الحاكم في ذلك الوقت وتري هذا المنافق يعتقد جزما ويقسم علي ذلك بأن محمدا ما كان عادلا ولا أراد بقسمته وجه الله. ورحم الله محمدا فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الرابع في باب علامات النبوة في الإسلام من كتاب بدء الخلق. أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو يقسم قسما إذا أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من [ صفحه 131] بني تميم فقال: يا رسول الله أعدل! فقال: ويلك ومن

يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله إئذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية (صحيح البخاري: 4 / 179). - وهذا نمط آخر من الصحابة المنافقين الذين كانوا يظهرون أمام الناس بمزيد من التقوي والخشوع حتي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال لعمر إن أحدكم يحقر صلاته وصيامه مع صلاتهم وصيامهم. ولا شك أنهم كانوا يحفظون القرآن حفظا متراكما ولكن لا يتجاوز حناجرهم، وقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: دعه فإن له أصحابا يدل علي وجود المنافقين بأعداد كبيرة ضمن الصحابة. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه السابع في باب من لم يواجه الناس بالعتاب من كتاب الأدب. قالت عائشة: صنع رسول صلي الله عليه وآله وسلم شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه وآله وسلم فخطب فحمد الله ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشئ أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية، (صحيح البخاري: 7 / 96). - وهذا نوع آخر من الصحابة الذين يتنزهون عن سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولا شك أنهم كانوا يسخرون من أفعاله ولذلك نراه صلي الله عليه وآله وسلم يخطب فيهم ويقسم بالله أنه لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الثالث في باب الاشتراك في الهدي والبدن من كتاب المظالم. عن ابن عباس قال قدم النبي صلي الله عليه وآله وسلم صبح رابعة من ذي الحجة مهلين بالحج

لا يخلطهم شئ، فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة [ صفحه 132] وأن نحل إلي نسائنا، ففشت في ذلك القالة، قال عطاء، قال جابر: فيروح أحدنا إلي مني وذكره يقطر منيا، فقال جابر بكفه، فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقام خطيبا فقال: بلغني أن أقواما يقولون كذا وكذا، والله لأنا أبر وأتقي لله منهم (صحيح البخاري: 3 / 114). - وهذا نمط آخر من الصحابة الذين يعصون أوامر رسول الله في الأحكام الشرعية، وقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: بلغني أن أقواما يقولون كذا وكذا، يدل علي أن الكثير منهم رفضوا أن يتحللوا لنسائهم بدعوي أنهم يتنزهون أن يروحوا إلي مني وذكرانهم تقطر منيا وغاب عن هؤلاء الجهلة أن الله أوجب عليهم الغسل والطهارة بعد كل عملية جنسية، فكيف يروحون إلي مني والمني يقطر من ذكورهم؟ وهل هم أعلم بأحكام الله من رسول الله نفسه؟ أم هم أبر وأتقي لله منه؟ ولا شك أن زواج المتعة. أو متعة النساء وقع تحريمها بعد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم من طرف عمر، من هذا القبيل، فإذا كانوا في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم يرفضون أوامره بنكاح نسائهم أيام الحج، فلا يستغرب منهم أن يمنعوا نكاح المتعة بعد وفاته تنزيها منهم لأنفسهم عما كان يأمر به النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ويعتبرون نكاح المتعة من قبيل الزنا، كما يقول اليوم أهل السنة بهذه المقالة. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الرابع في باب ما كان النبي يعطي المؤلفة قلوبهم من كتاب الجهاد والسير. عن أنس بن مالك، أن رسول الله حين أفاء الله عليه من أموال هوازن فأعطي رجالا من قريش،

فقال الأنصار: يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم! فجمعهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في قبة ولم يدع معهم أحدا غيرهم وقال لهم: ما كان حديث بلغني عنكم؟ ولما أعادوا عليه مقالتهم، قال: إني أعطي رجالا حديث عهدهم بكفر، أما [ صفحه 133] ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلي رحالكم برسول الله، فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا: بلي يا رسول الله قد رضينا. فقال لهم: إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتي تلقوا الله ورسوله علي الحوض قال أنس: فلم نصبر (صحيح البخاري: 4 / 60). - ونتساءل: هل كان في الأنصار كلهم رجل واحد رشيد اقتنع بما فعله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم واعتقد بأنه لا يميل مع الهوي والعاطفة، وفهم قول الله سبحانه في هذا الصدد: فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [النساء: 65]. فهل كان فيهم من دافع عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عندما قالوا: يغفر الله لرسول الله؟ كلا لم يكن فيهم واحدا بمستوي الإيمان الذي اقتضته الآية الكريمة، وقولهم بعد ذلك: بلي يا رسول الله قد رضينا، لم يكن عن قناعة، ولذلك جاءت شهادة أنس بن مالك وهو منهم في محلها عندما قال: أوصانا بالصبر فلم نصبر. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الخامس في باب غزوة الحديبية من كتاب المغازي. عن أحمد بن إشكاب حدثنا محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما، فقلت: طوبي لك صحبت النبي صلي الله

عليه وسلم وبايعته تحت الشجرة! فقال: يا بن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده. (صحيح البخاري: 5 / 66). - لقد صدق البراء بن عازب: فإن أغلب الناس لا يدرون ما أحدث الصحابة بعد وفاة نبيهم صلي الله عليه وآله وسلم - من ظلم وصيه وابن عمه [ صفحه 134] وأبعاده عن الخلافة - ومن ظلم ابنته الزهراء وتهديدها بالحرق، وغصب حقها من النحلة والإرث والخمس، ومن مخالفة وصايا النبي صلي الله عليه وآله وسلم وتبديل الأحكام التشريعية وحرق السنة النبوية وضرب الحصار عليها، ومن أذيته صلي الله عليه وآله وسلم في لعن وقتل أهل بيته وإبعادهم وتشريدهم وإعطاء السلطة إلي المنافقين والفاسقين من أعداء الله ورسوله. نعم كل ذلك وغيره كثير مما أحدثوه من بعده وبقي مجهولا عند عامة الناس الذين ما عرفوا من الحقائق إلا ما أملته عليهم مدرسة الخلفاء. التي تفننت في تبديل أحكام الله ورسوله باجتهادات شخصية سميت البدع الحسنة. وبهذه المناسبة نقول لأهل السنة: لا تغتروا يا إخوتنا بالصحبة والصحابة فها هو البراء بن عازب من الرعيل الأول، الذين بايعوا النبي صلي الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة يقول لابن أخيه بلسان الحال: لا تغرنك صحبتي ولا بيعتي تحت الشجرة فإنك لا تدري ما أحدثت بعده وقد قال تعالي: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث علي نفسه [الفتح: 10]. وكم كان عدد الصحابة الناكثين كبيرا حتي عهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم لابن عمه علي أن يقاتلهم، كما جاء ذلك في كتب التاريخ. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الأول والثالث في باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة

الجمعة من كتاب الجمعة. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أقبلت عير من الشام تحمل طعاما ونحن نصلي مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم الجمعة، فانفض الناس، إلا اثني عشر رجلا، فنزلت هذا الآية، وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما (صحيح البخاري: 1 / 225 و 3 / 6 و 7). - وهذا نمط آخر من الصحابة المنافقين الذين لا يتورعون ولا يخشعون، بل ويفرون من صلاة الجمعة ليتفرجوا علي العير والتجارة [ صفحه 135] ويتركون رسول الله قائما بين يدي الله يؤدي فريضته في خشوع ورهبة. فهل هؤلاء مسلمون كمل إيمانهم؟ أم هل هم منافقون يهزؤون من الصلاة وإذا قاموا إليها قاموا كسالي؟ ولا يستثني منهم إلا الذين ثبتوا مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم لإتمام صلاة الجمعة وعددهم اثني عشر رجلا. ومن تتبع أحوالهم واستقصي أخبارهم، فسوف يندهش لأفعالهم ولا شك أن هروبهم من صلاة الجمعة تكرر لمرات متعددة ولذلك سجله كتاب الله سبحانه بقوله: قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة. وحتي تعرف أيها القارئ العزيز، مدي احترامهم لهذه الصلاة التي يحترمها مسلمو العصر الحاضر أكثر منهم إليك هذه الرواية. أخرج البخاري في صحيحه من جزئه الثالث في باب ما جاء في الغرس من كتاب الوكالة. عن سهل بن سعيد رضي الله عنه أنه قال: إنا كنا نفرح بيوم الجمع كانت لنا عجوز تأخذ من أصول سلق لنا كنا نغرسه في أربعائنا فتجعله في قدر لها فتجعل فيه حبات من شعير لا أعلم إلا أنه قال ليس فيه شحم ولا ودك، فإذا صلينا الجمعة زرناها فقربته إلينا، فكنا نفرح بيوم الجمعة من

أجل ذلك، وما كنا نتغذي ولا نقيل إلا بعد الجمعة. (صحيح البخاري: 3 / 73). - فهنيئا مريئا لهؤلاء الصحابة الذين لا يفرحون بيوم الجمعة للقاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والاستماع لخطبه ومواعظه والصلاة بإمامته ولا بلقاء بعضهم البعض وما في ذلك اليوم من بركات ورحمات ولكنهم يفرحون بيوم الجمعة من أجل طعام مخصوص أعدته لهم عجوز، ولو قال أحد المسلمين اليوم بأنه يفرح بيوم الجمعة من أجل الطعام لاعتبر من المسوفين المهملين. [ صفحه 136] وإذا أردنا مزيدا من البحث والتنقيب فإننا سنجد الشاكرين الذين مدحهم القرآن الكريم، أقلية لا يتجاوز عددهم الإثني عشر رجلا، وهؤلاء هم المخلصون الذين لم ينفضوا إلي اللهو والتجارة ويتركوا الصلاة، وهم أنفسهم الذين ثبتوا في الجهاد مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم في العديد من المواطن التي فر منها بقية الصحابة وولوا مدبرين. فقد أخرج البخاري في صحيحه من جزئه الرابع في باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب من كتاب الجهاد والسير. عن البراء عازب قال: جعل النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي الرجالة يوم أحد وكانوا خمسين رجلا، عبد الله بن جبير فقال: إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتي أرسل إليكم، فهزموهم، قال: فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسواقهن رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلي الله عليه وآله سلم؟ قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع النبي

صلي الله عليه وآله وسلم غير اثني عشر رجلا فأصابوا منا سبعين (صحيح البخاري: 4 / 26). - وإذا عرفنا مما ذكره المؤرخون لهذه الغزوة بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خرج بألف صحابي كلهم يتشوقون للجهاد في سبيل الله مغترين بالنصر الذي حصل في غزوة بدر، ولكنهم عصوا أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم وتسببوا في هزيمة نكراء شنيعة قتل فيها سبعون وعلي رأسهم حمزة عم النبي صلي الله عليه وآله وسلم وفر الباقون ولم يبق مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم في ساحة المعركة غير اثني عشر رجلا علي ما يقوله البخاري، أما غيره من المؤرخين فينزل بهذا العدد إلي أربعة فقط وهم علي بن أبي طالب الذي تصدي للمشركين يحمي بذلك [ صفحه 137] وجه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأبو دجانة يحمي ظهره وطلحة والزبير وقيل سهل بن حنيف. ومن هذه المواقف نفهم قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لا أري يخلص منهم إلا مثل همل النعم (سيأتي البحث في هذا الحديث). وإذا كان الله سبحانه وتعالي قد توعدهم بالنار إذا فروا من الحرب فقال: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار، ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلي فئة، فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير [الأنفال: 16]. فما هي قيمة هؤلاء الصحابة الذين يفرون من الصلاة من أجل اللهو والتجارة، ويفرون من الجهاد خوفا من الموت تاركين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وحده بين الأعداء. وفي كلتا الحالتين ينفضوا ويولوا الأدبار بأجمعهم ولا يبق معه صلي الله عليه وآله

وسلم غير اثني عشر رجلا علي أكثر التقديرات. فأين الصحابة يا أولي الألباب؟؟ ولعل بعض الباحثين عندما يقرؤون مثل هذه الأحداث والروايات يستصغرون شأنها ويظنون بأنها حادثة عرضية عفي الله عنها، ولم يعد الصحابة إلي مثلها بعد ذلك. كلا، فإن القرآن الكريم يوقفنا علي حقائق مذهلة، فقد سجل الله سبحانه فرارهم يوم غزوة أحد [103] بقوله: ولقد صدقكم الله وعده، إذ تحسونهم بإذنه حتي إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، منكم من يريد الدنيا ومنكم [ صفحه 138] من يريد الآخرة، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم، ولقد عفا عنكم والله ذو فضل علي المؤمنين إذا تصعدون ولا تلوون علي أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا علي ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون [آل عمران: 153]. فهذه الآيات نزلت بعد معركة أحد، والتي انهزم فيها المسلمون بسبب رغبتهم في متاع الدنيا عندما رأوا النساء رافعات ثيابهن قد بدت أسواقهن وخلاخلهن علي ما حكاه البخاري، فعصوا الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم كما حكاه القرآن، فهل اعتبر الصحابة بتلك الحادثة وتابوا إلي الله واستغفروه ولم يعودوا لمثلها بعد ذلك؟ كلا فإنهم لم يتوبوا وعادوا إلي أكبر منها في غزوة حنين والتي وقعت في آخر حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم. وكان عددهم في تلك المعركة اثني عشر ألفا علي ما ذكره المؤرخون، ورغم كثرتهم فقد لاذوا بالفرار وولوا مدبرين كالعادة تاركين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وسط أعداء الله من المشركين ومعه تسعة أو عشرة أنفار من بني هاشم علي رأسهم الإمام علي بن أبي طالب كما نص عليه اليعقوبي في

تاريخه وغيره [104] . وإذا كان فرارهم يوم أحد شنيع فهو في حنين أشنع وأقبح لأن الصابرين الذين ثبتوا معه يوم أحد كانوا أربعة من ألف صحابي وهي نسبة واحد من كل مائتين وخمسين. أما في يوم حنين فكان الصابرون الثابتون عشرة، من اثني عشر ألف صحابي وهي نسبة واحد من كل ألف ومائتين. وإذا كانت معركة أحد في بداية الهجرة والناس لم يزالوا أقلية وحديثي [ صفحه 139] عهد بجاهلية، فما هو عذرهم في معركة حنين التي وقعت في آخر السنة الثامنة للهجرة النبوية ولم يبق من حياة النبي معهم إلا عامين ورغم كثرة عددهم وعدتهم فقد أطلقوا أرجلهم للريح وهربوا غير ملتفتين إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. فالقرآن الكريم يبين بوضوح مواقفهم المتخاذلة وهروبهم من الزحف في تلك المعركة بقوله: ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين، فأنزل الله سكينته علي رسوله وعلي المؤمنين، وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين [التوبة: 26]. يبين سبحانه بأنه قد ثبت رسوله صلي الله عليه وآله وسلم والذين صبروا معه علي القتال بإنزال السكينة عليهم، ثم أمدهم بجنود من الملائكة يحاربون معهم ونصرهم علي الكافرين فلا حاجة للمرتدين الذين يفرون من العدو خوفا من الموت، ويعصون بذلك ربهم ونبيهم، وكلما امتحنهم الله وجدهم فاشلين. ولمزيد البيان لا بد لنا من استعراض الرواية التي أخرجها البخاري بخصوص انهزام الصحابة يوم حنين. أخرج البخاري في صحيحه من جزئه الخامس في باب قول الله تعالي: ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا. من كتاب المغازي. أن أبا قتادة قال: لما كان

يوم حنين نظرت إلي رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله من رواءه ليقتله فأسرعت إلي الذي يختله فرفع يده ليضربني فضربت يده فقطعتها ثم أخذني فضمني ضما شديدا حتي تخوفت ثم ترك فتحلل ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما [ صفحه 140] شأن الناس؟ قال: أمر الله (صحيح البخاري: 5 / 101). - عجيب والله أمر عمر بن الخطاب الذي هو معدود عند أهل السنة من أشجع الصحابة إذا لم يكن أشجعهم علي الإطلاق، لأنهم يروون بأن الله أعز به الإسلام وأن المسلمين لم يجهروا بالدعوة إلا بعد إسلامه وقد أوقفنا التاريخ علي الصحيح والواقع وكيف أنه ولي دبره وهرب من المعركة يوم أحد، كما ولي دبره وفر هاربا يوم خيبر عندما أرسله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي مدينة خيبر ليفتحها وأرسل معه جيشا فانهزم هو وأصحابه ورجعوا يجبنونه ويجبنهم [105] ، كما ولي دبره وهرب يوم حنين مع الهاربين أو لعله كان أول الهاربين وتبعه الناس إذ كان هو أشجعهم، ولذلك نري أبا قتادة يلتفت من بين ألوف المنهزمين إلي عمر بن الخطاب ويسأله كالمستغرب، ما شأن الناس؟ ولم يكتف عمر بن الخطاب بهروبه من الجهاد وترك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وسط الأعداء من المشركين حتي يموه علي أبي قتادة بأنه أمر الله!. فهل أمر الله عمر بن الخطاب بالفرار من الزحف؟ أم أنه أمره بالثبات والصبر في الحروب وعدم الفرار؟ فقد قال له ولأصحابه يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار [الأنفال: 1]. كما أخذ الله عليه

وعلي أصحابه عهدا بذلك، فقد جاء في الذكر الحكيم: ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا [الأحزاب: 15]. فكيف يولي أبو حفص الدبر من الزحف ويدعي أن ذلك أمر الله؟؟ فأين هو من هذه الآيات البينات، أم علي قلوب أقفالها؟ [ صفحه 141] ولسنا هنا بصدد البحث عن شخصية عمر بن الخطاب فسوف نفرد له بابا خاصا به، ولكن حديث البخاري مثير لم يترك لنا مندوحة من هذه الملاحظة السريعة، والذي يهمنا الآن هو شهادة البخاري بأن الصحابة علي كثرة عددهم ولوا مدبرين يوم حنين، والذي يقرأ كتب التاريخ في تلك الحروب والغزوات يظهر له العجب العجاب. وإذا كان أمر الله لا يطاع من أكثر الصحابة كما عرفنا من خلال الأبحاث السابقة، فلا يستغرب منهم الإعراض عن أوامر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وهو حي معهم - أما أوامره بعد وفاته بأبي هو وأمي وما لقيت منهم من إهمال وتبديل فحدث ولا حرج.

الصحابة تجاه أوامر الرسول في حياته

ولنبدأ بالأوامر التي أمر بها صلي الله عليه وآله وسلم في حياته والتي قوبلت بالتمرد والعصيان من قبل هؤلاء الصحابة. وسوف لن نتحدث إلا بما أخرجه البخاري في صحيحه روما للاختصار وضاربا علي بقية صحاح أهل السنة صفحا وإلا فإن فيهم أضعاف الأضعاف وبعبارات أكثر وضوحا، وأكثر تحديا. أخرج البخاري في صحيحه من جزئه الثالث في باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحروب من كتاب الشروط. وبعد ما أورد البخاري قصة صلح الحديبية ومعارضة عمر بن الخطاب لما وافق عليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وشكه فيه حتي قال له صراحة: ألست نبي الله حقا؟ إلي آخر القضية. قال البخاري: فلما

فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم أحلقوا. قال: فوالله ما قام منهم رجل حتي قال ذلك ثلاث مرات فلم يقم منهم أحد فدخل علي أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس. [ صفحه 142] (صحيح البخاري: 3 / 182). - ألا تعجب أيها القارئ من تمرد الصحابة وعصيانهم تجاه أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم ورغم تكرار الأمر ثلاث مرات فلم يستجب له منهم أحد؟؟ ولا بد هنا من ذكر محاورة دارت بيني وبين بعض العلماء في تونس بعد صدور كتابي ثم اهتديت وأنهم قرأوا فيه تعليقي علي صلح الحديبية، فعلقوا بدورهم علي هذه الفقرة بقولهم: إذا كان الصحابة قد عصوا أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم بالنحر والحلق فلم يمتثل لأمره أحد فإن عليا بن أبي طالب كان معهم ولم يمتثل هو الآخر لأمر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. وأجبتهم بما يلي: أولا: لم يكن علي بن أبي طالب معدودا من الصحابة، فهو أخ رسول الله وابن عمه وزوج ابنته وأبو ولده، وقد كان علي مع رسول الله في جانب وبقية الناس في جانب، فإذا قال الراوي في صحيح البخاري بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أمر أصحابه بالنحر والحلق، فإن أبا حسن سلام الله عليه لم يكن معدودا ضمنهم، فهو بمنزلة هارون من موسي، ألا ترون أن الصلاة علي محمد لا تكون كاملة إلا إذا أضيف إليها الصلاة علي آله، وعلي هو سيد آل محمد بدون منازع فأبو بكر وعمر وعثمان وكل الصحابة لا تصح صلاتهم إلا إذا كان فيها ذكر علي بن أبي طالب مع محمد بن

عبد الله. ثانيا: - إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان دائما يشرك عليا أخاه في هديه كما وقع ذلك في حجة الوداع عندما قدم علي من اليمن وسأله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: بماذا أهللت يا علي؟ فقال: بما أهل رسول الله. فأشركه النبي في هديه، وقد ذكر هذه القضية كل المحدثين والمؤرخين، فلا بد أن يكون شريكه يوم الحديبية أيضا. [ صفحه 143] ثالثا: إن عليا بن أبي طالب هو الذي كتب الصلح يوم الحديبية بإملاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولم يعترض عليه في شئ طيلة حياته، لا بمناسبة الحديبية ولا في غيرها، ولم يسجل التاريخ بأنه عليه السلام تأخر عن أمر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم أو عصاه مرة واحدة - حاشاه - ولا فر مرة من الزحف وترك أخاه وابن عمه بين الأعداء، بل كان دائما يفديه بنفسه. والخلاصة أن عليا بن أبي طالب هو كنفس النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولذلك كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: لا يحل لأحد أن يجنب في المسجد إلا أنا وعلي [106] . وأقتنع أغلب المحاورين بما أوردته واعترفوا بأن عليا بن أبي طالب ما خالف في حياته أمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الثامن في الباب كراهية الخلاف من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة. عن عبد الله بن عباس قال: لما احتضر النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال: هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، فقال عمر: إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم غلبه الوجع

وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلي الله عليه وآله وسلم، قال: قوموا عني، فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلي الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. (صحيح البخاري: 8 / 161 و 1 / 37 و 5 / 138). [ صفحه 144] - وهذا أمر آخر لرسول الله صلي الله عليه وآله يقابله الصحابة بالرفض والعصيان وبانتقاص النبي صلي الله عليه وآله وسلم. مع الملاحظة بأن عمر بن الخطاب قال بحضرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم لما طلب منهم إحضار الكتف والدواة ليكتب لهم الكتاب الذي يمنعهم من الضلالة قال: إن رسول الله يهجر بمعني يهذي - والعياذ بالله -. ولكن البخاري هذب تلك العبارة وأبدلها بغلبه الوجع لأن قائلها عمر بن الخطاب. وتراه إذا أهمل اسم عمر في الرواية قال: فقالوا هجر رسول الله وهذه أمانة البخاري في نقل الحديث (وسوف نعقد له بابا خاصا). وعلي كل حال فإن أكثر المحدثين والمؤرخين ذكروا بأن عمر بن الخطاب قال: إن رسول الله يهجر، وتبعه كثير من الصحابة فقالوا مقالته بحضرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم - ولنا أن نتصور ذلك الموقف الرهيب وتلك الأصوات المرتفعة وكثرة اللغط والاختلاف بحضرته صلي الله عليه وآله وسلم، ومهما تكن الرواية معبرة فلا تعبر في الواقع إلا قليلا عن المشهد الحقيقي، كما إذا قرأنا كتابا تاريخيا يحكي حياة موسي عليه السلام

فمهما يكن الكتاب معبرا فلا يبلغ تعبير الفيلم السينمائي الذي نشاهده عيانا. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه السابع في باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله عز وجل من كتاب الأدب. قال: احتجر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حجيرة مخصفة أو حصيرا فخرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يصلي إليها، فتبعه رجال وجاؤوا يصلون بصلاته ثم جاؤوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عنهم فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم مغضبا فقال لهم: ما زال بكم صنعكم حتي ظننت أنه سيكتب [ صفحه 145] عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة. (صحيح البخاري: 7 / 99 و 2 / 252 و 4 / 168). - ومع كل الأسف فإن عمر بن الخطاب خالف أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم وجمع الناس علي صلاة النافلة أيام خلافته وقال في ذلك: إنها بدعة ونعم البدعة [107] ، وتبعه علي بدعته أكثر الصحابة الذين كانوا يرون رأيه ويؤيدونه في كل ما يفعل ويقول، وخالفه علي بن أبي طالب وأهل البيت الذي لا يعملون إلا بأوامر سيدهم رسول الله صلي الله عليه وعليهم ولا يبغون عنها بدلا، وإذا كانت كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فما بالك بالتي جعلت لتخالف أحكام النبي صلي الله عليه وآله وسلم. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الخامس في باب غزوة زيد بن حارثة من كتاب المغازي. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم أسامة علي قوم فطعنوا في إمارته، فقال: إن تطعنوا في

إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وأيم الله لقد كان خليقا للإمارة وإن كان من أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده (صحيح البخاري: 5 / 84). - وهذه القصة ذكرها المؤرخون بشئ من التفصيل وكيف أنهم أغضبوا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتي لعن المتخلفين عن بعث أسامة وهو القائد الصغير الذي لم يبلغ عمره سبعة عشر عاما وقد أمره النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي جيش فيه أبو بكر وعمر وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وكل وجوه قريش، ولم يعين في ذلك الجيش علي بن أبي طالب ولا أحدا من الصحابة الذين كانوا يتشيعون له. [ صفحه 146] ولكن البخاري دائما يقتصر الحوادث ويبتر الأحاديث حفاظا علي كرامة السلف الصالح من الصحابة، ومع ذلك ففي ما أخرجه كفاية لمن أرد الوصول إلي الحق. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الثاني في باب التنكيل لمن أكثر الوصال من كتاب الصوم. عن أبي هريرة قال: نعي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله! قال: وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقين، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال، فقال: لو تأخر لزدتكم كتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا. (صحيح البخاري: 2 / 243). - مرحي لهؤلاء الصحابة الذين ينهاهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن الشئ فلا ينتهوا ويكرر لهم نهيه فلا يسمعوا، أفلم يقرأوا قول الله تعالي: وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب [الحشر:

7]. ورغم تهديد الله سبحانه لمن خالف رسوله صلي الله عليه وآله وسلم بالعقاب الشديد فإن بعض الصحابة لا يقيمون لتهديده ووعيده وزنا. وإذا كان حالهم علي هذا الوصف فلا شك في نفاقهم ولو تظاهروا بكثرة الصلاة والصيام والتشدد في الدين إلي درجة أنهم يحرموا نكاح نسائهم لئلا يروحوا ومذاكيرهم تقطر منيا. ويتنزهون عما يفعله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما تقدم في الأبحاث السابقة. وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الخامس في باب بعث النبي صلي الله عليه وآله وسلم خالد بن الوليد إلي بني جذيمة من كتاب المغازي: عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: بعث النبي صلي الله عليه وآله وسلم [ صفحه 147] خالد بن الوليد إلي بني جذيمة فدعاهم إلي الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلي كل رجل منا أسره، حتي إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتي قدمنا علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فذكرناه له، فرفع النبي صلي الله عليه وآله وسلم يده فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين. (صحيح البخاري: 5 / 107 و 8 / 118). - ذكر المؤرخون هذه الحادثة بشئ من التفصيل وكيف ارتكب خالد بن الوليد هذه المعصية الشنيعة هو وبعض الصحابة الذين أطاعوه ولم يمتثلوا أوامر النبي صلي الله عليه وآله وسلم في تحريم قتل من أسلم، إنها من أكبر المعاصي التي أراقت دماء بريئة، ولأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أمره بدعوتهم للإسلام ولم يأمره بقتالهم. ولكن

خالد بن الوليد تغلبت عليه دعوي الجاهلية وأخذته الحمية الشيطانية لأن بني جذيمة قتلوا عمه الفاكه بن المغيرة أيام الجاهلية، فغدر بهم وقال لهم ضعوا أسلحتكم فإن الناس قد أسلموا ثم أمر بهم فكتفوا وقتل منهم خلقا كثيرا. ولما علم بعض الصحابة المخلصين نوايا خالد، هربوا من الجيش والتحقوا بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم وأعادوا عليه الخبر، فتبرأ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من فعله وأرسل عليا بن أبي طالب فودي لهم الدماء والأموال. ولمعرفة هذه القضية بشئ من التفصيل، لا بأس بقراءة ما كتبه عباس محمود العقاب في كتابه عبقرية خالد إذ قال العقاد بالحرف في صفحه 57 و 58 ما يلي: فبعد فتح مكة توجهت عنايته عليه السلام إلي تطهير البوادي المحيطة بها من عبادة الأصنام، فأرسل السرايا إلي قبائلها لدعوتها والاستيثاق من [ صفحه 148] نياتها، ومنها سرية خالد إلي بني جذيمة في نحو ثلاثمائة وخمسين من المهاجرين والأنصار وبني سليم - أرسلها دعاة ولم يأمرهم بقتال - وكان بنو جذيمة شرحي في الجاهلية يسمون لعقة الدم ومن قتلاهم الفاكه بن المغيرة وأخوه عما خالد بن الوليد ووالد عبد الرحمن بن عوف، ومالك بن الشريد وإخوته الثلاثة من بني سليم في موطن واحد، وغير هؤلاء من قبائل شتي. فلما أقبل عليهم خالد وعلموا أن بني سليم معه لبسوا السلاح وركبوا للحرب وأبوا النزول، فسألهم خالد: أمسلمون أنتم؟ فقيل إن بعضهم أجابه بنعم، وبعضهم أجابه: صبأنا صبأنا! أي تركنا عبادة الأصنام، ثم سألهم: فما بال السلاح عليكم؟ قالوا: إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم فأخذنا السلاح! فناداهم: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا. فصاح بهم

رجل منهم يقال له جحدم، ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد والله ما بعد وضع السلاح إلا الأسار وما بعد الأسار إلا ضرب الأعناق، والله لا أضع سلاحي أبدا. فما زالوا به حتي نزع سلاحه فيمن نزع وتفرق الآخرون. فأمر خالد بهم فكتفوا وعرضهم علي السيف، فأطاعه في قتلهم بنو سليم ومن معه من الأعراب، وأنكر عليه الأنصار والمهاجرون أن يقتل أحدا غير مأمور من النبي عليه السلام بالقتال، ثم انتهي الخبر إلي النبي فرفع يديه إلي السماء وقال ثلاثا: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد وبعث بعلي بن أبي طالب إلي بني جذيمة فودي دماءهم وما أصيب من أموالهم وقد عم النكير علي الحادث بين أجلاء الصحابة، من حضر منهم السرية ومن لم يحضرها، واشتد عبد الرحمن بن عوف حتي رمي خالدا بقتل القوم عمدا ليدرك ثار عميه انتهي كلام العقاد. - نعم هذا ما ذكره العقاد الحرف في كتابه عبقرية خالد والعقاد [ صفحه 149] كغيره من مفكري أهل السنة، بعد ما يورد القصة بكاملها يلتمس أعذارا باردة ملفقة لخالد بن الوليد لا تقوم علي دليل ولا يقبلها عقل سليم - وليس للعقاد عذر سوي أنه يكتب عبقرية خالد. فكل ما جاء به من أعذار لخالد فهي واهية كبيت العنكبوت والذي يقرأها يشعر بسخافة الدفاع ووهنه. فكيف وقد شهد هو بنفسه في كلامه بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أرسلهم دعاة ولم يأمرهم بقتال - وأعترف بأن بني جذيمة نزعوا سلاحهم بعد ما لبسوه عندما خدعهم خالد بقوله لأصحابه: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا واعترف أيضا بأن جحدم الذي رفض نزع السلاح وحذر قومه بأن خالدا سيغدر بهم

بقوله: ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد، والله ما بعد وضع السلاح إلا الأسار وما بعد الأسار إلا ضرب الأعناق، والله لا أضع سلاحي أبدا. وقال العقاد بأن بني جذيمة ما زالوا به حتي نزع سلاحه، وهذا ما يدل علي إسلام القوم وحسن نيتهم. فإذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أرسلهم دعاة ولم يأمرهم بقتال كما شهدت يا عقاد فما هو عذر خالد لمخالفة أوامر النبي صلي الله عليه وآله وسلم؟ هذه عقدة لا أحسبك تحلها يا عقاد. وإذا كان القوم قد نزعوا السلاح وأعلنوا إسلامهم وغلبوا صاحبهم الذي أقسم أن لا يضع سلاحه حتي أقنعوه كما اعترفت به يا عقاد فما هو عذر خالد للغدر بهم وقتلهم صبرا وهم عزل من السلاح؟ وقد قلت بأن خالد أمر بهم فكتفوا وعرضهم علي السيف. وهذه عقدة أخري ما أظنك قادرا علي حلها يا عقاد. وهل الإسلام أمر المسلمين بقتل من لم يقاتلهم؟ علي فرض أنهم لم يعلنوا إسلامهم. كلا فهذه حجة المستشرقين أعداء الإسلام والتي يروجونها اليوم. ثم اعترفت مرة أخري بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يأمره بقتال القوم، إذ قلت بأن المهاجرين والأنصار أنكروا علي خالد أن يقتل أحدا غير مأمور من النبي [ صفحه 150] عليه السلام بالقتال، فما هو عذرك يا عقاد في التماس العذر لخالد؟ ويكفينا ردا علي العقاد، أنه أبطل أعذاره بنفسه وناقضها بأكلمها حين اعترف بقوله: وقد عم النكير علي الحادث بين أجلاء الصحابة، من حضر منهم السرية ومن لم يحضرها - فإذا كان أجلاء الصحابة شددوا النكير علي خالد حتي هربوا من جيشه واشتكوه للنبي صلي الله عليه وآله وسلم وإذا كان عبد

الرحمن بن عوف قد اتهم خالدا بقتل القوم عمدا ليدرك ثأر عميه - كما شهد بذلك العقاد -. وإذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد رفع يديه إلي السماء وقال ثلاث مرات: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد. وإذا كان النبي بعث بعلي ومعه أموال فودي لبني جذيمة دماءهم وما أصيب من أموالهم حتي استرضاهم - كما شهد العقاد - هذا يدل علي أن القوم أسلموا ولكن خالد ظلمهم واعتدي عليهم فهل من سائل يسأل العقاد الذي يحاول جهده تبرير خالد إن كان هو أعلم من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الذي تبرأ إلي الله ثلاث من فعله؟ أو من أجلاء الصحابة الذين أنكروا عليه؟ أو من الصحابة الذين حضروا الواقعة وهربوا من السرية لهول ما رأوه من صنيعه المنكر؟ أو من عبد الرحمن بن عوف الذي كان معه في السرية وهو لا شك أعرف بخالد من العقاد، والذي اتهمه بقتل القول عمدا ليدرك ثأر عميه؟ قاتل الله التعصب الأعمي والحمية الجاهلية التي تقلب الحقائق، ومهما اختصر البخاري القضية في أربعة سطور، فإن فيما أورده كفاية لإدانة خالد وبقية الصحابة الذي أطاعوه في قتل المسلمين الأبرياء والذين ذكرهم العقاد بقوله: فأطاعه في قتلهم بنو سليم ومن معه من الأعراب، ولكن البخاري لا يستثني من الصحابة الذين أطاعوه إلا اثنين أو ثلاثة هربوا من الجيش ورجعوا للنبي يشتكون خالد فلا يمكن لك أن تقنعنا يا عقاد بأن [ صفحه 151] المهاجرين والأنصار وعددهم ثلاثمائة وخمسون كما صرحت أنت بذلك لم يطيعوا خالد في قتل القوم وهربوا كلهم من الجيش فهذا لا يصدقه أحد من الباحثين. ولكنها محاولة منك

للحافظ علي كرامة السلف الصالح من الصحابة وستر الحقائق بأي ثمن. وجاء الوقت لإزاحة الستار ومعرفة الحق. وكم لخالد بن الوليد من مجازر شنيعة حدثنا عنها التأريخ خصوصا يوم البطاح عندما انتدبه أبو بكر علي رأس جيش كبير مؤلف من الصحابة الأولين فغدر أيضا بمالك بن نويرة وقومه ولما وضعوا السلاح أمر بهم فكتفوا وضرب أعناقهم صبرا، ودخل بزوجة مالك ليلي أم تميم في نفس الليلة التي قتل فيها بعلها. ولما وقف عمر بن الخطاب يقتص منه وقال له: قتلت أمرءا مسلما ثم نزوت علي زوجته، والله لأرجمنك بأحجارك يا عدو الله! وقف أبو بكر إلي جانب خالد وقال لعمر: إرفع لسانك عن خالد فإنه تأول فأخطأ. وهذه قضية أخري يطول شرحها ويقبح عرضها. فكم من مظلوم يهضم حقه لأن ظالمه قوي عزيز، وكم من ظالم ينصر ظلمه وباطله لأنه غني ومقرب للجهاز الحاكم، فهذا البخاري عندما يستعرض قصة بنو جذيمة يبترها بترا ويقول: بعث النبي خالد إلي بني جذيمة فدعاهم إلي الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا. فهل كان بنو جذيمة فرس أم أتراك أم هنود وألمان، حتي لا يحسنوا أن يقولوا أسلمنا يا بخاري؟ أم هم من القبائل العربية التي نزل القرآن بلغتهم؟ ولكن التعصب الأعمي والمؤامرة الكبري التي حيكت للحفاظ علي كرامة الصحابة هي التي جعلت البخاري يقول مثل هذا القول ليبرر فعل خالد بن الوليد. وهذا العقاد أيضا يقول: فسألهم خالد أمسلمون أنتم؟ ثم يقول العقاد: فقيل إن بعضهم أجابه بنعم وبعضهم أجابه صبأنا صبأنا وكلمة فقيل تدل دلالة واضحة علي أن القوم يتمسكون بأي شئ قد [ صفحه 152] يوهمون به الناس ليعذروا خالد بن الوليد

- لأن خالد بن الوليد هو سيف الحاكم المسلول وهو المدافع عن الخلافة الغاضبة وهو وأتباعه يمثلون القوة الضاربة لكل من تحدثه نفسه بالخروج والتمرد عما أبرمه أبطال السقيفة يوم وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

معاملة الصحابة لأوامر الرسول بعد وفاته

تضييعهم سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم أخرج البخاري في جزئه الأول في باب تضييع الصلاة.. عن غيلان قال أنس بن مالك: ما أعرف شيئا مما كان علي عهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم! قيل الصلاة، قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها. وقال سمعت الزهري يقول دخلت علي أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ قال: لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت. (صحيح البخاري: 1 / 134). كما أخرج البخاري في جزئه الأول في باب فضل صلاة الفجر في جماعة قال: حدثنا الأعمش قال: سمعت سالما قال: سمعت أم الدرداء تقول دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم شيئا إلا أنهم يصلون جميعا. (صحيح البخاري: 1 / 159). وأخرج البخاري في جزئه الثاني في باب الخروج إلي المصلي بغير منبر عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يخرج يوم الفطر والأضحي إلي المصلي فأول شئ يبدأ به الصلاة ثم بعد [ صفحه 153] ذلك يعظ الناس، فلم يزل الناس علي ذلك حتي خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحي أو فطر فأراد أن يرتقي المنبر قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة. فقلت له:

غيرتم والله، فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم! فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم. فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة. (صحيح البخاري: 2 / 4). إذا كان الصحابة في عهد أنس بن مالك وعلي عهد أبي الدرداء وفي حياة مروان بن الحكم وهو عهد قريب جدا بحياة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، يغيرون سنن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ويضيعون كل شئ حتي الصلاة كما سمعت، ويقلبون سنن المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم لمصالحهم الخسيسة وهي أن بني أمية اتخذوا سنة سب ولعن علي وأهل البيت علي المنابر بعد كل خطبة فكان أكثر الناس في عيد الفطر والأضحي عندما تنتهي الصلاة يتفرقون ولا يحبون الاستماع إلي الإمام يلعن عليا بن أبي طالب وأهل البيت ولذلك عمد بنو أمية إلي تغيير سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقدموا الخطبة علي الصلاة في العيدين ليتسني لهم سب ولعن علي بمحضر المسلمين كافة ويرغمون بذلك أنوفهم وعلي رأس هؤلاء معاوية بن أبي سفيان فهو الذي سن لهم تلك السنة التي أصبحت عندهم من أعظم السنن التي يتقربون بها إلي الله حتي أن بعض المؤرخين حكي أن أحد أئمتهم أتم خطبته في يوم الجمعة ونسي لعن علي وهم بالنزول للصلاة فإذا الناس يتصايحون من كل جانب: تركت السنة، نسيت السنة - أين هي السنة؟ نعم، وللأسف فهذه البدعة التي ابتدعها معاوية بن أبي سفيان بقيت ثمانين عاما متداولة علي منابر المسلمين، وبقيت أثارها حتي اليوم، ومع ذلك فأهل السنة والجماعة يترضون علي معاوية وأتباعه ولا يطيقون فيه نقدا ولا تجريحا بدعوي احترام الصحابة. والحمد لله أن

الباحثين المخلصين من أمة الإسلام بدأوا يعرفون [ صفحه 154] الحق من الباطل وبدأ الكثير منهم يتخلص من عقدة الصحابة التي ما كونها إلا معاوية وأشياعه وأتباعه، وأهل السنة والجماعة بدأوا يفيقون لهذا التناقض الشنيع في الوقت الذي يدافعون فيه عن الصحابة أجمعين حتي يلعنوا من انتقص واحدا منهم. وإذا قلت لهم: إن لعنكم هذا يشمل معاوية بن أبي سفيان لأنه سب ولعن أفضل الصحابة علي الإطلاق وهو يقصد بالطبع سب رسول الله الذي قال: من سب علي فقد سبني [108] ومن سبني فقد سب الله. عند ذلك يتلجلجون ويتلكؤون في الجواب ويقولون أشياء إن دلت علي شئ فلا تدل إلا علي سخافة العقول والتعصب الأعمي المقيت يقول بعضهم مثلا: هذه أكاذيب من موضوعات الشيعة، والبعض الآخر يقول: هم صحابة رسول الله ولهم أن يقولوا في بعضهم ما شاؤوا أما نحن فلسنا في مستواهم لكي ننتقدهم! سبحانك اللهم وبحمدك لقد أوقفني كلامك في القرآن الكريم علي حقائق كان من الصعب علي فهمها والاعتقاد بها وكنت كلما قرأت: ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون [الأعراف: 179]. أتعجب في نفسي وأقول كيف يكون ذلك؟ أيمكن أن يكون الحيوان الأبكم أهدي من هذا الإنسان؟ أيمكن أن ينحت الإنسان حجرا ثم يعبده ويطلب منه الرزق والمعونة؟ ولكن والحمد لله زال عجبي عندما تفاعلت مع الناس وسافرت إلي الهند ورأيت العجب العجاب رأيت دكاترة في علم التشريح يعرفون خلايا الإنسان ومكوناته، ولا يزالون يعبدون البقر، ولو [ صفحه 155] اقترف هذا الإثم، الجاهلون من الهندوس لكان

عذرهم مقبول، ولكن أن تري النخبة المثقفة منهم يعبدون البقر والحجر والبحر والشمس والقمر، فما عليك بعد ذلك إلا أن تسلم وتفهم مدلول القرآن الكريم بخصوص البشر الذين هم أضل من الحيوان. شهادة أبي ذر الغفاري في بعض الصحابة أخرج البخاري في جزئه الثاني في باب ما أديت زكاته فليس بكنز عن الأحنف بن قيس قال: جلست إلي ملأ من قريش فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئة حتي قام عليهم فسلم ثم قال: بشر الكانزين برضف يحمي عليه في نار جهنم ثم يوضع علي حلمة ثدي أحدهم يخرج من نغض كتفه ويوضع علي نغض كتفه حتي يخرج من حلمة ثديه يتزلزل ثم ولي فجلس إلي سارية، وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو، فقلت له: لا أري القوم إلا قد كرهوا الذي قلت! قال: إنهم لا يعقلون شيئا، قال لي خليلي، قلت من خليلك؟ قال: النبي صلي الله عليه وآله وسلم، قال لي: يا أبا ذر أتبصر أحدا قال: فنظرت إلي الشمس ما بقي من النهار وأنا أري أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يرسلني في حاجة له، قلت: نعم، قال: ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير. وإن هؤلاء لا يعقلون إنما يجمعون الدنيا، لا والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتي ألقي الله عز وجل. (صحيح البخاري: 2 / 112). وأخرج البخاري في جزئه السابع في باب الحوض وقول الله تعالي: إنا أعطيناك الكوثر: ان عطاء بن يسار عن أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: بينما أنا قائم فإذا زمرة حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال:

هلم فقلت أين؟ قال: إلي النار والله قلت: وما شأنهم قال: إنهم ارتدوا بعدك أدبارهم القهقري ثم إذا زمرة حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، قلت أين؟ قال: إلي النار والله [ صفحه 156] قلت ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم. وعن أبي سعيد الخدري: فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي. (صحيح البخاري: 7 / 209). كما أخرج البخاري في جزئه الخامس من باب غزوة الحديبية وقول الله تعالي: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة. عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما فقلت: طوبي لك صحبت النبي صلي الله عليه وآله وسلم وبايعته تحت الشجرة فقال: يا بن أخي إنك لا تدري ما أحدثناه بعده. (صحيح البخاري: 5 / 66). - وإنها لشهادة كبري من صحابي كبير كان علي الأقل صريح مع نفسه ومع الناس، وتأتي شهادته مؤكدة لما قاله الله فيهم أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم. ومؤكدة لما قاله النبي صلي الله عليه وآله وسلم: فيقال لي، إنهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري. والبراء بن عازب وهو صحابي جليل من الأكابر ومن السابقين الأولين الذين بايعوا النبي صلي الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة يشهد علي نفسه وغيره من الصحابة بأنهم أحدثوا بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم كي لا يغتر بهم الناس، وأوضح بأن صحبة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ومبايعته تحت الشجرة والتي سميت بيعة الرضوان لا تمنعان من ضلالة الصحابي وارتداده بعد النبي صلي الله

عليه وآله وسلم. وأخرج البخاري في جزئه الثامن في باب قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: لتتبعن سنن من كان قبلكم. عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم [ صفحه 157] شبرا بشبر وذراعا بذراع حتي لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم - قلنا: يا رسول الله اليهود والنصاري قال: فمن؟ (صحيح البخاري: 8 / 151).

شهادة التاريخ في الصحابة

ولنا بعد القرآن والسنة شهادة أخري قد تكون أوضح وأصرح لأنها ملموسة ومحسوسة عاشها الناس وشاهدوها وتفاعلوا معها فأصبحت تاريخا يدون وأحداثا تحفظ وتكتب. وإذا قرأنا كتب التاريخ عند أهل السنة والجماعة كالطبري وابن الأثير وابن سعد وأبي الفداء وابن قتيبة وغيرهم لرأينا العجب العجاب ولأدركنا أن ما يقوله أهل السنة والجماعة في عدالة الصحابة وعدم الطعن في أي واحد منهم، كلام لا يقوم علي دليل ولا يقبله العقل السليم ولا يوافق عليه إلا المتعصبون الذين حجبت الظلمات عنهم النور، ولم يعودوا يفرقون بين محمد النبي صلي الله عليه وآله وسلم المعصوم الذي لا ينطق عن الهوي ولا يفعل إلا الحق. وبين صحابته الذين شهد القرآن بنفاقهم وفسقهم وقلة تقواهم، فتراهم يدافعون عن الصحابة أكثر مما يدافعون عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وأضرب لذلك مثلا. - عندما تقول لأحدهم بأن سورة عبس وتولي لم يكن المقصود بها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وإنما المقصود بها أحد كبار الصحابة الذي عاتبه الله علي تكبره واشمئزازه عند رؤيته الأعمي الفقير - فتراه لا يقبل بهذا التفسير ويقول: ما محمد إلا بشر وقد غلط مرات عديدة وعاتبه ربه في أكثر من موقع.

وما هو بمعصوم إلا في تبليغ القرآن، هذا رأيه في رسول الله! ولكنك عندما تقول بأن عمر بن الخطاب أخطأ في ابتداعه لصلاة التراويح التي نهي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عنها وأمر الناس بالصلاة في بيوتهم [ صفحه 158] فرادي إذا كانت الصلاة نافلة (أي غير المكتوبة). تراه يدافع عن عمر بن الخطاب دفاعا لا يقبل النقاش ويقول: إنها بدعة حسنة، ويحاول بكل جهوده أن يلتمس له عذرا رغم وجود النص من النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي النهي، وإذا قلت له إن عمر عطل سهم المؤلفة قلوبهم الذي حكم به الله تعالي في كتابه العزيز فتراه يقول: إن سيدنا عمر عرف أن الإسلام قد قوي فقال لهم: لا حاجة لنا فيكم وهو أعلم بمفاهيم القرآن من كل الناس! ألا تعجب من هذا؟ ووصل الحد بأحدهم عندما قلت له: دعنا من البدعة الحسنة ومن المؤلفة قلوبهم، ما هو دفاعك عنه إذ أخذ يهدد بحرق بيت فاطمة الزهراء بمن فيه إلا أن يخرجوا للبيعة؟ فأجابني بكل صراحة: معه الحق، ولولا أنه لم يفعل ذلك لتخلف كثير من الصحابة عند علي بن أبي طالب ولوقعت الفتنة. فكلامنا مع هذا النمط من الناس لا يجدي ولا ينفع، ومع الأسف الشديد فإن الأغلبية من أهل السنة والجماعة يفكرون بهذه العقلية لأنهم لا يعرفون الحق إلا من خلال عمر بن الخطاب وأفعاله، فهم عكسوا القاعدة وعرفوا الحق بالرجال، والمفروض أن يعرفوا الرجال بالحق (أعرف الحق تعرف أهله كما قال الإمام علي). ثم سرت هذه العقيدة فيهم وتعدت عمر بن الخطاب إلي كل الصحابة، فهم كلهم عدول ولا يمكن لأحد خدشهم أو الطعن فيهم وبذلك ضربوا حاجزا

كثيفا وسدا منيعا علي كل باحث يريد معرفة الحق فتراه لا يتلخص من موجة حتي تعترضه أمواج ولا يتخلص من خطر حتي تعترض سبيله أخطار، ولا يكاد المسكين يصل إلي شاطئ السلامة إلا إذا كان من أولي العزم والصبر والشجاعة. وإذا رجعنا إلي موضوع التأريخ فإن بعض الصحابة قد كشفت [ صفحه 159] عوراتهم وسقطت أقنعتهم وظهروا علي حقيقتهم التي حاولوا جهدهم إخفاءها علي الناس، أو حاول ذلك أنصارهم وأتباعهم. أو قل حكم السوء والمتزلفين إليهم. وأول ما يلفت النظر هو موقف هؤلاء تجاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم غداة وفاته روحي له الفداء، وكيف تركوه جثة ولم يشتغلوا بتجهيزه وتغسيله وتكفينه ودفنه، بل أسرعوا إلي مؤتمرهم في سقيفة بني ساعدة يختصمون ويتنافسون علي الخلافة، والتي عرفوا صاحبها الشرعي وبايعوه في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم. مما يؤكد لنا بأنهم اغتنموا فرصة غياب علي وبني هاشم الذين أبت أخلاقهم أن يتركوا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مسجي ويتسابقوا للسقيفة فأراد هؤلاء أن يبرموا الأمر بسرعة قبل فراغ أولئك من مهمتهم الشريفة ويلزموهم بالأمر الواقع فلا يقدرون بعده علي الكلام والاحتجاج لأن أصحاب السقيفة تعاقدوا علي قتل كل من يحاول فسخ الأمر الذي أبرموه بدعوي مقاومة المخالفين وإخماد الفتنة. ويذكر المؤرخون أشياء عجيبة وغريبة وقعت في تلك الأيام من أولئك الصحابة الذين أصبحوا فيما بعد، هم خلفاء الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وأمراء المؤمنين - كحملهم الناس علي البيعة بالضرب والتهديد بالقوة وكالهجوم علي بيت فاطمة وكشفه، وكعصر بطنها بالباب الذي كانت وراءه حتي أسقطت جنينها. وإخراج علي مكتفا وتهديده بالقتل إن رفض البيعة، وغصب الزهراء حقوقها من النحلة

والإرث وسهم ذي القربي حتي ماتت غاضبة عليهم وهي تدعي عليهم في كل صلاة، ودفنت في الليل سرا ولم يحضروا جنازتها وكقتلهم للصحابة الذين أبوا أن يدفعوا الزكاة لأبي بكر تريثا منهم حتي يعرفوا سبب تأخر علي عن الخلافة، لأنهم يعوه في حياة النبي في غدير خم [109] . [ صفحه 160] وكهتكهم للمحارم وتعدي حدود الله في قتل الأبرياء من المسلمين والدخول بنسائهم من غير احترام للعدة [110] . وكتغييرهم أحكام الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم المبينة في الكتاب والسنة وإبدالها بأحكام اجتهادية تخدم مصالحهم الشخصية [111] . وكشرب بعضهم الخمر والمداومة علي الزنا وهم ولاة: المسلمين والحاكمون فيهم [112] . وكنفي أبي ذر الغفاري وطرده من مدينة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتي مات وحيدا بدون ذنب اقترفه - وضرب عمار بن ياسر حتي وقع له فتق وضرب عبد الله بن مسعود حتي كسرت أضلاعه وعزل الصحابة المخلصين من المناصب وتولية الفاسقين والمنافقين من بني أمية أعداء الإسلام. وكسب ولعن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وقتل من تشيع لهم من الصحابة الأبرار [113] . وكاستيلائهم علي الخلافة بالقهر والقوة والقتل والإرهاب وتصفية من عارضهم بشتي الوسائل كالاغتيال ودس السم وغير ذلك [114] وكإباحتهم مدينة الرسول لجيش يزيد يفعل فيها ما يشاء رغم قول الرسول: إن حرمي المدينة فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. [ صفحه 161] وكرميهم بيت الله بالمنجنيق وحرقهم الحرم الشريف وقتلهم بعض الصحابة بداخله. وكحربهم لأمير المؤمنين وسيد الوصيين سيد العترة الطاهرة الذي كان من رسول الله بمنزلة هارون من موسي في حرب الجمل وحرب صفين وحرب النهروان

من أجل أطماع خسيسة ودنيا فانية. وكقتلهم سيدي شباب أهل الجنة الإمام الحسن بالسم والإمام الحسين بالذبح والتمثيل، وقتل عترة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بأجمعهم فلم ينج منهم إلا علي بن الحسين وكأفعال أخري يندي لها جبين الإنسانية وأنزه قلمي عن كتابتها وأهل السنة والجماعة يعرفون الكثير منها ولذلك يحاولون جهدهم صد المسلمين عن قراءة التاريخ والبحث في حياة الصحابة. وما ذكرته الآن من كتب التاريخ من جرائم وموبقات هي من أعمال الصحابة بلا شك، فلا يمكن لعاقل بعد قراءة هذا، أن يبقي مصرا علي تنزيه الصحابة والحكم بعدالتهم وعدم الطعن فيهم إلا إذا فقد عقله. مع الملاحظة الأكيدة بأننا واعون جدا إلي عدالة البعض منهم ونزاهتهم وتقواهم وحبهم لله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم وثباتهم علي عهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم، حتي قضوا نحبهم وما بدلوا تبديلا فرضي الله عنهم وأسكنهم بجوار حبيبهم ونبيهم محمد صلي الله عليه وآله وسلم. وهؤلاء هم أكبر وأعظم وأسمي من أن يخدش في سمعتهم خادش، أو يتقول عليهم متقول وقد مدحهم رب العزة والجلالة في عدة مواضع من كتابه العزيز كما نوه بصحبتهم وإخلاصهم نبي الرحمة أكثر من مرة كما لم يسجل لهم التاريخ إلا المواقف المشرفة المليئة بالمروءة والنبل والشجاعة والتقوي والخشونة في ذات الله، فهنيئا لهم وحسن مآب جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ورضاء من الله أكبر ذلك جزاء الشاكرين. والشاكرون كما ذكر كتاب الله هم أقلية قليلة، فلا تنس! [ صفحه 162] أما الذين استسلموا ولما دخل الإيمان في قلوبهم وصاحبوا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رغبة ورهبة أو لحاجة في نفس يعقوب ووبخهم القرآن وهددهم توعدهم، وحذرهم

رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وحذر منهم ولعنهم في عدة مواطن، وسجل لهم التاريخ أعمال ومواقف شنيعة أما هؤلاء فليسوا جديرين بأي احترام ولا تقدير فضلا عن نترضي عليهم وننزلهم منزلة النبيين والشهداء والصالحين. وهذا لعمري هو الموقف الحق الذي يزن الموازين بالقسط ولا يتعدي حدود ما رسمه الله لعباده من موالاة المؤمنين ومعادة الفاسقين والبراءة منهم قال تعالي في كتابه العزيز: ألم تر إلي الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون علي الكذب وهم يعلمون - أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون - اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين - لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون - يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم علي شئ ألا إنهم هم الكاذبون - استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون - إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين - كتب الله لأغلبن أنا وسلي إن الله قوي عزيز - لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، أولئك كتب في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون [المجادلة: 14 - 22]. صدق الله العلي العظيم ولا يفوتني في هذا الصدد أن أسجل بأن الشيعة هم علي حق لأنهم لا يلقون بالمودة إلا لمحمد وأهل بيته وللصحابة

الذين ساروا علي نهجهم [ صفحه 163] وللمؤمنين الذين اتبعوهم بإحسان إلي يوم الدين وغير الشيعة من المسلمين يلقون بالمودة لكل الصحابة أجمعين غير مبالين بمن حاد الله ورسوله، وعادة هم يستدلون بقوله تعالي: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم [الحشر: 10]. فتراهم يترضون عن علي ومعاوية غير مبالين بما ارتكبه هذا الأخير من أعمال أقل ما يقال فيها أنها كفر وضلال ومحاربة لله ورسوله وقد ذكرت فيما سبق تلك الطريقة التي لا بأس بتكرارها وهي أن أحد الصالحين زار قبر الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي فوجد عنده رجلا يبكي ويكثر البكاء فظنه من الشيعة فسأله: لماذا تبكي؟ أجاب: أبكي علي سيدنا حجر رضي الله تعالي عنه! قال: ماذا أصابه؟ أجاب: قتله سيدنا معاوية رضي الله تعالي عنه. قال: ولماذا قتله؟ أجاب: لأنه أمتنع عن لعن سيدنا علي رضي الله تعالي عنه. فقال له ذلك الصالح: وأنا أبكي عليك أنت رضي الله تعالي عنك. فلماذا هذا الإصرار والعناد علي مودة كل الصحابة أجمعين حتي نراهم لا يصلون علي محمد وآله إلا ويضيفون وعلي أصحابه أجمعين فلا القرآن أمرهم بذلك ولا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم طلب منهم ذلك ولا أحد من الصحابة قال بذلك، وإنما كانت الصلاة علي محمد وآله محمد كما نزل بها القرآن وكما علمها لهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وإن شككت في شئ فلا ولن أشك في أن الله طلب من المؤمنين مودة ذي القربي وهم أهل البيت وجعلهم فرضا عليهم كأجر علي الرسالة المحمدية فقال تعالي: [ صفحه 164] قل لا أسألكم عليه

أجرا إلا المودة في القربي [الشوري: 23]. وقد اتفق المسلمون بلا خلاف علي مودة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام واختلفوا في غيرهم، وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: دع ما يريبك إلي ما لا يريبك. وقول الشيعة في مودة أهل البيت ومن تبعهم لا ريب فيه وقول أهل السنة والجماعة في مودة الصحابة أجمعين فيه ريب كبير وإلا كيف يلقي المسلم بالمودة إلي أعداء أهل البيت عليهم السلام وقاتليهم ويترضي عنهم؟ أليس هذا هو التناقض المقيت؟ ودع عنك قول أهل الشطحات وبعض المتصوفة الذين يزعمون أن الإنسان لا يصفي قلبه ولا يعرف الإيمان الحقيقي إلا عندما لا يبقي في قلبه مثقال ذرة من بغض لعباد الله أجمعين من يهود ونصاري وملحدين ومشركين، ولهم في ذلك أقوال عجيبة وغريبة يلتقوا فيها مع المبشرين من رجال الكنيسة والمسيحيين الذين يموهوا علي الناس بأن الله محبة والدين محبة فمن أحب مخلوقاته فليس له حاجة بالصلاة والصوم والحج وغير ذلك. إنها لعمري خزعبلات لا يقرها القرآن والسنة ولا العقل فالقرآن الكريم يقول: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ويقول: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصاري أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين [المائدة: 51]. وقال تعالي: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر علي الإيمان، ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون [التوبة: 23]. وقال أيضا: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق [الممتحنة: 1]. [ صفحه 165] وقال رسول الله صلي الله عليه وآله

وسلم: لا يتم إيمان المؤمن حتي يكون حبه في الله وبغضه في الله. وقال أيضا: لا تجتمع في قلب مؤمن حب الله وحب عدوه. والأحاديث في هذا المجال كثيرة جدا. ويكفي العقل وحده دليلا بأن الله سبحانه حبب للمؤمنين الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان فقد يكره الإنسان ابنه أو أباه أو أخاه لمعاندة الحق والتمادي في طريق الشيطان، وقد يحب ويوالي أجنبي لا تربطه به إلا أخوة الإسلام. ولكل هذا يجب أن يكون حبنا وودنا وموالاتنا لمن أمر الله بمودتهم كما يجب أن يكون بغضنا وكرهنا وبراءتنا لمن أم الله سبحانه بالبراءة منهم. ومن أجل ذلك كانت موالاتنا لعلي والأئمة من بنيه من غير أن تكون لنا علاقة مسبقة بمودتهم وذلك لأن القرآن والسنة والتاريخ والعقل لم يتركوا لنا فيهم أي ريب. ومن أجل ذلك كانت أيضا براءتنا من الصحابة الذين اغتصبوا حقه في الخلافة من غير أن تكون لنا علاقة مسبقة ببغضهم وذلك لأن القرآن والسنة والتاريخ والعقل تركوا لنا فيهم ريبا كبيرا. وبما أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أمرنا بقوله: دع ما يريبك إلي ما لا يريبك فلا ينبغي لمسلم أن يتبع أي أمر مريب ويترك الكتاب الذي لا ريب فيه. كما يجب علي كل مسلم أن يتحرر من قيوده وتقاليده ويحكم عقله بدون أفكار مسبقة ولا أحقاد دفينة لأن النفس والشيطان عدوان خطيران [ صفحه 166] يزينان للإنسان سوء عمله فيراه حسنا، ولنعم ما قاله الإمام البوصيري في البردة: وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فاتهم وعلي المسلمين أن يتقوا الله في عباده الصالحين منهم. أما الذين لم يكونوا من المتقين فلا حرمة

لهم، وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لا نميمة في فاسق ليكشف المسلمون أمره فلا يغترون به ولا يوالونه. وعلي المسلمين أن يكونوا اليوم صادقين مع أنفسهم وينظروا إلي واقعهم المؤلم الحزين المخزي ويكفيهم من التغني والتفاخر بأمجاد أسلافهم وكبرائهم فلو كان أسلافنا علي حق كما نصورهم اليوم لما وصلنا نحن إلي هذه النتيجة التي هي حتما حصيلة الانقلاب الذي وقع في الأمة بعد وفاة نبيها روحي وأرواح العالمين له الفداء. يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو علي أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولي بهما، فلا تتبعوا الهوي أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا [النساء: 135].

قول أهل الذكر بخصوص بعض الصحابة

قال الإمام علي عليه السلام، صف هؤلاء الصحابة المعدودين من السابقين الأولين: فلما نهضت بالأمر، نكثت طائفة ومرقت أخري، وقسط آخرون [115] ، كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين بلي [ صفحه 167] والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها - نهج البلاغة: 90. وقال أيضا سلام الله عليه فيهم: اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا واتخذهم له أشراكا فباض وفرخ في صدورهم ودب ودرج في حجورهم فنظر بأعينهم ونطق بألسنتهم فركب بهم الزلل وزين لهم الخطل فعل من قد شركه الشيطان في سلطان ونطق بالباطل علي لسانه. نهج البلاغة: 96. وقال عليه السلام في الصحابي المشهور عمرو بن العاص: عجبا لابن النابغة لقد قال باطلا ونطق إثما، أما وشر القول الكذب، إنه يقول فيكذب ويعد فيخلف، ويسأل فيلحف ويسأل فيبخل، ويخون العهد

ويقطع الإل. نهج البلاغة: 200. - وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: آيات المنافق ثلاث، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان - وكل هذه الرذائل وأكثر منها موجودة في عمرو بن العاص. وقال عليه السلام في مدح أبي ذر الغفاري، وذم عثمان ومن معه الذين أخرجوه إلي الربذة ونفوه إلي أن مات وحيدا: يا أبا ذر، إنك غضبت لله فراج من غضبت له، إن القوم خافوك علي دنياهم وخفتهم علي دينك، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه، واهرب منهم بما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلي ما منعتهم وما أغناك عما منعوك، وستعلم من الرابح غدا والأكثر حسدا. ولو أن السماوات والأرضين كانت علي عبد رتقا ثم اتقي الله لجعل الله له منهما مخرجا، ولا يؤنسنك إلا الحق، ولا يوحشنك إلا الباطل، فلو قبلت دنياهم لأحبوك، ولو قرضت منها لأمنوك. نهج البلاغة: 299. وقال عليه السلام في المغيرة بن الأخنس وهو أيضا من أكابر الصحابة: يا بن اللعين الأبتر، والشجرة التي لا أصل لها ولا فرع، والله ما [ صفحه 168] أعز الله من أنت ناصره، ولا قام من أنت منهضه. اخرج عنا أبعد الله نواك ثم أبلغ جهدك فلا أبقي الله عليك إن أبقيت. نهج البلاغة: 306. وقال عليه السلام في طلحة والزبير الصحابيان الشهيران اللذان حارباه بعد ما بايعاه ونكثا بيعته: والله ما أنكروا علي منكرا، ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا، وإنهم ليبطلون حقا هم تركوه، ودما هم سفكوه وإنها للفئة الباغية فيها الحما والحمة والشبهة المغدقة وإن الأمر لواضح، وقد زاح الباطل عن نصابه واقطع لسانه عن شغبه فأقبلتم إلي إقبال العوذ المطافيل علي أولادها تقولون البيعة البيعة،

قبضت كفي فبسطتموها، ونازعتكم يدي فجاذبتموها. اللهم إنهما قطعاني وظلماني، ونكثا بيعتي، وألبا الناس علي، فاحلل ما عقدا، ولا تحكم لهما ما أبرما، وأرهما المساءة فيما أملا وعملا، ولقد استتبتهما قبل القتال، واستأنيت بهما أمام الوقاع فغمطا النعمة وردا العافية. نهج البلاغة: 306. وفي رسالة منه إليهما أيضا فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما فإن الآن أعظم أمركما العار من قبل أن يجتمع العار والنار والسلام. نهج البلاغة: 626. وقال عليه السلام في مروان بن الحكم وقد أسره في حرب الجمل ثم أطلق سراحه وهو من الذين بايعوا ونكثوا البيعة. لا حاجة لي في بيعته إنها كف يهودية، لو بايعني بكفه لغدر بسبته، أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه وهو أبو الأكبش الأربعة، وستلقي الأمة منه ومن ولده يوما أحمر. نهج البلاغة: 176. وقال عليه السلام في الصحابة الذين خرجوا من عائشة إلي البصرة في حرب الجمل، وفيهم طلحة والزبير: [ صفحه 169] فخرجوا يجرون حرمة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها إلي البصرة، فحبسا نساءهما في بيوتهما وأبرزا حبيس رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لهما ولغيرهما، في جيش ما منهم رجل إلا وقد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة طائعا غير مكره، فقدموا علي عاملي بها وخزان بيت مال المسلمين وغيرهم من أهلها فقتلوا طائفة صبرا، وطائفة غدرا فوالله لو لم يصيبوا من المسلمين إلا رجلا واحدا معتمدين لقتله بلا جرم جره، لحل لي قتل ذلك الجيش كله إذ حضروه فلم ينكروا ولم يدفعوا عنه بلسان ولا يد، دع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدة التي دخلوا بها عليهم. نهج البلاغة: 370. وقال

عليه السلام في عائشة وأتباعها من الصحابة في حرب الجمل: كنتم جند المرأة وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم وعقر فهربتم أخلاقكم دقاق وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق. نهج البلاغة: 98. أما فلانة فأدركها رأي النساء، وضغن غلا في صدرها كمرجل القين، ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل ولها بعد حرمتها الأولي والحساب علي الله تعالي. نهج البلاغة: 334. وقال عليه السلام في قريش عامة وهم صحابة بلا شك: أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسبا، والأشدون بسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نوطا، فإنها كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم الله والمعود إليه القيامة ودع عنك نهبا صيح في حجراته. وهلم الخطب في ابن أبي سفيان فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه ولا غرو والله فيا له خطبا يستفرغ العجب ويكثر الأود، حاول القول إطفاء نور الله من مصباحه وسد فواره من ينبوعه وجحدوا بيني وبينهم شربا وبيئا، فإن ترتفع عنا وعنهم محن البلوي أحملهم من الحق علي محضه وإن تكن [ صفحه 170] الأخري فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون. نهج البلاغة: 348. وقال في هذا المعني عند دفنه سيدة النساء فاطمة الزهراء وهو يخاطب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك علي هضمها فأحفها السؤال واستخرها الحال. هذا ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر نهج البلاغة: 460. وقال عليه السلام في رسالة إلي معاوية بعث بها إليه: فإنك مترف قد أخذ الشيطان منك مأخذه وبلغ فيك أمله وجري منك مجري الروح والدم. ومتي كنتم يا معاوية ساسة الرعية وولاة أمر الأمة بغير قدم سابق ولا شرف

باسق ونعوذ بالله من لزوم سوابق الشقاء. وأحذرك أن تكون متماديا في غرة الأمنية مختلف العلانية والسريرة. وقد دعوت إلي الحرب فدع الناس جانبا وأخرج إلي وأعف الفريقين من القتال ليعلم أينا المرين علي قلبه والمغطي علي بصره، فأنا أبو الحسن قاتل جدك وخالط وأخيك شدخا يوم بدر، وذلك السيف معي وبذلك القلب ألقي عدوي ما استبدلت دينا ولا استحدثت نبيا، وإني لعلي المنهاج الذي تركتموه طائعين ودخلتم فيه مكرهين نهج البلاغة: 526. وأما قولك إنا بنو عبد مناف فكذلك نحن، ولكن ليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كأبي طالب ولا المهاجر كالطليق ولا الصريح كاللصيق ولا المحق كالمبطل ولا المؤمن كالمدغل ولبئس الخلف خلف يتتبع سلفا هوي في نار جهنم. وفي أيدينا بعد فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز ونعشنا بها الذليل [ صفحه 171] ولما أدخل الله العرب في دينه أفواجا وأسلمت له هذه الأمة طوعا وكرها كنتم ممن دخل في الدين إما رغبة وإما رهبة، علي حين فاز أهل السبق بسبقهم وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم. نهج البلاغة: 533. وقد دعوتنا إلي حكم القرآن ولست من أهله، ولسنا إياك أجبنا ولكنا أجبنا القرآن في حكمه - والسلام. نهج البلاغة: 595. وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا [الإسراء: 81]. [ صفحه 173]

فيما يتعلق بالخلفاء الثلاثة أبوبكر و عمر و عثمان

اشاره

إن أهل السنة والجماعة وكما قدمنا لا يسمحون بنقد وتجريح أي صحابي من صحابته صلي الله عليه وآله وسلم ويعتقدون بعدالتهم جميعا، وإذا كتب أي مفكر حر وتناول أفعال بعض الصحابة، فهم يشنعون عليه بل ويكفرونه ولو كان من علمائهم وذلك ما حصل لبعض العلماء المتحررين المصريين وغير المصريين أمثال الشيخ محمود أبو رية

صاحب أضواء علي السنة المحمدية وكتاب شيخ المضيرة وكالقاضي الشيخ محمد أمين الأنطاكي صاحب كتاب لماذا اخترت مذهب أهل البيت وكالسيد محمد بن عقيل الذي ألف كتاب النصائح الكافية لمن يتولي معاوية - بل ذهب بعض الكتاب المصريين إلي تكفير الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر عندما أفتي بجواز التعبد بالمذهب الجعفري. وإذا كان شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية يشنع عليه لمجرد اعترافه بالمذهب الشيعي الذي ينتسب لأستاذ الأئمة ومعلمهم جعفر الصادق عليه السلام فما بالك بمن اعتنق هذا المذهب بعد بحث وقناعة وتناول بالنقد المذهب الذي كان عليه وورثه من الآباء والأجداد. فهذا ما لا يسمح به أهل السنة والجماعة ويعتبرونه مروقا عن الدين وخروجا عن الإسلام وكأن الإسلام علي زعمهم هو المذاهب الأربعة، وغيرها باطل. إنها عقول متحجرة [ صفحه 174] وجامدة تشبه تلك العقول التي يحدثنا عنها القرآن والتي واجهت دعوة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعارضته معارضة شديدة لأنه دعاهم إلي التوحيد وترك الآلهة المتعددة قال تعالي: وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب، أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب [ص: 5]. ولكل ذلك فأنا واثق من الهجمة الشرسة التي سوف تواجهني من أولئك المتعصبين الذين جعلوا أنفسهم قوامين علي غيرهم فلا يحق لأحد أن يخرج عن المألوف لديهم ولو كان هذا المألوف لا يمت للإسلام بشئ وإلا كيف يحكم علي من انتقد بعض الصحابة في أعمالهم بالخروج عن الدين والكفر، والدين بأصوله وفروعه ليس فيه شئ من ذلك. بعض المتعصبين كان يروج في أوساطه بأن كتابي ثم اهتديت يشبه كتاب سلمان رشدي، ليصد الناس عن قراءته بل ويحهم علي لعن كاتبه. إنه الدس والتزوير

والبهتان العظيم الذي سوف يحاسبه عليه رب العالمين وإلا كيف يقارن كتاب ثم اهتديت الذي يدعو إلي القول بعصمة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وتنزيهه والاقتداء بأئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بكتاب الآيات الشيطانية الذي يشتم فيه صاحبه الملعون الإسلام ونبي الإسلام صلي الله عليه وآله وسلم ويعتبر أن الدين الإسلامي هو نفثة الشياطين؟؟ فالله يقول: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو علي أنفسكم [النساء: 135]. ومن أجل هذه الآية الكريمة فأنا لا أبالي إلا برضاء الله سبحانه وتعالي ولا أخشي فيه لومة لائم ما دمت أدافع عن الإسلام الصحيح وأنزه نبيه الكريم عن كل خطأ ولو كان ذلك علي حساب نقد بعض الصحابة المقربين ولو كانوا من الخلفاء الراشدين لأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هو أولي بالتنزيه من كل البشر. والقارئ الحر اللبيب يفهم من [ صفحه 175] كل مؤلفاتي ما هو الهدف المنشود فليست القضية هي انتقاص الصحابة والنيل منهم بقدر ما هو دفاع عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعصمته ودفع الشبهات التي ألصقها الأمويون والعباسيون بالإسلام وبنبي الإسلام خلال القرون الأولي التي تحكموا فيها علي رقاب المسلمين بالقهر والقوة وغيروا دين الله بما أملته عليهم أغراضهم الدنيئة وسياستهم العقيمة، وأهواؤهم الخسيسة. وقد أثرت مؤامرتهم الكبري علي كتلة كبيرة من المسلمين الذين اتبعوا عن حسن نية فيهم وتقبلوا كل ما رووه من تحريف وأكاذيب علي أنها حقائق وأنها من الإسلام ويجب علي المسلمين أن يتعبدوا بها ولا يناقشوها. ولو عرف المسلمون حقيقة الأمر لما أقاموا لهم ولا لمروياتهم وزنا ثم إنه لو كان التاريخ يروي لنا بأن

الصحابة كانوا يمتثلون أوامر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ونواهيه ولا يناقشونه ولا يعترضون علي أحكامه، وأنهم لم يعصوه في أواخر أيام حياته في عدة أحكام، لحكمنا بعدالتهم جميعا ولما كان لنا في هذا المجال بحث ولا كلام. أما وأن منهم مكذبون ومنهم منافقون ومنهم فاسقون بنص القرآن والسنة الثابتة الصحيحة. أما وأنهم اختلفوا بحضرته وعصوه في أمر الكتاب حتي اتهموه بالهذيان ومنعوه من الكتابة. ولم يمتثلوا أوامره عندما أمر عليهم أسامة، أما وإنهم اختلفوا في خلافته صلي الله عليه وآله وسلم حتي أهملوا تغسيله وتجهيزه ودفنه واختصموا من أجل الخلافة فرضي بها بعضهم ورفضها بعضهم الآخر - أما وأنهم اختلفوا في كل شئ بعده حتي كفر بعضهم بعضا ولعن بعضهم بعضا وتحاربوا فقتل بعضهم بعضا وتبرأ بعضهم من بعض أما وأن دين الله الواحد أصبح مذاهب متعددة وآراء مختلفة فلا بد والحال هذه أن نبحث عن العلة وعن الخلل الذي أرجع خير أمة أخرجت للناس وأهوي بها إلي الحضيض فأصبحت أذل وأجهل وأحقر أمة علي وجه البسيطة تنتهك حرماتها وتحتل مقدساتها وتستعمر شعوبها وتشرد وتطرد من أراضيها فلا تقدر علي [ صفحه 176] دفع المعتدين ولا مسح العار عن جبينها. والعلاج الوحيد فيما أعتقد لهذه المعضلة هو النقد الذاتي فكفانا التغني بأسلافنا وبأمجادنا المزيفة التي تبخرت وأصبحت متاحف أثرية خالية حتي من الزوار. والواقع يدعونا أن نبحث عن أسباب أمراضنا وتخلفنا وتفرقنا وفشلنا حتي نكتشف الداء فنشخص له الدواء الناجع لشفائنا قبل أن يقضي علينا ويأتي علي آخرنا. هذا هو الهدف المنشود والله وحده هو المعبود وهو الهادي عباده إلي سواء الصراط. وما دام هدفنا سليما، فما قيمة اعتراض المعترضين والمتعصبين الذين

لا يعرفون إلا السباب والشتائم بحجة الدفاع عن الصحابة، وهؤلاء لا نلومهم ولا نحقد عليهم بقدر ما نرثي لحالهم لأنهم مساكين منعهم حسن ظنهم بالصحابة وحجبهم عن الوصول للحقيقة فما أشبههم بأولاد اليهود والنصاري الذين أحسنوا الظن بآبائهم وأجدادهم، ولم يكلفوا أنفسهم جهد البحث في الإسلام معتقدين بمقالة أسلافهم بأن محمدا كذاب، وليس هو بنبي. قال تعالي: وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة [البينة: 3]. وبمرور القرون المتتالية أصبح من العسير اليوم علي المسلم أن يقنع يهوديا أو نصرانيا بعقيدة الإسلام فما بالك بمن يقول لهم بأن التوراة والإنجيل اللذين يتدالونهما هما محرفان ويستدل علي ذلك بالقرآن، فهل يجد هذا المسلم آذانا صاغية لديهم؟ وكذلك المسلم البسيط الذي يعتقد بعدالة كل الصحابة ويتعصب لذلك بدون دلل فهل يمكن لأحد من الناس أن يقنعه بعكس ذلك؟ وإذا كان هؤلاء يطيقون جرح ونقد معاوية وابنه يزيد وأمثالهم كثير الذين شوهوا الإسلام بأعمالهم القبيحة فما بالك إذا كلمتهم عن أبي بكر وعمر وعثمان الصديق والفاروق ومن تستحي منه الملائكة أو عن عائشة أم [ صفحه 177] المؤمنين زوجة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وابنة أبي بكر والتي تكلمنا عنها في فصل سابق بما رواه عنها أصحاب الصحاح المعتمدين عند أهل السنة وجاء الآن دور الخلفاء الثلاثة لنكشف عن بعض أفعالهم التي سجلها عليهم صحاح السنة ومسانيدهم وكتب التاريخ المعتمدة لديهم لنبين أولا أن مقولة عدالة الصحابة غير صحيحة وأن العدالة انتفت حتي عن بعض الصحابة المقربين. ولنكشف ثانيا لإخواننا من أهل السنة والجماعة بأن هذه الانتقادات لا تدخل في السب والشتم والانتقاص بقدر ما هي إزالة للحجب للوصول إلي الحق كما أنها

ليست من مختلقات وأكاذيب الروافض كما يدعي عامة الناس وإنما هي من الكتب التي حكموا بصحتها وألزموا أنفسهم بها.

ابوبكر الصديق في حياة النبي

أخرج البخاري في صحيحه من الجزء السادس صفحة 46 في كتاب تفسير القرآن سورة الحجرات. قال: حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال كاد الخيران أن يهلكا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما رفعا أصواتهما عند النبي صلي الله عليه وآله وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع وأشار الآخر برجل آخر قال نافع لا أحفظ أسمه فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي قال ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم الآية. قال ابن الزبير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعد هذه الآية حتي يستفهمه ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر. كما أخرج البخاري في صحيحه في الجزء الثامن صفحة 145 من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة. باب ما يكره من التعمق والتنازع. قال أخبرنا وكيع عن نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر، لما قدم علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وفد بني تميم، [ صفحه 178] أشار أحدهما بالأقرع بن حابس التميمي الحنظلي أخي بني مجاشع وأشار الآخر بغيره، فقال أبو بكر لعمر: إنما أردت خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما عند النبي صلي الله عليه وآله وسلم فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون، إن الذين

يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوي لهم مغفرة وأجر عظيم. قال ابن أبي مليكة قال ابن الزبير: فكان عمر بعد ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر إذا حدث النبي صلي الله عليه وآله وسلم بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتي يستفهمه. كما أخرج البخاري في صحيحه من الجزء الخامس صفحة 116 من كتاب المغازي - وفد بني تميم قال: حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم عن ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبرهم أنه قدم ركب من بني تميم علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقال أبو بكر أمر القعقاع بن معبد بن زرارة: فقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس. قال أبو بكر ما أردت إلا خلافي، قال عمرك ما أردت خلافك فتماريا حتي ارتفعت أصواتهما فنزلت في ذلك: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله حتي انقضت. والظاهر من خلال هذه الروايات أن أبا بكر وعمر لم يتأدبا بحضرة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بالآداب الإسلامية وسمحا لأنفسهما بأن يقدما بين يدي الله ورسوله بغير إذن ولا طلب منهما رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يبديا رأيهما في تأمير أحد من بني تميم، ثم لم يكتفيا حتي تشاجرا بحضرته وارتفعت أصواتهما أمامه من غير احترام ولا مبالاة بما تفرضه عليهما الأخلاق والآداب التي لا يمكن لأي أحد من الصحابة أن يجهلها أو [ صفحه 179] يتجاهلها بعد ما قضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حياته في تعليمهم وتربيتهم. ولو كانت هذه الحادثة قد وقعت في بداية الإسلام لالتمسنا للشيخين في ذلك عذرا

ولحاولنا أن نجد لذل بعض التأويلات. ولكن الروايات تثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن الحادثة وقعت في أواخر أيام النبي صلي الله عليه وآله وسلم إذ أن وفد بني تميم قدم علي رسول الله في السنة التاسعة للهجرة ولم يعش بعدها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلا بضعة شهور كما يشهد بذلك كل المؤرخين والمحدثين الذين ذكروا قدوم الوفود علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والتي تحدث عنها القرآن الكريم في أواخر السور بقوله: وإذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا. وإذا كان الأمر كذلك فكيف يعتذر المعتذرون عن موقف أبي بكر وعمر بحضرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولو اقتصرت الرواية علي الموقف الذي مثله الصحابيان فسحب لما وسعنا النقد ولا الاعتراض. ولكن الله الذي لا يستحي من الحق سجلها وأنزل فيها قرآنا يتلي، فيه التنديد والتهديد لأبي بكر وعمر بأن يحبط الله أعمالهما إن عادا لمثلها، حتي أن راوي هذه الحادثة بدأت كلامه بقوله: كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر. ويحاول راوي الحادثة بعد ذلك وهو عبد الله بن الزبير أن يقنعنا بأن عمر بعد نزول هذه الآية في شأنه إذا حدث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لا يسمعه صوته حتي يستفهمه ورغم أنه لم يذكر ذلك عن جده أبي بكر فالتاريخ والأحداث التي ذكرها المحدثون تثبت عكس ذلك ويكفي أن تذكر رزية يوم الخميس قبل وفاته صلي الله عليه وآله وسلم بثلاثة أيام حتي نجد بأن عمر نفسه قال قولته المشؤومة إن رسول الله يهجر وحسبنا كتاب الله فاختلف القوم فمنهم من يقول قربوا إلي الرسول يكتب لكم

ومنهم من يقول مثل قول [ صفحه 180] عمر فلما أكثروا اللغط والاختلاف [116] قال لهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع [117] فالمفهوم من كثرة اللغو واللغط والاختلاف والتنازع، أنهم تجاوزوا كل الحدود التي رسمها الله لهم في سورة الحجرات كما مر. ولا يمكن إقناعنا بأن اختلافهم وتنازعهم ولغطهم كان همسا في الآذان بل يفهم من كل ذلك بأنهم رفعوا أصواتهم حتي أن النساء اللاتي كن وراء الستر والحجاب شاركن في النزاع وقلن قربوا إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يكتب لكم ذلك الكتاب فقال لهن عمر: إنكن صويحبات يوسف إذا مرض عصرتن أعينكن وإذا صح ركبتن عنقه فقال له رسول الله: دعوهن فإنهن خير منكم [118] . والذي نفهمه من كل هذا بأنهم لم يمتثلوا أمر الله في قوله: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ولا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولم يحترموا مقام الرسول ولا تأدبوا عندما طعنوه بكلمة الهجر. وقد سيق لأبي بكر أن تلفظ بكلام بذئ بحضرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وذلك عندما قال لعروة بن مسعود أمصص ببظر اللاب [119] وقال القسطلاني شارح البخاري معلقا علي هذه العبارة، والأمر بمص البظر من الشتائم الغليظة عند العرب، فإذا كانت أمثال هذه الكلمات تقال بحضرته صلي الله عليه وآله وسلم فما هو معني قوله تعالي: ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض؟. وإذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي خلق عظيم كما وصفه ربه وإذا كان أشد حياء من العذراء في خدرها كما أخرج ذلك [ صفحه 181] البخاري ومسلم [120] وقد صرح

الشيخان البخاري ومسلم بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم يكن فاحشا ولا متفحشا وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقا [121] فما بال صحابته المقربين لم يتأثروا بهذا الخلق العظيم؟ أضف إلي كل ذلك بأن أبا بكر لم يمتثل أمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عندما أمر عليه أسامة بن زيد وجعله من جملة عساكره وشدد النكير علي من تخلف عنه حتي قال: لعن الله من تخلف عن جيش أسامة [122] وذلك بعد ما بلغه صلي الله عليه وآله وسلم طعن الطاعنين عليه في مسألة تأمير أسامة التي ذكرها جل المؤرخين وأصحاب السير. كما أنه سارع إلي السقيفة وشارك في إبعاد علي بن أبي طالب عن الخلافة، وترك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مسجي بأبي هو وأمي ولم يهتم بتغسيله وتكفينه وتجهيزه ودفنه متشاغلا عن كل ذلك بمنصب الخلافة والزعامة التي اشرأبت لها عنقه، فأين هي الصحبة المقربة والخلة المزعومة وأين هو الخلق؟ وأنا أستغرب موقف هؤلاء الصحابة من نبيهم الذي قضي حياته في هدايتهم وتربيتهم والنصح لهم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم.. فيتركونه جثة هامدة ويسارعون للسقيفة لتعيين أحدهم خليفة له. ونحن نعيش اليوم في القرن العشرين الذي نقول عنه بأنه أتعس القرون وأن الأخلاق تدهورت والقيم تبخرت ومع كل ذلك فإن المسلمين إذا مات جار لهم أسرعوا إليه وانشغلوا به حتي يواروه في حفرته ممتثلين قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: إكرام الميت دفنه. [ صفحه 182] وقد كشف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن تلك الوقائع بقوله: أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها

محل القطب من الرحا [123] . ثم بعد ذلك استباح أبو بكر مهاجمة بيت فاطمة الزهراء وتهديده بحرقه إن لم يخرج المتخلفون فيه لبيعته. وكان ما كان مما ذكره المؤرخون في كتبهم وتناقله الرواة جيلا بعد جيل. ونحن نضرب عن ذلك صفحا وعلي من أراد المزيد أن يقرأ كتب التاريخ.

ابوبكر بعد حياة النبي

تكذيبه للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء وغصبه حقها أخرج البخاري في صحيحه من الجزء الخامس صفحة 82 في كتاب المغازي باب غزوة خيبر قال: عن عروة عن عائشة أن فاطمة عليها السلام بنت النبي صلي الله عليه وآله وسلم أرسلت إلي أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فأبي أبو بكر أن يدفع إلي فاطمة منها شيئا فوجدت فاطمة علي أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتي توفيت وعاشت بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا وصلي عليها ولم يؤذن بها أبا بكر وكان لعلي من الناس وجه في حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحه [ صفحه 183] أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر [124] . وأخرج مسلم في صحيحه

من الجزء الثاني كتاب الجهاد باب قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا نورث ما تركنا فهو صدقة. عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن فاطمة عليها السلام ابنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سألت أبا بكر الصديق، بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومما أفاء الله عليه فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: لا نورث، ما تركنا صدقة فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتي توفيت وعاشت بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ستة أشهر قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من خيبر وفدك، وصدقته بالمدينة، فأبي أبو بكر عليها ذلك وقال: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يعمل به إلا عملت به، فإني أخشي، إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ، فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلي علي والعباس، فأما خيبر وفدك فأمسكها عمر، وقال: هما صدقة رسول الله كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلي من ولي الأمر. فهما علي ذلك إلي اليوم [125] . - ورغم أن الشيخين البخاري ومسلم اقتضبا هذه الروايات واختصراها لئلا تنكشف الحقيقة للباحثين، وهذه فن معروف لديهما توخياه للحفاظ علي كرامة الخلفاء الثلاثة، (ولنا معهما بحث في هذا الموضوع إن شاء الله سنوافيك به عما قريب). إلا أن الروايات التي نمقوها كافية للكشف عن حقيقة أبي بكر الذي [ صفحه 184] رد دعوي

فاطمة الزهراء، مما استوجب غضبها عليه وهجرانها له حتي ماتت عليها السلام ودفنها زوجها سرا في الليل بوصية منها دون أن يؤذن بها أبا بكر، كما نستفيد من خلال هذه الروايات بأن عليا لم يبايع أبا بكر طيلة ستة أشهر وهي حياة فاطمة الزهراء بعد أبيها، وأنه أضطر لبيعته اضطرارا لما رأي وجوه الناس قد تنكرت له فالتمس مصالحة أبي بكر. والذي غيره البخاري ومسلم من الحقيقة هو ادعاء فاطمة عليها السلام بأن أباها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أعطاها فدك نحلة في حياته فليس هي من الإرث، وعلي فرض أن الأنبياء لا يورثون كما روي أبو بكر ذلك عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كذبته فاطمة الزهراء عليها السلام. وعارضت روايته بنصوص القرآن الذي يقول وورث سليمان داود، فإن فدك لا يشملها هذا الحديث المزعوم لأنها نحلة وليست هي من الإرث في شئ. ولذلك تجد كل المؤرخين والمفسرين والمحدثين يذكرون بأن فاطمة عليها السلام ادعت بأن فدك ملكا لها فكذبها أبو بكر وطلب منها شهودا علي دعواها فجاءت بعلي بن أبي طالب وأم أيمن فلم يقبل أبو بكر شهادتهما واعتبرها غير كافية. وهذا ما اعترف به ابن حجر في الصواعق المحرقة حيث ذكر بأن فاطمة ادعت أنه صلي الله عليه وآله وسلم نحلها فدكا ولم تأت عليها بشهود إلا بعلي بن أبي طالب وأم أيمن فلم يكمل نصاب البينة [126] . كما قال الإمام الفخر الرازي في تفسيره. فلما مات رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ادعت فاطمة عليه السلام أنه كان ينحلها فدكا، فقال لها أبو بكر: أنت أعز الناس علي فقرا وأحبهم إلي غني، لكني لا أعرف صحة

قولك فلا يجوز أن أحكم لك، قال فشهدت لها أم أيمن ومولي لرسول الله [ صفحه 185] فطلب منها أبو بكر الشاهد الذي يجوز قبول شهادته في الشرع فلم يكن [127] . ودعوي فاطمة عليها السلام بأن فدكا أنحلها لها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأن أبا بكر رد دعوتها ولم يقبل شهادة علي وأم أيمن معلومة لدي المؤرخين وقد ذكرها كل من ابن تيمية وصاحب السيرة الحلبية وابن القيم الجوزية وغيرهم. ولكن البخاري ومسلم اختصراها ولم يذكرا إلا طلب الزهراء بخصوص الإرث حتي يوهما القارئ بأن غضب فاطمة علي أبي بكر في غير محله، ولم يعمل أبو بكر إلا بما سمعه من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فهي ظالمة وهو مظلوم، كل ذلك حفاظا منهما علي كرامة أبي بكر فلا مراعاة للأمانة في النقل ولا لصدق الأحاديث التي كانت تكشف عن عورات الخلفاء وتنزيل الأكاذيب والحجب التي نمقها الأمويون وأنصار الخلافة الراشدة، ولو كان ذلك علي حساب النبي صلي الله عليه وآله وسلم نفسه أو بضعته الزهراء سلام الله عليها. ومن أجل ذلك حاز البخاري ومسلم علي زعامة المحدثين عند أهل السنة والجماعة واعتبروا كتبهما أصح الكتب بعد كتاب الله. وهذا تلفيق لا يقوم علي دليل علمي وسنبحثه إن شاء الله في باب مستقل حتي نكشف الحقيقة لمن يريد معرفتها. ومع ذلك فإننا نناقش البخاري ومسلم اللذين أخرجا في فضائل فاطمة الزهراء عليها السلام الشئ اليسير ولكن فيه ما يكفي لإدانة أبي بكر الذي عرف الزهراء وقيمتها عند الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم أكثر مما عرفه البخاري ومسلم ومع ذلك كذبها ولم يقبل شهادتها وشهادة بعلها الذي قال

فيه رسول الله: علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار [128] ولنكتف بشهادة [ صفحه 186] البخاري وشهادة مسلم في ما أقره صاحب الرسالة صلي الله عليه وآله وسلم في فضل بضعته الزهراء. فاطمة معصومة بنص القرآن أخرج مسلم في صحيحه الجزء السابع باب فضائل أهل البيت قالت عائشة: خرج النبي صلي الله عليه وآله وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فإذا كانت فاطمة الزهراء عليها السلام هي المرأة الوحيدة التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها من كل الذنوب والمعاصي في هذه الأمة فما بال أبي بكر يكذبها يطلب منها الشهود يا تري؟

فاطمة سيدة نساء المؤمنين و سيدة نساء هذه الأمة

أخرج البخاري في صحيحه من الجزء السابع في كتاب الاستئذان في باب من ناجي بين يدي الناس ولم يخبر بسر صاحبه فإذا مات أخبر به. ومسلم في كتاب الفضائل عن عائشة أم المؤمنين قالت: إنا كنا أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم عنده جميعا لم تغادر مناه واحدة فأقبلت فاطمة عليها السلام تمشي لا والله ما تخفي مشيتها من مشية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فلما رآها رحب بها قال مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم سارها فبكت بكاء شديدا فلما رأي حزنها سارها الثانية إذا هي تضحك فقلت لها أنا من بين نسائه: خصك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالسر من بيننا ثم أنت تبكين فلما قام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سألتها عما

سارك؟ قالت: ما كنت لأفشي علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سره، فلما توفي قلت لها عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني قالت: أما الآن فنعم فأخبرتني قالت: أما حين سارني في في الأمر الأول فإنه [ صفحه 187] أخبرني أن جبرئيل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة وأنه قد عارضني به العام مرتين ولا أري الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري فإنني نعم السلف أنا لك قالت فبكيت بكائي الذي رأيت فلما رأي جزعي سرني الثانية قال يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة. - فإذا كانت فاطمة الزهراء عليها السلام وهي سيدة نساء المؤمنين كما ثبت ذلك عن رسول الله، يكذبها أبو بكر في ادعائها فدك ولا يقبل شهادتها فأي شهادة تقبل بعدها يا تري؟؟

فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة

أخرج البخاري في صحيحه من الجزء الرابع في كتاب بدء الخلق باب مناقب قرابة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة فإذا كانت فاطمة عليها السلام سيدة نساء أهل الجنة ومعناه أنها سيدة نساء العالمين لأن أهل الجنة ليسوا أمة محمد وحدهم كما لا يخفي، فكيف يكذبها أبو بكر الصديق؟ ألم يدعوا بأن لقب الصديق أحرزه لأنه كان يصدق كل ما يقوله صاحبه محمد! فلماذا لم يصدقه فيما قاله بخصوص بضعته الزهراء؟؟ أم أن الأمر لم يكن يتعلق بفدك وبالصدقة والنحلة بقدر ما يتعلق بالخلافة التي هي من حق علي زوج فاطمة، فتكذيب فاطمة وزوجها الذي شهد منها في قضية النحلة أيسر عليه ليقطع بذلك عليهما الطريق للمطالبة بما وراء ذلك.

إنه مكر كبير تكاد تزول منه الجبال.

فاطمة بضعة النبي والرسول يغضب لغضبها

أخرج البخاري في صحيحه من الجزء الرابع من كتاب بدء الخلق في باب منقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي صلي الله عليه وآله وسلم. قال: حدثنا [ صفحه 188] أبو الوليد حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني. فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما أذاها. وإذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يغضب لغضب بضعته الزهراء ويتأذي بأذاها فمعني ذلك أنها معصومة عن الخطأ وإلا لما جاز للنبي صلي الله عليه وآله وسلم أن يقول مثل هذا، لأن الذي يرتكب معصية يجوز إيذاؤه وإغضابه مهما علت منزلته لأن الشرع الإسلامي لا يراعي قريبا ولا بعيدا، شريفا أو وضيعا غنيا أو فقيرا. وإذا كان الأمر كذلك فما بال أبي بكر يؤذي الزهراء ولا يبالي بغضبها بل يغضبها حتي تموت وهي واجدة عليه بل ومهاجرته فلم تكلمه حتي توفيت وهي تدعي عليه في كل صلاة تصليها كما جاء ذلك في تاريخ ابن قتيبة وغيره من المؤرخين؟! نعم إنها الحقائق المرة، الحقائق المؤلمة التي تهز الأركان وتزعزع الإيمان لأن الباحث المنصف المتجرد للحق والحقيقة لا مناص له من الاعتراف بأن أبا بكر ظلم الزهراء واغتصب حقها، وكان بإمكانه وهو خليفة المسلمين أن يرضيها ويعطيها ما ادعت لأنها صادقة والله يشهد بصدقها والنبي يشهد بصدقها، والمسلمون كلهم بما فيهم أبو بكر يشهدون بصدقها، ولكن السياسة هي التي تقلب كل شئ فيصبح الصادق كاذبا والكاذب صادقا. نعم إنه فصل من فصول المؤامرة التي حيكت لإبعاد

أهل البيت عن المنصب الذي اختاره الله لهم وقد بدأت بإبعاد علي عن الخلافة واغتصاب نحلة الزهراء وإرثها وتكذيبها وإهانتها حتي لا تبقي هيبتها في قلوب المسلمين. وانتهت بعد ذلك بقتل علي والحسن والحسين وكل أولادهم وسبيت نساؤهم، وقتل شيعتهم ومحبوهم وأتباعهم ولعل المؤامرة متواصلة [ صفحه 189] ولا زالت حتي اليوم تفعل فعلها وتأتي بثمارها. نعم أي مسلم حر ومنصف سوف يعلم عندما يقرأ كتب التاريخ ويمحص الحق من الباطل بأن أبا بكر هو أول من ظلم أهل البيت، وكيفية قراءة صحيح البخاري ومسلم فقط لتنكشف له الحقيقة إذا كان من الباحثين حقا. فها هو البخاري وكذلك مسلم يعترفان عفوا بأن أبا بكر يصدق أي واحد من الصحابة العاديين في ادعائه، ويكذب فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة ومن شهد لها الله بإذهاب الرجس والطهارة وكذلك يكذب عليا وأم أيمن! فاقرأ الآن ما يقوله البخاري ومسلم. أخرج البخاري في صحيحه من الجزء الثالث من كتاب الشهادات باب من أمر بإنجاز الوعد. ومسلم في صحيحه من كتاب الفضائل باب ما سئل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم شيئا قط فقال لا، وكثرة عطائه. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم قال: لما مات النبي صلي الله عليه وآله وسلم جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي فقال أبو بكر: من كان له علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم دين أو كانت له قبله عدة فليأتنا، قال جابر فقلت: وعدني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا، فبسط يديه ثلاث مرات قال جابر، فعد في يدي خمسمائة ثم خمسمائة ثم خمسمائة. فهل من سائل لأبي بكر

يسأله لماذا صدق جابر بن عبد الله في ادعائه بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعده أن يعطيه هكذا وهكذا وهكذا، فيملأ أبو بكر يديه ثلاثة مرات بما قدره ألف وخمسمائة بدون أن يطلب منه شاهد واحد علي ادعائه؟ وهل كان جابر بن عبد الله أتقي لله وأبر من فاطمة سيدة نساء العالمين؟ والأغرب من كل ذلك هو رد شهادة زوجها علي بن أبي [ صفحه 190] طالب الذي أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا وجعل الصلاة عليه فرض علي كل المسلمين كما يصلي علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم والذي جعل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حبه إيمان وبغضه نفاق [129] . أضف إلي ذلك بأن البخاري نفسه أخرج حادثة أخري تعطينا صورة حقيقية عن ظلم الزهراء وأهل البيت. فقد أخرج البخاري في صحيحه في باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته من كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، قال: أن بني صهيب مولي ابن جذعان ادعوا بيتين وحجرة وأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أعطي ذلك صهيبا، فقال مروان: من يشهد لكما علي ذلك قالوا: ابن عمر! فدعاه فشهد لأعطي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم صهيبا بيتين وحجرة، فقضي مروان بشهادته لهم [130] . - أنظر أيها المسلم إلي هذه التصرفات والأحكام التي تنطبق علي البعض دون البعض الآخر، أليس هذا من الظلم والحيف، وإذا كان خليفة المسلمين يحكم لفائدة المدعين لمجرد شهادة ابن عمر فهل لمسلم أن يتساءل لماذا ردت شهادة علي بن أبي طالب وشهادة أم أيمن معه؟ والحال أن الرجل والمرأة أقوي في الشهادة من الرجل وحده، إذا ما أردنا بلوغ

النصاب الذي طلبه القرآن. أم أن أبناء صهيب أصدق في دعواهم من بنت المصطفي عليها السلام؟ وأن عبد الله بن عمر موثوق عند الحكام بينما علي غير موثوق عندهم؟! وأما دعوي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا يورث، وهو الحديث الذي جاء به أبو بكر، وكذبته فاطمة الزهراء وعارضته بكتاب الله، وهي الحجة التي لا تدحض أبدا فقد صح عنه صلي الله عليه [ صفحه 191] وآله وسلم قوله: إذا جاءكم حديث عني فاعرضوه علي كتاب الله فإن وافق كتاب الله فاعملوا به وإن خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار. ولا شك أن هذا الحديث تعارضه الآيات العديدة من القرآن الكريم فهل من سائل يسأل أبا بكر ويسأل المسلمين كافة، لماذا تقبل شهادة أبي بكر وحده في رواية هذا الحديث الذي يناقض النقل والعقل ويعارض كتاب الله. ولا تقبل شهادة فاطمة وعلي التي توافق النقل والعقل ولا تتعارض مع القرآن. أضف إلي ذلك بأن أبا بكر مهما علت مرتبته ومهما انتحل له مؤيدوه والمدافعون عنه من فضائل. فإنه لا يبلغ مكانة الزهراء سيدة نساء العالمين ولا مرتبة علي بن أبي طالب الذي فضله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي كل الصحابة في المواطن كلها، أذكر منها علي سبيل المثال يوم إعطاء الراية عندما أقر له النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وتطاول لها الصحابة كل يرجي أن يعطاها فلم يدفعها إلا إليه [131] وقال فيه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إن عليا مني وأنا منه وهو لي كل مؤمن بعدي [132] . ومهما شكك المتعصبون والنواصب في صحة هذه الأحاديث، فلن

يشككوا في أن الصلاة علي علي وفاطمة هي جزء من الصلاة علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فلا تقبل صلاة أبي بكر وعمر وعثمان والمبشرين بالجنة وكل الصحابة ومعهم كل المسلمين إذا لم يصلوا علي محمد وآله محمد الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم كما جاء ذلك في صحاح أهل السنة [ صفحه 192] من البخاري ومسلم [133] وبقية الصحاح حتي قال الإمام الشافعي في حقهم من لم يصل عليكم لا صلاة له. فإذا كان هؤلاء يجوز عليهم الكذب والادعاء بالباطل فعلي الإسلام السلام وعلي الدنيا العفا. أما إذا سألت لماذا تقبل شهادة أبي بكر وترد شهادة أهل البيت؟ فالجواب: لأنه هو الحاكم وللحاكم أن يحكم بما يشاء والحق معه في كل الحالات، فدعوي القوي كدعوي السباع من الناب والظفر برهانها. وليتبين لك أيها القارئ الكريم صدق القول فتعال معي لتقرأ ما أخرجه البخاري في صحيحه من تناقض بخصوص ورثة النبي الذي قال حسبما رواه أبو بكر: نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة والذي يصدقه أهل السنة جميعا ويستدلون به علي عدم استجابة أبي بكر لطلب فاطمة الزهراء. ومما يدلك علي بطلان هذا الحديث وأنه غير معروف، أن فاطمة عليها السلام طالبت بإرثها وكذلك فعل أزواج النبي أمهات المؤمنين فقد بعثن لأبي بكر يطالبنه بميراثهن [134] فهذا ما أخرجه البخاري وما يستدل به علي عدم توريث الأنبياء. ولكن البخاري ناقض نفسه وأثبت بأن عمر بن الخطاب قسم ميراث النبي علي زوجاته. فقد أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الوكالة من باب المزارعة بالشطر ونحوه. عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم

عامل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فكان يعطي أزواجه مائة وسق ثمانون وسق تمر وعشرون وسق شعير، فقسم عمر خيبر فخير أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن يقطع لهن [ صفحه 193] من الماء والأرض، أو يمضي لهن، فمنهن من اختار الأرض ومنهن من اختار الوسق وكانت عائشة قد اختارت الأرض [135] . وهذه الرواية تدل بوضوح بأن خيبر التي طالبت الزهراء بنصيبها منها كميراث لها من أبيها ورد أبو بكر دعوتها بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، لا يورث، وهذه الرواية تدل أيضا بوضوح بأن عمر بن الخطاب قسم خيبر في أيام خلافته علي أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم وخيرهن بين امتلاك الأرض أو الوسق وكانت عائشة ممن اختار الأرض - فإذا كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا يورث، فلماذا ترث عائشة الزوجة. ولا ترث فاطمة البنت؟! أفتونا في ذلك يا أولي الأبصار ولكم الأجر والثواب. أضف إلي ذلك أن عائشة ابنة أبي بكر استولت علي بيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بأكمله ولم تحظ أي زوجة أخري بما حظيت به عائشة، وهي التي دفنت أباها في ذلك البيت ودفنت عمر إلي جانب أبيها ومنعت الحسين أن يدفن أخاه الحسن بجانب جده مما حدي بابن عباس أن يقول فيها: تجملت تبغلت ولو عشت تفيلت. لك التسع من الثمن وفي الكل تصرفت وعلي كل حال فأنا لا أريد الإطالة في هذا الموضوع فإنه لا بد للباحثين من مراجعة التاريخ ولكن لا بأس بذكر مقطع من الخطبة التي ألقتها فاطمة الزهراء عليها السلام بمحضر أبي بكر وجل الصحابة لهلك من هلك منهم

عن بينة وينجو من نجا منهم عن بينة. قالت لهم: أعلي عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول وورث سليمان داود، وقال فيما اقتص من خبر زكريا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا وقال: وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله وقال: يوصيكم الله في [ صفحه 194] أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وقال: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت أن ترك خيرا، الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا علي المتقين أفخصكم الله بآية أخرج منها أبي؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي. أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان فدونكما مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون.

ابوبكر يقتل المسلمين الذين امتنعوا عن إعطائه الزكاة

أخرج البخاري في صحيحه كتاب استتابة المرتدين باب قتل من أبي قبول الفرائض وما نسبوا إلي الردة ومسلم في صحيحه كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس. عن أبي هريرة قال: لما توفي النبي صلي الله عليه وآله وسلم واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر: يا أبا بكر، كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه علي الله؟، قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم علي منعها. قال عمر فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال

فعرفت أنه الحق. وليس هذا بغريب علي أبي بكر وعمر اللذين هددا بحرق بيت الزهراء سيدة النساء بمن فيه من الصحابة المتخلفين عن البيعة [136] وإذا كان حرق علي وفاطمة والحسن والحسين ونخبة من خيرة الصحابة الذين امتنعوا عن [ صفحه 195] البيعة، أمرا هينا عليهما فليس قتال مانعي الزكاة إلا أمرا ميسورا، وما قيمة هؤلاء الأعراب الأباعد مقابل العترة الطاهرة والصحابة الأبرار؟ أضف إلي ذلك أن هؤلاء المتخلفين عن البيعة يرون أن الخلافة هي حق لهم بنص لرسول صلي الله عليه وآله وسلم وحتي علي فرض عدم وجود النص عليهم فمن حقهم الاعتراض والنقد والإدلاء بآرائهم إن كان هناك شوري كما يزعمون، ومع ذلك فإن تهديدهم بالحرق أمر ثابت بالتواتر ولولا استسلام علي وأمره للصحابة بالخروج للبيعة حفاظا علي حقن دماء المسلمين ووحدة الإسلام لما تأخر القائمون بالأمر، عن إحراقهم. أما وقد استتب الأمر لهم وقويت شوكتهم ولم يعد هناك معارضة تذكرة بعد موت الزهراء ومصالحة علي لهم. فكيف يسكتون عن بعض القبائل التي امتنعت عن دفع الزكاة لهم بحجة التريث حتي يتبينوا أمر الخلافة وما وقع فيها بعد نبيهم صلي الله عليه وآله وسلم تلك الخلافة التي اعترف عمر نفسه بأنها فلتة [137] . إذن ليس بالغريب أن يقوم أبو بكر وحكومته بقتل المسلمين الأبرياء وانتهاك حرماتهم وسبي نسائهم وذريتهم وقد ذكر المؤرخون بأن أبا بكر بعث بخالد بن الوليد فأحرق قبيلة بني سليم [138] وبعثه إلي اليمامة، وغلي بني تميم وقتلهم غدرا بعد ما كتفهم وضرب أعناقهم صبرا وقتل مالك بن نويرة الصحابي الجليل الذي ولاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي صدقات قومه ثقة به، ودخل بزوجته في ليلة

قتل زوجها. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وما ذنب مالك وقومه إلا أنهم لما سمعوا بما حدث من أحداث بعد موت النبي صلي الله عليه وآله وسلم وما وقع من إبعاد علي وظلم الزهراء [ صفحه 196] حتي ماتت غاضبة عليهم وكذلك مخالفة سيد الأنصار سعد بن عبادة وخروجه عن بيعتهم وما تناقله العرب من أخبار تشكك في صحة البيعة لأبي بكر. لكل ذلك تريث مالك وقومه لإعطاء الزكاة، فكان الحكم الصادر من الخليفة وأنصاره بقتلهم وسبي نسائهم وذريتهم وانتهاك حرماتهم وإخماد أنفاسهم حتي لا يتفشي في العرب رأي للمعارضة أو المناقشة في أمر الخلافة. والمؤسف حقا أنك تجد من يدافع عن أبي بكر وحكومته بل ويصحح أخطاءه التي اعترف هو بها [139] ويقول كقول عمر: والله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق. وهل لنا أن نسأل عمر عن سر اقتناعه بقتال المسلمين الذين شهد هو نفسه بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حرم قتالهم بمجرد قولهم لا إله إلا الله. وعارض هو نفسه أبا بكر بهذا الحديث فكيف انقلب فجأة واقتنع بقتالهم وعرف أنه الحق بمجرد أن رأي أن قد شرح الله صدر أبي بكر فكيف تمت عملية شرح الصدر هذه وكيف رآها عمر دون سائر الناس؟ وإن كانت علمية الشرح هذه معنوية وليست حقيقية فكيف يشرح الله صدور قوم بمخالفتهم لأحكامه التي رسمها علي لسان رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، وكيف يقول الله لعباده علي لسان نبيه من قال لا إله إلا الله حرام عليكم قتله، وحسابه علي. ثم يشرح صدر أبي بكر وعمر قتالهم؟ فهل نزل

وحي عليهما بعد محمد صلي الله عليه وآله وسلم؟ أم هو الاجتهاد الذي اقتضته المصالح السياسية والتي ضربت بأحكام الله عرض الجدار؟ أما دعوي المدافعين، بأن هؤلاء ارتدوا عن الإسلام فوجب قتلهم، فهذا غير صحيح ومن له أي اطلاع علي كتب التاريخ يعلم علم اليقين أن [ صفحه 197] مانعي الزكاة لم يرتدوا عن الإسلام، كيف وقد صلوا مع خالد وجماعته عندما حلوا بفنائهم. ثم إن أبا بكر نفسه أبطل هذه الدعوي الكاذبة بدفعه دية مالك من بيت مال المسلمين واعتذر عن قتله. والمرتد لا يعتذر عن قتله ولا تدفع ديته من بيت المال. ولم يقل أحد من السلف الصالح أن مانعي الزكاة ارتدوا عن الإسلام إلا في زمن متأخر عندما أصبحت هناك مذاهب وفرق فأهل السنة حاولوا جهدهم وبدون جدوي أن يبرروا أفعال أبي بكر فلم يجدوا بدا من نسبة الارتداد إليهم لأنهم عرفوا أن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. كما جاء في صحاح أهل السنة [140] وحتي أن البخاري عندما أخرج حديث أبي بكر وقوله: والله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة جعل له بابا بعنوان: من أبي قبول الفرائض وما نسبوا إلي الردة وهو دليل علي أن البخاري نفسه لا يعتقد بردتهم (كما لا يخفي). وحاول البعض الآخر تأويل الحديث كما تأوله أبو بكر بأن الزكاة هي حق المال، وهو تأويل في غير محله. أولا لأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حرم قتل من قال لا إله إلا الله فقط، وفي ذلك أحاديث كثيرة أثبتها الصحاح سنوافيك بها. ثانيا: لو كانت الزكاة حق المال فغن الحديث يبيح في هذه الحالة أن يأخذ الحاكم الشرعي الزكاة بالقوة من مانعها بدون قتله

وسفك دمه. ثالثا: لو كان هذا التأويل صحيحا لقاتل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثعلبة الذي امتنع عن أداء الزكاة له (القصة معروفة لا داعي لذكرها) [141] رابعا: إليك ما أثبته الصحاح في حرمة من قال لا إله إلا الله وسأقتصر علي البخاري ومسلم وعلي بعض الأحاديث روما للاختصار. [ صفحه 198] (أ) أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله. والبخاري في صحيحه في كتاب المغازي باب حدثني خليفة عن المقداد بن الأسود أنه قال لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا، فضرب إحدي يدي بالسيف فقطعها؟ ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لا تقتله فقال: يا رسول الله إنه قطع إحدي يدي ثم قال ذلك بعد ما قطعها، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال. هذا الحديث يفيد بأن الكافر الذي لا إله إلا الله ولو بعد اعتدائه علي مسلم بقطع يده فإنه يحرم قتله. وليس هناك اعتراف بمحمد رسول الله ولا إقامة الصلاة ولا إيتاء الزكاة ولا صوم رمضان ولا حج البيت، فأين تذهبون وماذا تتأولون؟ (ب) أخرج البخاري في صحيحه من كتاب المغازي باب بعث النبي صلي الله عليه وآله وسلم أسامة بن زيد إلي الحرقات من جهينة وصحيح مسلم في كتاب الإيمان في باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله عن أسامة بن

زيد قال: بعثنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري عنه، وطعنته برمحي حتي قتلته، فلما قدمنا، بلغ النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال: يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قلت: كان متعوذا: فما زال يكررها حتي تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. وهذا الحديث يفيد قطعا بأن من قال لا إله إلا الله يحرم قتله ولذلك [ صفحه 199] تري رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يشدد النكير علي أسامة حتي يتمني أسامة أنه لم يكن أسلم قبل ذلك اليوم ليشمله حديث الإسلام يجب ما قبله ويطمع في مغفرة الله له ذلك الذنب الكبير. (ت) أخرج البخاري في صحيحه من كتاب اللباس، باب الثياب البيض. وكذلك مسلم في صحيحه كتاب الإيمان باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه. قال: أتيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات علي ذلك إلا دخل الجنة قلت: وإن زني وإن سرق؟ قال: وإن زني وإن سرق، قلت وإن زني وإن سرق؟ قال: وإن زني وإن سرق، قلت وإن زني وإن سرق؟ قال: وإن زني وإن سرق علي رغم أنف أبي ذر. وكان أبو ذر إذا حدث بهذا الحديث قال: وإن رغم أنف أبي ذر. وهذا الحديث هو الآخر يثبت دخول الجنة لمن قال لا إله إلا الله، ومات علي ذلك فلا

يجوز قتلهم. وذلك رغم أنف أبي بكر وعمر وكل أنصارهم الذين يتأولون الحقائق ويقبلونها حفاظا علي كرامة أسلافهم وكبرائهم الذين غيروا أحكام الله. وبالتأكيد أن أبا بكر وعمر يعرفان كل هذه الأحكام فهما أقرب منا لمعرفتها وألصق بصاحب الرسالة من غيرهما ولكنهما ومن أجل الخلافة تأولا جل أحكام الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم علي علم وبينة. ولعل أبا بكر لما عزم علي قتال مانعي الزكاة وعارضه عمر بحديث الرسول صلي الله عليه وآله وسلم الذي يحرم ذلك، أقنع صاحبه بأنه هو الذي حمل الحطب ليحرق بيت فاطمة بنفسه وأن فاطمة أقل ما يقال بحقها أنها كانت تشهد أن لا إله إلا الله، ثم أقنعه بأن فاطمة وعلي لم يعد لهما كبير شأن في عاصمة [ صفحه 200] الخلافة بينما هؤلاء القبائل الذين منعوا الزكاة لو تركوهم واستشري أمرهم في داخل البلاد الإسلامية فسيكون لهم تأثير كبير علي مركز الخلافة. عند ذلك رأي عمر أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فاعترف بأنه الحق.

ابوبكر يمنع من كتابة السنة النبوية و كذلك يفعل بعده عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان

إن الباحث إذا ما قرأ كتب التاريخ وأحاط ببعض الخلفيات التي توختها حكومة الخلفاء الثلاثة علم علم اليقين بأنهم هم الذين منعوا من كتابة الحديث النبوي الشريف وتدوينه بل منعوا حتي التحدث به ونقله إلي الناس لأنهم بلا شك علموا بأنه لا يخدم مصالحهم أو علي الأقل يتعارض ويتناقض مع الكثير من أحكامهم وما تأولوه حسب اجتهاداتهم وما اقتضته مصالحهم. وبقي حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم والذي هو المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بل هو المفسر والمبين للمصدر الأول ألا وهو القرآن الكريم. بقي ممنوعا ومحرما علي عهدهم. ولذلك اتفقت كلمة المحدثين والمؤرخين علي بداية جمع الحديث

والتدوين في عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أو بعده بقليل. فقد نقل البخاري ف صحيحه في كتاب العلم باب كيف يقبض العلم قال: وكتب عمر بن عبد العزيز إلي أبي بكر بن حزم أنظر ما كان من حديث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ولا يقبل إلا حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم وليفشوا العلم وليجلسوا حتي يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتي يكون سرا. فهذا أبو بكر يخطب في الناس بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم قائلا لهم: إنكم تحدثون عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله [ صفحه 201] فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه [142] . عجيب والله أمر أبي بكر ها هو وبعد أيام قائل من ذلك اليوم المشؤوم الذي سمي برزية يوم الخميس يوافق ما قاله صاحبه عمر بن الخطاب بالضبط عندما قال إن رسول الله يهجر وحسبنا كتاب الله يكفينا. وها هو يقول: لا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه. والحمد لله علي اعترافه صراحة بأنهم نبذوا سنة نبيهم وراء ظهورهم وكانت عندهم نسيا منسيا. والسؤال هنا إلي أهل السنة والجماعة الذين يدافعون عن أبي بكر وعمر ويعتبرانهما أفضل الخلق بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فإذا كانت صحاحكم كما تعتقدون تروي بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: تركت فيكم خليفتين ما إن

تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي وعلي فرض أننا سلمنا بصحة هذا الحديث، فما بال أفضل الخلق عندكم يرفضان السنة ولا يقيمان لها وزنا بل ويمنعان الناس من كتابتها والتحدث بها؟؟ وهل من سائل يسأل أبا بكر في أي آية وجد قتال المسلمين الذين يمنعون الزكاة وسبي نسائهم وذراريهم؟ فكتاب الله الذي بيننا وبين أب بكر يقول في حق مانعي الزكاة: ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله، لنصدقن ولنكونن من الصالحين، فلما أتاهم من فضله بخلوا به، وتولوا وهم معرضون. فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلي يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون [143] وباتفاق جميع المفسرين فإن هذه الآيات نزلت بخصوص ثعلبة الذي منع الزكاة علي عهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم - أضف إلي ذلك بأن ثعلبة منع الزكاة وامتنع من أدائها إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم لأنه أنكرها وقال هي جزية. وقد [ صفحه 202] شهد الله في هذه الآيات علي نفاقه ومع ذلك فالنبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يقاتله ولم يأخذ أمواله بالقوة وكان قادرا علي كل ذلك. أما مالك بن نويرة وقومه فلم ينكروا الزكاة كفرض من فروض الدين وإنما أنكروا الخليفة الذي استولي علي الخلافة بعد الرسول بالقوة والقهر وانتهاز الفرصة. ثم أن أمر أبي بكر أغرب وأعجب عندما نبذ كتاب الله وراء ظهره وقد احتجت به عليه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وتلت علي مسامعه آيات بينات محكمات من كتاب الله الذي يقر وراثة الأنبياء، فلم يقبل بها ونسخها كلها بحديث جاء به من عنده لحاجة في نفسه، وإذا كان يقول: إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث

تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا. فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه فلماذا لم يفعل هو بما يقول عندما اختلف مع بضعة المصطفي الصديقة الطاهرة، في حديث النبي نحن معشر الأنبياء لا نورث ولم يحتكم معها إلي كتاب الله فيحل حلاله ويحرم حرامه؟ والجواب معروف، في تلك الحالة سوف تجد كتاب الله ضده، وسوف تنتصر عليه فاطمة في كل ما ادعته ضده، وإذا ما انتصرت عليه يومها فسوف تحاججه بنصوص الخلافة علي ابن عمها وأني له عندئذ دفعها وتكذيبها، والله يقول بهذا الصدد: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. نعم لكل ذلك ما كان أبو بكر ليرتاح إذا ما بقيت أحاديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم متداولة بين الناس يكتبونها ويحفظونها ويتناقلونها من بلد لآخر ومن قرية لأخري وفيها ما فيها من نصوص صريحة تتعارض والسياسة التي قامت عليها دولته. فلم يكن أمامه حلا غير طمس الأحاديث وسترها بل ومحوها وحرقها [144] فها هي عائشة ابنته تشهد عليه. قالت: جمع [ صفحه 203] أبي الحديث عن رسول الله، فكانت خمسمائة حديث، فبات يتقلب، فقلت يتقلب لشكوي أو لشئ بلغه، فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها، فأحرقها الحديث [145] .

عمر بن الخطاب يتشدد أكثر من صاحبه في الحديث عن رسول الله و يمنع الناس من نقله

لقد رأينا سياسة أبي بكر في منع الحديث حتي وصل به الأمر أن أحرق المجموعة التي جمعت علي عهده وهي خمسمائة حديث لئلا تتفشي عند الصحابة وغيرهم من المسلمين الذين كانوا يتعطشون لمعرفة سنة نبيهم صلي الله عليه وآله وسلم، ولما ولي عمر الخلافة بأمر من

أبي بكر، كان عليه أن يتوخي نفس السياسة ولكن بأسلوبه المعروف بالشدة والغلظة، فلم يقتصر علي حظر ومنع تدوين الحديث ونقله فحسب بل تهدد وتوعد وضرب أيضا واستعمل فرض الحصار هو الآخر. روي ابن ماجة في سننه من الجزء الأول باب التوقي في الحديث. قال: عن قرظة بن كعب، بعثنا عمر بن الخطاب إلي الكوفة وشيعنا فمشي معنا إلي موضع صرار، فقال: أتدرون لم مشيت معكم؟ قال: قلنا لحق صحبة رسول الله، ولحق الأنصار، قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم، إنكم تقدمون علي قوم للقرآن في صدورهم هزيز كهزيز المرجل، فإذا رأوكم مدوا إليكم أعناقهم، وقالوا أصحاب محمد!. فأقلوا الرواية عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثم أنا شريككم. فلما قدم قرظة بن كعب قالوا: حدثنا، قال: نهانا عمر [146] كما روي [ صفحه 204] مسلم في صحيحه في كتاب الآداب، باب الاستئذان بأن عمر هدد أبا موسي الأشعري بالضرب من أجل حديث رواه عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. قال أبو سعيد الخدري كنا في مجلس عند أبي بن كعب فأتي أبو موسي الأشعري مغضبا حتي وقف فقال: أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع قال أبي وما ذاك، قال: استأذنت علي عمر بن الخطاب أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت، ثم جئته اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئت بالأمس فسلمت ثلاثا ثم انصرفت، قال: قد سمعناك ونحن حينئذ علي شغل فلو ما استأذنت حتي يؤذن لك، قلت استأذنت كما سمعت رسول الله صلي الله عيه وآله

وسلم: قال فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك علي هذا، فقال أبي بن كعب فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا قم يا أبا سعيد فقمت حتي أتيت عمر فقلت: قد سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول هذا. وروي البخاري هذه الحادثة ولكنه كعادته بترها وحذف منها تهديد عمر بضرب أبي موسي كعادته حفاظا علي كرامته [147] مع أن مسلم في صحيحه زاد قول أبي بن كعب لعمر: يا ابن الخطاب فلا تكونن عذابا علي أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وقد روي الذهبي في تذكرة الحفاظ من جزئه الأول الصفحة الرابعة عن أبي سلمة قال: قلت لأبي هريرة: أكنت تحدث في زمان عمر هذا؟ فقال: لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمغفقته. كما أن عمر بعد منع الحديث والتهديد بالضرب أقدم هو الآخر علي [ صفحه 205] حرق ما دونه الصحابة من الأحاديث. فقد خطب الناس يوما قائلا: أيها الناس، إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبها إلي الله أعدلها وأقومها فلا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به فأري فيه رأيي، فظنوا أنه يريد النظر فيها ليقومها علي أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار [148] كما أخرج ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم وفضله، أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتبها ثم كتب إلي الأمصار من كان عنده شئ فليمحه. ولما أعيته الحيلة ورغم تهديده ووعيده ومنعه وتحريمه وحرقه كتب الأحاديث بقي بعض من الصحابة يحدثون بما سمعوا من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم

عندما يلتقون في أسفارهم خارج المدينة بالناس اللذين يسألونهم عن أحاديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم رأي عمر أن يحبس هؤلاء النفر في المدينة ويضرب عليهم حصارا وإقامة جبرية. فقد روي ابن إسحاق عن بعد الرحمن بن عوف. قال: والله ما مات عمر حتي بعث إلي أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق: عبد الله بن حذيفة وأبي الدرداء وأبي ذر الغفاري وعقبة بن عامر. فقال: ما هذه الأحاديث التي قد أفشيتم عن رسول الله في الآفاق، قالوا: تنهانا؟ قال: لا أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت [149] . ثم جاء بعده ثالث الخلفاء عثمان الذي اتبع نفس الطريق وسلك ما سطره له صاحباه من قبل. فصعد علي المنبر وأعلن صراحة قوله: لا يحل لأحد أن يروي حديثا عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم أسمع به في عهد أبي بكر وعمر [150] . [ صفحه 206] وهكذا دام الحصار طيلة حياة الخلفاء الثلاثة وهي خمسة وعشرون عاما ويا ليته كان حصارا في تلك المدة فحسب ولكنه تواصل بعد ذلك وعندما جاء معاوية للحكم صعد المنبر هو الآخر وقال: إياكم وأحاديث إلا حديثا كان في عهد عمر فإن عمر كان يخيف الناس في الله عز وجل. الحديث أخرجه مسلم في صحيحه. في كتاب الزكاة باب النهي عن المسألة من جزئه الثالث. ونهج الخلفاء الأمويون علي هذا المنوال فمنعوا أحاديث الرسول الصحيحة وتفننوا في وضع الأحاديث المزورة والمكذوبة علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتي ابتلي المسلمون في كل العصور بالمتناقضات وبالأساطير والمخاريق التي لا تمت للإسلام بشئ، وإليك ما نقله المدائني في كتابه الأحداث قال: كتب معاوية نسخة واحدة

إلي عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روي شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته (يقصد علي بن أبي طالب) فقام الخطباء في كل كورة وعلي كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته. ثم كتب معاوية إلي عماله في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، ثم كتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه، وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم، وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته. ففعلوا ذلك حتي أكثروا من فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا فلا يأتي أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه، فلبثوا بذلك حينا. ثم كتب [ صفحه 207] معاوية إلي عماله: أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، إذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلي الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله. فقرأت كتبه علي الناس، فرويت أخبارا كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجري حتي أشادوا بذكر ذلك علي المنابر، وألقي إلي معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم حتي رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن،

وحتي علموه بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله. ثم كتب إلي عماله نسخة واحدة إلي جميع البلدان: أنظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته، فامحوا اسمه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه ثم شفع ذلك بنسخة أخري: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به، واهدموا داره فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة، حتي أن الرجل من شيعة علي ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتي يأخذ عليه الأيمان الغليظة، ليكتمن عليه. فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضي علي ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس بلية القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل حتي انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلي أيدي الديانين، الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها [151] . [ صفحه 208] وأقول بأن المسؤولية في كل ذلك يتحملها أبو بكر وعمر وعثمان الذين منعوا من كتابة الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بدعوي خوفهم بأن لا تختلط السنة بالقرآن هذا ما يقوله أنصارهم والمدافعون عنهم وهذه الدعوي تضحك المجانين وهل القرآن والسنة سكر وملح إذا ما اختلطا فلا يمكن فصل أحدهما عن الآخر وحتي السكر والملح لا يختلطان لأن كل واحد محفوظ في علبته الخاصة به فهل غاب عن الخلفاء أن يكتبوا القرآن في مصحف خاص به والسنة النبوية في كتاب خاص بها كما هو الحال عندنا اليوم ومنذ دونت الأحاديث في عهد

عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. فلماذا لم تختلط السنة بالقرآن رغم أن كتب الحديث تعد بالمئات فصحيح البخاري لا يختلط بصحيح مسلم وهذا لا يختلط بمسند أحمد ولا بموطأ الإمام مالك فضلا عن أن يختلط القرآن الكريم. فهذه حجة واهية كبيت العنكبوت لا تقوم علي دليل بل الدليل علي عكسها أوضح فقد روي الزهري عن عروة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستفتي أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فأشاروا عليه أن يكتبها فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا، ثم أصبح يوما فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشئ أبدا [152] . أنظر أيها القارئ إلي هذه الرواية كيف أشار أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي عمر بأن يكتب السنن، وخالفهم جميعا واستبد برأيه. بدعوي أن قوما قبلهم كتبوا كتبا فأكبوا عليها. وتركوا كتاب الله، فأين هي دعوي الشوري التي يتشدق بها أهل السنة والجماعة، ثم أين هؤلاء القوم الذين أكبوا علي كتبهم وتركوا كتاب الله. لم نسمع بهم إلا في [ صفحه 209] خيال عمر بن الخطاب وعلي فرض وجود هؤلاء القوم فلا وجه للمقارنة إذ أنهم كتبوا كتبا من عند أنفسهم لتحريف كتاب الله فقد جاء في القرآن الكريم: فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون [البقرة: 79]. أما كتابة السنن فليست كذلك لأنها صادرة عن نبي معصوم لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي وهي مبينة

ومفسرة لكتاب الله. قال تعالي: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [النحل: 44]. وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أوتيت القرآن ومثله معه وهذا أمر بديهي لكل من عرف القرآن فليس هناك الصلوات الخمس ولا الزكاة بمقاديرها ولا أحكام الصوم ولا أحكام الحج إلا كثير من الأحكام التي بينها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولكل ذلك قال الله تعالي: ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. وقال: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله. وليت عمر عرف كتاب الله وأكب عليه ليتعلم منه الامتثال إلي أوامر الرسول ولا يناقشها ولا يطعن فيها [153] . وليته عرف كتاب الله وأكب عليه ليتعلم منه حكم الكلالة [154] التي ما عرفها حتي مات وحكم فيها أيام خلافته بأحكام متعددة ومتناقضة وليته عرف كتاب الله وأكب عليه ليتعلم منه حكم التيمم الذي ما عرفه حتي أيام خلافته وكان يفتي بترك الصلاة لمن لم يجد الماء [155] وليته عرف كتاب الله وأكب عليه ليتعلم منه حكم الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ صفحه 210] والذي جعله هو طلقة واحدة [156] وعارض برأيه واجتهاده أحكام الله وضرب بها عرض الحائط. والحقيقة التي لا مجال لدفعها هي أن الخلفاء منعوا من انتشار الأحاديث وهددوا من يتحدث بها وضربوا عليها الحصار لأنها تفضح مخططاتهم وتكشف مؤامراتهم ولا يجدون مجالا لتأويلها كما يتأولون القرآن، لأن كتاب الله صامت وحمال أوجه، أما السنن النبوية فهي أقوال وأفعال النبي صلي الله عليه وآله وسلم فلا يمكن لأحد من الناس دفعها. ولذلك قال أمير المؤمنين علي لابن عباس عندما بعثه للاحتجاج علي الخوارج: لا تخاصمهم بالقرآن،

فإن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنة، فإنهم لن يجدوا عنها محيصا [157] .

ابوبكر يسلم الخلافة لصحابه عمر و يخالف بذلك النصوص الصريحة

يقول الإمام علي عليه السلام في هذا الموضوع بالذات أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحي، ينحدر عني السيل ولا يرقي إلي الطير، فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر علي طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتي يلقي ربه، فرأيت أن الصبر علي هاتا أحجي، فصبرت وفي العين قذي، وفي الحلق شجا أري تراقي نهبا حتي مضي الأول لسبيله فأدلي بها إلي ابن الخطاب بعده (شتان ما يومي علي كورها ويوم حيان أخي جابر). فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما [ صفحه 211] تشطرا ضرعيها فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسها ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها. الخطبة [158] . يعرف كل محقق وباحث بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نص بالخلافة وعين علي بن أبي طالب قبل وفاته كما يعرف ذلك أغلب الصحابة وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر [159] ولهذا كان الإمام علي يقول: وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب م الرحي - ولعل ذلك ما دعا أبو بكر وعمر أن يمنعا رواية الحديث عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كما قدمنا في الفصل السابق وتمسكا بالقرآن لأن القرآن وإن كان فيه آية الولاية غير أن اسم علي لم يذكر صراحة كما هو الحال في الأحاديث النبوية كقوله صلي الله عليه وآله وسلم من كنت مولاه فهذا علي مولاه وعلي

مني بمنزلة هارون من موسي وعلي أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وعلي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي [160] . وبذلك نفهم مدي نجاح المخطط الذي رسمه أبو بكر وعمر في منع وحرق الأحاديث النبوية وجعل كمامات علي الأفواه حتي لا يتحدث الصحابة بها كما قدمنا في رواية قرظة بن كعب، واستمر ذلك الحصار ربع قرن وهي مدة الخلفاء الثلاثة حتي إذا جاء علي للخلافة نري أنه استشهد الصحابة يوم الرحبة علي حديث الغدير فشهد له ثلاثون صحابيا منهم سبعة عشر بدريا [161] . وهذا يدل دلالة واضحة بأن هؤلاء الصحابة وعددهم ثلاثون ما كانوا ليتكلموا لولا أن طلب منهم أمير المؤمنين ذلك فلو لم يكن علي خليفة [ صفحه 212] وبيده القوة لأقعدهم الخوف عن أداء الشهادة كما وقع ذلك فعلا من بعض الصحابة الذين أقعدهم الخوف أو الحسد عن الشهادة أمثال أنس بن مالك والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وجرير بن عبد الله البجلي [162] فأصابتهم دعوة علي بن أبي طالب ولم ينعم أبو تراب عليه السلام بالخلافة فكانت أيامه كلها محن وفتن ومؤامرات وحروب شنت عليه من كل حدب وصوب، وبرزت تلك الأحقاد والضغائن البدرية والحنينية والخيبرية حتي سقط شهيدا ولم تجد تلك السنن النبوية أذانا صاغية لدي الناكثين والقاسطين والمارقين والانتهازيين الذين ألفوا الفساد والرشوة وحب الدنيا أيام عثمان فلم يكن ابن أبي طالب ليصلح فساد وانحراف ربع قرن في ثلاث أو أربع سنوات إلا بفساد نفسه وهيهات منه ذلك وهو القائل: والله إني لأعرف ماذا يصلحكم، ولكن لا أصلحكم بفساد نفسي. ولم تطل المدة حتي اعتلي سدة الخلافة معاوية بن أبي سفيان فواصل المخطط كما قدمنا في

منع الأحاديث إلا ما كان في زمن عمر. وذهب شوطا أبعد من ذلك فانتدب من الصحابة والتابعين زمرة لوضع الأحاديث فضاعت سنة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في خضم تلك الأكاذيب والأساطير والفضائل المختلفة. واستمر المسلمون علي ذلك قرنا كاملا وأصبحت سنة معاوية هي المتبعة لدي عامة المسلمين وإذا قلنا سنة معاوية فمعناه السنة التي ارتضاها معاوية من أفعال الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان وما أضافه هو وأتباعه من وضع وتزوير ولعن وسب لعلي وأهل بيته وشيعته من الصحابة المخلصين. ولذلك أعود وأكرر بأن أبا بكر وعمر نجحا في هذا المخطط لطمس السنن النبوية بدعوي الرجوع إلي القرآن فإنك تري اليوم وبعد مرور أربعة [ صفحه 213] عشر قرنا إذا ما حاججت بالنصوص النبوية المتواترة التي تثبت بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عين عليا خليفة له، فسيقال لك دعنا من السنة النبوية التي أختلف فيها وحسبنا كتاب الله، وكتاب الله لم يذكر بأن عليا هو خليفة النبي، بل قال وأمرهم شوري. وهذه هي حجتهم فما كلمت أحدا من علماء أهل السنة إلا وكانت الشوري هي شعارهم وديدنهم. ويقطع النظر علي أن خلافة أبي بكر كانت فلتة وقي الله المسلمين شرها [163] . فلم تكن عن مشورة كما يدعي البعض بل كانت بالغفلة وبالقوة والقهر والتهديد والضرب [164] وتخلف عنها وعارضها الكثير من خيرة الصحابة وعلي رأسهم علي بن أبي طالب وسعد بن عبادة وعمار وسلمان والمقداد والزبير والعباس وغير هؤلاء كثيرون كما يعترف بذلك جل المؤرخين لهذا الحدث، ولنغض الطرف عنها ونأتي إلي استخلاف أبي بكر لعمر بعده ونسأل أهل السنة الذين يتشدقون بمبدأ الشوري، لماذا عين أبو بكر خليفة

وفرضه علي المسلمين بدون أن يترك الأمر شوري بينهم كما تدعون؟ ولمزيد من التوضيح وكالعادة لا نستدل إلا بكتب أهل السنة أقدم إلي القارئ كيفية استخلاف أبي بكر لصاحبه. ينقل ابن قتيبة في كتابه تاريخ الخلفاء. في باب مرض أبي بكر واستخلافه عمر رضي الله عنهما. قال: ثم دعا عثمان بن عفان فقال: أكتب عهدي، فكتب عثمان وأملي عليه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة آخر عهده في الدنيا نازحا عنها، وأول عهده بالآخرة داخلا فيها، إني [ صفحه 214] استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، فإن تروه عدلا فيكم فذلك ظني به ورجائي فيه، وإن بدل وغير فالخير أردت، ولا أعلم الغيب - وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. ثم ختم الكتاب ودفعه، فدخل عليه المهاجرون والأنصار حين بلغهم أنه استخلف عمر، فقالوا: نراك استخلفت علينا عمر، وقد عرفته، وعلمت بواثقه فينا وأنت بين أظهرنا، فكيف إذا وليت عنا، وأنت لاق الله عز وجل فسائلك، فما أنت قائل؟ فقال أبو بكر: لئن سألني الله لأقولن: استخلفت عليهم خيرهم في نفسي [165] . ويذكر بعض المؤرخين كالطبري وابن الأثير أن أبا بكر لما استدعي عثمان ليكتب عهده أغمي عليه أثناء الإملاء فكتب عثمان اسم عمر بن الخطاب - فلما أفاق قال: اقرأ ما كتبت فقرأ وذكر اسم عمر، فقال: أني لك هذا؟ قال: ما كنت لتعدوه، فقال أصبت. فلما فرغ من الكتاب دخل عليه قوم من الصحابة منهم طلحة، فقال له: ما أنت قائل لربك غدا وقد وليت علينا فظا غليظا، تفرق منه النفوس وتنفض عنه القلوب؟ فقال أبو بكر: أسندوني وكان مستلقيا. فأسندوه فقال لطلحة: أبالله تخوفني إذا

قال لي ذلك غدا قلت له: وليت عليهم خير أهلك [166] . وإذا كان المؤرخون يتفقون علي استخلاف أبي بكر لعمر بدون استشارة الصحابة فلنا إن نقول بأنه استخلفه رغم أنف الصحابة وهم له كارهون وسواء أقال ابن قتيبة، دخل عليه المهاجرون والأنصار فقال: قد علمت بواثقه فينا، أو كما قال الطبري دخل عليه قوم من الصحابة منهم [ صفحه 215] طلحة فقال له: ما أنت قائل لربك وقد وليت علنيا فظا غليظا تفرق منه النفوس وتنفض عنه القلوب فالنتيجة واحدة وهي أن الصحابة لم يكن أمرهم شوري ولم يكونوا راضين عن استخلاف عمر وقد فرضه عليهم أبو بكر فرضا بدون استشارتهم والنتيجة هي التي تنبأ بها الإمام علي عندما شدد عليه عمر بن الخطاب ليبايع أبا بكر فقال له: أحلب حلبا لك شطره واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا. وهذا بالضبط ما قاله أحد الصحابة لعمر بن الخطاب عندما خرج بالكتاب الذي فيه عهد الخلافة: فقال له ما في الكتاب يا أبا حفص؟ قال: لا أدري، ولكني أول من سمع وأطاع. فقال الرجل: لكني والله أدري ما فيه، أمرته عام أول، وأمرك العام [167] . وبهذا يتبين لنا بوضوح لا شك فيه بأن مبدأ الشوري الذي يطبل له أهل السنة لا أساس له عند أبي بكر وعمر أو بتعبير آخر أن أبا بكر هو أول من هدم هذا المبدأ وألغاه وفتح الباب أمام الحكام من بني أمية أن يعيدوها ملكية قيصرية يتوارثها الأبناء عن الآباء، وكذلك فعل بنو العباس من بعدهم وبقيت نظرية الشوري حلما يراود أهل السنة والجماعة لم ولن يتحقق. وهذا يذكرني بمحاورة دارت بيني وبين عالم من علماء الوهابية السعوديين

في مسجد نيروبي بكينيا، علي مشكلة الخلافة وكنت من أنصار النص علي الخليفة وأن الأمر كله لله يجعله حيث يشاء ولا دخل لاختيار الناس في ذلك. وكان هو من أنصار الشوري ويدافع عنها دفاعا مستميتا وكان حوله مجموعة من الطلبة الذين يأخذون العلم عنه وهم يؤيدونه في كل ما يقول بدعوي أن حجته من القرآن الكريم إذ يقول تعالي لرسوله صلي الله عليه وآله وسلم: وشاورهم في الأمر ويقول: وأمرهم شوري بينهم. [ صفحه 216] ولما عرفت أنني مقهور مع هؤلاء لأنهم تعلموا من أستاذهم كل الأفكار الوهابية، كما عرفت أنهم غير قابلين للاستماع إلي الأحاديث الصحيحة وهم يتشبثون ببعض الأحاديث التي يحفظونها وأغلبها من الموضوعات، عند ذلك استسلمت لمبدأ الشوري وقلت لهم ولأستاذهم. هل لكم أن تقنعوا حكومة جلالة الملك عندكم بمبدأ الشوري حتي يتنازل عن عرشه ويقتدي بسلفكم الصالح ويترك للمسلمين في الجزيرة العربية حرية اختيار رئيسا لهم وما أظنه يفعل ذلك فآباؤه وأجداده لم يملكوا الخلافة فحسب بل والجزيرة العربية أيضا أصبحت من ممتلكاتهم حتي أطلقوا علي أرض الحجاز كلها أسم المملكة السعودية. وعندئذ تكلم سيدهم العالم ليقول: نحن لا شغل لنا في السياسة، ونحن في بيت الله الذي أمر أن يذكر فيه أسمه وأن تقام فيه الصلوات. قلت: وكذلك لطلب العلم، قال: نعم وهو كذلك نحن نعلم الشباب هنا - قلت: كنا في بحث علمي! قال: لقد أفسدته بالسياسة. خرجت مع مرافقي وأنا أتحسر علي شباب المسلمين الذين استولت الوهابية علي أفكارهم بكل الطرق فأصبحوا حربا علي آبائهم، وكلهم من معتنقي المذهب الشافعي وهو أقرب المذاهب إلي أهل البيت علي ما أعتقد. وكان للشيوخ احترام ووقار لدي المثقفين وغير المثقفين باعتبار

أن أغلبهم من السادة المنحدرين من السلالة الطاهرة، فجاء الوهابيون للشباب واستغلوا فقرهم فأغروهم بالأموال والإمكانيات المادية، وقلبوا نظرتهم بأن ما يفعلونه من احترام للسادة هو شرك بالله لأنه تقديس للبشر، فأصبح الأبناء نقمة علي الآباء. وهذا ما يحدث في كثير من البلدان الإسلامية في أفريقيا. للأسف. ونعود لوفاء أبي بكر لنجد أنه وقبل موته ندم علي ما اقترفت يداه، فقد نقل ابن قتيبة في تاريخ الخلفاء قوله: أجل والله ما آسي إلا علي ثلاث [ صفحه 217] فعلتهن ليتني كنت تركتهن - فليتني تركت بيت علي وفي رواية لم أكشف بيت فاطمة عن شئ وإن كانوا قد أعلنوا علي الحرب، وليتني يوم سقيفة بني ساعدة كنت ضربت علي يد أحد الرجلين أبي عبيدة أو عمر فكان هو الأمير وكنت أنا الوزير، وليتني حين أتيت ذي الفجاءة والسلمي أسيرا أني قتلته ذبيحا أو أطلقته نجيحا ولم أكن أحرقته بالنار [168] . ونحن نضيف، ليتك يا أبا بكر لم تظلم الزهراء ولم تؤذها ولم تغضبها وليتك ندمت قبل موتها وأرضيتها، هذا بخصوص بيت علي الذي كشفته وأبحت حرقه. أما بخصوص الخلافة فليتك تركت صاحبيك وعضديك أبا عبيدة وعمر وضربت علي يد صاحبها الشرعي الذي استخلفه صاحب الرسالة فكان هو الأمير. إذا لكان العالم اليوم غير ما نشاهده ولكان دين الله هو الذي يسود الكرة الأرضية، كما وعد الله ووعده حق. وأما بخصوص الفجاءة السلمي الذي أحرقته بالنار، فيا ليتك لم تحرق السنن النبوية التي جمعتها ولكنت تعلمت منها الأحكام التشريعية الصحيحة وما التجأت إلي الاجتهاد بالرأي. وخيرا وأنت علي فراش الموت ليتك إذا فكرت في الاستخلاف أرجعت الحق إلي نصابه إلي من كان محله منها محل

القطب من الرحي فأنت أعلم الناس بفضله وفضائله وزهده وعلمه وتقواه وأنه كان كنفس النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وخصوصا أنه سلم لك الأمر ولم يناجزك حفاظا علي الإسلام، فكان حريا بك أن تنصح لأمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم وتختار لها من يصلح شأنها ويلم شعثها ويوصلها إلي ذروة المجد. [ صفحه 218] وندعو الله سبحانه وتعالي أن يغفر لك ذنوبك ويرضي عنك فاطمة وأباها وزوجها وبنيها فقد أغضبت بضعة المصطفي والله يغضب لغضبها ويرضي لرضاها. كما وأن من من آذي فاطمة فقد آذي أباها بنص حديثه صلي الله عليه وآله وسلم والله تعالي يقول والذين يؤذون رسول الله لهم لهم عذاب أليم. ونعوذ بالله من غضب الله ونسأله أن يرضي عنا وعن جميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.

عمر بن الخطاب يعارض كتاب الله باجتهاده

إن للخليفة الثاني عمر تاريخا حافلا من اجتهاده مقابل النصوص الصريحة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. وأهل السنة يجعلون ذلك من مفاخرة ومناقبه التي يمدحونه لأجلها والمنصفون منهم يلتمسون لذلك أعذارا وتأويلات باردة لا يقبلها عقل ولا منطق. وإلا كيف يكون من عارض كتاب الله وسنة نبيه من المجتهدين، والله يقول: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا [الأحزاب: 36]. وقال عز من قائل: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون [المائدة: 44 - 45 - 47]. وأخرج البخاري في صحيحه كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة في باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس ولا

تقف ولا تقل ما ليس لك به علم. قال النبي صلي الله عليه وسلم إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاهموه انتزاعا ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقي ناس جهال يستفتون [ صفحه 219] فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون [169] . كما أخرج البخاري في صحيحه من نفس الكتاب في الباب الذي يليه ما كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يسئل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول: لا أدري، أو لم يجب حتي ينزل عليه الوحي ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالي: بما أراك الله [170] . وقد قال العلماء قديما وحديثا قولا واحدا: أنه من قال في كتاب الله برأيه فقد كفر - وهذا بديهي من خلال الآيات المحكمات ومن خلال أقوال وأفعال الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. فكيف تنسي هذه القاعدة إذا ما تعلق الأمر بعمر بن الخطاب أو بأحد الصحابة أو أحد أئمة المذاهب الأربعة، فيصبح القول بالرأي في معارضة أحكام الله اجتهادا يؤجر عليه صاحبه أجرا واحدا إن أخطأ وأجران إن أصاب. ولقائل أن يقول: إن هذا ما اتفقت عليه الأمة الإسلامية قاطبة سنة وشيعة للحديث النبوي الشريف الوارد عندهم. أقول: هذا صحيح ولكن اختلفوا في موضوع الاجتهاد، فالشيعة يوجبون الاجتهاد في ما لم يرد بشأنه حكم من الله أو من رسوله صلي الله عليه وآله وسلم. أما أهل السنة فلا يتقيدون بهذا، واقتداء بالخلفاء والسلف الصالح عندهم لا يرون بأسا في الاجتهاد مقابل النصوص، وقد أورد العلامة السيد شرف الدين الموسوي في كتابه النص والاجتهاد أكثر من مائة مورد خالف فيه الصحابة وعلي رأسهم الخلفاء الثلاثة، النصوص الصريحة من القرآن والسنة، فعلي الباحثين مطالعة ذلك

الكتاب. [ صفحه 220] وما دمنا في هذا الموضوع بالذات فلا بد لنا من إيراد بعض النصوص التي خالف فيها عمر صريح النص، وذلك إما جهلا منه بالنصوص، وهذا أمر عجيب لأن الجاهل ليس له أن يحكم فيحلل ويحرم من عند نفسه، قال تعالي: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب، هذا حلال وهذا حرام، لتفتروا علي الله الكذب، إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون [النحل: 116]. وليس للجاهل أن يتقلد منصب الخلافة لقيادة أمة بأكملها قال تعالي: أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي ما لكم كيف تحكمون [يونس: 35]. وإما أنه لا يجهل النصوص ويعرفها ولكنه يتعمد الاجتهاد لمصلحة اقتضاها الحال حسب رأيه الشخصي. لا يعد أهل السنة هذا كفرا ومروقا، كما لا بد أن يكون جاهلا بوجود من يعرف الأحكام الصحيحة من معاصريه. وهذا باطل لمعرفته بإلمام علي عليه السلام بالكتاب والسنة إلماما تاما وإلا لما استفتاه في كثير من المعضلات حتي قال فيه: لولا علي لهلك عمر، فلماذا يا تري لم يستفته في المسائل التي اجتهد فيها برأيه الذي يعرف قصوره؟ وأعتقد بأن المسلمين الأحرار يوافقون علي هذا لأن هذا النوع من الاجتهاد هو الذي أفسد العقيدة وأفسد الأحكام وعطلها وتسبب في اختلاف علماء الأمة وتفريقها إلي الفرق والمذاهب المتعددة ومن ثم النزاع والخصام، فالفشل وذهاب الريح والتخلف المادي والروحي. ولنا أن نتصور حتي بوجود أبي بكر وعمر علي منصة الخلافة وإزاحة صاحبها الشرعي، نتصور لو أن أبا بكر وعمر جمعا السنن النبوية وحفظاها في كتاب خاص بها لوفرا علي أنفسهما وعلي الأمة الخير العميم ولما دخلت في السنة النبوية ما ليس منها ولكان

الإسلام بكتابه وسنته واحدا، [ صفحه 221] ملة واحدة وأمة واحدة وعقيدة واحد ولكان لنا اليوم كلام غير هذا. أما وأن السنن قد جمعت وأحرقت ومنعت من التدوين ومن النقل حتي شفويا فهذه هي الطامة الكبري وهذه هي البائقة العظمي فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وإليك بعض النصوص الصريحة التي اجتهد فيها عمر بن الخطاب في مقابل القرآن. (أ) يقول القرآن: وإن كنتم جنبا فاطهروا، وإن كنتم مرضي أو علي سفر، أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا [المائدة: 6]. والمعروف في السنة النبوية بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علم الصحابة كيفية التيمم وبحضور عمر نفسه. أخرج البخاري في صحيحه في كتاب التيمم في باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه عن الماء. قال: عن عمران قال: كنا في سفر مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم وإنا أسرينا حتي إذا كنا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا. وقعة أحلي عند المسافر منها. فما أيقظنا إلا حر الشمس، وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان يسميهم أبو رجاء فنسي عوف ثم عمر بن الخطاب الرابع وكان النبي صلي الله عليه وآله وسلم إذا نام لم يوقظ حتي يكون هو يستيقظ لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه، فلما استيقظ عمر ورأي ما أصاب الناس وكان رجلا جليدا فكبر ورفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتي استيقظ بصوته النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم، قال: لا خير ولا يضير ارتحلوا، فارتحل فسار غير بعيد ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة فصلي بالناس

فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم. قال: ما منعك يا فلان [ صفحه 222] أن تصلي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء! قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك [171] . ولكن عمر يقول معارضة لكتاب الله وسنة رسوله من لم يجد الماء لا يصل.. وهذا مذهبه سجله عليه أغلب المحدثين. فقد أخرج مسلم في صحيحه ج 1 من كتاب الطهارة باب التيمم أن رجلا أتي عمر فقال إني أجنبت فلم أجد ماء فقال: لا تصل فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم إنما كان يكفيك أن نضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك، فقال عمر: اتق الله يا عمار! قال: إن شئت لم أحدث به [172] . سبحانه الله! لم يكتف عمر بمعارضته للنصوص الصريحة من الكتاب والسنة حتي يحاول منع الصحابة من معارضته في رأيه. ويضطر عمار بن ياسر أن يعتذر للخليفة بقوله: إن شئت لم أحدث به وكيف لا أعجب ولا تعجبون من هذا الاجتهاد وهذه المعارضة وهذا الإصرار علي الرأي رغم شهادة الصحابة بالنصوص فإن عمر لم يقتنع إلي أن مات وهو مصر علي هذا الاعتقاد وقد أثر مذهبه هذا في كثير من الصحابة الذين كانوا يرون رأيه - بل ربما كانوا يقدمونه علي رأي رسول الله فقد أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الطهارة باب التيمم من جزئه الأول صفحة 192 قال: عن شقيق: كنت جالسا مع عبد الله وأبي موسي فقال أبو موسي: يا أبا

عبد الرحمن أرأيت لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا كيف يصنع بالصلاة؟ فقال عبد الله: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرا! فقال أبو موسي: فكيف بهذه الآية في سورة المائدة: فلم تجدوا ماء [ صفحه 223] فتيمموا صعيدا طيبا فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذه الآية لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد. فقال أبو موسي لعبد الله: ألم تسمع قول عمار: بعثني رسول الله صلي الله عليه وآله ولم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال علي اليمين وظاهر كفيه ووجهه. فقال عبد الله: أو لم تر عمر لم يقنع بقول عمار [173] ونحن إذا تأملنا في هذه الرواية التي أثبتها البخاري ومسلم وغيرهم من الصحاح نفهم من خلالها مدي تأثير مذهب عمر بن الخطاب علي الكثير من كبار الصحابة ومن هذا نفهم أيضا مدي تناقض الأحكام، وتهافت الروايات وتضاربها، ولعل ذلك هو الذي يفسر استخفاف الحكام الأمويين والعباسيين بالأحكام الإسلامية ولا يقيمون لها وزنا، ويسمحون بتعدد المذاهب المتعارضة في الحكم الواحد ولسان حالهم يقول لأبي حنيفة ومالك وأحمد والشافعي: قولوا ما شئتم بآرائكم فإذا كان سيدكم وإمامكم عمر يقول برأيه ما شاء [174] مقابل القرآن والسنة فلا لوم عليكم فما أنتم إلا تابعون وأتباع التابعين ولستم مبتدعين. والأعجب من كل ذلك قول عبد الله بن مسعود لأبي موسي: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرا. وعبد الله بن مسعود من أكابر الصحابة يري أن المجنب

إذا لم يجد الماء يترك الصلاة شهرا كاملا ولا يتيمم ويبدو أن أبا موسي حاول إقناعه بالآية الكريمة النازلة بخصوص هذا الموضوع في سورة [ صفحه 224] المائدة، فأجابه بأنه: لو رخص لهم في هذه الآية لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد. ومن هذا نفهم أيضا كيف يجتهدون في النصوص القرآنية علي حسب ما يرونه، وما يرونه مع الأسف هو الشدة والتعسير علي الأمة في حين يقول الله: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [البقرة: 185]. يقول هذا المسكين: لو رخص لهم في هذه الآية لأوشك إذا برد الماء أن يتيمموا. فهل وضع نفسه مبلغا عن الله ورسوله؟ وهل هو أحرص وأرأف علي العباد من خالقهم ومربيهم؟ وبعد ذلك يحاول أبو موسي أن يقنعه بالسنة النبوية التي رواها عمار وكيف علمه رسول الله التيمم. فيرد عبد الله هذه السنة النبوية المشهورة بأن عمر بن الخطاب لم يقنع بقول عمار! ومن هنا نفهم أن قول عمر بن الخطاب هو الحجة المقنعة لدي بعض الصحابة وأن قناعة عمر بالحديث أو الآية هي المقياس الوحيد لصحة الحديث أو لمفهوم الآية وإن تعارض مع أقوال وأفعال الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. ولذلك نجد أن كثيرا من أفعال الناس اليوم تتناقض مع القرآن والسنة سواء في الحلية والحرمة، لأن اجتهاد عمر في مقابل النصوص أصبح مذهبا متبعا ولما رأي بعض المتزلفين ومن لهم دراية بأن الأحاديث التي منعت في عهد الخلفاء، قد دونت فيما بعد وسجلها الرواة والحفاظ وهي تتعارض مع مذهب عمر بن الخطاب، اختلقوا روايات أخري من عندهم ونسبوها إلي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ليؤيدوا بها مذهب أبي حفص كمسألة زواج

المتعة وصلاة التراويح وغيرها فجاءت الروايات متناقضة وبقيت حتي اليوم محل خلاف بين المسلمين وستبقي ما دام هناك من يدافع عن عمر لأنه عمر - ولا يريد البحث من أجل الحق وأن تقول لعمر أخطأت يا عمر فإن الصلاة لا تسقط بفقدان الماء. وأن [ صفحه 225] هناك آية التيمم مذكورة في كتاب الله وهناك حديث التيمم مذكور في كل كتب السنة فجهلك بهما لا يسمح لك باعتلاء منصة الخلافة ولا قيادة أمة وعلمك بهما يكفرك إذا عارضت أحكامهما فما كان لك إن كنت مؤمنا، إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لك الخيرة. فتحكم بما تشاء وترد ما تشاء وأنت أعلم مني بأن من يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا. (ب) قال الله تعالي: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، وفريضة من الله والله عليم حكيم [التوبة: 60]. وكان من السنة النبوية المعروفة أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يخص المؤلفة قلوبهم بسهمهم الذي فرضه الله لهم كما أمره الله تعالي ولكن عمر بن الخطاب أبطل هذا العطاء المفروض في خلافته واجتهد مقابل النص وقال لهم: لا حاجة لنا بكم فقد أعز الله الإسلام وأغني عنكم. بل لقد عطل هذا الحكم في خلافة أبي بكر إذ جاءه المؤلفة قلوبهم جريا علي عادتهم مع رسول الله فكتب لهم أبو بكر بذلك فذهبوا إلي عمر ليأخذوا نصيبهم - فمزق عمر الكتاب وقال لهم: لا حاجة لنا بكم فقد أعز الله الإسلام وأغني عنكم فإن أسلمتم وإلا فالسيف بيننا وبينكم، فرجعوا إلي أبي بكر فقالوا: أأنت الخليفة أم هو؟ فقال: بل هو إن شاء

الله. وتراجع أبو بكر فيما كتب موافقا لرأي صاحبه عمر [175] . والعجيب أيضا أنك تجد حتي اليوم من يدافع عن عمر في هذه القضية ويعتبرها من مناقبه وعبقرياته ومن هؤلاء الشيخ محمد المعروف بالدواليبي إذ يقول في كتابه أصول الفقه في ص 239: ولعل اجتهاد عمر رضي الله عنه في قطع العطاء الذي جعله القرآن الكريم للمؤلفة قلوبهم كان في مقدمة الأحكام التي قال بها عمر تبعا لتغير المصلحة بتغير الأزمان [ صفحه 226] رغم أن النص القرآني في ذلك لا يزال ثابتا غير منسوخ. ثم أخذ بعد ذلك يعتذر لعمر بأنه نظر إلي علة النص لا إلي ظاهره. إلي آخر كلامه الذي تفهمه العقول السليمة، ونحن نقبل شهادته بأن عمر غير الأحكام القرآنية تبعا لرأيه بأن المصلحة تتغير بحسب الأزمان. ونرفض تأويله بأن عمر نظر إلي علة النص ولم ينظر إلي ظاهره ونقول له ولغيره بأن النصوص القرآنية والنصوص النبوية لا تتغير بتغير الأزمان، فالقرآن صريح بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نفسه ليس من حقه أن يبدل قال تعالي: وإذا تتلي عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقائي نفسي إن أتبع إلا ما يوحي إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم [يونس: 15]. والسنة النبوية الطاهرة تقول: حلال محمد حلال إلي يوم القيامة وحرامه حرام إلي يوم القيامة. ولكن علي زعم الدواليبي ومن يري رأيه من أنصار الاجتهاد فإن الأحكام تتغير بتغير الزمان ولا لوم إذن علي بعض الحكام الذين غيروا أحكام الله بأحكام الشعب وبأحكام وضعية اقتضتها مصالحهم وهي مخالفة لأحكام الله

فمنهم من قال: أفطروا لتقووا علي عدوكم ولا حاجة بالصوم في الوقت الحاضر الذي نجاهد فيه التخلف والفقر والجهل. والصوم يقعدنا عن الإنتاج ومنع تعدد الزوجات لأنه يري في ذلك ظلما وتعديا علي حقوق المرأة وقال: بأن في زمن محمد كانت المرأة تعتبر شقفة بول أما الآن فقد حررناها وأعطيناها حقوقها كاملة. ونظر هذا الرئيس إلي النص من حيث العلة ولم ينظر إلي ظاهره كما نظر عمر فقال: إن الميراث يجب أن يقسم الآن للذكر والأنثي علي حد سواء، لأن الله أعطي للرجل سهمين باعتبار أنه هو الذي يعول الأسرة في حين كانت المرأة معطلة، أما اليوم وبفضل جهود فخامته أصبحت المرأة تشتغل وتعول أسرتها وضرب للشعب مثلا بزوجته التي أنفقت علي أخيها [ صفحه 227] وأصبح وزيرا بفضلها وعنايتها. كما وأنه أباح الزنا واعتبره حقا شخصيا لمن بلغ سن الرشد ما لم يكن غصبا أو حرفة للعيش، وفتح دورا لحضانة الأطفال الذين يولدون من الزنا معللا ذلك بأنه رحيم بأولاد الزنا الذين كانوا يدفنون أحياء خوف العار والفضيحة، إلي غير ذلك من اجتهاداته المعروفة والغرب أن هذا الرئيس كان لحد ما معجبا بشخصية عمر فقد ذكره مرة بإعجاب وذكره مرة بأنه لم يتحمل المسؤولية حيا وميتا بينما هو الرئيس سيتحملها حيا وميتا، ومرة أخري وكأنه بلغه بأن المسلمين انتقدوا اجتهاداته فقال: إن عمر بن الخطاب كان من أول وأكبر المجتهدين في عصره فلماذا لا أجتهد أنا في عصري الجديد فقد كان عمر رئيس دولة وأنا أيضا رئيس دولة. والأغرب أن هذا الرئيس كان عندما يذكر محمد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تري في كلامه سخرية واستهزاء فقد قال في خطابه بأن محمدا

كان لا يعرف حتي الجغرافيا فقد قال: أطلبوا العلم ولو كان في الصين ظنا منه بأن الصين هي آخر الدنيا، فما كان محمد يتصور بأن العلم سيصل إلي هذه الدرجة وأن أطنانا من الحديد ستطير في الهواء فما بالك لو قيل له أو حدثوه عن الأورانيوم - والبوتاسيوم والعلوم الذرية والأسلحة النووية. هذا ولا ألوم شخصيا هذا المسكين الذي ما فهم من كتاب الله وسنة رسوله شيئا ووجد نفسه يوما يحكم دولة باسم الإسلام وهو يسخر من الإسلام ويجري وراء الحضارة الغربية ويريد أن يصنع من بلاده دولة أوروبية متطورة بالمفهوم الذي يراه هو. وقد حذا حذوه كثير من الرؤساء والملوك لما حصل عليه من تأييد الدول الغربية واللائكية ومدحهم وإطرائهم له، حتي لقبوه بالمجاهد الأكبر ثم لا ألومه فالشئ من مأتاه لا يستغرب وكل إناء بالذي فيه ينضح وإذا كنت منصفا فسألقي باللوم علي أبي بكر وعمر وعثمان الذين فتحوا هذا الباب من يوم وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وتسببوا في كل الاجتهادات التي دأب عليها الحكام الأمويون والعباسيون وما [ صفحه 228] أكثرهم، سبع قرون خلت وكلها طمس لحقائق الإسلام بنصوصه وأحكامه واستفحل الأمر في القرون التي أعقبتها، حتي وصل الأمر بأن يخطب الرئيس أمام شعبه المسلم مستهزئا برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولا ينكر عليه أحد لا في الداخل ولا في الخارج. وهذا ما قلته وما أقواله لبعض الإخوة من الحركة الإسلامية: إن كنتم تنكرون اليوم علي الرئيس عدم اتباع النصوص القرآنية والسنة النبوية فواجب عليكم أن تنكروا علي من سن هذه البدعة في الاجتهاد مقابل النصوص، إن كنتم منصفين وتريدون فعلا اتباع الحق. فلا يقبلون مني هذا

الكلام ويعيبون علي كيف أقارن الرؤساء اليوم بالخلفاء الراشدين، وأجيبهم بأن الرؤساء اليوم وملوك اليوم هم النتيجة الحتمية لما وقع في التاريخ، ومتي كان المسلمون يوما أحرارا منذ وفاة الرسول وحتي اليوم؟ فيقولون أنتم الشيعة تفترون وتشتمون الصحابة، ولو وصلنا يوما إلي الحكم فسنحرقكم بالنار، فأقول: لا أراكم الله ذلك اليوم. (ت) قال الله تعالي: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به، تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون، فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتي تنكح زوجا غيره، فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون [البقرة: 230]. والسنة النبوية الشريفة فسرت بغير لبس بأن المرأة لا تحرم علي زوجها إلا بعد ثلاثة تطليقات ولا يحق لزوجها أن يراجعها إلا بعد أن تنكح زوجا آخر فإذا طلقها هذا الأخير عند ذلك يمكن لزوجها أن يتقدم لخطبتها [ صفحه 229] من جديد كبقية الرجال وعليها أن تقبل أو ترفض فالخيرة لها. ولكن عمر بن الخطاب وكعادته تخطي حدود الله التي بينها لقوم يعلمون فأبدل هذا الحكم بحكمه الذي يقول طلقة واحدة فعلية بلفظ الثلاثة تحرم علي الزوج زوجه. وخالف بذلك القرآن الكريم والسنة النبوية. فقد جاء في صحيح مسلم في كتاب الطلاق باب طلاق الثلاث عن ابن عباس قال: كان الطلاق علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاثة واحدة، فقال عمر

بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم. عجبا والله كيف يجرؤ الخليفة علي تغيير أحكام الله بمحضر من الصحابة فيوافقون علي كل ما يقول وما يفعل ولا من منكر ولا من معارض، ويموهون علينا نحن المساكين بأن أحد الصحابة قال لعمر: والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بحد السيف فهذا زور من القول وبهتان ليتشدقوا بأن الخلفا كانوا المثل الأعلي في الحرية والديمقراطية والتاريخ يكذبهم بواقعه العملي ولا عبرة بالأقوال إذا كانت الأعمال علي نقيضها. أو لعلهم كانوا يرون الاعوجاج في الكتاب والسنة وأن عمر بن الخطاب هو الذي قومها وأصلحها. نعوذ بالله من الهذيان. وكنت في مدينة قفصة كثيرا ما أفتي للرجال الذين حرموا نساءهم بكلمة: أنت حرام بالثلاث، ويفرحون عندما أعرفهم بأحكام الله الصحيحة التي لم يتصرف فيها الخلفاء باجتهاداتهم. ولكن من يدعون العلم يخوفونهم بأن الشيعة عندهم كل شئ حلال وأتذكر بأن أحدهم جادلني مرة بالحسني وسألني: إذا كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدل حكم الله في هذه القضية وفي غيرها ووافق الصحابة علي ذلك فلماذا لم يعارض سيدنا علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه ولم ينكر علي سيدنا عمر؟ وأجبته بجواب الإمام علي [ صفحه 230] عليه السلام عندما قالت قريش بأنه رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب - فقال: لله أبوهم! وهل أحد منهم أشد لها مراسا، وأقدم فيها مقاما مني! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنذا قد ذرفت علي الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع. (الخطبة 27 من نهج البلاغة). نعم وهل استمع المسلمون لرأي علي، غير شيعته الذين آمنوا

بإمامته فقد عارض تحريم المتعة وعارض بدعة التراويح وعارض كل الأحكام التي غيرها أبو بكر وعمر وعثمان ولكن بقيت آراؤه محصورة في أتباعه وشيعته، أما غيرهم من المسلمين فقد حاربوه ولعنوه وحاولوا جهدهم القضاء عليه ومحو ذكره، ولا أدل علي معارضته من موقفه العظيم البطولي عندما دعاه عبد الرحمن بن عوف الذي رشحوه لاختيار الخليفة بعد موت عمر فاشترط عليه - بعد أن اختاره ليكون هو الخليفة - أن يحكم فيها بسنة الخليفتين أبو بكر وعمر، فرفض علي عليه السلام هذا الشرط وقال: أحكم بكتاب الله وسنة رسوله. وعلي هذا تركوه واختاروا عثمان بن عفان الذي قبل شرط الحكم بسنة الخليفتين فإذا كان علي عليه السلام لا يقدر علي معارضة أبي بكر وعمر وهما ميتان فكيف يعارضهما وهما علي قيد الحياة؟؟ ولذلك تري اليوم بأن باب مدينة العلم الذي كان أعلم الناس بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأقضاهم وأحفظهم لكتاب الله وسنة رسوله، متروكا عند أهل السنة والجماعة، فيقتدون بمالك وأبي حنيفة والشافعي وابن حنبل ويقلدونهم في كل أمور الدين من العبادات والمعاملات ولا يرجعون في شئ للإمام علي وكذلك فعل أئمتهم في الحديث كالبخاري ومسلم فتراهم يروون عن أبي هريرة وعن ابن عمر وعن الأقرع والأعرج وعن كل قريب وبعيد مئات الأحاديث ولا يروون عن علي إلا بضعة أحاديث مكذوبة عليه وفيها مس بكرامة أهل البيت. ثم هم لا يكتفون بذلك فيستنكرون ويكفرون من قلده، واقتدي به من شيعته المخلصين وينبزونهم بالروافض [ صفحه 231] وبكل ما يشين، والحقيقة أن هؤلاء ليس لهم ذنب إلا أنهم اقتدوا بعلي الذي كان منبوذا ومبعدا في عهد الخلفاء الثلاثة، ثم هو ملعون ومحارب في

عهد الأمويين والعباسيين، وكل من له إلمام ومعرفة بالتاريخ سيدرك هذه الحقيقة واضحة جلية، وسيفهم الخلفيات والمؤامرات التي حيكت ضده وضد أهل بيته وشيعته.

عثمان بن عفان يتبع سنة صاحبيه في مخالفة النصوص

لعل عثمان بن عفان عندما عاهد عبد الرحمن بن عوف غداة بيعته بالخلافة أن يحكم فيهم بسنة الخليفتين أبي بكر وعمر، كان يرمي بأنه سيجتهد كما اجتهد ويغير النصوص القرآنية والنصوص النبوية كما كانا يفعلان ومن تتبع سيرته أيام خلافته يجده قد ذهب أشواطا بعيدة في الاجتهاد حتي أنسي الناس اجتهادات صاحبيه أبي بكر وعمر، وأنا لا أريد الإطالة في هذا الموضوع الذي ملأ كتب التاريخ قديما وحديثا وما أحدثه عثمان من أمور غريبة سببت الثورة عليه وأودت بحياته ولكني سأقتصر علي بعض الأمثلة الوجيزة كالعادة ليتبين للقارئ ولكل باحث ما أحدث أنصار الاجتهاد في دين محمد صلي الله عليه وآله وسلم. (أ) أخرج مسلم في صحيحه في كتاب صلاة المسافرين عن عائشة قالت: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ثم أتمها في الحضر، فأقرت صلاة السفر علي الفريضة الأولي. كما أخرج مسلم في صحيحه في نفس الكتاب المذكور أعلاه، عن يعلي بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب، ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا، فقد أمن الناس! فقال: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته. [ صفحه 232] كما أخرج مسلم في صحيحه في كتاب صلاة المسافرين وقصرها عن ابن عباس، قال: فرض الله الصلاة علي لسان نبيكم صلي الله عليه وآله وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة. كما أخرج مسلم في صحيحه

عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلي ركعتين. وعنه أيضا قال: خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم من المدينة إلي مكة فصلي ركعتين ركعتين حتي رجع، قلت: كم أقام بمكة؟ قال: عشرا. ومن خلال هذه الأحاديث التي أخرجها مسلم في صحيحه يتبين لنا بأن الآية الكريمة التي نزلت بخصوص تقصير الصلاة في السفر فهم منها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وفسرها قولا وعملا بأنها رخصة تصدق الله بها علي المسلمين ويجب قبولها. وبهذا تبطل دعوي الدواليبي ومن كان علي شاكلته في التماس العذر لعمر وتصحيح أخطائه بأنه نظر إلي علة الحكم ولم ينظر إلي ظاهره، لأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علمه بمناسبة نزول آية قصر الصلاة عندما تعجب عمر، بأن النصوص الثابتة لا تتوقف علي علتها وبذلك تقصر الصلاة في السفر ولو أمن الناس ولم يخافوا أن يفتنهم الذين كفروا. ولكن عمر له رأي آخر غير الذي يرتئيه الدواليبي وعلماء أهل السنة بحسن ظنهم. ولننظر إلي عثمان بن عفان فلا بد له هو الآخر أن يجتهد في النصوص القرآنية والنبوية حتي يلحق بركب الخلفاء الراشدين، فما أن استتب له الأمر حتي أتم الصلاة في السفر وأبدلها بأربع ركعات عوض ركعتين. وكم بقيت أتساءل عن السبب في تغيير هذه الفريضة والزيادة فيها وما [ صفحه 233] هي الدوافع لذلك ولم أر إلا أنه أراد أن يوهم الناس وبالخصوص بني أمية بأنه أبر وأتقي لله من محمد وأبي بكر وعمر. فقد أخرج مسلم في صحيحه في باب صلاة المسافرين وقصر الصلاة بمني قال: عن سالم

بن عبد الله عن أبيه عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنه صلي صلاة المسافر بمني وغيره ركعتين، وأبو بكر وعمر وعثمان ركعتين صدرا من خلافته ثم أتمها أربعا. كما جاء في صحيح مسلم أيضا أن الزهري قال قلت لعروة: ما بال عائشة تتم في السفر؟ قال: إنها تأولت كما تأول عثمان. - وهكذا يصبح دين الله بأحكامه ونصوصه خاضعا لتأول المتأولين وتفسير المفسرين. (ب) كما أن عثمان اجتهد برأيه لتأييد ما ذهب إليه عمر من تحريم متعة الحج أيضا كما حرم متعة النساء. فقد أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الحج في باب التمتع والإقران، عن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعليا رضي الله عنهما وعثمان ينهي عن المتعة وأن يجمع بينهما فلما رأي علي أهل بهما لبيك بعمرة وحجة وقال: ما كنت لأدع سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم لقول أحد. وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب الحج باب جواز التمتع عن سعيد بن المسيب قال: اجتمع علي وعثمان رضي الله عنهما بعسفان فكان عثمان ينهي عن المتعة أو العمرة فقال علي: ما تريد إلي أمر فعله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تنهي عنه؟ فقال عثمان: دعنا منك، فقال: إني لا أستطيع أن أدعك فلما رأي علي ذلك أهل بهما جميعا. نعم هذا هو علي بن أبي طالب سلام الله عليه، فما كان ليدع سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم لقول أحد من الناس والرواية الثانية تفيدنا بأن شجارا دار بين علي وعثمان وقول عثمان لعلي دعنا منك، فيه ما فيه من [ صفحه 234] مخالفته في كل شئ وعدم اتباعه فيما يرويه عن ابن عمه

صلي الله عليه وآله وسلم. كما أن الرواية مبتورة إذا تقول: فقال علي إني لا أستطيع أن أدعك فلما رأي علي ذلك ما هو الذي رآه علي؟ لا شك أن الخليفة ورغم تذكير علي له بالسنة النبوية أصر علي رأيه في مخالفتها ومنع الناس من التمتع عند ذلك خالفه علي وأهل بهما جميعا يعني الحج والعمرة. (ت) كما أن عثمان بن عفان اجتهد أيضا أجزاء الصلاة فكان لا يكبر في السجود ولا في الرفع منه. فقد روي الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: 4 / 440 عن عمران بن حصين قال: صليت خلف علي صلاة ذكرتني بصلاة صليتها مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والخليفتين، قال: فانطلقت فصليت معه فإذا هو يكبر كلما سجد ورفع رأسه من الركوع فقلت: يا أبا نجيد من أول من تركه؟ قال: عثمان رضي الله عنه حين كبر وضعف صوته تركه. نعم هكذا تضيع السنن النبوية وتتبدل بسنن خلفائية وسنن ملوكية وسنن صحابية وسنن أموية وسنن عباسية وكلها بدع مبتدعة في الإسلام، فكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار كما قال صاحب الرسالة عليه وآله أفضل الصلاة وأزكي السلام. ولذلك فأنت تري اليوم أشكالا وألوانا في صلاة المسلمين وتحسبهم جميعا وقلوبهم شتي لأنهم يصطفون للصلاة صفا واحدا فتري هذا سادل يديه وذاك قابض وآخر له شكلا خاصا في القبض فهو يضع يديه فوق السرة وذاك يضعها قرب قلبه.. واحد جامع بين قدميه وآخر مفرق بينهما - وكل واحد يعتقد بأنه هو الحق، وإذا ما تكلمت في ذلك فسيقال لك: يا أخي إنها شكليات فلا تهتم بها وصل كما تريد فالمهم هو أن تصلي. [ صفحه 235] نعم هذا

صحيح إلي حد ما فالمهم هي الصلاة ولكن يجب أن تكون صلاة مطابقة لصلاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقد قال: صلوا كما رأيتموني أصلي، فعلينا أن نجتهد في البحث عن صلاته صلي الله عليه وآله وسلم لأن الصلاة عمود الدين. (ث عثمان الذي استحت منه ملائكة الرحمن قال البلاذري في أنساب الأشراف: 5 / 54. لما بلغ عثمان موت أبي ذر بالربذة قال: رحمه الله. فقال عمار بن ياسر: نعم فرحمه الله من كل أنفسنا، فقال عثمان لعمار: يا عاض أير أبيه أتراني ندمت علي تسييره، وأمر فدفع في قفاه وقال: إلحق بمكانه. فلما تهيأ للخروج جاءت بنو مخزوم إلي علي فسألوه أن يكلم عثمان فيه، فقال له علي: يا عثمان إتق الله فإنك سيرت رجلا صالحا من المسلمين فهلك في تسييرك، ثم أنت الآن تريد أن تنفي نظيره؟ وجري بينهما كلام حتي قال عثمان لعلي: أنت أحق بالنفي منه فقال علي: رم ذلك إن شئت. واجتمع المهاجرون إلي عثمان فقالوا: إن كنت كلما كلمك رجل سيرته ونفيته فإن هذا شئ لا يسوغ. فكف عن عمار. وفي رواية اليعقوبي من تاريخ: 2 / 147 أن عمار بن ياسر صلي علي المقداد ودفنه ولم يؤذن بذلك عثمان بوصية من المقداد، فاشتد غضب عثمان علي عمار وقال: ويلي علي ابن السوداء أما لقد كنت به عليما. أفيمكن للحي الذي تستحي منه الملائكة أن يتفحش في الأقوال، ولخيرة المؤمنين؟ ولم يكتف عثمان بشتم عمار وقوله له فحشا من القول: كقوله يا [ صفحه 236] عاض أير أبيه: حتي أمر غلمانه فمسكوا عمارا ومدوا بيديه ورجليه ثم ضربه عثمان برجليه وهي في الخفين علي مذاكيره فأصابه

الفتق، وكان ضعيفا كبيرا فغشي عليه، وهذه قصة معروفة عند المؤرخين [176] عندما كتب جمع من الصحابة كتابا وأمروا عمار أن يوصله له. وكذلك فعل عثمان مع عبد الله بن مسعود إذا مر به أحد جلاوزته وهو عبد الله بن زمعة فاحتمله ابن زمعة حتي جاء به باب المسجد وضرب به الأرض فكسر ضلعا من أضلاعة [177] ، لا لشئ إلا أن عبد الله بن مسعود استنكر علي عثمان أن يعطي بني أمية الفسقة أموال المسلمين بغير حساب. وقامت الثورة علي عثمان وكان ما كان حتي ذبح ومنعوا دفنه ثلاثة أيام وجاء من بني أمية أربعة ليصلوا عليه فمنعهم بعض الصحابة من الصلاة عليه فقال أحدهم: ادفنوه فقد صلي الله عليه وملائكته، فقالوا لا والله لا يدفن في مقابر المسلمين أبدا. فدفنوه في حش كوكب، كانت اليهود تدفن فيه موتاهم. فلما ملكت بنو أمية ادخلوا ذلك الحش في البقيع. هذه نبذة يسيرة من تاريخ الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان وهي وإن كانت يسيرة لأننا رمنا الاختصار وإعطاء بعض الأمثلة فقط، ولكنها كافية لكشف الستار عن تلكم الفضائل المزعومة والمناقب المخترعة التي لا يعرفها الخلفاء الثلاثة ولا حلموا بها يوما في حياتهم. والسؤال الذي يطرح هو: ما يقول أهل السنة والجماعة في هذه الحقائق؟ والجواب عند أهل الذكر هو: إن كنتم تعرفونها ولا تنكرونها لأن [ صفحه 237] صحاحكم أثبتتها علي حقيقتها رغم التعتيم فقد أسقطتم بذلك أسطورة الخلافة الراشدة. وإن كنتم تنكرونها ولا تثقون في صحتها فقد أسقطتم صحاحكم وكتبكم المعتبرة التي أخرجتها وبذلك أسقطتم كل معتقداتكم. [ صفحه 239]

فيما يتعلق بالخلافة

اشاره

الخلافة، وما أدراك ما الخلافة! فهي التي جعلها الله فتنة الأمة وهي التي

قسمتها وأطمعت فيها الطامعين، وهي التي أهرقت في سبيلها الدماء البريئة وهي التي كفر من أجلها مسلمون فأغرتهم وأبعدتهم عن الصراط المستقيم وأدخلتهم نار الجحيم ولا بد لنا من دراسة تكون علي اختصارها محيطة بالخفايا والملابسات التي كانت الخلافة مسرحا لها قبيل وبعد وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. وأول ما يتبادر للأذهان أن الزعامة عند العرب كانت من الأمور الضرورية في كل العصور فتراهم يقدمون رئيس القبيلة أو زعيم العشيرة علي أنفسهم فلا يبرمون أمرا دونه ولا يتخذون قرارا إلا بمشورته ولا يسبقونه بالقول. فزعيم العشيرة هذا عادة ما يكون أكبرهم سنا وأعلمهم بالأمور وأشرفهم حسبا ونسبا. ويبدوا أن هذا الرئيس يبرز من خلال الأحداث في عشيرته ومما يظهر عليه من ذكاء وفطنة وشجاعة وعلم بالأمور وسخاء وإكرام الضيف وغير ذلك من الخصال الحميدة، ولكن في أغلب الأحيان هي وراثة وليست اختيار. ونجد بعد ذلك أن القبائل والعشائر رغم استقلاليتها فهي تخضع [ صفحه 240] لزعامة القبيلة الواحدة التي قد تكون أكثر عددا ومالا ولها أبطال يخوضون المعارك ويحملون بقية القبائل تحت رعايتها ومثال ذلك قريش التي كانت تتزعم بقية القبائل العربية الخاضعة لها بحكم الزعامة والسيادة التي فرضتها رعايتها لبيت الله الحرام. ولما جاء الإسلام أقر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي حد ما هذا الأسلوب في التعامل فكان يولي علي القبائل التي وفدت عليه وأقرت بالإسلام سيدهم وشريفهم ليكون واليا عليها فيصلي بهم ويجمع زكاتهم ويكون همزة الوصل بينهم وبينه. ثم إن محمدا صلي الله عليه وآله وسلم أنشأ بأمر الله سبحانه الدولة الإسلامية التي تخضع في كل أحكامها وقراراتها إلي ما ينزل به الوحي من الله، فكان نظام

المجتمع ونظام الفرد من عقود نكاح وطلاق وبيع وشراء وأخذ وعطاء وإرث وزكاة وكل ما يخص الفرد والمجتمع في الحرب والسلم من معاملات وعبادات كلها خاضعة إلي أحكام الله، ومهمة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم هي التنفيذ والسهر علي تطبيق تلك الأحكام. ومن الطبيعي أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يفكر فيمن سيخلفه في هذه المهمة العظمي ألا وهي قيادة الأمة. ومن الطبيعي أن يهتم كل رئيس دولة (إن كان يهمه شعبه) بالشخص الذي يختاره ليكون نائبه في كل المهمات التي يكون هو غائب عنها فيكون وزيره الأول والمقرب الذي يحضر إذا يغيبون ومن الطبيعي أيضا أن يكون نائبه معلوما لدي كل الوزراء وعند الشعب أيضا. فلا يمكن أن يصدق العقل بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أغفل كل ذلك ولم يهتم به ولا شك بأنه كان شغله الشاغل، ولا شك بأن الأحاديث المتعلقة بالموضوع خضعت للحصار الذي ضربه الخلفاء الذين كانوا يتزعمون نظرية الشوري والذين عملوا بكل جهودهم لمعارضة النصوص التي عينت وشخصت الخليفة وكان من هذه الجهود أيضا الطعن [ صفحه 241] بقداسة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم واتهامه بالهجر، ثم الطعن فيه وفي الأمير الذي ولاه قيادة الجيش بدعوي أنه لا يصلح للإمارة والقيادة لصغر سنة، ثم التشكيك في وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم حتي تضطرب الأمور، ولا يسبق الناس عامة لبيعة الخليفة الذي عينه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من قبل، ومن تلك الجهود، اغتنامهم فرصة اشتغال علي وأنصاره بتجهيز النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وعقد مؤتمر السقيفة الطارئ، واختيار من يرضونه وترتاح نفوسهم إليه وتعقد آمالهم عليه، ثم

حمل الناس عامة علي البيعة بالتهديد والتنديد والوعد والوعيد، ثم إقصاء المعارضة كليا عن الساحة السياسية، ثم الوقوف بحزم وصرامة ضد كل من تحدثه نفسه بشق عصا الطاعة أو شكك في شرعية الخلافة الجديدة، ولو كانت فاطمة بنت النبي صلي الله عليه وآله وسلم. ثم ضرب الحصار والمنع البات علي الأحاديث النبوية الشريفة عامة، حتي لا تتفشي النصوص بين الناس وتضطرب الأمور، ولو أدي ذلك للاغتيال الفردي والقتال الجماعي لإخماد المعارضة بدعوي القضاء علي الفتنة مرة والردة أخري. كل ذلك عرفناه من خلال ما كتبه المؤرخون، وإن كان بعضهم يحاول تغطية الحقيقة بوضع بعض الروايات المتناقضة أو بعض التأويلات والاعتذارات التي كشفت خفاياها الأيام والأحداث والأبحاث. وقد يكون بعضهم معذورا، لأنه أخذ معلوماته من المصادر الأولي التي كتبت تحت التأثير السياسي والاجتماعي الذي خلفته الفتنة الكبري وما أعقبها من أحداث عندما استولي بنو أمية علي الخلافة وأغدقوا الأموال والمناصب علي بعض الصحابة والتابعين المأجورين. فأخذ بعض المؤرخين من هؤلاء لحسن ظنه بهم، وهو لا يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فاختلطت الروايات الصحيحة بالروايات المكذوبة، وأصبح من العسير علي الباحث الوصول إلي الحقيقة. ولتقريب القارئ الباحث من هذه الحقيقة، لا بد من إثارة وطرح هذه [ صفحه 242] الأسلة حتي يكتشف من خلالها أو من خلال الإجابة عليها بعض الحقائق أو بعض الإشارات التي توصله إلي الحقيقة.

اسئلة و أجوبة لا غني عنها لكل باحث

وردت علي رسائل عديدة من أقطار كثيرة تحمل في طيها بعض التساؤلات المهمة والتي تنبئ عن حرص القراء الكرام لمزيد البحث والتنقيب عن الحقائق، وقد أجبت علي البعض منها وأعرضت عن البعض الآخر غير مستخف بها ولكن لأن الجواب عليها موجود في كتابي ثم اهتديت ولأكون مع

الصادقين، وتعميما للفائدة فأنا أنشرها في هذا الفصل مع الأجوبة ومع الملاحظة بأن القارئ سيجد بعض الأحاديث والأحداث مكررة في الكتاب الواحد أو في الكتب الثلاثة، فقد تعمدت ذلك اقتداءا بكتاب الله العزيز الذي يكرر الحادثة في عدة سور لترسخ في ذهن المؤمن ولتكون في متناول الجميع. س 1: إذا كان الرسول يعلم ما سيؤول إليه أمر الأمة من النزاع والاختلاف بسبب الخلافة، فلماذا لم يعين خليفة له؟ - ج: لقد عين صلي الله عليه وآله وسلم خليفة له بعد حجة الوداع وهو علي بن أبي طالب وأشهد علي ذلك صحابته الذين حجوا معه، وكان يعلم بأن الأمة ستغدر به وتنقلب علي أعقابها. س 2: كيف لم يسأل الرسول أحد من أصحابه عن هذا الأمر وقد كانوا يسألونه عن كل شئ؟ - ج: لقد سألوه وأجاب: قال تعالي: يقولون هل لنا من الأمر من شئ قل إن الأمر له لله [آل عمران: 154]. وسألوه وقال: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون [المائدة: 56]. وسألوه فقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي [178] . [ صفحه 243] س 3: لماذا عارض بعض الصحابة رسول الله حين أراد أن يكتب لهم كتابا يعصمهم من الضلالة بعده، وقالوا بأنه يهجر؟ - ج: لقد عارض بعض الصحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم حين أراد أن يكتب لهم ما يمنعهم من الضلالة واتهموه بالهجر، لما عرفوا بأنه يريد تعيين علي بن أبي طالب كتابيا، لأنه سبق أن قال لهم في حجة الوداع بأن المتمسك بالكتاب والعترة لن يضل بعده أبدا، ففهموا بأن مضمون الكتاب سيكون بنفس الألفاظ، لأن عليا هو سيد

العترة وإنما اتهموه بالهجر ليعدل عن الكتابة نهائيا ولأن النزاع والخلاف قام حول الكتاب قبل كتابته، وإذا كان النبي يهجر (حسب اعتقادهم) فإن كتابه سيكون هذيانا فالحكمة تقتضي عدم الكتابة. س 4: لماذا لم يصر علي كتابة الكتاب خصوصا وأنه يعصم الأمة الإسلامية من الضلالة؟ - ج: لم يكن في وسع الرسول صلي الله عليه وآله وسلم أن يصر علي الكتابة، لأن العصمة من الضلالة قد انتفت لموافقة الكثير من الصحابة علي أنه يهجر، فأصبح الكتاب هو مصدر ضلالة بدلا أن يكون عاصما منها، ولو أصر النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي كتابته لقامت عبده دعاوي باطلة قد تشكك حتي في كتاب الله ونصوص القرآن. س 5: لقد أوصي النبي قبل موته بثلاث وصايا شفوية فلماذا وصلت إلينا وصيتان وضاعت الوصية الثالثة؟ - ج: الأمر واضح في أن الوصية الأولي هي التي ضاعت لأنها تخص استخلاف علي - ولأن الخلافة التي قامت منعت الحديث عنها، وإلا كيف يصدق عاقل أن يوصي النبي فتنسي وصيته كما ذكره البخاري. س 6: هل كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يعلم بموعد موته؟ - ج: لا شك بأنه كان يعلم مسبقا بموعد وفاته في الوقت المعلوم وقد علم بذلك قبل خروجه لحجة الوداع. ومن أجل ذلك سماها حجة [ صفحه 244] الوداع وبذلك علم أكثر الصحابة دنو أجله. س 7: لماذا جهز النبي جيشا عبا فيه وجوه المهاجرين والأنصار من كبار الصحابة وأمرهم بالمسير إلي مؤتة بفلسطين قبل وفاته بيومين؟ - ج: عندما علم النبي صلي الله عليه وآله وسلم بالمؤامرة التي دبرتها قريش وأنهم تعاقدوا علي نبذ العهد بعده وإبعاد علي عن الخلافة، عمد إلي تعبئة

هؤلاء ليبعدهم عن المدينة وقت وفاته فلا يرجعون إلا وقد استتب الأمر لخليفته، فلا يقدرون بعدها علي تنفيذ مخططهم وليس هناك تفسيرا مقبولا غير هذا لسرية أسامة، لأنه ليس من الحكمة أن يخلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم عاصمة الخلافة من الجيش والقوة قبل وفاته بيومين فقط. س 8: لماذا لم يعين النبي صلي الله عليه وآله وسلم عليا في جيش أسامة؟ - ج: لأنه لا ينبغي لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يذهب إلا ويترك خليفة ليدبر الأمور بعده، وبما أنه لم يعبئ عليا ضمن ذلك الجيش الذي عبأ فيه وجوه المهاجرين والأنصار بما فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، فدل هذا التصرف الحكيم بأن عليا هو الخليفة بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم مباشرة، ولأن الذين لم يعبوهم رسول الله في الجيش ليس فيهم من يطمع في الخلافة ولا من يبغض عليا ويريد الغدر به. س 9: لماذا أمر عليهم شابا صغيرا لا نبات بعارضيه؟ - ج: لما كان الحاسدون والغادرون لعلي يتذرعون بصغر سنه وأن عظماء قريش الذين بلغوا الستين لا ينقادون لعلي وعمره لم يجاوز الثلاثين إلا قليلا - فأمر عليهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم أسامة وعمره سبعة عشر - لا نبات بعارضيه وهو من الموالي ليا لأعناقهم وإرغاما لأنوفهم، كي يبين لهم أولا ولكل المسلمين ثانيا بأن المؤمن الصادق في إيمانه يجب عليه أن يسمع ويطيع ولو وجد في نفسه حرجا مما قضي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ويسلم تسليما - وأين أسامة بن زيد بن حارثة من علي بن أبي طالب أمير المؤمنين [ صفحه 245] وسيد الوصيين باب

علم النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأسد الله الغالب وهارون محمد صلي الله عليه وآله وسلم ولذلك تفطنوا إلي تدبيره صلي الله عليه وآله وسلم في تأميره أسامة عليهم فطعنوا في إمارته ورفضوا الخروج معه والتخلف عنه ولا ننسي أن فيهم الدهاة الذين قال في حقهم القرآن الكريم: وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال [إبراهيم: 46]. س 10: لماذا اشتد غضب النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي المتخلفين منهم حتي لعنهم؟ - ج: لقد اشتد غضبه صلي الله عليه وآله وسلم عليهم لما علم أنهم طعنوا في تأميره، فالطعن موجه إليه لا إلي أسامة وتحقق بذلك عنده عدم إيمانهم وإخلاصهم لله ولرسوله صلي الله عليه وآله وسلم وأنهم عازمون علي تنفيذ مخططهم كلفهم ذلك ما كلفهم عند ذلك أطلق لعنته الأخيرة علي المتخلفين ليفهمهم وأتباعهم والمسلمين كافة بأن الأمر قد بلغ منتهاه ليهلك من هلك عن بينة. س 11: هل يجوز لعن المسلم خصوصا من النبي صلي الله عليه وآله وسلم؟ - ج: إذا كان الإسلام هو التلفظ بالشهادتين بأن يقول الإنسان أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ثم لا يمتثل إلي أوامرهما ولا يسمع ولا يطيع لله وللرسول صلي الله عليه وآله وسلم فيجوز لعنه، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة نذكر منها قوله تعالي: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدي من بعد ما بيناه للناس في الكتاب، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون [البقرة: 159]. وإذا كان الله يلعن من كتم الحق فما بالك بمن عاند الحق وعمل علي إبطاله. س 12: هل عين الرسول صلي الله عليه وآله وسلم

أبا بكر ليصلي بالناس؟ - ج: من خلال الروايات المتناقضة نفهم أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم پ لم يعين أبا بكر ليصلي بالناس، اللهم إلا إذا اعتقدنا ما قاله [ صفحه 246] عمر بن الخطاب في هجرانه، ومن اعتقد بذلك فقد كفر، وإلا كيف يصدق عاقل بأنه أمره ليصلي بالناس في حين أنه عبأه في جيش أسامة وجعل هذا الأخير أميرا عليه وإماما له، وكيف يعينه لإمامة الصلاة في المدينة وهي خالية منه، والتأريخ يشهد بأنه لم يكن حاضرا في المدينة يوم وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم. والثابت كما ذكر بعض المؤرخين الذين روي عنهم ابن أبي الحديد، بأن عليا عليه السلام اتهم عائشة بأنها هي التي أرسلت إلي أبيها ليصلي بالناس ولما علم النبي صلي الله عليه وآله وسلم بذلك غضب وقال لها: إنكن صواحب يوسف وخرج إلي المسجد فأزاح أبا بكر وصلي بهم صلاة المضطرين لئلا يترك لهم حجة بعد ذلك. س 13: لماذا أقسم عمر بن الخطاب بأن رسول الله لم يمت، وتهدد كل من يقوم بموته بالقتل، ولم يهدأ إلا بوصول أبي بكر؟ - ج: لقد هدد عمر بالقتل كل من حاول أن يقول بموت النبي صلي الله عليه وآله وسلم ليشككهم ويتركهم في حيص بيص حتي لا تتم بيعة لعلي، وحتي يصل إلي المدينة أبطال المعارضة الذين عاقدوا علي الأخذ بزمام الأمور والذين لم يصلوا بعد فوجد نفسه قد سبقهم فلعب دور المصاب بالذهول وسل سيفه فخوف الناس، ولا شك بأنه منع الناس الدخول إلي الحجرة النبوية ليتثبتوا الأمر، وإلا لماذا لم يجرؤا أحد علي الدخول إلا أبو بكر عندما وصل دخل وكشف عن وجهه

وخرج ليقول لهم من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. ولا بد لنا هنا من تعليقة صغيرة علي هذا القول. فهل كان أبو بكر يعتقد بأن في المسلمين من يعبد محمدا؟ كلا وإنما هو تعبير مجازي علي شتم وانتقاص بني هاشم عامة وعلي بن أبي طالب خاصة الذين كانوا يفخرون علي سائر العرب بأن محمدا رسول الله منهم وهم أهله وعشيرته وأحق الناس به. وهو أيضا تعبير عما أفصح به عمر بن الخطاب يوم رزية الخميس [ صفحه 247] عندما قال: حسبنا كتاب الله يكفينا ولسان حاله يقول: لا حاجة لنا بمحمد فقد انتهي أمره وولي عهده، وهذا بالضبط ما أكده أبو بكر بقوله: من كان يعبد محمدا فإنه قد مات، ويعني بذلك يا من تفتخروا علينا بمحمد تأخروا اليوم فإنه انتهي أمره وحسبنا كتاب الله فإنه حي لا يموت. ومن الملاحظة أن عليا وبني هاشم كانوا يعرفون أكثر من غيرهم حقيقة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وكانوا يبالغون في احترامه وتقديسه وتنفيذ أوامره، وأتبعهم علي ذلك الموالي من الصحابة والذي كانوا غرباء عن قريش وكانوا إذا بصق رسول الله بصقة تسارعوا إليها ليمسحوا بها وجوههم ويتخاصمون علي فضل وضوئه أو علي شعره، ولك هؤلاء المساكين والمستضعفين كانوا شيعة لعلي من زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهو الذي سماهم بهذا الاسم [179] . أما عمر بن الخطاب وبعض الصحابة من سراة قريش فكانوا كثيرا ما يعارضوا أحكام النبي صلي الله عليه وآله وسلم ويناقشوه ويعصوه، بل وينزهون أنفسهم عن أفعاله [180] وقد قطع عمر بن الخطاب شجرة بيعة الرضوان لأن بعض الصحابة

كانوا يتبركون بها - كما فعل الوهابيون في هذا القرن فإنهم محوا آثار النبي صلي الله عليه وآله وسلم من الوجود، وحتي البيت الذي ولد فيه لم يتركوه، وهم يحاولون الآن بكل جهودهم وأموالهم أن يمنعوا المسلمين من الاحتفال بذكري مولده الشريف. ومن التبرك به وبالصلاة عليه حتي أفشوا لدي المغفلين بأن الصلاة الكاملة هي شرك. س 14: لماذا اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة سرا؟ - ج: لما علم الأنصار بالمؤامرة التي دبرتها قريش لإبعاد علي عن الخلافة، اجتمعوا عند وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وأرادوا إبرام الأمر فيما بينهم علي أن يكون الخليفة منهم، فإذا كان زعماء قريش وهم المهاجرون من قرابة [ صفحه 248] الرسول وعشيرته يريدون نقض البيعة لعلي، فالأنصار أولي بالخلافة من غيرهم لاعتقادهم بأن الإسلام قام بحد سيوفهم وأن المهاجرين عيال عليهم ولولا أنهم فتحوا بلادهم ومنازلهم وكل ما يملكون لما كان للمهاجرين ذكر ولا فضل، ولولا وجود الخلاف بين الأوس والخزرج الذين كانوا يتنافسون علي الزعامة وكل منهما يريدها لقبيلته، لما وجد أبو بكر وعمر فرصة لأخذ الخلافة منهم ولاضطرا لمتابعتهم. س 15: لماذا أسرع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة إلي السقيفة وفاجؤوا الأنصار؟ - ج: لما كان للمهاجرين - أعني زعماء قريش - أعين تراقب تحركات الأنصار وما يدور من تدبيرهم، فقد أسرع أحدهم وهو سالم مولي أبي حذيفة وأعلم أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بالاجتماع السري فأسرعوا إلي السقيفة ليفسدوا علي الأنصار تخطيطهم وما أبرموه وليفاجئوهم بأنهم علي علم بكل ما يحدث في غيابهم. س 16: لماذا كان عمر بن الخطاب طوال الطريق يهيئ مقالة لإقناع الأنصار؟ - ج: لا شك بأن عمر بن

الخطاب كان يخشي ردة فعل الأنصار، كما يخشي أن لا يوافق الأنصار علي إبعاد علي بن أبي طالب، فيسبب ذلك هدم كل ما خططوه ودبروه وتذهب جهودهم أدراج الرياح بعد ما تجرؤوا علي النبي نفسه وأفسدوا كل تدبيره من أجل الخلافة ولذلك كان عمر بن الخطاب في طريقه للسقيفة يزور ماذا سيقوله لهم حتي يكسب تأييدهم وموافقتهم علي المخطط. ص 17: لماذا انتصر المهاجرون علي الأنصار وسلموا الأمر لأبي بكر؟ - ج: هناك عدة عوامل لعبت دورها في هزيمة الأنصار وفوز المهاجرين فقد كان الأنصار قبيلتين متنافستين علي الزعامة منذ عهد الجاهلية وسكنت فورتهم بوجود الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بينهم، أما والرسول صلي الله عليه وآله وسلم قد [ صفحه 249] مات وقومه يريدون اغتصاب الخلافة من صاحبها الشرعي، فثار الأوس يرشحون لها زعيمهم سعد بن عبادة، ولكن بشير بن سعد وهو زعيم الخزرج حسد ابن عمه وأيقن أنه لا يصل إلي الخلافة وسعد بن عبادة موجود، فنقض أمر الأنصار وانضم إلي صف المهاجرين ومثل دور الناصح الأمين. كما أن أبا بكر أثار فيهم النعرة الجاهلية وضرب علي الوتر الحساس بقوله: لو سلمنا هذا الأمر للأوس فلن ترض الخزرج، وإذا سلمناه للخزرج فلن ترض الأوس - ثم إنه أطمعهم بأن يقاسمهم الحكومة بقوله: نحن الأمراء وأنتم والوزراء ولا نستبد عليكم بالرأي أبدا. ثم إنه بذكاء لعب دور الناصح الأمين للأمة إذ أخرج نفسه وأظهر زهده في الخلافة وأنه لا يرغب فيها بقوله: اختاروا من شئتم من هذين الرجلين يعني عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة عامر بن الجراح. وكانت الخطة محكمة والمسرحية ناجحة، فقال عمر وأبو عبيدة: لا ينبغي لنا أن نتقدم عليك

وأنت أولنا إسلاما وأنت صاحبه في الغار فابسط يدك نبايعك، فبسط أبو بكر يده لهذه الكلمات، فسبق إلي بيعته بشير بن سعد سيد الخزرج وتتابع الباقون إلا سعد بن عبادة. س 18: لماذا امتنع سعد بن عبادة عن البيعة وهدده عمر بالقتل؟ - ج: عندما بايع الأنصار وتسابقوا إلي أبي بكر لينالوا بذلك الجاه والقربي من الخليفة، امتنع سعد بن عبادة عن البيعة وحاول جهده منع قومه عنها ولكنه عجز عن ذلك لشدة مرضه إذ كان طريح الفراش ولا يسمع صوته، عند ذلك قال عمر: اقتلوه إنه صاحب فتنة ليقلع بذلك دابر الخلاف ولئلا يتخلف عن البيعة أحد، لأنه سيشق عصا المسلمين ويتسبب في انقسام الأمة وخلق الفتنة. س 19: لماذا هددوا بيت فاطمة الزهراء بالحرق؟ ج: لقد تخلف عدد كبير من الصحابة الذين لم يبايعوا أبا بكر في [ صفحه 250] بيت علي بن أبي طالب، ولو لم يسارع عمر بن الخطاب وطوق الدار بالحطب وهددهم بالحرق، لاستفحل الأمر وانشقت الأمة إلي حزبين علوي وبكري، ولكن عمر ومن أجل فرض الأمر الواقع ذهب شوطا بعيدا عندما قال: لتخرجن للبيعة أو لأحرقن الدار بمن فيها، ويقصد عليا وفاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وبهذا القول لا يبقي في الناس أحد تسول له نفسه شق عصا الطاعة وعدم الدخول في البيعة، فأي حرمة له أكبر من حرمة سيدة نساء العالمين وزوجها سيد الوصيين؟ س 20: لماذا سكت أبو سفيان بعد ما هددهم وتوعدهم؟ - ج: لما رجع أبو سفيان للمدينة بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وكان أرسله لجمع الصدقات، فوجئ بخلافة أبي بكر وأسرع إلي دار علي بن أبي طالب

وحرضه علي الثورة وعلي حرب الجماعة واعدا إياه بالمال والرجال، ولكن عليا طرده لعلمه بنواياه ولما علم أبو بكر وعمر بذلك ذهبا إليه واستمالاه ووعداه بإعطائه كل ما جمعه من الصدقات وبإشراكه في الأمر بتعيين ابنه واليا علي الشام - فرضي أبو سفيان بذلك وسكت عنهم. فعينوا يزيد بن أبي سفيان واليا علي الشام ولما مات عينوا أخاه معاوية بن أبي سفيان مكانه ومكنوه من الوصول إلي الخلافة. س 21: هل رضي الإمام علي بالأمر الواقع وبايع الجماعة؟ ج: لا أبدا لم يرض الإمام علي بالأمر الواقع ولم يسكت، بل احتج عليهم بكل شئ ولم يقبل أن يبايعهم رغم التهديد والوعيد، وذكر ابن قتيبة في تاريخه بأن عليا قال لهم: والله لا أبايعكم وأنتم أولي بالبيعة لي، وحمل زوجته فاطمة الزهراء يطوف بها علي مجالس الأنصار فكانوا يعتذرون بأن أبا بكر سبق إليهم - وقد ذكر البخاري بأنه لم يبايع مدة حياة فاطمة، فلما توفيت واستنكر وجوه الناس اضطر لمصالحة أبي بكر، وقد [ صفحه 251] عاشت فاطمة ستة أشهر بعد أبيها، فهل ماتت فاطمة وليس في عنقها بيعة وأبوها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: من مات وليست في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. وهل كان علي يعلم بأنه سيعيش إلي ما بعد أبي بكر فيتأخر عن بيعته تلك الشهور الستة؟ فعلي لم يسكت وبقي طيلة حياته كلما وجد فرصة إلا وأثار مظلمته واغتصاب حقه ويكفي دليلا علي ذلك ما قاله في خطبته المعروفة بالشقشقية. س 22: لماذا أثاروا فاطمة وأغضبوها بينما هم في حاجة إلي المصالحة؟ - ج: لقد تعمدوا إثارة فاطمة بانتزاع أرضها وممتلكاتها ومنعها ميراث أبيها وتكذيبها في كل

دعواها حتي يسقطوا بذلك هيبتها وعظمتها من نفوس الناس وحتي لا يصدقوها. إذا ما أثارت نصوص الخلافة، ولذلك اعتذر الأنصار إليها بأن بيعتهم سبقت لأبي بكر ولو سبق إليهم زوجها لما تخلفوا عنه. ولذلك اشتد غضبها علي أبي بكر وعمر حتي صارت تدعو عليهما في كل صلاة تصليها، وأوصت زوجها بأن لا يحضر جنازتها أحد منهما وأن يجنبها تلك الوجوه التي تكرهها. وقد تعمدوا إيذاءها ليشعروا عليا بأنه أهون عليهم من ابنة النبي التي هي سيدة نساء العالمين والتي يغضب الله لغضبها ويرضي لرضاها، فما عليه إلا السكوت الرضا. س 23: لماذا تخلف عن سرية أسامة عظماء القوم؟ - ج: لما استتب الأمر لأبي بكر وأصبح خليفة المسلمين بجهود عمر رغم أنوف المعارضين، طلب من أسامة أن يترك له عمر بن الخطاب ليستعين به علي أمر الخلافة، لأنه لا يقدر علي إتمام المخطط بمفرده ولا بد له من العناصر الفعالة الذين لهم من القوة والجرأة ما عارضوا بها رسول [ صفحه 252] الله صلي الله عليه وآله وسلم ولم يبالوا بغضب الله ولا بلعن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لمن تخلف عن بعث أسامة ممن عبأهم بنفسه، ولا شك بأن المخططين لهذا الأمر تخلفوا عن السرية ليبرموا أمرهم ويتعاونوا علي تركيز قواعدهم. س 24: لماذا أبعد الإمام علي عن كل مسؤولية ولم يشركوه في شئ؟ - ج: بالرغم من أنهم قربوا عددا كبيرا من الطلقاء وأعطوهم المناصب في حكومتهم وأشركوهم في أمرهم، وعينوا منهم أمراء وولاة في كل الجزيرة العربية وفي كل الأقطار الإسلامية ومن هؤلاء الوليد بن عقبة ومروان بن الحكم ومعاوية ويزيد ابنا أبي سفيان وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأبو

هريرة وكثيرون من الذين كانوا يجرعون رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الغصص إلا أنهم أبعدوا علي بن أبي طالب فنبذوه وتركوه حبيس داره ولم يشركوه في شئ من أمرهم طيلة ربع قرن ليذلوه ويحقروه ويبعدوا الناس عنه لأن الناس عبيد الدنيا يميلون مع صاحب السلطة والجاه والمال وما دام علي لا يجد قوت يومه إلا بكسب يمينه وعرق جبينه فسيتفرق الناس عنه ولا يميلون إليه. وفعلا فقد بقي علي سلام الله عليه علي تلك الحالة مدة خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان رهين البيت يعمل الجميع علي تحقيره وإطفاء نوره وإخفاء فضائله ومناقبه، ولي له من حطام الدنيا وما يرغب الناس فيه. س 25: لماذا حاربوا مانعي الزكاة رغم تحريم النبي صلي الله عليه وآله وسلم لذلك؟ - ج: لأن الصحابة الذين حضروا بيعة الإمام علي في غدير خم وهم راجعون من حجة الوداع بصحبة النبي صلي الله عليه وآله وسلم امتنعوا عن أداء الزكاة لأبي بكر، لأنهم لم يحضروا وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولا الأحداث التي أعقبتها في شأن تبديل الخلافة من علي لأبي بكر، لأنهم لا يسكنون المدينة، ولا شك بأن بعض الأخبار وصلت إليهم بأن فاطمة [ صفحه 253] تخاصمت معهم وغضبت عليهم وبأن عليا امتنع عن بيعتهم - لكل ذلك رفضوا إعطاء الزكاة لأبي بكر حتي يتبينوا الأمر. ومن هنا قرر أبو بكر وعمر وجهاز الحكم أن يبعثوا إليهم جيشا بقيادة خالد بن الوليد الذي كان سيفهم المسلول، فأخمد ثورتهم وأسكت حسهم وقتل رجالهم وسبي نساءهم وذراريهم، ليكونوا عبرة لمن تحدثه نفسه بعدم الطاعة أو بمس هيبة الدولة. س 26: لماذا منعوا تدوين ونقل الأحاديث

النبوية؟ - ج: عملوا من الأيام الأولي علي منع الأحاديث النبوية جملة وتفصيلا، ليس فقط لأنها تتضمن نصوص الخلافة وفضائل الإمام علي بل لأن الكثير منها يتعارض مع أقوالهم وأفعالهم التي يديرون بها شؤون الحياة ويركزون علي أسسها معالم الدولة الجديدة التي ابتدعوها وفق اجتهاداتهم. س 27: هل كان أبو بكر قادرا علي تحمل أعباء الخلافة؟ - ج: لم يكن أبو بكر قادرا علي تحمل أعباء الخلافة لولا عمر بن الخطاب وبعض الدهاة من رؤوس بني أمية - ولقد سجل التاريخ بأن أبي بكر كان دائما يخضع إلي أحكام وآراء عمر بن الخطاب الحاكم الفعلي ودليل ذلك قصة المؤلفة قلوبهم الذين جاؤوا لأبي بكر في بداية خلافته وكتب لهم كتابا وبعثهم إلي عمر الذي كان بيده أمر بيت المال فمزق عمر الكتاب وطردهم، فرجعوا إلي أبي بكر يسألونه: أأنت الخليفة أم هو؟ فأجابهم: هو إن شاء الله! وكذلك عندما أقطع أبو بكر قطعة أرض إلي عيينة بن حصن والأقرع بن حابس، فرفض عمر عندما قرأ كتاب أبي بكر وتفل فيه ومحاه، فرجعا إلي أبي بكر يتذمران مما فعله عمر وقالا لأبي بكر: والله ما ندري أأنت الخليفة أم عمر؟ فقال: بل عمر هو الخليفة، ولما أقبل عمر مغضبا وناقش أبا بكر علي إعطائه الأرض بكلام غليظ، قال له أبو بكر: ألم أقل لك إنك أقوي [ صفحه 254] مني علي هذا الأمر لكنك غلبتني [181] . وقد أخرج البخاري في صحيحه بأن عمر كان يحث الناس علي بيعة أبي بكر فيقول لهم: إن أبا بكر صاحب رسول الله ثاني اثنين وإنه أولي المسلمين بأموركم فقوموا فبايعوه قال أنس بن مالك: سمعت عمر يقول لأبي بكر

يومئذ: أصعد المنبر، فلم يزل به حتي صعد المنبر فبايعه الناس عامة. س 28: لماذا عقد أبو بكر الخلافة وعهد بها إلي عمر قبل وفاته؟ - ج: بما أن عمر بن الخطاب هو الذي لعب الدور البطولي في إقصاء علي عن الخلافة بمعارضته العنيفة للنبي صلي الله عليه وآله وسلم أولا وبحمل الأنصار علي بيعة أبي بكر وفرضها علي الناس بكل حزم وشدة حتي وصل به الأمر إلي تهديد بيت فاطمة بالحرق. وبما أنه كان هو الخليفة الفعلي كما قدمنا فكانت له الكلمة الأولي والأخيرة ولا شك بأنه كان من دهاة العرب فعلم بأن المسلمين وخصوصا الأنصار لا يوافقون علي بيعته لطبعه الفظ الغليظ وسرعة غضبه، فعمل علي تقديم أبي بكر لهم لأن في طبعه لينا ورقة وهو أسبقهم للإسلام وابنته عائشة هي المرأة الجريئة القادرة علي ركوب الصعاب وتغيير الأمور، وهو يعلم علم اليقين بأن أبا بكر طوع يديه ورهن إشارته في كل ما يصبوا إليه. ولم يكن عهد أبي بكر بالخلافة لعمر يخفي علي كثير من الصحابة من قبل كتابته، فقد قال له الإمام علي منذ اليوم الأول: أحلب حلبا لك شطره، واشدد له اليوم ليرده عليك غدا، كما قال آخر لعمر عندما خرج بالكتاب الذي عهد فيه أبو بكر قال له: أنا أعرف ما فيه إنك أمرته عام أول وأمرك هذا العام. [ صفحه 255] فعهد أبي بكر لعمر بالخلافة أمر معلوم لدي عامة الناس، وإذا كان في حياته يعترف له أمام الجميع بأنه أقوي منه علي هذا الأمر فلا غرابة أن يسلم له مقاليد الخلافة عند الموت. وبهذا يتبين لنا مرة أخري بأن ما يقوله أهل السنة بأن الخلافة لا تكون

إلا بالشوري أمر ليس له وجود، ولي له في خيال أبي بكر وعمر أي اعتبار، وإذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم توفي وترك الأمر شوري بين الناس كما يزعمون، فإن أبا بكر هو أول من هدم هذا المبدأ، وخالف سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعهده لعمر بن الخطاب من بعده. وأهل السنة دائما تراهم يتبجحون بكل فخر واعتزاز علي أنهم يؤمنون بالشوري ولا تصلح الخلافة إلا بها، ويسخرون من قول الشيعة الذين يعتقدون بأنها لا تكون إلا بالنص من الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم، وتسمع أغلبهم ينتقد هذا الاعتقاد علي أنه دخيل علي الإسلام من قبل الفرس الذين يقولون بوراثة السلطة الإلهية. وكثيرا ما يستدل أهل السنة بآية وأمرهم شوري بينهم علي أنها نازلة بخصوص الخلافة - وعلي هذا فيحق لنا بأن نقول: إن أبا بكر وعمر خالفا الكتاب والسنة معا ولم يقيما لهما وزنا في شأن الخلافة. س 29: لماذا اشترط عبد الرحمن بن عوف علي علي بن أبي طالب أن يحكم بسنة الخليفتين؟ - ج: من هوان الدنيا علي الله أن يصبح عبد الرحمن بن عوف هو الذين يتحكم بمصير الأمة بعد عمر فيختار لهم من يشاء ويقصي من يشاء كل ذلك من تدبير عمر الذي رجح كفته علي بقية الصحابة، وعبد الرحمن بن عوف هو الآخر من دهاة العرب، ولا شك بأنه من أعضاء الحزب المخطط للخلافة وصرفها عن صاحبها الشرعي وإذا كان البخاري [ صفحه 256] يعترف بأن عبد الرحمن بن عوف كان يخشي من علي شيئا [182] ، فمن الطبيعي أن يعمل هو الآخر علي إبعاده عنها ما استطاع لذلك سبيلا. وعبد الرحمن

بن عوف يعرف كغيره من الصحابة بأن عليا لم يكن يوافق علي اجتهادات أبي بكر وعمر وما غيراه من أحكام الكتاب والسنة، وكان يحاول جهده معارضتهما والإنكار عليهما. لذلك اشترط عبد الرحمن علي علي أن يحكم بسنة أبي بكر وعمر وهو يعلم مسبقا أكثر من غيره بأن عليا لا يداهن ولا يكذب ولا يقبل بذلك الشرط أبدا. كما كان يعلم بأن صهره عثمان هو الذي ترتاح إليه قريش وكل أعضاء المخطط. س 30: حديث الأئمة الاثني عشر، هل له وجود عن أهل السنة؟ - ج: أخرج البخاري ومسلم وكل المحدثين من أهل السنة حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا يزال الدين قائما حتي تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش [183] وبقي هذا الحديث من الألغاز العويصة التي لا جواب لها عند أهل السنة والجماعة ولم يجرؤ أحد من علمائهم أن يعد بعد الخلفاء الراشدين الأربعة سوي عمر بن عبد العزيز وهؤلاء خمسة ويبقي من العدد سبعة لا وجود لهم. فإما أن يقولوا بإمامة علي وبنيه الذين تقول بهم الإمامية ويصبحوا شيعة لأهل البيت النبوي - وإما أن يكذبوا الحديث وتصبح صحاحهم مجردة من الحق وليس فيها إلا الأكاذيب. أضف إلي ذلك بأن هذا الحديث الذي يخصص الخلافة في قريش وحدها يتنافي مع مبدأ الشوري الذي يقولون به، لأن الاختيار والديمقراطية تشمل كل أفراد الأمة ولا تختص بقبيلة معينة دون سائر القبائل الأخري. بل [ صفحه 257] يتعدي القبائل العربية إلي غيرها من القبائل الإسلامية الغير عربية. هذه أجوبة سريعة ومختصرة لنوضح للقارئ بعض المسائل التي قد تخامر ذهنه، علي أنه قد يجد إجابة مفصلة في كتاب التاريخ وكذلك

في كتابي ثم اهتديت ولأكون مع الصادقين. فعلي الباحث أن يرجع إلي المصادر الموثوقة، وإن يتجرد للحقيقة فيمحص الروايات والأحداث التاريخية ليكتشف من خلالها الحقائق المكسوة بثياب الباطل فيجردها وينظر إليها في ثوبها الأصلي. [ صفحه 259]

فيما يتعلق بالحديث الشريف

اشاره

سأبين للقارئ بأن مشكلة الأحاديث هي من أكبر المشاكل التي يعيشها المسلمون اليوم وبالخصوص في الزمن الحاضر إذ تخرج من جامعات الوهابية دكاترة متخصصون في فنون الأحاديث فتراهم يحفظون من الأحاديث ما يتماشي مع مذهبهم وعقيدتهم وأغلب هذه الأحاديث هي من وضع الأمويين أسلافهم الذين كان همهم أيضا إطفاء نور الرسالة وتصوير النبي صلي الله عليه وآله وسلم بذلك المخرف المهرج الذي لا يدري ما يقول ولا يتنبه إلي أحاديثه وأفعاله المتناقضة التي تضحك المجانين. ورغم ما قام به المحققون والعلماء من أهل السنة لتنقية الأحاديث وغربلتها فما زال هناك للأسف الشديد داخل الكتب الصحيحة والمعتبرة الشئ الكثير، وكذلك لم تسلم كتب الشيعة من هذا الدس والوضع، ولكن هؤلاء يعترفون بأن ليس عندهم كتابا صحيحا إلا كتاب الله وما سواه فيه الغث والسمين أما أهل السنة فإنهم متفقون بأن الصحيحين البخاري ومسلم أصح الكتب بعد كتاب الله بل يقولون بأن كل ما جاء فيهما هو صحيح ومن أجل ذلك فسأحاول أن أضع بين يدي القارئ بعض النماذج من الأحاديث التي أخرجها البخاري ومسلم والتي فيها ما فيها من الحط من قداسة الرسول العظيم صلي الله عليه وآله وسلم أو من أهل بيته عليهم السلام، [ صفحه 260] وسأحاول هنا طرح بعض الأحاديث التي وضعت لتبرير أعمال الحكام الأمويين والعباسيين، وهم في الحقيقة يريدون النيل من خلالها بعصمة النبي صلي الله عليه وسلم لتبرير جرائمهم وقتلهم الأبرياء إليك

ما يلي:

النبي يختل

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الاستئذان وفي كتاب الديات باب من اطلع في بيت قوم ففقؤوا عينه فلا دية له. وكذلك مسلم في صحيحه في كتاب الآداب باب تحريم النظر في بيت غيره. عن أنس بن مالك، أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقام إليه النبي صلي الله عليه وآله وسلم، بمشقص أو بمشاقص، فكأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه. إن الخلق العظيم يأبي هذا التصرف من نبي الرحمة الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم، والمفروض أن يقوم النبي صلي الله عليه وآله وسلم لهذا الرجل الذي اطلع علي حجرة النبي ويعلمه الآداب الإسلامية ويفهمه بأن ما فعله حرام، لا أن يأخذ مشقصا ويختله ليطعنه ويفقأ عينه، علي أن الرجل قد يكون علي حسن نية لأن الحجرة لم تكن حجرة أزواجه والدليل أن أنس بن مالك كان موجودا فيها. فأي تهمة هذه توجه إلي رسول الله وتصوره بالفظ الغليظ الذي يختل أي يستغفل الرجل ليفقأ عينه. وناهيك أن شارح البخاري استفظعها وقال ما نصه: يختله أي يستغفله ويأتيه من حيث لا يراه، كذا فسروه - والاستغفال مستبعد منه صلي الله عليه وسلم.

النبي يعاقب عقابا شنيعا و يمثل بالمسلمين

أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الطب من جزئه السابع ص 13 في باب الدواء بألبان الإبل وفي باب الدواء بأبوال الإبل. قال: حدثنا ثابت [ صفحه 261] عن أنس أن ناسا كان بهم سقم قالوا: يا رسول الله آونا وأطعمنا فأمرهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن يلحقوا براعيه يعني الإبل فيشربوا من ألبانها وأبوالها فلحقوا براعيه فشربوا من ألبانها وأبوالها حتي صلحت أبدانهم فقتلوا الراعي وساقوا الإبل فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه

وسلم فبعث في طلبهم فجئ بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتي يموت. هل يصدق مسلم أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الذي ينهي عن المثلة يقوم هو بنفسه فيمثل بهؤلاء القوم فيقطع أيديهم وأرجلهم ويسمر أعينهم لأنهم قتلوا راعيه ولو قال الراوي بأن هؤلاء القوم مثلوا بالراعي لكان للنبي صلي الله عليه وآله وسلم عذر في المعاقبة بالمثل ولكن ذلك غير وارد وكيف يقتلهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويمثل بهم هذه المثلة بدون بحث وتحر منهم حتي يتبين من القاتل منهم فيقتله به. ولعل البعض يقول بأنهم شاركوا جميعا في قتله، أفلم يكن في وسع الرسول صلي الله عليه وآله وسلم أن يعفو ويصفح عنهم لأنهم مسلمون بدليل قولهم: يا رسول الله، ألم يسمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قول الله تعالي له: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين [النحل: 126]. وإذا كانت هذه الآية نازلة علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عندما احترق قلبه علي عمه سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب الذي بقروا بطنه وأكلوا كبده وقطعوا مذاكيره اغتاظ رسول الله عندما رأي عمه علي تلك الحال وقال لئن مكنني الله منهم لأمثلن بسبعين فنزلت عليه الآية فقال صبرت يا رب وعفي عن وحشي قاتل عمه وهند التي مثلت بجسده الطاهر وأكلت كبده. وهذا هو خلق النبي صلي الله عليه وآله وسلم. ومما يدلك علي فظاعة الرواية وأن الراوي نفسه استفظعها فأردف يقول: قال قتادة فحدثني محمد بن سيرين أن ذلك كان قبل أن تنزل الحدود ليبرر فعل النبي صلي الله

عليه وسلم بذلك فحاشي رسول الله أن يحكم من عند نفسه قبل [ صفحه 262] أن يبين له ربه وإذا كان في المسائل الصغيرة لا يحكم حتي ينزل عليه الوحي فما بالك في الدماء والحدود؟ وأنه لمن اليسير جدا علي من يتأمل في ذلك ليعرف إنها روايات موضوعة من جهة الأمويين وأتباعهم ليرضوا بها الحكام الذين لا يتورعون عن قتل الأبرياء علي الظن والتهمة ويمثلون بهم أشنع التمثيل والدليل علي ذلك ما جاء في ذيل الرواية نفسها التي أخرجها البخاري يقول: قال سلام فبلغني أن الحجاج قال لأنس حدني بأشد عقوبة عاقبها النبي صلي الله عليه وسلم فحدثه بهذا. فبلغ الحسن فقال وددت أنه لم يحدثه بهذا [184] . ويشم من الرواية رائحة الوضع لإرضاء الحجاج الثقفي الذي عاث في الأرض فسادا وقتل من شيعة أهل البيت آلاف الأبرياء ومثل بهم فكان يقطع الأيدي والأرجل ويسمل الأعين ويخرج الألسن من القفا ويصلب الأحياء حتي يحترقوا بالشمس، ومثل هذا الرواية تبرر أعماله فهو إنما يقتدي برسول الله ولكم في رسول الله أسوة حسنة - فلا حول ولا قوة إلا بالله. ولذلك تفنن معاوية في التنكيل والتمثيل بالمسلمين الذين كانوا شيعة لعلي فكم أحرق بالنار وكم دفن أحياء وكم صلب علي جذوع النخل ومن الفنون التي ابتكرها وزيره عمرو بن العاص أنه مثل بمحمد بن أبي بكر وألبسه جلد حمار وقذف به في النار. ولتبرير مجونهم وكثرة شغفهم بالجواري والنساء إليك ما يلي:

النبي يحب الجماع

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الغسل باب إذا جامع ثم عاد ومن دار علي نسائه في غسل واحد. [ صفحه 263] قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة قال:

حدثنا أنس بن مالك قال. كان النبي صلي الله عليه وسلم يدور علي نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدي عشرة. قال قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين إنها رواية موضوعة للنيل من عظمة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم حتي يبرروا بلاط الرشيد وأفعال معاوية ويزيد الماجن! ومن أين لأنس بن مالك أن يعرف بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يجامع إحدي عشرة زوجة في ساعة واحدة فهل أعلمه الرسول بذلك أم أنه كان حاضرا؟ أعوذ بالله من قول الزور، ومن أين له أنه أعطي قوة ثلاثين؟ إنها جنايات بحق رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي قضي حياته جهادا وعبادة وتدريسا وتعليما لأمته. وماذا يعتقد هؤلاء الجهلة عندما يروون مثل هذه الخزايات وكأنهم وحسب عقلياتهم المتنجسة بالشهوات البهيمية أنهم كانوا يفتخرون علي أترابهم بكثرة الجماع وقوة النكاح وفي الحقيقة فهي روايات وضعت للنيل من قدسية النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وثانيا لتبرير مجون الحكام والخلفاء الذين امتلأت قصورهم بالجواري والنساء بلا حدود لأنهم ملك يمين وماذا يقول أنس بن مالك راوي هذا الحديث إذا ما عارضته أم المؤمنين عائشة زوج النبي صلي الله عليه وآله وسلم والتي كانت تقول بأنه صلي الله عليه وآله وسلم كغيره من الرجال في شأن الجماع، فقد أخرج مسلم في صحيحه من كتاب الطهارة في باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين. عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن أم كلثوم عن عائشة زوج النبي صلي الله عليه وسلم قالت: إن رجلا سأل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الرجل يجامع

أهله ثم يكسل هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل. [ صفحه 264] ثم يضيف شارح الحديث علي هامش صحيح مسلم قوله: ثم يكسل معناه في المصباح أكسل المجامع بالألف إذا نزع ولم ينزل ضعفا كان أو غيره. فأين هذا من أنه أعطي قوة ثلاثين؟ وهذه الرواية هي الأخري من وضع الوضاعين قاتلهم الله وضاعف لهم العذاب الأليم، وإلا كيف يقبل عاقل مثل هذه الروايات عن صاحب الرسالة الذي ذهب عنه الحياء فيقول للرجال بحضرة زوجته ما يستحي المؤمن العادي أن يقول مثله.

و لتبرير الغناء والرقص الذي اشتهر في عهد الأمويين

إليك ما يلي الرسول يتفرج علي الرقص ويستمع للغناء. أخرج البخاري في صحيحه في كتاب النكاح باب ضرب الدف في النكاح والوليمة قال: حدثنا بشر بن المفضل حدثنا خالد بن ذكوان قال: قالت الربيع بنت معوذ بن عفراء جاء النبي صلي الله عليه وسلم فدخل حين بني علي فجلس علي فراشي كمجلسك مني فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد فقال: دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين. كما روي البخاري في صحيحه من كتاب الجهاد باب الدرق وكذلك مسلم في صحيحه في كتاب صلاة العيدين باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه). عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع علي الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله فأقبل عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: دعهما، فلما غفل غمزتهما فخرجتا. [ صفحه 265] وعن عائشة قالت: كان

يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم وإما قال: تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم فأقامني وراءه خدي علي خده ويقول: دونكم يا بني أرفدة حتي إذا مللت قال: حسبك قلت: نعم. قال: اذهبي. كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب النكاح باب نظر المرأة إلي الحبش ونحوهم من غير ريبة. قالت عائشة: رأيت النبي صلي الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إليه الحبشة يلعبون في المسجد حتي أكون أنا الذي أسأم فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة علي اللهو. كما روي مسلم في صحيحه كتاب صلاة العيدين باب الرخصة في اللعب عن عائشة قالت: جاء حبش يزفنون في يوم عيد (أي يرقصون) في المسجد فدعاني النبي صلي الله عليه وسلم فوضعت رأسي علي منكبيه فجعلت أنظر إلي لعبهم حتي كنت أنا التي أنصرف عن النظر إليهم. كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب النكاح باب ذهاب النساء والصبيان إلي العرس. عن أنس بن مالك قال: أبصر النبي صلي الله عليه وسلم نساء وصبيانا مقبلين من عرس فقام ممتنا فقال: اللهم أنتم من أحب الناس إلي. يقول شارح البخاري ممتنا معناه قام مسرعا مشتدا في ذلك فرحا بهم. ولتبرير معاقرة الخمر المسكرات إليك ما يلي:

النبي يشرب النبيذ

روي البخاري في صحيحه كتاب النكاح في باب قيام المرأة علي الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس وكذلك في باب النقيع والشراب الذي [ صفحه 266] لا يسكر في العرس. عن أبي حازم عن سهل قال: لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد بلت تمرات في تور من

حجارة من الليل فلما فرغ النبي صلي الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته إياه تتحفه بذلك. ومما يدلك علي أنهم يقصدون بهذه الرواية أن النبي صلي الله عليه وسلم شرب النبيذ. لعل المراد هو غير النبيذ المعروف وإنما هي عادة كانت لدي العرب وهي وضع تمرات في الماء لتذهب رائحة الماء، فهو ليس النبيذ الحقيقي، وبعضهم يري صحة استعمال. فقد أخرج مسلم هذه الرواية في صحيحه من كتاب الأشربة باب إباحة النبيذ الذي لم يشدد ولم يصر مسكرا. ومن هنا بدأ شرب النبيذ وذهب الحكام إلي إباحة الخمر بدعوة أنها حلال ما لم تسكر. ولتبرير الإباحية التي كان عليها الأمويون والعباسيون إليك ما يلي: النبي والابتذال! روي البخاري في صحيحه في كتاب الحج باب الزيارة يوم النحر عن عائشة قالت: حججنا مع النبي صلي الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية فأراد النبي صلي الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله فقلت يا رسول الله إنها حائض. عجبا لهذا النبي الذي يحب مجامعة زوجه علي مشهد وعلم من زوجته الأخري، فتعلمه بأنها حائض بينما لا تعلم المعنية بالأمر من ذلك شيئا. النبي لا يستحي! كما روي مسلم في صحيحه كتاب الفضائل باب فضائل عثمان بن عفان قال: [ صفحه 267] عن عائشة زوج النبي صلي الله عليه وسلم وعثمان حدثاه أن أبا بكر استأذن علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو مضطجع علي فراشه لابس مرط عائشة فأذن لأبي بكر وهو علي تلك الحال فقضي إليه حاجته ثم انصرف قال عثمان: ثم استأذن عمر فأذن له وهو علي تلك الحال فقضي إليه حاجته ثم انصرف قال عثمان: ثم استأذنت

عليه فجلس وقال لعائشة أجمعي عليك ثيابك فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت فقالت عائشة: يا رسول الله ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له علي تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته. أي نبي هذا الذي يستقبل أصحابه وهو مضطجع في مرط زوجته علي فراشه وبجانبه زوجته في لباس مبتذل حتي إذا جاء عثمان جلس وأمر زوجته بأن تجمع عليها ثيابها.

النبي يكشف عورته

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة باب كراهية التعري في الصلاة وكذلك أخرج مسلم في كتاب الحيض باب الاعتناء بحفظ العورة. عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة، وعليه إزاره، فقال له العباس عمه: يا ابن أخي، لو حللت إزارك فجعلته علي منكبيك دون الحجارة، قال فحله فجعله علي منكبيه، فسقط مغشيا عليه، فما رئي بعد ذلك عريانا صلي الله عليه وسلم. أنظر أيها القارئ إلي الاتهامات المزورة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي جعل الحياء من دعائم الإيمان والذي كان أشد حياء من العذراء في خدرها، ولم يكتفوا برواية الابتذال وكشف فخذيه أمام أصحابه حتي اتهموه بكشف عورته بهذه الرواية الموضوعة، فهل كان رسول [ صفحه 268] الله صلي الله عليه وآله وسلم عندهم أبله إلي هذه الدرجة فيسمع إلي كلام عمه ويكشف عن سوأته أمام الناس. أستغفر الله العظيم من أقوال الشياطين الأبالسة الذين يتقولون علي الله ورسوله صلي الله عليه وسلم، هذا الرسول صلي الله عليه وآله وسلم الذي لم ير أزواجه وأقرب

الناس إليه عورته والذي يبيح الشرع له أن يكشف عورته لهن ومع ذلك فإن أم المؤمنين عائشة تقول ما نظرت وما رأيت فرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قط [185] فإذا كان هذا فعله مع زوجاته اللاتي كن يغتسلن معه في إناء واحد فيستر عورته عنهن وما رأينه عريانا أبدا فكيف مع أصحابه والناس عامة. نعم كل ذلك من وضع خنافس الأمويين الذين كانوا لا يتورعون عن أي شئ وإذا كان الخليفة منهم وهو أمير المؤمنين يطرب لقول شاعر من الشعراء الذي ينشده قصيدة في الغزل فيقوم إليه ويكشف عورته ويقبل قضيبه، فلا غرابة بعدها أن يكشفوا عورة النبي وقد تفشي منهم هذا المرض النفسي وأصبح اليوم أمرا عاديا عند بعض المستهترين الذين لا يقيمون وزنا للأخلاق والحياء فأصبح هناك نوادي ومجاميع للعراة في كل مكان يجمع النساء والرجال تحت شعار (ربنا ها نحن كما خلقتنا). ولتبرير تلاعبهم بالدين وبالأحكام الشرعية إليك ما يلي:

النبي يسهو في صلاته

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الأدب باب ما يجوز من ذكر الناس وأخرج مسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة في باب السهو في الصلاة والسجود له. عن أبي هريرة، قال: صلي بنا النبي صلي الله عليه وسلم الظهر ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلي خشبة في مقدم المسجد ووضع يده عليها، [ صفحه 269] وفي القوم يومئذ أبو بكر وعمر فهابها أن يكلماه، وخرج سرعان الناس فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم رجل كان النبي صلي الله عليه وسلم يدعوه ذا اليدين، فقال: يا نبي الله أنسيت أم قصرت؟ فقال: لم أنس ولم تقصر. قالوا: بل نسيت يا رسول الله، قال: صدق ذو اليدين. فقام فصلي ركعتين

ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم وضع مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر [186] . - حاش رسول الله أن يسهو في صلاته ولا يدري كم صلي وعندما يقال له بأنه قصر من الصلاة يقول (لم أنس ولم تقصر) إنه الكذب لتبرير خلفاءهم الذين كانوا كثيرا ما يأتون إلي الصلاة وهم سكاري فلا يدرون كم يصلون وقصة أميرهم الذي صلي بهم صلاة الصبح أربع ركعات ثم التفت إليهم وقال أزيدكم أو يكفيكم؟ مشهورة في كتب التاريخ. كما أخرج البخاري في صحيحه كتاب الأذان في باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام. قال عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نمت عند ميمونة والنبي صلي الله عليه وسلم عندها تلك الليلة فتوضأ ثم قام يصلي فقمت عن يساره، فأخذني فجعلني عن يمينه فصلي ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتي نفخ وكان إذا نام نفخ ثم أتاه المؤذن فخرج فصلي ولم يتوضأ. قال عمرو فحدثت به بكيرا فقال: حدثني كريب بذلك. ويمثل هذه الروايات المكذوبة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم يستخف الأمراء والسلاطين من بني أمية وبني العباس وغيرهم بالصلاة وبالوضوء وبكل شئ حتي أصبح المثل شائعا عندنا صلاة القياد في الجمعة والأعياد. [ صفحه 270]

النبي يحلف و يحنث

روي البخاري في صحيحه في كتاب المغازي قصة عمان والبحرين باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن. عن أبي قلابة عن زهدم قال: لما قدم أبو موسي أكرم هذا الحي من جرم وإنا لجلوس عنده وهو يتغدي دجاجا وفي القوم رجل جالس فدعاه إلي الغداء فقال: إني رأيته يأكل شيئا فقذرته، فقال: هلم فإني رأيت النبي صلي الله عليه وسلم

يأكله، فقال: إني حلفت لا أكله، فقال: هلم أخبرك عن يمينك، إنا أتينا النبي صلي الله عليه وسلم نفر من الأشعريين فاستحملناه فأبي أن يحملنا فاستحملناه فحلف أن لا يحملنا ثم لم يلبث النبي صلي الله عليه وسلم أن أتي بنهب إبل فأمر لنا بخمس ذود فلما قبضناها، قلنا تغفلنا النبي صلي الله عليه وسلم يمينه لا نفلح بعدها أبدا، فأتيته فقلت: يا رسول الله إنك حلفت أن لا تحملنا وقد حملتنا، قال: أجل ولكن لا أحلف علي يمين فأري غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير منها. أنظر إلي هذا النبي الذي بعثه الله سبحانه ليعلم الناس الحفاظ علي الأيمان ولا ينقضوها إلا بكفارة ولكنه هو يأمر بالشئ ولا يأتيه قال تعالي: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون [المائدة: 89]. وقال أيضا: (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها [النحل: 91]. ولكن هؤلاء لم يتركوا لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فضلا ولا فضيلة. [ صفحه 271]

اعتقت عائشة أربعين رقبة لتكفر عن يمينها

وأين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من زوجته عائشة التي كفرت عن يمين نقضته بتحرير أربعين رقبة فهل هي أبر وأتقي لله من رسول الله؟ ج 7 ص 90. أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الأدب باب الهجرة وقول رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث. - إن عائشة حدثت أن عبد الله بن الزبير قال في بيع

أو عطاء أعطته عائشة: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها، فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم! قالت: هو لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة، فقالت: لا والله لا أشفع فيه أبدا ولا أتحنث إلي نذري، فلما طال ذلك علي ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهما من بني زهرة وقال لهما: أنشدكما بالله لما أدخلتماني علي عائشة فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي. فأقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين بأرديتهما حتي استأذنا علي عائشة، فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا. قالوا: كلنا؟ قالت: نعم ادخلوا كلكم ولا تعلم أن معهما ابن الزبير. فلما دخلوا، دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلا ما كلمته وقبلت منه، ويقولان إن النبي صلي الله عليه وسلم نهي عما قد علمت من الهجرة فإنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلما أكثروا علي عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما وتبكي وتقول إني نذرت والنذر شديد فلم يزالا بها حتي كلمت ابن الزبير وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتي تبل دموعها خمارها. ورغم أن قسم عائشة لا يجوز لأن النبي صلي الله عليه وسلم حرم أن [ صفحه 272] يهجر المسلم أخاه أكثر من ثلاثة أيام ولكنها أبت إلا أن تكفر عن يمينها بتحرير أربعين رقبة، وهذا أيضا يدلنا دلالة أخري من أنها كانت دولة بمفردها، وإلا كيف تملك عائشة أربعين رقبة أو ثمنها فليس ذلك بالشئ اليسير، ولم يسجل التاريخ

أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أعتق هذا العدد الهائل طيلة حياته. إنهم لم يتركوا سيئة أو نقيصة إلا وألصقوها به كل ذلك ليبرروا أفعال أمرائهم قاتلهم الله أني يؤفكون. ولتبرير استهتارهم بالأحكام الشرعية إليك ما يلي:

النبي يتنازل في أحكام الله حسبما يريد

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الصوم باب اغتسال الصائم وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب الصيام باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان علي الصائم، ووجوب الكفارة الكبري فيه. وأنها تجب علي الموسر والمعسر. عن أبي هريرة قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلي الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت! قال: مالك؟ قال: وقعت علي امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا. قال فمكث عند النبي صلي الله عليه وسلم فبينما نحن علي ذلك أتي النبي صلي الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، والعرق المكتل قال: أين السائل؟ فقال: أنا، قال: خذه فتصدق به، فقال الرجل: أعلي أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها يريد الحرتين أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي صلي الله عليه وسلم حتي بدت أنيابه ثم قال أطعمه أهلك. [ صفحه 273] أنظر كيف تصبح أحكام الله وحدود الله التي رسمها لعباده من تحرير رقبة علي الموسرين والذين لا يقدرون علي تحرير رقبة فما عليهم إلا إطعام ستين مسكينا وإذا تعذر وكان فقيرا فما عليه إلا بالصوم وهو كفارة الفقراء الذين لا يجدون أموالا كافية لتحرير أو لإطعام المساكين ولكن هذه الرواية تتعدي حدود الله

التي رسمها لعباده ويكفي أن يقول هذا الجاني كلمة يضحك لها الرسول حتي تبدو أنيابه فيتساهل في حكم الله ويبيح له أن يأخذ الصدقة لأهل بيته. وهل هناك أكبر من هذه الفرية علي الله ورسوله صلي الله عليه وسلم فيصبح الجاني مجازا علي ذنبه الذي تعمده بدلا من العقوبة وهل هناك تشجيعا أكبر من هذا لأهل المعاصي والفسقة الذين سيتشبثون بمثل هذه الروايات المكذوبة ويرقصون لها. وبمثل هذه الروايات أصبح دين الله وأحكامه لعبا وهزؤا وأصبح الزاني يفتخر بارتكابه الفاحشة ويتغني باسم الزاني في الأعراس والمحافل كما أصبح المفطر في شهر الصيام يتحدي الصائمين. كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الأيمان والنذور باب إذا حنث ناسيا. عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل للنبي صلي الله عليه وسلم زرت قبل أن أرمي (أي طفت بالبيت طواف الزيارة) قال النبي صلي الله عليه وسلم: لا حرج قال آخر: حلقت قبل أن أذبح قال: لا حرج، قال آخر ذبحت قبل أن أرمي قال: لا حرج. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلي الله عليه وسلم بينما هو يخطب يوم النحر إذ قام إليه رجل فقال: كنت أحسب يا رسول الله كذا وكذا قبل كذا وكذا، ثم قام آخر: فقال: يا رسول الله كنت أحسب كذا وكذا لهؤلاء الثلاث (الحلق والنحر والرمي) فقال النبي صلي الله عليه وسلم: افعل [ صفحه 274] ولا حرج لهن كلهن يومئذ، فما سئل يومئذ عن شئ إلا قال افعل افعل ولا حرج. والغريب أنك عندما تقرأ هذه الروايات مستنكرا لها يجابهك بعض المعاندين بأن دين الله يسر وليس عسرا. وأن الرسول صلي الله عليه

وآله وسلم قال: يسروا ولا تعسروا. وإنها كلمة حق يراد بها باطلا، لأنه ليس هناك شكا في أن الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر وما جعل علينا في الدين من حرج - ولكن فيما سطره ورسمه لنا من أحكام وحدود عن طريق القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وأعطانا الرخص اللازمة عند اقتضاء الحال كالتيمم عند فقدان الماء أو الخوف من الماء البارد، وكالصلاة جالسا عند الاقتضاء وكالإفطار وتقصير الصلاة في السفر، كل هذا صحيح ولكن أن نخالف أوامره سبحانه بأن نجعل مثلا ترتيب الوضوء أو التيمم كما نريد فنغسل اليدين قبل الوجه مثلا أو نمسح الرجلين قبل الرأس فهذا لا يجوز. ولكن الوضاعين أرادوا أن يتنازل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن كل شئ ليجدوا منفذا وكما يقول كثير من الناس اليوم (عندما تجادلهم في الأمور الفقهية) لا عليك يا خي، المهم صل فقد، صل كما يحلو لك!. والغريب أن البخاري نفسه يخرج في نفس الصفحة التي بها قول الرسول (افعل افعل ولا حرج) واقعة يظهر فيها النبي متشددا إلي أبعد الحدود. قال عن أبي هريرة أن رجلا دخل المسجد يصلي ورسول الله صلي الله عليه وسلم في ناحية المسجد فجاء فسلم عليه فقال له: إرجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلي ثم سلم فقال وعليك، ارجع فصل فإنك لم تصل، وكرر الرجل الصلاة ثلاث مرات وفي كل مرة يقول له الرسول ارجع فصل فإنك لم تصل، فقال الرجل للرسول علمني يا رسول الله فعلمه [ صفحه 275] الاطمئنان في الركوع والاطمئنان في السجود قال ثم اركع حتي تطمئن راكعا ثم ارفع رأسك حتي تعتدل قائما ثم اسجد حتي تطمئن ساجدا

ثم ارفع حتي تستوي وتطمئن جالسا ثم اسجد حتي تطمئن ساجدا ثم ارفع حتي تستوي قائما ثم افعل ذلك في صلاتك كلها. كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد باب قول الله عز وجل فاقرؤوا ما تيسر من القرآن. عن عمر بن الخطاب يقول سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلي الله عليه وسلم فاستمعت لقرائته فإذا هو يقرأ علي حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلي الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتي سلم فلبيته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ قال: أقرأنيها رسول الله صلي الله عليه وسلم فقلت: كذبت أقرأنيها علي غير ما قرأت. فانطلقت به أقوده إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقلت إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان علي حروف لم تقرئنيها، فقال أرسله إقرأ يا هشام فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم كذلك أنزلت، ثم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إقرأ يا عمر فقرأت التي أقراني فقال: كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل علي سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه. فهل يبق بعد هذه الرواية شك في أن الوضاعين تطاولوا علي قداسة الرسول صلي الله عليه وسلم حتي من خلال القرآن الكريم وأنه علم الصحابة بقراءات مختلفة ويقول لكل منهم كذلك أنزل ولو لم تكن القراءة فيها اختلاف كبير ما كان عمر يكاد يقطع علي هشام الصلاة ويتهدده. وهذا يذكرني بعلماء أهل السنة الذين يتشبثون بقراءة معينة فلا يجيزون لأحد أن يقرأ علي غير ما يعرفون، وكنت يوما أقرأ اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم فانتهرني [ صفحه 276] أحدهم بشدة

وصرخ قائلا: لا تكسر القرآن إن كنت تجهل القراءة. قلت: كيف كسرت القرآن؟ قال: اذكروا نعمتي، وليس نعمتي. كما أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الاستقراض وأداء الدين في باب الخصومات من جزئه الثالث صفحة 88. عن عبد الملك بن ميسرة أخبرني قال سمعت النزال، سمعت عبد الله يقول سمعت رجلا قرأ آية سمعت من النبي صلي الله عليه وسلم خلافها، فأخذت بيده فأتيت به رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال: كلاكما محسن. قال شعبة أظنه قال: لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا. سبحان الله وبحمده، كيف يقر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم اختلافهم بقوله كلاكما محسن؟ ولا يرجع بهم إلي قراءة موحدة تقطع دابر الاختلاف. ثم بعد ذلك يقول لهم: لا تختلفوا فتهلكوا، أليس هذا هو التناقض؟ يا عباد الله أفتونا يرحمكم الله. وهل اختلفوا إلا فإقراره هو ومباركته وتشجيعه. كلا وحاش رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من هذا التناقض والاختلاف الذي تنفر منه العقول. - أفلا يتدبرون القرآن الذي يقول: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [النساء: 82]. وهل وقع اختلاف أكبر وأخطر علي الأمة الإسلامية من القراءات المتعددة التي غيرت معاني القرآن إلي تفاسير وآراء مختلفة فأصبحت آية الوضوء الواضحة مختلفا فيها. [ صفحه 277]

النبي يتصرف كالصبيان! و يعاقب من لا يستحق العقوبة

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب المغازي باب مرض النبي صلي الله عليه وسلم ووفاته. ومسلم في صحيحه في كتاب السلام باب كراهة التداوي باللدود. عن عائشة قالت لددنا [187] رسول الله صلي الله عليه وسلم في مرضه، فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني. فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق، قال: ألم أنهكم أن تلدوني؟

قلنا: كراهية المريض للدواء، فقال: لا يبقي أحد في البيت إلا لد وأنا أنظر، إلا العباس فإنه لم يشهدكم. عجيب أمر هذا النبي المفتري عليه، الذي جعل المفترون كالصبي الذي يغرغروه الدواء المر الذي لا يقبله، فيشير إليهم أن لا يلدوه، ولكنهم يغصبونه علي ذلك رغم أنفه. ولما يفيق يقول لهم: ألم أنهكم أن تلدوني؟ فيعتذرون له بأنهم ظنوا بأن النهي هو كراهية المريض للدواء، فيحكم عليهم جميعا بأن يلدوا وهو ينظر ليشفي غليله منهم ولا يستثني منهم إلا عمه العباس لأنه لم يكن حاضرا عملية اللدود. ولم تكمل السيدة عائشة نهاية القصة وهل نفذ النبي صلي الله عليه وآله وسلم حكمه فيهم أم لا، وعلي طريق من وكيف تمت عملية اللدود بين النساء والرجال الحاضرين. النبي يسقط بعض آيات من القرآن! أخرج البخاري في صحيحه في كتاب فضائل القرآن باب نسيان القرآن وكذلك في باب من لا يري بأسا أن يقول سورة كذا وكذا. وأخرج [ صفحه 278] مسلم في صحيحه من كتاب صلاة المسافرين وقصرها في باب الأمر بتعهد القرآن وكراهة قول نسيت أية كذا. حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم رجلا يقرأ في سورة بالليل، فقال: يرحمه الله لقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا. كما أخرج البخاري رواية أخري عن علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع النبي صلي الله عليه وسلم قارئا يقرأ في الليل في المسجد فقال: يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا أية أسقطتها من سورة كذا وكذا. ها هو النبي الذي أرسله الله

سبحانه بالقرآن وهو معجزته الخالدة والذي كان يحفظه من يوم نزوله عليه جملة قبل نزوله أنجما وقد قال له تعالي: لا تحرك به لسانك لتعجل به، وقال أيضا: وإنه تنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين علي قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الأولين [الشعراء: 196]. ولكن الكذابين والدجالين والوضاعين يأبون إلا أن يلصقوا به كل الأباطيل وكل السفاسف والمخاريق التي لا يقبلها عقل ولا ذوق سليم ومن حق المسلمين الباحثين أن ينزهوا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن أمثال هذه الروايات المزيفة التي ملأت كتب الأحاديث وخصوصا منها المعدودة من الصحاح. فنحن لم نخرج إلا من كتاب البخاري ومسلم اللذين هما عند أهل السنة أصح الكتب بعد كتاب الله وإذا كان هذا شأن الصحاح بخصوص الطعن بقداسة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وعصمته فلا تسأل عن باقي الكتب الأخري. كل ذلك من وضع أعداء الله وأعداء رسوله صلي الله عليه وآله وسلم الذين تزلفوا إلي حكام بني أمية في عهد معاوية وما بعده حتي ملأوا المطامير بالأحاديث المكذوبة والتي يريدون من خلالها الطعن علي صاحب الرسالة صلي الله عليه وآله وسلم لأنهم [ صفحه 279] لم يؤمنوا بكل ما جاء به من عند الله، هذا من جهة ومن جهة أخري ليبرروا أفعال أسيادهم البشعة والشنيعة التي سجلها تاريخ المسلمين، وقد كشفهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من بداية البعثة وحذر منهم وطردهم من المدينة ولعنهم فقد أخرج الطبري في تاريخه: قال رأي النبي صلي الله عليه وآله وسلم أبا سفيان مقبلا علي حمار ومعاوية يقود به، ويزيد ابنه يسوق به فقال: لعن الله القائد والراكب

والسائق [188] وأخرج الإمام أحمد في مسنده من طريق ابن عباس قال كنا في سفر مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فسمع رجلين يتغنيان وأحدهما يجيب الآخر فقال النبي صلي الله عليه وسلم: أنظروا من هما، فقالوا: معاوية وعمر بن العاص فرفع رسول الله يديه فقال: اللهم اركسهما ركسا ودعهما إلي النار دعا [189] وعن أبي ذر الغفاري قال لمعاوية: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول وقد مررت به: اللهم ألعنه ولا تشبعه إلا بالتراب [190] وقد قال الإمام علي عليه السلام في كتاب بعث به لأهل العراق: والله لو لقيتهم فردا وهم ملء الأرض ما باليت ولا استوحشت، وإني من ضلالتهم التي هم فيها، والهدي الذي نحن عليه لعلي ثقة وبينة ويقين وبصيرة، وإني إلي لقاء ربي لمشتاق ولحسن ثوابه لمنتظر، ولكن أسفا يعتريني وحزنا يخامرني أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا، والصالحين حربا والقاسطين حزبا [191] . وبما أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد لعنهم كما مر عليك ولم يجدوا لتلك الأحاديث دسا لأن جل الصحابة كانوا يعرفونها فوضعوا في مقابلها أحاديث أخري تقلب الحق باطلا وتجعل من رسول الله صلي الله [ صفحه 280] عليه وآله وسلم شخصا عاديا تعتريه الحمية الجاهلية ويأخذه الغضب إلي أبعد الحدود فيسب ويلعن من لا يستحق ذلك، ودفاعا علي أسيادهم الملاعين فقد وضعوا هذا الحديث. أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الدعوات باب قول النبي صلي الله عليه وسلم من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة. وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة والآداب باب من لعنه النبي صلي الله عليه وسلم

أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك كان له زكاة وأجرا ورحمة علي عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم رجلان فكلماه بشئ لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبهما، فلما خرجا قلت: يا رسول الله من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان. قال: وما ذاك قالت قلت: لعنتهما وسببتهما قال: أو ما علمت ما شرطت عليه ربي، قلت: اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا. وعن أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: اللهم إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر فأي المؤمنين آذيته شتمته، لعنته، جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة. وبمثل هذه الأحاديث الموضوعة يصبح النبي يغضب لغير الله ويسب ويشتم بل ويلعن ويجلد من لا يستحق ذلك أي نبي هذا الذي يعتريه الشيطان فيخرج عن دائرة المعقول وهل يسمح أي رجل دين عادي أن يفعل ذلك؟ أم هل لا يستقبح منه ذلك؟ وبمثل هذه الأحاديث يصبح حكام بني أمية الذين لعنهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ودعا عليهم وجلد البعض منهم لارتكابهم الفاحشة وافتضحوا أمام الناس عامة، يصبحون مظلومين بل يصبحون مزكين ومرحومين ومقربين إلي الله. وهذه الأحاديث الموضوعة تكشف عن نفسها بنفسها وتفضح [ صفحه 281] الوضاعين فلم يكن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سبابا ولا لعانا ولا فاحشا ولا متفحشا حاشاه.. حاشاه. كبرت كلمة تخرج من أفواههم أن غضب الله عليهم و لعنهم وأعد لهم عذابا أليما. وتكفينا رواية واحدة أخرجها البخاري ومسلم عن عائشة نفسها لدحض هذه المزاعم الكاذبة. أخرج البخاري في صحيحه في

كتاب الأدب باب لم يكن النبي صلي الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا. عن عائشة قالت: أن يهودا أتوا النبي صلي الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة فقلت: عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم، قال النبي صلي الله عليه وسلم: مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش: قلت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في. كما أخرج مسلم في صحيحه كتاب البر والصلة والآداب بأن رسول الله صلي الله عليه وسلم نهي أن يكون المسلم لعانا. ونهاهم حتي عن لعن الحيوان والدواب، وقيل له يا رسول الله ادع علي المشركين فقال: إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة. وهذا هو الذي يتماشي مع الخلق العظيم والقلب الرحيم الذي اختص به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فلم يكن يلعن ويسب ويجلد من لا يستحق إنما إذا غضب فإنه يغضب لله وإذا لعن فإنه يلعن من يستحق اللعن وإذا جلد فإنما يجلد لإقامة حدود الله لا أن يجلد الأبرياء الذين لم تقم عليهم البينة أو الشهود أو الاعتراف. ولكن هؤلاء غاضهم وأحرق قلوبهم أن تتفشي الروايات التي فيها لعن معاوية وبني أمية فاختلقوا هذه الروايات للتمويه علي الناس وليرفعوا مكانة معاوية الوضيعة ولذلك تجد مسلم في صحيحه بعد إخراج هذه الروايات [ صفحه 282] التي تجعل من لعن الرسول لمعاوية زكاة ورحمة وقربة من الله. يخرج حديث عن ابن عباس قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلي الله عليه وسلم فتواريت خلف باب قال فجاء فحطأني حطأة وقال اذهب وادع لي معاوية قال: فجئت فقلت هو يأكل قال

ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية قال فجئت فقلت هو يأكل فقال: لا أشبع الله بطنه [192] . ونجد في كتب التاريخ بأن الإمام النسائي بعد ما كتب كتاب الخصائص التي اختص بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، دخل الشام فاعترضه أهل الشام وقالوا له لماذا لم تذكر فضائل معاوية فقال لهم: لا أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنه. فضربوه علي مذاكيره حتي استشهد. والمؤرخون يذكرون بأن دعوة النبي صلي الله عليه وآله وسلم نفذت فكان معاوية يأكل ويأكل حتي يتعب من الأكل ولا يشبع. وفي الحقيقة لم أكن أعرف هذه الروايات التي تجعل اللعنة رحمة وقربة من الله، إلي أن عرفني عليها أحد المشايخ في تونس وهو موصوف بالعلم والمعرفة وكنا في مجمع نتجاذب أطراف الحديث حتي جاء ذكر معاوية بن أبي سفيان وكان الشيخ يتحدث عنه بكل إعجاب ويقول هو داهية ومشهور بالذكاء وحسن التدبير، وأخذ يتكلم عنه وعن سياسته وانتصاره علي سيدنا علي كرم الله وجهه في الحرب وصبرت عليه بمضض ولكنه ذهب شوطا بعيدا في إطراء معاوية والثناء عليه حتي عيل صبري وقلت له: بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ما كان يحبه وقد دعا عليه ولعنه، فاستغرب الحاضرون ومنهم من غضب من قولي، ولكن الشيخ بكل هدوء رد علي يصدقني، مما زاد دهشة الحاضرين وقالوا له: نحن لم نفهم شيئا! من ناحية، أنت تمدحه وتترضي عنه ومن ناحية أخري توافق علي أن النبي لعنه؟ فكيف يصح هذا؟ وتساءلت أنا معهم كيف يصح ذلك. وأجابنا الشيخ [ صفحه 283] بجواب بدا غريبا وصعب القبول قال: إن الذي يلعنه رسول الله أو يسبه فهي

له زكاة ورحمة وقربة عند الله سبحانه. وتسائل الجميع في دهشة. وكيف ذلك؟ قال: لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: أنا بشر كسائر البشر وقد سألت الله أن يجعل دعائي ولعنتي رحمة وزكاة. ثم أضاف قائلا: وحتي الذي يقتله رسول الله صلي الله عليه وسلم فهو من دنياه إلي الجنة مباشرة. واختليت بالشيخ فيما بعد وسألته عن مصدر الحديث الذي ذكره فأحالني علي صحيح البخاري وصحيح مسلم، واطلعت علي تلك الأحاديث ولم تزدني إلا يقينا بالمؤامرة التي دبرها الأمويون لتغطية الحقائق ولستر فضائحهم من جهة ولضرب عصمة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم من جهة أخري. ووجدت بعدها روايات كثيرة ترمي إلي نفس الهدف، وحتي يطمئن المتآمرون فقد اختلقوا أكثر من ذلك علي لسان رب العالمين فقد أخرج البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد باب قول الله تعالي يريدون أن يبدلوا كلام الله. عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: قال رجل لم يعمل خيرا قط، فإذا مات فحرقوه وأذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال: لم فعلت؟ قال: من خشيتك وأنت أعلم! فغفر له. وعنه أيضا في نفس الصفحة: قال أبو هريرة سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إن عبدا أصاب ذنبا وربما قال أذنب ذنبا فقال رب أذنبت ذنبا وربما قال أصبت فاغفر. فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت

أو أصبت آخر فاغفره، فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به [ صفحه 284] غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا وربما قال أصاب ذنبا فقال: رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفر لي، فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء. أي رب هذا يا عباد الله؟ ورغم أن العبد علم من الوهلة الأولي بأن له ربا يغفر الذنب، غير أن ربه بقي جاهلا بهذه الحقيقة وفي كل مرة يتساءل أعلم عبدي بأن له ربا يغفر الذنب؟؟ أي رب هذا الذي من كثرة الذنوب المتكررة وكثرة المغفرة المتكررة فقد كل ومل وقال لعبده: أعمل ما شئت وريحني الله يخليك. وكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا فلعلك باع نفسك علي آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا. نعم لقد زعموا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال لعثمان: أعمل ما شئت فلن يضرك ما فعلت بعد اليوم. وذلك عندما جهز عثمان جيش العسرة حسبما يقولون. إنها صكوك الغفران التي يقبضها رهبان الكنيسة مقابل دخول الجنة. فليس من الغريب إذا أن يفعل عثمان تلك الأعمال الشنيعة التي سببت الثورة عليه وقتله ودفنه في غير مقابر المسلمين بغير تغسيل ولا تكفين. تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

النبي يتناقض في حديثه

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الفتن باب إذا التقي المسلمان بسيفهما - من جزئه الثامن صفحة 92. عن عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا حماد عن رجل لم يسمه عن الحسن قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أو بكرة فقال: أين [ صفحه 285] تريد؟ قلت أريد نضرة

ابن عم رسول الله صلي الله عليه وسلم! فقال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا تواجد المسلمان بسيفهما فكلاهما من أهل النار، قيل فهذا القاتل فما بال المقتول قال إنه أراد قتل صاحبه - قال حماد بن زيد فذكرت هذا الحديث لأيوب ويونس بن عبيد وأنا أريد أن يحدثاني به، فقالا إنما روي هذا الحديث الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة. كما أخرج مسلم في صحيحه من كتاب الفتن وأشراط الساعة باب إذا تواجد المسلمان بسيفهما. حديث أبي بكرة عن الأحنف بن قيس، قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل، فلقيني أبو بكرة، فقال: أين تريد، قلت: أنصر هذا الرجل قال: ارجع فإني سمعت رسول الله يقول: إذا التقي المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار فقلت يا رسول الله! هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا علي قتل صاحبه [193] . من خلال هذه الأحاديث الموضوعة يفهم القارئ بوضوح الأسباب التي دعت لوضعه، ويتجلي أبو بكر بعداوته إلي ابن عم المصطفي وكيف عمل علي خذلان أمير المؤمنين ولم يكتف بذلك حتي أخذ يثبط عزائم الصحابة الذين أرادوا نصرة الحق ضد الباطل فيختلق لهم مثل هذا الحديث الذي لا تقبله العقول ولا يقره القرآن الكريم ولا الصحيح من السنة النبوية. فقول الله سبحانه وتعالي: فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ إلي أمر الله [الحجرات: 9]. أمر صريح في قتال البغاة والظالمين ولذلك تلاحظ أن شارح البخاري نفسه كتب علي هامش الحديث هذه العبارة (أنظر هل في هذا الحديث حجة علي مقاتلة البغاة مع قول الله تعالي فقاتلوا التي تبغي) وإذا تعارض الحديث مع كتاب الله فهو مكذوب وليضرب به عرض الجدار. أما [

صفحه 286] السنة النبوية الصحيحة فقوله صلي الله عليه وسلم في علي من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار، فموالاة علي هي موالاة لرسول الله صلي الله عليه وسلم ونصرة أمير المؤمنين واجبة علي كل مسلم وخذلانه هو خذلان للحق ونصرة للباطل. ثم لو تأملت في حديث البخاري لوجدت هناك في سلسلة الرواة واحدا مجهولا لم يذكروا اسمه إذ يقول: حدثنا حماد عن رجل لم يسمه، وهذه تدل دلالة جلية بأن هذا المجهول هو من المنافقين الذين يبغضوا عليا ويحاولون جهدهم طمس فضائله أو بالأحري القضاء عليه وعلي ذكره ما استطاعوا لذلك سبيلا. وقد قال سعد بن أبي وقاص الذي امتنع هو الآخر عن نصرة الحق ائتنوني بسيف يقول هذا علي حق وهذا علي باطل لأقاتل به وبمثل هذا التمويه يلبس الحق بالباطل وتضيع السبل الواضحة لتحل محلها الظلمات. علي أننا نجد في كتب السنة المعتمدة أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بشر الكثير من أصحابه بالجنة وخصوصا العشرة الذين اشتهروا بين المسلمين بأنهم المبشرين بالجنة. فقد أخرج أحمد والترمذي وأبو داود أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة [194] . وقد صح عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قوله: أبشروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة وقوله اشتاقت الجنة إلي أربع علي وعمار، وسلمان

[ صفحه 287] والمقداد وقد روي مسلم في صحيحه أن عبد الله بن سلام بشره رسول الله بالجنة وصح عنه قوله: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وكذلك صح عنه أن جعفر بن أبي طالب يطير مع الملائكة في الجنة. وأن فاطمة الزهراء سيدة النساء في الجنة وأن أمها خديجة بشرها جبرئيل ببيت من قصب في الجنة وصح عنه قوله: صهيب سابق الروم إلي الجنة، وبلال سابق الحبشة إلي الجنة وسلمان سابق الفرس إلي الجنة. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تختص أحاديث البشارة بالجنة إلا علي هؤلاء العشرة فلا تجد مجمع ولا مجلس إذا ما تحدثوا عن الجنة إلا وجاءوا بذكر العشرة المبشرين بالجنة. ونحن لا نحسدهم علي ذلك ولا نضيق رحمة الله الواسعة التي وسعت كل شي ولكن نقول فقط بأن هذه الأحاديث تناقض وتتعارض مع حديث إذا التقي المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار. لأننا لو صدقنا به لتبخر حديث البشارة بالجنة إذا أن معظم هؤلاء تحاربوا وتقاتلوا وقتل بعضهم بعضا، فطلحة والزبير قتلا في حرب الجمل التي قادتها أم المؤمنين عائشة ضد الإمام علي بن أبي طالب وسلت سيوفهم بل وتسببوا في قتل الآلاف من المسلمين. كما أن عمار بن ياسر قتل في حرب صفين التي أشعل نارها معاوية بن أبي سفيان وكان عمار متواجدا بسيفه مع علي بن أبي طالب فقتلته الفئة الباغية كما نص علي ذلك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما أن سيد الشهداء سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين تواجد بسيفه هو وأهل بيت المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم مقابل جيش يزيد بن معاوية، وقد قتلهم كلهم ولم ينج منهم إلا علي بن الحسين. فعلي

رأي هؤلاء الكذابين فإن كل هؤلاء في النار القاتلين والمقتولين، لأنهم التقوا بسيوفهم. [ صفحه 288] وواضح أن الحديث لا يمكن أن تصح نسبته إلي من لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي، وهو كما قدمنا يصدم مع المنطق والعقل، ويناقض كتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وآله وسلم والسؤال الذي يطرح هنا، كيف يغفل البخاري ومسلم عن مثل هذه الأكاذيب ولا يتنبهون لها؟ أم أن لهما في أمثال هذه الأحاديث مذهب وعقيدة؟

التناقض في الفضائل

ومن الأحاديث المتناقضة التي تجدها في الصحاح هو تفضيل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي كل الأنبياء والمرسلين، وأحاديث أخري ترفع من شأن موسي درجة أعلي من درجته، وأعتقد بأن اليهود الذين أسلموا في عهد عمر وعثمان أمثال كعب الأحبار وتميم الداري ووهب بن منبه هم الذين وضعوا تلك الأحاديث علي لسان بعض الصحابة الذين كانوا معجبين بهم أمثال أبي هريرة وأنس بن مالك وغيرهم. فقد أخرج البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد باب قوله تعالي: وكلم الله موسي تكليما. عن أنس بن مالك حكاية طويلة تحكي إسراء النبي صلي الله عليه وآله وسلم ثم عروجه إلي السماوات السبع ثم إلي سدرة المنتهي وقصة فرض الصلوات الخمسين التي فرض علي محمد وأمته وبفضل موسي ردت إلي خمس عملية وما فيها من الكذب الصريح والكفر الشنيع من أن الجبار رب العزة دنا فتدلي حتي كان من النبي قاب قوسين أو أدني، وغيرها من التخريف ولكن ما يهمنا في هذه الرواية هو أن محمدا لما استفتح السماء السابعة وكان فيها موسي وأن الله رفعه في السابعة بتفضيل كلام الله فقال موسي: رب لم أظن أن يرفع علي أحد.

وأخرج مسلم في صحيحه [ صفحه 289] في كتاب الإيمان باب بدء الوحي إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم. وأخرج البخاري في صحيحه كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم قصة أخري تشبه الأولي وتحكي الإسراء والمعراج ولكن تقول بأن موسي كان في السماء السادسة وإبراهيم في السابعة والذي يهمنا منها هو هذا المقطع. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: فأتينا علي السماء السادسة، قيل من هذا؟ قيل جبرئيل، قيل من معك؟ قال محمد صلي الله عليه وسلم، قيل وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل مرحبا به ولنعم المجئ جاء. فأتيت علي موسي فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من أخ ونبي، فلما جاوزت بكي، فقيل ما أبكاك؟ فقال: يا رب هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي. كما أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان باب أدني أهل الجنة منزلة فيها عن أبي هريرة قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون مم ذلك؟ يجمع الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلي ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض، عليكم بآدم، فيأتون آدم عليه السلام، فيقولون له: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلي ربك، ألا تري إلي ما نحن فيه، ألا تري إلي ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله

وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي، نفسي، نفسي اذهبوا إلي غيري اذهبوا إلي نوح، وتمضي الرواية وهي طويلة جدا (ونحن دائما نريد الاختصار) إلي أن يطوف الناس علي نوح ثم علي إبراهيم ثم علي موسي ثم علي عيسي وكلهم يقول نفسي، نفسي نفسي، ويذكر خطيئته أو ذنبه، عدا عيسي [ صفحه 290] لم يذكر ذنبا ولكنه قال نفسي! نفسي! نفسي! اذهبوا إلي غيري، اذهبوا إلي محمد. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم فيأتوني، فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه علي أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي يا رب أمتي يا رب، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوي ذلك من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير، أو كما بين مكة وبصري. وفي هذه الأحاديث يقول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بأنه سيد الناس يوم القيامة! ويقول بأن موسي قال: يا رب ما كنت أظن أن يرفع علي أحد. ويقول بأن موسي بكي وقال: يا رب هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي. ونفهم من خلال هذه الأحاديث بأن كل الأنبياء والمرسلين من آدم حتي عيسي مرورا بنوح وإبراهيم وموسي (عليهم وعلي نبينا أفضل الصلاة وأزكي التسليم) لن يشفعوا عند الله يوم القيامة وخص الله بها محمدا صلي الله عليه وآله وسلم ونحن نؤمن بكل ذلك

ونقول بتفضيله صلي الله عليه وآله وسلم علي سائر البشر ولكن الإسرائيليين وأعوانهم من بني أمية لم يتحملوا هذا الفضل والفضيلة لمحمد صلي الله عليه وآله وسلم حتي اختلقوا روايات تقول بتفضيل موسي عليه، وقد مر بنا في خلال أبحاث سابقة قول موسي لمحمد ليلة الإسراء والمعراج ولما فرض الله عليه خمسين صلاة: قال له موسي أنا أعلم بالناس منك. وهذا لم يكف فاختلقوا روايات أخري تقول بتفضيله (أي موسي علي محمد) علي لسان محمد نفسه فإليك بعض هذه الروايات. أخرج البخاري في صحيحه من كتاب التوحيد باب في المشيئة [ صفحه 291] والإرادة وما تشاؤون إلا أن يشاء الله. عن أبي هريرة قال: استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال المسلم: والذي اصطفي محمدا علي العاملين في قسم يقسم به فقال اليهودي: والذي اصطفي موسي علي العالمين، فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم اليهودي فذهب اليهودي إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخبره بالذي كان من أمره وأمر المسلم فقال النبي صلي الله عليه وسلم: لا تخيروني علي موسي فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا موسي باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثني الله. وفي رواية أخري للبخاري قال: جاء رجل من اليهود إلي النبي صلي الله عليه وسلم قد لطم وجهه وقال: يا محمد إن رجلا من أصحابك من الأنصار لطم في وجهي، قال: ادعوه فدعوه قال: لما لطمت وجهه؟ قال: يا رسول الله إني مررت باليهود فسمعته يقول: والذي اصطفي موسي علي البشر فقلت: وعلي محمد وأخذتني غضبة فلطمته. قال: لا تخيروني من بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم

القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسي آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جزي بصعقة الطور. كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب تفسير القرآن سورة يوسف عليه الصلاة والسلام باب قوله فلما جاءه الرسول: عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلي ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي ونحن أحق من إبراهيم إذا قال له أو لم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي. ولم يكفهم كل ذلك حتي جعلوا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [ صفحه 292] من الشاكين حتي في مصيره عند ربه فلا الشفاعة ولا المقام المحمود ولا تفضيله علي الأنبياء والمرسلين ولا تبشير بالجنة لأصحابه إذا كان هو نفسه لا يعرف مصيره يوم القيامة. إقرأ معي هذه الرواية التي أخرجها البخاري وأعجب أو لا تعجب. أخرج البخاري في صحيحه باب في الجنائز من كتاب الكسوف من جزئه الثاني الصفحة 71. عن خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء امرأة من الأنصار بايعت النبي صلي الله عليه وسلم أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقلت: بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله، فقال عليه السلام: أما هو فقد جاءه اليقين والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله

ما يفعل بي. قالت: فوالله لا أزكي أحدا بعده أبدا. إن هذا لشئ عجاب والله! فإذا كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقسم بالله أنه لا يدري ما يفعل به، فماذا يبقي بعد هذا. وإذا كان الله سبحانه يقول بل الإنسان علي نفسه بصيرة وإذا كان الله يقول لنبيه: إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا [الفتح: 1]. وإذا كان دخول الجنة للمسلمين موقوفا علي اتباعه وإطاعته والتصديق به، فكيف نصدق هذا الحديث الذي لا أقبح منه نعوذ بالله من عقيدة بني أمية الذين ما كانوا يؤمنون يوما بأن محمدا هو رسول الله حقا وإنما كانوا [ صفحه 293] يعتقدون بأنه ملك تغلب علي الناس بذكائه ودهائه. وهذا ما صرح به أبو سفيان ومعاوية ويزيد وغيرهم من خلفائهم وحكامهم.

النبي يتناقض مع العلم والطب

إن العلم يثبت بما لا شك فيه أن هناك بعض الأمراض التي تنقل بالعدوي وهذا ما يعرفه أغلب الناس حتي غير المثقفين، أما طلبة العلوم الذين يدرسون علم الطب في الجامعات، فإنهم إذا ما قيل لهم بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ينكر ذلك، فإنهم سيسخرون ويجدون منفذا للطعن علي نبي الإسلام خصوصا منهم الأساتذة العلمانيين الذين يبحثون عن ثغرات مثل هذه، ومع الأسف الشديد فإن من الأحاديث التي أخرجها البخاري ومسلم تؤكد علي عدم العدوي، وفيها أيضا ما يؤكد أن هناك عدوي، ونحن إذ نسجل هنا هذه التناقضات تحت عنوان النبي يتناقض، لا نؤمن بأنه صلي الله عليه وسلم تناقض مرة واحدة في أقواله أو في أفعاله، ولكن جريا علي العادة لجلب مهجة القارئ

حتي يتنبه إلي الأحاديث التي وضعت كذبا وبهتانا علي صاحب الرسالة المعصوم، ويعرف قصدنا من تخريج أمثال هذه الأحاديث لتنزيه النبي صلي الله عليه وآله وسلم وإعطاءه مكانته العلمية التي سبقت كل العلوم الحديث فليس هناك نظرية علمية صحيحة تتعارض مع حديث نبوي صحيح، وإذا ما تعارضت أو تناقضت عرفنا بأن الحديث مكذوب عليه صلي الله عليه وآله وسلم هذا من ناحية، ومن ناحية أخري فإن الحديث نفسه قد يعارضه حديث آخر يتماشي مع النظرية العلمية فيجب قبول الثاني وطرح الأول كما لا يخفي. ومثال علي ذلك أسوق حديث العدوي لأنه مهم في البحث ويعطينا صورة حقيقة علي تناقض الصحابة والرواة والوضاعين لا علي تناقض صاحب الرسالة صلي الله عليه وآله وسلم فذلك لا يمكن أبدا. فالبخاري في صحيحه يذكر الحديثين وأنا اقتصر عليه لأنه أصح الكتب عند أهل السنة [ صفحه 294] لئلا يذهب المتأولون عدة مذاهب فيقول قائل بأنه قد يثبت عند البخاري حديثا ويثبت عكسه عند غيره من المحدثين، ويلاحظ القارئ بأنني في هذا الباب اقتصرت علي البخاري وحده، في تناقض الأحاديث. أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الطب في باب لا هامة، عن أبي هريرة: قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم: لا عدوي ولا صفر ولا هامة فقال أعرابي: يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: فمن أعدي الأول؟ انظر إلي هذا الأعرابي كيف يهتدي بفطرته إلي طبيعة الأمراض المعدية من خلال البعير الأجرب الذي يجرب كل الإبل إذا خالطها، بينما لا يجد الرسول جوابا علي سؤال الأعرابي يقنعه به، فيقول: فمن أعدي الأول؟ ويصبح

هو الذي يسأل. وهذا أيضا يذكرني بالطبيب الذي سأل الأم التي جاءت بولدها المصاب بالحصبة: هل عندكم في البيت أو في الجيران من هو مصاب بهذا الداء؟ فقالت الأم: كلا، فقال الطبيب لعله التقطها من المدرسة؟ فأجابت الأم علي الفور: كلا إنه لم يدخل بعد إلي المدرسة فعمره أقل من خمس سنين، فقال: ففي الروضة إذن، قالت: لا إنه لا يذهب للروضة. فقال الطبيب: لعلك ذهبت به إلي زيارة بعض أقاربك أو زاركم بعض الأقارب الذي يحمل الجرثومة، فأجابت بالنفي! وعند ذلك قال لها الطبيب: جاءت إليه الجرثومة في الهواء. نعم فالهواء يحمل الجراثيم والأمراض المعدية وقد يصيب قرية كاملة أو مدينة بأكملها ولذلك وجد التلقيح والوقاية لما قد تحمله الرياح من أمراض فتاكة كالوباء والطاعون وغير ذلك، فكيف يخفي كل ذلك علي من لا ينطق عن الهوي؟ إنه رسول رب العالمين الذي لا يعزب عن علمه شئ [ صفحه 295] إنه لا يخفي علي الله شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ولذلك نحن نرفض هذا الحديث ولا نقبله أبدا ونقبل الحديث الثاني الذين أخرجه البخاري نفسه وفي نفس الصفحة ونفس الباب وفي نفس الحديث إذ يقول: وعن أبي سلمة سمع أبا هريرة بعد يقول: قال النبي صلي الله عليه وسلم: لا يوردن ممرض علي مصح، وأنكر أبو هريرة حديثه الأول، قلنا: ألم تحدث أنه لا عدوي، فرطن بالحبشية، قال أبو سلمة: فما رأيته نسي حديثا غيره. مع أن الحديثين المتناقضين (لا عدوي، ولا يوردن ممرض علي مصح) رواهما أيضا مسلم في صحيحه في كتاب السلام باب لا عدوي ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول ولا يوردن ممرض

علي مصح. ومن خلال هذه الأحاديث نعلم أن حديث لا يوردن ممرض علي مصح هو الحديث الصحيح الذي قاله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأنه لا يتناقض مع العلم وأما حديث لا عدوي فهو مكذوب عليه لأنه حديث جاهل بالحقائق الطبيعية ولذلك فهم بعض الصحابة تناقض الحديثين فعارضوا أبا هريرة واستغربوا منه حديثه الأول، ولم يجد أبو هريرة مخرجا من هذه الورطة فرطن بالحبشية. يقول شارح البخاري: تكلم غضبا بما لا يفهم!.. ومما يزيدنا تأكيدا بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان أسبق مما أثبته العلم حديثا في خصوص الأمراض المعدية أنه كان يحذر المسلمين من الطاعون ومن الجذام ومن الوباء وغير ذلك. أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الأنبياء باب حدثنا أبو اليمان وكذلك مسلم في صحيحه كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة وغيرها. - عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: [ صفحه 296] الطاعون رجس أرسل علي طائفة من بني إسرائيل، أو علي من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه، وفي رواية لا يخرجكم إلا فرارا منه. وقد صح عنه صلي الله عليه وآله وسلم قوله في هذا المعني: فر من المجذوم فرارك من الأسد، وقوله: إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء وقوله: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبع مرات إحداهن بالتراب كل ذلك ليعلم أمته النظافة وأسباب الصحة والوقاية، لا أن يقول لهم: إذا سقط الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، وهذا سبق الحديث عنه فليراجع. علي أننا نجد التناقض ظاهرا حتي في ما يختص بالهامة التي كان

يتشاءم العرب بها وهي الطائر المعروف من طير الليل وقيل هي البومة وهو تفسير مالك بن أنس - فإذا كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: لا هامة فكيف يتناقض ويتعوذ منها. فقد أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق باب يزفون النسلان في المشي من جزءه الرابع صفحة 119. عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلي الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق. أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة. نعم أردنا في هذا الفصل أن نذكر بعض الأمثلة من الأحاديث المتناقضة التي تنسب إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو منها برئ. وهناك مئات الأحاديث الأخري المتناقضة التي أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما وقد ضربنا عليها صفحا لما عودنا القارئ دائما بالاختصار والإشارة، وعلي الباحثين أن يكبوا علي دراسة ذلك عسي أن [ صفحه 297] يطهر الله بهم سنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويثيبهم الأجر العظيم ويكونوا سببا في تنقية الحق من الأباطيل ويقدموا إلي الرجل الجديد أبحاثا قيمة تكون في مستوي رسالة الإسلام. يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسي فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما [الأحزاب: 71]. [ صفحه 299]

فيما يتعلق بالصحيحين البخاري ومسلم

اشاره

لما لهذين الكتابين من أهمية بالغة لدي أهل السنة والجماعة حتي أصبحا عند عامة المسلمين المرجعين الأساسيين والمصدرين الأولين في كل المباحث الدينية وأصبح من العسير علي

بعض الباحثين أن يصرحوا بما يجدوه من تهافت وتناقض ومنكرات فيتقبلونها علي مضض ولا يكاشفون بها قومهم خشية منهم أو خشيته عليهم. لما في نفوسهم من احترام وتقديس لهذين الكتابين، والحقيقة أن البخاري ومسلم ما كان يوما يحلمان بما سيصل إليه شأنهما عند علماء الناس وعامتهم. ونحن إذا قدمنا علي نقدهما وتخريج بعض المطاعن عليهم أليس ذلك إلا لتنزيه نبينا صلي الله عليه وآله وسلم وعدم الخدش في عصمته. وإذا كان بعض الصحابة لم يسلم من هذا النقد والتجريح للغرض نفسه، فما البخاري ومسلم بأفضل من أولئك المقربين لصاحب الرسالة. وما دمنا نهدف إلي تنزيه النبي العربي صلي الله عليه وآله وسلم ونحاول جهدنا إثبات العصمة له وأنه أعلم وأتقي البشر علي الإطلاق ونعتقد أن الله سبحانه وتعالي اصطفاه ليكون رحمة للعالمين وأرسله للناس كافة من الإنس والجن، فلا شك أن الله يطالبنا بتنزيه وتقديسه وعدم قبول المطاعن فيه، ولذلك نحن وكل المسلمين مطالبون بطرح كل ما يتعارض والخلق [ صفحه 300] العظيم الذي اختص به، وطرح كل ما يتعارض مع عصمته أو ما يمس شخصه الكريم من قريب أو بعيد، فالصحابة والتابعين والأئمة والمحدثين وكل المسلمين وحتي الناس أجمعين مدينون لفضله ومزيته، فالمنتقدون والمعارضون والمتعصبون سوف تثور ثائرتهم كالعادة علي كل ما هو جديد عليهم، ولكن رضا الله سبحانه هو الغاية ورضا رسوله صلي الله عليه وآله وسلم هو الأمل، وهو الذخر والكنز والرصيد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم. ولنا مع كل ذلك رضا وتعزية المؤمنين الصادقين الذين عرفوا قدر الله وقدر رسوله صلي الله عليه وآله وسلم قبل أن يعرفوا قدر الحكام والخلفاء والسلاطين. أذكر أني

لقيت معارضة شديدة حتي أتهمت بالكفر والخروج عن الدين عندما انتقدت البخاري في تخريجه حديث لطم موسي لملك الموت وفقأ عينه، وقيل لي: من أنت حتي تنتقد البخاري؟ وأثاروا حولي ضجة وضوضاء وكأني انتقدت آية من كتاب الله. والحال أن الباحث إذا ما تحرر من قيود التقليد الأعمي والتعصب المقيت سوف يجد في البخاري ومسلم أشياء عجيبة وغريبة تعكس بالضبط عقلية العربي البدوي الذي ما زال فكره جامدا يؤمن ببعض الخرافات والأساطير، ويميل فكره إلي كل ما هو غريب، وليس هذا بعيب ولا نتهمه بالتخلف الذهني فليس عصره البدائي هو عصر الأقمار الصناعية ولا التلفزيون والهاتف والصاروخ. وإنما لا نريد أن يلصق ذلك بصاحب الرسالة صلي الله عليه وآله وسلم لأن الفرق كبير والبون شاسع، فهو الذي بعثه الله في الأميين يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وبما أنه خاتم الأنبياء والمرسلين فقد علمه الله علم الأولين والآخرين. كما نلفت القارئ الكريم بأن ليس كل ما في البخاري هو منسوب [ صفحه 301] إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقد يخرج البخاري حديثا للنبي صلي الله عليه وآله وسلم ثم يعقب عليه بآراء بعض الصحابة فيصبح القارئ يعتقد بأن ذلك الرأي أو الحديث هو لرسول الله في حين أنه ليس له. أضرب لذلك مثلا: أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الحيل باب في النكاح من جزء الثامن صفحة 62 قال: - عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: لا تنكح البكر حتي تستأذن ولا الثيب حتي تستأمر. فقيل: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال: إذا سكتت، وقال بعض الناس إن لم تستأذن البكر ولم تزوج فاحتال رجل فأقام

شاهدي زور أنه تزوجها برضاها فأثبت القاضي نكاحها والزوج يعلم أن الشهادة باطلة فلا بأس أن يطأها وهو تزويج صحيح، فانظر إلي قول البخاري (بعد حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقال بعض الناس! فلماذا يصبح قول بعض الناس (وهم مجهولون) بأن النكاح بشهادة الزور هو نكاح صحيح، فيتوهم القارئ بأن ذلك هو رأي الرسول، وهو غير صحيح. مثال آخر - أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق باب مناقب المهاجرين وفضلهم من جزئه الرابع صفحة 203 عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنا في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا نفاضل بينهم. إنه رأي عبد الله بن عمر ولا يلزم به إلا نفسه، وإلا كيف يصبح علي بن أبي طالب وهو أفضل الناس بعد رسول الله، لا فضل له ويعده عبد الله بن بن عمر من سوقة الناس. ولذلك تجد عبد الله بن عمر يمتنع عن بيعة أمير المؤمنين ومولاهم، [ صفحه 302] فمن لم يكن علي وليه فليس بمؤمن [195] والذي قال النبي في حقه: علي مع الحق والحق مع علي [196] ، وبايع عدو الله ورسوله وعدو المؤمنين الحجاج بن يوسف الفاسق الفاجر، ونحن لا نريد العودة إلي مثل هذه المواضيع، ولكن نريد فقط أن نظهر للقارئ نفسيات البخاري ومن كان علي شاكلته فهو يخرج هذا الحديث في باب مناقب المهاجرين وكأنه يشعر من طرف خفي إلي القراء بأن هذا رأي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بينما هو رأي عبد الله بن عمر الذي ناصب العداء

للإمام علي. وسنبين للقارئ اللبيب موقف البخاري في كل ما يتعلق بعلي بن أبي طالب، وكيف أنه يحاول جهده كتمان فضائله وإظهار المثالب له. كما أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق باب حدثنا الحميدي قال: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا جامع بن أبي راشد حدثنا أبو يعلي عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت، قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين. نعم هذا الحديث وضعوه علي لسان محمد بن الحنفية وهو ابن الإمام علي بن أبي طالب، وهو كسابقه الذي روي عن لسان ابن عمر، والنتيجة في الأخير هي واحدة ولو خشي ابن الحنفية أن يقول أبوه: عثمان في الثالثة، ولكن رد أبيه ما أنا إلا رجل من المسلمين يفيد بأن عثمان أفضل منه لأنه ليس هناك من أهل السنة من يقول بأن عثمان ليس هو إلا رجل من المسلمين بل يقولون كما تقدم بأن أفضل الناس أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا نفاضل بينهم، والناس بعد ذلك سواسية. [ صفحه 303] ألا تعجبون من هذه الأحاديث التي خرجها البخاري وكلها ترمي إلي هدف واحد وهو تجريد علي بن أبي طالب من كل فضيلة ألا يفهم من ذلك بأن البخاري كان يكتب كل ما يرضي بني أمية وبني العباس وكل الحكام الذين قاموا علي أنقاض أهل البيت. إنها حجج دامغة لمن أراد الوقوف علي الحقيقة.

البخاري و مسلم يذكران أي شئ لتفضيل أبي بكر و عمر

أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق

باب حدثنا أبو اليمان من جزئه الرابع صفحة 149. وأخرج مسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه. عن أبي هريرة قال: صلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم صلاة الصبح ثم أقبل علي الناس فقال: بينما رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث فقال الناس: سبحان الله! بقرة تتكلم؟ فقال: فإني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم. وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة، فطلبه حتي كأنه استنقذها منه، فقال له الذئب: ها إنك استنقذتها مني، فمن لها يوم السبع، يوم لا راعي لها غيري؟ فقال الناس، سبحان الله! ذئب يتكلم؟ قال: فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم. وهذا الحديث ظاهر التكلف وهو من الأحاديث الموضوعة في فضائل الخليفتين، وإلا لماذا يكذب الناس وهم صحابة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وما يقوله لهم حتي يقول في المرتين: أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر ثم أنظر كيف يؤكد الراوي علي عدم وجود أبي بكر وعمر في المرتين، إنها فضائل مضحكة ولا معني لها، ولكن القوم كالغرقي يتشبثون بالحشيش، [ صفحه 304] والوضاعون عندما لم يجدوا مواقف أو أحداث هامة تذكر لهما، تتخيل أوهامهم مثل هذه الفضائل، فيجئ أغلبها أحلاما وأوهاما وتأولات. لا تقوم علي دليل تاريخي أو منطقي أو علمي، كما أخرج البخاري في صحيحه من كتاب فضائل أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم باب قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم لو كنت متخذا خليلا. ومسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل

أبي بكر الصديق رضي الله عنه. - عن عمرو بن العاص، أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، بعثه علي جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من، قال: عمر بن الخطاب فعد رجالا. وهذه الرواية وضعها الوضاعون لما عرفوا أن التاريخ سجل في سنة ثمان من الهجرة (يعني سنتين قبل وفاته صلي الله عليه وآله وسلم) بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعث جيشا فيه أبو بكر وعمر بقيادة عمرو بن العاص إلي غزوة ذات السلاسل، وحتي يقطعوا الطريق علي من يريد القول بأن عمرو بن العاص كان مقدما في المنزلة علي أبي بكر وعمر، تراهم اختلقوا هذه الرواية علي لسان عمرو نفسه للإشادة بفضل أبي بكر وعمر وأقحموا عائشة حتي يبعدوا الشك من ناحية وحتي تحظي عائشة بأفضلية مطلقة من ناحية أخري. ولذلك تري الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم يقول: هذا تصريح بعظيم فضائل أبي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم، وفيه دلالة بينة لأهل السنة في تفضيل أبي بكر ثم عمر علي جميع الصحابة. وهذه كأمثالها من الروايات الهزيلة التي لم يتورع الدجالون لوضعها حتي علي لسان علي بن أبي طالب نفسه ليقطعوا بذلك علي زعمهم حجة [ صفحه 305] الشيعة الذين يقولون بتفضيل علي بن أبي طالب علي سائر الأصحاب من ناحية وليوهموا المسلمين بأن عليا لم يكن يتظلم ولا يتشكي من أبي بكر وعمر من ناحية أخري، فقد أخرج البخاري في صحيحه من كتاب فضائل أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص. ومسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصحابة

باب من فضائل عمر رضي الله تعالي عنه. - عن علي، عن ابن عباس قال: وضع عمر علي سريره، فتكنفه الناس، يدعون ويصلون قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلا رجل أخذ منكبي، فإذا علي، فترحم علي عمر وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقي الله بمثل عمله منك، وأيم الله، إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيرا ما أسمع النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر. نعم هذا وضع ظاهر يشم منه رائحة السياسة التي لعبت دورها في إقصاء فاطمة الزهراء وعدم دفنها قرب أبيها رغم أنها أول اللاحقين به. وفات الراوي هنا أن يضيف بعد قوله ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، وسأدفن أنا وأبو بكر وعمر. ألا يتورع هؤلاء الذين يحتجون بمثل هذه الروايات الموضوعة التي يكذبها التاريخ والواقع. وكتب المسلمين مشحونة بتظلم علي وفاطمة الزهراء مما فعله أبو بكر وعمر طيلة حياتهما. ثم تمعن في الرواية لتري بأن الراوي يصور عليا وكأنه رجل أجنبي جاء ليتفرج علي ميت غريب فوجد الناس يكتظون عليه يدعون ويصلون فأخذ بمنكب ابن عباس وكأنه همس في أذنه تلك الكلمات وانسحب، والمفروض أن يكون علي في مقدمة الناس وهو الذي يصلي بهم. ولا [ صفحه 306] يفارق عمر حتي يواريه حفرته. ولما كان الناس في عهد بني أمية يتسابقون في وضع الحديث بأمر من أمير المؤمنين معاوية الذي أراد أن يرفع قدر أبي بكر وعمر مقابل فضائل علي بن أبي طالب، فقد جاءت أحاديث الفضائل

هزيلة مضحكة ومتناقضة في بعض الأحوال حسب هوي الراوي فمنهم التيمي الذي كان لا يقدم علي أبي بكر أحدا ومنهم العدوي الذي لا يقدم علي عمر أحدا، وبنو أمية الذين كانوا معجبين بشخصية ابن الخطاب الجرئ علي النبي والفظ الغليظ الذي لا يتورع من شئ ولا يهاب شئ فكانوا كثيرا ما يمدحونه ويضعون الأحاديث التي تفضله علي أبي بكر. وإليك أيها القارئ بعض الأمثلة. أخرج مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عمر رضي الله تعالي عنه. وأخرج البخاري في صحيحه من كتاب الإيمان باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال. - عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي، وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين. وإذا كان تأويل النبي صلي الله عليه وآله وسلم لهذه الرؤيا، هو الدين فمعني ذلك أن عمر بن الخطاب أفضل من كل الناس لأن الدين بالنسبة إليهم لم يبلغ إلي الثدي وما تجاوز الدين قلوبهم، بينما عمر ملئ بالدين من رأسه إلي أخمص قدميه وأكثر من ذلك فهو يجر الدين وراءه جرا. كما يجر القميص. فأين أبو بكر الصديق الذي يرجح إيمانه إيمان الأمة بأكملها؟ [ صفحه 307] كما أخرج البخاري في صحيحه من كتاب العلم باب فضل العلم. وأخرج مسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصحابة باب فضائل عمر. - عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: بينما أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت حتي إني لأري

الري يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم. أقول فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ وإذا كان ابن الخطاب قد فاق الأمة بأكملها أو الناس بأجمعهم في الدين بما فيهم أبو بكر، ففي هذه الرواية صراحة بأنه فاقهم أيضا في العلم فهو أعلم الناس بعد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. بقيت هناك فضيلة أخري يتباري الناس في التحلي بها والانتماء إليها وهي من الصفات الحميدة التي يحبها الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم ويحبها جميع الناس ويحاولون الوصول إليها ألا وهي الشجاعة فلا بد للرواة أن يضعوا فيها حديثا لفائدة أبي حفص وقد فعلوا. أخرج البخاري في صحيحه من كتاب فضائل أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم باب قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم لو كنت متخذا خليلا. وأخرج مسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عمر. - عن أبي هريرة: قال: سمعت النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: بينما أنا نائم رأيتني علي قليب، عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر، حتي ضرب الناس بعطن. فإذا كان الدين وهو مركز الإيمان والإسلام والتقوي والتقرب إلي الله [ صفحه 308] سبحانه قد حازه عمر بن الخطاب حتي جره وراءه بينما الناس لم يكن نصيبهم منه إلا ما يبلغ الثدي وبقيت أجسامهم عارية، وإذا كان العلم اختص به عمر بن الخطاب فلم يترك للناس شيئا من

فضل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم إذ أعطاه إليه فشربه كله ولم يفكر حتي في صاحبه أبي بكر الصديق (وهو لا شك العلم الذي خول عمر أن يغير أحكام الله بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، باجتهاده ولا شك أن اجتهاده من فضل ذلك العلم) وإذا كانت القوة والشجاعة قد اختص بها ابن الخطاب أيضا بعد الضعف الذي بدا علي صاحبه أبي بكر وهذا صحيح، ألم يقل له أبو بكر مرة (لقد قلت لك أنك أقوي علي هذا الأمر مني ولكنك غلبتني) فيغفر الله لأبي بكر لضعفه ولتقدمه في الخلافة عليه، لأن أنصار عمر من بني عدي وبني أمية ما رأوا رخاء وانتفاعا وغنائم وفتوحات مثل ما رأوه في زمانه. نعم كل هذا فضل عمر بن الخطاب في الحياة الدنيا فلا بد أن يضمنوا له الجنة في الآخرة أيضا بمرتبة أكبر وأفضل من صاحبه أبي بكر. وقد فعلوا. أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عمر. - عن أبي هريرة: رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، إذ قال: بينما أنا نائم، رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلي جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرته فوليت مدبرا، فبكي عمر، وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟. أخي القارئ أظنك فطنت إلي تنسيق هذه الروايات المكذوبة وقد سطرت علي كل منها تحت عبارة واحدة مشتركة في كل الروايات التي [ صفحه 309] اختصت بفضائل عمر بن الخطاب ألا وهي قول الرسول

صلي الله عليه وآله وسلم (وحاشاه طبعا) بينما أنا نائم فتجدها دائما في كل الروايات بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي بينما أنا نائم أتيت بقدح لبن، بينما أنا نائم رأيتني علي قليب وبينما أنا نائم رأيتني في الجنة. ولعل راوي الحديث كان كثير الحلم والأضغاث فكان يتأول ويختلق الروايات علي لسان النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فكم كذب عليه في حياته وهو موجود بين ظهرانيهم فكيف بعد وفاته وقد انحرفت الأمة وتقاتلوا وأصبحوا مذاهب وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون. ولكن بقي شئ واحد سجله المؤرخون والصحابة الذين كانوا من أنصار عمر بن الخطاب نفسه ألا وهو الخلق الذي كان يمتاز به عمر في الغلظة والفظاظة والشدة علي الناس وحدة الطبع، ومن كان هذا طبعه عادة لا يحبه الناس قال تعالي: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك [آل عمران: 159]. ولكن المعجبين بعمر يقلبون الموازين ويجعلون من النقيصة منقبة ومن الرذيلة فضيلة، فقد عمدوا إلي اختلاق رواية في شدة السخافة والبلاهة والمس بكرامة النبي صلي الله عليه وآله وسلم الذي يشهد الله سبحانه بأنه ليس فظا ولا غليظا وإنما هو لين الطبع - فبما رحمة من الله لنت لهم - وإنك لعلي خلق عظيم - بالمؤمنين رؤوف رحيم - ورحمة للعالمين - فلنستمع إلي هؤلاء الحمقي ماذا يقولون فيه. أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده وأخرج مسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عمر. - عن سعد بن أبي وقاص، قال: استأذن عمر علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه، ويستكثرنه، عالية أصواتهن، فلما استأذن

عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله؟ قال: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن [ صفحه 310] صوتك ابتدرن الحجاب. قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن، ثم قال: أي عديات أنفسهن! أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قلن: نعم! أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك. كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا أنظر إلي فظاعة الرواية وكيف أن النساء يهبن عمر ولا يهبن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويرفعن أصواتهن فوق صوت النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولا يحترمنه فلا يحتجبن بحضرته وبمجرد سماع صوت عمر سكتن وابتدرن الحجاب، عجبت والله من أمر هؤلاء الحمقي الذين لا يكفيهم كل ذلك حتي ينسبون إليه أنه فظ غليظ بكل صراحة. لأن عمر أفظ وأغلظ من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فهي من أفعال التفضيل فإن كانت هذه فضيلة لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فعمر أفضل منه. وإن كانت رذيلة فكيف يقبل المسلمون وعلي رأسهم البخاري ومسلم مثل هذه الأحاديث. ثم لم يكفهم كل ذلك حتي جعلوا الشيطان يلعب ويمرح بحضرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولا يخافه فلا شك أن الشيطان هو الذي استفز النسوة حتي يرفعن أصواتهن ويخلعن حجابهن، ولكن الشيطان هرب وسلك فجا آخر بمجرد دخول

عمر بيت الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. هل رأيت أيها المسلم الغيور ما هي قيمة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم عندهم، وكيف أنهم يقولون من حيث يشعرون أو لا يشعرون بأن عمر أفضل منه. وهو بالضبط ما يقع اليوم عندما يتحدثون عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويعددون أخطاءه المزعومة ويبررون ذلك بأنه بشر غير معصوم وبأن عمر كثيرا ما كان يصلح أخطاءه، وأن القرآن كان ينزل بتأييد عمر في العديد من المرات، ويستدلون بعبس وتولي وبتأبير النخل وبأسري بدر وغيرها. [ صفحه 311] ولكنك عندما تقول أمامهم بأن عمر أخطأ في تعطيل سهم المؤلفة قلوبهم. أو في تحريم المتعتين أو في التفضيل في العطاء فإنك تري أوداجهم تنتفخ وأعينهم تحمر ويتهمونك بالخروج عن الدين ويقال لك من أنت يا هذا حتي تنتقد سيدنا عمر الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل. وما عليك إلا أن تسلم ولا تحاول الكلام معهم ثانية وإلا قد يلحقك منهم الأذي.

البخاري يدلس الحديث حفاظا علي كرامة عمر بن الخطاب

نعم إن الباحث إذا ما تتبع أحاديث البخاري لا يفهم الكثير منها وتبدوا كأنها ناقصة أو مقطعة وأنه يخرج نفس الحديث بنفس الأسانيد ولكنه في كل مرة يعطيه ألفاظا مختلفة في عدة أبواب. كل ذلك لشدة حبه لعمر بن الخطاب. ولعل ذلك هو الذي رغب أهل السنة فيه فقدموه علي سائر الكتب رغم أن مسلما أضبط وكتابه مرتب حسب أبواب، إلا أن البخاري عندهم أصح الكتب بعد كتاب الله لأجل هذا ولأجل انتقاصه فضائل علي بن أبي طالب، فالبخاري عمل من جهة علي تقطيع الحديث وبتره إذ كان فيه مس بشخصية عمر، كما عمل نفس الأسلوب مع الأحاديث التي تذكر فضائل علي. وسنوافيك ببعض

الأمثلة علي ذلك قريبا إن شاء الله. بعض الأمثلة علي تدليس الحديث التي فيها حقائق تكشف عن عمر بن الخطاب 1 - أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الحيض باب التيمم قال: جاء رجل إلي عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء؟ فقال عمر: لا تصل فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك، فقال عمر: إتق الله يا عمار! قال: إن شئت لم [ صفحه 312] أحدث به. وأخرج هذه الرواية كل من أبي داود في سننه وأحمد بن حنبل في مسنده والنسائي في سننه والبيهقي وابن ماجة أيضا. ولكن البخاري خان الأمانة أمانة نقل الحديث كما هو ومن أجل الحفاظ علي كرامة عمر دلس الحديث لأنه لم يعجبه أن يعرف الناس جهل الخليفة بأبسط قواعد الفقه الإسلامي وإليك الرواية التي تصرف فيها البخاري. أخرج البخاري في صحيحه من كتاب التيمم باب المتيمم هل ينفخ فيهما. - قال: جاء رجل إلي عمر بن الخطاب، فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت الحديث. وهو كما تري حذف منه البخاري فقال عمر: لا تصل لأنها أربكت ولا شك البخاري فحذفها وتخلص منها لئلا يكشف للناس عن مذهب عمر الذي كان يرتئيه في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم واجتهاده مقابل نصوص القرآن والسنة. وبقاءه علي مذهبه هذا حتي بعد ما أصبح

أميرا للمؤمنين وأخذ ينشر مذهبه في أوساط المسلمين وقد قال ابن حجر: هذا مذهب مشهور عن عمر والدليل علي أنه كان يشدد علي ذلك قول عمار له: إن شئت لم أحدث به. فاقرأ وأعجب. 2 - أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك من جزئه الثاني صفحة 514 وصححه الذهبي في تلخيصه. - عن أنس بن مالك قال: إن عمر بن الخطاب قرأ علي المنبر قوله: فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا، قال: كل هذا عرفناه فما الأب، ثم قال: هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك أن لا تدري ما الأب، اتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب فاعملوا به وما لم [ صفحه 313] تعرفوه فكلوه إلي ربه. وهذه الرواية قد نقلها أغلب المفسرين في كتبهم وتفاسيرهم لسورة عبس كالسيوطي في الدر المنثور والزمخشري في الكشاف، وابن كثير في تفسيره. والرازي في تفسيره والخازن في تفسيره. ولكن البخاري وكعادته حذف الحديث وأبتره لئلا يعرف الناس جهل الخليفة بمعني الأب فروي الحديث كالآتي. أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه قول الله تعالي لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم. - عن أنس بن مالك قال: كنا عند عمر فقال: نهينا عن التكلف. نعم هكذا يفعل البخاري بكل حديث يشم منه انتقاصا من عمر فكيف يفهم القارئ من هذا الحديث المبتور حقيقة الأشياء فهو يستر جهل عمر بمعني الأب ويقول فقط قال: نهينا عن التكلف. 3 - أخرج ابن ماجة في سننه: 2 / 227 والحاكم في المستدرك: 2 / 59، وأبو داود في سننه: 2 / 402

والبيهقي في سننه: 6 / 264 وابن حجر في فتح الباري وغيرهم. - عن ابن عباس أنه قال: أتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسا فأمر بها أن ترجم، فمر بها علي بن أبي طالب فقال: ما شأنها؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم قال: ارجعوا بها ثم أتاه فقال: ألم تعلم أن القلم رفع عن المجنون حتي يعقل، وعن النائم حتي يستيقظ، وعن الصبي حتي يحتلم؟ فخلي عنها عمر وقال: لولا علي لهلك عمر (ابن الجوزي في تذكرته ص 75). ولكن البخاري أربكته هذه الرواية فكيف يعرف الناس جهل عمر [ صفحه 314] بأمور الحدود التي رسمها كتاب الله وبينها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فكيف يترأس علي منصة الخلافة من كانت هذه حاله، ثم كيف يذكر البخاري هذه الرواية وفيها فضيلة لعلي بن أبي طالب الذي كان يسهر علي تعليمهم ما يجهلون، واعتراف عمر بقوله أنه لولا علي لهلك عمر. فلننظر للبخاري كيف يحرف الرواية ويدلسها. أخرج البخاري في صحيحه من كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة باب لا يرجم المجنون والمجنونة قال البخاري بدون ذكر أي سند. - وقال علي لعمر أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتي يفيق وعن الصبي حتي يدرك وعن النائم حتي يستيقظ. نعم هذا مثال حي لتصرف البخاري في الأحاديث فهو يبتر الحديث إذا كان في فضيحة لعمر. ويبتر الحديث أيضا إذا كان فيه فضيلة أو منقبة للإمام علي فلا يطيق تخريجه. 4 - أخرج مسلم في صحيحه من كتاب الحدود باب حد شارب الخمر. - عن أنس بن مالك، أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أتي برجل

قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر، استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر. والبخاري كعادته لا يريد إظهار جهل عمر بالحكم في الحدود وكيف يستشير الناس في حد معلوم فعله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ثم فعله بعده أبو بكر. أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الحدود باب ما جاء في ضرب شارب الخمر. [ صفحه 315] - عن أنس بن مالك أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين. 5 - أخرج المحدثون والمؤرخون الذين أرخوا مرض النبي صلي الله عليه وآله وسلم ووفاته وكيف طلب منهم أن يكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا وهو ما سمي برزية يوم الخميس، وكيف أن عمر بن الخطاب عارض وقال بأن رسول الله يهجر - والعياذ بالله -. وقد أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الجهاد باب هل يستشفع إلي أهل الذمة ومعاملتهم. وأخرجه مسلم في صحيحه من كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شئ يوصي فيه. - عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس، ثم بكي حتي خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وجعه يوم الخميس، فقال: ائتوني بكتاب، أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه وأوصي عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة.

نعم هذه هي رزية يوم الخميس التي لعب فيها عمر دور البطولة فعارض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومنعه أن يكتب وبتلك الكلمة الفاحشة التي تعارض كتاب الله ألا وهي أن النبي يهجر والبخاري ومسلم نقلاها هنا بالعبارة الصحيحة التي نطق بها عمر ولم يبدلاها ما دام اسم عمر غير وارد ونسبة هذا القول الشنيع للمجهول لا يضر. ولكن عندما يأتي اسم عمر في الرواية التي تذكر بأنه هو الذي تلفظ بها يصعب ذلك علي البخاري ومسلم أن يتركاها علي حالها لأنها تفضح [ صفحه 316] الخليفة وتظهره علي حقيقته العارية وتكشف عن مدي جرأته علي مقام الرسول صلي الله عليه وآله وسلم والذي كان يعارضه طيلة حياته في أغلب القضايا وعرف البخاري ومسلم ومن كان علي شاكلتهم بأن هذه الكلمة وحدها كافية لإثارة عواطف كل المسلمين حتي أهل السنة ضد الخليفة، فعمدوا إلي التدليس، فهي مهنتهم المعروفة لمثل هذه القضايا وأبدلوا كلمة يهجر بكلمة غلب عليه الوجع - ليبعدوا بذلك تلك العبارة الفاحشة وإليك ما أخرجه البخاري ومسلم في نفس موضوع الرزية. - عن ابن عباس، قال: لما حضر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. فقال عمر: إن النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم: قوموا - قال عبد الله بن مسعود - فكان ابن عباس يقول: إن

الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم [197] . وبما أن مسلما. أخذها عن أستاذه البخاري فنحن نقول للبخاري مهما هذبت العبارة ومهما حاولت تغطية الحقائق فإن ما أخرجته كاف وهو حجة عليك وعلي سيدك عمر. لأن لفظ يهجر ومعناه يهذي - أو قد غلب عليه الوجع - تؤدي إلي نفس النتيجة لأن المتمعن يجد أن الناس حتي اليوم يقولون مسكين فلان تغلبت عليه الحمي حتي أصبح يهذي. وخصوصا إذا أضفنا إليها كلامه عندكم القرآن حسبنا كتاب الله [ صفحه 317] ومعني ذلك أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم انتهي أمره وأصبح وجوده كالعدم. وأنا أتحدي كل عالم له ضمير أن يتمعن فقط في هذه الواقعة بدون رواسب وبدون خلفيات فسوف تثور ثائرته علي الخليفة الذي حرم الأمة من الهداية وكان سببا مباشرا في ضلالتها. ولماذا نخشي من قول الحق ما دام فيه دفاع عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وبالتالي عن القرآن وعن المفاهيم الإسلامية بأكملها، قال تعالي: فلا تخشوا الناس واخشون، ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [المائدة: 44]. فلماذا يحاول بعض العلماء حتي اليوم في عصر العلم والنور جهدهم تغطية الحقائق بما يختلقونه من تأويلات متكلفة لا تسمن ولا تغني من جوع. فإليك ما ابتكره العالم محمد فؤاد عبد الباقي في شرحه لكتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان عند إيراده لحديث رزية يوم الخميس قال يشرح الواقعة [198] . - ائتوني بكتاب: أي ائتوني بأدوات كتاب كالقلم والدواة، أو أراد بالكتاب ما من شأنه أن يكتب فيه نحو الكاغد والكتف،

والظاهر أن هذا الكتاب الذي أراده إنما هو في النصر علي خلافة أبي بكر لكنهم لما تنازعوا واشتد مرضه صلي الله عليه وآله وسلم عدل عن ذلك، معولا علي ما أصله من استخلافه في الصلاة. (ثم أخذ يشرح معني هجر). قال: هجر: ظن ابن بطال أنها بمعني اختلط، وابن التين أنها بمعني هذي، وهذا غير لائق بقدره الرفيع، ويحتمل أن يكون المراد أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هجركم، من الهجر الذي هو ضد الوصل، لما قد ورد عليه من الواردات الإلهية، ولذا قال: في الرفيق الأعلي، وقال ابن الأثير إنه علي سبيل [ صفحه 318] الاستفهام وحذفت الهمزة، أي هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به من المرض، وهذا أحسن ما قال فيه، ولا يجعل إخبارا فيكون إما من الفحش أو الهذيان، والقائل كان عمر ولا يظن به ذلك انتهي كلامه. ونحن نرد عليك يا سيادة العالم الجليل أن الظن لا يغني من الحق شيئا ويكفينا اعترافك بأن قائل هذا الفحش هو عمر! ومن أنبأك بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب خلافة أبي بكر؟ وهل كان عمر ليعترض علي ذلك؟ وهو الذي شيد أركان الخلافة لأبي بكر وحمل الناس عليها غصبا وقهرا حتي هدد بحرق بيت الزهراء وهل هناك من ادعي هذا غيرك يا سيادة العالم الجليل؟ والمعروف عند العلماء قديما وحديثا بأن عليا بن أبي طالب هو المرشح للخلافة من قبل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم إن لم يعترفوا بالنص عليه. ويكفيك ما أخرجه البخاري في صحيحه من كتاب الوصايا من جزئه الثالث صفحة 186، قال: ذكروا عند عائشة أن عليا رضي الله عنهما كان

وصيا فقالت: متي أوصي إليه وقد كنت مسندته إلي صدري فدعا بالطست فلقد أنخنت في حجري فما شعرت أنه قد مات فمتي أوصي إليه؟ والبخاري أخرج هذا الحديث لأن فيه إنكار الوصية من طرف عائشة وهذا ما يعجب البخاري، ولكن نحن نقول بأن الذين ذكروا عند عائشة أن رسول الله أوصي لعلي، صادقين لأن عائشة لم تكذبهم ولم تنف هي نفسها الوصية ولكنها سألت كالمستنكرة متي أوصي إليه؟ ونجيبها بأنه أوصي إليه بحضور أولئك الصحابة الكرام وفي غيابها هي، ولا شك بأن أولئك الصحابة ذكروا لها متي أوصي إليه ولكن الحكام المتسلطين منعوا ذكر مثل هذه المحاججات كما منعوا ذكر الوصية الثالثة ونسوها، وقامت السياسة علي طمس هذه الحقيقة علي أن عمر نفسه صرح بأنه منع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من كتابة الكتاب لعلمه بأنه يختص بخلافة علي بن أبي طالب، وقد أخرج ابن أبي الحديد، الحوار الذي دار بين عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس، [ صفحه 319] وفيه قال عمر وهو يسأل ابن عباس: هل بقي في نفس علي شئ من أمر الخلافة؟ فقال ابن عباس: نعم فقال عمر: ولقد أراد رسول الله في مرضه أن يصرح باسمه فمنعته من ذلك إشفاقا وحيطة علي الإسلام [199] . فلماذا تتهرب يا سيادة العالم من الواقع، وبدلا من إظهار الحق، بعد ما ولي عصر الظلمات مع بني أمية وبني العباس، ها أنتم تزيدون تلك الظلمات غشاوة وأستارا فتحجبوا غيركم عن إدراك الحقيقة والوصول إليها، وإن كنت قلت الذي قلت عن حسن نية فإني أسأل الله سبحانه أن يهديك ويفتح بصيرتك. 6 - كما أن البخاري فعل الكثير من أجل تبديل وتدليس

وتخليط الأحاديث النبوية التي يشعر من خلالها أن هناك توهينا وانتقاصا لهيبة أبي بكر وعمر، فها هو يعمد إلي حادثة تاريخية مشهورة قال فيها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حديثا لم يعجب الإمام البخاري فأعفاه تماما وكمالا، لأنه يرفع مكانة علي علي حساب أبي بكر. فقد روي علماء السنة في صحاحهم ومسانيدهم، كالترمذي في صحيحه والحاكم في مستدركه وأحمد بن حنبل في مسنده والإمام النسائي في خصائصه، والطبري في تفسيره، وجلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور، وابن الأثير في تاريخه، وصاحب كنز العمال والزمخشري في الكشاف، وغير هؤلاء كثيرون، أخرجوا كلهم: - أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعث أبا بكر رضي الله عنه وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات (وهي براءة من الله ورسوله..)، ثم أتبعه عليا رضي الله عنه وأمره أن ينادي بها هو. فقام علي رضي الله عنه في أيام التشريف فنادي: إن الله برئ من المشركين ورسوله، فسيحوا في الأرض [ صفحه 320] أربعة أشهر، ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان ورجع أبو بكر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله نزل في شئ؟ قال: لا ولكن جبرئيل جاءني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك. لكن البخاري كعادته دائما أخرج الحادثة بطريقته المعروفة والمألوفة، قال في صحيحه من كتاب تفسير القرآن باب قوله: فسيحوا في الأرض أربعة أشهر. - قال: أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمني أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، قال حميد بن عبد الرحمن ثم

أردف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعلي بن أبي طالب وأمره أن يؤذن ببراءة، قال أبو هريرة فأذن معنا علي يوم النحر في أهل مني ببراءة وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان [200] . فانظر أيها القارئ كيف تتم عملية التشويه للأحاديث والأحداث حسب الأغراض والأهواء المذهبية، فهل هناك شبه بين ما رواه البخاري في هذه القضية، وما رواه غيره من المحدثين والمفسرين من علماء أهل السنة. والبخاري هنا يجعل أبا بكر هو الذي بعث أبا هريرة ومؤذنين يؤذنون بمني أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ثم يدخل قول حميد بن عبد الرحمن بأن رسول الله أردف بعلي بن أبي طالب وأمره أن يؤذن ببراءة. ثم يأتي من جديد قول أبي هريرة بأن علي شاركهم في الأدان يوم النحر ببراءة وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. وبهذا الأسلوب قضي البخاري علي فضيلة علي بن أبي طالب في أنه [ صفحه 321] هو الذي أردفه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ليبلغ عنه براءة بعد ما جاءه جبرئيل وأمره عن الله بعزل أبي بكر من تلك المهمة وقال له: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك. فصعب علي البخاري أن يعزل أبو بكر بوحي من الله تعالي ويقدم عليا بن أبي طالب عليه وهذا ما لا يرتضيه البخاري أبدا فعمد إلي الرواية فدلسها كغيرها من الروايات. وكيف لا يتنبه الباحث لهذا الدس والتزوير وخيانة الأمانة العلمية خصوصا وهو يقرأ أن أبا هريرة يقول: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر! فهل كان أبو بكر هو الذي

يسير الأمور حتي في عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ وكيف أصبح المبعوث هو الباعث الذي يختار مؤذنين من بين الصحابة يا تري؟ وتمعن في أسلوب البخاري كيف قلب كل شئ فأصبح علي بن أبي طالب - المبعوث من قبل النبي صلي الله عليه وآله وسلم لأداء تلك المهمة التي لا يصلح لها سواه - أصبح شريك النداء مع أبي هريرة وبقية المؤذنين دون التعرض لعزل أبي بكر ولا رجوعه يبكي (كما في بعض الروايات) ولا التعرض إلي قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم جاءني جبرئيل فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك. لأن ذلك الحديث هو بمثابة وسام الشرف الذي قلده رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لابن عمه ووصيه علي أمته علي بن أبي طالب، ثم هو صريح بأن ذلك ما جاء به جبرئيل حسب الحديث النبوي، فلا يبقي بعده مجال للمتأولين أمثال البخاري في أنه رأي محمد صلي الله عليه وآله وسلم الذي هو كسائر البشر والذي يخطئ لغيره، فالأولي للبخاري حينئذ أن يبعد هذه الرواية ويطرحها كليا من حسابه كما طرح غيرها. فتراه يخرج في صحيحه في كتاب الصلح باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب أنت مني وأنا منك في قضية اختصام علي وجعفر وزيد علي ابنة [ صفحه 322] حمزة، في حين أن ابن ماجة والترمذي والنسائي والإمام أحمد وصاحب كنز العمال كلهم يخرجون قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي [201] قالها في حجة الوداع، ولكن

أني للبخاري أن يخرج ذلك. 7 - أضف إلي ذلك أن الإمام مسلم أخرج في صحيحه من كتاب الإيمان باب الدليل علي أن حب الأنصار وعلي من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق. - عن علي قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلي الله عليه وآله وسلم إلي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق. وأكد المحدثون وأصحاب السنن قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لعلي ولا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق. أخرجه الترمذي في صحيحه والنسائي في سننه، ومسند أحمد بن حنبل والبيهقي في سننه والطبري في ذخائر العقبي - وابن حجر في لسان الميزان ولكن البخاري رغم ثبوت هذا الحديث عنده والذي أخرجه مسلم ورجاله كلهم ثقات، لم يخرج هذا الحديث لأنه فكر ثم قدر، بأن المسلمين سيعرفون نفاق كثير من الصحابة ومن المقربين للرسول صلي الله عليه وآله وسلم. بهذه الإشارة التي رسمها من لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي، كما أن الحديث في حد ذاته فضيلة كبري لعلي وحده دون سائر الناس إذ به يفرق الحق من الباطل ويعرف الإيمان من النفاق، فهو آية الله العظمي وحجته الكبري علي هذه الأمة وهو الفتنة التي يختبر الله بها أمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم بعد نبيها، ورغم أن النفاق هو من الأسرار الباطنية التي لا [ صفحه 323] يطلع عليها إلا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولا يعرفها إلا علام الغيوب، فإن الله سبحانه تفضلا منه ورحمة بهذه الأمة وضع لها علامة ليهلك من هلك عن بينة وينجو من نجا عن بينة. وأضرب لذلك مثالا واحدا علي

ذكاء البخاري وفطنته من هذه الناحية، ولذلك أعتقد شخصيا بأن أهل السنة من الأسلاف فضلوه وقدموه لهذه الخاصية التي يمتاز بها علي غيره، فهو يحاول جهده أن لا يتناقض بأحاديث تخالف مذهبه الذي اختاره وتبناه. فقد أخرج في صحيحه من كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها. - قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله قالت عائشة رضي الله عنها: لما ثقل النبي صلي الله عليه وآله وسلم فاشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض وكان بين العباس وبين رجل آخر. فقال عبيد الله فذكرت لابن عباس ما قالت عائشة، فقال لي وهل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة؟ قلت: لا! قال: هو علي بن أبي طالب. وهذا الحديث بالضبط أخرجه ابن سعد في طبقاته بمسند صحيح في جزئه الثاني في صفحة 29 وكذلك صاحب السيرة الحلبية وغيرهم من أصحاب السنن وفيه إن عائشة لا تطيب له نفسا بخير. والبخاري أسقط هذه الجملة التي يستفاد منها أن عائشة تبغض عليا ولا تطيق ذكر اسمه. ولكن فيما أخرجه كفاية ودلالة واضحة لمن له دراية بمعارض الكلم، وهل يخفي علي أي باحث قرأ التاريخ ومحصة بغض أم المؤمنين لسيدها ومولاها [202] علي بن أبي طالب حتي أنها عندما وصل إليها [ صفحه 324] خبر قتله سجدت شكرا لله. وعلي كل حال رحم الله أم المؤمنين وغفر لها كرامة لزوجها. ونحن لا نضيق رحمة الله التي وسعت كل شئ، وكان بودنا لو لم تكن تلك الحروب والفتن والمآسي التي تسببت في تفريقنا وتشتيت شملنا وذهاب ريحنا حتي أصبحنا اليوم طعمة الآكلين وهدف المستعمرين وضحية

الظالمين، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

انتقاص أهل البيت روايات تعجب البخاري

ومع الأسف الشديد أن الإمام البخاري اختار طريقه وسلك سبيله ضمن مدرسة الخلفاء التي شيدتها السلطة الحاكمة، أو أن تلك المدرسة هي التي اختارت البخاري وأمثاله وصنعت منهم ركائز وأركان ورموز لتدعيم سلطانهم وترويح مذهبهم وتصريف اجتهاداتهم التي أصبحت في عهد الأمويين والعباسيين سوقا رائجة وسلعة رابحة لكل العلماء الذين تسابقوا وتباروا لتأييد الخليفة بكل أساليب الوضع والتدليس الذي يتماشي والسياسة القائمة، كل ذلك لينالوا عند الحاكم الجاه والمال، فباعوا أخراهم بدنياهم فما ربحت تجارتهم ويوم القيامة يندمون ويخسرون. فالناس ناس، والزمان زمان، فأنت تري اليوم نفس الأساليب ونفس السياسة، فكم من عالم جليل هو حبيس داره لا يعرفه الناس. وكم من جاهل تربع علي منبر الخطابة وإمامة الجماعة والتحكم بمصير المسلمين لأنه من المقربين الذين نالوا رضاء النظام وتأييده وإلا قل لي بربك كيف يفسر عزوف البخاري عن أهل بيت النبي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا؟ كيف يفسر عداء البخاري لهدي الأئمة الذين عاصر وعايش البعض منهم زمن البخاري ولم يرو عنهم إلا ما هو مكذوب عليهم للحط [ صفحه 325] من قدرهم السامي والطعن في عصمتهم الثابتة بالقرآن والسنة، وسنوافيك ببعض الأمثلة علي ذلك. ثم إن البخاري ولي وجهه شطر النواصب والخوارج الذين حاربوا أهل البيت وقتلوهم فتراه يروي عن معاوية وعن عمرو بن العاص وعن أبي هريرة وعن مروان بن الحكم وعن مقاتل بن سليمان الذي عرف بالدجال، وعن عمران بن حطان عدو أمير المؤمنين وعدو أهل البيت، شاعر الخوارج وخطيبهم الذي كان يتغني بمدحه لابن ملجم المرادي علي قتله علي بن أبي طالب. كما كان البخاري يحتج بحديث الخوارج

والمرجئة والمجسمة وبعض لمجاهيل الذين لا يعرفون الدهر لهم وجودا. وقد جاء في صحيحه إضافة إلي الكذب والتدليس من الرواة المشهورين بذلك، بعض الروايات السخيفة والبشعة. مثال ذلك ما رواه في صحيحه من كتاب النكاح باب ما يحل من النساء وما يحرم وقوله تعالي: حرمت عليكم أمهاتكم إلي آخر الآية. قال في آخر الباب: لقوله تعالي وأحل لكم ما وراء ذلكم، وقال عكرمة عن ابن عباس إذا زني بأخت امرأته لم تحرم عليه امرأته، ويروي عن يحيي الكندي عن الشعبي وأبي جعفر فيمن يلعب بالصبي إن أدخله فيه فلا يتزوجن أمه. وقد علق علي هذا الكلام شارح البخاري في الهامش بقوله: اللائق بمنصب العلماء أن يجلوا قدرهم عن كتب مثل هذا الكلام والتفوه به. كما أخرج في صحيحه من كتاب تفسير القرآن باب نساؤكم حرث لكم عن نافع قال كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتي يفرغ منه، فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتي انتهي إلي مكان، [ صفحه 326] قال: تدري فيما أنزلت؟ قلت: لا، قال: أنزلت في كذا أو كذا، ثم مضي. وعن نافع عن ابن عمر، فأتوا حرثكم أني شئتم قال: يأتيها في وعلق الشارح بقوله: قوله في بحذف المجرور وهو الظرف أي في الدبر، قيل وأسقط المؤلف ذلك لاستنكاره كذا في الشارح [203] . كنت يوما في جامعة السربون بباريس أتحدث عن أخلاق النبي صلي الله عليه وآله وسلم وخلقه العظيم الذي تحدث عنه القرآن وعرف به النبي صلي الله عليه وآله وسلم حتي قبل البعثة فسموه الصادق الأمين ودامت المحاضرة ساعة تقريبا أوضحت خلالها بأنه صلي الله عليه وآله وسلم لم يكن محاربا ولا

غاصبا لحقوق الإنسان في تقرير مصيره، وفرض دينه بالقوة والقهر كما يدعي بعض المستشرقين. وخلال المناقشة التي شارك فيها نخبة من الأساتذة والدكاترة المختصين بالإسلام وتاريخ المسلمين وجلهم مستشرقون. وانتصرت نوعا ما علي المناوئين الذين أثاروا بعض الشبهات، ولكن أحدهم وهو عربي مسيحي طاعن في السن (أعتقد أنه لبناني اعترض علي بأسلوب فيه خبث ودهاء فكاد يقلب انتصاري إلي هزيمة نكراء. قال هذا الدكتور بلسان عربي فصيح، بأن ما ذكرته في المحاضرة فيه كثير من المبالغة وبالخصوص فيما يتعلق بعصمة النبي إذ أن المسلمين أنفسهم لا يوافقونك علي ذلك، وحتي محمد نفسه لا يوافق علي ذلك، فقد قال عديد المرات، بأنه بشر يجوز عليه الخطأ وقد سجل له المسلمون أخطاء عديدة نحن في غني عن التعريف بها وكتب المسلمين الصحيحة والمعتمدة عندهم تشهد علي ذلك، ثم قال: وأما بخصوص الحروب فما [ صفحه 327] علي حضرة المحاضر إلا مراجعة التاريخ ويكفي أن يقرأ فقط كتب الغزوات التي قام بها محمد في حياته، ثم وأصلها الخلفاء الراشدون بعد وفاته حتي وصلوا إلي (poitier مدينة بواتييه بغرب فرنسا وفي كلها كانوا يفرضون دينهم الجديد علي الشعوب بالقهر وقوة السيف. وقابل الحاضرون كلامه بالتصفيق مؤيدين مقالته وحاولت بدوري إقناعهم بأن ما ذكره الدكتور المسيحي غير صحيح وإن أخرجه المسلمون في كتبهم، وارتفعت ضجة من الضحك في القاعة استهزاء وسخرية مني. وتدخل الدكتور المسيحي من جديد ليقول لي بأن ما ذكره ليس من الكتب المطعون فيها وإنما هو في صحيح البخاري ومسلم. وقلت بأن هذه الكتب صحيحة عند أهل السنة أما عند الشيعة فلا يقيمون لها وزنا، وأنا مع هؤلاء. فقال: نحن لا يهمنا رأي الشيعة الذين يكفرهم أغلب

المسلمين، والمسلمون السنة وهم أكثر من الشيعة عشر مرات لا يقيمون لآراء الشيعة وزنا، ثم أضاف قائلا: إذا تفاهمتم أنتم المسلمون مع بعضكم البعض وأقنعتم أنفسكم بعصمة نبيكم، عند ذلك يمكن أن تقنعونا نحن (قال ذلك ضاحكا متهكما). ثم التفت إلي من جديد قائلا: وأما بخصوص الأخلاق الحميدة فأنا أسألك أن تقنع الحاضرين كيف تزوج محمد الذي بلغ من العمر أربعا وخمسين بعائشة وعمرها ست سنين؟ وارتفعت من جديد ضجة الضحك واشرئبت الأعناق تنتظر ردي وحاولت جهدي إقناعهم بأن الزواج عند العرب يتم علي مرحلتين المرحلة الأولي وهو العقد وكتب النكاح والمرحلة الثانية وهو البناء والدخول، وقد تزوج النبي عائشة وعمرها ست سنوات ولكن لم يدخل بها إلا بعد أن بلغت تسع سنوات، واستطردت بأن هذا ما يقوله البخاري إن كان مناقشي [ صفحه 328] يحتج علي بما فيه. وأنا شخصيا أشك في صحة الرواية لأن الناس في ذلك الزمان لم يكن لهم حالة مدنية ولا تسجيل تاريخ الميلاد ولا تاريخ الوفاة، وعلي فرض صحة الرواية فإن عائشة بلغت سن الرشد في التاسعة من عمرها فكم رأينا اليوم علي شاشة التلفزيون بعض الفتيات الروسيات والرومانيات لاعبات الجمباز اللاتي عندما تراهن وتري كمال أجسامهن تستغرب عندما يعلنون عن عمرها وأنها لم تتجاوز إحدي عشر عاما. فلا شك بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يدخل بها إلا بعد ما رشدت وأصبحت تحيض، والإسلام، لا يقول بالرشد لمن بلغ ثمانية عشر عاما كما هو معروف عندكم في فرنسا. بل الإسلام يعتبر الرشد بالحيض للنساء وبخروج المني للرجال. وكلنا يعلم حتي اليوم بأن من الذكور من يمنون في سن العاشرة ومن الإناث من يحضن في سن مبكرة

قد لا تتجاوز العاشرة. وهنا قامت سيدة وتدخلت لتقول: نعم وعلي فرض أن ما أوردته قد يكون صحيحا وهو صحيح علميا، ولكن كيف نقبل بزواج شيخ كبير أوشك عمره علي نهايته بفتاة صغيرة ما زالت في العقد الأول من عمرها؟ قلت: إن محمدا نبي الله ولا يفعل شيئا إلا بوحي منه، ولا شك أن لله في كل شئ حكمة، وإن كنت شخصيا أجهل الحكمة في ذلك. قال الدكتور المسيحي: لكن المسلمين اتخذوا ذلك سنة، فكم من فتاة صغيرة زوجها أبوها غصبا عنها برجل يوازيه في السن ومع الأسف فإن هذه الظاهرة بقيت حتي اليوم موجودة. انتهزت هذه الفرصة لأقول: ولذلك أنا تركت المذهب السني واتبعت المذهب الشيعي، لأنه يعطي حق المرأة في أن تزوج نفسها بمن شاءت هي لا بما يفرضه عليها الولي. قال: دعنا من السنة والشيعة ولنعد إلي زواج محمد بعائشة والتفت إلي الحاضرين ليقول بكل سخرية: إن محمدا النبي والبالغ من العمر أكثر من الخمسين يتزوج بنية صغيرة لا تفهم من الزواج قليلا ولا كثيرا والبخاري [ صفحه 329] يحدثنا بأنها كانت في بيت زوجها تلعب بالدمي وهذا يؤكد علي براءة الطفولة، فهل هذه هي الأخلاق العالية التي يمتاز بها النبي؟ وحاولت من جديد إقناع الحاضرين بأن البخاري ليس حجة علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولكن بدون جدوي، فقد لعب هذا المسيحي اللبناني بأفكارهم كما أراد، وما كان لي إلا أن أوقفت النقاش متذرعا بأننا لا نتكلم نفس اللغة لأنهم يحتجون علي بالبخاري في حين أنني لا أؤمن بكل ما ورد فيه. وخرجت ناقما علي المسلمين الذين أعطوا لهؤلاء، ولأعداء الإسلام وأعداء محمد صلي الله عليه وآله وسلم السلاح النافذ

الذي يحاربوننا به وعلي رأس هؤلاء البخاري! ورجعت للبيت يومها مهموما وأخذت أتصفح صحيح البخاري وما ذكره في فضائل عائشة وأحوالها فإذا بي أقول الحمد لله الذي فتح بصيرتي، وإلا لبقيت متحيرا في شخصية الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وربما داخلني الشك فيه والعياذ بالله. ولا بد من إظهار بعض الروايات التي أثيرت خلال المناقشة حتي يتبين للقارئ بأن هؤلاء المنتقدين لم يفتروا علينا وإنما وجدوا بغيتهم في صحاحنا فاستعانوا بها علينا. فقد أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق باب تزويج النبي صلي الله عليه وآله وسلم عائشة وقدومه المدينة وبنائه بها. - عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحرث بن خزرج فوعكت فتمرق شعري فوفي جميمة، فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي، فصرخت بي فأتيتها لا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتي أوقفتني علي باب الدار وإني لأنهج حتي سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن علي الخير والبكرة وعلي خير طائر. [ صفحه 330] فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ضحي فأسلمتني إليه وأنا يؤمئذ بنت تسع سنين. وأترك لك أيها القارئ لتعلق بنفسك علي أمثال هذه الروايات. كما أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الأدب باب الانبساط إلي الناس. - عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي صلي الله عليه وآله وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله

صلي الله عليه وآله وسلم إذا دخل يتقمعن منه فسير بهن إلي فيلعبن معي. يقول الشارح: ألعب بالبنات، يعني التماثيل المسماة بعلب البنات - ويسربهن إلي: أي يبعثهن ويرسلهن إلي وأنت تقرأ مثل هذه الروايات في صحيح البخاري أيبقي عندك اعتراض بعدها علي نقد بعض المستشرقين إن كنت منصفا؟ قل لي بربك! عندما تقرأ قول عائشة لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ما أري ربك إلا يسارع في هواك [204] . ماذا يبقي في نفسك من احترام وتقدير لامرأة كهذه التي تشكك في نزاهته صلي الله عليه وآله وسلم، وهل لا يبعث ذلك في نفسك أنها تصرفات مراهقة لم يكتمل عقلها. وهل يلام بعد ذلك أعداء الإسلام الذين كثيرا ما يثيرون حب محمد للنساء وأنه كان شهوانيا فإذا قرؤوا في البخاري بأن الله يسارع في هواه، ويقرؤون في البخاري بأنه كان يجامع إحدي عشرة زوجة في ساعة واحدة وقد أعطي قوة ثلاثين. [ صفحه 331] فاللوم علي المسلمين الذين أقروا مثل هذه الأباطيل واعترفوا بصحتها بل واعتبروها كالقرآن الذي لا يتطرق إليه الشك ولكن هؤلاء مسيرون في كل شئ حتي في عقيدتهم وليس لهم خيار في شئ. لقد فرضت عليهم هذه الكتب من الحكام الأولين. وهلم بنا الآن إلي الروايات التي أخرجها البخاري للطعن علي أهل البيت. فقد أخرج في صحيحه من كتاب المغازي باب شهود الملائكة بدرا 5 / 16. - عن علي بن حسين أن حسين بن علي أخبره أن عليا قال كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وكان النبي صلي الله عليه وآله وسلم أعطاني مما أفاء الله من الخمس يومئذ قلما أردت أن أبتني بفاطمة عليها السلام

بنت النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأعدت رجلا صواغا في بني قينقاع أن ترتحل معي فنأتي بإذخر فأردت أن أبيعه من الصواغين فنستعين به في وليمة عرسي، فبينما أنا أجمع لشارفي من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناخان إلي جنب حجرة رجل من الأنصار حتي جمعت ما جمعته فإذا أنا بشارفي قد أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادهما فلم أملك عيني حين رأيت المنظر. قلت من فعل هذا؟ قالوا: فعله حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار عنده قينة وأصحابه فقالت في غنائها (ألا يا حمز للشرف النواء). فوثب حمزة إلي السيف فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما قال علي: فانطلقت حتي أدخل علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعنده زيد بن حارثة وعرف النبي صلي الله عليه وآله وسلم الذي لقيت فقال: ما لك؟ قلت: يا رسول الله، ما رأيت كاليوم عدا حمزة علي ناقتي فأجب أسنمتها وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب، فدعا النبي صلي الله عليه وآله وسلم بردائه فارتدي ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتي جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن عليه فأذن له فطفق النبي صلي الله عليه وآله وسلم يلوم [ صفحه 332] حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه، فنظر حمزة إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم ثم صعد النظر فنظر إلي ركبتيه ثم صعد النظر فنظر إلي وجهه ثم قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي، فعرف النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه ثمل فنكص رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي عقبيه القهقري فخرج وخرجنا معه. تأمل أيها

القارئ في هذه الرواية التي طفحت بالكذب والزور لشتم سيد الشهداء لأنه مفخرة أهل البيت فكم كان الإمام علي سلام الله عليه يفتخر به في أشعاره بقوله: وحمزة سيد الشهداء عمي، وكم كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يفتخر به حتي إذا قتل حزن عليه حزنا كبيرا وبكي عليه بكاءا كثيرا وسماه سيد الشهداء. وحمزة عم النبي صلي الله عليه وآله وسلم الذي أعز الله به الإسلام عندما كان المستضعفون من المسلمين يعبدون الله خفية، وقف وقفته المشهورة في وجه قريش وانتصر لابن أخيه معلنا إسلامه علي الملأ من قريش وما خاف أحدا. حمزة الذي سبق هجرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ومهد لدخول ابن أخيه في يوم مشهود. حمزة الذي كان مع ابن أخيه علي أبطال بدر وأحد، أخرج البخاري في نفسه في صحيحه كتاب تفسير القرآن باب قوله هذان خصمان اختصموا في ربهم 5 / 242. - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أنا أول من يجثوا بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة. قال قيس وفيهم نزلت هذان خصمان اختصموا في ربهم قال: هم الذين بارزوا يوم بدر، علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة. نعم إن البخاري يعجبه أن يروي مثل هذه المثالب في مفخرة أهل البيت، وسلسلة الوضاعين الذين وضعوا مثل هذه الرواية طويلة فقد قال [ صفحه 333] البخاري حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس وحدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن الزهري أخبرنا علي بن حسين [205] ، فهؤلاء سبعة أشخاص يري عنهم البخاري قبل أن يصل السند إلي علي بن الحسين وهو زين العابدين

وسيد الساجدين. فهل يليق بزين العابدين أن يروي أكاذيب مثل هذه فيكون سيد الشهداء يشرب الخمر بعد إسلامه وبعد هجرته وقبل استشهاده بأيام إذ تقول الرواية بأن علي بن أبي طالب كان يعد وليمة عرسه علي فاطمة عليها السلام التي بني بها في السنة الثانية للهجرة النبوية وأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أعطاه نصيبه من المغنم يوم بدر وهل يليق بسيد الشهداء أن تكون له قينة عاهرة تغنيه وتطلب منه أن يبقر الناقتين فيفعل بدون مبالاة؟ وهل يليق بسيد الشهداء أن يأكل لحم حرام بدون ذبح ويبقر الخواصر ويأخذ الأكباد؟ وهل يليق برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يذهب ويستأذن علي حمزة في ذلك المجلس الذي فيه الخمر والدعارة؟ ويدخل في ذلك المكان؟ وهل يليق بسيد الشهداء أن يكون ثملا محمرة عيناه فيشتم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بقوله ما أنتم إلا عبيد لأبي؟ وهل يليق برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن ينكص علي عقبيه القهقري فيخرج دون تأنيب أو توبيخ فالمعروف عنه أنه كان يغضب لله. وأنا متيقن أن هذه الرواية لو كانت (علي سبيل الافتراض طبعا) تذكر أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية مكان حمزة، لما أخرجها البخاري لفظاعتها، ولو أخرجها لهذبها علي طريقته وابترها. ولكن ما الحيلة والبخاري لا يحب هؤلاء الذين رفضوا مدرسة الخلفاء، حتي بعد وقعة [ صفحه 334] كربلاء وقتلهم عن بكرة أبيهم، فلم يبق إلا علي بن الحسين الذي وضعوا الرواية علي لسانه. ولماذا لم يرو البخاري شيئا من فقه أهل البيت ولا من علومهم ولا من خصالهم ولا من زهدهم ولا من فضائلهم التي ملأت الكتب وطفحت

بها مجاميع أهل السنة قبل مجاميع الشيعة؟ ولنستمع إليه يروي رواية أخري تطعن في أهل البيت وفي القمة بالذات إذ أن الرواة بما فيهم البخاري لم يجدوا في علي بن أبي طالب نقيصة واحدة ولا سجلوا عليه طيلة حياته كذبة واحدة ولا عرفوا له خطيئة واحدة، ولو كانت، لملأوا الدنيا صياحا وعويلا، فعمدوا لوضع رواية تتهمه بأنه كان يستخف بالصلاة. أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الكسوف باب تحريض النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي صلاة الليل وطرق النبي صلي الله عليه وآله وسلم فاطمة وعليا عليهما السلام ليلة الصلاة: 2 / 43 قال: - حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني علي بن حسين أن حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي صلي الله عليه وآله وسلم ليلة فقال: ألا تصليان؟ فقلت: يا رسول الله أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف حين قلنا ذلك ولم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول: وكان الإنسان أكثر شئ جدلا. لاها الله يا بخاري، هذا علي بن أبي طالب الذي يحدثنا عنه المؤرخون أنه كان يقوم بصلاة الليل في ليلة الهرير (في حرب صفين) فيفرش نطع ويصلي بين الصفين والنبال والسهام تساقط علي يمينه وشماله فلا يرتاع ولا يقطع صلاة الليل. [ صفحه 335] علي بن أبي طالب الذي أوضح للناس معالم القضاء والقدر وحمل الإنسان مسؤولية أفعاله، تصوره أنت في هذه الرواية بأنه جبري يقول بالجبر ويجادل بها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بقوله: أنفسنا بيد الله إن

شاء أن يبعثنا بعثنا يعني ذلك لو شاء الله أن نصلي لصلينا. علي بن أبي طالب الذي حبه إيمان وبغضه نفاق توصفه أنت بأنه أكثر شئ جدلا. إنه كذب مفضوح لا يوافقك عليه حتي ابن ملجم قاتل الإمام ولا معاوية الذي كان يأمر الناس بلعنه، إنه كذب رخيص ولكنك جنيت من وراءه الكثير إذ أرضيت بذلك حكام زمانك وأعداء أهل البيت فرفعوا قدرك في هذه الدنيا الدنيئة ولكنك أسخطت ربك بهذا الموقف من أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين قسيم الجنة والنار الذي يقف يوم القيامة علي الأعراف فيعرف كلا بسيماهم [206] فيقول للنار هذا لي وهذا لك [207] . ولا أدري إن كان كتابك يوم القيامة شبيه بكتابك اليوم الذي يزوق ويجلد وينمق، ليخرج في أبهي حلة عرفها الكتاب. نعم كبرت علي البخاري أن يظهر سيده عمر بن الخطاب تاركا للصلاة المفروضة عندما فقد الماء وبقي علي مذهبه ذلك حتي في خلافته فقال: أما أنا فلا أصلي متحديا بذلك القرآن والسنة. ففتش عند الدجالين الوضاعين فوضعوا له هذا الحديث الذي يتهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه تثاقل فلم يصل صلاة الليل، وعلي فرض واحتمال صحة روايته فلا ضير ولا إثم ولا ذنب علي علي لأنها تتعلق [ صفحه 336] بصلاة النافلة التي يثاب علي فعلها ولا يعاقب علي تركها - ولا يمكن أن يقاس فعل عمر بتركه للصلاة المفروضة علي ترك علي لصلاة النافلة إن صحت الرواية، ولكن أني لهذا الرواية أن تكون صحيحة ولو أخرجها صحيح البخاري. فالبخاري صحيح عند أهل السنة، وأهل السنة هم المؤيدون لمدرسة الخلافة التي قامت علي سياسة بني أمية وبني العباس والمتتبع يعرف هذه الحقيقة

التي أصبحت اليوم غير خافية علي أحد وأهل السنة والجماعة تبعا لسياسة الحكام الذي دأبوا علي عداء ومحاربة أهل البيت ومن والاهم وتشيع لهم، أصبحوا من غير علمهم أعداء لأهل البيت وشيعتهم لأنهم والوا أعداءهم وعادوا أولياءهم. ولذلك رفعوا من شأن البخاري إلي الدرجة الرفيعة التي أصبح عليها، ولا تجد عندهم من تراث أهل البيت ولا من أقوال الأئمة الاثني عشر شيئا يذكر، ولا حتي عن باب مدينة العلم الذي كان من النبي بمنزلة هارون من موسي، وبمنزلة النبي من ربه. والسؤال الذي يطرح علي أهل السنة هو: ما الذي أحرز عليه البخاري زيادة علي بقية المحدثين لينال عندكم هذا التفضيل؟؟ وأعتقد أن الجواب الوحيد علي هذا السؤال هو أن البخاري: 1 - دلس الأحاديث التي تمس كرامة الصحابة خصوصا منهم أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية. وهذا ما دعا إليه معاوية والحكام بعده. 2 - أبرز الأحاديث التي تطعن في عصمة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وتصوره بأنه بشر عادي يخطئ، وهذا ما أراده الحكام علي طول الدهر. 3 - أخرج أحاديث موضوعة في مدح الخلفاء الثلاثة وفضلهم علي علي بن أبي طالب وهو بالضبط ما أراده معاوية للقضاء علي ذكر علي حسب زعمه. [ صفحه 337] 4 - أخرج أحاديث مكذوبة تمس بكرامة أهل البيت. 5 - أخرج أحاديث أخري تؤيد مذهب الجبر والتجسيم والقضاء والقدر في الخلافة وهو ما أشاعه الأمويون والعباسيون ليتحكموا بمصير الأمة. 6 - أخرج أحاديث مكذوبة تشبه الأساطير والخرافات لتخدير الأمة وإشاعة الفوضي وذلك ما يريده الحكام في عصر البخاري. وعلي سبيل المثال إليك أيها القارئ العزيز هذه الرواية: أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق باب

أيام الجاهلية من جزئه الرابع ص 238. قال البخاري: حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم. ونحن نقول للبخاري، لعل الله سبحانه ورحمة بالقردة قد نسخ حكم الرجم الذي فرضه عليهم بعد طردهم من الجنة وأباح لهم الزنا في عهد الإسلام بعد ما كان محرما عليهم في الجاهلية. ولذلك لم يدع أي مسلم أنه حضر أو شارك في رجم قردة منذ بعث محمدا صلي الله عليه وآله وسلم وحتي يوم الناس هذا. [ صفحه 339]

خاتمة البحث

وبعد هذه الخرافات وأمثالها كثير في البخاري فهل يبقي الباحثون والعلماء المتحررون ساكتون ولا يتكلمون؟ وسيقول بعض الناس لماذا التحامل إلا علي البخاري؟ وقد يوجد في غيره من كتب الأحاديث أضعاف ما فيه، وهذا صحيح ولكن تناولنا البخاري بالتحديد لما ناله هذا الكتاب من شهرة فاقت الخيال حتي أصبح كالكتاب المقدس عند علماء السنة لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إذ كل ما فيه صحيح لا يتطرق إله الشك، ومنبع هذه الهالة وهذا التقديس نشأ من السلاطين والملوك بالخصوص في العهد العباسي الذي وصل فيه الفرس إلي التحكم في كل جهاز الدولة وكان منهم الوزراء والمستشارون والأطباء والفلكيون يقول أبو فراس ذلك: أبلغ لديك بني العباس مالكة لا يدعوا ملكها ملاكها العجم أي المفاخر أمست في منازلكم وغيركم آمر فيها ومحتكم وعمل الفرس كل جهودهم واستعملوا كل نفوذهم حتي أصبح كتاب البخاري في المرتبة الأولي بعد القرآن الكريم، وأصبح أبو حنيفة الإمام الأعظم فوق الأئمة الثلاثة الآخرين. [ صفحه 340] ولولا خوف الفرس من إثارة القومية العربية في

عهد الدولة العباسية لرفعوا البخاري فوق القرآن، ولقدموا أبا حنيفة علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم. فمن يدري؟ وقد قرأت لبعضهم محاولات من هذا القبيل، إذ كان البعض منهم يقول صراحة بأن الحديث قاض علي القرآن، ويقصد بالحديث البخاري طبعا. كما يقول لو تعارض حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم مع رأي واجتهاد أبي حنيفة لوجب تقديم اجتهاد أبي حنيفة ويعلل ذلك بأن الحديث يحتمل عدة وجوه، هذا إن كان صحيحا أما إذا كان مشكوكا في صحته فلا إشكال. وأخذت الأمة الإسلامية تنموا وتكبر شيئا فشيئا وهي دائما مغلوبة علي أمرها يتحكم في مصيرها الملوك والسلاطين من الأعاجم والفرس والمماليك والموالي والمغول والأتراك والمستعمرين من الفرنسيين والانكليز والإيطاليين والبرتغاليين وحدث ولا حرج. ودأب أغلب العلماء علي الجري وراء الحكام واستمالتهم بالفتاوي والتملق طمعا في ما عندهم من مال وجاه، وعمل هؤلاء دائما علي سياسة فرق تسد فلم يسمحوا لأحد بالاجتهاد وفتح ذلك الباب الذي أغلقه الحكام في بداية القرن الثاني، معتمدين علي ما يثار هنا وهناك من فتن وحروب بين السنة وهي الأغلبية الساحقة والتي تمثل الأنظمة الحاكمة، والشيعة وهي الأقلية المنبوذة والتي تمثل في نظرهم المعارضة الخطيرة التي يجب القضاء عليها وبقي علماء السنة مشغولون بتلك اللعبة السياسية الماكرة في نقد وتكفير الشيعة والرد علي أدلتهم بكل فنون النقاش والمجادلة حتي كتبت في ذلك آلاف الكتب وقتلت آلاف النفوس البريئة وليس لها ذنب غير ولائها لعترة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ورفضها للحكام الذين ركبوا أعناق الأمة بالقوة والقهر. [ صفحه 341] وها نحن اليوم في عهد الحريات في عهد النور كما يسمونه في عهد العلم وتسابق الدول لغزو الفضاء والسيطرة

علي الأرض إذا ما قام عالم وتحرر من قيود التعصب والتقليد، وكتب أي شئ يشم منه رائحة التشيع لأهل البيت، فتثور ثائرتهم وتعبأ طاقاتهم لسبه وتكفيره والتشنيع عليه لا لشئ سوي أنه خالف المألوف عندهم، ولو أنه كتب كتابا في مدح البخاري وتقديسه لأصبح عالما علامة ولانهالت عليه التهاني والمدائح من كل حدب وصوب ولتمسح بأعتابه رجال لا تلهيهم صلاة ولا صوم عن التملق وقول الزور. وأنت تفكر في كل هذا والدواعي التي توفرت لانحراف أكثر العباد، والأسباب التي تجمعت لسياقه أغلب الناس إلي الضلالة، فإذا القرآن الكريم يوقفك علي سرها المكنون، من خلال الحوار الذي دار بين رب العزة والجلالة واللعين إبليس. - قال: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك؟ - قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. - قال: فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين. - قال: أنظرني إلي يوم يبعثون.. - قال: إنك من المنظرين. - قال: فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثلم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين. قال: أخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملئن جهنم منكم أجمعين [الأعراف: 12 - 18]. [ صفحه 342] - يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم، إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون، وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون علي الله ما لا تعلمون، قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له

الدين كما بدأكم تعودون، فريقا هدي وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون [الأعراف: 26 - 30]. ولذلك أقول لكل إخواني من المسلمين عامة إلعنوا الشيطان ولا تتركوا له سبيلا عليكم، وتعالوا إلي البحث العلمي الذي يقره القرآن والسنة الصحيحة، تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نحتج إلا بما هو صحيح ثابت عندنا وعندكم، وندع ما اختلفنا فيه جانبا، ألم يقل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لا تجتمع أمتي علي خطأ إذا فالحق والصواب في ما اجتمعنا عليه سنة وشيعة والخطأ والباطل في ما اختلفنا فيه، ولو أقمنا إلا هذا العمود لعم الصفاء والوفاق والهناء ولاجتمع الشمل ولجاء نصر الله والفتح ولعمت البركة من السماء والأرض، فالوقت قد حان ولم يعد هناك مجال للانتظار قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال - ونحن كلنا في انتظار إمامنا المهدي عليه السلام شيعة وسنة وقد طفحت ببشارته كتبنا، أليس هذا دليل كاف علي وحدة مصيرنا، فلي الشيعة إلا إخوانكم وليس أهل البيت حكرة عليهم، فمحمد وأهل بيته صلي الله عليه وآله وسلم هم أئمة المسلمين كافة فلقد اتفقنا سنة وشيعة علي صحة حديث الثقلين وقوله صلي الله عليه وآله وسلم تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وعترتي [208] والمهدي [ صفحه 343] من عترته أليس هذا دليل آخر؟ والآن وقد ولي عصر الظلمات وعصر الظلم الذي لم يظلم أحدا بقدر ما ظلم أهل البيت عترة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم حتي لعنوا علي المنابر وقتلوا وسبيت نساؤهم وبناتهم علي مرأي ومسمع من كل المسلمين. فقد حان الوقت لرفع المظلمة

عن أهل البيت النبوي ورجوع الأمة إلي أحضانهم الدافئة التي ملئت رأفة ورحمة إلي حضيرتهم المترعة التي ملئت علما وعملا وإلي ظل شجرتهم الباسقة التي حازت فضلا وشرفا، فقد صلي عليهم الله وملائكته، وأمر المسلمين بذلك في كل صلواتهم - كما أمرهم بمودتهم وموالاتهم. وإذا كان فضل أهل البيت لا ينكره مسلم وقد تغني به الشعراء علي مر العصور، قال الفرزدق فيهم. إن عد أهل التقي كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم من معشر حبهم دين وبغضهم كفر وقربهم ملجي ومعتصم مقدم بعد ذكر الله ذكرهم في كل بر ومختوم به الكلم وقال فيهم أبو فراس الشاعر المعروف يمدح أهل البيت ويشني العباسين في قصيدته المعروفة بالشافعية اخترنا منها. يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم لمعشر بيعهم يوم الهياج دم خلوا الفخار لعلامين إن سئلوا يوم السؤال وعمالين إن عملوا لا يغضبون لغير الله إن غضبوا ولا يضيعون حكم الله إن حكموا تنشي التلاوة في أبياتهم سحرا وفي بيوتكم الأوتار والنغم الركن والبيت والأستار منزلهم وزمزم والصفي والحجر والحرم وليس من قسم في الذكر نعرفه إلا وهم غير شك ذلك القسم وقد نقل الزمخشري والبيهقي والقسطلاني أبياتا للإمام أبي عبد الله [ صفحه 344] محمد بن علي الأنصاري الشاطبي [209] قوله: عدي وتيم لا أحاول ذكرها بسوء ولكني محب لهاشم وما تعتريني في علي ورهطه إذا ذكروا في الله لومة لائم يقولون: ما بال النصاري تحبهم وأهل النهي من أعرب وأعاجم فقلت لهم: إني لأحسب حبهم سري في قلوب الخلق حتي البهائم وقد كتب بعض النصاري عدة كتب في مزايا وفضائل علي بن أبي طالب خاصة وفي أهل البيت عامة وهو

ما أشار إليه الإمام الشاطبي بقوله: يقولون ما بال النصاري تحبهم. وهي من العجائب التي بقيت لغزا وإلا كيف يعترف النصراني بحقيقة أهل البيت ولا يسلم؟ اللهم إلا إذا قدرنا أنهم أسلموا ولم يعلنوا عن ذلك إما رهبة أو رغبة. وقد نقل صاحب كتاب كشف الغمة في صفحة 20 قول بعض النصاري في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: علي أمير المؤمنين صريمة وما لسواه في الخلافة مطمع له النسب الأعلي وإسلامه الذي تقدم فيه والفضائل أجمعوا بأن عليا أفضل الناس كلهم وأورعهم بعد النبي وأشجع فلو كنت أهوي ملة غير ملتي لما كنت إلا مسلما أتشيع فالمسلمون أولي بحب وموالاة أهل بيت النبوة فأجر الرسالة كلها موقوفا علي مودتهم. وعسي أن يلقي ندائي أذانا صاغية وقلوبا واعية وعيونا مبصرة، فأكون بذلك سعيدا في الدنيا والآخرة وأسأله سبحانه وتعالي أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم ويتقبل مني ويعفو عني ويغفر لي ويجعلني خادما [ صفحه 345] لمحمد وعترته (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) في الدنيا والآخرة فإن في خدمتهم فوزا عظيما - إن ربي علي صراط مستقيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين. محمد التيجاني السماوي

پاورقي

[1] صحيح البخاري: 7 / 205. صحيح مسلم: 1 / 112.

[2] صحيح البخاري: 2 / 47.

[3] صحيح البخاري: 8 / 178 و 187.

[4] صحيح البخاري: 8 / 182. صحيح مسلم: 1 / 115.

[5] صحيح البخاري: 6 / 33.

[6] صحيح البخاري: 8 / 183. صحيح مسلم: 1 / 124.

[7] نهج البلاغة للإمام علي: شرح محمد عبدة ج 1 الخطبة الأولي.

[8] صحيح البخاري: 7 / 214 كتاب القدر باب تحاج آدم

وموسي. صحيح مسلم: 8 / 49.

[9] صحيح مسلم: 8 / 44 كتاب القدر باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه. صحيح البخاري: 7 / 210. [

[10] صحيح مسلم: 8 / 55 كتاب القدر باب كل مولود يولد علي الفطرة.

[11] صحيح البخاري: 7 / 210 كتاب القدر باب جف القلم علي علم الله.

[12] نهج البلاغة شرح محمد عبدة: 673 - 674 من الجزء الرابع.

[13] تاريخ الطبري: 11 / 357. مروج الذهب: 1 / 440.

[14] الزمخشري في ربيع الأبرار ج 2 باب القرابات والأنساب. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1 / 111.

[15] كتاب الموفقيات: 576. تاريخ المسعودي مروج الذهب: 2 / 341. وشرح النهج لابن أبي الحديد: 5 / 130. الغدير للعلامة الأميني: 10 / 283.

[16] كتاب صفين: 44.

[17] أخرج ابن عبد ربه في العقد الفريد: 2 / 301 قال إن معاوية لعن علي علي المنبر وكتب إلي عماله أن يلعنوه علي المنابر ففعلوا، فكتبت أم سلمة زوج النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي معاوية: إنكم تلعنون الله ورسوله علي منابركم. وذلك أنكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبه، وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله، فلم يلتفت معاوية إلي كلامها.

[18] أنساب الأشراف للبلاذري: 5 / 42. لسان الميزان: 6 / 294. تاريخ ابن كثير: 8 / 221. الإصابة: 3 / 473.

[19] تذكرة الحفاظ للذهبي: ج 1 ص 2 و 3.

[20] سنن ابن ماجة: 1 / 12. وسنن الدارمي: 1 / 85. والذهبي في تذكرة الحفاظ: 1 /.

[21] مستدرك الحاكم: 1 / 110. كنز العمال: 5 / 239.

[22] الطبقات الكبري لابن سعد: 5 / 140. الخطيب البغدادي في تقييد العلم.

[23] منتخب كنز العمال بهامش مسند

أحمد: ج 4 ص 64.

[24] الخطيب البغدادي شرف أصحاب الحديث: 91.

[25] وهذا الحديث اتخذه أبو حنيفة حجة علي جواز الخلافة للموالي وخالف بذلك الصريح من حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأن الخلافة لا تكون إلا في قريش، ومن أجل ذلك اعتنق الأتراك مذهب أبو حنيفة عندما استولوا علي الخلافة وسموا أبا حنيفة الإمام الأعظم.

[26] البداية والنهاية لابن كثير نقلا عن مسلم والإمام أحمد وأبي داود والترمذي وكذلك في السيرة الحلبية والسيرة الدحلانية: 1 / 512.

[27] صحيح البخاري: 1 / 46 باب خروج النساء إلي البراز.

[28] البخاري: 4 / 96 و ج 8 / 161.

[29] كتاب الجوهرة النيرة في الفقه الحنفي: 1 / 164.

[30] الإصابة في معرفة الصحابة للعسقلاني في ترجمة عيينة. ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 3 / 108.

[31] البخاري: 4 / 68 و ج 7 / 29.

[32] البخاري: 2 / 232 وصفحة 234.

[33] البخاري: 1 / 44 و 171.

[34] البخاري: 1 / 123 و ج 2 / 65.

[35] البخاري: 2 / 71.

[36] صحيح مسلم: 2 / 157 في باب المسح علي الخفين.

[37] صحيح البخاري: 1 / 86. وصحيح مسلم: 1 / 191.

[38] صحيح مسلم: 7 / 121. باب فضائل علي بن أبي طالب.4.

[39] صحيح البخاري: 4 / 231 باب تزويج النبي صلي الله عليه وآله وسلم خديجة وكذلك صحيح مسلم.

[40] صحيح البخاري: 6 / 157 في باب الغيرة.

[41] إحياء علوم الدين للإمام الغزالي: 2 / 29 كتاب أدب النكاح.

[42] كنز العمال: 7 / 116 وكذلك إحياء العلوم للغزالي.

[43] الطبقات الكبري لابن سعد: 8 / 145. الإصابة لابن حجر: 4 / 233. تاريخ اليعقوبي: 2 / 69.

[44] صحيح البخاري: 1 /

101 باب الصلاة علي الفراش.

[45] صحيح البخاري: 3 / 105 في باب الغرفة والعلية المشرفة من كتاب المظالم.

[46] صحيح البخاري: 6 / 24 و 128 باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد. صحيح مسلم باب جواز هبة المرأة نوبتها لضرتها.

[47] صحيح البخاري: 6 / 158 باب غيرة النساء ووجدهن.

[48] صحيح البخاري: 3 / 106 باب الغرفة والعلية من كتاب المظالم.

[49] صحيح البخاري: 6 / 69 و 71 باب وإذا أسر النبي إلي بعض أزواجه.

[50] طبقات ابن سعد: 8 / 115. كنز العمال: 6 / 294.

[51] ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة: 2 / 80.

[52] مسند الإمام أحمد بن حنبل: 6 / 277. وسنن النسائي: 2 / 148.

[53] صحيح الترمذي وقد رواه عنه الزركشي في صفحة 73.

[54] الطبقات الكبري لابن سعد: 8 / 212، أنساب الأشراف: 1 / 449، الإصابة في معرفة الصحابة للعسقلاني أخرجها في ترجمة مارية القبطية.

[55] الطبقات الكبري لابن سعد: 1 / 37 ترجمة إبراهيم بن النبي - وكذلك في أنساب الأشراف.

[56] صحيح مسلم: 3 / 64 باب ما يقال عند دخول القبور. مسند أحمد بن حنبل: 6 / 221.

[57] مسند الإمام أحمد: 6 / 147.

[58] مسند أحمد بن حنبل: 6 / 115.

[59] يراجع في هذا الموضوع كتاب حديث الإفك للعلامة جعفر مرتضي العاملي.

[60] صحيح البخاري: 3 / 135 باب هبة الرجل لامرأته من كتاب الهبة وفضلها.

[61] الطبقات الكبري لابن سعد: 2 / 29.

[62] صحيح مسلم: 3 / 64. ومسند الإمام أحمد: 6 / 221.

[63] صحيح مسلم: 4 / 188 في باب الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن وقوله تعالي: وإن تظاهرا عليه.

[64] صحيح البخاري: 7 / 8 من كتاب المرضي والطب.

[65] يقول الشاعر في

هذا المعني: عاندوا أحمد وعادوا عليا وتولوا منافقا وغويا وأسروا سب النبي نفاقا حين سبوا جهرا أخاه عليا.

[66] صحيح البخاري: 3 / 156 باب تعديل النساء بعضهن بعضها.

[67] صحيح البخاري: 4 / 231. صحيح مسلم باب فضائل أم المؤمنين خديجة: 7 / 133.

[68] قد مر بنا سابقا قولها ما غرت علي امرأة كما غرت علي صفية وقولها ما غرت علي امرأة إلا دون ما غرت علي مارية، لك الله يا عائشة فهل سلمت واحدة من أزواج النبي من غيرتك وأذيتك؟.

[69] صحيح البخاري: 4 / 231. صحيح مسلم باب فضل خديجة أم المؤمنين.

[70] صحيح البخاري: 4 / 209 و 7 / 142.

[71] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 9 / 197 ينقل ذلك عن الإمام علي.

[72] صحيح البخاري: 1 / 162 و 3 / 135 و 5 / 140.

[73] صحيح مسلم: 1 / 61. صحيح الترمذي: 5 / 306. سنن النسائي: 8 / 116.

[74] البخاري: 4 / 210.

[75] صحيح البخاري: 5 / 82 و 8 / 3.

[76] الإمام أحمد في مسنده: 4 / 275.

[77] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 9 / 195.

[78] البخاري ومسلم في فضائل علي بن أبي طالب: 7 / 130.

[79] المستدرك للحاكم: 3 / 130 صححه علي شرط الشيخين البخاري ومسلم وعشرات المصادر.

[80] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2 / 77.

[81] ابن قتيبة في كتابه المصنف في غريب الحديث وكذلك في الإمامة والسياسة.

[82] تاريخ الطبري: 6 / 482.

[83] الطبري في تاريخه: 5 / 178. وشرح النهج: 2 / 501 وغيرهم.

[84] صحيح البخاري: 8 / 97 باب الفتن. والنسائي: 4 / 305. والمستدرك: 4 / 525.

[85] صحيح البخاري: 4 / 46.

[86] صحيح

مسلم: 8 / 181.

[87] صحيح البخاري: 8 / 97.

[88] نهج البلاغة شرح محمد عبدة: 283.

[89] نهج البلاغة شرح محمد عبدة: 314.

[90] نهج البلاغة شرح محمد عبدة: 330.

[91] نهج البلاغة شرح محمد عبدة: 508.

[92] نهج البلاغة: 2 / 213.

[93] نهج البلاغة: 1 / 155.

[94] نهج البلاغة: 2 / 190.

[95] صحيح مسلم: 7 / 130 وما بعدها.

[96] صحيح مسلم: 7 / 123 باب فضائل علي بن أبي طالب.

[97] البخاري: 1 / 86. ومسلم: 1 / 191.

[98] صحيح البخاري: 7 / 209 و 4 / 94 و 156. صحيح مسلم: 7 / 66.

[99] كنز العمال: 7 / 24. تاريخ ابن عساكر: 4 / 97. إحياء العلوم للغزالي: 1 / 129. [

[100] صحيح مسلم: 1 / 61. صحيح الترمذي: 5 / 306. سنن النسائي: 8 / 116. كنز العمال: 15 / 105.

[101] نهج البلاغة: 1 / 155.

[102] أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده وابن حجر في إصابته في ترجمة ذي الثدية عن أنس بن مالك، قال: كان في عهد رسول الله رجل يعجبنا تعبده واجتهاده، وقد ذكرنا ذلك لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم باسمه فلم يعرفه، فوصفناه بصفته فلم يعرفه، فبينما نحن نذكره إذ طلع الرجل، قلنا: هو ذا! قال رسول الله: إنكم تخبروني عن رجل إن في وجهه لسعفة من الشيطان، إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، أقتلوهم فهم شر البرية.

[103] تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور: 4 / 126. تفسير الطبري أيضا. وكذلك صحيح البخاري: 5 / 29 باب غزوة أحد.

[104] عباس العقاد في عبقرية خالد: 68.

[105] مستدرك الحاكم: 3 / 37 كما أخرجه

الذهبي في تلخيصه.

[106] صحيح الترمذي: 5 / 303. تاريخ الخلفاء للسيوطي: 172. الصواعق المحرقة لابن حجر: 121.

[107] صحيح البخاري: 2 / 252 كتاب صلاة التراويح.

[108] أخرجه الحاكم في المستدرك في: 3 / 121 وقال حديث صحيح علي شرط الشيخين، كما أورده الذهبي في تلخيصه معترفا بصحته، وكذلك الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: 6 / 323 والنسائي وغيرهم.

[109] قضية مالك بن نويرة وقتله مشهورة في كتب التاريخ.

[110] قضية خالد بن الوليد ودخوله بليلي بنت المنهال بعد قتل زوجها.

[111] كتعطيل إرث الزهراء. وسهم ذي القربي - وسهم المؤلفة قلوبهم - ومتعة الزواج ومتعة الحج وغيرها كثير.

[112] كقضية المغيرة بن شعبة وزناه بأم جميل والقصة مشهورة في كتب التاريخ.

[113] كما قتل معاوية بن أبي سفيان حجر بن عدي الصحابي الجليل وأصحابه لأنه امتنع عن لعن علي بن أبي طالب.

[114] يقول المؤرخون كان معاوية يستدعي معارضيه ويسقيهم عسلا مسموما فيخرجون من عنده ويموتون فيقول: إن لله جندا من عسل.

[115] يقول محمد عبدة في شرح نهج البلاغة من الخطبة الشقشقية في هذا: الناكثون أصحاب الجمل، والمارقون أصحاب النهروان، والقاسطون أي الجائرون وهم أصحاب صفين.

[116] البخاري: 5 / 138 باب مرض النبي ووفاته.

[117] البخاري: 1 / 37 كتاب العلم.

[118] كنز العمال: 3 / 138.

[119] البخاري: 3 / 179.

[120] البخاري كتاب المناقب باب صفة النبي - ومسلم في كتاب الفضائل باب كثرة حيائه صلي الله عليه وآله وسلم.

[121] مسلم كتاب الفضائل باب كثرة حيائه صلي الله عليه وآله وسلم البخاري كتاب المناقب باب صفة النبي صلي الله عليه وآله وسلم.

[122] كتاب الملل والنحل للشهرستاني المقدمة الرابعة، كتاب السقيفة لأبي بكر أحمد بن العزيز الجوهري.

[123] الخطبة الشقشقية من نهج البلاغة.

[124] صحيح مسلم

أيضا في كتاب الجهاد باب قول النبي لا نورث ما تركنا فهو صدقة.

[125] صحيح البخاري أيضا أخرج هذا الحديث في كتاب فرض الخمس باب فرض الخمس.

[126] الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي: 21 في الشبهة السابعة.

[127] تفسير مفاتيح الغيب للفخر الرازي: 8 / 125 تفسير سورة الحشر.

[128] تأريخ بغداد: 14 / 321. تاريخ ابن عساكر: 3 / 119. كنز العمال: 5 / 30.

[129] صحيح مسلم: 1 / 61 باب الدليل علي أن حب الأنصار وعلي من الإيمان وعلامة بغضهم من علامات النفاق. صحيح الترمذي: 5 / 306. سنن النسائي: 8 / 116.

[130] صحيح البخاري: 3 / 143.

[131] صحيح البخاري: 4 / 5 و 4 / 20. صحيح مسلم: 7 / 121 باب فضائل علي بن أبي طالب.

[132] صحيح الترمذي: 5 / 296 وخصائص النسائي. مستدرك الحاكم: 3 / 115 والإصابة لابن حجر: 2 / 509.

[133] صحيح البخاري: 6 / 27 باب إن الله وملائكته يصلون علي النبي من سورة الأحزاب.

[134] صحيح مسلم: 2 / 16 كتاب الصلاة باب الصلاة علي النبي.

[135] صحيح البخاري: 3 / 68.

[136] الإمامة والسياسة لابن قتيبة. العقد الفريد: ج 2 حديث السقيفة. والطبري في تاريخه والمسعودي في مروج الذهب. وأبو الفداء والشهرستاني وغيرهم.

[137] صحيح البخاري كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة باب رجم الحبلي من الزنا.

[138] الرياض النضرة لمحب الدين الطبري: 1 / 100.

[139] عندما اعتذر لأخي مالك متمم وأعطاه دية مالك من بيت مال المسلمين وقال إن خالد تأول فأخطأ.

[140] صحيح البخاري كتاب الإيمان باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر. وصحيح مسلم كتاب الإيمان باب قول النبي سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.

[141] راجع كتاب ثم اهتديت: 183.

[142]

تذكرة الحفاظ الجزء الأول والصفحة الثالثة. للذهبي.

[143] سورة التوبة: 75 - 77.

[144] كنز العمال: 5 / 237. وابن كثير في مسند الصديق. والذهبي في تذكرة الحفاظ: 1 / 5.

[145] كنز العمال: 5 / 237. وابن كثير في مسند الصديق. والذهبي في تذكرة الحفاظ: 1 / 5.

[146] الذهبي في تذكرة الحفاظ: 1 / 3 - 4.

[147] صحيح البخاري في كتاب الاستئذان باب التسليم والاستئذان ثلاثا.

[148] الطبقات الكبري لابن سعد: 5 / 188 والخطيب البغدادي في تقييد العلم.

[149] كنز العمال: 5 / 239.

[150] مسند الغمام أحمد بن حنبل: 1 / 363.

[151] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 11 / 46.

[152] ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم وفضله. كنز العمال: 5 / 239. وابن سعد من طريق الزهري.

[153] صحيح البخاري: 1 / 37 باب كتابة العلم. و: 5 / 138.

[154] سنن البيهقي وكنز العمال: 6 / 15. صحيح مسلم كتاب الفرائض باب ميراث الكلالة.

[155] صحيح البخاري: 1 / 90. ومسلم: 1 / 193 باب التيمم.

[156] صحيح مسلم في كتاب الطلاق باب طلاق الثلاث من جزئه الأول.

[157] كتاب علي بن أبي طالب لابن عباس نهج البلاغة: 1 / 77.

[158] نهج البلاغة شرح محمد عبدة: 1 / 84 - 87.

[159] الإمام الغزالي في كتابه سر العالمين.

[160] كل هذه الأحاديث أخرجها الطبري في الرياض النضرة والسنائي في الخصائص، وأحمد بن حنبل.

[161] أحمد بن حنبل: 1 / 119. وتاريخ دمشق لابن عساكر: 2 / 7.

[162] أنساب الأشراف: 1 / 156. السيرة الحلبية: 3 / 337. المعارف لابن قتيبة: 194.

[163] البخاري: 8 / 26 كتاب المحاربين من أهل للكفر والردة باب رجم الحبلي من الزنا.

[164] الإمامة والسياسة لابن قتيبة استخلاف أبي

بكر.

[165] تاريخ الخلفاء لابن قتيبة المعروف بالإمامة والسياسة: 1 / 24.

[166] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد الخطبة الشقشقية.

[167] الإمام والسياسة لابن قتيبة: ج 1 باب استخلاف أبي بكر لعمر.

[168] تاريخ الطبري: 4 / 52. ابن عبد ربه في العقد الفريد: 2 / 254. المسعودي مروج الذهب: 1 / 414.

[169] صحيح البخاري: 8 / 148.

[170] المصدر السابق.

[171] صحيح البخاري: 1 / 88.

[172] صحيح البخاري: 1 / 87.

[173] كما أخرجه البخاري في صحيحه: 1 / 91 كتاب التيمم باب التيمم ضربة.

[174] كما جاء ذلك في صحيح البخاري: 5 / 158 من كتاب تفسير القرآن باب قوله وأنفقوا في سبيل الله.

[175] الجوهرة النيرة في الفقه الحنفي: 1 / 164.

[176] البلاذري في أنساب الأشراف: 5 / 49. والاستيعاب: 2 / 422. وابن قتيبة في الإمامة والسياسة: 1 / 29. وابن أبي الحديد في شرح النهج: 1 / 239. العقد الفريد: لابن عبد ربه: 2 / 272.

[177] البلاذري في أنساب الأشراف وكذلك الواقدي. تاريخ اليعقوبي: 2 / 147. وشرح النهج لابن أبي الحديد: 1 / 237.

[178] تاريخ الطبري وتاريخ ابن الأثير في باب وأنذر عشيرتك الأقربين.

[179] الدر المنثور في التفسير المأثور لجلال الدين السيوطي في سورة البينة.

[180] صحيح البخاري: 3 / 114 كتاب المظالم باب الاشتراك في الهدي.

[181] العسقلاني في كتابه الإصابة في معرفة الصحابة ترجمة عيينة وابن أبي الحديد في شرح النهج: 12 / 108.

[182] صحيح البخاري: 8 / 123 باب كيف يبايع الناس الإمام من كتاب الأحكام.

[183] صحيح البخاري: 8 / 127. صحيح مسلم: 6 / 3.

[184] صحيح البخاري: 7 / 13.

[185] سنن ابن ماجة: 1 / 619.

[186] صحيح البخاري وصحيح مسلم في كتاب اللؤلؤ والمرجان: 1

/ 115.

[187] يقول ابن منظور في لسان العرب عن هذه العملية: اللد: هو أن يؤخذ بلسان الصبي فيمد إلي أحد شقيه ويوجر في الشق الآخر الدواء في الصدف بين اللسان والشدق.

[188] تاريخ الطبري: 11 / 357.

[189] مسند الإمام أحمد: 4 / 421 والطبراني في الكبير.

[190] مسند أحمد: 4 / 421 لسان العرب: 7 / 404.

[191] الإمام والسياسة لابن قتيبة: 1 / 137.

[192] صحيح مسلم: 8 / 27.

[193] أخرج هذا الحديث أيضا البخاري في كتاب الإيمان باب المعاصي من أمر الجاهلية.

[194] مسند أحمد: 1 / 193، صحيح الترمذي: 13 / 183، سنن أبو داود: 2 / 264.

[195] الصواعق المحرقة لابن حجر: 107.

[196] صحيح الترمذي: 5 / 297. مستدرك الحاكم: 3 / 124.

[197] صحيح البخاري كتاب المرضي باب قول المريض قوموا عني: 7 / 9. صحيح مسلم في كتاب الوصية باب ترد الوصي: 5 / 76.

[198] اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان: 2 / 166.

[199] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: 12 / 21 وذكر ابن أبي الحديد أن الخبر نقله أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في كتابه مسندا.

[200] صحيح البخاري: 5 / 202 كتاب تفسير القرآن سورة براءة.

[201] سنن ابن ماجة: 1 / 44. الجامع الصحيح للترمذي: 5 / 300. النسائي في الخصائص 20. مسند أحمد: 5 / 30. المناقب للخوارزمي: 79. تذكرة الخواص لابن الجوزي: 36. الصواعق المحرقة لابن حجر: 120.

[202] أخرج ابن حجر في الصواعق المحرقة: 107. قال اختصم أعرابيان إلي عمر فالتمس من علي القضاء بينهما، فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلابيبه، وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاك ومولي كل مؤمن ومن لم

يكن مولاه فليس بمؤمن.

[203] صحيح البخاري: 5 / 160.

[204] صحيح البخاري: 6 / 24 كتاب تفسير القرآن باب قوله تعالي: ترجي من تشاء منهن وتأوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك.

[205] صحيح البخاري: 5 / 16.

[206] شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي: 1 / 198 في تفسير قوله تعالي: وعلي الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم أخرج الحاكم عن علي قال: نقف يوم القيامة بين الجنة والنار فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنة ومن أبغضنا عرفناه بسيماه.

[207] ابن حجر الشافعي في الصواعق المحرقة: 101 قال روي عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: يا علي أنت قسيم الجنة والنار، فيوم القيامة تقول للنار هذا لي وهذا لك، وأضاف ابن حجر أن أبا بكر قال لعلي رضي الله عنهما، سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: لا يجوز أحد الصراط إلا من كنت له علي الجواز.

[208] وقد أوضحنا في بحث سابق بأن هذا الحديث لا يتعارض مع حديث كتاب الله وسنتي لأن كتاب الله وسنة رسوله هو كلام صامت ولا بد لهما من ترجمان ومن مبين. فالرسول يرشدنا بأن المفسر والمبين للقرآن والسنة هم عترته من أئمة أهل البيت الذين يشهد المسلمون كافة أنهم مقدمون علي غيرهم في العلم والعمل.

[209] البيهقي كتاب المحاسن والمساوئ: 1 / 50. الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار، القسطلاني في كتاب المذاهب اللدنية.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.