سيد البطحاء ابوطالب عليه السلام

اشارة

مولف:مجمع العالمي لاهل البيت

مقدمة

تعرّض قسم من الصحابة من أتباع علي(عليه السلام) بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله)الي الاضطهاد والإقصاء والتنكيل، كما تعرّض القسم الآخر فيما بعد الي القتل والحرمان والتشريد. ولم تكتف السياسة عند هذا الحد; بل نهجت أساليب اُخري للنيل من خصومها ومعارضيها، منها قضية تكفير الآباء والأجداد. وترسّخ هذا الاُسلوب في العصر الاُموي، حين كان الصراع مشتعلاً علي أوجه بين الخط الهاشمي والاُموي الذي خسر الجولة أيام رسول الله(صلي الله عليه وآله)، وجاء العباسيون من بعدهم فوجّهوا هذا الاُسلوب نحو أغراضهم السياسية كما هو التوظيف الاُموي. ولم تكن ظاهرة التكفير مسؤولية دينية بقدر ماهي سياسية، فليس هناك مثلاً أي نص يجزم بأهمية تكفير أبي طالب علي وجه الخصوص، سوي نصوص ملفقة تفتقد القيمة العلمية، كما سنبيّنه في طيات هذا البحث، أمّا التاريخ فلا يسجل لنا ولو واقعة واحدة من حياة أبي طالب تثبت كفره. والجدير بالذكر أن قضية إسلام أبي طالب لم تكن محل جدل طيلة حكم الخلفاء. الأمر الذي يؤكّد الاُصول الاُموية لهذه القضية في واحدة من مساعيهم للنيل من البيت الهاشمي، الذي ملأت مناقبه ومفاخره الذاكرة الإسلامية، ولا تخفي أهمية أبي طالب الذي يراه البيت الاُموي المنافس الألدّ، الذي حاز الشرف في قريش، واكتسح أبا سفيان زعيم اُميّة... من هنا سوف نتناول في هذه الدراسة، إثبات إسلام أبي طالب ضمن عدة فصول. في الفصل الأول: نتعرض فيه الي الخلفية التاريخية التي تولّيبسببها أبو طالب الرئاسة لقريش، كونه يمثل امتداد الخط الإبراهيمي الحنيف. وفي الفصل الثاني: نعرّف بهوية أبي طالب الشخصية وصفاته وسيرته العامة. وفي الفصل الثالث: نسلط الضوء علي مستوي علاقة أبي طالب(عليه السلام)مع النبي(صلي الله عليه وآله). وفي الفصل

الرابع: سنتناول حوارات أبي طالب(عليه السلام) مع قريش، وتنوع أساليبه وكيفية إعلان وقوفه الي جانب النبي(صلي الله عليه وآله). واخترنا في الفصل الخامس: نماذج من تصاريح ومواقف النبي(صلي الله عليه وآله)والأئمة(عليهم السلام)والصحابة في أبي طالب(عليه السلام). أمّا الفصل السادس والأخير: فتناولنا فيه شبهة كفر أبي طالب(عليه السلام)والجذور التاريخية التي أدت إليها، والأدلة الشرعية التي اعتمدتها، مناقشةً ونقداً.

رئاسة أبي طالب في عمقها التاريخي

عاشت البشرية في فترة ما قبل الرسالة أسوأ حالات التردي والانحطاط الحضاري، من الظلم والبؤس والاستبداد، وقد لخّص القرآن الكريم تلك الحالة بقوله تعالي: (وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) [1] ولم يكن العرب أحسن حالاً من باقي المجتمعات، بل إنهم جزء لا ينفصل من هذا التردي والسقوط الذي عمّ البشرية جمعاء. فكان الجهل والخرافة والظلم هي الظواهر الحاكمة آنذاك. فنجد مثلاً الحرب هي الاُسلوب الأمثل لحل المشكلات، وهي المحور ال_ذي تدور حوله رح_ي الأبنية الثقافي_ة والقانوني_ة والاقتصادية. فالحكم تتفرد به الطبقة الغنية والقوية، فتشرّع هذه الطبقة للمستضعفين ما يحلو لها من القوانين التي تحمي سيادتهم وسلطتهم. ولذا نجد طبقة الفقراء والعبيد والمرأة ليس لهم الحق في تقرير حياتهم. ونلاحظ العرب قبل البعثة لم يكونوا أهل كتاب ولا دين، وكانت عبادة الأصنام والأوثان والجن والملائكة، هي اهتمامهم الوحيد أمام تطلعاتهم الحياتية والمستقبلية، فكان المؤثّر فيها هم الكهنة واليهود. وقد لخّصت فاطمة الزهراء(عليها السلام) حالة العرب والتدهور الذي أصابهم قبل بعثة الرسول(صلي الله عليه وآله)، بقولها: «فرأي _ الرسول _ الاُمم فرقاً في أديانها، عكُفاً علي نيرانها، عابدةً لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها... الي أن قالت: تشربون الطرق [2] وتقتاتون القد [3] ، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله بأبي محمد(صلي الله عليه

وآله)، بعد اللتيا والتي، وبعد أن مُني بُهم [4] الرجال وذؤبان [5] العرب ومردة أهل الكتاب» [6] فمكة البلد الذي يعتبر من أهم المراكز عند العرب من الناحية الدينية والتجارية والثقافية، وذات العمق الديني والسياسي، تعيش حالة من السقوط الحضاري والتردي الثقافي والاجتماعي بكل معانيه، كما هي عليه الحالة في البلدان الاُخري. وإن كانت تعتبر في السابق بلد التوحيد ومنطلق الأديان من أيام إبراهيم وابنه إسماعيل. لأن البيت الحرام المركز الديني المقدس كان قد أسسه النبي إبراهيم(عليه السلام)، ومن هناك تألقت مكة بين الناس وغدا شعاع توحيدها يعكس نداء إبراهيم الموحّد، وحادثة تكسيره لمبادئ الوثنية والطغيان لازالت ماثلة في القلوب والأذهان. وبعد هذه الانطلاقة أصبحت مكة وبيت الله الحرام تحت رعاية أبناء إبراهيم، واستمرت الحماية والسيادة الي أن توفي (نبت) بن إسماعيل، وتحولت تلك السيادة من بعده الي قبيلة (جرهم)، أخوال ولد إسماعيل التي لم تُجد الرعاية علي أحسن وجه، مما تعرضت لنزاع مرير مع قبيلة خزاعة التي كانت تطمع بالاستيلاء علي مكة والبيت الحرام، وأخيراً تمكنت قبيلة خزاعة أن تزيح الجراهمة وتطردهم عن البيت الحرام. وبعد أن استتب الأمر لصالحها، جاء زعيمهم عمرو بن لحُي الخزاعي بالوثنية من الشام الي مكة، فغيّر كثيراً من معالم مكة الحضارية والدينية، وأصبحت إرشاداته وتعاليمه ووصاياه ديناً يتمسك به قومه. فشرّع لهم ضلالات كما شاء هواه وتريده شهواته فنصب الأصنام حول مكة، وأتي بالصنم (هُبل) من أرض الجزيرة ونصبه في بطن مكة وغيّر من دين إبراهيم، وهو أول من أحلّ أكل الميتة، فإن القبائل من ولد إسماعيل كانت ما تزال تحرّم أكل الميتة، وقد زعم عمرو بن لُحي أن الله تعالي لا يرضي تحريم أكل الميتة، وكان يقول:

كيف لا تأكلون ما قتل الله وتأكلون ما قتلتم؟! [7] وكان يقول بأن الربّ يشتّي بالطائف عند اللات ويصيّف عند العزّي. فأطاعه قومه وصدّقوه، لأنه كان يطعمهم ويكسوهم في الموسم، ويحمي المستجير وينحر لهم الإبل التي كانت تقدر بالألف، فانكبّوا علي تلك العبادة وأخذوا يهدون إليها كما يهدون الي الكعبة، الي أن جاء قصي بن كلاب من أجداد الرسول(صلي الله عليه وآله) ومن ذرية إبراهيم، الذي كان مبعداً مع اُمه الي الشام [8] ، فاستنهض قريشاً وشحذ هممها ودعاها الي مواجهة خزاعة، فأجابوه الي ذلك وبعد أن حشد قواهم، لأنه يري نفسه أولي بأمر مكة من خزاعة، ولأن قريشاً أقرب الي إسماعيل من خزاعة، ولهذا استطاع أن يهزم خزاعة من مكة ومن البيت الحرام، بعد معركة اُريقت فيها دماء كثيرة [9] وبعد هزيمة خزاعة أمام قصي استمر هو بتوحيد كلمة قريش، بعد أن كانت طرائق متفرقة حتي لقّبوه (بمجمع) أي الجامع لقريش [10] ومنها أصبح قصيّ رئيساً لقريش، فأمرهم أن يبنوا بيوتهم داخل الحرم حول البيت، وجعلوا أبواب بيوتهم لجهته لكل بطن منه باب ينسب إليه، كباب بني شيبة وباب بني سهم وباب بني مخزوم وباب بني جمح. وبني قصي دار الندوة وهي أول دار بُنيت بمكة، وهو أول رجل من بني كنانة ملك وحكم، وهو أول من أوقد النار بمزدلفة ليراها الناس من عرفة ليلة النفر. وحاز قصي بتلك الإنجازات شرف مكة كلّه، فكان بيده السقاية والرفادة والجباية والندوة واللواء والقيادة. وخلف قصي من بعده عبدالدار وعبدمناف، وقد خص ولده عبدمناف بالسقاية والرئاسة والدار لعبد الدار. وبعد موت الأخوين تولّي أولاد عبدمناف تلك المهام كلّها والذين هم أشرف بطون قريش، وهم هاشم والمطلب وعبد

شمس ونوفل، فاتفق الاُخوة جميعاً علي أن تكون الرئاسة وتولي كل هذه الاُمور بعهدة هاشم [11] وقد أحسن هاشم الرفادة والرئاسة التي سنّها جدّه قصي، فكان إذا حضر موسم الحج قام في قريش فقال: يا معشر قريش! إنكم جيران الله وأهل بيته وإنّكم يأتيكم في هذا الموسم زوّار الله، يعظّمون حرمة بيته وهم ضيف الله وأحق الضيف بالكرامة ضيفه، وقد خصّكم الله بذلك. وكان هاشم يُخرج من كل سنة مالاً كثيراً، ويأمر بحياض من أدم فتجعل في موضع زمزم، ثم يسقي فيها من الآبار التي بمكة، فيشرب منها الحجيج. وكان يطعمهم بمكة ومني ومزدلفة وجمح، وكان يثرد لهم الخبز واللحم والسمن والسويق ويحمل لهم المياه، فسمّي هاشماً [12] وبعد وفاة عبدشمس أخي هاشم أسفر اُمية النزق الطائش بالحقد علي هاشم، وصعّد الصراع وشن حرباً باردة ضده وحاول أن يستقطب قريشاً من أجل إزاحة هاشم عن موقعه، فكلف نفسه أن يفعل كما يفعل هاشم من إطعام قريش، فعجز من أن يرقي الي أخلاق هاشم لسوء طويّته، فشمت به الناس وعابوه علي هذه المزايدة فلم يرتدع وغضب لهذا الاحتجاج [13] وفي ليلة من الليالي دعا هاشم اُمية فقال له: إن لي سناً وإن لي حقاً عليك، وقد بلغني ما أحبّ أن تدفعه عنك فاتق الله في قالتك عني، فأجاب اُمية بحماقة وطيش: ما تكلمت إلاّ حقّاً. فابتسم سيد قريش وأجابه إن شرفي شرفك وإن تمسه لا تعزّ. وأخيراً راهن اُميّة هاشماً علي خمسين ناقة سود الحدق تنحر بمكة وعلي جلائه عشر سنين، ظنّاً منه في أن يتخلص من هاشم، ويتولّي الرئاسة بدله، وجعلا حكماً بينهما الكاهن الخزاعي جد عمرو بن الحمق، وكانت النتيجة لصالح هاشم، وخسر اُمية

الجولة أمام سيد قريش. فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعم لحمها من حضر، وخرج اُمية الي الشام فأقام به عشر سنين [14] واُمية لم يكن بهذا المستوي من المنافسة مع هاشم; إلاّ أنه حظي بدعم من بني عبدشمس. وكان اُمية صاحب عهار، وكان يعرض لامرأة من بني زُهرة، فضربه رجل منهم بالسيف، وأراد بنو اُمية ومن تابعهم إخراج زُهرة من مكة، فلم يستطيعوا. وصنع اُمية في الجاهلية شيئاً لم يصنعه أحد قبله من العرب، حيث زوّج ابنه أبا عمرو بن اُمية امرأته في حياته منها [15] وبعد وفاة هاشم وتولي الرئاسة والرفادة والسقاية ابنه عبدالمطلب، انتقل اُمية بالصراع مع عبدالمطلب، واستمرت الخصومة بينهما طويلاً، الي أن تمكن عبدالمطلب من هزيمة اُمية والتخلص من شرّه عندما راهنه في سباق بين فرسين، ووضع لهذا الرهان شيئاً ثقيلاً ولم يقصد عبدالمطلب الخسارة لاُمية فقط; بل أراد فوق ذلك التحقير والقضاء علي الفتنة التي طالما كان يؤجّجها اُمية [16] وقد فرض هذا الرهان مائة من الإبل وعشرة من العبيد وعشرة من الإماء واستعباد سنة كاملة، ويضاف الي ذلك جزّ ناصية المغلوب. ونزل الفرسان في الميدان، وتجمع الناس ليشهدوا هذا المشهد، وعبدالمطلب هادئ مطمئن واثق من نفسه راض بما يكون، ولم تفارق الابتسامة شفتيه حتي رأي الناس فرس عبدالمطلب بلغ الغاية قبل فرس اُمية، وبهذا ربح عبدالمطلب الشرط [17] ويدل علي صحة هذه الواقعة التاريخية ما افتخر به عبدالله بن جعفر علي يزيد في حضور معاوية في حديث جاء فيه: إن عبدالله قال ليزيد: بأي آبائك تفاخرني؟ بحرب الذي أجرناه؟ أم باُميّة الذي ملكناه؟ أم بعبد شمس الذي كفلناه؟ قال ذلك علي مسمع من معاوية، فأقرّ معاوية فخره، وأمر يزيد أن

لا يفاخر الهاشميين; لأنهم قوم لا يجهلون ماعلموا. فعبد المطلب الذي أصبح سيداً لقريش بعد أبيه هاشم وعمه المطلب [18] ; كان له من السجايا والصفات ما تؤهله أن يكون سيداً لقومه، فهو ابن هاشم الذي أشبع البطون وقت المجاعة. وبذلك تحول القرشيون من فقراء معدمين الي أغنياء متخمين، لأن مال قريش وغير قريش هو من فضل رحلتي الشتاء والصيف اللتين دبّرهما هاشم. وعبدالمطلب أندي قريش كفاً، وأعظمهم حلماً وأشرفهم وجهاً، وأمدهم جسماً وأطهرهم ذيلاً وأعفّهم أزاراً، كان أبعد رجل عن دنيّة، وأدني رجل الي كمال نفس ونقاء روح، وهو أول من طيّب غار حراء بذكر الله، فإنه كان يذهب إليه. فإذا استهلّ رمضان صعد حراء وأطعم المساكين، ورفع من مائدته الي الطير والوحوش في رؤوس الجبال. ومن سجاياه وأخلاقه أنه كان لا يفكر إلاّ بالناس ومصالحهم وقضاء حوائجهم، ولا فرق عنده بين القريب والبعيد. وكانت سقاية الحاج بيده فهو وحده الذي كان يدبّر أمر السقاية ورعاية الحجّاج، ولذا تحرّك نحو حفر زمزم لغرض توفير مزيد من الماء، وفي أثناء هذه المهمة الشاقة وسط الأعداء وجد غزالين من ذهب مما أ لّب الخصوم عليه أكثر، وبعد أن تم إنجاز حفر البئر حيث تدفق الماء العذب من داخله تعاظم شأن عبدالمطلب، وتعاظم معه حسدهم إيّاه [19] وبعد هذه الحادثة التي لم يكن الي جانبه فيها غير ولده الوحيد الحارث، نذر أن يذبح أحد أولاده الذكور إذا بلغوا العشرة. وبعد أن رزقه الله الأولاد، أحضرهم جميعاً لغرض تنفيذ النذر، ووقع الذبح عن طريق القرعة علي عبدالله والد النبي(صلي الله عليه وآله)، لكن العرب أفدوه بدية [20] ومرت علي قريش سنة منعت فيها السماء، فأصبح الناس في محنة

وشقاء، فلجأوا الي عبدالمطلب ليستسقي لهم، إذعاناً منهم بفضله وصحة دينه، فأحضر جمعاً من أولاده ومعهم رسول الله(صلي الله عليه وآله)ومضي بهم الي جبل أبي قبيس، وقال: (اللهم هؤلاء عبيدك وبنو عبيدك _ واستمر في الدعاء الي أن قال _ فاذهب عنا الجدب وآتنا بالحياة والخصب) وبعد أن أتم دعاءه هطلت السماء بالمطر [21] وأما حادثة الفيل التي قال فيها لأبرهة: أردد عليَّ إبلي ودونك والبيت فإنّ له ربّاً سيمنعه. فأمر إبرهة بردّ الإبل، فلما قبضها عبدالمطلب جعلها هدياً وفرّقها في الحرم من غير راع ولا رقيب، ثم توجه نحو منسكه غار حراء ومعه عمرو بن عائد المخزومي ومطعم بن عدي وأبو مسعود الثقفي، واتجه بكلّه الي ربّه في الدعاء: لهم إن المرءيمنع رحله فامنع رحالك لا يغلبنّ صليبهمومحالهم أبداً محالك إن كنت تاركهم وقبلتنا فأمرٌ ما بدا لك [22] فأرسل الله تعالي الطير الأبابيل ترميهم بحجارة من سجّيل. ومن هذه الحوادث وغيرها استدلّ الكثير علي إيمان عبدالمطلب وعلوّ منزلته [23] فعبد المطلب رفض عبادة الأوثان والأصنام، ووحد الله عزّ وجل ووفي بالنذر وسن سنناً نزل القرآن بأكثرها، وجاءت السنّة الشريفة من رسول الله(صلي الله عليه وآله)، بها، ومنها: الوفاء بالنذر، ومائة من الإبل في الديّة وأن لا تنكح ذات محرم، ولا تؤتي البيوت من ظهورها، وقطع يد السارق، والنهي عن قتل المؤودة، وتحريم الخمر، وتحريم الزنا والحد عليه، والقرعة، وأن لا يطوف أحد بالبيت عرياناً، وإضافة الضيف، وأن لا ينفقوا إذا حجّوا إلاّ من طيب أموالهم، وتعظيم الأشهر الحرم، ونفي ذوات الرايات [24] وفي السنة الثامنة من مولد النبي(صلي الله عليه وآله) توفي عبدالمطلب وقد أوصي ولده البار أباطالب برعاية محمد(صلي الله عليه وآله)

وكفالته بعده، وأنشد في ذلك يقول: اُوصِيكَ يا عبدَ منَاف بَعْدي بمُفْرَد بَعْدَ أبيه فَرْدِ فارَقَه وهْوَ ضَجيعُ المَهْدِ فكنتُ كالاُ مّ له في الوَجدِ لِدَفْعِ ضَيْم أوْ لشَدّ عَقْدِ [25]

الصفات الشخصية لأبي طالب

اشاره

اسمه: عبد مناف بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ابن قصي. لقبه: أبو طالب، وسيد البطحاء، وشيخ قريش، ورئيس مكة وبيضة البلد، والشيخ، وشيخ الأباطح [26] و(أبو طالب) لقب غلب عليه حتي لم يُعرف أحد يناديه باسمه الأصلي (عبدمناف) [27] ولادته: بعد حفر زمزم وقبل عام الفيل ومولد النبي(صلي الله عليه وآله)بخمس وثلاثين سنة. وفاته: توفي في النصف من شهر شوال في السنة العاشرة من النبوة وعمره حين توفي بضع وثمانون سنة، قبل الهجرة بثلاث سنوات، وذلك بعد خروجه من الشِعب بثمانية أشهر وواحد وعشرين يوماً [28] اُخوته: اُخوته من اُمه وأبيه عبدالله والد النبي والزبير، واُمهم فاطمة بنت عمرو بن العائد من بني مخزوم وهي آخر زوجات عبدالمطلب. سيادته علي قومه: كان أبو طالب يتمتع بشخصية قوية مهابة في نفوس قومه طاهراً مستقيماً يقلدونه في أفعاله، ولا يتقدمونه بأمر إلاّ بعد أن يستشيروه، وكانت رئاسة قريش بعد عبدالمطلب لأبي طالب، وكان أمره نافذاً [29] وجاء في حديث عفيف الكندي: أنه لما رأي النبي(صلي الله عليه وآله)يصلّي في مبدأ الدعوة، ومعه امرأة قال: فقلت للعباس: أي شيء هذا؟ قال هذا ابن أخي يزعم أنه رسول من الله الي الناس، ولم يتبعه علي قوله إلاّ هذا الغلام، وهو ابن أخي أيضاً، وهذه الإمرأة هي زوجته، قال، فقلت: فما الذي تقولونه أنتم؟ قال: ننظر ما يفعل الشيخ، يعني أبا طالب [30] وكانت لعبدالمطلب علاقة خاصة مع أبي طالب لما كان يعرفه من علوّ منزلته، وكان

يتفرس به الخير، فهو الامتداد للسلالة الطاهرة من أجداد النبي والوارث لقيمهم ومواقعهم الاجتماعية والسياسية. وقيل لأكثم بن صيفي _ وكان من المعمّرين _: إنك لأعلم أهل زمانك، وأحكمهم وأحلمهم، فقال: ولم لا أكون كذلك؟ وقد جالست أبا طالب بن عبدالمطلب دهره، وعبدالمطلب دهره، وهاشماً دهره، وعبدمناف دهره، وقصيّاً دهره، وكل هؤلاء سادات أبناء سادات فتخلّقت بأخلاقهم وتعلّمت من حلمهم واقتبست سؤددهم، واتبعت آثارهم [31] وطلب عبدالمطلب من ولده أبي طالب أن يتولي كفالة النبي(صلي الله عليه وآله)، فكان عند حسن ظنّ أبيه فرعاه وعطف عليه، ولم يجعله فقط كواحد من أبنائه بل كان يقدّمه عليهم أجمعين [32] وارتبط أبو طالب بالرسول وانشدّ إليه عاطفياً، فكان يحبّه حباً شديداً، وكان لا ينام إلاّ الي جنبه، ويخرج فيخرج معه. وصُبَّ به أبو طالب صبابة لم يُصَبَّ مثلها بشيء قط. وكان يخصّه بالطعام، فإذا أكل عيال أبي طالب جميعاً أو فرادي لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله(صلي الله عليه وآله) شبعوا، فكان إذا أراد أن يغذّيهم قال: كما أنتم حتي يأتي ولدي. فيأتي رسول الله(صلي الله عليه وآله)فيأكل معهم فكانوا يفضلون من طعامهم، وإن لم يكن معهم لم يشبعوا فيقول أبو طالب: إنّك لمُبارك. وكان الصبيان من أولاد أبي طالب يصبحون رُمصاً شعثاً ويصبح رسول الله(صلي الله عليه وآله) دهيناً كحيلاً [33] وشبّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) في كنف أبي طالب يكلؤه ويحفظه ويحوطه من اُمور الجاهلية ومعائبها لما يريد من كرامته [34]

زواج أبي طالب من فاطمة بنت أسد

أبوها أسد بن هاشم بن عبدمناف بن قصي، وهي أوّل هاشمية تتزوج من هاشمي فولدت له: طالباً وعقيلاً وجعفراً وعليّاً. وكانت فاطمة لرسول الله (صلي الله عليه وآله) بمنزلة الاُم الحنونة،

فتربّي(صلي الله عليه وآله)في حجرها وكان شاكراً لبرِّها، وكان يسمِّيها اُمي، وكانت هي تفضله علي أولادها في البرّ. سبقت الي الإسلام وهاجرت الي المدينة، ولما توفيت كفّنها رسول الله(صلي الله عليه وآله) بقميصه، وأمر أن يحفر قبرها فلما بلغوا لحدها حفره بيده واضطجع فيه وقال: «اللهم اغفر لاُمي فاطمة بنت أسد ولقّنها حجّتها ووسّع عليها مدخلها»، فقيل: يا رسول الله! رأيناك صنعت شيئاً لم تكن تصنعه بأحد قبلها فقال: «ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة، واضطجعت في قبرها ليوسّعه الله عليها، وتأمن من ضغطة القبر، إنها كانت من أحسن خلق الله صنعاً إليَّ بعد أبي طالب». وروت فاطمة عن رسول الله(صلي الله عليه وآله) ستة وأربعين حديثاً [35] وقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «هذه المرأة كانت اُمي بعد اُمي التي ولدتني، إن أبا طالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة، وكان يجمعنا علي طعامه فكانت هذه المرأة تفضل من كلّه نصيباً فأعود فيه» [36] وقال ابن عباس: هي أوّل امرأة هاجرت من مكة الي المدينة ماشية حافية [37] ولا يفوتنا خطبة أبي طالب التي تكلّم بها عندما أقدم علي زواج فاطمة بنت أسد، الكاشفة عن قوّة شخصيته ومستوي تمسّكه بخط النبوّة، حيث نسب نفسه وسيادته لقريش الي النبي إبراهيم. فقال: الحمد لله رب العرش العظيم، والمقام الكريم، والمشعر والحطيم، الذي اصطفانا أعلاماً وسدنةً وعرفاء، خُلّصاً، وقادةً وحجبة بهاليل [38] أطهاراً من الخنا والريب والأذي، والعيب [39] وأقام لنا المشاعر، وفضّلنا علي العشائر، نخب آل إبراهيم وصفوته وزرع إسماعيل. ثم قال: وقد تزوجت فاطمة بنت أسد وسقت المهر ونفّذت الأمر فاسألوه وأشهدوا، فقال أبوها أسد: زوّجناك ورضينا بك، ثم نحر أبو طالب الإبل وأطعم الناس

سبعة أيام، فقال اُمية بن أبي الصلت يذكر ذلك: أغمرنا عرس أبي طالب فكان عرساً ليّن الحالب اقرأه البدو بأقطاره من راجل خفّ ومن راكب فنازلوه سبعة اُحصيت أيّامها للرجل الحاسب [40]

ابوطالب يخلف أباه

ورث أبو طالب كل مناصب أبيه ومكانته الاجتماعية، فقد كان قويّ الشخصيّة سامياً في أخلاقه، شجاعاً طيب النفس، فأصبح سيد بني هاشم، ولم يكن هو الابن الأكبر لعبد المطلب. واحتل السيادة لقريش رغم فقره، لأن السيادة تحتاج الي المال الكثير وهو لا مال له، ولذا قيل: لم يكن أحد يسود قريشاً بلا مال سوي أبي طالب. قال الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام): «أبي ساد فقيراً وما ساد فقير قبله» [41] وحين تولّيه لمكانة أبيه أوكل سقاية الحاج لأخيه العباس بن عبدالمطلب، لأن هذه المهمة تحتاج الإنفاق الكثير، والعباس لديه المال. وكان أبو طالب واسع التفكير أصيلاً في تربيته، إنه الفرع الذي التزم بمبادئ الحنفية. فنجده أوّل من سنّ القسامة في الجاهلية في دم عمر بن علقمة، ثم أثبتتها السنّة في الإسلام [42] وكان أبو طالب ذا هيبة ومكانة عالية في الجاهلية، فكان يباشر جبر ما انكسر من مواشيه وأنعامه بيده فإذا جاء الوافد إليه وهبها مع رعاتها له. وكان نديم أبي طالب في الجاهلية مسافر بن عمرو، وهو أحد أزواد الركب، وإنما سُمي بذلك لأنهم كانوا لا يدعون غريباً ولا مارّاً ولا محتاجاً يجتاز بهم إلاّ أنزلوه وتكفّلوا به حتي يظعن [43]

ابوطالب شاعرا

قيل لتأبّط شراً، الشاعر المعروف واسمه ثابت بن جابر: مَن سيد العرب؟ فقال: أخبركم سيد العرب أبو طالب. وقيل لأكثم: ممّن تعلمت الرئاسة والحكم والسيادة؟ فقال: من حليف الحلم والأدب، سيد العجم والعرب أبي طالب [44]

مستوي علاقة أبي طالب مع النبي

استمر أبو طالب في رعايته المخلصة للنبي(صلي الله عليه وآله)، وكان يترقّبه ويتطلّع فيه المستقبل العظيم، وكان يشد أزره ولم يخذله أو يتخلّي عنه طرفة عين وكان يصطحبه في المهمات. لم يمض أكثر من اثني عشر ربيعاً من عمر النبي(صلي الله عليه وآله)، فأراد أبو طالب السفر الي الشام مع قافلة قريش التجارية، وحين كان يستعد للسفر وعند المغادرة أخذ النبي(صلي الله عليه وآله) فجأة بزمام الناقة التي كان يركبها عمّه وكافله أبو طالب، وبينما كانت عينا النبي(صلي الله عليه وآله) قد اغرورقت بالدموع قال: «يا عم الي من تكلني، لا أب لي ولا اُم». ولمّا رأي أبو طالب عيني محمد(صلي الله عليه وآله) قد اغرورقتا بالدموع; تأثّر لهذا المشهد وقرّر من فوره ومن دون سابق تفكير في الموضوع أن يصطحب ابن أخيه محمداً(صلي الله عليه وآله) معه في هذه الرحلة. وقد شهد من النبي أثناء الطريق كرامات وخوارق حتي أنشأ في ذلك قصيدة: إن ابن آمنة النبي محمداً عندي يفوق منازل الأولاد [45] فكّر أبو طالب في وضع محمد(صلي الله عليه وآله) المعيشي وضرورة أن يكون له عمل; فاقترح عليه العمل والتجارة بأموال خديجة بنت خويلد التي كانت امرأة تاجرة، ذات شرف عظيم ومال كثير تستأجر الرجال في مالها، أو تضاربهم إياه بشيء منه تجعله لهم. قال أبو طالب للنبي(صلي الله عليه وآله): يا ابن أخي! هذه خديجة بنت خويلد قد انتفع بمالها أكثر الناس، وهي تبحث

عن رجل أمين فلو جئتها فعرضت نفسك عليها; لأسرعت إليك وفضّلتك علي غيرك لما يبلغها عنك من طهارتك. ولكن إباء النبي(صلي الله عليه وآله) وعلوّ طبعه منعاه من الإقدام بنفسه علي هذا الأمر من دون سابق عهد، ولهذا قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) لعمّه: «فلعلّها ترسل إليَّ في ذلك». فبلغ خديجة بنت خويلد مادار بين النبي(صلي الله عليه وآله) وعمّه أبي طالب، فبعثت إليه فوراً تقول له: إني دعاني الي البعث إليك ما بلغني من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلاً من قومك، وأبعث معك غلامين يأتمران بأمرك في السفر. فأخبر رسول الله(صلي الله عليه وآله) عمّه بذلك، فقال له أبو طالب: «إن هذا رزق ساقه الله» [46] لقد اُعجبت خديجة بعظمة فتي قريش وسموّ أخلاقه ومقدرته التجارية، حتي أنها أرادت أن تعطيه مبلغاً زيادة علي ما تعاقدا عليه تقديراً له وإعجاباً به، ولكنه اكتفي بأخذ ما تقرّر في البداية، ثم توجّه الي بيت عمّه أبي طالب، وقدّم كل ما أخذه من خديجة الي عمه أبي طالب ليوسّع به علي أهله. ففرح أبو طالب بما عاين من ابن أخيه وبقية أبيه عبدالمطلب وأخيه عبدالله، واغرورقت عيناه بالدموع، وسرّ بما حقق من نجاح وما حصل عليه من ربح من تلك التجارة سروراً كبيراً، واستعدّ أن يعطيه بعيرين يسافر عليهما ويتاجر، وراحلتين يُصلح بهما شأنه، ليتسني له بأن يحصل علي ثروة ومال يعطيه لعمّه ليختار له زوجة. في مثل تلك الظروف عزم النبي(صلي الله عليه وآله) علي الزواج وفاتح عمّه بذلك، ووقع الاختيار علي خديجة، وخطب أبو طالب خطبة بهذه المناسبة قال فيها: [47] «الحمد لله الذي جعلنا من ذرية

إبراهيم وزرع إسماعيل، وجعل لنا بلداً حراماً وبيتاً محجوجاً، وجعلنا الحكّام علي الناس، ثم إن محمد بن عبدالله أخي، من لا يوازن به فتيً من قريش إلاّ رجح عليه برّاً وفضلاً، وحزماً وعقلاً، ورأياً ونبلاً، وإن كان في المال قُلٌّ فإنّما المال ظلٌّ زائل وعارية مسترجعة، وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعليَّ وله _ والله _ بعد نبأ شائع وخطب جليل» [48] وتتضمن هذه الخطبة عدة اُمور تكشف عن مستوي أبي طالب الفكري والنفسي منها: 1 _ إنّه أشار بأنه والنبي من ذرية إبراهيم الخط الموحّد المعروف. 2 _ الاعتراف بقدسية الكعبة ورمزيتها لتوحيد الله. 3 _ أوضح بأن الرئاسة لقريش جاءت بتقدير من الله سبحانه لا علي أساس الوثنية أو المال أو غيرهما. 4 _ يعتقد أبو طالب بأن النبي(صلي الله عليه وآله) هو ذلك الإنسان الذي لا يساويه أحد من شباب قريش، ولم يكن ذلك علي أساس القرابة أو العصبية; وإنّما عن وعي وبصيرة بشخص محمد(صلي الله عليه وآله). 5 _ وضّح أبو طالب المقاييس الأخلاقية والقيمية التي تفوّق بها محمد(صلي الله عليه وآله) علي غيره، وهذا كاشف عن قدرة إدراك أبي طالب الأصيل وإيمانه بهذه القيم التي اعتمدتها الرسالة الإسلامية فيما بعد. 6 _ تعهّد أبو طالب رغم قلّة ماله بأن يدفع كل ما يحتاجه محمد من المال لغرض الزواج، وعليه هو المبادر لزواج الرسول لا غيره. لم يكن تبنّي أبي طالب والتزامه للنبي(صلي الله عليه وآله) ناتجاً من علاقة عمومة، وبعد ذلك دفعته العصبية لأن يحميه، وإلاّ لماذا لا تدفع هذه العصبية والقبلية عمّه أبا لهب؟ وإنّما الذي استقر في ذهن أبي

طالب وقلبه عظمة النبي(صلي الله عليه وآله) ومستقبله الإلهي، وأبو طالب قد سمع من أبيه عبدالمطلب بأن في ذريته النبوّة. وتأكيدات الرهبان مثل بحيري الراهب وقوله لأبي طالب: ارجع بابن أخيك الي بلده واحذر عليه اليهود، فوالله لو رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغينّه شراً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم فاسرع به الي بلاده [49] إذاً، ترجع هذه العناية للخلفية الدينية التي كان يتمتع بها أبو طالب، لأنه كان علي دين أبيه عبدالمطلب، حتّي أ نّه لما سئل الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام): مَنْ كان آخر الأوصياء؟ فقال: «أبي» [50] ولذا يشير علي بن يحيي البطريق في بيان سرّ علاقة أبي طالب بالنبي بقوله: «لولا خاصة النبوة وسرّها، لما كان مثل أبي طالب _ وهو شيخ قريش ورئيسها وذو شرفها _ يمدح ابن أخيه وهو شاب» [51] ولما بُعث الرسول(صلي الله عليه وآله): وأنذر عشيرته الأقربين وهو في بيت أبي طالب; أسلمت تلك العائلة تدريجياً علي يديه. وتفرّد أبو طالب من يومه في موقفه وطريقة إسلامه ودعمه للرسالة لتأثيره علي قريش من جهة، وعلي بني عبدالمطلب وبني هاشم من جهة اُخري. لذا كان يحتاج الي منهج توعوي يتم بواسطته استيعاب تلك القوي، ومن هنا نجد أن أبا طالب قد مارس عدة أساليب تكشف بدورها عن الدور العظيم الذي قام به لصالح الإسلام. الاُسلوب الأوّل: إنّ معرفة أبي طالب لقريش ليست كمعرفة غيره بها، فهو علي وعي تام بما يدور في خلد قريش، وماهي نقاط الضعف والقوة عندهم، كما أنه كان علي دراية تامة بكيفية طبخ القرارات السياسية عند القرشيين، لأنه القريب من موقع القرار والرؤوس المدبّرة له. وصرّح أبو طالب لقريش بأنه

علي دين عبدالمطلب، وأن نفسه لا تطاوعه علي فراق دين عبدالمطلب، وهذه التصاريح لا تتعارض مع إيمانه الجديد. وتُوهم الخصوم بأنّه ما زال علي دينه القديم من جهة، ولأن أبا طالب كان بصدد استغلال موقعه لصالح الرسالة من جهة اُخري، وليس من الصحيح التفريط به وهو مازال يعد فيه لوناً من الخدمة لأهداف الرسالة. وبلاشك أن قريشاً تعلم _ وكما هو واضح _ بأن الخطر يكمن في بيت أبي طالب بسبب وجود الرسول وأولاد عمّه [52] فعليه، يكون أبو طالب بالمنظور القبلي هو المسؤول عن بوادر هذا الخطر. يقول عقيل بن أبي طالب: «من هنا جاءت قريش لأبي فقالوا: إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي كعبتنا وفي ديارنا ويُسمعنا ما نكره، فإن رأيت أن تكفّه عنّا فافعل. فقال لي: يا عقيل! التمس ابن عمّك، فأخرجه من كيس من أكياس أبي طالب، فجاء يمشي معي يطلب الفيء، يطأ فيه لا يقدر عليه حتي انتهي الي أبي طالب فقال: يا ابن أخي! والله لقد كنت لي مطيعاً جاء قومك يزعمون أنّك تأتيهم في كعبتهم وفي ناديهم فتؤذيهم وتسمعهم ما يكرهون، فإن رأيت أن تكفّ عنهم»، فحلّق الرسول(صلي الله عليه وآله) بصره الي السماء، وقال: «والله ما أنا بقادر أن أردَّ ما بعثني به ربّي، ولو أن يشعل أحدهم من هذه الشمس ناراً» فقال أبو طالب: «والله ما كذب قط فارجعوا راشدين» [53] وحين قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) للقوم: «من يؤازرني علي ما أنا عليه ويجيبني علي أن يكون أخي وله الجنة؟ قال علي(عليه السلام) فقلت: أنا يا رسول الله، وإني لأحدثهم سنّاً وأخمشهم ساقاً وسكت القوم، ثم قالوا: يا أبا طالب! ألا تري ابنك،

قال: دعوه فلن يألو من ابن عمه خيراً» [54] وفي رواية: «لما أراد النبي أن يتكلّم اعترضه أبو لهب، فقال له أبو طالب: اسكت يا أعور، ما أنت وهذا؟! ثم قال لا يقومنّ أحدٌ. قال: فجلسوا ثم قال للنبي(صلي الله عليه وآله): قُم يا سيدي فتكلّم بما تحب وبلّغ رسالة ربّك فإنّك الصادق المصدّق» [55] الاُسلوب الثاني: في الوقت الذي كان يواصل أبو طالب حواراته مع قريش، مستفيداً من موقعه ومكانته في قلوبهم، نجده من جهة اُخري يحثّ أبناءه: طالباً وعقيلاً وجعفراً وعليّاً علي ضرورة مرافقة محمد(صلي الله عليه وآله)، وشدّ أزره والإيمان بما جاء به. حتّي قال يوماً لعلي _ وهو الأوّل من اخوته إسلاماً _: ماهذا الدين الذي أنت عليه؟ فقال: «يا أبت! آمنت بالله وبرسول الله وصدقته بما جاء به وصليتمعه لله واتبعته». فقال أبو طالب لولده علي(عليه السلام): الزم ابن عمّك [56] وفي رواية: يا بني! الزم ابن عمّك فإنّك تسلم به من كل بأس عاجل وآجل. ثم قال لي: إن الوثيقة لزوم محمد فاشدد بصحبته علي أيديكا وفي كلام آخر لأبي طالب يحرّض ولديه بلزوم الرسول(صلي الله عليه وآله): إن عليّاً وجعفراً ثقتي عند ملم الزمان والنوب لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما أخي لاُمي من بينهم وأبي [57] وهذا لا يعني أن الرسول(صلي الله عليه وآله) قد أخفي أمر الرسالة عن عمّه أبي طالب وكافله وناصره، وقد فوجئ مثلاً بإيمان علي، نعم ربّما فوجئ بهيئة الصلاة وطريقتها، فالدعم والتوصية من قبل أبي طالب بالنبي(صلي الله عليه وآله) ما هو إلاّ تأكيد لعزم علي(عليه السلام)، وضرورة شدّ أزر النبي(صلي الله عليه وآله)والمضي في رسالته. ويشهد علي ذلك أن أبا طالب عندما

شاهد النبي(صلي الله عليه وآله) وعليّاً يصليان وعليٌّ علي يمينه قال لجعفر(رضي الله عنه): صِل جناح ابن عمّك، وصلّ عن يساره، وكان إسلام جعفر بعد إسلام أخيه علي، بقليل [58] الاُسلوب الثالث: وجد أبو طالب أن من الضروري أن يواجه قريشاً وأن لا يستجيب لمطالبها، وإذاً فالتحدي أمر مفيد ومؤثر في سياستها، لأن أبا طالب كان يتلمّس مواطن الضعف والقوة في الصف القرشي، ثمّ يجد أن العزم والتوكل علي الله كفيل بالنصر. لذا نجده يوصي أخاه حمزة بأن يستعين بالله، وأن لا يخاف من قريش وحكاياتها وإشاعاتها حول الرسول(صلي الله عليه وآله). وبهذا أراد أبو طالب أن يوقي أخاه من تلك الشُبهة والدعايات المغرضة، مخافة أن تخفّف من عزمه، ثم أراد أن يعبّر له بأنه مسرور وفرح بإسلامه وتأييده للرسول الذي ينبغي أن يكون بمستوي التضحية مهما كلف الثمن. وأبو طالب لم يكن ذلك الإنسان المتحجّر في فكره; وإنّما هو ذو ذهن متجدد يتطلع للحق ويدرك وثنية الفكر الجاهلي، من هنا قال لحمزة: فصبراً أبا يعلي علي دين أحمد وكن مظهراً للدين وفّقت صابرا وحطّ من أتي بالحقّ من عند ربّه بصدق وعزم لا تكن حَمْزُ كافرا فقد سرّني إذ قلت إنّك مؤمن فكن لرسول الله في الله ناصرا وبار قريشاً بالذي قد أتيته جهاراً وقل: ما كان أحمد ساحرا [59] ولوحظ بهذا الاتجاه جواب أبي طالب لولده علي(عليه السلام) عندما بلّغ النبي(صلي الله عليه وآله) عليّاً بالرسالة وقول عليّ للنبي(صلي الله عليه وآله): يا رسول الله، حتي أمضي واستأذن والدي فقال له: اذهب سيأذن لك، فانطلق إليه يستأذنه في اتباعه _ وهذه إشارة لإيمان أبي طالب وعلم النبي(صلي الله عليه وآله) بمعدنه، وإلاّ لا

يجوز أن يؤخذ إذنُ الكافر في أن يكون الإنسان مسلماً_ فكان جواب أبي طالب لعلي: يا ولدي! تعلم أنّ محمداً أمين الله منذ كان، إمض إليه واتّبعه ترشد وتفلح [60] الاُسلوب الرابع: لما خرج عمرو بن العاص الي بلاد الحبشة ليكيد بجعفر بن أبي طالب وأصحابه عند النجاشي، قال: تقول ابنتي أين أين الرحيل؟ وما البين مني بمستنكرِ فقلت دعيني فإني امرؤٌ اُريد النجاشي في جعفر لاُكويه [61] عنده كيّة اُقيم بها نخوة الأصعر [62] ، [63] كما حثّ أبو طالب النجاشي علي ضرورة إكرام المهاجرين بالهجرة الثانية [64] ، لأن أبا طالب كانت له علاقة طيّبة مع النجاشي وذلك بقوله: ألا ليت شعري كيف في النّأي جعفر وعمرو وأعداء النبيّ الأقاربُ؟ فهل نال أفعال النجاشي جعفراً وأصحابه أو عاق ذلك شاغبُ؟ تعلّم أبيت اللعن إنّك ماجد كريم فلا يشقي لديك المجانب تعلّم بأن الله زادك بسطة وأفعال خير كلّها بك لازب وإنّك فيض ذو سجال غزيرة ينال الأعادي نفعها والأقارب [65] ودعاه اُخري الي الإسلام كما جاء ذلك في قوله: ليعلم خيار النّاس أن محمداً نبي كموسي أو المسيح بن مريم أتانا بهدي مثل الذي أتيا به فكلٌّ بأمر الله يهدي لمعصم [66] الاُسلوب الخامس: تجاهل أبو طالب موقف قريش وحدّته من الرسالة عن طريق مخاطبته لسادتهم وكبرائهم، فقد دعا أبا لهب في أن ينضم الي الرسالة مخاطباً إيّاه: وإن امرأً أبو عُتيبة عمّهُ لفي روضة ما إن يُسامُ المظالما أقول له، وأين منه نصيحتي: أبا معتب ثبت سوادك قائما فلا تقبلنّ الدهر ما عشت خطة تسبُ بها إما هبطت المواسِما وَولِّ سبيل العجز غيرك مِنهم فإنّك لم تخلق علي العجز لازما وحاربوأن الحرب

نصفٌولن تري أخا الحرب يُعطي الخسف حتي يسالما وكيف ولم يجنوا عليك عظيمة ولم يخذلوك غانماً أو مغارما؟ جزي الله عنّا عبد شمس ونوفلاً وتيماً ومخزوماً عقوقاً ومأثما بتفريقهم من بعد وُدّ وألفة جماعتنا كيما ينالوا المحارما كذبتم وبيت الله نبزي محمداً ولما تروا يوماً لدي الشِعب قائماً [67] وطبيعي أن أبا لهب يعتبر من كبار قريش وله دور مهم في قرار المشركين، فإذا جوبه بهذا الإعلام فعلي الأقل تنكسر شوكته ويخفّ كيده وحقده مع احتمال أن يتحيّد أو يسلم. وبهذا السياق تمثل خطابات أبي طالب لأبي لهب وغيره تحدّياً وحرباً نفسية تثبّط العزم وتربك صفوف الأعداء، وتفتح آفاقاً جديدة للمسلمين في أن يواصلوا تبليغهم للرسالة. ثم إن خطابات أبي طالب تثري المسلمين بالمعلومات، لأنها تكشف عن الموقف الحقيقي للأعداء، فلولا هذه الاستفزازات التي تصدّي لها أبو طالب، لما أمكن إدراك طبيعة التفكير الجاهلي وعمق الموقف من الرسالة. فممّا قاله أبو طالب في هذا الصدد: أفيقوا أفيقوا قبل أن يُحفر الثري ويصبح من لم يَجنِ ذنباً كذي الذنب [68] وأعرب أبو طالب عن كامل استعداده في أن يضم القبائل الاُخري ويعلنها حرباً لا هوادة فيها حتي قال: ولسنا نَمِلُّ الحرب حتي تملّنا ولا نشتكي ما قد ينوب من النُكب وكان العباس بن عبدالمطلب أخو أبي طالب يعترف بقدرة وسطوة أبي طالب، في كونه الأدقّ رؤية والأكثر معرفة في أوضاع قريش واستعداداتها، وهو الأجدر في تبنّي الصعاب والمخاطر التي ترتكبها قريش أمام الرسالة، ولذا نجد الرسول(صلي الله عليه وآله) عندما يفاتح عمّه العباس بقوله: «إن الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك؟» يقول له العباس: يابن أخي! إنّك تعلم بأنّ قريشاً أشد الناس

حسداً لولد أبيك، وإن كانت هذه الخصلة، كانت الطامّة الطمّاء والداهية العظيمة، ورمينا عن قوس واحد وانتسفونا نسفاً، صلنا ولكن قرّب إلي عمّك أبي طالب فإنّه كان أكبر أعمامك إن لم ينصرك لا يخذلك ولا يسلمك، فأتياه، فلمّا رآهما أبو طالب قال: إن لكما لظنّة وخيراً. ما جاء بكما في هذا الوقت؟ فعرّفه العباس ما قال له النبي(صلي الله عليه وآله)وما أجابه به العباس، فنظر إليه أبو طالب وقال له: اُخرج يا ابن أخي فإنّك الرفيع كعباً والمنيع حزباً والأعلي أباً، والله لا يسلقك لسان إلاّ سلقته ألسنٌ حداد واجتذبته سيوف حداد، والله لتذلنّ لك العرب ذلّ البهم لحاضنها، لقد كان أبي يقرأ الكتاب جميعاً، ولقد قال: إن من صلبي لنبيّاً لوددت أ نّي أدركت ذلك الزمان، فآمنت به فمن أدركه من ولدي فليؤمن به [69] ثم ذكر صفة اظهار نبيّهم(صلي الله عليه وآله) للرسالة عقيب كلام أبي طالب له وصورته وشهادته.

تنوع أساليب أبي طالب و دعمه النبي

اشاره

وهكذا واصل رسول الله(صلي الله عليه وآله) دعوته، وأبو طالب يرافقه طيلة الاثني والأربعين عاماً التي قضاها معه، وأخذ(صلي الله عليه وآله) يبلّغ قومه كما أمره الله تعالي، ولم تشدّد قريش من مواجهتها للنبي حتّي بدأ رسول الله يهاجم آلهتهم، ولعلمها بأن وراء محمد(صلي الله عليه وآله) قوة لا يمكن تجاوزها قد تمثلت في أبي طالب، وأدركت من جهة أن السكوت سوف لا يُبقي عليها ولا يذر، فصعّدت قريش من خططها، وكانت وسيلتهم في ذلك تتركز بعزل محمد عن بني هاشم، لأن محمداً رجل يسهل قتله والقضاء علي دعوته، ولكن العقبة الكؤود هم بنو هاشم، الذين أعلنوا بلسان أبي طالب أنهم حُماة النبي، وأن أي اعتداء عليه هو بمثابة إعلان حرب، لن

تضع أوزارها حتي يفني الهاشميون والبطون معاً [70] ، لذا اجتمعت قريش عدة اجتماعات وتحاوروا فيما بينهم وقرّروا عدّة قرارات، لعلّها تثني الرسول وعمّه، أو تساهم في عزل محمد عن بني هاشم وعبدالمطلب، وبالتالي يتخلّصون من هذا الخطر العاصف بملكهم، فمن القرارات: 1 _ أن يتحركوا نحو أبي طالب لغرض تحييده عن الرسول ويستبطن هذا السعي التهديد لأبي طالب إن لم يتخلَّ عن محمد، فجاؤوا بعمارة بن الوليد بن المغيرة الشاب الجميل إذ كانوا يعتبرونه أنهد فتيً في قريش، وقالوا لأبي طالب: هذا عمارة فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولداً [71] فهو لك وسلّم إلينا ابن أخيك هذا الذي خالفك دينك ودين آبائك، وفرّق جماعة قومك وسفّه أحلامهم، فنقتله فإنّما هو رجل برجل. وهذه المحاولة تكشف لنا عن عدّة اُمور منها: أ _ عدم قدرة قريش علي مواجهة أبي طالب بقوّة السلاح، ولو كان بمقدور قريش قتل النبي بلا ردّ فعل من أبي طالب لقتلته، إلاّ أنها كانت تحسب لذلك وتخشاه. ب _ إنّ المستقر في ذهن قريش أن النبي يُعدّ ابناً لأبي طالب، لذا فكّروا في تعويضه بعمارة لا تعويض غيره. ج _ تهدف هذه المحاولة الي تحييد أبي طالب وإصرار قريش علي مواجهة الرسول(صلي الله عليه وآله)وقتله، وبالتالي الإيعاز لأبي طالب بأنها سوف لا تقف مكتوفة الأيدي أمام تحدي أبي طالب نفسه. د _ عدم افصاح قريش بكفر أو إسلام أبي طالب، وكأن المسألة الخلافية هو تحدي المواقع التي تتبناها قريش، وهذا لا يمكن السكوت عليه. 2 _ هتك حرمة الرسول وإهانته: فحينما خرج النبي يوماً الي الكعبة وأراد أن يصلي، فلمّا دخل في الصلاة قال أبو جهل _ لعنه الله _ من

يقوم الي هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعري فأخذ فرثاً ودماً فلطّخ به وجه النبي(صلي الله عليه وآله) فانفتل النبي(صلي الله عليه وآله) من صلاته. 3 _ مقررات الصحيفة هي البنود التي تعاهدت فيها قريش ضدّ الرسول(صلي الله عليه وآله)، أو ما تسمي بمقررات المقاطعة وهي: أ _ أن لا ينكحوا أحداً من بني هاشم وبني عبدالمطلب. ب _ أن لا يقبلوا منهم صلحاً أبداً. ج _ أن لا يبايعوا منهم شيئاً ولا يبتاعوا. د _ أن لا تأخذهم بهم رأفةٌ حتي يسلّموا رسول الله. وقد خطّت هذه الوثيقة بخطّ منصور بن عكرمة، وعلّقت منها صحيفة في الكعبة هلال المحرم سنة سبع من البعثة، وكان الاجتماع في بني كنانة.

موقف أبي طالب أمام هذه القرارات والأساليب

الموقف الأول: ردّ أبو طالب علي العرض الذي تقدّمت به قريش في قصة عمارة بن الوليد بقوله: والله لبئس ما تسومونني، أتعطوني ابنكم أغدوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟! هذا والله ما لا يكون أبداً، فقال المطعم بن عدي بن نوفل: والله يا أبا طالب! لقد أنصفك قومك وجهدوا علي التخلص ممّا تكرهه، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً؟ فقال أبو طالب للمطعم: والله ما أنصفوني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليَّ فاصنع ما بدالك. «وقال أبو طالب شعراً في هذه المرحلة العصيبة، وأشارالي الانقسام في البيت القرشي، بخصوص الرسالة وبيّن موقفه منها: ألا قل لعمر والوليد ومطعم ألا ليت حظي من حياطتكم بكرُ من الخور حباب كثير رُغاؤه يُرشُ علي الساقين من بوله قطرُ أري أخوينا من أبينا واُمنا إذا سُئلا قالا: الي غيرنا الأمر بلي لهما أمرٌ ولكن تجرجما كماجرجمت من رأس ذي علق صخر [72] أخصّ خصوصاً عبدشمس ونوفلاً

هما نبذانا مثل ما ينبذ الجمرُ هما أغمزا للقوم في أخويهما فقد أصبحا منهم أكفّهما صفرُ هما أشركا في المجد من لا أبا له من الناس إلاّ أن يُرس له ذُكر [73] وتيم ومخزوم وزهرة منهم وكانوا لنا مولي إذا بني النصر فوالله لا تنفك منا عداوة ولا منهم ما كان من فلسنا شغر [74] فقد سفّهت أحلامهم وعقولهم وكانوا كجفر بئس ما صنعت جفر وماذاك إلاّ سؤدد خصّنا به إله العباد واصطفانا له الفخر رجال تمالوا حاسدين وبغضة لأهل العُلي فبينهم أبداً وترُ وليد [75] أبوه كان عبداً لجدّنا الي علجة الزرقا جال بها السحرُ الموقف الثاني: عالج أبو طالب التعدي الذي صدر من عبدالله بن الزبعري المدفوع من قبل أبي جهل بردّ فعل قوي، فبمجرد أن قال الرسول(صلي الله عليه وآله) لعمّه: يا عمّ! ألا تري ما فُعل بي؟ فقال أبو طالب: مَن فعل هذا بك؟ فقال النبي(صلي الله عليه وآله): عبدالله بن الزبعري. فقام أبو طالب ووضع سيفه علي عاتقه ومشي معه حتي أتي القوم _ وأبو طالب يعلم من الذي حرّك هذا النكرة _ فلمّا رأوا أبا طالب قد أقبل جعل القوم ينهضون; فقال أبو طالب: والله لئنقام رجل لجلّلته بسيفي فقعدوا حتي دنا إليهم، فقال يا بُنيّ من فعل بك هذا؟ فقال: عبدالله بن الزبعري، فأخذ أبو طالب فرثاً ودماً فلطّخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم وأساء لهم القول [76] الموقف الثالث: خرج الرسول(صلي الله عليه وآله) ذات يوم من بيت أبي طالب(عليه السلام) ولم يعد، وجاء أبو طالب وعمومته الي منزله فلم يجدوه، فجمع أبو طالب جمعاً من فتيان بني هاشم وبني عبدالمطلب، وهو يظن أن قريشاً كادت برسول الله(صلي

الله عليه وآله)، فقال لهم: ليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة، ثم ليتبعني فإذا دخلت المسجد فلينظر كل فتي منكم، فليجلس الي عظيم من عظمائهم فيهم ابن الحنظلية _ يعني أبا جهل _ فإنه لم يغب عن شرّ إن كان محمد قد قتل، فقال الفتيان: نفعل، فجاء زيد بن حارثة فوجد أبا طالب علي تلك الحال فقال: يا زيد أحسست ابن أخي؟ قال: نعم كنت معه آنفاً. فقال أبو طالب. لا أدخل بيتي أبداً حتي أراه. فخرج زيد سريعاً حتي أتي رسول الله(صلي الله عليه وآله)، وهو في بيت عند الصفا ومعه أصحابه يتحدثون فأخبره الخبر، فجاء رسول الله(صلي الله عليه وآله)الي أبي طالب فقال يابن أخي: اين كنت؟ أكنت في خير؟ قال: نعم. قال اُدخل بيتك، فدخل رسول الله(صلي الله عليه وآله) فلما أصبح أبو طالب ومعه الفتيان الهاشميون والمطلبيون قال: يا معشر قريش! هل تدرون ما هممت به؟ قالوا: لا. فأخبرهم الخبر، وقال للفتيان اكشفوا عمّا في أيديكم، فإذا كل رجل منهم معه حديدة صارمة؟ فقال: والله لو قتلتموه ما أبقيت منكم أحداً حتي نتفاني نحن وأنتم، فانكسر القوم، وكان أشدّهم انكساراً أبو جهل [77] الموقف الرابع: ولما أدرك أبو طالب اصرار قريش، قال للرسول(صلي الله عليه وآله): يا ابن أخي! إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا. فابق عليّ وعلي نفسك ولا تحمّلني من الأمر ما لا اُطيق. فأجاب الرسول موضّحاً بأنه سيواصل مواجهته لقريش، حتي إظهار الدين، وجاء ذلك بقوله(صلي الله عليه وآله): «يا عم! لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، علي أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتي يظهره الله أو أهلك فيه». ثم استعبر رسول الله(صلي

الله عليه وآله) فبكي، ثم قام فلما ولّي ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يابن أخي! فأقبل عليه رسول الله(صلي الله عليه وآله)، فقال: اذهب يابن أخي! فقل ما أحببت فوالله لا اُسلّمك لشيء أبداً [78] الموقف الخامس: لما علم أبو طالب بتصميم قريش علي تنفيذ قرارات المقاطعة، تحرّك نحو بني هاشم وبني عبدالمطلب، فحاول إقناعهم بأحقية دعوة الرسول وضرورة التباني ووحدة الموقف، فيما بينهم. وفعلاً نجح أبو طالب في هذه المحاولة، فانضموا إليه باستثناء أبي لهب، ودخلوا معه الحصار لمدة سنتين ونصف، وقيل ثلاث سنوات، وقد تعرضوا من جرّاء المحاصرة الي شتي ألوان المعاناة. الموقف السادس: صمّم أبو طالب مع ابن أخيه محمد(صلي الله عليه وآله) علي مواجهة قرارات المقاطعة، وتلقاها بقوة وصبر عظيمين، ولم يستجب لضغوطات قريش، وكان لأبي طالب دور رسالي بارز أثناء حضور المسلمين في الشِعب. 1 _ كان أبو طالب يراقب فراش الرسول في كل ليلة لئلا يتعرض النبي(صلي الله عليه وآله) لسوء من قبل قريش. 2 _ عند نيام المسلمين في الليل كان أبو طالب يأمر أبناءه وإخوانه أو بني عمّه أن يضطجعوا علي فراش الرسول، ويريد من الرسول(صلي الله عليه وآله) أن يرقد علي بعض فرشهم، وابتغي أبوطالب من هذا الاُسلوب أن يحافظ علي حياة الرسول من الخطر [79] وبعد أن مضي زمن طويل علي المحاصرة في داخل الشِعب; جاء النبي يوماً الي أبي طالب باعتباره القطب الذي تدور حوله فعاليات الشِعب وقال له: بأن الله قد أخبره بأن الأرضة قدأكلت الصحيفة _ أي وثيقة قرارات المقاطعة _ ولم تدع شيئاً منها إلاّ اسم الله. وكان أبو طالب يدرك هذا المعني، كما أنه كان يثق بقول رسول الله ويصدّقه

مطلقاً، لذا تحرّك أبو طالب نحو قريش من أجل استثمار هذا الحدث الإلهي العظيم، ليكون دالّة وعوناً له في فكّ الحصار لينطلق الرسول بدعوته. فانطلق أبو طالب لقريش كمحاور يمثّل الرسول لعل قريشاً تقبل بطرحه الجديد وتتراجع عن حصارها. فأخبر أبو طالب قريشاً بهذا الحدث وقال لهم: إذا صدق محمد(صلي الله عليه وآله) بهذه الدعوي لا نسلّمه حتي نموت عند آخرنا، وإذا كان الخبر باطلاً; سلّمناه إليكم، ومن الثابت أن أباطالب كان يعلم بأن رسول الله صادق في قوله، ونتيجة لحوار أبي طالب قبلت قريش هذا العرض. وعند التفتيش في محتوي الصحيفة، وجدوا فعلاً أن الأرضة قد أكلت الصحيفة وتركت اسم الله، وانتصر الرسول وأبو طالب بفعل التسديد الإلهي، وثبت صدق دعوي الرسول، واتضح للناس عامة أن قريشاً ظالمة في مواجهتها للنبي(صلي الله عليه وآله). وبعد فكّ الحصار ذهب أبو طالب إلي الكعبة، ليدعو الله فيها وقد لخّص موقفه، فقال أبو طالب _ بعد أن وجدوا الأمر كما أخبر به النبي(صلي الله عليه وآله)_: علام نحضر ونحبس وقد بان الأمر وتبين أنكم أولي بالظلم والقطيعة؟ ودخل هو ومن معه بين أستار الكعبة، وقال: اللهم انصرنا علي من ظلمنا واستحلّ ما يحرم عليه منا [80] واستمرت مناصرة أبي طالب للنبي(صلي الله عليه وآله) منذ بعثه الله تعالي، لا مَلَل فيها ولا وهن ولا تخليّاً بحال من الأحوال، حتي لفظ أنفاسه الأخيرة، وذلك في السنة الثالثة قبل الهجرة [81] ولم ينس وهو في آخر رمق من حياته أن يمارس نصرته للنبي(صلي الله عليه وآله)، فقد التفت الي المحيطين به قبيل وفاته، فأوصاهم بالنبي قائلاً: «اُوصيكم بمحمد خيراً فإنّه الأمين في قريش، والصادق في العرب، والجامع لكل ما

اُوصيكم به... والله لا يملك أحد سبيله إلاّ رشد، ولا يهتدي بهديه إلاّ سعد، ولو كان في العمر بقية لكففت عنه الهزائز، ورفعت عنه الدواهي. إن محمداً هو الصادق فأجيبوا دعوته، واجتمعوا علي نصرته فإنه الشرف الباقي لكم علي الدهر» [82]

موقف الرسول والأئمة والصحابة من أبي طالب

موقف الرسول

كان رسول الله(صلي الله عليه وآله) يحبّ أبا طالب ويثني عليه طيلة حياته، ولا يمكن فصل حياة أبي طالب عن سيرة رسول الله(صلي الله عليه وآله)، كما هو واضح من خلال الفصول السابقة، والآن نذكر بعض الروايات علي سبيل الاختصار، والتي تبيّن رأي رسول الله(صلي الله عليه وآله) في أبي طالب ومستوي العلاقة بينهما، ثم نذكر دفاع أئمة أهل البيت(عليهم السلام)والصحابة عنه. جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: أن أبا طالب لمّا مات; جاء علي(عليه السلام)الي رسول الله(صلي الله عليه وآله)فآذنه في موته فتوجع عظيماً وحزن شديداً، ثم قال له: امض فتول غسله، فإذا رفعته علي سريره فأعلمني، ففعل فاعترضه رسول الله(صلي الله عليه وآله) وهو محمول علي رؤوس الرجال، فقال: وصلتك رحم يا عم جزيت خيراً، فلقد ربيت وكفلت صغيراً ونصرت وآزرت كبيراً»، ثم تبعهالي حفرته، فوقف عليه، فقال: «أما والله لأستغفرن لك ولأشفعنفيك شفاعة يعجب لها الثقلان» [83] وقد أجاد الشيخ المفيد(رحمه الله) عندما علّق علي هذا الحديث بقوله: في هذا الحديث دليلان علي إيمان أبي طالب(رضي الله عنه): الأول: أمر رسول الله(صلي الله عليه وآله) عليّاً(عليه السلام) بغسله وتكفينه دون الحاضرين من أولاده، إذ كان من حضره منهم سوي أمير المؤمنين إذ ذاك علي الجاهلية، لأن جعفراً(رحمه الله) كان يومئذ ببلاد الحبشة، وكان عقيل وطالب حاضرين وهما يومئذ علي خلاف الإسلام، لم يسلما بعد، وأمير المؤمنين(عليه السلام)كان

مؤمناً بالله تعالي ورسوله، فخصّ المؤمن منهم بولاية أمره، وجعله أحقّ به منهما لإيمانه وخاصّته إياه في دينه. ولو كان أبو طالب (رضي الله عنه) قد مات علي ما يزعمه النواصب من الكفر، كان كل من عقيل وطالب أحقّ بتولي أمره من علي(عليه السلام)، ولما جاز للمسلم من ولده القيام بأمره لانقطاع العصمة بينهما. وفي حكم رسول الله(صلي الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام) به دونهما وأمره إياه بإجراء أحكام المسلمين عليه من الغسل والتطهير والتحنيط والتكفين والمواراة، شاهد صدق علي إيمانه كما بيّناه. الثاني: دعاء النبي(صلي الله عليه وآله) له بالخيرات، ووعده اُمته فيه بالشفاعة الي الله واتباعه بالثناء والحمد والدعاء، وهذه هي الصلاة التي كانت مكتوبة إذ ذاك علي أموات أهل الإسلام، ولو كان أبو طالب قد مات كافراً; لما وسع رسول الله(صلي الله عليه وآله) الثناء عليه بعد الموت، والدعاء له بشيء من الخير، بل كان يجب عليه اجتنابه واتباعه بالذم واللوم علي قبح ما أسلفه من الخلاف له في دينه، كما فرض الله عزّ وجل ذلك عليه للكافرين، حيث يقول: (ولا تصلّ علي أحد منهم مات أبداً ولا تقم علي قبره) [84] وقوله تعالي: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنه عدوٌّ لله تبرأ منه) [85] وإذا كان الأمر علي ما وصفناه; ثبت أن أبا طالب(رضي الله عنه)، مات مؤمناً بدلالة فعله ومقاله(صلي الله عليه وآله) [86] جاء في تاريخ الطبري: لما مات أبو طالب; نالت قريش من النبي(صلي الله عليه وآله)، من الأذي ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب، حتي اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر علي رأسه تراباً، فدخل رسول

الله(صلي الله عليه وآله) بيته والتراب علي رأسه، فقامت إليه إحدي بناته تغسل عنه التراب وتبكي ورسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول لها: (يا بنيّة فإن الله مانع أباك، مانالت منّي قريش شيئاً أكرهه حتي مات أبو طالب) [87] وجاء عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله)، قال: «هبط جبرئيل فقال لي: يا محمد! إن الله عزّ وجلّ مشفعك في ستة: بطن حملتك آمنة بنت وهب، وصلب أنزلك عبدالله بن عبدالمطلب، وحجر كفلك أبو طالب، وبيت آواك عبدالمطلب، وأخ كان لك في الجاهلية، وثدي أرضعك حليمة بنت أبي ذؤيب» [88]

موقف الأئمة

أ_ وتصدّي أمير المؤمنين لحملة تكفير أبيه في حينها، فقال: «كان والله أبو طالب عبدمناف ابن عبدالمطلب، مؤمناً مسلماً يكتم إيمانه مخافة علي بني هاشم أن ينبذها قريش» [89] وقال أيضاً: «مامات أبو طالب حتي أعطي رسول الله(صلي الله عليه وآله) من نفسه الرضا» [90] ب _ كما واجه الإمام الحسين(عليه السلام) هذه الدعوة، فقال عن والده أمير المؤمنين(عليه السلام): إنه كان جالساً في الرحبة والناس حوله فقام إليه رجل، فقال له: يا أمير المؤمنين! إنّك بالمكان الذي أنزلك الله وأبوك معذّبٌ في النار؟ قال له: «مه! فضَّ الله فاك، والذي بعث محمداً بالحق نبيّاً، لو شفع أبي من كل مذنب علي وجه الأرض لشفّعه الله، أأبي معذبٌ في النار وابنه قسيم الجنة والنار؟ والذي بعث محمداً بالحق، إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلائق إلاّ خمسة أنوار: نور محمد ونور فاطمة، ونور الحسن والحسين ونور ولده من الأئمة، إلاّ أن نوره من نورنا خلقه الله من قبل خلق آدم بألفي عام» [91] ج _ ودافع الإمام علي بن

الحسين السجّاد(عليه السلام) عن جدّه أبي طالب، وحاول إحباط تلك المزاعم التي تُبَثّ في أوساط الناس حول كفر أبي طالب، حيث يستهدف منها النيل من علي وولده، فأجاب الإمام السجاد عندما سُئل عن أبي طالب أكان مؤمناً؟ فقال(عليه السلام): نعم فقيل له: إن هاهنا قوماً يزعمون أنه كافر. فقال (عليه السلام): «واعجبا كل العجب! أيطعنون علي أبي طالب أو علي رسول الله(صلي الله عليه وآله)، وقد نهاه الله تعالي أن يقرن مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن، ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله تعالي عنها من المؤمنات السابقات، فإنها لم تزل تحت أبي طالب حتي مات أبو طالب(رضي الله عنه)» [92] د _ ما روي عن الإمام محمّد الباقر(عليه السلام) في أبي طالب(عليه السلام) عن أبي بصير ليث المرادي، قال قلت لأبي جعفر(عليه السلام): سيّدي! إن الناس يقولون: إن أبا طالب في ضحضاح من النار يغلي منه دماغه، فقال(عليه السلام): كذبوا والله إنّ إيمان أبي طالب لو وضع في كفّة الميزان وإيمان هذا الخلق في كفّة ميزان لرجح إيمان أبي طالب علي إيمانهم ثم، قال: ألم تعلموا أن أمير المؤمنين عليّاً(عليه السلام)، كان يأمر أن يحجّ عن عبدالله وابنه وأبي طالب في حياته ثمّ أوصي في وصيّته بالحج عنهم» [93] ه_ _ ما روي عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام): عن يونس بن نباتة عن الإمام الصادق(عليه السلام)، قال: يا يونس! ما يقول الناس في أبي طالب؟ قلت: جعلت فداك يقولون: هو في ضحضاح من نار يغلي منها اُمّ رأسه فقال: كذب أعداء الله، إنّ أبا طالب من رفقاء النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحسن اُولئك رفيقاً» [94] وقال عبدالرحمن بن كثير:

قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إنّ الناس يزعمون أن أبا طالب في ضحضاخ من نار، فقال: كذبوا، ما بهذا نزل جبرئيل علي النبي(صلي الله عليه وآله)، قلت: وبما نزل؟ قال: أتي جبرائيل في بعض ما كان عليه، فقال: يا محمّد! إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول لك: إن أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرّتين، وإن أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك فأتاه الله أجره مرّتين، وما خرج من الدنيا حتي أتته البشارة من الله تعالي بالجنة، ثم قال: كيف يصفونه بهذا؟ وقد نزل جبرائيل ليلة _ ليلة مات أبو طالب _ فقال: يا محمد! اخرج من مكة، فمالك بها ناصر بعد أبي طالب [95] و _ ما روي عن الإمام الكاظم(عليه السلام) عن درست بن أبي منصور أنّه سأل أبا الحسن الأوّل _ الإمام الكاظم(عليه السلام) _ أكان رسول الله(صلي الله عليه وآله)محجوجاً بأبي طالب؟ فقال: لا، ولكنه كان مستودعاً للوصايا فدفعها إليه. فقال: قلت: فدفع إليه الوصايا علي أنه محجوجٌ به؟ فقال: لو كان محجوجاً به ما دفع اليه الوصيّة. قال: قلت: فما كان حال أبي طالب؟ قال: أقرّ بالنبيّ وبما جاء به ودفع إليه الوصايا ومات من يومه [96] ز _ ما روي عن الإمام الرّضا(عليه السلام): 1 _ أخرج شيخنا الكراجكي بإسناده عن أبان بن محمد، قال: كتبت الي الإمام علي بن موسي الرضا(عليه السلام)، جعلت فداك إنّي قد شككت في إسلام أبي طالب، فكتب إليه: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين) [97] الآية، وبعدها إنّك إن لم تقرّ بإيمان أبي طالب كان مصيرك الي النار» [98] 2 _ روي شيخنا المفسّر الكبير

أبو الفتوح في تفسيره عن الإمام الرضا سلام الله عليه، أنّه روي عن آبائه بعدّة طرق: «إنّ نقش خاتمأبي طالب(عليه السلام) كان رضيت بالله ربّاً، وبابن أخي محمد نبيّاً، وبابنيعلي له وصيّاً» [99]

الصحابة يشهدون بإسلام أبي طالب

أ: عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء أبو بكر الي النبي(صلي الله عليه وآله)بأبي قحافة يقوده وهو شيخ كبير أعمي، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله) لأبي بكر: ألا تركت الشيخ حتي نأتيه، فقال: أردت يا رسول الله أن يأجرني الله، أما والذي بعثك بالحق لأن كنت أشدّ فرحاً بإسلام عمّك أبي طالب منّي بإسلام أبي، ألتمس بذلك قرة عينك، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): صدقت [100] ب: أخرج أبو جعفر الصدوق(قدس سره) في الأمالي بإسناده عن سعيد بن جبير عن عبدالله بن عباس أنّه سأله رجل، فقال له: يابن عم رسول الله! أخبرني عن أبي طالب هل كان مسلماً؟ قال: وكيف لم يكن مسلماً وهو القائل: وقد علموا أنّ ابننا لا مكذبّ لدينا ولا يعبأ بقيل الأباطل إن أبا طالب كان مثله كمثل أصحاب الكهف حين أسرَّوا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرتين [101] وجاء عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: أخبرني أبي أنّأبا طالب(رضي الله عنه) شهد عند الموت أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله(صلي الله عليه وآله) [102] ج: في تفسير الوكيع من طريق أبي ذر الغفاري، أنه قال: والله الذي لا إله إلاّ هو، مامات أبو طالب(رضي الله عنه)حتي أسلم بلسان الحبشة قال لرسول الله(صلي الله عليه وآله): أتفقه الحبشية! قال: يا عمّ! إن الله علّمني جميع الكلام. قال: يا محمد! (اسدن لمصاقا قاطالاها) يعني أشهد مخلصاً لا إله إلاّ

الله، فبكي رسول الله(صلي الله عليه وآله) وقال: «إنّ الله أقرّ عيني بأبي طالب» [103] د _ أخرج أبو الفتوح الإصفهاني بالإسناد عن محمد بن حميد قال: حدّثني أبي، فقال: سئل أبو الجهم بن حذيفة: أصَلّي النبي(صلي الله عليه وآله)علي أبي طالب؟ فقال: وأين الصلاة يومئذ؟ إنما فرضت الصلاة بعد موته، ولقد حزن عليه رسول الله(صلي الله عليه وآله) وأمر عليّاً بالقيام بأمره وحضر جنازته وشهد له العبّاس وأبو بكر بالإيمان، وأشهد علي صدقهما لأنه كان يكتم إيمانه، ولو عاش الي ظهور الإسلام; لأظهر إيمانه [104] قال ابن أبي الحديد: قالوا: وقد روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبدالمطلب، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة، أن أبا طالب ما مات حتي قال: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله. والخبر المشهور أن أبا طالب قال عند الموت كلاماً خفيّاً، فأصغي إليه أخوه العباس، ثم رفع رأسه الي رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال: يابن أخي! والله قد قالها عمّك، ولكنّه ضعف عن أن يبلغك صوته [105] وفي كلام آخر لابن أبي الحديد وهو بصدد ذكر قطعية إسلام أبي طالب في نظر معاصريه قال: ولَوْلا أبو طالب وابنُهُ لما مُثِّل الدّين شَخْصاً فقاما فذَاك بمكّة آوي وحامي وهذا بيثربَ جسّ الحِماما تكفّلَ عبدُ مناف بأمر وأودَي فكان عليٌّ تماما فقل في ثَبير مضي بعدما قَضي ما قضاه وأبقي شَماما فللّه ذا فاتحاً للهدي ولله ذا للمعالي ختاما وما ضَرَّ مجدَ أبي طالب جهولٌ لَغَا أو بصيرٌ تعامي كما لا يضرّ إياةَ الصّبا [106] حِ مَنْ ظنّ ضوءالنّهار الظّلاما [107]

اسطورة كفر أبي طالب

اشاره

تأثّر البعض هذه الأيام بالتيار الذي اقتطع صفحات من التاريخ المزيّفة، واتّخذها ديناً له،

مقلّداً النهج الاُموي، بحقده ومظالمه علي الرسالة وأصحاب رسول الله(صلي الله عليه وآله)، مردّداً بلا ورع ولا بحث عن الحقيقة، تلك الإثارة الاُموية القديمة: (إن أبا طالب مات كافراً). وللإجابة علي هذه الفرية نسلّط الضوء علي الجذور التاريخية للحقد الجاهلي علي بيت النبوّة، ثم نلخّص الزعم الخبيث للحقائق التاريخية التي مرّ ذكرها، بالإضافة للتصريحات التي تثبت إسلام هذا الرجل وسلوكه ومواقفه الشجاعة من أجل نصرة الرسالة، ثم نناقش ما تقوّله البعض لإثبات كفر أبي طالب مكابرة وعناداً وبغضاً لوصي الرسول(صلي الله عليه وآله) علي بن أبي طالب(عليه السلام).

الجذور التاريخية لتكفير أبي طالب

بعد أن تأ لّق نجم عبدالمطلب، سادت له الاُمور، وأصبح السيد المطاع عند قريش، وجاء من بعده ولده أبو طالب، الذي ورث أباه، أصبح هو الآخر شيخاً وسيّداً للبطحاء. وهذه الرئاسة لا تلغي الزعامات الاُخري، لأن قريشاً كانت تتوزع علي خمسة وعشرين بطناً، وكان بنو هاشم وبنو عبدالمطلب سادة بطون قريش، وكان أبو طالب شيخاً لهما. أما أبو سفيان صخر بن حرب بن اُمية فقد كان بيده اللواء، وكانت له القيادة الحربية علي باقي البطون [108] ورغم اعتراف قريش جميعاً بسيادة أبي طالب وشرفه وقوّته، إلاّ أن الحسد والمنافسة القديمة بين هاشم واُمية مازالت باقية، تبدو وتتجسّد في حركات الخائف أبي سفيان، لأن شرف الهاشميين وعلوّ مكانتهم واحترامهم داخل مكة وخارجها، كان يقلق الاُمويين فيجعلهم يتحسبون لئلا تتزعزع مكانتهم، وقد زادهم في الأمر قلقاً واضطراباً ماسمعه أبو سفيان من خلال أسفاره بأن نبيّاً سيظهر من ولد عبدمناف، وطرد الهاجس والقلق الذي أصابه حينما أوحي الي نفسه بأنه هو النبي الذي سيختاره الله; لتمتعه بلياقات وملكات ظنّ أنها تؤهله دون غيره للنبوة، وأنه ليس من المعقول أن

تكون النبوّة في البيت الهاشمي مع وجوده بالإضافة الي الخصائص الاُخري [109] وترقّب أبو سفيان أن يأتيه نداء السماء ليفرك به اُنوف بني هاشم، وينتقم من تفوّقهم الدائم وبالتالي ينتزع منهم الاعتراف بأنه المدعوم من السماء، وأنه السيّد الوحيد لقريش لا غيره، وارتاح لهذا الشعور الوهمي الي حين [110] وقد فوجئ عندما سمع بأن في بيت أبي طالب ابن أخيه عبدالله (محمداً) يكلَّم من السماء [111] واستبعد هذا الخبر ولم تطاوعه نفسه في أن يهضمه، وفسّره بأنه مؤامرة قد حاكها الهاشميون بزعامة أبي طالب. وإذا صَدَقَ بأن النبوة في بيت أبي طالب فهذا معناه أن الاُمور ستُحسم لصالح بني هاشم الي الأبد، لأن النبوة سوف تأتي بحكم جديد لصالحهم، وسوف تزيح حكم البطون، وتؤدي الي انهياره من الأساس [112] من هنا بدأ أبو سفيان معارضته انطلاقاً من هذا التصور، ونصّب نفسه زعيماً لهذه المعارضة قبال البيت الهاشمي المتمثل بزعامة أبي طالب [113] وتحدّي أبو طالب كل رؤساء قريش، وهدّدهم بالقتل إن أحد أقدم علي قتل النبي(صلي الله عليه وآله) [114] وحرّض بني هاشم وبني عبدالمطلب ووحّد صفهم، واجتمع معهم في بيت محمّد(صلي الله عليه وآله)وقرّروا أن لا يفرّطوا بالرسول(صلي الله عليه وآله)، حتي لو قتلوا جميعاً [115] واستمرّت المعارضة برئاسة أبي سفيان، وانتصرت الرسالة بقيادة محمد(صلي الله عليه وآله)، وقَتَلَ عليّ ابن أبي طالب(عليه السلام) والهاشميون رموز الشرك المتمثّلة في بني اُمية وسائر البطون [116] ومن جانب آخر فقد تآمر الاُمويون علي قتل النبي(صلي الله عليه وآله)، حتّي حاول أبو سفيان نفسه قتله [117] ، وأكلت هند اُم معاوية قلب عمّ النبي(صلي الله عليه وآله) حمزة بن عبدالمطلب في واقعة اُحد بعد قتله فيها [118]

وبعد أن تمّ الفتح الإلهي المبين، وهُزمت البطون شرّ هزيمة، وأسلم أبو سفيان رغم أنفه ومعه جمع من البطون التي لم تكن راضية بالنتيجة الإلهية بعد هذا; أخذت تعمل خفية لتعديل الترتيبات بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله)، لإعادة الكرّة والانتقام من الهاشميين، وأثمرت تلك الجهود فجاءت بمعاوية الي سدة الحكم، فانتقم لأبيه من أبي طالب (بحكاية اُسطورة الكفر الظالمة له). وأنه يقال أيضاً: إن إشاعة اُسطورة كفر أبي طالب لم تكن في العصر الاُموي، بل قد بثّها العباسيون وبالتحديد في زمن الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور. فإنّ التاريخ لم يسجل لنا _ ولو لمرة واحدة _ أن معاوية قد طعن في إسلام أبي طالب، مع أنه لم يرعَ عهداً ولا ذمّة في الطعن علي علي(عليه السلام)، والادعاء عليه بما ليس فيه والانتقاص منه بنسبة ماهو متأكد من براءته منه. في الوقت الذي نجد فيه أن علياً(عليه السلام) يهاجمه _ بما فيه اُمه هند وأبوه أبو سفيان _ من مذام ومثالب فهل كان معاوية _ وقد صار الأمر الي الآباء والاُمهات _ يَعفُّ عن أن يرمي عليّاً في أبيه، تهمة الكفر؟! [119] إلاّ أن السياسة شاءت ذلك، فكان لها أعوانها وحاشيتها من الكتاب والمؤرخين والرواة وما شاءت. وحق علي (عليه السلام) والأئمة من بعده في ولاية أمر الاُمة سياسياً واجتماعياً دون غيرهم، هو معتقد الشيعة، وقد صار أمر الاُمة الي غيرهم فكانت مصلحة الحاكمين، وخاصة في العصر العباسي، بعد أن خرج كثير من أهل البيت(عليهم السلام) ضد المنصور العباسي، فأطلق هذه الفرية ضد أبي طالب ليوحي الي الناس أن العباسيين هم بنو العم الذي أسلم، بينما الطالبيون هم بنو العم الذي لم يسلم، وبذلك يزكّي

ويرجّح موقفه السياسي علي خصومه أهل البيت [120] نعم، مسألة تكفير أبي طالب جاءت بوحي السياسة، لكن أيُّ سياسة هذه، العباسية أم الاُموية؟ لا ضير أن نقول: إن العباسيين قد استثمروا أرضية وجهوداً كان قد أعدّها وأسس لها الاُمويون من قبل، فهي قضية تؤدي خدمات كثيرة للسياستين معاً. أمّا صمت معاوية وعدم خوضه في مسألة كفر أبي طالب، لم يكن ناشئاً من وضوح إسلام أبي طالب وإحكامه أو حرمته وقدسيته عند الله، أو يفسّر كونه ناتجاً عن ورع وتعقل قد أبداه معاوية إزاء علي(عليه السلام) ; بل من المحتمل أن أقطاب الحكم الاُموي كعمرو بن العاص، هو الذي كان قد تكفّل الأمر لأنه لم ينسَ بعد رسالة أبي طالب للنجاشي، عندما حذّره من كيد عمرو بن العاص ضد المسلمين في حياة رسول الله(صلي الله عليه وآله). ثم إن الأجهزة الدعائية ووعّاظ السلاطين التي أنشأها معاوية، تجيد اللعبة، وتعلم حدود ومواطن تحرّكها، وماهي الأساليب التي ترضي معاوية وتحقّق له الثأر من خصومه، فقد تكون هي التي قامت بالأمر آنذاك. وأخيراً من المعلوم أن الإمام علياً(عليه السلام) والإمام الحسين بن علي(عليه السلام)والإمام السجاد(عليه السلام)والباقر(عليه السلام)، قد واجهوا هذه الإشاعة وعالجوها علي أحسن وجه، وهؤلاء قد عاصروا الحكم الاُموي لا العباسي، فهذا دليل علي كونها ظاهرة قبل أيام المنصور.

تصاريح و شهادات بإيمان أبي طالب

1 _ أبو طالب يدعو الله بسقوط المطر: أصاب مكة قحط شديد في سنة من السنين، فطلبت قريش من أبي طالب أن يستسقي لها، فخرج ومعه غلام _ وهو رسول الله(صلي الله عليه وآله) _ كأنه شمس دَجْن تجلّت عنها سحابة قتماء وحوله اُغيلمةٌ، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ الغلام بإصبعه (أي أشار بها الي السّماء

وما في السّماء قزعة)، فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا، وأغدق، واغرورق وانفجر له الوادي وأخصب البادي والنادي [121] وفي ذلك يقول أبو طالب في مدح رسول الله(صلي الله عليه وآله): وأبيض يُستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامي عصمة الأرامل يَلوذ به الهُلاّك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل وميزانُ عدل لا يخسُ شعيرة وأوزان صدق وزنُه غير هائل [122] 2 _ جواب أبي طالب لعلي(عليهما السلام) عندما قال له ذات ليلة وهو في الشعب يفدي بنفسه رسول الله: يا أبتاه! إني مقتول ذات ليلة. فأجابه أبو طالب: اصبرَن يا بُنيّ فالصبر أحجي كُلُ حيٍّ مصيره لشُعُوبِ قد بلوناك والبلاء شديد لِفداء النجيب وابن النجيب فأجابه علي(عليه السلام) بكلام أكثر عذوبة قائلاً: أتأمرني بالصبر في نصر أحمد ووالله ما قُلتُ الذي قلت جازعاً ولكنني أحببتُ أن تري نصرتي وتعلم أني لم أزل لك طائعاً [123] 3 _ قول أبي طالب(عليه السلام)لجعفر (رضي الله عنه): «صل جناح ابن عمّك وصَلِّ عن يساره» [124] 4 _ لمّا علم أن قريشاً عملت علي الدس لدي النجاشي ضد مهاجري المسلمين لها; كتب إليه كتابين من الشعر، نبّهه في أحدهما الي هذا الدس، وأغراه بأن يكون علي الأمل في شهامته وبسط جواره علي كل من يلجأ الي حماه، وذلك إذ يقول كما مرّ: تَعلَّمْ أبيت اللعن أنك ماجد كريم فلا يشقي لديك المجانب [125] 5 _ قوله: يا معشر قريش كونوا له _ لمحمد(صلي الله عليه وآله) _ ولاةً ولحزبه حماةً، والله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا رَشَدَ، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سَعَدَ [126] 6 _ تهديده لِرؤساء قريش بالقتل إن لم يعد محمد سالماً [127] 7 _

ولما حضرته الوفاة; دعا بني عبدالمطلب وقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد، وما اتبعتم أمره، فاتبعوه وأعينوه ترشدوا [128] 8 _ شجع أبو طالب الهاشميين والمطلبيين علي الحضور في أول اجتماع سياسي في دار النبي(صلي الله عليه وآله)،وسُمّي الحديث الذي دار في هذا الاجتماع بحديث الدار [129] 9 _ حذّر أبو طالب البطون قائلاً: «والله لو قتلتموه; لا يبقي فيكم أحد حتي نتفاني نحن وأنتم» [130] 10 _ وقال للنبي(صلي الله عليه وآله) متحديّاً كبرياء البطون: «يا ابن أخي! إذا أردت أن تدعو الي ربّك فأعلمنا حتي نخرج بالسلاح» [131] 11 _ قول رسول الله(صلي الله عليه وآله) فيه: «ما نالت مني قريش حتي مات أبوطالب» [132] 12 _ سمّي رسول الله(صلي الله عليه وآله) العام الذي مات فيه أبو طالب وخديجة بعام الحزن [133] 13 _ عبّر رسول الله(صلي الله عليه وآله) بموت أبي طالب وخديجة بالمصيبتين، فقال: «اجتمعت علي الاُمة هذه الأيام مصيبتان، لا أدري بأيّهما أنا أشد جزعاً» [134] 14 _ قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) في أبي طالب لما مات: «وصلتك رحم ياعم، وجزيت خيراً فلقد ربّيت وكفلت صغيراً، ونصرت وآزرت كبيراً» وبعد أن تبعه الي حفرته وقف عليه فقال(صلي الله عليه وآله): «أما والله لأستغفرن لك ولأشفعن فيك شفاعة يُعجب لها الثقلان» [135] 15 _ ورد عن أبي طالب شعر كثير يكشف عن إسلامه واعتقاده، بأن محمداً(صلي الله عليه وآله) نبيّ كباقي الأنبياء، منه قوله: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البريّة ديناً [136] وقوله: ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً نبيّاً كموسي خُطَّ في أول الكتب [137] وقوله: ويا شاهد الخلق عليَّ فاشهد إني علي

دين النبي أحمد من ضل في الدين فإنّي مهتدي [138] 16 _ إن أبا طالب كان يري بطلان عقيدة قومه من حين مبعث رسول الله(صلي الله عليه وآله) بالإسلام، وقد ثبت أنه كان يدين بالحنيفية، والحنفاء لم يهموا بصنم قطّ، ولم يسجدوا لوثن أبداً، كما كان علي ذلك أبوه عبدالمطلب تماماً [139] 17 _ حبّ النبيّ ورقّته علي أبي طالب، حين أصابت قريشاً أزمة مهلكة وسنة مجدبة، وأصاب أبا طالب ما أصاب قريشاً من الفقر والفاقة، فبادر رسول الله(صلي الله عليه وآله) لأجل معالجة الأزمة التي مرّ بها عمّه أبو طالب، ففاتح عمّه العباس فقال له: يا أبا الفضل! إن أخاك كثير العيال مختل الحال ضعيف النهضة والعزمة، وقد نزل به ما نزل من هذه الأزمة، وذوو الأرحام أحقّ بالرفد وأولي بالحمل، الكل في ساعة الجهد فانطلق بنا لِنُعِنْهُ علي ما هو عليه. فأخذا عنه أولاده تخفيفاً من ضيق العيش، أخذ رسول الله(صلي الله عليه وآله)عليّاً وأخذ العباس جعفراً [140] انظر الي هذه الرقّة العميقة من النبي(صلي الله عليه وآله) علي أبي طالب والحب له والشفقه عليه، وقد وصف الله المؤمنين بالشدة علي الكافرين حيث يقول: (أشدّاء علي الكفّار رحماء بينهم) [141] وقوله تعالي: (أذلّة علي المؤمنين أعزّة علي الكافرين) [142] والنبي أفضل المؤمنين فكيف يجوز لمسلم أن يصف أبا طالب بالكفر وقد اشتهر عن النبي حبّه البالغ له والميل إليه؟ 18 _ قال العباس لرسول الله(صلي الله عليه وآله): أترجو لأبي طالب؟ قال: «كل الخير أرجو من ربّي» [143] قال الشيخ المفيد: فلو أنه(رحمه الله)مات علي غير الإيمان; لما جاز من رسول الله(صلي الله عليه وآله) رجاء الخير له من الله عزّ وجل، مع

ما قطع له تعالي في القرآن من خلود الكفار في النار وحرمان الله لهم سائر الخيرات وتأبيدهم في العذاب علي وجه الاستحقاق والهوان [144] 19 _ تصاريح أئمة أهل البيت(عليهم السلام) كالإمام علي(عليه السلام) والإمام الحسين(عليه السلام) والإمام علي بن الحسين(عليه السلام) والإمام الباقر(عليه السلام)والإمام الصادق(عليه السلام) والإمام الرضا(عليه السلام). 20 _ تصريحات جمع من الصحابة، كما مرّ بيانه. 21 _ لا يشك أحد بأنّ فاطمة بنت أسد(رض) من المؤمنات السابقات، فعندما توفيت كفّنها رسول الله(صلي الله عليه وآله) بقميصه ودعا لها بقوله: «اللهمّ اغفر لاُمّي...» وإنّها بقيت زوجة لأبي طالب حتي ماتت فإذا مات أبو طالب علي الكفر فهذا يتعارض مع الخطاب الإلهي القاضي بأن لا يقرن مؤمنة مع كافر وأن يفرّق بينهما، وهذا الاجراء لم يتّخذ في أبي طالب [145]

مناقشة مزاعم القائلين بكفر أبي طالب

قالوا: ذهب بعض المعتزلة وأكثر الجمهور من أهل السنّة الي أن أبا طالب مات علي غير الإسلام [146] ، وأن نصرته ودفاعه عن النبي(صلي الله عليه وآله) كان بدافع القرابة والعصبية، مستدلّين بجملة من الآيات والروايات والأشعار منها: ألف _ قوله تعالي: (وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلاّ أنفسهم وما يشعرون) [147] أخرج الطبري وغيره من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عمّن سمع ابن عبّاس أنّه قال: إنّها نزلت في أبي طالب، ينهي عن أذي رسول الله(صلي الله عليه وآله) أن يؤذي، وينأي أن يدخل الإسلام [148] وقال القرطبي: هو عامٌ في جميع الكفّار أي ينهون عن اتّباع محمدّ(صلي الله عليه وآله) وينأون عنه، عن ابن عباس والحسن. وقيل: هو خاصٌّ بأبي طالب ينهي الكفار عن أذيّة محمد(صلي الله عليه وآله)ويتباعد عن الإيمان به، عن ابن عباس

أيضاً. روي أهل السير قال: كان النبي(صلي الله عليه وآله) قد خرج الي الكعبة يوماً وأراد أن يصلّي، فلمّا دخل في الصلاة قال أبو جهل _ لعنه الله _: من يقوم الي هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعري فأخذ فرثاً ودماً فلطّخ به وجه النبي(صلي الله عليه وآله) الي أن قال: فنزلت هذه الآية: (وهم ينهون عنه وينأون عنه). فقال النبي(صلي الله عليه وآله): ياعم: نزلت فيك آية. قال: وماهي؟ قال: تمنع قريشاً أن تؤذيني، وتأبي أن تؤمن بي؟ فقال أبوطالب: والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتي أوسّد في التراب دفينا فقالوا: يا رسول الله! هل تنفع نصرة أبي طالب؟ قال: «نعم دفع عنه بذاك الغلّ، ولم يقرن مع الشياطين، ولم يدخل في جبِّ الحيّات والعقارب، إنّما عذابه في نعلين من نار يغلي منهما دماغه في رأسه، وذلك أهون أهل النار عذاباً» [149] قال العلاّمة الأميني: نزول هذه الآية في أبي طالب باطل لا يصحّ من نواح شتّي: 1 _ إرسال حديثه بمن بين حبيب بن أبي ثابت وابن عباس، وكم وكم غير ثقة في اُناس رووا عن ابن عبّاس ولعلّ هذا المجهول أحدهم. 2 _ إنّ حبيب بن أبي ثابت انفرد به ولم يروه أحد غيره، ولا يمكن المتابعة علي ما يرويه، ولو فرضناه ثقة في نفسه بعد قول ابن حبّان: إنّه كان مدلِّساً. وقول العقيلي غمزه ابن عون، وله عن عطاء أحاديث لا يتابع عليها. وقول القطّان: له غير حديث عن عطاء لا يتابع عليه وليست بمحفوظة. وقول الآجري عن أبي داود: ليس لحبيب عن عاصم بن ضمرة شيء يصح، وقول ابن خزيمة: كان مدلِّساً [150] ونحن لا نناقش في السند

بمكان سفيان الثوري، ولا نؤاخذه بقول من قال: إنّه يدلِّس ويكتب عن الكذّابين [151] 3 _ إن الثابت عن ابن عباس بعدّة طرق مسندة يضادّ هذه المزعمة، ففيما رواه الطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة وطريق العوفي عنه: أنّها في المشركين الذين كانوا ينهون الناس عن محمد أن يؤمنوا به، وينأون عنه _ يعني _ يتباعدون عنه [152] وقد تأكد ذلك بما أخرجه الطبري وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وعبد بن حميد من طريق وكيع عن سالم عن ابن الحنفية، ومن طريق الحسين بن الفرج عن أبي معاذ، ومن طريق بشر عن قتادة. وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة والسدي والضحاك، ومن طرق أبي نجيح عن مجاهد، ومن طريق يونس عن ابن زيد قالوا: ينهون عن القرآن وعن النبيّ، وينأون عنه يتباعدون عنه [153] وليس في هذه الروايات أيّ ذكر لأبي طالب، وإنّما المراد فيها الكفار الذين كانوا ينهون عن اتّباع رسول الله أو القرآن، وينأون عنه بالتباعد والمناكرة، وأنت جدّ عليم بأن ذلك كلّه خلاف ما ثبت من سيرة شيخ الأبطح الذي آواه ونصره وذبّ عنه ودعا إليه الي آخر نفس لفظه. 4 _ إن المستفاد من سياق الآية الكريمة أ نّه تعالي يريد ذمّ اُناس أحياء ينهون عن اتّباع نبيّه ويتباعدون عنه، وأن ذلك سيرتهم السيئة التي كاشفوا بها رسول الله(صلي الله عليه وآله)، وهم متلبِّسون بها عند نزول الآية كما هو صريح ما أسلفناه من رواية القرطبي، وأن النبي(صلي الله عليه وآله)أخبر أبا طالب بنزول الآية. لكن نظراً الي ما نقلوه عن الصحيحين فيما

زعموه من أنّ قوله تعالي في سورة القصص: (إنّك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) نزلت في أبي طالب بعد وفاته، فحينئذ لا يتمّ نزول آية ينهون عنه وينأون _ النازلة في اُناس أحياء _ في أبي طالب، فإنّ سورة الأنعام التي فيها الآية المبحوث عنها نزلت جملة واحدة [154] بعد سورة القصص بخمس سور [155] فكيف يمكن تطبيقها علي أبي طالب وهو رهن أطباق الثري، وقد توفّي قبل نزول الآية ببرهة طويلة؟! 5 _ إنّ سياق الآيات الكريمة هكذا: (ومنهم من يستمع إليك وجعلنا علي قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتي إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلاّ أساطير الأوّلين - وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلاّ أنفسهم وما يشعرون) [156] وهو كما تري صريح بأن المراد بالآيات كفّار جاءوا النبي فجادلوه وقذفوا كتابه المبين بأنّه من أساطير الأوّلين، وهؤلاء الذين نهوا عنه (صلي الله عليه وآله) وعن كتابه الكريم، ونأوا وباعدوا عنه، فأين هذه كلّها عن أبي طالب الذي لم يفعل كلّ ذلك طيلة حياته؟! وذكر ابن كثير في تفسيره القول الأول نقلاً عن ابن الحنفيّة وقتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد، فقال: وهذا القول أظهر والله أعلم، وهو اختيار ابن جرير [157] ب _ قوله تعالي: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا اُولي قربي من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم) [158] ج _ قوله تعالي: (إنّك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) [159] أخرج البخاري في الصحيح في كتاب التفسير في القصص [160] ، قال:

حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لمّا حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله(صلي الله عليه وآله) فوجد عنده أبا جهل وعبدالله بن أبي اُمية بن المغيرة فقال: أي عمّ! قل: لا إله إلاّ الله. كلمة اُحاجّ لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي اُمية: أترغب عن ملّة عبدالمطلب؟ فلم يزل رسول الله(صلي الله عليه وآله) يعرضها عليه ويعيد أنه بتلك المقالة حتيّ قال أبو طالب آخر ما تكلّم: علي ملّة عبدالمطلب وأبي أن يقول: لا إله إلاّ الله. فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك. فأنزل الله: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين)وأنزل في أبي طالب فقال لرسول الله(صلي الله عليه وآله): (إنّك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء). وفي مرسلة الطبري: فنزلت: (ما كان للنبي...الآية). ونزلت: (إنّك لا تهدي من أحببت). وأخرجه مسلم في صحيحه من طريق سعيد بن المسيب، وتبع الشيخين جلّ المفسّرين لحسن ظنّهم بهما وبالصحيحين.

مواقع النظر في هذه الرواية

1 _ إن سعيد الذي انفرد بنقل هذه الرواية وكان ممّن ينصب العداء لأمير المؤمنين علي(عليه السلام)، فلا يُحتجّ بما يقوله أو يتقوّله فيه وفي أبيه وفي آله وذويه، فإنّ الوقيعة فيهم أشهي مأكلة له، فقد قال ابن أبي الحديد في الشرح [161] : وكان سعيد بن المسيب منحرفاً عنه(عليه السلام)، وجابهه عمر بن علي(عليه السلام)في وجهه بكلام شديد، روي عبدالرحمن بن الأسود عن أبي داود الهمداني قال: شهدت سعيد بن المسيب وأقبل عمر بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) فقال له سعيد: يا ابن أخي! ما أراك تكثر غشيان مسجد

رسول الله(صلي الله عليه وآله)، كما يفعل إخوتك وبنو أعمامك؟ فقال عمر: يا ابن المسيب! أكُلّما دخلت المسجد أجيء فأشهدك؟ فقال سعيد: ما اُحبّ أنت غضب. سمعت أباك يقول: إن لي من الله مقاماً لهو خير لبني عبدالمطلب ممّا علي الأرض من شيء. فقال عمر: وأنا سمعت أبي يقول: ما كلمة حكمة في قلب منافق فيخرج من الدنيا إلاّ يتكلّم بها. فقال سعيد: ياابن رسول الله! ياابن أخي! جعلتني منافقاً؟ قال: هو ما أقول لك. ثم انصرف. وأخرج الواقدي أن سعيد بن المسيب مرّ بجنازة السجّاد عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام) ولم يصلّ عليها، فقيل له: ألا تصلّي علي هذا الرجل الصالح من أهل البيت الصالحين؟ فقال: صلاة ركعتين أحبّ إليَّ من الصلاة علي الرجل الصالح. ويعرِّفك سعيد بن المسيب ومبلغه من الحيطة في دين الله ما ذكره ابن حزم [162] عن قتادة قال: قلت لسعيد: أنصلي خلف الحجّاج؟ قال: إنّا لنصلّي خلف من هو شرّ منه. 2 _ إنّ ظاهر رواية البخاري كغيرها تعاقب نزول الآيتين عند وفاة أبي طالب(عليه السلام)، كما أنّ صريح ما ورد في كلّ واحدة من الآيتين نزولها عند ذاك ولا يصحّ ذلك، لأنّ الآية الثانية منهما مكّية والاُولي مدنيّة، نزلت بعد الفتح بالاتفاق وهي في سورة البراءة المدنية التي هي آخر ما نزل من القرآن [163] ، فبين نزول الآيتين ما يقرب من عشر سنين أو يربو عليها. 3 _ إنّ آية الاستغفار نزلت بالمدينة بعد موت أبي طالب بعدّة سنين تربو علي ثمانية أعوام، فهل كان النبي(صلي الله عليه وآله) خلال هذه المدّة يستغفر لأبي طالب(عليه السلام)؟ أخذاً بقوله(صلي الله عليه وآله): «والله لأستغفرنّ

لك وما لم اُنه عنك؟» وكيف كان يستغفر له؟ وكان هو(صلي الله عليه وآله) والمؤمنون ممنوعين عن موادّة المشركين والمنافقين وموالاتهم والاستغفار لهم _ الذي هو من أظهر مصاديق التوادد والتحابب _ منذ دهر طويل بقوله تعالي: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو ابناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، اُولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه) [164] وهذه الآية من سورة المجادلة المدنيّة نازلة قبل سورة براءة التي فيها آية الاستغفار بسبع سور [165] إنّ هذه الآية نزلت يوم بدر وكانت في السنة الثانية من الهجرة الشريفة، أو نزلت علي ما في بعض التفاسير في اُحد، وكانت في السنة الثالثة باتفاق الجمهور كما قاله الحلبي في السيرة، فعلي هذه كلها نزلت هذه الآية قبل آية الاستغفار بعدّة سنين. وقال تعالي: (يا أيّها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للهِ عليكم سلطاناً مبيناً) [166] وهذه الآية من سورة النساء وهي مكّية علي قول النحاس وعلقمة وغيرهما ممّن قالوا: إنّ قوله تعالي: يا أيّها الناس. حيث وقع إنّما هو مكّي [167] وإن أخذنا بما صحّحه القرطبي في تفسيره [168] وذهب إليه الآخرون من أنّها مدنيّة أخذاً بما في صحيح البخاري [169] من حديث عائشة: ما نزلت سورة النساء إلاّ وأنا عند رسول الله(صلي الله عليه وآله)فإنّها نزلت في أوليات الهجرة الشريفة بالمدينة، وعلي كلٍّ من التقديرين فإنّها نزلت قبل سورة براءة التي فيها آية الاستغفار بإحدي وعشرين سورة كما في الإتقان [170] وقال سبحانه:(الّذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزّة) [171] وهذه الآية من سورة النساء وقد عرفت

أنّها قد نزلت قبل سورة براءة. وقال تعالي: (لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلاّ أن تتّقوا منهم تقاة ويحذّركم الله نفسه وإلي الله المصير) [172] وهذه الآية من سورة آل عمران، وقد نزل صدرها الي بضع وثمانين آية في أوائل الهجرة الشريفة، يوم وفد نجران كما في سيرة ابن هشام [173] ، وأخذاً بما رواه القرطبي وغيره [174] نزلت هذه الآية في عبادة بن الصامت يوم الأحزاب وكانت في الخمس من الهجرة، وعلي أيّ من التقديرين وغيرهما فقد نزلت آل عمران قبل سورة براءة وآية الاستغفار بأربع وعشرين سورة كما في الإتقان [175] وقال تعالي: (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم...) [176] وقد نزلت عام غزوة بني المصطلق سنة ست وهو المشهور عند أصحاب المغازي والسير كما قال ابن كثير [177] ونزلت قبل البراءة بثمان سور كما في الإتقان [178] وقال تعالي: (يا أيّها الذين آمنوا لا ت_تّخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر علي الإيمان ومن يتولّهم منكم فاُولئك هم الظالمون) [179] وقال تعالي: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم) [180] وهذه الآية وما قبلها من سورة التوبة نزلتا قبل آية الاستغفار. أتري أنّ النبيّ(صلي الله عليه وآله) مع هذه الآيات النازلة قبل آية الاستغفار كان يستغفر لعمّه طيلة مدّة سنين وقد مات كافراً _ والعياذ بالله _ وهو ينظر إليه من كثب؟ لاها الله، حاشَ نبيّ العظمة [181] ولعلّ لهذه الأسباب كلها استبعد الحسين بن الفضل نزولها في أبي طالب، وقال: هذا بعيد، لأنّ السورة من آخر

ما نزل من القرآن، ومات أبو طالب في عنفوان الإسلام والنبيّ (صلي الله عليه وآله)بمكّة، وذكره القرطبي وأقرّه في تفسيره [182] 4 _ إنّ هناك روايات عديدة تضادّ هذه الرواية التي زعموا أنّها تفسّر سبب نزول آية الاستغفار من سورة براءة منها: صحيحة، أخرجها الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي والنسائي وأبو يعلي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصحّحه ابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان والضياء في المختارة عن عليّ، قال: سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: أوَلم يستغفر إبراهيم؟ فذكرت ذلك للنبي(صلي الله عليه وآله) فنزلت: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا اُولي قربي من بعد ما تبيّن لهم أ نّهم أصحاب الجحيم - وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ لله تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاه حليم) [183] يظهر من هذه الرواية أنّ عدم جواز الاستغفار للمشركين كان أمراً معهوداً قبل نزول الآية، ولذلك ردع عنه مولانا أمير المؤمنين الرجل، وقوله(عليه السلام): هذا لا يلائم استغفار النبي(صلي الله عليه وآله)لعمّه علي تقدير عدم إسلامه، وتري الرجل ما استند قطّ في تبرير عمله الي استغفار رسول الله(صلي الله عليه وآله)لعمّه بأنّه(صلي الله عليه وآله) قطّ لا يستغفر لمشرك. قال السيّد زيني دحلان في أسني المطالب [184] : هذه الرواية صحيحةٌ، وقد وجدنا لها شاهداً برواية صحيحة من حديث ابن عبّاس(رضي الله عنه) قال: كانوا يستغفرون لآبائهم حتي نزلت هذه الآية، فلما نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتي يموتوا ثم أنزل الله تعالي: (وما كان استغفار إبراهيم...

الآية) يعني استغفر له وهو علي قيد الحياة، فلمّا مات أمسك عن الاستغفار له، قال: وهذا شاهدٌ صحيحٌ فحيث كانت هذه الرواية أصح; كان العمل بها أرجح، فالأرجح أ نّها نزلت في استغفار اُناس لآبائهم المشركين لا في أبي طالب. ومنها: ما أخرجه _ في سبب نزول آية الاستغفار _ مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة: أنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) أتي قبر اُمّه فبكي وأبكيمَن حوله، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): استأذنت ربّي في أن أستغفر لها فلميأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنّهاتذكرة الآخرة» [185] وأخرج الطبري والحاكم وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن مسعود وبريدة، والطبراني وابن مردويه والطبري، من طريق عكرمة عن ابن عباس: أنّه(صلي الله عليه وآله) لمّا أقبل من غزوة تبوك اعتمر فجاء قبر اُمّه، فاستأذن ربّه أن يستغفر لها، ودعا الله تعالي أن يأذن له في شفاعتها يوم القيامة، فأبي أن يأذن فنزلت الآية [186] وأخرج الطبري في تفسيره [187] عن عطيّة أنّه لمّا قدم رسول الله(صلي الله عليه وآله) مكّة وقف علي قبر اُمّه حتي سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها حتي نزلت: (ما كان للنبيّ... الي قوله _ تبرَّأ منه). وروي الزمخشري في الكشّاف [188] حديث نزول الآية في أبي طالب، ثمّ ذكر هذا الحديث في سبب نزولها وأردفها بقوله: وهذا أصحّ لأنّ موت أبي طالب كان قبل الهجرة وهذا آخر ما نزل بالمدينة. وقال القسطلاني [189] : قد ثبت أنّ النبي(صلي الله عليه وآله) أتي قبر اُمّه لمّا اعتمر فاستأذن ربّه أن يستغفر لها فنزلت هذه

الآية، رواه الحاكم وابن أبي حاتم عن ابن مسعود، والطبراني عن ابن عباس، وفي ذلك دلالة علي تأخّر نزول الآية عن وفاة أبي طالب والأصل عدم تكرار النزول. قال الأميني: هلاّ كان رسول الله(صلي الله عليه وآله) يعلم الي يوم تبوك بعد تلكم الآيات النازلة التي أسلفناها في [190] ، أنّه غير مسوغ له وللمؤمنين الاستغفار للمشركين والشفاعة لهم؟ فجاء يستأذن ربّه أن يستغفر لاُمّه ويشفعها، أو كان يحسب أنّ لاُمّه حساباً آخر دون سائر البشر؟ أو أنّ الرواية مختلفة تمسّ كرامة النبي الأقدس، وتدنّس ذيل قداسة اُمّه الطاهرة عن الشرك. ومنها: ما أخرجه الطبري في تفسيره [191] عن قتادة قال: ذكر لنا أنّ رجالاً من أصحاب النبي(صلي الله عليه وآله)، قالوا: يا نبيّ الله! إنّ من آبائنا من كان يحسن الجوار، ويصل الرحم، ويفكّ العاني، ويوفي بالذمم، أفلا تستغفر لهم؟ قال النبي(صلي الله عليه وآله): والله لأستغفرن لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه فأنزل الله: (ما كان للنبي (صلي الله عليه وآله)...) ثمّ عذر الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه... الي قوله: تبرّأ منه). وأخرج الطبري من طريق عطية العوفي عن ابن عبّاس أنّه قال: إنّ النبي(صلي الله عليه وآله) أراد أن يستغفر لأبيه فنهاه الله عن ذلك بقوله: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين..) الآية. قال: فإنّ إبراهيم قد استغفر لأبيه فنزلت: (وماكان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة) [192] وفي هاتين الروايتين نصّ علي أنّ نزول الآية الكريمة في أبيه وآباء رجل من أصحابه(صلي الله عليه وآله)لا في عمّه ولا في اُمّه. ومنها: ماجاء به الطبري في تفسيره، حيث قال: قال آخرون: الاستغفار في هذا الموضع

بمعني الصلاة. ثم أخرج من طريق المثني من عطاء بن أبي رباح قال: ما كنت أدع الصلاة علي أحد من أهل هذه القبلة ولو كانت حبشيّة حبلي من الزنا، لأنّي لم أسمع الله يحجب الصلاة إلاّ عن المشركين، يقول الله: (ما كان للنبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين.. الآية) [193] وهذا التفسير إن صحّ فهو مخالف لجميع ما تقدم من الروايات الدالّة علي أن المراد من الآية هو طلب المغفرة، كما هو الظاهر المتفاهم من اللفظ. ونفس هذا الاضطراب والمناقضة بين هذه المنقولات وبين ما جاء به البخاري ممّا يفتُّ في عضد الجميع، وينهك من اعتباره، فلا يحتجّ بمثله ولا سيما في مثل المقام من تكفير مسلم بارّ، وتبعيد المتفاني دون الدين عنه. 5 _ إنّ المستفاد من رواية البخاري نزول آية الاستغفار عند موت أبي طالب كما هو ظاهر ما أخرجه إسحاق بن بشر وابن عساكر عن الحسن حيث قال: لما مات أبو طالب قال النبي(صلي الله عليه وآله): إنّ إبراهيم استغفر لأبيه وهو مشرك وأنا استغفر لعمّي حتي أبلغ، فأنزل الله (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين.. الآية). يعني به أبا طالب، فاشتدّ علي النبي(صلي الله عليه وآله) فقال الله لنبيّه(صلي الله عليه وآله): (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إيّاه) [194] وقد ناقضها ما أخرجه ابن سعد وابن عساكر عن عليّ قال: أخبرت رسول الله(صلي الله عليه وآله) بموت أبي طالب فبكي فقال: اذهب فغسّله وكفّنه وواره، غفر الله له ورحمه. ففعلت وجعل رسول الله(صلي الله عليه وآله)يستغفر له أيّاماً، ولا يخرج من بيته حتي نزل جبرئيل(عليه السلام) بهذه الآية: (ما كان للنبيّ والذين آمنوا)... الآية. ولعلّه

هو ظاهر ما أخرجه ابن سعد وأبو الشيخ وابن عساكر من طريق سفيان بن عيينة عن عمر قال: لمّا مات أبو طالب قال له رسول الله(صلي الله عليه وآله): رحمك الله وغفر لك، لا أزال استغفر لك حتي ينهاني الله، فأخذ المسلمون يستغفرون لموتاهم الذين ماتوا وهم مشركون فأنزل الله: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) [195] لكن الاُمّة أصفقت علي أنّ نزول سورة البراءة التي تضمّنت الآية الكريمة آخر ما نزل من القرآن، وكان ذلك بعد الفتح، وهي التي بعث بها رسول الله(صلي الله عليه وآله) أبا بكر ليتلوها علي أهل مكة، ثم استرجعه بوحي من الله سبحانه وقيّض لها مولانا أمير المؤمنين فقال: «لا يبلّغها عنّي إلاّ أنا أو رجلٌ منّي» [196] وقد جاء في صحيحة مرّت من عدّة طرق: أنّ آية الاستغفار نزلت بعدما أقبل رسول الله(صلي الله عليه وآله) من غزوة تبوك وكانت في سنة تسع، فأين من هذه كلّها نزولها عند وفاة أبي طالب أو بعدها بأيّام؟ وأ نّي يصحُّ ما جاء به البخاري ومن يشاكله في رواية البواطيل؟ [197] 6 _ إنّ سياق الآية الكريمة _ آية الاستغفار _ سياق نفي لا نهي، فلا نصّ فيها علي أنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) استغفر فنهي عنه، وإنّما يلتئم مع استغفاره لعلمه بإيمان عمّه، وبما أنّ في الحضور كان من لا يعرف ذلك من ظاهر حال أبي طالب الذي كان يماشي به قريشاً، فقالوا في ذلك أو اتّخذوه مدركاً لجواز الاستغفار للمشركين، كما ربّما احتجوا بفعل ابراهيم(عليه السلام)، فأنزل الله سبحانه الآية وما بعدها من قوله تعالي: (وما كان استغفار إبراهيم.. الآية) تنزيهاً للنبي(صلي الله عليه وآله)وتعذيراً لإبراهيم(عليه

السلام)، وإيعازاً الي أنّ من استغفر له النبي(صلي الله عليه وآله) لم يكن مشركاً كما حسبوه، وأنّ مرتبة النبوّة تأبي عن الاستغفار للمشركين، فنفس صدوره منه(صلي الله عليه وآله) فيه برهنةٌ كافيةٌ علي أنّ أبا طالب لم يكن مشركاً، وقد عرفت ذلك أفذاذ من الاُمّة، فلم يحتجّوا بعمل النبي(صلي الله عليه وآله)لاستغفارهم لآبائهم المشركين، وإنّما اقتصروا في الاحتجاج بعمل إبراهيم(عليه السلام)، كما مرّ في صحيحة عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) إذ قال: «سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ قال: أوَلم يستغفر إبراهيم؟». الحديث [198] ولو كان يعرف هذا الرجل أبا طالب مشركاً لكان الاستدلال لتبرير عمله باستغفار نبيّ الإسلام له _ ولم يكن يخفي علي أحد _ أولي من استغفار إبراهيم لأبيه لكنّه اقتصر علي ما استدلّ به. 7 _ وإنّا علي تقدير التسليم لرواية البخاري، وغضّ الطرف عمّا سبق عن العبّاس من أنّ أبا طالب لهج بالشهادتين، حتّي قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): الحمدلله الذي هداك يا عمّ! وما مرّ عن مولانا أمير المؤمنين من أ نّه ما مات حتي أعطي رسول الله من نفسه الرضا، وما مرّ من قوله(صلي الله عليه وآله): «كلُّ الخير أرجو من ربّي لأبي طالب» وما مرّ من وصيّة أبي طالب عند الوفاة لقريش وبني عبدالمطلب، بإطاعة محمد(صلي الله عليه وآله)واتّباعه والتسليم لأمره، وأنّ فيه الرشد والفلاح، وأنّه(صلي الله عليه وآله)الأمين في قريش والصدّيق في العرب. الي سائر النصوص الجمّة في نثرها ونظمها، فبعد غضّ الطرف عن هذه كلّها لا نسلّم أنّ أبا طالب(عليه السلام)أبي إظهار الإيمان في ساعته الأخيرة حين قال: «علي ملّة عبدالمطلب». ونحن لا نرتاب في أنّ عبدالمطلب سلام الله

عليه كان علي المبدأ الحقّ، وعلي دين الله الذي ارتضاه للناس ربّ العالمين يومئذ، وكان معترفاً بالمبدأ والمعاد، عارفاً بأمر الرسالة، اللائح علي أساريره نورها، الساكن في صلبه صاحبها. وللشهرستاني حول سيّدنا عبدالمطلب كلمة ذكرنا جملة منها في الجزء السابع [199] فراجع الملل والنحل والكتب التي [200] ألّفها السيوطي في آباء النبي(صلي الله عليه وآله)حتي تعرف جليّة الحال، فقول أبي طالب(عليه السلام): «علي ملّة عبدالمطلب». صريح في أنّه معتنق تلكم المبادئ كلّها، أضف الي ذلك نصوصه المتواصلة طيلة حياته علي صحّة الدعوة المحمّدية [201] أما الروايات والأشعار التي استدلّوا بها علي كفر أبي طالب فهي كالآتي: أ _ استدلّوا بقول أبي طالب: فوالله، لولا أن أجيء بسبة [202] تجر علي أشياخنا في المحافل لكنا اتبعناه علي كل حالة من الدهر جداً غير قول التهازل [203] وقوله: لولا الملامة أو حذاري سبة لوجدتني سحاً بذاك مبيناً [204] ويلاحظ علي هذين القولين أنّه يجد الحرج في الإعلان عن إسلامه، ولكنه يؤكد بهما حقيقة إيمانه. ومن ثم كيف يقال: إنه مات علي ما كان عليه قبل الإسلام؟ ب _ واستدلّوا بما رواه ابن اسحاق من أنه(صلي الله عليه وآله) طمع في إسلام أبي طالب لمّا رأي منه قبل وفاته. فجعل يقول له: «أي عم! قلها _ أي كلمة التوحيد _ استحلّ لك بها الشفاعة يوم القيامة فأجابه أبو طالب: يا ابن أخي! والله _ لولا مخافة السبة عليك وعلي بني أبيك من بعدي، وأن تظن قريش أنني إنّما قلتها فزعاً من الموت، لقلتها، ولا أقولها إلاّ لأسرّك بها [205] ، فلما تقارب الموت من أبي طالب; نظر العباس إليه فوجده يحرّك شفتيه، فأصغي إليه باُذنيه، ثم قال: يا

ابن أخي! لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): لم أسمع» [206] فهو هنا مؤمن، ولكنه يخاف _ من إعلان إسلامه _ السبّة علي محمّد (صلي الله عليه وآله)وعلي بني أبيه. ولعمري كيف يمكن أن يكون إسلام أبي طالب سبّة علي محمد(صلي الله عليه وآله) وهو نبي الإسلام، الداعي إليه، متحملاً من الإيذاء في سبيله ما لا يقبل لغيره به، إذا أسلمنا جدلاً أنه يكون سبّة علي بني أبيه؟ بل هل يدعو النبي الي ما فيه سبة عليه؟ وكيف يتصور أن يكون إسلام أبي طالب حينئذ سبّة علي بني أبيه؟ وقد كان علي وجعفر وعمّهما حمزة، كلهم في ذلك الوقت مسلمين فعلاً بصورة علنية. علي أنه كيف يتصور أن يهتم العباس بأن يتابع شفتي أبي طالب حينئذ، ويتسمّع إليه باُذنيه ليتأكد مما يقوله في شأن هذا الذي أمره به النبي(صلي الله عليه وآله). وهو لما يعرف عنه الإسلام بعد، والتاريخ يذكر أنه ظل علي موقفه من الإسلام حتي شهد بدراً في صفوف المشركين، وكان من أسراها؟ وحينئذ، كيف يتصور إذا كان إسلام أبي طالب سبّة علي بني آباء محمد (صلي الله عليه وآله)، أن يحقّق العباس هذه السبّة، فيقول للنبي(صلي الله عليه وآله): «يا ابن أخي! لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها» وكيف يتصور _ إذا كان ذلك قد حدث فعلاً _ أن يقول النبي(صلي الله عليه وآله): «لم أسمع» مع أنه هو الذي أمره أن يقولها، وأخبره عمّه بنطقه بها؟ ج _ واستدلّوا أيضاً بما روي أن عليّاً(عليه السلام) جاء الي رسول الله(صلي الله عليه وآله)_ حين مات أبو طالب _ فقال: إن عمّك الضال

قد مات، فقال: إذهب فغسّله وكفّنه وواراه [207] فكيف يتفق هذا مع ما سبقت روايته عن الإمام علي نفسه من أن أبا طالب ما مات حتي أعطي رسول الله(صلي الله عليه وآله)من نفسه الرضا؟ وإذاً فلابد أن تكون إحدي الروايتين مكذوبة أيضاً علي علي(عليه السلام). ولو سلّمنا جدلاً أن أبا طالب لم يعلن إسلامه قبل مماته، فهل يذكر أحد أنه لم يدع وسيلة لنصرة النبي(صلي الله عليه وآله) وحماية دعوته إلاّ واتبعها؟ وهل من كان هذا شأنه يستحقّ من ابنه المسلم، أن يقول عنه _ حين مماته _ لرسول الله: إن عمّك الضال قد مات؟! أفلا كان يكفيه، وهو ربيب النبي(صلي الله عليه وآله)، والمنشأ علي أخلاق الإسلام والمتربّي علي عفّة اللسان أن يقول حينئذ: إن عمّك قد مات، دون أن يصفه بالضلال؟ وهل هذا من بر الوالدين الذي نزل به القرآن من مثل قوله تعالي: (وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتّبع سبيل من أناب إليّ) [208] وعلي أساس ما تقدم، نتساءل: الي أي مدي يمكن اعتبار ما نسب الي أبي طالب من الشعر _ علي تعارضه _ دليلاً علي أنه أسلم بالفعل أو لم يسلم؟ والي أي مدي يمكن اعتبار الروايات التي استعرضناها _ علي تعارضها فيما بينها أيضاً _ دليلاً لهذا الفرض أو ذاك؟ لاشك أن النظرة الدقيقة الي الظروف التي أوحت بهذا الشعر أو ذاك أو بهذه الرواية أو تلك، والي البيئة النفسية التي انتجت كلاً منهما، والي التيارات السياسية التي تقاذفتها عبر قرون زاخرة بالتعصب المذهبي، الذي فرض نفسه علي الأفكار والآراء علي صعيد العالم الإسلامي كله، طولاً وعرضاً... كل ذلك ينبغي أن يكون في الاعتبار عند النظرة الي هذا الشعر أوذ

اك، والي هذه الرواية أو تلك، عن إسلام أو عدم إسلام أبي طالب، الذي شاء له القدر _ بلا نزاع من أي من الفريقين _ أن يكون كافل النبي(صلي الله عليه وآله) وهو طفل، وراعيه وهو يافع، وحاميه عند مبعثه، حيث لم يكن له بين الناس حام سواه. وإذا كان مما لا خلاف فيه أيضاً أن ما جري لأهل البيت(عليهم السلام)خلال القرون المتوالية علي الاُمّة الإسلامية من جحود وقطيعة _ بعد وفاة النبي(صلي الله عليه وآله) _ كان كفيلاً بأن يحول بين صفحات التاريخ وبين أن تخط فيها كلمة إنصاف يكتبها قلم، أو تنطقها شفتان، تثني عليهم أو تعترف بفضلهم. فلقد كانت الحرب _ ولا تزال بصورة أو باُخري _ معلنة عليهم في كل زمان ومكان. ولقد تعقّبوهم في النفس والولد والمال والسمعة، ولاحقتهم الأحقاد باللعن والسب والإساءة... وحلّ بهم التنكيل والتقتيل في كل مكان. ولم يكن عجباً _ والحالة هذه _ أن يتناولهم كثير من الكتّاب، ورواة الأنباء والأخبار بما يستجيب ويتمشي مع النزعات السياسية والمذهبية المخالفة بما يثلبهم ويقدح فيهم، ويحرف الحقيقة في شأنهم، وأن يكون موقف ذوي الضمير من هؤلاء، وهؤلاء متمثّلاً في إهمال أمرهم، وعدم التعرض لذكرهم بسلب أو بإيجاب، خشية من أن ينالهم ما ينالهم من الأذي والنكال والعقاب، مما كان يحلّ بكل من اتّخذ الموقف الحق منهم. ولدينا في أحداث تاريخنا المعاصر، ما يمدنا بالأمثلة الصارخة والمتعددة، مما يحدث للمعارضين تجاه الحكّام. ومن ثم فإذا تسرّب إلينا _ من خلال هذا الحصار والإعصار _ شيء من سيرتهم المضيئة، أو قبس من أقوالهم ومواقفهم المعبرة عن حقيقة الإسلام، أو شعلة من معالم سلوكهم الرشيد; فلاشك أنه حدث في غفلة من

الطغاة وأعوانهم، وعلامة بارزة علي أن العقيدة _ حين تملك علي الإنسان وجدانه وسلوكه _ تدعوه أن يتحدي الأوضاع، ليتغلب عليها بقدر الإمكان. وهذا هو الذي ظهر فيما بعد حتي أصبح مادة لما نقوله الآن. لقد وصل إلينا _ رغماً عن كل الموانع والعوائق _ شعر يحدّثنا عن إسلام أبي طالب، منسوباً إليه، وروايات تاريخية تؤكد ذلك أنّه منه، أفلا يكون هذا مرجّحاً لما روي من هذا أو ذاك، علي ما روي عن الجانب الآخر النافي لإسلامه؟ إن الأمر _ حينئذ والحالة هذه _ إن لم يرق الي رتبة الدليل، فإنه بلا شك لا ينزل عن مرتبة القرينة القوية التي تصل بانضمام غيرها من القرائن الي مرتبة الدليل القوي، والبرهان الجلي، دون أن يعني هذا تهويناً من نسبة هذا الشعر الي أبي طالب، أو صحّة تلك الروايات بما فيها من دلالة صريحة علي إسلامه، فقد ورد ذكرهما في كثير من الكتب والمراجع التاريخية المعترف بوثاقتها، وصحّة نقلها مثل: تاريخ ابن كثير، وسيرة ابن هشام، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ومستدرك الحاكم وغيرها. ومن ثم فإننا نضم الي تلك القرينة القوية غيرها من القرائن الآتية، وسنجد أنها كلها يأخذ بعضها برقاب بعض، مؤكدة إسلام أبي طالب، حتي لا يبقي في ذلك مجال للشك، وذلك أنه من المعلوم أن رابطة الدين هي أقوي الروابط الاجتماعية، وأمامها تذوب بل تزول وتتلاشي سائر الروابط النسبية والسببية، أيّاً كان نوعها، وأيّاً كانت درجة كل نوع منها، حتي لقد يبلغ من قوة تأثيرها أن تدفع الأخ لأن يحارب _ في سبيلها _ أخاه، بل وابنه وأباه، وأنها تمنع التوارث بمجرّد اختلافها، وأن الولاء والتناصر يتحققان بين المتفقين فيها، مهما تباعدوا

نَسَبياً، أو تفاوتوا اجتماعياً. ومن ثم لا يمكن أن يقال: إن رابطة القرابة كانت سبب نصرة أبي طالب لرسول الله(صلي الله عليه وآله)وحمايته له من أعدائه، تلك الحماية التي لولاها لما أمكن للدعوة الإسلامية أن تأخذ مسارها نحو الشيوع والانتشار، وإلاّ فقد كان أبو لهب أيضاً _ وبنفس المقدار _ جديراً بنفس النصرة والحماية، فكلاهما عمّ لرسول الله ولكن أبا لهب علي العكس من أبي طالب، فقد كان حرباً عواناً علي محمد(صلي الله عليه وآله)وعلي دينه وأتباعه، بكل صنوف الحرب وأنواع الإيذاء [209] د _ حديث الضحضاح: روي بعض الكتّاب مثل البخاري [210] ، ومسلم عن رواة نظير سفيان بن سعيد الثوري، عبدالملك بن عمير، عبدالعزيز بن محمّد الدراوردي حديثاً نسبوه الي رسول الله(صلي الله عليه وآله) أنه قال عن أبي طالب(رحمه الله): «وجدتُه في غمرات من النّار فأخرجته الي ضحضاح». «لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيُجعل في ضَحضاح من النّار يبلغُ كعبيه، يغلي منه دماغُهُ» [211] إنّ هذه الرواية وإن كانت تكذّبها عشرات الأحاديث والروايات الإسلامية، والدلائل القاطعة الساطعة، وتثبت بطلانها وتفاهتها، ولكننا بهدف الوصول الي مزيد من التوضيح نعمد الي دراسة أمرين مرتبطين بهذا الحديث: 1 _ ضعف أسناد هذه الرواية: إنّ رواة هذه الرواية _ كما أسلفنا _ هم عبارة: عن سفيان بن سعيد الثوري، وعبدالملك بن عمير، وعبدالعزيز بن محمّد الدراوردي، الذين سندرس أحوالهم واحداً واحداً _ في ضوء أقوال علماء الرجال، المعترف بهم عند أهل السنّة _ فيما يلي: أ _ سفيان بن سعيد الثوري: قال أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي _ وهو من علماء الرجال عند أهل السنّة _ في سفيان الثوري: كان يدلّس عن الضعفاء

[212] إنّ هذا الكلام شاهد قوي علي وجود التدليس عند الثوري، وعلي روايته عن الضعفاء، أو المجهولين، وهو وصف يُسقطه عن درجة الاعتبار. ب _ عبدالملك بن عمير: قال عنه الذهبي المذكور: طال عمره وساء حفظه. قال أبو حاتم: ليس بحافظ، تغيّر حفظه. وقال أحمد: ضعيف يغلط. وقال ابن معين: مخلط. وقال ابن خراش: كان شعبة لا يرضاه، وذكر الكوسج عن أحمد بن حنبل: أنه ضعيف جداً [213] فمن مجموع هذه العبارات، نعرف أن عبدالملك كان يتّصف بصفات عديدة، هي أنه: 1 _ سيّء الحفظ. 2 _ ضعيف. 3 _ كثير الغلط. 4 _ مخلّط. ومن الواضح أن كل واحدة من الصفات المذكورة، كافية لأن تبطل الأحاديث التي يرويها عبدالملك بن عمير، والحال أنه قد اجتمعت جميع نقاط الضعف هذه في هذا الرجل. ج _ عبدالعزيز محمد الدراوردي: وقد وصفه علماء الرجال عند أهل السنّة بالنسيان، وقلة الحفظ، فلا يمكن الاستناد الي مرويّاته. فقد قال أحمد بن حنبل عنه: إذا حدّث من حفظه جاء بأباطيل [214] وقال أبو حاتم عنه: لا يُحتَجُّ به [215] وقال أبو زرعة أيضاً: سيّء الحفظ [216] ومن مجموعة هذه العبارات يتضح بجلاء، أن الرواة الأصليين لحديث الضحضاح ضعفاء في غاية الضعف، الي درجة لا يمكن الاعتماد علي شيء من مروياتهم. 2 _ نص حديث الضحضاح يخالف الكتاب والسنّة لقد نُسِب الي النبي(صلي الله عليه وآله) في هذه الرواية أنه أخرج أبا طالب من نار جهنم الي ضحضاح، وبهذا خفّف عنه العذاب، أو أنه(صلي الله عليه وآله)تمنّي أن يشفع له، فيخفِّف الله عنه العذاب، علي حين نفي القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة تخفيف العذاب عن الكفار، كما ونفيا شفاعة أحد في

حقّهم. وعلي هذا الأساس فلو كان أبو طالب كافراً; لم يجز للنبي(صلي الله عليه وآله)أن يخفّف عنه العذاب، أو يتمنّي له الشفاعة في يوم الجزاء. وبهذا يظهر بطلان محتوي حديث الضحضاح. وإليك فيما يأتي أدلة ما قلناه من الكتاب والسنّة: ألف: القرآن الكريم: قال تعالي: (والّذين كفروا لهم نارُ جهنّم لا يُقضي عليهم فيموتوا ولا يُخفّف عنهم من عذابها، كذلك نجزي كلّ كفور) [217] ب: السنّة النبوية: إن السنّة النبوية تنفي أيضاً الشفاعة للكفّار، ونورد هنا من باب المثال بعض تلك الأحاديث. 1 _ روي أبو ذر الغفاري عن رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: «اُعطيت الشفاعة وهي نائلة من اُمتي من لا يشرك بالله شيئاً» [218] 2 _ روي أبو هريرة عن رسول الله(صلي الله عليه وآله) أنّه قال: «وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلاّ الله مخلصاً، وأنّ محمّداً رسول الله، يصدّق لسانه قلبَه، وقلبُه لسانَه» [219] إن الآيات والروايات المذكورة تثبت بوضوح بطلان نص حديث الضحضاح عند من يقول: بأن أبا طالب مات كافراً. ونتيجة البحث هي أن حديث الضحضاح لا أساس له من الصحة لا من جهة السند والطريق، ولا من جهة المتن والنص، ولا يمكن الاستدلال به علي ما جاء في متنه من اُمور تخالف الكتاب والسنّة. وبهذا ينهار أقوي دليل يستند إليه الزاعمون في عدم إيمان أبي طالب، وحينئذ لا تجد تأريخاً مستنداً يمكن أن يعارض ما دلّ علي إيمان أبي طالب(عليه السلام) [220]

خلاصة البحث

فتحصل من خلال البحث أن أبا طالب، هو الامتداد للخط الإبراهيمي الموحّد. وقد تكفّل النبيّ(صلي الله عليه وآله) بوصيّة من أبيه عبدالمطلب، فرعاه وربّاه وقدّمه علي أبنائه، حتي بعثه الله نبيّاً. وتنوّعت أساليب أبي

طالب في نصرته للدين الحنيف، فدخل الشِعب المسمّي باسمه وهو علي رأس بني هاشم وبني عبدالمطلب، وتحمّل الصعاب في سبيل نصرته والدفاع عنه. وتصدّي للحوارات والمناقشات السياسية حيث كان يمثّل رسول الله(صلي الله عليه وآله) فيها أمام جبهة قريش. وكانت علاقته بالرسول(صلي الله عليه وآله) علاقة حبّ وودّ ووعي وعقيدة، ولم يتفارقا حتي توفي، فتوجّع وتألّم النبي(صلي الله عليه وآله) لموته وترحّم عليه. وثبت من خلال البحث أن الأدلة التي سيقت بكفره لا تمتلك قدرة الإثبات العلمي، وأن حياة أبي طالب وأشعاره ومواقفه وتصاريحه، وتصاريح الرسول والصحابة كلّها تثبت إسلامه. واتّضح أنّ وراء هذا الزعم المكابر وهذه الاُسطورة التاريخية أسبابٌ تاريخية وعوامل نفسية لازالت تسيطر علي نفوس مروّجي هذه الاُسطورة الظالمة بشأنه(عليه السلام).

پاورقي

[1] الجمعة: 2.

[2] الطرق: ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر، الصحاح: 4/1513.

[3] سير يُقد من جلد غير مدبوغ، النهاية: 4/31.

[4] أي ابتلي، وبهم الرجال كصُرد الشجعان منهم لأنهم لشدة بأسهم لا يدرون أين يؤتون؟.

[5] ذؤبان العرب: لصوصهم وصعاليكهم الذين لا مال لهم.

[6] الاحتجاج: 1/257، باب خطبة الزهراء البتول(عليها السلام).

[7] تاريخ اليعقوبي: 1/307 أديان العرب، والسيرة النبوية لابن كثير: 1 / 62، 63، باب ذكر بني إسماعيل وهم عرب الحجاز وما كان من اُمور الجاهلية، صيرورة الأمر الي خزاعة.

[8] تاريخ اليعقوبي: 1/288 _ 289 باب ولد إسماعيل.

[9] تاريخ اليعقوبي: 1/288 _ 289 باب ولد إسماعيل. [

[10] المصدر السابق: 1/290.

[11] طبقات ابن سعد: 1/77 ترجمة هاشم بن مناف.

[12] تاريخ اليعقوبي: 1/293، باب ولد إسماعيل بن إبراهيم، والنزاع والتخاصم للمقريزي: 40 في أصل المفاخرة بين بني هاشم وبن__ي اُمية، ترجمة هاشم.

[13] الطبقات لابن سعد: 1/76، ترجمة هاشم بن عبد مناف والسيرة الحلبية: 64

باب نسبه الشريف(صلي الله عليه وآله).

[14] النزاع والتخاصم: 41، باب في أصل المفاخرة بين بني هاشم وبني اُمية، ترجمة هاشم.

[15] النزاع والتخاصم: 42، باب في أصل المفاخرة بين بني هاشم وبني اُمية، ترجمة اُمية.

[16] المصدر السابق، والطبقات لابن سعد: 1/76.

[17] الطبقات الكبري لابن سعد: 1/78 والسيرة الحلبية: 1/4، ترجمة عبدالمطلب.

[18] تاريخ اليعقوبي: 1/297، باب ولد إسماعيل بن إبراهيم.

[19] السيرة النبوية لابن كثير: 1/173 ذكر تجديد حفر زمزم.

[20] تاريخ اليعقوبي: 1/303 باب ولد إسماعيل بن إبراهيم.

[21] تاريخ اليعقوبي: 1/334 باب مولد رسول الله(صلي الله عليه وآله).

[22] المصدر السابق: 1/305 باب ولد إسماعيل بن إبراهيم.

[23] تاريخ اليعقوبي: 1/304 باب ولد إسماعيل بن إبراهيم، الملل والنحل للشهرستاني: 237، الحاوي للفتاوي / للسيوطي: 2/426.

[24] تاريخ اليعقوبي: 1/331 و 332، باب مولد رسول الله(صلي الله عليه وآله).

[25] عمدة الطالب: 6 والمناقب لابن شهرآشوب: 1 / 36، ومما يثبت إيمان عبدالمطلبما جاء في تاريخ اليعقوبي: 1 / 335، باب مولد رسول الله(صلي الله عليه وآله)ط محققة/مؤسسة الأعلمي.

[26] عمدة الطالب في أنساب أبي طالب: 20 ومسند أحمد: 1/209 ومستدرك الصحيحين: 3/183.

[27] قال ابن حجر العسقلاني في الإصابة، اشتهر بكنيته واسمه عبدمناف علي المشهور وقيل: عمران، الإصابة في تمييز الصحابة: 4/115، ترجمة أبو طالب رقم 685 اسم أبي طالب هو عبد مناف علي الصحيح، وقيل إنّ اسمه عمران، وهي رواية ضعيفة رواها أبو بكر محمد بن عبدالله الطرسوسي النسابة، وقيل: إسمه كنيته، ويروي ذلك عن أبي علي محمّد بن إبراهيم بن عبدالله بن جعفر الأعرج، وزعم أنّه رأي بخطّ أمير المؤمنين(عليه السلام) وكتب علي بن أبو طالب، قال ولكن حدّثني تاج الدين محمد بن أبي القاسم النسابة، وجدّي لاُمّي محمّد بن الحسين الأسدي

أن الّذي كان في آخر ذلك المصحف علي بن أبي طالب، ولكن الياء مشتبهة بالواو، في الخط الكوفي والصحيح أنّ اسمه عبد مناف، وبذلك نطقت وصيّة أبيه عبدالمطّلب، حين أوصي إليه رسول الله(صلي الله عليه وآله)وهو قوله: أوصيك يا عبد مُناف بعدي بواحد بعد أبيه فرد أقول: وممّا ينفي القول بأنّ اسمه كنيته، قول عبدالمطّلب أيضاً علي ما يلي: أوصيت من كنيته بطالب عبد مُناف وهو ذو تجارب مواهب الواهب: 71، 72 وعمدة الطلب: 1/138، 204 ط النجف / 1961 وبحار الأنوار: 15/152.

[28] مجمع الأمثال: 1/97 وابن القيم في زاد المعاد: 2/46.

[29] أسني المطالب للعلامة ابن دحلان: 6.

[30] مسند أحمد بن حنبل: 1/209 مسند عبدالله بن عباس، ومستدرك الصحيحين: 3/183 ونظم درر السمطين: 84، الإصابة: 4/248 وكنز العمال: 6/391، اسد الغابة: 3/414 وتاريخ الطبري: 2/56.

[31] بحار الأنوار: 15/157 عن كنز الكراجكي المتوفي سنة 449 ه_ في كتابه كنز الفوائد: 1 / 192، أخبار عبدالمطلب.

[32] سيرة ابن هشام: 1/179 وتاريخ اليعقوبي: 1/335 باب مولد رسول الله(صلي الله عليه وآله)، السيرة النبوية لابن كثير: 1/240.

[33] راجع السيرة النبوية لابن كثير: 1/242.

[34] السيرة النبوية لابن كثير: 1/249 فصل في خروجه مع عمّه الي الشام.

[35] أعلام النساء / عمر رضا كحالة: 33.

[36] المستدرك علي الصحيحين: 3/108 كتاب معرفة الصحابة، ذكر فضيلة اُمّ علي بن أبي طالب(رضي الله عنها).

[37] تذكرة الخواص: 13 ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج: 27.

[38] البهاليل: جمع بهلول: السيد الجامع لكل خير.

[39] مناقب ابن شهر آشوب: 2/151، فصل في آثار حمله وكيفية ولادته، فاطمة بنت أسد: 58.

[40] بحار الأنوار: 35/98 مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب: 2/172.

[41] تاريخ اليعقوبي: 1/335 باب مولد رسول الله(صلي الله عليه وآله).

[42] الأغاني:

8/48 _ 51.

[43] يراجع شرح نهج البلاغة: 15/219 من كتاب له(عليه السلام) الي معاوية / 28، فضل بني هاشم علي بني عبد شمس، وسيرة ابن هشام: 1/151، ذكر بئار قبائل قريش.

[44] بحار الأنوار: 35/133.

[45] ديوان أبي طالب: 33 و 35 وتاريخ ابن عساكر: 1/269 _ 272، الروض الآنف: 1/120.

[46] السيرة الحلبية: 1/133 باب سفره(صلي الله عليه وآله) الي الشام ثانياً، والكامل في التاريخ: 2/24.

[47] تاريخ اليعقوبي: 1/341 باب تزويج خديجة بنت خويلد.

[48] شرح النهج لابن أبي الحديد: 14 / 70، كتاب 9، كتابه الي معاوية، الحجة علي الذاهب الي تكفير أبي طالب: 214 والوفاء بأحوال المصطفي لابن الجوزي: 1/238، تاريخ ابن خلدون: 2/712، تاريخ اليعقوبي: 1/341، باب تزويج خديجة بنت خويلد.

[49] السيرة النبوية لابن هشام: 1/182، قصة بحيرا.

[50] الغدير: 7/389 ح 14 ما أسنده إليه من لاث به وبخع له، عن ضياء العالمين للفتوني وراجع اليعقوبي: 2/26 والطبقات لابن سعد: 1/106.

[51] عقيدة أبي طالب / سيد طالب الرفاعي: 16.

[52] السيرة الحلبية: 1/304، باب عرض قريش عليه(صلي الله عليه وآله) أشياء.

[53] أخرجه البخاري في تاريخه وفي ذخائر العقبي: 213 وابن كثير لمّا رأي لكلمة راشدين قيمة في إيمان أبي طالب فحذفها في تاريخه: 2/72، السيرة الحلبية: 1/303 باب عرض قريش عليه(صلي الله عليه وآله) أشياء.

[54] الطبقات الكبري، ابن سعد: 1/187 ذكر علامات النبوة بعد نزول الوحي علي رسول الله(صلي الله عليه وآله)، تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: 42/46 ترجمة علي بن أبي طالب(عليه السلام) رقم 4933.

[55] لسان العرب: 4/616، النهاية لابن الأثير: 3/319.

[56] سيرة ابن هشام: 1/247، ذكر أن علي بن أبي طالب(عليه السلام) أنّه أوّل مَن أسلم وتاريخ الطبري: 2/214 وعيون الأثر: 1/94 والإصابة: 4/116

ترجمة أبي طالب، رقم 685 وأسني المطالب: 10.

[57] شرح ابن أبي الحديد: 14/ 75 و 76، كتاب 9، كتاب علي الي معاوية.

[58] اُسد الغابة: 1/341، ترجمة جعفر بن أبي طالب، رقم 759، شرح ابن أبي الحديد: 3/315، الإصابة: 4/116، ترجمة أبي طالب رقم 685، السيرة الحلبية: 1/286، أسني المطالب: 6.

[59] شرح ابن أبي الحديد: 14، 76، كتاب 9، من كتابه(عليه السلام) الي معاوية.

[60] الغدير: 7/356، نقلاً عن أبي بكر الشيرازي في تفسيره.

[61] الأكوية: راجع الي عمرو بن العاص الذي ذهب لحثّ النجاشي علي طرد المهاجرين.

[62] الأصعر: المتكبر.

[63] أعيان الشيعة: 8/119 حياة أبو طالب.

[64] سيرة ابن هاشم: 1/333، باب ارسال قريش الي الحبشة في طلب المهاجرين إليها، قال ابن إسحاق: فلما رأت قُريش أن أصحاب رسول الله(صلي الله عليه وآله) قد أمنوا واطمأنوا بأرض الحبشة، وأنهم قد أصابوا بها داراً وقراراً، ائتمروا بينهم أن يبعثوا فيهم منهم رجُلَين من قريش جَلْدين الي النجاشي، فيردّهم عليهم، ليفتنوهم في دينهم، ويُخرجوهم من دارهم، التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها، فبعثوا عبدالله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص بن وائل، وجمعوا لهما هدايا للنجاشي ولبطارقته، ثم بعثوهما إليه فيهم فقال أبو طالب، حين رأي ذلك من رأيهم _ يعني قريش _ وما بعثوهما فيه أبياتاً للنجاشي يحضّه علي حُسْن جوارهم والدّفع عنهم. وراجع سيد المرسلين للسبحاني: 1/459.

[65] سيرة ابن هشام: 1/333، غاية المطالب: 25 _ 27.

[66] المستدرك علي الصحيحين للحاكم: 2/623 كتاب التاريخ، من كتاب الهجرة الاُولي الي الحبشة.

[67] ديوان أبي طالب: 78.

[68] ديوان أبي طالب: 28.

[69] مواهب الواهب: 194 _ 195، الباب الثامن في محبّة أبي طالب للنبي(صلي الله عليه وآله)، نهاية الطلب وغاية السؤول في مناقب آل الرسول

لإبراهيم بن محمد الدينوري.

[70] طبقات ابن سعد: 1/203، ذكر ممشي قريش الي أبي طالب.

[71] شرج نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 14 / 55 كتاب 9، من كتاب له(عليه السلام) الي معاوية، اجلاب قريش علي بني هاشم وحصرهم في الشعب، طبقات ابن سعد: 1/202، ذكر ممشي قريش الي أبي طالب.

[72] تجرجما: سقطا وانحدرا، يقال تجرجم الشيء إذا سقط: ذو علق: جبل في ديار بني أسد.

[73] يرس له ذكر: يذكر ذكراً خفيفاً رس الحديث: حدّث به بخفاء.

[74] شغر أحد: أي ما بالدار أحد.

[75] يريد بالوليد بن المغيرة وكان من المستهزئين بالنبي(صلي الله عليه وآله) وهو من الذين تحركوا نحو أبي طالب في أمر النبي، وقد نزل فيه قوله تعالي: (ذرني ومن خلقت وحيدا) وكان يسمي الوحيد في قومه. الكشاف: 4/647، والبيضاوي: 5/413.

[76] الغدير: 7/360.

[77] الطبقات الكبري لابن سعد: 1/202 _ 203، ذكر ممشي قريش الي بني هاشم، الطرائف: 85.

[78] الغدير: 7/360.

[79] كما روي ابن اسحاق ونقله الأميني في الغدير: 7/404.

[80] الغدير للأميني: 7/363.

[81] زاد المعاد لابن القيّم: 2/46.

[82] السيرة الحلبية: 1/351 _ 352، باب ذكر وفاة عمّه أبي طالب وزوجته خديجة وبهذا نزل القرآن الكريم من قول الله تعالي: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون)الزخرف: 44.

[83] شرح النهج لابن أبي الحديد: 14/76 كتاب 9، من كتاب له(عليه السلام) الي معاوية، ذكر اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب وراجع بهذا المعني تاريخ الخطيب للبغدادي: 13/198 ذكر من اسمه معاوية، معاوية بن عبيدالله، رقم 7174، وتاريخ ابن كثير: 3/125، وتذكرة الخواص: 6، والإصابة: 4/116 ترجمة أبي طالب 684، وشرح شواهد المغني: 136، وتاريخ اليعقوبي: 1/355، باب وفاة خديجة وأبو طالب، وابن سعد في الطبقات: 1/206، وابن عساكر في الخصائص

الكبري: 1/87.

[84] التوبة: 84.

[85] التوبة: 114.

[86] ايمان أبي طالب للشيخ للمفيد: 27.

[87] تاريخ الطبري: 2/80، صححه نخبة من العلماء، ط مؤسسة الأعلمي، تاريخ ابن عساكر: 1/284، مستدرك الحاكم: 2/622 كتاب التاريخ، كتاب الهجرة الي الحبشة، تاريخ ابن كثير: 3/122 و 134، الصفوة لابن الجوزي: 1/21، الفائق للزمخشري: 2/213، تاريخ الخميس: 1/253، السيرة الحلبية: 1/375، فتح الباري: 7/153 _ 154، شرح الشواهد المفتي: 136 نقلاً عن البيهقي، أسني المطالب: 11 و 21، طلبة الطالب: 4 و 54، الغدير: 7/376 _ 377.

[88] التعظيم والمنّة للحافظ السيوطي: 25 وفي هذا المعني في ذخائر العقبي: 7، الدرج المتبقية للسيوطي: 7، مسالك الحنفاء: 14.

[89] الغدير: 7/388.

[90] المصدر السابق.

[91] الغدير: 7/387، ح7، كنز الفوائد للمحدث الكراجكي: 1/183.

[92] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 14، 69، كتاب 9، من كتاب له(عليه السلام) الي معاوية، باب اختلاف الرأي في ايمان أبي طالب، الغدير: 7/380 و 389، كتاب الحجة علي الذاهب الي تكفير أبي طالب: 24.

[93] الغدير: 7/380 و 390 وشرح النهج لابن أبي الحديد: 14 / 68 كتاب 9، من كتاب له(عليه السلام)الي معاوية، باب اختلاف الرأي في ايمان أبي طالب والحجة علي الذاهب الي تكفير أبي طالب: 18، كنز الفوائد: 1/80 ومستدرك البحار: 6/447، باب ايمان أبي طالب وردّ أخبار الضحضاح.

[94] الغدير: 7/392 _ 393 عن كنز الفوائد لشيخنا الكراجكي: 80 وكتاب الحجة علي الذاهب الي تكفير أبي طالب: 17.

[95] الغدير: 7/390 عن المجلسي في البحار: 9/24، أبو طالب حامي الرسول، نجم الدين العسكري، بعض الأحاديث المروية من أهل البيت(عليهم السلام) في حق جدّهم أبي طالب، أبو الفتوح الرازي في تفسيره: 4/212.

[96] الغدير: 7/394.

[97] النساء: 114.

[98] الغدير: 7/381 و 394 والحجة علي

الذاهب الي تكفير أبي طالب: 16، كنز الفوائد: 80، شرح نهج البلاغة: 14 / 68، باب اختلاف الرأي في ايمان أبي طالب.

[99] الغدير: 7/395، تفسير أبو الفتوح الرازي: 4/211.

[100] شرح نهج البلاغة: 14/69، باب اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب، الحجة علي الذاهب الي تكفير أبي طالب: 137 _ 138.

[101] الغدير: 7 / 396، الحجة علي الذاهب الي تكفير أبي طالب، وشرح نهج البلاغة: 14/70، باب اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب.

[102] الغدير: 7/397، شرح نهج البلاغة: 14/71، باب اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب.

[103] الغدير: 7/398، ضياء العالمين للشيخ أبي الحسن الشريف.

[104] الغدير: 7/399، الحجة علي الذاهب الي تكفير أبي طالب: 300 _ 301.

[105] شرح النهج لابن أبي الحديد: 14/71 باب اختلاف الرأي في ايمان أبي طالب.

[106] إياة الصّبح: ضوؤه، وأصله في الشمس.

[107] شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد: 14، 83، 84، كتاب 9 من كتاب له(عليه السلام) الي معاوية، اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب.

[108] السيرة الحلبية: 1/15 باب نسبه الشريف(صلي الله عليه وآله).

[109] السيرة الحلبية: 1/80، الخصائص الكبري: 1/41.

[110] المصدر السابق: 1/12 _ 15.

[111] تاريخ اليعقوبي: 1/24.

[112] تاريخ اليعقوبي: 1/31 _ 32، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي: 1/143.

[113] شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي: 1/143، الصواعق المحرقة: 15.

[114] تاريخ اليعقوبي: 1/345 و 346، باب المبعث والاسراء وطبقات ابن سعد: 1/202 باب ممشي قريش الي أبي طالب.

[115] طبقات ابن سعد: 1/186، السيرة الحلبية: 1/304.

[116] راجع تاريخ اليعقوبي: 1/ 363 وما بعدها.

[117] طبقات ابن سعد: 2/94 باب سرية عمرو بن اُمية الضمري.

[118] شرح نهج البلاغة: 1/504.

[119] شرح نهج البلاغة، محمد جواد مغنية: 3/471.

[120] عقيدة أبي طالب، السيد طالب الرفاعي: 50.

[121] بحار الأنوار: 18/3، باب معجزاته(صلي الله عليه

وآله) واستجابة دعائه، الغدير: 7/346، سبل الهدي والرشاد، الصالحي الشامي: 2/137، عن ابن عساكر.

[122] إرشاد الساري في شرح البخاري للقسطلاني: 2/227، المواهب اللدنية: 1/48، السيرة الحلبية: 1/116 باب وفاة عبدالمطلب وكفالة عمّه أبي طالب، السيرة النبوية لابن هشام: 1/272 _ 280 باب تحيّر الوليد بن المغيرة فيما يصف القرآن، البداية والنهاية لابن كثير: 3/52 _ 57.

[123] بحار الأنوار: 19/4.

[124] اُسد الغابة: 1/341، ترجمة جعفر بن أبي طالب رقم 759، الإصابة: 4/116 ترجمة أبي طالب رقم 685، السيرة الحلبية: 1/269، باب ذكر أوّل الناس، إيماناً به(صلي الله عليه وآله)، أسني المطالب: 6.

[125] سيرة ابن هشام: 1/333 _ 334، باب إرسال قريش الي الحبشة في طلب المهاجرين إليها.

[126] تاريخ الخميس: 1/339، الروض الآنف: 1/259، المواهب: 1/72، بلوغ الأرب: 1/327، السيرة الحلبية: 1/352، باب ذكر وفاة عمّه أبي طالب، السيرة لزيني دحلان هامش الحلبية: 1/351، أسني المطالب: 5.

[127] الطبقات الكبري لابن سعد: 1/203، ذكر ممشي قريش الي أبي طالب،والطرائف: 85.

[128] تذكرة السبط: 5، الخصائص الكبري: 1/87، السيرة الحلبية: 1/352، باب ذكر وفاة عمّه أبي طالب، سيرة زيني دحلان: 1/92.

[129] الكامل لابن الأثير: 2/24.

[130] الطبقات الكبري لابن سعد: 1/203، ذكر ممشي قريش الي أبي طالب.

[131] تاريخ اليعقوبي: 1/347، باب النذارة.

[132] الكامل لابن الأثير: 2/21.

[133] تاريخ اليعقوبي: 1/354، وفاة خديجة وأبي طالب.

[134] المصدر السابق: 1 / 355، وفاة خديجة وأبي طالب.

[135] شرح النهج لابن أبي الحديد: 14/76 كتاب 9، من كتاب له(عليه السلام) الي معاوية.

[136] المصدر السابق: 14/72.

[137] المصدر السابق: 14/55 وما بعدها كتاب 9، من كتاب له(عليه السلام) الي معاوية، نقلاً عن ديوانه: 176، 177.

[138] غاية المطالب: 75.

[139] القاضي عياض في كتابه (الشّفاء): 1/183، إكمال الدّين للصّدوق: 104.

[140] راجع

سيرة ابن هشام: 1/245 _ 246 ذكر أن علي بن أبي طالب(عليه السلام) أوّل من أسلم، وهذه القصة متفق عليها في كتب السِيَر.

[141] الفتح: 29.

[142] المائدة: 54.

[143] الطبقات لابن سعد: 1/125، الخصائص الكبري: 1/87.

[144] الشيخ المفيد في إيمان أبي طالب: 27 ضمن مجموعة مصنفاته.

[145] التفسير الكبير للفخر الرازي: 3/61، وصحيح البخاري: 6/172 باب إذا أسلمت المشركة.

[146] شرح نهج البلاغة: 14/68 كتاب 9، من كتاب له(عليه السلام) الي معاوية.

[147] الأنعام: 26.

[148] طبقات ابن سعد: 1/105، تاريخ الطبري: 7/110، تفسير ابن كثير: 2/131، فصل في وفاة أبي طالب، الكشاف: 2/14، تفسير الآية (وهم ينهون عنهوينأون...)، تفسير ابن جزي: 2/6، تفسير الخازن: 2/106 تفسير الآية (وهم ينهون عنه وينأون...).

[149] تفسير القرطبي: 6/406 تفسير الآية 26 من سورة الأنعام.

[150] تهذيب التهذيب: 2/179 ترجمة حبيب بن أبي ثابت.

[151] ميزان الاعتدال: 1/396.

[152] تفسير الطبري: 5/71، تفسير الآية 26 من سورة الأنعام، الدر المنثور: 3/15، تفسير الآية 26 من سورة الأنعام.

[153] تفسير الطبري: 5/71، تفسير الآية 26 من سورة الأنعام،، وتفسير الآلوسي: 7/126.

[154] أخرجه أبو عبيد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والنحاس من طريق ابن عباس والطبراني وابن مردويه من طريق عبدالله بن عمر، راجع تفسير القرطبي: 6/382، 383، تفسير ابن كثير: 2/126، الدر المنثور: 3/2، تفسير الشوكاني:3/91، 92.

[155] الإتقان: 1/17.

[156] الأنعام: 25 _ 26.

[157] التفسير العظيم لابن كثير: 2/132، تفسير الآية 26 من سورة الأنعام.

[158] التوبة: 113.

[159] القصص: 56.

[160] صحيح البخاري: 6/18، دار الفكر.

[161] شرح نهج البلاغة: 1/370.

[162] المحلّي 4/214.

[163] صحيح البخاري: 5، 185، باب يستفتونك في آخر سورة النساء، الكشاف 2: 315 تفسير الآية 113 من سورة التوبة، تفسير القرطبي 8: 273 تفسير الآية 113 من سورة التوبة، الإتقان 1:

17، تفسير فتح القدير للشوكاني: 2/ 410، تفسير الآية 113 من سورة التوبة، نقلاً عن ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن الضريس وابن المنذر والنحاس وأبي الشيخ وابن مردويه عن طريق البراء بن عازب.

[164] المجادلة: 22.

[165] الاتقان 1: 17، وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وأبو نعيم والبيهقي وابن كثير كما في تفسيره 4: 329، وتفسير الشوكاني 5: 189، وتفسير الآلوسي 28: 37.

[166] النساء: 144.

[167] تفسير القرطبي: 5/ 1.

[168] الجامع لاحكام القرآن: 5 / 1.

[169] صحيح البخاري: 6/ 100 _ 101، كتاب فضائل القرآن في كتاب التفسير باب تأليف القرآن، وذكره القرطبي في تفسيره: 5 / 1.

[170] الاتقان في علوم القرآن: 1/17.

[171] النساء: 139.

[172] آل عمران: 28.

[173] السيرة النبوية: 2/576، باب ما نزل من آل عمران فيهم.

[174] تفسير القرطبي: 4/ 58، تفسير الخازن: 1/ 235.

[175] الاتقان في علوم القرآن: 1/17.

[176] المنافقون: 6.

[177] الجامع لأحكام القرآن القرطبي: 18/127، تفسير ابن كثير: 4/369.

[178] الإتقان في علوم القرآن: 1/17.

[179] التوبة: 23.

[180] التوبة: 80.

[181] الغدير: 8/12، نظرة في الآيات المحرفة في أبي طالب.

[182] الجامع لأحكام القرآن: 8/272، 273.

[183] التوبة 113، 114.

[184] أسني المطالب: 18.

[185] إرشاد الساري في شرح البخاري: 10/560، 1 _ باب قوله: (إنّك لا تهدي...) ذيل الحديث 4772.

[186] تفسير الطبري: 11/ 31، ارشاد الساري: 10/314، 16 _ باب ما كان للنبي، ذيل الحديث 4675، الدر المنثور 3: 283.

[187] جامع البيان في تأويل القرآن: 11/31.

[188] الكشاف: 2/315، تفسير الآية 113 من سورة التوبة.

[189] ارشاد الساري: 10/314، 16 _ باب ما كان للنبي، ذيل الحديث 4675.

[190] الغدير للأميني: 8/10 _ 12.

[191] جامع البيان: 11/31 الطبري.

[192] الدر المنثور: 3/505، تفسير الآية 113 من سورة التوبة.

[193] جامع البيان للطبري: 11/31.

[194] الدر

المنثور: 3/505، تفسير الآية 113 من سورة التوبة.

[195] الدر المنثور: 3/ 506 تفسير الآية 113 من سورة التوبة.

[196] الغدير: 6 / 338 _ 350 ط 2.

[197] الغدير للأميني: 8 / 10 _ 16.

[198] الغدير للأميني: 12.

[199] الغدير: 8/17، نظرة في الآيات المحرفة في أبي طالب.

[200] منها: مسالك الحنفا في والدي المصطفي، الدرج المنيفة في الآباء الشريفة، المقامة السندسية في النسبة المصطفوية، التعظيم والمنّة في أن أبوي رسول الله في الجنة، نشر العلمين في إحياء الأبوين، النبل الجليّة في الآباء العليّة.

[201] راجع الغدير للأميني: 8/3 _ 17.

[202] في بعض النسخ بسنَّة.

[203] سيرة ابن هشام: 1/280، شعر أبي طالب في استعطاف قريش.

[204] شرح النهج لابن أبي الحديد: 14/55 كتاب 9، من كتاب له(عليه السلام) الي معاوية.

[205] سيرة ابن هشام: 1/418، طمع الرسول في اسلام أبي طالب.

[206] سيرة ابن هشام: 1/418.

[207] شرح السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني: 1/153، باب الإسلام ح 156.

[208] لقمان: 15.

[209] راجع عقيدة أبي طالب للسيّد طالب الحسني الرفاعي: 31 _ 42.

[210] صحيح البخاري: 4/ 247، أبواب المناقب، قصّة أبي طالب.

[211] صحيح مسلم: كتاب الإيمان: 1/135 باب شفاعة النبي(صلي الله عليه وآله) لأبي طالب، صحيح البخاري: 4/247، أبواب المناقب، قصة أبي طالب.

[212] ميزان الاعتدال: 2 / 169، ترجمة سفيان بن سعيد الثوري رقم 3322.

[213] المصدر السابق: 2/660 ترجمة عبدالملك بن عمير رقم 5235.

[214] المصدر السابق: 2 / 634 ترجمة عبدالعزيز بن محمد الداوري رقم 5125.

[215] المصدر السابق.

[216] المصدر السابق.

[217] فاطر: 36.

[218] الترغيب والترهيب: 4 / 433، فصل في الشفاعة ح 93.

[219] المصدر السابق: 437، فصل في الشفاعة ح 98.

[220] راجع سيد المرسلين للشيخ جعفر السبحاني: 1/530.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.