سلامة القرآن من التحريف

اشارة

‏عنوان و نام پديدآور : سلامه القرآن من التحريف/ [اصدار] مركز الرساله
‏مشخصات نشر : [قم]: مركز الرساله، ۱۴۱۷ق. = ۱۳۷۵.
‏مشخصات ظاهري : ص ۱۱۱
‏فروست : (سلسله المعارف الاسلاميه‌۲)
‏شابك : 964-319-030-7۱۸۰۰ريال ؛ 964-319-030-7۱۸۰۰ريال
‏وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
‏يادداشت : عربي
‏يادداشت : كتابنامه به‌صورت زيرنويس
‏موضوع : قرآن -- تحريف
‏موضوع : قرآن -- دفاعيه‌ها و رديه‌ها
‏شناسه افزوده : مركز الرساله
‏رده بندي كنگره : ‏BP۸۹/۲/س‌۸ ۱۳۷۵
‏رده بندي ديويي : ‏۲۹۷/۱۵۹
‏شماره كتابشناسي ملي : م‌۷۷-۱۸۲۹۹

مقدمة المركز

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي أشرف الاَنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله الطاهرين. القرآن الكريم كتاب الله المنزّل علي رسوله النبي الاَمين صلي الله عليه وآله وسلم، وهو دستور الاِسلام الخالد (لا يأتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ ولا مِنْ خَلفِهِ)، وقد أجمع المسلمون علي أنّه المصدر الاَوّل في التشريع الاِسلامي، والمرجع الاَساس في استقاء الفكر والعقيدة والنظم والمفاهيم الاِسلامية؛ ولذلك كلّه حرصَ الرسول الاَعظم صلي الله عليه وآله وسلم علي سلامة هذا القرآن وتبليغه كما أُنزل حرفاً بحرف وكلمة كلمة، وكيف لا يحرص علي ذلك وهو برهان نبوته، ومعجزة الاِسلام الخالدة. !؟ فالظروف التي أحاطت بنزول القرآن الكريم تقتضي سلامته من مزعومة التحريف؛ لاَنَّ الرسول الاَعظم صلي الله عليه وآله وسلم كان يأمر بتدوين النصّ القرآني أوَّلاً بأوَّلٍ، وقد اتخذ كُتّاباً يكتبون الوحي حين نزوله، وكان صلي الله عليه وآله وسلم يشرف بنفسه علي وضع كلِّ آيةٍ في موضعها من السورة، ولم يكتفِ بذلك، بل كان يأمر باستظهار القرآن الكريم وتعلُّمِه لينضمَّ الاستظهار إلي التدوين في حفظ القرآن الكريم وسلامته. [ صفحه 6] هذا زيادة علي حرص المسلمين وعنايتهم البالغة وتفانيهم من أجل أن لا تمتد إلي القرآن الكريم يد التغيير أو التبديل حتي ولو بحرف واحد؛ لاَنّه دستورهم المقدس، وكتاب ربهم تعالي الذي خاطب فيه نبيهم الاَكرم صلي الله عليه وآله وسلم بقوله تعالي: (وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينا بَعضَ الاَقاوِيلِ - لاخذنا مِنهُ باليَمِينِ- ثم لَقَطعنَا مِنهُ الوَتِينَ). وقد صرّح أهل البيت عليهم السلام ـ الَّذين هم عدل الكتاب كما نطق الرسول الاَكرم صلي الله عليه وآله وسلم في حديث الثقلين ـ بسلامة القرآن، من الزيادة والنقصان، وتابعهم علي ذلك أئمة أعلام الشيعة ومحققو علماء أهل السنة، وشذّ من شذّ لروايات لم تثبت ولم تصح سنداً، وأمّا ما صحَّ منها فمؤول بوجه مقبول، ومصروف عن ظاهره قطعاً؛ لمخالفته الاَدلة القاطعة والبراهين الساطعة علي سلامة القرآن من الزيادة والنقصان. وهذا الكتاب يتضمّن ـ علي صغر حجمه ـ بحثاً موضوعيّاً وتحقيقاً شاملاً عن المسألة، ويثبت (سلامة القرآن من التحريف والزيادة والنقصان) بالاَدلة والبراهين المتقنة عند الفريقين ويعالج أهم الشبهات المثارة معالجة دقيقة موضوعية. فإليك ـ عزيزي القارئ ـ يقدّم مركزنا اصداره الثاني هذا، خدمةً للقرآن العظيم وإيفاءً بالعهد في تقديم الزاد الفكري الرصين. والله وليّ التوفيق. مركز الرسالة [ صفحه 7]

المقدمة

(الحمدُ للهِ الّذي أنْزَلَ عَلي عَبْدِهِ الكِتابَ وَلَم يَجْعَل لَهُ عِوَجاً - قَيِّماً لِيُنذِرَ بأساً شَدِيداً مِن لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ المُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَعمَلُون الصَّالحاتِ أنَّ لَهُم أجْراً حَسَناً)، (الكهف 18: 2 ـ 1) وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم علي رسوله الذي أرسله بالهُدي ودين الحقّ ليُظهِرهُ علي الدين كُلّه ولو كرِه المشركون، وعلي أهل بيته المنتجبين، حَمَلة القُرآن وقُرنائه إلي يوم الدين. (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ خَبيرٍ) (هود 11: 1). (لايَأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيهِ وَلا مِن خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَميدٍ) (فصلت 41: 42). (ذلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُديً لِلْمُتَّقِينَ). (البقرة 2: 2). (نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِن رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُديً وَبُشْري لِلْمُسْلِمينَ). (النحل16: 102) (ما كانَ حَدِيثاً يُفْترَي وَلكِن تَصْدِيِقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفصِيلَ كُلِّ شَيءٍ وَهُديً وَرَحْمَةً لِقَوْم يُؤمِنُونَ). (يوسف12: 111.) وبعد: فإنّ القرآن الكريم الموجود بين أيدينا هو الكتاب الذي أنزله الله تعالي [ صفحه 8] علي نبيّه محمّد صلي الله عليه وآله وسلم للاعجاز والتحدّي، وتعليم الأَحكام، وتمييز الحلال من الحرام، وقد كان مجموعاً علي عهد الوحي والنبوة علي ما هو عليه الآن من عدد سوره وآياته، وهو متواتر بجميع سوره وآياته وكلماته تواتراً قطعياً باتفاق كلمة مذاهب المسلمين وفرقهم. وقد توهّم البعض وقوع التحريف في كتاب الله العزيز استناداً إلي جملة من الاَخبار الظاهرة في نقص القرآن، وهي إمّا أخبار غير معتبرة سنداً، أو إنّها أخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً، أو إنّها مؤوّلة بنحوٍ من الاعتبار، وإلاّ فقد نصّ المحقون من علماء المسلمين علي أن يُضْرَب بها الجِدار. [ صفحه 9]

معني التحريف لغة و اصطلاحا

حرف الشيء: طرفه وجانبه، وتحريفه: إمالته والعدول به عن موضعه إلي طرفٍ أو جانب. قال تعالي: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ الله عَلَي حَرْفٍ). (الحج 22: 11) قال الزمخشري: أي علي طرفٍ من الدين لافي وسطه وقلبه، وهذا مثلٌ لكونهم علي قلقٍ واضطرابٍ في دينهم، لاعلي سكونٍ وطمأنينة [1] . التحريف اصطلاحاً أمّا التحريف في الاِصطلاح فله معانٍ كثيرة: منها: التحريف الترتيبي: أي نقل الآية من مكانها إلي مكان آخر، سواء كان هذا النقل بتوقيف أو باجتهاد، فلا خلاف في وقوعه، إذ كم من آية مكّية بين آيات مدنيّة، وبالعكس. ومنها: التحريف المعنوي: ويراد به حمل اللفظ علي معانٍ بعيدة عنه لم ترتبط بظاهره، مع مخالفتها للمشهور من تفسيره، وهذا النوع واقع في القرآن، وذلك عن طريق تأويله من غير علم، وهو محرّم بالاِجماع [ صفحه 10] لقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار [2] «وهو من التفسير بالرأي المنهي عنه، قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «من فسَّر القرآن برأيه وأصاب الحق فقد أخطأ [3] «وهذا المعني منحدر عن الاَصل اللغوي لتحريف الكلام. ومنها: التحريف اللفظي، وهو علي أقسام: منها: التحريف بالزيادة والنقصان، وهو علي ثلاثة أنحاء: أ ـ تحريف الحروف أو الحركات، وهذا راجع إلي القراءات القرآنية، وهو باطل إلاَّ في ألفاظ قليلة كقراءة قوله تعالي: (وَامْسَحُواْ بِرُؤُسِكُمْ وَأرْجُلَكُمْ) [4] بكسر لفظة الاَرجل ونصبها، وغيرها ممّا لم يخالف أُصول العربية وقراءة جمهور المسلمين، وورد به أثر صحيح. ب ـ تحريف الكلمات، وهو إمَّا أن يكون في أصل المصحف، وهو باطل بالاِجماع، وإمَّا أن تكون زيادة لغرض الاِيضاح لما عساه يشكل في فهم المراد من اللفظ، وهو جائز بالاتفاق. ج ـ تحريف الآيات أو السور، وهو باطل بالاِجماع [5] . 1 ـ التحريف بالزيادة: بمعني أنّ بعض المصحف الذي بين أيدينا [ صفحه 11] ليس من الكلام المنزل، والتحريف بهذا المعني باطلٌ بإجماع المسلمين، بل هو ممّا عُلِم بطلانه بالضرورة، لاَنّه يعني أنّ بعض مابين الدفّتين ليس من القرآن، ممّا ينافي آيات التحدّي والاعجاز، كقوله تعالي: (قُل لئنِ اجتَمَعَتِ الاِنسُ والجِنُّ عَلَي أن يأتُوا بمِثْلِ هَذا القُرْآنِ لا يأتُونَ بِمِثْلِهِ وَلوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (لإسراء17: 88). 2 ـ التحريف بالنقص: بمعني أنّ بعض المصحف الذي بين أيدينا لايشتمل علي جميع القرآن الذي نزل من السماء، بأنْ يكون قد ضاع بعض القرآن علي الناس إمّا عمداً، أو نسياناً، وقد يكون هذا البعض كلمةً أو آية أو سورة، والتحريف بهذا المعني هو موضوع البحث حيثُ ادّعي البعض وقوعه في القرآن الكريم استناداً إلي أحاديث هي بمجملها إمّا ضعيفة سنداً، أو مؤولة بوجهٍ يُخْرِجها عن إفادة ذلك، وإلاّ فهي أحاديثٌ وأخبارٌ مدسوسةٌ وباطلةٌ، قد أعرض عنها محققو المسلمين علي مرّ العصور، علي ما سيأتي بيانه في ثنايا هذا البحث. [ صفحه 13]

ادلة نفي التحريف

إنّ مصونية القرآن الكريم من التحريف بمعني النقيصة هي من الاَُمور البديهية الثابتة علي صفحات الواقع التاريخي، والتي لا تحتاج إلي مزيد استدلالٍ وتوضيحٍ وبيان، حتّي إنّ بعض المنصفين من علماء وأساتذة غير المسلمين صرّحوا بعدم وقوع التحريف في القرآن الكريم؛ فالاستاذ لوبلو يقول: «إنّ القرآن هو اليوم الكتاب الربّاني الوحيد الذي ليس فيه أي تغيير يذكر» [6] . ويقول السير وليام موير: «إنّ المصحف الذي جمعه عثمان قد تواتر انتقاله من يدٍ ليدٍ حتّي وصل إلينا بدون تحريفٍ، وقد حُفِظ بعنايةٍ شديدةٍ بحيث لم يطرأ عليه أي تغييرٍ يُذكَر، بل نستطيع القول أنّه لم يطرأ عليه أيّ تغييرٍ علي الاطلاق في النسخ التي لا حصر لها والمتداولة في البلاد الاِسلامية الواسعة» [7] وبمثل ذلك صرّح بلاشير أيضاً [8] . وقد أستدلّ العُلماء المحقّقون علي عدم وقوع التحريف في القرآن بجملة من الاَدلّة الحاسمة، هي من القوّة والمتانة بحيث يسقط معها ما دلّ علي التحريف بظاهره عن الاعتبار، لو كان معتبراً، ومهما بلغ في الكثرة، [ صفحه 14] وتدفع كلّ ما أُلصق بجلال وكرامة القرآن الكريم من زعم التحريف وتُفنّد القول بذلك وتُبطِله حتّي لو ذهب إليه الكثيرون فضلاً عن القلّة النادرة الشاذّة، وفيما يلي نذكر أهمّها: 1 ـ حِفظ الله سبحانه للقرآن الكريم، ولذا لم يتّفق لاَمرٍ تاريخي من بداهة البقاء مثلما اتّفق للقرآن الكريم، فهو الكتاب السماوي الوحيد الذي تعهّدت المشيئة الاِلهية ببقائه مصوناً من تلاعب أهل الاَهواء ومن التحريف وإلي الاَبد حيثُ قال تعالي: (إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر15: 9). فالمراد بالذكر ـ كما يقول المفسّرون ـ في هذه الآية: القرآن الكريم، وصيانة القرآن من التحريف من أبرز مصاديق الحفظ المصُرّح به في هذه الآية، ولولا أن تكفّل الله تعالي بحفظ القرآن الكريم وصيانته عن الزيادة والنقصان لدُسّ فيه ما ليس منه، كما دُسّ في الكتب المتقدّمة المنزلة من عند الله، فلم يبقَ فيها سوي مادخل عليها من ركيك الكلام وباطل القول، ولكن الكتاب الكريم قد نفي كلّ غريب، وسلم من الشوائب والدخل، فلم يبق إلاّ كلام الربّ سليماً صافياً محفوظاً. 2 ـ نفي الباطل بجميع أقسامه عن الكتاب الكريم بصريح قوله تعالي: (وَإنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ - لا يأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت 41: 41 ـ 44). والتحريف من أظهر مصاديق الباطل المذكور في الآية، وعليه فالقرآن مصونٌ عن التحريف وعن أن تناله يد التغيير منذ نزوله وإلي يوم القيامة، لاَنّه تنزيلٌ من لدن حكيم حميد، ويشهد لدخول التحريف في الباطل [ صفحه 15] الذي نفته الآية عن الكتاب، أنّ الآية وصفت الكتاب بالعِزّة، وعزّة الشيء تقتضي المحافظة عليه من التغيير والضياع والتلاعب، ومن التصرف فيه بما يشينه ويحطّ من كرامته وإلي الاَبد. 3 ـ قوله تعالي: (إنَّ عَلَينا جَمعَهُ وقُرآنَهُ - فإذا قَرَأناهُ فَاتَّبِعْ قُرآنَهُ - ثُمَّ إنَّ عَلَينا بَيَانَهُ) (القيامة 75: 17 ـ 19). فعن ابن عباس وغيره: إنّ المعني: إنّ علينا جَمْعَهُ وقُرآنَهُ عليك حتّي تحفظه ويمكنك تلاوته، فلا تخف فوت شيءٍ منه [9] . 4 ـ حديث الثقلين، حيث تواتر من طرق الفريقين أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتابُ الله، وعترتي أهل بيتي، ما إنّ تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي» [10] . وهذا يقتضي أن يكون القرآن الكريم مدوّناً في عهده صلي الله عليه وآله وسلم بجميع آياته وسوره حتّي يصحّ إطلاق اسم الكتاب عليه، ويقتضي أيضاً بقاء القرآن كما كان عليه علي عهده صلي الله عليه وآله وسلم إلي يوم القيامة لتتمّ به ـ وبالعترة ـ الهداية الاَبدية للاَُمّة الاِسلامية والبشرية جمعاء ماداموا متمسّكين بهما، وإلاّ فلا معني للاَمر باتّباع القرآن والرجوع إليه والتمسّك به، إذا كان الآمر [ صفحه 16] يعلم بأنّ قرآنه سيُحرّف ويبدّل في يومٍ ما! 5 ـ الاَحاديث الآمرة بعرض الحديث علي الكتاب، ليُعرَف بذلك الصحيح منه فيُؤخذ به، والسقيم فيُتْرَك ويُعْرَض عنه، وهي كثيرة، منها: حديث الاِمام الصادق عليه السلام، قال: «خطب النبي صلي الله عليه وآله وسلم بمني فقال: أيُّها الناس، ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قُلتُه، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقُله» [11] . وعنه أيضاً بسندٍ صحيح، قال عليه السلام: «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان، فأعرضوهما علي كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردّوه» [12] . وهذه القاعدة تتنافي تماماً مع احتمال التحريف في كتاب الله، لاَنّ المعروض عليه يجب أن يكون مقطوعاً به، لاَنّه المقياس الفارق بين الحقّ والباطل، فلا موضع للشكّ في نفس المقياس، ولولا أنّ سور القرآن وآياته مصونة من التحريف ومحفوظة من النقصان منذ عصر الرسالة الاَوّل وإلي الاَبد، لما كانت هذه القاعدة، ولا أمكن الركون إليها والوثوق بها. قال المحقق الكركي المتوفّي سنة(940 هـ) في رسالته التي أفردها لنفي النقيصة عن القرآن الكريم: «لا يجوز أن يكون المراد بالكتاب المعروض عليه غير هذا المتواتر الذي بأيدينا وأيدي الناس، وإلاّ لزم التكليف بما لايطاق، فقد وجب عرض الاَخبار علي هذا الكتاب، وأخبار النقيصة إذا عُرِضت عليه كانت مخالفة له، لدلالتها علي أنّه ليس هو، وأيّ تكذيب [ صفحه 17] يكون أشدّ من هذا» [13] . 6 ـ إنّ ثبوت قرآنية كلّ سور القرآن وآياته، لا يتمّ إلاّ بالتواتر القطعي منذ عهد الرسالة وإلي اليوم، ممّا يقطع احتمال التحريف نهائياً، لاَنّ ماقيل بسقوطه من القرآن نقل إلينا بخبر الواحد، وهو غير حجةٍ في ثبوت قرآنيته، حتّي مع فرض صحّة إسناده. قال الحرّ العاملي المتوفّي سنة (1104 هـ): «إنّ من تتبّع أحاديث أهل البيت عليهم السلام، وتصفّح التأريخ والآثار، عَلِم علماً يقينياً أنّ القرآن قد بلغ أعلي درجات التواتر، فقد حِفِظه الاَُلوف من الصحابة ونقله الاَُلوف، وكان منذ عهده صلي الله عليه وآله وسلم مجموعاً مؤلّفاً». [14] . وقال الشيخ محمد جواد البلاغي المتوفّي سنة (1352 هـ): «ومن أجل تواتر القرآن الكريم بين عامّة المسلمين جيلاً بعد جيل، استمرّت مادته وصورته وقراءته المتداولة علي نحوٍ واحد» [15] . 7 ـ إجماع العلماء علي عدم التحريف إلاّ من لا اعتداد به، كما صرّح بذلك المحقّق الكلباسي المتوفي سنة (1262 هـ) بقوله: «انّ الروايات الدالّة علي التحريف مخالفةٌ لاجماع الاَُمّة إلاّ من لا اعتداد به» [16] . وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء، المتوفّي سنة (1228 هـ) في (كشف [ صفحه 18] الغطاء): «جميع ما بين الدفّتين ممّا يُتلي كلام الله تعالي، بالضرورة من المذهب، بل الدين وإجماع المسلمين، وأخبار النبي صلي الله عليه وآله وسلم والاَئمة الطاهرين عليهم السلام، وإن خالف بعض من لايُعتدّ به» [17] . 8 ـ إنّ التحريف ينافي كون القرآن المعجزة الكبري الباقية أبد الدهر. قال العلاّمة الحلّي المتوفّي سنة(726 هـ): «إنّ القول بالتحريف يوجب التطرّق إلي معجزة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم المنقولة بالتواتر» [18] وذلك لفوات المعني بالتحريف، ولاَنّ مدار الاِعجاز هو الفصاحة والبلاغة الدائرتان مدار المعني، وبالنتيجة لا إعجاز حينما يوجد التحريف. فاحتمال الزيادة أو التبديل باطل، لاَنّه يستدعي أن يكون باستطاعة البشر إتيان ما يماثل القرآن، وهو مناقض لقوله تعالي: (وَإن كُنْتُم في رَيْبٍ ممّا نَزَّلنا عَلي عَبْدِنا فأتُوا بسورَةٍ من مِثْلِهِ)(البقرة2: 23)ولغيرها من آيات التحدي. وكذلك احتمال النقص بإسقاط كلمة أو كلمات ضمن جملةٍ واحدةٍ منتظمةٍ في أُسلوب بلاغي بديع، فإنّ حذف كلمات منها سوف يؤدّي إلي إخلال في نظمها، ويذهب بروعتها الاَُولي، ولايَدَع مجالاً للتحدّي بها. 9 ـ ثبوت كون القرآن الكريم مجموعاً علي عهد الرسول الاَعظم صلي الله عليه وآله وسلم، كما يدلّ علي ذلك كثيرٌ من الاَخبار في كتب الفريقين، حيث كان صلي الله عليه وآله وسلم يأمر أصحابه بقراءة القرآن وتدبّره وحفظه، وعرض مايُروي عنه صلي الله عليه وآله وسلم عليه، كما أنّ جماعة من الصحابة ختموا القرآن علي عهده وتلوه وحفظوه، وأنّ جبرئيل عليه السلام كان يعارضه صلي الله عليه وآله وسلم بالقرآن كلّ عامٍ [ صفحه 19] مرة، وقد عارضه به عام وفاته مرتين، وهذا الدليل يُسقِط جميع مزاعم القائلين بالتحريف والتغيير، وما تذرّعوا به من أنّ كيفية جمع القرآن ومراحل ذلك الجمع، تستلزم في العادة وقوع هذا التحريف والتغيير فيه؛ وسنأتي علي تفصيل ذلك في موضوع جمع القرآن بإذن الله تعالي. 10 ـ اهتمام النبي صلي الله عليه وآله وسلم والمسلمين بالقرآن، فقد كان (ص) حريصاً علي نشر سور القرآن بين المسلمين بمجرد نزولها، مؤكّداً عليهم حفظها ودراستها وتعلّمها، مبيّناً فضل ذلك وثوابه وفوائده في الدنيا والآخرة، وقد بذل المسلمون عناية فائقة واهتماماً متواصلاً بكلام الله المجيد بشكل لم يسبق له مثيل في الكتب السماوية السابقة، فكان كلّما نزل شيءٌ من القرآن هَفَت إليه القلوب، وانشرحت له الصدور، وهَبَّ المسلمون إلي حفظه وتلاوته، بما امتازوا به من قُوّة حافظة فطرية، لاَنّ شعار الاِسلام وسمة المسلم حينئذٍ هو التجمّل والتكمّل بحفظ القرآن الكريم، معجزة النبوّة الخالدة، ومرجع الاَحكام الشرعية، واستمروّا علي ذلك حتّي صاروا منذ صدر الاِسلام يُعَدّون بالاَُلوف وعشراتها ومئاتها، وكلّهم من حَمَلة القرآن وحُفّاظه وكُتّابه، فكيف يُتَصوّر سقوط شيءٍ منه والحال هذه؟! 11 ـ دقّة وتحرّي المسلمين لاَي طاريءٍ جديدٍ في القران، حيثُ إنّ العناية قد اشتدّت، والدواعي قد توفّرت لحفظ القرآن وحراسته حتّي في حروفه وحركاته، ويكفي أن نذكر أنّ عثمان حينما كتب المصاحف، أراد حذف حرف الواو من (والَّذِينَ) في قوله تعالي (وَالَّذِينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ ولا يُنفِقُونَها في سَبِيلِ اللهِ...)(التوبة9: 34). فقال أُبيّ: لتلحقنّها أو [ صفحه 20] لاَضعنّ سيفي علي عاتقي؛ فألحقوها [19] . وروي أيضاً أنّ عمر بن الخطّاب قرأ (والسَّابقُونَ الاولُونَ مِن المُهاجِرينَ وَالاَنْصَار الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم باحْسَانٍ)(التوبة9: 100) فرفع (الانصار) ولم يلحق الواو في (الذين) فقال له زيد بن ثابت: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم باحْسَانٍ)! فقال عمر: (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم باحْسَانٍ). فقال زيد: أمير المؤمنين أعلم. فقال عمر: ائتوني بأُبيّ بن كعب، فأتاه فسأله عن ذلك، فقال أُبيّ: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهم باحْسَانٍ) فقال عمر: فنعم، إذن نتابع أُبيّاً [20] فإذا كان الخليفة لا يستطيع أن يحذف حرفاً، فهل يجرؤ غيره علي التصرّف بزيادةٍ أو حذفِ آياتٍ أو سورٍ من القرآن وتحريفها؟! 12 ـ ويمنع من دعوي التحريف، الواقع التاريخي أيضاً، فإنّه إن كان التحريف في زمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم فهو غير معقول بعد أن كان يشرف بنفسه علي كتابته وحفظه وتعليمه، ويُعْرَض عليه مرات عديدة. وإنّ كان بعد زمانه صلي الله عليه وآله وسلم وعلي يد السلطة الحاكمة، أو علي يد غيرها، فلم يكن يسع أمير المؤمنين عليه السلام والخيرة من صحابة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم السكوت علي هذا الاَمر الخطير الذي يمسّ أساس الاِسلام، ويأتي علي بنيانه من القواعد، ولو كان ذلك لاحتجّ به الممتنعون عن بيعة أبي بكر وعمر والمعترضون عليهما في أمر الخلافة، كسعد بن عبادة وأصحابه، ولكان علي أمير المؤمنين عليه السلام وسائر الصحابة أن يُظْهِروا القرآن الحقيقي، ويبيّنوا مواضع التحريف في هذا الموجود وإن حدث ما حدث، لكنّنا لم [ صفحه 21] نجد ذكراً لذلك، لا في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام المعروفة بالشقشقية، ولافي غيرها من خُطبَهِ وكلماته وكتبه التي اعترض بها علي من تقدّمه، ولافي خطبة الزهراء عليها السلام المعروفة بمحضر أبي بكر، كما لم نجد أحداً من الصحابة أو من غيرهم، قد طالبهما بإرجاع القرآن إلي أصله الذي كان يُقْرَأ به في زمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو نبّه علي حدوث التحريف ومواطنه، وفي ترك ذِكر ذلك دلالةٌ قطعيةٌ علي عدم التحريف. أمّا دعوي وقوع التحريف في زمن عثمان، فهو أمر في غاية البُعد والصعوبة، لاَنّ القرآن في زمانه كان قد انتشر وشاع في مختلف أرجاء البلاد، وكثر حُفّاظه وقُرّاؤه، وإنّ أقلّ مساسٍ بحرمة القرآن لسوف يُثير الناس ضدّه، ويُوجِب الطعن عليه وإدانته بشكلٍ قويّ ومعلنٍ، ولا سيما من الثائرين عليه الذين جاهروا بإدانته فيما هو أقلّ أهميةً وخطراً بكثير من التحريف، لكنّنا لم نسمع أحداً طعن عليه في ذلك، فهل خفيت هذه الآيات أو السور التي يُدّعي سقوطها من القرآن، علي عامّة المسلمين، ولم يطّلع عليها سوي أفراد قلائل؟! ولو كان ذلك لكان علي أمير المؤمنين عليه السلام إظهار هذا الاَمر، وإرجاع الناس إلي القرآن الحقيقي بعد أن صار خليفةً وحاكماً، ولم يعد ثمّة مايمنع من ذلك، وليس عليه شيء يُنْتَقَد به، بل ولكان ذلك أظهر لحُجّته علي الثائرين بدم عثمان. فكيف صحّ منه عليه السلام وهو الرجل القويّ الذي فقأ عين الفتنة أن يهمل هذا الاَمر الخطير، وهو الذي أصرّ علي إرجاع القطائع التي أقطعها عثمان، وقال في خطبةٍ له عليه السلام: «والله لو وجدته قد تُزوِّج به النساء وُملِك به الاِماء لرددته، فانّ في العدل سَعَة، ومن ضاق عليه العدل [ صفحه 22] فالجور عليه أضيق» [21] مع أنّ ذلك أقلّ أهمية وخطورة من أمر تحريف القرآن بكثير؟! إذن فإمضاؤه عليه السلام للقرآن الموجود في عصره دليلٌ قاطعٌ علي عدم وقوع التحريف فيه. 13 ـ اهتمام أهل البيت عليهم السلام البالغ في القرآن الكريم وحثُّ أصحابهم علي تلاوة القرآن الكريم وختمه، وبيانهم عليهم السلام لمنزلة قاريء القرآن تارة، وفضائل القرآن تارة أُخري، كُلّ ذلك يدلُّ علي نفي التحريف، لعدم توجّه مثل هذه العناية إلي كتاب محرّف. 14 ـ اعتقاد الكل بكون القرآن حجّة بالغة ينافي التحريف من كلِّ وجه، ولا يعقل اتخاذ ماهو محرّف حجة، ولو فرض حصول التحريف لسقط الاستدلال به لاحتمال التحريف بالدليل، ولا يوجد فرد واحد قط استدل بالقرآن وأشكل عليه آخر بتحريف الدليل. 15 ـ وأخيراً فإنّ صلاة الاِمامية بمجرّدها دليلٌ علي نفي التحريف في كتاب الله العزيز؛ لاَنّهم يوجبون بعد فاتحة الكتاب ـ في كلِّ من الركعة الاَولي والركعة الثانية من الفرائض الخمس ـ سورةً واحدةً تامّة غير الفاتحة من سائر السور التي بين الدفتين، وفقههم صريح بذلك، فلولا أنّ سور القرآن بأجمعها كانت في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي ما هي الآن عليه في الكيفية والكمية ما تسنّي لهم هذا القول، ولا أمكن أن يقوم لهم عليه دليل. [ صفحه 23]

الائمة من علماء الشيعة ينفون التحريف

إنّ المشهور بين علماء الشيعة ومحققيهم، والمتسالم عليه بينهم، هو القول بعدم التحريف في القرآن الكريم، وقد نصّوا علي أنّ الذي بين الدفّتين هو جميع القرآن المُنْزَل علي النبيّ الاَكرم صلي الله عليه وآله وسلم دون زيادة أو نقصان، ومن الواضح أنّه لا يجوز إسناد عقيدةٍ أو قولٍ إلي طائفةٍ من الطوائف إلاّ علي ضوء كلمات أكابر علماء تلك الطائفة، وباعتماد مصادرها المعتبرة، وفيما يلي نقدّم نماذج من أقوال أئمة الشيعة الاِمامية منذ القرون الاُولي وإلي الآن، لتتّضح عقيدتهم في هذه المسألة بشكل جلي: 1 ـ يقول الاِمام الشيخ الصدوق، محمّد بن علي بن بابويه القمي، المتوفّي سنة(381 هـ) في كتاب (الاعتقادات): «اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله علي نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم هو مابين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة.. ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب» [22] . 2 ـ ويقول الاِمام الشيخ المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان، المتوفّي سنة(413 هـ) في (أوائل المقالات): «قال جماعة من أهل الاِمامة: إنّه لم ينقص من كَلِمة ولا من آية ولا من سورة، ولكن حُذِف ما كان مثبتاً في [ صفحه 24] مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه علي حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتاً منزلاً، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالي الذي هو القرآن المعجز، وعندي أنّ هذا القول أشبه ـ أي أقرب في النظر ـ مِن مقال من أدّعي نقصان كَلِمٍ من نفس القرآن علي الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل» [23] . وفي (أجوبة المسائل السروية)، قال: «فان قال قائل: كيف يصحّ القول بأنّ الذي بين الدفّتين هو كلام الله تعالي علي الحقيقة من غير زيادة فيه ولانقصان، وأنتم تروون عن الاَئمّة عليهم السلام أنّهم قرأوا «كنتم خير أئمّة أُخرجت للناس»، «وكذلك جعلناكم أئمّة وسطاً». وقرأوا «يسألونك الاَنفال». وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس؟ قيل له: إنّ الاَخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لايُقْطَع علي الله تعالي بصحّتها، فلذلك وقفنا فيها، ولم نعدل عمّا في المصحف الظاهر، علي ما أُمِرنا به [24] حسب مابيّناه مع أنّه لايُنْكر أن تأتي القراءة علي وجهين منزلين، أحدهما: ما تضمّنه المصحف، والثاني: ما جاء به الخبر، كما يعترف به مخالفونا من نزول القرآن علي أوجهٍ شتّي» [25] . 3 ـ ويقول الاِمام الشريف المرتضي، عليّ بن الحسين الموسوي، المتوفّي سنة(436 هـ) في (المسائل الطرابلسيات): «إنّ العلم بصحّة نقل القرآن، كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام، والكتب [ صفحه 25] المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإنّ العناية اشتدّت، والدواعي توفرت علي نقله وحراسته، وبلغت إلي حدّ لم يَبْلُغه في ما ذكرناه ؛ لاَنّ القرآن معجزة النبوّة، ومأخذ العلوم الشرعية والاَحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتّي عرفوا كلّ شيءٍ اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟! وقال أيضاً: إنّ العلم بتفضيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته، وجري ذلك مجري ماعُلِم ضرورةً من الكتب المصنّفة ككتابي سيبويه والمزني، فإنّ أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها مايعلمونه من جملتها، حتّي لو أنّ مُدْخِلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً ليس من الكتاب لُعرِف ومُيّز، وعُلِم أنّه مُلْحَقٌ وليس من أصل الكتاب، وكذلك القول في كتاب المزني، ومعلومٌ أنّ العناية بنقل القرآن وضبطهِ أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء». وذكر: «أنّ من خالف في ذلك من الاِمامية والحشوية لايعتدّ بخلافهم، فإنّ الخلاف في ذلك مضافٌ إلي قومٍ من أصحاب الحديث، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها، لايرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع علي صحّته» [26] . وذكر ابن حزم أنّ الشريف المرتضي كان يُنكر من زعم أنّ القرآن بُدّل، أو زيد فيه، أو نُقِص منه، ويكفّر من قاله، وكذلك صاحباه أبو يعلي [ صفحه 26] الطوسي وأبو القاسم الرازي [27] . 4 ـ ويقول الاِمام الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، المعروف بشيخ الطائفة، المتوفّي سنة(460 هـ) في مقدمة تفسيره (التبيان): «المقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون أغراضه، وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً، لاَنّ الزيادة فيه مجمعٌ علي بطلانها، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الاَليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضي رحمه الله، وهو الظاهر من الروايات، غير أنّه رُويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيءٍ من موضع إلي موضع، طريقها الآحاد التي لاتُوجِب علماً ولا عملاً، والاَولي الاعراض عنها وترك التشاغل بها، لاَنّه يمكن تأويلها، ولو صَحّت لماكان ذلك طعناً علي ماهو موجودٌ بين الدفّتين، فإنّ ذلك معلومٌ صحّته لايعترضه أحدٌ من الاَُمّة ولا يدفعه» [28] . 5 ـ ويقول الاِمام الشيخ الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن المتوفي سنة(548 هـ)، في مقدمة تفسيره (مجمع البيان): «ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه، فانّه لا يليق بالتفسير، فأمّا الزيادة فمجمعٌ علي بطلانها، وأمّا النقصان منه فقد روي جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً؛ والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضي، واستوفي الكلام فيه غاية [ صفحه 27] «الاستيفاء» [29] . 6 ـ ويقول الاِمام العلاّمة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر، المتوفّي(سنة 726 هـ) في (أجوبة المسائل المهناوية) حيثُ سُئل ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز، هل يصحّ عند أصحابنا أنّه نقص منه شيءٌ، أو زِيد فيه، أو غُيِّر ترتيبه، أم لم يصحّ عندهم شيءٌ من ذلك؟ فأجاب: «الحقّ أنّه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه، وأنّه لم يزد ولم ينقص، ونعوذ بالله تعالي من أن يُعْتَقَد مثل ذلك وأمثال ذلك، فإنّه يُوجِب التطرّق إلي معجزة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم المنقولة بالتواتر» [30] . 7 ـ ويقول الاِمام الشيخ البهائي، محمد بن الحسين الحارثي العاملي، المتوفّي سنة 1030 هـ، كما نقل عنه البلاغي في (آلاء الرحمن): «الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظٌ عن التحريف، زيادةً كان أو نقصاناً، ويدلّ عليه قوله تعالي: (وإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وما اشتهر بين الناس من اسقاط اسم أمير المؤمنين عليه السلام منه في بعض المواضع، مثل قوله تعالي (يا أيُّها الرسولُ بَلّغ ما أُنْزِل إليكَ) ـ في عليّ ـ وغير ذلك، فهو غير معتبرٍ عند العلماء» [31] . 8 ـ ويقول الاِمام الشيخ جعفر كاشف الغطاء، المتوفّي سنة(1228 هـ) في (كشف الغطاء): «لا ريب في أنّ القرآن محفوظٌ من النقصان بحفظ الملك الديّان، كما دلّ عليه صريح الفرقان، واجماع العلماء في جميع [ صفحه 28] الاَزمان، ولاعبرة بالنادر، وما ورد في أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها، ولاسيّما مافيه نقص ثلث القرآن أو كثير منه، فإنّه لو كان كذلك لتواتر نقله، لتوفّر الدواعي عليه، ولا تّخذه غير أهل الاِسلام من أعظم المطاعن علي الاِسلام وأهله، ثمّ كيف يكون ذلك وكانوا شديدي المحافظة علي ضبط آياته وحروفه» [32] . 9 ـ ويقول الاِمام المجاهد السيد محمد الطباطبائي، المتوفّي سنة(1242 هـ) في (مفاتيح الاُصول): «لاخلاف أنّ كل ماهو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه، وأمّا في محلّه ووضعه وترتيبه فكذلك عند محقّقي أهل السنة، للقطع بأنّ العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله، لاَنّ هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم، والصراط المستقيم، ممّا توفّرت الدواعي علي نقل جمله وتفاصيله، فما نقل آحاداً ولم يتواتر، يقطع بأنّه ليس من القرآن قطعاً» [33] . 10 ـ ويقول الاِمام الشيخ محمد جواد البلاغي، المتوفّي سنة(1352 هـ) في (آلاء الرحمن): «ولئن سمعت من الروايات الشاذّة شيئاً في تحريف القرآن وضياع بعضه، فلا تُقِم لتلك الروايات وزناً، وقلَّ ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين، وفيما جاءت به في مروياتها الواهية من الوهن، وما ألصقته بكرامة القرآن ممّا ليس له شَبَه به» [34] . [ صفحه 29] 11 ـ ويقول الاِمام الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، المتوفّي سنة [35] هـ) في (أصل الشيعة وأصولها): «إنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين، هو الكتاب الذي أنزله الله إليه صلي الله عليه وآله وسلم للاعجاز والتحدّي، ولتعليم الاَحكام، وتمييز الحلال من الحرام، وإنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلي هذا إجماعهم، ومن ذهب منهم، أو من غيرهم من فرق المسلمين، إلي وجود نقصٍ فيه أو تحريفٍ، فهو مخطئ، يَرُدّهُ نص الكتاب العظيم (إنّا نحنُ نزّلنا الذكرَ وإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر15: 9). والاَخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه، ضعيفة شاذّة، وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً، فأمّا أن تُؤوّل بنحوٍ من الاعتبار أو يُضْرَب بها الجدار» [36] . 12 ـ ويقول الاِمام السيد عبدالحسين شرف الدين العاملي، المتوفّي سنة(1377 هـ)، في (أجوبة مسائل جار الله): «إنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم، متواترٌ من طُرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته، تواتراً قطعياً عن أئمة الهدي من أهل البيت عليهم السلام، لا يرتاب في ذلك إلاّ معتوهٌ، وأئمّة أهل البيت عليهم السلام كلّهم أجمعون رفعوه إلي جدّهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن الله تعالي، وهذا أيضاً ممّا لا ريب فيه. وظواهر القرآن الحكيم، فضلاً عن نصوصه، أبلغ حجج الله تعالي، وأقوي أدلّة أهل الحقّ بحكم الضرورة الاَولية من مذهب الاِمامية، وصحاحهم في ذلك متواترةٌ من طريق العِترة الطاهرة، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار ولا يأبهون بها، عملاً بأوامر أئمتهم عليهم السلام. [ صفحه 30] وكان القرآن مجموعاً أيام النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي ماهو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه، بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ، ولا تقديمٍ ولا تأخيرٍ، ولا تبديلٍ ولا تغيير» [37] . 13 ـ يقول الاِمام الخميني المتوفّي سنة(1409 هـ): «إنّ الواقف علي عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه، قراءةً وكتابةً، يقف علي بطلان تلك الروايات المزعومة. وما ورد فيها من أخبار ـ حسبما تمسّكوا به ـ إمّا ضعيف لا يصلح للاستدلال به، أو موضوع تلوح عليه إمارات الوضع، أو غريب يقضي بالعجب، أمّا الصحيح منها فيرمي إلي مسألة 14 ـ ويقول الاِمام السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، المتوفّي سنة(1413 هـ)، في (البيان في تفسير القرآن): «المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن، وأنَّ الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل علي النبي الاَعظم صلي الله عليه وآله وسلم، وقد صرح بذلك كثير من الاَعلام، منهم رئيس المحدثين الشيخ الصدوق محمد بن بابويه، وقد عدّ القول بعدم التحريف من معتقدات الاِمامية» [38] . ويقول أيضاً: «إنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لايقول به إلاّ من ضعف عقله، أو من لم يتأمّل في أطرافه حقّ التأمّل، أو من ألجأه إليه من يحبّ القول به، والحبّ يعمي ويصمّ، وأمّا العاقل المنصف المتدبّر فلا يشكّ في بطلانه وخرافته» [39] . [ صفحه 31] التأويل، والتفسير، وإنّ التحريف إنّما حصل في ذلك، لا في لفظه وعباراته. وتفصيل ذلك يحتاج إلي تأليف كتاب حافل ببيان تاريخ القرآن والمراحل التي قضاها طيلة قرون، ويتلخّص في أنّ الكتاب العزيز هو عين ما بين الدفّتين، لا زيادة فيه ولا نقصان، وأنّ الاختلاف في القراءات أمر حادث، ناشئ عن اختلاف في الاجتهادات، من غير أن يمسّ جانب الوحي الذي نزل به الروح الاَمين علي قلب سيد المرسلين» [40] . [ صفحه 33]

روايات التحريف

يقول السيد شرف الدين العاملي المتوفّي سنة(1377 هـ): «لا تخلو كتب الشيعة وكتب أهل السنة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن، غير أنّها ممّا لا وزن لها عند الاَعلام من علمائنا أجمع، لضعف سندها، ومعارضتها بما هو أقوي منها سنداً، وأكثر عدداً، وأوضح دلالةً، علي أنّها من أخبار الآحاد، وخبر الواحد إنّما يكون حجّة إذا اقتضي عملاً، وهذه لا تقتضي ذلك، فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به، فليضرب بظواهرها عرض الحائط» [41] .

ثلاث حقائق مهمة

قبل الخوض في موقف علماء الشيعة من روايات التحريف، وعرض نماذج من هذه الروايات، نري لزاماً علينا بيان بعض الحقائق المتعلّقة بهذا الموضوع: 1 ـ إنّ من يحتجّ علي الشيعة في مسألة تحريف القرآن ببعض الاَحاديث الموجودة في كتب بعض علمائهم، فهو متحاملٌ بعيدٌ عن الانصاف؛ لاَنّه لا يوجد بين مصنّفي الشيعة من التزم الصحّة في جميع ماأورده من أحاديث في كتابه، كما لا يوجد كتابٌ واحدٌ من بين كتب [ صفحه 34] الشيعة وُصِفت كلّ أحاديثه بالصحّة وقوبلت بالتسليم لدي الفقهاء والمحدّثين. يقول الشيخ الاستاذ محمّد جواد مغنية: «إنّ الشيعة تعتقد أنّ كتب الحديث الموجودة في مكتباتهم، ومنها (الكافي) و (الاستبصار) و (التهذيب) و (من لايحضره الفقيه) فيها الصحيح والضعيف، وإنّ كتب الفقه التي ألّفها علماؤهم فيها الخطأ والصواب، فليس عند الشيعة كتاب يؤمنون بأنّ كلّ مافيه حقٌّ وصوابٌ من أوّله إلي آخره غير القرآن الكريم، فالاَحاديث الموجودة في كتب الشيعة لا تكون حجةً علي مذهبهم ولا علي أيّ شيعي بصفته المذهبية الشيعية، وإنّما يكون الحديث حجّةً علي الشيعي الذي ثبت عنده الحديث بصفته الشخصية». ويكفي أن نذكر هنا أنّ كتاب الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني المتوفّي 329 هـ، وهو من الكتب الاَربعة التي عليها المدار في استنباط الاحكام الشرعية، يحتوي علي ستة عشر ألفاً ومئتي حديث، صنفوا أحاديثه ـ بحسب الاصطلاح ـ إلي الصحيح والحسن والموثق والقوي والضعيف. 2 ـ لايجوز نسبة القول بالتحريف إلي الرواة أو مصنفي كتب الحديث؛ لاَنّ مجرد رواية أو إخراج الحديث لا تعني أنّ الراوي أو المصنّف يعتقد بمضمون مايرويه أو يخرجه، فقد تري المحدث يروي في كتابه الحديثي خبرين متناقضين يخالف أحدهما مدلول الآخر بنحو لا يمكن الجمع بينهما، فالرواية إذن أعم من الاعتقاد والقبول والتصديق بالمضمون، وإلاّ لكان البخاري ومسلم وسواهما من أصحاب الصحاح [ صفحه 35] والمجاميع الحديثية، وسائر أئمّة الحديث، وجُلّ الفقهاء والعلماء عند فرق المسلمين، قائلين بالتحريف؛ لاَنّهم جميعاً قد رووا أخباره في كتبهم وصحاحهم! والاَمر ليس كذلك بالتأكيد، فلو صحّ نسبة الاعتقاد بما يرويه الرواة إليهم للزم أن يكون هؤلاء وغيرهم من المؤلّفين ونقلة الآثار يؤمنون بالمتعارضات والمتناقضات، وبما يخالف مذاهبهم ومعتقداتهم، ماداموا يروون ذلك كلّه في كتبهم الحديثية، وهذا ما لم يقل به ولا أدعاه عليهم ذو مسكة إذا أراد الانصاف. 3 ـ إنّ ذهاب بعض أهل الفرق إلي القول بتحريف القرآن، أو إلي رأيٍ يتفرّد به، لايصحّ نسبة ذلك الرأي إلي تلك الفرقة بأكملها، لا سيما إذاكان ما ذهب إليه قد تعرّض للنقد والتجريح والانكار من قبل علماء تلك الفرقة ومحقّقيها، فكم من كتبٍ كُتِبت وهي لا تعبّر في الحقيقة إلاّ عن رأي كاتبها ومؤلّفها، ويكون فيها الغثّ والسمين، وفيها الحقّ والباطل، وتحمل بين طيّاتها الخطأ والصواب، ولا يختصّ ذلك بالشيعة دون سواهم، فذهاب قوم من حشوية العامّة إلي القول بتحريف القرآن لا يبرّر نسبة القول بالتحريف إلي أهل السنة قاطبة، وذهاب الشيخ النوري المتوفي(1320 هـ) إلي القول بنقص القرآن لايصلح مبرّراً لنسبة القول بالتحريف إلي الشيعة كافة، وكذا لا يصحّ نسبة أقوال ومخاريق ابن تيميّة التي جاء بها من عند نفسه وتفرّد بها إلي أهل السنة بصورة عامة سيما وإنّ أغلب محققيهم قد أنكروها عليه، فإذا صحّ ذلك فانّما هو شطط من القول وإسراف في التجنّي وإمعان في التعصّب ومتابعة الهوي. [ صفحه 37]

موقف علماء الشيعة من روايات التحريف

إنّ العلماء الاَجلاّء والمحققين من الشيعة، لم يلتفتوا إلي ماورد في مجاميع حديثهم من الروايات الظاهرة بنقص القرآن، ولا اعتقدوا بمضمونها قديماً ولا حديثاً، بل أعرضوا عنها، وأجمعوا علي عدم وقوع التحريف في الكتاب الكريم، كما تقدّم في كلمات أعلامهم. وروايات الشيعة في هذا الباب يمكن تقسيمها إلي قسمين: 1 ـ الروايات غير المعتبرة سنداً؛ لكونها ضعيفة أو مرسلة أو مقطوعة، وهذا هو القسم الغالب فيها، وهو ساقط عن درجة الاعتبار. 2 ـ الروايات الواردة عن رجال ثقات وبأسانيد لا مجال للطعن فيها، وهي قليلة جداً، وقد بيّن العلماء أنّ قسماً منها محمولٌ علي التأويل، أو التفسير، أو بيان سبب النزول، أو القراءة، أو تحريف المعاني لا تحريف اللفظ، أو الوحي الذي هو ليس بقرآن، إلي غير ذلك من وجوه ذكروها في هذا المجال، ونفس هذه المحامل تصدق علي الروايات الضعيفة أيضاً لو أردنا أن ننظر إليها بنظر الاعتبار، لكن يكفي لسقوطها عدم اعتبارها سنداً. أمّا الروايات التي لايمكن حملها وتوجيهها علي معني صحيح، وكانت ظاهرة أو صريحة في التحريف، فقد اعتقدوا بكذبها وضربوا بها عرض الحائط وذلك للاَسباب التالية: 1 ـ أنّها مصادمةٌ لما عُلِم ضرورةً من أنّ القرآن الكريم كان مجموعاً علي عهد النبوّة. [ صفحه 38] 2 ـ أنّها مخالفةٌ لظاهر الكتاب الكريم حيثُ قال تعالي: (إنّا نحنُ نَزّلنا الذِّكر وإنّا لهُ لَحَافِظُون) [42] . 3 ـ أنّها شاذّةٌ ونادرةٌ، والروايات الدالة علي عدم التحريف مشهورةٌ أو متواترةٌ، كما أنّها أقوي منها سنداً، وأكثر عدداً، وأوضح دلالة. 4 ـ أنّها أخبار آحاد، ولا يثبت القرآن بخبر الواحد، وإنّما يثبت بالتواتر، كما تقّدم في أدلّة نفي التحريف، وقد ذهب جماعة من أعلام الشيعة الاِمامية إلي عدم حجّية الآحاد مطلقاً، وإنّما قيل بحجيّتها إذا اقتضت عملاً، وهي لا تقتضي ذلك في المسائل الاعتقادية ولا يُعبأ بها. [ صفحه 39]

نماذج من روايات التحريف في كتب الشيعة

سنورد هنا شطراً من الروايات الموجودة في كتب الشيعة الاِمامية، والتي أدّعي البعض ظهورها في النقصان أو دلالتها عليه، ونبيّن ماورد في تأويلها وعدم صلاحيتها للدلالة علي النقصان، وما قيل في بطلانها وردّها، وعلي هذه النماذج يقاس ما سواها، وهي علي طوائف: الطائفة الاَولي: الروايات التي ورد فيها لفظ التحريف، ومنها: 1 ـ ما رُوي في (الكافي) بالاسناد عن علي بن سويد، قال: كتبتُ إلي أبي الحسن موسي عليه السلام وهو في الحبس كتاباً ـ وذكر جوابه عليه السلام، إلي أن قال: ـ «أُؤتمنوا علي كتاب الله، فحرّفوه وبدّلوه» [43] . 2 ـ ما رواه ابن شهر آشوب في (المناقب) من خطبة أبي عبدالله الحسين الشهيد عليه السلام في يوم عاشوراء وفيها: «إنّما أنتم من طواغيت الاَُمّة، وشُذّاذ الاَحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرّفي الكتاب» [44] . فمن الواضح أنّ المراد بالتحريف هنا حمل الآيات علي غير معانيها، وتحويلها عن مقاصدها الاَصلية بضروبٍ من التأويلات الباطلة والوجوه الفاسدة دون دليلٍ قاطعٍ، أو حجةٍ واضحةٍ، أو برهان ساطع، ومكاتبة الاِمام الباقر عليه السلام لسعد الخير صريحةٌ في الدلالة علي أنّ المراد بالتحريف [ صفحه 40] هنا التأويل الباطل والتلاعب بالمعاني، قال عليه السلام: «وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه، وحرفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه...» [45] أي إنّهم حافظوا علي ألفاظه وعباراته، لكنّهم أساءوا التأويل في معاني آياته. الطائفة الثانية: الروايات الدالّة علي أنّ بعض الآيات المنزلة من القرآن قد ذُكِرت فيها أسماء الائمة عليهم السلام، ومنها: 1 ـ ما رُوي في (الكافي) عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: «نزل جبرئيل بهذه الآية علي محمد صلي الله عليه وآله وسلم هكذا: (وإن كُنْتُم في رَيْبٍ مِمّا نَزَّلنا عَلَي عَبْدِنا ـفي عليّ ـ فأتُوا بسُورةٍ مِن مِثْلِهِ). (البقرة2: 23) 2 ـ ما رُوي في (الكافي) عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله تعالي: (من يُطعِ اللهَ ورَسُولَه ـ في ولاية عليّ والاَئمّة من بعده ـ فَقَد فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً) (الاحزاب 33: 71)هكذا نزلت [46] . 3 ـ ما رُوي في (الكافي) عن منخل، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: «نزل جبرئيل علي محمّد صلي الله عليه وآله وسلم بهذه الآية هكذا (يا أيُّها الذينَ أوتُوا الكتاب آمِنوا بما أنَزَّلنَا ـ في عليّ ـ نُوراً مُبِيناً). [47] . ويكفي في سقوط هذه الروايات عن درجة الاعتبار نصّ العلاّمة المجلسي في (مرآة العقول) علي تضعيفها، ويغنينا عن النظر في [ صفحه 41] أسانيدها واحداً واحداً اعتراف المحدّث الكاشاني بعدم صحّتها [48] ، وقول الشيخ البهائي: «ما اشتهر بين الناس من اسقاط اسم أمير المؤمنين عليه السلام من القرآن في بعض المواضع.. غير معتبرٍ عند العلماء» [49] ، وعلي فرض صحّته يمكن حمل قوله: «هكذا نزلت» وقوله: «نزل جبرئيل علي محمد صلي الله عليه وآله وسلم بهذه الآية هكذا» علي أنّه بهذا المعني نزلت، وليس المراد أنّ الزيادة كانت في أصل القرآن ثمّ حُذِفت. قال السيد الخوئي: «إنّ بعض التنزيل كان من قبيل التفسير للقرآن وليس من القرآن نفسه، فلابدّ من حمل هذه الروايات علي أنّ ذكر أسماء الاَئمّة في التنزيل من هذا القبيل، وإذا لم يتمّ هذا الحمل فلابدّ من طرح هذه الروايات لمخالفتها للكتاب والسُنّة والاَدلّة المتقدّمة علي نفي التحريف» [50] . وعلي فرض عدم الحمل علي التفسير، فإنّ هذه الروايات معارضة بصحيحة أبي بصير المروية في (الكافي)، قال: سألتُ أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله تعالي: (يا أيها الذين آمنواأطِيعُوا الله وأطِيعُوا الرَّسُولَ وأولي الاَمر مِنْكُم) (النساء4: 59). قال: فقال: «نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام». فقلت له: إنّ الناس يقولون: فما له لم يسمّ علياً وأهل بيته في كتاب الله؟ قال عليهما السلام: «فقولوا لهم: إنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتّي كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هو [ صفحه 42] الذي فسّر لهم ذلك» [51] فتكون هذه الرواية حاكمة علي جميع تلك الروايات وموضحة للمراد منها، ويضاف إلي ذلك أنّ المتخلّفين عن بيعة أبي بكر لم يحتجّوا بذكر اسم الامام عليّ عليه السلام في القرآن، ولو كان له ذكر في الكتاب لكان ذلك أبلغ في الحجة، فهذا من الاَدلّة الواضحة علي عدم ذكره في الآيات. ومما يُضاف لهذه الطائفة من الروايات أيضاً: 1 ـ ما رُوي في (الكافي) عن الاَصبغ بن نباتة، قال: سَمِعتُ أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «نزل القرآن أثلاثاً: ثلث فينا وفي عدوّنا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام» [52] . 2 ـ ما رُوي في (تفسير العياشي) عن الصادق عليه السلام، قال: «لو قُريء القرآن كما أُنزل لاَلفيتنا فيه مُسمّين» [53] . وقد صرّح العلاّمة المجلسي رحمه الله بأنّ الحديث الاَوّل مجهول، أمّا الحديث الثاني فقد رواه العياشي مرسلاً عن داود بن فرقد، عمّن أخبره، عنه عليه السلام، وواضح ضعف هذا الاسناد، وعلي فرض صحّته فإنّ المراد بالتسمية هنا هو كون أسمائهم عليهم السلام مثبتة فيه علي وجه التفسير، لا أنّها نزلت في أصل القرآن، أي لولا حذف بعض ما جاء من التأويل لآياته، وحذف ما أنزله الله تعالي تفسيراً له، وحذف موارد النزول وغيرها، لاَلفيتنا فيه مُسمّين، أو لو أُوّل كما أنزله الله تعالي وبدون كَدَر الاَوهام وتلبيسات أهل الزيغ والباطل لاَلفيتنا فيه مُسمّين. [ صفحه 43] الطائفة الثالثة: الروايات الموهمة بوقوع التحريف في القرآن بالزيادة والنقصان، ومنها: 1 ـ ما رواه العياشي في (تفسيره) عن مُيسّر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «لولا أنّه زيد في كتاب الله ونقص منه، ما خفي حقّنا علي ذي حجا، ولو قد قام قائمنا فنطق صدّقه القرآن» [54] . 2 ـ ما رواه الكليني في (الكافي) والصفار في (البصائر) عن جابر، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «ما ادعي أحدٌ من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما أُنزل إلاّكذّاب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالي إلاّ علي بن أبي طالب عليه السلام والاَئمّة من بعده عليهم السلام» [55] . 3 ـ ما رواه الكليني في (الكافي) والصفار في (البصائر) عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، أنّه قال: «ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الاَوصياء» [56] . وهذه الطائفة قاصرةٌ أيضاً عن الدلالة علي تحريف القرآن، فالحديث الاَول من مراسيل العياشي، وهو مخالف للكتاب والسُنّة ولاِجماع المسلمين علي عدم الزيادة في القران ولا حرف واحد، وقد أدعي الاجماع جماعة كثيرون من الاَئمة الاَعلام منهم السيد المرتضي والشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي وغيرهم. أمّا النقص المشار إليه في الحديث الاَول فالمراد به نقصه من حيث عدم المعرفة بتأويله وعدم الاطلاع علي [ صفحه 44] باطنه، لا نقص آياته وكلماته وسوره، وقوله(عليه السلام)«ولو قد قام قائمنا فنطق صدّقه القرآن» فإنّ الذي يصدّق القائم (صلوات الله عليه) هو هذا القرآن الفعلي الموجود بين أيدي الناس، ولو كان محرفاً حقّاً لم يصدقه القرآن، فمعني ذلك أنّ الاِمام الحجة (صلوات الله عليه) سوف يُظهر معاني القرآن علي حقيقتها بحيث لا يبقي فيها أي لبسٍ أو غموض، فيدرك كلّ ذي حجا أنّ القرآن يصدّقه، فالمراد من الحديث الاَول ـ علي فرض صحّته ـ أنّهم قد حرّفوا معانيه ونقصوها وأدخلوا فيها ما ليس منها حتي ضاع الاَمر علي ذي الحجا. أمّا الرواية الثانية ففي سندها عمرو بن أبي المقدام، وقد ضعّفه ابن الغضائري [57] ، وفي سند الرواية الثالثة المنخّل بن جميل الاَسدي، وقد قال عنه علماء الرجال: ضعيف، فاسد الرواية، متّهم بالغلوّ، أضاف إليه الغلاة أحاديث كثيرة [58] . وعلي فرض صحّة الحديثين فإنّه يمكن توجيههما بمعني آخر يساعد عليه اللفظ فيهما، قال السيد الطباطبائي: «قوله عليه السلام: إنّ عنده جميع القرآن؛ إلي آخره، الجملة وإن كانت ظاهرةً في لفظ القرآن، ومشعرة بوقوع التحريف فيه، لكن تقييدها بقوله: «ظاهره وباطنه» يفيد أنّ المراد هو العلم بجميع القرآن، من حيث معانيه الظاهرة علي الفهم العادي، ومعانيه المستبطنة علي الفهم العادي» [59] . [ صفحه 45] وقد أورد السيد عليّ بن معصوم المدني هذين الخبرين ضمن الاَحاديث التي استشهد بها علي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام والاَوصياء من أبنائه، علموا جميع مافي القرآن علماً قطعياً بتأييد إلهي، وإلهام رباني، وتعليم نبوي، وذكر أنّ الاَحاديث في ذلك متواترةٌ بين الفريقين» [60] . ويمكن حمل الروايتين أيضاً علي معني الزيادات الموجودة في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام والتي أخذها عمّن لا ينطق عن الهوي تفسيراً، أو تنزيلاً من الله شرحاً للمراد، إلاّ أنّ هذه الزيادات ليست من القرآن الذي أُمِر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بتبليغه إلي الاَُمّة. الطائفة الرابعة: الروايات الدالّة علي أنّ في القرآن أسماء رجال ونساء فأُلقيت منه، ومنها: 1 ـ ما روي في (تفسير العياشي) مرسلاً عن الصادق عليه السلام، قال: «إنّ في القرآن ما مضي، وما يحدث، وما هو كائن، كانت فيه أسماء الرجال فألقيت، إنّما الاسم الواحد منه في وجوه لا تُحصي، يعرف ذلك الوصاة» [61] . 2 ـ ما روي في (الكافي) عن البزنطي، قال: دفع إليَّ أبو الحسن الرضا عليه السلام مصحفاً، فقال: «لا تَنْظُر فيه». ففتحته وقرأت فيه (لم يكن الذين كفروا...)(البينة 98: 1) فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم. قال: فبعث إليّ: «ابعث إليّ بالمصحف» [62] . [ صفحه 46] 3 ـ ما رواه الشيخ الصدوق في (ثواب الاعمال) عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: «سورة الاَحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم يا بن سنان، إنّ سورة فضحت نساء قريش من العرب، وكانت أطول من سورة البقرة، ولكن نقصّوها وحرّفوها» [63] وهذه الروايات لا نصيب لها من الصحّة، فهي بين ضعيف ومرسل ومرفوع، ومن الممكن القول بأنّ تلك الاسماء التي أُلقيت إنّما كانت مثبتةً فيه علي وجه التفسير لاَلفاظ القرآن وتبيين الغرض منها، لا أنّها نزلت في أصل القرآن. وقد ذكر ذلك الفيض الكاشاني في (الوافي) والسيد الخوئي في (البيان) وغيرهما.. بل إنّ الشيخ الصدوق ـ وهو رئيس المحدّثين ـ الذي روي الخبر في كتابه (ثواب الاعمال) ينصّ في كتابه (الاعتقادات) علي عدم نقصان القرآن، وهذا مما يشهد بأنّهم قد يروون مالا يعتقدون بصحّته سنداً أو معنيً. الطائفة الخامسة: الاَحاديث التي تتضمّن بعض القراءات المنسوبة إلي الاَئمة عليهم السلام، ومنها: 1 ـ روي الكليني بإسناده عن عمران بن ميثم، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: «قرأ رجل علي أمير المؤمنين عليه السلام: (فإنَّهم لا يُكِذّبُونَكَ وَلكن الظَّالمينَ بآيات الله يَجْحَدُون) (الأنعام6: 33) فقال عليه السلام: بلي والله لقد كذَّبوه أشدّ التكذيب، ولكنّها مخفّفة (لا يكذبونك) لا يأتون بباطل يكذبون به حقّك» [64] . 2 ـ وروي الشيخ الكليني بإسناده عن أبي بصير، عن الصادق عليه السلام أنه قرأ (هذا كتابٌ يُنْطَق عَلَيكُم بالحقِّ)(الجاثية: 29) ببناء الفعل للمفعول، والقراءة المشهورة (يَنْطِقُ) بالبناء للفاعل، قال عليه السلام: «إنَّ الكتاب لم يُنْطَق ولن يَنْطِق، ولكن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هو الناطق بالكتاب» [65] . وهذه القراءات لا تصلح مستمسكاً للقول بالتحريف، لاَنَّ القرآن شيء والقراءات شيء آخر، القرآن منقول إلينا بالتواتر، وهذه القراءات منقولة بطريق الآحاد، كما أن الاختلاف في كيفية الكلمة أو حركتها لا ينافي الاتفاق علي أصلها. قال الاِمام الصادق عليه السلام: «القرآن نزل علي حرفٍ واحدٍ من عند الواحد» [66] ، وقال عليه السلام في حديث آخر: «إنَّ القرآن واحدٌ، نزل من عند واحدٍ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة» [67] . وقد حثَّ الاِمام الصادق عليه السلام شيعته وأصحابه علي متابعة القراءة المعهودة لدي جمهور المسلمين حيثُ قال عليه السلام: «اقرأوا كما يقرأ الناس» [68] . [ صفحه 47]

شبهات وردود

فيما يلي نعرض بعض الشبهات التي روّجها البعض متشبثاً بها للدلالة علي وقوع التحريف، وسنبيّن وجوه اندفاعها: الأَِولي: أنّه كان لاَمير المؤمنين عليّ عليه السلام مصحف غير المصحف الموجود، وقد أتي به إلي القوم فلم يقبلوا منه، وكان مصحفه مشتملاً علي أبعاض ليست موجودة في القرآن الذي بين أيدينا، ممّا يترتّب عليه أنّ المصحف الموجود ناقصٌ بالمقارنة مع مصحف أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا هو التحريف الذي وقع الكلام فيه. نقول: نعم، تفيد طائفةٌ من أحاديث الشيعة وأهل السنة أنّ علياً عليه السلام اعتزل الناس بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ليجمع القرآن العظيم، وفي بعض الروايات: أنّ عمله ذاك كان بأمر الرسول الاَكرم صلي الله عليه وآله وسلم وأنّه عليه السلام قال: «لاأرتدي حتّي أجمعه»، وروي أنّه لم يرتدِ إلاّ للصلاة حتّي جمعه [69] . ولكن أعلام الطائفة يذكرون بأنّ غاية ماتدلّ عليه الاَحاديث أنّ مصحف علي عليه السلام يمتاز عن المصحف الموجود بأنّه، كان مرتّباً علي حسب النزول، وأنّه قدّم فيه المنسوخ علي الناسخ، وكتب فيه تأويل بعض الآيات وتفسيرها بالتفصيل علي حقيقة تنزيلها، أي كتب فيه التفاسير المنزلة تفسيراً من قبل الله سبحانه، وأنّ فيه المحكم والمتشابه، [ صفحه 48] وأنّ فيه أسماء أهل الحقّ والباطل، وأنّه كان بإملاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وخطّ علي عليه السلام، وأنّ فيه فضائح قومٍ من المهاجرين والاَنصار، وجميع هذه الاختلافات لا توجب تغايراً في أصل القرآن وحقيقته. وأهمّ ما في هذه الاختلافات هو الزيادة التي كانت في مصحفه عليه السلام والتي يخلو عنها المصحف الموجود، وهذه الزيادة قد تكون من جملة الاحاديث القدسية والتي هي وحي وليست بقرآن، كما نصّ عليه الشيخ الصدوق في (الاعتقادات) [70] وقد تكون من جهة التأويل والتفسير وليست من أبعاض القرآن. قال الشيخ المفيد رحمَهُ الله في (أوائل المقالات): «ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه علي حقيقة تنزيله، وذلك كان مثبتاً منزلاً، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالي الذي هو القرآن المعجز، وقد يسمّي تأويل القرآن قرآناً، قال الله تعالي: (ولاتعْجَل بالقُرآنِ مِن قَبْل أن يُقْضي إليْكَ وَحْيُه وَقُلْ رَبِّ زِدْني عِلماً) (طه 20: 114) فيسمّي تأويل القرآن قرآناً، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف» [71] . وقال السيد الخوئي: «إنّ اشتمال قرآنه عليه السلام علي زيادات ليست في القرآن الموجود، وإن كان صحيحاً، إلاّ أنّه لا دلالة في ذلك علي أنّ هذه الزيادات كانت من القرآن وقد أُسقطت منه بالتحريف، بل الصحيح أنّ تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل، وما يؤول إليه الكلام، أو [ صفحه 49] بعنوان التنزيل من الله تعالي شرحاً للمراد» [72] . وخلاصة القول أنّ الادّعاء بوجود زيادات في مصحف عليّ عليه السلام هي من القرآن ادِّعاءٌ بلا دليل وهو باطل قطعاً، ويدلّ علي بطلانه جميع ماتقدم من الاَدلة القاطعة علي عدم التحريف في القرآن. الثانية: أنّ بعض الاَحاديث تفيد أنّ القرآن الكريم علي عهد الاِمام المهدي عليه السلام يختلف عمّا هو عليه الآن، ممّا يفضي إلي الشكّ في هذا القرآن الموجود، ومن هذه الروايات: 1 ـ ما رواه الفتّال والشيخ المفيد، عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا قام القائم من آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم ضرب فساطيط لمن يُعلّم الناس القرآن علي ما أنزله الله عزّ وجل، فأصعب ما يكون علي من حفظه اليوم؛ لاَنّه يخالف فيه التأليف» [73] . وروي نحوه النعماني في الغيبة [74] . 2 ـ ما رواه الكليني في (الكافي) عن سالم بن سلمة، قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: «إذا قام القائم قرأ كتاب الله عزّ وجل علي حدّه، وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام» [75] . هذان الحديثان وسواهما ممّا اعتمده القائلون بهذه الشبهة جميعها [ صفحه 50] ضعيفة، وإذا تجاوزنا النظر في أسانيدها نقول: لعلّ السرّ في تعليمه الناس القرآن هو مخالفة مصحفه عليه السلام للمصحف الموجود الآن من حيث التأليف، كما تدلّ عليه الرواية المتقدّمة عن أبي جعفر عليه السلام، أو مخالفته من حيث الخصائص والميزات المذكورة في مصحف علي عليه السلام كما تدلّ عليه الرواية الثانية، فعندئذٍ يحتاج إلي تفسيره وتأويله علي حقيقة تنزيله، فهذه الشبهة مبتنيةٌ إذن علي الشبهة السابقة، ومندفعةٌ باندفاعها، إذ إنّ القرآن في عهده (صلوات الله عليه) لا يختلف عن هذا القرآن الموجود من حيث الاَلفاظ، وإنمّا الاختلاف في الترتيب، أو في الزيادات التفسيرية، كما تقدّم بيانه في الشبهة الاَُولي. الثالثة: أنّ التحريف قد وقع في التوراة والانجيل، وقد ورد في الاَحاديث عن النبي الاَكرم صلي الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «يكون في هذه الاَُمّة كلّ ماكان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل، وحذو القذّة بالقذّة» [76] ونتيجة ذلك أنّ التحريف لابدّ من وقوعه في القرآن الكريم كما وقع في العهدين، وهذا يوجب الشكّ في القرآن الموجود بين المسلمين، وإلاّلم يصحّ معني هذه الاَحاديث. وقد أجاب السيد الخوئي عن هذه الشبهة بوجوه، منها: 1 ـ إنّ الروايات المشار إليها أخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً. 2 ـ إنّ هذا الدليل لو تمّ لكان دالاً علي وقوع الزيادة في القرآن أيضاً، كما وقعت في التوراة والانجيل، ومن الواضح بطلان ذلك. [ صفحه 51] 3 ـ إنّ كثيراً من الوقائع التي حدثت في الاَُمم السابقة لم يصدر مثلها في هذه الاَُمة، كعبادة العجل، وتيه بني إسرائيل أربعين سنة، وغرق فرعون وأصحابه، وملك سليمان للانس والجنّ، ورفع عيسي إلي السماء، وموت هارون وهو وصيّ موسي قبل موت موسي نفسه.. وغير ذلك ممّا لا يسعنا إحصاؤه، وهذا أدلّ دليل علي عدم إرادة الظاهر من تلك الروايات، فلابدّ من إرادة المشابهة في بعض الوجوه [77] ، وبهذا الوجه اكتفي السيد الطباطبائي في تفسير الميزان [78] . [ صفحه 53]

اهل السنة ينفون التحريف

إنّ المعروف من مذهب أهل السنة هو تنزيه القرآن الكريم عن الخطأ والنقصان، وصيانته عن التحريف، وبذلك صرّحوا في تفاسيرهم وفي كتب علوم القرآن، إلاّ أنّه رويت في صحاحهم أحاديث يدلّ ظاهرها علي التحريف، تمسّك بها الحشوية منهم، فذهبوا إلي وقوع التحريف في القران تغييراً أو نقصاناً، كما أشار إلي ذلك الطبرسي في مقدمة تفسيره (مجمع البيان) [79] ، وقد تقدّم قوله في تصريحات أعلام الاِمامية. ولا شكّ أنّ ما كان ضعيفاً من هذه الاَحاديث فهو خارج عن دائرة البحث، وأمّا التي صحّت عندهم سنداً، فهي أخبار آحاد، ولا يثبت القرآن بخبر الواحد، علي أنّ بعضها محمولٌ علي التفسير، أو الدعاء، أو السُنّة، أو الحديث القدسي، أو اختلاف القراءة، وأمّا مالا يمكن تأويله علي بعض الوجوه، فقد حمله بعضهم علي نسخ التلاوة، أي قالوا بنسخه لفظاً وبقائه حكماً، وهذا الحمل باطلٌ، وهو تكريسٌ للقول بالتحريف، وقد نفاه أغلب محققيهم وعلمائهم علي ما سيأتي بيانه في محلّه إن شاء الله تعالي، وذهبوا إلي تكذيب وبطلان هذه الاَحاديث لاستلزامها للباطل، إذ إنّ القول بها يفضي إلي القدح في تواتر القرآن العظيم. يقول عبد الرحمن الجزيري: «أمّا الاَخبار التي فيها أنّ بعض القران المتواتر ليس منه، أو أنّ بعضاً منه قد حُذِف، فالواجب علي كلِّ مسلم [ صفحه 54] تكذيبها بتاتاً، والدعاء علي راويها بسوء المصير» [80] . ويقول ابن الخطيب: «علي أنّ هذه الاَحاديث وأمثالها، سواء صحّ سندها أو لم يصحّ، فهي علي ضعفها وظهور بطلانها، قلّة لا يعتدّ بها، مادام إلي جانبها إجماع الاَُمّة، وتظاهر الاَحاديث الصحيحة التي تدمغها وتظهر أغراض الدين والمشرّع بأجلي مظاهرها» [81] . وجماعة منهم قالوا بوضع هذه الاَحاديث واختلاقها من قبل أعداء الاِسلام والمتربصّين به، يقول الحكيم الترمذي: «ما أري مثل هذه الروايات إلاّ من كيد الزنادقة». ويقول الدكتور مصطفي زيد: «وأمّا الآثار التي يحتجّون بها.. فمعظمها مروي عن عمر وعائشة، ونحن نستبعد صدور مثل هذه الآثار بالرغم من ورودها في الكتب الصحاح، وفي بعض هذه الروايات جاءت العبارات التي لا تتّفق ومكانة عمر وعائشة، ممّا يجعلنا نطمئنّ إلي اختلاقها ودسّها علي المسلمين» [82] . إذن، فهم موافقون للشيعة الاِمامية في القول بنفي التحريف، فيكون ذلك ممّا اتّفقت عليه كلمة المسلمين جميعاً، يقول الدكتور محمّد التيجاني: «إنّ علماء السنة وعلماء الشيعة من المحقّقين، قد أبطلوا مثل هذه الروايات واعتبروها شاذّة، وأثبتوا بالاَدلّة المقنعة بأنّ القرآن الذي بأيدينا هو نفس القرآن الذي أُنزل علي نبيّنا محمّد صلي الله عليه وآله وسلم وليس فيه زيادةٌ ولا نقصان ولا تبديل ولا تغيير» [83] . [ صفحه 55]

حقيقتان مهمتان

اشاره

إنّ قيل: إنّ الروايات التي ظاهرها نقصان القرآن، أو وجود اللحن فيه، مخرّجةٌ في كتب الصحاح عن بعض الصحابة، وإنّ تكذيبها وإنكارها قد يوجب الطعن في صحّة تلك الكتب، أو في عدالة الصحابة. نقول: أولاً: إنّ القول بصحّة جميع الاَحاديث المخرّجة في كتابي مسلم والبخاري ـ وهما عمدة كتب الصحاح ـ وأنّ الاَُمّة تلقّتهما بالقبول، غير مسلّم، فلقد تكلّم كثير من الحفاظ وأئمة الجرح والتعديل في أحاديث موضوعةٍ وباطلةٍ وضعيفةٍ، فتكلّم الدارقطني في أحاديث وعلّلها في (علل الحديث)، وكذلك الضياء المقدسي في (غريب الصحيحين)، والفيروز آبادي في (نقد الصحيح) وغيرهم، وتكلّموا أيضاً في رجال رُوي عنهم في الصحيحين، وهم مشهورون بالكذب والوضع والتدليس. وفيما يلي بعض الارقام والحقائق التي توضّح هذه المسألة بشكل جليّ: 1 ـ قد انتقد حفّاظ الحديث البخاري في 110 أحاديث، منها 32 حديثاً وافقه مسلم فيها، و 78 انفرد هو بها. 2 ـ الذي انفرد البخاري بالاخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضعة وثلاثون رجلاً، المتكلّم فيه بالضعف منهم 80 رجلاً، والذي انفرد مسلم بالاخراج لهم دون البخاري 620 رجلاً، المتكلّم فيه بالضعف منهم 160 رجلاً. 3 ـ الاَحاديث المنتقدة المخرّجة عندهما معاً بلغت 210 حديثاً، اختصّ البخاري منها بأقلّ من 80 حديثاً، والباقي يختصّ بمسلم. [ صفحه 56] 4 ـ هناك رواة يروي عنهم البخاري، ومسلم لا يرتضيهم ولا يروي عنهم، ومن أشهرهم عكرمة مولي ابن عباس. 5 ـ وقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينها، فلو أفادت علماً لزم تحقّق النقيضين في الواقع، وهو محال، لذا أنكر العلماء مثل هذه الاَحاديث وقالوا ببطلانها. وقد نصّ ببعض ما ذكرناه أو بجملته متقدّمو شيوخهم ومتأخروهم، كالنووي والرازي وكمال الدين بن الهمّام، وأبي الوفاء القرشي، وأبي الفضل الاَدفوي، والشيخ عليّ القاري، والشيح محبّ الله بن عبد الشكور، والشيخ محمّد رشيد رضا، وابن أمير الحاج، وصالح بن مهدي المقبلي، والشيخ محمود أبو ريّة، والدكتور أحمد أمين، والدكتور أحمد محمّد شاكر وغيرهم، معترفين ومذعنين بحقيقة أنّ الاَُمّة لم تتلقَّ أحاديث الصحيحين بالقبول، أو أنّه ليس من الواجب الديني الاِيمان بكلّ ما جاء فيهما، فتبيّن أنَّ جميع القول بالاجماع علي صحّتهما لا نصيب له من الصحّة. قال أبو الفضل الاَدفوي: «إنّ قول الشيخ أبي عمرو بن الصلاح: إنّ الاَُمّة تلقّت الكتابين بالقبول؛ إن أراد كلّ الاَُمّة فلا يخفي فساد ذلك. وإن أراد بالاَُمّة الذين وجدوا بعد الكتابين فهم بعض الاَُمّة. ثمّ إن أراد كلّ حديث فيهما تُلقّي بالقبول من الناس كافّة فغير مستقيم، فقد تكلّم جماعة من الحفّاظ في أحاديث فيهما، فتكلّم الدارقطني في أحاديث وعلّلها، وتكلّم ابن حزم في أحاديث كحديث شريك في الاِسراء، وقال: إنّه خلط، ووقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينها، [ صفحه 57] والقطع لا يقع التعارض فيه» [84] . وقال الشيخ محمد رشيد رضا: «ليس من أُصول الدين، ولا من أركان الاِسلام، أن يؤمن المسلم بكلّ حديث رواه البخاري مهما يكن موضوعه، بل لم يشترط أحد في صحّة الاِسلام، ولا في معرفته التفصيلية، الاطلاع علي صحيح البخاري والاقرار بكلّ ما فيه» [85] . فاتّضح أن ما يروّجه البعض من دعوي أنّ أحاديث نقصان القرآن ووجود اللحن فيه، مخرجةٌ في الصحاح، ولا ينبغي الطعن فيها، ممّا لاأساس له؛ لاَنّه مخالف للاجماع والضرورة، ومحكم التنزيل، فليس كلّ حديثٍ صحيحٍ يجوز العمل به، فضلاً عن أن يكون العمل به واجباً، ورواية الاَخبار الدالّة علي التحريف غير مُسلّمة عند أغلب محقّقي أهل السنة إلاّ عند القائلين بصحّة جميع ما في كتب الصحاح، ووجوب الاِيمان بكلّ ما جاء فيها، وهؤلاء هم الحشوية ممّن لا اعتداد بهم عند أئمّة المذاهب. ثانياً: دعوي الاجماع علي عدالة جميع الصحابة باطلةٌ لا أصل لها، إذ إنّ عمدة الاَدلّة القائمة علي عدالتهم جميعاً ما روي أنّه صلي الله عليه وآله وسلم قال: «أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم». وقد نصّ جمعٌ كبيرٌ من أعيان أهل السنة علي أنّه حديثٌ باطلٌ موضوعٌ [86] ، هذا فضلاً عن [ صفحه 58] معارضته للكتاب والسُنّة والواقع التاريخي، فقد نصّت كثيرٌ من الآيات القرآنية علي أنّ بعض الاَصحاب ممّن هم حول النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم خلال حياته، كانوا منافقين فسقة، كما في سورة التوبة وآل عمران والمنافقون، ونصّت بعض الآيات علي ارتداد قسم منهم بعد وفاته صلي الله عليه وآله وسلم كقوله تعالي: (أفَإن ماتَ أو قُتِلَ انْقَلَبْتُم علي أعْقَابِكُم) (آل عممران 3: 144)، وممّا يدلّ علي ارتداد بعضهم بعده صلي الله عليه وآله وسلم حديث الحوض: «أنا فرطكم علي الحوض، ولاَنازَعَنّ أقواماً ثمّ لاَُغْلَبَنّ عليهم، فأقول: يا ربِّ أصحابي. فيقال: إنّك لاتدري ما أحدثوا بعدك» [87] ، وقد عدّه الزبيدي الحديث السبعين من الاَحاديث المتواترة، حيث رواه خمسون نفساً [88] ، كما قامت الشواهد علي جهل كثير من الاَصحاب بالقرآن الكريم والاحكام الشرعية، كما أنّ بعضهم تسابّوا وتباغضوا وتضاربوا وتقاتلوا، وحكت الآثار عن ارتكاب بعضهم الكبائر واقتراف السيئات كالزنا وشرب الخمر والربا وغير ذلك. قال الرافعي: «لا يتوهمنّ أحدٌ أنّ نسبة بعض القول إلي الصحابة نصّ في أنّ ذلك القول صحيحٌ البتّة، فإنّ الصحابة غير معصومين، وقد جاءت روايات صحيحة بما أخطأ فيه بعضهم في فهم أشياء من القرآن علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وذلك العهد هو ماهو» [89] . [ صفحه 59] إذن فنسبة أحد الاَقوال الدالّة علي تحريف القرآن إلي أحد الصحابة، لا تعني التعبّد به، أو التعسّف في تأويله، بل إنّ إمكانية ردّه وإنكاره قائمةٌ مادام شرط عدالة الجميع مرفوعاً. [ صفحه 61
**پله=1
**عنوان=نماذج من روايات التحريف في كتب أهل السنة
**متن=نذكر هنا جملة من الروايات الموجودة في كتب أهل السنة، ونبيّن ماورد في تأويلها، وما قيل في بطلانها وإنكارها، وعلي أمثال هذه النماذج يقاس ما سواها، وهي علي طوائف:
**پله=2
**عنوان=ما دل علي التحريف بمعني النقصان
**متن=الروايات التي ذكرت سوراً أو آيات زُعِم أنّها كانت من القرآن وحُذِفت منه، أو زعم البعض نسخ تلاوتها، أو أكلها الداجن، نذكر منها:
الاَُولي: أنّ سورة الاَحزاب تعدل سورة البقرة
1 ـ رُوي عن عائشة: »أنّ سورة الاَحزاب كانت تُقْرأ في زمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم في مائتي آية، فلم نقدر منها إلاّ علي ماهو الآن« **زيرنويس=الاتقان 3: 82، تفسير القرطبي 14: 113، مناهل العرفان 1: 273، الدر المنثور 6: 560.] وفي لفظ الراغب: «مائة آية» [90] . 2 ـ ورُوي عن عمر وأُبي بن كعب وعكرمة مولي ابن عباس: «أنّ سورة الاَحزاب كانت تقارب سورة البقرة، أو هي أطول منها، وفيها كانت آية الرجم» [91] . 3 ـ وعن حذيفة: «قرأتُ سورة الاَحزاب علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فنسيتُ منها [ صفحه 62] سبعين آية ما وجدتها» [92] . وقد حمل ابن الصلاح المدّعي زيادته علي التفسير، وحمله السيوطي وابن حزم علي نسخ التلاوة، والمتأمّل لهذه الروايات يلاحظ وجود اختلاف فاحش بينها في مقدار ماكانت عليه سورة الاَحزاب، الاَمر الذي يشير إلي عدم صحّة هذه النصوص وبطلانها، أمّا آية الرجم الواردة في الحديث الثاني فستأتي في القسم الرابع من هذه الطائفة. الثانية: لو كان لابن آدم واديان... رُوي عن أبي موسي الاَشعري أنّه قال لقرّاء البصرة: «كنّا نقرأ سورة نُشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها، غير أنّي حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغي وادياً ثالثاً، ولا يملاَ جوف ابن آدم إلاّ التراب» [93] . وقد حمل ابن الصلاح هذا الحديث عليالسنة، قال: «إنّ هذا معروف في حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي أنّه من كلام الرسول، لا يحكيه عن ربِّ العالمين في القرآن ويؤيده حديث روي عن العباس بن سهل، قال: سمعت ابن الزبير علي المنبر يقول: «قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لو أنّ ابن آدم أُعطي واديان..» وعدّه الزبيدي الحديث الرابع والاَربعين من الاَحاديث المتواترة وقال: «رواه من الصحابة خمسة عشر نفساً» [94] ورواه أحمد في [ صفحه 63] (المسند) عن أبي واقد الليثي علي أنّه حديث قدسيّ. [95] . أمّا إخبار أبي موسي بأنّه كان ثمّة سورة تشبه براءة في الشدّة والطول، فلو كانت لحصل العلم بها، ولما غفل عنها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والصحابة وكُتّاب الوحي وحُفّاظه وقُرّاؤه. الثالثة: سورتا الخلع والحفد روي أنّ سورتي الخلع والحفد كانتا في مصحف ابن عباس وأُبي بن كعب وابن مسعود، وأنّ عمر بن الخطاب قنت بهما في الصلاة، وأنّ أبا موسي الاَشعري كان يقرأهما.. وهما: 1 ـ «اللّهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك». 2 ـ «اللّهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعي ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشي عذابك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق» [96] . وقد حملهما الزرقاني والباقلاني والجزيري وغيرهم علي الدعاء، وقال صاحب الانتصار: «إنّ كلام القنوت المروي: أنّ أُبي بن كعب أثبته في مصحفه، لم تقم الحجّة بأنّه قرآن منزل، بل هو ضرب من الدعاء، ولو كان قرآناً لنقل إلينا وحصل العلم بصحّته» إلي أن قال: «ولم يصحّ ذلك عنه، وإنّما روي عنه أنّه أثبته في مصحفه، وقد أثبت في مصحفه ما ليس [ صفحه 64] بقرآن من دعاء أو تأويل.. الخ» [97] . وقد روي هذا الدعاء في (الدر المنثور) والاتقان والسنن الكبري و(المصنّف) وغيرها من عديد من الروايات عن ابن الضرس والبيهقي ومحمد بن نصر، ولم يُصرّحوا بكونه قرآناً [98] . الرابعة: آية الرجم روي بطرق متعدّدة أنّ عمر بن الخطاب، قال: «إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم.. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم. فإنّا قد قرأناها» [99] . وأخرج ابن أشتة في (المصاحف) عن الليث بن سعد، قال: «إنّ عمر أتي إلي زيدٍ بآية الرجم، فلم يكتبها زيد لاَنّه كان وحده» [100] . وقد حمل ابن حزم آية الرجم في (المحلي) علي أنّها ممّا نسخ لفظه وبقي حكمه، وهو حملٌ باطلٌ، لاَنّها لو كانت منسوخة التلاوة لما جاء عمر ليكتبها في المصحف، وأنكر ابن ظفر في (الينبوع) عدّها ممّا نسخ تلاوةً، وقال: «لاَنّ خبر الواحد لا يُثبت القرآن» [101] . [ صفحه 65] وحملها أبو جعفر النحاس علي السُنّة، وقال: «إسناد الحديث صحيحٌ، إلاّ أنّه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة، ولكنها سُنّةٌ ثابتةٌ، وقد يقول الاِنسان كنتُ أقرأ كذا لغير القرآن، والدليل علي هذا أنّه قال: لولا أنّي أكره أن يقال زاد عمر في القرآن، لزدته» [102] . الخامسة: آية الجهاد رُوي أنّ عمر قال لعبد الرحمن بن عوف: «ألم تجد فيما أُنزل علينا: أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة، فأنا لا أجدها؟ قال: أُسقطت فيما أسقط من القرآن» [103] . نقول: ألم يرووا في أحاديث جمع القرآن أنّ الآية تُكتَب بشهادة شاهدين من الصحابة علي أنّها ممّا أنزل الله في كتابه؟ فما منع عمر وعبدالرحمن بن عوف من الشهادة علي أنّ الآية من القرآن وإثباتها فيه؟ فهذا دليلٌ قاطعٌ علي وضع هذه الرواية، وإلاّ كيف سقطت هذه الآية المدّعاة عن كُتّاب القرآن وحُفّاظه في طول البلاد وعرضها، ولم تبق إلاّ مع عمر وعبد الرحمن بن عوف؟ السادسة: آية الرضاع رُوي عن عائشة أنّها قالت:«كان فيما أُنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [ صفحه 66] وهنّ ممّا يقرأ من القرآن» [104] . لقد أوّل بعض المحقّقين خبر عائشة هذا بأنّه ليس الغرض منه أنّ ذلك كان آيةً من كتاب الله، بل كان حكماً من الاَحكام الشرعية التي أوحي الله بها إلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم في غير القرآن، وأمر القرآن باتّباعها، فمعني قولها: «كان فيما أُنزل من القرآن...» كان من بين الاَحكام التي أنزلها الله علي رسوله وأمرنا باتّباعها في القرآن أن عشر رضعات يحرمن، ثمّ نسخ هذا الحكم بخمس رضعات معلومات يحرمن، وتوفي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهذا الحكم باقٍ لم ينسخ، فأمّا كونه منزلاً موحي به فذلك لاَنّه صلي الله عليه وآله وسلم لاينطق عن الهوي، وأمّا كوننا مأمورين باتّباع ما جاء به الرسول من الاَحكام فلاَن الله تعالي قال: (وَمَا آتاكُم الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَانَهاكُم عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر59: 7.) وحمله البعض علي أنّه ممّا نسخت تلاوته وحكمه فأبطلوه، وهذا الحمل باطلٌ علي ما سيأتي بيانه. لكن بعض الشافعية والحنابلة حملوه علي نسخ التلاوة، وذلك لا يصحّ لاَنّ الظاهر من الحديث أنّ النسخ كان بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهو أمرٌ باطلٌ بالاجماع، وقد ترك العمل بهذا الحديث مالك بن أنس وهو راوي الحديث، وأحمد بن حنبل وأبو ثور وغيرهم، وقال الطحاوي والسرخسي وغيرهما ببطلانه وشذوذه وعدم صحته، ومن المتأخرين الاَُستاذ السايس وتلميذه الاَُستاذ العريض وعبد الرحمن الجزيري وابن الخطيب وغيرهم [105] . [ صفحه 67] وهذا الحديث بلفظ «فتوفي رسول الله وهنّ ممّا يقرأ من القرآن» رواه أنس بن مالك عن عبدالله بن أبي بكر، وقد رُوي عن غيره بدون هذا اللفظ، قال أبو جعفر النحاس: «قال بعض أجلّة أصحاب الحديث: قد روي هذا الحديث رجلان جليلان أثبت من عبد الله بن أبي بكر، فلم يذكرا أنّ هذا فيه، وهما القاسم بن محمد بن أبي بكر ويحيي بن سعيد الاَنصاري» [106] ، وقال الطحاوي: «هذا ممّا لا نعلم أحداً رواه كما ذكرنا غير عبدالله بن أبي بكر، وهو عندنا وهمٌ منه» [107] . لكنّ خلوّ الرواية من هذا اللفظ لا يصحّح كونها قرآناً يُتلي ولا ينفيه، قال صاحب المنار: «لو صحّ أنّ ذلك كان قرآناً يتلي لما بقي علمه خاصاً بعائشة، بل كانت الروايات تكثر فيه، ويعمل به جماهير الناس، ويحكم به الخلفاء الراشدون، وكل ذلك لم يكن» وقال: «إنّ ردّ هذه الرواية عن عائشة لاَهون من قبولها مع عدم عمل جمهور من السلف والخلف بها» [108] . السابعة: آية رضاع الكبير عشراً رُوي عن عائشة أنَّها قالت: «نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها» [109] . [ صفحه 68] وظاهرٌ من هذه الرواية أنّه لم يحفظ القرآن ولم يكتبه غير عائشة، وهو أمرٌ في غاية البعد والغرابة، فأين سائر الصحابة والحُفّاظ والكتبة منهم، قال السرخسي: «حديث عائشة لا يكاد يصحّ؛ لاَنّ بهذا لا ينعدم حفظه من القلوب، ولا يتعذّر عليهم به إثباته في صحيفة أُخري، فعرفنا أنّه لاأصل لهذا الحديث» [110] أمّا بالنسبة لآية الرجم المذكورة في الحديث فقد تقدم أنّه لا يصحّ اعتبارها قرآنا لكونها من أخبار الآحاد، وحكم الرجم من السنن الثابتة عن الرسول الاَكرم صلي الله عليه وآله وسلم. ثم إنّ هذا الحكم ـ في رضاع الكبير عشراً ـ قد انفردت به عائشة، وعارضها فيه سائر أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ولم تأخذ واحدة منهنّ بقولها في ذلك، وأنكره أيضاً ابن مسعود علي أبي موسي الاَشعري، وقال: «إنّما الرضاعة ما أنبت اللحم والدم» فرجع أبو موسي عن القول به [111] . الثامنة: آية الصلاة علي الذين يصلون في الصفوف الاَُولي! عن حميدة بنت أبي يونس، قالت: «قرأ عليّ أبي، وهو ابن ثمانين سنة، في مصحف عائشة: إنّ الله وملائكته يصلّون علي النبيّ يا أيُّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً وعلي الذين يصلون في الصفوف الاَُولي». قالت: «قبل أن يغيّر عثمان المصاحف» [112] . وظاهر أنّ هذا من الآحاد التي لايثبت بها قرآن، وإلاّ فكيف فات هذا [ صفحه 69] عن سائر الصحابة وكُتّاب الوحي منهم وحُفّاظه وجُمّاعه، واختصت به عائشة دونهم؟ ولو صحّ فهو روايةٌ عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، فاعتقدت عائشة كونها من القرآن فكتبتها، حيثُ روي عن البراء بن عازب أنّه قال: «قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إنّ الله وملائكته يصلون علي الصفوف الاَُوّل» [113] ، وروي عن عائشة أنّها قالت: «قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إنّ الله وملائكته يصلّون علي الذين يَصِلُون الصفوف» [114] ، ولعلّه أيضاً ممّا يُكْتب في حاشية المصحف، حيث كانوا يسجّلون مايرون له أهميةً وشأناً في حاشية مصاحفهم الخاصّة. التاسعة: عدد حروف القرآن أخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب، قال: «القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف» [115] بينما القرآن الذي بين أيدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار، قال الذهبي: «تفرّد محمّد بن عبيد بهذا الخبر الباطل» [116] ، هذا فضلاً عن الاختلاف في رواية عدد الحروف، فقد روي ألف ألف وواحد وعشرون ألفاً ومئة وخمسون حرفاً، وقيل: غير ذلك، الاَمر الذي يضعف الثقة بصحة صدورها. وإذا صحّ ذلك فلعلّه من الوحي الذي ليس بقرآن كالاَحاديث القدسية؛ وقد لاحظنا في أدلّة نفي التحريف أنّه بلغ من الدقّة والتحرّي [ صفحه 70] في ثبت آيات القرآن أن يحمل بعض الصحابة السيف لحذف حرف واحد منه، فكيف يحذف ثلثاه ولم نجد معارضاً منهم، ولا مطالباً بتدوين ما بقي من ثلثيه؟! هذا فضلاً عن وجود كثير من الصحابة ممّن جمع القرآن كلّه أو بعضه في عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ـ كما سيأتي بيانه ـ حفظاً في الصدور، أو تدويناً في القراطيس، فكانت القراطيس شاهدة علي ما في الصدور، والصدور شاهدة علي ما في القراطيس، فكيف يضيع ثلثاه في حال كهذه؟! وأخيراً فأنّ الملاحظ علي كثير ممّا أدّعي أنّه من القرآن مخالفته لقواعد اللغة وأُسلوب القرآن الكريم وبلاغته السامية، ممّا يدل علي أنّه ليس بكلام الخالق تعالي، وليست له طلاوته، ولا به حلاوته وعذوبته، وليست عليه بهجته، بل يتبّرأ من ركاكته وانحطاطه وتهافته المخلوقون، فكيف برب العالمين، وسمّو كتابه المبين؟! ومن أراد الاطلاع علي ماذكرناه، فليراجع مقدمة (تفسير آلاء الرحمن)، للشيخ البلاغي ففيه مزيد بيان. والملاحظ أيضاً أنّ قسماً منه هو من الاَحاديث النبوية، أو من السُنّة والاَحكام التي ظنّوها قرآناً، كما روي أنّ قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» هو آية، ولا يشكّ أحدٌ في أنّه حديث. و الملاحظ أيضاً أنّ أغلبه روي بألفاظ متعدّدة وتعابير مختلفة، فلو كان قرآناً لتوحّدت ألفاظه. [ صفحه 71]

نسخ التلاوة

قسّموا النسخ في الكتاب العزيز إلي ثلاثة أقسام: 1 ـ نسخ الحكم دون التلاوة، وهذا هو القسم الذي نطق به محكم التنزيل، وهو المشهور بين العلماء والمفسرين، وهو أمر معقولٌ مقبولٌ، حيثُ إنّ بعض الاَحكام لم ينزل دفعةً واحدةً، بل نزل تدريجياً لتألفه النفوس وتستسيغه العقول، فنسخت تلك الاَحكام وبقيت ألفاظها، لاَسرارٍ تربويةٍ وتشريعيةٍ يعلمها الله تعالي. 2 ـ نسخ التلاوة دون الحكم، وقد مثّلوا له بآية الرجم، فقالوا: إنّ هذه الآية كانت من القرآن ثمّ نسخت تلاوتها وبقي حكمها. 3 ـ نسخ التلاوة والحكم معاً، وقد مثّلوا له بآية الرضاع. وقد تقدّم في ثنايا البحث السابق أنّ البعض حمل قسماً من الروايات الدالة علي النقصان علي أنّها آيات نسخت تلاوتها وبقيت أحكامها، أو نسخت تلاوةً وحكماً، وذلك تحاشياً من التسليم بها الذي يفضي إلي القول بتحريف القرآن، وفراراً من ردّها وتكذيبها الذي يؤول إلي الطعن في الكتب الصحاح والمسانيد المعتبرة، أو الطعن في الاَعيان الذين نُقلت عنهم، ولا شكّ أنّ القول بالضربين الاَخيرين من النسخ هو عين القول بالتحريف: وهو باطل لما يلي: 1 ـ يستحيل عقلاً أن يرد النسخ علي اللفظ دون الحكم، لاَنّ الحكم لابدّ له من لفظ يدلّ عليه، فإذا رفع اللفظ فما هو الدليل الذي يدلّ عليه؟ [ صفحه 72] فالحكم تابع للّفظ، ولا يمكن أن يرفع الاَصل ويبقي التابع. 2 ـ النسخ حكم، والحكم لابدّ أن يكون بالنصّ، ولا انفكاك بينهما، ولا دليل علي نسخ النصوص التي حكتها الآثار المتقدّمة وسواها، إذ لم ينقل نسخها ولم يرد في حديث عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في واحدٍ منها أنّها منسوخة، والواجب يقتضي أن يُبلّغ الاَُمة بالنسخ كما بلّغ بالنزول، وبما أنّ ذلك لم يحدث فالقول به باطل. 3 ـ الاَخبار التي زعم نسخ تلاوتها أخبار آحاد، ولا تقوي دليلاً وبرهاناً علي حصوله، إذ صرحوا باتّفاق العلماء أجمع علي عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد [117] ، ونسبه القطّان إلي الجمهور [118] ، وعلّله رحمة الله الهندي «بأنّ خبر الواحد إذا اقتضي عملاً ولم يوجد في الاَدلّة القاطعة مايدلّ عليه وجب ردّه» [119] ، بل إنّ الشافعي وأصحابه وأكثر أهل الظاهر، قد قطعوا بامتناع نسخ القران بالسُنّة المتواترة، وبهذا صرّح أحمد بن حنبل في إحدي الروايتين عنه، بل من قال بإمكان نسخ الكتاب بالسُنّة المتواترة منع وقوعه [120] الاَخيرين من النسخ واعتبروهما نفس القول بالتحريف، وكذا أنكرهما أغلب علماء ومحققي أهل السنة المتقدمين منهم والمتأخرين، وحكي القاضي أبو بكر في (الانتصار) عن قومٍ انكار الضرب الثاني منه [121] ، وأنكره أيضاً ابن ظفر في كتاب (الينبوع) [122] ، ونُقِل عن أبي مسلم «أنّ نسخ التلاوة ممنوع شرعاً» [123] وفيما يلي بعض أقوال محققي أهل السنة في ابطال القول بنسخ التلاوة: 1 ـ قال الخضري: «أنا لا أفهم معني لآيةٍ أنزلها الله تعالي لتفيد حكماً ثمّ يرفعها مع بقاء حكمها؛ لاَنّ القرآن يقصد منه إفادة الحكم والاعجاز معاً بنظمه، فما هي المصلحة في رفع آية مع بقاء حكمها؟ إنّ ذلك غير مفهوم، وقد أري أنّه ليس هناك مايدعو إلي القول به» [124] . 2 ـ وقال الدكتور صبحي الصالح: «أمّا الجرأة العجيبة ففي الضربين الثاني والثالث اللذين نسخت فيهما بزعمهم آيات معينة، إمّا مع نسخ أحكامها وإمّا دون نسخ أحكامها، والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما يكتشف فيه خطأً مركباً، فتقسيم المسائل إلي أضرب إنّما يصلح إذا كان لكلّ ضربٍ شواهد كثيرةٍ أو كافيةٍ علي الاَقل ليتيسّر استنباط قاعدةٍ منها، وما لعشّاق النسخ إلاّ شاهدٌ أو اثنان علي كلّ من هذين الضربين، وجميع ماذكروه منها أخبار آحاد، ولا يجوز القطع علي إنزال قرآن ونسخه بأخبار [ صفحه 74] آحاد لا حجّة فيها» [125] . 3 ـ وقال الدكتور مصطفي زيد: «ومن ثمّ يبقي منسوخ التلاوة باقي الحكم مجرّد فرض لم يتحقّق في واقعةٍ واحدةٍ، ولهذا نرفضه، ونري أنّه غير معقولٍ ولا مقبول» [126] . 4 ـ وقال عبد الرحمن الجزيري: «إنّ الاَخبار التي جاء فيها ذكر كلمةٍ (من كتاب الله) علي أنّها كانت فيه ونسخت في عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فهذه لا يُطلق عليها أنّها قرآن، ولا تُعطي حكم القرآن باتّفاق، ثمّ ينظر إنّ كان يمكن تأويلها بما يخرجها عن كونها قرآناً، فإنّ الاِخبار بها يعطي حكم الحديث، وإن لم يمكن تأويلها فالذي أعتقده أنّها لا تصلح للدلالة علي حكم شرعي؛ لاَنّ دلالتها موقوفةٌ علي ثبوت صيغتها. وصيغتها يصحّ نفيها باتّفاقٍ، فكيف يمكن الاستدلال بها؟! فالخير كلّ الخير في ترك مثل هذه الروايات» [127] . 5 ـ وقال ابن الخطيب: «أمّا مايدّعونه من نسخ تلاوة بعض الآيات مع بقاء حكمها، فأمر لا يقبله إنسان يحترم نفسه، ويقدّر ما وهبه الله تعالي من نعمة العقل، إذ ماهي الحكمة من نسخ تلاوة آية مع بقاء حكمها؟ ماالحكمة من صدور قانون واجب التنفيذ ورفع ألفاظ هذا القانون مع بقاء العمل بأحكامه؟ ويستدلّون علي باطلهم هذا بإيراد آيةٍ من هذا النوع يدّعون نسخها، ويعلم الله تعالي أنّها ليست من القرآن، ولو كانت لما [ صفحه 75] أغفلها الصحابة (رضوان الله عليهم) ولدونّها السلف الصالح في مصاحفهم» [128] .

الروايات الدالة علي الخطأ واللحن والتغيير

الاَُولي: روي عن عثمان أنّه قال: «إنّ في المصحف لحناً، وستقيّمه العرب بألسنتها. فقيل له: ألا تغيره؟ فقال: دعوه، فإنّه لا يحلّ حراماً، ولايحرّم حلالاً» [129] . حمل ابن أشتة اللحن الوارد في الحديث علي الخطأ في اختيار ماهو أولي من الاَحرف السبعة، وعلي أشياء خالف لفظُها رَسْمَها، وهذا الحمل غير مستقيمٍ، والاَولي منه هو ترك الرواية وتكذيبها وإنكارها، كما فعل الداني والرازي والنيسابوري وابن الاَنباري والآلوسي والسخاوي والخازن والباقلاني وجماعة آخرين [130] ، حيثُ صرّحوا أنّ هذه الرواية لايصحّ بها دليل ولا تقوم بمثلها حجّة؛ لاَنّ إسنادها ضعيف، وفيه اضطراب وانقطاع وتخليط، ولاَنّ المصحف منقولٌ بالتواتر عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فلا يمكن ثبوت اللحن فيه، ثمّ إنّ مابين الدفّتين هو كلام الله بإجماع المسلمين، ولا يجوز أن يكون كلام الله لحناً وغلطاً، وقد ذهب عامّة الصحابة وسائر علماء الاَُمّة من بعدهم إلي أنّه لفظ صحيح ليس فيه أدني خطأ من كاتبٍ ولا من غيره، واستدلّوا أيضاً علي إنكار هذه الرواية [ صفحه 76] بقولهم: إنّ عثمان جعل للناس إماماً، فكيف يري فيه لحناً ويتركه لتقيّمه العرب بألسنتها، أو يؤخّر شيئاً فاسداً ليصلحه غيره؟! وإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيّموا ذلك ـ وهم الخيار وأهل اللغة والفصاحة والقدرة علي ذلك ـ فكيف يتركون في كتاب الله لحناً يصلحه غيرهم! ثمّ إنّ عثمان لم يكتب مصحفاً واحداً بل كتب عدة مصاحف، فلم تأتِ المصاحف مختلفة قطّ، إلاّ فيما هو من وجوه القراءات والتلاوة دون الرسم، وليس ذلك باللحن» [131] . والذي يهوّن الخطب في هذه الرواية ومثيلاتها الآتية أنّها برواية عكرمة مولي ابن عبّاس، وكان من أعلام الضلال ودعاة السوء، وكان يري رأي الخوارج، ويُضرب به المثل في الكذب والافتراء، حتي قدح به الاَكابر وكذّبوه، أمثال ابن عمر ومجاهد وعطاء وابن سيرين ومالك بن أنس والشافعي وسعيد بن المسيب ويحيي بن سعيد، وحرّم مالك الرواية عنه، وأعرض عنه مسلم [132] . الثانية: روي عن ابن عباس في قوله تعالي: (حَتّي تَسْتَأنِسُوا وتُسلّموا). (النور24:27) قال: «إنّما هو (حتّي تستأذنوا)، وأنّ الاَوّل خطأٌ من الكاتب» [133] ، والمراد بالاستئناس هنا الاستعلام، أي حتي تستعلموا من في البيت، فهذه الرواية مكذوبةٌ علي ابن عباس ولا تصحّ عنه؛ لاَنّ مصاحف الاِسلام كلّها قد ثبت فيها (حتي تَسْتَأنِسُوا) وصحّ الاِجماع فيها [ صفحه 77] منذ عهد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وإلي الآن، فلا يعوّل علي مثل هذه الرواية، قال الرازي: «إعلم أنّ هذا القول من ابن عبّاس فيه نظر؛ لاَنّه يقتضي الطعن في القرآن الذي نُقِل بالتواتر، ويقتضي صحّة القرآن الذي لم يُنْقَل بالتواتر، وفَتح هذين البابين يطرق الشكّ في كلِّ القرآن، وإنّه باطل» [134] . وقال أبو حيان: «من روي عن ابن عبّاس أنّ قوله تعالي: (حَتّي تَسْتَأنِسوا) خطأ أو وهمٌ من الكاتب، وأنّه قرأ (حتي تَسْتَأذِنُوا) فهو كافرٌ في الاِسلام، مُلْحِدٌ في الدين، وابن عباس بريءٌ من هذا القول [135] . الثالثة: روي عروة بن الزبير عن عائشة: أنّه سألها عن قوله تعالي: (لكن الراسخون في العلم)(النساء4: 62): ثمّ قال (والمقيمين)، وفي المائدة: (إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون)، و (المائدة5: 69) (إنّ هذان لساحران) (طه20: 63) فقالت يابن أُختي، هذا عمل الكُتّاب، أخطأوا في الكتاب [136] . أمّا قوله تعالي: (و المقيمين) فانّه علي العطف يكون (والمقيمون) كما في قراءة الحسن ومالك بن دينار، والذي في المصاحف وقراءة أُبيّ والجمهور (والمقيمين) قال سيبويه: «نُصِب علي المدح، أي وأعني المقيمين» وذكر له شواهد وأمثلة من كلام العرب [137] . قال الآلوسي: «ولا يُلْتَفَت إلي من زعم أنّ هذا من لحن القرآن، وأنّ [ صفحه 78] الصواب (والمقيمون) بالواو.. إذ لا كلام في نقل النظم متواتراً، فلا يجوز اللحن فيه أصلاً» [138] . وأمّا قوله تعالي: (والصابئون)بالرفع فهو معطوفٌ علي محلّ اسم إنّ. قال الفراء: «ويجوز ذلك إذا كان الاسم ممّا لم يتبيّن فيه الاِعراب، كالمضمر والموصول، ومنه قول الشاعر: فمن يكُ أمسي بالمدينة رحله - فإنّي وقيارٌ بها لغريبَ برفع (قيار) عطفاً علي محلّ ياء المتكلّم» [139] وقد أجاز الكوفيون والبصريون الرفع في الآية واستدلّوا بنظائر من كلام العرب. وقال صاحب المنار: «قد تجرأ بعض أعداء الاِسلام علي دعوي وجود الغلط النحوي في القرآن، وعدّ رفع (الصابئين) هنا من هذا الغلط، وهذا جمعٌ بين السخف والجهل، وإنّما جاءت هذه الجرأة من الظاهر المتبادر من قواعد النحو، مع جهل أو تجاهل أنّ النحو استنبط من اللغة، ولم تستنبط اللغة منه» [140] . وأمّا قوله تعالي: (إنّ هَذانِ لَسَاحِرانِ) فإنّ القراءة التي عليها جمهور المسلمين هي تخفيف إن المكسورة الهمزة، فتكون مخففةٌ من الثقيلة غير عاملةٍ، ورفع (هذان). [ صفحه 79] قال الزمخشري: «إنّ هذان لساحران علي قولك: إنّ زيد لمنطلق، واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة» [141] ، وعليه فلا إشكال في هذه الآية، ولا لحن من الكُتّاب! قال الرازي: «لما كان نقل هذه القراءة في الشهرة كنقل جميع القرآن، فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن، وذلك يفضي إلي القدح في التواتر، وإلي القدح في كلِّ القرآن، وإنّه باطل» [142] . الرابعة: روي أنّ الحجاج بن يوسف غيّر في المصحف اثني عشر موضعاً، منها: 1 ـ كانت في سورة البقرة2: 59 (لم يَتَسَنَّ) فغيّرها (لم يَتَسَنَّه) بالهاء. 2 ـ وكانت في سورة المائدة 4: 48(شريعةً ومنهاجاً) فغيّرها (شِرعةً ومنهاجاً). 3 ـ وكانت في سورة يونس 10: 22(هو الذي ينشركم) فغيّرها (هو الذي يسيّركم) [143] . وهذه الاَمثلة، وسواها منقولةٌ من (مصاحف السجستاني) برواية عباد ابن صهيب [144] ، وعباد متروك الحديث لدي أئمّة الحديث والجرح [ صفحه 80] والتعديل، ومغموزٌ فيه بالكذب والاختلاق [145] . قال السيد الخوئي: «هذه الدعوي تشبه هذيان المحمومين وخرافات المجانين والاَطفال، فإنّ الحجّاج واحدٌ من ولاة بني أُمية، وهو أقصر باعاً وأصغر قدراً من أن ينال القرآن بشيءٍ، بل هو أعجز من أن يغيّر شيئاً من الفروع الاِسلامية، فكيف يغير ماهو أساس الدين وقوام الشريعة؟! ومن أين له القدرة والنفوذ في جميع ممالك الاِسلام وغيرها مع انتشار القرآن فيها؟ وكيف لم يذكر هذا الخطب العظيم مؤرخ في تاريخه، ولا ناقد في نقده مع مافيه من الاَهمية، وكثرة الدواعي إلي نقله؟ وكيف لم يتعرض لنقله واحد من المسلمين في وقته؟ وكيف أغضي المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج وانتهاء سلطته؟ وهب أنّه تمكّن من جمع نسخ المصاحف جميعها، ولم تشذّ عن قدرته نسخةٌ واحدةٌ من أقطار المسلمين المتباعدة، فهل تمكّن من إزالته عن صدور المسلمين وقلوب حفظة القرآن وعددهم في ذلك الوقت لا يحصيه إلاّ الله» [146] ، وقد بيّنا في أدلّة نفي التحريف أنّ خلفاء الصدر الاَول لم يجرأوا علي حذف حرفٍ منه، وقد بلغ من دقّة وتحرّي المسلمين أن يهدّدوا برفع السيف في وجه من يُقدِم علي ذلك، فكيف يتمكّن الحجّاج بعد اشتهار القرآن وتعدّد نسخه وحفّاظه أن يغيّر اثني عشر موضعاً من كتاب الله علي مرأي ومسمع جمهور المسلمين ومصاحفهم؟! [ صفحه 81]

الروايات الدالة علي الزيادة

1 ـ روي عن عبدالرحمن بن يزيد أنّه قال: «كان عبدالله بن مسعود يحكّ المعوذتين من مصحفه، ويقول: إنّهما ليستا من كتاب الله» [147] . 2 ـ وروي عن عبدالله بن مسعود أنّه لم يكتب الفاتحة في مصحفه، وكذلك أُبي بن كعب [148] تقدّم في معني التحريف أنّ التحريف بالزيادة في القرآن مجمعٌ علي بطلانه، لاَنّه يفضي إلي التشكيك في كتاب الله المتواتر يقيناً كلمةً كلمةً وحرفاً حرفاً، ومن ينكر شيئاً من القرآن فإنّه يخرج عن الدين، والنقل عن ابن مسعود غير صحيحٍ، ومخالفٌ لما أجمع عليه المسلمون منذ عهد الرسالة وإلي اليوم من أنّ الفاتحة والمعوذتين من القرآن العزيز. والرأي السائد بين العلماء في هاتين الروايتين هو إنكار نسبتهما إلي ابن مسعود، وقالوا: «إن النقل عنه باطل ومكذوب عليه» كما صرّح به الرازي وابن حزم والنووي والقاضي أبو بكر والباقلاني وابن عبد الشكور وابن المرتضي وغيرهم [149] ، وقال الباقلاني: «إنّ الرواية شاذّة ومولّدة» [150] واستدلّوا علي الوضع في هاتين الروايتين بما روي من قراءة عاصم عن زرّ ابن حبيش عن عبدالله بن مسعود، وفيها الفاتحة والمعوذتين، فلو كان [ صفحه 82] ينكر كون هذه السور من القرآن، لما قرأهما لزر بن حبيش، وطريق القراءة صحيح عند العلماء [151] . وقيل: إنّ ابن مسعود أسقط المعوذتين من مصحفه إنكاراً لكتابتهما، لا جحداً لكونها قرآناً يُتلي، أو لاَنّه سمع النبي صلي الله عليه وآله وسلم يعوّذ بهما الحسن والحسين عليهما السلام، فظنّ أنّهما ليستا من القرآن، فلمّا تبيّن له قرآنيتهما بعدُ، وتمَّ التواتر، وانعقد الاجماع علي ذلك، كان في مقدمة من آمن بأنّهما من القرآن فقرأهما لزرّ بن حبيش، وأخذهما عاصم عن زرّ [152] . [ صفحه 83]

مراحل جمع القرآن

اشاره

المتحصّل من جميع الروايات الواردة في جمع القرآن أنّ مراحل الجمع ثلاث: الاَُولي:بحضرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم حفظاً وكتابةً، حيثُ حُفِظ في الصدور، وكُتِب علي السطور في قراطيس وألواح من الرقاع والعسب واللخاف والاكتاف وغيرها. أخرج الحاكم بسند صحيح علي شرط الشيخين، عن زيد بن ثابت، قال: «كنّا عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نؤلّف ـ أي: نكتب ـ القرآن من الرقاع» [153] . الثانية: علي عهد أبي بكر، وذلك بانتساخه من العسب والرقاع وصدور الرجال وجعله في مصحفٍ واحد. الثالثة: ترتيب السور علي عهد عثمان بن عفّان، وحمل الناس علي قراءة واحدة، وكتب منه عدّة مصاحف أرسلها إلي الاَمصار، وأحرق باقي المصاحف. [ صفحه 85]

جمع القرآن و شبهة التحريف

إنّ موضوع جمع القرآن من الموضوعات التي أُثيرت حولها الشبهات، ودُسَّت فيها الروايات، وتذرّع بها القائلون بالتحريف فزعموا أنّ في القرآن تحريفاً وتغييراً، وأنّ كيفية جمعه بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مستلزمةٌ في العادة لوقوع هذا التحريف والتغيير فيه، حيثُ إنّ العادة تقتضي فوات شيءٍ منه علي المتصدّي لذلك إذا كان غير معصوم. قال الرافعي: «ذهب جماعة من أهل الكلام ممّن لا صناعة لهم إلاّ الظنّ والتأويل واستخراج الاَساليب الجدلية من كلِّ حكمٍ ومن كلِّ قول إلي جواز أن يكون قد سقط عنهم من القرآن شيءٌ حملاً علي ماوصفوه من كيفية جمعه» [154] . إنّ امتداد زمان جمع القرآن إلي مابعد حروب اليمامة، كما نطقت به الروايات، وتضارب الاَخبار الواصفة لطريقة جمعه، أثارا الشبهة لدي الكثيرين، فعن الثوري أنّه قال: «بلغنا أنّ أُناساً من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم كانوا يقرأون القرآن، أُصيبوا يوم مسيلمة، فذهبت حروف من القرآن» [155] . إنّ حقيقة جمع القرآن في عهد الرسول الاَكرم صلي الله عليه وآله وسلم تُعدّ من الحقائق التاريخية الناصعة، التي لا تحتاج إلي مزيد من البحث والاستقصاء وإثارة الشبهات، وتعدّ أيضاً ضرورةً ثابتةً تاريخياً دامغةً لكلّ الاَقاويل والشبهات، ولكل مادُسّ من الاَخبار والروايات حول هذه المسألة. [ صفحه 87]

ادلة جمع القرآن في زمان الرسول

أجمع علماء الاِمامية علي أنّ القرآن كان مجموعاً علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأنّه صلي الله عليه وآله وسلم لم يترك دنياه إلي آخرته إلاّ بعد أن عارض مافي صدره بما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة، وبما في مصاحف الذين جمعوا القرآن في عهده صلي الله عليه وآله وسلم، وقد اعتُبِر ذلك بحكم ما علم ضرورة، ويوافقهم عليه جمعٌ كبيرٌ من علماء أهل السنة، وجميع الشواهد والاَدلة والروايات قائمةٌ علي ذلك، واليك بعضها: 1 ـ اهتمام النبي صلي الله عليه وآله وسلم والصحابة بحفظ القرآن وتعليمه وقراءته وتلاوة آياته بمجرد نزولها، وممّا روي من الحثّ علي حفظه، قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «من قرأ القرآن حتي يستظهره ويحفظه، أدخله الله الجنّة، وشفّعه في عشرة من أهل بيته كلّهم قد وجبت لهم النار» [156] وفي هذا المعني وحول تعليم القرآن أحاديث لا تحصي كثرة، فعن عبادة بن الصامت قال: «كان الرجل إذا هاجره دفعه النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي رجلٍ منّا يعلّمه القرآن، وكان لمسجد رسول الله ضجّة بتلاوة القرآن حتي أمرهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا» [157] . وقد ازداد عدد حُفّاظ القرآن بشكل ملحوظ لتوفر الدواعي لحفظه، [ صفحه 88] ولما فيه من الحثّ من لدن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والاَجر والثواب الذي يستحقّه الحافظ عند الله تعالي، والمنزلة الكبيرة والمكانة المرموقة التي يتمتّع بها بين الناس، وحسبك ما يقال عن كثرتهم علي عهد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وبعد عهده أن قُتِل منهم سبعون في غزوة بئر معونة خلال حياته صلي الله عليه وآله وسلم، وقُتل أربعمائة ـ وقيل: سبعمائة ـ منهم في حروب اليمامة عقيب وفاته صلي الله عليه وآله وسلم، وحسبك من كثرتهم أيضاً أنّه كان منهم سيّدة، وهي أمُّ ورقة بنت عبدالله ابن الحارث، وكان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يزورها ويسمّيها الشهيدة، وقد أمرها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن تؤمّ أهل دارها [158] . أمّا حفظ بعض السور فقد كان مشهوراً ورائجاً بين المسلمين، وكلّ قطعةٍ كان يحفظها جماعة كبيرة أقلّهم بالغون حدّ التواتر، وقلّ أن يخلو من ذلك رجلٌ أو أمرأةٌ منهم، وقد اشتدّ اهتمامهم بالحفظ حتي إنّ المسلمة قد تجعل مهرها تعليم سورة من القرآن أو أكثر. 2 ـ لا يرتاب أحدٌ أنّه كان من حول الرسول الاَكرم صلي الله عليه وآله وسلم كُتّاب يكتبون ما يملي عليهم من لسان الوحي، وكان صلي الله عليه وآله وسلم قد رتّبهم لذلك، روي الحاكم بسندٍ صحيح عن زيد بن ثابت، قال: «كنّا عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نؤلّف القرآن من الرقاع» [159] . وقد نصّ المؤرخون علي أسماء كُتّاب الوحي، وأنهاهم البعض إلي اثنين وأربعين رجلاً، وكان صلي الله عليه وآله وسلم كلّما نزل شيءٌ من القرآن أمر بكتابته لساعته، روي البراء: أنّه عند نزول قوله تعالي: (لا يستوي القاعدون من [ صفحه 89] المؤمنين) (النساء4: 95) قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «ادعُ لي زيداً، وقُل يجيء بالكتف والدواة واللّوح، ثمّ قال: اكتب (لا يستوي...)» [160] . وكان صلي الله عليه وآله وسلم يشرف بنفسه مباشرة علي ما يُكْتَب ويراقبه ويصحّحه بمجرد نزول الوحي، روي عن زيد بن ثابت قال: «كنتُ أكتب الوحي لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وكان إذا نزل عليه الوحي أخَذَتْهُ برحاء شديدة... فكنت أدخل عليه بقطعة الكتف أو كسرة، فأكتب وهو يُملي عليّ، فإذا فرغت قال: «اقرأه»، فأقرؤه، فإن كان فيه سقط أقامه، ثمّ أخرج إلي الناس» [161] . أمّا في مفرّقات الآيات فقد روي عن ابن عباس، قال: «إنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان إذا نزل عليه الشيء دعا من كان يكتب فيقول: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا» [162] وذلك منتهي الدقّة والضبط والكمال. 3 ـ روي في أحاديث صحيحة «أنّ جبرئيل كان يعارض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم القرآن في شهر رمضان، في كلِّ عامٍ مرّة، وأنّه عارضه عام وفاته مرّتين» [163] وكان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يعرض ما في صدره علي مافي صدور الحفظة الذين كانوا كثرة، وكان أصحاب المصاحف منهم يعرضون القرآن [ صفحه 90] علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فعن الذهبي: «أنّ الذين عرضوا القرآن علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم سبعة: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبدالله بن مسعود، وأُبي ابن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسي الاَشعري، وأبو الدرداء» [164] . وعن ابن قتيبة: «أنّ العرضة الاَخيرة كانت علي مصحف زيد بن ثابت» [165] ، وفي رواية ابن عبدالبرّ عن أبي ظبيان: «أنّ العرضة الأخيرة كانت علي مصحف عبدالله بن مسعود» [166] . 4 ـ وفي عديد من الروايات أنّ الصحابة كانوا يختمون القرآن من أوله إلي آخره، وكان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قد شرّع لهم أحكاماً في ذلك، وكان يحثّهم علي ختمه، فقد روي عنه صلي الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «إنّ لصاحب القرآن عند كلِّ ختم دعوةً مستجابةٍ» [167] وعنه صلي الله عليه وآله وسلم قال: «من قرأ القرآن في سبعٍ فذلك عمل المقربين، ومن قرأه في خمسٍ فذلك عمل الصدّيقين» [168] وعنه صلي الله عليه وآله وسلم قال: «من شهد فاتحة الكتاب حين يستفتح كان كمن شهد فتحاً في سبيل الله، ومن شهد خاتمته حين يختمه كان كمن شهد الغنائم» [169] . ومعني ذلك أنّ القرآن كان مجموعاً معروفاً أوّله من آخره علي عهد [ صفحه 91] رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فعن محمد بن كعب القرظي، قال: «كان ممّن يختم القرآن ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حيّ: عثمان، وعليّ، وعبدالله بن مسعود» [170] . وقال الطبرسي: «إنّ جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود وأُبي ابن كعب وغيرهما ختموا القرآن علي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم عدّة ختمات» [171] . وروي عنه صلي الله عليه وآله وسلم «أنّه قد أمر عبدالله بن عمرو بن العاص بأن يختم القرآن في كلِّ سبع ليالٍ ـ أو ثلاث ـ مرّة، وقد كان يختمه في كل ليلة» [172] وأمر النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم سعد بن المنذر أن يقرأ القرآن في ثلاث، فكان يقرؤه كذلك حتي تُوفي [173] . 5 ـ كان الصحابة يدوّنون القرآن في صحف وقراطيس ولا يكتفون بالحفظ والتلاوة، فلعلك قرأت ما روي في إسلام عمر بن الخطّاب «أنّ رجلاً من قريش قال له: اختك قد صبأت؛ أي خرجت عن دينك، فرجع إلي اخته ودخل عليها بيتها، ولطمها لطمة شجّ بها وجهها، فلمّا سكت عنه الغضب نظر فإذا صحيفةٌ في ناحية البيت، فيها (بسم الله الرحمن الرحيم - سبّح لله مافي السموات والاَرض وهو العزيز الحكيم...) (الحديد57: 1) واطّلع علي صحيفة أُخري فوجد فيها (بسم الله الرحمن الرحيم - طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي...) (طه20: 1) فأسلم بعدما وجد نفسه [ صفحه 92] بين يدي كلامٍ معجزٍ ليس من قول البشر» [174] ، وهذا يدلّ علي أنهم كانوا يكتبون بإملاء الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وأن هذا المكتوب كان يتناقله الناس. 6 ـ جمع القرآن طائفة من الصحابة علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، هم أربعة علي ما في رواية عبدالله بن عمرو، وأنس بن مالك [175] ، وقيل: خمسة كما في رواية محمد بن كعب القرظي [176] ، وقيل: ستة كما في رواية الشعبي [177] ، وكذا عدّهم ابن حبيب في (المحبّر) [178] ، وأنهاهم ابن النديم في (الفهرست) إلي سبعة [179] ، وليس المراد من الجمع هنا الحفظ، لاَنّ حفّاظ القرآن علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كانوا أكثر من أن تُحصي أسماؤهم في أربعة أو سبعة، كما تقدّم بيانه في الدليل الاَول، وفيما يلي قائمة بأسماء جُمّاع القرآن علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهي حصيلةٌ من جميع الروايات الواردة بهذا الشأن؛ وهم: 1 ـ أُبي بن كعب. 2 ـ أبو أيوب الاَنصاري. 3 ـ تميم الداري. 4 ـ أبو الدرداء. 5 ـ أبو زيد ثابت بن زيد بن النعمان. 6 ـ زيد بن ثابت. 7 ـ سالم [ صفحه 93] مولي أبي حذيفة. 8 ـ سعيد بن عبيد بن النعمان، وفي الفهرست: سعد. 9 ـ عبادة بن الصامت. 10 ـ عبدالله بن عمرو بن العاص. 11 ـ عبدالله بن مسعود. 12 ـ عبيد بن معاوية بن زيد. 13 ـ عثمان بن عفان. 14 ـ عليّ بن أبي طالب. 15 ـ قيس بن السكن. 16 ـ قيس بن أبي صعصعة بن زيد الانصاري. 17 ـ مجمع بن جارية. 18 ـ معاذ بن جبل بن أوس. 19 ـ أُمّ ورقة بنت عبدالله بن الحارث، وبعض هؤلاء كان لهم مصاحف مشهورة كعليّ عليه السلام وعبدالله بن مسعود. 7 ـ إطلاق لفظ الكتاب علي القرآن الكريم في كثيرٍ من آياته الكريمة، ولا يصحّ إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور، بل لابدّ أن يكون مكتوباً مجموعاً، وكذا ورد في الحديث عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي» [180] ، وهو دليلٌ علي أنّه صلي الله عليه وآله وسلم قد تركه مكتوباً في السطور علي هيئة كتاب. 8 ـ تفيد طائفة من الاَحاديث أنّ المصاحف كانت موجودة علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عند الصحابة، بعضها تامّ وبعضها ناقص، وكانوا يقرأونها ويتداولونها، وقرر لها الرسول الاَكرم صلي الله عليه وآله وسلم طائفةً من الاَحكام، منها: عن أوس الثقفي، قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة، وقراءته في المصحف تضاعف علي ذلك ألفي درجة» [181] . [ صفحه 94] وعن عائشة، عن رسولالله صلي الله عليه وآله وسلم قال: «النظر في المصحف عبادة» [182] . وعن ابن مسعود، عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: «أديموا النظر في المصحف» [183] . وعن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «أعطوا أعينكم حظّها من العبادة، قالوا: وما حظّها من العبادة، يا رسول الله؟ قال: النظر في المصحف، والتفكّر فيه، والاعتبار عند عجائبه» [184] . وقال صلي الله عليه وآله وسلم: «أفضل عبادة أُمّتي تلاوة القرآن نظراً» [185] . وقال صلي الله عليه وآله وسلم: «من قرأ القرآن نظراً مُتّع ببصره مادام في الدنيا» [186] وكلّ هذه الروايات تدلّ علي أنّ إطلاق لفظ المصحف علي الكتاب الكريم لم يكن متأخّراً إلي زمان الخلفاء، كما صرحت به بعض الروايات، بل كان القرآن مجموعاً في مصحف منذ عهد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. ونزيد علي ماتقدّم أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان لديه مصحف أيضاً، ففي حديث عثمان بن أبي العاص حين جاء وفد ثقيف إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال عثمان: «فدخلتُ علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فسألته مصحفاً كان عنده [ صفحه 95] فأعطانيه» [187] ، بل وترك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مصحفاً في بيته خلف فراشه ـ لاحسبما صرحت به بعض الروايات ـ مكتوباً في العسب والحرير والاَكتاف، وقد أمر عليّاً عليه السلام بأخذه وجمعه، قال الاِمام عليّ عليه السلام: «آليت بيمينٍ أن لا أرتدي برداء إلاّ إلي الصلاة حتّي أجمعه» [188] فجمعه عليه السلام، وكان مشتملاً علي التنزيل والتأويل، ومرتّباً وفق النزول علي ما مضي بيانه. وجميع ما تقدّم أدلّةٌ قاطعة وبراهين ساطعة علي أنّ القرآن قد كتب كله علي عهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم تدويناً في السطور علاوة علي حفظه في الصدور، وكان له أوّل وآخر، وكان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم يشرف بنفسه علي وضع كلّ شيءٍ في المكان الذي ينبغي أن يكون فيه، إذن فكيف يمكن أن يقال إنّ جمع القرآن قد تأخّر إلي زمان خلافة أبي بكر، وإنّه احتاج إلي شهادة شاهدين يشهدان أنّهما سمعاه من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ [ صفحه 97]

جمع القرآن في عهد أبي بكر و عمر

تتضارب الاَخبار حول جمع القرآن في هذه المرحلة حتي تكاد أن تكون متكاذبة، وفيما يلي نورد بعضها لنبيّن مدي تناقضها ومخالفتها للاَدلة التي ذكرناها آنفاً: 1 ـ عن زيد بن ثابت، قال: «أرسل إليِّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إنّ عمر أتاني، فقال: إنّ القتل استمرّ بقُرّاء القرآن، وإنّي أخشي أن يستمرّ القتل بالقُرّاء في المواطن، فيذهب كثيرٌ من القرآن، وإنّي أري أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ قال عمر: هو والله خير. فلم يزل يراجعني حتّي شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأي عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنّك شابّ عاقل، لا نتّهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فتتبّع القرآن فاجمعه ـ فو الله لو كلّفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ ممّا أمرني به من جمع القرآن ـ قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتّي شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر. فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الاَنصاري، لم أجدها مع غيره (لقد جاءكم رسول...) (التوبة 9: 128) حتّي خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتّي توفّاه الله، ثمّ عند عمر حياته، ثمّ عند حفصة بنت عمر» [189] . [ صفحه 98] 2 ـ وعن زيد بن ثابت أيضاً، قال: «قُبِضَ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء» [190] . 3 ـ ورُوي «أنّ أوّل من سمّي المصحف مصحفاً حين جمعه ورتّبه أبو بكر ـ وفي رواية: سالم مولي أبي حذيفة [191] ـ وكان مفرّقاً في الاَكتاف والرقاع. فقال لاَصحابه: التمسوا له اسماً. فقال بعضهم: سمّوه إنجيلاً، فكرهوه. وقال بعضهم: سمّوه السفر، فكرهوه من يهود. فقال عبدالله بن مسعود: رأيتُ للحبشة كتاباً يدعونه المصحف، فسمّوه به» [192] . 4 ـ وعن محمد بن سيرين: «قُتِل عمر ولم يجمع القرآن» [193] . 5 ـ وعن الحسن: «أنّ عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله، فقيل: كانت مع فلان، فقُتِل يوم اليمامة، فقال: إنّا لله، وأمر بالقرآن فجمع، فكان أوّل من جمعه في المصحف» [194] . هذه طائفةٌ من الروايات الواردة بهذا الخصوص، والملاحظ أنّ شبهة القول بالتحريف التي ذكرناها في أوّل بحث جمع القرآن مبتنيةٌ علي فرض صحّة أمثال هذه الروايات الواردة في كيفية جمع القرآن، والملاحظ أنّه [ صفحه 99] لايمكن الاعتماد علي شيءٍ منها، وقد اعترف محمد أبو زهرة بوجود رواياتٍ مدسوسةٍ فيها، والقاريء لهذه الروايات وسواها يتلمّس نقاط ضعفها علي الوجه التالي: 1 ـ اضطراب هذه الروايات وتناقضها، فصريح بعضها أنّ جمع القرآن في مصحف كان في زمان أبي بكر، والكاتب زيد، وأنّ آخر براءة لم توجد إلاّ مع خزيمة بن ثابت، فقال أبو بكر: «اكتبوها، فإنّ رسول الله قد جعل شهادته بشهادة رجلين» [195] ، وظاهر بعض هذه الروايات أنّ الجمع كان في زمان عمر، وأنّ الآتي بالآيتين خزيمة بن ثابت، والشاهد معه عثمان، وفي حديث آخر: «جاء رجلٌ من الاَنصار وقال عمر: لا أسألك عليها بيّنة أبداً، كذلك كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم» [196] وفي غيره: فقال زيد: من يشهد معك؟ قال خزيمة: لا والله ما أدري. فقال عمر: أنا أشهد معه» [197] وظاهر بعض هذه الروايات أيضاً أنّ الجمع تأخّر إلي زمان عثمان بن عفان. واضطربت الروايات في الذي تصدّي لمهمّة جمع القرآن زمن أبي بكر، ففي بعضها أنّه زيد بن ثابت، وفي أُخري أنّه أبو بكر نفسه وإنّما طلب من زيد أن ينظر فيما جمعه من الكتب، ويظهر من غيرها أنّ المتصدّي هو زيد وعمر، وفي أُخري أن نافع بن ظريب هو الذي كتب المصاحف لعمر» [198] . [ صفحه 100] 2 ـ لا تصحّ الرواية الثالثة؛ لاَنّ المصاحف واستحداث لفظها لم يكن في زمان أبي بكر، بل هي موجودة منذ زمان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، واستخدمت هذه المفردة لهذا المعني، وهو القرآن الذي بين الدفّتين، منذ فجر الرسالة كما تقدّم بيانه، وتقول هذه الرواية أنّ كلمة (مصحف) حبشيّة، بل هي عربية أصيلة، ولسان الحبشة لم يكن عربياً، ثمّ إنّهم لماذا تحيّروا في تسمية كتاب الله وهو تعالي سمّاه في محكم التنزيل قرآناً وفرقاناً وكتاباً. 3 ـ الملاحظ أنّ هذه الروايات تؤكّد علي أنّ جمع القرآن كان بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقد تقدّم بطلان ذلك؛ لاَنّه كان مؤلّفاً مجموعاً علي عهده صلي الله عليه وآله وسلم يقرأ بالمصاحف ويختم، وكان له كُتّاب مخصوصون يتولون كتابته وتأليفه بحضرة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وهو يشرف علي أعمالهم بنفسه، وكان لدي الصحابة مصاحف كثيرة شُرّعت فيها بعض السنن، وكانوا يعرضون علي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ما عندهم باستمرار، وكان كثير من الصحابة قد جمعوا القرآن في حياته صلي الله عليه وآله وسلم. 4 ـ هذه الروايات مخالفة لما أجمع عليه المسلمون قاطبةً من أنّ القرآن لا طريق لاِثباته إلاّ التواتر، فإنّها تقول إنّ إثبات بعض آيات القرآن حين الجمع كان منحصراً بشهادة شاهدين أو بشهادة رجلٍ واحدٍ، ويلزم من هذا أن يثبت القرآن بخبر الواحد أيضاً، وهي دعوي خطيرةٌ لا ريب في بطلانها، إذ القطع بتواتر القرآن سببٌ للقطع بكذب هذه الروايات أجمع وبوجوب طرحها وإنكارها؛ لاَنّها تثبت القرآن بغير التواتر، وقد ثبت بطلان ذلك بإجماع المسلمين، فهذه الروايات باطلة مادامت تخالف ما هو ثابت بالضرورة. [ صفحه 101] وإذا سلّمنا بصحة هذه الروايات، فإننا لا نشك في أنّ جمع زيد بن ثابت للمصحف كان خاصّاً للخليفة، لاَنّه لا يملك مصحفاً تاماً، لا لعموم المسلمين، لاَنّ الصحابة من ذوي المصاحف قد احتفظوا بمصاحفهم مع أنّها تختلف في ترتيبها عن المصحف الذي جمعه زيد، وكان أهل الاَمصار يقرأون بهذه المصاحف، فلو كان هذا المصحف عاماً لكلِّ المسلمين لماذا أمر أبو بكر زيداً وعُمَرَ بجمعه من اللخاف والعسب وصدور الرجال؟ وكان بإمكانه أخذه تاماً من عبدالله بن مسعود الذي كان يملي القرآن عن ظهر قلب في مسجد الكوفة، والذي قال عنه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: «إذا أردتم أن تأخذوا القرآن رطباً كما أُنزل، فخذوه من ابن أُمّ عبد ـ أي من عبدالله بن مسعود ـ» [199] والذي يروي عنه أنّه قال عندما طلب منه تسليم مصحفه أيام عثمان: «أخذت من في رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سبعين سورة، وإنّ زيد بن ثابت لذو ذؤابة يلعب مع الغلمان» [200] . وبإمكانه أن يأخذه تامّاً من الاِمام عليّ عليه السلام الذي استودعه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم القرآن، وطلب منه جمعه عقيب وفاته صلي الله عليه وآله وسلم، فجمعه وجاء به إليهم، فلم يقبلوه منه [201] ، وما من آيةٍ إلاّ وهي عنده بخطّ يده وإملاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قال أبو عبد الرحمن السلمي: «ما رأيت ابن أنثي أقرأ لكتاب الله تعالي من عليّ عليه السلام» [202] . وبإمكانه أن يأخذه من أُبي بن كعب الذي قال فيه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: [ صفحه 102] «أقرأهم أُبي بن كعب». أو قال: «أقرأ أُمّتي أُبي بن كعب» [203] أو يأخذه من الاَربعة الذين أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم الناس بأخذ القرآن عنهم، وهم: عبد الله بن مسعود، وسالم مولي أبي حذيفة، وأُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل [204] ، وكانوا أحياءً عند الجمع، أو يأخذه من ابن عباس حبر الاَُمّة وترجمان القرآن بلا خلاف. ولو سلّمنا أنّ جامع القرآن في مصحف هو أبو بكر في أيام خلافته، فلاينبغي الشكّ في أنّ كيفية الجمع المذكورة بثبوت القرآن بشهادة شاهدين مكذوبةٌ؛ لاَنّ جمع القرآن كان مستنداً إلي التواتر بين المسلمين، غاية الاَمر أنّ الجامع قد دوّن في المصحف ما كان محفوظاً في الصدور علي نحو التواتر. [ صفحه 103]

جمع القرآن في عهد عثمان

روي البخاري عن أنس: «أنّ حذيفة بن اليمان قدم علي عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرك الاَُمّة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصاري. فأرسل إلي حفصة: أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف، ثمّ نردّها إليك؛ فأرسلت بها حفصة إلي عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيءٍ من القرآن، فأكتبوه بلسان قريش، فإنّه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتّي إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردّ عثمان الصحف إلي حفصة، وأرسل إلي كلّ أُفقٍ بمصحف ممّا نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كلِّ صحيفةٍ ومصحفٍ أن يحرق. قال زيد: فقدت آية من الاَحزاب حين نسخنا المصحف، قد كنتُ أسمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الاَنصاري: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) (الاحزاب33: 23) فألحقناها في سورتها في المصحف» [205] . وهناك صور مختلفة وألفاظ شتّي لهذه الرواية، والملاحظ عليها جميعاً: [ صفحه 104] 1 ـ كيف تفقد آية من سورة الاَحزاب، وقد اعتمد عين الصحف المودعة عند حفصة، والكاتب في الزمانين هو زيد بن ثابت؟ وقد كانت النسخة المعتمدة أصلاً كاملة إلاّ آخر براءة ـ كما تقدم ـ فهل كان الجمع الاَوّل فاقداً لهذه الآية التي من الاَحزاب ولسواها؟ أم أنّهم لم يعتمدوا النسخة التي عند حفصة؟ وهل ليس ثمة مصاحف وحفّاظ لهذه الآية إلاّ رجل واحد؟! من هذه الرواية وسواها تسرب الشكّ وبرزت الشبهة للذين يحلو لهم القول بتحريف القرآن، وقد رأيت أنّ مستندهم ضعيفٌ متهافتٌ لا يمكن الاعتماد عليه، ولا أدري هل من قبيل المصادفة أنّ الآية تضيع في زمان أبي بكر وتوجد عند خزيمة بن ثابت، وتضيع غيرها في زمان عثمان وتوجد عند خزيمة أيضاً، فهل كان خزيمة معدوداً في الذين جمعوا القرآن، أو الذين أمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بأخذ القرآن عنهم؟ 2 ـ هذه الرواية ومثيلاتها مضطربةٌ في تعيين من تولي الكتابة لمصحف عثمان، وكذا الذي تولّي الاِملاء، فصريح بعض الروايات أنّ عثمان عيّن للكتابة زيداً وابن الزبير وسعيداً وعبدالرحمن، وصريح بعضها الآخر أنّه عيّن زيداً للكتابة، وسعيداً للاِملاء، وصريح بعضها أنّ المملي كان أُبي بن كعب، وأنّ سعيداً كان يعرب ما كتبه زيد، وفي بعضها أنّه عيّن رجلاً من ثقيف للكتابة، وعين رجلاً من هذيل للاِملاء، وعن مجاهد: «أنّ المملي أُبي بن كعب، والكاتب زيد بن ثابت، والذي يعربه سعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث» [206] . 3 ـ الملاحظ في جميع هذه الروايات، وكذا في الرواية المذكورة آنفاً، [ صفحه 105] أنّ زيد بن ثابت قد اعتمد رجلاً واحداً في الشهادة علي الآية، وهو أمر باطلٌ؛ لاَنّه مخالف لتواتر القرآن الثابت بالضرورة والاجماع بين المسلمين. ونحن لا نريد التشكيك في أنّ عثمان قد أرسل عدّة مصاحف إلي الآفاق، وقد جعل فيها عين القرآن المتواتر بين المسلمين إلي اليوم، ولكنّنا نخالف كيفية الجمع التي وصفتها الاَخبار ونكذّبها؛ لاَنّها تطعن بضرورة التواتر القاطع، ولا يشكّ أحد أنّ القرآن كان مجموعاً ومكتوباً علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومدوناً قبل عهد عثمان بزمنٍ طويل، غاية مافي الاَمر أنّ عثمان قد جمع الناس علي قراءةٍ واحدةٍ، وهي القراءة المتعارفة بينهم والمتواترة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ومنعهم من سائر القراءات الاَُخري التي توافق بعض لغات العرب، وأحرق سائر المصاحف التي تخالف القراءة المتواترة، وكتب إلي الاَمصار أن يحرقوا ما عندهم منها، ونهي المسلمين عن الاختلاف في القراءة. قال الحارث المحاسبي: «المشهور عند الناس أنّ جامع القرآن عثمان، وليس كذلك، إنّما حمل عثمان الناس علي القراءة بوجهٍ واحدٍ، علي اختيارٍ وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والانصار، لمّا خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات» [207] . ولم ينتقد أحدٌ من المسلمين عثمان علي جمعه المسلمين علي قراءةٍ واحدةٍ؛ لاَنّ اختلاف القراءة يؤدّي إلي اختلاف بين المسلمين لا تحمد عقباه، وإلي تمزيق صفوفهم وتفريق وحدتهم وتكفير بعضهم بعضاً، غاية [ صفحه 106] ما قيل فيه هو إحراقه بقية المصاحف حتي سمّوه: حَرّاق المصاحف، حيث أصرّ البعض علي عدم تسليم مصاحفهم كابن مسعود. وقد نقل في كتب أهل السنة تأييد أمير المؤمنين الامام عليّ عليه السلام لما فعله عثمان من جمع المسلمين علي قراءةٍ واحدةٍ، حيث أخرج ابن أبي داود في (المصاحف) عن سويد بن غفلة قال: قال عليّ رضي الله عنه: «لا تقولوا في عثمان إلاّ خيراً، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاّ عن ملاٍَ منّا؛ قال: ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أنّ بعضهم يقول: إنّ قراءتي خيرٌ من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفراً. قلنا: فما تري؟ قال: أري أن يُجْمَع الناس علي مصحف واحد، فلا تكون خرقة ولااختلاف». قلنا: فنعم ما رأيت [208] . وروي أنّه عليه السلام قال: «لو وليّت لعملت بالمصاحف التي عمل بها عثمان» [209] ،وبعد تأييد أمير المؤمنين عليه السلام وخيار الصحابة المعاصرين لهذا العمل، بدأ التحوّل تدريجياً إلي المصاحف التي بعث بها عثمان إلي الآفاق، فاحتلّت مكانها الطبيعي، وأخذت بأزمّة القلوب، وبدأت بقيّة المصاحف التي تخالفها في الترتيب أو التي كُتِب فيها التأويل والتفسير وبعض الحديث والدعاء تنحسر بمرور الاَيام، أو تصير طعمة للنار، حتّي أصبحت أثراً بعد عين، وحفظ القرآن العزيز عن أن يتطّرق إليه أيّ لبس. [ صفحه 107]

الخاتمة

لقد تبيّن من ثنايا البحث أنّ جميع المزاعم التي تذرّع بها المتربصون بالاِسلام للقول بتحريف القرآن الكريم والكيد بكتاب الله العزيز الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي تكفلت العناية الربانيّة بحفظه وصيانته، قد ذهبت أدراج الرياح، وما هي إلاّ كرمادٍ بقيعةٍ اشتدّت به الريح في يومٍ عاصفٍ، من خلال الاَدّلة الحاسمة التي ذكرناها والتي تؤكّد عدم وقوع التحريف في الكتاب الكريم، وأنّه بقي وسوف يبقي بإذن الله مصوناً من كلِّ ما يوجب الشكّ والريب. فقد وقف علماء الشيعة وعلماء أهل السنة عموماً من روايات التحريف موقفاً سلبياً، ورفضوا القول بمضمونها وفنّدوه بما لا مزيد عليه، ورأوا في هذه الاَخبار أنّها أخبار آحاد لا يمكن الاعتماد عليها في أمر يمسّ العقيدة التي لابدّ فيها من الاَدلّة القاطعة والبراهين الساطعة، ولاتكفي فيها الظنون ولا أخبار الآحاد. هذا بالاضافة إلي وجوه ضعف أُخري تعاني منها هذه الاَخبار، سواء من حيث دلالتها، أو من حيث ظروف صدورها، أو من حيث مرامي وأهداف وتوجّهات من صدرت عنهم. وفيما يلي نبين بعض أقوال علماء المسلمين التي تؤيد إجماع كلمة أهل الاِسلام علي نفي القول بوقوع التحريف في القرآن الكريم، وهذه الاَقوال وسواها تقطع الطريق أمام كلّ محاولات الاَعداء المغرضين [ صفحه 108] والحاقدين ومن عداهم من السذّج والمغفّلين: 1 ـ الشيخ محمد محمد المدني عميد كلية الشريعة في الجامع الاَزهر: «أما أنّ الاِمامية يعتقدون نقص القرآن، فمعاذ الله، وإنّما هي روايات رويت في كتبهم، كما روي مثلها في كتبنا، وأهل التحقيق من الفريقين قد زيّفوها، وبينوا بطلانها، وليس في الشيعة الاِمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك، كما أنّه ليس في االسنة من يعتقده، ويستطيع من شاء أن يرجع إلي مثل كتاب (الاتقان) للسيوطي السُنّي ليري فيه أمثال هذه الروايات التي نضرب عنها صفحاً، أفيقال إنّ أهل السنة ينكرون قداسة القرآن، أو يعتقدون نقص القرآن لروايةٍ رواها فلان، أو لكتابٍ ألّفه فلان» [210] . 2 ـ الاِمام المحقق رحمة الله الهندي: «إنّ المذهب المحقّق عند علماء الفرقة الاِمامية الاَثني عشرية أنّ القرآن الذي أنزله الله علي نبيّه هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، وأنّه كان مجموعاً مؤلّفاً في عهده صلي الله عليه وآله وسلم وحَفَظه ونَقَله أُلوفٌ من الصحابة» [211] . 3 ـ الدكتور محمد التيجاني السماوي: «لو جبنا بلاد المسلمين شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً وفي كل بقاع الدنيا، فسوف نجد نفس القرآن بدون زيادة ولا نقصان، وإن اختلف المسلمون إلي مذاهب وفرق وملل ونحل، فالقرآن هو الحافز الوحيد الذي يجمعهم، ولا يختلف فيه من الاَُمّة اثنان» [212] . [ صفحه 109] 4 ـ السيد عليّ الميلاني: «إنّ المعروف من مذهب أهل السنة هو نفي التحريف عن القرآن الشريف، وبذلك صرّحوا في تفاسيرهم وكتبهم في علوم القرآن» [213] . 5 ـ السيد جعفر مرتضي العاملي: «إنّنا لا يجب أن ننسي الجهد الذي بذله أهل السنة لتنزيه القرآن عن التحريف، وحاولوا توجيه تلكم الاَحاديث بمختلف الوجوه التي اهتدوا إليها» [214] . وغيرها من الشهادات الضافية التي لو ذكرناها جميعاً لطال بنا المقام، وجميعها تؤكّد أنّه ليس من أمرٍ أتّفقت عليه كلمة المسلمين مثلما اتّفقت علي تنزيه كتاب الله العزيز من كلِّ ما يثير الشكّ والريب قال تعالي: (لايأتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَينِ يَديهِ وَلا مِنْ خَلفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَميدٍ) [215] . وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين

پاورقي

[1] الكشاف 3: 146.
[2] التبيان للطوسي 1: 24، الاِتقان للسيوطي 4: 210.
[3] التبيان للطوسي 1: 4.
[4] المائدة 5: 6.
[5] توجد أنحاء أُخر من التحريف راجعة ـ بشكل أو بآخر ـ إلي ما ذكرناه. أُنظر: البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي: 215.
[6] تاريخ القرآن للصغير: 94 عن كتاب: المدخل إلي القرآن لمحمد عبدالله دراز: 39 ـ 40.
[7] تاريخ القرآن للصغير: 93.
[8] القرآن نزوله، تدوينه، ترجمته وتأثيره لبلاشير: 37.
[9] مجمع البيان 10: 600. [
[10] هذا الحديث متواتر مشهور، رواه الحفّاظ والمحدّثون عن نحو ثلاثين صحابياً، وللحافظ ابن القيسراني(448 ـ 507 هـ) كتاب في طرق هذا الحديث، وقد بحث السيد علي الميلاني هذا الحديث سنداً ودلالة في ثلاثة أجزاء من كتابه (نفحات الازهار في خلاصة عبقات الاَنوار في إمامة الاَئمة الاَطهار)، وأُنظر أهل البيت في المكتبة العربية رقم 298 للسيد عبدالعزيز الطباطبائي رضي الله عنه.
[11] الكافي 1: 69 : 5.
[12] الوسائل 27: 118 : 62،333 تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام.
[13] أورده السيد محسن البغدادي في (شرح الوافية) عن المحقق الكركي، أُنظر البرهان، للميرزا مهدي البروجردي: 116 ـ 117.
[14] الفصول المهمة ـ للسيد شرف الدين: 166.
[15] آلاء الرحمن 1: 29، المقدمة.
[16] البيان في تفسير القرآن: 234.
[17] كشف الغطاء: 298.
[18] أجوبة المسائل المهناوية: 121.
[19] الدرّ المنثور 4: 179.
[20] تفسير الطبري 11: 7، الدر المنثور 4: 268.
[21] نهج البلاغة ـ صبحي الصالح: 57 الخطبة 15.
[22] الاعتقادات: 93.
[23] أوائل المقالات: 55.
[24] روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: «اقرءوا كما عُلّمتم...»، وقال عليه السلام: «اقرءُوا كما يقرأ الناس».
[25] المسائل السروية: 83 تحقيق الاستاذ صائب عبدالحميد.
[26] مجمع البيان 1: 83.
[27] الفصل في الملل والنحل 4: 182.
[28] التبيان 1: 3.
[29] مجمع البيان 1: 83.
[30] أجوبة المسائل المهناوية: 121.
[31] آلاء الرحمن 1: 26.
[32] كشف الغطاء: 229.
[33] البرهان للبروجردي: 120.
[34] آلاء الرحمن 1: 18.
[35] .
[36] أصل الشيعة وأُصولها: 101 ـ 102 ط15.
[37] عبدالحسين شرف الدين : أجوبة مسائل جار الله: أُنظر ص 28 ـ 37.
[38] البيان في تفسير القرآن: 200.
[39] البيان في تفسير القرآن: 259.
[40] تهذيب الأصول 2: 165.
[41] أجوبة مسائل جار الله ـ المسألة الرابعة: 31 ـ 37.
[42] الحجر15: 9.
[43] الكافي 8: 125 : 95.
[44] بحار الانوار 45: 8.
[45] الكافي 8: 53 : 16.
[46] الكافي 1: 417 : 26.
[47] الكافي 1: 417/ 27 وصدر الآية من سورة النساء 4: 47 هكذا (يا أيها الذين أمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم...) وأما آخرها (نور مبيناً) فهو في نفس السورة آية: 147 هكذا (يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم و أنزلنا إليكم نوراً مبينا) ولعله سقط من الخبر شيء.
[48] الوافي 2: 273.
[49] آلاء الرحمن 1: 26.
[50] البيان في تفسير القرآن: 230.
[51] الكافي 1: 286 : 1.
[52] الكافي 2: 627 : 2.
[53] تفسير العياشي 1: 13 : 4.
[54] تفسير العياشي 1: 13 : 6.
[55] الكافي 1: 228 : 1، بصائر الدرجات: 213 : 2.
[56] الكافي 1: 228 : 2، بصائر الدرجات: 213 : 1.
[57] أُنظر مجمع الرجال 4: 257 و 6: 139، رجال ابن داود: 281 : 516.
[58] أُنظر مجمع الرجال 4: 257 و 6: 139، رجال ابن داود: 281 : 516.
[59] التحقيق في نفي التحريف: 62.
[60] شرح الصحيفة السجادية: 401.
[61] تفسير العياشي 1: 12 : 10.
[62] الكافي 2: 631 : 16.
[63] ثواب الاَعمال: 100.
[64] الكافي 8: 200.
[65] الكافي 8: 50 : 11.
[66] الكافي 2: 630 : 13.
[67] الكافي 2: 630 : 12.
[68] الكافي 2: 633 : 23.
[69] أُنظر: شرح ابن أبي الحديد 1: 27، الاتقان 1: 204، أنساب الاشراف 1: 587، الطبقات الكبري 2: 338، مناهل العرفان 1: 247، كنز العمال 2: 588 : 4792.
[70] الاعتقادات: 93.
[71] أوائل المقالات: 55.
[72] البيان في تفسير القرآن: 223.
[73] ارشاد المفيد 2: 386 تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام، روضة الواعظين: 265.
[74] غيبة النعماني: 318 و 319.
[75] الكافي 2: 633 : 23.
[76] الفقيه 1: 203 : 609.
[77] البيان في تفسير القرآن: 221.
[78] تفسير الميزان 12: 120.
[79] مجمع البيان 1: 83.
[80] الفقه علي المذاهب الاَربعة 4: 260.
[81] الفرقان: 163.
[82] النسخ في القرآن 1: 283.
[83] لاَكون مع الصادقين: 168 ـ 176.
[84] التحقيق في نفي التحريف: 312.
[85] تفسير المنار 2: 104 ـ 105.
[86] أُنظر: كنز العمال 1: 198 : 1002. نظرية عدالة الصحابة: 20. الاِمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الاِمامية: 463 ـ 514 لسان الميزان 2: 117، 118، 137، 138، ميزان الاعتدال 1: 413.
[87] صحيح البخاري 9: 90 : 26 ـ 29، صحيح مسلم 1: 81 : 118 ـ 120 و 4: 1796 : 32، مسند أحمد 5: 37 و 44 و 49 و 73، سنن الترمذي 4: 486 : 2193، سنن أبي داود 4: 221 : 4686. والآية من سورة آل عمران 3: 144.
[88] التحقيق في نفي التحريف: 342.
[89] اعجاز القرآن: 44.
[90] محاضرات الراغب 2: 4 : 434.
[91] الاتقان 3: 82، مسند أحمد 5: 132، المستدرك 4: 359، السنن الكبري 8: 211، تفسير القرطبي 14: 113، الكشاف 3: 518، مناهل العرفان 2: 111، الدر المنثور 6: 559.
[92] الدر المنثور 6: 559.
[93] صحيح مسلم 2: 726 : 1050.
[94] مقدمتان في علوم القرآن: 85 ـ 88.
[95] مسند أحمد 5: 219.
[96] مناهل العرفان 1: 257، روح المعاني 1: 25.
[97] مناهل العرفان 1: 264.
[98] السنن الكبري 2: 210، المصنف لعبد الرزاق 3: 212.
[99] المستدرك 4: 359 و 360، مسند أحمد 1: 23 و 29 و 36 و 40 و 50، طبقات ابن سعد 3: 334، سنن الدارمي 2: 179. [
[100] الاتقان 3: 206.
[101] البرهان للزركشي 2: 43.
[102] الناسخ والمنسوخ: 8.
[103] الاتقان 3: 84، كنز العمال 2: 567حديث : 4741.
[104] صحيح مسلم 2: 1075:1452، سنن الترمذي 3: 456، المصنف للصنعاني 7: 467و 470.
[105] مشكل الآثار 3: 6 ـ 8، الناسخ والمنسوخ: 10 ـ 11، أُصول السرخسي 2: 78، فتح المنان: 223 ـ 230، التمهيد في علوم القرآن 2: 282، الفقه علي المذاهب الاربعة 4: 258 ـ 260.
[106] الناسخ والمنسوخ: 10 ـ 11.
[107] مشكل الآثار 3: 7 ـ 8.
[108] تفسير المنار 4: 472.
[109] مسند أحمد 6: 269، المحلّي 11: 235، سنن ابن ماجة 1: 625، الجامع لاَحكام القرآن 14: 113.
[110] أُصول السرخسي 2: 79.
[111] جامع بيان العلم 2: 105.
[112] الاتقان 3: 82.
[113] المصنف لعبد الرزاق 2: 484.
[114] المستدرك 1: 214.
[115] الاتقان 1: 242.
[116] ميزان الاعتدال 3: 639.
[117] الموافقات للشاطبي 3: 106.
[118] مباحث في علوم القرآن: 237.
[119] إظهار الحق 2: 90.
[120] الاحكام للآمدي 3: 139، أُصول السرخسي 2: 67، لذا لا تصحّ دعوي نسخ التلاوة مع بقاء الحكم أو بدونه، حتّي لو ادّعي التواتر في أخبار النسخ، فضلاً عن كونها أخبار آحاد ضعيفة الاسناد واهية المتن كما تقدّم. 4 ـ أنكر بعض المعتزلة وعامة علماء الاِمامية وأعلامهم الضربين **صفحه=73
[121] البرهان في علوم القرآن 2: 47.
[122] البرهان في علوم القرآن 2: 43.
[123] مناهل العرفان 2: 112.
[124] التحقيق في نفي التحريف: 279، صيانة القرآن من التحريف: 30.
[125] مباحث في علوم القرآن: 265.
[126] فتح المنان: 229.
[127] الفقه علي المذاهب الاَربعة 4: 260.
[128] الفرقان: 157.
[129] الاتقان 2: 320، 321.
[130] تاريخ القرآن الكردي: 65، التفسير الكبير 11: 105، تفسير النيسابوري 6: 23 المطبوع في هامش تفسير الطبري، تفسير الخازن 1: 422.
[131] روح المعاني 6: 13.
[132] أُنظر وفيات الاعيان 1: 319، ميزان الاعتدال 3: 93، المغني في الضعفاء 2: 84، الضعفاء الكبير 3: 373، طبقات ابن سعد 5: 287، تهذيب الكمال 7: 263.
[133] الاتقان 2: 327، لباب التأويل 3: 324، فتح الباري 11: 7.
[134] التفسير الكبير 23: 196.
[135] البحر المحيط 6: 445.
[136] الاتقان 2: 320.
[137] الكتاب 1: 288 ـ 291.
[138] روح المعاني 6: 13.
[139] معاني القرآن 1: 310، مجمع البيان 3: 346، صيانة القرآن من التحريف: 183.
[140] تفسير المنار 6: 478.
[141] الكشاف 3: 72.
[142] التفسير الكبير 22: 75.
[143] الفرقان: 50.
[144] المصاحف: 49.
[145] أُنظر المغني 2: 326 : 3037.
[146] البيان في تفسير القرآن: 219.
[147] مسند أحمد 5: 129، الآثار 1: 33، التفسير الكبير 1: 213، مناهل العرفان 1: 268، الفقه علي المذاهب الاَربعة 4: 258، مجمع الزوائد 7: 149.
[148] الجامع لاحكام القرآن 20: 251، الفهرست لابن النديم: 29، المحاضرات 2: 4 : 434، البحر الزخّار 249.
[149] التفسير الكبير 1: 213، فواتح الرحموت بهامش المستصفي 2: 9، الاتقان 1: 79، البحر الزخّار 2: 249، المحلّي 1: 13.
[150] اعجاز القرآن بهامش الاتقان 2: 194.
[151] أُنظر البرهان للزركشي 2: 128، شرح الشفاء للقاري 2: 315، فواتح الرحموت 2: 9، مناهل العرفان 1: 269، المحلي 1: 13.
[152] شرح الشفاء 2: 315، مناهل العرفان 1: 269.
[153] المستدرك 2: 611.
[154] اعجاز القرآن: 41.
[155] الدر المنثور 5: 179.
[156] مجمع البيان 1: 85.
[157] مناهل العرفان 1: 234، مسند أحمد 5: 324، تاريخ القرآن للصغير: 80، مباحث في علوم القرآن: 121، حياة الصحابة 3: 260، مستدرك الحاكم 3: 356.
[158] الاتقان 1: 250.
[159] المستدرك 2: 611.
[160] كنز العمال 2: حديث 4340.
[161] مجمع الزوائد 1: 152.
[162] المستدرك 2: 222، الجامع الصحيح للترمذي 5: 272، تاريخ اليعقوبي 2: 43، البرهان للزركشي 1: 304، مسند أحمد 1: 57 و 69، تفسير القرطبي 1: 60.
[163] كنز العمال 12: حديث 34214، مجمع الزوائد 9: 23، صحيح البخاري 6: 319.
[164] البرهان للزركشي 1: 306.
[165] المعارف: 260.
[166] الاستيعاب 3: 992.
[167] كنز العمال 1: 513حديث 2280.
[168] كنز العمال 1: 538حديث 2417.
[169] كنز العمال 1: 524حديث 2430.
[170] الجامع لاَحكام القرآن 1: 58.
[171] مجمع البيان 1: 84.
[172] سنن الدارمي 2: 471، سنن أبي داود 2: 54، الجامع الصحيح للترمذي 5: 196، مسند أحمد 2: 163.
[173] مجمع الزوائد 7: 171.
[174] الموسوعة القرآنية 1: 352.
[175] مناهل العرفان 1: 236، الجامع لاَحكام القرآن 1: 56، أُسد الغابة 4: 216، الجامع الصحيح 5: 666.
[176] طبقات ابن سعد 2: قسم 2 : 113، فتح الباري 9: 48، مناهل العرفان 1: 237، حياة الصحابة 3: 221.
[177] طبقات ابن سعد 2: قسم 2 : 112، البرهان للزركشي 1: 305، الاصابة 2: 50، مجمع الزوائد 9: 312.
[178] المحبر: 286.
[179] الفهرست: 41.
[180] صحيح مسلم 4: 1873، سنن الترمذي 5: 662، سنن الدارمي 2: 431، مسند أحمد 4: 367 و 371 و 5: 182، المستدرك 3: 148.
[181] مجمع الزوائد 7: 165، البرهان للزركشي 1: 545.
[182] البرهان للزركشي 1: 546.
[183] مجمع الزوائد 7: 171.
[184] كنز العمال 1: حديث 2262.
[185] كنز العمال 1: حديث 2265 و 2358 و 2359.
[186] كنز العمال 1: حديث 2407.
[187] مجمع الزوائد 9: 371، حياة الصحابة 3: 244.
[188] كنز العمال 2: حديث 4792.
[189] صحيح البخاري 6: 314 : 8.
[190] الاتقان 1: 202.
[191] الاتقان 1: 205.
[192] مستدرك الحاكم 3: 656، تهذيب تاريخ دمشق 4: 69، محاضرات الادباء مجلد 2 ج4 ص 433، فتح الباري 9: 13، تاريخ الخلفاء: 77، مآثر الانافة 1: 85، البرهان للزركشي 1: 281، التمهيد في علوم القرآن 1: 246، المصاحف: 11 ـ 14.
[193] طبقات ابن سعد 3: 211، تاريخ الخلفاء: 44.
[194] الاتقان 1: 204.
[195] الاتقان 1: 206.
[196] كنز العمال 2: ح 4397.
[197] كنز العمال 2: ح 4764.
[198] أُنظر منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 2: 43 ـ 52، وأُسد الغابة: ترجمة نافع بن ظريب.
[199] مستدرك الحاكم 3: 318، مجمع الزوائد 9: 287، مسند أحمد 1: 445.
[200] الاستيعاب 3: 993.
[201] الاحتجاج 1: 383، البحار 92: 40.
[202] الغدير 6: 308 عن مفتاح السعادة 1: 351، وطبقات القراء 1: 546.
[203] الاستيعاب 1: 49، أُسد الغابة 1: 49، الجامع الصحيح 5: 665، الجامع لاحكام القرآن 1: 82، مشكل الآثار 1: 350.
[204] صحيح البخاري 5: 117 : 294، مجمع الزوائد 9: 311.
[205] صحيح البخاري 6: 315 : 9.
[206] أُنظر منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 2: 43 ـ 52.
[207] الاتقان 1: 211.
[208] فتح الباري 9: 15.
[209] البرهان للزركشي 1: 302.
[210] مجلة رسالة الاِسلام ـ القاهرة السنة 11 العدد 44 ص 382 ـ 385.
[211] الفصول المهمة: 164 ـ 166.
[212] لاَكون مع الصادقين 168 ـ 176.
[213] التحقيق في نفي التحريف: 138.
[214] حقائق هامة: 34.
[215] فصلت 41: 42.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.