مولف:مجمع العالمي لاهل البيت
إن ظاهرة زيارة القبور والاهتمام بالموتي من الظواهر المتكررة في تاريخ المجتمعات البشرية. والمتتبع لها سيجد أنها لا تختص بالمجتمع الديني ولا بالمسلمين، بل هي موضع اهتمام المجتمعات علي اختلاف مشاربها ومعتقداتها. إن الميل الذي يدفع بالإنسان نحو احترام الموتي والاهتمام بزيارة القبور إنّما هو ناجم عن وفرة ما تمنحه هذه الظاهرة من معطيات إيجابية علي الصعيد الإنسانيوالاجتماعي، لذا كانت موضع عناية لدي الشعوب. والشارع المقدس قد لفت نظر المسلمين الي أهمية زيارة القبور فندب إليها في أكثر من موضع، وذلك لتحقيق جملة من الأغراض التربوية التي تعود بالفائدة الي الفرد والمجتمع الإنساني معاً. ونلخص بعض هذه الفوائد كما يلي:
تشكل زيارة القبور وسيلة للاتّعاظ والعبرة، حيث يدرك الزائر للقبور بأن مصيره مهما طال فهو إلي الفناء، وهذا الشعور بنفسه يكون رادعاً عن تماديه في الرذيلة، ولذا ركّز الحديث الوارد عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي هذه الفائدة للزيارة، حيث ورد قوله (صلي الله عليه وآله): «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّ فيها عبرة» [1] . ولا تقتصر العبرة من زيارة القبور علي زيارة قبور الأولياء والصالحين من عباده فحسب، بل نجد القرآن الكريم يرشدنا الي مواطن العبرة حتي بالنسبة لقبور الجبابرة والطواغيت، إذ في زيارتها كمال العبرة والاتّعاظ، قال تعالي بالنسبة لفرعون: (فاليوم ننجّيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون) [2] . فشاء الله أن يجعل جسد فرعون الطاغي جثّة هامدة لا حراك فيها بعد أن ملك القدرات في مختلف أنواعها وظن قومه أنه لا يموت. فالآية ذات دعوة صريحة لبني اسرائيل والأجيال اللاحقة لزيارة قبر فرعون ليشاهدوا المصير الذي انتهي إليه فرعون، وينتهي إليه
أمثاله. قال الزمخشري في تفسيره: وإنّه مع ما كان فيه من عظم الشأن وكبرياء الملك آل أمره الي ما ترون; لعصيانه ربّه عزّ وجل، فما الظن بغيره؟ أو لتكون عبرة تعتبر بها الاُمم بعدك،فلا يجترئوا علي نحو ما اجترأت عليه إذا سمعوا بحالك وبهوانك علي الله [3] . إذاً فالحكمة من ابقاء بدن فرعون هي لغرض زيارته والزيارة بدورها تعطي العبرة والاتّعاظ.
تساهم زيارة القبور في تعميق الاعتقاد باليوم الآخر الذي هو أصل من اُصول الدين، فإذا آمن الإنسان بأن وراءه يوماً يُسئل فيه عما فعل وأنه لم يخلق عبثاً، فهذا الشعور العميق باليوم الآخر يجعل الإنسان ذا قصد في فعله فيتجنب فعل الشر والإفساد ويتجه نحو فعل الخير الذي هدفه الاصلاح. فتكون الزيارة للقبور هنا وسيلة لتربية الإنسان المسلم علي أن يكون ذا قصد إيجابي في فعله، كما أنها ترسخ الاعتقاد بالآخرة والكف عن الحرص للوصول الي متطلبات الدنيا الفانية ولو بالطرق اللامشروعة، ولهذه الفائدة أشير في حديث روي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو: «كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وتذكّر الآخرة» [4] .
تؤدي زيارة القبور الي تنمية مشاعر الخير وحب الفضيلة، فقد ورد النص عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه قال: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ليزيدكم زيارتها خيراً» [5] . وفي حديث آخر: «... فزوروها فإنّه يرق القلب وتدمع العين وتذكّر الآخرة ولا تقولوا هجراً» [6] . فالبكاء الناشئ من الحبّ لله ينمي الصلة الطيبة بين الإنسان الحي والإنسان الميت وصلة الإنسان الفرد بالمجتمع، فيحدث الوئام والتراحم والتعاطف والمحبة والبرّ بين الناس، فتعطي الحقوق وتؤدّي الأمانات. هذه بعض الفوائد التي تؤديها زيارة القبور، لكن الذي نريد أن نبحثه في هذه المسألة هو مشروعية زيارة القبور ومدي صلتها بالعقيدة من خلال آراء ومواقف علماء المذاهب الإسلامية في هذا الحقل، لذا سيتوجه البحث عن هذه المشروعية ضمن عدة اُمور:
الزيارة في اللغة: هي القصد والملاقات، و (زاره) (زيارةً) و (زوراً) بمعني قصده، فهو زائر [7] . والزور (الزائر) وهو الذي يزورك يقال: رجل زور، وفي الحديث أن لزورك عليك حقاً، وهو في الأصل مصدر وضع موضع الاسم، كصوم ونوم، بمعني صائم ونائم [8] . والتزوير: أن يكرم المَزورُ زائره ويعرف له حق زيارته [9] . والمزار موضع الزيارة. والمفهوم العرفي للزيارة هو قصد المزور إكراماً له، واستئناساً به [10] .
لقد نهي الله سبحانه وتعالي نبيّه محمداً (صلي الله عليه وآله) عن الصلاة علي جنازة المنافق والقيام علي قبره بقوله تعالي: (ولا تصلّ علي أحد منهم مات أبداً ولا تقم علي قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) [11] . ولسائل أن يسأل ما معني: لا تقم علي قبره؟ هل هو القيام وقت الدفن فقط أو القيام وقت الدفن وغيره؟ والجواب: أن الآية تتشكل من جملتين: الاُولي قوله: (لا تصلّ علي أحد منهم مات أبداً) وقوله: (ولا تقم علي قبره) هذه الجملة الثانية معطوفة علي الجملة السابقة، وكل ما ثبت للمعطوف عليه يثبت للمعطوف أيضاً. وقد قيّد المعطوف عليه بقيد هو «أبداً». وهذا يستلزم أن يكون هذا القيد للمعطوف أيضاً. ويكون المعني لا تقم علي قبر أحد منهم أبداً، كما كان بالنسبة للصلاة. ولفظة (أبداً) المقدرة في الجملة الثانية حينئذ تفيد امكانية تكرار هذا العمل، ويستنتج من ذلك أن القيام علي القبر أيضاً لا يختص بوقت الدفن. لكن قد يعترض أحد فيقول: إن لفظة (أبداً) المقدرة في الجملة الثانية معناها الاستغراق الافرادي. والجواب: أن لفظة (أحد) للاستغراق الافرادي لا لفظة (أبداً) لأنها للاستغراق الأزماني. فتحصل أن الله ينهي نبيّه (صلي الله عليه
وآله) عن مطلق الاستغفار والترحّم علي المنافق سواءً كان بعد الصلاة أو مطلق الدعاء، وينهي عن مطلق القيام علي القبر سواءً كان زمن الدفن أو بعده. ومفهوم ذلك هو أن هذين الأمرين، الصلاة والقيام علي القبر، يجوزان في حق المؤمن، ولا يجوزان في حق المنافق. وعليه يثبت جواز زيارة قبر المؤمن وجواز قراءة القرآن علي روحه حتي بعد مئات السنين [12] .
أما الروايات التي حثّت علي زيارة القبور والدعاء لأهلها أو التقرب الي الله عن طريق الزيارة فهي علي طائفتين:
1 _ ما روي عن أبي هريرة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه قال: «ما من رجل يزور قبر حميمه فيسلّم عليه ويقعد عنده إلاّ ردّ عليه السلام وأنس به، حتّي يقوم من عنده» [13] . 2 _ ما روي عن أبي هريرة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه قال: «ما من رجل يمر بقبر كان يعرفه في الدنيا فيسلّم عليه إلاّ عرفه وردّ عليه السلام» [14] . 3 _ وعن أبي هريرة أيضاً: أن النبي (صلي الله عليه وآله) أتي المقبرة، فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون» [15] . 4 _ وجاء عن بريدة أنه قال: كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يعلمهم إذا خرجوا الي المقابر أن يقول قائلهم: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء الله بكم لا حقون، نسأل الله لنا ولكم العافية» [16] . 5 _ وعن عائشة أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال: «أمرني ربي أن آتي البقيع فاستغفر لهم، قلت: كيف أقول يا رسول الله؟ قال، قولي: (السلام علي أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون» [17] .
تشير هذه الطائفة الي ندبية زيارة القبور بعد النهي عنها بالاضافة الي ذكر علّتها وغرض الشارع من سنّه هذه العبادة. 1 _ عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تزهّد في الدنيا وتذكّر الآخرة» [18] . 2 _ زار النبي (صلي الله عليه وآله) قبر اُمه فبكي وأبكي من حوله... ثمّ قال: «استأذنت ربي في أن
أزور قبرها، فأذن لي، فزوروا القبور فإنّها تذكّركم الموت» [19] . 3 _ وروي أن عائشة قالت: إنّ رسول الله رخّص في زيارة القبور [20] . ويستفاد من هذه الطائفة أن النبي (صلي الله عليه وآله) كان قد نهي عن زيارة القبور نهياً مؤقتاً ثم رفع النهي وحبّذ زيارة القبور في ما بعد. ويذكر أن العلّة في النهي المؤقت ترجع الي أن المسلمين كانوا حديثي عهد بالإسلام، فكانوا ينوحون علي قبور موتاهم نياحة باطلة تخرجهم من نطاق الشريعة، ولما تركّز الإسلام في قلوبهم وأنسوا بالشريعة والأحكام الإسلامية، ألغي النبي (صلي الله عليه وآله) ذلك النهي عن زيارة القبور بأمر الله تعالي لما فيها من الآثار الحسنة والنتائج الطيبة [21] .
إنّ المتتبع لسيرة المسلمين في الصدر الأوّل قبل وبعد وفاة الرسول (صلي الله عليه وآله) سيجدها قائمة علي زيارة القبور، وإليك جملة من الشواهد التاريخية علي ذلك: 1 _ أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه علي القبر، فأخذ برقبته وقال: أتدري ما تصنع؟ قال: نعم، فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب الأنصاري (رضي الله عنه) _ فقال: جئت رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولم آت الحجر، سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: «لا تبكوا علي الدين إذا وليه أهله، ولكن أبكوا عليه إذا وليه غير أهله» [22] . 2 _ إن فاطمة (عليها السلام) جاءت الي قبر النبي (صلي الله عليه وآله) فأخذت قبضة من تراب القبر فوضعته علي عينيها وبكت [23] . 3 _ إن أعرابياً جاء الي قبر النبي (صلي الله عليه وآله) وحثا من ترابه علي رأسه، وخاطبه وقال: وكان في ما أنزل عليك: (ولو أنهم إذ
ظلموا أنفسهم جاءوك...) وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي، فنودي من القبر: قد غفر لك. وكان هذا بمحضر من علي أمير المؤمنين [24] . 4 _ إنّ بلالاً أتي قبر النبي (صلي الله عليه وآله) وجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمهما ويقبلهما [25] . 5 _ روي عن عبدالله بن أبي مليكة إن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت: يا اُم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبدالرحمن، فقلت لها: أليس كان نهي رسول الله (صلي الله عليه وآله) عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، كان قد نهي عن زيارة القبور، ثم أمر بزيارتها [26] . 6 _ ويستدل ابن تيمية علي شرعية زيارة قبر أبي بكر وعمر بن الخطاب بزيارة ابن عمر لقبريهما، بقوله: السلام علي أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب من جنس السلام علي سائر القبور. وكان ابن عمر يسلم علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعلي صاحبيه عند قدومه من السفر وكان يقول: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبه،ثم ينصرف. ومن ثم رأي من رأي من العلماء هذا جائزاً اقتداءً بالصحابة رضوان الله عليهم [27] . إذاً من خلال الرؤية القرآنية والأحاديث الشريفة وسيرة المسلمين، تثبت مشروعية زيارة قبور المؤمنين بشكل عام.
ويمكن الاستدلال علي شرعية زيارة القبور عن طريق مشروعية التوسل عند قبر النبي (صلي الله عليه وآله) باعتباره عبادة لا غبار عليها، وبإمكان الإنسان المسلم أن يتقرّب الي الله عن طريقها، وقد أكّدها القرآن الكريم في أكثر من آية، نذكر منها طلباً للاختصار قوله تعالي: (قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا) [28]
. نجد أن أبناء يعقوب قد طلبوا المغفرة من يعقوب، لكن ليس بمعزل عن القدرة الإلهية، وإنّما جعلوا يعقوب واسطة في طلب المغفرة بسبب كونه مقرّباً عند الله وذا جاه عنده سبحانه. وهذا واضح من خلال جواب يعقوب لأبنائه: (قال سوف استغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم) [29] . كما أكدت الأحاديث الشريفة أيضاً مشروعية التوسل. فعن أنس بن مالك قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول الله (صلي الله عليه وآله) فجلس عند رأسها فقال: رحمك الله يا اُمي بعد اُمي. وذكر ثناءه عليها وتكفينها ببرده، ثم دعا رسول الله (صلي الله عليه وآله) اُسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود لحفر القبر، فحفروا قبرها، فلما بلغوا اللّحد، حفره رسول الله (صلي الله عليه وآله) بيده، وأخرج ترابه بيده، فلمّا فرغ دخل رسول الله (صلي الله عليه وآله) فاضطجع فيه، ثم قال: «الله الذي يُحيي ويُميت وهو حيّ لا يموت، اغفر لاُمّي فاطمة بنت أسد، ووسّع عليها مدخلها بحق نبيّك والأنبياء الذين قبلي» [30] . أما سيرة المسلمين في التوسل بعد رسول الله فقد كانت جارية، فنجد أبا بكر بعدما توفي رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: اذكرنا يا محمد عند ربّك ولنكن في بالك [31] . وجاء في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقي بالعباس بن عبدالمطلب (رضي الله عنه) وقال: اللهم كنا نتوسل إليك بنبيّنا فتُسقينا، وأنّا نتوسل إليك بعم نبيّنا فاسقنا، قال: فيسقون [32] . وسأل المنصور العباسي مالك بن أنس _ إمام المالكية _ عن كيفية زيارة رسول الله (صلي الله عليه وآله) والتوسل به.. فقال لمالك: يا
أبا عبدالله أستقبل القبلة وأدعو، أم أستقبل رسول الله؟ فقال مالك في جوابه: لِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم الي يوم القيامة؟! بل استقبله واستشفع به فيشفعك الله، قال الله تعالي: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم...) [33] . فإذا كان التوسل من العبادات المشروعة وكان المسلمون يتوسلون بالرسول (صلي الله عليه وآله) والأنبياء والصالحين فالزيارة لقبره (صلي الله عليه وآله) تتضمن التوسل به، أو أن التوسل يتم بواسطة الزيارة لقبره الشريف احتذاءً بسيرة السلف الصالح.
تدعو الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة الي زيارة قبر الرسول (صلي الله عليه وآله) والسؤال عنده، بالإضافة الي إجماع عامة المسلمين خلفاً عن سلف من عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) الي يومنا هذا، ولا يوجد من ينكر زيارة قبر الرسول (صلي الله عليه وآله) إلاّ الوهابية. فأمّا شهادة القرآن الكريم فقد قال تعالي: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) [34] . بهذه الآية يأمر القرآن الكريم المذنبين بأن يحضروا عند رسول الله ويسألوا منه أن يستغفر لهم; لأن دعاء النبي مستجاب فيهم. ولم تكن هذه الآية خاصة بحياة النبي وفترة وجوده بين الناس بل نستخلص منها حكماً عاماً وشاملاً يتعدي حياة النبي (صلي الله عليه وآله). لأن القرآن الكريم يصرح بحياة الأنبياء والأولياء في الحياة البرزخية ويعتبرهم مبصرين وسامعين في ذلك العالم، بالإضافة الي ورود كثير من الأحاديث الشريفة التي تصرح بأن الملائكة تبلّغ خاتم الأنبياء (صلي الله عليه وآله) سلامَ من يسلّم عليه [35] . فقد جاء في الصحاح: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: «ما من أحد يُسلّم عليَّ إلاّ ردّ الله
عليَّ روحي حتي أردّ عليه السلام» [36] . وجاء عنه أيضاً: «صلّوا عليَّ فإنَّ صلاتكم تبلغني حيث كنتم» [37] . ويروي أبو سعيد السمعاني عن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): إنّ أعرابياً جاء بعد ثلاثة أيام من دفن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فرمي بنفسه علي القبر الشريف وحثا من ترابه علي رأسه وقال: يا رسول الله قلت فسمعنا قولك، ووعيت عن الله ما وعينا عنك وكان فيما أنزله عليك: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم...) وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي الي ربي [38] . من هنا يجوز للإنسان أن يقف عند قبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد وفاته ويسأل منه أن يستغفر الله له، وبهذا يثبت جواز الزيارة لقبر الرسول (صلي الله عليه وآله) لأن حقيقتها تعني حضور الزائر عند المزور. أمّا الأحاديث التي وردت في الصحاح حول زيارة قبر الرسول (صلي الله عليه وآله) فكثيرة جداً نقتصر علي ذكر بعض منها: 1 _ عن عبدالله بن عمر: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: «من زار قبري وجبت له شفاعتي» [39] . 2 _ قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «من جائني زائراً (لا تحمِلُهُ) إلاّ زيارتي، كان حقاً عليَّ أن أكون شفيعاً له يوم القيامة» [40] . 3 _ وعن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه قال: «من حجّ ولم يزرني فقد جفاني» [41] . 4 _ وعن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه قال: «من حجّ فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي» [42] . الوهابية وزيارة قبر النبي (صلي الله عليه وآله) استدل ابن تيمية ومن تبعه [43] في
تطرّفه علي حرمة زيارة قبر النبي (صلي الله عليه وآله) بالحديث المنقول عن أبي هريرة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله). «لا تُشدّ الرحال إلاّ الي ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصي» [44] . وعلق ابن تيمية علي هذا الحديث قائلاً: (هذا الحديث صحيح اتفق الأئمة علي صحته والعمل به، فلو نذر الرجل أن يصلي بمسجد أو مشهد أو يعتكف فيه ويسافر إليه غير المساجد الثلاثة لم يجب عليه ذلك باتفاق الأئمة) [45] . لا شك في وجود هذا الحديث في الصحاح ولسنا الآن في مقام المناقشة في سنده، بل مقصودنا هو مفاد الحديث. ولنفترض أن نص الحديث هو: «لا تُشدُّ الرحال إلاّ الي ثلاثة مساجد...» فمن الثابت أن «إلاّ» هي أداة الاستثناء ولابد من وجود المستثني منه، ويجب تحديده، وبما أنه مفقود في النص فلا بد من تقديره في الكلام. وقبل الإشارة الي القرائن الموجودة يمكن تقدير المستثني منه في صورتين: 1 _ لا تُشدّ الرحال الي مسجد من المساجد إلاّ ثلاثة مساجد... 2 _ لا تُشدّ الرحال الي مكان من الأمكنة إلاّ الي ثلاثة مساجد... إن فهم الحديث والوقوف علي معناه يتوقف علي أحد هذين التقديرين. فإن اخترنا التقدير الأول كان معني الحديث عدم شد الرحال الي أيّ مسجد من المساجد سوي المساجد الثلاثة، ولا يعني عدم جواز شدّ الرحال الي أيّ مكان حتي لو لم يكن مسجداً. فلا يشمل النهي مَن يشدّ الرحال لزيارة الأنبياء والأئمة الطاهرين والصالحين، لأن موضوع البحث هو شدّ الرحال الي المساجد _ باستثناء المساجد الثلاثة المذكورة _ وأمّا شدّ الرحال الي زيارة المشاهد المشرّفة فليس مشمولاً للنهي ولا داخلاً في موضوعه. هذا علي التقدير
الأول. وأمّا علي التقدير الثاني فلازمه أن تكون كافة السفرات المعنوية _ ما عدا السفر الي المناطق الثلاث المذكورة _ محرّمة، سواءً كان السفر من أجل زيارة المسجد أو زيارة مناطق اُخري. ولكن القرائن والدلائل تُشير الي أن التقدير الأول هو الصحيح، بناءً علي صحة سند الحديث واعتباره. أمّا القرائن علي صحة التقدير الأوّل فهي كالآتي: أولاً: لأن المساجد الثلاثة هي المستثناة، والاستثناء هنا متّصل _ كما هو واضح _ فلابدّ أن يكون المستثني منه هو المساجد لا المكان [46] . ثانياً: لو كان الهدف هو منع كافة السفرات المعنويّة لما صحّ الحصر في هذا المقام، لأن الإنسان يشدّ الرحال في موسم الحجّ للسفر الي «عرفات» و «المشعر» و «مني» فلو كانت السفرات الدينية _ لغير المساجد الثلاثة _ محرّمة، فلماذا يُشدّ الرحال الي هذه المناطق؟! ألا يكون هذا شاهداً علي أن الحديث بهذا النحو منحولٌ علي النبي (صلي الله عليه وآله). ثالثاً: لقد أشار القرآن الكريم والأحاديث الشريفة الي بعض الأسفار الدينية، وجاء التحريض عليها والترغيب فيها، كالسفر من أجل الجهاد في سبيل الله وطلب العلم وصلة الرحم وزيارة الوالدين وما شابه ذلك. فمن ذلك قوله تعالي: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون) [47] . ولهذا فقد فسّر كبار الباحثين والمحققين الحديث المذكور بما أشرنا إليه. قال الغزالي _ في كتابه إحياء العلوم _ وهو: أن يسافر لأجل العبادة إمّا لحجّ أوجهاد.. ويدخل في جملته: زيارة قبور الأنبياء (عليهم السلام)، وزيارة قبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء. وكلّ من يُتبرّك بمشاهدته في حياته يُتبرّك بزيارته بعد وفاته، ويجوز
شدّ الرحال لهذا الغرض، ولا يمنع من هذا قوله (صلي الله عليه وآله): «لا تُشدّ الرحال إلاّ الي ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصي» لأن ذلك في المساجد، فإنها متماثلة[ في الفضيلة]بعد هذه المساجد، وإلاّ فلا فرق بين زيارة قبور الأنبياء والأولياء والعلماء في أصل الفضل، وإن كان يتفاوت في الدرجات تفاوتاً عظيماً بحسب اختلاف درجاتهم عند الله [48] . من هنا.. فإن المنهيَّ عنه _ في هذا الحديث _ هو شدّ الرحال الي غير المساجد الثلاثة، من المساجد الاُخري، ولا علاقة له بالسفر الي المساجد أو البقاع المباركة للزيارة أو لأهداف معنويّة اُخري. ويدلّ عليه ما رواه أصحاب الصحاح والسُنن أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان يأتي مسجد قُبا راكباً وماشياً فيصلّي فيه ركعتين [49] . ولنا أن نتساءل: كيف يمكن أن يكون شدّ الرحال وقطع المسافات من أجل إقامة الصلاة _ مخلصاً لله _ في بيت من بيوته سبحانه حراماً ومنهيّاً عنه؟!! وإذا كانت الصلاة في المسجد مستحبّة فإن مقدمة المستحبّ مستحبّة أيضاً [50] . ومن هنا لا يلتزم الوهابيون بتحريم زيارة قبر الرسول (صلي الله عليه وآله) بقول مطلق; بل نجدهم يعترفون بأصل الزيارة ومشروعيتها، إلاّ أن السفر لأجلها يعدّونه حراماً. قال محمد بن عبدالوهاب: تُسن زيارة النبي (صلي الله عليه وآله) إلاّ أنه لا يُشدّ الرحال إلاّ لزيارة المسجد والصلاة فيه [51] . أما ابن تيمية فيقول: وأما قبور الأنبياء والصالحين فلا يستحب إتيانها للصلاة عندها والدعاء عند أحد من أئمة الدين، بل ذلك منهي عنه في الأحاديث الصحيحة، كما ذكر غير واحد من العلماء، ولكن يجوز أن تزار القبور للدعاء لها، كما كان النبي (صلي الله
عليه وآله) يزور أهل البقيع [52] . ويقسّم ابن تيمية الزيارة الي قبر الرسول (صلي الله عليه وآله) من حيث نية المسافر وقصده، الي ثلاثة أنحاء: 1 _ سفر يقصد منه الصلاة في مسجد النبي (صلي الله عليه وآله) فهذا مشروع بالنص والإجماع. 2 _ سفر يقصد منه السفر الي مسجده وقبره (صلي الله عليه وآله) فهذا قد قصد مستحباً مشروعاً بالإجماع. 3 _ سفر لا يقصد منه إلاّ القبر فهذا مورد النزاع، فمالك والأكثرون يحرّمون هذا السفر، وكثير من الذين يحرّمونه لا يجوّزون قصر الصلاة فيه، وآخرون يجعلونه سفراً جائزاً وإن كان غير مستحب ولا واجب النذر [53] . وبهذا الصدد نجد الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء يرد علي ابن تيمية بما نصّه: «فمن وقف عند الحجرة المقدسة ذليلاً مسلّماً، مصلّياً علي نبيّه، فيا طوبي له، فقد أحسن الزيارة، وأجمل في التذلّل والحب، وقد أتي بعبادة زائدة علي من صلي عليه في أرضه أو في صلاته، إذ الزائر له أجر الزيارة وأجر الصلاة عليه، والمصلي عليه في سائر البلاد له أجر الصلاة فقط. فمن صلّي عليه واحدة صلي الله عليه عشراً. ولكن من زاره _ صلوات الله عليه _ وأساء أدب الزيارة، أو سجد للقبر أو فعل ما لا يُشرع، فهذا فَعل حَسَناً وسيئاً فيُعلّم برفق والله غفور رحيم، فوالله ما يحصل الانزعاج لمسلم، والصياح وتقبيل الجدران، وكثرة البكاء، إلاّ وهو محبٌّ لله ولرسوله، فحبّه المعيار والفارق بين أهل الجنة وأهل النار. فزيارة قبره (صلي الله عليه وآله) من أفضل القُرب _ وشد الرحال الي قبور الأنبياء والأولياء _ لئن سلمنا أنه غير مأذون فيه لعموم قوله صلوات الله عليه «لا تشدّوا الرحال
إلاّ الي ثلاثة مساجد...» _ فشدّ الرحال الي قبر نبيّنا (صلي الله عليه وآله) مستلزم لشد الرحل الي مسجده، وذلك مشروع بلا نزاع، إذ لا وصول الي حجرته إلاّ بعد الدخول الي مسجده، فليبدأ بتحية المسجد ثم بتحية صاحب المسجد رزقنا الله وإيّاكم ذلك آمين» [54] . وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط معلّقاً علي كلمة الذهبي هذه في سير أعلام النبلاء ما نصّه: «قصد المؤلف (رحمه الله) بهذا الاستطراد الردّ علي شيخه ابن تيمية الذي يقول بعدم جواز شد الرحال لزيارة قبر النبي (صلي الله عليه وآله) ويري أنّ علي الحاج أن ينوي زيارة المسجد كما هو مبيّن في محله» [55] .
قد أجمع المسلمون قولاً وعملاً علي زيارة قبر النبي (صلي الله عليه وآله) بل استحباب زيارة قبور الأنبياء والصالحين وسائر المؤمنين، ومشروعيتها ملحق بالضروريات عند المسلمين، فضلاً عن الاجماع وسيرتهم القائمة عليها. قال السمهودي نقلاً عن السبكي: قال عياض: زيارة قبره (صلي الله عليه وآله) سنّة بين المسلمين. مجمع عليها، وفضيلة مرغوب فيها [56] . قال السبكي: وأجمع العلماء علي استحباب زيارة القبور للرجال كما حكاه النووي، بل قال بعض الظاهرية بوجوبها واختلفوا في النساء، وامتاز القبر الشريف بالأدلة الخاصة به، لهذا أقول: إنه لا فرق بين الرجال والنساء [57] .
وإليك جملة من أقوال العلماء الناصّة علي جواز زيارة القبور بل استحبابها عند عامة العلماء: 1 _ قال الإمام أبو عبدالله محمد بن ادريس الشافعي: ولا بأس بزيارة القبور، ولكن لا يقال عندها هجر، وذلك مثل الدعاء بالويل والثبور والنياحة، فإذا زرت فاستغفر للميت ويرقّ قلبك [58] . 2 _ يقول الحاكم: قد استقصيت في الحث علي زيارة القبور تحرياً للمشاركة في الترغيب، وليعلم الشحيح بذنبه أنها سنّة مسنونة [59] . 3 _ قال الشيخ زين الدين الشهير (بابن نجيم المصري): ولا بأس بزيارة القبور والدعاء للأموات، وصرح في المجتبي، بأنها مندوبة وقيل: تحرم علي النساء، والأصح أن الرخصة ثابتة لهما [60] . 4 _ قال منصور علي ناصف: الأمر في زيارة القبور للندب عند الجمهور [61] . 5 _ قال ابن حزم: وتستحب زيارة القبور، وهو فرض ولو مرة، وقد صح عن اُم المؤمنين وابن عمر وغيرهما زيارة القبور، وروي عن عمر النهي عن ذلك ولم يصح [62] . 6 _ قال أبو حامد الغزالي: زيارة القبور مستحبة علي الجملة للتذكّر والاعتبار،
وزيارة قبور الصالحين مستحبة لأجل التبرك مع الاعتبار [63] . 7 _ قال عبدالرحمن الجزيري: زيارة القبور مندوبة للاتّعاظ وتذكّر الآخرة وتتأكد يوم الجمعة ويوماً قبلها ويوماً بعدها عند الحنفية والمالكية، وخالف الحنابلة والشافعية ذلك: الحنابلة قالوا: لا تتأكد الزيارة في يوم دون يوم. الشافعية قالوا: تتأكد من عصر يوم الخميس الي طلوع شمس يوم السبت، ولهذا قول راجح عند المالكية [64] . 8 _ مذهب أهل البيت (عليهم السلام):يتأكد استحباب ذلك[زيارة القبور ]يوم الاثنين وغداة السبت، تأسياً بالنبي (صلي الله عليه وآله) [65] فإنه كان يخرج في ملأ من الناس من أصحابه كل عشية خميس الي بقيع المدنيين، فيقول: «السلام عليكم يا أهل الديار ثلاثاً رحمكم الله ثلاثاً» [66] . أما كيف يزور الشيعة مقابر أئمتهم؟ وهل الزيارة للأئمة تؤدي الي سوء الأدب المخالف للدين؟ أو أنها تنمّي روح الشرك _ معاذ الله _ به سبحانه؟ توجد نماذج متعددة من الزيارات التي ورثها الشيعة الإمامية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، والتي يُراعي فيها المناسبة والشخص الذي يُزار. والملاحظ لتلك النماذج من الزيارات والمعتمدة منها بشكل خاص سيجدها أنها ذات قيمة في تنمية الاعتقاد بالتوحيد وتأصيله في عقل ونفس الزائر، كما أنها عبادة تساهم في تنمية روح الايمان بالله سبحانه والانشداد إليه تعالي. وإليك نموذجاً واحداً من تلك الزيارات; وهي الزيارة المعروفة (بزيارة أمين الله) وهي زياره حافلة بقوة المعني وسلامة الفكرة ولغة التوحيد ومحاكات القلب وتحريك المشاعر، وأنها لوحة خالدة يعتز بها الشيعة الإمامية ويحفظونها عن ظهر قلب، لما تحمله تلك الزيارة من قيمة في ربط المسلم بالله وبأوليائه سبحانه. لذا يعتبرها صاحب (مفاتيح الجنان) من الزيارات التي هي في غاية الاعتبار، أما
المجلسي صاحب كتاب (بحار الأنوار) فيقول: إنها من أحسن الزيارات سنداً ومتناً، وهي مروية عن جابر عن الإمام الباقر (عليه السلام) وقد زار الإمام زين العابدين بها جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) [67] وإليك نص الزيارة: «السلام عليك يا أمين الله في أرضه وحجته علي عباده[السلام عليك يا أمير المؤمنين ]أشهد أنّك جاهدت في الله حق جهاده، وعملت بكتابه واتّبعت سُنن نبيّه صلي الله عليه وآله حتي دعاك الله الي جواره فقبضك إليه باختياره وألزم أعداءك الحجة مع ما لك من الحُجج البالغة علي جميع خلقه. اللهم فاجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك، مُولعة بذكرك ودعائك، محبة لصفوة أوليائك، محبوبة في أرضك وسمائك، صابرة علي نزول بلائك، شاكرة لفواضل نعمائك، ذاكرة لسوابغ آلائك، مشتاقة الي فرحة لقائك، متزوّدة التقوي ليوم جزائك، مُستنّة بسنن أوليائك، مفارقة لأخلاق أعدائك، مشغولة عن الدنيا بحمدك وثنائك. اللهم إن قلوب المخبتين إليك والهة، وسبل الراغبين إليك شارعة، وأعلام القاصدين إليك واضحة، وأفئدة العارفين منك فازعة، وأصوات الداعين إليك صاعدة، وأبواب الإجابة لهم مُفتحة، ودعوة من ناجاك مستجابة، وتوبة من أناب إليك مقبولة، وعبرة من بكي من خوفك مرحومة، والإغاثة لمن استغاث بك موجودة، والإعانة لمن استعان بك مبذولة، وعداتك لعبادك منجزة، وزلل من استقالك مقالة، وأعمال العاملين لديك محفوظة، وأرزاقك الي الخلائق من لدنك نازلة، وعوائد المزيد إليهم واصلة، وذنوب المستغفرين مغفورة، وحوائج خلقك عندك مقضية، وجوائز السائلين عندك موفّرة، وعوائد المزيد متواترة، وموائد المستطعمين مُعدة، ومناهل الظِّماءِ مترعة. اللّهم فاستجب دعائي واقبل ثنائي واجمع بيني وبين أوليائي بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، إنك ولي نعمائي ومنتهي مُناي، وغاية رجائي في منقلبي ومثواي. وقد ذُيّلت
في كتاب كامل الزيارات بما يلي: «أنت إلهي وسيدي ومولاي، اغفر لأوليائنا، وكفّ عنّا أعداءنا واشغلهم عن أذانا، وأظهر كلمة الحق واجعلها العُليا، وادحض كلمة الباطل واجعلها السفلي، إنك علي كلّ شيء قدير.
إن ظاهرة زيارة القبور لم تقتصر علي المجتمع الديني، بل تشمل كل المجتمعات. والشريعة المقدسة قد أقرّتها بل اهتمّت بها. والثابت عن الرسول أنه (صلي الله عليه وآله) كان يزور قبور الموتي كقبر اُمه وقبور الموتي في البقيع. أما سيرة المسلمين فقد كانت مستمرة علي زيارة قبور الموتي من الأنبياء والصالحين من حياة رسول الله وبعد وفاته وحتي يومنا هذا. ثم إن زيارة قبر الرسول (صلي الله عليه وآله) فالثابت شرعيتها بالأدلة القرآنية والأحاديث الشريفة، وأنها لا تختص بحياة الرسول ولا بالدعاء له بل تمتد الي بعد وفاته ثم سؤاله بشتي الدعوات. ولا يستقيم قول ابن تيمية في تحريمه زيارة قبر الرسول (صلي الله عليه وآله)، لمخالفته القرآن الكريم والأحاديث النبوية وسيرة المسلمين وإجماع العلماء علي استحبابه.
[1] المستدرك للحاكم: 1 / 375، كتاب الجنائز في زيارة القبور.
[2] يونس: 92.
[3] الكشاف للزمخشري: 2/369.
[4] سنن ابن ماجة: 1 / 501 باب 47 حديث 1571.
[5] المستدرك للحاكم: 1 / 376، كتاب الجنائز.
[6] المصدر السابق.
[7] المصباح المنير: 260، مادة (زور).
[8] تاج العروس: 3/245 فصل الزاي باب الراء.
[9] لسان العرب: 4/335، فصل الزاي عنوان زور. [
[10] المصباح المنير: 260، مادة (زور).
[11] التوبة: 84.
[12] راجع زيارة القبور علي ضوء الكتاب والسنة: 127.
[13] البيان: 520 رواه الشيخ الديلمي، كنز العمال: 13/656، ح 42601.
[14] تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر: 7/292. ط بيروت.
[15] السنن الكبري للبيهقي: 4/131، ح 7207.
[16] رواه مسلم في صحيحه: 3/65، كتاب الجنائز مع اختلاف يسير، سنن ابن ماجة، تحقيق د. بشار: 3/78 كتاب الجنائز باب 36، ح 1547، المنتقي من اخبار المصطفي: 2/116.
[17] صحيح مسلم: 3/64 باب ما يقال عند دخول القبور، والسنن للنسائي: 3/76.
[18] سنن ابن ماجة:
1/114 أبواب الجنائز.
[19] صحيح مسلم: 3 / 65، باب استئذان النبي ربّه عزّ وجل في زيارة قبر اُمه.
[20] صحيح أبي داود: 2 / كتاب الجنائز باب زيارة القبور: ح1955.
[21] راجع زيارة القبور في الكتاب والسنة: 128.
[22] رواه الحاكم في المستدرك: 4/515.
[23] كشف الارتياب: 436 نقلاً عن تحفة ابن عساكر.
[24] وفاء الوفاء للسمهودي: 2/1361.
[25] اُسد الغابة: 1/208.
[26] السنن الكبري للبيهقي: 4/131، باب 170، ح 7207.
[27] تنبيه زائر المدينة: 27 نقلاً عن الجواب الباهر في زيارة المقابر لابن تيمية: 60.
[28] يوسف: 97.
[29] يوسف: 98.
[30] كشف الارتياب: 312 نقلاً عن وفاء الوفاء، والدرر السنية: 8.
[31] الدرر السنية في الرد علي الوهابية: 36.
[32] صحيح البخاري: باب صلاة الاستسقاء: 2/32 الحديث 947.
[33] عن وفاء الوفاء: 2/1376.
[34] النساء: 64.
[35] راجع زيارة القبور في الكتاب والسنّة: 129 وما بعدها.
[36] سنن أبي داود: 1 / 470 _ 471 كتاب الحج باب زيارة القبور.
[37] التاج الجامع للاُصول في أحاديث الرسول: 2/189.
[38] الجوهر المنظم لابن حجر وذكره السمهودي في وفاء الوفاء: 2/612 ودحلان في الدرر السنية: 21.
[39] الفقه علي المذاهب الأربعة: 1 / 590 وقد أفتي علماء المذاهب الأربعة وفقاً لهذا الحديث، راجع كتاب وفاء الوفاء: 4/1336.
[40] راجع تقي الدين السبكي في شفاء السقام: 3 _ 11. حول اسناد هذا الحديث ورواته. وكذلك السمهودي في وفاء الوفاء: 4/1340.
[41] وفاء الوفاء: 4/1342.
[42] وفاء الوفاء: 4/1340.
[43] كمحمد بن عبدالوهاب في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية، روي الحديث في أكثر من صورة.
[44] صحيح مسلم: 4 / 126 كتاب الحج باب لا تشد الرحال. وذكره أبو داود في سننه: 1 / 469 كتاب الحج. والنسائي في سننه مع شرح السيوطي: 2/37 _ 38.
[45] ابن تيمية في الرد علي
الاخنائي: 27.
[46] لو قال قائل: ما جاء إلاّ زيد، فالمستثني منه _ في هذه الجملة _ هو: الإنسان أو القوم أو مشابه ذلك، وليس المستثني منه كلمة عامة كالشيء والموجود، سواء كان إنساناً أو غيره.
[47] التوبة: 122.
[48] كتاب إحياء علوم الدين للغزالي: 2/ 247، كتاب آداب السفر، طبعة دار المعرفة بيروت، الفتاوي الكبري: 2/24.
[49] صحيح مسلم: 4/127، وراجع في هذا المعني صحيح البخاري: 2/76، السُنن للنسائي المطبوع مع شرح السيوطي: 2/37.
[50] راجع الوهابية في الميزان: 148 _ 152.
[51] الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية لمحمد بن عبدالوهاب.
[52] ابن تيمية في الرد علي الاخنائي، والفتاوي الكبري لابن تيمية: 1/118 _ 122.
[53] ابن تيمية في الرد علي الاخنائي: 16.
[54] سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي: 4/484.
[55] البشارة والاتحاف بما بين ابن تيمية والالباني في العقيدة من الاختلاف لحسن بن علي السقاف: 55.
[56] الشفا للقاضي عياض: 2/83.
[57] شفاء السقام للسبكي: 69، 70، ط استانبول 1318 ه_.
[58] معرفة السنن والآثار للشافعي: 3/203، باب زيارة القبور.
[59] مستدرك الحاكم: 1/377.
[60] البحر الرائق في شرح كنز الدقائق: 2/195.
[61] التاج للجامع للاُصول: 1/381.
[62] المحلي: 5/160 المسألة 600.
[63] احياء العلوم: 4/521.
[64] الفقه علي المذاهب الأربعة: 1/540 خاتمة في زيارة القبور.
[65] جواهر الكلام: 4/321 كتاب الطهارة، استحباب زيارة القبور.
[66] وسائل الشيعة للحر العاملي: 3/223 ح 3467.
[67] راجع كتاب مفاتيح الجنان المعرب: 350.