عصمة الأنبياء والرسل عليهم السلام

اشارة

‏سرشناسه : عسكري، مرتضي، ۱۲۹۳ - ۱۳۸۶.
‏عنوان قراردادي : عصمه‌الانبياء و‌الرسل. اردو
‏عنوان و نام پديدآور : عصمت انبياء و مرسلين (ع)/تاليف مرتضي عسكري ؛ مترجم سعيدالحسن نقوي، باقررضا كاظمي.
‏مشخصات نشر : تهران: نيك‌ملكي، ‏‏۱۳۸۷.
‏مشخصات ظاهري : ‏‏۸۲ ص.؛‏.م‌س ۱۷×۱۲
‏فروست : قرآن و سنت كي آئينه ميس؛ ۵.
‏شابك : ‏‏۱۰۰۰۰۰ ريال (دوره) ؛ ‏‏۱۰۰۰۰ ريال‏978-600-5192-00-1:
‏وضعيت فهرست نويسي : فيپا
‏موضوع : عصمت (اسلام).
‏شناسه افزوده : نقوي، سعيدالحسن، مترجم
‏شناسه افزوده : كاظمي، باقررضا، مترجم
‏رده بندي كنگره : ‏BP۲۲۰/۵‏/ع۵ع۶۰۴۶ ۱۳۸۷
‏رده بندي ديويي : ‏۲۹۷/۴۳
‏شماره كتابشناسي ملي : ۱۱۸۴۰۱۶

الوحدة حول مائدة الكتاب والسنة

بسم الله الرحمن الرحيم (وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة: 124) الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلاة علي محمّد وآله الطاهرين، والسلام علي أصحابه البررة الميامين. وبعد: تنازعنا معاشر المسلمين علي مسائل الخلاف في الداخل ففرّق أعداء الإسلام من الخارج كلمتنا من حيث لا نشعر، وضعفنا عن الدفاع عن بلادنا، وسيطر الأعداء علينا، وقد قال سبحانه وتعالي: (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال/46). وينبغي لنا اليوم وفي كلّ يوم أن نرجع إلي الكتاب والسنّة في ما اختلفنا فيه ونوحّد كلمتنا حولهما، كما قال تعالي: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَي اللهِ وَالرَّسُولِ)(النساء/59). وفي هذه السلسلة من البحوث نرجع إلي الكتاب والسنّة ونستنبط منها ما ينير لنا السبيل في مسائل الخلاف، فتكون بإذنه تعالي وسيلة لتوحيد كلمتنا. راجين من العلماء أن يشاركونا في هذا المجال، ويبعثوا إلينا بوجهات نظرهم علي عنوان: بيروت ص.ب 124/24 العسكـري [ صفحه 9]

ابليس لا سلطان له علي خلفاء الله في الأرض

أخبر الله سبحانه في سورة الحجر أنّ إبليس لا سلطان له علي عباده المخلصين، في ذكره ما دار بينه وبين إبليس من محاورة، وذلك في قوله تعالي: (رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لاَُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الاَْرْضِ وَلاَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الُْمخْلَصِينَ - قَالَ... إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) (الآيات 30-42) وأخبر تعالي عمّا جري بين يوسف و زليخا، وكيف يعصم الله المخلَصين من إغواء الشيطان، حيث قال تعالي في سورة يوسف: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأي بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذلِكَ [ صفحه 10] لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الُْمخْلَصِينَ)(الآية24). وعرفنا أنّ الوصف المذكور من شروط الإمامة في ما أخبر الله عمّا دار بينه وبين خليله إبراهيم (عليه السلام) في سورة البقرة، وقال: (وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(الآية124). وذكر في سورة الأنبياء أنّ الذين جعلهم أئمة، يهدون بأمره، وقال تعالي: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا...)(الآية73). وذكر منهم في تلك السورة نوحاً وإبراهيمَ ولوطاً وإسماعيلَ وأيّوبَ وذا الكفل ويونس وموسي وهارون وداود وسليمان وزكريّا ويحيي وعيسي (عليهم السلام). وكان في من وصفهم بالإمامة في هذه السورة: النبيُّ والرسول والوزير والوصيّ. إذاً فقد بان لنا أنّ الله تبارك وتعالي اشترط لمن جعله [ صفحه 11] إماماً أنْ يكون غير ظالم. وقد وصف الله الإمام بأنّه خليفته في الأرض، كما ورد في خطابه لداود (عليه السلام) في سورة ص: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الاَْرْضِ) (الآية26). وورد في وصفه لآدم (عليه السلام)في خطابه للملائكة في سورة البقرة: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاَْرْضِ خَلِيفَة...)(الآية30). كماسنشرحه بعدتفسيركلمات الآيات إن شاء الله تعالي. شرح الكلمات أ ـ أغوَيْتَني، ولأُغويّنّهم، والغاوين: غوي فهو غاو: انهمك في الغيّ. وأغواه: أضلّه وأغراه، وقصد اللعين بقوله أغويتني: أنه تعالي بلعنه وقوله له قبل هذه الآية: (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَي يَوْمِ الدِّين)، أبعده عن رحمته جزاء تمرُّده وامتناعه عن السجود لآدم، كما قال تعالي في سورة البقرة: (يُضِلُّ بِهِ [ صفحه 12] كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِين)(الآية26). ب ـ لأُزيّننّ لهم: أي: أُحسِّنُ لهم سوءَ أعمالهم، كما قال سبحانه وتعالي: (زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) (الأنفال/48; النحل/24; العنكبوت/37) و (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ) (التوبة/37). ج ـ المخلَصِين: المخلَصُون: هم الذين أخلصهم الله لنفسه بعدما أخلصوا أنفسهم لله، فليس في قلوبهم محلٌّ لغيره. د ـ إبتلي: بلاه بلاءً وابتلاه ابتلاءً: امتحنه واختبره بالخير والشرّ والنعمة والنقمة. هـ ـ بكلمات: المقصود من الكلمات هنا قضايا امتحن الله بها [ صفحه 13] إبراهيم(عليه السلام)، مثل ابتلائه بعبّاد الكواكب والأصنام، وإحراقه بالنار، وتضحيته بابنه، وأمثالها. و ـ فأتمَّهنَّ: أي: أكمل أداءَهنّ. ز ـ جاعلك: وردت "جعل" بمعني: خلق وأوجد وحكم وشرّع وقرّر وصيّر، والأخير هو المقصود هنا. خ ـ إماماً: الإمام: هو المقتدي للناس في الأقوال والأفعال. ط ـ الظالمين: الظّلم: وضع الشيء في غير موضعه، والظّلم ـ أيضاً ـ تجاوز الحقّ. والظّلم ثلاثة أنواع: أوّلا: ظلم بين الإنسان وربّه، وأعظمه الشِّرك والكفر، [ صفحه 14] كما قال سبحانه في سورة لقمان: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(الآية13). وفي سورة الأنعام: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللهِ...)(الآية157). ثانياً: ظلم بين الإنسان وغيره، كما قال سبحانه وتعالي في سورة الشوري: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَي الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ)(الآية42). ثالثاً: ظلم الإنسان نفسه، كما قال سبحانه وتعالي في سورة البقرة: (... وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)(الآية231). وفي سورة الطلاق: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (الآية1). وكلّ نوع من الظّلم ظلم للنّفس. يقال لمن اتّصف بالظّلم في أيّ زمان من عمره المتقدّم منه أو المتأخّر: ظالم. [ صفحه 15] ي ـ همّت به وهمّ بها: همّ بالأمر: عزَمَ علي القيام به ولم يفعله. ك ـ رَأي: رأي بالعين: نظر، وبالقلب: أبصر، وأدرك. ل ـ برهان: البرهان: أوكدُ الأدلّة، والحجّةُ البيّنةُ الفاصلة، وما رآه يوسف أكثر من هذا. تأويل الآيات: قال إبليس لربّ العالمين: ربّ بما لعنْتني وأبعدْتني عن رحمتك لأُزيّننّ للناس في دار الدنيا الأعمال السيّئة، كما قال سبحانه: أ ـ في سورة النحل: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَي أُمَم مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) (الآية63). ب ـ في سورة الأنفال: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ...) (الآية48). ج ـ في سورة النمل: (... يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ [ صفحه 16] وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ...)(الآية24). وقال الشيطان: لأُزيِّننَّ للناس أعمالهم ولأُغويّنّهم أجمعين إلاّ عبادك الذين اصطفيتهم لنفسك. وقال الله في جوابه: إنّكَ لا سُلطةَ لك إلاّ علي من اتّبعك من المنهمِكينَ في الغيِّ والضّلالة، وأخبر تعالي عن شأن عباده المخلَصين في ما حكاه عن خبر يوسف (عليه السلام)وزليخا، حيث قال: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأي بُرْهَانَ رَبِّهِ) في بيت خلا عن كلّ إنسان ماعدا يوسف (عليه السلام). وزليخا عزيزة مصر ومالكة يوسف، همّت أن تنال مأربها من يوسف، ولولا أنّ يوسف رأي برهان ربّه لهمّ بقتلها وهو السوء، أو همّ بالفحشاء كما هو مقتضي طبيعة الحال التي كان عليها الفتي مكتمل الرجولة غير المتزوّج مع مالكته الفتاة مكتملة الأُنوثة المترفة في بيت خلا من كلّ أحد، ولكنّه رأي برهان ربّه واستعصم، فقد كان ممّن أخلصه الله لنفسه. [ صفحه 17] فما هو البرهان الذي رآه يوسف (عليه السلام)؟ وكيف رآه؟ إنّ يوسف (عليه السلام) رأي آثار العملين علي نفسه كالآتي بيانه:

اثر العمل و خلوده و انتشار البركة والشؤم من بعض الأعمال علي الزمان والمكان

لمعرفة معني عصمة الأنبياء ينبغي أن ندرس كيفية انتشار البركة والشؤم عي الزمان والمكان وآثار أعمال الإنسان في الدّنيا والآخرة، فنستعين الله ونقول: قال الله سبحانه وتعالي: أ ـ في سورة البقرة: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًي لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات [ صفحه 18] مِنَ الْهُدَي وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(الآية185). ب ـ في سورة القدر: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ l وَمَا أَدْريكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ l لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر l تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالزُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر l سَلاَمٌ هِيَ حَتَّي مَطْلَعِ الْفَجْرِ). أنزل الله القرآن علي خاتم أنبيائه في ليلة من ليالي شهر رمضان، فأصبحت تلك الليلة ليلة القدر تتنزّل الملائكة والروح فيها كلّ سنة بأمر ربّهم أبد الدّهر، وانتشرت البركة من تلك اللّيلة إلي كلّ شهر رمضان كذلك أبد الدهر. وسندرس في بحث النَّسْخِ إن شاء الله تعالي أنَّ الجمعة أصبحت مباركة منذ عهد آدم (عليه السلام) لما أنزل الله سبحانه وتعالي فيها من البركات علي آدم (عليه السلام)، وأنّ عصر التاسع من ذي الحجّة أصبح مباركاً يغفر الله ذنوب عباده فيه بمني لنزول المغفرة علي آدم (عليه السلام) فيه، وأصبحت أراضي عرفات والمشعر ومني أراضي مباركةً في التاسع والعاشر من ذي [ صفحه 19] الحجّة علي كلّ بني آدم (عليه السلام) بعد ذلك، وبقي أثرها كذلك أبد الدّهر. وكذلك أصبح أثر قدمي إبراهيم (عليه السلام) في البيت علي تلك الكتلة من الطين التي رقي عليها ابراهيم (عليه السلام) لبناء جدار البيت مباركاً، فأمرنا الله باتّخاذها مصلًّي بعد ذلك أبد الدهر وقال: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّي). وكذلك الشأن في انتشار الشّؤم كما كان من أمر بيوت عاد في الحِجْرِ بعد نزول العذاب عليهم، كما أخبرنا رسول الله (صلي الله عليه وآله) عنها عند مروره عليها في غزوة تبوك، وجاء خبره في كتب الحديث والسيرة، وقالوا ما موجزه: لمّا سار رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي غزوة تبوك في سنة تسع من الهجرة مرّ بالحِجْر ـ ديار ثمود بوادي القري في طريق الشام من المدينة ـ فنزل قبل أن يمرّ بها، فاستقي الجيش من بئرها، فنادي منادي النبي أن: لا تشربوا من ماء بئرهم، ولا تتوضّأوا منه للصلاة، فجعل الناس يهريقون ما في أسقيتهم وقالوا: يا رسول الله قد عجنّا، قال: "أعلفوها الإبل خوف أن يصيبَكم مثل ما أصابهم". [ صفحه 20] ولما ارتحل ومرّ بالحِجْرِ، سجّي ثوبه علي وجهه واستحثّ [1] راحلتهوفعل الجيش كذلك،وقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): "لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلاّ وأنتم باكون". وجاءه رجل بخاتم وجده في الحجر في بيوت المعذّبين، فأعرض عنه واستتر بيده أن ينظر إليه، وقال: "أَلْقِهِ!" فألقاهُ [2] . ووقع نظير ذلك للإمام علي (عليه السلام) كما رواه نصر بن مزاحم وغيره، واللفظ لنصر في كتابه "وقعة صفين" بسنده، وقال: كان مخنف بن سليم يساير عليّاً ببابل [3] ، فقال الإمام [ صفحه 21] علي (عليه السلام): "إنّ ببابل أرضاً خُسفَ بها فحرِّكْ دابّتك لعلّنا نصلّي العصر خارجاً منها". قال: فحرّك دابّته وحرّك الناس دوابّهم في أثره، فلمّا جاز جسر الصراة نزل فصلّي بالناس العصر [4] . وفي رواية راو آخر: قطعنا مع أمير المؤمنين جسر الصّراة في وقت العصر، فقال: "إنّ هذه أرض معذّبة لا ينبغي لنبيّ ولا وصيّ نبيّ أن يصلّي فيها" [5] . هكذا كان للبركة انتشار من الزمان الذي بارك الله فيه لعبد من عباده المخلصين، وللشؤم انتشار من الزمان الذي غضب فيه علي عبيده الأشقياء. [ صفحه 22]

عصمة خلفاء الله عن المعصية

إنّ لأعمال النّاس آثاراً خالدةً في الدنيا وفي الآخرة تتجسّد لتخلد ناراً وقودها الناس والحجارة، أو نعيماً في جنّات عدن، وكلّ ذلكم الانتشار وتلكم الآثار يراها عباد الله المخلَصون ويدركونها، فتدفعهم إلي الاجتهاد في أداء الأعمال الصالحة واجتناب الأعمال السيّئة من الفحشاء والسوء والمنكر. وتلكم الرؤية هي برهان الله الذي يؤتي الله من عباده من تزكّي وآثر رضي الله علي هوي النفس الأمّارة بالسوء، ومن ثمّ لا تصدر من عباده المخلَصين معصية موبقة، ومثلُهُم في ذلك مثل إنسان بصير وآخر ضرير يسيران معاً في [ صفحه 23] طريق واحد كثيرة العثرات والمهاوي المردية، يتجنّبها البصير وينبّه صاحبه الضرير ليتجنّبها، أو كمثل أُناس عطاشي أمامهم ماء تتوقّ أنفسهم إلي شربه ليبرّدوا به حرارة عطشهم، وفيهم طبيب معه مجهر نظر من خلاله الي ذلك الماء وأبصر فيه أنواعاً من الجراثيم المهلكة، وأخبر صحبه بلزوم تصفية الماء قبل الاستفادة منه. هكذا مثل عباد الله المخلَصين في رؤيتهم البرهان وتبصُّرهم بحقائق الأعمال وآثارها السيّئة أو الحسنة، فهم مع تلك الرؤية لقبح فعل المعصية وشناعتها في الدنيا وتجسّده ناراً محرقة خالدة في الآخرة، لا يمكن أن يُقدموا علي العمل بها مختارين وغير مجبورين علي تركها، أو ممنوعين من قبل الله من إتيانها. وما يوردون من شبهات حول عصمة الأنبياء مستشهدين بآيات متشابهة، أخطأوا في تأويل بعضها وفسّروا بعضها الآخر بروايات زائفة. ولكي لا يطول البحث نكتفي بإيراد أمثلة من النوعين في ما يأتي: [ صفحه 24]

روايات مكذوبة علي نبي الله داود وعلي خاتم الأنبياء

اشاره

ندرس من هذا النوع الروايات التي وردت في خبر زواج داود بأرملة أوريا، وزواج خاتم الأنبياء (صلي الله عليه وآله) بمطلّقة زيد كالآتي:

زواج داود في القرآن الكريم

قال الله سبحانه في سورة ص: (اصْبِرْ عَلَي مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الاَْيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ - إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالاِْشْرَاقِ - وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ - وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ [ صفحه 25] وَفَصْلَ الْخِطَابِ - وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الِْمحْرَابَ - إِذْ دَخَلُوا عَلي دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغي بَعْضُنَا عَلي بَعْض فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَي سَوَاءِ الصِّرَاطِ - إِنَّ هذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ - قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَي نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلي بَعْض إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ - فَغَفَرْنَا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفي وَحُسْنَ مَآب - يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الاَْرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ...)(الآيات17-26).

تأويل الآيات في روايات مدرسة الخلفاء

الروايات بمدرسة الخلفاء في تأويل آيات خبر حكم داود (عليه السلام) كثيرة، ونحن نكتفي في ما يأتي بايراد ثلاثة نماذج منها بإذنه تعالي: [ صفحه 26] أ ـ رواية وهب بن منبّه: روي الطبري في تأويل الآية عن وهب أنّه قال: لمّا اجتمعت بنو إسرائيل علي داود، أنزل الله عليه الزَّبور، وعلّمه صنعة الحديد، فألانه له، وأمر الجبال والطير أن يسبّحن معه إذا سبّح، ولم يعط الله ـ فيما يذكرون ـ أحداً من خلقه مثل صوته، كان إذا قرأ الزبور ـ فيما يذكرون ـ تدنو له الوحوش حتي يأخذ بأعناقها، وإنّها لمصيخة تسمع لصوته، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج إلاّ علي أصناف صوته، وكان شديد الاجتهاد، دائب العبادة، فأقام في بني إسرائيل، يحكم فيهم بأمر الله نبيّاً مستخلفاً، وكان شديد الاجتهاد من الأنبياء، كثير البكاء، ثمّ عرض من فتنة تلك المرأة ما عرض له، وكان له محراب يتوحَّد فيه لتلاوة الزَّبور وصلاته إذا صّلي، وكان أسفل منه جُنَينة لرجل من بني إسرائيل، كان عند ذلك الرجل المرأة التي أصاب داود فيها ما أصابه. وأنّه حين دخل محرابه ذلك اليوم، قال: لا يدخلنّ عليّ محرابي اليوم أحد حتي الليل، ولا يشغلني شيء عمّا [ صفحه 27] خلوت له حتي أُمْسِي، ودخل محرابه ونشر زبوره يقرؤه، وفي المحراب كُوَّة تطلعه علي تلك الجنينة، فبينا هو جالس يقرأ زَبوره، إذ أقبلت حمامة من ذهب حتي وقعت في الكوّة، فرفع رأسه فرآها فأعجبته، ثمّ ذكر ما كان قال: لا يشغله شيء عمّا دخل له، فنكّس رأسه، وأقبل علي زبوره، فتصوّبت الحمامة للبلاء والاختبار من الكوّة، فوقعت بين يديه، فتناولها بيده، فاستأخرتْ غير بعيد، فأتبعها، فنهضت إلي الكوّة، فتناولها في الكوّة، فتصوّبت إلي الجُنينة، فأتبعها بصره أين تَقَع، فإذا المرأة جالسة تغتسل، بهيئة الله أعلم بها في الجمال والحُسن والخلق. فيزعمون أنّها لما رأته نقضت رأسها فوارت به جسدها منه، واختطفت قلبه، ورجع إلي زبوره ومجلسه، وهي من شأنه، لا يفارق قلبه ذكرها، وتمادي به البلاء، حتي أغزي زوجها، ثمّ أمر صاحب جيشه ـ فيما يزعم أهل الكتاب ـ أن يقدّم زوجها للمهالك، حتي أصابه بعض ما أراد به من الهلاك، ولداود تسع وتسعون امرأة، فلمّا أصيب زوجُها خطبها داود، فنكحها، فبعث الله إليه وهو في محرابه [ صفحه 28] ملَكين يختصمان إليه، مثلا يضربه له ولصاحبه، فلم يُرَعْ داود إلاّ بهما واقفين علي رأسه في محرابه، فقال: ما أدخلكما عليّ؟ قالا: لا تخف، لم ندخل لبأس ولا لريبة (خَصْمَانِ بَغي بَعْضُنَا عَلي بَعْض) فجئناك لتقضي بيننا (فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَي سَوَاءِ الصِّرَاطِ) أي: احملنا علي الحق، ولا تخالف بنا إلي غيره، قال الملك الذي يتكلّم عن أوريا بن حنانيا زوج المرأة: (إِنَّ هذَا أَخِي) أي: علي ديني (لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا)أي: احملني عليها، ثمّ (عَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)أي: قهرني في الخطاب، وكان أقوي منّي هو وأعزّ، فحاز نعجتي إلي نعاجه، وتركني لا شيء لي. فغضب داود، فنظر إلي خصمه الذي لم يتكلّم، فقال: لئن كان صدقني ما يقول، لأضربنّ بين عينيك بالفأس، ثمّ ارعوي داود، فعرف أنّه هو الذي يُراد بما صنع في امرأة أوريا، فوقع ساجداً تائباً منيباً باكياً، فسجد أربعين صباحاً صائماً لا يأكل فيها ولا يشرب، حتي أنبت دمعه الخُضَرَ تحت وجهه وحتي أندَبَ السجود في لحم وجهه، [ صفحه 29] فتاب الله عليه وقبل منه. ويزعمون أنّه قال: أي ربّ هذا غفرت ما جنيت في شأن المرأة، فكيف بدم القتيل المظلوم؟ قيل له: يا داود ـ فيما زعم أهل الكتاب ـ أما إنّ ربّك لم يظلمه بدمه ولكنّه سيسأله إيّاك فيعطيه، فيضعه عنك، فلمّا فرّج عن داود ما كان فيه رسم خطيئته في كفّه اليمني: بطن راحته، فما رفع الي فيه طعاماً ولا شراباً قطّ إلاّ بكي إذا رآها، وما قام خطيباً في الناس قطّ إلاّ نشر راحته فاستقبل بها الناس ليروا رسم خطيئته [6] . ب ـ رواية الحسن البصري: روي الطبري والسيوطي في تفسير الآية عن الحسن البصري أنّه قال: إنّ داود جَزَّأ الدهر أربعة أجزاء: يوماً لنسائه، ويوماً لعبادته، ويوماً لقضاء بني إسرائيل، ويوماً لبني إسرائيل، [ صفحه 30] يذاكرهم ويذاكرونه، ويُبْكيهم ويُبْكونه، فلمّا كان يوم بني إسرائيل قال: ذكِّروا، فقالوا: هي يأتي علي الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنباً؟ فأضمر داود في نفسه أنه سيطيق ذلك، فلما كان يوم عبادته، أغلق أبوابه، وأمر أن لا يدخل عليه أحد، وأكبَّ علي التوراة، فبينما هو يقرؤها، فإذا حمامة من ذهب، فيها من كلّ لون حسن، قد وقعت بين يديه، فأهوي إليها ليأخذها، قال: فطارت، فوقعت غير بعيد من غير أن تُؤْيسه من نفسها، قال: فما زال يتبعها حتي أشرف علي امرأة تغتسل، فأعجبه خلقها وحُسنها، قال: فلما رأت ظلّه في الأرض، جلّلت نفسها بشعرها، فزاده ذلك أيضاً إعجاباً بها، وكان قد بعث زوجها علي بعض جيوشه، فكتب إليه أن يسير إلي مكان كذا وكذا; مكان إذا سار إليه لم يرجع، قال: ففعل، فأُصيب، فخطبها فتزوّجها [7] . [ صفحه 31] ج ـ رواية يزيد الرّقاشي عن أنس بن مالك: أخرج الطبري والسيوطي بتفسير الآية بسندهما عن يزيد الرقاشي ما موجزه: عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك، سمعه يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: "إنّ داود (عليه السلام) حين نظر الي المرأة قطع علي بني إسرائيل وأوصي صاحب الجيش، فقال: إذا حضر العدو تضرب فلاناً بين يدي التابوت، وكان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به من قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتي يقتل أو ينهزم منه الجيش، فقتل وتزوّج المرأة، ونزل الملكان علي داود (عليه السلام)، فسجد فمكث أربعين ليلة ساجداً حتي نبت الزرع من دموعه علي رأسه، فأكلت الأرض جبينه وهو يقول في سجوده: ربّ زلّ داود زلّة أبعد ممّا بين المشرق والمغرب، ربّ إنْ لم ترحم ضعف داود وتغفر ذنوبه جعلت ذنبه حديثاً في المخلوق من بعده. فجاء جبرئيل (عليه السلام) من بعد أربعين ليلة فقال: يا داود إنّ الله قد غفر لك وقد عرفت إنّ الله عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال: يا ربّ دمي الذي عند [ صفحه 32] داود؟ قال جبرئيل: ما سألت ربّك عن ذلك فإن شئت لأفعلنّ، فقال: نعم، ففرح جبرئيل وسجد داود (عليه السلام)، فمكث ما شاء الله ثمّ نزل فقال: قد سألت الله يا داود عن الذي أرسلتني فيه، فقال: قل لداود إنّ الله يجمعكما يوم القيامة فيقول: هب لي دمك الذي عند داود، فيقول: هو لك يا ربّ، فيقول: فإنّ لك في الجنّة ما شئت وما اشتهيت عوضاً.." [8] . هكذا جاءت الروايات عن خبر نبي الله داود (عليه السلام) في التفاسير، وفي ما يأتي ندرس أسانيدها:

دراسة أسانيد الروايات

وهب بن منبه

كان أبوه من أبناء الفرس الذين بعث بهم كسري الي اليمن، وفي ترجمته بطبقات ابن سعد ما موجزه: [ صفحه 33] قال وهب: قرأت اثنين وتسعين كتاباً كلّها أُنزلت من السماء، اثنان وسبعون منها في الكنائس وفي أيدي الناس، وعشرون لا يعلمها إلاّ قليل. (ت110 هـ). وقال الدكتور جواد علي: يقال إنّ وهباً من أصل يهودي، وكان يزعم أنّه يتقن اليونانية والسريانية والحميرية وقراءة الكتابات القديمة. وذكر في كشف الظنون من تآليفه "قصص الأنبياء" [9] .

الحسن البصري

أبو سعيد، كان أبوه مولي زيد بن ثابت الأنصاري، ولد لسنتين بقيت من خلافة عمر، وعاش ومات في البصرة 110 هـ، وكان غاية في الفصاحة والبلاغة، مهاباً عند الناس وسلطة الخلافة، وإماماً لأتباع مدرسة الخلفاء [ صفحه 34] بالبصرة [10] . رأيه: يظهر من روايات وردت بترجمته في طبقات ابن سعد أنّه كان يقول بالقدر ويناظر فيه، ثمّ رجع عنه، وأنّه كان لا يري الخروج علي السلطة الظالمة كالحجّاج. قيمة رواياته: في ترجمته بميزان الاعتدال: [11] . كان الحسن كثير التدليس فإذا قال في حديث: عن فلان ضعف لحاجة، ولا سيّما عمّن قيل إنّه لم يسمع منهم كأبي هريرة ونحوه، فعدُّوا ما كان له عن أبي هريرة في جملة المنقطع، والله أعلم. أي: إنّ الحسن إذا قال في الحديث: "عن فلان" ضَعُفَت روايته عن فلان لحاجته إلي ذلك القول، لا سيّما في [ صفحه 35] ما يرويه عمّن لم يسمعهم; مثل رواياته عن أبي هريرة ونحوها ممّن روي عنهم في حين أنّه لم يشاهدهم. وبترجمته بطبقات ابن سعد بسنده عن علي بن زيد أنّه قال: حدّثت الحسن بحديث فإذا هو يحدّث به، قال: قلت: يا أبا سعيد! من حدّثكم؟ قال: لا أدري! قال: قلت: أنا حدّثتكم. وروي ـ أيضاً ـ أنّه قيل له: أرأيت ما تفتي الناس أشياء سمعتها أم برأيك؟ فقال: لا والله ما كلّ ما نفتي به سمعناه، ولكنّ رأينا خيرٌ لهم من رأيهم لأنفسهم [12] . تخرّج من مدرسته واصل بن عطاء (ت: 131هـ) مؤسّس مذهب الاعتزال، وابن أبي العوجاء أحد مشاهير الزنادقة. قيل له: تركت مذهب صاحبك ودخلت في ما لا أصل له ولا حقيقة! قال: إنّ صاحبي كان مخلّطاً، يقول طوراً [ صفحه 36] بالقدر وطوراً بالجبر، فما أعلمه اعتقد مذهباً فدام عليه. قتله علي الزندقة والي الكوفة سنة 155 هـ، قال عند قتله: لئن قتلتموني لقد وضعت أربعة آلاف حديث أُحرِّم فيه ما أحلّ الله، وأُحلّل فيه ما حرَّم الله، فطّرتكم يوم صومكم وصوّمتكم يوم فطركم [13] .

يزيد بن أبان الرقاشي

المحدّث القاصّ البصري والزاهد البكّاء من غير دراية وفقه. في ترجمته في تهذيب الكمال للمزّي وتهذيب التهذيب لابن حجر ما موجزه: [14] . [ صفحه 37] أ ـ عن زهده: جوّع نفسه وعطّشها، ذبل جسمه ونهك بدنه وتغيّر لونه، كان يبكي ويُبكي جلساءه ويقول ـ مثلا ـ: تعالوا نبكي علي الماء البارد يوم الظمأ، ويقول: علي الماء البارد السلام بالنهار، قال: وفعل ما لم يقله رسول الله ولم يفعله، وقال الله سبحانه: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا). ب ـ عن رأيه: كان ضعيفاً قدرياً [15] . ج ـ عن قيمة رواياته: رووا عن شعبة أنّه قال: لأن أقطع الطريق أحبُّ إليّ من أن أروي عنه، وقال: لأن أزني أحبُّ إليّ من أن أروي عنه. [ صفحه 38] وقالوا في حديثه: منكر الحديث، متروك الحديث، لا يكتب حديثه! وقال أبو حاتم: كان واعظاً بكّاءً كثير الرواية عن أنس بما فيه نظر، وفي حديثه ضعف. وفي تهذيب التهذيب: قال ابن حبّان: كان من خيار عباد الله من البكّائين بالليل، لكنّه غفل عن حفظ الحديث شغلا بالعبادة حتي كان يقلب كلام الحسن فيجعله عن أنس عن النبي (ص)، فلا تحلّ الرواية عنه إلاّ علي جهة التعجُّب. وفاته: توفّي يزيد بن أبان قبل العشرين ومائة هجرية [16] . [ صفحه 39]

دراسة متون الروايات

رواية وهب

موجز الرواية: أنّ النبي داود (عليه السلام) خلا بنفسه يوماً للعبادة وأكبّ علي التوراة يقرؤها، إذْ أقبلت حمامة من ذهب فوقعت بين يديه، فأهوي إليها ليأخذها، فطارَت غير بعيد عنه، فما زال يتبعها حتي أشرف علي امرأة جاره أوريا، وكانت عارية تغتسل، فأعجبه جمالها، فلمّا أحسّت به جلّلت نفسها بشعرها، فازداد افتتاناً بها، فدبّر أمر قتل زوجها الذي كان في الغزو، ثمّ تزوّجها، فتسوّر عليه الملكان، وكان من أمرهما ما تحدّث عنه القرآن الكريم. في هذه الرواية جاء مرّة: قال وهب، وأُخري: قال في ما يزعم أهل الكتاب، وبذلك خرج من عهدة روايتها. ولمّا رجعنا إلي التوراة وجدنا في سفر صموئيل الثاني خبر رؤية داود يتشبع زوجة جاره أوريا من سطح داره، وإعجابه بها، وجلبه إيّاها إلي داره، وأنّه ضاجعها فحملت منه سفاحاً، إلي آخر القصة. ويظهر من مقارنة رواية وهب هذه بما جاء في خبر داود في سفر صموئيل من التوراة أنه أخذ بعض القصة من [ صفحه 40] التوراة وبعضاً آخر منها من كتب إسرائيلية أُخري كان قرأها ـ كما كان يخبر عن قراءته إيّاها ـ، وهذا النوع من الروايات سُمّي في علم دراية الحديث بـ: "الروايات الإسرائيلية" أو "الإسرائيليات".

رواية الحسن البصري

إنّ موجز رواية البصري هو موجز رواية وهب نفسه، غير أنّ البصري أضاف في أوّل القصة: أنّ داود كان قد جزّأ الدهر أربعة أيام، ولسنا ندري هل أضافه إليها من خياله وابتكاره، أو أنّه أخذه من راو آخر من رواة الاسرائيليات؟ وعلي أيّ حال، لم يذكر البصري سند روايته هذه، وإنّما أرسلها إرسالا، ولو أنّه حين رواها ذكر مصدرها وقال: إنّه رواها من وهب من منبّه، أو غيره من رواة الروايات الإسرائيلية; لهان الأمر وتمكّن الباحثون من العثور علي مصدر الرواية وأدركوا بسهولة أنّها من الروايات الإسرائيلية، وبإرساله الرواية غُمَّ أمر الرواية [ صفحه 41] علي الباحثين، وبما أنّه امام الأئمة في العقائد في مدرسة الخلفاء، فقد كان لروايته أثرٌ مضاعفٌ علي فهم العقائد الإسلامية. وجلّ رواة الروايات الاسرائيلية يفعلون ما فعله البصريّ ويرسلون ما يروونه من الروايات الاسرائيلية دون ذكر مصدر الرواية، ومن ثمّ يَغمُّ أمر تلك الروايات علي غير أهل دراية الحديث.

رواية يزيد الرقاشي

إنّ يزيد بن أبان قال: إنّه سمعها من الصحابي أنس الذي سمعها من رسول الله (ص)، وبذلك كذب علي أنس وعلي رسول الله (ص)، وهو الزاهد العابد البكّاء، وكم يكون أثر رواية يرويها أمثال يزيد من العُبّاد في وعظهم وقصصهم؟! وهل يعرف غير المتخصِّصين بعلم دراية الحديث أنّ يزيد الرقاشي أسند ما سمعه من الحسن البصري إلي الصحابي أنس إلي رسول الله (ص)، ويأتي بعدهم المفسّرون أمثال الطبري (ت 310 هـ) الي [ صفحه 42] السيوطي (ت 911 هـ) ويوردون تلك الأساطير في تفاسيرهم. والأمر لا يقتصر علي من ذكرناهم هنا من رواة الروايات الإسرائيلية، بل يتعدّاهم إلي غيرهم من صحابة وتابعين، مثل: 1 ـ عبد الله بن عمرو بن العاص: الذي أصاب راحلتين من كتب أهل الكتاب في بعض الغزوات، وكان يروي عنهما دونما ذكر لمصدر رواياته. 2 ـ تميم الداري: الذي أسلم بعد أن كان راهب النصاري، وكان يقصّ في مسجد الرسول (ص) يوم الجمعة قبل خطبة عمر بن الخطّاب، ويقصّ يومين في الأسبوع علي عهد عثمان. 3 ـ كعب الأحبار: كان قد أسلم علي عهد عمر، وأصبح من علماء المسلمين علي عهد عمر وعثمان. ثمّ من أخذ من هؤلاء وألّف تفسير القرآن مثل: 4 ـ مقاتل بن سليمان المروزي الأزدي بالولاء (ت 150 هـ). [ صفحه 43] كان مشهوراً بتفسير كتاب الله، وقال الشافعي: الناس كلّهم عيال علي ثلاثة: علي مقاتل بن سليمان في التفسير، وعلي زهير بن أبي سلمي في الشعر، وعلي أبي حنيفة في الكلام. كم يا تُري دسَّ مقاتل من الإسرائيليات في رواياته التي اعتمدوها، وكم اختلق ممّا روي وأسند؟! [17] .

نتيجة الدراسة

نقل وهب الرواية المفتراة علي نبيّ الله داود (عليه السلام) من كتب أهل الكتاب وصرّح بمصدرها، ورواها الحسن وأرسلها دون الإشارة إلي مصدرها، ودلّس المحدّث القاصّ الزاهد العابد البكّاء يزيد بن أبان وقال: سمعها أنس من رسول الله (ص). ولا يقتصر هذا النوع من التدليس وإسناد الروايات [ صفحه 44] الإسرائيلية إلي الصحابة بهذا المورد وحده، وإلي هذا الصحابي وحده، فقد أكثروا في إسناد أمثالها إلي الصحابي ابن عمّ النبيّ (صلي الله عليه وآله)عبد الله بن عباس، ونحتاج لدراستها الي بحوث مقارنة مبسوطة، وبمراجعة الصفحة الأخيرة من تفسير السيوطي "الدرّ المنثور" ينكشف لنا بعض الأمر. وهكذا نجد منشأ الخبر المفتري علي داود (عليه السلام) قصص التوراة، وكذلك تسرَّبت الأخبار الإسرائيلية إلي تفسير القرآن، فكوّنت للمسلمين رؤية غير صحيحة عن سيرة الأنبياء، وكان ذلكم خبر زواج داود (عليه السلام) بأرملة أوريا وما افتروا عليه في ذلك، ومنشأُه، والصحيح من خبره، وفي ما يأتي الصحيح من خبر زواج زينب بنت جحش بزيد ثمّ برسول الله (صلي الله عليه وآله):

خبر زواج الرسول بزينب بنت جحش في الرواية

قال الخازن في تفسير آية: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ...). وأصحُّ ما في هذا الباب ما روي عن سفيان بن عُيينة [ صفحه 45] عن عليّ بن زيد بن جدعان، قال: سألني زين العابدين عليّ بن الحسين قال: "ما يقول الحسن ـ أي البصري ـ في قوله تعالي: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَي النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)؟" قلت: يقول: لما جاء زيد إلي رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله! إنّي أُريد أن أُطلّق زينب، أعجبه ذلك وقال: أمسك عليك زوجك واتّق الله، فقال عليّ بن الحسين: "ليس كذلك، فإنّ الله عزّ وجلّ أعلمه أنّها ستكون من أزواجه، وأنّ زيداً سيطلّقها، فلما جاء زيد قال: إنّي أريد أن أطلّقها، قال له: أمسك عليك زوجك، فعاتبه الله وقال: لِمَ قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنّها ستكون من أزواجك؟". قال الخازن: وهذا هو الأُولي والأليق بحال الأنبياء، وهو مطابق للتلاوة.... وتفصيل خبر زواج زينب بزيد أولا ثمّ بالنبي (صلي الله عليه وآله) في الآيات والروايات كالآتي: [ صفحه 46]

الآيات في خبر زواج الرسول بزينب بنت جحش

قال الله سبحانه في سورة الأحزاب: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَي اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلا مُبِيناً - وَإِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسَكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَي النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضي زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرٌ اللهِ مَفْعُولا - مَا كَانَ عَلَي النَّبِيُّ مِنْ حَرَج فِيَما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً - الَّذِينَ يُبَلَّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ وَكَفي بِاللهِ حَسِيباً - مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيماً) (الآيات 36-40). [ صفحه 47]

تأويل الآيات في روايات مدرسة الخلفاء

روي الطبري في تأويل الآية عن وهب بن منبّه: أنّ النبي (ص) كان قد زوّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ابنة عمّته، فخرج رسول الله (ص) يوماً يريده، وعلي الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فانكشف وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي (ص)، فلمّا وقع ذلك كرهت إلي الآخر، فجاء زيد فقال: يا رسول الله (ص) إنّي أريد أن أُفارق صاحِبَتي، قال: ما لك؟ أرابك منها شيء؟ قال: لا والله ما رابني منها شيء يا رسول الله ولا رأيت إلاّ خيراً... الحديث [18] . ووردت ـ أيضاً ـ رواية أُخري في هذا الصدد بالمضمون نفسه عن الحسن البصري، سوف نوردها ضمن روايات أهل البيت في تأويل الآيات إن شاء الله تعالي. [ صفحه 48]

دراسة الروايتين

أ ـ سندهما: نقلوا الروايتين عن وهب بن منبّه والحسن البصري، ونضيف إلي ما أوردناه في ترجمتهما: أنّ كليهما كانا قد ولدا بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) بأعوام، فكيف يرويان عمّا حدث في عصر رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويرسلانه إرسالا دونما ذكر مصدرهما؟! ب ـ متنهما: محور الخبر أنّ الرسول (صلي الله عليه وآله) أعجبه جمال زينب عندما رآها بغتةً بلا حجاب، ورغب في طلاق زيد إيّاها، وأخفي ذلك في نفسه. وبيان زَيف ذلك: أنّ زينب كانت ابنة عمّة النبي (صلي الله عليه وآله)، وقد نزل حكم الحجاب بعد زواج الرسول (صلي الله عليه وآله) بزينب، وكان قد رآها قبل أن يزوّجها من زيد مراراً وتكراراً، وقد افتري علي الرسول (صلي الله عليه وآله) من قال ذلك، والصحيح في الخبر ما ننقله عن كتب السيرة في ما يأتي بإذنه تعالي: [ صفحه 49] خبر زواج زينب بزيد أوّلا ثمّ بالنبيّ (صلي الله عليه وآله) بعد طلاق زيد إيّاها كان من خبر زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي أنّه أصابه سباء في الجاهلية وبيع في بعض أسواق العرب، فاشتُرِي لخديجة، ثمّ وهبته خديجة للنبي (صلي الله عليه وآله) قبل أن يُبعث وهو ابن ثماني سنين، فنشأ عند النبي (صلي الله عليه وآله)، وبلغ الخبر أهله، فقدم أبوه وعمُّه مكة لفدائه، فدخلا علي النبي (صلي الله عليه وآله)وقالا: يا ابن عبد المطّلب! يا ابن هاشم! يا ابن سيّد قومه! جئناك في ابننا عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه! فقال: من هو؟ قالا: زيد بن حارثة، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): فهلاّ غير ذلك؟ قالا: ما هو؟ قال: أُدعوه وخيّروه فإن اختاركم فهو لكم، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار علي من اختارني أحداً، قالا: قد زدتنا علي النصف وأحسنت، فدعاه رسول الله (صلي الله عليه وآله)فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم! هذا أبي، وهذا عمّي! قال: فأنا من عرفت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما. قال: ما أريدهما وما أنا بالذي أختار عليك أحداً، أنت منّي مكان الأب والعمّ! فقالا: [ صفحه 50] ويحك يا زيد! أتختار العبوديّة علي الحريّة وعلي أبيك وأهل بيتك؟ قال: نعم، ورأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً أبداً، فلمّا رأي رسول الله (صلي الله عليه وآله)ذلك أخرجه إلي الحجر ـ في بيت الله ـ فقال: يا من حضر! اشهدوا أنّ زيداً ابني يرثني وأرثه، فلمّا رأي ذلك أبوه وعمّه طابت نفوسهما وانصرفا [19] . ونُسِبَ زيد بعد ذلك إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقيل له: زيد ابن محمد (صلي الله عليه وآله)، وزوّجه الرسول (صلي الله عليه وآله) من أمته وحاضنته برّة السوداء الحبشيّة، وكانت قد تزوّجت قبله من عبيد الحبشي، وولدت له أيمن فكُنِّيَتْ بـ "أُمّ أيمن"، فولدت في مكّة أُسامة من زيد [20] . كان ذلكم خبر تبنّي الرسول (صلي الله عليه وآله) لزيد، ثمّ تزوّج النبي(صلي الله عليه وآله) زينب كالآتي خبره: [ صفحه 51]

خبر زواج زيد من زينب إبنة عمة الرسول

بعد الهجرة إلي المدينة خطب زينب ابنة أميمة ابنة عبد المطّلب عدّة من أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله)، فأرسلت أخاها إلي النبي (صلي الله عليه وآله) تستشيره في أمرها، فقال: فأين هي ممّن يعلّمها كتاب ربّها وسنّة نبيّها؟ فسألت: من هو؟ فقال: زيد! فغضبت وقالت: تزوّج ابنة عمّتك مولاك! لست بناكحته! أنا خير منه حسباً! أنا أيِّم قومي [21] ، قأنزل الله تعالي: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَي اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلامُبِيناً)(الأحزاب/36)، فرضيت،فزوّجها الرسول(صلي الله عليه وآله)من زيد بعد أمّ أيمن السوداء الحبشيّة، ولها أُسامة بن زيد، فكانت تعلو علي زيد وتشتدّ وتأخذه بلسانها، فكان يشكوها إلي الرسول (صلي الله عليه وآله)ويحاول تطليقها، واقتضت مشيئة الله وحكمته أن يتزوّجها الرسول (صلي الله عليه وآله) بعد زيد ليُلغي بذلك التبنّي بين المسلمين، وأشعره الوحي [ صفحه 52] بذلك، فخشي الرسول (صلي الله عليه وآله) أن يقول الناس: تزوّج حليلة ابنه، فكتم الوحي في نفسه وقال لزيد: إتّق الله وأمسك عليك زوجك، ولمّا ضاق زيد ذرعاً بزوجته زينب طلّقها وانقضت عدّتها، فنزلت الآيات علي الرسول (صلي الله عليه وآله) مرّة واحدة تخبر عمّا وقع وتبيّن حكم المتبنّي في شريعة الإسلام: (فَلَمَّا قَضَي زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ... -... مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ...)(الأحزاب/37-40). وقال عزّ اسمه لسائر المؤمنين: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ - أُدْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) (الأحزاب/4-5). أوردنا في ما سبق مثالين من آيات أخطأ العلماء في تأويلها بسبب ما ورد في روايات مُفتراة علي الأنبياء، ونورد في ما يأتي أمثلة من آيات أخطأ البعض في تأويلها دونما استناد إلي رواية: [ صفحه 54]

آيات أخطأوا في تأويلها

اشاره

أ ـ نسبة العصيان إلي آدم (عليه السلام) في سورة طه حيث قال تعالي: (وَعَصي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَي) (الآية121). ب ـ في سورة الأنبياء: حيث قال ابراهيم عن تكسير الأصنام: (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ)، في حين أنّه هو الذي كان قد كسّرها، كما قال سبحانه: (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ - قَالُوا مَنْ فَعَلَ هذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ - قَالُوا سَمِعْنَا فَتًي يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ - قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلي أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ [ صفحه 55] يَشْهَدُونَ - قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ - قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ - فَرَجَعُوا إِلَي أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ - ثُمَّ نُكِسُوا عَلي رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاَءِ يَنْطِقُونَ) (الآيات 58-65). ج ـ أخبر الله سبحانه في سورة يوسف (عليه السلام)أنّ وَزَعَته [22] قالوا لاخوته: (إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)، في حين أنّهم لم يكونوا قد سرقوا صواع الملك، حيث قال تعالي: (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعَيْرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ - قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ - قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِير وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ - قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الاَْرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ - قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ - قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ - فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ [ صفحه 56] كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَات مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْم عَلِيمٌ - قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ - قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الُْمحْسِنِينَ) (الآيات70-78). د ـ أخبر الله سبحانه في سورة الأنبياء أنّ النبيّ ذا النون (عليه السلام) ظنّ أنّ الله لن يقدر عليه حيث قال تعالي: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَي فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ - فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)(الآيات86-88). هـ ـ أخبر الله تعالي في سورة الفتح أنّه سبحانه غفر بعد الفتح ما تقدّ من ذنب خاتم الأنبياء وما تأخّر، وقال سبحانه وتعالي: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً - لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً - [ صفحه 57] وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) (الآيات1-3). هذه إلي آيات أُخري لم يفطنوا إلي تأويلها، وسندرسها بَعْدَ تفسير الكلمات وبعض المصطلحات في ما يأتي بإذنه تعالي:

تفسير بعض الكلمات والمصطلحات

تعريف مصطلحات البحث

أ ـ أوامر الله ونواهيه: مِنْ أوامر الله ونواهيه ما تظهر آثار مخالفتها في الحياة الدنيا فحسب ولا تتعدّاها إلي الحياة الآخرة، مثل ما ورد في قوله تعالي: (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا) (الأعراف/31). والإسراف تجاوز الحدّ في كلّ فعل يفعله الإنسان، مثل تجاوزه الحدّ في تناول الطّيّبات من المأكول والمشروب، ويري الإنسان أثر مخالفته لهذا النوع من أوامر الله ونواهيه في الحياة الدنيا ولا يتعدّاها إلي الآخرة، [ صفحه 58] ويُسمّيان أمراً إرشادياً ونهياً إرشاديّاً. ومنها ما يوجب فعل المأمور به ويحرم تركه ويحرم فعل المنهيّ عنه، وهذان تمتدّ آثار مخالفتهما علي الإنسان إلي يوم القيامة وتسبِّب له العذاب، ويُسمّيان بالأمر والنهي المولويَّين. مثل: ب ـ ترك الأُولي: في ما يصدر من الإنسان من عمل ما يكون فعل خِلافه وضدّه أفضل، مثل الموردين الآتيين من أفعال أنبياء الله تعالي المذكورة في القرآن الكريم. ج ـ المعصية: عصي أمره يعصيه عصياناً ومعصيةً: خرج من طاعته ولم يُنَفِّذ أمره، فهو عاص وعصيٌّ. ولفظ (الأمر) قد يأتي في الكلام بعد ذكر مشتقّات المعصية، مثل ما جاء: 1 ـ سورة الكهف في حكاية قول موسي لمن أراد أن [ صفحه 59] يصحبه: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْراً)(الآية69). 2 ـ في وصف الملائكة الموكّلين بالنار في سورة التحريم: (عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غَلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (الآية6). ولا يأتي لفظ الأمر في الكلام ـ غالباً ـ بوضوح المعني مثل قوله تعالي في سورة طه: (فَعَصَي آدَمُ رَبَّهُ)(الآية121). وأحياناً لا يذكر من عصي أمره مثل قوله تعالي في ما جاء عن خبر فرعون في سورة النازعات: (فَكَذَّبَ وَعَصي)(الآية2). د ـ الذنب: إنّ حقيقة الذنب هو تبعة كلّ عمل يصيب الإنسان في المستقبل، وقد تخصّ هذه التبعة بعض الأعمال في الدنيا، [ صفحه 60] وتردّ علي الإنسان ممّن يقدرون علي الإضرار بالإنسان، كما جاء في حكاية قول موسي (عليه السلام) في مناجاة ربّه في سورة الشعراء: (وَإِذْ نَادي رَبُّكَ مُوسي أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ - قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلاَ يَتَّقُونَ - قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونَ - وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلي هَارُونَ - وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونَ - قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ)(الآيات10-15). فإنّ فعل موسي كان قتله القبطي الذي جاء خبره في الآيات من سورة القصص: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلي حِينِ غَفْلَة مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَي الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسي فَقَضي عَلَيْهِ قَالَ هذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ - قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ - قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ - فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالاَْمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ [ صفحه 61] مُوسي إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ - فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسي أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالاَْمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الاَْرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ - وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقصَي الْمَدِينَةِ يَسْعي قَالَ يَا مُوسي إِنَّ الْمَلاَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ - فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(الآيات15-21). وكان لفعله ـ قتله القبطي ـ تبعة في الدّنيا، وهي ائتمار قوم فرعون لقتله. وتبعة عصيان أوامر الله ونواهيه المولوية تصيب الإنسان في الآخرة، وأحياناً في الدنيا والآخرة، وهي ذنوب العبد تجاه ربّه جلّ اسمه.

شرح بعض الكلمات

أ ـ ذَا الاَْيد: آدَ، يئيدَ، أيداً: اشتدَّ وقويَ، وذا الأيد: صاحب القوّة. [ صفحه 62] ب ـ أوّاب: أوّب تأويباً: رجع فهو أوّابٌ، والأوّاب كالتوّاب: الراجع إلي الله بترك معاصيه وفعل طاعاته. ج ـ تُشْطِطْ: الشَّطط: الجور في الحكم وتجاوز القدر المحدود في كلّ شيء. د ـ أكفِلْنيها: كفله كفلا وكفالة: عاله ورعاه، وأكفلنيها: أعطني إيّاها لأرعاها. هـ ـ عزَّني في الخطاب: عزّه وعازّه: غلبه، وعزّني في الخطاب: غالبني في الكلام. [ صفحه 63] و ـ الخُلطاءُ: مفردُهُ الخليط: الصديق والمجاور والشريك. ز ـ ظنَّ: الظّنُّ ما يحصل عن أمارة، وقد يبلغ الظنّ درجة اليقين مثل قوله تعالي: (وَظَنَّ دَاوُدَ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ) أيْ أيقن أنّا فتنّاه، وقد لا يبلغه ويكون دونه إلي حدّ التوهّم، مثل قوله تعالي في خبر يونس (عليه السلام): (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ). ح ـ فَتَنَّاهُ: الفتنةُ: الامتحان، ويكون المعني: أيقن داود أنّا امتحنّاه. ط ـ خرَّ: خرّ: سقط من علوّ، وخرّ راكعاً: أي هوي إلي الركوع. ي ـ أنابَ: ناب إلي الشيء نوباً ونوبة: رجع إليه مرّة بعد أُخري، وأناب العبد إلي الله: رجع إليه بالتوبة من المعصية، وكذلك [ صفحه 64] اعتمد عليه في ما ينزل به، وكان ابراهيم (عليه السلام) منيباً يرجع إليه في أُموره كلّها. ك ـ فغفرنا ولْيغفِر: غفره مغفرة وغفراً وغفراناً: ستره وغطّاه فهو غافر وغفور، وللمبالغة غفّار، وكلّ شيء سترته فقد غفرته، وسمّي ما ينسج من الدروع علي قدر الرأس ويلبس تحت القلنسوة بالمغفر لأنه يستر الرأس والرقبة، وغفر الله ذنوبه: أي سترها، ويكون ذلك بمحوْ آثار الذّنوب في الدنيا وآثارها في الآخرة. ل ـ لزُلفي: زلف إليه زلفاً، وزلفي، وزلفة، وازدلف: دنا منه وتقرّب، والزلفة: القرب. م ـ مآب: آب يؤوب أوباً وإياباً ومآباً: رجع، والمآب: اسم [ صفحه 65] زمان ومكان للأوب. ن ـ خليفةً: ليس معني خليفة الله في القرآن نوع الإنسان علي الأرض كما قيل، بل المراد: الإمام المنصوب من قبل الله لهداية الناس وليحكم بين الناس، كما يظهر ذلك في قوله تعالي لداود (عليه السلام): (يَا دَاوُدَ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الاَْرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ). س ـ الخِيَرَة: خار الشيء علي غيره خِيْرةً وخِيَرَةً وخيراً: فضَّله علي غيره. ع ـ وَطَراً: الوَطَرُ: حاجة للإنسان له عناية بها واهتمام فإذا بلغها ونالها قيل: قضي وطره. ف ـ أدعياؤهم: [ صفحه 66] الأدعياء: مفردُهُ الدَّعيُّ: من يُنسَب إلي قوم وليس منهم، وأظهر مصاديقه: المتبنّي. ص ـ سُنَّةُ الله: النّظام الذي قدّره الله لخلقه، و (سُنَّةُ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا)أي حكم الله وشريعته التي أنزلها علي مَن سبق خاتم الأنبياء من الرُّسُل. ق ـ قدراً مقدوراً: قدّر الله الأمر يقدِّرُه: دبَّره أو أراد وقوعه، وقدَرَ الله الرّزقَ يقْدِرُه جَعَله محدوداً ضيّقاً. ر ـ جُذاذاً: جذّ الشيء جذّاً: قطعه; فالشيء مجذوذ، وجذّه كسره وفتّته، والجذاذ المقطّع أو المكسَّر. [ صفحه 67] ش ـ فَتي: الفتي: الشابُّ من كلّ شيء، ويقال للعبد والأمة تلطُّفاً بهما، والفتي: الكامل من الرجال، والمراد به هنا الشابُّ من الرجال. ت ـ نُكِسُوا: نَكَسَ رأسه ونُكِسَ علي رأسه: طَأْطَأَ رأسه ذُلاًّ وانكساراً. ض ـ السِّقاية: السِّقاية: الإناء يُسقي به وقد يكال به. ظ ـ العِير: القوم معهم حملهم من الميرة، وقد يقال للرجال والجمال معاً، كما يقال لكلٍّ منهما وحده: العِير. غ ـ صُواع: المراد بالصُّواع هنا: صاع الملك وهو السقاية المذكورة [ صفحه 68] قبله. خ ـ زَعيم: زعم يزعمُ زعماً وزَعامة: ضمن وكفل فهو زعيم.

تأويل الآيات

في بيان تأويل الآيات نبدأ أوّلا ببيان تأويل بعض الموارد، حسب معناها اللغوي، وثانياً بايراد الروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في ذلك.

تأويل الآيات بحسب معني الألفاظ في لغة العرب

أ ـ خبر ابراهيم (عليه السلام) في كسر الأصنام: في قوله (عليه السلام): (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ) الأنبياء/63) تورية، والمعني في الكلام: فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون، ويعرف ذلك من قوله تعالي بعده: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاَءِ يَنْطِقُونَ) (الآية65). ب ـ خبر يوسف مع إخوته: [ صفحه 69] قصدوا من قولهم لاخوة يوسف (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) أنّهم سرقوا يوسف (عليه السلام) من أبيه. أمّا صواع الملك فقد قالوا عنه (نفقد صواع الملك)، ولم يقولوا سُرق صواع الملك، وفي هذا الكلام ـ أيضاً ـ تورية كما اتّضح ممّا بيّنّاه [23] . ج ـ خبر رسول الله بعد الفتح: قال سبحانه في سورة الفتح: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً - لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً - وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً - هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ...)(الآيات1-4). [ صفحه 70] تفسير الكلمات أ ـ فتحنا: المراد بالفتح هنا: صلح الحديبية، وقد سمّاه الله فتحاً لما أعقب من كسر شوكة قريش، وعدم استطاعتهم مناوأة الرسول (صلي الله عليه وآله) وتجهيز الجيوش لمحاربته، وفتح الرسول (صلي الله عليه وآله)مكّة بعد ذلك. ب ـ ليغفر: في اللغة غفر الشيء: ستره. ج ـ ذنبك: قال الرّاغب: الذنب في الأصل الأخذ بذنب الشيء، يقال: أذنبته، أي: أصبت ذنبه، ويستعمل في كلّ فعل يستوخم عقباه، ولهذا يسمّي الذنب: تبعة اعتباراً بذنب الشيء، وجمع الذنب: ذنوب. [ صفحه 71] تأويل الآية بحسب معناها اللغوي كان من خبر صلح الحديبية ما رواه الواقدي في المغازي وقال ما موجزه: وثبَ عمر إلي رسول الله (ص)، وقال: ألسنا بالمسلمين؟ قال (ص): "بلي"، قال: فعلامَ نعطي الدنيّة في ديننا؟ فقال رسول الله (ص): "أنا عبد الله ورسوله ولن أُخالف أمره ولن يضيعني"، وجعل عمر يردّ علي رسول الله (ص) الكلام، وتكلّم مع أبي بكر وأبي عبيدة في ذلك فردّا عليه، وكان يقول بعد ذلك: لقد دخلني يومئذ من الشكّ وراجعت النبي (ص) مراجعة ما راجعته مثلها قط... الخبر [24] . ونزلت السورة تُعلِم بأنّ الصلح فتح للرسول وللمسلمين، وأنّ ما كان المشركون يعدّونه ذنباً للرسول في ما تقدّم من قيامه بمكّة بتسفيه أحلامهم وعيب آلهتهم، وفي ما تأخّر من قتله إيّاهم في غزوة بدر وغيرها، قد ستر الله جميعها بذلكم الصلح الذي أنتج كلّ تلكم الفتوح، وإنّ [ صفحه 72] قوله تعالي في هذه السورة: (مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)كقوله تعالي في حكاية قول الكليم موسي بن عمران (عليه السلام) في سورة الشعراء: (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونَ) (الآية14). وبناءً علي ما ذكرناه يكون ذنب الرسول في مقابل قومه كذنب موسي (عليه السلام) في مقابل الأقباط بمصر. نكتفي بهذا المقدار من بيان تأويل الآيات بحسب معناها اللغوي، ونورد في ما يأتي بحوله تعالي تأويل الآيات من الروايات:

تأويل الآيات في روايات أئمة أهل البيت

روي الصدوق أنّ المأمون العباسي جمع للإمام عليّ ابن موسي الرضا (عليه السلام) أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصاري والمجوس والصابئين، وكان فيهم عليّ بن الجهم من أهل المقالات الإسلاميين، فسأل الرضا (عليه السلام) وقال له: يا ابن رسول الله! أتقول بعصمة [ صفحه 73] الأنبياء! قال: "بلي"، قال: فما تعمل في قول الله عزّ وجلّ: (وَعَصي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوي)؟ وقوله عزّ وجلّ: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)؟ وقوله في يوسف: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا)؟ وقوله عزّ وجلّ في داود: (وَظَنَّ دَاوُد أَنَّمَا فَتَنَّاهُ)؟ وقوله في نبيّه محمد (ص): (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَي النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)؟ فقال مولانا الرضا (عليه السلام): "ويحك يا عليّ! إتّق الله ولا تنسب إلي أنبياء الله الفواحش، ولا تتأوَّل كتاب الله برأْيك، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ). أمّا قوله عزّ وجلّ في آدم (عليه السلام): (وَعَصي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوي)، فإنّ الله عزّ وجلّ خلق آدم حجّة في أرضه، وخليفته في بلاده، لم يخلقه للجنّة، وكانت المعصيةُ من آدم في الجنّة لا في الأرض، لتتمَّ مقادير أمر الله عزّ وجلّ، فلمّا أُهبط الي الأرض وجُعل حُجّة وخليفة عُصِمَ بقوله عزّ وجلّ: (إِنَّ اللهَ اصْطَفي آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ [ صفحه 74] عَلَي الْعَالَمِينَ). وأمّا قوله عزّ وجلّ: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)، إنّما ظنّ أنّ الله عزّ وجلّ لا يُضيِّق عليه رزقه، ألا تسمع قول الله عزّوجلّ: (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ)؟ أي ضيّق عليه، ولو ظنّ أنّ الله لا يَقْدِرُ عليه لكان قد كفر. وأمّا قوله عزّ وجلّ في يوسف: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا)، فإنّها همّت بالمعصية، وهمّ يوسف بقتلها إن أجبرتهُ لعظم ما داخله، فصرف الله عنه قتلها والفاحشة، وهو قوله: (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ) يعني القتل، (وَالْفَحْشَاءَ)يعني الزنا. وأمّا داود فما يقول من قبلكم فيه؟ فقال عليّ بن الجهم: يقولون: إنّ داود كان في محرابه يصلّي إذ تصوّر له إبليس علي صورة طير أحسن ما يكون من الطّيور، فقطع صلاته وقام ليأخذ الطّير، فخرج الي الدار، فخرج في أثره، فطار الطير إلي السطح، فصعد في طلبه، فسقط الطّير في دار أُوريا بن حنّان، فاطّلع داود في [ صفحه 75] أثر الطّير، فإذا بامرأة أُوريا تغتسل، فلمّا نظر إليها هواها، وكان أُوريا قد أخرجه في بعض غزواته، فكتب إلي صاحبه أن قدّم أُوريا أمام الحرب، فقدّم، فظفر أُوريا بالمشركين، فصعب ذلك علي داود، فكتب الثانية أن قدّمه أمام التّابوت، فقتل أُوريا رحمه الله، وتزوّج داود بامرأته. فضرب الرضا (عليه السلام) بيده علي جبهته وقال: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون، لقد نسبتم نبيّاً من أنبياء الله إلي التّهاون بصلاته حتي خرج في أثر الطّير، ثمّ بالفاحشة، ثمّ بالقتل!" فقال: يا ابن رسول الله! فما كانت خطيئته؟ فقال: "ويحك، إنّ داود إنّما ظنّ أنْ ما خلق الله عزّ وجلّ خلقاً هو أعلم منه، فبعث الله عزّ وجلّ إليه الملكين فتسوّرا المحراب فقالا: (خَصْمَانِ بَغي بَعْضُنَا عَلي بَعْض فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَي سَوَاءِ الصِّرَاطِ - إِنَّ هذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)، فعجّل داود (عليه السلام) علي المدّعي عليه فقال: (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَي نِعَاجِهِ)، فلم يسأل المدّعي البيّنة علي ذلك، ولم يقبل علي المدّعي عليه فيقول: [ صفحه 76] ما تقول، فكان هذا خطيئة حُكمه، لا ما ذهبتم إليه، ألا تسمع قول الله عزّ وجلّ يقول: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الاَْرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) إلي آخر الآية؟" فقلت: يا ابن رسول الله فما قصّته مع أوريا؟ فقال الرضا (عليه السلام): "إنّ المرأة في أيّام داود كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوّج بعده أبداً، وأوّل من أباح الله عزّ وجلّ له أن يتزوّج بامرأة قتل بعلها داود، فذلك الذي شقّ علي أوريا..." الحديث [25] . وفي خبر داود خاصّةً عن أمير المؤمنين الإمام علي(عليه السلام)أنّه قال: "ما أوتي برجل يزعم أنّ داود (عليه السلام) تزوّج بامرأة أوريا إلاّ جلدته حدَّين: حدّاً للنبوّة، وحدّاً للإسلام" [26] . والمعني: من قال إنّ داود تزوّج بامرأة أوريا، أي: قبل [ صفحه 77] استشهاده. وفي رواية: "من حدّث بحديثِ داود علي ما يَرْويه القُصّاصُ جلدتُهُ مائة وستّين". وفي رواية: "وهو حدّ الفرية علي الأنبياء" [27] . وروي الصدوق ـ أيضاً ـ عن الإمام الصادق (عليه السلام) مثل الرواية الأُولي، وفي رواية قال: "إنّ المرأة في أيام داود (عليه السلام)كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوّج بعده أبداً، وأوّل من أباح الله عزّ وجلّ له أن يتزوّج بامرأة قتل بعلها داود (عليه السلام)، فتزوّج بامرأة أوريا لمّا قتل وانقضت عدّتها، فذلك الذي شقّ علي الناس من قتل أوريا" [28] . ولو قيل: إنّ ما أوردتموه معارض بما رواه القمّي في تفسيره أنّه قال ما موجزه: "إنّ داود (عليه السلام) كان في محرابه يصلّي، فإذا بطائر قد وقع [ صفحه 78] بين يديه، فأعجبه جداً ونسي ما كان فيه، فقام ليأخذه، فطار الطائر فوقع علي حائط بين داود وأوريا ـ كان داود قد بعثه في بعث ـ فصعد داود الحائط ليأخذه، فرأي امرأة جالسة تغتسل، فلمّا رأت ظلّه نشرت شعرها وغطّت به بدنها، فافتتن بها داود ورجع إلي محرابه، وكتب إلي صاحبه في ذلك البعث أن يسيروا إلي موضع كيت وكيت ويوضع التابوت بينهم وبين عدوّهم ويقدّم أُوريا بين يدي التابوت، فقدّمه فقتل..." الحديث بطوله [29] . قلنا: إنّ هذه الرواية قد جمع فيها راويها الروايات المتعدّدة الواردة في تفسير الآيات بتفاسير مدرسة الخلفاء، وأضاف إليها من خياله بعض القول، ثمّ رواها عن الإمام الصادق (عليه السلام). ونحن ندرس متن الرواية دون التعرّض لسندها ونقول: ورد بخصوص خبر أوريا المذكور عن الإمام [ صفحه 79] الصادق (عليه السلام) أنّه عندما سئل عنه وقال له الراوي: ما تقول في ما يقول الناس في داود وامرأة أوريا؟ فقال: "ذلك شيء تقوله العامّة" [30] . في هذا الحديث صرّح الإمام الصادق (عليه السلام) بأنّ منشأ قول الناس في داود وأرملة أوريا هم العامّة، أي أتباع مدرسة الخلفاء. إذاً! فقد انتشر منهم هذا القول إلي مصادر الدراسات بمدرسة أهل البيت، وقد سمّينا هذا النوع من الروايات بالروايات المنتقلة، أي المنتقلة من مدرسة الخلفاء الي مدرسة أهل البيت [31] . وإذا بحثنا عن مصدر هذه الرواية بكتب التاريخ والتفسير بمدرسة الخلفاء [32] وجدنا أنّ رواة هذه الرواية لم يرووها عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولم يقولوا أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال [ صفحه 80] ذلك، ما عدا رواية واحدة رواها السيوطي في تفسير الآية عن يزيد الرقاشي عن أنس، وقد بيّنّا في هذا البحث زيفها في ما سبق. في قصّة زيد وزينب: كسر الرسول (صلي الله عليه وآله) بتزويجه زينب من زيد قانون التكافؤ في النسب من أعراف الجاهلية واستبدله بقانون التكافؤ في الإسلام، وبعد هذا الإنجاز العظيم أمره الله تعالي أن يكسر ـ بزواجه من مطلّقة زيد ـ قانون التبنّي من أعراف الجاهلية، وفي عمله هذا شابه عمل النبيّ داود (عليه السلام) في زواجه بأرملة أوريا وتبديله بذلك قانوناً جاهلياً بقانون إسلامي، وكذلك يفعل الأنبياء في إجراء الأحكام الإسلامية، وهكذا فعل الرسول (صلي الله عليه وآله)ـ أيضاً ـ في إبطاله قانون الرّبا وقانون أخذ الثأر الجاهِليَّين في حجّة الوداع بإبطال ربا عمِّه العباس واهدار دم ابن عمّه [33] . [ صفحه 81] هذه هي الحقيقة في أمر زواج النبي داود (عليه السلام) بأرملة أُوريا وزواج خاتم الأنبياء (صلي الله عليه وآله) بمطلّقة ابنه المتبنّي زيد، غير أنّ انتشار الروايات الإسرائيلية في تأويل قصص الأنبياء السابقين، والروايات المختلقة في تأويل ما عداها في بعض كتب التفسير وبعض مصادر الدراسات الإسلاميّة الأُخري حجبت رؤية الحقّ عن الباحثين، وجعلت من الباطل حقّاً ومن الحقّ باطلا، واشتهرت تلك الروايات وراجت في الأوساط الإسلاميّة لما كان فيها من تبرير لتورّط بعض أفراد السلطان الحاكمة في قضايا شهوة الجنس، كما أنّ صدور المعاصي من أمثال يزيد بن معاوية وأشباهه من خلفاء بني مروان بعده ونظائرهم هو الداعي لعامّة ما نسب إلي الأنبياء والرسل ـ صلوات الله عليهم ـ من المعاصي ونفي العصمة عنهم، وتأويلهم الآيات في حقّهم بما يدفع النقد عن بعض الخلفاء.

پاورقي

[1] سجّي ثوبه علي وجهه: غطّاه، واستحثّ راحلته: استعجلها.
[2] الخبر في مادة الحجر في معجم البلدان; وخبر غزوة تبوك في سيرة ابن هشام 4: 164-165; ومغازي الواقدي: 1006-1008; وإمتاع الأسماع: 454-456; ومسند أحمد 2: 9و58و66و72و74و91و96و113و137 و 3: 296; وصحيح البخاري 3: 61و99 ذكر غزوة تبوك وتفسير سورة الحِجْر; وصحيح مسلم، كتاب الزهد، الحديثان 39 و 40.
[3] بابل في العراق بين الكوفة وبغداد، وجسر الصّراة كان علي نهر الصّراة بالقرب من بغداد. راجع مادّتي (بابل) و (الصّراة) بمعجم البلدان.
[4] صفّين: 135.
[5] في البحار 41: 168; عن علل الشرائع: 124; وبصائر الدرجات: 58.
[6] تفسير الطبري 23: 95-96 ط. دار المعرفة، بيروت.
[7] تفسير الطبري 23: 96 ط. دار المعرفة، بيروت; والسيوطي 5: 148 واللفظ للأول.
[8] بتفسير الآية في تفسير الطبري 23: 96 ط. دار المعرفة، بيروت; والسيوطي 5: 300-301.
[9] طبقات ابن سعد 5: 395 ط. أوربا; وكشف الظنون: 1328; وتاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي 1: 44.
[10] ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان 1: 354 ط. الأُولي; وطبقات ابن سعد 7: 1/120 ط. أوربا.
[11] 1: 527 رقم الترجمة 1968.
[12] الحديثان بطبقات ابن سعد 8: 120 ط. أوربا 7: 1/120.
[13] ترجمة واصل بن عطاء في وفيات الأعيان لابن خلكان; وترجمة ابن أبي العوجاء في بحث الزندقة والزنادقة في الجزء الأوّل من "خمسون ومائة صحابي مختلق"، والكني والألقاب 1: 192 ط. صيدا.
[14] راجع ترجمته بتهذيب الكمال للمزي مخطوطة المكتبة الظاهرية مصورة المجمع العلمي الإسلامي 8: 264 (أـ ب); وتهذيب التهذيب لابن حجر 11: 309-311.
[15] طبقات ابن سعد 7: ق2/13 ط أوروبا.
[16] راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 11: 309-311.
[17] راجع ترجمة تاريخ بغداد 12: 160-169 رقم الترجمة 7142; وفيات الأعيان 4: 240-242 رقم الترجمة 4-7; وتهذيب التهذيب 10: 279-285; وميزان الاعتدال 4: 172 رقم الترجمة 7841.
[18] تفسير الطبري 22: 10-11 ط. دار المعرفة، بيروت.
[19] أُسد الغابة 2: 224-227.
[20] ترجمة أُم أيمن في أُسد الغابة 7: 303; والاستيعاب: 765 رقم الترجمة 2; والاصابة 4: 415-417 الترجمة رقم 1145.
[21] الأيِّم وجمعه الأيامي: المرأة لا زوج لها والرجل لا زوجة له.
[22] الوَزَعَةُ: الموظّفون من قبل ولاة الأمر.
[23] مجمع البيان في تفسير القرآن 3: 252.
[24] نقلته بايجاز من مغازي الواقدي 1: 606-607.
[25] البحار 11: 73-74; عن أمالي الصدوق 55-57 وطبعة أُخري: 90-92; وعيون الأخبار: 108.
[26] تفسير الآية بتفسير مجمع البيان; ونور الثقلين; وتنزيه الأنبياء للشريف المرتضي: 92.
[27] تفسير الآية بتفسير الخازن 4: 35; والفخر الرازي 25: 192; ونور الثقلين 4: 446.
[28] البحار 14: 24; وراجع تفسير نور الثقلين 4: 446 نقلا عن عيون الأخبار.
[29] البحار 14: 20-23; عن تفسير القمي: 562-565; والتتمّة في كتاب الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير: 233 ط. بيروت الأُولي.
[30] البحار 14: 200.
[31] راجع بحث الروايات المنتقلة في: القرآن الكريم و روايات المدرستين ج2.
[32] راجع تفسير الآية في تفسير الطبري، والقرطبي وابن كثير والسيوطي.
[33] في سيرة ابن هشام 4: 275 ط. مصر عام 1356 أنّ رسول الله (ص) قال في خطبته في حجّة الوداع: "... وإنّ كلّ رباً موضوع، ولكنْ لكُم رؤوسُ أموالكم لا تَظْلمُون ولا تُظلَمون، قضي الله أنّه لا رباً، وإنّ ربا عبّاس بن عبد المطّلب موضوعٌ كلّه، وإنّ كلّ دم كان في الجاهلية موضوع، وإنّ أوّل دمائكم أضعُ دمُ ابن ربيعة بن الحرثِ بن عبد المطّلب، وكان مسترضعاً في بني ليث فقتلهُ هُذيل، فهو أوّل ما أبدأ به من دماء الجاهلية".

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.