صيانة القرآن الكريم من التحريف

اشارة

مولف:مجمع العالمي لاهل البيت

مقدمة

لقد أطبق المسلمون كافة علي أن القرآن الكريم الذي بين أيدينا هو كتاب الله الذي لم يأته ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. وهو كما وصفه ربيب الرسالة _ أمير المؤمنين وسيّد الوصيين علي بن أبي طالب (عليه السلام) _ بقوله: «ثم أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه، وسراجاً لايخبو توقّده... وشعاعاً لا يُظلِمُ ضَوْؤه وفرقاناً لا يُخمدَ برهانه وتبياناً لا تهدم أركانه.. معدن الإيمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره.. وأثافيّ الإسلام وبنيانه.. وأعلام لا يعمي عنها السائرون.. جعله الله ريّاً لعطش العلماء.. ودواءً ليس بعده داء ونوراً ليس معه ظلمة، وحبلاً وثيقاً عروته، ومعقلاً منيعاً ذِروته، وعزّاً لمن تولاّه وسلماً لمن دخله وهديً لمن ائتمّ به.. وعلماً لمن وعي.. وحكماً لمن قضي» [1] . «واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشّ، والهادي الذي لا يُضِلّ، والمحدّث الذي لا يكذب.. وإن الله سبحانه لم يَعِظ أحداً بمثل هذا القرآن، فإنّه حبل الله المتين وسببه الأمين، إذ فيه ربيع القلب وينابيع العلم، وما للقلب جلاءٌ غيره» [2] . إنّ مثل هذا الكتاب الذي ربّي الأجيال وصنع العظماء، وحضّر الاُمم.. لم يتوان الحاقدون والحاسدون في عزل الاُمّة الإسلامية عنه وإن كان ذلك بالتشكيك في سلامة نصوصه ومحاولة النبز فيه بتسرّب التحريف إليه، وإلقاء الفتنة والعداوة والبغضاء بين المؤمنين به.. إنها الخطّة الشيطانية الماكرة لإحلال الزيغ محلّ الهدي وحرمان الأجيال الصاعدة من هذا المعين الإلهي الزاخر. ولكن الله أبي إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون. فمن هذا المنطلق لفهم كتاب الله سيكون البحث حول (شبهة تحريف القرآن) علي نحوين: النحوالأوّل: مناقشة هذه الشبهة وتحقيق

فسادها وبطلانها علي أساس الاُصول الإسلامية ومستلزماتها التي تعترف بالنصوص الدينية القرآنية أو الصادرة من النبي (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام (عليهم السلام). النحو الثاني: مناقشة هذه الشبهة علي أساس البحث الموضوعي وما تفرضه طبيعة الأشياء من نتائج دون الالتزام بالنصوص الدينية. والمواجهة الاُولي لا تحقق الغرض إلاّ تجاه الفرد المسلم الذي يؤمن بالإسلام ونصوصه الدينية ورجاله الطيبين، بينما نجد المواجهة الثانية تحقق الغرض بشكل شامل وتقطع الطريق علي كل واحد من الناس، حتّي لو كان غير مؤمن بشيء من الاُصول الإسلامية. والمنهج الأوّل: هو الذي سلكه عامة علماء المسلمين وأثبتوا من خلال الأدلّة المتنوّعة سلامة القرآن من التحريف بشكل لا يقبل الترديد. وهذا هو الرأي السائد لدي علماء الإمامية علي مدي القرون والأجيال [3] . والمنهج الثاني: هو الذي سوف نسلكه لدراسة الشبهة علي أساس موضوعي بمقتضي ما تفرضه (طبيعة الأشياء) من نتائج وذلك ضمن عدة مباحث: المبحث الأوّل: تدوين القرآن في عصر النبيّ (صلي الله عليه وآله). المبحث الثاني: جمع القرآن علي عهد النبيّ (صلي الله عليه وآله). المبحث الثالث: مناقشة الفروض المحتملة لوقوع التحريف. المبحث الرابع: تصريحات علماء المسلمين بسلامة القرآن من التحريف. المبحث الخامس: أسباب نشوء شبهة التحريف واشاعتها. المبحث السادس: الموقف الموضوعي من روايات التحريف.

تدوين القرآن في عصر النبي

اشاره

إنّ (طبيعة الأشياء) تدل بشكل واضح علي أنّ القرآن قد تم تدوينه في زمن النبي (صلي الله عليه وآله). ونقصد بطبيعة الأشياء: مجموع الظروف والخصائص الموضوعية والذاتية المسلّمة واليقينيّة التي عاشها النبيّ (صلي الله عليه وآله)، والمسلمون والقرآن أو اختصّوا بها، ممّا يجعلنا نقتنع بضرورة قيام النبي (صلي الله عليه وآله) بجمع القرآن في عهده; وهذه الظروف والخصائص هي ما يلي: أ

_ يعتبر القرآن الكريم الدستور الأساسي للاُمة الإسلامية وهو يشكّل الزاوية الرئيسة التي يقوم عليها كيان الاُمة العقيدي والتشريعي والثقافي، الي جانب المناهج الإسلامية الاُخري عن المجتمع والأخلاق، كما أنّه يعتبر أتقن المصادر التأريخية لديها وأروع النصوص الأدبية; ولم يكن المسلمون في صدر حياتهم الاجتماعية يملكون شيئاً من القدرات الفكرية والثقافية في مختلف الميادين التي يخوضها الفكر الإنساني غير القرآن الكريم، فالقرآن بالنسبة لهم بصفتهم اُمة حديثة يمثل المحتوي الروحي والفكري والاجتماعي لهم. فمثلاً لم تكن الاُمة الإسلامية حينذاك تملك من الثقافة العقيدية ما تبني عليها إيمانها الراسخ بوحدانية الله سبحانه والكون والحياة، أو بانحراف أصحاب الديانات الاُخري في نظرتهم الي المبدأ والمعاد غير الأدلة والبراهين القرآنية. والكلام ذاته يمكن أن يقال بالنسبة إلي المجالات الاُخري، فكرية كانت أم روحية أم ثقافية. وهذا يعطينا صورة واضحة عن الأهمية الذاتية التي يتمتع بها القرآن الكريم بالنسبة الي حياة المسلمين، ويحدد النظرة التي كان يحملها المسلمون _ باعتبارهم اُمة _ الي القرآن الكريم. ب _ لقد عكف المسلمون _ منذ البدء _ علي حفظ القرآن واستظهاره، إنطلاقاً من نظرتهم إلي القرآن الكريم، وشعوراً بالأهمية التي يحتلها في حياتهم الاجتماعية ومركزه من الدور الذي ينتظرهم في الحياة الإنسانية. وقد تكوّنت نتيجة هذا الإقبال المتزايد منهم علي حفظه واستظهاره جماعة كبيرة، عُرفت بحفظها القرآن الكريم واستظهارها لنصّه بشكل مضبوط. كما سيتضح في البحوث اللاحقة إن شاء الله. ج _ وقد كان الرسول (صلي الله عليه وآله) يعيش مع الاُمة في آمالها وآلامها، مدركاً لحاجاتها وواعياً للمسؤولية العظيمة التي تفرضها طبيعة الظروف المحيطة بتكوينها والأخطار التي تهددها. وهذا الإدراك والوعي يكشف عنه الدور العظيم الذي قام به النبي منذ البعثة

حتّي وفاته عليه الصلاة والسلام ; فقد عاش حياة الاضطهاد والضغط اللذين كانا وليدي قيامه بالدعوة إلي الله سبحانه وعمله علي تغيير الاُمة، وقلب واقعها الفكري والسياسي والاجتماعي; ومثل هذا الدور يحتاج الي مهارة عظيمة وإدراك دقيق لواقع المجتمع، وتقدير للآثار والنتائج مع فهم للنفس البشرية وما تنطوي عليه من خير وشر. ثم عاش حياة القيادة وسياسة الاُمة وإدارة شؤونها في أصعب الظروف التأريخية، حيث إنشاء الدولة وتوطيد التشريع والنظام في مجتمع كان لا يعرف _ إلاّ لوناً باهتاً _ عن كل ما يمتّ إلي المجتمعات البشرية المنظمة بصلة، كما كان يؤمن بمفاهيم وأفكار بعيدة عن المفاهيم والأفكار الجديدة التي جاء بها الإسلام فمارس الحرب والجهاد، وبلي بالمكر والخداع والنفاق والارتداد، إلي غير ذلك من الأساليب والظروف المختلفة في أبعادها وآثارها. وكان النبي (صلي الله عليه وآله) أيضاً علي معرفة بتأريخ الرسالات الإلهية ونهايتها علي يد المزوّرين والمحرّفين وتجّار الدين، كما يصرّح بذلك القرآن الكريم وينعي علي أهل الكتاب هذا التحريف والتزوير. فالإنسان الذي يكون قد خبر الحياة الإنسانية بهذا الشكل، وحمل أعباء الرسالة والدعوة وقاد الإنسان في مجاهل الظلام، حتّي أورده مناهل النور والحق لا يمكن أن نشكّ في إدراكه لمدي ما يمكن أن يتعرّض له النص القرآني من خطر حينما يربط مصيره بالحفظ والاستظهار في صدور الرجال. د _ إنّ إمكانات التدوين والتسجيل كانت متوفرة لدي الرسول (صلي الله عليه وآله) حيث لا تعني هذه الإمكانات حينئذ إلاّ وجود أشخاص قادرين علي الكتابة يتوفر فيهم الإخلاص في العمل إلي جانب توفر أدوات الكتابة، وليس هناك من يشك تأريخياً في تمكّن المسلمين من كلّ ذلك. ه_ _ ولابد أن نعترف بوجود عنصر الإخلاص للقرآن

الكريم وأهدافه، إذ لا يمكن أن نجد من يشك في توفّر ذلك لدي النبي (صلي الله عليه وآله)، مهما بلغ ذلك الشخص من التطرّف في الشك والتفكير. لأنّ النبي (صلي الله عليه وآله) حتّي علي أسوأ التقادير والفروض التي يفرضها الكافرون برسالته والمنكرون لنبوّته لا يمكن إلاّ أن يكون مخلصاً للقرآن الكريم، لأنه يؤمن بأن القرآن معجزته وبرهان دعوته الذي به تحدّي المشركين وهو علي هذا الايمان بالقرآن لابدّ وأن يحرص علي حفظه وصيانته ويكون مخلصاً في ذلك أبعد الإخلاص. وهذه العناصر الخمسة: (أهمية القرآن الكريم، والخطر في تعرضه للتحريف بدون التدوين، وإدراك النبي (صلي الله عليه وآله) لهذا الخطر، ووجود إمكانات التدوين، وحرص النبي (صلي الله عليه وآله) علي القرآن والإخلاص له)، هي التي تكوِّن اليقين بأن القرآن الكريم قد تمّ جمعه وتدوينه في زمن الرسول (صلي الله عليه وآله) ; لأن أهميّة القرآن الذاتيّة، مع وجود الخطر عليه، والشعور بهذا الخطر، وتوفّر أدوات التدوين والكتابة، ثمّ الإخلاص للقرآن، حين تجتمع لا يبقي مجال للشك بتدوين القرآن في عهد رسول الله وكتابته في زمانه.

روايات الجمع في عهد أبي بكر

وليس عندنا في مقابل دلالة طبيعة الأشياء علي هذه الحقيقة غير الروايات التي ذكرت أنّ القرآن الكريم قد جمع في عهد أبي بكر، حيث جمع القرآن من العسب والرقاق واللخاف ومن صدور الناس بشرط أن يشهد شاهدان علي أنّه من القرآن، كما جاء ذلك في قصّة جمع القرآن المرويّة عن زيد بن ثابت [4] أو غيرها من النصوص التي تتحدّث عن هذا الأمر بطريقة اُخري. والواقع أنّ النصوص والروايات التي جاءت تتحدث عن قصّة الجمع، ليست متّفقة علي صيغة واحدة ولا علي مضمون واحد، فهي تنسب الجمع إلي أشخاص

مختلفين، كما أنّها تختلف في زمان الجمع وطريقته والعهد الذي تمّ فيه [5] . وهي من أجل ذلك كلّه لا يمكن الأخذ بمضمونها الفعلي للتعارض الذي يسقطها عن الاعتبار والحجية _ كما ذكر علماء الاُصول _ وإنّما يمكن أن نفسّر وجودها بأحد تفسيرين: الأوّل: أنّ هذه الروايات جاءت بصدد الحديث عن جمع القرآن، بشكل (مصحف) منتظم الأوراق والصفحات، الأمر الذي تمّ في عهد الصحابة، وليست بصدد الحديث عن عمليّة أصل تدوين وجمع القرآن، بمعني كتابته عن بعض الأوراق المتفرّقة أو صدور الرجال، كما تشير إليه بعض هذه الأحاديث. وهذا التفسير يقوم علي اساس فرض الإلتزام، بصحّة المضمون الإجمالي الذي تؤكّده الروايات بأكملها وهو حدوث عملية جمع للقرآن الكريم بعد النبي (صلي الله عليه وآله). الثاني: أنّ هذه الروايات إنّما هي قصص وضعت في عهود متأخّرة عن عهد الصحابة، لإشباع رغبة عامة لدي المسلمين، في معرفة كيفية جمع القرآن. ونحن نعرف من دراستنا للتأريخ الإسلامي، أنّ حركة أدبيّة واسعة ظهرت في التأريخ الإسلامي، لتفسير الوقائع والأحداث التي عاشها المسلمون في الصدر الأوّل، علي شكل قصّة تتّسم بالحيوية والبراعة والإثارة، بل امتدّ ذلك إلي الأحداث الجاهلية، والقصة حين بدأت فإنّما بدأت تعيش الإطار الديني وكان ذلك في أواخر عهد الصحابة، وتطوّرت في عهد التابعين ونمت في عصور متأخّرة، واعتمدت بشكل رئيسي علي الإسرائيليات، وعلي الوضع والخيال الذي يحاول أن يحقّق أغراضاً اجتماعية أو سياسية أو نفسية أو ثقافية معينة. وهذه الحركة القصصية ليست بدعاً في التأريخ الإسلامي، بل هي رغبة عامة عاشت في مختلف العصور التأريخية القديمة منها والحديثة، وما زلنا نشاهد القصّة التي تعتمد علي أحداث ووقائع حقيقية، وتختلط بصور وتفاصيل خيالية وتستمد مقوّماتها واتّجاهاتها وأغراضها

من الواقع الاجتماعي. ونحن وإن كنّا نرغب أن نتّجه في تفسير هذه الأحاديث إلي الطريقة الاُولي، ولكن لا نجد مانعاً من طرح هذا التفسير الآخر كأساس للدراسة الموضوعية المفصلة لهذه الأحاديث وغيرها. وإضافة إلي ذلك كله نجد نصوصاً اُخري تصرّح بأنّ القرآن الكريم قد تمّ جمعه في زمن الرسول (صلي الله عليه وآله)، بحيث تصلح أن تقف في مواجهة هذه النصوص [6] .

جمع القرآن في عهد النبي

أجمع علماء الإمامية علي أنّ القرآن كان مجموعاً علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وأنّه (صلي الله عليه وآله) لم يترك دنياه إلي آخرته إلاّ بعد أن عارض ما في صدره، بما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة، وبما في مصاحف الذين جمعوا القرآن في عهده (صلي الله عليه وآله)، وقد اعتُبِر ذلك بحكم ما علم ضرورة، ويوافقهم عليه جمعٌ كبيرٌ من علماء أهل السنّة، وجميع الشواهد والأدلّة والروايات قائمةٌ علي ذلك، وإليك بعضها: 1 _ اهتمام النبي (صلي الله عليه وآله) والصحابة بحفظ القرآن وتعليمه وقراءته وتلاوة آياته بمجرد نزولها، وممّا روي من الحثّ علي حفظه، وقوله (صلي الله عليه وآله): «مَن قرأ القرآن حتي يستظهره ويحفظه، أدخله الله الجنّة، وشفّعه في عشرة من أهل بيته كلّهم قد وجبت لهم النار» [7] . وفي هذا المعني وحول تعليم القرآن أحاديث لا تحصي كثرة، فعن عبادة بن الصامت، قال: «كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي (صلي الله عليه وآله) إلي رجل منّا يعلّمه القرآن، وكان يسمع لمسجد رسول الله ضجّة بتلاوة القرآن حتي أمرهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا» [8] . وقد ازداد عدد حُفّاظ القرآن بشكل ملحوظ لتوفر الدواعي لحفظه، ولما فيه

من الحثّ من لدن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، والأجر والثواب الذي يستحقّه الحافظ عند الله تعالي، والمنزلة الكبيرة والمكانة المرموقة التي يتمتّع بها بين الناس، وحسبك ما يقال عن كثرتهم علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وبعد عهده أن قُتِل منهم سبعون في غزوة بئر معونة خلال حياته (صلي الله عليه وآله)، وقُتل أربعمائة _ وقيل: سبعمائة _ منهم في حروب اليمامة عقيب وفاته (صلي الله عليه وآله)، وحسبك من كثرتهم أيضاً أنّه كان منهم سيّدة، وهي اُ مّ ورقة بنت عبدالله بن الحارث، وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يزورها ويسمّيها الشهيدة، وقد أمرها رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن تؤمّ أهل دارها [9] . أمّا حفظ بعض السور فقد كان مشهوراً ورائجاً بين المسلمين، وكلّ قطعة كان يحفظها جماعة كبيرة أقلّهم بالغون حدّ التواتر، وقلّ أن يخلو من ذلك رجلٌ أو امرأةٌ منهم، وقد اشتدّ اهتمامهم بالحفظ حتي أنّ المسلمة قد تجعل مهرها تعليم سورة من القرآن أو أكثر. 2 _ لا يرتاب أحدٌ أنّه كان من حول رسول الله (صلي الله عليه وآله) كُ_تّاب يكتبون ما يملي عليهم من لسان الوحي، وكان (صلي الله عليه وآله) قد رتّبهم لذلك، روي الحاكم بسند صحيح عن زيد بن ثابت، قال: «كنا عند رسول الله (صلي الله عليه وآله) نؤ لّف القرآن من الرقاع» [10] . وقد نصّ المؤرخون علي أسماء كُ_تّاب الوحي، وأنهاهم البعض إلي اثنين وأربعين رجلاً، وكان (صلي الله عليه وآله) كلّما نزل شيءٌ من القرآن أمر بكتابته لساعته. روي البراء: «أنّه عند نزول قوله تعالي: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) [11] قال رسول الله (صلي

الله عليه وآله): ادعُ زيداً، وقُل يجيء بالكتف والدواة واللّوح، ثم قال: اكتب (لا يستوي...)» [12] . وكان (صلي الله عليه وآله) يشرف بنفسه مباشرة علي ما يُكتب، ويراقبه ويصحّحه بمجرد نزول الوحي، روي عن زيد بن ثابت، قال: «كنتُ أكتب الوحي لرسول الله (صلي الله عليه وآله)، وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته برحاء شديدة... فكنت أدخل عليه بقطعة الكتف أو كسرة، فأكتب وهو يُملي عليَّ، فإذا فرغت، قال: اقرأه، فإن كان فيه سقط أقامه، ثمّ أخرج إلي الناس» [13] . أمّا في مفرّقات الآيات فقد روي عن ابن عباس، قال: إنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان إذا نزل عليه الشيء دعا من كان يكتب فيقول: «ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا» [14] وذلك بمنتهي الدقّة والضبط والكمال. 3 _ روي في أحاديث صحيحة: «أنّ جبرئيل كان يعارض رسول الله (صلي الله عليه وآله) القرآن في شهر رمضان، في كلِّ عام مرّة، وأنّه عارضه عام وفاته مرّتين» [15] ، وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يعرض ما في صدره علي ما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة، وكان أصحاب المصاحف منهم يعرضون القرآن علي النبي (صلي الله عليه وآله). عن ابن قتيبة: «أنّ العرضة الأخيرة كانت علي مصحف زيد بن ثابت» [16] ، وفي رواية ابن عبدالبرّ عن أبي ظبيان: «أنّ العرضة الأخيرة كانت علي مصحف عبدالله بن مسعود» [17] . 4 _ وفي عديد من الروايات أن الصحابة كانوا يختمون القرآن من أوله إلي آخره، وكان الرسول (صلي الله عليه وآله) قد شرّع لهم أحكاماً في ذلك، وكان يحثّهم علي ختمه، فقد روي عنه (صلي الله

عليه وآله)، أنه قال: «إنّ لصاحب القرآن عند كلِّ ختم دعوةٌ مستجابة» [18] . وعنه (صلي الله عليه وآله) قال: «من قرأ القرآن في سبع فذلك عمل المقربين، ومن قرأه في خمس فذلك عمل الصدّيقين» [19] . وعنه (صلي الله عليه وآله) قال: «من شهد فاتحة الكتاب حين يستفتح كان كمن شهد فتحاً في سبيل الله، ومن شهد خاتمته حين يختمه كان كمن شهد الغنائم» [20] . ومعني ذلك أنّ القرآن كان مجموعاً معروفاً أوّله من آخره علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فعن محمد بن كعب القرظي، قال: «كان ممّن يختم القرآن ورسول الله (صلي الله عليه وآله) حيّ: عثمان، وعليّ، وعبدالله بن مسعود» [21] . وقال الطبرسي: «إنّ جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود واُبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن علي النبيّ (صلي الله عليه وآله) عدّة ختمات» [22] . وروي عنه (صلي الله عليه وآله): «أنّه قد أمر عبدالله بن عمرو بن العاص بأن يختم القرآن في كلِّ سبع ليال _ أو ثلاث _ مرّة، وقد كان يختمه في كل ليلة» [23] وأمر النبي (صلي الله عليه وآله) سعد بن المنذر: «أن يقرأ القرآن في ثلاث، فكان يقرؤه كذلك حتي تُوفيّ» [24] . 5 _ كان الصحابة يدوّنون القرآن في صحف وقراطيس ولا يكتفون بالحفظ والتلاوة، فلعلك قرأت ما روي في إسلام عمر بن الخطاب: «أنّ رجلاً من قريش قال له: اُختك قد صبأت; أي خرجت عن دينك، فرجع الي اُخته ودخل عليها بيتها، ولطمها لطمة شجّ بها وجهها، فلمّا سكت عنه الغضب نظر فإذا صحيفة في ناحية البيت، فيها (بسم الله الرحمن الرحيم- سبّح لله ما في السموات

والأرض وهو العزيز الحكيم) [25] واطّلع علي صحيفة اُخري فوجد فيها (بسم الله الرحمن الرحيم - طه- ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي...) [26] فأسلم بعدما وجد نفسه بين يدي كلام معجز ليس من قول البشر» [27] ، وهذا يدلّ علي أنهم كانوا يكتبون بإملاء الرسول (صلي الله عليه وآله)، وأن هذا المكتوب كان يتناقله الناس. 6 _ جمع القرآن طائفة من الصحابة علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، هم أربعة علي ما في رواية عبدالله بن عمرو، وأنس بن مالك [28] ، وقيل: خمسة كما في رواية محمد بن كعب القرظي [29] ، وقيل: ستة كما في رواية الشعبي [30] ، وكذا عدّهم ابن حبيب في (المحبّر) [31] ، وأنهاهم ابن النديم في (الفهرست) إلي سبعة [32] ، وليس المراد من الجمع هنا الحفظ، لأنّ حفّاظ القرآن علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) كانوا أكثر من أن تُحصي أسماؤهم في أربعة أو سبعة، كما تقدّم بيانه في الدليل الأوّل، وفيما يلي قائمة بأسماء جُ_مّاع القرآن علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهي حصيلة من جميع الروايات الواردة بهذا الشأن; وهم: 1 _ اُبي بن كعب. 2 _ أبو أيوب الأنصاري. 3 _ تميم الداري. 4 _ أبو الدرداء. 5 _ أبو زيد ثابت بن زيد بن النعمان. 6 _ زيد بن ثابت. 7 _ سالم مولي أبي حذيفة. 8 _ سعيد بن عبيد بن النعمان _ وفي الفهرست: سعد _ 9 _ عبادة بن الصامت. 10 _ عبدالله بن عمرو بن العاص. 11 _ عبدالله بن مسعود. 12 _ عبيد بن معاوية بن زيد. 13 _ عثمان بن عفان.

14 _ عليّ بن أبي طالب. 15 _ قيس بن السكن. 16 _ قيس بن أبي صعصعة بن زيد الأنصاري. 17 _ مجمع ابن جارية. 18 _ معاذ بن جبل بن أوس. 19 _ اُمّ ورقة بنت عبدالله ابن الحارث. وبعض هؤلاء كان لهم مصاحف مشهورة، كعليّ (عليه السلام) وعبدالله بن مسعود. 7 _ اطلاق لفظ الكتاب علي القرآن الكريم في كثير من آياته الكريمة، ولا يصحّ اطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور، بل لابدّ أن يكون مكتوباً مجموعاً، وكذا ورد في الحديث عن النبي (صلي الله عليه وآله): «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي» [33] ، وهو دليل علي أنّه (صلي الله عليه وآله) قد تركه مكتوباً في السطور علي هيئة كتاب. 8 _ تفيد طائفة من الأحاديث أنّ المصاحف كانت موجودة علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) عند الصحابة، بعضها تام وبعضها ناقص، وكانوا يقرأونها ويتداولونها، وقرر لها الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله) طائفة من الأحكام، منها: عن أوس الثقفي، قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة، وقراءته في المصحف تضاعف علي ذلك ألفي درجة» [34] . وعن عائشة، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، قال: «النظر في المصحف عبادة» [35] . وعن ابن مسعود، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، قال: «أديموا النظر في المصحف» [36] . وعن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله): «اُعطوا أعينكم حظّها من العبادة، قالوا: وما حظّها من العبادة يا رسول الله؟ قال: النظر في المصحف، والتفكّر فيه، والاعتبار عند عجائبه» [37] . وقال (صلي الله عليه وآله): «أفضل عبادة

اُ مّتي تلاوة القرآن نظراً» [38] . وقال (صلي الله عليه وآله): «من قرأ القرآن نظراً مُتِّع ببصره ما دام في الدنيا» [39] . وكلّ هذه الروايات تدلّ علي أنّ اطلاق لفظ المصحف علي الكتاب الكريم لم يكن متأ خّراً إلي زمان الخلفاء، كما صرحت به بعض الروايات، بل كان القرآن مجموعاً في مصحف منذ عهد الرسول (صلي الله عليه وآله). ونزيد علي ما تقدّم أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان لديه مصحف أيضاً، ففي حديث عثمان بن أبي العاص حين جاء وفد ثقيف الي النبي (صلي الله عليه وآله)، قال عثمان: «فدخلتُ علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) فسألته مصحفاً كان عنده فأعطانيه» [40] ، بل وترك رسول الله (صلي الله عليه وآله) مصحفاً في بيته خلف فراشه _ لا حسبما صرّحت به بعض الروايات _ مكتوباً في العسب والحرير والاكتاف، وقد أمر علياً (عليه السلام) بأخذه وجمعه، قال علي (عليه السلام): «آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلاّ إلي الصلاة حتّي أجمعه» [41] فجمعه (صلي الله عليه وآله)، وكان مشتملاً علي التنزيل والتأويل، ومرتّباً وفق النزول علي ما مضي بيانه. وجميع ما تقدّم أدلّة قاطعة وبراهين ساطعة، علي أنّ القرآن قد كُتب كله علي عهد النبي (صلي الله عليه وآله)، تدويناً في السطور علاوة علي حفظه في الصدور،وكان له أوّل وآخر، وكان الرسول (صلي الله عليه وآله) يشرف بنفسه علي وضع كلّ شيء في المكان الذي ينبغي أن يكون فيه. إذاً فكيف يمكن أن يقال إنّ جمع القرآن قد تأخّر إلي زمان خلافة أبي بكر، وإنه احتاج الي شهادة شاهدين، يشهدان أنّهما سمعاه من رسول الله (صلي الله عليه وآله).

[42] .

مناقشة الفروض المحتملة لوقوع التحريف

اشاره

لاشك أن القرآن أصبح معروفاً ومتداولاً بشكل واسع، ومدوناً بشكل مضبوط بعد عهد الخليفة عثمان، حيث تمت كتابة مجموعة من نسخ المصحف الشريف، وأرسل إلي الآفاق الإسلامية بشكل رسمي من أجل العمل بها وتداولها، حيث اُصدرت الأوامر الواضحة والمشددة بالمنع من تداول أي نسخة اُخري غير هذه النسخ. ولابد لنا من أجل إيضاح سلامة النص القرآني من التحريف، أن نذكر الحالات والأزمنة التي يمكن أن نفترض وقوع التحريف فيها، مع مناقشة كل واحدة منها. وهي كما يلي: 1 _ أن يقع التحريف في عهد الشيخين، بصورة عفوية دون قصد حذف شيء من القرآن، وذلك بسبب الغفلة عن بعض الآيات، أو عدم وصولها إلي أيديهم، كما تفرضه قصة جمع القرآن الكريم، التي رواها البخاري. 2 _ أن يقع التحريف في عهد الشيخين، مع فرض الإصرار منهما عليه بشكل مسبق ومدروس. 3 _ أن يقع التحريف في عهد الخليفة عثمان. 4 _ أن يقع التحريف في عهد الاُمويين، كما نسب ذلك إلي الحجاج بن يوسف الثقفي. وهناك حالة خامسة لا مجال أن نتصور وقوع التحريف فيها، وهي أن نفرض وقوعه من قبل بعض أفراد الرعية من الناس، لأن هؤلاء لا قدرة لهم علي مثل هذا العمل، مع وجود السلطة الدينية التي تعرف القرآن الكريم وتحميه من التلاعب، والتي هي المرجع الرسمي لتعيين آياته وكلماته لدي الناس.

وقوع التحريف في عهد الشيخين، بصورة عفوية

فيمكن أن تُناقش من ناحيتين: أ _ إنّ أصل عملية الجمع والتدوين تمّت في زمن النبي (صلي الله عليه وآله)، وحينئذ فإنّ القرآن الذي تمّ جمعه في عهد الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله)، لا يمكن أن يكون إلاّ دقيقاً ومتقناً، لرعاية الرسول (صلي الله عليه وآله) لجمعه، ومع وجود

هذا القرآن، لا مجال لأن نتصور وقوع الغفلة أو الاشتباه من الشيخين، أو من غيرهما، كما لا يمكن أن نحتمل عدم وصول بعض الآيات إليهم. ب _ إنّ توفر عوامل عديدة لوجود القرآن الكريم بأكمله لدي جماعة كبيرة من المسلمين، يشكّل ضمانة حقيقية لوصول القرآن الكريم بكامله إلي الدولة في عهد الشيخين دون نقيصة; وهذه العوامل يمكن أن نلخّصها بالأسباب الآتية: 1 _ إنّ القرآن الكريم يعتبر من أروع النصوص الأدبية وأبلغها تعبيراً ومضموناً، وقد كان العرب ذوي اهتمام بالغ بهذه النصوص، لأنها تكوّن ثقافتهم الخاصة سواء من الناحية التعبيرية أو من الناحية الفكرية والاجتماعية; ونجد آثار هذا الاهتمام ينعكس علي حياتهم الخاصة والعامة، فيحفظون الشعر العربي والنصوص الأدبية الاُخري ويستظهرونها، ويعقدون الندوات والأسواق للمباراة والتنافس في هذه المجالات، وقد يصل بهم الاهتمام إلي درجة الاحتفاظ ببعض النصوص في أماكن مقدسة تعبيراً عن التقدير والإعجاب بهذا النص، كما يذكر ذلك بالنسبة إلي المعلقات السبع أو العشر في الكعبة الشريفة. وقد دفعت هذه العادة الشائعة بين العرب المسلمين _ حينذاك _ كثيراً منهم الي حفظ القرآن الكريم واستظهاره. 2 _ إنّ القرآن الكريم كان يشكّل بالنسبة إلي المسلمين حجر الزاوية الرئيسة في ثقافتهم وأفكارهم وعقيدتهم. من هنا نعرف السرّ في اهتمام المسلمين بالقرآن اهتماماً متميّزاً عن سائر النصوص. وكما أنّ هذا الأمر دفع النبي (صلي الله عليه وآله) لتدوين القرآن الكريم لحفظه من الضياع، كذلك دفع المسلمين إلي استظهار القرآن الكريم وحفظه بدافع الاحتفاظ بأفكاره وثقافته ومفاهيمه والتعرف علي السنن والتشريعات الإسلامية التي تضمنها. 3 _ إنّ القرآن الكريم _ علي أساس ما يحتويه من ثقافة _ كان يعطي الجامع له تقديراً اجتماعياً بين الناس، يشبه

التقدير الذي يحصل عليه العلماء من الناس في عصرنا الحاضر. وتعتبر هذه الميزة الاجتماعية إحدي العوامل المهمة لتدارس العلوم وتحصيلها في جميع العصور الإنسانية; فمن الطبيعي أن تكون إحدي العناصر المؤثرة في استظهار القرآن الكريم وحفظه. وقد حدّثنا التأريخ عن الدور الذي كان يتمتع به القرّاء في المجتمع الاسلامي بشكل عام، وعن القداسة التي خَلَعها المسلمون عليهم. 4 _ لقد كان النبي (صلي الله عليه وآله) رائداً للاُمة الإسلامية وموجهاً لها، يحرّض المسلمين ويحثّهم علي حفظ القرآن واستظهاره. ونحن نعرف ما كان يتمتع به النبي (صلي الله عليه وآله) من حب عظيم في نفوس كثير من المسلمين، وما كان يملكه من قدرة علي التأثير في حياتهم وسلوكهم، الأمر الذي كان يدفع المسلمين إلي الاستجابة له في كثير من التوجيهات، دون الإلتفات إلي مدي لزومها الشرعي. 5 _ الثواب الجزيل الذي وضعه الله سبحانه لقرّاء القرآن وحفظته، ورغبة كثير من المسلمين حينذاك في الاستزادة من هذا الثواب، خصوصاً أنّهم كانوا جديدي عهد بالإسلام، فهم يحاولون أن ينعكس الإسلام علي جميع تصرفاتهم. وقد كان لبعض هذه العوامل أو جميعها تأثير بالغ الأهمية في حياة المسلمين، حيث حدثنا التأريخ الإسلامي عن وجود جماعات كثيرة من المسلمين، عرفوا بالقرّاء من ذوي العقيدة الصلدة، كان لهم دورهم في الحياة الاجتماعية، وميزتهم في ترجيح جانب آخر عند الخلافات السياسية التي عاشها المسلمون. 6 _ إضافة إلي ذلك تفرض طبيعة الأشياء أن يكون قد دَوَّن القرآن الكريم وكتبه كل مسلم عنده القدرة علي التدوين والكتابة، لأن أيّ جماعة أو اُمة تهتم بشيء وتري فيه معبّراً عن جانب كبير من جوانب حياتها، فهي تعمل علي حفظه بوسائل شتي، ولاشك أن الكتابة _ عند

من يتقنها _ من الممكن التوفّر عليها. ولذلك نجد بعض النصوص تُشير إلي وجود عدد من المصاحف، أو قطعات مختلفة منه عند كثير من الصحابة. ولابد لنا أن ننتهي إلي أنّ القرآن الكريم بسبب هذه العوامل، كان موجوداً في متناول الصحابة، ولم يكن من المعقول فرض التحريف نتيجة الغفلة أو الاشتباه، أو عدم وصول بعض الآيات القرآنية.

وقوع التحريف في عهد الشيخين بشكل مدروس

فإنّها فرضية غير صادقة إطلاقاً; لأن دراسة عهد الشيخين والظروف المحيطة بهما تجعلنا ننتهي إلي هذا الحكم وتكذيب هذه الفرضية، ذلك لأن التحريف المتعمد يمكن أن يكون لأحد السببين الآتيين: أولاً: أن يكون بسبب رغبة شخصية في التحريف. ثانياً: أن يكون بدافع تحقيق أهداف سياسية; كأن يفرض وجود آيات قرآنية تنص علي موضوعات ومفهومات خاصة، تتنافي مع وجودهما أو متبنياتهما السياسية، مثل النص علي علي (عليه السلام)،أو الطعن بهما. أمّا بالنسبة إلي السبب الأوّل، فنلاحظ عدة اُمور: 1 _ إنّ قيام الشيخين بذلك يعني في الحقيقة نسف القاعدة التي يقوم عليها الحكم حينذاك، حيث إنّه يقوم علي أساس الخلافة لرسول الله (صلي الله عليه وآله)، والقيمومة علي الاُمة الإسلامية، وليس من المعقول أن يقدما علي تحريف القرآن، ويعملا علي معاداة الإسلام، دون تحقيق أيّ مكسب دينيّ أو دنيوي، وهل يعني ذلك إلا فتح الطريق أمام المعارضة التي كانت موجودة، لتشنّ هجوماً مركّزاً يملك أقوي الأسلحة التي يمكن استخدامها حينذاك؟! 2 _ إنّ الاُمة الإسلامية كانت تشكّل حينذاك ضمانة اجتماعية وسياسية قوية، تمنع قيام أحد من الناس مهما يمتلك من قدرة وقوة بمثل هذا العمل المضاد للإسلام، دون أن يكون لهذا العمل رد فعل قوي في صفوفها، لأن المسلمين كانوا ينظرون إلي القرآن الكريم علي أنّه شيء مقدس

غاية التقديس، وأنّه كلام الله سبحانه الذي لا يقبل أيّ تغيير أو تبديل، حتّي من قبل الرسول (صلي الله عليه وآله) نفسه، كما أكّد ذلك القرآن الكريم [43] كما أنّهم ناضلوا وجاهدوا في سبيل مفاهيم القرآن وآياته وأحكامه، التي كانت تعايش حركتهم لمدة ثلاثة وعشرين عاماً، وضحوا بأنفسهم من أجل هذا الدين الجديد، الذي كان يشكّل التصرّف في القرآن _ في نظرهم _ خروجاً عنه وارتداداً عن الإلتزام به. 3 _ إنّ الحكم في عهد الشيخين، لم يسلم من وجود المعارضة التي كانت ترفع أصواتها أحياناً من أجل خطأ يقع فيه الخليفة في تطبيق بعض الأحكام، ومع هذا لا نجد في التأريخ أيّة إشارة إلي الاحتجاج أو ما يشبه الاحتجاج، علي ما يشير إلي وقوع هذه الفرضية، فكيف يمكن أن تسكت المعارضة في كلامها وأقوالها زمن الشيخين أو بعدهم عن كل ذلك لو انّه كان قد حصل؟! ومن هنا يتضح موقفنا من السبب الثاني: فأوّلاً: إنّ وعي الاُمة ونظرتها المقدسة للكتاب _ وصلته بالله بشكل لا يقبل التغيير _ لا يسمح بوقوع مثل هذا العمل مطلقاً. ثانياً: إنّ المعارضة لا يمكن أن تترك هذه الفرصة تمر دون أن تستغلها في صراعها مع الخليفة، مع انّنا لا نجد إشارة إلي ذلك في كلامهم. ثالثاً: إنّ هناك نصوصاً سياسية واسعة تضمّنت ملاحظات حول تصرفات الخليفة أبي بكر وعمر _ مثل المناقشة السياسية التي شنّتها الزهراء (عليها السلام)، ومن بعدها أمير المؤمنين (عليه السلام) وجماعته المؤمنون بإمامته _ لم تتناول أيّ نص قرآني غير مدوّن في القرآن الكريم الموجود بين أيدينا، ولو كان مثل هذا النص موجوداً في القرآن، لكان من الطبيعي أن يستعملوه أداة لكسب المعركة إلي

جانبهم، وإظهار الحق الذي ناضلوا من أجله.

وقوع التحريف في عهد عثمان

فهي تبدو أكثر استحالة وبعداً عن الحقيقة التأريخية من سابقتيها، وذلك للأسباب الآتية: أولاً: إنّ الإسلام _ وإلي جنبه القرآن الكريم _ كان قد أصبح منتشراً بشكل كبير بين الناس وفي آفاق مختلفة، وقد مرَّ علي المسلمين زمن كبير يتداولونه أو يتدارسونه، فلم يكن في ميسور عثمان _ لو أراد أن يفعل ذلك _ أن ينقص منه شيئاً، بل ولم يكن ذلك في ميسور من هو أعظم شأناً من عثمان، وقد اعترض المسلمون بالفعل علي عثمان وقتلوه لأسباب مختلفة. ثانياً: إنّ النقص إمّا أن يكون في آيات لا مساس فيها بخلافة عثمان، وحينئذ فلا يوجد أيّ داع لعثمان أن يفتح ثغرة كبيرة في كيانه السياسي، وإمّا أن يكون في آيات تمسّ خلافة عثمان وإمامته السياسية، فقد كان من المفروض أن تؤثّر مثل هذه الآيات في خلافة عثمان نفسه، فتقطع الطريق عليه في الوصول إلي الخلافة. ثالثاً: إنّ الخليفة عثمان لو كان قد حرّف القرآن الكريم، لاتّخذ المسلمون ذلك أفضل وسيلة لتسويغ الثورة عليه وإقصائه عن الحكم أو قتله، مع أنّنا لا نجد في مسوغات الثورة علي عثمان شيئاً من هذا القبيل، ولِما كانوا في حاجة للتذرع في سبيل ذلك بوسائل وحجج اُخري ليست من الوضوح بهذا القدر. رابعاً: إنّ الخليفة عثمان لو كان قد ارتكب مثل هذا العمل لكان موقف الإمام علي (عليه السلام) تجاهه واضحاً، ولأصرّ علي إرجاع الحق إلي نصابه في هذا الشأن; فنحن حين نجد الإمام علياً (عليه السلام) يأبي إلاّ أن تُرجع الأموال التي أعطاها عثمان إلي بعض أقربائه وخاصته ويقول بشأن ذلك: «والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء

لرددته، فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق» [44] وكذلك نجد منه نفس الموقف الحازم مع ولاة عثمان المنحرفين، فلابد أن نجزم باستحالة سكوته عن مثل هذا الأمر العظيم علي فرض وقوعه.

وقوع التحريف في عهد الامويين

ومن المناقشة التفصيلية للحالات الثلاث السابقة، يتضح موقفنا من الحالة الرابعة; فإن الحجّاج بن يوسف الثقفي، أو غيره من الولاة لا يمكن أن نتصوّر فيهم القدرة علي تحريف القرآن الكريم، بعد أن عمَّ شرق الأرض وغربها. كما لا نجد المسوّغ الذي يدعو الحجّاج أو الاُمويين إلي مثل هذا العمل، الذي يحمل في طيّاته الخطر العظيم علي مصالحهم ويقضي علي آمالهم [45] .

النتيجة

وهكذا يتّضح لدينا عدم إمكان تسرّب التحريف إلي النص القرآني، في أيّ واحد من الأزمنة الغابرة منذ صدور النصّ القرآني، وحتي العصر الحاضر، فلا حاجة إلي لزوم إثبات عدم التحريف، بعد إتّضاح عدم إمكان تحقّق التحريف في الواقع التاريخي والاجتماعي بين المسلمين. ومنه يتّضح أن الروايات الموجودة التي يتشبّث بها البعض لإثارة الشبهة هي روايات ليست ذات قدرة علمية علي الإثبات ما دمنا قد عرفنا عدم إمكان تحقّقه. ومن هنا أعرض علماء الفريقين عن هذه الروايات وصرّحوا بآرائهم القاطعة بسلامة القرآن من أيّ نقصان وزيادة. وإليك جملة من هذه التصريحات التي صدرت من أكابر علماء الإمامية علي مدي القرون حتي عصرنا هذا في البحث التالي.

تصريحات علماء المسلمين بسلامة القرآن من التحريف

صرّح علماء المسلمين بشكل عام وعلماء الشيعة بشكل خاص عبر القرون كلّها بسلامة النصّ القرآني من التحريف، لكن مَن يتّهم الشيعة بالقول بالتحريف يهمل هذه التصريحات المهمّة التي تكشف عن الموقف الموضوعي للمذهب الإمامي بشكل واضح. وإليك نماذج من هذه التصريحات عبر القرون التالية حتي عصرنا هذا: 1 _ شيخ المحدثين أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الصدوق _ المتوفّي سنة 381 ه_ _ قال في رسالته التي وضعها لبيان معتقدات الشيعة الإمامية: «اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالي علي نبيّه (صلي الله عليه وآله) هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك وعدد سوره علي المعروف (114) سورة. ثمّ قال: ومن نسب إلينا أنّا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كذّاب» [46] . 2 _ الشيخ محمد بن محمد بن النعمان، الملقّب بالمفيد _ المتوفّي سنة 413 ه_ _ قال: «وقد قال جماعة من أهل الإمامة، إنه لم ينقص من كلمة،

ولا من آية، ولا من سورة، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين (عليه السلام) من تأويله، وتفسير معانيه علي حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالي الذي هو القرآن المعجز. وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعي نقصان كلم من نفس القرآن علي الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل والله اسأل توفيقه للصواب» [47] . 3 _ الشريف المرتضي علي بن الحسين الموسوي، الملقّب بعلم الهدي _ المتوفّي سنة 436 ه_ _ قال:«إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان، والحوادث الكبار، والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت علي نقله وحراسته، وبلغت إلي حدٍّ لم يبلغه في ما ذكرناه، لأنّ القرآن معجزة النبوّة، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية، حتّي عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيِّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟!». وقال: «إنّ العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته، وجري ذلك مجري ما علم ضرورةً من الكتب المصنّفة ككتابي سيبويه والمزني، فإنّ أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها، حتّي لو أنّ مدخلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً في النحو ليس من الكتاب لعُرِف ومُيّز، وعلم أنّه ملحق وليس في أصل الكتاب، وكذلك القول في كتاب المزني، ومعلوم أنّ العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء». وقال: «إنّ القرآن كان علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) مجموعاً مؤلّفاً علي ما هو عليه الآن...». «واستدلّ علي ذلك بأن

القرآن كان يُدرّس ويُحفظ جميعه في ذلك الزمان، حتّي عيّن علي جماعة من الصحابة في حفظهم له، وأنّه كان يعرض علي النبي (صلي الله عليه وآله) ويُتلا عليه، وأنّ جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود واُبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن علي النبي (صلي الله عليه وآله) وسلّم عدّة ختمات». «كل ذلك يدلّ بأدني تأمّل علي أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوث». «وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتدّ بخلافهم، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلي قوم من أصحاب الحديث، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنوا بصحّتها، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع علي صحّته» [48] . ولقد عرف واشتهر هذا الرأي عن الشريف المرتضي حتّي ذكر ذلك عنه كبار علماء أهل السُنّة، وأضافوا أنّه كان يُكفّر من قال بتحريف القرآن، فقد نقل ابن حجر العسقلاني عن ابن حزم قوله فيه: «كان من كبار المعتزلة الدعاة، وكان إمامياً، لكنّه يكفّر من عزم أنّ القرآن بُدلّ أو زيد فيه، أو نقص منه، وكذا كان صاحباه أبو القاسم الرازي وأبو يعلي الطوسي» [49] . 4 _ الشيخ محمد بن الحسن أبو جعفر الطوسي، الملقّب بشيخ الطائفة _ المتوفّي سنة 460 ه_ _ قال في مقدمة تفسيره: «والمقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون أغراضه، وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً، لأن الزيادة فيه مجمع علي بطلانها، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضي _ رحمه الله تعالي _ وهو الظاهر من الروايات. غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء

منه من موضع إلي موضع، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً، والأولي الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأنّه يمكن تأويلها، ولو صحّت لما كان ذلك طعناً علي ما هو موجود بين الدفّتين، فإنّ ذلك معلوم صحّته لا يعترضه أحد من الاُمّة ولا يدفعه» [50] . 5 _ الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي، الملقّب بأمين الإسلام _ المتوفّي سنة 548 ه_ _ قال ما نصّه: «... ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه، فإنّه لا يليق بالتفسير، فأمّا الزيادة فجمع علي بطلانها، وأمّا النقصان منه فقد روي جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة: إنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً... والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضي _ قدّس الله روحه _ واستوفي الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات» [51] . 6 _ السيد أبو القاسم علي بن طاووس الحلّي _ المتوفي سنة 664 ه_ _ فقد نصّ علي أن القرآن مصون من الزيادة والنقصان، كما يقتضيه العقل والشرع [52] . واستنكر ما روي العامة عن عثمان وعائشة، من أن في القرآن لحناً وخطأً، قائلاً: «ألا تعجب من قوم يتركون مثل علي بن أبي طالب، أفصح العرب بعد صاحب النبوّة وأعلمهم بالقرآن والسنّة ويسألون عائشة؟ أما يفهم أهل البصائر أنّ هذا لمجرد الحسد، أو لغرض يبعد من صواب الموارد والمصادر... ولو ظفر اليهود والزنادقة بمسلم يعتقد في القرآن لحناً جعلوه حجة» [53] . 7 _ العلاّمة الحلّي _ المتوفي سنة 726 ه_ _ وممّا قاله في بعض أجوبته حيث سئل: «ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز هل يصح عند أصحابنا أنّه نقص منه شيء أو زيد فيه أو غيّر

ترتيبه أم لم يصح عندهم شيء من ذلك؟ «الحق أنه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه، وأنّه لم يزد ولم ينقص، ونعوذ بالله تعالي من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك، فإنّه يوجب التطرق إلي معجزة الرسول عليه وآله السلام المنقولة بالتواتر» [54] . 8 _ الشيخ زين الدين البياضي العاملي _ المتوفي سنة 877 ه_ _ قال: «علم بالضرورة تواتر القرآن بجملته وتفاصيله، وكان التشديد في حفظه أتمّ، حتّي نازعوا في أسماء السور والتفسيرات. وانّما اشتغل الأكثر عن حفظه بالتفكّر في معانيه وأحكامه، ولو زيد فيه أو نقص لعلمه كلّ عاقل وإن لم يحفظه، لمخالفة فصاحته واُسلوبه» [55] . 9 _ وألّف الشيخ علي بن عبدالعالي الكركي العاملي، الملقّب بالمحقق الثاني _ المتوفي سنة 940 ه_ _ رسالة في نفي النقيصة في القرآن الكريم. وأجاب عن الأخبار التي تتضمن وجود النقص قائلاً: «بأنّ الحديث إذا جاء علي خلاف الدليل والسُنّة المتواترة أو الإجماع، ولم يمكن تأويله ولا حمله علي بعض الوجوه، وجب طرحه» [56] . 10 _ وبه صرّح الشيخ فتح الله الكاشاني _ المتوفّي سنة 988 ه_ _ في مقدمة تفسيره منهج الصادقين، وفي تفسير الآية المباركة (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون). 11 _ وهو صريح السيد نور الله التستري، المعروف بالقاضي الشهيد _ المستشهد سنة 1019 ه_ _ في كتابه مصائب النواصب في الإمامة والكلام، حيث قال: «ما نسب إلي الشيعة الإمامية من القول بوقوع التغيير في القرآن ليس ممّا قال به جمهور الإمامية، إنّما قال به شرذمة قليلة منهم، لا اعتداد بهم فيما بينهم». [57] . 12 _ الشيخ محمد بن الحسين، الشهير ببهاء الدين العاملي _ المتوفّي

سنة 1030 ه_ _ قال: «الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك، زيادة كان أو نقصاناً، ويدلّ عليه قوله تعالي: (وإنّا له لحافظون). وما اشتهر بين الناس من اسقاط اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) منه في بعض المواضع مثل قوله تعالي: (يا أيها الرّسول بلّغ ما اُنزل إليك _ في علي)، وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء» [58] . 13 _ الشيخ محمد محسن الشهير بالفيض الكاشاني _ المتوفي سنة 1019 ه_ _ قال: «فلو تطرّق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد علي شيء منه، إذ علي هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة، وتكون علي خلاف ما أنزله الله، فلا يكون القرآن حجّة لنا، وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به، وعرض الأخبار المتعارضة عليه. ثم استشهد _ رحمه الله تعالي _ بكلام الشيخ الصدوق المتقدّم، وبعض الأخبار [59] . وقال في تفسير قوله تعالي: (وإنا له لحافظون): «من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان» [60] . 14 _ الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي _ المتوفي سنة 1104 _ قال: «إنّ من تتبّع الأخبار وتفحّص التواريخ والآثار علم _ علماً قطعياً _ بأنّ القرآن قد بلغ أعلي درجات التواتر، وأنّ آلاف الصحابة كانوا يحفظونه ويتلونه، وأنّه كان علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) مجموعاً مؤلفاً» [61] . 15 _ العلاّمة محمد باقر المجلسي _ المتوفّي سنة 1111 ه_ _ قال: «غير أن الخبر قد صحّ عن أئمتنا (عليهم السلام) أنّهم أمروا بقراءة ما بين الدفّتين وأن لا نتعدّاه بلا زيادة فيه ولا نقصان منه.. وإنّما نهونا (عليهم السلام) عن قراءة ما وردت به الأخبار من أحرف يزيد

علي الثابت في المصحف، لأنّه لم يأت علي التواتر وإنّما جاء بالآحاد، وقد يغلط الواحد فيما ينقله» [62] . 16 _ السيد محمد مهدي الطباطبائي، الملقّب ببحر العلوم _ المتوفّي سنة 1212 ه_ _ قال ما نصّه: «الكتاب هو القرآن الكريم والفرقان العظيم والضياء والنور والمعجز الباقي علي مرّ الدهور، وهو الحقّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من لدن حكيم حميد، أنزله بلسان عربيّ مبين هدي للمتقين وبياناً للعالمين... ثم ذكر روايتي: القرآن أربعة أرباع، و: القرآن ثلاث أثلاث، ثم قال: والوجه حمل الأثلاث والأرباع علي مطلق الأقسام والأنواع وإن اختلف في المقدار...» [63] . 17 _ الشيخ الأكبر الشيخ جعفر، المعروف بكاشف الغطاء _ المتوفّي سنة 1228 ه_ _ قال ما نصّه: «لا ريب في أنّ القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديّان، كما دلّ عليه صريح الفرقان وإجماع العلماء في جميع الأزمان، ولا عبرة بالنادر، ما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها، ولا سيّ_ما ما فيه نقص ثلث القرآن أو كثير منه، فإنّه لو كان كذلك لتواتر نقله، لتوفر الدواعي عليه، ولاتّخذه غير أهل الإسلام من أعظم المطاعن علي الإسلام وأهله، ثم كيف يكون ذلك وكانوا شديدي المحافظة علي ضبط آياته وحروفه؟!... فلابد من تأويله بأحد وجوه» [64] . 18 _ السيد محسن الأعرجي الكاظمي _ المتوفّي سنة 1228 ه_ _ قال ما ملخّصه: أنّ القوم إنّما ردّوا مصحف علي (عليه السلام) لما اشتمل عليه من التأويل والتفسير، وقد كان عادة منهم أن يكتبوا التأويل مع التنزيل، والذي يدلّ علي ذلك قوله (عليه السلام) في جواب الثاني: «ولقد جئت بالكتاب كملاً مشتملاً علي التأويل

والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ». فإنّه صريح في أنّ الذي جاءهم به ليس تنزيلاً كلّه [65] . 19 _ السيد محمد الطباطبائي _ المتوفّي سنة 1242 ه_ _ قال ما ملخّصه: «لا خلاف أنّ كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه، وأمّا في محلّه ووضعه وترتيبه، فكذلك عند محقّقي أهل السُنّة، للقطع بأنّ العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله، لأنّ هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم والصراط المستقيم م_مّا توفّرت الدواعي علي نقل جمله وتفاصيله، فما نقل آحاداً ولم يتواتر يُقطع بأنّه ليس من القرآن قطعاً» [66] . 20 _ الإمام روح الله الموسوي الخميني _ المتوفّي سنة 1409 ه_ _ قال: «إنّ الواقف علي عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه، قراءةً وكتابةً، يقف علي بطلان تلك الروايات المزعومة. وما ورد فيها من أخبار _ حسبما تمسّكوا به _ إمّا ضعيف لا يصلح للاستدلال به، أو موضوع تلوح عليه إمارات الوضع، أو غريب يقضي بالعجب، أمّا الصحيح منها فيرمي الي مسألة التأويل والتفسير، وأن التحريف إنّما حصل في ذلك، لا في لفظه وعباراته. وتفصيل ذلك يحتاج إلي تأليف كتاب حافل ببيان تاريخ القرآن والمراحل التي قضاها طيلة قرون، ويتلخص في أن الكتاب العزيز هو عين ما بين الدفّتين، لا زيادة ولا نقصان، وأن الاختلاف في القراءات أمر حادث، ناشئ عن اختلاف الاجتهادات، من غير أن يمسّ جانب الوحي الذي نزل به الروح الأمين علي قلب سيد المرسلين» [67] . 21 _ السيد أبو القاسم الخوئي _ المتوفّي 1413 ه_ _ قال: «إن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لا يقول به إلاّ من ضعف عقله، أو من لم

يتأمل في أطرافه حق التأمل، أو من ألجأه إليه حبُّ القول به. والحب يعمي ويصم، وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته» [68] . 22 _ الشيخ لطف الله الصافي الگلپايگاني دام ظلّه. قال: «فالقرآن الموجود بين الدّفتين هو كتاب دين الفريقين وهو أصلهم الأوّل الّذي تأتي بعده السنّة المشروط صحة الاعتماد عليها بأن لا تكون مخالفة للقرآن، وهذا الأمر يحتج به الجميع في الاُصول والفروع وفي خلافاتهم ويعتمدون عليه وعلي السنّة. فكلّ الاُمة _ شيعة وسنّة _ يتمسّكون بجميع محكماته، وفي متشابهاته أيضاً يقولون: آمنّا به كل من عند ربّنا» [69] .

اسباب نشوء شبهة التحريف و إشاعتها

من الواضح أن إثارة هذه الشبهة من قبل أعداء الإسلام القدامي منهم والمحدثين تستهدف ما يلي: 1 _ إدانة أهم دليل علي حقّانية الإسلام وخلوده. 2 _ إسقاط أهم مصدر للتشريع من الحجّية وسلب الثقة به. 3 _ زعزعة ثقة المسلمين بكتابهم ورمز وحدتهم وأصالتهم، إن لم يستطيعوا كسبهم نحو دينهم الذي أثبت القرآن تحريفهم للكتب السماوية السابقة. 4 _ إيجاد الفرقة بين المسلمين، حيث يتّهم بعضهم البعض الآخر بأنه يعتقد بتحريف القرآن. 5 _ تربية ذهنية الإنسان المسلم وترويضها علي أن تتقبّل المنهج العلماني الذي يتناول النصوص القطعية المقدّسة عندنا بذهنية مشكّكة. 6 _ كما لا يبعد أن تكون هذه الإثارة ردّة فعل من قبل اليهود والنصاري الذين أدان القرآن سلوكهم تجاه كتبهم (التوراة والإنجيل) حيث حرّفوهما، وحين يشكك في سلامة النص القرآني لم يتميّز الإسلام وكتاب الإسلام عن الديانتين اليهودية والمسيحية من هذه الجهة.. قال تعالي: (ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردّونكم من بعد إيمانكم كفّاراً حسداً من عند أنفسهم) [70] .

الموقف الموضوعي من روايات التحريف

الموقف من روايات التحريف في مصادر أهل السنة

اشاره

نذكر هنا نماذج من الروايات الموجودة في كتب أهل السُنّة، ونبيّن ما ورد في تأويلها، وما قيل في بطلانها وإنكارها، وعلي هذه النماذج يقاس ما سواها، وهي علي أقسام: القسم الأ وّل: الروايات التي ذكرت سوراً أو آيات زُعِم أنّها كانت من القرآن وحُذِفت منه، أو زعم البعض نسخ تلاوتها، أو أكلها الداجن، نذكر منها: الاُولي: أنّ سورة الأحزاب تعدل سورة البقرة: 1 _ رُوي عن عائشة: «أنّ سورة الأحزاب كانت تُقرأ في زمان النبي (صلي الله عليه وآله) في مائتي آية، فلم نقدر منها إلاّ علي ما هو الآن» [71] وفي لفظ الراغب: «مائة آية» [72] . 2

_ ورُوي عن عمر واُبي بن كعب وعكرمة مولي ابن عباس: «أنّ سورة الأحزاب كانت تقارب سورة البقرة، أو هي أطول منها، وفيها كانت آية الرجم» [73] . وقد حمل ابن الصلاح المدّعي زيادته علي التفسير، وحمله السيوطي وابن حزم علي نسخ التلاوة، والمتأمّل لهذه الروايات يلاحظ وجود اختلاف فاحش بينها في مقدار ما كانت عليه سورة الأحزاب، الأمر الذي يشير إلي عدم صحّة هذه النصوص وبطلانها، أمّا آية الرجم الواردة في الحديث الثاني فستأتي في القسم الرابع من هذه الطائفة. الثانية: لو كان لابن آدم واديان... رُوي عن أبي موسي الأشعري، أنّه قال لقُ_رّاء البصرة: «كنّا نقرأ سورة نُشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها، غير أنّي حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغي وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب» [74] . وقد حمل ابن الصلاح هذا الحديث علي السُنّة، قال: «إنّ هذا معروف في حديث النبي (صلي الله عليه وآله) علي أنّه من كلام الرسول، لا يحكيه عن ربِّ العالمين في القرآن، ويؤيّده حديث روي عن العباس ابن سهل، قال: سمعت ابن الزبير علي المنبر يقول: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «لو أنّ ابن آدم اُعطي واديان...» وعدّه الزبيدي الحديث الرابع والأربعين من الأحاديث المتواترة وقال: «رواه من الصحابة خمسة عشر نفساً» [75] رواه أحمد في (المسند) عن أبي واقد الليثي علي أنّه حديث قدسيّ [76] . أمّا إخبار أبي موسي بأنّه كان ثمّة سورة تشبه براءة في الشدّة والطول، فلو كانت لحصل العلم بها، ولما غفل عنها رسول الله (صلي الله عليه وآله) والصحابة وكُ_تّاب الوحي وحُ_فّاظه وقُ_رّاؤه. الثالثة: سورتا الخلع والحفد روي أنّ سورتي

الخلع والحفد، كانتا في مصحف ابن عباس واُبي بن كعب وابن مسعود، وأنّ عمر بن الخطاب قنت بهما في الصلاة، وأنّ أبا موسي الأشعري كان يقرأهما... وهما: 1 _ «اللّهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك». 2 _ «اللّهمّ إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعي ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشي عذابك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق» [77] . وقد حملهما الزرقاني والباقلاني والجزيري وغيرهم علي الدعاء، وقال صاحب الانتصار: «إنّ كلام القنوت المروي: أنّ اُبي بن كعب أثبته في مصحفه، لم تقم الحجّة بأنّه قرآن منزّل، بل هو ضرب من الدعاء، ولو كان قرآناً لنقل إلينا وحصل العلم بصحتّه» إلي أن قال: «ولم يصحّ ذلك عنه، وإنّما روي عنه أنّه أثبته في مصحفه، وقد أثبت في مصحفه ما ليس بقرآن من دعاء أو تأويل... الخ» [78] . وقد روي هذا الدعاء في الدر المنثور والإتقان والسنن الكبري والمصنّف وغيرها، من عديد من الروايات عن ابن الضرس والبيهقي ومحمد بن نصر، ولم يُصرّحوا بكونه قرآناً» [79] . الرابعة: آية الرجم روي بطرق متعدّدة أنّ عمر بن الخطاب، قال: «إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم.. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم. فإنّا قد قرأناها» [80] . وأخرج ابن أشته: في المصاحف عن الليث بن سعد، قال: «إنّ عمر أتي إلي زيد بآية الرجم، فلم يكتبها زيد لأنّه كان وحده» [81] . وقد حمل ابن حزم آية الرجم في المحلّي علي أنّها ممّا نسخ لفظه وبقي حكمه، وهو حملٌ باطلٌ، لأنّها لو كانت منسوخة التلاوة

لما جاء عمر ليكتبها في المصحف، وأنكر ابن ظفر في الينبوع عدّها ممّا نسخ تلاوة، وقال: «لأنّ خبر الواحد لا يُثبت القرآن» [82] . وحملها أبو جعفر النحاس علي السُنّة، وقال: «إسناد الحديث صحيح، إلاّ أنّه ليس حكمه حكم القرآن، الذي نقله الجماعة عن الجماعة، ولكنها سُنّة ثابتة، وقد يقول الإنسان: كنت أقرأ كذا لغير القرآن، والدليل علي هذا أنّه قال: لولا أنّي أكره أن يقال زاد عمر في القرآن لزدته» [83] . الخامسة: آية الجهاد رُوي أنّ عمر قال لعبدالرحمن بن عوف: «ألم تجد فيما اُنزل علينا: أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرة، فأنا لا أجدها؟ قال: اُسقطت فيما أسقط من القرآن» [84] . نقول: ألم يرووا في أحاديث جمع القرآن أنّ الآية تُكتب بشهادة شاهدين من الصحابة علي أنّها ممّا أنزل الله في كتابه؟ فما منع عمر وعبدالرحمن بن عوف من الشهادة علي أنّ الآية من القرآن وإثباتها فيه؟ فهذا دليل قاطع علي وضع هذه الرواية، وإلاّ كيف سقطت هذه الآية المدّعاة عن كُتّاب القرآن وحُفّاظه في طول البلاد وعرضها، ولم تبق إلاّ مع عمر وعبدالرحمن بن عوف؟ السادسة: آية رضاع الكبير عشراً رُوي عن عائشة أنّها قالت: «نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله (صلي الله عليه وآله) وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها» [85] . وظاهرٌ من هذه الرواية أنه لم يحفظ القرآن ولم يكتبه غير عائشة، وهو أمرٌ في غاية البُعد والغرابة، فأين سائر الصحابة والحُفّاظ والكتبة منهم؟! قال السرخسي: «حديث عائشة لا يكاد يصح، لأن بهذا لا ينعدم حفظه من القلوب، ولا يتعذّر عليهم به إثباته في صحيفة اُخري، فعرفنا أنّه

لا أصل لهذا الحديث» [86] . أما بالنسبة لآية الرجم المذكورة في الحديث فقد تقدّم أنّه لا يصحّ اعتبارها قرآناً لكونها من أخبار الآحاد، وحكم الرجم من السنن الثابتة عن الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله). ثم إنّ هذا الحكم _ في رضاع الكبير عشراً _ قد انفردت به عائشة، وعارضها فيه سائر أزواج النبي (صلي الله عليه وآله)، ولم تأخذ واحدة منهنّ بقولها في ذلك، وأنكره أيضاً ابن مسعود علي أبي موسي الأشعري، وقال: «إنّما الرضاعة ما أنبت اللحم والدم» فرجع أبو موسي عن القول به [87] عن سائر الصحابة وكُ_تّاب الوحي منهم وحفّاظه وجمّاعه، واختصت به عائشة دونهم؟ ولو صحّ فهو رواية عن الرسول (صلي الله عليه وآله)، فاعتقدت عائشة كونها من القرآن فكتبتها، حيث روي عن البراء ابن عازب أنّه قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «إن الله وملائكته يصلون علي الصفوف الاُول» [88] ، وروي عن عائشة أنّها قالت: «قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): إن الله وملائكته يصلّون علي الذين يَصِلون الصفوف» [89] ، ولعلّه أيضاً ممّا يُكْتب في حاشية المصحف، حيث كانوا يسجّلون ما يرون له أهمية وشأناً في حاشية مصاحفهم الخاصّة. وأخيراً فإنّ الملاحظ علي كثير ممّا ادّعي أنّه من القرآن مخالفته لقواعد اللغة واُسلوب القرآن الكريم وبلاغته السامية، ممّا يدل علي أنّه ليس بكلام الخالق تعالي، وليست له طلاوته، ولا به حلاوته وعذوبته، وليست عليه بهجته، بل يتبرّأ من ركاكته وانحطاطه وتهافته المخلوقون، فكيف برب العالمين، وسموّ كتابه المبين؟! ومن أراد الاطلاع علي ما ذكرناه، فليراجع مقدمة (تفسير آلاء الرحمن) للشيخ البلاغي ففيه مزيد بيان. والملاحظ أيضاً أن قسماً منه هو من الأحاديث النبوية،

أو من السُنّة والأحكام التي ظنّوها قرآناً، كما روي أنّ قوله (صلي الله عليه وآله): «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» هو آية، ولا يشكّ أحد في أنّه حديث، والملاحظ أيضاً أنّ أغلبه روي بألفاظ متعدّدة وتعابير مختلفة، فلو كان قرآناً لتوحّدت ألفاظه.

اقسام النسخ والموقف من نسخ التلاوة

اشاره

قسّموا النسخ في الكتاب العزيز إلي ثلاثة أقسام: 1 _ نسخ الحكم دون التلاوة، وهذا هو القسم الذي نطق به محكم التنزيل، وهو المشهور بين العلماء والمفسرين، وهو أمر معقولٌ مقبولٌ، حيث إنّ الأحكام لم تنزل دفعة واحدة، بل نزلت تدريجياً لتألفها النفوس وتستسيغها العقول، فنسخت تلك الأحكام وبقيت ألفاظها لأسرار تربوية وتشريعية يعلمها الله تعالي. 2 _ نسخ التلاوة دون الحكم، وقد مثّلوا له بآية الرجم، فقالوا: إنّ هذه الآية كانت من القرآن ثمّ نسخت تلاوتها وبقي حكمها. 3 _ نسخ التلاوة والحكم معاً، وقد مثّلوا له بآية الرضاع. وقد تقدّم في ثنايا البحث السابق، أنّ البعض حمل قسماً من الروايات الدالة علي النقصان، علي أنّها آيات نسخت تلاوتها وبقيت أحكامها، أو نسخت تلاوةً وحكماً، وذلك تحاشياً من التسليم بها، الذي يفضي إلي القول بتحريف القرآن، وفراراً من ردّها وتكذيبها الذي يؤول إلي الطعن في الكتب الصحاح والمسانيد المعتبرة، أو الطعن في الأعيان الذين نُقلت عنهم، ولا شكّ أن القول بالضربين الأخيرين من النسخ هو عين القول بالتحريف، وهو باطل لما يلي: أ _ يستحيل عقلاً أن يرد النسخ علي اللفظ دون الحكم، لأنّ الحكم لا بدّ له من لفظ يدل عليه، فإذا رفع اللفظ فما هو الدليل الذي يدل عليه؟ فالحكم تابع للفظ، ولا يمكن أن يرفع الأصل ويبقي التابع. ب _ النسخ حكم، والحكم لابدّ أن يكون بالنصّ، ولا انفكاك

بينهما، ولا دليل علي نسخ النصوص التي حكتها الآثار المتقدّمة وسواها، إذ لم ينقل نسخها ولم يرد في حديث عن النبي (صلي الله عليه وآله) في واحد منها أنّها منسوخة، والواجب يقتضي أن يبلّغ الاُمّة بالنسخ، كما بلّغ بالنزول، وبما أنّ ذلك لم يحدث فالقول به باطل. ج _ الأخبار التي زعم نسخ تلاوتها أخبار آحاد، ولا تقوي دليلاً وبرهاناً علي حصوله، إذ صرحوا باتفاق العلماء أجمع علي عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد [90] ، ونسبه القطّان إلي الجمهور [91] ، وعلّله رحمة الله الهندي «بأنّ خبر الواحد إذا اقتضي عملاً ولم يوجد في الأدلّة القاطعة ما يدلّ عليه وجب ردّه» [92] ، بل إن الشافعي وأصحابه وأكثر أهل الظاهر، قد قطعوا بامتناع نسخ القرآن بالسنّة المتواترة، وبهذا صرّح أحمد بن حنبل في إحدي الروايتين عنه، بل من قال بإمكان نسخ الكتاب بالسنّة المتواترة منع وقوعه [93] ، لذا لا تصحّ دعوي نسخ التلاوة مع بقاء الحكم أو بدونه، حتّي لو ادّعي التواتر في أخبار النسخ، فضلاً عن كونها أخبار آحاد ضعيفة الإسناد واهية المتن كما تقدّم. د _ أنكر بعض المعتزلة وعامة علماء الإمامية وأعلامهم الضربين الأخيرين من النسخ واعتبروهما نفس القول بالتحريف، وكذا أنكرهما أغلب علماء ومحققي أهل السنّة المتقدمين منهم والمتأخرين، وحكي القاضي أبو بكر في الانتصار عن قوم إنكار الضرب الثاني منه [94] ، وأنكره أيضاً ابن ظفر في كتاب الينبوع [95] ، ونُقل عن أبي مسلم: «أنّ نسخ التلاوة ممنوع شرعاً» [96] .

بطلان نسخ التلاوة

وفيما يلي بعض أقوال محقّقي أهل السنّة في إبطال القول بنسخ التلاوة: 1 _ قال الخضري: «أنا لا أفهم معني لآية أنزلها الله تعالي لتفيد

حكماً ثم يرفعها مع بقاء حكمها، لأنّ القرآن يقصد منه إفادة الحكم والإعجاز معاً بنظمه، فما هي المصلحة في رفع آية مع بقاء حكمها؟ إنّ ذلك غير مفهوم، وقد أري أنّه ليس هناك ما يدعو إلي القول به» [97] . 2 _ وقال الدكتور صبحي الصالح: «أمّا الجرأة العجيبة ففي الضربين الثاني والثالث اللذين نسخت فيهما بزعمهم آيات معينة، إمّا مع نسخ أحكامها وإمّا دون نسخ أحكامها، والناظر في صنيعهم أضرب إنّما يصلح إذا كان لكلّ ضرب شواهد كثيرة أو كافية علي الأقل ليتيّسر استنباط قاعدة منها، وما لعشّاق النسخ إلاّ شاهد أو اثنان علي كلّ من هذين الضربين، وجميع ما ذكروه منها أخبار آحاد، ولا يجوز القطع علي إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها» [98] . 3 _ وقال الدكتور مصطفي زيد: «ومن ثمّ يبقي منسوخ التلاوة باقي الحكم مجرّد فرض لم يتحقّق في واقعة واحدة، ولهذا نرفضه، ونري أنّه غير معقول ولا مقبول» [99] . 4 _ وقال عبدالرحمن الجزيري: «إنّ الأخبار التي جاء فيها ذكركلمة (من كتاب الله) علي أنّها كانت فيه ونسخت في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) فهذه لا يُطلق عليها أنّها قرآن، ولا تُعطي حكم القرآن باتفاق، ثم ينظر إن كان يمكن تأويلها بما يخرجها عن كونها قرآناً، فإنّ الإخبار بها يعطي حكم الحديث، وإن لم يمكن تأويلها فالذي أعتقده أنّها لا تصلح للدلالة علي حكم شرعي، لأنّ دلالتها موقوفة علي ثبوت صيغتها. وصيغتها يصحّ نفيها باتفاق، فكيف يمكن الاستدلال بها؟! فالخير كلّ الخير في ترك مثل هذه الروايات» [100] . 5 _ وقال ابن الخطيب: «أمّا ما يدّعونه من نسخ تلاوة بعض الآيات مع

بقاء حكمها، فأمر لا يقبله إنسان يحترم نفسه، ويقدّر ما وهبه الله تعالي من نعمة العقل، إذ ما هي الحكمة من نسخ تلاوة آية مع بقاء حكمها؟ ما الحكمة من صدور قانون واجب التنفيذ ورفع ألفاظ هذا القانون مع بقاء العمل بأحكامه؟ ويستدلّون علي باطلهم هذا بإيراد آية من هذا النوع يدّعون نسخها، ويعلم الله تعالي أنّها ليست من القرآن، ولو كانت لما أغفلها الصحابة رضوان الله عليهم ولدونها السلف الصالح في مصاحفهم [101] .

الروايات الدالة علي الخطأ واللحن والتغيير

1 _ روي عن عثمان أنّه قال: «إنّ في المصحف لحناً، وستقيّمه، العرب بألسنتها. فقيل له: ألا تغيره؟ فقال: دعوه، فإنّه لا يحلّ حراماً، ولا يحرّم حلالاً» [102] . حمل ابن أشتة اللحن الوارد في الحديث علي الخطأ في إختيار ما هو أولي من الأحرف السبعة، وعلي أشياء خالف لفظُها رَسْمها، وهذا الحمل غير مستقيم، والأولي منه هو ترك الرواية وتكذيبها وإنكارها، كما فعل الداني والرازي والنيسابوري وابن الأنباري والآلوسي والسخاوي والخازن والباقلاني وجماعة آخرون [103] ، حيث صرّحوا أن هذه الرواية لا يصحّ بها دليل ولا تقوم بمثلها حجّة، لأن إسنادها ضعيف، وفيه اضطراب وانقطاع وتخليط، ولأن المصحف منقول بالتواتر عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) فلا يمكن ثبوت اللحن فيه، ثم إن ما بين الدفّتين هو كلام الله بإجماع المسلمين، ولا يجوز أن يكون كلام الله لحناً وغلطاً، وقد ذهب عامّة الصحابة وسائر علماء الاُمّة من بعدهم إلي أنّه لفظ صحيح ليس فيه أدني خطأ من كاتب ولا من غيره، واستدلّوا أيضاً علي إنكار هذه الرواية بقولهم: إنّ عثمان جعل للناس إماماً، فكيف يري فيه لحناً ويتركه لتقيّمه العرب بألسنتها، أو يؤخّر شيئاً فاسداً ليصلحه غيره؟!

وإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيّموا ذلك _ وهم الخيار وأهل اللغة والفصاحة والقدرة علي ذلك _ فكيف يتركون في كتاب الله لحناً يصلحه غيرهم! ثمّ إن عثمان لم يكتب مصحفاً واحداً بل كتب عدة مصاحف، فلم تأتِ المصاحف مختلفة قطّ، إلاّ فيما هو من وجوه القراءات والتلاوة دون الرسم، وليس ذلك باللحن» [104] . والذي يهوّن الخطب في هذه الرواية ومثيلاتها الآتية، أنّها برواية عكرمة مولي ابن عبّاس، وكان من أعلام الضلال ودعاة السوء، وكان يري رأي الخوارج، ويضرب به المثل في الكذب والافتراء، حتّي قدح به الأكابر وكذّبوه، أمثال ابن عمر ومجاهد وعطاء وابن سيرين ومالك بن أنس والشافعي وسعيد بن المسيّب ويحيي بن سعيد، وحرّم مالك الرواية عنه، وأعرض عنه مسلم [105] . 2 _ روي عن ابن عباس في قوله تعالي: (حتّي تستأنسوا وتسلّموا) [106] قال: «إنّما هو (حتّي تستأذنوا)، وأنّ الأ وّل خطأٌ من الكاتب [107] ، والمراد بالاستئناس هنا الاستعلام، أي حتّي تستعلموا مَن في البيت، فهذه الرواية مكذوبة علي ابن عباس ولا تصحّ عنه، لأن مصاحف الإسلام كلّها قد ثبت فيها (حتّي تستأنسوا) وصحّ الإجماع فيها منذ عهد الرسول (صلي الله عليه وآله) وإلي الآن، فلا يعوّل علي مثل هذه الرواية، قال الرازي: «إعلم أنّ هذا القول من ابن عبّاس فيه نظر، لأنّه يقتضي الطعن في القرآن الذي نُقل بالتواتر، ويقتضي صحّة القرآن الذي لم يُنقل بالتواتر، وفتح هذين البابين يطرق الشكّ في كل القرآن، وانّه باطل» [108] . وقال أبو حيان: «من روي عن ابن عبّاس أنّ قوله تعالي: (حتّي تستأنسوا) خطأ أو وهمٌ من الكاتب، وأنّه قرأ (حتّي تستأذنوا) فهو كافرٌ في الإسلام مُلحد

في الدين، وابن عباس بريءٌ من هذا القول [109] . 3 _ روي عروة بن الزبير عن عائشة: أنّه سألها عن قوله تعالي: (لكن الراسخون في العلم) [110] ثم قال: (والمقيمين)، وفي المائدة: (إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون) [111] ، و (إن هذان لساحران) [112] فقالت: يابن أخي، هذا عمل الكُتّاب، أخطأوا في الكتاب [113] . أمّا قوله تعالي: (والمقيمين) فانّه علي العطف يكون (والميقمون) كما في قراءة الحسن ومالك بن دينار، والذي في المصاحف وقراءة اُبيّ والجمهور (والمقيمين) قال سيبويه: «نُصِب علي المدح، أي وأعني المقيمين» وذكر له شواهد وأمثلة من كلام العرب [114] . قال الآلوسي: «ولا يُلتفت إلي من زعم أنّ هذا من لحن القرآن، وأنّ الصواب (والمقيمون) بالواو، إذ لا كلام في نقل النظم متواتراً، فلا يجوز اللحن فيه أصلاً» [115] . وأمّا قوله تعالي: (والصابئون) بالرفع فهو معطوفٌ علي محلّ اسم إنّ. قال الفراء: «ويجوز ذلك إذا كان الاسم ممّا لم يتبيّن فيه الإعراب، كالمضمر والموصول، ومنه قول الشاعر: فمن يكُ أمسي بالمدينة رحله فإنّي وقيارٌ بها لغريبُ برفع (قيار) عطفاً علي محلّ ياء المتكلّم» [116] وقد أجاز الكوفيون والبصريون الرفع في الآية واستدلّوا بنظائر من كلام العرب. وقال صاحب المنار: «قد تجرّأ بعض أعداء الإسلام علي دعوي وجود الغلط النحوي في القرآن، وعدّ رفع (الصابئين) هنا من هذا الغلط، وهذا جمعٌ بين السخف والجهل، وإنّما جاءت هذه الجرأة من الظاهر المتبادر من قواعد النحو، مع جهل أو تجاهل أنّ النحو استنبط من اللغة، ولم تستنبط اللغة منه» [117] . وأمّا قوله تعالي: (إن هذان لساحران) فإنّ القراءة التي عليها جمهور المسلمين هي تخفيف «إن» المكسورة الهمزة، فتكون مخففةٌ

من الثقيلة غير عاملة، ورفع (هذان). قال الزمخشري: «إن هذان لساحران علي قولك: إنّ زيد لمنطلق، واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة» [118] ، وعليه فلا إشكال في هذه الآية، ولا لحن من الكُ_تّاب! قال الرازي: «لما كان ثقل هذه القراءة في الشهرة كنقل جميع القرآن، فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن، وذلك يفضي إلي القدح في التواتر، وإلي القدح في كلِّ القرآن، وانّه باطل» [119] .

الروايات الدالة علي الزيادة

1 _ روي عن عبدالرحمن بن يزيد،أنّه قال: «كان عبدالله بن مسعود يحكّ المعوذتين من مصحفه، ويقول: إنّهما ليستا من كتاب الله» [120] . 2 _ وروي عن عبدالله بن مسعود، أنّه لم يكتب الفاتحة في مصحفه، وكذلك اُبي بن كعب [121] . تقدّم في معني التحريف أنّ التحريف بالزيادة في القرآن مجمعٌ علي بطلانه، لأنّه يفضي إلي التشكيك في كتاب الله المتواتر يقيناً كلمةً كلمة وحرفاً حرفاً، ومن ينكر شيئاً من القرآن فإنّه يخرج عن الدين، والنقل عن ابن مسعود غير صحيح، ومخالفٌ لما أجمع عليه المسلمون، منذ عهد الرسالة وإلي اليوم، من أنّ الفاتحة والمعوذتين من القرآن العزيز. والرأي السائد بين العلماء في هاتين الروايتين، هو إنكار نسبتهما إلي ابن مسعود، وقالوا: «إنّ النقل عنه باطل ومكذوب عليه» كما صرّح به الرازي وابن حزم والنووي والقاضي أبو بكر والباقلاني وابن عبدالشكور وابن المرتضي وغيرهم [122] ، وقال الباقلاني: «إنّ الرواية شاذّة ومولدّة» [123] . واستدلّوا علي الوضع في هاتين الروايتين، بما روي من قراءة عاصم عن زرّ بن حبيش عن عبدالله بن مسعود، وفيها الفاتحة والمعوّذتان، فلو كان ينكر كون هذه السور من القرآن، لما قرأهما لزر بن حبيش، وطريق

القراءة صحيح عند العلماء [124] . وقيل: إنّ ابن مسعود أسقط المعوذتين من مصحفه إنكاراً لكتابتهما، لا جحداً لكونها قرآناً يُتلي، أو لأنّه سمع النبي (صلي الله عليه وآله) يعوّذ بهما الحسن والحسين (عليهما السلام) فظنّ أنّهما ليستا من القرآن، فلمّا تبيّن له قرآنيتهما بعدُ وتمَّ التواتر، وانعقد الإجماع علي ذلك، كان في مقدمة من آمن بأنّهما من القرآن فقرأهما لزرّ بن حبيش، وأخذهما عاصم عن زرّ [125] .

الموقف من روايات التحريف في المصادر الشيعية

سنورد هنا شطراً من الروايات الموجودة في كتب الشيعة الإمامية، والتي ادّعي البعض ظهورها في النقصان أو دلالتها عليه، ونبيّن ما ورد في تأويلها وعدم صلاحيتها للدلالة علي النقصان، وما قيل في بطلانها وردّها، وعلي هذه النماذج يقاس ما سواها، وهي علي طوائف: الطائفة الاُولي: الروايات التي ورد فيها لفظ التحريف، ومنها: 1 _ ما رُوي في الكافي بالإسناد عن علي بن سويد، قال: كتبتُ إلي أبي الحسن موسي (عليه السلام) وهو في الحبس كتاباً... وذكر جوابه (عليه السلام)، إلي أن قال: «اُؤتمنوا علي كتاب الله، فحرّفوه وبدّلوه» [126] . 2 _ ما رواه ابن شهر آشوب في المناقب من خطبة أبي عبدالله الحسين الشهيد (عليه السلام) في يوم عاشوراء وفيها: «إنّما أنتم من طواغيت الاُمّة، وشذّاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرّفي الكتاب» [127] . فمن الواضح أنّ المراد بالتحريف هنا حمل الآيات علي غير معانيها، وتحويلها عن مقاصدها الأصلية بضروب من التأويلات الباطلة والوجوه الفاسدة دون دليل قاطع، أو حجة واضحة، أو برهان ساطع، ومكاتبة الإمام (عليه السلام) لسعد الخير صريحة في الدلالة علي أنّ المراد بالتحريف هنا التأويل الباطل والتلاعب بالمعاني، قال (عليه السلام): «وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا

حروفه، وحرّفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه...» [128] أي إنّهم حافظوا علي ألفاظه وعباراته، لكنهم أساءوا التأويل في معاني آياته. الطائفة الثانية: الروايات الدالّة علي أنّ بعض الآيات المنُزّلة قد ذُكِرت فيها أسماء الأئمة (عليهم السلام)، ومنها: 1 _ ما رُوي في الكافي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: «نزل جبرئيل بهذه الآية علي محمد (صلي الله عليه وآله) هكذا: (وإن كُنتم في ريب ممّا نزَّلنا عَلَي عَبْدِنا _ في عليّ _ فأتُوا بسُورة مِن مِثْلِهِ) [129] [130] . 2 _ ما رُوي في الكافي عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله تعالي: (ومَن يُطِع الله ورَسُولهُ _ في ولاية عليّ والأئمة من بعده _ فَقد فازَ فوزاً عظيماً) [131] هكذا نزلت [132] . 3 _ ما رُوي في الكافي عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام): (ولو انّهم فعلوا ما يُوعظون به _ في عليّ _ لكان خيراً) [133] . ويكفي في سقوط هذه الروايات عن درجة الاعتبار نصّ العلاّمة المجلسي في مرآة العقول علي تضعيفها، ويغنينا عن النظر في أسانيدها واحداً واحداً اعتراف المحدّث الكاشاني بعدم صحّتها [134] . قال السيد المحقق الخوئي: «إنّ بعض التنزيل كان من قبيل التفسير للقرآن، وليس من القرآن نفسه، فلابدّ من حمل هذه الروايات علي أنّ ذكر أسماء الأ ئمة في التنزيل من هذا القبيل، وإذا لم يتمّ هذا الحمل فلابدّ من طرح هذه الروايات لمخالفتها للكتاب والسُنّة والأدلّة المتقدّمة علي نفي التحريف» [135] . وعلي فرض عدم إمكان الحمل علي التفسير، فإنّ هذه الروايات معارضة بصحيحة أبي بصير المروية في الكافي، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله تعالي:

(... أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم) [136] قال: فقال: «نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام)». فقلت له: إنّ الناس يقولون: فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيته في كتاب الله؟ قال (عليه السلام): «فقولوا لهم: إنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتّي كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) هو الذي فسّر لهم ذلك» [137] فتكون هذه الرواية حاكمة علي جميع تلك الروايات وموضحة للمراد منها. ويضاف إلي ذلك أنّ المتخلفين عن بيعة أبي بكر لم يحتجّوا بذكر اسم علي (عليه السلام) في القرآن، ولو كان له ذكر في الكتاب لكان ذلك أبلغ في الحجة، فهذا من الأدلّة الواضحة علي عدم ذكره في الآيات. ومما يضاف لهذه الطائفة من الروايات أيضاً ما يلي: 1 _ ما رُوي في الكافي عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام)، يقول: «نزل القرآن أثلاثاً، ثلث فينا وفي عدوّنا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام» [138] . 2 _ ما رُوي في تفسير العياشي عن الصادق (عليه السلام)، قال: «لو قُرئ القرآن كما اُنزل لألفيتنا فيه مُسمّين» [139] . وقد صرّح العلاّمة المجلسي (رحمه الله) بأن الحديث الأول مجهول، أمّا الحديث الثاني فقد رواه العياشي مرسلاً عن داود بن فرقد، عمّن أخبره، عنه (عليه السلام)، وواضح ضعف هذا الإسناد، وعلي فرض صحّته فإنّ المراد بالتسمية هنا هو كون أسمائهم (عليهم السلام) مثبتة فيه علي وجه التفسير، لا أنّها نزلت في أصل القرآن، أي لولا حذف بعض ما جاء من التأويل لآياته، وحذف ما أنزله الله تعالي تفسيراً له، وحذف موارد النزول

وغيرها، لألفيتنا فيه مُسمّين، فلو فُسِّر كما أنزله الله تعالي وبدون كَدَر الأوهام وتلبيسات أهل الزيغ والباطل لألفيتنا فيه مُسمّين. الطائفة الثالثة: الروايات الموهمة لوقوع التحريف في القرآن بالزيادة والنقصان، ومنها: 1 _ ما رواه العياشي في تفسيره عن مُيسّر عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لولا أنّه زيد في كتاب الله ونقص منه، ما خفي حقّنا علي ذي حجا، ولو قد قام قائمنا فنطق صدّقه القرآن» [140] . 2 _ ما رواه الكليني في الكافي والصفار في البصائر عن جابر، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)، يقول: «ما ادّعي أحدٌ من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما اُنزل إلاّ كذّاب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالي إلاّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمة من بعده (عليهم السلام)» [141] . 3 _ ما رواه الكليني في الكافي والصفار في البصائر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنّه قال: «ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء» [142] . وهذه الطائفة قاصرة أيضاً عن الدلالة علي وقوع تحريف القرآن في اللفظ والنصّ، فالحديث الأ وّل من مراسيل العياشي، وهو مخالف للكتاب والسنّة، ولاجماع المسلمين علي عدم الزيادة في القرآن ولا حرف واحد، وقد ادعي الاجماع جماعة كثيرون من الأئمة الأعلام، منهم السيد المرتضي والشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي وغيرهم كما عرفت. أما النقص المشار إليه في الحديث الأول فالمراد به نقصه من حيث عدم المعرفة بتفسيره وعدم الاطلاع علي باطنه، لا نقص آياته وكلماته وسوره. وقوله: «ولو قد قام قائمنا فنطق صدّقه القرآن» فإنّ الذي يصدّق القائم (صلوات الله عليه) هو هذا القرآن الفعلي الموجود بين أيدي الناس،

ولو كان محرّفاً حقّاً لم يصدقه القرآن، فمعني ذلك أنّ الإمام الحجة (صلوات الله عليه) سوف يُظهر معاني القرآن علي حقيقتها بحيث لا يبقي فيها أي لبس أو غموض، فيدرك كلّ ذي حجا أن القرآن يصدّقه. فالمراد من الحديث الأول _ علي فرض صحّته _ أنّهم قد حرّفوا معانيه ونقصوها وأدخلوا فيها ما ليس منها حتّي ضاع الأمر علي ذي الحجا. أما الرواية الثانية ففي سندها عمرو بن أبي المقدام، وقد ضعّفه ابن الغضائري [143] ، وفي سند الرواية الثالثة المنخّل بن جميل الأسدي، وقد قال عنه علماء الرجال: ضعيف فاسد الرواية، متّهم بالغلوّ، أضاف إليه الغلاة أحاديث كثيرة [144] . وعلي فرض صحّة الحديثين فإنّه يمكن توجيههما بمعني آخر يساعد عليه اللّفظ فيهما، قال السيد الطباطبائي: قوله (عليه السلام): «إنّ عنده جميع القرآن... إلي آخره» الجملة وإن كانت ظاهرةً في لفظ القرآن، ومشعرة بوقوع التحريف فيه، لكن تقييدها بقوله «ظاهره وباطنه» يفيد أنّ المراد هو العلم بجميع القرآن، من حيث معانيه الظاهرة علي الفهم العادي، ومعانيه المستبطنة علي الفهم العادي» [145] . وقد أورد السيد عليّ بن معصوم المدني هذين الخبرين ضمن الأحاديث التي استشهد بها علي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) والأوصياء من أبنائه، علموا جميع ما في القرآن علماً قطعياً بتأييد إلهي، وإلهام رباني، وتعليم نبوي، وذكر أنّ الأحاديث في ذلك متواترة بين الفريقين» [146] . ويمكن حمل الروايتين أيضاً علي معني الزيادات الموجودة في مصحف أمير المؤمنين (عليه السلام)، والتي أخذها عمّن لا ينطق عن الهوي تفسيراً، أو تنزيلاً من الله شرحاً للمراد، إلاّ أنّ هذه الزيادات ليست من القرآن، الذي اُمر رسول الله (صلي الله عليه وآله) بتبليغه إلي الاُمّة.

الطائفة الرابعة: الروايات الدالّة علي أنّ في القرآن أسماء رجال ونساء فاُلقيت منه، ومنها: 1 _ ما روي في تفسير العياشي مرسلاً عن الصادق (عليه السلام)، قال: «إنّ في القرآن ما مضي، وما يحدث، وما هو كائن، كانت فيه أسماء الرجال فاُلقيت، إنّما الاسم الواحد منه في وجوه لا تُحصي، يعرف ذلك الوصاة» [147] . 2 _ ما روي في الكافي عن البزنطي، قال: دفع إليّ أبو الحسن الرضا (عليه السلام) مصحفاً، فقال: «لا تنظُر فيه». ففتحته وقرأت فيه (لم يكن الذين كفروا...) [148] فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم. قال: فبعث إليّ: «ابعث إليّ بالمصحف» [149] . 3 _ ما رواه الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم يابن سنان، إنّ سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب، وكانت أطول من سورة البقرة، ولكن نقّصوها وحرّفوها» [150] . وهذه الروايات لا نصيب لها من الصحّة، فهي بين ضعيف ومرسل ومرفوع. ومن الممكن القول بأنّ تلك الأسماء التي اُلقيت إنّما كانت مثبتةً فيه، علي وجه التفسير لألفاظ القرآن وتبيين الغرض منها، لا أنّها نزلت في أصل القرآن، وقد ذكر ذلك الفيض الكاشاني في الوافي والسيد الخوئي في البيان وغيرهما... بل إنّ الشيخ الصدوق _ وهو رئيس المحدّثين _ الذي روي الخبر في كتابه «ثواب الأعمال» ينصّ في كتابه الاعتقادات علي عدم نقصان القرآن، وهذا ممّا يشهد بأنّهم حين يروون هذه الأحاديث لايعتقدون بصحّتها سنداً ولا دلالة لها علي التحريف اللفظي للقرآن الكريم.

لماذا دونوا هذه الأخبار في الكتب المعتمدة إذا لم تمثل آراءهم

والجواب علي ذلك: أنّ طبيعة الأعمال الموسوعية لا تتقيد بوجهات نظر

أصحابها وبخاصة في عالم نقل الأحاديث. ولقد كان من المألوف قديماً أن مؤلفي كتب الحديث، ما كان ليهمهم تمحيص الأحاديث بقدر ما كان يهمّهم تدوينها، وكأن مهمّة التمحيص موكولة إلي المجتهدين في مجالات استنباط أحكامهم، ومن هنا احتجنا إلي تسليط الأضواء علي جميع كتب الحديث، وإخضاعها لقواعد النقد والتمحيص التي عرضت في كتب الدراية، وحسب هؤلاء المؤلفين أمثال: الكليني، والشيخ الطوسي، وأصحاب الصحاح والمسانيد، أن لا يكونوا موضعاً للطعن في أمانتهم في مجالات النقد والتجريح، ولعل لهم من وجهات النظر في نقل مختلف الأحاديث ما يحمدون عليه، وإلاّ فإن الاقتصار علي ما يراه صاحب الكتاب حقاً من الأحاديث وإلغاء ما عداه، معناه تعريض ثرواتنا إلي كثير من الضياع، وإخضاع أكثرها إلي الزاوية التي ينظر منها المؤلف إلي الحديث، وهي تتأثر عادة بعوامل بيئية، بالإضافة إلي ترسّبات أصحابها وقيمهم وعواطفهم، علي أن في ذلك ما فيه من تحديد لطبيعة الاجتهاد وتضييق نطاقه وحصره في غير اطار صاحبه، بل في اُطر رواة الحديث بما لهم من ثقافات ضيّقة لو بالغنا في توسعتها لما تجاوزنا بها طبيعة عصورهم وبيئاتهم، مع أنّ الدين بطبعه يتسع لجميع العصور. وشبهة التحريف _ بعد هذا _ من الشبه التي لا تستحق أن يطال فيها الحديث لكونها شبهة في مقابل البديهة، فأخبار التحريف _ مع تضارب مضموناتها وتهافتها في أنفسها _ لا تزيد علي كونها أخبار آحاد، وهي لا تنهض للوقوف أمام التواتر الموجب للقطع بأن هذا القرآن الذي بأيدينا هو القرآن الذي نزل علي النبي (صلي الله عليه وآله)، دون أن يزاد أو ينقص فيه.

موقف أئمة أهل البيت من القرآن الموجود

وردت أخبار عديدة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كلّها تصرّح بأنهم يعتقدون بأن القرآن الموجود،

هو نفسه القرآن الذي نزل علي رسول الله (صلي الله عليه وآله). فلو لاحظنا إرشاداتهم ووصاياهم وحواراتهم، ذات الموضوعات المختلفة لوجدناها تجعل من هذا القرآن محوراً رئيسياً لها من حيث الاستدلال علي الأحكام، أو من حيث التربية، أو تبيان القواعد التفسيرية، أو الفقهية ويضاف لهذا النشاط حثّهم لتلاوة القرآن وضرورة حفظه والتدبّر في آياته، فهذه الألوان من الوصايا تكشف لنا عن مدي إهتمامات الأئمة (عليهم السلام) بالقرآن الموجود بين أيدينا وإلاّ فلا تصح تلك الأخبار، وإليك جملة منها: 1 _ أوصي الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالقرآن وبيّن علومه وهذا يتضمن الإقرار بأن القرآن الموجود هو نفسه النازل علي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، قال (عليه السلام): أ _ «كتاب ربّكم فيكم، مبيّناً حلاله وحرامه، وفرائضه وفضائله، وناسخه ومنسوخه، ورخصه وعزائمه، وخاصه وعامه، وعِبره وأمثاله، ومرسله ومحدوده، ومحكمه ومتشابهه، مفسراً مجمله، ومبيّناً غوامضه، بين مأخوذ ميثاق علمه، وموسّع علي العباد في جهله، وبين مثبت في الكتاب فرضه، ومعلوم في السُنّة نسخه، وواجب في السنّة أخذه، ومرخّص في الكتاب تركه، وبين واجب بوقته، وزائل في مستقبله، ومباين بين محارمه، من كبير أوعد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه، وبين مقبول في أدناه، موسّع في أقصاه» [151] . ب _ وقال (عليه السلام): «أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم علي إتمامه؟ أم كانوا شركاء له؟! فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضي؟ أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصّر الرسول (صلي الله عليه وآله) عن تبليغه وأدائه؟ والله سبحانه يقول: (ما فرّطنا في الكتاب من شيء) [152] . ج _ وقال (عليه السلام) في كتاب له إلي الحارث الهمداني (رضي الله عنه): «وتمسّك

بحبل القرآن واستنصحه، وأحل حلاله، وحرّم حرامه» [153] . د _ وقال (عليه السلام): «لقاح الإيمان تلاوة القرآن» [154] . ه_ _ وقال (عليه السلام) وهو يحث علي التدبّر عند قراءة القرآن: «ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر. ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقّه» [155] . والتلاوة والتدبّر اللذان أرادهما الإمام (عليه السلام) يتمان في هذا القرآن لا في غيره. و _ ووصف (عليه السلام) القرآن قائلاً: «جعله الله ريّاً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاجَّ لطرق الصلحاء، ودواءً ليس بعده داء، ونوراً ليس معه ظلمة» [156] . 2 _ الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وصف القرآن بقوله: «إن هذا القرآن فيه مصابيح النور وشفاء الصدور، فليجل جال بضوئه، وليلجم الصفة، فإن التلقين حياة القلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور» [157] . 3 _ وكان الإمام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) يدعو عند ختمه القرآن بقوله: «اللّهمّ فإذا أفدتنا المعونة علي تلاوته وسهّلت جواسي ألستنا بحُسن عبارته فاجعلنا ممّن يرعاه حق رعايته ويدين لك باعتقاد التسليم لحكم آياته» [158] . 4 _ وجاء عن الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام): «إن الله يقول للمؤمنين (وإذا قُرئ القرآن) يعني في الفريضة خلف الإمام (فاستمعوا)» [159] . وهذه وصية عامة للمسلمين فيما إذا قرأوا سوراً من هذا القرآن. وجاء عنه (عليه السلام) أيضاً قوله وهو يصف القرآن: «إن للقرآن بطناً، وللبطن بطن، وله ظهر وللظهر ظهر... وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية لتكون أ وّلها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل يتصرف علي وجوه» [160] . وقال أيضاً:

«من ختم القرآن بمكة من جمعة إلي جمعة وأقلّ من ذلك وأكثر، وختمه يوم الجمعة، كتب الله له من الأجر والحسنات من أ وّل جمعة كانت إلي آخر جمعة تكون فيها، وإن ختمه في سائر الأيام فكذلك» [161] . 5 _ عن علي بن سالم عن أبيه، قال: سألت الإمام الصادق جعفر ابن محمد (عليهما السلام) فقلت له: يابن رسول الله ما تقول في القرآن؟ فقال: «هو كلام الله وقول الله، وكتاب الله، ووحي الله وتنزيله، وهو الكتاب العزيز الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)» [162] . وقال (عليه السلام): «إن الله جعل ولايتنا أهل البيت قطب القرآن وقطب جميع الكتب، عليها يستدير محكم القرآن وبها يوهب الكتب ويستبين الإيمان» [163] . وقال أيضاً: «من فسّر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر، وإن أخطأ كان إثمه عليه» [164] . وقد ذكر الفقهاء _ رضي الله تعالي عنهم _ تفصيل ما يستحب أن يُقرأ في الصلوات الخمس من سور القرآن [165] . كما روي الشيخ الصدوق (رحمه الله) ثواب قراءة كلّ سورة من القرآن بحسب الأحاديث الواردة عن الأئمة (عليهم السلام) [166] . وبهذا القسم من الأحاديث استدلّ بعض أكابر الإمامية كالشيخ الصدوق علي ما ذهب إليه من عدم وقوع التحريف في نصوص القرآن الكريم [167] . فعن الإمام الباقر عن أبيه عن جدّه عن رسول الله (صلي الله عليه وآله): «من قرأ عشر آيات في ليلة لم يُكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كُتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كُتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كُتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كُتب من الفائزين،

ومن قرأ خمسمائة آية كُتب من المجتهدين، ومن قرأ ألف آية كُتب له قنطار...» [168] . وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «... وعليكم بتلاوة القرآن، فإن درجات الجنّة علي عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن إقرأ وارقَ، فكلّما قرأ آية رقي درجة...» [169] . وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً: «الواجب علي كل مؤمن إذا كان لنا شيعة أن يقرأ ليلة الجمعة بالجمعة وسبّح اسم ربّك الأعلي... فإذا فعل ذلك فإنّما يعمل بعمل رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وكان جزاؤه وثوابه علي الله الجنة» [170] . 6 _ بيّن الإمام علي بن موسي الرضا (عليه السلام) إشارات القرآن الكريم في قوله تعالي: (عفا الله عنك لِمَ اَذِنتَ لهم): هذا ممّا نزل بإياك أعني واسمعي يا جاره... وكذلك قوله تعالي: (لئن أشركت ليحبطنّ عملك) وقوله تعالي: (ولولا أن ثبّتناك لقد كدّت تركن إليهم) [171] . وعن الريّان بن الصلت قال: «قلت للرضا (عليه السلام): يابن رسول الله ما تقول في القرآن؟ فقال: كلام الله، لا تتجاوزوه، ولا تطلبوا الهدي في غيره فتضلوا» [172] . وجاء فيما كتبه الإمام الرضا (عليه السلام) للمأمون في محض الإسلام وشرائع الدين: «وإنّ جميع ما جاء به محمد بن عبدالله هو الحق المبين، والتصديق به وبجميع من مضي قبله من رُسُل الله وأنبيائه وحججه. والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) وأنه المهيمن علي الكتب كلّها، وأنه حق من فاتحته إلي خاتمته نؤمن بمحكمه ومتشابهه، وخاصه وعامه، ووعده ووعيده، وناسخه ومنسوخه، وقصصه وأخباره، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله» [173] . وهكذا يتّضح

للّبيب موقف أهل البيت (عليهم السلام) الصريح من هذا القرآن الموجود بين أيدينا وعدم تسرّب التحريف لنصوصه الكريمة بزيادة أو نقصان.

الخلاصة

لقد ثبت من خلال استقصاء الأدلّة الروائية والتاريخية، بالإضافة الي ما تفرضه طبيعة الأشياء، من أن القرآن قد حظي باهتمام بالغ من قبل المسلمين، يمنع دخول يد التحريف إليه، وهو يمثل دستور الاُمّة والمصدر الأساسي لكيانها، ثقافةً وسياسةً وعقيدةً. كما ثبت أن القرآن قد دوّن وجمع في حياة الرسول (صلي الله عليه وآله) انطلاقاً من اطلاع الرسول ومعرفته بتاريخ الرسالات، وما لعبه المحرفون بالكتب من قبله، وكان (صلي الله عليه وآله) واعياً للظروف المحيطة بالاُمّة الإسلامية، والأخطار التي سوف تهددها من بعده، لذا بذل جهداً كبيراً ولم يترك آخرته لدنياه حتي عارض ما في صدره صدور الحفظة، الذين كانوا كثرة، وتكللت جهوده بجمع القرآن ما بين الدفتين في عهده. وقد ناقشنا الفروض الممكن تصوّرها حول احتمال التحريف في عهد الخلفاء وممّا جاء بعدهم، وقد ثبت عدم إمكان وقوعها بعد أن توفرت عوامل عديدة تشكل بمجموعها ضمانة حقيقية لوصول القرآن بكامله في عهد الشيخين، بالإضافة الي ما مارسته الاُمّة من دور الرقابة والحراسة، حيث كانت ترصد أي محاولة من شأنها المساس بكتاب الله ولو لحرف واحد منه. أمّا الروايات التي تنقلها كتب الحديث، والتي يُفهم منها احتمال وقوع التحريف في القرآن، فلا يؤمن بها إلاّ الاتجاه الخاطئ الذي يعتقد بقطعية صدور ما جاء في كتب الصحاح، أما المنهج الذي يتعامل بموضوعية معها _ كما هو المنهج الذي يسلكه علماء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) مع كتبهم فهو يدين هذه النصوص المرويّة من حيث أسنادها ومن حيث دلالتها علي التحريف. وقد اتّضح ذلك من خلال

مناقشة الروايات عند الفريقين، بالإضافة الي تصاريح أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وعلماء مدرستهم، بسلامة القرآن من التحريف، ابتداءاً من القرن الأوّل وحتي هذا اليوم. ولم يختلف موقف عامة علماء أهل السنة، عن هذا الموقف إطلاقاً. أما محاولات الاستدلال بتلك الأحاديث، وقصة نسخ التلاوة، فقد عارضها كثير من علماء السنّة فضلاً عن علماء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وبهذا يثبت بطلان وخبث الجهود التي تسعي لإثارة الشبهة، وتعميقها في نفس الاُمّة حيث تريد الوقيعة بالطائفتين معاً، عن طريق المسّ بأقدس مصدر إسلامي. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

پاورقي

[1] راجع نهج البلاغة: الخطبة رقم 198، صبحي الصالح.

[2] راجع نهج البلاغة: الخطبة رقم 176.

[3] كما سوف يأتي توضيحه في البحث من خلال تصريحات علماء المسلمين بسلامة القرآن من التحريف. علي أنّ المحقق الإمامي الشهير آية الله العظمي السيّد أبا القاسم الخوئي (قدس سره) _ وهو من كبار علماء الإمامية المعاصرين _ قد تحدّث بشكل تفصيلي عن هذه الشبهة حين تناولها في الإطار الإسلامي، وانتهي الي الحقّ الذي لا شبهة فيه وهو سلامة النصّ القرآني من التحريف. راجع البيان في تفسير القرآن: 195 _ 235 وجاء رأي علماء الإمامية مدي القرون والأجيال في كتاب: صيانة القرآن من التحريف للعلاّمة معرفة: 44 _ 70، وفي التحقيق في نفي التحريف: 10 _ 26.

[4] البخاري، باب جمع القرآن 6: 98.

[5] البيان في تفسير القرآن: 247 _ 249.

[6] راجع علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: 105 _ 106.

[7] البيان: 1 / 85.

[8] مناهل العرفان: 1/242، مسند أحمد: 6/442، ح 22260، تاريخ القرآن للصغير: 80، مباحث في علوم القرآن: 121، حياة الصحابة: 3/260، مستدرك الحاكم: 3/356.

[9] الإتقان: 1/250. [

[10] المستدرك:

2/611.

[11] النساء: 95.

[12] كنز العمال: 2 حديث 4340.

[13] مجمع الزوائد: 1/152.

[14] المستدرك: 2/222، الجامع الصحيح للترمذي: 5/272، تاريخ اليعقوبي: 2/43، البرهان للزركشي: 1/304، مسند أحمد: 1/57 و 69، تفسير القرطبي: 1/60.

[15] صحيح البخاري: 6/319، مجمع الزوائد: 9/23، كنز العمال 12، حديث 34214. ولم يرد من طرقنا إلاّ فيما ذكره الشيخ المفيد في الارشاد: 1/181 وانّما عنه في اِعلام الوري ومناقب آل أبي طالب وكشف الغمة.

[16] المعارف: 260.

[17] الاستيعاب: 3/992.

[18] كنز العمال: 1 حديث 2280.

[19] المصدر السابق: حديث 2417.

[20] المصدر السابق: حديث 2430.

[21] الجامع لأحكام القرآن: 1/58.

[22] مجمع البيان: 1/84.

[23] سنن الدارمي: 2/471، سنن أبي داود: 2/54، الجامع الصحيح للترمذي: 5/196، مسند أحمد: 2/163.

[24] مجمع الزوائد: 7/171.

[25] الحديد: 1.

[26] طه: 1 _ 2.

[27] الموسوعة القرآنية: 1/352 عن السيرة النبوية لابن هشام: 1/367 _ 370 وهو النصّ الوحيد عن كتابة قرآنية في مكة قبل الهجرة.

[28] مناهل العرفان: 1/236، الجامع لأحكام القرآن: 1/56، اُسد الغابة: 4/216، الجامع الصحيح: 5/666.

[29] طبقات ابن سعد 2: ق 2/113، فتح الباري: 9/48، مناهل العرفان: 1/237، حياة الصحابة: 3/221.

[30] طبقات ابن سعد 2: ق 2/112، البرهان للزركشي: 1/305، الإصابة: 2/50، مجمع الزوائد: 9/312.

[31] المحبر: 286.

[32] الفهرست: 41.

[33] صحيح مسلم: 4/1873، سنن الترمذي: 5/662، سنن الدارمي: 2/431، مسند أحمد: 4/367 و 371 و 5 ح 182، المستدرك: 3/148.

[34] مجمع الزوائد: 7/165، البرهان للزركشي: 1/545.

[35] البرهان للزركشي: 1/546.

[36] مجمع الزوائد: 7/171.

[37] كنز العمال 1: حديث 2262.

[38] المصدر السابق: حديث 2265 و 2358 و 2359.

[39] المصدر السابق: حديث 2407.

[40] مجمع الزوائد: 9/371، حياة الصحابة: 3/244.

[41] كنز العمال 2: حديث 4792.

[42] نقلاً عن سلامة القرآن من التحريف / اصدار مركز الرسالة: 87 _ 95.

[43] (...قل ما يكون

لي أن اُبدّله من تلقاء نفسي إن اتّبع إلا ما يوحي إلي...) يونس: 15.

[44] شرح نهج البلاغة 1 / 269 فيما رده علي المسلمين من قطائع عثمان.

[45] راجع علوم القرآن: 99 _ 114 للسيد محمد باقر الحكيم الطبعة الثالثة.

[46] كتاب اعتقادات الإمامية المطبوع، مع شرح الباب الحادي عشر: 93 _ 94.

[47] أوائل المقالات في المذاهب المختارات: 55 _ 56.

[48] نقل هذا في مجمع البيان: 1/15، عن المسائل الطرابلسيات للسيد المرتضي.

[49] لسان الميزان: 4/223، ولا يخفي ما فيه من الخلط والغلط.

[50] التبيان في تفسير القرآن: 1/3.

[51] مجمع البيان: 1/15.

[52] سعد السعود: 192.

[53] سعد السعود: 266.

[54] أجوبة المسائل المهناوية: 121.

[55] الصراط المستقيم: 1/45.

[56] مباحث في علوم القرآن _ مخطوط. راجع شرح الوافية في علم الاُصول، نقل أكثر عباراته.

[57] آلاء الرحمن، البلاغي: 1/25، قول الإمامية بعدم النقيصة في القرآن نقلاً عن كتاب مصائب النواصب، الشيعة في الميزان: 314.

[58] آلاء الرحمن: 26.

[59] الوافي: 1 / 273 _ 274.

[60] الصافي في تفسير القرآن: 3 / 348.

[61] جاءت الرسالة بالفارسية مع ترجمتها العربية في الفصول المهمة لشرف الدين: 168.

[62] بحار الأنوار: 92/74.

[63] الفوائد في علم الاُصول مبحث حجية ظواهر الكتاب _ مخطوط.

[64] كشف الغطاء في الفقه، كتاب القرآن: 299.

[65] شرح الوافية في علم الاُصول، مخطوط.

[66] مفاتيح الاُصول، مبحث حجّية ظواهر الكتاب.

[67] تهذيب الاُصول: 2/165.

[68] البيان في تفسير القرآن، الخوئي: 259.

[69] القرآن مصون عن التحريف: 5، دار القرآن الكريم. وراجع للمزيد: صيانة القرآن من التحريف للعلاّمة معرفة: 44 _ 70 والتحقيق في نفي التحريف: 10 _ 26.

[70] البقرة: 109.

[71] الإتقان: 3/82، تفسير القرطبي: 14/113، مناهل العرفان: 1/273، الدرّ المنثور: 6/560.

[72] محاضرات الراغب 2: 4/434.

[73] الإتقان: 3/82، مسند أحمد: 5/132، المستدرك: 4/359، السنن

الكبري: 8/211، تفسير القرطبي: 14/113، الكشاف: 3/518، مناهل العرفان: 2/111، الدر المنثور: 6/559.

[74] صحيح مسلم 2: 726/1050.

[75] مقدمتان في علوم القرآن: 85 _ 88.

[76] مسند أحمد: 5/219.

[77] مناهل العرفان: 1/257، روح المعاني: 1/25.

[78] المصدر السابق: 1/264.

[79] السنن الكبري: 2/210، المصنف: 3/212.

[80] المستدرك: 4/359 و 360، مسند أحمد: 1/23 و 29 و 36 و 40 و 50، طبقات ابن سعد: 3/334، سنن الدارمي: 2/179.

[81] الإتقان: 3/206.

[82] البرهان للزركشي: 2/43.

[83] الناسخ والمنسوخ: 8.

[84] الإتقان: 3/84، كنز العمال: 2 حديث 4741.

[85] مسند أحمد: 6/269، المحلّي: 11/235، سنن ابن ماجة: 1/625، الجامع لأحكام القرآن: 14/113.

[86] اُصول السرخسي: 2/79.

[87] جامع بيان العلم: 2/105.

[88] المصنّف: 2/484.

[89] المستدرك: 1/214.

[90] الموافقات للشاطبي: 3/106.

[91] مباحث في علوم القرآن: 237.

[92] إظهار الحق: 2/90.

[93] الأحكام للآمدي: 3/139، اُصول السرخسي: 2/67.

[94] البرهان في علوم القرآن: 2/47.

[95] المصدر السابق: 2/43.

[96] مناهل العرفان: 2/112.

[97] التحقيق في نفي التحريف: 279، صيانة القرآن من التحريف: 30.

[98] مباحث في علوم القرآن: 265.

[99] فتح المنان: 229. [

[100] الفقه علي المذاهب الأربعة: 4/260.

[101] الفرقان: 157.

[102] الإتقان: 2/ 320 و 321.

[103] تاريخ القرآن، الكردي: 65، التفسير الكبير: 11/105، تفسير النيسابوري: 6/23 المطبوع في هامش تفسير الطبري، تفسير الخازن: 1/422.

[104] روح المعاني: 6/13.

[105] اُنظر وفيات الأعيان: 1/319، ميزان الاعتدال: 3/93، المغني في الضعفاء: 2/84، الضعفاء الكبير: 3/373، طبقات ابن سعد: 5/287، تهذيب الكمال: 7/263.

[106] النور: 27.

[107] الإتقان: 2/327، لباب التأويل: 3/324، فتح الباري: 11/7.

[108] التفسير الكبير: 23/196.

[109] البحر المحيط: 6/445.

[110] النساء: 162.

[111] المائدة: 69.

[112] طه: 63.

[113] الإتقان: 2/320.

[114] الكتاب: 1 / 288 _ 291.

[115] روح المعاني: 6/13.

[116] معاني القرآن: 1/310، مجمع البيان: 3/346، صيانة القرآن من التحريف: 183.

[117] تفسير المنار: 6/478.

[118] الكشاف: 3/72.

[119] التفسير الكبير: 22/75.

[120]

مسند أحمد: 5/129، الآثار: 1/33، التفسير الكبير: 1/213، مناهل العرفان: 1/268، الفقه علي المذاهب الأربعة، 4/258، مجمع الزوائد: 7/149.

[121] الجامع لأحكام القرآن: 20/251، الفهرست لابن النديم: 29، المحاضرات 2: 4 / 434، البحر الزخّار: 249.

[122] التفسير الكبير: 1/213، فواتح الرحموت بهامش المستصفي: 2/9، الإتقان: 1/79، البحر الزخّار: 2/249، المحلّي: 1/13.

[123] إعجاز القرآن بهامش الإتقان: 2/194.

[124] اُنظر البرهان للزركشي: 2/128، شرح الشفاء للقاري: 2/315، فواتح الرحموت: 2/9، مناهل العرفان: 1/269، المحلّي: 1/13.

[125] شرح الشفاء: 2/315، مناهل العرفان: 1/269.

[126] الكافي: 8/ 125 ح 95.

[127] بحار الأنوار: 45/8.

[128] الكافي: 8 / 53 ح 16.

[129] البقرة: 23.

[130] الكافي: 1/ 417 ح26.

[131] الأحزاب: 71.

[132] الكافي: 1 / 414 ح 8.

[133] النساء: 66.

[134] الوافي: 2/273.

[135] البيان في تفسير القرآن: 230.

[136] النساء: 59.

[137] الكافي: 1/ 286 ح 1.

[138] الكافي: 2/ 267 ح2.

[139] تفسير العياشي: 1 / 13 ح4.

[140] تفسير العياشي: 1/ 13 ح 6.

[141] الكافي: 1/ 228 ح 1، بصائر الدرجات: 213/2.

[142] الكافي: 1/ 228 ح2، بصائر الدرجات: 213/1.

[143] اُنظر مجمع الرجال: 4/257 و 6/139، رجال ابن داود: 281/516.

[144] المصدر السابق.

[145] الكافي: 1/228 في الهامش.

[146] شرح الصحيفة السجادية: 401.

[147] تفسير العياشي: 1/ 12.

[148] البيّنة: 1.

[149] الكافي: 2/ 631 ح16.

[150] ثواب الأعمال: 100.

[151] نهج البلاغة: الخطبة الاُولي، القرآن والأحكام الشرعية.

[152] شرح نهج البلاغة: 1/288، خ18 (ذم اختلاف العلماء في الفتيا).

[153] شرح نهج البلاغة: 1/7 خ 198.

[154] غرر الحكم: 7633 نقلاً.

[155] بحار الأنوار: 92/211.

[156] نهج البلاغة الخطبة 198، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 10/199.

[157] بحار الأنوار: 78/112.

[158] الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين: الدعاء 42.

[159] بحار الأنوار: 92/222.

[160] بحار الأنوار: 92/20.

[161] ثواب الأعمال: 125.

[162] أمالي الشيخ الصدوق: 545.

[163] بحار الأنوار: 92/27.

[164] المصدر السابق: 92/110.

[165]

جواهر الكلام: 9/400 _ 416.

[166] ثواب الأعمال: 130 _ 158.

[167] الاعتقادات للشيخ الصدوق: 93.

[168] الأمالي للشيخ الصدوق: 59 _ 60، الكافي: 2/448.

[169] الأمالي للشيخ الصدوق: 359.

[170] ثواب الأعمال: 146.

[171] عيون أخبار الرضا: 1/202.

[172] المصدر السابق: 2/57، الأمالي: 546.

[173] عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق: 2/130.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.